الكتاب: المبدع في شرح المقنع المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين (المتوفى: 884هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «المقنع لموفق الدين بن قدامة» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - «المبدع في شرح المقنع» لابن مفلح ---------- المبدع في شرح المقنع ابن مفلح، برهان الدين الكتاب: المبدع في شرح المقنع المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين (المتوفى: 884هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «المقنع لموفق الدين بن قدامة» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - «المبدع في شرح المقنع» لابن مفلح [مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّف] الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَحْمُودِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، الدَّائِمِ الْبَاقِي بِلَا زَوَالٍ، الْمُوجِدِ خَلْقَهُ   [المبدع في شرح المقنع] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ، الْحَبْرُ الْمُحَقِّقُ، وَالْمُجْتَهِدُ الْمُدَقِّقُ، كَاشِفُ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ، مُبَيِّنُ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، إِمَامُ الْأَئِمَّةِ وَزَاهِدُهَا، وَجَهْبَذُ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَنَاقِدُهَا، أُسْتَاذُ عُلَمَاءِ الْآفَاقِ، وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ، الْمَخْصُوصُ بِالْمَوَاهِبِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْقَائِمُ بِأَعْبَاءِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، قَاضِي الْقُضَاةِ، بُرْهَانُ الدِّينِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ، بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَعَلَّمَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَ الْعِلْمِ وَعَظَّمَهُ، وَوَفَّقَ لِلتَّفَقُّهِ فِي دِينِهِ مَنِ اخْتَارَهُ وَفَهَّمَهُ. أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَعْصِمُ مِنْ نِقَمِهِ، وَيَتَكَفَّلُ بِدَوَامِ نِعَمِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، عَالِمُ خَفِيَّاتِ الْأَسْرَارِ، وَغَافِرُ الْخَطِيئَاتِ وَالْأَوْزَارِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَحَبِيبُهُ، وَخَلِيلُهُ، الدَّاعِي إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ، وَالْكَاشِفُ بِرِسَالَتِهِ جَلَابِيبَ الْغُمَّةِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - الْكِرَامِ، وَأَصْحَابِهِ الْحَائِزِينَ مِنْ رِضَى اللَّهِ أَقْصَى الْمَرَامِ، وَسَلَّمَ وَكَرَّمَ، وَشَرَّفَ وَعَظَّمَ. وَبَعْدُ; فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ فِي الْعِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ، وَآكَدِ الْعِبَادَاتِ، خُصُوصًا عِلْمَيِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، الَّذِي بِهِ قِوَامُ الْأَنَامِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْعَمَلِ بِالْأَوْلَى وَالْأُخْرَى، وَتَحْصُلُ بِهِ السَّعَادَةُ فِي الْأُولَى، وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ فِي الْأُخْرَى. وَكُنْتُ قَرَأْتُ فِيهِ كِتَابَ " الْمُقْنِعِ " لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْعَلَّامَةِ مُوَفَّقِ الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ قُدَامَةَ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ بُحْبُوحَةَ جَنَّتِهِ. وَهُوَ مِنْ أَجَلِّهَا تَصْنِيفًا، وَأَجْمَلِهَا تَرْصِيفًا، وَأَغْزَرِهَا عِلْمًا، وَأَعْظَمِهَا تَحْرِيرًا، وَأَحْسَنِهَا تَرْتِيبًا وَتَقْرِيرًا. فَتَصَدَّيْتُ لِأَنْ أَشْرَحَهُ شَرْحًا يُبَيِّنُ حَقَائِقَهُ، وَيُوَضِّحُ دَقَائِقَهُ، وَيُذَلِّلُ مِنَ اللَّفْظِ صِعَابَهُ، وَيَكْشِفُ عَنْ وَجْهِ الْمَعَانِي نِقَابَهُ، أُنَبِّهُ فِيهِ عَلَى تَرْجِيحِ مَا أُطْلِقَ، وَتَصْحِيحِ مَا أُغْلِقَ. وَاجْتَهَدْتُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الِاخْتِصَارِ خَوْفَ الْمَلَلِ وَالْإِضْجَارِ، وَوَسَمْتُهُ بِـ: " الْمُبْدِعِ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ "، وَاللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ، وَيَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [الْكَلَامُ عَلَى الْحَمْدِ لِلَّهِ] قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْحَمْدُ) افْتَتَحَ كِتَابَهُ بَعْدَ التَّبَرُّكِ بِالْبَسْمَلَةِ بِحَمْدِ اللَّهِ أَدَاءً لِحَقٍّ مُنْبِئٍ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ شُكْرِ نَعْمَائِهِ الَّتِي تَأْلِيفُ هَذَا الْمُخْتَصَرِ أَثَرٌ مِنْ آثَارِهَا، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَمَعْنَى " ذِي بَالٍ " أَيْ: حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ، وَالْأَجْذَمُ، بِالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الْأَقْطَعُ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ. وَالْحَمْدُ: هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ، سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالنِّعْمَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَالشُّكْرُ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ، لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا، سَوَاءٌ كَانَ بِاللِّسَانِ، أَوْ بِالْجَنَانِ، أَوْ بِالْأَرْكَانِ، فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ هُوَ اللِّسَانُ وَحْدَهُ، وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَغَيْرُهَا، وَالشُّكْرُ يَعُمُّ اللِّسَانَ وَغَيْرَهُ، وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ فَقَطْ، فَالْحَمْدُ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقِ، وَأَخَصُّ بِاعْتِبَارِ الْمَوْرِدِ، وَعَكْسُهُ الشُّكْرُ، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَادَّةٍ، وَهُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ، وَيَفْتَرِقَانِ فِي صِدْقِ الْحَمْدِ فَقَطْ، عَلَى الْوَصْفِ بِالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ، وَصِدْقِ الشُّكْرِ فَقَطْ، عَلَى الثَّنَاءِ بِالْجَنَانِ أَوِ الْأَرْكَانِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ. وَقِيلَ: الْحَمْدُ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ، وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ. وَنَقِيضُ الْحَمْدِ: الذَّمُّ، وَنَقِيضُ الشُّكْرِ: الْكُفْرُ. وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعُمُومِ، أَيْ: يَسْتَحِقُّ الْمَحَامِدَ كُلَّهَا، وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهِ، فَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ " الْحَمَدَةِ " وَهِيَ شِدَّةُ لَهَبِ النَّارِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: هُوَ مَقْلُوبٌ مِنَ " الْمَدْحِ " كَقَوْلِهِمْ: مَا أَطْيَبَهُ وَأَيْطَبَهُ. (لِلَّهِ) اسْمٌ لِلذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ، الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلِ: الْحَمْدُ لِلْخَالِقِ، أَوْ لِلرَّزَّاقِ مِمَّا يُوهِمُ بِاخْتِصَاصِ اسْتِحْقَاقِهِ الْحَمْدَ بِوَصْفٍ دُونَ وَصْفٍ. وَنَقَلَ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ، لِأَنَّهُ فِي سَائِرِ تَصَارِيفِهِ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ. وَذَهَبَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُشْتَقٍّ، وَذَهَبَ آخَرُونَ وَحَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ إِلَى خِلَافِهِ، فَقِيلَ: هُوَ مِنْ أَلَهَ بِالْفَتْحِ " إِلَاهَةً "، أَيْ: عَبَدَ عِبَادَةً، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِبَادَةَ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: أَلَهْتُ إِلَى فُلَانٍ أَيْ: سَكَنْتُ إِلَيْهِ، وَأَصْلُهُ: إِلَهٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] فَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، فَصَارَ " الْإِلَهُ "، ثُمَّ أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ، ثُمَّ سُكِّنَتْ، وَأُدْغِمَتْ فِي اللَّامِ الثَّانِيَةِ، فَصَارَ " اللَّهَ " بِالتَّرْقِيقِ، ثُمَّ فُخِّمَ إِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا، فَقِيلَ: " اللَّهُ " كَذَا قَرَّرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ. وَهُوَ عَرَبِيٌّ خِلَافًا لِلْبَلْخِيِّ فِي تَعْرِيبِهِ مِنَ السُّرْيَانِيَّةِ. (الْمَحْمُودِ) هُوَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْأَوْلَى جَرُّهُ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ مِنَ الصِّفَاتِ. (عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ، الْعَالِمِ بِعَدَدِ الْقَطْرِ، وَأَمْوَاجِ الْبِحَارِ، وَذَرَّاتِ الرِّمَالِ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَلَا تَحْتَ أَطْبَاقِ الْجِبَالِ، عَالِمِ الْغَيْبِ   [المبدع في شرح المقنع] كُلِّ حَالٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ، قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» . (الدَّائِمِ) قَالَ تَعَالَى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} [الرعد: 35] أَيْ: مُسْتَمِرٌّ، وَلَمَّا كَانَ أَحَقُّ الْأَشْيَاءِ بِالدَّوَامِ هُوَ اللَّهُ، كَانَ الدَّائِمُ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى. (الْبَاقِي) قَالَ تَعَالَى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] وَالدَّوَامُ أَعَمُّ مِنَ الْبَقَاءِ، لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَيُسَمَّى أَزَلِيًّا، وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيُسَمَّى أَبَدِيًّا. (بِلَا زَوَالٍ) ، أَيْ: بِلَا انْفِصَالٍ، (الْمُوجِدِ) هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَوْجَدَ، (خَلْقَهُ) ، أَيْ: مَخْلُوقَاتِهِ، إِذِ الْمَصْدَرُ يَرِدُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، كَقَوْلِهِمُ: الدِّرْهَمُ ضَرْبُ الْأَمِيرِ، أَيْ مَضْرُوبُهُ. (عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ) سَبَقَ، لِأَنَّهُ أَنْشَأَهَا مِنَ الْعَدَمِ، لِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ. (الْعَالِمِ) هُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَوْصَافِهِ الذَّاتِيَّةِ، لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِهِ، وَلَا يُوصَفُ بِنَقِيضِهِ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِعِلْمٍ، وَعِلْمُهُ قَدِيمٌ، لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ، وَلَا نَظَرِيٍّ، وِفَاقًا. (بِعَدَدِ) يُقَالُ: عَدَدْتُ الشَّيْءَ عَدًّا: أَحْصَيْتُهُ، وَالِاسْمُ: الْعَدَدُ، وَالْعَدِيدُ، يُقَالُ: هُمْ عَدِيدُ الْحَصَى وَالثَّرَى، أَيْ: فِي الْكَثْرَةِ. (الْقَطْرِ) جَمْعُ قَطْرَةٍ، وَهُوَ الْمَطَرُ، وَقَدْ قَطَرَ الْمَاءُ، يَقْطُرُ قَطْرًا، وَقَطَرْتُهُ أَنَا، يَتَعَدَّى، وَلَا يَتَعَدَّى. (وَأَمْوَاجِ) يُقَالُ: مَاجَ الْبَحْرُ، يَمُوجُ مَوْجًا: إِذَا اضْطَرَبَ وَكَذَلِكَ النَّاسُ يَمُوجُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (الْبَحْرِ) هُوَ خِلَافُ الْبَرِّ، يُقَالُ: يُسَمَّى بِهِ لِعُمْقِهِ وَاتِّسَاعِهِ، وَالْجَمْعُ أَبْحُرٌ، وَبِحَارٌ، وَبُحُورٌ، وَكُلُّ نَهْرٍ عَظِيمٍ بَحْرٌ، وَيُسَمَّى الْفَرَسُ الْوَاسِعُ الْجَرْيِ بَحْرًا، وَمَاءٌ بَحْرٌ، أَيْ: مِلْحٌ، وَتَبَحَّرَ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ.، أَيْ: تَعَمَّقَ فِيهِ وَتَوَسَّعَ. (وَذَرَّاتِ الرِّمَالِ) الذَّرَّاتُ: وَاحِدُهَا ذَرَّةٌ، وَهِيَ صُغْرَى النَّمْلِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الرَّمْلِ تَشْبِيهًا. (لَا يَعْزُبُ) هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ وَكَسْرِهَا، أَيْ: لَا يَبْعُدُ وَلَا يَغِيبُ (عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ) أَيْ: زِنَةُ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ (فِي الْأَرْضِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ عَلَى قَرْنِ ثَوْرٍ، وَالثَّوْرُ وَاقِفٌ عَلَى ظَهْرِ نُونٍ، وَالْحُوتُ فِي الْمَاءِ، وَالْمَاءُ عَلَى ظَهْرِ صَفَا، وَالصَّفَا عَلَى ظَهْرِ مَلَكٍ، وَالْمَلَكُ عَلَى صَخْرَةٍ، وَالصَّخْرَةُ عَلَى الرِّيحِ، وَهِيَ الصَّخْرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا لُقْمَانُ لَيْسَتْ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) . قَالَ الْحُكَمَاءُ: الْأَرْضُ جِسْمٌ بَسِيطٌ كُرِّيٌّ بَارِدٌ يَابِسٌ، يَتَحَرَّكُ إِلَى الْوَسَطِ، وَلَوْلَا بُرُودَتُهَا وَيُبْسُهَا مَا أَمْكَنَ قَرَارُ الْحَيَوَانِ عَلَى ظَهْرِهَا، وَمَدَرَتِ الْمَعَادِنُ وَالنَّبَاتُ فِي بَطْنِهَا، وَخُلِقَتْ قَبْلَ السَّمَاءِ فِي قَوْلٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29] وَهِيَ سَبْعٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنِ اقْتَطَعَ مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ، طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» {وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5] قَالَ قَتَادَةُ: خُلِقَتْ قَبْلَ الْأَرْضِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: 27] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَآلِهِ خَيْرِ آلٍ   [المبدع في شرح المقنع] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] وَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأنعام: 1] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهُ تَعَالَى أَيْبَسَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ عَرْشُهُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَهُ أَرْضًا، وَثَارَ مِنْهُ دُخَانٌ، فَارْتَفَعَ فَجَعَلَهُ سَمَاءً، فَصَارَ خَلْقُ الْأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ، ثُمَّ قَصَدَ أَمْرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ إِذَا خَلَقَهَا غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ. (وَلَا تَحْتَ أَطْبَاقِ الْجِبَالِ) : وَاحِدُهَا جَبَلٌ، وَأَعْظَمُهَا خَلْقًا جَبَلُ قَافٍ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ جَبَلٌ أَخْضَرُ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ، وَمِنْهَا خُضْرَةُ السَّمَاءِ، وَهُوَ مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا إِحَاطَةَ بَيَاضِ الْعَيْنِ بِسَوَادِهَا، وَمِنْ وَرَائِهِ خَلَائِقُ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ وَخَلَقَهَا اللَّهُ لِحِكْمَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْحُوتَ لَمَّا اضْطَرَبَ تَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهَا الْجِبَالَ، فَقَرَّتْ، فَالْجِبَالُ تَفْخَرُ عَلَى الْأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبياء: 31] قَالَ بَعْضُ الْمُهَنْدِسِينَ: لَوْ لَمْ تَكُنِ الْجِبَالُ لَكَانَ وَجْهُ الْأَرْضِ مُسْتَدِيرًا أَمْلَسَ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَغَطَّى الْمَاءُ جَمِيعَ جِهَاتِهَا وَأَحَاطَ بِهَا. (عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) لِأَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا غَابَ عَنِ الْعُيُونِ، مِمَّا لَمْ يُعَايَنْ وَلَمْ يُشَاهَدْ، وَقِيلَ: هُمَا السِّرُّ وَالْعَلَانِيَةُ. وَالْإِشَارَةُ بِهِ أَنَّ الْعِلْمَ يَنْقَسِمُ إِلَى شَهَادَةٍ وَغَيْبٍ، فَالشَّهَادَةُ: مَا حَصَلَتْ مَعْرِفَتُهُ مِنْ طَرِيقِ الشُّهُودِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ غَيْبٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ. (الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ) الْمُنَزَّهُ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ أُنْكِرَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ فِي إِسْقَاطِ التَّشَهُّدِ مِنَ الْخُطْبَةِ، لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا سَبَقَ، فَهُوَ كَافٍ. (وَصَلَّى اللَّهُ) وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَرَنَ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] قَالَ: لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي. وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ: الرَّحْمَةُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ: اسْتِغْفَارٌ، وَمِنَ الْآدَمِيِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: صَلَاةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ: الدُّعَاءُ. (عَلَى سَيِّدِنَا) السَّيِّدُ: هُوَ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمَهُ فِي الْخَيْرِ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ، وَقِيلَ: التَّقِيُّ، وَقِيلَ: الْحَلِيمُ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ غَضَبُهُ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ مُنْحَصِرٌ فِيهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (مُحَمَّدٍ) لَمَّا عَلِمَ اللَّهُ كَثْرَةَ خِصَالِهِ الْمَحْمُودَةِ، أَلْهَمَ أَهْلَهُ أَنْ يُسَمُّوهُ مُحَمَّدًا، وَهُوَ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنَ التَّحْمِيدِ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَمِيدِ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ بِقَوْلِهِ: وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ (الْمُصْطَفَى) هُوَ الْخَالِصُ مِنَ الْخَلْقِ، وَهُوَ خَيْرُ الْخَلَائِقِ كَافَّةً. (وَآلِهِ) . جُمْهُورُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 صَلَاةً دَائِمَةً بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، أَمَّا بَعْدُ، فَهَذَا كِتَابٌ فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيِّ اجْتَهَدْتُ فِي جَمْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ إِضَافَةِ " آلِ " إِلَى الْمُضْمَرِ كَمَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ، وَالنَّحَّاسُ، وَالزُّبَيْدِيُّ: لَا يُضَافُ إِلَّا إِلَى الْمُظْهَرِ لِتَوَغُّلِهِ فِي الْإِبْهَامِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ. (خَيْرِ آلٍ) أَصْلُ خَيْرٍ: أَخْيَرُ، فَحَذَفُوا الْهَمْزَةَ، وَبَعْدَهَا سَاكِنٌ لَا يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهِ، فَنَقَلُوا حَرَكَةَ مَا قَبْلَ الْآخِرِ إِلَيْهِ، فَبَقِيَ " خَيْرٌ " كُلُّ ذَلِكَ تَخْفِيفًا. (صَلَاةً دَائِمَةً) أَيْ مُسْتَمِرَّةً مُتَّصِلَةً، لَا تَنْقَطِعُ. اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمُسْلِمٍ فِي " صَحِيحِهِ " وَهُوَ مَكْرُوهٌ، نَقَلَهُ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " فَقَالَ: يُكْرَهُ إِفْرَادُ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِمَا جَمِيعًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] مَعَ تَأْكِيدِ التَّسْلِيمِ بِالْمَصْدَرِ، فَدَلَّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهِ. (بِالْغُدُوِّ) جَمْعُ غُدْوَةٍ، وَهُوَ نَفْسُ الْفِعْلِ، تَقُولُ: غَدَا يَغْدُو غُدُوًّا، عَبَّرَ بِالْفِعْلِ عَنِ الْوَقْتِ، وَالْمُرَادُ بِالْغَدَوَاتِ، كَمَا تَقُولُ: آتِيكَ طُلُوعَ الشَّمْسِ، أَيْ: وَقْتَ طُلُوعِهَا. (وَالْآصَالِ) جَمْعُ أُصُلٍ، وَهُوَ جَمْعُ أَصِيلٍ، وَقِيلَ: الْآصَالُ: جَمْعُ أَصِيلٍ، وَالْآصَالُ: الْعَشِيَّاتُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، هِيَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. (أَمَّا بَعْدُ) أَيْ: بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ يَأْتِي بِهَا الْمُتَكَلِّمُ إِذَا كَانَ فِي كَلَامٍ، وَأَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا يُؤْتَى بِهَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي بِهَا فِي خُطَبِهِ وَكُتُبِهِ، رَوَاهُ عَنْهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ صَحَابِيًّا. فَأَمَّا " أَمَّا ". فَهِيَ كَلِمَةٌ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ: أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ، مَعْنَاهُ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَزَيْدٌ مُنْطَلِقٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَصْلُهَا " مَامَا "، فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ، ثُمَّ أُدْغِمَ بِشَرْطِهِ، وَالِابْتِدَاءُ بِالسَّاكِنِ مُتَعَذِّرٌ، فَأُلْحِقَتِ الْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةً، لِئَلَّا يَلْتَبِسَ. " بَعْدُ " ظَرْفُ زَمَانٍ، وَالْأَعْرَفُ فِيهَا هُنَا الْبِنَاءُ عَلَى الضَّمِّ، لِكَوْنِهَا قُطِعَتْ عَنِ الْإِضَافَةِ، وَفِيهَا وُجُوهٌ أُخَرُ، وَهِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُدُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20] وَزَعَمَ الْكَلْبِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَالَهُ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ، وَقِيلَ: كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَقِيلَ: يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. (فَهَذَا) إِشَارَةٌ إِلَى الْكِتَابِ الْمُؤَلَّفِ الْمُسَمَّى بِـ: " الْمُقْنِعِ " فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَازَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ قَبْلَ تَأْلِيفِهِ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الْإِشَارَةَ كَانَتْ إِلَى كِتَابٍ مُصَوَّرٍ فِي الذِّهْنِ، لِأَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى تَأْلِيفِ كِتَابٍ صَوَّرَهُ فِي ذِهْنِهِ، أَوْ إِنْ عَمِلَ خُطْبَةً كَانَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَأْلِيفِ الْكِتَابِ. (كِتَابٌ) هُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ، أَيْ: يُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، يُقَالُ: كَتَبَ كِتَابًا وَكِتَابَةً، وَسُمِّيَ الْمَكْتُوبُ بِهِ مَجَازًا، وَمَعْنَاهُ جَمَعَ جُمْلَةً مِنَ الْعِلْمِ. (فِي الْفِقْهِ) هُوَ فِي اللُّغَةِ الْفَهْمُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ. (عَلَى مَذْهَبِ) هُوَ الطَّرِيقُ، يُقَالُ: ذَهَبَ مَذْهَبًا حَقًّا وَذَهَابًا وَذُهُوبًا، وَجَمْعُهُ مَذَاهِبُ. (الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيِّ) وَالصِّدِّيقُ الثَّانِي إِمَامُ الْأَئِمَّةِ، وَنَاصِرُ السُّنَّةِ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ بَعْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وَإِيجَازِهِ، وَتَقْرِيبِهِ وَسَطًا بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ، وَجَامِعًا لِأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ عُرْيَةً عَنِ الدَّلِيلِ، وَالتَّعْلِيلِ، لِيَكْثُرَ عِلْمُهُ وَيَقِلَّ حَجْمُهُ، وَيَسْهُلَ حِفْظُهُ وَفَهْمُهُ، وَيَكُونَ مُقْنِعًا لِحَافِظِيهِ نَافِعًا لِلنَّاظِرِ فِيهِ، وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يُبَلِّغَنَا أَمَلَنَا، وَيُصْلِحَ قَوْلَنَا وَعَمَلَنَا، وَيَجْعَلَ سَعْيَنَا مُقَرِّبًا إِلَيْهِ وَنَافِعًا لَدَيْهِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ   [المبدع في شرح المقنع] حَمْلِ أُمِّهِ بِهِ بِمَرْوَ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً. رَوَى ابْنُ ثَابِتٍ الْخَطِيبِ بِإِسْنَادِهِ: قَالَ الْوَرْكَانِيُّ جَارُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَسْلَمَ يَوْمَ مَاتَ أَحْمَدُ عِشْرُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسِ،. وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ. (اجْتَهَدْتُ) الِاجْتِهَادُ: هُوَ بَذْلُ الْوُسْعِ فِيمَا فِيهِ كَلَفَةٌ وَمَشَقَّةٌ. (فِي جَمْعِهِ) مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَأَصْحَابِهِ. (وَتَرْتِيبِهِ) أَيْ: تَرْتِيبِ أَبْوَابِهِ وَمَسَائِلِهِ. (وَإِيجَازِهِ) أَيْ: تَقْصِيرِهِ، يُقَالُ: أَوْجَزَ فِي الْكَلَامِ، فَهُوَ كَلَامٌ مُوجَزٌ وَمُوجِزٌ وَوَجْزٌ وَوَجِيزٌ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. (وَتَقْرِيبِهِ) إِلَى الْأَفْهَامِ بِعِبَارَةٍ سَهْلَةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْقِيدٍ، وَلَقَدْ بَالَغَ فِي ذَلِكَ، وَحَرَصَ عَلَيْهِ طَاقَتَهُ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَأَثَابَهُ الْجَنَّةَ. (وَسَطًا بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ) أَيْ: مُتَوَسِّطًا بَيْنَهُمَا، لَيْسَ هُوَ بِالْقَصِيرِ الْمُخِلِّ، وَلَا بِالطَّوِيلِ الْمُمِلِّ، وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا، إِذِ الْوَسَطُ الْعَدْلُ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ، بِـ" جَمْعِهِ " عَلَى الْحَالِ، أَيِ: اجْتَهَدْتُ فِي جَمْعِهِ وَسَطًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاصِبُهُ فِعْلًا مُقَدَّرًا، أَيْ: جَعَلْتُهُ وَسَطًا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هُوَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طَرَفَيِ الشَّيْءِ، فَأَمَّا اللَّفْظُ بِهِ، فَقَالَ الْمُبَرِّدُ: مَا كَانَ اسْمًا، فَهُوَ مُحَرَّكُ السِّينِ، كَقَوْلِكَ: وَسَطُ رَأْسِهِ صُلْبٌ، وَمَا كَانَ ظَرْفًا، فَهُوَ مُسَكَّنٌ، كَقَوْلِكَ: وَسْطَ رَأْسِهِ دَهَنَ، أَيْ: فِي وَسَطِهِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَا صَلَحَ فِيهِ " بَيْنَ "، فَهُوَ بِالسُّكُونِ، وَمَا لَمْ يَصْلُحْ فِيهِ " بَيْنَ " فَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ، وَرُبَّمَا سُكِّنَ، وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ يُونُسُ: سَمِعْتُ وَسَطَ وَوَسْطَ بِمَعْنًى. (وَجَامِعًا) مَعْطُوفٌ عَلَى (وَسَطًا) ، (لِأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ) جَمْعُ حُكْمٍ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ، أَوِ التَّخْيِيرِ، أَوِ الْوَضْعِ) ، (عُرْيَةً عَنِ الدَّلِيلِ) أَيْ: مُجَرَّدًا عَنْ ذِكْرِ الدَّلِيلِ غَالِبًا وَهُوَ لُغَةً: عِبَارَةٌ عَنِ الْمُرْشِدِ، وَاصْطِلَاحًا: مَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الدَّلِيلُ التَّفْصِيلِيُّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ. (وَالتَّعْلِيلِ) أَيْ: مُجَرَّدًا عَنِ الْعِلَّةِ أَيْضًا، وَهِيَ حِكْمَةُ الْحُكْمِ، أَيْ: مَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ لِأَجْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الدَّلِيلِ، إِذْ كُلُّ تَعْلِيلٍ دَلِيلٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا. (لِيَكْثُرَ عِلْمُهُ) أَىْ جَرَّدَهُ عَنِ الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ غَالِبًا مَعَ مَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ: اجْتَهَدْتُ إِلَى آخِرِهِ، لِأَجْلِ تَكْثِيرِ أَحْكَامِهِ. (وَيَقِلَّ حَجْمُهُ) فِي النَّظَرِ فَلَا تَنْفِرُ النَّفْسُ مِنْهُ، (وَيَسْهُلُ حِفْظُهُ وَفَهْمُهُ) أَيْ: يَسْهُلُ حِفْظُ مَبَانِيهِ وَفَهْمُ مَعَانِيهِ، إِذِ الْفَهْمُ: إِدْرَاكُ مَعْنَى الْكَلَامِ، قِيلَ: بِسُرْعَةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. (وَيَكُونَ مُقْنِعًا لِحَافِظِيهِ) أَيْ: يَقْنَعَ بِهِ حَافِظُهُ عَنْ غَيْرِهِ. (نَافِعًا لِلنَّاظِرِ فِيهِ) أَيْ: بِمُطَالَعَتِهِ. (وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يُبَلِّغَنَا أَمَلَنَا، وَيُصْلِحَ قَوْلَنَا وَعَمَلَنَا، وَيَجْعَلَ سَعْيَنَا مُقَرِّبًا إِلَيْهِ وَنَافِعًا لَدَيْهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] سَأَلَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُبَلِّغَهُ أَمَلَهُ، وَيُصْلِحَ قَوْلَهُ وَعَمَلَهُ، وَقَدْ عَمَّ فِي الدُّعَاءِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى عَلِيٍّ وَهُوَ يَدْعُو وَيَخُصُّ نَفْسَهُ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، عُمَّ فَإِنَّ فَضْلَ الْعُمُومِ عَلَى الْخُصُوصِ كَفَضْلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ» . (وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) الْحَسِيبُ: الْكَافِي. وَالْوَكِيلُ: الْحَافِظُ، وَقِيلَ: الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ تَدْبِيرُ خَلْقِهِ، وَالْقَائِمُ بِمَصَالِحِهِمْ، فَيَكُونُ " وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ " وَهُوَ حَسْبُنَا "، وَالْخُصُوصُ مَحْذُوفٌ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى " حَسْبُنَا " أَيْ: وَهُوَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، وَالْمَخْصُوصُ: هُوَ الضَّمِيرُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى مَا قَالُوهُ فِي: زَيْدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَقَدْ عُطِفَ الْإِنْشَاءُ عَلَى الْإِخْبَارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 كِتَابُ الطَّهَارَةِ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [مُقَدِّمَةٌ] ِ بَدَأَ الْمُؤَلِّفُ بِذَلِكَ اقْتِدَاءً بِالْأَئِمَّةِ، مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ آكَدَ أَرْكَانِ الدِّينِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاةُ، وَلَا بُدَّ لَهَا مِنَ الطَّهَارَةِ، لِأَنَّهَا شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَهِيَ تَكُونُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَالْمَاءُ هُوَ الْأَصْلُ، وَبَدَءُوا بِرُبْعِ الْعِبَادَاتِ اهْتِمَامًا بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَقَدَّمُوهَا عَلَى الدُّنْيَوِيَّةِ، وَقَدَّمُوا رُبْعَ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، لِأَنَّ سَبَبَ الْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَنَحْوُهُمَا ضَرُورِيٌّ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ، وَالصَّغِيرُ، وَشَهْوَتُه ُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى شَهْوَةِ النِّكَاحِ، وَقَدَّمُوا النِّكَاحَ عَلَى الْجِنَايَاتِ وَالْمُخَاصَمَاتِ، لِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، وَهَذِهِ مُنَاسَبَةٌ حَسَنَةٌ ذَكَرَهَا الْمُتَوَلِّي فِي تَتِمَّتِهِ.، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُرَكَّبِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ كُلٍّ مِنْ مُفْرَدَيْهِ، فَالْكِتَابُ وَالْكَتْبُ مَصْدَرَانِ: صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَكُتُبٌ يَدُورُ مَعْنَاهَا عَلَى الْجَمْعِ يُقَالُ: كَتَبْتُ الْبَغْلَةَ، إِذَا جَمَعْتَ بَيْنَ شَفْرَيْهَا بِحَلْقَةٍ أَوْ سَيْرٍ، قَالَ سَالِمُ بْنُ دَارَةَ: لَا تَأْمَنَنَّ فَزَارِيًّا خَلَوْتَ بِهِ ... عَلَى قَلُوصِكَ وَاكْتُبْهَا بِأَسْيَارِ أَيْ: وَاجْمَعْ بَيْنَ شَفْرَيْهَا بِحَلْقَةٍ أَوْ سَيْرٍ، وَالْقَلُوصُ فِي الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الْجَارِيَةِ فِي النَّاسِ، وَتَكَتَّبَتْ بَنُو فُلَانٍ: إِذَا اجْتَمَعُوا، وَمِنْهُ قِيلَ لِجَمَاعَةِ الْخَيْلِ: كَتِيبَةٌ، وَالْكِتَابَةِ بِالْقَلَمِ كِتَابَةٌ، لِاجْتِمَاعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْكِتَابَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْكَتْبِ عَجِيبٌ، لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُشْتَقُّ مِنْ مِثْلِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَصْدَرَ أُطْلِقَ وَأُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمَكْتُوبُ، كَقَوْلِهِمْ: ثَوْبٌ نَسْجُ الْيَمَنِ، أَيْ: مَنْسُوجُهُ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: الْمَكْتُوبُ لِلطَّهَارَةِ، وَالْمَكْتُوبُ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاشْتِقَاقُ الْأَكْبَرُ، وَهُوَ اشْتِقَاقُ الشَّيْءِ مِمَّا يُنَاسِبُهُ مُطْلَقًا كَالْبَيْعِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَاعِ، وَهِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّمْلِ الْمُجْتَمِعِ، وَهُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا. وَأَمَّا الطَّهَارَةُ: فَمَصْدَرُ طَهُرَ يَطْهُرُ بِضَمِّ الْهَاءِ فِيهِمَا كَالضَّخَامَةِ، وَهُوَ فِعْلٌ لَازِمٌ لَا يَتَعَدَّى إِلَّا بِالتَّضْعِيفِ، فَيُقَالُ: طَهَّرَ، وَقَدْ تُفْتَحُ الْهَاءُ مِنْ " طَهَرَ " فَيَكُونُ مَصْدَرُهُ طُهْرًا دُونَ طَهَارَةٍ كَحَكَمَ حُكْمًا، وَأَمَّا فَعَالَةٌ فَلَمْ يَأْتِ مَصْدَرًا لِفِعْلٍ، وَمَعْنَاهَا لُغَةً: النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 بَابُ الْمِيَاهِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَاءٌ طَهُورٌ، وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ وَمَا تَغَيَّرَ   [المبدع في شرح المقنع] عَنِ الْأَقْذَارِ، وَمَادَّةُ " ن ز هـ " تَرْجِعُ إِلَى الْبُعْدِ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ قَالَ: لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» أَيْ: مُطَهَّرٌ مِنَ الذُّنُوبِ، وَهِيَ أَقْذَارٌ مَعْنَوِيَّةٌ، وَشَرْعًا: رَفْعُ مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ، أَوْ رَفْعُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ عَكْسَهُ الْحَجَرَ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ، وَدَلْكِ النَّعْلِ، وَذَيْلِ الْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلٍ، وَالْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ، وَالتَّجْدِيدِ، وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، فَإِنَّهَا طَهَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَلَا تَمْنَعُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْيِيدِهِمَا بِكَوْنِهِمَا طَهُورَيْنِ، وَأُجِيبَ عَنِ الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ لِمُشَابَهَتِهِ الرَّافِعَ فِي الصُّورَةِ، زَادَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِجْمَالِ يُوهِمُ أَنَّ (مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ) بَيَانٌ لِمَا فِي مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ، وَفِي " الْوَجِيزِ ": اسْتِعْمَالُ الطَّهُورِ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَرُدَّ بِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً مَعَ أَنَّهُ حَدٌّ لِلتَّطْهِيرِ لَا لِلطَّهَارَةِ، فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَحْدُودِ. وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: خُلُوُّ الْمَحَلِّ عَمَّا هُوَ مُسْتَقْذَرٌ شَرْعًا، وَهُوَ إِمَّا حِسِّيٌّ، وَيُسَمَّى نَجَاسَةً، وَإِمَّا حُكْمِيٌّ، وَيُسَمَّى حَدَثًا، فَالتَّطْهِيرُ إِخْلَاءُ الْمَحَلِّ مِنَ الْأَقْذَارِ الشَّرْعِيَّةِ، وَفِي ابْنِ الْمُنَجَّا: اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الطَّهُورِ أَوْ بَدَلِهِ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ قَاصِرٌ، وَبِأَنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تُوجَدُ حَيْثُ لَا فِعْلَ بِالْكُلِّيَّةِ، كَالْخَمْرَةِ إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا، وَالْأَوْلَى: أَنَّهَا رَفْعُ الْحَدَثِ، وَإِزَالَةُ النَّجَسِ، وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِاسْتِعْمَالِهِ إِلَّا فِيهِمَا، فَعِنْدَ إِطْلَاقِ لَفْظِ الطَّهَارَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَهُ مَوْضُوعٌ شَرْعِيٌّ وَلُغَوِيٌّ كَالصَّلَاةِ، فَكِتَابُ الطَّهَارَةِ: هُوَ الْجَامِعُ لِأَحْكَامِ الطَّهَارَةِ مِنْ بَيَانِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَمَا يُتَطَهَّرُ لَهُ، وَمَا يَجِبُ أَنْ يُتَطَهَّرَ مِنْهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. [بَابُ الْمِيَاهِ] [أَقْسَامُ الْمِيَاهِ] [الْمَاءُ الطَّاهِرُ الْمُطَهِّرُ] بَابُ الْمِيَاهِ الْبَابُ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الصِّنْفِ، وَهُوَ مَا يَدْخُلُ مِنْهُ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ. الْمِيَاهُ: جَمْعُ مَاءٍ، وَهَمْزَتُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ هَاءٍ فَأَصْلُهُ مَوَهَ، وَجَمْعُهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْقِلَّةِ أَمْوَاهٌ، وَفِي الْكَثْرَةِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِيَاهٌ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ مِيَاهٌ جَمْعُ قِلَّةٍ أَيْضًا، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَإِنَّمَا جُمِعَ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ (وَهِيَ) أَيِ: الْمِيَاهُ (عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ) لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَجُوزَ الْوُضُوءُ بِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ جَازَ فَهُوَ الطَّهُورُ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَجُوزَ شُرْبُهُ أَوْ لَا، فَإِنْ جَازَ فَهُوَ الطَّاهِرُ، وَإِلَّا فَهُوَ النَّجِسُ، أَوْ نَقُولُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي اسْتِعْمَالِهِ أَوْ لَا. الثَّانِي: النَّجِسُ، وَالْأَوَّلُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا لِغَيْرِهِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ: الطَّهُورُ، وَالثَّانِي: الطَّاهِرُ، وَطَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " أَنَّ الْمَاءَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: طَاهِرٍ، وَهُوَ قِسْمَانِ: طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، وَطَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، وَنَجِسٍ. وَطَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى طَاهِرٍ وَنَجِسٍ، وَقَالَ: إِثْبَاتُ قِسْمٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُطَهِّرٍ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، وَزَادَ: " الْمَشْكُوكُ فِيهِ "، (مَاءٌ طَهُورٌ) قَدَّمَهُ عَلَى قِسْمَيْهِ لِمَزِيَّتِهِ بِالصِّفَتَيْنِ، وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمَصْدَرُ، وَقَالَ الْيَزِيدِيُّ: وَبِفَتْحِهَا: هُوَ الطَّاهِرُ فِي ذَاتِهِ، الْمُطَهِّرُ غَيْرَهُ، مِثْلُ الْغَسُولِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ، فَعَلَى هَذَا هُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَعَدِّيَةِ وِفَاقًا لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ دَاوُدَ: هُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ اللَّازِمَةِ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ سَوَاءً، لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ فَاعِلٍ وَفَعُولٍ فِي التَّعَدِّي وَاللُّزُومِ كَقَاعِدٍ وَقَعُودٍ، وَإِذَا كَانَ الطَّاهِرُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ فَالطَّهُورُ كَذَلِكَ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الطَّهُورُ مُتَعَدِّيًا لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ هَذَا الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةً إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ التَّطْهِيرِ كَقَتُولٍ وَضَرُوبٍ، وَجَوَابُهُ قَوْله تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . وَلَوْ أَرَادَ بِهِ الطَّاهِرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، وَرَوَى مَالِكٌ، وَالْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» . وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الطَّهُورُ مُتَعَدِّيًا بِمَعْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْمُطَهِّرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَوَابًا لِلْقَوْمِ، حَيْثُ سَأَلُوهُ عَنِ التَّعَدِّي ; إِذْ لَيْسَ كُلُّ طَاهِرٍ مُطَهِّرًا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] فَمَعْنَاهُ طَاهِرًا مُطَهِّرًا، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ هُنَاكَ إِلَى التَّطْهِيرِ ; إِذْ لَا نَجَاسَةَ فِيهَا، لِأَنَّ الْقَصْدَ وَصْفُهُ بِأَعْلَى الْأَشْرِبَةِ عِنْدَنَا، وَهُوَ الْمَاءُ الْجَامِعُ لِلْوَصْفَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَرَابًا طَهُورًا أَيْ: مُطَهِّرًا مِنَ الْغِلِّ وَالْغِشِّ، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْعَرَبَ سَوَّتْ بَيْنَهُمَا فِي اللُّزُومِ وَالتَّعَدِّي، قُلْنَا: قَدْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْجُمْلَةِ فَقَالُوا: قَتُولٌ، لِمَنْ كَثُرَ مِنْهُ الْقَتْلُ، فَيَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ هُنَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ إِلَّا مِنْ حَيْثُ اللُّزُومِ وَالتَّعَدِّي. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ عِنْدَنَا أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُزَالُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَائِعَاتِ غَيْرِ الْمَاءِ وَعِنْدَهُمْ يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا تُرْفَعُ النَّجَاسَةُ عَنْ نَفْسِهَا، وَالْمَاءُ يَدْفَعُهُ لِكَوْنِهِ مُطَهِّرًا، وَقِيلَ: وِفَاقًا لِمَالِكٍ: الطَّهُورُ: مَا يَتَكَرَّرُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ، كَالصَّبُورِ، وَالشَّكُورِ لِمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الصَّبْرُ، وَالشُّكْرُ، وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الْمَاءِ أَوْ كُلُّ جُزْءٍ ضُمَّ إِلَى غَيْرِهِ، وَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ، أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ بِفِعْلِ التَّطْهِيرِ، وَلَوْ أُرِيدَ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يَصِحَّ وَصْفُهُ بِذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ الْفِعْلِ. (وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ) عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ بُرُودَةٍ، أَوْ حَرَارَةٍ، أَوْ مُلُوحَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا كَمَاءِ السَّمَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَذَوْبِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَمَاءُ الْبَحْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» . وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْوُضُوءَ بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَقَالَ: هُوَ نَارٌ، وَمَاءُ الْبِئْرِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ صَحِيحٌ، وَمَاءُ الْعُيُونِ، وَالْأَنْهَارِ، لِأَنَّهُمَا كَمَاءِ الْبِئْرِ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُبُّوا عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبًا مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 بِمُكْثِهِ أَوْ بِطَاهِرٍ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ كَالطُّحْلُبِ، وَوَرَقِ الشَّجَرِ، أَوْ بِمَا لَا يُخَالِطُهُ   [المبدع في شرح المقنع] مَاءٍ» . وَأَمَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَنْ تَغْسِلَ دَمَ الْحَيْضِ بِالْمَاءِ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ جَوَازَ الطَّهَارَةِ أَيْضًا بِكُلِّ مَاءٍ شَرِيفٍ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " حَتَّى مَاءِ زَمْزَمَ فِي رِوَايَةٍ، وَرَجَّحَهَا الْمَجْدُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: «ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا بِسَجْلٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَشَرِبَ مِنْهُ وَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَيُكْرَهُ فِي أُخْرَى، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ أَنَّهَا أَصَحُّ، وَقَدَّمَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِمَا رُوِيَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: رَأَيْتُ الْعَبَّاسَ قَائِمًا عِنْدَ زَمْزَمَ يَقُولُ: أَلَا لَا أُحِلُّهُ لِمُغْتَسِلٍ، وَلَكِنَّهُ لِكُلِّ شَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ: أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ قَالَ ذَلِكَ حِينَ احْتَفَرَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ شَرَفَهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ذَلِكَ كَالْمَاءِ الَّذِي نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَالنِّيلِ، وَالْفُرَاتِ، فَإِنَّهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ، وَقَوْلُ الْعَبَّاسِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ الشَّرَابَ، وَكَوْنُهُ مِنْ مَنْبَعٍ شَرِيفٍ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ، كَعَيْنِ سُلْوَانَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: لَهُ خُصُوصِيَّةٌ انْفَرَدَ بِهَا، وَهِيَ كَوْنُهُ يُقْتَاتُ بِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ فِي بَدْءِ إِسْلَامِهِ، وَفِي " التَّلْخِيصِ ": أَنَّهُ يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِهِ تُكْرَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِي " نِهَايَتِهِ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ، وَفِيهَا يَتَخَرَّجُ أَنْ تَقُولَ: لَا تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِهِ لِحُرْمَتِهِ، وَفِي جَبَلِ التُّرَابِ الطَّاهِرِ بِهِ، وَرَشِّ الطُّرُقِ وَجْهَانِ. وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ لَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ، هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَمْ يَحْرُمُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْغُسْلُ لَا الْوُضُوءُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا يُكْرَهُ مَا جَرَى عَلَى الْكَعْبَةِ، وَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ. (وَمَا تَغَيَّرَ بِمُكْثِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْآجِنَ الَّذِي تَغَيَّرَ بِطُولِ إِقَامَتِهِ فِي مَقَرِّهِ بَاقٍ عَلَى إِطْلَاقِهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَوَضَّأَ بِمَاءٍ آجِنٍ، وَلِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَنْ غَيْرِ مُخَالَطَةٍ، أَشْبَهَ الْمُتَغَيِّرَ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يَحْفَظُ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَى ابْنِ سِيرِينَ فَإِنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " وَفِي " الْمُحَرَّرِ " لَا بَأْسَ بِهِ. (أَوْ) تَغَيَّرَ (بِطَاهِرٍ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ) أَيْ: لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ (كَالطُّحْلُبِ) يَجُوزُ فِيهِ ضَمُّ اللَّامِ وَفَتْحُهَا، وَهُوَ النَّبْتُ الْأَخْضَرُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي أَسْفَلِ الْمَاءِ حَتَّى يَعْلُوَهُ، (وَوَرَقِ الشَّجَرِ) الَّذِي يَسْقُطُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 كَالْعُودِ، وَالْكَافُورِ، وَالدُّهْنِ، أَوْ بِمَا أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ، أَوْ مَا تَرَوَّحَ بِرِيحِ مَيْتَةٍ إِلَى جَانِبِهِ، أَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ أَوْ بِطَاهِرٍ، فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ،   [المبدع في شرح المقنع] فِيهِ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، أَشْبَهَ الْمُتَغَيِّرَ بِتِبْنٍ أَوْ عِيدَانٍ، وَكَالْمُتَغَيِّرِ بِكِبْرِيتٍ أَوْ قَارٍ، أَوْ فِي آنِيَةِ أَدَمٍ أَوْ نُحَاسٍ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " هُوَ مِنَ الطَّهُورِ الْمَكْرُوهِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي الْمُتَغَيِّرِ بِتُرَابٍ طَهُورٍ طُرِحَ فِيهِ قَصْدًا وَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ صَفَا الْمَاءُ فَطَهُورٌ، وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، وَجَزَمَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " أَنَّهُ طَهُورٌ لِكَوْنِهِ يُوَافِقُ الْمَاءَ فِي صِفَتَيْهِ الطَّاهِرِيَّةِ وَالطَّهُورِيَّةِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " عَكْسُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ رِقَّتِهِ، فَإِنْ ثَخُنَ بِحَيْثُ لَا يَجْرِي عَلَى الْأَعْضَاءِ لَمْ تَجُزِ الطَّهَارَةُ بِهِ لِأَنَّهُ طِينٌ وَلَيْسَ بِمَاءٍ، (أَوْ) تَغَيَّرَ (بِمَا لَا يُخَالِطُهُ كَالْعُودِ) وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُودُ الْقَمَارِيُّ بِفَتْحِ الْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى قَمَارَ مَوْضِعٍ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ (وَالْكَافُورِ) هُوَ الْمَشْمُومُ مِنَ الطِّيبِ (وَالدُّهْنِ) الطَّاهِرِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَنْ مُجَاوَرَةٍ، أَشْبَهَ الْمُتَغَيِّرَ بِجِيفَةٍ بِقُرْبِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يَصِيرُ طَاهِرًا، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَطْلَقَ فِي " الْمُحَرَّرِ " الْخِلَافَ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": إِنْ تَحَلَّلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَطَاهِرٌ، وَإِلَّا فَطَهُورٌ، فَلَوْ خَالَطَ الْمَاءَ بِأَنْ دَقَّ أَوِ انْمَاعَ فَأَقْوَالٌ (أَوْ) تَغَيَّرَ (بِمَا أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ) وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُرْسَلُ عَلَى السِّبَاخِ فَيَصِيرُ مِلْحًا، لِأَنَّ الْمُتَغَيِّرَ بِهِ مُنْعَقِدٌ مِنَ الْمَاءِ، أَشْبَهَ ذَوْبَ الثَّلْجِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمِلْحَ الْمَعْدِنِيَّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ خَلِيطٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ مِنَ الْمَاءِ، أَشْبَهَ الزَّعْفَرَانَ، وَقِيلَ: لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَاءٌ، وَلِهَذَا يَذُوبُ بِالنَّارِ (أَوْ مَا تَرَوَّحَ بِرِيحِ مَيْتَةٍ إِلَى جَانِبِهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ تَغَيُّرُ مُجَاوَرَةٍ (أَوْ سَخُنَ بِالشَّمْسِ) نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: أَهْلُ الشَّامِ يَرْوُونَ فِيهِ شَيْئًا لَا يَصِحُّ، وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: يُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ قَصْدًا وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ، وَقَالَ: لَا أَكْرَهُهُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ، وَرُوِيَ فِي الْأُمِّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَغْتَسِلُوا بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ، غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ، فَهَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ سَخَّنْتُ مَاءً فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» . وَشَرْطُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ بِبِلَادٍ حَارَّةٍ، وَآنِيَةٍ مُنْطَبِعَةٍ كَنُحَاسٍ لَا خَزَفٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَغْطِيَةُ رَأْسِ الْإِنَاءِ، وَلَا قَصْدُ التَّشْمِيسِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ بُرِّدَ زَالَتِ الْكَرَاهَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ " الرَّوْضَةِ ". وَالْأَوَّلُ: قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، فَإِنَّهَا تَشْمَلُ الْمُشَمَّسَ وَغَيْرَهُ، لِأَنَّ سُخُونَتَهُ بِغَيْرِ نَجَاسَةٍ، أَشْبَهَ الْمُشَمَّسَ بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَالْمُشَمَّسَ فِي الْبِرَكِ، وَالسَّوَاقِي، وَالْمُسَخَّنَ بِالطَّاهِرَاتِ، لِأَنَّهَا صِفَةٌ خُلِقَ عَلَيْهَا الْمَاءُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَرَّدَهُ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَفِي بَعْضِهَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَفِي بَعْضِهَا وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْضُوعًا، وَخَبَرُ عُمَرَ أَيْضًا ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ إِجْمَاعُ أَهْلِ الطِّبِّ عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْبَرَصِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَثَّرَ لَمَا اخْتَلَفَ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، (أَوْ بِطَاهِرٍ) كَالْحَطَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِعُمُومِ الرُّخْصَةِ، وَعَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ مَاءٌ فِي قُمْقُمٍ فَيَغْتَسِلُ بِهِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَعَنِ ابْنَ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالْحَمِيمِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ دَخَلُوا الْحَمَّامَ، وَرَخَّصُوا فِيهِ، وَكَرِهَهُ مُجَاهِدٌ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْحَمِيمِ، وَذَكَرَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، و" الْمُغْنِي "، و" الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُ إِنِ اشْتَدَّ حَرُّهُ كُرِهَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَنِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْحَمِيمِ إِنْ ثَبَتَ، لِكَوْنِهِ يُؤْذِي أَوْ يَمْنَعُ الْإِسْبَاغَ، وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْكَرَاهَةَ عَلَّلَ بِخَوْفِ مُشَاهَدَةِ الْعَوْرَةِ، أَوْ قَصْدِ التَّنَعُّمِ بِهِ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ سُخُونَةَ الْمَاءِ لَا تُوجِبُ كَرَاهَتَهُ (فَهَذَا) إِشَارَةٌ إِلَى مَا سَبَقَ (كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ) جَمْعَ حَدَثٍ، وَهُوَ مَا أَوْجَبَ الْوُضُوءَ أَوِ الْغُسْلَ (وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ) جَمْعَ نَجَسٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْمُسْتَقْذَرُ، يُقَالُ: نَجِسَ يَنْجَسُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ، وَنَجُسَ يَنْجُسُ كَشَرُفَ يَشْرُفُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ، مَعَ إِمْكَانِهِ، لَا لِحُرْمَتِهَا وَلَا اسْتِقْذَارِهَا، وَلَا لِضَرَرٍ بِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْإِطْلَاقِ عَمَّا يُبَاحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَلِيلُهُ دُونَ كَثِيرِهِ كَبَعْضِ النَّبَاتِ الَّذِي هُوَ سُمٌّ، وَبِالِاخْتِيَارِ عَنِ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ فِي الْمَخْمَصَةِ مَعَ نَجَاسَتِهَا، وَبِإِمْكَانِ التَّنَاوُلِ عَنِ الْحَجَرِ، وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الصُّلْبَةِ، وَبِعَدَمِ الْحُرْمَةِ عَنِ الْآدَمِيِّ، وَبِعَدَمِ الِاسْتِقْذَارِ عَنِ الْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ، زَادَ بَعْضُهُمْ مَعَ سُهُولَةِ التَّمْيِيزِ، يَحْتَرِزُ بِهِ عَنِ الدُّودِ الْمَيِّتِ فِي الْفَاكِهَةِ، وَنَحْوِهَا (غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ) لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ تَسْتَدْعِي دَلِيلًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ لَا إِنْ تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ عُودٍ، أَوْ كَافُورٍ، أَوْ دُهْنٍ، أَوْ بِمَا أَصْلُهُ الْمَاءُ، أَوْ سُخِّنَ بِمَغْصُوبٍ، أَوِ اشْتَدَّ حَرُّهُ، أَوْ بَرْدُهُ، أَوْ مَاءُ زَمْزَمَ فِي إِزَالَةِ نَجَاسَةٍ، أَوْ بِئْرٌ فِي مَقْبَرَةٍ، فَيُكْرَهُ. (وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ، فَهَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا كَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، و " التَّلْخِيصِ "، و" الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ تَشْمَلُ الْمَوْقُودَ بِالطَّاهِرِ، وَالنَّجِسِ، وَأَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ نَجَاسَتُهُ أَشْبَهَ سُؤْرَ الْهِرِّ، وَمَاءَ سِقَايَاتِ الْأَسْوَاقِ، وَالْأَحْوَاضِ فِي الطُّرُقَاتِ، وَالثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ. صَحَّحَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَإِنْ بُرِّدَ، وَنَصَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ ". قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ» ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ دُخَانِهَا، وَصُعُودِهِ بِأَجْزَاءٍ لَطِيفَةٍ مِنْهَا، وَقِيلَ: إِنْ ظَنَّ وُصُولَ النَّجَاسَةِ كُرِهَ، وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَهُ فَلَا، وَإِنْ تَرَدَّدَ فَرِوَايَتَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي " إِنْ تَحَقَّقَ وُصُولُ النَّجَاسَةِ إِلَيْهِ، وَكَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا نَجُسَ، وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ وُصُولِهَا، وَالْحَائِلُ غَيْرُ حَصِينٍ كُرِهَ، وَإِنْ كَانَ حَصِينًا فَقَالَ الْقَاضِي: يُكْرَهُ، وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. فَرْعٌ: إِذَا وَصَلَ دُخَانُ النَّجَاسَةِ، فَهَلْ هُوَ كَوُصُولِ نَجِسٍ أَوْ طَاهِرٍ؛ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ مَاءُ الْحَمَّامِ لِعَدَمِ تَحَرِّي مَنْ يَدْخُلُهُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ أُحِبُّ أَنْ يُجَدَّدَ مَاءٌ غَيْرُهُ. فَرْعٌ: لَا تَصْلُحُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، كَالصَّلَاةِ فِي ثَوْبِ غَصْبٍ، وَإِنْ حَفَرْتَ الْبِئْرَ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ أَوْ فِي مَوْضِعِ غَصْبٍ، أَوْ مِمَّا ثَمَنُهُ الْمُتَعَيَّنُ فِي عَقْدِ شِرَائِهِ حَرَامٌ، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي: مَاءٌ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، وَهُوَ مَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ اسْمَهُ، أَوْ غَلَبَ عَلَى أَجْزَائِهِ، أَوْ طُبِخَ فِيهِ، فَغَيَّرَهُ، فَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ، لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ، أَوْ رِيحَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] [الْمَاءُ الطَّاهِرُ غَيْرُ الْمُطَهِّرِ] فَصْلٌ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْحَجْزِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَمِنْهُ فَصْلُ الرَّبِيعِ، لِأَنَّهُ يَحْجِزُ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَهُوَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَاجِزٌ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَسَائِلِ وَأَنْوَاعِهَا (الْقِسْمُ الثَّانِي: مَاءٌ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ) جَعَلَهُ وَسَطًا لِسَلْبِ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ، وَبَقَاءِ الْأُخْرَى، وَهُوَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا غَيْرُ مُطَهِّرٍ بِالْإِجْمَاعِ (وَهُوَ مَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ) يُمْكِنُ أَنْ يُصَانَ الْمَاءُ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُخَالَطَةِ هُنَا: الْمُمَازَجَةُ بِحَيْثُ يُسْتَهْلَكُ جِرْمُ الطَّاهِرِ فِي جِرْمِ الْمَاءِ، وَتَتَلَاقَى جَمِيعُ أَجْزَائِهِمَا، وَالثَّانِي: مُخْتَلَفٌ فِي التَّطْهِيرِ بِهِ، وَسَيَأْتِي، وَالْأَوَّلُ: ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ (فَغَيَّرَ اسْمَهُ) بِأَنْ صَارَ صَبْغًا أَوْ خَلًّا، لِأَنَّهُ أَزَالَ عَنْهُ اسْمَ الْمَاءِ (أَوْ غَلَبَ عَلَى أَجْزَائِهِ) فَصَيَّرَهُ حِبْرًا، لِأَنَّ الْمُخَالِطَ إِذَا غَلَبَ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَاءِ أَزَالَ مَعْنَاهُ لِكَوْنِهِ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْإِرْوَاءُ، (أَوْ طُبِخَ فِيهِ فَغَيَّرَهُ) ، حَتَّى صَارَ مَرَقًا، كَمَاءِ الْبَاقِلَاءِ الْمَغْلِيِّ، لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ طَبِيخًا، وَزَالَ عَنْهُ مَقْصُودُ الْمَاءِ مِنَ الْإِرْوَاءِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَارَ حِبْرًا، وَقَدْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَاءَ إِذَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ ; لِمَا رَوَتْ أُمُّ هَانِئٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ الْمُنَجَّا بِأَنَّ الطَّبْخَ إِنْ تَغَيَّرَ فِيهِ تَغَيَّرَ الِاسْمُ، أَوْ غَلَبَةُ الْأَجْزَاءِ كَانَ كَالنَّوْعَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ ذَلِكَ، دَخَلَ فِيهِ مَاءٌ سُلِقَ فِيهِ بَيْضٌ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى طَبْخًا بِدَلِيلِ الْيَمِينِ، وَطَبْخُ مَا ذُكِرَ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الطَّبْخُ الْمُعْتَادُ، وَقَوْلُهُ: طُبِخَ فِيهِ لَا عُمُومَ لَهُ. تَذْنِيبٌ: حُكْمُ الْمِيَاهِ الْمُعْتَصَرَةِ مِنَ الطَّهَارَاتِ كَمَاءِ الْوَرْدِ، وَمَا يَنْزِلُ مِنْ عُرُوقِ الْأَشْجَارِ غَيْرُ مُطَهِّرٍ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَصَمِّ، إِذِ الطَّهَارَةُ لَا تَجُوزُ إِلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَكَذَا النَّبِيذُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاهِيرِ، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ: يُتَوَضَّأُ بِهِ فِي السَّفَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ، وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَعَنْهُ: الْجَمْعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَهُمَا مُسْتَحَبٌّ، وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّبِيذِ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَتُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَا يَتَيَمَّمُ، قَالَ الرَّازِيُّ: وَهِيَ أَشْهَرُ عَنْهُ، وَقَالَهُ زُفَرُ. قَالَ فِي " الْمُحِيطِ "، و" الْمَبْسُوطِ " وَقَاضِي خَانْ: النَّبِيذُ الْمُشْتَدُّ حَرَامٌ شُرْبُهُ فَكَيْفَ يُتَوَضَّأُ بِهِ؟ وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى أَبُو فَزَارَةَ، وَاسْمُهُ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ، - عَنْ أَبِي زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ، فَقَالَ: أَمَعَكَ مَاءٌ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: مَا فِي الْإِدَاوَةِ؛ قُلْتُ: نَبِيذٌ. فَقَالَ: تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ مَائِعٌ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، أَشْبَهَ نَبِيذَ الزَّبِيبِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يُصَحِّحْهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ الْخَلَّالُ: كَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ مَسْعُودٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: أَحَادِيثُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وُضِعَتْ عَلَى أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ ظُهُورِ الْعَصَبِيَّةِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إِنَّمَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ اعْتِمَادًا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا أَصْلَ لَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَقَالَ (فَإِنْ غَيَّرَ) أَيِ الطَّاهِرُ، سَوَاءٌ كَانَ مَذْرُورًا كَالزَّعْفَرَانِ وَالْأُشْنَانِ، أَوْ حُبُوبًا كَالْبَاقِلَاءِ وَالْحِمَّصِ (أَحَدَ أَوْصَافِهِ) وَالْمَذْهَبُ: أَوْ أَكْثَرَهَا (لَوْنَهُ) وَاخْتُلِفَ فِي لَوْنِ الْمَاءِ عَلَى أَقْوَالٍ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا لَوْنَ لَهُ، وَرُدَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ «مَاءِ الْحَوْضِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ» (أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ) فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ فِي رِوَايَةٍ نَصَّ عَلَيْهَا، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي " الشَّافِي " وَأَبُو حَفْصٍ فِي " الْمُقْنِعِ " وَالْقَاضِي، وَقَالَ: هِيَ الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ طَاهِرٍ يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَغَيَّرَ بِطَبْخٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ مَاءٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَالنُّصُوصُ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الْعَارِي عَنِ الْقُيُودِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ النَّفْيِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ مَاءَ الزَّعْفَرَانِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَلَامُهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّغْيِيرِ بَيْنَ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الْأَصْحَابَ سَوَّوْا بَيْنَهَا قِيَاسًا لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، لَكِنَّ الْخِرَقِيَّ شَرَطَ الْكَثْرَةَ فِي الرَّائِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ أَظْهَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 أَوِ اسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ، أَوْ طَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ كَالتَّجْدِيدِ، وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ، أَوْ غَمَسَ   [المبدع في شرح المقنع] لِسُرْعَةِ سِرَايَتِهَا وَنُفُوذِهَا، وَفِي أُخْرَى: مُطَهِّرٌ، نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثُ، وَالْمَيْمُونِيُّ، وَذُكِرَ فِي " الْكَافِي " أَنَّهَا أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَاءٍ، لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَلَمْ يَجُزِ التَّيَمُّمُ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْلُبْهُ اسْمَهُ وَلَا رِقَّتَهُ، أَشْبَهَ الْمُتَغَيِّرَ بِالدُّهْنِ. وَفِي ثَالِثَةٍ: طَهُورٌ مَعَ عَدَمٍ قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَسْلُبْهُ اسْمَهُ فَقَدْ سَلَبَهُ الْإِطْلَاقَ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُتَغَيِّرِ بِالدُّهْنِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَنْ مُجَاوَرَةٍ، وَهَذَا تَغَيَّرَ عَنْ مُخَالَطَةٍ. فَرْعٌ: إِذَا غَيَّرَ وَصْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، فَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: مُطَهِّرَةٌ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُسَافِرُونَ، وَغَالِبُ أَسْقِيَتِهِمُ الْأُدُمُ، وَهِيَ تُغَيِّرُ أَوْصَافَ الْمَاءِ عَادَةً، وَلَمْ يَكُونُوا يَتَيَمَّمُونَ مَعَهَا، وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ عَلَى الْأَشْهَرِ، لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ أَشْبَهَ مَا لَوْ زَالَ اسْمُهُ. (أَوِ اسْتُعْمِلَ) - وَكَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " (فِي رَفْعِ حَدَثٍ) أَيُّ حَدَثٍ كَانَ فَهُوَ طَاهِرٌ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبَّ عَلَى جَابِرٍ مِنْ وَضُوئِهِ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ غَيْرُ مُطَهِّرٍ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي " الْكَافِي ": إِنَّهَا الْأَشْهَرُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْتَسِلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَهُوَ جُنُبٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ يُفِيدُ مَنْعًا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ أَزَالَ بِهِ مَانِعًا مِنَ الصَّلَاةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَزَالَ بِهِ النَّجَاسَةَ، أَوِ اسْتُعْمِلَ فِي عِبَادَةٍ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ، أَشْبَهَ الرَّقَبَةَ فِي الْكَفَّارَةِ، وَفِي أُخْرَى: مُطَهِّرٌ اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْبَقَاءِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، لِأَنَّهُ مَاءٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] طَاهِرٌ لَاقَى أَعْضَاءً طَاهِرَةً، فَلَمْ يَسْلُبْهُ الطَّهُورِيَّةَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَبَرَّدَ بِهِ، وَفِي ثَالِثَةٍ: نَجِسٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي ثَوْبِ الْمُتَطَهِّرِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنِ الْغُسْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَنَهَى عَنِ الْبَوْلِ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَوْلَ يُنَجِّسُهُ، فَكَذَا الْغُسْلُ، وَلِأَنَّهُ أَزَالَ مَانِعًا مِنَ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ قَالَ جَمَاعَةٌ: وَعَلَيْهَا يُعْفَى عَمَّا قُطِّرَ عَلَى بَدَنِ الْمُتَطَهِّرِ وَثَوْبِهِ، وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى: لَا، صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالْأُولَى أَصَحُّ، لِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ لَا يُقَاسُ عَلَى إِزَالَةِ النَّجِسِ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ، وَبِأَنَّهُ يَكْفِي اشْتِرَاكُهُمَا فِي أَصْلِ الْمَنْعِ مِنَ التَّطْهِيرِ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي التَّنْجِيسِ قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ طَهُورٌ فِي إِزَالَةِ الْخُبْثِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُنْفَصِلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ إِذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ فِيهِ الرِّوَايَاتُ، وَيُسْتَثْنَى عَلَى الْأَوَّلِ غَيْرُ غُسْلِ ذِمِّيَّةٍ لِحَيْضٍ، وَنِفَاسٍ، وَجَنَابَةٍ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " فِيهِ وَجْهًا وَاحِدًا بِالشَّرْطِ السَّابِقِ. فَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ أَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلًا عَنْ مَسْحِهِ لَمْ يَسْلُبْهُ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا اشْتَرَى مَاءً لِيَشْرَبَهُ، فَبَانَ قَدْ تُوُضِّئَ بِهِ فَعَيْبٌ، لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ شَرْعًا ذَكَرَهُ فِي " النَّوَادِرِ ". (أَوْ طَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ كَالتَّجْدِيدِ، وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ) وَالْإِحْرَامِ، وَسَائِرِ الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ طَهُورٌ قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " و" الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " النِّهَايَةِ " لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا، وَلَمْ يُزِلْ نَجَسًا أَشْبَهَ التَّبَرُّدَ، وَالْأُخْرَى: غَيْرُ مُطَهِّرٍ قَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، لِأَنَّهُ اسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ رَفَعَ بِهِ حَدَثًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً كَالتَّبَرُّدِ لَمْ تَسْلُبْهُ الطَّهُورِيَّةَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ". مَسَائِلُ: الْأُولَى: الْمَذْهَبُ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِانْتِقَالِهِ إِلَى عُضْوٍ آخَرَ، وَعَنْهُ: لَا. قَالَهُ فِي " النِّهَايَةِ " وَعَنْهُ: لَا فِي الْجُنُبِ، وَعَنْهُ: يَكْفِيهِمَا مَسْحُ اللُّمْعَةِ بِلَا غُسْلٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. الثَّانِيَةُ: أَعْضَاءُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ لَيْسَتْ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَعَنْهُ: بَلَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 يَدَهُ فِيهِ قَائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا، فَهَلْ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الثَّالِثَةُ: إِذَا انْغَمَسَ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ فِي قَلِيلٍ رَاكِدٍ بِنِيَّةِ رَفْعِ حَدَثِهِ، أَوْ نَوَاهُ بَعْدَ انْغِمَاسِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ وَصَارَ مُسْتَعْمَلًا، نَصَّ عَلَيْهِ. قِيلَ: بِأَوَّلِ جُزْءٍ لَاقَى مِنْهُ الْمَاءَ كَمَحَلٍّ نَجَسٍ لَاقَاهُ، وَذَلِكَ الْجُزْءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: بِأَوَّلِ جُزْءٍ انْفَصَلَ، كَالْمُتَرَدِّدِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوِ اغْتَرَفَ مِنْهُ آخَرُ، وَتَوَضَّأَ بِهِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَقِيلَ: لَيْسَ مُسْتَعْمَلًا، وَقِيلَ: يَرْتَفِعُ (أَوْ غَمَسَ يَدَهُ) - وَهِيَ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إِلَى الْكُوعِ، وَقِيلَ: أَوْ بَعْضَهَا - (فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَاءِ إِذَا كَانَ دُونَ قُلَّتَيْنِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِغَمْسِهَا فِي مَائِعٍ طَاهِرٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ (قَائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا فَهَلْ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَسْلُبُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ» . وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَصَحَّحَهُ: مِنَ اللَّيْلِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ الْوُجُوبُ، وَعَلَيْهَا غَسْلُهُمَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَهَلْ هُوَ تَعَبُّدٌ؛ فَيَجِبُ إِنْ شُدَّتْ يَدُهُ أَوْ جُعِلَتْ فِي جِرَابٍ، أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ مُعَلَّلٌ بِوَهْمِ النَّجَاسَةِ فَلَا يَجِبُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، وَيَتَعَلَّقُ هَذَا الْحُكْمُ بِالنَّوْمِ النَّاقِضِ لِلْوُضُوءِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى بَيْتُوتَةً، بِدَلِيلِ مَا لَوْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ دَمًا، وَيَنْتَقِضُ بِمَنْ وَافَاهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، مَعَ كَوْنِهِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ نَوْمَ النَّهَارِ لَا أَثَرَ لَهُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا فِيهِ بَعْدَ غَسْلِهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ: يَكْفِي غَسْلُهَا مَرَّةً. فَعَلَى هَذَا لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِي وُجُوبِ النِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ لِغَسْلِهِمَا أَوْجُهٌ. ثَالِثُهَا: تَجِبُ النِّيَّةُ فَقَطْ، وَالْمَذْهَبُ لَا فَرْقَ فِي الْغَمْسِ بَعْدَ نِيَّةِ غَسْلِهَا أَوْ قَبْلَهَا، وَقَالَ الْمَجْدُ: إِنَّمَا يُؤَثِّرُ إِذَا كَانَ بَعْدَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ، وَقَبْلَ غَسْلِهِمَا، وَعَلَيْهَا إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ اسْتَعْمَلَهُ وَتَيَمَّمَ مَعَهُ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي شُرْبٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ، لِلْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ غَمْسٍ أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ، فَانْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا، أَوْ قَبْلَ زَوَالِهَا، فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنِ انْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ زَوَالِهَا، فَهُوَ طَاهِرٌ إِنْ كَانَ الْمَحَلُّ أَرْضًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَرْضِ، فَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] طَهُورٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ، وَعَنْهُ: كَغَمْسِهِ، وَفَمٌ أَوْ رِجْلٌ كَيَدٍ فِي قَلِيلٍ بَعْدَ نِيَّةِ غُسْلٍ وَاجِبٍ لَا وُضُوءَ، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ يَدُهُ نَجِسَةً، وَالْمَاءُ قَلِيلٌ، وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْتَرِفُ بِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِفِيهِ، وَيُصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ، أَوْ يَغْمِسَ خِرْقَةً، أَوْ غَيْرَهَا فَعَلَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَيَمَّمَ كَيْ لَا يُنَجِّسَ الْمَاءَ، وَيَتَنَجَّسَ بِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ شَامِلٌ لِلصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، وَالْكَافِرِ كَضِدِّهِمْ، وَهُوَ وَجْهٌ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَسْلُبُهُ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخَانِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ مَاءٌ لَاقَى أَعْضَاءً طَاهِرَةً، فَكَانَ عَلَى أَصْلِهِ، وَنَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ غَمْسِ الْيَدِ، إِنْ كَانَ لِوَهْمِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ لَا يُزِيلُ الطَّهُورِيَّةَ كَمَا لَا يُزِيلُ الطَّاهِرِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ تَعَبُّدًا اقْتُصِرَ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَهُوَ مَشْرُوعِيَّةُ الْغَسْلِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَفِي ثَالِثَةٍ: هُوَ نَجِسٌ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهِ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَقَدْ فَصَّلَ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: إِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ غَسْلِهِمَا، فَكَمُسْتَعْمَلٍ فِي رَفْعِ حَدَثٍ، وَإِنْ سُنَّ غَسْلُهُمَا، فَكَمُسْتَعْمَلٍ فِي طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ. (وَإِنْ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ فَانْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا) فَهُوَ نَجِسٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ (أَوْ قَبْلَ زَوَالِهَا) يَعْنِي: إِذَا انْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ مَعَ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ، كَالْمُنْفَصِلِ فِي السَّادِسَةِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ (فَهُوَ نَجِسٌ) لِأَنَّهُ مُلَاقٍ لِنَجَاسَةٍ لَمْ يُطَهِّرْهَا. فَكَانَ نَجِسًا أَشْبَهَ مَا لَوْ وَرَدَتْ عَلَيْهِ. وَالْمَحَلُّ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى طَاهِرٌ. صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي، وَجَزَمَ فِي " الِانْتِصَارِ " بِنَجَاسَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحُلْوَانِيِّ (وَإِنِ انْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ زَوَالِهَا) وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الْوَجِيزِ "، وَلَمْ يَبْقَ لِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ (فَهُوَ طَاهِرٌ إِنْ كَانَ الْمَحَلُّ أَرْضًا) نَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعُوهُ، وَأَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» . أَمَرَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ التَّطْهِيرِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ يُطَهِّرُ لَكَانَ تَكْثِيرًا لِلنَّجَاسَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ طَهَارَةُ الْمَحَلِّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 طَاهِرٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهَلْ يَكُونُ طَهُورًا؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ خَلَتْ بِالطَّهَارَةِ مِنْهُ امْرَأَةٌ، فَهُوَ طَهُورٌ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الْوَجِيزِ "، وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلِ الْمَاءُ، وَعَنْ أَحْمَدَ: إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ رَطْبَةً، وَالْأَرْضُ صُلْبَةً، فَمُنْفَصِلُهُ نَجِسٌ، وَقِيلَ: الْمُنْفَصِلُ عَنِ الْأَرْضِ كَالْمُنْفَصِلِ عَنْ غَيْرِهَا فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْبَنَّا رِوَايَةً. فَرْعٌ: إِذَا وَقَعَ خَمْرٌ عَلَى أَرْضٍ فَذَهَبَ بِالْمَاءِ لَوْنُهُ دُونَ رِيحِهِ، عُفِيَ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَتَطْهُرُ أَرْضُ الْبِئْرِ الْيَابِسَةُ وَنَحْوُهَا بِنَبْعِ مَاءٍ طَهُورٍ كَثِيرٍ فِيهَا. (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَرْضِ فَهُوَ طَاهِرٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْ مَحَلٍّ مَحْكُومٍ بِطَهَارَتِهِ، كَالْمُنْفَصِلِ فِي السَّابِعَةِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " الْوَجِيزِ ": وَآخِرُ غَسْلَةٍ زَالَتِ النَّجَاسَةُ بِهَا، وَلِأَنَّهُ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ، وَهُوَ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَشَرْطُهُ الِانْفِصَالُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " بِخِلَافِ الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْفَصِلْ فَعَيْنُ النَّجَاسَةِ قَائِمَةٌ، وَمَقْصُودُ الْغَسْلِ زَوَالُهَا. وَالثَّانِي: نَجُسَ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، لِأَنَّهُ مَاءٌ قَلِيلٌ لَاقَى نَجَاسَةً، أَشْبَهَ مَا لَوِ انْفَصَلَ قَبْلَ زَوَالِهَا، وَالْبَلَلُ الْبَاقِي إِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ (وَهَلْ يَكُونُ طَهُورًا؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) : مَبْنِيَّانِ عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، لِأَنَّهُ أُزِيلَتْ بِهِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ، لِأَنَّهَا زَالَتْ بِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْغَسَلَاتِ، أَشْبَهَ الْحَدَثَ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ. (وَإِنْ خَلَتْ بِالطَّهَارَةِ) أَيِ: الْكَامِلَةِ عَنْ حَدَثٍ (مِنْهُ) إِذَا كَانَ قَلِيلًا جَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " و" الْوَجِيزِ " لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ فَهَذَا أَوْلَى، وَقِيلَ: وَبِكَثِيرٍ (امْرَأَةٌ) مُسْلِمَةٌ كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عَنْهَا إِذَا خَلَتْ بِهِ لِغُسْلِهَا مِنَ الْحَيْضِ، لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ إِبَاحَةُ وَطْئِهَا، وَالثَّانِي: لَا يَمْنَعُ، لِأَنَّ طَهَارَتَهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَمِثْلُهُ غُسْلُهَا مِنَ النِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ، وَقِيلَ: الْمُمَيِّزَةُ كَذَلِكَ (فَهُوَ طَهُورٌ) بِالْأَصْلِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَطَهَّرَ بِهِ، وَلِغَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ أَشْبَهَ بِالَّذِي لَمْ تَخْلُ بِهِ (وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) لِمَا رَوَى الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَنَّ النَّسَائِيَّ، وَابْنَ مَاجَهْ قَالَا: وَضُوءِ الْمَرْأَةِ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَخَصَصْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بِالْخَلْوَةِ، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ: تَوَضَّأْ أَنْتَ هَا هُنَا، وَهِيَ هَا هُنَا، فَإِذَا خَلَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبَنَّهُ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، ثُمَّ فِي مَعْنَى الْخَلْوَةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: انْفِرَادُهَا بِهِ عَنْ مُشَارَكَةِ رَجُلٍ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ الْأَصَحُّ: أَنْ لَا يُشَاهِدَهَا أَحَدٌ عِنْدَ طَهَارَتِهَا، فَعَلَى هَذَا، هَلْ تَزُولُ بِمُشَاهَدَةِ الْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ، وَالْكَافِرِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَزُولُ، كَخَلْوَةِ النِّكَاحِ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالثَّانِي: لَا تَزُولُ إِلَّا بِمُشَاهَدَةِ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالثَّانِيَةُ: تَجُوزُ، وَهِيَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ أَقْيَسُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَحَمَّتْ مِنْ جَنَابَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ مِنْ فَضْلِهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي اغْتَسَلْتُ مِنْهُ فَقَالَ: الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ» ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْخَلْوَةِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَقْصِدُ الْخَلْوَةَ فِي الِاغْتِسَالِ، وَكَاسْتِعْمَالِهِمَا مَعًا، وَكَإِزَالَتِهَا بِهِ نَجَاسَةً، وَكَامْرَأَةٍ أُخْرَى، وَكَتَطَهُّرِهَا بِمَا خَلَا بِهِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِنَّ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ فِي الْأَخِيرَةِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إِجْمَاعًا، وَفِي ثَالِثَةٍ: يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ الْآجُرِّيِّ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى رِوَايَةِ الطَّهُورِيَّةِ، وَقِيلَ: أَوِ الطَّاهِرِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَاقْتَضَى كَلَامُهُ: أَنَّ الْخَلْوَةَ بِهِ لِلشُّرْبِ، أَوِ التَّبْرِيدِ، أَوِ التَّنْظِيفِ مِنْ وَسَخٍ لَا أَثَرَ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ كَانَ لِغَسْلِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا عَنْ حَدَثٍ، أَوْ فِي طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ، أَوْ طَهَارَةِ خَبَثٍ أَثَّرَتْ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الْمُطْلَقَةَ تَنْصَرِفُ إِلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ الْكَامِلَةِ. فَرْعٌ: الْخُنْثَى هُنَا كَرَجُلٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ كَامْرَأَةٍ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: هَلْ تُلْحَقُ الصَّبِيَّةُ بِالْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيُّ بِالرَّجُلِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ: وَفِيمَا تَيَمَّمَتْ بِهِ خَلْوَةً احْتِمَالَانِ. تَذْنِيبٌ: إِذَا اغْتَرَفَ بِيَدِهِ مِنَ الْقَلِيلِ بَعْدَ نِيَّةِ غَسْلِهِ، صَارَ مُسْتَعْمَلًا، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَاءٌ نَجِسٌ وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَهُوَ يَسِيرٌ، فَهَلْ يَنْجُسُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ طَاهِرٌ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ لِصَرْفِ النِّيَّةِ بِقَصْدِ اسْتِعْمَالِهِ خَارِجَهُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: اغْتِرَافُ مُتَوَضِّئٍ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ لَمْ يَنْوِ غَسْلَهَا فِيهِ كَجُنُبٍ، وَالْمَذْهَبُ طَهُورٌ لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فِي طَهُورٍ مُسْتَعْمَلٍ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ، فَإِنْ كَثُرَ الْوَاقِعُ وَتَفَاحَشَ مُنِعَ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ: الْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ قَدْرًا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنْ كَانَ الْوَاقِعُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ خَلًّا غَيَّرَهُ، مُنِعَ. وَنَصُّهُ فِيمَنِ انْتَضَحَ مِنْ وَضُوئِهِ فِي إِنَائِهِ: لَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ فَكَمَّلَهُ بِمَائِعٍ آخَرَ لَمْ يُغَيِّرْهُ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ، وَرَجَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّ الْمَائِعَ قَدِ اسْتُهْلِكَ، وَإِنْ بَلَغَ بَعْدَ خَلْطِهِ قُلَّتَيْنِ أَوْ كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ فَطَاهِرٌ. وَقِيلَ: طَهُورٌ. [الْمَاءُ النَّجِسُ] فَصْلٌ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَاءٌ نَجِسٌ) . هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَا يَسْلِبُ الْمَاءَ صِفَتَيْهِ: طَهَارَتَهُ وَتَطْهِيرَهُ (وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ) فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّطْهِيرِ فَيَنْجُسُ إِجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَحَكَى ابْنُ الْبَنَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ مِنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ الْعَفْوَ عَنْ يَسِيرِ الرَّائِحَةِ، وَهُوَ شَاذٌّ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَثِيرِ التَّغَيُّرِ وَيَسِيرِهِ. مَسْأَلَةٌ: يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ إِلَّا ضَرُورَةً، لِدَفْعِ عَطَشٍ أَوْ لِقُمَّةٍ، وَيَجُوزُ سَقْيُهُ الْبَهَائِمَ قِيَاسًا عَلَى الطَّعَامِ إِذَا تَنَجَّسَ، وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهُ بِحَالٍ بَلْ يُرَاقُ (فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَهُوَ يَسِيرٌ فَهَلْ يَنْجُسُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا يَنْجُسُ. قَالَ فِي " النِّهَايَةِ ": وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ: إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ «لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ، وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْهُ، فَقَالَ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيَكْفِي شَاهِدًا عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ نُجُومَ أَهْلِ الْحَدِيثِ صَحَّحُوهُ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِإِرَاقَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، وَلَمْ يُعْتَبَرِ التَّغْيِيرُ. وَعُمُومُ كَلَامِهِ يَشْمَلُ الْجَارِي وَالرَّاكِدَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَفِي ثَانِيَةٍ: أَنَّ الْجَارِيَ لَا يَنْجُسُ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ، اخْتَارَهَا الْمُوَفَّقُ، وَجَمَعَ، وَرَجَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ ". وَفِي أُخْرَى: تُعْتَبَرُ كُلُّ جِرْيَةٍ بِنَفْسِهَا، اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، فَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً نَجُسَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْجِرْيَةُ مَا أَحَاطَ بِالنَّجَاسَةِ فَوْقَهَا وَتَحْتَهَا إِلَى قَرَارِ النَّهْرِ، وَيَمْنَةً وَيَسْرَةً مَا بَيْنَ حَافَّتَيِ النَّهْرِ زَادَ فِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ ": مَا قَرُبَ مِنَ النَّجَاسَةِ أَمَامَهَا وَخَلْفَهَا، وَلِابْنِ عَقِيلٍ: مَا فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَقَدْرُ مِسَاحَتِهَا فَوْقَهَا وَتَحْتَهَا، وَيَمِينَهَا وَيَسَارَهَا، انْتَهَى. فَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ مُمْتَدَّةً فَهَلْ تُجْعَلُ كُلُّ جِرْيَةٍ مِنْهَا كَنَجَاسَةٍ مُفْرَدَةٍ، أَوْ كُلُّهَا نَجَاسَةَ وَاحِدَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لَعَلَّهُ سَقَطَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَنْجُسُ إِلَّا بِالتَّغْيِيرِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْمُنَى، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؛، وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ، وَالنَّتْنُ، وَلُحُومُ الْكِلَابِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. » رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، قَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ صَحِيحٌ، قُلْتُ: وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ، وَطَعْمِهِ، وَلَوْنِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. فَرْعٌ: يَسِيرُ النَّجَاسَةِ مِثْلُ كَثِيرِهَا فِي التَّنَجُّسِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا الطَّرْفُ أَيْ: لَا تُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهَا الطَّرْفُ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: إِنْ مَضَى زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ زَادَ فِي " الشَّرْحِ " إِلَّا أَنَّ مَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، كَالدَّمِ، حُكْمُ الْمَاءِ الَّذِي تَنَجَّسَ بِهِ حُكْمُهُ فِي الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهِ. (وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا) وَلَمْ يُغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ (فَهُوَ طَاهِرٌ) بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ مَا لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 النَّجَاسَةُ بَوْلًا، أَوْ عَذِرَةً مَائِعَةً، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَا يَنْجُسُ، وَالْأُخْرَى: يَنْجُسُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لِكَثْرَتِهِ، فَلَا يَنْجُسُ. وَإِذَا انْضَمَّ إِلَى الْمَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] يَكُنْ بَوْلَ آدَمِيٍّ أَوْ عَذِرَتَهُ لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ، وَبِئْرِ بُضَاعَةَ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ إِلَى نَجَاسَتِهِ إِلَّا أَنْ يَبْلُغَ حَدًّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: مَا إِذَا حُرِّكَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ لَمْ يَتَحَرَّكِ الْآخَرُ، وَقِيلَ: عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فِي مِثْلِهَا، وَمَا دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ قَلِيلٌ، وَإِنْ بَلَغَ أَلْفَ قُلَّةٍ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بَوْلًا) أَيْ: بَوْلَ آدَمِيٍّ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْعَذِرَةِ، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَخُصَّ فِي " التَّلْخِيصِ " الْخِلَافُ بِهِ فَقَطْ، وَقَالَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ (أَوْ عَذِرَةً مَائِعَةً) لِأَنَّ أَجْزَاءَهَا تَتَفَرَّقُ فِي الْمَاءِ وَتَنْتَشِرُ، فَهِيَ كَالْبَوْلِ بَلْ أَفْحَشُ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ حُكْمَ الرَّطْبَةِ وَالْيَابِسَةِ إِذَا ذَابَتْ كَذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَالْأَوْلَى التَّفْرِيقُ بَيْنَ الرَّطْبَةِ وَالْمَائِعَةِ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: لَا يَنْجُسُ) اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ، وَلِأَنَّ نَجَاسَةَ الْآدَمِيِّ لَا تَزِيدُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَلْبِ، وَهُوَ لَا يُنَجِّسُهَا، فَهَذَا أَوْلَى (وَالْأُخْرَى يَنْجُسُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَالْمَرُّوذِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالشَّرِيفُ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَأَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَهُوَ خَاصٌّ فِي الْبَوْلِ. وَخَبَرُ الْقُلَّتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى بَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ فَحَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لِكَثْرَتِهِ فَلَا يَنْجُسُ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِمَّا سَبَقَ، وَهُوَ الْمَاءُ إِذَا كَانَ كَثِيرًا، وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ بَوْلًا أَوْ عَذِرَةً مَائِعَةً، فَإِنَّهُ يَنْجُسُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْمَاءُ حَدًّا يَشُقُّ نَزْحُهُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، مِثْلُ الْمَصَانِعِ الَّتِي جُعِلَتْ مَوْرِدًا لِلْحَاجِّ بِطَرِيقِ مَكَّةَ يَصْدُرُونَ عَنْهَا وَلَا يَنْفُذُ مَا فِيهَا أَنَّهَا لَا تَنْجُسُ إِلَّا بِالتَّغْيِيرِ، قَالَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 النَّجِسِ مَاءٌ طَاهِرٌ كَثِيرٌ طَهَّرَهُ إِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّجِسُ كَثِيرًا،   [المبدع في شرح المقنع] " الْمُغْنِي ": لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ تَقْدِيرَ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنَ الْمَصَانِعِ الَّتِي بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُقَدِّرُونَهُ بِبِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ سِتَّةُ أَشْبَارٍ فِي مِثْلِهَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدَّرْتُهَا فَوَجَدْتُهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ، وَسَأَلْتُ الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ الْبُسْتَانِ هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا؛ قَالَ: لَا، وَقَالَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: سَأَلْتُ قَيِّمَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنْ عُمْقِهَا، فَقَالَ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ إِلَى الْعَانَةِ قُلْتُ: فَإِذَا نَقَصَ، قَالَ: دُونَ الْعَوْرَةِ. تَنْبِيهَاتٌ - الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ مَائِعٍ كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ يَنْجُسُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " لِأَنَّهُ لَا يُطَهِّرُ غَيْرَهُ فَلَمْ يَرْفَعِ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ كَالْيَسِيرِ، وَفِي أُخْرَى: كَالْمَاءِ يَنْجُسُ إِنْ قَلَّ أَوْ تَغَيَّرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي ثَالِثَةٍ: مَا أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْخَلِّ التَّمْرِيِّ، فَهُوَ كَالْمَاءِ، وَغَيْرِهِ يَنْجُسُ مُطْلَقًا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَبَنٌ كَزَيْتٍ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ النَّجِسِ عَيْنِيَّةٌ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا، لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ، فَنَفْسُهُ أَوْلَى، وَأَنَّهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. الثَّالِثُ: إِذَا غَيَّرَتْ نَجَاسَةٌ بَعْضَ الطَّهُورِ الْكَثِيرِ، فَفِي نَجَاسَتِهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مَعَ كَثْرَتِهِ وَجْهَانِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ طَهُورٌ. (وَإِذَا انْضَمَّ إِلَى الْمَاءِ النَّجِسِ مَاءٌ طَاهِرٌ) أَيْ: طَهُورٌ (كَثِيرٌ طَهَّرَهُ، إِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّجِسُ كَثِيرًا فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِنَزْحٍ بَقِيَ بَعْدَهُ كَثِيرُ، طَهُرَ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ تَطْهِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ النَّجِسُ دُونَ قُلَّتَيْنِ، فَتَطْهِيرُهُ بِالْمُكَاثَرَةِ حَسْبَ الْإِمْكَانِ زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " عُرْفًا، وَاعْتَبَرَ الْأَزَجِيُّ، وَالسَّامِرِيُّ الِاتِّصَالَ فِيهِ بِقُلَّتَيْنِ طَهُورِيَّتَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُصَبَّ فِيهِ، أَوْ يَجْرِي إِلَيْهِ مِنْ سَاقِيَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَيَزُولُ بِهِمَا تَغَيُّرُهُ إِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ طَهُرَ بِمُجَرَّدِ الْمُكَاثَرَةِ، لِأَنَّ الْقُلَّتَيْنِ تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهَا، وَعَمَّا اتَّصَلَ بِهَا، وَلَا يَنْجُسُ إِلَّا بِالتَّغْيِيرِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ النَّجِسَ الْقَلِيلَ لَا يَطْهُرُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ عِلَّةُ نَجَاسَتِهِ الْمُلَاقَاةُ لَا التَّغْيِيرُ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قُلَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بِالنَّجَاسَةِ، فَتَطْهِيرُهُ بِالْمُكَاثَرَةِ. أَوْ مُتَغَيِّرًا بِهَا فَتَطْهِيرُهُ بِالْمُكَاثَرَةِ إِذَا زَالَ التَّغَيُّرُ، وَبِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّ عِلَّةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَزْحٍ بَقِيَ بَعْدَهُ كَثِيرُ طُهْرٍ، وَإِنْ كُوثِرَ بِمَاءٍ يَسِيرٍ، أَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَأَزَالَ التَّغَيُّرَ، لَمْ يَطْهُرْ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَطْهُرَ. وَالْكَثِيرُ مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ، وَالْيَسِيرُ   [المبدع في شرح المقنع] التَّنْجِيسِ زَالَتْ، كَالْخَمْرَةِ إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَطْهُرُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، الثَّالِثُ: الزَّائِدُ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَتَطْهِيرُهُ بِالْمُكَاثَرَةِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا فَتَطْهِيرُهُ بِالْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَبِثَالِثٍ: وَهُوَ أَنْ يُنْزَحَ مِنْهُ حَتَّى يَزُولَ التَّغَيُّرُ، وَيَبْقَى بَعْدَ النَّزْحِ قُلَّتَانِ، هَذَا إِنْ كَانَ مُتَنَجِّسًا بِغَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مُجْتَمِعًا مِنْ مُتَنَجِّسٍ كُلُّ مَا دُونَ قُلَّتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُمَا قَبْلَ زَوَالِ التَّغَيُّرِ، ثُمَّ زَالَ لَمْ يَطْهُرْ، لِأَنَّ عِلَّةَ التَّنَجُّسِ فِي الْقَلِيلِ مُجَرَّدُ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، وَيُعْتَبَرُ زَوَالُ التَّغَيُّرِ فِي الْكُلِّ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ مُتَنَجِّسًا بِغَيْرِ بَوْلِ آدَمِيٍّ وَعَذِرَتِهِ، فَإِنْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ، فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ، وَإِنْ تَغَيَّرْ، وَكَانَ مِمَّا يَشُقُّ نَزْحُهُ، فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ مَعَ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ، أَوْ بِنَزْحٍ يَبْقَى بَعْدَهُ قُلَّتَانِ، أَوْ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ بِمَا لَا يَشُقُّ نَزْحُهُ فَبِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ، كَمَصَانِعِ مَكَّةَ مَعَ زَوَالِ التَّغَيُّرِ (وَإِنْ كُوثِرَ) ، أَوْ كَانَ كَثِيرًا فَأُضِيفَ إِلَيْهِ (بمَاءٍ يَسِيرٍ) طَهُورٍ، (أَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ) كَالتُّرَابِ، وَالْخَلِّ، وَنَحْوِهِمَا، لَا مِسْكٍ وَنَحْوِهِ، (فَأَزَالَ التَّغَيُّرَ) لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَعَنْ غَيْرِهِ أَوْلَى (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَطْهُرَ) ، وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ، وَلِأَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ زَالَتْ، وَهِيَ التَّغَيُّرُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ زَالَ بِالْمُكَاثَرَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: التُّرَابُ لَا يَطْهُرُ، لِأَنَّهُ يَسْتُرُ النَّجَاسَةَ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَقِيلَ بِهِ فِي النَّجِسِ الْكَثِيرِ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَ فِي " الْإِيضَاحِ " رِوَايَتَيْنِ فِي التُّرَابِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا اجْتَمَعَ مِنْ نَجِسٍ وَطَهُورٍ وَطَاهِرٍ قُلَّتَانِ بِلَا تَغَيُّرٍ فَكُلُّهُ نَجِسٌ، وَقِيلَ: طَاهِرٌ، وَقِيلَ: طَهُورٌ، وَإِنْ أُضِيفَتْ قُلَّةٌ نَجِسَةٌ إِلَى مِثْلِهَا، وَلَا تَغَيُّرَ لَمْ تَطْهُرْ فِي الْمَنْصُوصِ كَنَجَاسَةٍ أُخْرَى، وَفِي غَسْلِ جَوَانِبِ بِئْرٍ نُزِحَتْ وَأَرْضِهَا رِوَايَتَانِ. (وَالْكَثِيرُ مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ) هُمَا تَثْنِيَةُ قُلَّةٍ، وَهِيَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا ارْتَفَعَ وَعَلَا، وَمِنْهُ قُلَّةُ الْجَبَلِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْجَرَّةُ الْكَبِيرَةُ، سُمِّيَتْ قُلَّةً لِعُلُوِّهَا وَارْتِفَاعِهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ يُقِلُّهَا بِيَدِهِ أَيْ: يَرْفَعُهَا، وَالتَّحْدِيدُ وَقَعَ بِقِلَالِ هَجَرَ، وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 مَا دُونَهُمَا، وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ. وَعَنْهُ: أَرْبَعُمِائَةٌ وَهَلْ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهَا مَشْهُورَةُ الصِّفَةِ مَعْلُومَةُ الْمِقْدَارِ لَا يَخْتَلِفُ كَالصِّيعَانِ، وَلِأَنَّ خَبَرَ الْقُلَّتَيْنِ دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى رَفْعِهِمَا النَّجَاسَةَ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى نَجَاسَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا، فَلِذَلِكَ جَعَلْنَاهُمَا حَدًّا لِلْكَثِيرِ (وَالْيَسِيرُ مَا دُونَهُمَا) أَيْ: دُونَ الْقُلَّتَيْنِ (وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الْفُرُوعِ "، وَذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ: رَأَيْتُ قِلَالَ هَجَرَ، فَرَأَيْتُ الْقُلَّةَ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ، أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا، وَالِاحْتِيَاطُ إِثْبَاتُ الشَّيْءِ، وَجَعْلُهُ نِصْفًا، لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ مُنْكَرٍ، فَيَكُونُ مَجْمُوعُهُمَا خَمْسُ قِرَبٍ بِقِرَبِ الْحِجَازِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ تِسْعُمِائَةِ رِطْلٍ عِرَاقِيَّةٍ، بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِتَحْدِيدِ الْمَاءِ بِالْقِرَبِ، وَالرِّطْلُ الْعِرَاقِيُّ: مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " الْقَدِيمِ، وَعَزَاهُ إِلَى أَبِي عُبَيْدٍ، وَقِيلَ: وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ذَكَرَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَقِيلَ: وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " الْجَدِيدِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَعَلَى هَذَا هُوَ سُبْعُ الرِّطْلِ الدِّمَشْقِيِّ وَنِصْفُ سُبْعِهِ، فَتَكُونُ الْقُلَّتَانِ بِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةَ رِطْلٍ وَسَبْعَةَ أَرْطَالٍ وَسُبْعَ رِطْلٍ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِأُوقِيَّةٍ وَخَمْسَةِ أَسْبَاعِ أُوقِيَّةٍ، وَبِالْقُدْسِيِّ: ثَمَانُونَ رِطْلًا وَسُبْعَا رِطْلٍ، وَنِصْفُ سُبْعٍ، وَبِالْحَلَبِيِّ: تِسْعَةٌ وَثَمَانُونَ رِطْلًا وَسُبْعَا رِطْلٍ، وَبِالْمِصْرِيِّ: أَرْبَعُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ، وَمِسَاحَتُهُمَا مُرَبَّعًا: ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا، وَمُدَوَّرًا: ذِرَاعٌ طُولًا، وَذِرَاعَانِ وَنِصْفُ ذِرَاعٍ عُمْقًا، وَالْمُرَادُ بِهِ: ذِرَاعُ الْيَدِ، صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ (وَعَنْهُ: أَرْبَعُمِائَةٍ) رَوَاهُ عَنْهُ الْأَثْرَمُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، لِقَوْلِ يَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ: رَأَيْتُ قِلَالَ هَجَرَ، وَأَظُنُّ الْقُلَّةُ تَأْخُذُ قِرْبَتَيْنِ. رَوَاهُ الْجَوْزَجَانِيُّ، وَعَلَى هَذَا هُمَا بِالدِّمَشْقِيِّ: خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ رِطْلًا وَثُلُثَا رِطْلٍ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ أُوقِيَّةٍ، وَفِي ثَالِثَةٍ: هُمَا قِرْبَتَانِ وَثُلُثٌ، جَعْلًا لِلشَّيْءِ ثُلُثًا. (وَهَلْ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ) صَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 تَحْدِيدٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَوْ كَانَ نَجِسًا فَشَكَّ فِي طَهَارَتِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الشَّرْحِ "، و" الْفُرُوعِ " لِأَنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا جُعِلَ نِصْفًا احْتِيَاطِيًّا، وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا دُونَ النِّصْفِ (أَوْ تَحْدِيدٌ) ؛ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، لِأَنَّ مَا جُعِلَ احْتِيَاطِيًّا يَصِيرُ وَاجِبًا كَغَسْلِ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ مَعَ الْوَجْهِ (عَلَى وَجْهَيْنِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ رَاجِعٌ إِلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَلَامُهُ فِي " الْمُغْنِي "، و" الْمُحَرَّرِ " يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْخِلَافِ بِالْأَوْلَى. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهُوَ الْأَشْبَهُ إِنْ قِيلَ: الْقِرْبَةُ تِسْعُمِائَةٍ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّهُ لَا تَرْدِيدَ فِي كَوْنِ الْقُلَّةِ قِرْبَتَيْنِ، وَإِنَّمَا التَّرْدِيدُ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ قِيلَ: هِيَ مِائَةٌ تَقْرِيبًا حَسُنَ مَجِيءُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: الْأَصَحُّ أَنَّ الْخَمْسَمِائَةٍ تَقْرِيبٌ، وَالْأَرْبَعَمِائَةٍ تَحْدِيدٌ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إِذَا نَقَصَتِ الْقُلَّتَانِ رِطْلًا أَوْ رِطْلَيْنِ، وَوَقَعَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ، فَعَلَى الْأُولَى طَاهِرٌ، لِأَنَّهُ نَقْصٌ يَسِيرٌ لَا أَثَرَ لَهُ، وَعَلَى الثَّانِي: نَجِسٌ، لِأَنَّهُ نَقْصٌ عَنْ قُلَّتَيْنِ. مَسَائِلُ: إِذَا وَقَعَ نَجَاسَةٌ فِي قَلِيلٍ، وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، وَقُلْنَا: يَنْجُسُ بِهَا، فَانْتُضِحَ مِنْهُ عَلَى ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ، نَجُسَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَهُ اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَوْ مَعَ قِيَامِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَلِيلٌ، وَإِنْ شَكَّ فِي كَثْرَةِ الْمَاءِ، أَوْ نَجَاسَةِ عَظْمٍ، أَوْ رَوْثَةٍ، أَوْ جَفَافِ نَجَاسَةٍ عَلَى ذُبَابٍ وَغَيْرِهِ، أَوْ وُلُوغِ كَلْبٍ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إِنَاءٍ، وَثَمَّ بِفِيهِ رُطُوبَةٌ، فَوَجْهَانِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: فِيمَنْ وَطِئَ رَوْثَةً، فَرَخَّصَ فِيهِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مَا هِيَ. (وَإِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ) فَهُوَ طَاهِرٌ، لِأَنَّهَا مُتَيَقَّنَةٌ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمُكْثِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَمْنَعُ، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالْمَاءِ، بَلْ يَجْرِي فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، (أَوْ كَانَ نَجِسًا فَشَكَّ فِي طَهَارَتِهِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) أَيِ: الْأَصْلِ، لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ عَلَى حَالٍ، فَانْتِقَالُهُ عَنْهَا يَفْتَقِرُ إِلَى عَدَمِهَا، وَوُجُودُ الْأُخْرَى، وَبَقَاؤُهَا وَبَقَاءُ الْأُولَى لَا يَفْتَقِرُ إِلَّا إِلَى مُجَرَّدِ الْبَقَاءِ، فَيَكُونُ أَيْسَرَ مِنَ الْحُدُوثِ وَأَكْثَرَ، وَالْأَصْلُ إِلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ. فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِنَجَاسَتِهِ، وَذَكَرَ السَّبَبَ قَبْلُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَلْزَمُ قَبُولُ خَبَرِهِ، لِاحْتِمَالِ اعْتِقَادِ نَجَاسَتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَعْتَقِدُهُ الْمُخْبَرُ، وَقِيلَ: يَقْبَلُ، كَالرِّوَايَةِ، وَيَكْفِي مَسْتُورُ الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ، كَعَبْدٍ وَأُنْثَى، وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ كَلْبًا وَلَغَ فِي هَذَا الْإِنَاءِ فَقَطْ، وَقَالَ آخَرُ: إِنَّمَا وَلَغَ فِي هَذَا، حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِمَا، لِأَنَّ صِدْقَهَا مُمْكِنٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 بَنَى عَلَى الْيَقِينِ. وَإِنِ اشْتَبَهَ الْمَاءُ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ لَمْ يَتَحَرَّ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَيَتَيَمَّمُ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ إِرَاقَتُهُمَا أَوْ خَلْطُهُمَا؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ عَيَّنَا كَلْبًا وَوَقْتًا يَضِيقُ عَنْ شُرْبِهِ مِنْهُمَا؛ تَعَارَضَا، وَلَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: وَلَغَ فِي هَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: نَزَلَ وَلَمْ يَشْرَبْ، قَدَّمَ قَوْلَ الْمُثْبِتِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ضَرِيرًا فَيُقَدِّمُ قَوْلَ الْبَصِيرِ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: إِذَا أَصَابَهُ مَاءٌ، وَلَا أَمَارَةَ تَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ، كُرِهَ سُؤَالُهُ عَنْهُ نَقَلَهُ صَالِحٌ لِقَوْلِ عُمَرَ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا، فَلَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ، وَقِيلَ: بَلَى كَمَا لَوْ سُئِلَ عَنِ الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: الْأَوْلَى السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ، وَقِيلَ: بِلُزُومِهِمَا، وَأَوْجَبَ الْأَزَجِيُّ إِجَابَتَهُ إِنْ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ. (وَإِنِ اشْتَبَهَ الْمَاءُ الطَّاهِرُ) أَيِ: الطَّهُورُ (بِالنَّجِسِ) تَنْقَسِمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إِلَى صُوَرٍ، مِنْهَا: أَنْ يَزِيدَ عَدَدَ النَّجِسِ، أَوْ يَتَسَاوَيَانِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِيهِمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَزِيدَ عَدَدُ الطَّاهِرِ عَلَى عَدَدِ النَّجِسِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مَحَالِّهِ، وَهُوَ مَجَازٌ شَائِعٌ (لَمْ يَتَحَرَّ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْمُبَاحُ بِالْمَحْظُورِ فِي مَوْضِعٍ لَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، كَمَا لَوِ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَوْلًا، لِأَنَّ الْبَوْلَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّطْهِيرِ، وَالثَّانِيَةُ: لَهُ التَّحَرِّي إِذَا زَادَ عَدَدُ الطَّهُورِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ شَاقْلَا، وَالنَّجَّادِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ إِصَابَتُهُ الطَّهُورَ، وَجِهَةُ الْإِبَاحَةِ تَرَجَّحَتْ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهُ فِي نِسَاءِ بَلَدٍ كَبِيرٍ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ الْكُلِّ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ النِّكَاحُ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَكْتَفِي بِمُطْلَقِ الزِّيَادَةِ، أَوْ كَوْنِ الطَّهُورِ أَكْثَرَ عُرْفًا، أَوْ كَوْنِ النَّجَسِ تُسْعَ الطَّهُورِ؛ فِيهِ أَوْجُهٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَعْمَى وَغَيْرِهِ، وَهَلْ يَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ النَّجِسَ إِعْلَامُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ؛ فِيهِ احْتِمَالَاتٌ، ثَالِثُهَا: يَلْزَمُ إِنْ شُرِطَتْ إِزَالَتُهَا لِصَلَاةٍ، وَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِلَا تَحَرٍّ، فَبَانَ طَهُورًا لَمْ يَصِحَّ، وَيُعَايَا بِهَا، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: يَصِحُّ (وَيَتَيَمَّمُ) فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ، لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ حُكْمًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى بِهِ، ثُمَّ عَلِمَ النَّجِسَ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ إِرَاقَتُهُمَا أَوْ خَلْطُهُمَا؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِطَاهِرٍ تَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَصَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً. وَإِنِ اشْتَبَهَتِ   [المبدع في شرح المقنع] " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ - لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ - إِعْدَامُهُمَا بِخَلْطٍ أَوْ إِرَاقَةٍ، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي بِئْرٍ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ: تُشْتَرَطُ الْإِرَاقَةُ، لِيَكُونَ عَادِمًا لِلْمَاءِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو الْبَرَكَاتِ، وَهَذَا إِذَا أَمِنَ الْعَطَشَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَطْهِيرُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَالْمُحَرَّمُ بِغَصْبٍ كَالنَّجِسِ فِيمَا ذَكَرْنَا. فَرْعٌ: إِذَا احْتَاجَ إِلَى شُرْبٍ أَوْ أَكْلٍ لَمْ يَجُزْ بِلَا تَحَرٍّ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ فَعَلَ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: أَوْ تَطَهَّرَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِتَحَرٍّ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَهُورًا، وَجَبَ غَسْلُ ثِيَابِهِ وَأَعْضَائِهِ، وَقِيلَ: يُسَنُّ، وَيُرِيقُ النَّجِسَ إِنْ عَلِمَهُ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ، وَإِنْ خَافَ الْعَطَشَ تَوَضَّأَ بِالطَّاهِرِ، وَحَبَسَ النَّجِسَ، وَقِيلَ: يَحْبِسُ الطَّاهِرَ وَيَتَيَمَّمُ، وَهُوَ أَوْلَى كَمَا لَوْ خَافَ احْتِيَاجَهُمَا لِلْعَطَشِ. فَرْعٌ: إِذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ، ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ أَعَادَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، خِلَافًا " لِلرِّعَايَةِ "، وَنَصُّهُ: حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَتَهُ، وَذُكِرَ فِي " الْفُصُولِ "، وَالْأَزَجِيِّ: إِنْ شَكَّ هَلْ كَانَ وُضُوءُهُ قَبْلَ نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَوْ بَعْدَهُ؟ لَمْ يُعِدْ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. (وَإِنِ اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِطَاهِرٍ؛ تَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) قَالَ فِي " الْوَجِيزِ " مَعَ عَدَمِ طَهُورٍ مُشْتَبَهٍ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُضُوءًا كَامِلًا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، و" الْمُحَرَّرِ " لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ تَأْدِيَةُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ، فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْهُمَا وُضُوءًا وَاحِدًا، فَيَأْخُذُ مِنْ هَذَا غُرْفَةً، وَمِنْ هَذَا غُرْفَةً مُطْلَقًا، فَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْهُمَا مَعَ طَهُورٍ بِيَقِينٍ وُضُوءًا وَاحِدًا صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى أَحَدِهِمَا لِلشُّرْبِ تَحَرَّى وَتَوَضَّأَ بِالطَّهُورِ عِنْدَهُ، وَتَيَمَّمَ لِيَحْصُلَ لَهُ الْيَقِينُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَصَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً) قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ ": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ، صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ صَلَاةً وَزَادَ صَلَاةً. بَابُ الْآنِيَةِ كُلُّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ، وَلَوْ كَانَ ثَمِينًا كَالْجَوْهَرِ، وَنَحْوِهِ إِلَّا آنِيَةَ   [المبدع في شرح المقنع] بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ كَانَا طَهُورَيْنِ، وَلَمْ يَكْفِهِ أَحَدُهُمَا. (وَإِنِ اشْتَبَهَتِ الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ) وَهُوَ يَعْلَمُ عَدَدَهَا (صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ صَلَاةً) يَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ احْتِيَاطًا، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَلَمْ يَجُزِ التَّحَرِّي مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَاءَ يُلْصَقُ بِبَدَنِهِ، فَيَتَنَجَّسُ بِهِ، وَأَنَّهُ يُبَاحُ طَلَبُهُ فِيهِ عِنْدَ الْعَدَمِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ النَّجِسِ، قَالَ الْأَصْحَابَ: وَلِأَنَّ الْقِبْلَةَ يَكْثُرُ الِاشْتِبَاهُ فِيهَا، وَالتَّفْرِيطُ هُنَا حَصَلَ مِنْهُ بِخِلَافِهَا، وَلِأَنَّ لَهَا أَدِلَّةً تَدُلُّ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الثِّيَابِ (وَزَادَ صَلَاةً) لِأَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ يَقِينًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَدَ النَّجِسِ، صَلَّى حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي طَاهِرٍ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ وَشَقَّ صَلَاتُهُ فِي الْكُلِّ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَتَحَرَّى فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ، وَالثَّانِي: لَا يَتَحَرَّى، لِأَنَّهُ يَنْدُرُ جِدًّا، وَقِيلَ: يُصَلِّي فِي وَاحِدٍ بِلَا تَحَرٍّ، وَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ، وَلَا تَصِحُّ فِي ثِيَابٍ مُشْتَبِهَةٍ مَعَ وُجُودِ طَاهِرٍ يَقِينًا، وَكَذَا حُكْمُ الْأَمْكِنَةِ الضَّيِّقَةِ، وَأَمَّا الْوَاسِعَةُ فَيُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ بِلَا تَحَرٍّ. [بَابُ الْآنِيَةِ] [التَّوَضُّؤُ مِنَ الْآوَانِي الَّتِي لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهَا] بَابُ الْآنِيَةِ الْآنِيَةُ هِيَ الْأَوْعِيَةُ: جَمْعُ إِنَاءٍ كَسِقَاءٍ وَأَسْقِيَةٍ، وَجَمْعُ الْآنِيَةِ أَوَانٍ، وَالْأَصْلُ أَآنِي أُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ وَاوًا كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ هَمْزَتَيْنِ، كَآدَمَ وَأَوَادِمٍ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَدَمَةِ، أَوْ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ، أَيْ: وَجْهِهَا، وَهِيَ ظُرُوفُ الْمَاءِ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمَاءَ ذَكَرَ ظَرْفَهُ. (كُلُّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ) كَالْخَشَبِ، وَالْجُلُودِ، وَالصُّفْرِ، وَالْحَدِيدِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ جِلْدُ الْآدَمِيِّ، وَعَظْمُهُ لِحُرْمَتِهِ (وَلَوْ كَانَ) الْإِنَاءُ (ثَمِينًا كَالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ) كَبِلَّوْرٍ، وَيَاقُوتٍ، وَزُمُرُّدٍ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْوُضُوءَ فِي الصُّفْرِ، وَالنُّحَاسِ، وَالرَّصَاصِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ، لِأَنَّ الْمَاءَ يَتَغَيَّرُ فِيهَا، وَرُوِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَكْرَهُ رِيحَ النُّحَاسِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ. » رَوَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْمُضَبَّبَ بِهِمَا، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا، وَاسْتِعْمَالُهَا عَلَى الرِّجَالِ   [المبدع في شرح المقنع] الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ جَفْنَةٍ، وَمِنْ تَوْرِ حِجَارَةٍ، وَمِنْ إِدَاوَةٍ، وَمِنْ قِرْبَةٍ، فَثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهَا لِفِعْلِهِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ قِيَاسًا، لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُحَرِّمَةَ لِلنَّقْدَيْنِ مَفْقُودَةٌ فِي الثَّمِينِ، لِكَوْنِهِ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ، فَلَا يُؤَدِّي إِلَى الْخُيَلَاءِ، وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَلِأَنَّ إِبَاحَتَهُ لَا تُفْضِي إِلَى اسْتِعْمَالِهِ لِقِلَّتِهِ، بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُمَا فِي مَظِنَّةِ الْكَثْرَةِ، فَيُفْضِي إِلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَكَثْرَةُ أَثْمَانِهَا لَا تَصْلُحُ فَارِقًا كَمَا فِي الثِّيَابِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْحَرِيرُ، وَإِنْ قَلَّ ثَمَنُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَإِنْ بَلَغَ ثَمَنُهُ أَضْعَافَ ثَمَنِ الْحَرِيرِ، وَكَذَلِكَ يُبَاحُ فَصُّ الْخَاتَمِ جَوْهَرَةً، وَلَوْ بَلَغَ ثَمَنُهَا مَهْمَا بَلَغَ، وَيَحْرُمُ ذَهَبًا، وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا (إِلَّا آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) حَتَّى الْمِيلَ وَنَحْوَهُ، (وَالْمُضَبَّبَ بِهِمَا) لِأَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ النَّقْدَيْنِ هِيَ الْخُيَلَاءُ، وَكَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْمُضَبَّبِ بِهِمَا، وَيَأْتِي حُكْمُهَا (فَإِنَّهُ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا) ذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيمَا عَلِمْنَا فِي تَحْرِيمِ اتِّخَاذِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْخِلَافُ فِيهِ مَشْهُورٌ، فَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " رِوَايَةً، وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِاتِّخَاذُ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعْمَالِ تَحْرِيمُ الِاتِّخَاذِ، كَمَا لَوِ اتَّخَذَ الرَّجُلُ ثِيَابَ الْحَرِيرِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ: إِذَا اتَّخَذَ مِسْعَطًا، أَوْ قِنْدِيلًا، أَوْ نَعْلَيْنِ، أَوْ مِجْمَرَةً، أَوْ مِدْخَنَةً مِنَ النَّقْدَيْنِ كُرِهَ وَلَمْ يَحْرُمْ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَفِي الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا حَرُمَ اتِّخَاذُهُ عَلَى هَيْئَةِ الِاسْتِعْمَالِ، كَالْمَلَاهِي، وَأَمَّا ثِيَابُ الْحَرِيرِ فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهَا تُبَاحُ لِلنِّسَاءِ، وَتُبَاحُ لِلتِّجَارَةِ فِيهَا (وَاسْتِعْمَالُهَا) هَذَا مِمَّا اتُّفِقَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» . وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، فَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، فَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَالْجَرْجَرَةُ: هِيَ صَوْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَالنِّسَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْهَا، فَهَلْ تَصِحُّ طَهَارَتُهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الضَّبَّةُ يَسِيرَةً مِنَ الْفِضَّةِ، كَتَشْعِيبِ الْقَدَحِ، وَنَحْوِهِ، فَلَا بَأْسَ بِهَا إِذَا لَمْ يُبَاشِرْهَا بِالِاسْتِعْمَالِ.   [المبدع في شرح المقنع] وُقُوعِ الْمَاءِ بِانْحِدَارِهِ فِي الْجَوْفِ، وَغَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي مَعْنَاهُ، لِأَنَّ ذِكْرَهُمَا خَرَجَ فِي مَخْرَجِ الْغَالِبِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 283] الْآيَةَ (عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا أَنَّ كُلًّا مِنَ الْجِنْسَيْنِ مُكَلَّفٌ، وَلَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ مُخَصِّصٌ. وَإِنَّمَا أُبِيحَ التَّحَلِّي لِلنِّسَاءِ لِحَاجَتِهِنَّ إِلَيْهِ لِأَجْلِ التَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ (فَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْهَا) وَفِيهَا، وَإِلَيْهَا، وَفِي إِنَاءٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ ثَمَنِهِ (فَهَلْ تَصِحُّ طَهَارَتُهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ صَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّ الْإِنَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَا رُكْنٍ لِلْعِبَادَةِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ لِإِتْيَانِهِ بِالْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ، أَشْبَهَ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ " بِأَنَّ الْأَفْعَالَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ مُحَرَّمٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَقِيلَ: فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ رِوَايَتَانِ، وَجَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ " بِالصِّحَّةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ مِنْهُ، وَبِهِ، وَفِيهِ، وَصَرَّحَ بِهِمَا الْخِرَقِيُّ. وَالْأَشْهَرُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ، فَعَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ إِنْ جَعَلَهَا مَصَبًّا لِلْمَاءِ صَحَّ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ " لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ الَّذِي يَقَعُ فِي الْآنِيَةِ قَدْ رَفَعَ الْحَدَثَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ بِوُقُوعِهِ فِيهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِوُجُودِ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ الضَّبَّةُ يَسِيرَةً) عُرْفًا (مِنَ الْفِضَّةِ، كَتَشْعِيبِ الْقَدَحِ فَلَا بَأْسَ بِهَا) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشُّعَبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ» ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سَرَفٌ وَلَا خُيَلَاءٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُضَبَّبَ بِذَهَبٍ حَرَامٌ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَصْلُحُ مِنَ الذَّهَبِ وَلَا خَرْبَصِيصَةٍ» وَفِيهِ وَجْهٌ. وَكَذَا الْمُضَبَّبُ بِفِضَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ كَثِيرَةً، لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ شَرِبَ مِنْ إِنَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وَثِيَابُ الْكُفَّارِ وَأَوَانِيهِمْ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةُ الِاسْتِعْمَالِ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهَا. وَعَنْهُ: مَا وَلِيَ   [المبدع في شرح المقنع] ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إِنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. فَمُقْتَضَى هَذَا تَحْرِيمُ الْمُضَبَّبِ مُطْلَقًا، تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ فِيمَا ضَبَّتُهُ يَسِيرَةٌ، لِلنَّصِّ السَّابِقِ. فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَالْحَاجَةُ غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ فِي الْيَسِيرَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ "، وَحَكَيَاهُ عَنِ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ لَا سَرَفَ فِيهِ، وَلَا خُيَلَاءَ، أَشْبَهَ الصُّفْرَ، إِلَّا أَنَّهُ كَرِهَ الْحَلْقَةَ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تُبَاحُ إِلَّا لِحَاجَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَفِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي الْحَاجَةِ، فَيَجِبُ قَصْرُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا، فَعَلَى هَذَا تُبَاحُ وِفَاقًا، وَقِيلَ: تُكْرَهُ (إِذَا لَمْ يُبَاشِرْهَا بِالِاسْتِعْمَالِ) لِئَلَّا يَكُونَ مُبَاشِرًا لِلْفِضَّةِ الَّتِي جَاءَ الْوَعِيدُ فِي اسْتِعْمَالِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ إِذَا بَاشَرَهَا بِالِاسْتِعْمَالِ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُبَاحُ مُبَاشَرَتُهَا مَعَ الْحَاجَةِ وَبِدُونِهَا، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: يُبَاحُ، وَالْكَثِيرُ مَا كَثُرَ فِي الْعُرْفِ، وَقِيلَ: مَا لَاحَ عَلَى بُعْدٍ، وَقِيلَ: مَا اسْتُوعِبَ أَحَدُ جَوَانِبِهِ، وَالْحَاجَةُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ غَيْرُ الزِّينَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُرَادُهُمْ أَنْ يُحْتَاجَ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ، لَا إِلَى كَوْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنَّ هَذِهِ ضَرُورَةٌ، وَهِيَ تُبِيحُ الْمُنْفَرِدَ. فَرْعٌ: الْمَطْلِيُّ، وَالْمُطَعَّمُ، وَنَحْوُهُمَا كَمُمَوَّهٍ، وَمُكَفَّتٍ، بِأَحَدِهِمَا كَالْمُصْمَتِ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: لَوْ حُكَّ وَاجْتَمَعَ مِنْهُ شَيْءٌ، حَرُمَ، وَإِلَّا فَلَا. [ثِيَابُ الْكُفَّارِ وَأَوَانِيهِمْ طَاهِرَةٌ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهَا] (وَثِيَابُ الْكُفَّارِ وَأَوَانِيهِمْ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةُ الِاسْتِعْمَالِ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهَا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْكُفَّارَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَهْلُ كِتَابٍ وَغَيْرُهُمْ، فَالْأَوَّلُ: يُبَاحُ أَكْلُ طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ، وَاسْتِعْمَالُ أَوَانِيهِمْ بِشَرْطِهِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، وَتَوَضَّأَ عُمَرُ مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ، وَرَوَى أَحْمَدُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَضَافَهُ يَهُودِيٌّ بِخُبْزِ شَعِيرٍ، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ» ، وَفِي كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ أَوَانِيهِمْ رِوَايَتَانِ، وَأَمَّا ثِيَابُهُمْ فَمَا عَلَا مِنْهُ كَالْعِمَامَةِ، وَنَحْوِهَا، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا وَلِيَ عَوْرَاتِهِمْ كَالسَّرَاوِيلِ، قَالَ أَحْمَدُ: أُحِبُّ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُعِيدُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَالَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْآمِدِيُّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 عَوْرَاتِهِمْ كَالسَّرَاوِيلِ وَنَحْوِهِ لَا يُصَلَّى فِيهِ. وَعَنْهُ: أَنَّ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ لَا يُسْتَعْمَلُ مَا اسْتَعْمَلُوهُ مِنْ آنِيَتِهِمْ إِلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ طَعَامِهِمْ إِلَّا الْفَاكِهَةُ   [المبدع في شرح المقنع] وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ مِنَ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي مُطْلَقًا، لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَتَوَرَّعُونَ عَنِ النَّجَاسَةِ، وَعَنْهُ: الْكَرَاهَةُ، وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ النَّهْيُ فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. (وَعَنْهُ: مَا وَلِيَ عَوْرَاتِهِمْ كَالسَّرَاوِيلِ) هُوَ أَعْجَمِيٌّ مُفْرَدٌ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِشَبَهِهِ بِمَفَاعِيلَ وَنَحْوِهِ، كَالتُّبَّانِ وَالْقَمِيصِ. لَا يُصَلَّى فِيهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِيهِ. [اسْتِعْمَالُ آنِيَةِ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ] (وَعَنْهُ: أَنَّ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ) كَالْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ (لَا يُسْتَعْمَلُ مَا اسْتَعْمَلُوهُ مِنْ آنِيَتِهِمْ إِلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ) لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ، وَكُلُوا فِيهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إِذَا مُنِعَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَنُهِيَ عَنِ اسْتِعْمَالِ أَوَانِيهِمْ بِدُونِ غَسْلِهَا، فَفِي غَيْرِهِمْ أَوْلَى، وَلِأَنَّ ذَبَائِحَهُمْ مَيْتَةٌ، فَنَجَاسَةُ الْآنِيَةِ بِهَا مُتَيَقَّنَةٌ، وَعَلَيْهَا يُمْنَعُ مِنَ الثِّيَابِ أَيْضًا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ لَا يَتَوَقَّوْنَهَا فِي الثِّيَابِ، فَتَكُونُ نَجِسَةً، وَقِيلَ: تُغْسَلُ آنِيَةُ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْمَيْتَةَ، وَالنَّجَاسَةَ كَالْمَجُوسِ، وَبَعْضِ النَّصَارَى، وَطَهَارَةُ غَيْرِهَا قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ الْغَسْلِ، وَعَدَمِ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ، فَأَمَّا بَعْدَ غَسْلِهَا فَلَا خِلَافَ فِي طَهَارَتِهَا، وَجَوَازِ اسْتِعْمَالِهَا، وَمَعَ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا صَبَغُوهُ، قِيلَ: لِأَحْمَدَ عَنْ صَبْغِ الْيَهُودِ بِالْبَوْلِ، فَقَالَ: الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلَا تَسْأَلْ عَنْ هَذَا، وَلَا تَبْحَثْ عَنْهُ، فَإِنْ عَلِمْتَ فَلَا تُصَلِّ فِيهِ حَتَّى تَغْسِلَهُ (وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ طَعَامِهِمْ إِلَّا الْفَاكِهَةُ وَنَحْوُهَا) لِأَنَّ النَّجَاسَةَ بَعِيدَةٌ مِنْهَا، لِأَنَّهَا لَا تُخَالِطُهَا، وَمُلَاقَاةُ رَطْبِ النَّجَاسَةِ لَهَا غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ. فَرْعٌ: إِذَا شَكَّ فِي اسْتِعْمَالِهِ، فَهُوَ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَنَحْوُهَا. وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَابِسَاتِ بَعْدَ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: يُغْسَلُ إِنْ كَانَ لِمَجُوسِيٍّ، وَإِنْ كَانَ لِكِتَابِيٍّ كُرِهَ، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ قِدْرِ النَّصْرَانِيِّ، وَمَا نَسَجَهُ الْكُفَّارُ فَهُوَ مُبَاحُ اللُّبْسِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ كَانَتْ ثِيَابُهُمْ مِنْ نَسْجِ الْكُفَّارِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي " الْإِرْشَادِ " رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: لَا يَجِبُ غَسْلُهَا، وَذَكَرَ أَيْضًا فِي " الْإِرْشَادِ ": أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا دَاوَمَ شُرْبَ الْخَمْرِ أَنَّهُ فِي آنِيَتِهِ، وَثِيَابِهِ، وَسُؤْرِهِ كَالْمَجُوسِ، وَفِي كَرَاهَةِ ثَوْبِ الْمُرْضِعِ، وَالْحَائِضِ، وَالصَّغِيرِ رِوَايَتَانِ. ذُكِرَ فِي " الشَّرْحِ " الْإِبَاحَةُ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّوَقِّيَ لِذَلِكَ أَوْلَى لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فِيهِ. [جُلُودُ الْمَيْتَةِ] (وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ) أَيِ: الَّذِي نَجُسَ بِمَوْتِهَا (بِالدِّبَاغِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَائِشَةَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ قَالَ: «أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَلَمْ يَذْكُرِ التَّوْقِيتَ غَيْرُ أَبِي دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ، وَقَالَ: مَا أَصْلَحَ إِسْنَادَهُ، وَقَالَ أَيْضًا: حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ أَصَحُّهَا، وَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ: «كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ. » وَهُوَ دَالٌّ عَلَى سَبْقِ الرُّخْصَةِ، وَأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. لَا يُقَالُ: هُوَ مُرْسَلٌ لِكَوْنِهِ مِنْ كِتَابٍ لَا يُعْرَفُ حَامِلُهُ، لِأَنَّ كِتَابَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَلَفْظِهِ، وَلِهَذَا كَانَ يَبْعَثُ كُتُبَهُ إِلَى النَّوَاحِي بِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ. فَإِنْ قُلْتَ: الْإِهَابُ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ الدَّبْغِ، وَقَالَهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَا هُوَ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ (وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَابِسَاتِ) ؛ احْتُرِزَ بِهِ عَنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الدَّبْغِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: يَطْهُرُ مِنْهَا جِلْدُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَائِعَاتِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَصْحَابِ مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرُوهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَوْ لَمْ يُنَجِّسِ الْمَاءَ بِأَنْ كَانَتْ تَسَعُ قُلَّتَيْنِ، لِأَنَّهَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ، وَجَوَّزَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِذَا لَمْ يُنَجِّسِ الْمَاءَ (بَعْدَ الدَّبْغِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي ابْنِ تَمِيمٍ، وَفِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ " وَخَصَّاهُ بِجِلْدِ طَاهِرٍ حَالَ الْحَيَاةِ، وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ جِلْدَ كَلْبٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ وَهِيَ الْأَصَحُّ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا، فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا فَتَحُوا فَارِسَ انْتَفَعُوا بِسُرُوجِهِمْ، وَأَسْلِحَتِهِمْ، وَذَبَائِحُهُمْ مَيْتَةٌ، وَنَجَاسَتُهُ لَا تَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، كَالِاصْطِيَادِ بِالْكَلْبِ، وَإِذَا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ جَازَ دَبْغُهُ، وَإِلَّا احْتَمَلَ التَّحْرِيمَ، وَاحْتَمَلَ الْإِبَاحَةَ، كَغَسْلِ نَجَاسَةٍ بِمَائِعٍ، وَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ، وَإِنْ لَمْ يُطَهِّرْ، قَالَهُ الْقَاضِي. وَكَلَامُ غَيْرِهِ خِلَافُهُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ. فَرْعٌ: اخْتَلَفَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي جَوَازِ الْخَرْزِ بِشَعَرِ الْخِنْزِيرِ، وَفِي كَرَاهَتِهِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْخَرْزُ بِرَطْبِهِ، وَفِي يَابِسِهِ الْخِلَافُ، فَإِنْ خَرَزَ بِرَطْبِهِ وَجَبَ غَسْلُهُ. مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ اتِّخَاذُ مُنْخُلٍ مِنْ شَعَرٍ نَجِسٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُكْرَهُ. (وَعَنْهُ: يَطْهُرُ مِنْهَا جِلْدُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ) قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهِيَ أَوْلَى، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا آخِرُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ» . وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْمَأْكُولَ، وَغَيْرَهُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا كَانَ نَجِسًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْحَيَاةِ، لِكَوْنِ الدَّبْغِ إِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ نَجَاسَةٍ حَادِثَةٍ بِالْمَوْتِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ. وَعَنْهُ: يَطْهُرُ جِلْدُ مَا هُوَ مَأْكُولُ اللَّحْمِ، وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ، وَهِيَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ذَكَاةُ الْأَدِيمِ دِبَاغُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. لِأَنَّهُ شَبَّهَ الدِّبَاغَ بِالذَّكَاةِ، وَهِيَ إِنَّمَا تَعْمَلُ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي غَيْرِ مَأْكُولٍ كَالذَّبْحِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِعُمُومِ لَفْظِهِ فِي ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا: هَلِ الدِّبَاغُ يُصَيِّرُهُ كَالْحَيَاةِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الْمُؤَلِّفِ، وَصَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " فَلَا يُطَهِّرُ مِنْهَا إِلَّا مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ، كَالْهِرِّ، أَوْ كَالذَّكَاةِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْمَجْدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ أَصَحُّ، فَلَا يُطَهِّرُ إِلَّا مَا تُطَهِّرُهُ الذَّكَاةُ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَلَيْهِمَا جِلْدُ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّ فِي طَهَارَتِهِ إِنْ قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ وَجْهَيْنِ، وَالْأَشْهَرُ عَدَمُهُ، وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ جِلْدِهِ وَسَلْخِهِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، لِعَدَمِ رَفْعِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ، وَخَالَفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَنَقَلَ خِطَابَ ابْنِ بِشْرٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَذْهَبُ إِلَيْهِ، رَأَيْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، فَرَفَعْنَا الْمُتَوَاتِرَ بِالْآحَادِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ. مَسَائِلُ: لَا يَفْتَقِرُ الدَّبْغُ إِلَى فِعْلِ آدَمِيٍّ، فَلَوْ وَقَعَ فِي مَدْبَغَةٍ طَهُرَ، لِأَنَّهَا إِزَالَةُ نَجَاسَةٍ، فَهُوَ كَالْمَطَرِ يُطَهِّرُ الْأَرْضَ النَّجِسَةَ، وَلَا تَحْصُلُ بِتَشْمِيسِهِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَكَمَا فِي تَتْرِيبِهِ أَوْ رِيحٍ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَيَفْتَقِرُ مَا يُدْبَغُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُنَشِّفًا لِلْخَبَثِ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ زَوَالِ الرَّائِحَةِ الْخَبِيثَةِ، وَلَا تَحْصُلُ بِنَجِسٍ كَالِاسْتِجْمَارِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " بَلَى، وَيُغْسَلُ بَعْدَهُ، وَيُنْتَفَعُ بِمَا طَهُرَ، وَقِيلَ: وَيَأْكُلُ الْمَأْكُولَ، وَمَا طَهُرَ بِدَبْغِهِ جَازَ بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: لَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَطْهُرْ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ نَجَاسَتِهِ كَثَوْبٍ نَجِسٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ بَيْعُ نَجَاسَةٍ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَلَا فَرْقَ وَلَا إِجْمَاعَ، فَأَمَّا قَبْلَ الدَّبْغِ فَلَا، وَيُغْسَلُ الْمَدْبُوغُ فِي وَجْهٍ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهُوَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِالذَّكَاةِ. وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتُهَا نَجِسَةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَظْمُهَا،   [المبدع في شرح المقنع] - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جِلْدُ الشَّاةِ الْمَيْتَةِ يُطَهِّرُهُ الْمَاءُ وَالْقَرَظُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ مَا يُدْبَغُ بِهِ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ الْجِلْدِ، فَإِذَا انْدَبَغَ بَقِيَتِ الْآلَةُ نَجِسَةً، فَلَا تَزُولُ إِلَّا بِالْغَسْلِ، وَفِي آخَرَ: يَطْهُرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَلِأَنَّهُ طَهُرَ بِانْقِلَابِهِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى غَسْلٍ، كَالْخَمْرَةِ. (وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِالذَّكَاةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو الْمَلِيحِ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ «وَأَنْ يُفْتَرَشَ» . وَلِأَنَّهُ ذَبْحٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، فَلَمْ يُفِدْ طَهَارَةَ الْجِلْدِ، كَذَبْحِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ، لِأَنَّ عِنْدَنَا كُلُّ ذَبْحٍ لَا يُفِيدُ إِبَاحَةَ اللَّحْمِ لَا يُفِيدُ طَهَارَةَ الْمَذْبُوحِ، قَالَ الْقَاضِي: جُلُودُ السِّبَاعِ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الدَّبْغِ وَلَا بَعْدَهُ، وَهَلْ يُبَاحُ لُبْسُ جِلْدِ الثَّعْلَبِ، وَالصَّلَاةُ فِيهِ، أَوْ لَا، أَوْ يُبَاحُ لُبْسُهُ فَقَطْ، أَوْ يُبَاحَانِ مَعَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ؛ فِيهِ رِوَايَاتٌ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ: إِنَّهُ يُلْبَسُ إِذَا دُبِغَ بَعْدَ تَذْكِيَتِهِ. [لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتُهَا وَعَظْمُهَا وَقَرْنُهَا] (وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتُهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ مُخَفَّفَةً - ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَيُقَالُ أَيْضًا: مِنْفَحَةٌ (نَجِسَةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) هَذَا هُوَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنِ الْجُبْنِ يُصْنَعُ فِيهِ أَنَافِحُ الْمَيْتَةِ، فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوهُ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تَأْكُلُوا مِنَ الْجُبْنِ إِلَّا مَا صَنَعَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ حُلِبَ فِي إِنَاءٍ نَجِسٍ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ فَتَحُوا بِلَادَ الْمَجُوسِ، وَأَكَلُوا مِنْ جُبْنِهِمْ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِنَجَاسَةِ ذَبَائِحِهِمْ، لِأَنَّ الْجُبْنَ إِنَّمَا يُصْنَعُ بِهَا، وَاللَّبَنُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ إِذْ لَا حَيَاةَ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ فِي صِحَّةِ مَا نُقِلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَقَرْنُهَا، وَظُفْرُهَا نَجِسٌ، وَصُوفُهَا وَشَعَرُهَا وَرِيشُهَا طَاهِرٌ.   [المبدع في شرح المقنع] عَنِ الصَّحَابَةِ نَظَرًا، وَلَوْ سُلِّمَ صِحَّتُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ يَهُودُ وَنَصَارَى يَذْبَحُونَ لَهُمْ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَوْلُ بِالنَّجَاسَةِ، وَفِي " الْكَافِي "، و" الشَّرْحِ " أَنَّ الْجُبْنَ نَجِسٌ، وَالْخِلَافُ فِي الْإِنْفَحَةِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا، وَقِيلَ: هُمَا فِي مَحَلِّهِمَا نَجِسَانِ، وَبَعْدَ أَخْذِهِمَا طَاهِرَانِ. فَرْعٌ: إِذَا صُلِّبَ قِشْرُ بَيْضَةٍ فَطَاهِرَةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ أَشْبَهَ مَا لَوْ غُمِسَتْ فِي مَاءٍ نَجِسٍ، وَإِنْ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيْضَةُ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: مَا كَانَ قِشْرُهَا أَبْيَضَ، فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِلَّا فَهُوَ نَجِسٌ، لِأَنَّ الْحَاجِزَ غَيْرُ حَصِينٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَنْجُسُ، لِأَنَّ جُمُودَهَا، وَغِشَاوَتَهَا الَّذِي هُوَ كَالْجِلْدِ مَعَ لِينِهِ يَمْنَعُ نُفُوذَ النَّجَاسَةِ إِلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، فَعَلَى النَّجَاسَةِ إِنْ صَارَتْ فَرْخًا فَهُوَ طَاهِرٌ. (وَعَظْمُهَا، وَقَرْنُهَا، وَظُفْرُهَا) وَسِنُّهَا، وَحَافِرُهَا، وَعَصَبُهَا (نَجِسٌ) نُصَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَأْكُولٍ، أَوْ غَيْرِهِ، كَالْفِيلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] ، وَالْعَظْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، فَيَكُونُ مُحَرَّمًا، وَعَنْهُ: طَاهِرٌ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُحِلُّهَا، فَلَا تَنْجُسُ بِالْمَوْتِ كَالشَّعَرِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ثَوْبَانَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا ثَوْبَانُ، اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قِلَادَةً مِنْ عَصَبٍ، وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ. » وَالْعَاجُ هُوَ عَظْمُ الْفِيلِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ ذُكِّيَ الْفِيلُ فَعَظْمُهُ طَاهِرٌ، وَإِلَّا فَهُوَ نَجِسٌ، لِأَنَّ الْفِيلَ مَأْكُولٌ عِنْدَهُ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبٍ الْمَالِكِيُّ فَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِ، وَقِيلَ: - وَهُوَ أَصَحُّ - لِأَنَّ سَبَبَ التَّنْجِيسِ وَهِيَ الرُّطُوبَةُ مُنْتَفِيَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْحَيَاةَ تُحِلُّهُ، فَيَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، كَالْجِلْدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] الْآيَةَ، وَبِدَلِيلِ الْإِحْسَاسِ وَالْأَلَمِ، وَهُوَ فِي الْعِظَامِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي اللَّحْمِ، وَالضِّرْسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يَأْلَمُ، وَيَلْحَقُهُ الْقَرْسُ، وَيُحِسُّ بِبُرُودَةِ الْمَاءِ وَحَرَارَتِهِ، وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ فِيهِ حُمَيْدٌ الشَّامِيُّ، وَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ فَقَالَا: لَا نَعْرِفُهُ، وَلَوْ سَلِمَ، فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ: الْعَاجُ الذَّبْلُ، وَقِيلَ: هُوَ عَظْمُ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ، وَقِيلَ: الْعَصَبُ كَالشَّعَرِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رُطُوبَةٌ مُنَجِّسَةٌ، وَحُكْمُ مَا ذَكَرْنَا إِنْ أُخِذَ مِنْ مُذَكًّى فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ نَجِسٌ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا يُقْطَعُ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَكَذَا مَا يَسْقُطُ مِنْ قُرُونِ الْوُعُولِ فِي حَيَاتِهَا، وَفِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ " احْتِمَالٌ بِطَهَارَتِهِ كَالشَّعَرِ، وَأَمَّا مَا لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ كَالسَّمَكِ فَلَا بَأْسَ بِعِظَامِهِ. (وَصُوفُهَا، وَشَعَرُهَا، وَرِيشُهَا طَاهِرٌ) يَعْنِي الْمَيْتَةَ الطَّاهِرَةَ فِي الْحَيَاةِ، وَإِلَّا فَالنَّجِسَةُ فِيهَا لَا يَزِيدُهَا الْمَوْتُ إِلَّا خُبْثًا، وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ، نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: صُوفُ الْمَيْتَةِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ، وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} [النحل: 80] الْآيَةَ، وَهِيَ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ، فَالظَّاهِرُ شُمُولُهَا لِحَالَتَيِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهَا نَجِسَةٌ، أَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي شَعَرِ الْآدَمِيِّ الْحَيِّ، وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَمِنْ ثَمَّ حِكَايَةُ صَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " الْخِلَافَ فِي شَعَرِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ، وَالْقَطْعُ بِالطَّهَارَةِ فِيهِ غَرِيبٌ، وَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ: «لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ» ، وَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ: الْحَيَاةُ الْحَيَوَانِيَّةُ، وَمِنْ خَاصِّيَّتِهَا الْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ، وَهُمَا مَنْفِيَّانِ فِي الشَّعَرِ، وَوَبَرٌ كَشَعَرٍ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِنَا: الْمَيْتَةُ الطَّاهِرَةُ فِي الْحَيَاةِ شَعَرُ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقِيلَ بِنَجَاسَتِهِ بَعْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ الْخَلَاءِ أَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَوْتِ لِزَوَالِ عِلَّةِ الطَّوَافِ بِهِ، وَجَعَلَ الْقَاضِي الْخِلَافَ فِي الْمُنْفَصِلِ فِي حَيَاتِهِ أَيْضًا، وَأَلْحَقَ ابْنُ الْبَنَّا بِذَلِكَ سِبَاعَ الْبَهَائِمِ إِذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهَا، فَأَمَّا أُصُولُ الشَّعَرِ وَالرِّيشِ إِذَا نُتِفَ مِنَ الْمَيْتَةِ وَهُوَ رَطْبٌ، فَهُوَ نَجِسٌ بِرُطُوبَةِ الْمَيْتَةِ، وَهَلْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يُنْتَفَعُ بِصُوفِهَا إِذَا غُسِلَ قِيلَ: فَرِيشُ الطَّيْرِ؛ قَالَ: هَذَا أَبْعَدُ، وَحَرَّمَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " نَتْفَ ذَلِكَ مِنْ حَيٍّ لِإِيلَامِهِ، وَكَرِهَهُ فِي " النِّهَايَةِ ". [بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ] [مَا يُقَالُ عِنْدَ الدُّخُولِ إِلَى الْخَلَاءِ] بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ. الِاسْتِنْجَاءُ: اسْتِفْعَالٌ مِنْ: نَجَوْتُ الشَّجَرَةَ أَيْ: قَطَعْتُهَا، فَكَأَنَّهُ قَطَعَ الْأَذَى، وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّجْوَةِ، وَهِيَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ، لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ اسْتَتَرَ بِهَا، وَهُوَ إِزَالَةُ خَارِجٍ مِنْ سَبِيلٍ بِمَاءٍ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي إِزَالَتِهِ بِالْحَجَرِ، وَيُسَمَّى الِاسْتِجْمَارَ، وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْجِمَارِ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ، لِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهَا فِي اسْتِجْمَارِهِ، وَعَبَّرَ بَعْضٌ بِالِاسْتِطَابَةِ، يُقَالُ: اسْتَطَابَ، وَأَطَابَ: إِذَا اسْتَنْجَى، قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ. وَبَعْضٌ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ الْخَلَاءِ) بِالْمَدِّ: الْمَكَانُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ فِيهِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُتَخَلَّى فِيهِ أَيْ: يُنْفَرَدُ (أَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ) لِمَا رَوَى عَلِيٌّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سِتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ. وَتُقَالُ فِي ابْتِدَاءِ كُلِّ فِعْلٍ تَبَرُّكًا بِهَا، وَقُدِّمَتْ هُنَا عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ، لِأَنَّ التَّعَوُّذَ هُنَاكَ لِلْقِرَاءَةِ، وَالْبَسْمَلَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيُقَدَّمُ التَّعَوُّذُ عَلَيْهَا، وَشَرْطُهُ: أَنْ لَا يَقْصِدَ بِبِاسْمِ اللَّهِ الْقُرْآنَ، فَإِنْ قَصَدَهُ حَرُمَ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ» اقْتَصَرَ فِي " الْغُنْيَةِ "، و" الْمُحَرَّرِ "، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَالْخَبَائِثِ، وَمِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ، الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَلَا يَدْخُلُهُ بِشَيْءٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الْفُرُوعِ " عَلَى ذَلِكَ مَعَ التَّسْمِيَةِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الْخُبْثُ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَنَّهُ أَكْثَرُ رِوَايَاتِ الشُّيُوخِ، وَفَسَّرَهُ بِالشَّرِّ، وَالْخَبَائِثَ بِالشَّيَاطِينِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنَ الشَّرِّ وَأَهْلِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَهُوَ جَمْعُ خَبِيثٍ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، فَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ ذُكْرَانِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ، وَقِيلَ: الْخُبْثُ: الْكُفْرُ، وَالْخَبَائِثُ: الشَّيَاطِينُ (وَمِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) وَفِي " الْبُلْغَةِ " كَـ " الْمُقْنِعِ " وَكَذَا فِي " الْوَجِيزِ " عَنْهُ: أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الِاسْتِعَاذَةَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَعْجِزْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَخَلَ مِرْفَقَهُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ [الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ] الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرِّجْسُ الْقَذِرُ، وَالنَّجِسُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ نَجِسَ يَنْجُسُ فَهُوَ نَجِسٌ، قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا قَالُوهُ مَعَ الرِّجْسِ أَتْبَعُوهُ إِيَّاهُ، أَيْ: قَالُوهُ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَالشَّيْطَانُ مُشْتَقٌّ مِنْ شَطَنَ، أَيْ: بَعُدَ يُقَالُ: دَارٌ شَطُونٌ، أَيْ: بَعِيدَةٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبُعْدِهِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: مِنْ شَاطَ، أَيْ: هَلَكَ، سُمِّيَ بِهِ لِهَلَاكِهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالرَّجِيمُ نَعْتٌ لَهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى رَاجِمٍ، أَيْ: يَرْجُمُ غَيْرَهُ بِالْإِغْوَاءِ، أَوْ بِمَعْنَى مَرْجُومٍ، لِأَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْكَوَاكِبِ عِنْدَ اسْتِرَاقِهِ السَّمْعَ. [دُخُولُ الْخَلَاءِ وَمَعَهُ شَيْءٌ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ] (وَلَا يَدْخُلُهُ بِشَيْءٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 تَعَالَى. وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الدُّخُولِ، وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ، وَلَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ، وَيَعْتَمِدُ فِي جُلُوسِهِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا يَلْبَثُ فَوْقَ   [المبدع في شرح المقنع] دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَلِأَنَّ الْخَلَاءَ مَوْضِعُ الْقَاذُورَاتِ، فَشُرِعَ تَعْظِيمُ اسْمِ اللَّهِ، وَتَنْزِيهُهُ عَنْهُ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ دُخُولُهُ بِمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا حَاجَةٍ، فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْفَظُهُ لَهُ أَوْ خَافَ ضَيَاعَهُ فَلَا بَأْسَ حَيْثُ أَخْفَاهُ، قَالَ أَحْمَدُ: الْخَاتَمُ إِذَا كَانَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى يَجْعَلُهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ، وَقَالَ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْخَلَاءَ، وَمَعَهُ الدَّرَاهِمُ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": إِنَّ إِزَالَةَ ذَلِكَ أَفْضَلُ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِتَحْرِيمِهِ بِمُصْحَفٍ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ اسْمَ الرَّسُولِ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ. [تَقْدِيمُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ] (وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ) عَلَى الْعَكْسِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْيُسْرَى لِلْأَذَى، وَالْيُمْنَى لِمَا سِوَاهُ، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ إِلَى الْأَمَاكِنِ الطَّيِّبَةِ، وَأَحَقُّ بِالتَّحَرُّزِ عَنِ الْأَذَى وَمَحَلِّهِ، وَلِهَذَا قُدِّمَتْ فِي الِانْتِعَالِ دُونَ النَّزْعِ، صِيَانَةً لَهَا، لِمَا رَوَى الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى قَبْلَ يَسَارِهِ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ ابْتُلِيَ بِالْفَقْرِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْبُنْيَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يُقَدِّمُ يُسْرَاهُ إِلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ فِي الصَّحْرَاءِ وَيُمْنَاهُ عِنْدَ مُنَصْرَفِهِ. (وَلَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ - وَقَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] سَمَّاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ: الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ - عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ، لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهُ، وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَلَكِنَّ الْمُؤَلِّفَ تَبِعَ النَّصَّ الْوَارِدَ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَكْمِلِ الرَّفْعَ حَتَّى يَدْنُوَ، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: يَرْفَعُ ثَوْبَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا كَانَ أَوْلَى، وَلَعَلَّهُ يَجِبُ إِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُهُ. (وَيَعْتَمِدُ فِي جُلُوسِهِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى) لِحَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَتَّكِئَ عَلَى الْيُسْرَى، وَأَنْ نَنْصِبَ الْيُمْنَى» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْيُمْنَى مَنْصُوبَةً إِكْرَامًا لَهَا (وَلَا يَتَكَلَّمُ) أَيْ: يُكْرَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَلَوْ بِرَدِّ سَلَامٍ، نَصَّ عَلَيْهِ كَابْتِدَائِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ» ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِلِسَانِهِ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ مَحْمُودٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَرُدَّ السَّلَامَ الْوَاجِبَ، فَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى، فَلَوْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: وَبِلَفْظِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِهِ، وَكَذَا إِجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ صَاحِبُ النَّظْمِ بِتَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَشِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 حَاجَتِهِ. فَإِذَا خَرَجَ قَالَ: غُفْرَانُكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَسَطْحِهِ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى حَاجَتِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ، أَوْ حَيَّةً تَقْصِدُ إِنْسَانًا، فَإِنَّ إِنْذَارَهُ لَا يُكْرَهُ. (وَلَا يَلْبَثُ فَوْقَ حَاجَتِهِ) لِأَنَّهُ مُضِرٌّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، قِيلَ: إِنَّهُ يُدْمِي الْكَبِدَ، وَقِيلَ: يُورِثُ الْبَاسُورَ قَالَ جَدِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهُوَ كَشْفٌ لِعَوْرَتِهِ خَلْوَةً بِلَا حَاجَةٍ، وَفِي أُخْرَى: يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَحَكَى أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهَا مَسْأَلَةُ سَتْرِهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ، وَلَا يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى عَوْرَتِهِ. [مَا يُقَالُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْخَلَاءِ] (فَإِذَا خَرَجَ قَالَ: غُفْرَانَكَ) وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْ: أَسْأَلُكَ غُفْرَانَكَ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْغَفْرِ، وَهُوَ السَّتْرُ، وَسِرُّهُ أَنَّهُ لَمَّا خَلَصَ مِنَ النَّجْوِ الْمُثْقِلِ لِلْبَدَنِ، سَأَلَ الْخَلَاصَ مِمَّا يُثْقِلُ الْقَلْبَ، وَهُوَ الذَّنْبُ، لِتَكْمُلَ الرَّاحَةُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي) لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى، وَعَافَانِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ، وَفِي " مُصَنَّفِ " عَبْدِ الرَّزَّاقِ: «أَنَّ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وَأَبْقَى فِيَّ مَنْفَعَتَهُ، وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ. » مَسَائِلُ: يُسْتَحَبُّ لَهُ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ، وَلَا يَرْفَعُهُ، وَلَا بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَلَا يَبْصُقُ عَلَى بَوْلِهِ، لِأَنَّهُ يُورِثُ الْوَسْوَاسَ، وَأَنْ يَنْتَعِلَ وَيَتَنَحْنَحَ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَيَمْشِيَ خُطُوَاتٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا بِدْعَةٌ (فَإِنْ كَانَ فِي الْفَضَاءِ) هُوَ مَا اتَّسَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 كَانَ فِي الْفَضَاءِ أَبْعَدَ وَاسْتَتَرَ، وَارْتَادَ مَكَانًا رَخْوًا، وَلَا يَبُولُ فِي شَقٍّ، وَلَا سَرَبٍ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] مِنَ الْأَرْضِ (أَبْعَدَ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَرَّحَ السَّامِرِيُّ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ (وَاسْتَتَرَ) بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ حَائِشِ نَخْلٍ، أَوْ كَثِيبِ رَمْلٍ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: «كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ، أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ جَمَاعَةُ النَّخْلِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ جُهْدُهُ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ أَنَّهُ يَنْبَغِي ذَلِكَ (وَارْتَادَ) أَيْ: طَلَبَ (مَكَانًا رَخْوًا) يَجُوزُ فِيهِ فَتْحُ الرَّاءِ وَكَسْرُهَا، وَمَعْنَاهُ: لَيِّنًا هَشًّا أَوْ عَالٍ، أَوْ يُلْصِقُ ذَكَرَهُ بِالْأَرْضِ الصُّلْبَةِ، لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ، فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ يَأْمَنُ بِذَلِكَ مِنْ رَشَاشِ الْبَوْلِ. (وَلَا يَبُولُ فِي شَقٍّ) بِفَتْحِ الشِّينِ، وَاحِدُ الشُّقُوقِ (وَلَا سَرَبٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ، عِبَارَةٌ عَنِ الثُّقْبِ، وَهُوَ مَا يَتَّخِذُهُ الدَّبِيبُ، وَالْهَوَامُّ بَيْتًا فِي الْأَرْضِ، لِمَا رَوَى قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ، قَالُوا لِقَتَادَةَ: مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؛ قَالَ: يُقَالُ: إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 طَرِيقٍ، وَلَا ظِلٍّ نَافِعٍ، وَلَا تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ. وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بَالَ بِجُحْرٍ بِالشَّامِ، ثُمَّ اسْتَلْقَى مَيِّتًا، فَسُمِعَ مِنْ بِئْرِ الْمَدِينَةِ قَائِلٌ يَقُولُ: نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْ ... رَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَهْ وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْ ... نِ فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهْ فَحَفِظُوا ذَلِكَ، فَوَجَدُوهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ سَعْدٌ، وَلِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يُخْرِجَ بِبَوْلِهِ دَابَّةً تُؤْذِيهِ، أَوْ تَرُدُّهُ عَلَيْهِ فَتُنَجِّسُهُ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا النَّهْيِ الْكَرَاهَةُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " كَمَوْرِدِ مَاءٍ، وَفَمِ بَالُوعَةٍ، وَكَذَا يُكْرَهُ عَلَى نَارٍ - لِأَنَّهُ يُورِثُ السَّقَمَ - وَرَمَادٍ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَمِثْلُهُ عَلَى قَرْعٍ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُتَجَرِّدُ مِنَ النَّبْتِ بَيْنَ بَقَايَا مِنْهُ (وَلَا طَرِيقٍ) ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ تَمِيمٍ بِأَنْ يَكُونَ مَأْتِيًّا، وَالْأَشْهَرُ عَدَمُهُ، (وَلَا ظِلٍّ نَافِعٍ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّاعِنَانِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طُرُقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَفِي إِضَافَةِ الظِّلِّ إِلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا (وَلَا تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ) ، وَهِيَ الَّتِي أَثْمَرَتْ، أَوْ قَرُبَ ثَمَرُهَا، لِأَنَّهُ يُفْسِدُ عَلَى النَّاسِ ثَمَرَهُمْ، أَوْ تَعَافُهَا النَّفْسُ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُثْمِرَةً، أَوْ لَيْسَ وَقْتُ ثَمَرٍ جَازَ إِنْ لَمْ يَكُنْ ظِلًّا نَافِعًا، لِأَنَّ أَثَرَهَا يَزُولُ بِالْأَمْطَارِ، وَغَيْرِهَا، إِلَى مَجِيءِ الثَّمَرِ، ذَكَرَهُ فِي " شَرْحِ الْعُمْدَةِ "، وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ الْغَائِطَ أَشَدُّ مِنَ الْبَوْلِ لِغِلَاظَتِهِ، وَلَا يَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي الْفَضَاءِ وَفِي اسْتِدْبَارِهَا فِيهِ، وَاسْتِقْبَالِهَا فِي الْبُنْيَانِ رِوَايَتَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] تَذْنِيبٌ: لَا يَبُولُ فِي رَاكِدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَلَغَ حَدًّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، وَأَطْلَقَ الْبَغْدَادِيُّ تَحْرِيمَهُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَغَوَّطَ فِي جَارٍ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فَأَمَّا الْبَوْلُ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ كَثِيرًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا. وَلَا يَبُولُ فِي مَوْضِعِ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِلنَّهْيِ عَنْهُ: فَإِنْ بَالَ وَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَكَانَ مِمَّا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ، فَلَا كَرَاهَةَ، وَفِي " الْمُغْنِي " رِوَايَتَانِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي إِنَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَلَا يَبُولُ عَلَى مَا لَهُ حُرْمَةٌ، وَلَا عَلَى مَا نُهِيَ عَنْ الِاسْتِجْمَارِ بِهِ لِحُرْمَتِهِ، وَفِي " النِّهَايَةِ " يُكْرَهُ عَلَى الطَّعَامِ، كَعَلَفِ دَابَّةٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ سَهْوٌ. فَرْعٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ عَلَى مَوْضِعِ بَوْلِهِ، أَوْ يَسْتَنْجِيَ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ بِهِ، فَلَوْ كَانَ فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ لِذَلِكَ، فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهَا لِلْمَشَقَّةِ، أَوْ كَانَ بِالْحَجَرِ لَمْ يُكْرَهْ، لِأَنَّهُ لَوِ انْتَقَلَ لَنَضَحَ بِالنَّجَاسَةِ. [مَنْعُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إِلَّا عِنْدَ وُجُودِ سُتْرَةٍ] (وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ) لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ مَعَهُمَا مَلَائِكَةً، وَأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مَكْتُوبَةٌ عَلَيْهِمَا، وَأَنَّهُمَا يَلْعَنَانِهِ، وَبِهِمَا يَسْتَضِيءُ أَهْلُ الْأَرْضِ، فَيَنْبَغِي احْتِرَامُهُمَا، وَكَالرِّيحِ، وَإِنِ اسْتَتَرَ عَنْهُمَا بِشَيْءٍ فَلَا بَأْسَ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ) عِنْدَ التَّخَلِّي (فِي الْفَضَاءِ) لِمَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَلَهُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] هُرَيْرَةَ، وَلِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، فَصِينَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ، وَرَبِيعَةَ، وَدَاوُدَ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ. لَا يُقَالُ: هَذَا نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْبُنْيَانِ، أَوْ مُسْتَتِرًا بِشَيْءٍ، أَوْ يَكُونُ خَاصًّا بِهِ، فَلَا يَثْبُتُ النَّسْخُ بِالِاحْتِمَالِ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَجَوَّزَهُ فِي " الْمُبْهِجِ " إِذَا كَانَتِ الرِّيحُ فِي غَيْرِ جِهَتِهَا، وَعَلَى الْمَنْعِ يَكْفِي انْحِرَافُهُ عَنِ الْجِهَةِ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَمَعْنَاهُ فِي الْخِلَافِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ وَحَفِيدِهِ: لَا يَكْفِي (وَفِي اسْتِدْبَارِهَا فِيهِ) أَيْ: فِي الْفَضَاءِ (وَاسْتِقْبَالِهَا فِي الْبُنْيَانِ: رِوَايَتَانِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ قَدِ اخْتَلَفَتْ، فَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِي الْفَضَاءِ وَالْبُنْيَانِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَقَيْتُ عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَاجَتِهِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْفَضَاءِ، وَفِي ثَانِيَةٍ: بِالْمَنْعِ فِيهِمَا، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] حَاجَتِهِ فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي ثَالِثَةٍ: جَوَازُهُمَا فِي الْبُنْيَانِ فَقَطْ، صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ الْأَشْهَرُ عَنْهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْغَرِ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؛ قَالَ: إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ هَذَا فِي الْفَضَاءِ، أَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَالْحَسَنُ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَادِيثُهُ أَبَاطِيلُ، وَقَوَّاهُ جَمَاعَةٌ، وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ، فَهَذَا تَفْسِيرٌ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْعَامِّ، فَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَلَى الْفَضَاءِ، وَأَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ عَلَى الْبُنْيَانِ، وَفِي رَابِعَةٍ: يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُهَا فِي الْبُنْيَانِ، قَدَّمَهَا جَمَاعَةٌ، لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَفِي خَامِسَةٍ: يَجُوزُ، قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهَا أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي " الْخِلَافِ "، وَحُمِلَ النَّهْيُ حِينَ كَانَ قِبْلَةً، وَلَا يُسَمَّى بَعْدَ النَّسْخِ قِبْلَةً، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُكْرَهُ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ لِبَقَاءِ حُرْمَتِهِ. فَرْعٌ: يَكْفِي الِاسْتِتَارُ فِي الْأَشْهَرِ بِدَابَّةٍ أَوْ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي إِرْخَاءِ ذَيْلِهِ وَجْهَانِ، وَظَاهِرُهُ لَا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ مِنْهَا، كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ، وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهَا بِاسْتِنْجَاءٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، مَسَحَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ أَصْلِ ذَكَرِهِ إِلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَنْتُرُهُ ثَلَاثًا، وَلَا يَمَسَّ فَرْجَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَسْتَجْمِرْ بِهَا فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ   [المبدع في شرح المقنع] [الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَدِ الْيُسْرَى] (فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِهِ مَسَحَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيُمْنَى لِطَهُورِهِ، وَطَعَامِهِ، وَيَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَذَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (مِنْ أَصْلِ ذَكَرِهِ) وَهُوَ الدَّرْزُ الَّذِي تَحْتَ الْأُنْثَيَيْنِ مِنْ حَلْقَةِ الدُّبُرِ، فَيَضَعُ إِصْبُعَهُ الْوُسْطَى تَحْتَ الذَّكَرِ، وَالْإِبْهَامَ فَوْقَهُ مِنْ مَجَامِعِ الْعُرُوقِ (إِلَى رَأْسِهِ) لِئَلَّا يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الْبَلَلِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ (ثُمَّ يَنْتُرُهُ ثَلَاثًا) نَصَّ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ، لِمَا رَوَى عِيسَى بْنُ يَزْدَادَ، عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ. لِأَنَّهُ بِالنَّتْرِ يَسْتَخْرِجُ مَا عَسَاهُ يَبْقَى وَيَخْشَى عَوْدَهُ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، هَذَا هُوَ الِاسْتِبْرَاءُ، فَإِنِ احْتَاجَ أَنْ يَمْشِيَ خُطُوَاتٍ مَشَى خُطُوَاتٍ قِيلَ: أَكْثَرُهَا سَبْعُونَ خُطْوَةً. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ذَلِكَ بِدْعَةٌ، وَيَتَوَجَّهُ: إِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَجَبَ (وَلَا يَمَسَّ فَرْجَهُ بِيَمِينِهِ) لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، وَهُوَ يَبُولُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ بِحَالَةِ الْبَوْلِ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوُضُوحِهِ (وَلَا يَسْتَجْمِرْ بِهَا) صَرَّحَ فِي " الْوَجِيزِ " بِالْكَرَاهَةِ فِيهِمَا، وَاقْتَصَرَ فِي " الْمُحَرَّرِ " عَلَى الثَّانِي، لِمَا رَوَى سَلْمَانُ قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - – الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 عَنْ مَوْضِعِهِ. ثُمَّ يَسْتَجْمِرُ، ثُمَّ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، وَيُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا إِلَّا أَنْ يَعْدُوَ   [المبدع في شرح المقنع] عَنْ كَذَا، وَأَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «وَلَا يَتَمَسَّحْ فِي الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ» . ثُمَّ إِنْ كَانَ يَسْتَجْمِرُ مِنَ الْغَائِطِ أَخَذَ الْحَجَرَ بِيَسَارِهِ فَمَسَحَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بَوْلٍ، أَمْسَكَ ذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ، وَمَسَحَهُ عَلَى الْحَجَرِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ، وَضَعَهُ بَيْنَ عَقِبَيْهِ، وَإِلَّا أَمْسَكَ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ، وَمَسَحَ بِيَسَارِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَيَمْسَحُهُ بِيَسَارِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَبِكُلِّ حَالٍ تَكُونُ الْيُسْرَى هِيَ الْمُتَحَرِّكَةُ، لِأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْمُتَحَرِّكَةِ، فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيُسْرَى أَوْ بِهَا مَرَضٌ، اسْتَجْمَرَ بِيَمِينِهِ لِلْحَاجَةِ، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": يَمِينُهُ أَوْلَى مِنْ يَسَارِ غَيْرِهِ (فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ) مَعَ الْكَرَاهَةِ، لِأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِالْحَجَرِ لَا بِالْيَدِ، فَلَمْ يَقَعِ النَّهْيُ عَلَى مَا يُسْتَنْجَى بِهِ، لِكَوْنِ أَنَّ النَّهْيَ نَهْيُ تَأْدِيبٍ لَا تَحْرِيمٍ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ وَيَصِحُّ. فَرْعٌ: تُبَاحُ الْمَعُونَةُ بِيَمِينِهِ فِي الْمَاءِ لِلْحَاجَةِ (ثُمَّ يَتَحَوَّلُ عَنْ مَوْضِعِهِ) مَعَ خَوْفِ التَّلَوُّثِ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ، وَهَذَا وَاجِبٌ، وَلَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى دِرْهَمٍ. [الِاسْتِجْمَارُ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَبِكُلِّ طَاهِرٍ يُنَقِّي] (ثُمَّ يَسْتَجْمِرُ، ثُمَّ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ) وَجَمْعُهُمَا أَفْضَلُ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يُتْبِعُوا الْحِجَارَةَ الْمَاءَ، فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَصَحَّحَهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِنْقَاءِ وَأَنْظَفُ، لِأَنَّ الْحَجَرَ يُزِيلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ، فَلَا يُجْزِئُ إِلَّا الْمَاءُ، وَيَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِكُلِّ طَاهِرٍ يُنَقِّي   [المبدع في شرح المقنع] عَيْنَ النَّجَاسَةِ، وَلَا تُبَاشِرُهَا يَدُهُ. وَالْمَاءُ يُزِيلُ أَثَرَهَا، فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَاءِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ (وَيُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا) أَمَّا الْمَاءُ، فَلِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، أَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ فَيَسْتَنْجِي بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ. وَيُوَاصِلُ صَبَّ الْمَاءِ، وَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا، وَيُدَلِّكُ الْمَوْضِعَ حَتَّى يَخْشُنَ وَيُنَقَّى، وَأَمَّا الْأَحْجَارُ، فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلَكِنَّ الْمَاءَ أَفْضَلُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ، وَيُطَهِّرُ الْمَحَلَّ، وَالْحَجَرُ يُخَفِّفُ النَّجَاسَةَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي عَدَمَ إِجْزَائِهِ، لَكِنَّ الْإِجْزَاءَ رُخْصَةٌ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ وَحْدَهُ، لِأَنَّ فِيهِ مُبَاشَرَةَ النَّجَاسَةِ بِيَدِهِ، وَنَشْرَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَعَنْهُ: الْحَجَرُ أَفْضَلُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مُجْزِئٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٍ مِنْ إِنْكَارِ الْمَاءِ، فَهُوَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ مُعْتَقِدًا لِوُجُوبِهِ، وَلَا يَرَى الْأَحْجَارَ مُجْزِئَةً، لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا مِنَ النَّاسِ مُحَافَظَةً عَلَيْهِ، فَخَافُوا التَّعَمُّقَ فِي الدِّينِ (إِلَّا أَنْ يَعْدُوَ الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، و" التَّلْخِيصِ "، و" الْوَجِيزِ "، مِثْلُ أَنْ يَنْتَشِرَ إِلَى الصَّفْحَتَيْنِ، أَوْ يَمْتَدَّ إِلَى الْحَشَفَةِ كَثِيرًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الشَّرْحِ " وَحْدَهُ، وَفِي " شَرْحِ الْعُمْدَةِ " إِلَى النِّصْفِ مِنَ الْأَلْيَةِ، وَالْحَشَفَةِ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ عُفِيَ عَنْهُ: وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي " الْهِدَايَةِ "، وَظَاهِرِ " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهَا إِذَا تَعَدَّتْ عَنْ مَخْرَجِهَا مُطْلَقًا (فَلَا يُجْزِئُ إِلَّا الْمَاءُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِي الِاسْتِجْمَارِ لِتَكَرُّرِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ، فَإِذَا جَاوَزَتْهُ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الرُّخْصَةِ، فَوَجَبَ غَسْلُهَا كَسَائِرِ الْبَدَنِ، وَالْغَسْلُ لِلْمُتَعَدِّي نَصَّ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَنَفْسُ الْمَخْرَجِ يُجْزِئُ فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَنَّ الْمَاءَ مُتَعَيَّنٌ لِلْكُلِّ، وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي " الْوَجِيزِ "، رِوَايَتَيْنِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يَسْتَجْمِرُ فِي غَيْرِ الْمَخْرَجِ، وَقِيلَ: يَسْتَجْمِرُ فِي الصَّفْحَتَيْنِ، وَالْحَشَفَةِ، وَبِهِ قَطَعَ الشِّيرَازِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التُّرَابُ، وَلَا الْعَدَدُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيمَا إِذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجُ، وَانْفَتَحَ غَيْرُهُ، فَقَالَ الْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيُّ: يُجْزِئُهُ الِاسْتِجْمَارُ فِيهِ، لِأَنَّهُ صَارَ مُعْتَادًا، وَنَفَاهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْمُؤَلِّفُ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْفَرْجِ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ، سَوَاءٌ انْفَتَحَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أَوْ تَحْتَهَا، صَرَّحَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ بِمَا إِذَا انْفَتَحَ أَسْفَلَ الْمَعِدَةِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إِجْرَاءُ الْخِلَافِ مَعَ بَقَاءِ الْمَخْرَجِ، فَلَوْ يَبِسَ الْخَارِجُ فِي مَخْرَجِهِ، أَوْ تَنَجَّسَ بِغَيْرِ نَجَاسَةٍ، كَالْحُقْنَةِ إِذَا خَرَجَتْ، أَوِ اسْتَجْمَرَ بِنَجِسٍ، وَجَبَ غَسْلُ الْمَحَلِّ فِي الْأَشْهَرِ، وَيَغْسِلُ الْأَقْلَفَ الْمَفْتُوقَ نَجَاسَةَ حَشَفَتِهِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يُسَنُّ، وَقِيلَ: حُكْمُ طَرَفِ الْقُلْفَةِ، حُكْمُ رَأْسِ الذَّكَرِ، وَقِيلَ: إِنْ تَعَذَّرَ إِخْرَاجُهَا فَهُوَ كَمَخْتُونٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 كَالْحَجَرِ، وَالْخَشَبِ، وَالْخِرَقِ، إِلَّا الرَّوْثَ، وَالْعِظَامَ، وَالطَّعَامَ، وَمَا لَهُ حُرْمَةٌ، وَمَا   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: الْبِكْرُ كَالرَّجُلِ، لِأَنَّ عُذْرَتَهَا تَمْنَعُ مِنَ انْتِشَارِ الْبَوْلِ، فَأَمَّا الثَّيِّبُ، فَإِنْ خَرَجَ الْبَوْلُ وَلَمْ يَنْتَشِرْ، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ تَعَدَّى إِلَى مَوْضِعِ الْحَيْضِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَجِبُ غَسْلُهُ، لِأَنَّ مَخْرَجَ الْحَيْضِ غَيْرُ مَخْرَجِ الْبَوْلِ. وَفِي " الْمُغْنِي " احْتِمَالٌ لَا يَجِبُ، لِأَنَّ هَذَا إِعَادَةٌ فِي حَقِّهَا، فَكَفَى فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ كَالْمُعْتَادِ. الثَّانِي: يَبْدَأُ الرَّجُلُ وَالْبِكْرُ بِالْقُبُلِ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ كَالثَّيِّبِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ: أَنَّهَا تَبْدَأُ بِالدُّبُرِ، فَلَا تُدْخِلُ إِصْبُعَهَا بَلْ يَكْفِي مَا ظَهَرَ، لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ بِهِ كَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ حَمْدَانَ: هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي، وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ مَا احْتَشَتْهُ بِبَلَلٍ هَلْ يَنْقُضُ؛ مَسْأَلَةٌ: إِذَا اسْتَجْمَرَ فِي فَرْجٍ، وَاسْتَنْجَى فِي آخَرَ فَلَا بَأْسَ، وَيُسْتَحَبُّ لِمَنِ اسْتَنْجَى نَضْحُ فَرْجِهِ، وَسَرَاوِيلِهِ بِالْمَاءِ، لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ، وَعَنْهُ: لَا لِمَنِ اسْتَجْمَرَ، وَمَنْ ظَنَّ خُرُوجَ شَيْءٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا تَلْتَفِتْ حَتَّى تَتَيَقَّنَ، وَلَمْ يَرَ حَشْوَ الذَّكَرِ، فَإِنْ فَعَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَوَجَدَ بَلَلًا فَلَا بَأْسَ مَا لَمْ يَظْهَرْ خَارِجًا. (وَيَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِكُلِّ طَاهِرٍ يُنَقِّي كَالْحَجَرِ) إِجْمَاعًا، (وَالْخَشَبِ، وَالْخِرَقِ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ، فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 يَتَّصِلُ بِالْحَيَوَانِ، وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ، إِمَّا بِحَجَرٍ ذِي شُعَبٍ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» . وَالثَّانِيَةُ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهِيَ قَوْلُ دَاوُدَ: لَا يُجْزِئُ إِلَّا الْأَحْجَارُ، لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهَا، وَعَلَّقَ الْإِجْزَاءَ بِهَا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْجَارِ كُلُّ مُسْتَجْمَرٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْجَامِدَاتِ، وَلِقَوْلِ سَلْمَانَ: «أَمَرَنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا نَكْتَفِيَ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ، وَلَا عَظْمٌ» فَلَوْلَا أَنَّهُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِثْنَاءِ الرَّجِيعِ وَالْعَظْمِ مَعْنًى. وَإِنَّمَا خَصَّ الْحَجَرَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُ أَعَمُّ الْجَامِدَاتِ وُجُودًا، وَأَشْمَلُهَا تَنَاوُلًا، لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالرَّجِيعِ الْحَجَرُ الْمُسْتَجْمَرُ بِهِ مَرَّةً، لِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ الرَّوْثِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ رَجَعَهُ بَعْدَ أَنْ أَكَلَهُ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: «مَنِ اسْتَجْمَرَ بِرَجِيعِ دَابَّةٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنْهُ» . (إِلَّا الرَّوْثَ، وَالْعِظَامَ، وَالطَّعَامَ، وَمَا لَهُ حُرْمَةٌ، وَمَا يَتَّصِلُ بِالْحَيَوَانِ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ، وَلَا بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ، وَقَالَ: إِنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي طَعَامِ الْجِنِّ، فَفِي طَعَامِ الْآدَمِيِّ أَوْلَى، وَبِالْجُمْلَةِ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَجْمَرِ بِهِ شُرُوطٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ جَامِدًا، لِأَنَّ الْمَائِعَ إِنْ كَانَ مَاءً، فَهُوَ اسْتِنْجَاءٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ امْتَزَجَ بِالْخَارِجِ، فَيَزِيدُ الْمَحَلَّ نَجَاسَةً، وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ تَمْثِيلِهِ بِالْحَجَرِ وَالْخِرَقِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ: «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَرَيْنِ، وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: إِنَّهَا لَرِكْسٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالرِّكْسُ النَّجِسُ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُنَقِّيًا، فَلَا يَجُوزُ بِالْفَحْمِ الرَّخْوِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَلَا بِالزُّجَاجِ، وَلَا الْحَجَرِ الْأَمْلَسِ وَالْبِلَّوْرِ، إِذِ الْمَقْصُودُ الْإِنْقَاءُ، وَلَمْ يَحْصُلْ. الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ مُحْتَرَمًا، فَلَا يَجُوزُ بِطَعَامِنَا، وَلَا بِطَعَامِ دَوَابِّنَا، وَكَذَا طَعَامُ الْجِنِّ، وَدَوَابِّهِمْ، وَكَذَلِكَ كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، وَمَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ الشَّرِيعَةِ، وَالِاسْتِخْفَافِ بِحُرْمَتِهَا، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ بِحُرْمَةِ الْأَكْلِ فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَكَذَلِكَ مَا يَتَّصِلُ بِحَيَوَانٍ، كَيَدِهِ، وَذَنَبِهِ، وَصُوفِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ، لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً فَهُوَ كَالطَّعَامِ، وَقَدْ يُنَجِّسُ الْغَيْرَ، فَقَوْلُهُ: وَمَا لُهُ حُرْمَةٌ يَدْخُلُ فِيهِ الطَّعَامُ، وَمَا يَتَّصِلُ بِحَيَوَانٍ فَذِكْرُهُ كَافٍ عَنْهُمَا، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " عَلَيْهِ. الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ مُحَرَّمًا، فَلَا يَجُوزُ بِمَغْصُوبٍ، وَلَا ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ، ذَكَرَهُ فِي " النِّهَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ بِالْمَغْصُوبِ، وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ رِوَايَةِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي بُقْعَةِ غَصْبٍ، وَرُدَّ بِأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ رُخْصَةٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَالرُّخَصُ لَا تُسْتَبَاحُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِجْزَاءَ فِي ذَلِكَ، وَبِمَا نُهِيَ عَنْهُ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ لِكَوْنِهِ لَا يُنَقِّي، بَلْ لِإِفْسَادِهِ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ تُزَالُ بِغَيْرِ الْمَاءِ، وَهِيَ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِزَوَالِهَا قَصْدٌ، وَجَوَابُهُ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ السَّابِقَةِ، وَحَيْثُ قِيلَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا فِي الثَّانِي عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي "، وَفِي " الْمُغْنِي " احْتِمَالٌ بِإِجْزَاءِ الْحَجَرِ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَفِي الثَّالِثِ يَعْدِلُ إِلَى طَاهِرٍ مُنَقٍّ، وَفِي الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ: هَلْ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ جَعْلًا لِوُجُودِ آلَةِ النَّهْيِ، كَعَدَمِهَا أَوْ يَعْدِلُ إِلَى الْمَاءِ لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْحَجَرِ إِذَنْ لِنَقَاءِ الْمَحَلِّ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. (وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ) مُنَقِّيَةٍ (إِمَّا بِحَجَرٍ) كَبِيرٍ (ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ أَوْ بِثَلَاثَةٍ) إِذَا حَصَلَ لَهُ الْإِنْقَاءُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَهِيَ مُجْزِئَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَأَمَّا الْحَجَرُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَهُ شُعَبٌ فَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجُلُّ الْمَشَايِخِ، وَعَنْهُ: لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، نَصَّ عَلَيْهَا، وَعَلَّقَ الْإِجْزَاءَ بِهَا، وَلِأَنَّهُ إِذَا اسْتَجْمَرَ بِهِ تَنَجَّسَ، فَلَمْ يَجُزْ كَالصَّغِيرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا تَغَوَّطَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَمَسَّحْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْرَارُ التَّمَسُّحِ، لَا تَكْرَارُ الْمَمْسُوحِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالشُّعَبِ الثَّلَاثَةِ مَا يَحْصُلُ بِالْأَحْجَارِ الثَّلَاثَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَسَرَ مَا تَنَجَّسَ، أَوْ غَسَلَهُ، أَوِ اسْتَجْمَرَ بِثَلَاثَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 بِثَلَاثَةٍ فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ بِهَا زَادَ حَتَّى يُنَقَّى، وَيَقْطَعُ عَلَى وِتْرٍ. وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مَنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَحْجَارٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثُ شُعَبٍ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَعْنَى، وَالْإِنْقَاءِ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: لَا يُجْزِئُهُ جُمُودًا عَلَى اللَّفْظِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ بَعِيدٌ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَوْ مَسَحَ بِالْأَرْضِ أَوْ بِالْحَائِطِ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ، فَهُوَ كَالْحَجَرِ الْكَبِيرِ. تَذْنِيبٌ: الْإِنْقَاءُ بِالْحَجَرِ بَقَاءُ أَثَرٍ لَا يُزِيلُهُ إِلَّا الْمَاءُ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: خُرُوجُ الْحَجَرِ، أَيِ: الْأَخِيرِ لَا أَثَرَ بِهِ إِلَّا يَسِيرًا، فَلَوْ بَقِيَ مَا يَزُولُ بِالْخِرَقِ لَا بِالْحَجَرِ أُزِيلَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي، وَيُنْدَبُ نَظَرُهُ إِلَى الْحَجَرِ قَبْلَ رَمْيِهِ لِيَعْلَمَ هَلْ قَلَعَ أَمْ لَا، وَالْإِنْقَاءُ بِالْمَاءِ خُشُونَةَ الْمَحَلِّ كَمَا كَانَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: أَنْ يَعُودَ الْمَحَلُّ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَنْتَقِضَ بِالْأَمْرَدِ وَنَحْوِهِ، وَيَكْفِي الظَّنُّ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَفِي " النِّهَايَةِ " بِالْعِلْمِ، وَمِثْلُهُ طَهَارَةُ الْحَدَثِ. مَسْأَلَةٌ: يَنْبَغِي أَنْ يَعُمَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ الْمَحَلَّ. ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُمِرَّ الْحَجَرَ الْأَوَّلَ مِنْ صَفْحَةِ مُقَدَّمِ الْيُمْنَى إِلَى مُؤَخَّرِهَا، ثُمَّ يُدِيرُهُ عَلَى الْيُسْرَى حَتَّى يَصِلَ بِهَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يُمِرُّ الثَّانِيَ مِنْ صَفْحَتِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثَ عَلَى الْمَسْرُبَةِ، وَالصَّفْحَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إِنْ أَفْرَدَ كُلَّ جِهَةٍ بِحَجَرٍ فَهَلْ يُجْزِئُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً (فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ بِهَا) أَيْ: بِالْمَسَحَاتِ الثَّلَاثِ (زَادَ حَتَّى يُنَقَّى) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِزَالَةُ أَثَرِ النَّجَاسَةِ (وَيَقْطَعُ) فِي الزِّيَادَةِ (عَلَى وِتْرٍ) اسْتِحْبَابًا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَإِنْ قَطَعَ عَلَى شَفْعٍ جَازَ، لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ «مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 كُلِّ خَارِجٍ إِلَّا الرِّيحَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ قَبْلَهُ، فَهَلْ يَصِحُّ وُضُوءُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] [الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ إِلَّا الرِّيحَ] (وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ أَوِ الِاسْتِجْمَارُ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهِ، إِذِ الْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْإِجْزَاءِ فَإِنَّهُ غَالِبًا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلْمُعْتَادِ، كَالْغَائِطِ، وَالْبَوْلِ، وَالنَّادِرِ كَالدُّودِ، وَالْحَصَى، وَالطَّاهِرِ، وَالنَّجِسِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي طَاهِرٍ، كَمَنِيٍّ، وَدَوَاءٍ تَحَمَّلَتْ بِهِ، إِنْ قِيلَ بِطَهَارَةِ فَرْجِهَا، وَالْمَذْيِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَلِلرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ مَيْلًا فِي ذَكَرِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ لَزِمَهُ الِاسْتِنْجَاءُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ رَبْطًا لِلْحُكْمِ بِالْمَظِنَّةِ، وَهِيَ اسْتِصْحَابُ الرُّطُوبَةِ، وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ ": الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي يَابِسٍ لَا يُنَجِّسُ الْمَحَلَّ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ ذَلِكَ وَجْهًا (إِلَّا الرِّيحَ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] «مَنِ اسْتَنْجَى مِنْ رِيحٍ فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ " الصَّغِيرِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِيهَا اسْتِنْجَاءٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلِأَنَّ الْغَسْلَ إِنَّمَا يَجِبُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَلَا نَجَاسَةَ فِيهَا، قَالَ فِي " الْمُبْهِجِ ": لِأَنَّهَا عَرَضٌ بِاتِّفَاقِ الْأُصُولِيِّينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ لِلرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنَ الدُّبُرِ رَائِحَةً مُنْتِنَةً قَائِمَةً بِهَا، وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الرَّائِحَةِ عَرَضًا، فَلَوْ كَانَتِ الرِّيحُ أَيْضًا عَرَضًا، لَزِمَ قِيَامُ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَفِي " النِّهَايَةِ " نَجِسَةٌ فَتُنَجِّسُ مَاءً يَسِيرًا، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّهَا غَيْرُ نَاقِصَةٍ بِنَفْسِهَا، بَلْ بِمَا يَتْبَعُهَا مِنَ النَّجَاسَةِ، وَيُعْفَى عَنْ خَلْعِ السَّرَاوِيلِ لِلْمَشَقَّةِ، وَقِيلَ: لَا اسْتِنْجَاءَ مِنْ نَوْمٍ وَرِيحٍ، وَإِنَّ أَصْحَابَنَا بِالشَّامِ قَالَتْ: الْفَرْجُ يَرْمَصُ كَمَا تَرْمَصُ الْعَيْنُ، وَأَوْجَبَتْ غَسْلَهُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْوَقْتِ الدِّينَوَرِيُّ (فَإِنْ تَوَضَّأَ قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ عَلَيْهِ (فَهَلْ يَصِحُّ وُضُوءُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي، وَفِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّهَا إِزَالَةُ نَجَاسَةٍ، فَلَمْ تُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ، كَالَّتِي عَلَى غَيْرِ الْفَرْجِ، فَعَلَيْهَا يُبَاحُ لَهُ بِهِ مَسُّ الْمُصْحَفِ، وَلُبْسُ الْخُفِّ، وَالصَّلَاةُ عِنْدَ عَجْزِهِ عَمَّا يُسْتَنْجَى بِهِ، وَيَسْتَمِرُّ وُضُوءُهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، ثُمَّ يُزِيلُهَا بِخِرْقَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، و" الْفُرُوعِ "، وَذَكَرَ أَنَّهَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ» فَرَتَّبَ الْوُضُوءَ بَعْدَ الْغَسْلِ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ، فَاشْتَرَطَ تَقْدِيمَ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَيْهَا كَالتَّيَمُّمِ، فَعَلَى هَذِهِ لَا يَسْتَبِيحُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا (وَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَهُ خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) السَّابِقَتَيْنِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 تَيَمَّمَ قَبْلَهُ خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا. بَابُ السِّوَاكِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ السِّوَاكُ مَسْنُونٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إِلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَلَا يُسْتَحَبُّ،   [المبدع في شرح المقنع] فَيَصِحُّ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَابْنُ حَمْدَانَ الْبُطْلَانَ، وَبَنَاهُ فِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ " عَلَى رِوَايَةِ صِحَّةِ الْوُضُوءِ فَقَطْ (وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَإِنَّمَا يُسْتَبَاحُ بِهِ، وَلَا يُبَاحُ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ، كَالتَّيَمُّمِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْفَرْجِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَفِي وَجْهٍ: يُجْزِئُ، لِأَنَّهُ اسْتَبَاحَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الثَّوْبِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهُوَ الْأَشْبَهُ، لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْفَرْجِ سَبَبُ وُجُوبِ التَّيَمُّمِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهَا مَانِعًا، بِخِلَافِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ. مَسْأَلَةٌ: يَحْرُمُ مَنْعُ الْمُحْتَاجِ إِلَى الطَّهَارَةِ، وَلَوْ وُقِفَتْ عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَلَوْ فِي مِلْكِهِ، لَبَذَلَهَا لِلْمُحْتَاجِ شَرْعًا وَعُرْفًا، وَلَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِالْمَنْعِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ دُخُولِ طَهَارَةٍ إِنْ حَصَلَ بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَعَ عَدَمِهِ، لَا مُزَاحَمَةَ لَهُمْ. [بَابُ السِّوَاكِ] [فضل السواك وأوقات استحبابه] بَابُ السِّوَاكِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ. السِّوَاكُ وَالْمِسْوَاكُ: اسْمٌ لِلْعُودِ الَّذِي يُتَسَوَّكُ بِهِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّسَاوُكِ، وَهُوَ التَّمَايُلُ وَالتَّرَدُّدُ، لِأَنَّ الْمُتَسَوِّكَ يُرَدِّدُهُ فِي فِيهِ وَيُحَرِّكُهُ، يُقَالُ: جَاءَتِ الْإِبِلُ تَسَاوَكُ، إِذَا كَانَتْ أَعْنَاقُهَا تَضْطَرِبُ مِنَ الْهُزَالِ، وَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ سَاكَ إِذَا دَلَكَ، وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَقِيلَ: يُذَكَّرُ فَقَطْ، وَجَمْعُهُ سُوُكٌ، كَكُتُبٍ، وَيُقَالُ: سُؤُكٌ بِوَاوٍ مَهْمُوزَةٍ، وَفِي الشَّرْعِ: اسْتِعْمَالُ عُودٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الْأَسْنَانِ، لِإِذْهَابِ التَّغْيِيرِ وَنَحْوِهِ. (وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ) السُّنَّةُ لُغَةً: الطَّرِيقَةُ، وَاصْطِلَاحًا: عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِعْلِهِ، وَتَقْرِيرِهِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْوَاجِبِ، فَالْمُرَادُ بِهَا الْمُسْتَحَبُّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَسَنَنْتُ قِيَامَهُ» . وَالْوَضُوءُ بِالْفَتْحِ: اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، وَقِيلَ: بِالضَّمِّ فِيهِمَا، وَهُوَ أَضْعَفُهَا، وَأَصْلُهُ مِنَ الْوَضَاءَةِ، وَهِيَ النَّظَافَةُ، وَفِي الشَّرْعِ: أَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالنِّيَّةِ. (السِّوَاكُ مَسْنُونٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ) اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، لِحَثِّ الشَّارِعِ، وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ، وَتَرْغِيبِهِ فِيهِ، وَنَدْبِهِ إِلَيْهِ، يُوَضِّحُهُ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَهَذَا شَامِلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقِيلَ: كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْأُمَّةِ إِجْمَاعًا، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُمْ بِهِ، شَقَّ أَوْ لَمْ يَشُقَّ، وَيُعَضِّدُهُ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ مَرْفُوعًا قَالَ: «فَضْلُ الصَّلَاةِ بِسِوَاكٍ عَلَى الصَّلَاةِ بِغَيْرِ سِوَاكٍ سَبْعُونَ ضِعْفًا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهَذَا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَبَبِ أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ (إِلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا يُسْتَحَبُّ) فِي الْمَشْهُورِ حَتَّى ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَالِانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ، وَتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْفَمِ،   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ إِنَّمَا يَظْهَرُ غَالِبًا بَعْدَ الزَّوَالِ، فَوَجَبَ اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ مُسْتَطَابٌ شَرْعًا، فَتُسْتَحَبُّ إِدَامَتُهُ، كَدَمِ الشَّهِيدِ، فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ وَصَفَ دَمَ الشَّهِيدِ بِرِيحِ الْمِسْكِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَخُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ بِأَنَّهُ أَطْيَبُ مِنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ؛ قُلْتُ: الدَّمُ نَجِسٌ، وَغَايَتُهُ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى أَنْ يَصِيرَ طَاهِرًا، بِخِلَافِ الْخُلُوفِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُوَاصِلِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعُودِ الرَّطْبِ، وَغَيْرِهِ، فَلَوْ خَالَفَ، كُرِهَ فِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا فِي " التَّلْخِيصِ " وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، و" الْفُرُوعِ " وَهِيَ الْمَذْهَبُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَعَنْهُ: يُبَاحُ، لِمَا رَوَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ، وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا، اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ قَبْلَهُ بِعُودٍ رَطْبٍ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهَا الْحُلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: فِيهِ لَا، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَالْمَضْمَضَةِ الْمَسْنُونَةِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَاكَ بِالْعَشِيِّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَمْ يَرَ الشَّافِعِيُّ بَأْسًا بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، كَمَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. (وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: عِنْدَ الصَّلَاةِ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ عَامٌّ فِي الْفَرْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَيُسْتَاكُ بِعُودٍ لَيِّنٍ يُنَقِّي الْفَمَ، وَلَا يَجْرَحُهُ، وَلَا يَتَفَتَّتُ فِيهِ، فَإِنِ اسْتَاكَ   [المبدع في شرح المقنع] وَالنَّفْلِ حَتَّى صَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ، وَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الطَّوَافُ، وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ، وَالتِّلَاوَةِ (وَالِانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ) لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، يُقَالُ: شَاصَهُ، وَمَاصَهُ: إِذَا غَسَلَهُ، وَقِيلَ: هُوَ الدَّلْكُ وَالْحَكُّ، وَلِأَنَّ النَّائِمَ يَتَغَيَّرُ فَاهُ، لِانْطِبَاقِهِ (وَتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْفَمِ) بِكَلَامٍ، أَوْ سُكُوتٍ، أَوْ أَكْلٍ، أَوْ جُوعٍ، أَوْ عَطَشٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ لِتَنْظِيفِ الْفَمِ، وَيَتَأَكَّدُ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا: عِنْدَ الْوُضُوءِ فِي الْمَضْمَضَةِ، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَالْغُسْلِ، وَمِنْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَسَبَقَهُ إِلَيْهِ أَبُو الْفَرَجِ، وَمِنْهَا دُخُولُ الْمُنْزِلِ لِمَا رَوَى الْمِقْدَادُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قُلْتُ لِعَائِشَةَ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ، قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَدُخُولُ الْمَسْجِدِ أَوْلَى، وَمِنْهَا اصْفِرَارُ الْأَسْنَانِ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ. (وَيَسْتَاكُ بِعُودٍ لَيِّنٍ يُنَقِّي الْفَمَ) كَالْأَرَاكِ وَنَحْوِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنْتُ أَجْنِي لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَاكًا مِنْ أَرَاكٍ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ. وَمَا فِي مَعْنَاهُ الْعُرْجُونُ كَالْأَرَاكِ لَكِنْ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّ الْأَرَاكَ أَوْلَى لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 بِإِصْبُعِهِ أَوْ خِرْقَةٍ فَهَلْ يُصِيبُ السُّنَّةَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَيَسْتَاكُ عَرْضًا عَلَى لِسَانِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْهُ، وَعَنِ الزَّيْتُونِ وَالْعُرْجُونِ، وَهُوَ سَاعِدُ النَّخْلِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ الثَّمَرَةُ إِلَّا لِتَعَذُّرِهِ. قَالَ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ: مِنَ الْأَطِبَّاءِ مَنْ زَعَمُوا أَنَّ التَّسَوُّكَ مِنْ أُصُولِ الْجَوْزِ، فِي كُلِّ خَامِسٍ مِنَ الْأَيَّامِ، يُنَقِّي الرَّأْسَ، وَيُصَفِّي الْحَوَاسَّ، وَيُحِدُّ الذِّهْنَ، وَالسِّوَاكُ بِاعْتِدَالٍ يُطَيِّبُ الْفَمَ، وَالنَّكْهَةَ، وَيَجْلُو الْأَسْنَانَ، وَيُقَوِّيهَا، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ بِحَيْثُ (لَا يَجْرَحُهُ وَلَا يَضُرُّهُ وَلَا يَتَفَتَّتُ فِيهِ) يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنِ الرَّيْحَانِ، وَالرُّمَّانِ، فَإِنَّهُ رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ مَرْفُوعًا: «لَا تُخَلِّلُوا بِعُودِ الرَّيْحَانِ، وَلَا الرُّمَّانِ، فَإِنَّهُمَا يُحَرِّكَانِ عِرْقَ الْجُذَامِ» . رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ، وَقِيلَ: السِّوَاكُ بِالرَّيْحَانِ يَضُرُّ بِلَحْمِ الْفَمِ، وَكَذَا الطَّرْفَاءُ، وَالْآسُ، وَالْأَعْوَادُ الذَّكِيَّةُ، التَّخَلُّلُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مَكْرُوهٌ، كَالسِّوَاكِ (فَإِنِ اسْتَاكَ بِإِصْبُعِهِ أَوْ خِرْقَةٍ فَهَلْ يُصِيبُ السُّنَّةَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " أَحَدُهُمَا: لَا يُصِيبُ قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، و" الرِّعَايَةِ " وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِنْقَاءُ بِهِ حُصُولَهُ بِالْعُودِ، وَالثَّانِي: بَلَى، وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ " فِي الْإِصْبُعِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُجْزِئُ مِنَ السِّوَاكِ الْأَصَابِعُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالْحَافِظُ الضِّيَاءُ فِي " الْمُخْتَارَةِ " وَقَالَ: لَا أَرَى بِإِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ بَأْسًا، وَفِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ " أَنَّهُ يُصِيبُ مِنَ السُّنَّةِ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ مِنَ الْإِنْقَاءِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْأَصْحَابُ إِلَى إِصْبُعِ غَيْرِهِ، وَلَا إِلَيْهَا إِذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً، وَظَاهِرُهُ الْإِجْزَاءُ إِذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهَا، وَإِنْ كَانَ دَفْنُهَا عَلَى الْفَوْرِ وَاجِبًا، وَقَيَّدَ فِي " الرِّعَايَةِ " الْخِرْقَةَ بِكَوْنِهَا خَشِنَةً وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُصِيبُ إِنْ لَمْ يَجِدْ عُودًا، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يُصِيبُ بِإِصْبُعٍ مَعَ وُجُودِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَأَسْنَانِهِ، وَيَدَّهِنُ غِبًّا، وَيَكْتَحِلُ وِتْرًا. وَيَجِبُ الْخِتَانُ مَا لَمْ يَخَفْهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُكْرَهُ   [المبدع في شرح المقنع] خِرْقَةٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ: الْعُودُ وَالْخِرْقَةُ سَوَاءٌ، ثُمَّ الْإِصْبُعُ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُصِيبُ بِالْإِصْبُعِ عِنْدَ الْوُضُوءِ خَاصَّةً. (وَيَسْتَاكُ عَرْضًا عَلَى لِسَانِهِ وَأَسْنَانِهِ) زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَلَثَتِهِ، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَسْتَاكُ عَرْضًا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَافِظُ الضِّيَاءُ، وَضَعَّفَهُ، وَلِأَنَّ التَّسَوُّكَ طُولًا رُبَّمَا أَدْمَى اللِّثَةَ، وَأَفْسَدَ الْأَسْنَانَ، وَقِيلَ: الشَّيْطَانُ يَسْتَاكُ طُولًا، وَقَالَ فِي " الْمُبْهِجِ "، و" الْإِيضَاحِ ": طُولًا، وَفِي " الشَّرْحِ ": إِنِ اسْتَاكَ عَلَى لِسَانِهِ، أَوْ حَلْقِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَاكَ طُولًا لِخَبَرِ أَبِي مُوسَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَغْسِلُ السِّوَاكَ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَاكَ بِالْوَاحِدِ اثْنَانِ، أَوْ أَكْثَرُ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَيَقُولُ إِذَا اسْتَاكَ: اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي، وَمَحِّصْ ذُنُوبِي، قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَيَنْوِي بِهِ الْإِتْيَانَ بِالسُّنَّةِ. (وَيَدَّهِنُ غِبًّا) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَالتَّرَجُّلُ: تَسْرِيحُ الشَّعَرِ وَدَهْنُهُ، وَالْغِبُّ يَوْمًا وَيَوْمًا، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ، عَنْ أَحْمَدَ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " مَا لَمْ يَجِفَّ الْأَوَّلُ، لَا مُطْلَقًا لِلنِّسَاءِ، وَاللِّحْيَةُ كَالرَّأْسِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَيَفْعَلُهُ كُلَّ يَوْمٍ لِلْحَاجَةِ لِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَفْعَلُ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ بِالْبَلَدِ، كَالْغَسْلِ بِمَاءٍ حَارٍّ فِي بَلَدٍ رَطْبٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَرْجِيلُ الشَّعَرِ، وَهُوَ فِعْلُ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّ مِثْلَهُ نَوْعُ اللُّبْسِ وَالْمَأْكَلِ. غَرِيبَةٌ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَنْفَعَ لِلْوَبَاءِ مِنَ الْبَنَفْسَجِ يُدَّهَنُ بِهِ وَيُشْرَبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] (وَيَكْتَحِلُ) فِي كُلِّ عَيْنٍ (وِتْرًا) بِالْإِثْمِدِ الْمُطَيِّبِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، «مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا، فَلَا حَرَجَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ. فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ: فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَفِي الْيُسْرَى اثْنَتَيْنِ، وَقِيلَ: مِرْوَدَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْخَامِسُ: يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَفْعَلُهُ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا. (وَيَجِبُ الْخِتَانُ) عِنْدَ الْبُلُوغِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْوُجُوبَ إِذَا وَجَبَتِ الطَّهَارَةُ، وَالصَّلَاةُ (مَا لَمْ يَخَفْهُ عَلَى نَفْسِهِ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَلَمْ يَذْكُرِ السِّنِينَ، وَقَدْ عُورِضَ بِمَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ، وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِينَ سَنَةً» . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ أُمِرَ بِالِاخْتِتَانِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " الْأَدَبِ " بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَلْقِ عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْرِ، وَاخْتَتِنْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَخَرَجَ مِنْهُ إِلْقَاءُ الشَّعَرِ بِدَلِيلٍ، فَبَقِيَ الْخِتَانُ عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ، وَهُوَ قَطْعُ جِلْدَةٍ غَاشِيَةٍ عَلَى الْحَشَفَةِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: أَوْ أَكْثَرِهَا، وَلِلْأُنْثَى: وَهُوَ قَطْعُ جِلْدَةٍ فَوْقَ مَحَلِّ الْإِيلَاجِ تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُؤْخَذَ كُلُّهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ، وَصَحَّحَهَا بَعْضُهُمْ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَخْتَتِنُ الْخُنْثَى فِي ذَكَرِهِ، وَفَرْجِهِ، وَأَنَّهُ إِذَا خِيفَ مِنْهُ، فَظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَسْقُطُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: عَلَى الْأَصَحِّ، وَنَقَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] حَنْبَلٌ: يَخْتَتِنُ، فَظَاهِرُهُ يَجِبُ، لِأَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَتْلَفُ مِنْهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَأَنَّهُ مَتَى خُشِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَخْتَتِنْ، وَيُعْتَبَرُ لِذَلِكَ زَمَنٌ مُعْتَدِلٌ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِهِ وَلَوْ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، فَتَلِفَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ، وَزَعَمَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ يُتْلِفُ، أَوْ ظَنَّ تَلَفَهُ ضَمِنَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ. تَذْنِيبٌ: فِعْلُهُ زَمَنُ الصِّغَرِ أَفْضَلُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: التَّأْخِيرُ، زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ إِلَى التَّمْيِيزِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " قِيلَ: مُجَاوَزَةُ عَشْرٍ، وَفِي الرِّعَايَةِ بَيْنَ سَبْعٍ وَعَشْرِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ حَتَّى يُدْرِكَ جَازَ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ، وَيُكْرَهُ يَوْمُ السَّابِعِ لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ، وَعَنْهُ: لَا، قَالَ الْخَلَّالُ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ. (وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ) وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ رَأْسِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الْقَزَعِ، فَقِيلَ لِنَافِعٍ: مَا الْقَزَعُ؛ قَالَ: أَنْ يُحْلَقَ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ، وَيُتْرَكَ بَعْضُهُ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: بَلْ حَلْقُ وَسَطِهِ، وَقِيلَ: بَلْ حَلَقٌ يَقَعُ مِنْهُ، وَكَنَتْفِ الشَّيْبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ حَلْقَهُ كُلَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نُسُكٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَقَصِّهِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ لِغَيْرِ نُسُكٍ، وَحَاجَةٍ وِفَاقًا لِمَالِكٍ، وَكَحَلْقِ الْقَفَا، زَادَ فِيهِ جَمْعٌ: لِمَنْ لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ كَحِجَامَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ، وَيُكْرَهُ لِامْرَأَةٍ حَلْقُهُ كَقَصِّهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمَانِ عَلَيْهَا، نَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَرْجُو أَلَّا بَأْسَ لِضَرُورَةٍ، وَيُسْتَثْنَى عَلَى الْأَوَّلِ مَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَحْرُمُ حَلْقُهُ عَلَى مُرِيدٍ لِشَيْخِهِ، لِأَنَّهُ ذُلٌّ وَخُضُوعٌ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. مَسَائِلُ: يَجُوزُ اتِّخَاذُ الشَّعَرِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا إِنْ شَقَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الْقَزَعُ، وَيَتَيَامَنُ فِي سِوَاكِهِ وَطَهُورِهِ، وَانْتِعَالِهِ، وَدُخُولِهِ الْمَسْجِدَ. وَسُنَنُ الْوُضُوءِ عَشْرٌ:   [المبدع في شرح المقنع] إِكْرَامُهُ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ سُنَّةٌ لَوْ نَقْوَى عَلَيْهِ اتَّخَذْنَاهُ، وَلَكِنَّ لَهُ كُلْفَةً، وَمَئُونَةً، وَيُسَرِّحُهُ، وَيَفْرُقُهُ، وَيَكُونُ إِلَى أُذُنَيْهِ، وَيَنْتَهِي إِلَى مَنْكِبَيْهِ كَشَعَرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَتِهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَجَعْلِهِ ذُؤَابَةً، وَيَعْفِي لِحْيَتَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ: أَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ كَقَصِّ الشَّارِبِ، وَأَطْلَقَ أَصْحَابُنَا، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، وَفِي الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يُسْتَهْجَنْ طُولُهَا، وِفَاقًا لِمَالِكٍ، وَيَحْرُمُ حَلْقُهَا، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَلَا يُكْرَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ. وَنَصُّهُ: لَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ، وَمَا تَحْتَ حَلْقِهِ لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَتَرْكُهُ أَوْلَى، وَأَخَذَ أَحْمَدُ مِنْ حَاجِبِهِ وَعَارِضِهِ، وَيَحُفُّ شَارِبَهُ، وَهِيَ أَوْلَى فِي الْمَنْصُوصِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنَظِّفَ أَنْفَهُ خُصُوصًا إِذَا فَحُشَ كَإِبِطِهِ، وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ، وَلَهُ إِزَالَتُهُ بِمَا شَاءَ، وَالتَّنْوِيرُ فَعَلَهُ أَحْمَدُ فِي الْعَوْرَةِ، وَكَرِهَ الْآمِدِيُّ كَثْرَتَهُ، وَيَدْفِنُ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَفْعَلُهُ كُلَّ أُسْبُوعٍ، وَلَا يَتْرُكُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَمَّا الشَّارِبُ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَحْشًا، وَقِيلَ: عِشْرِينَ، وَقِيلَ: لِلْمُقِيمِ، وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ مُخَالِفًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَقِيلَ: يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَحِيفَ عَلَيْهَا فِي الْغَزْوِ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إِلَى حِلِّ شَيْءٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَنْظُرُ فِي مِرْآةٍ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي، وَحَرِّمْ وَجْهِي عَلَى النَّارِ» لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَيَتَطَيَّبُ الرَّجُلُ بِمَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَالْمَرْأَةُ عَكْسُهُ لِأَثَرٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. ( «وَيَتَيَامَنُ فِي سِوَاكِهِ» ) أَيْ: يَبْدَأُ بِجَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، وَيَسْتَاكُ بِيَسَارِهِ، نَقَلَهُ حَرْبٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَا عَلِمْتُ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ كَانْتِثَارِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَذَكَرَ جَدُّهُ: إِنْ قُلْنَا: يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ فَيَسْتَاكُ بِهَا (وَطَهُورِهِ، وَانْتِعَالِهِ، وَدُخُولِهِ الْمَسْجِدَ) وَأَكْلِهِ، وَشُرْبِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطَهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 السِّوَاكُ، وَالتَّسْمِيَةُ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ، وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ الْوُضُوءِ] [سُنَنُ الْوُضُوءِ] (وَسُنَنُ الْوُضُوءِ) سُمِّيَ وُضُوءًا لِتَنْظِيفِهِ الْمُتَوَضِّئَ وَتَحْسِينِهِ (عَشْرٌ السِّوَاكُ) لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَالْمُرَادُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ، (وَالتَّسْمِيَةُ) هَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُؤَلِّفِ، قَالَ الْخَلَّالُ: إِنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ فَلَمْ يَذْكُرْهَا، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ، فَلَمْ تَجِبْ لَهَا التَّسْمِيَةُ، كَطَهَارَةِ الْخَبَثِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ يَثْبُتُ فِي هَذَا حَدِيثٌ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا لَهُ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَأْكِيدِ الِاسْتِحْبَابِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ شَاقْلَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِأَحْمَدَ، وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَحْسَنُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ أَصَحُّهَا، فَعَلَى هَذَا تَسْقُطُ سَهْوًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ تَتَغَايَرُ أَفْعَالُهَا، فَكَانَ فِي وَاجِبَاتِهَا مَا يَسْقُطُ سَهْوًا كَالصَّلَاةِ، وَلَا تَسْقُطُ فِي أُخْرَى، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ شَرْطًا، اخْتَارَهَا ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَالْمَجْدُ، لَكِنْ قَالَ الشِّيرَازِيُّ وابن عبدوس: مَتَى سَمَّى فِي أَثْنَائِهِ أَجْزَأَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى وُضُوئِهِ، وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِهَا، فَهَلْ تُسَمَّى فَرْضًا أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 قَائِمًا مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، فَفِي وُجُوبِهِ رِوَايَتَانِ، وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ،   [المبدع في شرح المقنع] سُنَّةً؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَخْرَسُ تَكْفِي إِشَارَتُهُ بِهَا. تَتْمِيمٌ، مَحَلُّهَا اللِّسَانُ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ، وَوَقْتُهَا بَعْدَ النِّيَّةِ لِتَكُونَ شَامِلَةً لِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ، وَصِفَتُهَا: بِاسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ أَوِ الْقُدُّوسِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الْأَشْهَرِ، كَمَا لَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى الْمُحَقَّقِ. (وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ) أَيْ: قَبْلَ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ [أَبِي] أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَاسْتَوْكَفَ ثَلَاثًا أَيْ: غَسَلَ كَفَّيْهِ» ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا يُغْسَلَانِ ثَلَاثًا، وَلَوْ تَحَقَّقَ طَهَارَتُهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ) نَاقِضٍ لِلْوُضُوءِ، (فَفِي وُجُوبِهِ رِوَايَتَانِ) الْأَصَحُّ وَالظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُ غَسْلِهِمَا تَعَبُّدًا، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْرِ بِهِ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَالثَّانِيَةُ: هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالشَّيْخَانِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْقَائِمَ إِلَى الصَّلَاةِ بِغَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْقَائِمِ مِنَ النَّوْمِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ فَسَّرَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بِالْقِيَامِ مِنَ اللَّيْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الْيَدَيْنِ، وَحُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى النَّدْبِ، لِأَنَّهُ عُلِّلَ بِوَهْمِ النَّجَاسَةِ، وَطَرَيَانُ الشَّكِّ عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهَا. فَرْعٌ: إِذَا نَسِيَ غَسْلَهُمَا سَقَطَ مُطْلَقًا، لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُفْرَدَةٌ، وَإِنْ وَجَبَ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَسْقُطُ، لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْوُضُوءِ، وَالْأَوَّلُ: أَقْيَسُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ غَسْلِهِمَا قَبْلَ الْوُضُوءِ بَزَمَنٍ طَوِيلٍ، وَوُجُوبُ غَسْلِهِمَا لِمَعْنًى فِيهِمَا، وَقِيلَ: بَلْ لِإِدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ، وَيُعْتَبَرُ لِغَسْلِهِمَا نِيَّةٌ وَتَسْمِيَةٌ. مَسْأَلَةٌ: يَتَوَجَّهُ كَرَاهَةُ غَمْسِهَا فِي مَائِعٍ، وَأَكْلُ شَيْءٍ رَطْبٍ بِهَا. (وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) أَيْ: قَبْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا، وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ، وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ،   [المبدع في شرح المقنع] حَدِيثِ عُثْمَانَ: «أَنَّهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ» وَلِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ فَقُدِّمَا، لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْهُ أَذًى بَعْدَ غَسْلِ الظَّاهِرِ فَيُلَوِّثَهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ (وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) إِلَى أَقَاصِيهِمَا، هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ، لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ: وَبَالَغَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، وَاقْتَصَرَ الْخِرَقِيُّ عَلَيْهِ تَبَعًا لِحَدِيثِ لَقِيطٍ «قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ، فَقَالَ: وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَابْنُ شَاقْلَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ لِسُقُوطِهَا بِصَوْمِ النَّفْلِ، وَالْوَاجِبُ لَا يَسْقُطُ بِالنَّفْلِ، وَعَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُ الْمُبَالَغَةِ فِيهِمَا عَلَى الْمُفْطِرِ، وَقِيلَ: فِي الْكُبْرَى، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ: اجْتِذَابُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إِلَى أَقْصَى الْأَنْفِ، وَلَا يُصَيِّرُهُ سَعُوطًا، وَفِي الْمَضْمَضَةِ: إِدَارَةُ الْمَاءِ فِي أَقَاصِي الْفَمِ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ ": أَوْ أَكْثَرِهِ، وَلَا يُصِيِّرُهُ وَجُورًا، وَلَهُ بَلْعُهُ كَلَفْظِهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا) فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَحَرَّمَهُ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِصَوْمِ الْفَرْضِ، صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) لِمَا رُوِيَ «عَنْ عُثْمَانَ: أَنَّهُ تَوَضَّأَ، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ حِينَ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ الَّذِي رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَحَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهَذَا إِذَا كَانَتْ كَثِيفَةً، فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً تَصِفُ الْبَشَرَةَ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا، وَقِيلَ: يَجِبُ التَّخْلِيلُ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وَالتَّيَامُنُ، وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِلْأُذُنَيْنِ، وَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ.   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ بَعِيدٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: فَيُخَلِّلُهَا مِنْ تَحْتِهَا بِأَصَابِعِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ مِنْ جَانِبَيْهَا بِمَاءِ الْوَجْهِ، وَقِيلَ: بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ شَاءَ خَلَّلَهَا مَعَ وَجْهِهِ، وَإِنْ شَاءَ إِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ، وَحُكْمُ بَقِيَّةِ الشُّعُورِ كَعَنْفَقَةٍ، وَشَارِبٍ، وَحَاجِبٍ، وَلِحْيَةِ امْرَأَةٍ، وَخُنْثَى كَذَلِكَ. (وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) أَيْ: تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِمَا رَوَى لَقِيطُ بْنُ صَبْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ فِي الرِّجْلَيْنِ آكَدُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَعَنْهُ: لَا يُسَنُّ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ، إِذْ تَفْرِيجُهُمَا يُغْنِي عَنْ تَخْلِيلِهِمَا، وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ الْيُسْرَى، لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِإِزَالَةِ الْوَسَخِ وَالدَّرَنِ مِنْ بَاطِنِ رِجْلِهِ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، يَبْدَأُ بِخِنْصَرِهَا إِلَى إِبْهَامِهَا، وَفِي الْيُسْرَى بِالْعَكْسِ، لِيَحْصُلَ التَّيَامُنُ فِيهِ، وَأَصَابِعُ يَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ، أَوْ بَعْضُهَا مُلْتَصِقَةً سَقَطَ. (وَالتَّيَامُنُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَشَذَّ الرَّازِيُّ فَحَكَى فِي " تَفْسِيرِهِ " عَنْ أَحْمَدَ وُجُوبَ غَسْلِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى، وَهُوَ مُنْكَرٌ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: هُمَا فِي حُكْمِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ، حَتَّى لَوْ غَسَلَ إِحْدَاهُمَا بِمَاءِ الْأُخْرَى جَازَ (وَأَخَذَ مَاءً جَدِيدًا لِلْأُذُنَيْنِ) ظَاهِرِهِمَا، وَبَاطِنِهِمَا فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: «أَنَّهُ رَأَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الَّذِي لِرَأْسِهِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ خَرَجَ مِنَ الْخِلَافِ، وَالثَّانِيَةُ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ: لَا يُسَنُّ، لِأَنَّ غَالِبَ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ يُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَعَلَى الْأُولَى يُدْخِلُ سَبَّاحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ، وَيَمْسَحُ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا، كَذَا وَصَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَتُسَنُّ مُجَاوَزَةُ مَوْضِعِ الْفَرْضِ. (وَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، فَقَالَ: هَذَا وَظِيفَةُ الْوُضُوءِ، أَوْ قَالَ: هَذَا وُضُوءٌ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْهُ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً، ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ مَنْ تَوَضَّأَهُ كَانَ لَهُ كِفْلَانِ مِنَ الْأَجْرِ، وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: هَذَا وُضُوئِي، وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ قَبْلِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَتَكَلَّمَ مُسْلِمٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ نَقَصَ، وَأَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى نُقْصَانِ الْعُضْوِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الذَّهَبِيُّ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ: فَيُكْرَهُ. زَادَ بَعْضُهُمْ لِغَيْرِ وَسْوَاسٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ لِلْخَبَرِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا إِلَّا رَجُلٌ مُبْتَلًى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 بَابُ فَرْضِ الْوُضُوءِ وَصِفَتِهِ وَشَرْطِهِ وَفُرُوضُهُ سِتَّةٌ: غَسْلُ الْوَجْهِ، وَالْفَمِ، وَالْأَنْفِ، مِنْهُ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ، وَمَسْحُ   [المبدع في شرح المقنع] خَاتِمَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ مَسْحُ الْعُنُقِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، وَعَنْهُ: يُسَنُّ، اخْتَارَهُ فِي " الْغُنْيَةِ " وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَابْنُ رَزِينِ، وَأَطْلَقَ فِي " الْمُحَرَّرِ " الْخِلَافَ، وَأَنَّهُ لَا يُسَنُّ غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّيْخَانِ، نَظَرًا إِلَى أَنَّ الضَّرَرَ الْمُتَوَقَّعَ كَالْمُتَحَقِّقِ، وَقِيلَ: يُسَنُّ مَعَ أَمْنِ الضَّرَرِ، جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَحَكَى بَعْضُهُمْ رِوَايَةً بِالْوُجُوبِ مُخَرَّجَةً مِنْ وُجُوبِ ذَلِكَ فِي الْغَسْلِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا لِنَجَاسَةٍ. [فَرَائِضُ الْوُضُوءِ] بَابُ فَرْضِ الْوُضُوءِ وَصِفَتِهِ، وَشَرْطِهِ (وَفُرُوضُهُ سِتَّةٌ) الْفُرُوضُ: جَمْعُ فَرْضٍ، وَهُوَ لُغَةً التَّأْثِيرُ، وَشَرْعًا قِيلَ: مَا أُثِيبَ فَاعِلُهُ، وَعُوقِبَ تَارِكُهُ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الطَّهُورِ فِي الْأَعْضَاءِ الْمَخْصُوصَةِ عَلَى صِفَةٍ مُفْتَتَحَةٍ بِالنِّيَّةِ، وَكَانَ فَرْضُهُ مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْضَ وَالشَّرْطَ يَشْتَرِكَانِ فِي تَوَقُّفِ الْعِبَادَةِ عَلَى وُجُودِهِمَا، وَيَفْتَرِقَانِ بِأَنَّ الشَّرْطَ خَارِجٌ عَنْهَا، وَالْفَرْضَ دَاخِلُهَا، وَبِأَنَّ الشَّرْطَ يُسْتَصْحَبُ فِيهَا إِلَى انْقِضَائِهَا، وَالْفَرْضَ يَنْقَضِي، وَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ نَظَرَ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَسَمَّى النِّيَّةَ وَنَحْوَهَا فَرْضًا، وَهِيَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي شَرْطٌ (غَسْلُ الْوَجْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] ، (وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الْوَجْهِ لِدُخُولِهِمَا فِي حَدِّهِ (وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] (وَمَسْحُ الرَّأْسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] (وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] أَيْ: كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ فَرْضٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْجَمَاهِيرِ لِقِرَاءَةِ نَافِعٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الرَّأْسِ، وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، وَتَرْتِيبُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُوَالَاةُ عَلَى إِحْدَى   [المبدع في شرح المقنع] وَابْنِ عَامِرٍ، وَالْكِسَائِيِّ، وَحَفْصٍ بِالنَّصْبِ فِي {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] عَطْفًا عَلَى الْيَدَيْنِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْخَفْضِ لِلْمُجَاوَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} [سبأ: 5] ، وَقِيلَ: لَمَّا كَانَتِ الْأَرْجُلُ فِي مَظِنَّةِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مَذْمُومٌ، عَطَفَهَا عَلَى الْمَمْسُوحِ لَا لِلتَّمَسَّحِ، بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى مِقْدَارِ الْوَاجِبِ، ثُمَّ قِيلَ: (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) دَفْعًا لِظَنِّ ظَانٍّ أَنَّهَا مَمْسُوحَةٌ، لِأَنَّ الْمَسْحَ لَمْ يُضْرَبْ لَهُ غَايَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَلِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَوْلِهِ: «ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَاهُ، وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ. إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَأَنْ يُقْطَعَا أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَمْسَحَ الْقَدَمَيْنِ، وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ لَابِسِ الْخُفِّ، فَأَمَّا لَابِسُهُ فَغَسْلُهُمَا لَيْسَ فَرْضًا مُتَعَيَّنًا فِي حَقِّهِ (وَتَرْتِيبُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي " الْكَافِي " أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَدْخَلَ الْمَمْسُوحَ بَيْنَ الْمَغْسُولَاتِ، وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا فَائِدَةً غَيْرَ التَّرْتِيبِ، وَالْآيَةُ سِيقَتْ لِبَيَانِ الْوَاجِبِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَتَّبَ الْوُضُوءَ، وَقَالَ: «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ، فَكَانَ التَّرْتِيبُ مِنْ شَرْطِهِ كَالصَّلَاةِ يَجِبُ فِيهَا الرُّكُوعُ قَبْلَ السُّجُودِ، وَلَوْ كَانَ التَّنْكِيسُ جَائِزًا لِفِعْلِهِ، وَلَوْ مَرَّةً لِتَبْيِينِ الْجَوَازِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، فَأَمَّا إِذَا قِيلَ: إِنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ، فَوَاضِحٌ، فَعَلَى هَذَا لَوْ بَدَأَ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ قَبْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ، نَعَمْ إِنْ تَوَضَّأَ مُنَكِّسًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ صَحَّ وُضُوءُهُ إِنْ قَرُبَ الزَّمَنُ، لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ غَسْلُ عُضْوٍ، وَلَوْ غَسَلَهَا جَمِيعًا بِانْغِمَاسٍ وَاحِدٍ، أَوْ وَضَّأَهُ أَرْبَعَةً فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ لَبِثَ فِي جَارٍ، فَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُ جَرَيَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، سَقَطَ التَّرْتِيبُ، إِنْ قِيلَ بِإِجْزَاءِ الْغَسْلِ عَنِ الْمَسْحِ، وَقِيلَ: إِنْ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ كَفَاهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ لَمْ تَمُرَّ عَلَيْهِ إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ أَلَّا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ   [المبدع في شرح المقنع] جَرْيَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنِ انْغَمَسَ فِي كَثِيرٍ رَاكِدٍ فَمَنْصُوصُهُ، وَقَطَعَ بِهِ جَمْعٌ: إِنْ خَرَجَ مُرَتَّبًا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّانِيَةُ وَحَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ نَصِّهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَأَبَى ذَلِكَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ بِالْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ. (وَالْمُوَالَاةُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهَا الْمَشْهُورَةُ، وَصَحَّحَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَرَجَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرْطٌ، وَالثَّانِي جَوَابٌ، وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، وَهُوَ الْقِيَامُ، وَجَبَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ جَوَابُهُ، وَهُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي، وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَزَادَ: وَالصَّلَاةَ، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَفِيهِ بَقِيَّةٌ، وَهُوَ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَالثَّانِيَةُ، وَنَقَلَهَا حَنْبَلٌ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ، وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغَسْلِ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمُوَالَاةَ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَمَا جَفَّ وَضُوءُهُ، وَنَصَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ذَلِكَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ، وَلَهُ نَظَائِرُ مِنْهَا: التَّتَابُعُ فِي صَوْمِ شَهْرَيِ الْكَفَّارَةِ، وَجَوَابُهُ النَّصُّ، وَالْإِجْمَاعُ، ثُمَّ لَوْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَكَذَا الْمُوَالَاةُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَفِي الطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ لَا يَبْطُلُ بِفِعْلِ الْمَكْتُوبَةِ (وَهُوَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الَّذِي قَبْلَهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 لِطَهَارَةِ الْحِدَثِ كُلِّهَا، وَهِيَ أَنْ يَقْصِدَ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوِ الطَّهَارَةَ لِمَا لَا يُبَاحُ إِلَّا بِهَا،   [المبدع في شرح المقنع] فِي زَمَنٍ مُعْتَدِلٍ، أَوْ بِمِقْدَارِهِ مِنَ الشِّتَاءِ، وَالصَّيْفِ، وَالْهَوَاءِ، وَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِمَا يَلِي الْعُضْوَ الْمَغْسُولَ، أَوْ أَوَّلِهَا، أَوْ جَمِيعَهَا؟ فِيهِ أَقْوَالٌ، وَالتَّفْرِيقُ الْمُبْطِلُ مَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ تَفْرِيقًا، قَالَ الْخَلَّالُ: هُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِهِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، فَلَوْ جَفَّ الْأَوَّلُ لِاشْتِغَالِهِ فِي الثَّانِي بِسُنَّةٍ كَتَخْلِيلٍ، وَإِسْبَاغٍ لَمْ يَضُرَّ، وَكَذَا إِنْ كَانَ لِوَسْوَسَةٍ، وَإِزَالَةِ وَسَخٍ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ لِلِاشْتِغَالِ بِتَحْصِيلِ الْمَاءِ فَرِوَايَتَانِ، وَيَضُرُّ إِسْرَافٌ، وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ لِغَيْرِ الطَّهَارَةِ، وَزِيَادَةٌ عَلَى الثَّلَاثِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الطَّهَارَةِ شَرْعًا، وَلَا تَسْقُطُ هِيَ، وَتَرْتِيبٌ سَهْوًا، كَبَقِيَّةِ الْفُرُوضِ. (وَالنِّيَّةُ) لُغَةً: الْقَصْدُ يُقَالُ: نَوَاكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ أَيْ: قَصَدَكَ بِهِ، وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ، وَأَنْ يُخْلِصَهَا لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَالنَّصُّ دَلَّ عَلَى الثَّوَابِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ، وَلَا ثَوَابَ فِي غَيْرِ مَنْوِيٍّ بِالْإِجْمَاعِ (شَرْطٌ) وَهُوَ لُغَةً: الْعَلَامَةُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] ، وَاصْطِلَاحًا: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ (لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ كُلِّهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] ، وَالْإِخْلَاصُ مَحْضُ النِّيَّةِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَقَوْلِهِ «لَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ» وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الطَّهُورُ شَطْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فَإِنْ نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ، أَوِ التَّجْدِيدَ، فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْإِيمَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَخْبَرَ أَنَّ الْخَطَايَا تَخْرُجُ بِالْوُضُوءِ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ نِيَّةٍ، فَالْعِبَادَةُ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اضْطِرَادٍ عُرْفِيٍّ، وَلَا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ، قِيلَ لِأَبِي الْبَقَاءِ: الْإِسْلَامُ وَالنِّيَّةُ عِبَادَتَانِ، وَلَا يَفْتَقِرَانِ إِلَى النِّيَّةِ، فَقَالَ: الْإِسْلَامُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ لِصُدُورِهِ مِنَ الْكَافِرِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، سَلَّمْنَا، لَكِنْ صَحَّ لِلضَّرُورَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ، وَأَمَّا النِّيَّةُ، فَلِقَطْعِ التَّسَلْسُلِ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ، فَافْتَقَرَتْ إِلَى النِّيَّةِ كَالْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ، فَإِنَّهَا نَقْلُ عَيْنٍ، أَشْبَهَ رَدَّ الْوَدِيعَةِ، وَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ بَابُهَا الْفِعْلُ أَشْبَهَتِ الصَّلَاةَ، وَطَهَارَةَ النَّجَاسَةِ بَابُهَا التَّرْكُ أَشْبَهَتْ تَرْكَ الزِّنَا، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ طَوَائِفَ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةُ بِدَلِيلِ السِّتَارَةِ، وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَهُمَا شَرْطَانِ لِلْعِبَادَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمَا يُوجَدَانِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَوُجُودِهِمَا قَبْلَهَا، فَنِيَّةُ الصَّلَاةِ مُتَضَمِّنَةٌ لَهُمَا بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَطَهَّرُ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ لَمْ يَحْنَثْ بِالِاسْتِدَامَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَتِرُ، وَلَا يَسْتَقْبِلُ حَنِثَ بِاسْتِدَامَتِهِمَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي طَهَارَةِ النَّجِسِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُشْتَرَطُ إِنْ كَانَتْ عَلَى الْبَدَنِ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهَا شَرْطٌ مُطْلَقًا (وَهِيَ أَنْ يَقْصِدَ رَفْعَ الْحَدَثِ) ، وَهُوَ الْمَانِعُ مِمَّا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَالْمُرَادُ رَفْعُ حُكْمِهِ، وَإِلَّا فَالْحَدَثُ إِذَا وَقَعَ لَا يَرْتَفِعُ (أَوِ الطَّهَارَةَ لِمَا لَا يُبَاحُ إِلَّا بِهَا) أَيْ: يَقْصِدُ اسْتِبَاحَةَ عِبَادَةٍ لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِالطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ، وَالطَّوَافِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الْحَدَثِ ضَرُورَةَ أَنَّ صِحَّةَ ذَلِكَ لَا تَجْتَمِعُ مَعَهُ، فَإِنْ نَوَى التَّبَرُّدَ، وَمَا لَا تُشْرَعُ لَهُ الطَّهَارَةُ، كَأَكْلٍ وَبَيْعٍ، وَنَوَى مَعَ ذَلِكَ الطَّهَارَةَ صَحَّتْ، وَإِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 نَوَى غُسْلًا مَسْنُونًا فَهَلْ يُجْزِئُ عَنِ الْوَاجِبِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ   [المبدع في شرح المقنع] فَلَا، وَإِنْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ لِيُزِيلَ عَنْهَا النَّجَاسَةَ، أَوْ لِيُعَلِّمَ غَيْرَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ نَوَى صَلَاةً مُعَيَّنَةً لَا غَيْرَهَا ارْتَفَعَ مُطْلَقًا، وَإِنْ نَوَى طَهَارَةً مُطْلَقَةً، أَوْ وُضُوءًا مُطْلَقًا فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ، وَإِنْ نَوَى الْجُنُبُ بِغَسْلِهِ الْقِرَاءَةَ ارْتَفَعَ الْأَكْبَرُ، وَفِي الْأَصْغَرِ وَجْهَانِ، وَإِنْ نَوَى بِغَسْلِهِ اللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ، ارْتَفَعَ الْأَصْغَرُ وَفِي الْأَكْبَرِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَقِيلَ: وَغَيْرِهَا وَجْهَانِ، وَإِنْ نَوَى مِنْ حَدَثِهِ مُسْتَمِرًّا اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ صَحَّ، وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ لِلْفَرْضِ، فَلَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ لَمْ يَرْتَفِعْ فِي الْأَقْيَسِ، وَيُسَنُّ نُطْقُهُ بِهَا سِرًّا، وَلَا يَضُرُّ سَبْقُ لِسَانِهِ بِخِلَافِ قَصْدِهِ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ وُضُوءٍ عَقْلٌ، وَتَمْيِيزٌ، وَإِسْلَامٌ، وَدُخُولُ وَقْتٍ عَلَى مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ لِفَرْضِهِ، وَإِزَالَةُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ، وَطُهْرٌ مِنْ حَيْضٍ، وَنِفَاسٍ، وَفَرَاغُهُ مِنْ خُرُوجِ خَارِجٍ، وَطَهُورِيَّةُ مَاءٍ، وَإِبَاحَتُهُ (فَإِنْ نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ) كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالْأَذَانِ، وَنَحْوِهِمَا (أَوِ التَّجْدِيدَ) نَاسِيًا حَدَثَهُ (فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَرْتَفِعُ، اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، كَمَنْ نَوَى التَّبَرُّدَ، وَالْأُخْرَى: يَرْتَفِعُ، اخْتَارَهَا أَبُو حَفْصٍ، وَالشَّيْخَانِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ نَوَى طَهَارَةً شَرْعِيَّةً، وَصَحَّحَ السَّامِرِيُّ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ، إِذَا نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " إِنْ جَدَّدَ مُحْدِثٌ وُضُوءَهُ نَاسِيًا حَدَثَهُ، لَمْ يَرْتَفِعْ فِي الْأَشْهَرِ، وَفِي حُصُولِ التَّجْدِيدِ إِذَا لَمْ يَرْتَفِعِ احْتِمَالَانِ (وَإِنْ نَوَى غُسْلًا مَسْنُونًا) كَغُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنِ الْوَاجِبِ) كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ (عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ، وَالْمَذْهَبُ الْإِجْزَاءُ كَعَكْسِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 أَحْدَاثٌ تُوجِبُ الْوُضُوءَ أَوِ الْغُسْلَ، فَنَوَى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهَا، فَهَلْ يَرْتَفِعُ سَائِرُهَا؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى أَوَّلِ وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ، وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعِ الْوَاجِبُ حَصَلَ الْمَسْنُونُ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ الْوَاجِبُ لِأَنَّهُ أَعْلَى، فَإِنْ نَوَاهُمَا حَصَلَا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنِ اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ تُوجِبُ الْوُضُوءَ أَوِ الْغُسْلَ) مُتَنَوِّعَةٌ قِيلَ: مَعًا، وَقِيلَ: أَوْ مُتَفَرِّقَةٌ (فَنَوَى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهَا) وَقِيلَ: وَعَلَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ (فَهَلْ يَرْتَفِعُ سَائِرُهَا) أَيْ: بَاقِيهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ذَكَرَ بِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْجَمِيعِ إِلَّا الْجَوْهَرِيَّ، وَهُوَ وَهْمٌ (عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَرْتَفِعُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ تَتَدَاخَلُ، فَإِذَا ارْتَفَعَ الْبَعْضُ ارْتَفَعَ الْجَمِيعُ، وَالْآخَرُ لَا يَرْتَفِعُ إِلَّا مَا نَوَاهُ، وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ أَشْبَهَ مَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَعَلَى قَوْلِهِ إِذَا اغْتَسَلَتْ مَنْ هِيَ حَائِضٌ جُنُبٌ لِلْحَيْضِ، حَلَّ وَطْؤُهَا دُونَ غَيْرِهِ لِبَقَاءِ الْحُرْمَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، إِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا، وَنَوَاهُ ارْتَفَعَ عَنِ الْمَنْوِيِّ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُجْزِئُ نِيَّةُ حَيْضٍ عَنْ جَنَابَةٍ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ يَرْتَفِعُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، وَيُجْزِئُ فِي غَيْرِهِمَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا نَوَى الْجَمِيعَ ارْتَفَعَ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ إِلَّا غُسْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ، وَالْإِنْزَالَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 عَلَى مَسْنُونَاتِهَا، وَاسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا فِي جَمِيعِهَا، وَإِنِ اسْتَصْحَبَ حُكْمَهَا، أَجْزَأَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَيَجِبُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى أَوَّلِ وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ) لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا، فَيُعْتَبَرُ وَجُودُهَا فِي أَوَّلِهَا، فَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْوَاجِبَاتِ قَبْلَ وُجُودِ النِّيَّةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِزَمَنٍ يَسِيرٍ كَالصَّلَاةِ، وَقِيلَ: وَطَوِيلٍ مَا لَمْ يَفْسَخْهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا عَمَلٌ يَسِيرٌ (وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا عَلَى مَسْنُونَاتِهَا) أَيْ: يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا عَلَى أَوَّلِ الْمَسْنُونَاتِ مِنْهَا، كَغَسْلِ الْيَدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَائِمًا مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، لِيَشْمَلَ مَفْرُوضَ الْوُضُوءِ وَمَسْنُونَهُ، فَلَوْ فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ، صَحَّ فِي الْأَشْهَرِ. فَرْعٌ: غُسْلُ الذِّمِّيَّةِ مِنَ الْحَيْضِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، وَاعْتَبَرَهُ الدِّينَوَرِيُّ قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَالنَّصُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ غُسْلٌ بِلَا نِيَّةٍ (وَاسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا فِي جَمِيعِهَا) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ أَفْضَلُ لِتَكُونَ أَفْعَالُهُ مَقْرُونَةً بِالنِّيَّةِ (وَإِنِ اسْتَصْحَبَ حُكْمَهَا أَجْزَأَهُ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَنْوِيَ الْمُتَطَهِّرُ فِي أَوَّلِهَا، ثُمَّ لَا يَنْوِي قَطْعَهَا فَإِنْ عَزَبَتْ عَنْ خَاطِرِهِ، وَذَهَلَ عَنْهَا لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي قَطْعِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ. فَرْعٌ إِذَا شَكَّ فِي النِّيَّةِ فِي أَثْنَاءِ طَهَارَتِهِ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَهْمًا كَالْوَسْوَاسِ فَلَا يَلْتَفِتُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بَعْدَ فَرَاغِهِ كَالشَّكِّ فِي حَدَثٍ، وَالثَّانِي: تَبْطُلُ، لِأَنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ أَبْطَلَهَا فِي أَثْنَاءِ طَهَارَتِهِ بَطَلَ مَا مَضَى فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 فَصْلٌ وَصِفَةُ الْوُضُوءِ أَنْ يَنْوِيَ، ثُمَّ يُسَمِّيَ، وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ، وَيَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا مِنْ غُرْفَةٍ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ سِتٍّ وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] الْأَصَحِّ، وَلَمْ تَبْطُلْ فِي آخِرٍ، لِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا فَلَمْ تَبْطُلْ بِقَطْعِ النِّيَّةِ كَمَا لَوْ نَوَى قَطْعَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْوُضُوءِ، ثُمَّ هَلْ يُتِمُّ عَلَى الْأَوَّلِ؛ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ. [صِفَةُ الْوُضُوءِ] فَصْلٌ (وَصِفَةُ الْوُضُوءِ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْكَيْفِيَّةُ. (أَنْ يَنْوِيَ، ثُمَّ يُسَمِّيَ) وَقَدْ تَقَدَّمَا (وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ) أَيْ: كَفَّيْهِ (ثَلَاثًا) لِأَنَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لِأَنَّ الْيَدَيْنِ آلَةٌ لِنَقْلِ الْمَاءِ، فَاسْتَحَبَّ غَسْلَهُمَا تَحْقِيقًا لِطَهَارَتِهِمَا، وَتَنْظِيفًا لَهُمَا، وَحِينَئِذٍ فَيَتَكَرَّرُ غَسْلُهُمَا عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنَ النَّوْمِ، وَفِي أَوَّلِهِ، وَمَعَ كُلِّ يَدٍ (ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ، وَيَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَأَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ بِهَا، وَاسْتَنْشَقَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْمَضْمَضَةُ: إِدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَالِاسْتِنْشَاقُ: اجْتِذَابُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إِلَى بَاطِنِ الْأَنْفِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ بِيَمِينِهِ، وَيَسْتَنْثِرَ بِيَسَارِهِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ فِي الصُّغْرَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ تَقْدِيمُ الْمَضْمَضَةِ عَلَيْهِ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلِأَنَّ الْفَمَ أَشْرَفُ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ، وَالذِّكْرِ، وَغَيْرِهِمَا، وَهُمَا فِي تَرْتِيبٍ وَمُوَالَاةٍ كَغَيْرِهِمَا (وَإِنْ شَاءَ مِنْ ثَلَاثٍ) لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّهُ «أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ» (وَإِنْ شَاءَ مِنْ سِتٍّ) لِأَنَّ فِي حَدِيثِ جَدِّ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الطَّهَارَتَيْنِ، وَعَنْهُ: أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ وَحْدَهُ وَاجِبٌ فِيهِمَا، وَعَنْهُ: أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَالِاسْتِنْشَاقِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَوُضُوءُهُ كَانَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، فَلَزِمَ كَوْنُهُمَا مِنْ سِتٍّ، وَالْأَفْضَلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا مِنْ غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي تَسْمِيَتِهِمَا فَرْضًا وَسُقُوطِهِمَا سَهْوًا رِوَايَتَانِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا يُسَمَّيَانِ فَرْضًا، وَلَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا (وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي الطَّهَارَتَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ وَأَطْلَقَ، وَفَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلِهِ وَتَعْلِيمِهِ: تَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ فِي كُلِّ وُضُوءٍ تَوَضَّأَهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ الْإِخْلَالُ بِهِ مَعَ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْمُجْزِئِ، وَهُوَ الْوُضُوءُ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَوْلُهُ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ، وَفِعْلُهُ إِذَا خَرَجَ بَيَانًا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ ذَلِكَ الْمُبَيَّنِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَتَرَكَهُ، وَلَوْ مَرَّةً، لِتَبْيِينِ الْجَوَازِ كَمَا فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ» ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَفِي حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَتَمَضْمَضْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَلِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، بِدَلِيلِ أَنَّ وَضْعَ الطَّعَامِ، وَالْخَمْرِ فِيهِمَا لَا يُوجِبُ فِطْرًا، وَلَا يَنْشُرُ حُرْمَةً، وَلَا تُوجِبُ حَدًّا، وَحُصُولُ النَّجَاسَةِ فِيهِمَا يُوجِبُ غَسْلُهُمَا، وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِوُصُولِهِمَا إِلَيْهِمَا، وَلَا يَشُقُّ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهِمَا، بِخِلَافِ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ (وَعَنْهُ: أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ وَحْدَهُ وَاجِبٌ فِيهِمَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ» ، وَفِي لَفْظٍ: «فَلْيَسْتَنْشِقْ» . وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ فَفِي الْغُسْلِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ طَرَفَ الْأَنْفِ لَا يَزَالُ مَفْتُوحًا بِخِلَافِ الْفَمِ، وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ (وَعَنْهُ: أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ فِي الْكُبْرَى) لِأَنَّهُ يَجِبُ إِيصَالُ الْمَاءِ فِيهَا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الْكُبْرَى دُونَ الصُّغْرَى. ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا مِنْ مَنَابِتِ شَعَرِ الرَّأْسِ إِلَى مَا انْحَدَرَ مِنَ اللَّحْيَيْنِ، وَالذَّقَنِ طُولًا مَعَ مَا اسْتَرْسَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَمِنَ الْأُذُنِ إِلَى الْأُذُنِ عَرْضًا،   [المبدع في شرح المقنع] بَاطِنِ الشُّعُورِ، وَنَحْوِهِ (دُونَ الصُّغْرَى) لِأَنَّ الْمَأْمُورَ فِيهَا غَسْلُ الْوَجْهِ، وَهُوَ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ، وَلَيْسَا كَذَلِكَ، أَشْبَهَا بَاطِنَ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ، وَعَنْهُ: يَجِبَانِ فِي الْأَصْغَرِ فَقَطْ، نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ، وَعَنْهُ: يَجِبُ الِاسْتِنْشَاقُ وَحْدَهُ فِي الْأَصْغَرِ، ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَعَنْهُ: عَكْسُهَا ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَعَنْهُ: هُمَا سُنَّةٌ وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، كَانْتِثَارِهِ. (ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ) لِلنَّصِّ، فَيَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا أَوْ يَغْتَرِفَ بِيَمِينِهِ، وَيَضُمَّ إِلَيْهَا الْأُخْرَى، وَيَغْسِلَ بِهَا ثَلَاثًا، لِأَنَّ السُّنَّةَ قَدِ اسْتَفَاضَتْ بِهِ، خُصُوصًا حَدِيثُ عُثْمَانَ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ (مِنْ مَنَابِتِ شَعَرِ الرَّأْسِ) غَالِبًا، فَلَا عِبْرَةَ بِالْأَقْرَعِ الَّذِي يَنْبُتُ شَعَرُهُ فِي بَعْضِ جَبْهَتِهِ، وَلَا بِالْأَجْلَحِ الَّذِي انْحَسَرَ شَعَرُهُ عَنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ (إِلَى مَا انْحَدَرَ مِنَ اللَّحْيَيْنِ، وَالذَّقَنِ طُولًا مَعَ مَا اسْتَرْسَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَمِنَ الْأُذُنِ إِلَى الْأُذُنِ عَرْضًا) لِأَنَّ ذَلِكَ تَحْصُلُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ لَيْسَا مِنَ الْوَجْهِ، وَأَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ، وَالْأُذُنِ مِنْهُ، وَنَصَّ الْخِرَقِيُّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ مِنَ الْوَجْهِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ بِقَوْلِهِ هَذَا، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُلْتَحِي، فَكَذَا غَيْرُهُ، فَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْوَجْهِ: الْعِذَارُ: وَهُوَ الشَّعَرُ الَّذِي عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ سَمْتَ صِمَاخِ الْأُذُنِ، مُرْتَفِعًا إِلَى الصُّدْغِ، وَمُنْحَطًّا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَعَرٌ خَفِيفٌ يَصِفُ الْبَشَرَةَ، وَجَبَ غَسْلُهَا مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ يَسْتُرُهَا أَجْزَأَهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْعَارِضِ، وَالْعَارِضُ: هُوَ الشَّعَرُ النَّابِتُ عَلَى الْخَدِّ، وَاللَّحْيَانِ: الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِي أَسْفَلِ الْوَجْهِ قَدِ اكْتَنَفَاهُ، وَعَلَيْهِمَا يَنْبُتُ أَكْثَرُ اللِّحْيَةِ، وَالذَّقَنُ: وَهُوَ مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ، وَالْحَاجِبَانِ، وَأَهْدَابُ الْعَيْنَيْنِ، وَالشَّارِبُ، وَالْعَنْفَقَةُ، وَلَا يَدْخُلُ صُدْغٌ، وَهُوَ الشَّعَرُ الَّذِي بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعِذَارِ مُحَاذِي رَأْسِ الْأُذُنِ، وَيَنْزِلُ عَنْ رَأْسِهَا قَلِيلًا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَاخْتُلِفَ فِي التَّحْذِيفِ، وَهُوَ الشَّعَرُ بَيْنَ انْتِهَاءِ الْعِذَارِ وَالنَّزَعَةِ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: هُوَ مِنْهُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَضَابِطُهُ أَنْ يَضَعَ طَرَفَ خَيْطٍ عَلَى رَأْسِ الْأُذُنِ، وَالطَّرَفَ الثَّانِيَ عَلَى أَعْلَى الْجَبْهَةِ، وَيَفْرِضَ هَذَا الْخَيْطَ مُسْتَقِيمًا، فَمَا نَزَلَ عَنْهُ إِلَى جَانِبِ الْوَجْهِ، فَهُوَ مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ النَّزَعَتَانِ، وَهُمَا مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعَرُ فِي الرَّأْسِ مُتَصَاعِدًا مِنْ جَانِبَيْهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ خِلَافَهُ، وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ اللِّحْيَةِ مَعَ مُسْتَرْسِلِهَا، أَوْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ عَرْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا خَرَجَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْبَشَرَةِ طُولًا، وَعَرْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيُّ فِي الْمُسْتَرْسِلِ، كَمَا لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا اسْتَرْسَلَ مِنَ الرَّأْسِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ اللِّحْيَةَ تُشَارِكُ الْوَجْهَ فِي مَعْنَى التَّوَجُّهِ وَالْمُوَاجَهَةِ، وَخَرَجَ مَا نَزَلَ مِنَ الرَّأْسِ عَنْهُ، لِعَدَمِ مُشَارَكَةِ الرَّأْسِ فِي التَّرَؤُّسِ. مَسْأَلَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ فِي مَاءِ الْوَجْهِ لِأَسَارِيرِهِ، وَدَوَاخِلِهِ، وَخَوَارِجِهِ، وَشُعُورِهِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَكَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ، ثُمَّ يَصُبَّهُ، ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: هَذَا مَسْحٌ، وَلَيْسَ بِغَسْلٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَعَرٌ خَفِيفٌ يَصِفُ الْبَشَرَةَ، وَجَبَ غَسْلُهَا مَعَهُ) لِأَنَّهَا لَا يُسْتَرُ مَا تَحْتَهَا، أَشْبَهَ الَّذِي لَا شَعَرَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ غَسْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 غَسْلُ ظَاهِرِهِ، وَيُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهُ. ثُمَّ يَغْسِلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا، وَيُدْخِلَ الْمِرْفَقَيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] الشَّعَرِ تَبَعًا لِلْمَحَلِّ (وَإِنْ كَانَ يَسْتُرُهَا أَجْزَأَهُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ) لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ فَوَجَبَ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِهِ، بِخِلَافِ الْغَسْلِ، وَقِيلَ: لَا، كَتَيَمُّمٍ، وَقِيلَ: يَجِبُ غَسْلُهُ، وَشَعَرُ غَيْرِ اللِّحْيَةِ كَهِيَ، وَقِيلَ: يَجِبُ غَسْلُهُ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ (وَيُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهُ) كَمَا تَقَدَّمَ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ شَعَرٌ خَفِيفٌ، وَكَثِيفٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمَهُ. (ثُمَّ يَغْسِلَ يَدَيْهِ) لِلنَّصِّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِيهِ (إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) وَيَجِبُ غَسْلُ أَظْفَارِهِ، وَلَا يَضُرُّ وَسَخٌ يَسِيرٌ فِي الْأَصَحِّ كَبَرَاجِمِهِ، وَقِيلَ: إِنْ مَنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ إِلَى مَا تَحْتَهُ كَشَمْعٍ فَفِي صِحَّةِ طَهَارَتِهِ وَجْهَانِ، وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ بِعَدَمِهَا، وَقِيلَ: يُسَامَحُ فَلَّاحٌ، وَنَحْوُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا نَبَتَ لَهُ إِصْبَعٌ زَائِدَةٌ أَوْ يَدٌ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا مَعَهُ، فَلَوْ كَانَ النَّابِتُ فِي الْعَضُدِ أَوِ الْمَنْكِبِ، وَلَمْ يَتَمَيَّزِ الْأَصْلِيُّ غُسِلَا وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ تَمَيَّزَ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا لَمْ يُحَاذِ الْفَرْضَ، وَكَذَا إِنْ حَاذَاهُ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ: أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمُحَاذِي، وَإِذَا تَدَلَّتْ جِلْدَةٌ إِلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، أَوْ مِنْهُ غُسِلَتْ، وَقِيلَ: إِنْ تَدَلَّتْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ غُسِلَتْ، وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَإِنِ الْتَحَمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فِي الْغَسْلِ، ثُمَّ يَمْسَحَ رَأْسَهُ، فَيَبْدَأَ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ يُمِرَّهُمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] رَأْسُهَا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُ مَا فِيهِ مِنْهَا (ثَلَاثًا) لِحَدِيثِ عُثْمَانَ، وَغَيْرِهِ (وَيُدْخِلُ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْغَسْلِ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَوَضَّأَ أَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقِهِ» ، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْغَسْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ إِدْخَالُهُمَا فِيهِ، وَقَالَهُ زُفَرُ؛ لِأَنَّ " إِلَى " لِلْغَايَةِ، قُلْنَا: وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى " مَعَ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52] {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهَا كَذَلِكَ، أَوْ يُقَالُ: الْيَدُ تُطْلَقُ حَقِيقَةً إِلَى الْمَنْكِبِ، وَإِلَى آخِرٍ عَدَا الْمِرْفَقِ، فَإِنْ كَانَتِ الْيَدُ لَا مِرْفَقَ لَهَا، غَسَلَ إِلَى قَدْرِ الْمِرْفَقِ فِي غَالِبِ النَّاسِ. (ثُمَّ يَمْسَحَ رَأْسَهُ) وَهُوَ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ النَّصُّ، وَهُوَ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ الشَّعَرُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ غَالِبُ النَّاسِ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْأَقْرَعُ، وَلَا الْأَجْلَحُ، كَمَا سَبَقَ فِي حَدِّ الْوَجْهِ (فَيَبْدَأَ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ يُمِرَّهَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إِلَى مُقَدَّمِهِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَفِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ ": يَضَعُ طَرَفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 يَرُدَّهُمَا إِلَى مُقَدَّمِهِ، وَيَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ مَعَ الْأُذُنَيْنِ وَعَنْهُ: يُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرِهِ وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] إِحْدَى سَبَّابَتَيْهِ عَلَى طَرَفِ الْأُخْرَى، وَيَضَعُهُمَا عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وَيَضَعُ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى الصُّدْغَيْنِ، ثُمَّ يُمِرُّ يَدَيْهِ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فِي وَصْفِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَمَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا خَافَ أَنْ يَنْتَفِشَ شَعَرُهُ بِرَدِّ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، بَلْ يَمْسَحُ إِلَى قَفَاهُ فَقَطْ، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، وَعَنْهُ: يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِهِ، وَيَخْتِمُ بِهِ، وَعَنْهُ: تَبْدَأُ هِيَ مِنْ وَسَطِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ مِنَ الْوَسَطِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ ": وَكَيْفَ مَسَحَ بَعْدَ اسْتِيعَابِ قَدْرِ الْوَاجِبِ أَجْزَأَهُ، وَيُجْزِئُ بَعْضُ يَدِهِ، وَبِحَائِلٍ فِي الْأَصَحِّ، وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. (وَيَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ) هَذَا ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَالسَّامِرِيُّ: أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِمَسْحِ الرَّأْسِ، وَبِمَسْحِ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ، وَهُوَ يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ فِيهِ، فَكَذَا هُنَا إِذْ لَا فَرْقَ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ جَمِيعَهُ، وَفِعْلُهُ وَقَعَ بَيَانًا لِلْآيَةِ، وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ أَيْ: إِلْصَاقِ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَلْصِقُوا الْمَسْحَ بِرُءُوسِكُمْ أَيِ: الْمَسْحَ بِالْمَاءِ، وَهَذَا بِخِلَافِ لَوْ قِيلَ: امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ، ثَمَّ شَيْءٌ مُلْصَقٌ، كَمَا يُقَالُ: مَسَحْتُ رَأْسَ الْيَتِيمِ، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ الْبَاءَ إِذَا وَلِيَتْ فِعْلًا مُتَعَدِّيًا أَفَادَتِ التَّبْعِيضَ فِي مَجْرُورِهَا لُغَةً، فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ، وَلِإِنْكَارِ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَأَلْتُ ابْنَ دُرَيْدٍ، وَابْنَ عَرَفَةَ عَنِ الْبَاءِ تُبَعِّضُ؛ فَقَالَا: لَا نَعْرِفُهُ فِي اللُّغَةِ، وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَاءَ تُبَعِّضُ فَقَدْ جَاءَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بِمَا لَا يَعْرِفُونَهُ، وَقَوْلُهُ {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَمِنْ بَابِ التَّضْمِينِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: تُرْوَى، وَمَا «رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعَ الْعِمَامَةِ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ اسْتِيعَابُ ظَاهِرِهِ كُلِّهِ، لَكِنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] اسْتَثْنَى فِي " الْمُتَرْجِمِ "، و" الْمُبْهِجِ " الْيَسِيرَ لِلْمَشَقَّةِ (مَعَ الْأُذُنَيْنِ) أَيْ: يَجِبُ مَسْحُهُمَا مَعَ الرَّأْسِ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُهُمَا، وَإِنْ وَجَبَ الِاسْتِيعَابُ، لِأَنَّهُمَا مِنْهُ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً، لِأَنَّ الرَّأْسَ عِنْدَ إِطْلَاقِ لَفْظِهِ يَتَنَاوَلُ مَا عَلَيْهِ الشَّعَرُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَسْحُهُمَا عَنْهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِإِجْزَاءِ الْبَعْضِ قَالَهُ الْجُمْهُورُ (وَعَنْهُ: يُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرِهِ) لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا يُقَالُ جَاءَ الْعَسْكَرُ، وَالْمُرَادُ أَكْثَرُهُ، وَلِأَنَّ إِيجَابَ الْكُلِّ قَدْ يُفْضِي إِلَى الْحَرَجِ غَالِبًا، وَأَنَّهُ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، فَإِنْ تَرَكَ الثَّلَاثَ فَمَا دُونَ، جَازَ، وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ بَعْضُهُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": فِي التَّجْدِيدِ، وَفِي " التَّعْلِيقِ ": لِلْعُذْرِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَنَّهُ يَمْسَحُ مَعَهُ الْعِمَامَةَ، وَيَكُونُ كَالْجَبِيرَةِ فَلَا تَوْقِيتَ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ بَعْضُهُ لِلْمَرْأَةِ، وَهِيَ الظَّاهِرَةُ عِنْدَ الْخَلَّالِ وَالْمُؤَلِّفِ; لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهَا، وَعَنْهُ: قَدْرَ النَّاصِيَةِ، وَفِي تَعْيِينِهَا وَجْهَانِ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَقِيلَ: قُصَاصُ الشَّعَرِ. تَذْنِيبٌ: إِذَا مَسَحَ بَشَرَةَ رَأْسِهِ دُونَ ظَاهِرِ شَعَرِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَكَذَا إِذَا مَسَحَ مَا نَزَلَ عَنِ الرَّأْسِ مِنَ الشَّعَرِ، وَلَوْ كَانَ مَعْقُوصًا عَلَى الرَّأْسِ، وَإِنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلًا عَنْ مَسْحِهِ، ثُمَّ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ جَازَ فِي الْأَشْهَرِ، وَكَذَا الْخُفُّ وَالْجَبِيرَةُ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنَّمَا يُجْزِئُ الْغَسْلُ عَنْهُ إِذَا نَوَاهُ بِهِ، فَلَوْ أَصَابَ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، ثُمَّ مَسَحَهُ بِيَدِهِ بَعْدَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ فِي الْأَقْيَسِ، وَالثَّانِي: لَا، كَمَا لَوْ وَضَعَ يَدَهُ مَبْلُولَةً عَلَى رَأْسِهِ، وَلَمْ يُمِرَّهَا عَلَيْهِ، أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ خِرْقَةً مَبْلُولَةً، أَوْ بَلَّهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ خِضَابٌ فَمَسَحَ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ، ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَيُدْخِلَهُمَا فِي   [المبدع في شرح المقنع] (وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ) فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ وَاحِدَةً، وَلِأَنَّهُ مَسَحَ فِي طَهَارَةٍ عَنْ حَدَثٍ، فَلَمْ يُسْتَحَبَّ تَكْرَارُهُ، كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَفِي التَّيَمُّمِ (وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ) قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ لِقَوْلِهِ: وَالثَّلَاثُ أَفْضَلُ، وَفِيهِ نَظَرٌ - بِمَاءٍ جَدِيدٍ، نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، لِمَا رَوَى عُثْمَانُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ فَسُنَّ تَكْرَارُهُ كَالْوَجْهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَحَادِيثُ عُثْمَانَ الصِّحَاحُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالُوا فِيهَا: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا كَمَا ذَكَرُوا فِي غَيْرِهِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": أَحَادِيثُهُمْ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ صَرِيحٌ، لَا يُقَالُ: إِنَّ مَسْحَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّةً وَاحِدَةً لِتَبْيِينِ الْجَوَازِ، وَثَلَاثًا لِتَبْيِينِ الْفَضِيلَةِ كَمَا فَعَلَ فِي الْغَسْلِ، لِأَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي هَذَا طَهُورُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ طَهُورٌ عَلَى الدَّوَامِ. فَرْعٌ: إِذَا زَالَ شَعَرُهُ بَعْدَ غَسْلِهِ، أَوْ مَسْحِهِ، أَوْ ظُفُرٌ، أَوْ عُضْوٌ، لَمْ يُؤَثِّرْ فِي طَهَارَتِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ. (ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ (ثَلَاثًا) لِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الْغَسْلِ، وَيُخَلِّلَ أَصَابِعَهُ، فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَإِنْ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] أَيْ: كُلُّ رِجْلٍ تُغْسَلُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَلَوْ أَرَادَ كِعَابَ جَمِيعِ الْأَرْجُلِ لَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] ، لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ يَقْتَضِي تَوْزِيعَ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ، كَقَوْلِكَ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ. وَالْكَعْبَانِ: هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ اللَّذَانِ فِي أَسْفَلِ السَّاقِ مِنْ جَانِبَيِ الْقَدَمِ، وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: «كَانَ أَحَدُنَا يُلْصِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ فِي الصَّلَاةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلَوْ كَانَ مُشْطُ الْقَدَمِ لَمْ يَسْتَقِمْ ذَلِكَ (وَيُدْخِلَهُمَا فِي الْغَسْلِ) كَمَا سَبَقَ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. (وَيُخَلِّلَ أَصَابِعَهُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ (فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ، غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ) مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ (سَقَطَ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ. فَلَوْ قُطِعَ مِنَ الْمِرْفَقِ غَسَلَ رَأْسَ الْعَضُدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُسْتَحَبُّ مَسْحُ طَرَفِهِ، صَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ. فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ مَسْحُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي " الشَّرْحِ " لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعُضْوُ عَنْ طَهَارَةٍ، وَهُوَ مَوْضِعُ التَّحْجِيلِ، فَأَمَّا الْمُتَيَمِّمُ إِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ مَفْصِلِ الْكُوعِ سَقَطَ مَسْحُ مَا بَقِيَ هُنَاكَ، وَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ فِي الْغُسْلِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا مَسْحُ الْكَفَّيْنِ، وَقَدْ رَمَيَا، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّ الْمِرْفَقَ مِنْ جُمْلَةِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَنْصُوصُ: وُجُوبُ الْمَسْحِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَسْحُ الْيَدِ إِلَى الْكُوعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 يَبْقَ شَيْءٌ سَقَطَ، ثُمَّ يَرْفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَتُبَاحُ مَعُونَتُهُ وَتَنْشِيفُ أَعْضَائِهِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ.   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا تَبَرَّعَ بِتَطْهِيرِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَيَتَوَجَّهُ: لَا، وَيَتَيَمَّمُ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ، وَقِيلَ: لَا، لِتَكَرُّرِ الضَّرَرِ دَوَامًا فَإِنْ عَجَزَ صَلَّى، وَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ، كَعَادِمِ الطَّهُورَيْنِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِي اسْتِنْجَاءٍ مِثْلُهُ، وَفِي الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ فِي وَجْهٍ. (ثُمَّ يَرْفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ" وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ «ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ» قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْغَسْلِ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُ. (وَتُبَاحُ مَعُونَتُهُ) كَتَقْرِيبِ مَاءِ الْوَضُوءِ، أَوِ الْغُسْلِ إِلَيْهِ، أَوْ صَبِّهِ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، إِذْ نَزَلَ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ مِنْ إِدَاوَةٍ كَانَتْ مَعِي، فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ، وَيَقِفُ عَنْ يَسَارِهِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا وَضَّأَهُ غَيْرُهُ اعْتُبِرَتِ النِّيَّةُ فِي الْمُتَوَضِّئِ، لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ، وَقِيلَ: مَعَ نِيَّةِ مَنْ وَضَّأَهُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَوْ وَضَّأَهُ غَيْرُهُ، وَلَا عُذْرَ، كُرِهَ، وَأَجْزَأَهُ، وَعَنْهُ: لَا، وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. (وَتَنْشِيفُ أَعْضَائِهِ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِيهِمَا، لِمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: «زَارَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنْزِلِنَا، فَأَمَرَ لَهُ سَعْدٌ بِغُسْلٍ، فَوُضِعَ لَهُ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ نَاوَلَهُ مِلْحَفَةً مَصْبُوغَةً بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ وَرْسٍ، فَاشْتَمَلَ بِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَنْهُ: يُكْرَهَانِ كَنَفْضِ يَدِهِ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَلَا تَنْفُضُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا مَرَاوِحُ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ الْمَعْمَرِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ قِيلَ لِأَحْمَدَ عَنْ مَسْحِ بَلَلِ الْخُفِّ فَكَرِهَهُ، وَقَالَ: لَا أَدْرِي لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ (وَلَا يُسْتَحَبُّ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ إِزَالَةُ أَثَرِ الْعِبَادَةِ، فَلَمْ يُسْتَحَبَّ كَإِزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ، وَلَوْ كَانَ أَفْضَلَ لَدَاوَمَ عَلَيْهِ. [الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ] 1 مَسَائِلُ: الْأُولَى: الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَنْهُ: تُكْرَهُ، إِذْ لَا مُفَاضَلَةَ بَيْنَهَا كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ، وَيُعْمَلُ فِي عَدَدِهَا بِالْأَقَلِّ، وَفِي " النِّهَايَةِ ": بِالْأَكْثَرِ. الثَّانِيَةُ: يُسَنُّ التَّجْدِيدُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِلْأَخْبَارِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَعَنْهُ: لَا، كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: الْمُدَاوَمَةُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ. وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَمَاعَةٌ وُجُوبَ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: لَا يُصَلِّي بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ، وَخَصَّهَا قَوْمٌ بِالْمُسَافِرِ. الثَّالِثَةُ: يُبَاحُ غُسْلٌ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ إِنْ لَمْ يُؤْذِ بِهِ أَحَدًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَإِنْ نَجُسَ الْمُنْفَصِلُ حَرُمَ كَاسْتِنْجَاءٍ، وَرِيحٍ، وَهَلْ تُكْرَهُ إِرَاقَتُهُ فِيمَا يُدَاسُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَيُكْرَهُ فِي مَسْجِدٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا يُغَسَّلُ فِيهِ مَيِّتٌ: قَالَ: وَيَجُوزُ عَمَلُ مَكَانٍ لِلْوُضُوءِ لِلْمَصْلَحَةِ بِلَا مَحْذُورٍ. الرَّابِعَةُ: إِذَا بَقِيَ لُمْعَةٌ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَهَلْ يُجْزِئُ مَسْحُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَعَ التَّرْتِيبِ، وَالْمُوَالَاةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. الْخَامِسَةُ: يُكْرَهُ الْكَلَامُ عَلَى الْوُضُوءِ، وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ لَا يُكْرَهُ السَّلَامُ، وَلَا الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى طُهْرٍ فَهُوَ أَكْمَلُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَكَذَا فِي كُلِّ عِبَادَةٍ إِلَّا لِدَلِيلٍ. السَّادِسَةُ: الْحَدَثُ يَحُلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ كَالْجَنَابَةِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. السَّابِعَةُ: يَجِبُ الْوُضُوءُ بِالْحَدَثِ، وَقِيلَ: بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ بَعْدُ، وَقَوَّاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَذَكَرَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ إِذَنْ، وَوُجُوبِ الشَّرْطِ بِوُجُوبِ الْمَشْرُوطِ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي غُسْلٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ لَفْظِي. فَائِدَةٌ: الْحِكْمَةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ غَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ مَا يَتَحَرَّكُ لِلْمُخَالَفَةِ أَسْرَعَ مِنْهَا، فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا ظَاهِرًا تَنْبِيهًا عَلَى طَهَارَتِهَا الْبَاطِنَةِ، وَرَتَّبَ غَسْلَهَا عَلَى تَرْتِيبِ سُرْعَةِ الْحَرَكَةِ فِي الْمُخَالَفَةِ، فَأَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ، وَفِيهِ الْفَمُ وَالْأَنْفُ، فَابْتَدَأَ بِالْمَضْمَضَةِ، لِأَنَّ اللِّسَانَ أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ وَأَشَدُّهَا حَرَكَةً، لِأَنَّ غَيْرَهُ قَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] يَسْلَمُ، وَهُوَ كَثِيرُ الْعَطَبِ قَلِيلُ السَّلَامَةِ غَالِبًا، ثُمَّ بِالْأَنْفِ لِيَنُوبَ عَمَّا يَشُمُّ بِهِ، ثُمَّ بِالْوَجْهِ لِيَنُوبَ عَمَّا نَظَرَ، ثُمَّ بِالْيَدَيْنِ لِتَنُوبَ عَنِ الْبَطْشِ، ثُمَّ خَصَّ الرَّأْسَ بِالْمَسْحِ، لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ لِمَنْ تَقَعُ مِنْهُ الْمُخَالَفَةُ، ثُمَّ بِالْأُذُنِ لِأَجْلِ السَّمَاعِ، ثُمَّ بِالرِّجْلِ لِأَجْلِ الْمَشْيِ، ثُمَّ أَرْشَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. [الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ] [حُكْمُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَفِي " الْفُرُوعِ " مَسْحُ الْحَائِلِ، وَهُوَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ، وَأَعْقَبَهُ لِلْوُضُوءِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَى مَسْحِ الْحَائِلِ أَتَى بِهِ بَعْدَهُ، وَهُوَ رُخْصَةٌ، وَعَنْهُ: عَزِيمَةٌ، وَمِنْ فَوَائِدِهَا: الْمَسْحُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَيُعْتَبَرُ الْمَسْحُ عَلَى لَابِسِهِ، وَيَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَصْحَابَهُ إِنَّمَا طَلَبُوا الْأَفْضَلَ، وَفِيهِ مُخَالَفَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَعَنْهُ: الْغَسْلُ، لِأَنَّهُ الْمَفْرُوضُ وِفَاقًا، وَعَنْهُ: هُمَا سَوَاءٌ لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِهِمَا، وَقِيلَ: الْمَسْحُ أَفْضَلُ إِنْ لَمْ يُدَاوِمْهُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلْبَسَ لِيُمْسَحَ، كَالسَّفَرِ لِيَتَرَخَّصَ. (يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ) وَهُوَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ: رَوَى الْمَسْحَ سَبْعُونَ نَفْسًا فِعْلًا مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَوْلًا، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي قَلْبِي مِنَ الْمَسْحِ شَيْءٌ، فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ: وَمِنْ أُمَّهَاتِهَا حَدِيثُ جَرِيرٍ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ ذَلِكَ، لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ الْوَارِدُ فِيهَا بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ نَاسِخًا لِلْمَسْحِ، كَمَا صَارَ إِلَيْهِ بَعْضُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَالْجُرْمُوقَيْنِ، وَالْجَوْرَبَيْنِ. وَالْعِمَامَةِ وَالْجَبَائِرِ.   [المبدع في شرح المقنع] الصَّحَابَةِ، وَقَدِ اسْتَنْبَطَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (وَأَرْجُلِكُمْ) بِالْجَرِّ، وَحَمْلُ قِرَاءَةِ النَّصْبِ عَلَى الْغَسْلِ لِئَلَّا تَخْلُوَ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَنْ فَائِدَةٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ حَتَّى لِزَمِنٍ، وَامْرَأَةٍ، وَمَنْ لَهُ رِجْلٌ وَاحِدَةٌ، لَمْ يَبْقَ مِنْ فَرْضِ الْأُخْرَى شَيْءٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْحَاجُّ إِذَا لَبِسَهُمَا لِحَاجَةٍ. [حُكْمُ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ] (وَالْجُرْمُوقَيْنِ) لِمَا رَوَى بِلَالٌ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ سَاتِرٌ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ، أَشْبَهَ الْخُفَّ. تَنْبِيهٌ: الْمُوقُ هُوَ الْجُرْمُوقُ، وَهُوَ خُفٌّ صَغِيرٌ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ مِثَالُ الْخُفِّ يُلْبَسُ فَوْقَهُ لَا سِيَّمَا فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، وَكَذَا كُلُّ كَلِمَةٍ فِيهَا جِيمٌ وَقَافٌ. (وَالْجَوْرَبَيْنِ) لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَالنَّعْلَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: النَّاسُ كُلُّهُمْ يَرْوُونَهُ عَلَى الْخُفَّيْنِ غَيْرَ أَبِي قَيْسٍ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهِ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنِ الْمُغِيرَةِ الْخُفَّيْنِ، وَهَذَا لَا يَصْلُحُ مَانِعًا لِجَوَازِ رِوَايَةِ اللَّفْظَيْنِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّعْلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرِ النَّعْلَيْنِ، كَمَا لَا يُقَالُ: مَسَحْتُ الْخُفَّ وَنَعْلَهُ، وَلِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ مَسَحُوا عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ سَاتِرٌ لِلْقَدَمِ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ أَشْبَهَ الْخُفَّ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمُجَلَّدِ وَالْمُنَعَّلِ، وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى جَوْرَبِ الْخِرَقِ، وَهُوَ أَشْهَرُ، وَعَنْهُ: لَا، وَجَزَمَ بِهَا فِي " التَّلْخِيصِ "، فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَفِي الْمَسْحِ عَلَى الْقَلَانِسِ، وَخُمُرِ النِّسَاءِ الْمُدَارَةِ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ رِوَايَتَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] ثَبَتَ بِفِعْلٍ مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْفَصِلٍ مَسَحَهُمَا فِي قَوْلِ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَعَنْهُ: أَوْ أَحَدُهُمَا، وَقِيلَ: يَمْسَحُ الْجَوْرَبَ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ ": الظَّاهِرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّمَا مَسَحَ عَلَى سُيُورِ النَّعْلِ الَّتِي عَلَى ظَاهِرِ الْقَدَمِ، فَأَمَّا أَسْفَلَهُ وَعَقِبَهُ فَلَا يُسَنُّ مَسْحُهُ فِي الْخُفِّ، فَكَذَا النَّعْلُ، وَيَبْطُلُ الْوُضُوءُ، وَقِيلَ: بَلِ الْمَسْحُ بِخَلْعِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسَحَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْمَسْحِ، كَمَا لَوْ ظَهَرَ قَدَمُ الْمَاسِحِ. فَائِدَةٌ: الْجَوْرَبُ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ غِشَاءٌ مِنْ صُوفٍ يُتَّخَذُ لِلدِّفْءِ. [حُكْمُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْجَبَائِرِ] (وَالْعِمَامَةِ) لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ: «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ عُمَرُ: مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَلِأَنَّ الرَّأْسَ يَسْقُطُ فَرْضُهُ فِي التَّيَمُّمِ، فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلِهِ كَالْقَدَمَيْنِ، وَخَالَفَ فِيهِ الْأَكْثَرُ. (وَالْجَبَائِرِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «انْكَسَرَتْ إِحْدَى زَنْدَيَّ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، وَقَدْ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ صَاحِبِ الشَّجَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ عَلَى حَائِلٍ أُبِيحَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالْخُفِّ. فَائِدَةٌ: الْجَبَائِرُ وَاحِدَتُهَا جَبِيرَةٌ، وَهِيَ أَخْشَابٌ أَوْ نَحْوُهَا، تُوضَعُ عَلَى الْكَسْرِ لِيَنْجَبِرَ. [حُكْمُ الْمَسْحِ عَلَى الْقَلَانِسِ وَخُمُرِ النِّسَاءِ] (وَفِي الْمَسْحِ عَلَى الْقَلَانِسِ) وَاحِدُهَا قَلَنْسُوَةٌ، وَأَرَادَ بِهِ الْمُبَطَّنَاتِ كَدَنِيَّاتِ الْقُضَاةِ، وَالنَّوْمِيَّاتِ، نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهَا كَكِلَّةٍ، وَلِأَنَّهَا أَدْنَى مِنْ عِمَامَةٍ غَيْرِ مُحَنَّكَةٍ، وَلَا ذُؤَابَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَلْبَسَ الْجَمِيعَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ إِلَّا الْجَبِيرَةَ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] لَهَا، وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَالَ: رُوِيَ عَنْ رَجُلَيْنِ صَحَابِيَّيْنِ: عُمَرَ، وَأَبِي مُوسَى، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ مُعْتَادٌ سَاتِرٌ لِلرَّأْسِ أَشْبَهَ الْعِمَامَةَ الْمُحَنَّكَةَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الطَّاقِيَّةَ لَا يُمْسَحُ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ (وَخُمُرِ النِّسَاءِ) وَاحِدُهَا: خِمَارٌ، وَهُوَ الْقِنَاعُ الَّذِي تُغَطِّي بِهِ رَأْسَهَا (الْمُدَارَةِ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ رِوَايَتَانِ) وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ، لِمَا رَوَى بِلَالٌ قَالَ: «مَسَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْخِمَارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «امْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ» وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلِأَنَّهُ سَاتِرٌ يَشُقُّ نَزْعُهُ، أَشْبَهَ الْعِمَامَةَ الْمُحَنَّكَةَ، وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ بِالْمَسْحِ مِنْ تَحْتِهِ، وَلَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ كَالْوِقَايَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُدَارًا تَحْتَ حَلْقِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا. [شُرُوطُ الْمَسْحِ على الخفين والجبيرة ونحوهما] (وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَلْبَسَ الْجَمِيعَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ، لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ: هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَالطُّهْرُ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْكَامِلِ، وَلِأَنَّ مَا اشْتُرِطَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ اشْتَرَطَ كَمَالَهَا كَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ «قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَهُوَ أَعَمُّ أَنْ يُوجِدَ ذَلِكَ مَعًا، أَوْ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى، لِأَنَّ حَدَثَهُ حَصَلَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَاللُّبْسِ، فَجَازَ الْمَسْحُ كَمَا لَوْ نَزَعَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ لَبِسَهُ، فَلَوْ غَسَلَ رِجْلًا، ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ خَلَعَ، ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ غَسْلِ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَبِسَ الْأُولَى طَاهِرَةً، ثُمَّ الثَّانِيَةَ، خَلَعَ الْأُولَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ: وَخَلَعَ الثَّانِيَةَ، وَلَوْ نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ حَدَثَيْهِ، وَغَسْلَ رِجْلَيْهِ، وَأَدْخَلَهُمَا الْخُفَّ، ثُمَّ تَمَّمَ طَهَارَتَهُ، أَوْ فَعَلَهُ مُحْدِثٌ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ التَّرْتِيبَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ، وَعَلَى الْأُولَى: لَا، وَكَذَا لُبْسُ عِمَامَةٍ قَبْلَ طُهْرٍ كَامِلٍ، فَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ لَبِسَهَا، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، مَسَحَ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَعَلَى الْأُولَى يَخْلَعُ ثُمَّ يَلْبَسُ، وَكَذَا يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا: لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ بَقِيَّةَ أَعْضَائِهِ، وَقُلْنَا: لَا تَرْتِيبَ، وَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ حَدَثًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: بِالْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رَافِعٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا فِيمَنْ تَيَمُّمُهُ لِعَدَمِ الْمَاءِ، أَمَّا مَنْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ كَالْجَرِيحِ، وَنَحْوِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَتَعْلِيلُهُمْ يَقْتَضِيهِ، وَمَنْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، ثُمَّ لَبِسَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَهُ الْمَسْحُ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى طَهَارَةٍ لَا تُبِيحُ الصَّلَاةَ غَيْرِ هَذِهِ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ كَمَنَ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، وَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَنَحْوِهِمَا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، لِأَنَّ طَهَارَتَهُمْ فِي حَقِّهِمْ كَامِلَةٌ. فَلَوْ زَالَ الْعُذْرُ لَزِمَهُمُ الْخَلْعُ، وَاسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ بِخِلَافِ ذِي الطُّهْرِ الْكَامِلِ يَخْلَعُ، أَوْ تَنْقَضِي الْمُدَّةُ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَحَكَى الشِّيرَازِيُّ رِوَايَةً بِعَدَمِهِ رَأْسًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَلَوْ لَبِسَ مُحْدِثًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ، وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ. مَسْأَلَةٌ: يُكْرَهُ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ يُدَافِعُ أَحَدَ الْأَخْبَثَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلصَّلَاةِ أَشْبَهَ الصَّلَاةَ. (إِلَّا الْجَبِيرَةَ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا تَقَدُّمُ الطَّهَارَةِ قَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " فِيهِ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِلْأَخْبَارِ، وَلِلْمَشَقَّةِ، لِأَنَّ الْجُرْحَ يَقَعُ فَجْأَةً، أَوْ فِي وَقْتٍ لَا يَعْلَمُ الْمَاسِحُ وُقُوعَهُ فِيهِ، وَالثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، و" الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُ مَسْحٌ عَلَى حَائِلٍ، أَشْبَهَ الْخُفَّ، فَعَلَيْهَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْخُفِّ فِي الطَّهَارَةِ، فَإِنْ شَدَّ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ نَزَعَ، وَإِنْ شَقَّ نَزْعُهَا تَيَمَّمَ لَهَا، وَقِيلَ: وَيَمْسَحُ، وَقِيلَ: هُمَا، وَكَذَا لَوْ تَعَدَّى بِالشَّدِّ مَحَلَّ الْحَاجَةِ وَخَافَ، وَإِنْ كَانَ شَدٌّ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا حَائِلًا، فَإِنْ كَانَ جَبِيرَةً جَازَ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَكَذَا لُبْسُهُ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عِمَامَةً أَوْ عَكْسُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَتْ فِي رِجْلِهِ، وَقَدْ مَسَحَ عَلَيْهَا، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِلَافَ رَاجِعٌ إِلَى مَا عَدَا الْجَبِيرَةَ مِنَ الْمَمْسُوحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهَا، وَهُوَ وَإِنْ قَرُبَ فَفِيهِ بُعْدٌ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْكَمَالِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا عَدَاهَا أَشْهَرُ مِنَ الْخِلَافِ فِيهَا، فِيهِ نَظَرٌ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ. فَرْعٌ: الدَّوَاءُ كَجَبِيرَةٍ، وَلَوْ جَعَلَ فِي شِقٍّ قَارًا، وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ، فَعَنْهُ: يَتَيَمَّمُ لِلنَّهْيِ عَنِ الْكَيِّ، وَعَنْهُ: لَهُ الْمَسْحُ كَمَا لَوْ أَلْقَمَ إِصْبُعَهُ مَرَارَةً لِحَاجَةٍ، وَشَقَّ نَزْعُهَا، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: يَغْسِلُهُ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: إِنْ خَافَ تَلَفًا صَلَّى وَأَعَادَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إِلَّا الْجَبِيرَةَ، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إِلَى حَلِّهَا، أَوْ بُرْئِهَا، وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَعَنْهُ: مِنَ الْمَسْحِ   [المبدع في شرح المقنع] [مدة المسح للمُقِيم وَالْمُسَافِر] (وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ) لِأَخْبَارٍ: مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: سَلْ عَلِيًّا فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: هُوَ صَحِيحٌ مَرْفُوعٌ» ، وَالْمُرَادُ بِهِ سَفَرُ الْقَصْرِ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الرُّخَصُ، فَإِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، أَوْ مُحْرِمًا مَسَحَ كَالْمُقِيمِ، جَعْلًا لِوُجُودِ هَذَا السَّفَرِ كَعَدَمِهِ، وَحِينَئِذٍ يَخْلَعُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِنْ خَافَ، أَوْ تَضَرَّرَ رَفِيقُهُ بِانْتِظَارِهِ تَيَمَّمَ، فَلَوْ مَسَحَ وَصَلَّى أَعَادَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَمْسَحُ كَالْجَبِيرَةِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقِيلَ: يَمْسَحُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَقِيلَ: لَا يَمْسَحُ أَصْلًا عُقُوبَةً لَهُ (إِلَّا الْجَبِيرَةَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إِلَى حَلِّهَا، أَوْ بُرْئِهَا) لِأَنَّ مَسْحَهَا لِلضَّرُورَةِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ) أَيْ: مِنْ وَقْتِ جَوَازِ مَسْحِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كُنَّا سَفْرًا، أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، وَبَوْلٍ، وَنَوْمٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ أَنَّهَا تُنْزَعُ لِثَلَاثٍ يَمْضِينَ مِنَ الْغَائِطِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ، فَاعْتُبِرَ أَوَّلُ وَقْتِهَا مِنْ حِينِ جَوَازِ فِعْلِهَا كَالصَّلَاةِ، فَلَوْ مَضَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 بَعْدَهُ، وَمَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا، ثُمَّ أَقَامَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ، وَإِنْ مَسَحَ مُقِيمًا ثُمَّ سَافَرَ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] مِنَ الْحَدَثِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ ثَلَاثَةٌ إِنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَلَمْ يَمْسَحْ، انْقَضَتِ الْمُدَّةُ، وَمَا لَمْ يُحْدِثْ لَا تُحْتَسَبُ الْمُدَّةُ، فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ لُبْسِهِ يَوْمًا عَلَى طَهَارَةِ اللُّبْسِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، اسْتَبَاحَ بَعْدَ الْحَدَثِ الْمُدَّةَ (وَعَنْهُ: مِنَ الْمَسْحِ بَعْدَهُ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: امْسَحْ إِلَى مِثْلِ سَاعَتِكَ الَّتِي مَسَحْتَ فِيهَا. خَرَّجَهُ الْخَلَّالُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثًا» فَلَوْ كَانَ أَوَّلُهُ الْحَدَثَ لَمْ يُتَصَوَّرْ، إِذِ الْحَدَثُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ الْمَسْحَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ جَوَازِ الْمَسْحِ، وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدَّرَهُ بِالْوَقْتِ دُونَ الْفِعْلِ، فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ الْمُقِيمُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ سِتَّ صَلَوَاتٍ، يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَمْسَحُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَيُصَلِّيهَا فِيهِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ يُبِيحُ الْجَمْعَ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ سَبْعَ صَلَوَاتٍ، وَالْمُسَافِرُ أَنْ يُصَلِّيَ سِتَّ عَشْرَةَ صَلَاةً، وَإِنْ جَمَعَ فَسَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً. (وَمَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ) كَمَا فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَلِفُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ طَرَفَيْهَا فِي الْحَضَرِ غَلَبَ حُكْمُهُ، وَلَوْ تَلَبَّسَ بِصَلَاةٍ فِي سَفِينَةٍ، فَدَخَلَتِ الْإِقَامَةُ فِي أَثْنَائِهَا بَطُلَتْ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": فِي الْأَشْهَرِ، وَقَوْلُهُ: أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ مُرَادُهُ: إِذَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ، فَإِنِ اسْتَكْمَلَهَا خَلَعَ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لِتَغْلِيبِ جَانِبِ الْحَضَرِ، وَذَكَرَ الشِّيرَازِيُّ أَنَّهُ إِذَا مَسَحَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ أَقَامَ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ (وَإِنْ مَسَحَ مُقِيمًا ثُمَّ سَافَرَ) أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْأَكْثَرُ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَغْلِيبِ جَانِبِ الْحَضَرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْحَضَرِ أَوْ لَا، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي أُقِيمَ فِيهَا الزَّمَانُ مَقَامَ الْفِعْلِ، كَمَا إِذَا رَهَنَهُ أَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا عِنْدَهُ، وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ، وَمَضَى زَمَنُ إِمْكَانِهِ صَارَ كَالْمَقْبُوضِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ صَلَّى بِطَهَارَةِ الْمَسْحِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 شَكَّ فِي ابْتِدَائِهِ، أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ، وَعَنْهُ: يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَمَنْ أَحْدَثَ، ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْمَسْحِ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ. وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إِلَّا عَلَى مَا يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ، وَيَثْبُتُ   [المبدع في شرح المقنع] الْحَضَرِ غَلَبَ جَانِبُهُ (أَوْ شَكَّ فِي ابْتِدَائِهِ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْغَسْلُ، وَالْمَسْحَ رُخْصَةٌ، فَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي شَرْطِهَا رُدَّ إِلَى الْأَصْلِ، وَسَوَاءٌ شَكَّ هَلْ أَوَّلُ مَسْحِهِ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوْ عَلِمَ أَوَّلَ الْمُدَّةِ، وَشَكَّ هَلْ كَانَ مَسْحُهُ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا (وَعَنْهُ: يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ) فِيهِمَا، أَمَّا الْأُولَى فَاخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ "، لِأَنَّ هَذَا مُسَافِرٌ فَيُعْطَى حُكْمُهُ. وَادَّعَى الْخَلَّالُ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا، وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ; وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَلِأَنَّهُ مُسَافِرٌ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: كَوْنُهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ مَعَ الشَّكِّ فِي أَوَّلِهِ غَرِيبٌ بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ مَعَ الشَّكِّ فِي إِبَاحَتِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْغَسْلِ، فَلَوْ شَكَّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَمْسَحْ، فَإِنْ مَسَحَ الشَّاكُّ، فَبَانَ بَقَاءُ الْمُدَّةِ صَحَّ وُضُوءُهُ، وَقِيلَ: لَا، كَمَا يُعِيدُ مَا صَلَّى بِهِ مَعَ شَكِّهِ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. قَالَ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ: وَمَنْ لَبِسَ وَأَحْدَثَ، وَمَسَحَ، وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ مَسَحَ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَهَا؛ وَقُلْنَا: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنَ الْمَسْحِ، بُنِيَ الْأَمْرُ فِي الْمَسْحِ فِي الْمُدَّةِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّهُ مَسَحَ بَعْدَهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهِ، وَوُجُوبُ الْغَسْلِ، فَعَادَ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى أَصْلِهِ. فَرْعٌ: لَوْ مَسَحَ إِحْدَى خُفَّيْهِ فِي الْحَضَرِ، وَالْأُخْرَى فِي السَّفَرِ يَتَوَجَّهُ لَنَا خِلَافٌ. (وَمَنْ أَحْدَثَ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْمَسْحِ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ) قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَرْقٌ يَبْدُو مِنْهُ بَعْضُ الْقَدَمِ، أَوْ كَانَ وَاسِعًا يُرَى مِنْهُ الْكَعْبُ، أَوِ الْجَوْرَبُ خَفِيفًا يَصِفُ الْقَدَمَ، أَوْ يَسْقُطُ مِنْهُ إِذَا مَشَى، أَوْ شَدَّ لَفَائِفَ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ   [المبدع في شرح المقنع] خِلَافًا، لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ مُسَافِرًا، وَذَكَرَ فِي الْخِلَافِ و" الرِّعَايَةِ " رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ، كَمَنْ سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يُحْرِمْ بِالصَّلَاةِ، وَقِيلَ: إِنْ مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ. [شُرُوطُ الْمَسْحِ عَلَى حَوَائِلِ الرِّجْلِ] (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إِلَّا عَلَى مَا يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ) وَهُوَ الْقَدَمُ كُلُّهُ (وَيَثْبُتُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَرْقٌ يَبْدُو مِنْهُ بَعْضُ الْقَدَمِ، أَوْ كَانَ وَاسِعًا يُرَى مِنْهُ الْكَعْبُ، أَوِ الْجَوْرَبُ خَفِيفًا يَصِفُ الْقَدَمَ، أَوْ يَسْقُطُ مِنْهُ، أَوْ شَدَّ لَفَائِفَ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ) . اعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى حَوَائِلِ الرِّجْلِ شُرُوطٌ. الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ، وَإِلَّا فَحُكْمُ مَا اسْتَتَرَ الْمَسْحُ، وَمَا ظَهَرَ الْغَسْلُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى جَمْعِهِمَا، فَوَجَبَ الْغَسْلُ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَسَوَاءٌ كَانَ ظُهُورُهُ لِقِصَرِ الْحَائِلِ، أَوْ سَعَتِهِ، أَوْ صَفَائِهِ، أَوْ خَرْقٍ فِيهِ، وَإِنْ صَغُرَ حَتَّى مَوْضِعِ الْخَرَزِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَرْقَ إِذَا انْضَمَّ، وَلَمْ يَبْدُ مِنْهُ شَيْءٌ، أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، لَكِنْ مَالَ الْمَجْدُ إِلَى الْعَفْوِ عَنْ خَرْقٍ لَا يَمْنَعُ مُتَابَعَةَ الْمَشْيِ نَظَرًا إِلَى ظَاهِرِ خِفَافِ الصَّحَابَةِ، وَبَالَغَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَقَالَ: يَجُوزُ عَلَى الْمُخَرَّقِ مَا لَمْ يُظْهِرْ أَكْثَرَ الْقَدَمِ، فَإِنْ ظَهَرَ أَكْثَرُهُ فَهُوَ كَالنَّعْلِ، أَوِ الزَّرْبُولِ الَّذِي لَمْ يَسْتُرِ الْقَدَمَ مِمَّا فِي نَزْعِهِ مَشَقَّةٌ، بِأَنْ لَا يُخْلَعَ بِمُجَرَّدِ خَلْعِ الرِّجْلِ، إِنَّمَا يُخْلَعُ بِالرِّجْلِ الْأُخْرَى أَوْ بِالْيَدِ، وَقَالَ: إِنَّهُ يُغْسَلُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْقَدَمِ، وَيُمْسَحُ النَّعْلُ، أَوْ يُمْسَحُ الْجَمِيعُ، مُعْتَمِدًا فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَادِيثَ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِنَفْسِهِ، إِذِ الرُّخْصَةُ وَرَدَتْ فِي الْخُفِّ الْمُعْتَادِ، وَمَا لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى مَا يَسْقُطُ لِزَوَالِ شَرْطِهِ، وَلَا عَلَى اللَّفَائِفِ فِي الْمَنْصُوصِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعًا، لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا بِنَفْسِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ تَحْتَهَا نَعْلٌ أَوْ لَا، وَلَوْ مَعَ مَشَقَّةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ رِوَايَةً بِالْجَوَازِ، بِشَرْطِ قُوَّتِهَا وَشَدِّهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ مَسْحُ لِفَافَةٍ تَحْتَ خُفٍّ مُخَرَّقٍ كَجَوْرَبٍ تَحْتَ مُخَرَّقٍ، أَمَّا إِذَا ثَبَتَ الْخُفُّ وَنَحْوُهُ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ يَبْدُو مِنْهُ بَعْضُ الْقَدَمِ بِدُونِ شَدِّهِ، فَيَجُوزُ مَسْحُهُ مَعَ شَدِّهِ، صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا، اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الزَّرْبُولُ الَّذِي لَهُ أُذُنٌ. الثَّالِثُ: أَنْ يُمْكِنَ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ، فَلَوْ تَعَذَّرَ لِضِيقِهِ، أَوْ نَعْلٍ جَدِيدَةٍ، أَوْ تَكْسِيرِهِ كَرَقِيقِ الزُّجَاجِ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْمَغْصُوبِ، وَالْحَرِيرِ، لِأَنَّ لُبْسَهُ مَعْصِيَةٌ، فَلَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الرُّخْصَةُ، وَبَنَاهُ جَمَاعَةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَفِي ثَالِثٍ: إِنْ لَبِسَهُ لِحَاجَةٍ كَالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ الَّتِي يَخْشَى فِيهَا سُقُوطَ أَصَابِعِهِ، أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْفُصُولِ "، و" النِّهَايَةِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا فَلَمْ يُحْدِثْ حَتَّى لَبِسَ عَلَيْهِ آخَرَ، جَازَ الْمَسْحُ. وَيَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ   [المبدع في شرح المقنع] الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مُعْتَادًا فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْخَشَبِ، وَالزُّجَاجِ، وَالنُّحَاسِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشِّيرَازِيِّ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ، وَالْقَاضِي، وَزَعَمَ أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ، لِأَنَّهُ خُفٌّ سَاتِرٌ يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ، أَشْبَهَ الْجُلُودَ، وَالْأَوْلَى أَنْ نَقُولَ: الرُّخْصَةُ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْخِفَافِ الْمُتَعَارَفَةِ لِلْحَاجَةِ. السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ طَاهِرَ الْعَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَنْ لَبِسَ جِلْدَ كَلْبٍ، أَوْ مَيْتَةٍ فِي بَلَدِ ثَلْجٍ، وَخَشِيَ سُقُوطَ أَصَابِعِهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ لَا يُشْتَرَطُ، لِلْإِذْنِ فِيهِ إِذًا، وَنَجَاسَةُ الْمَاءِ حَالَ الْمَسْحِ لَا تَضُرُّ، كَالْجُنُبِ إِذَا اغْتَسَلَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَالْمَجْدُ: يُشْتَرَطُ، لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْأَصْلِ، وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ نَادِرَةٌ، وَإِذًا يَتَيَمَّمُ لِلرِّجْلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ طَاهِرَ الْعَيْنِ، وَبِبَاطِنِهِ، أَوْ بِالْقَدَمِ نَجَاسَةٌ لَا تُزَالُ إِلَّا بِالْمَاءِ فَقِيلَ: هُوَ كَالْوُضُوءِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَقِيلَ: إِنْ تَعَذَّرَ الْخَلْعُ، وَقُلْنَا بِجَوَازِ الْمَسْحِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَالْإِعَادَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَسْتَفِيدُ بِذَلِكَ مَسَّ الْمُصْحَفِ، وَالصَّلَاةَ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ إِزَالَتِهِ النَّجَاسَةَ. (وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا فَلَمْ يُحْدِثْ حَتَّى لَبِسَ عَلَيْهِ آخَرَ، جَازَ الْمَسْحُ) أَيْ: إِذَا جَمَعَ بَيْنَ مَلْبُوسَيْنِ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَلَهُ مَسْحُ الْأَعْلَى بِشَرْطِ لُبْسِهِ قَبْلَ الْحَدَثِ، لِأَنَّهُ خُفٌّ سَاتِرٌ يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ، أَشْبَهَ الْمُنْفَرِدَ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ الْحَدَثَ إِذَا تَقَدَّمَ لَبِسَ الْفَوْقَانِيَّ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهُ لَبِسَهُمَا عَلَى حَدَثٍ، وَكَذَا لَوْ مَسَحَ، ثُمَّ لَبِسَ آخَرَ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَغَيْرِهِ بَلْ عَلَى مَا تَحْتَهُ، وَلَوْ نَزَعَ الْفَوْقَانِيَّ بَعْدَ مَسْحِهِ عَلَيْهِ بَطَلَ وُضُوءُهُ، وَلَهُ مَسْحُ مَا تَحْتَهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 دُونَ أَسْفَلِهِ، وَعَقِبِهِ، فَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَصَابِعِ، ثُمَّ يَمْسَحُ إِلَى سَاقِهِ. وَيَجُوزُ الْمَسْحُ   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَةٍ، وَإِنْ لَبِسَ عَلَى لِفَافَةٍ، أَوْ مُخَرَّقٍ صَحِيحًا، مَسَحَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ، وَكَذَا إِنْ لَبِسَ عَلَى صَحِيحٍ مُخَرَّقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: يَمْسَحُ الصَّحِيحَ، لِأَنَّ الْفَوْقَانِيَّ لَا يُمْسَحُ عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ لِفَافَةٌ، وَإِنْ كَانَا مُخَرَّقَيْنِ، وَلَمْ يَسْتُرَا، لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ، وَكَذَا إِنْ سَتَرَا، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَقِيلَ: يَجُوزُ، لِأَنَّ الْقَدَمَ اسْتَتَرَ بِهِمَا فَكَانَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ. [يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ دُونَ أَسْفَلِهِ] (وَيَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ) هَذَا هُوَ السُّنَّةُ، وَيُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ (دُونَ أَسْفَلِهِ، وَعَقِبِهِ) أَيْ: لَا يُسَنُّ مَسْحُهُمَا مَعَ أَعْلَى الْخُفِّ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، فَبَيَّنَ أَنَّ الرَّأْيَ وَإِنِ اقْتَضَى مَسْحَ أَسْفَلِهِ إِلَّا أَنَّ السُّنَّةَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ، لِأَنَّ أَسْفَلَهُ مَظِنَّةُ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، وَكَثْرَةِ الْوَسَخِ، فَمَسْحُهُ يُفْضِي إِلَى تَلْوِيثِ الْيَدِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَقِيلَ: يُسَنُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ، وَأَسْفَلَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: رُوِيَ هَذَا مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: مَعْلُولٌ، وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَا: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، أَمَّا لَوْ مَسَحَهُمَا مَعَ أَعْلَاهُ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَقْصُودِ وَزِيَادَةٍ، وَقِيلَ: هُوَ أَفْضَلُ، وَلَا يُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّمَا مَسَحَ ظَاهِرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 عَلَى الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ إِذَا كَانَتْ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ إِلَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ   [المبدع في شرح المقنع] خُفَّيْهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْخُفِّ بِالْمَسْحِ بَلِ الْوَاجِبُ مَسْحُ أَكْثَرِ أَعْلَاهُ أَيْ: أَكْثَرِ ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَقِيلَ: قَدْرَ النَّاصِيَةِ مِنَ الرَّأْسِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يَجِبُ جَمِيعُهُ، لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ مَغْسُولٍ (فَيَضَعُ يَدَهُ) مُعْوَجَّةَ الْأَصَابِعِ، وَيُسْتَحَبُّ تَفْرِيجُهَا (عَلَى الْأَصَابِعِ) أَيْ: عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ (ثُمَّ يَمْسَحُ إِلَى سَاقِهِ) هَذَا صِفَةُ الْمَسْحِ الْمَسْنُونِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى، وَالْيُسْرَى بِالْيُسْرَى، قَالَ فِي " الْبُلْغَةِ ": وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ مَسَحَ إِلَى أَعْلَاهُ مَسْحَةً وَاحِدَةً» فَلَيْسَ فِيهِ تَقَدُّمٌ، فَلَوْ مَسَحَ مِنْ سَاقِهِ إِلَى أَسْفَلَ جَازَ، قَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَمَا فَعَلْتَ فَهُوَ جَائِزٌ، نَعَمْ لَوْ مَسَحَهُ بِخِرْقَةٍ، أَوْ خَشَبَةٍ، أَوْ أُصْبُعٍ، أَوْ غَسَلَهُ، فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْمَسْحِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لِقَوْلِهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ يُوهِنُهُ وَيُخْلِقُهُ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، بَلْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ. [الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ] (وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ) وَهِيَ الَّتِي يُدَارُ مِنْهَا تَحْتَ الْحَنَكِ لَوْثٌ أَوْ لَوْثَانِ وَنَحْوُهُ، وَهَذِهِ كَانَتْ عِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ أَكْثَرُ سَتْرًا مِنْ غَيْرِهَا، وَيَشُقُّ نَزْعُهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ لَهَا ذُؤَابَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، قَالَهُ الْقَاضِي، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً (إِذَا كَانَتْ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ إِلَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ) كَمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 بِكَشْفِهِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ، فَيَجُوزُ فِي أَحَدِ   [المبدع في شرح المقنع] وَجَوَانِبِهِ، وَالْأُذُنَيْنِ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُمَا مِنْهُ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَعُفِيَ عَنْهُ، بِخِلَافِ خَرْقِ الْخُفِّ، وَيُشْتَرَطُ لِمَا ذَكَرَهُ أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً، فَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً، أَوْ حَرِيرًا لَمْ تُبَحْ، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ وَالتَّوْقِيتُ فَقَدْ تَقَدَّمَا، وَهَذَا خَاصٌّ بِالرِّجْلِ، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَمْسَحُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ فِي حَقِّهَا، وَفِيهِ وَجْهٌ: تَمْسَحُ عَلَيْهَا لِضَرَرٍ بِهَا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ الْعِمَامَةِ قَلَنْسُوَةٌ يَظْهَرُ بَعْضُهَا، فَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا صَارَا كَالْعِمَامَةِ الْوَاحِدَةِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " (وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ) يَعْنِي إِذَا كَانَتْ صَمَّاءَ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَشُقُّ نَزْعُهَا، أَشْبَهَتِ الطَّاقِيَّةَ، وَالْكِلَّةَ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ لُبْسِهَا، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالتَّلَحِّي، وَنَهَى عَنْ الِاقْتِعَاطِ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالِاقْتِعَاطُ: أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَانَ أَبِي يَكْرَهُ أَنْ يَعْتَمَّ الرَّجُلُ بِالْعِمَامَةِ، وَلَا يَجْعَلَهَا تَحْتَ حَنَكِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ كَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: إِنَّمَا يَعْتَمُّ مِثْلَ هَذَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ، وَغَيْرُهُ، وَجْهًا بِالْجَوَازِ، قَالُوا: لَمْ يُفَرِّقْ أَحْمَدُ، وَفِي " مُفْرَدَاتِ " ابْنِ عَقِيلٍ: هُوَ مَذْهَبُهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ هِيَ كَالْقَلَانِسِ الْمُبَطَّنَةِ، وَأَوْلَى، لِأَنَّهَا فِي السَّتْرِ، وَمَشَقَّةِ النَّزْعِ لَا تَقْصُرُ عَنْهَا (إِلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ مِنَ الشَّعَرِ، وَالْمُرَادُ هُنَا طَرَفُ الْعِمَامَةِ الْمَرْخِيِّ، سُمِّيَ ذُؤَابَةً مَجَازًا (فَيَجُوزُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ لِأَنَّ إِرْخَاءَ الذُّؤَابَةِ مِنَ السُّنَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ: يَنْبَغِي أَنْ يُرْخِيَ خَلْفَهُ مِنْ عِمَامَتِهِ، كَمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَمُّ، وَيُرْخِيهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «عَمَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، وَأَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ» ، وَلِأَنَّهَا لَا تُشْبِهُ عَمَائِمَ أَهْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الْوَجْهَيْنِ وَيُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرِهَا، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ إِلَّا مَسْحُ جَمِيعِهَا. وَيَمْسَحُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] الذِّمَّةِ، وَالثَّانِي: لَا، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ نَزْعُهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " (وَيُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرِهَا) قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّهَا مَمْسُوحَةٌ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، فَأَجْزَأَ بَعْضُهَا كَالْخُفِّ، وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِأَكْوَارِهَا، وَهِيَ دَوَائِرُهَا، قَالَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ مَسَحَ وَسَطَهَا فَقَطْ أَجْزَأَهُ فِي وَجْهٍ كَمَا يُجْزِئُ بَعْضُ دَوَائِرِهَا، وَفِي آخَرَ: لَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَسَحَ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَحْدَهُ (وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ إِلَّا مَسْحُ جَمِيعِهَا) قِيلَ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ، وَأَخَذَهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: يَمْسَحُ الْعِمَامَةَ كَمَا يَمْسَحُ رَأْسَهُ، لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّشْبِيهَ فِي صِفَةِ الْمَسْحِ دُونَ الِاسْتِيعَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّشْبِيهَ فِي الِاسْتِيعَابِ فَيَخْرُجُ فِيهَا مِنَ الْخِلَافِ مَا فِي وُجُوبِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ: أَظْهَرُهُمَا وُجُوبُهُ فِيهِ، فَكَذَا هُنَا، وَلِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ جِنْسِ الْمُبْدَلِ، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عِوَضًا عَنْهَا إِذَا عَجَزَ عَنْهَا، بِخِلَافِ التَّسْبِيحِ، وَبِهِ يُجَابُ عَنْ مَسْحِ بَعْضِ الْخُفِّ. فَرْعٌ: مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ مَعَ الْعِمَامَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ، وَنَاصِيَتِهِ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنِ الْوُجُوبِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ، لِأَنَّ الْفَرْضَ انْتَقَلَ إِلَى الْعِمَامَةِ، فَلَمْ يَبْقَ لِمَا ظَهَرَ حُكْمٌ، وَفِي " الْمُغْنِي "، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 جَمِيعِ الْجَبِيرَةِ إِذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ، وَمَتَى ظَهَرَ قَدَمُ الْمَاسِحِ، أَوْ رَأْسُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْأُذُنَيْنِ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُهُمَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَيْسَا مِنَ الرَّأْسِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ. [الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ] (وَيُسْمَحُ عَلَى جَمِيعِ الْجَبِيرَةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى كَسْرٍ أَوْ جُرْحٍ، نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ صَاحِبِ الشَّجَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كُلِّهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ، وَهُوَ مَسْحٌ لِلضَّرَرِ، أَشْبَهَ التَّيَمُّمَ، هَذَا إِذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ غَسَلَ مَا حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي اسْتِيعَابَهَا بِالْمَسْحِ، وَأَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا طَهَارَةُ عُذْرٍ فَأَسْقَطَتِ الْفَرْضَ كَالتَّيَمُّمِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَبْدُوسٍ ثَانِيَةً بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ، لَكِنَّهُمْ بَنَوْهَا عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَتَطَهَّرْ لَهَا، وَقُلْنَا بِالِاشْتِرَاطِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْمَسْحِ وَحْدَهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، لِأَنَّهُ مَسَحَ عَلَى حَائِلٍ، فَأَجْزَأَ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ، كَمَسْحِ الْخُفِّ، بَلْ أَوْلَى، إِذْ صَاحِبُ الضَّرُورَةِ أَحَقُّ بِالتَّخْفِيفِ، وَالثَّانِيَةُ: يَتَيَمَّمُ مَعَهُ لِظَاهِرِ قِصَّةِ صَاحِبِ الشَّجَّةِ، وَضَعُفَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ " الْوَاوَ " فِيهِ بِمَعْنَى " أَوْ "، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّيَمُّمَ فِيهِ لِشَدِّ الْعِصَابَةِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ (إِذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ) بِشَدِّهَا (قَدْرَ الْحَاجَةِ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، فَتُقَيَّدُ بِقَدْرِهَا، وَاقْتَضَى أَنَّهُ إِذَا تَجَاوَزَ بِشَدِّهَا إِلَى مَوْضِعٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَكُونُ تَارِكًا لِغَسْلِ مَا يُمْكِنُهُ غَسْلُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَعَلَى هَذَا يَنْزِعُهَا، فَإِنْ خَافَ التَّلَفَ بِهِ سَقَطَ، وَكَذَا إِنْ خَافَ الضَّرَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَيَمْسَحُ قَدْرَ الْحَاجَةِ، وَيَتَيَمَّمُ لِلزَّائِدِ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ مَسْحُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ عَلَى الزَّائِدِ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَتْ ضَرُورَةٌ إِلَى الْمَسْحِ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَوْضِعَ الْكَسْرِ، وَفِي ثَالِثٍ: يَجْمَعُ فِي الزَّائِدِ بَيْنَهُمَا، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ، وَالْمَرْوُذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعَصَائِبِ كَيْفَ شَدَّهَا، لِأَنَّ هَذَا لَا يَنْضَبِطُ، وَهُوَ شَدِيدٌ جِدًّا، وَالْأَوَّلُ: أَوْلَى، وَأَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. مَسْأَلَةٌ: تُفَارِقُ الْجَبِيرَةُ الْخُفَّ مِنْ أَوْجُهٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 أَوِ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ، اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ مَسْحُ رَأْسِهِ، وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا إِلَّا عِنْدَ التَّضَرُّرِ بِنَزْعِهَا. الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِيعَابُهَا. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا مُقَيَّدٌ بِالْحَلِّ أَوِ الْبُرْءِ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا فِي الْكُبْرَى. الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا تَقَدُّمُ طَهَارَةٍ فِي رِوَايَةٍ. السَّادِسُ: أَنَّهَا تَجُوزُ مِنْ خَرْقٍ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ وَنَحْوِهِ، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا عَلَى رِوَايَةِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ. السَّابِعُ: أَنَّ مَسْحَهَا عَزِيمَةٌ، وَالْخُفُّ بِخِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَتَقَدَّمَ أَوْجُهٌ أُخَرُ. (وَمَتَى ظَهَرَ قَدَمُ الْمَاسِحِ) بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ فِي الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ الْمَسْحَ أُقِيمَ مَقَامَ الْغَسْلِ، فَإِذَا زَالَ بَطَلَتِ الطَّهَارَةُ فِي الْقَدَمَيْنِ، فَيَبْطُلُ فِي جَمِيعِهَا، لِكَوْنِهَا لَا تَتَبَعَّضُ، وَحُكْمُ انْكِشَافِ بَعْضِ الْقَدَمِ مِنْ خَرْقٍ حُكْمُ ظُهُورِهِ كُلِّهِ، فَلَوْ أَخْرَجَ الْقَدَمَ، قَالَ الْمَجْدُ، وَالْجَدُّ: أَوْ بَعْضَهُ إِلَى سَاقِ الْخُفِّ فَهُوَ كَخَلْعِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهِ، وَعَنْهُ: إِنْ جَاوَزَ الْعَقِبَ أَثَّرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ: لَا، وَعَنْهُ: لَا يُبَعِّضُهُ، وَنَزْعُ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ كَنَزْعِهِمَا، لِأَنَّهُمَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ: الْمَاسِحُ يَحْتَرِزُ بِهِ مَا إِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ، فَإِذَا طَهُرَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَيُصَلِّي بِهِ مَا أَرَادَ (أَوْ) ظَهَرَ (رَأْسُهُ بَطَلَتْ أَيْضًا قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْكَشْفُ يَسِيرًا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا زَالَتْ عَنْ رَأْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَفْحُشْ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: مَا لَمْ يَرْفَعْهَا بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ، وَظَاهِرُ " الْمُسْتَوْعِبِ "، و" الْوَجِيزِ " أَنَّهَا تَبْطُلُ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ رَأْسِهِ، وَكَذَا إِذَا انْتَقَضَتْ بَعْدَ مَسْحِهَا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ، وَفِي بَعْضِهَا رِوَايَتَانِ (أَوِ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ) وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ (اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ مَسْحُ رَأْسِهِ، وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ) لِأَنَّهُ أَزَالَ بَدَلَ غَسْلِهِمَا، فَأَجْزَأَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَلَا مَدْخَلَ لِحَائِلٍ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى إِلَّا الْجَبِيرَةُ. بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا. الثَّانِي:   [المبدع في شرح المقنع] الْمُبْدَلُ، كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ، وَفِي الْأُولَى يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ فَقَطْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْخَلْعَ إِذَا كَانَ عَقِبَ الْمَسْحِ كَفَاهُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ، أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَيَرْفَعُهُ فِي الْمَنْصُوصِ وِفَاقًا، أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِنِيَّةٍ. أَوْ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي النَّقْضِ، وَإِنْ تَبَعَّضَتْ فِي الثُّبُوتِ، كَالصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ اخْتَارَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَيَتَوَجَّهُ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَلْ يُصَلِّي بِهِ. فَرْعٌ: إِذَا حَدَثَ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَمَا لَوْ كَانَ خَارِجَهَا، وَبَنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى قُدْرَةِ الْمُتَيَمِّمِ عَلَى الْمَاءِ. (وَلَا مَدْخَلَ لِحَائِلٍ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى) لِحَدِيثِ صَفْوَانَ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» (إِلَّا الْجَبِيرَةُ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ بِنَزْعِهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ، فَإِذَا زَالَتْ فَكَالْخُفِّ، وَقِيلَ: طَهَارَتُهُ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْبُرْءِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مُطْلَقًا. [نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ] [الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ] بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ النَّوَاقِضُ: جَمْعُ نَاقِضَةٍ لَا نَاقِضٍ، لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ عَلَى فَوَاعِلَ إِلَّا الْمُؤَنَّثُ، وَشَذَّ: فَوَارِسُ، وَهَوَالِكُ، وَنَوَاكِسُ جَمْعُ فَارِسٍ، وَهَالِكٍ، وَنَاكِسٍ، يُقَالُ: نَقَضْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَفْسَدْتَهُ، فَنَوَاقِضُ الْوُضُوءِ مُفْسِدَاتُهُ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِ مَجَازٌ، كَاسْتِعْمَالِهِ فِي الْعِلَّةِ، وَإِنَّمَا حَقِيقَتُهُ فِي الْبِنَاءِ، وَاسْتُعْمِلَ فِي الْمَعَانِي بِعَلَاقَةِ الْإِبْطَالِ. (وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ) أَيْ: عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ وَاحِدُهُمَا سَبِيلٌ، وَهُوَ الطَّرِيقُ، وَهُمَا مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَالْمُرَادُ إِلَى مَا هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، وَيَلْحَقُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] حُكْمُ التَّطْهِيرِ، إِلَّا مِمَّنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ (قَلِيلًا كَانَ) الْخَارِجُ (أَوْ كَثِيرًا) ذُكِرَ لِمُقَابَلَةِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُغْنٍ عَنْهُ (نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا) فَالْمُعْتَادُ كَالْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ، فَيَنْقُضُ إِجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، وَبَوْلٍ، وَنَوْمٍ» وَالنَّادِرُ كَالدُّودِ، وَالْحَصَى حَتَّى دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، لِمَا رَوَى عُرْوَةُ، «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي، وَصَلِّي، فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. فَقَدْ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَدَمُهَا غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ السَّبِيلِ، أَشْبَهَ الْمُعْتَادَ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بِلَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ، فَيَنْتَقِضُ بِهَا، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمَنِيِّ وَالرِّيحِ، وَإِنْ خَرَجَتْ مِنَ الْقُبُلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ النَّقْضُ بِالرِّيحِ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ دُونَ قُبُلِ الرَّجُلِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: لِأَنَّ قُبُلَهَا لَهُ مَنْفَذٌ إِلَى الْجَوْفِ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَرِيحُ الدُّبُرِ إِنَّمَا نَقَضَ لِاسْتِصْحَابِهِ جُزْءًا لَطِيفًا مِنَ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ نَتْنِهَا، وَكَمَا إِذْ أَقْطَرَ فِي فَرْجِهِ دُهْنًا، ثُمَّ سَالَ، أَوِ احْتَشَى قُطْنًا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ، أَوْ كَانَ فِي وَسَطِ الْقُطْنِ مَيْلٌ، فَسَقَطَ بِلَا بِلَّةٍ فِي وَجْهِ إِنَاطَةٍ بِالْمَظِنَّةِ، وَلَا نَقْضَ فِي آخَرَ، لِانْتِفَاءِ الْخَارِجِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ خُرُوجَ بِلَّةٍ نُقِضَ عَلَى الْأَعْرَفِ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: لَا نَقْضَ حَتَّى يَخْرُجَ بَوْلٌ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَتَبْعِيدُهُ بَعِيدٌ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ، نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَفِي وَجْهٍ: يَنْقُضُ الدُّهْنُ دُونَ غَيْرِهِ، وَفِي نَجَاسَةِ الدُّهْنِ وَجْهَانِ، لِنَجَاسَةِ بَاطِنِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ، فَلَمْ يَتَنَجَّسْ بِهِ، كَنُخَامَةِ الْحَلْقِ، وَهُوَ مَخْرَجُ الْقَيْءِ، وَكَذَا إِذَا طَهُرَتْ مَقْعَدَتُهُ يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهَا بَلَلًا، وَلَمْ يَنْفَصِلْ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ عَلَى الْمَنْصُوصِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 خُرُوجُ النَّجَاسَاتِ مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ، فَإِنْ كَانَ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا نَقَضَ قَلِيلُهَا وَإِنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] وَكَذَا طَرَفُ مُصْرَانٍ، أَوْ رَأْسُ دُودَةٍ، وَخَرَجَ مِنْهُ مَا إِذَا احْتَقَنَ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا شَيْءٌ، أَوْ وَطِئَ فِي الْفَرْجِ، أَوْ دُونَهُ، فَدَخَلَ فَرْجَهَا، وَلَمْ يَخْرُجْ فِي وَجْهٍ، وَمُجَرَّدُ الْحُقْنَةِ فِيهَا أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: يَنْقُضُ مِنْ دُبُرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِيمَا تَحْمِلُهُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ طَرَفِهِ خَارِجًا، أَوْ لَا. [خُرُوجُ النَّجَاسَاتِ مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ] (الثَّانِي: خُرُوجُ النَّجَاسَاتِ مِنْ سَائِرِ) أَيْ: بَاقِي (الْبَدَنِ فَإِنْ كَانَ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا نَقَضَ قَلِيلُهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ لِمَا سَبَقَ، وَكَالْخَارِجِ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَا مُنْسَدَّيْنِ، أَوْ مَفْتُوحَيْنِ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أَوْ تَحْتَهَا، وَإِنِ انْسَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ، وَانْفَتَحَ غَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَسْفَلَ الْمَعِدَةِ، فَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ لَمْ يَنْقُضْ فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ بَوْلٌ أَوْ غَائِطٌ، وَرُجِيَ انْقِطَاعُهُ نَقَضَ كَثِيرُهُ، وَفِي يَسِيرِهِ رِوَايَتَانِ، قَالَ فِي " النِّهَايَةِ ": إِنِ انْسَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ خِلْقَةً، فَسَبِيلُ الْحَدَثِ الْمُنْفَتِحُ، وَالْمَسْدُودُ كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنَ الْخُنْثَى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْخَارِجَ إِذَا كَانَ طَاهِرًا فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ، سَوَاءٌ كَانَ بُصَاقًا، أَوْ نُخَامَةً، أَوْ بَلْغَمًا، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَأَصْلُهُمَا هَلْ يُفْطِرُ الصَّائِمُ؟ وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ، لِأَنَّهَا تُخْلَقُ مِنَ الْبَدَنِ كَبَلْغَمِ الرَّأْسِ، وَقِيلَ: هُوَ نَجِسٌ إِذَا انْعَقَدَ، وَازْرَقَّ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً (وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا لَمْ يَنْقُضْ إِلَّا كَثِيرُهَا) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ: «إِنَّهُ دَمُ عِرْقٍ» فَعَلَّلَ بِكَوْنِهِ دَمَ عِرْقٍ، وَالْقَيْحُ وَالدَّمُ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ خَارِجَةٌ مِنَ الْبَدَنِ أَشْبَهَ الْخَارِجَ مِنَ السَّبِيلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ دَمٌ، وَقَيْحٌ، وَدُودٌ، وَعَنْهُ: لَا يَنْقُضُ قَيْحٌ، وَلَا صَدِيدٌ، وَلَا مِدَّةٌ، إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ ذَلِكَ مِنَ السَّبِيلِ، فَلَوْ خَرَجَ دَمٌ كَثِيرٌ بِمَصِّ عَلَقٍ، أَوْ قُرَادٍ نَقَضَ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِنَفْسِهِ بَلْ بِقُطْنَةٍ، وَنَحْوِهَا، فَكَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَصِّ ذُبَابٍ، وَبَعُوضٍ لِقِلَّتِهِ، وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهَا، ذَكَرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 غَيْرَهُمَا لَمْ يَنْقُضْ إِلَّا كَثِيرُهَا، وَهُوَ مَا فَحُشَ فِي النَّفْسِ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّ قَلِيلَهَا   [المبدع في شرح المقنع] أَبُو الْمَعَالِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْيَسِيرَ لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَحَكَاهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَجَابِرٍ، وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إِجْمَاعًا، قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الدَّمِ: إِذَا كَانَ فَاحِشًا أَعَادَ الْوُضُوءَ، وَالْقَلِيلُ لَا أَرَى فِيهِ الْوُضُوءَ، لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصُوا فِيهِ، ثُمَّ بَيَّنَ حَدَّ الْكَثِيرِ فَقَالَ (وَهُوَ مَا فَحُشَ فِي النَّفْسِ) أَيْ: كُلُّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْفَاحِشُ مَا فَحُشَ فِي قَلْبِكَ. قَالَ الْخَلَّالُ: إِنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ، وَذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ الْمَذْهَبَ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لِأَنَّ اعْتِبَارَ حَالِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَسْتَفْحِشُهُ غَيْرُهُ مُحْرِجٌ، فَيَكُونُ مَنْفِيًّا، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ نُفُوسُ أَوْسَاطِ النَّاسِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ "، و" الْمُحَرَّرِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " كَمَا يَرْجِعُ فِي يَسِيرِ اللُّقَطَةِ إِلَيْهِمْ، وَعَنْهُ: الْفَاحِشُ قَدْرُ الْكَفِّ، وَعَنْهُ: قَدْرُ عَشَرَةِ أَصَابِعَ (وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّ قَلِيلَهَا يَنْقُضُ) لِمَا رَوَى مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَتَوَضَّأَ، فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: صِدْقٌ أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ، أَوْ رُعَافٌ، أَوْ قَلَسٌ، أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَهُوَ حِجَازِيٌّ، وَرِوَايَتُهُ عَنِ الْحِجَازِيِّينَ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ، وَكَخَارِجٍ مُعْتَادٍ لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا تُعْرَفُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ إِلَّا فِي الْقَلْسِ، وَاطَّرَحَهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا نَقْضَ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ فِي غَيْرِ الْقَيْءِ، فَإِنْ شَرِبَ مَاءً وَقَذَفَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 يَنْقُضُ. الثَّالِثُ: زَوَالُ الْعَقْلِ إِلَّا النَّوْمَ الْيَسِيرَ جَالِسًا، أَوْ قَائِمًا، وَعَنْهُ: أَنَّ نَوْمَ الرَّاكِعِ   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْحَالِ فَنَجِسٌ، وَبِالْجُمْلَةِ فَيُحْمَلَانِ عَلَى الْفَاحِشِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. فَائِدَةٌ: الْقَلَسُ بِالتَّحْرِيكِ، وَقِيلَ بِالسُّكُونِ: مَا خَرَجَ مِنَ الْجَوْفِ مِلْءَ الْفَمِ، أَوْ دُونَهُ، وَلَيْسَ بِقَيْءٍ فَإِنْ عَادَ فَهُوَ قَيْءٌ. [زَوَالُ الْعَقْلِ] (الثَّالِثُ زَوَالُ الْعَقْلِ) أَوْ تَغْطِيَتُهُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ:، وَلَوْ تَلَجَّمَ، وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ إِلْحَاقًا بِالْغَالِبِ، لِأَنَّ الْحِسَّ يَذْهَبُ مَعَهُ، وَالْمُزِيلُ لَهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: نَوْمٌ وَغَيْرُهُ، فَغَيْرُ النَّوْمِ كَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ يَنْقُضُ كَثِيرُهَا، وَيَسِيرُهَا إِجْمَاعًا عَلَى كُلِّ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَشْعُرُونَ بِحَالٍ، بِخِلَافِ النَّائِمِ، وَفِي إِيجَابِ الْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ تَنْبِيهٌ عَلَى وُجُوبِهِ بِمَا هُوَ آكَدُ مِنْهُ، وَأَمَّا النَّوْمُ فَرَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ لِيَسْتَرِيحَ بَدَنُهُ عِنْدَ تَعَبِهِ، وَهِيَ غَشْيَةٌ ثَقِيلَةٌ تَقَعُ عَلَى الْقَلْبِ تَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِالْأَشْيَاءِ فَيَنْقُضُ فِي الْجُمْلَةِ، لِمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ خُرُوجِ الْحَدَثِ، فَأُقِيمَ مَقَامَهُ، كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ قَالَ الْخَلَّالُ: هُوَ خَطَأٌ بَيِّنٌ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِذَا ظَنَّ بَقَاءَ طُهْرِهِ، وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهَا، ثُمَّ هُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى أَقْسَامٍ، فَقَالَ (إِلَّا النَّوْمَ الْيَسِيرَ) عُرْفًا، لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ هَيْئَتِهِ كَسُقُوطِهِ، وَقِيلَ: مِقْدَارُ الْكَثِيرِ رَكْعَتَانِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ إِذَا رَأَى فِيهِ حُلْمًا، وَمَنْ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى عَقْلِهِ، فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، فَلَوْ شَكَّ فِي كَثْرَتِهِ لَمْ يَنْقُضْ (جَالِسًا أَوْ قَائِمًا) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ، وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْيَسِيرِ، لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَالْقَائِمُ كَالْقَاعِدِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي انْضِمَامِ مَحَلِّ الْحَدَثِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْقُضُ إِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وَالسَّاجِدِ لَا يَنْقُضُ يَسِيرُهُ. وَالرَّابِعُ: مَسُّ الذَّكَرِ بِيَدِهِ أَوْ بِبَطْنِ كَفِّهِ، أَوْ بِظَهْرِهِ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] كَانَ كَثِيرًا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ مَعَ الْكَثْرَةِ لَا يُحِسُّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ، وَعَنْهُ: لَا (وَعَنْهُ: أَنَّ نَوْمَ الرَّاكِعِ أَوِ السَّاجِدِ لَا يَنْقُضُ يَسِيرُهُ) لِأَنَّهُمَا مِنَ الصَّلَاةِ أَشْبَهَ الْجَالِسَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْيَسِيرُ مِنْهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقِيَاسُهُمَا عَلَى الْجَالِسِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، لِأَنَّ مَحَلَّ الْحَدَثِ فِيهِمَا مُنْفَتِحٌ بِخِلَافِ الْجَالِسِ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الْبُلْغَةِ " اسْتِثْنَاءَ الْيَسِيرِ فِي الْحَالَاتِ الْأَرْبَعِ، وَعَنْهُ: يَنْقُضُ الْيَسِيرُ إِلَّا فِي الْجَالِسِ، وَعَنْهُ: لَا نَقْضَ فِيهَا، وَهِيَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا نَامَ الْعَبْدُ وَهُوَ سَاجِدٌ، يُبَاهِي اللَّهُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي، وَهُوَ سَاجِدٌ» فَسَمَّاهُ سَاجِدًا مَعَ نَوْمِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ نَوْمَ الْمُسْتَنِدِ، وَالْمُتَّكِئِ، وَالْمُحْتَبِي كَالْمُضْطَجِعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَشْهَرِ. [مَسُّ الذَّكَرِ] (الرَّابِعُ مَسُّ الذَّكَرِ) أَيْ: ذَكَرِ الْآدَمِيِّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَتْ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ بُسْرَةَ، وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ مَعْنَاهُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْأَثْرَمُ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى ذَكَرِهِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «وَلَيْسَ دُونَهُ سِتْرٌ» ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا، وَهَذَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ عَنْ تَوْقِيفٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: لَا يَنْقُضُ لِمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، هَلْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ؛ قَالَ: لَا، إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ جَسَدِهِ أَشْبَهَ رِجْلَهُ، فَعَلَيْهَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ، وَالْأُولَى أَصَحُّ، لِأَنَّ حَدِيثَ قَيْسٍ ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ: قَيْسٌ لَا تَقُومُ بِرِوَايَتِهِ حُجَّةٌ، وَلَوْ سُلِّمَ صِحَّتُهُ، فَهُوَ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّ «طَلْقَ بْنَ عَلِيٍّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُؤَسِّسُ فِي الْمَسْجِدِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: «قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَهُ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ، فَسَأَلَهُ» الْحَدِيثَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّأْسِيسَ كَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ، وَإِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، وَبُسْرَةَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ عَامَ الْفَتْحِ هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا فِي النَّسْخِ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَحَدِيثُهُمْ مُبْقًى عَلَى الْأَصْلِ، وَأَحَادِيثُنَا نَاقِلَةٌ عَنْهُ، وَهِيَ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِهِ هُوَ الْمَنْسُوخُ، لَزِمَ التَّغْيِيرُ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ تَرْكُ الْوُضُوءِ هُوَ الْمَنْسُوخُ لَمْ يَلْزَمِ التَّغْيِيرُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَيَكُونُ أَوْلَى، وَقِيَاسُهُمُ الذَّكَرَ عَلَى بَقِيَّةِ الْبَدَنِ لَا يَسْتَقِيمُ، لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ يَنْفَرِدُ بِهَا مِنْ إِيجَابِ الْغُسْلِ بِإِيلَاجِهِ، وَالْحَدِّ، وَالْمَهْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمَسِّ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمُصَلِّي فِي الْغَالِبِ إِنَّمَا يَمَسُّهُ مِنْ فَوْقِ ثِيَابِهِ، وَلِهَذَا عَلَّلَ بِأَنَّهُ بَضْعَةٌ مِنْهُ، قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ، وَصَحَّحَهُ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» . قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ طَلْقٌ سَمِعَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، وَفِي تَصْحِيحِهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيِّ، وَأَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَارَضُ رِوَايَتَاهُ، وَيُرْجَعُ إِلَى أَحَادِيثِ النَّقْضِ. (بِيَدِهِ) وَهِيَ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إِلَى الْكُوعِ، كَالسَّرِقَةِ، وَالتَّيَمُّمِ (أَوْ بِبَطْنِ كَفِّهِ أَوْ بِظَهْرِهِ) لِلْعُمُومِ، وَالْأَوَّلُ: مُغْنٍ عَنْهُ، لِأَنَّهُ يَشْمَلُهُ، وَعَنْهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 يَنْقُضُ مَسُّهُ بِذِرَاعِهِ وَفِي مَسِّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَجْهَانِ. وَإِذَا لَمَسَ قُبُلَ الْخُنْثَى   [المبدع في شرح المقنع] يَخْتَصُّ النَّقْضُ بِبَطْنِ الْكَفِّ لِأَنَّهُ آلَةُ اللَّمْسِ، وَفِي حَرْفِ كَفِّهِ وَجْهَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَكَرِ نَفْسِهِ، وَذَكَرِ غَيْرِهِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَيَتَوَضَّأُ مَنْ مَسَّ الذَّكَرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ بِذَكَرِ نَفْسِهِ، وَالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَعَنْهُ: لَا نَقْضَ بِمَسِّ ذَكَرِ طِفْلٍ، ذَكَرَهَا الْآمِدِيُّ، وَالْحَيِّ وَالْمَيِّتِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَسَوَاءٌ مَسَّهُ سَهْوًا، أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَعَنْهُ: إِنْ تَعَمَّدَ مَسَّهُ نَقَضَ، وَعَنْهُ: إِنْ مَسَّهُ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ لِشَهْوَةٍ نَقَضَ، وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَصْلِ الذَّكَرِ، وَرَأْسِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ بِالثُّقْبِ، وَعَنْهُ: بِالْحَشَفَةِ، وَهُمَا بَعِيدَانِ، وَمُرَادُهُ إِذَا كَانَ أَصْلِيًّا، سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا، أَوْ أَشَلَّ، فَلَوْ كَانَ زَائِدًا لَمْ يَنْقُضْ فِي الْأَصَحِّ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ الْيَدَ الصَّحِيحَةَ، وَالشَّلَّاءَ، وَالزَّائِدَةَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَنْقُضُ إِذَا مَسَّهُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَلَوْ بِزَائِدٍ خَلَا ظُفْرِهِ (وَلَا يَنْقُضُ مَسُّهُ بِذِرَاعِهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، كَالْعَضُدِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ عَلَى مُطْلَقِ الْيَدِ لَا يَتَجَاوَزُ الْكُوعَ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَهِيَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، لِأَنَّهَا فِي الْوُضُوءِ كَذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا غَسَلَهُ فِيهِ لِتَقْيِيدِهِ بِهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ بِغَيْرِ الْيَدِ زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي الْفَرْجِ وَجْهَانِ، وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ النَّقْضَ بِمَسِّهِ بِفَرْجٍ، وَالْمُرَادُ لَا ذَكَرِهِ بِذَكَرِ غَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي (وَفِي مَسِّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ) الْمُنْفَصِلِ (وَجْهَانِ) وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الْفُرُوعِ "، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ لِذَهَابِ الْحُرْمَةِ، وَالثَّانِي: بَلَى، وَقَطَعَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ لِبَقَاءِ الِاسْمِ، وَكَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الْمُشْكِلِ وَذَكَرَهُ، انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَنْتَقِضْ إِلَّا أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ لِشَهْوَةٍ، وَفِي مَسِّ الدُّبُرِ، وَمَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا رِوَايَتَانِ، وَعَنْهُ: لَا يَنْقُضُ مَسُّ   [المبدع في شرح المقنع] الْخِلَافُ فِي مَسِّ مَحَلِّهِ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ، وَأَبُو الْمَعَالِي فِيهِ يَنْقُضُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّكَرِ الْبَائِنِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْخِتَانَيْنِ، لِأَنَّهُ كَيَدٍ بَائِنَةٍ بِخِلَافِ فَرْجٍ بَائِنٍ. وَحُكْمُ لَمْسِ الْقُلْفَةِ، وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الْخِتَانِ قَبْلَ قَطْعِهَا كَالْحَشَفَةِ، لِأَنَّهَا مِنْهُ، وَلَا يَنْقُضُ مَسُّهَا بَعْدَ قَطْعِهَا لِزَوَالِ الِاسْمِ وَالْحُرْمَةِ. (وَإِذَا لَمَسَ قُبُلَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَذَكَرَهُ، انْتَقَضَ وُضُوءُهُ) لِأَنَّ لَمْسَ الْفَرْجِ مُتَيَقَّنٌ لِأَنَّ الْخُنْثَى إِنْ كَانَ ذَكَرًا، فَقَدْ لَمَسَ ذَكَرَهُ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ مَسَّ فَرْجَهَا، (وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَنْتَقِضْ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ فَرْجٍ، فَلَا يُنْقَضُ الْوُضُوءُ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ (إِلَّا أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ) أَيِ الْخُنْثَى (لِشَهْوَةٍ) فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ لِأَنَّ الْخُنْثَى إِنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ لَمَسَ ذَكَرًا، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ لَمَسَ الرَّجُلُ امْرَأَةً لِشَهْوَةٍ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الْوَجِيزِ "، و" الْفُرُوعِ " صُورَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ: إِذَا لَمَسَتِ الْمَرْأَةُ قُبُلَهُ، لِأَنَّ الْخُنْثَى إِنْ كَانَ امْرَأَةً، فَقَدْ لَمَسَتِ الْمَرْأَةُ فَرْجَ امْرَأَةٍ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ لَمَسَتْهُ لِشَهْوَةٍ (وَفِي مَسِّ الدُّبُرِ، وَمَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا) هُوَ اسْمٌ لِمَخْرَجِ الْحَدَثِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ شَفْرَيْهَا دُونَ اسْكِتَيْهَا، (رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا، وَنَقَلَهَا أَبُو دَاوُدَ: أَنَّهُ يَنْتَقِضُ، قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ، وَالْفَرْجُ: اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الْفَرْجِ بِحَالٍ الْخَامِسُ: أَنْ تَمَسَّ بَشَرَتُهُ بَشَرَةَ أُنْثَى لِشَهْوَةٍ، وَعَنْهُ: لَا يَنْقُضُ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] شُعَيْبٍ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ إِلَيْهِ، وَكَالذَّكَرِ، وَالْأُخْرَى: لَا يَنْتَقِضُ. أَمَّا الدُّبُرُ، فَقَالَ الْخَلَّالُ: إِنَّهَا الْأَشْيَعُ فِي قَوْلِهِ، وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ، لِأَنَّ غَالِبَ الْأَحَادِيثِ تُقَيِّدُهُ بِالذَّكَرِ، وَأَمَّا الْفَرْجُ، فَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الْجَارِيَةُ إِذَا مَسَّتْ فَرْجَهَا أَعَلَيْهَا وُضُوءٌ؛ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَلَا يُفْضِي مَسُّهُ إِلَى خُرُوجِ خَارِجٍ، بِخِلَافِ الذَّكَرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ مُخْتَصٌّ بِمَا إِذَا مَسَّتْ فَرْجَ نَفْسِهَا، وَالْأَشْهَرُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ مَسِّ فَرْجِهَا، وَفَرْجِ غَيْرِهَا، وَفِي " التَّلْخِيصِ " و" الْبُلْغَةِ ": يَنْقُضُ مَسُّ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، وَفِي مَسِّ فَرْجِ غَيْرِهَا وَجْهَانِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ لِلنَّقْضِ بِذَلِكَ الشَّهْوَةُ، وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَشَرَطَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى (وَعَنْهُ: لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْفَرْجِ بِحَالٍ) لِمَا سَبَقَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ بِمَسِّ غَيْرِ الْفَرْجَيْنِ مِنَ الْبَدَنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ عُرْوَةُ: يَجِبُ فِي مَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ،، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَجِبُ عَلَى مَنْ مَسَّ مَا بَيْنَ فَرْجَيْهِ، وَلَا تَجِبُ بِمَسِّ فَرْجِ بَهِيمَةٍ وَلَوْ كَانَتْ مَأْكُولَةً، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَاهُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ ": لِشَهْوَةٍ، وَلَا بِمَسِّ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ إِذَا انْسَدَّ، وَانْفَتَحَ غَيْرُهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَقِيلَ: مَعَهَا. فَرْعٌ: إِذَا انْتَشَرَ عُضْوُهُ بِتَكَرُّرِ نَظَرٍ، لَمْ يَنْتَقِضْ فِي الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ كَانَ عَنْ فِكْرٍ. [مَسُّ الْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ] (الْخَامِسُ: أَنْ تَمَسَّ بَشَرَتُهُ بَشَرَةَ أُنْثَى لِشَهْوَةٍ) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَّى، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ» ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ مَسِّهَا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ، وَإِنَّمَا هُوَ دَاعٍ إِلَيْهِ، فَاعْتُبِرَتِ الْحَالَةُ الَّتِي تَدْعُو إِلَيْهَا، وَهِيَ حَالَةُ الشَّهْوَةِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " بِشَهْوَةٍ بِالْبَاءِ، وَهُوَ أَحْسَنُ لِتَدُلَّ عَلَى الْمُصَاحَبَةِ، وَالْمُقَارَنَةِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْأَجْنَبِيَّةِ، وَذَاتِ الْمَحْرَمِ، وَالصَّغِيرَةِ، وَالْكَبِيرَةِ لِعُمُومِ النَّصِّ، وَاللَّمْسُ النَّاقِضُ مُعْتَبَرٌ مَعَ الشَّهْوَةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ فَلَا فَرْقَ لَكِنْ فِي الْعَجُوزِ، وَالْمَحْرَمِ، وَالصَّغِيرَةِ وَجْهٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ فِيهَا، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ مُقَيَّدًا بِالَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَلِلْمَيِّتَةِ، وَالْحَيَّةِ، لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَرْفَعُ عَنْهَا الِاسْمَ، وَكَمَا يَجِبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 يَنْقُضُ لَمْسُهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَنْقُضُ مَسُّ الشَّعَرِ، وَالسِّنِّ، وَالظُّفْرِ، وَالْأَمْرَدِ. وَفِي نَقْضِ   [المبدع في شرح المقنع] الْغُسْلُ بِوَطْئِهَا، وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ خِلَافَهُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَسُّ بِالْيَدِ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْبَشَرِ لِلْعُمُومِ، وَالتَّخْصِيصُ تَحَكُّمٌ، وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ مَسِّهَا بِعُضْوٍ زَائِدٍ أَوْ مَسِّ عُضْوٍ زَائِدٍ مِنْهَا، وَخَرَجَ مِنْ كَلَامِهِ إِذَا كَانَ اللَّمْسُ بِحَائِلٍ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَلَوْ مَعَ شَهْوَةٍ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا، وَالشَّهْوَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَعَنْهُ: يَنْقُضُ، ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَخَرَجَ مِنْهُ أَيْضًا مَسُّ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لِشَهْوَةٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَأَمَّا لَمْسُهَا لَهُ مَعَ الشَّهْوَةِ، فَرِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا لَا أَثَرَ لَهُ، لِأَنَّ النَّصَّ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الرَّجُلِ، وَاللَّمْسُ مِنْهُ مَعَ الشَّهْوَةِ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الْحَدَثِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ، وَالْأُخْرَى، وَهِيَ أَصَحُّ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: يَنْقُضُ، لِأَنَّهَا مُلَامَسَةٌ نَاقِضَةٌ، فَاسْتَوَيَا فِيهَا كَالْجِمَاعِ، وَهِيَ أَدْعَى إِلَى الْحَدَثِ لِفَرْطِ شَهْوَتِهَا (وَعَنْهُ: لَا يَنْقُضُ) اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي، وَلَا يَتَوَضَّأُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَضَعَّفَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، «وَوَقَعَتْ يَدُ عَائِشَةَ عَلَى قَدَمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ يُصَلِّي، وَمَسَّهَا بِرِجْلِهِ، وَهُوَ يُصَلِّي» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَلَوْ بَطَلَ وُضُوءُهُ لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَلِأَنَّهُ مَسَّ فَلَمْ يَنْقُضْ كَمَسِّ الْبَهِيمَةِ، وَالْمُلَامَسَةُ فِي الْآيَةِ أُرِيدَ بِهَا الْجِمَاعُ، قَالَهُ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَوْ بَاشَرَ مُبَاشَرَةً فَاحِشَةً، وَقِيلَ: إِنِ انْتَشَرَ نَقَضَ، وَإِذَا لَمْ يَنْقُضْ مَسُّ فَرْجٍ، وَأُنْثَى، اسْتُحِبَّ الْوُضُوءُ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَعَنْهُ: يَنْقُضُ لَمْسُهَا بِكُلِّ حَالٍ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ رِوَايَتَانِ. السَّادِسُ: غُسْلُ الْمَيِّتِ. السَّابِعُ: أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ، لِقَوْلِ   [المبدع في شرح المقنع] أَبِيهِ، وَقَالَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: الْقُبْلَةُ مِنَ اللَّمْسِ، وَفِيهَا الْوُضُوءُ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَحَقِيقَةُ اللَّمْسِ: الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ، قَالَ الشَّاعِرُ: لَمَسْتُ بِكَفِّي كَفَّهُ أَطْلُبُ الْغِنَى وَلِأَنَّهُ مَسٌّ يَنْقُضُ فَلَمْ تُعْتَبَرْ فِيهِ الشَّهْوَةُ كَالذَّكَرِ، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، إِذِ الْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الشَّهْوَةِ، وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى عَدَمِهَا، وَلَوْ أُرِيدَ بِهَا الْجِمَاعُ لَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] . (وَلَا يَنْقُضُ لَمْسُ الشَّعَرِ، وَالسِّنِّ، وَالظُّفُرِ) لِشَهْوَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَصِلُ عَنْهَا حَالَ السَّلَامَةِ، أَشْبَهَ الدَّمْعَ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِإِضَافَتِهِ إِلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يَنْتَقِضُ، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَذَا الْخِلَافُ إِنْ لَمَسَهَا الرَّجُلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ (وَالْأَمْرَدِ) أَيْ: لَا يَنْقُضُ لَمْسُهُ مَعَ شَهْوَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْآيَةِ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلشَّهْوَةِ شَرْعًا، وَعَنْهُ: بَلَى، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لِآدَمِيٍّ حَقِيقَةً، وَلَا نَقْضَ بِمَسِّ خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلَا بِمَسِّهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ لِلطَّهَارَةِ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ (وَفِي نَقْضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ رِوَايَتَانِ) أَظْهَرُهُمَا لَا نَقْضَ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَاخْتَارَهَا الْمَجْدُ، وَهِيَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى اللَّامِسِ لَا يَصِحُّ لِفَرْطِ شَهْوَتِهِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، وَهِيَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدُوسٍ، لِأَنَّ مَا يُنْقَضُ بِالْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ اللَّامِسِ وَالْمَلْمُوسِ، كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، ثُمَّ مَحَلُّهَا إِذَا وُجِدَتِ الشَّهْوَةُ فِي الْمَلْمُوسِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، وَخَصَّ بَعْضُهُمُ الْمَلْمُوسَ بِالْمَرْأَةِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَفِي نَقْضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ فَرْجُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، وَلَا تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ» ، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَجْهَانِ، وَقِيلَ: لَا يُنْقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ ذَكَرُهُ بِخِلَافِ لَمْسِ قُبُلِ الْمَرْأَةِ. [غُسْلُ الْمَيِّتِ] (السَّادِسُ: غُسْلُ الْمَيِّتِ) هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي "، و" الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الْفُرُوعِ " لِمَا رَوَى عَطَاءٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ: كَانَا يَأْمُرَانِ غَاسِلَ الْمَيِّتِ بِالْوُضُوءِ، وَكَانَ شَائِعًا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمُ الْإِخْلَالُ بِهِ، وَلِأَنَّ الْغَاسِلَ لَا يَسْلَمُ مِنْ مَسِّ عَوْرَةِ الْمَيِّتِ غَالِبًا، فَأُقِيمَ مَقَامَهُ، كَالنَّوْمِ مَعَ الْحَدَثِ، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ التَّمِيمِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إِذَا غَسَّلْتُمُوهُ، فَإِنَّ مَيِّتَكُمْ لَيْسَ بِنَجِسٍ - فَحَسْبُكُمْ أَيْ: يَكْفِيكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ» وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَاهُ، وَكَغُسْلِ الْحَيِّ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ، وَالرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ لِلْعُمُومِ، وَسَوَاءٌ غَسَّلَهُ فِي قَمِيصٍ أَوْ لَا، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إِذَا غَسَّلَهُ فِي ثَوْبٍ، وَلَمْ يَمَسَّ فَرْجَهُ، ذَكَرَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَخَرَجَ مِنْ كَلَامِهِ إِذَا غَسَلَ بَعْضَهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ عِنْدَ ابْنِ حَمْدَانَ، وَإِذَا يَمَّمَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ غَسْلِهِ، وَفِيهِ قَوْلٌ. فَرْعٌ: الْغَاسِلُ مَنْ يُقَلِّبُهُ، وَيُبَاشِرُهُ، وَلَوْ مَرَّةً، لَا مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ وَنَحْوَهُ. [أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ] (السَّابِعُ: أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ) عَلَى الْأَصَحِّ (لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، وَلَا تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحٌ، وَرَوَى مُسْلِمٌ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ذَهَبَ إِلَى هَذَا عَامَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ قَلِيلِهِ، وَكَثِيرِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كَبِدِهَا أَوْ طِحَالِهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] نَيِّئِهِ، أَوْ مَطْبُوخِهِ، عَالِمًا كَانَ الْآكِلُ أَوْ جَاهِلًا، وَعَنْهُ: إِنْ عَلِمَ النَّهْيَ نَقَضَ. قَالَ الْخَلَّالُ: وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ، لِأَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ كَمَا يُعْذَرُ بِجَهْلِ الزِّنَا، وَنَحْوُهُ الْحَدِيثُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، وَعَنْهُ: يَنْقُضُ نَيِّئُهُ، وَعَنْهُ: إِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ كَعَشْرِ سِنِينَ، لَمْ يُعِدْ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَصُرَتْ، وَعَنْهُ: لَا يُعِيدُ إِذَا تَرَكَهُ مُتَأَوِّلًا، وَعَنْهُ: إِذَا كَثُرَ أَكْلُهَا، وَعَنْهُ: لَا نَقْضَ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَقَالَ عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّهُ مَأْكُولٌ أَشْبَهَ سَائِرَ الْمَأْكُولَاتِ، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ، لَا يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ، لِأَنَّهُ مَقْرُونٌ بِالْأَكْلِ، كَمَا حُمِلَ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ، لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْوَارِدَ فِي الشَّرْعِ يُحْمَلُ عَلَى مَوْضُوعِهِ الشَّرْعِيِّ، وَلِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ مَا أَمَرَ بِهِ، وَهُوَ الْوُضُوءُ مِنْ لُحُومِهَا، وَبَيْنَ مَا نُهِيَ عَنْهُ، وَهُوَ عَدَمُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، وَالْخَصْمُ يَقُولُ: بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهِمَا، وَلِأَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، وَالْوُضُوءُ الْمُقْتَرِنُ بِهَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُ الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْإِيجَابُ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْهُ، وَدَعْوَى النَّسْخِ مَرْدُودَةٌ بِأُمُورٍ، وَقِيلَ: الْوُضُوءُ مِنْهُ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ، إِذْ كُلُّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ شَيْطَانٌ، فَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانُ الْكِلَابِ، وَالْإِبِلُ شَيَاطِينُ الْأَنْعَامِ، فَالْأَكْلُ مِنْهَا يُورِثُ حَالَةً شَيْطَانِيَّةً، وَالشَّيْطَانُ يُطْفِئُهُ بَارِدُ الْمَاءِ. (فَإِنْ شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُغْنِي "، و" الْمُحَرَّرِ "، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الثَّامِنُ: الرِّدَّةُ عَنِ الْإِسْلَامِ. وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يَنْقُضُ لِمَا رَوَى أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، وَأَلْبَانِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةٍ، وَرَوَى الشَّالَنْجِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَالْأُخْرَى: لَا، وَهِيَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَضْمِضُوا مِنَ اللَّبَنِ، فَإِنَّ لَهُ دَسَمًا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهَا فِي كُلِّ لَبَنٍ، وَلِأَنَّ الْأَخْبَارَ الصَّحِيحَةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي اللَّحْمِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فِيهِ (وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كَبِدِهَا أَوْ طِحَالِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَفِي " الْفُرُوعِ " رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: لَا يَنْقُضُ، لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَزُورِ، فَإِطْلَاقُ لَفْظِ اللَّحْمِ يَتَنَاوَلُهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا حَرَّمَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ تَنَاوَلَ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، وَالْأَشْهَرُ الْأَوَّلُ، وَالْحُكْمُ فِي بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ كَالْكَرْشِ، وَالْمُصْرَانِ، وَالسَّنَامِ، وَالدُّهْنِ كَذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنْ لَا وُضُوءَ مِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَرُوِيَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَلَا وُضُوءَ بِأَكْلِ لَحْمٍ مُحَرَّمٍ، وَكَذَا طَعَامٌ مُحَرَّمٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ النَّقْضُ بِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبَقِيَّةُ النَّجَاسَاتِ تُخَرَّجُ عَلَيْهِ حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْخَبِيثُ الْمُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ، كَلَحْمِ السِّبَاعِ أَبْلَغُ مِنَ الْإِبِلِ، فَبِالْوُضُوءِ مِنْهُ أَوْلَى، قَالَ: وَالْخِلَافُ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَحْمَ الْإِبِلِ تَعَبُّدِيٌّ، أَوْ عَقْلِ مَعْنَاهُ. [الرِّدَّةُ عَنِ الْإِسْلَامِ] (الثَّامِنُ: الرِّدَّةُ عَنِ الْإِسْلَامِ) هَذَا هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وَلِقَوْلِ ابْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، فَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا، وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، نَظَرَ   [المبدع في شرح المقنع] عَبَّاسٍ: الْحَدَثُ حَدَثَانِ، حَدَثُ اللِّسَانِ، وَحَدَثُ الْفَرْجِ، وَحَدَثُ اللِّسَانِ أَشَدُّ، وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ، لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةٌ بِصِيغَةِ " عَنْ "، قَالَ فِي " التَّحْقِيقِ ": لَا يَصِحُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ شَاهِينَ مَرْفُوعًا، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ، فَأَبْطَلَتْهَا الرِّدَّةُ كَالتَّيَمُّمِ، لَكِنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ الْعَمَلَ بِمُجَرَّدِهَا، وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا لَا تُحْبِطُهُ إِلَّا بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 217] وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ صِحَّةَ الْحَجَّ فِي الْإِسْلَامِ الْأَوَّلِ، وَقَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاةٍ، وَزَكَاةٍ، وَصَوْمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، ثُمَّ الْإِحْبَاطُ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى الثَّوَابِ دُونَ الْفِعْلِ، بِدَلِيلِ مُصَلٍّ خَلْفَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا تَمَسُّكٌ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا نَقْضَ، حَكَاهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ فِي النَّوَاقِضِ، لِعَدَمِ فَائِدَتِهَا لِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهِ إِذَا عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوُضُوءُ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَرَدَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَظْهَرُ إِذَا عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنَّا نُوجِبُهُمَا عَلَيْهِ، فَإِنْ نَوَاهُمَا بِغُسْلِهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَوْ لَمْ يُنْقَضْ لَمْ يَجِبْ إِلَّا الْغُسْلُ فَقَطْ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْقَاضِي مَا أَوْجَبَ غُسْلًا أَوْجَبَ وُضُوءًا فَهُوَ مُلَازِمٌ لَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِغَيْرِهَا مِنْ غِيبَةٍ، وَنَمِيمَةٍ، وَقَهْقَهَةٍ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. نَعَمْ، يُسْتَحَبُّ مِنَ الْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ، وَفِي اسْتِحْبَابِهِ مِنَ الْقَهْقَهَةِ وَجْهَانِ. 1 - (وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ) الْيَقِينُ: مَا أَذْعَنَتِ النَّفْسُ لِلتَّصْدِيقِ بِهِ، وَقَطَعَتْ بِهِ، وَقَطَعَتْ بِأَنَّ قَطْعَهَا صَحِيحٌ (وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ) الشَّكُّ خِلَافُ الْيَقِينِ (أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: «شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فِي حَالِهِ قَبْلَهُمَا، فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا، فَهُوَ مُحْدِثٌ، إِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ، وَمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا شَكَّ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ، فَيَجِبُ سُقُوطُهُمَا، كَالْبَيِّنَتَيْنِ إِذَا تَعَارَضَتَا، وَيَرْجِعُ إِلَى الْيَقِينِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا تَسَاوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَحَدُهُمَا، لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ضَابِطٌ فِي الشَّرْعِ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهَا، كَظَنِّ صِدْقِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ، هَذَا اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ إِنْ تَسَاوَى الِاحْتِمَالَانِ فَهُوَ شَكٌّ، وَالرَّاجِحُ ظَنٌّ، وَالْمَرْجُوحُ وَهْمٌ (فَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا) أَيْ: تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَالْحَدَثَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مَثَلًا (وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا) أَيْ: لَمْ يَعْلَمِ الْآخَرَ مِنْهُمَا (نَظَرَ فِي حَالِهِ قَبْلَهُمَا) أَيْ: قَبْلَ الطَّهَارَةِ وَالْحَدَثِ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ (فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ) الْآنَ (مُحْدِثٌ) لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ زَوَالَ ذَلِكَ الْحَدَثِ بِطَهَارَةٍ، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ زَوَالَ تِلْكَ الطَّهَارَةِ بِحَدَثٍ آخَرَ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ الَّذِي تَيَقَّنَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ هُوَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، فَلَمْ يَزُلْ يَقِينُ الطَّهَارَةِ بِالشَّكِّ (وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ) لِمَا ذَكَرْنَا. هَذَا فِي تَيَقُّنِ الْحَالَيْنِ، وَأَمَّا تَيَقُّنُ الْفِعْلَيْنِ، فَإِذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مَثَلًا تَطَهَّرَ عَنْ حَدَثٍ، وَأَحْدَثَ عَنْ طُهْرٍ، وَلَا يَعْلَمُ أَسْبَقَهُمَا فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَهُمَا جَزْمًا، فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الَّتِي قَبْلَ الزَّوَالِ قَدْ تَيَقَّنَ زَوَالَهَا بِالْحَدَثِ، وَتَيَقَّنَ زَوَالَ الْحَدَثِ بِالطَّهَارَةِ الَّتِي فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ، وَكَذَا لَوْ عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا، فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمَا، وَأَسْبَقَهُمَا، أَوْ تَيَقَّنَ حَدَثًا، وَفَعَلَ طَهَارَةً فَقَطْ، فَبِضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ، وَلَا يَدْرِي الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ، فَمُتَطَهِّرٌ مُطْلَقًا، وَعَكْسُ هَذِهِ بِعَكْسِهَا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا سَمِعَا صَوْتًا أَوْ شَمَّا رِيحًا مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ، وَلَا يُصَافِفْهُ فِي الصَّلَاةِ إِنْ كَانَا وَحْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا إِمَامًا أَعَادَا صَلَاتَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ عَنْهُ: يَنْوِي كُلٌّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادَ، وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ وَحْدَهُ. 1 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 أَحْدَثَ حُرِّمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَالطَّوَافُ، وَمَسُّ الْمُصْحَفِ..   [المبدع في شرح المقنع] (وَمَنْ أَحْدَثَ حُرِّمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ، وَالسُّجُودَ الْمُجَرَّدَ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَالْقِيَامَ الْمُجَرَّدَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا، فَلَوْ صَلَّى مَعَ الْحَدَثِ لَمْ يُكَفِّرْ، وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ، وَالنَّوَوِيُّ، عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ جَوَازَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ (وَالطَّوَافُ) لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمْ إِلَّا بِخَيْرٍ» إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ إِلَى عَطَاءٍ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَاخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: عَطَاءٌ رَجُلٌ صَالِحٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ. (وَمَسُّ الْمُصْحَفِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] أَيْ: لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ، وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَحُرِّكَ بِالضَّمِّ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَالْمُطَهَّرُونَ الْمَلَائِكَةُ، لِأَنَّ الْمُطَهَّرَ مَنْ طَهَّرَهُ غَيْرُهُ، وَلَوْ أُرِيدَ بَنُو آدَمَ لَقِيلَ: الْمُتَطَهِّرُونَ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُمْ وَبَنُو آدَمَ قِيَاسًا عَلَيْهِمْ، بِدَلِيلِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا، وَكَانَ فِيهِ: لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مُتَّصِلًا، قَالَ الْأَثْرَمُ: وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ مَسُّهُ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ، وَلَوْ بِتَيَمُّمٍ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: إِنِ احْتَاجَهُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا يُسَمَّى مُصْحَفًا مِنَ الْكِتَابَةِ، وَالْجِلْدِ، وَالْحَوَاشِي، وَالْوَرَقِ الْأَبْيَضِ الْمُتَّصِلِ بِهِ، بِدَلِيلِ الْبَيْعِ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْمَذْهَبِ، وَلَهُ حَمْلُهُ بِعَلَاقَتِهِ، أَوْ بِحَائِلٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، لَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ كَغِلَافِهِ، أَوْ بِحَائِلٍ تَابِعٍ لِلْحَامِلِ، كَحَمْلِهِ فِي كُمِّهِ، أَوْ ثَوْبِهِ، أَوْ تَصَفُّحِهِ بِعُودٍ، وَنَحْوِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ وَالْقَاضِي، وَالْمُؤَلِّفُ، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ مِنْ حَمْلِهِ بِعَلَاقَتِهِ، وَتَصَفُّحِهِ بِكُمِّهِ، وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي مِنْهُ إِلَى بَقِيَّةِ الْحَوَائِلِ، وَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَيْهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَلَهُ الْكِتَابَةُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ، جَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: هُوَ كَالتَّقْلِيبِ بِالْعُودِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ دُونَ الْجُنُبِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى مُقْتَضَى مَا هُوَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ. وَلَهُ مَسُّ تَفْسِيرٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمَنْسُوخِ تِلَاوَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْأَحَادِيثِ الْمَأْثُورَةِ، وَالتَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ، وَحُكْمُ الْبَعْضِ كَالْكُلِّ، فَلَوْ كَتَبَ بَعْضَهُ مُنْفَرِدًا لَمْ يَجُزْ مَسُّهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ مُصْحَفًا، نَعَمْ، فِي مَسِّ الصِّبْيَانِ أَلْوَاحَهُمْ، وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَمَسِّ الدَّرَاهِمِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ، وَثَوْبٍ طُرِّزَ بِهِ، رِوَايَتَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الْجَوَازُ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ طَهَارَةَ الْخُبْثِ لَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاؤُهَا، نَعَمْ، يُمْنَعُ مِنْ مَسِّهِ بِعُضْوٍ نَجِسٍ لَا بِغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالَّذِي لَا يَمَسُّهُ، لَكِنْ لَهُ نَسْخُهُ دُونَ حَمْلٍ وَمَسٍّ، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى حَمْلِهِ حَالَ كِتَابَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ مَسُّهُ بِعُضْوٍ طَهَّرَهُ حَتَّى يُكْمِلَهَا. مَسَائِلُ: الْأُولَى: لَا يُكْرَهُ تَحْلِيَتُهُ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ لِتَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ، وَعَنْهُ: لَا كَالضَّبَّةِ، وَكَتَطْيِيبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَيَّسَهُ الْحَرِيرَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْرٌ يَسِيرٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 .. .... .... .... ..   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِلرِّجَالِ لَا لِلنِّسَاءِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، كَكُتُبِ الْعِلْمِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: كَتْبُهُ بِذَهَبٍ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ زَخْرَفَةٌ، وَيُؤْمَرُ بِحَكِّهِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ مِنْهُ مَا يُتَمَوَّلُ زَكَّاهُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِذَا بَلَغَ نِصَابًا. وَكَرِهَ أَحْمَدُ تَوَسُّدَهُ، وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ، وَكَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ الَّتِي فِيهَا قُرْآنٌ، وَفِي مَعْنَاهُ التَّخَطِّي، وَرَمْيُهُ بِالْأَرْضِ، بِلَا وَضْعٍ، وَلَا حَاجَةٍ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ كَتْبُهُ بِحَيْثُ يُهَانُ، كَبَوْلِ حَيَوَانٍ، وَنَحْوِهِ، وَتَجِبُ إِزَالَتُهُ، وَيَحْرُمُ دَوْسُهُ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ حَائِطِ الْمَسْجِدِ، قَالَ فِي " الْفُصُولِ "، وَغَيْرِهِ: يُكْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى حِيطَانِ الْمَسْجِدِ ذِكْرًا، وَغَيْرَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُ الْمُصَلِّي، وَيُلْهِيهِ، وَيُدْفَنُ إِذَا بَلِيَ لِتَعْظِيمِهِ وَصِيَانَتِهِ، وَلَهُ نَقْطُهُ، وَشَكْلُهُ، وَكِتَابَةُ الْأَعْشَارِ، وَالسُّوَرِ، وَعَدَدِ الْآيَاتِ فِي رِوَايَةٍ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ نَقْطُهُ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ النَّاسِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ تَقْبِيلُهُ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْوَقْفَ، وَلَا يَجْعَلُهُ عَلَى عَيْنَيْهِ لِعَدَمِ النَّقْلِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقَامُ لَهُ، لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِ أَحْمَدَ الْجَوَازُ. الثَّالِثَةُ: لَهُ أَخْذُ الْفَأْلِ فِيهِ، فَعَلَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَلَمْ يَرَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ، حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ عَنِ الطَّرْطُوشِيِّ الْمَالِكِيِّ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الْكَرَاهَةُ. الرَّابِعَةُ: يَحْرُمُ السَّفَرُ بِهِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَقِيلَ: إِلَّا مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يُكْرَهُ بِدُونِ غَلَبَتِهَا. الْخَامِسَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَلِّكَهُ لِكَافِرٍ، فَلَوْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أُلْزِمَ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ يَتَدَيَّنُ بِانْتِهَاكِهِ، وَإِزَالَةِ حُرْمَتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 بَابُ الْغُسْلِ وَمُوجِبَاتُهُ سَبْعَةٌ: خُرُوجُ الْمَنِيِّ الدَّافِقِ بِلَذَّةٍ، فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُوجِبْ   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ الْغُسْلِ] [مُوجِبَاتُ الغسل] [خُرُوجُ الْمَنِيِّ] ِ هُوَ مَصْدَرٌ، مِنْ غَسَلَ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ، يَغْسِلُهُ غَسْلًا، قَالَ عِيَاضٌ: بِالْفَتْحِ الْمَاءُ، وَبِالضَّمِّ: الْفِعْلُ، وَذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَنَّ غَسْلَ الْجَنَابَةِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: بِالضَّمِّ: الِاغْتِسَالُ وَالْمَاءُ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: غَسَلْتُ الشَّيْءَ غَسْلًا بِالْفَتْحِ، وَالِاسْمُ: الْغُسْلُ بِالضَّمِّ، وَبِالْكَسْرِ: مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] يُقَالُ: رَجُلٌ جُنُبٌ، وَكَذَا الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ جُنُبَانِ وَجُنُبُونَ، وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " " وَنَحْنُ جُنُبَانِ " سُمِّيَ بِهِ، لِأَنَّهُ نُهِيَ أَنْ يَقْرَبَ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لِمُجَانَبَتِهِ النَّاسَ حَتَّى يَتَطَهَّرَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَاءَ جَانَبَ مَحِلَّهُ، وَالْأَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ بِذَلِكَ. (وَمُوجِبَاتُهُ سَبْعَةٌ) وَفِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " سِتَّةٌ. (خُرُوجُ الْمَنِيِّ) مِنْ مَخْرَجِهِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا لَوِ انْكَسَرَ صُلْبُهُ فَخَرَجَ مِنْهُ، لَمْ يَجِبْ، وَحُكْمُهُ كَالنَّجَاسَةِ الْمُعْتَادَةِ (الدَّافِقِ بِلَذَّةٍ) وَلَوْ دَمًا (فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ كَسْرِ ظَهْرٍ (لَمْ يُوجِبْ) فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَاضِخًا فَلَا تَغْتَسِلْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْفَضْخُ: هُوَ خُرُوجُهُ بِالْغَلَبَةِ، قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ النَّائِمُ، فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَكُونُ نَجِسًا، وَلَيْسَ مَذْيًا، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ". وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ، ذَكَرَهَا ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَالْقَاضِي، وَأَخَذَهَا مِنْ نَصِّهِ فِيمَنْ جَامَعَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 فَإِنْ أَحَسَّ بِانْتِقَالِهِ، فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْغُسْلِ،   [المبدع في شرح المقنع] ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَنْزَلَ، فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ أَنَّهُ يَخْرُجُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مَنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «وَفِي الْمَنِيِّ الْغُسْلُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهَذَا مَا لَمْ يَصِرْ سَلَسًا، قَالَهُ الْقَاضِي، وَجَمْعٌ، فَيَجِبُ الْوُضُوءُ فَقَطْ، لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": يُمْكِنُ مَنْعُ كَوْنِ هَذَا مَنِيًّا، لِأَنَّ الشَّارِعَ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْخُرُوجِ، وَيَتَوَجَّهُ بِإِرَادَةِ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ. فَائِدَةٌ: الْمَنِيُّ يُخْلَقُ مِنْهُ الْحَيَوَانُ، لِخُرُوجِهِ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَيَنْقُصُ بِهِ جُزْءٌ مِنْهُ، وَلِهَذَا يَضْعُفُ بِكَثْرَتِهِ فَيُجْبَرُ بِالْغُسْلِ. (فَإِنْ أَحَسَّ بِانْتِقَالِهِ) مِنْ ظَهْرِهِ (فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ، اخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَخْبَارِ، إِذِ الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ مُرَتَّبٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ، لِأَنَّ الشَّهْوَةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا تُوجِبُ غُسْلًا، لِأَنَّهَا أَحَدُ وَصْفَيِ الْعِلَّةِ، وَيُسَمَّى جُنُبًا، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِخُرُوجِهِ. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، وَهِيَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ، وَجَزَمَ بِهَا الْأَكْثَرُ، لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَصْلُهَا الْبُعْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] أَيِ: الْبَعِيدِ، وَمَعَ الِانْتِقَالِ قَدْ بَاعَدَ الْمَاءُ مَحِلَّهُ، فَصَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْجُنُبِ، وَإِنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِالشَّهْوَةِ، وَتَعْلِيقًا لَهُ عَلَى الْمَظِنَّةِ، إِذْ بَعْدَ انْتِقَالِهِ يَبْعُدُ عَدَمُ خُرُوجِهِ قِيلَ: وَمَحَلُّهُمَا فِيمَا إِذَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَى قُلْفَةِ الْأَقْلَفِ، وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ، أَمَّا إِذَا خَرَجَ إِلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 أَوْ خَرَجَتْ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ، لَمْ يَجِبِ الْغُسْلُ وَعَنْهُ يَجِبُ، وَعَنْهُ: يَجِبُ إِذَا خَرَجَ قَبْلَ الْبَوْلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ. الثَّانِي: الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ، وَهُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ قُبُلًا كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] فَعَلَى الْأُولَى يَجِبُ الْغُسْلُ إِذَا خَرَجَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ، وَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، لِأَنَّ انْتِقَالَهُ كَانَ لِشَهْوَةٍ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَأَعَادَ مَا صَلَّى. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَحْصُلُ بِهِ الْبُلُوغُ، وَالْفِطْرُ، وَفَسَادُ النُّسُكِ، وَوُجُوبُ بَدَنَةٍ فِي الْحَجِّ، حَيْثُ وَجَبَتْ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " إِلْزَامًا، وَجَعَلَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَجْهًا وَبَعَّدَهُ، وَأَطْلَقَ فِي " الْفُرُوعِ " الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَا انْتِقَالُ حَيْضٍ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَإِنْ) قُلْنَا: يَجِبُ بِالِانْتِقَالِ فَاغْتَسَلْ لَهُ، ثُمَّ (خَرَجَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَوِ) اغْتَسَلَ لِمَنِيٍّ خَرَجَ بَعْضُهُ، ثُمَّ (خَرَجَتْ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ، لَمْ يَجِبِ الْغُسْلُ) ذَكَرَ الْخَلَّالُ: أَنَّهُ الَّذِي تَوَاتَرَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجُنُبِ، يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ بَعْدَ الْغُسْل؟ قَالَ: يَتَوَضَّأُ. وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّهُ مِنِيٌّ وَاحِدٌ، فَأَوْجَبَ غُسْلًا وَاحِدًا كَمَا لَوْ خَرَجَ دُفْعَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ خَارِجٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، أَشْبَهَ خُرُوجَهُ فِي الْبَرْدِ، وَبِهِ عَلَّلَ أَحْمَدُ قَالَ: لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مَاضِيَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدَثٌ، أَرْجُو أَنَّهُ يُجْزِئُهُ الْوُضُوءُ. (وَعَنْهُ: يَجِبُ) قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَصَحَّحَهَا الْمُؤَلِّفُ، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِخُرُوجِهِ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ، فَيُنَاطُ الْحُكْمُ بِهِ. (وَعَنْهُ: يَجِبُ إِذَا خَرَجَ قَبْلَ الْبَوْلِ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ مَنِيٍّ دَافِقٍ بِلَذَّةٍ (دُونَ مَا بَعْدَهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ شَرْطُهُ، وَهُوَ الدَّفْقُ وَاللَّذَّةُ، وَرُوِيَ نَحْوُهَا عَنْ عَلِيٍّ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَعَنْهُ: يَجِبُ إِذَا خَرَجَ بَعْدَ الْبَوْلِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ مَنِيٌّ جَدِيدٌ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِ لَمَا تَخَلَّفَ، وَكَذَا لَوْ جَامَعَ فَلَمْ يُنْزِلْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: يَغْتَسِلُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِلَامِ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالٍ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَعَنْهُ: إِنْ وَجَدَ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ خَرَجَ لِشَهْوَةٍ اغْتَسَلَ فِي الْحَالِ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَا الِانْتِقَالِ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَجِبُ لِئَلَّا يَلْزَمَ انْتِقَالُ مَنِيٍّ، وَخُرُوجُهُ مِنْ غَيْرِ اغْتِسَالٍ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إِذَا وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ، فَدَبَّ مَنِيُّهُ، فَدَخَلَ فَرْجَ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ خَرَجَ أَوْ وَطِئَ فِي الْفَرْجِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا، أَوْ خَرَجَ مَا اسْتَدْخَلَتْهُ بِقُطْنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَمْ يَنْزِلْ مَنِيُّهَا، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: أَوْ خَرَجَ مَا دَخَلَهُ مِنْ مَنِيِّ امْرَأَةٍ بِسِحَاقٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَفِي الْكُلِّ وَجْهٌ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا انْتَبَهَ بَالِغٌ، أَوْ مَنْ يُحْتَمَلُ بُلُوغُهُ، فَوَجَدَ بَلَلًا جَهِلَ أَنَّهُ مِنِيٌّ، وَجَبَ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ حُلْمًا، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَغَسَلَ بَدَنَهُ، وَثَوْبَهُ احْتِيَاطًا، وَلَا يَجِبُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ، ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا، وَهُوَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ وَجَدَهُ يَقَظَةً، وَشَكَّ فِيهِ تَوَضَّأَ، وَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ حُكْمُ غَيْرِ الْمَنِيِّ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ حُكْمِهِمَا، وَإِنْ سَبَقَ نَوْمَهُ نَظَرٌ أَوْ بَرْدٌ أَوْ مُلَاعَبَةٌ لَمْ يَجِبْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَعَنْهُ: إِنْ ذَكَرَ مَعَهُ حُلْمًا، وَإِنْ تَيَقَّنَهُ مَذْيًا، فَلَا، وَإِنْ رَأَى مَنِيًّا بِثَوْبٍ يَنَامُ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَالْأَزَجِّيُّ: لَا بِظَاهِرِهِ لِجَوَازِهِ مِنْ غَيْرِهِ، اغْتَسَلَ، وَيَعْمَلُ فِي الْإِعَادَةِ بِالْيَقِينِ، وَإِنْ كَانَ يَنَامُ فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ، فَلَا، عَلَى الْأَصَحِّ. [الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ] (الثَّانِي: الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَزَادَ هُوَ، وَأَحْمَدُ «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَّا بِالْإِنْزَالِ، لِقَوْلِهِ: «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» . فَمَنْسُوخٌ بِمَا رَوَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ «قَالَ: إِنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ: الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ، رُخْصَةٌ رَخَّصَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. ثُمَّ الْمُرَادُ مِنَ الْتِقَائِهِمَا: تَقَابُلُهُمَا وَتَحَاذِيهِمَا فَقَالَ: (وَهُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ) الْأَصْلِيَّةِ أَوْ قَدْرِهَا إِنْ فُقِدَتْ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ (فِي الْفَرْجِ) الْأَصْلِيِّ بِلَا حَائِلٍ، وَقِيلَ: وَمَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَرَارَةً لِيَحْتَرِزَ بِهِ مِنَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ إِذَا أَوْلَجَ حَشَفَتَهُ، وَلَمْ يُنْزِلْ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، أَوْ أَوْلَجَ غَيْرُ الْخُنْثَى ذَكَرَهُ مِنْ قُبُلِ الْخُنْثَى، فَلَا غُسْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِاحْتِمَالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ. الثَّالِثُ: إِسْلَامُ الْكَافِرِ أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ مُرْتَدًّا   [المبدع في شرح المقنع] كَوْنِ الْحَشَفَةِ أَوِ الْقُبُلِ خِلْقَةً زَائِدَةً، وَمَنْ أَنْزَلَ مِنْهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَإِنْ تَوَاطَأَ خُنْثَيَانِ فِي قُبُلَيْهِمَا أَوْ دُبُرَيْهِمَا فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: الزَّائِدُ كَأَصْلِيٍّ وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ تَوَاطَأَ رَجُلٌ وَخُنْثَى فِي دُبُرَيْهِمَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ بِيَقِينٍ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ عَلَى الْخُنْثَى احْتِيَاطًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ مِنْ غَيْرِ إِيلَاجٍ فَلَا غُسْلَ، كَمَنْ أَوْلَجَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ، فَلَوْ مَكَثَ زَمَانًا لَمْ يُصَلِّ احْتَاطَ فِي الصَّلَاةِ، وَيُعِيدُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مِمَّا اشْتُهِرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ فَلَمْ يُعْذَرْ بِالْجَهْلِ، وَالطَّائِعِ وَالْمُكْرَهِ، لِأَنَّ مُوجِبَ الطَّهَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ، كَسَبْقِ الْحَدَثِ، وَالنَّائِمُ كَالْيَقْظَانِ (قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا) فِي الْمَنْصُوصِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَقِيلَ: عَلَى الْوَاطِئِ (مِنْ آدَمِيٍّ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلْبَالِغِ وَغَيْرِهِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ إِذَا وَطِئَ، وَالصَّغِيرَةِ إِذَا وُطِئَتْ، مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَالْأَصَحُّ: يَلْزَمُهُ إِنْ أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغُسْلِ أَوِ الْوُضُوءِ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ شَهِيدًا، لَكِنَّ الْقَاضِيَ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، مُسْتَدِلًّا بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ كَالْحَائِضِ، وَحَمَلَ كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَرَدَّهُ فِي " الْمُغْنِي " لِكَوْنِهِ صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، إِذْ مُرَادُهُ بِالْوُجُوبِ اشْتِرَاطُهُ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، لَا التَّأْثِيمُ بِتَأْخِيرِهِ، وَمُرَادُ الْقَاضِي بِالِاسْتِحْبَابِ انْتِفَاءُ إِلْزَامِهِ بِذَلِكَ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ لِوُجُوبِهِ مُجَامَعَةَ مِثْلِهِ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ لِلذَّكَرِ ابْنَ عَشْرٍ، وَلِلْأُنْثَى بِنْتَ تِسْعٍ، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْأَكْثَرِ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ (أَوْ بَهِيمَةٍ) حَتَّى سَمَكَةٍ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي "تَعْلِيقِهِ" وَتَبِعَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُ إِيلَاجٌ فِي فَرْجٍ أَشْبَهَ الْآدَمِيَّةَ، وَلَوْ غَيَّبَتِ امْرَأَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] حَشَفَةَ بَهِيمَةٍ اغْتَسَلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً فَلَا (حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ) لِمَا ذَكَرْنَا، فَيُعَادُ غُسْلُ الْمَيِّتِ، وَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِوَطْئِهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْعَجُوزِ وَالشَّوْهَاءِ، وَالْمَذْهَبُ: يَجِبُ عَلَى النَّائِمِ، وَالْمَجْنُونِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَتِ امْرَأَةٌ: لِي جِنِّيٌّ يُجَامِعُنِي كَالرَّجُلِ، فَلَا غُسْلَ، لِعَدَمِ الْإِيلَاجِ وَالِاحْتِلَامِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَفِيهِ نَظَرٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن: 74] فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنِّيَّ يَغْشَى الْمَرْأَةَ كَالْإِنْسِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْغَشَيَانِ الْإِيلَاجُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غِشْيَانُهُ عَنْ مُلَابَسَةٍ بِبَدَنِهِ خَاصَّةً. [إِسْلَامُ الْكَافِرِ] (الثَّالِثُ: إِسْلَامُ الْكَافِرِ أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ مُرْتَدًّا) عَلَى الْأَصَحِّ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ أَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَمُرُوهُ أَنْ يَغْتَسِلَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْعَمْرِيِّ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا، وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: «أَنَّهُ أَسْلَمَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ جَنَابَةٍ، فَأُقِيمَتِ الْمَظِنَّةُ مُقَامَ الْحَقِيقَةِ كَالنَّوْمِ، وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُسَاوٍ لِلْأَصْلِيِّ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَوَجَبَ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، وَبَيْنَ مَنْ أَجْنَبَ أَوْ لَا، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحَالُ لَوَجَبَ الِاسْتِفْصَالُ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ بِالْبَالِغِ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الْغُسْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ. الرَّابِعُ: الْمَوْتُ الْخَامِس ُ: الْحَيْضُ السَّادِسُ: النِّفَاسُ   [المبدع في شرح المقنع] شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ وَطْءِ الصَّبِيِّ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ) وَحَكَى فِي " الْكَافِي " رِوَايَةً. فَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ وُجِدَ مِنْهُ سَبَبُهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ كَجَنَابَةٍ، فَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ، وَسَوَاءٌ اغْتَسَلَ فِي كُفْرِهِ أَوْ لَا، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَ بِهِ كَغَيْرِهِ، إِذْ هُوَ أَوَّلُ وَاجِبَاتِ بَعْدِ الْإِسْلَامِ، وَيَقَعُ كَثِيرًا، وَتَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، لِحَدِيثِ قَيْسٍ بِقَرِينَةِ السِّدْرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ إِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ أُصُولَ الْإِسْلَامِ لَا شَرَائِطَهَا، فَعَلَى هَذَا، الْأَشْهَرُ: لَوْ أَجْنَبَ فِي كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ تَدَاخَلَا، وَعَلَى الثَّانِي: يَجِبُ لِلْجَنَابَةِ، فَلَوِ اغْتَسَلَ فِي كُفْرِهِ أَعَادَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِيَّتِهِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا، إِنِ اعْتَقَدَ وَجُوبَهَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى طَاعَةٍ فِي الْكُفْرِ إِذَا أَسْلَمَ، وَقِيلَ: لَا غُسْلَ عَلَى كَافِرٍ مُطْلَقًا. فَرْعٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَ الْمَاءِ بِالسِّدْرِ، - كَإِلْقَاءِ شَعْرِهِ - لِلْخَبَرِ قَالَ أَحْمَدُ: وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهَا وَجَبَ، وَإِلَّا اسْتُحِبَّ. فَرْعٌ: يَحْرُمُ تَأْخِيرُ الْإِسْلَامِ لِغُسْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوِ اسْتَشَارَ مُسْلِمًا فَأَشَارَ بِعَدَمِ الْإِسْلَامِ، أَوْ أَخَّرَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ، وَذَكَرَ صَاحِبُ " التَّتِمَّةِ " مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُرْتَدًّا، وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ. [الْمَوْتُ] (الرَّابِعُ: الْمَوْتُ) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَمَا أَمَرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: اغْسِلْنَهَا. . . إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَهُوَ تَعَبُّدٌ لَا عَنْ حَدَثٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَنْهُ، لَمْ يَرْتَفِعْ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِهِ، كَالْحَائِضِ لَا تَغْتَسِلُ مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ، وَلَا عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وَفِي الْوِلَادَةِ الْعَرِيَّةِ عَنِ الدَّمِ وَجْهَانِ وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ آيَةٍ فَصَاعِدًا،   [المبدع في شرح المقنع] نَجِسٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَنْهُ لَمْ يَطْهُرْ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ التَّنْجِيسِ، وَهُوَ الْمَوْتُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ، وَالْمَقْتُولُ ظُلْمًا، وَسَيَأْتِي. [الْحَيْضُ] (الْخَامِسُ: الْحَيْضُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: «وَإِذَا ذَهَبَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَرَ بِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَسَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ، وَحَمْنَةَ، وَغَيْرَهُنَّ، يُؤَكِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] أَيْ: إِذَا اغْتَسَلْنَ، فَمُنِعَ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا قَبْلَ غُسْلِهَا، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا. [النِّفَاسُ] (السَّادِسُ: النِّفَاسُ) كَالْحَيْضِ، يَجْتَمِعُ ثُمَّ يَخْرُجُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِهِمَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْخُرُوجِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ إِنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِسَبَبِهِ، لَكِنَّ الِانْقِطَاعَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ اتِّفَاقًا، وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِالِانْقِطَاعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا أَنَّ الْحَائِضَ إِذَا اسْتُشْهِدَتْ، فَعَلَى الثَّانِي: لَا تَغْسِلُ، إِذْ الِانْقِطَاعُ الشَّرْعِيُّ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ لَمْ يُوجَدْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: تَغْسِلُ لِلْوُجُوبِ بِالْخُرُوجِ، وَقَدْ حَصَلَ الِانْقِطَاعُ حِسًّا أَشْبَهَ مَا لَوْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ الطُّهْرَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ، أَوْ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا مَنْ عَلَّقَ عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا عَلَى مَا يُوجِبُ غُسْلًا، وَقَعَ بِالْخُرُوجِ، وَعَلَى الثَّانِي: بِالِانْقِطَاعِ. (وَفِي الْوِلَادَةِ الْعَرِيَّةِ عَنْ دَمٍ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " (وَجْهَانِ) - وَفِي " الْكَافِي " رِوَايَتَانِ - أَحَدُهُمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخَيْنِ، وَظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ "، و" الْوَجِيزِ ": أَنَّهُ لَا يَجِبُ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَالثَّانِي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بَلَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الْبَنَّا، لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ النِّفَاسِ الْمُوجِبِ، فَأُقِيمَ مُقَامَهُ، كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، أَوْ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ، وَرُدَّ بِخُرُوجِ الْعَلَقَةِ، فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ غُسْلًا بِلَا نِزَاعٍ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ ": بِلَا دَمٍ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا الْفِطْرُ، وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ، وَالْوَلَدُ طَاهِرٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي غُسْلِهِ مَعَ دَمٍ وَجْهَانِ. مَسْأَلَةٌ: لَا غُسْلَ عَلَى حَائِضٍ لِجَنَابَةٍ حَتَّى يَنْقَطِعَ حَيْضُهَا فِي الْمَنْصُوصِ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوِ اغْتَسَلَتْ صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مَنَعَ الْإِعْطَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، لِأَنَّ بَقَاءَ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ لَا يَمْنَعُ ارْتِفَاعَ الْآخَرِ، كَمَا لَوِ اغْتَسَلَ الْمُحْدِثُ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ، وَهِيَ أَظْهَرُ، لِأَنَّهَا لَمْ تَسْتَفِدْ بِهِ شَيْئًا، وَفِي وُجُوبِ غُسْلِ ذِمِّيَّةٍ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضٍ لِوَطْءِ زَوْجٍ مُسْلِمٍ أَوْ سَيِّدٍ رِوَايَتَانِ. [مَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ] (وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ حَرُمَ عَلَيْهِ) مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ، وَحَرُمَ عَلَيْهِ (قِرَاءَةُ آيَةٍ فَصَاعِدًا) عَلَى الْأَصَحِّ، رُوِيَتْ كَرَاهَةُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَرَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ - بِكَسْرِ اللَّامِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْجُبُهُ، وَرُبَّمَا قَالَ: لَا يَحْجِزُهُ، مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ» وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَاهُ، قَالَ شُعْبَةُ: لَسْتُ أَرْوِي حَدِيثًا أَجْوَدَ مِنْ هَذَا. فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يَغْتَسِلْ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، وَضَعَفَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: لَا وَجْهَ لَهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ: جَوَازُ قِرَاءَتِهَا، نَقَلَهَا الْخَطَّابِيُّ، وَأَشَارَ إِلَيْهَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وَفِي بَعْضِ آيَةٍ رِوَايَتَانِ. وَيَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ.   [المبدع في شرح المقنع] " التَّلْخِيصِ " فَقَالَ: وَقِيلَ: يَتَخَرَّجُ مِنْ تَصْحِيحِ خُطْبَةِ الْجُنُبِ قِرَاءَةُ آيَةٍ لِاشْتِرَاطِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِرَاءَةُ آيَاتٍ لِلتَّعَوُّذِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " أَنَّهُ يَجُوزُ آيَةٌ وَآيَتَانِ، لِأَنَّهُ لَا إِعْجَازَ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا طَالَ، وَقِيلَ: يُبَاحُ لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: يُبَاحُ لِنُفَسَاءَ فَقَطْ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَقِيلَ: يُبَاحُ لِحَائِضٍ أَنْ تَقْرَأَ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ بَعِيدٌ. لَكِنِ اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا أَنْ تَقْرَأَهُ إِذَا خَافَتْ نِسْيَانَهُ بَلْ يَجِبُ، لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ وَاجِبٌ. (وَفِي بَعْضِ آيَةٍ رِوَايَتَانِ) أَظْهَرُهُمَا: لَا يَجُوزُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَقْرَأِ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ. أَشْبَهَ الْكَثِيرَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلُ: بِاسْمِ اللَّهِ تَبَرُّكًا عَلَى الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ، بِشَرْطِ عَدَمِ قَصْدِ الْقِرَاءَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَالثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ، وَهِيَ الْأَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الرِّعَايَةِ " كَالذِّكْرِ، وَلَوْ كَرَّرَهَا مَا لَمْ يَتَحَيَّلْ عَلَى قِرَاءَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَافَقَ نَظْمَ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقْصِدْهُ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَهُ تَهَجِّيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ، وَتَحْرِيكُ شَفَتَيْهِ مَا لَمْ يُبَيِّنِ الْحُرُوفَ، وَقِرَاءَةُ أَبْعَاضِ آيَةٍ مُتَوَالِيَةٍ، أَوْ آيَاتٍ يَسْكُتُ بَيْنَهَا سُكُوتًا طَوِيلًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ فَمُهُ نَجِسٌ لَا يُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ أَوْلَى. فَرْعٌ: الْكَافِرُ كَالْجُنُبِ يُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَتِهِ، وَلَوْ رُجِيَ إِسْلَامُهُ، نَقَلَ مُهَنَّا: أَكْرَهُ أَنْ يَضَعَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. 1 - (وَيَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " و" الْفُرُوعِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] ، وَهُوَ الطَّرِيقُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ أَحَدُنَا فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا مُجْتَازًا، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، شَاهِدٌ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: لِحَاجَةٍ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " وَكَوْنُهُ طَرِيقًا قَصِيرًا حَاجَةٌ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ اتِّخَاذَهُ طَرِيقًا، وَقِيلَ: يَحْرُمُ عَلَى حَائِضٍ وَجُنُبٍ، كَمَا لَوْ حَصَلَ تَلْوِيثٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَهُمَا دُخُولُهُ لِلْأَخْذِ مِنْهُ دُونَ الْوُضُوءِ، وَيُمْنَعُ مِنْهُ سَكْرَانُ، وَفِي الْخِلَافِ: لَا، وَمَجْنُونٌ، وَقِيلَ: فِيهِ يُكْرَهُ، كَصَغِيرٍ، وَفِيهِ: فِي " النَّصِيحَةِ " يُمْنَعُ اللَّعِبُ، لَا صَلَاةٌ، وَقِرَاءَةٌ، وَنَقَلَ مُهَنَّا يَنْبَغِي أَنْ يُجَنَّبَ الصِّبْيَانُ الْمَسَاجِدَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، حَتَّى مُصَلَّى الْعِيدِ، لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً، لَا مُصَلَّى الْجَنَائِزِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَلَمْ يَمْنَعْ فِي " النَّصِيحَةِ " حَائِضًا مِنْ مُصَلَّى الْعِيدِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ، وَمَنَعَهَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ". (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ) وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمَا لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، وَحَنْبَلٌ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمْ مُجْنِبُونَ إِذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَهُمْ لِلصَّلَاةِ. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ يُخَفِّفُ حَدَثَهُ، فَيَزُولُ بَعْضُ مَا مَنَعَهُ، وَعَنْهُ: لَا، وِفَاقًا لِلْآيَةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أُحِلُّ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 فَصَلٌ وَالْأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ غُسْلًا: لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] عَنْهَا، وَالْأَكْثَرُ يُضَعِّفُهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " رِوَايَةٌ: يَجُوزُ لِجُنُبٍ مُطْلَقًا، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يَجُوزُ لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ، لِأَنَّ حَدَثَهُمَا بَاقٍ لَا أَثَرَ لِلْوُضُوءِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعِ الدَّمُ لَمْ يَجُزْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ، وَاحْتَاجَ فَبِدُونِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَمُسْتَحَاضَةٍ، وَنَحْوِهَا، وَعِنْدَ أَبِي الْمَعَالِي، وَالْمُؤَلِّفِ: أَنَّهُ يَجُوزُ بِتَيَمُّمٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ كَلُبْثِهِ لِغُسْلِهِ فِيهِ. فَرْعٌ: يُمْنَعُ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ تَتَعَدَّى، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي فِي اللُّبْثِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَيَمَّمُ لَهَا لِلْعُذْرِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ دُخُولُهُ بِلَا تَيَمُّمٍ، وَإِنْ أَرَادَ اللُّبْثَ فِيهِ لِلِاغْتِسَالِ تَيَمَّمَ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ بُعْدٌ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْعُكْبَرِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سَأَلَهَا أَبُو يُوسُفَ لِمَالِكٍ، فَجَوَّزَ الدُّخُولَ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ. [الْأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ] [الْغُسْلُ لِلْجُمُعَةِ] (وَالْأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ غُسْلًا) . وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " (لِلْجُمُعَةِ) لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ إِلَى الْحَسَنِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْهُ، وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَيَكُونُ فِي يَوْمِهَا لِحَاضِرِهَا إِنْ صَلَّى، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَرْأَةُ، وَقِيلَ: وَلَهَا، وَعَنْهُ: يَجِبُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وَالْكُسُوفِ وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَا مِنْ غَيْرِ   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، وَالْأَمْرُ بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، بِدَلِيلِ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَى الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ غُسْلٍ. وَقَوْلُهُ: وَاجِبٌ قِيلَ: كَانَ وَاجِبًا، ثُمَّ نُسِخَ، وَقِيلَ: يُطْلَقُ، وَيُرَادُ بِهِ مُتَأَكِّدُ الِاسْتِحْبَابِ، كَمَا تَقُولُ: حَقُّكَ وَاجِبٌ عَلَيَّ، وَبِدَلِيلِ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ آكَدُهَا عَلَى الْأَشْهَرِ. [الْغُسْلُ لِلْعِيدَيْنِ] (وَالْعِيدَيْنِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ لِذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَفِيهِمَا ضَعْفٌ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ تُشْتَرَطُ لَهَا الْجَمَاعَةُ، أَشْبَهَتِ الْجُمُعَةَ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا حَضَرَهَا، وَصَلَّى، وَلَوْ مُنْفَرِدًا، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " إِنْ حَضَرَ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ، وَمِثْلُهُ الزِّينَةُ وَالطِّيبُ، لِأَنَّهُ يَوْمُ الزِّينَةِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَوَقْتُهُ كَالْجُمُعَةِ، وَعَنْهُ: بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَتِهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فِي جَمِيعِهَا أَوْ بَعْدَ نِصْفِهَا كَالْأَذَانِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ، لِأَنَّ زَمَنَ الْعِيدِ أَضْيَقُ مِنَ الْجُمُعَةِ. [الْغُسْلُ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ] (وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالْكُسُوفِ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ كَالْجُمُعَةِ (وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ) عَلَى الْأَصَحِّ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ وَقْفَهُ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَسْمَاءَ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ، وَسَأَلَتْ هَلْ عَلَيَّ غُسْلٌ: قَالُوا: لَا، رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا، وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ: أَبُو إِسْحَاقَ الْجَوْزَجَانِيُّ، وَعَنْهُ: مِنْ كَافِرٍ، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يُوَارِيَ أَبَا طَالِبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: اغْتَسِلْ رَوَاهُ أَحْمَدُ» ، وَعَنْهُ: حَتَّى الْحَيِّ قَالَهُ الْقَاضِي، وَفِي " الْمُغْنِي ": لَا نَعْلَمُ لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 احْتِلَامٍ، وَغُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ   [المبدع في شرح المقنع] حُجَّةً تُوجِبُهُ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا، قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ. [الْغُسْلُ لِلْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ] (وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ مِنَ الْإِغْمَاءِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَالْجُنُونُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ فِي نَفْسِهِ لَا يُوجِبُهُ كَالنَّوْمِ، وَوُجُودُ الْإِنْزَالِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يُزَالُ عَنِ الْيَقِينِ، وَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ بِلَّةٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَذْهَبِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَوْ مَرَضٍ، فَإِنْ تَيَقَّنَ مَعَهُمَا الْإِنْزَالَ وَجَبَ، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُوجِبَاتِ كَالنَّائِمِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْوُجُوبُ، وَتَكَرَّرَ مَعَ مَشَقَّتِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْهُ. [غُسْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ] (وَغُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اسْتُحِيضَتْ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَفَهِمَتْ مِنَ الْأَمْرِ بِهِ الِاغْتِسَالَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ» أَبُو دَاوُدَ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ، وَعَنْهُ: بَلَى، لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَيْنَبَ وَأُخْتَهَا بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ أَشَدُّ مَا قِيلَ فِيهَا، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّ انْقِطَاعَ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ يُوجِبُ الْغُسْلَ. [الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ] (وَالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ) لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَالطَّوَافِ   [المبدع في شرح المقنع] وَاغْتَسَلَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ مَعَ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، «لِأَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ نُفِسَتْ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، وَتُهِلَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. لَا يُقَالُ: أَمَرَهَا بِهِ لِأَجْلِ النِّفَاسِ، فَلَا يَنْتَهِضُ دَلِيلًا، لِأَنَّ حَدَثَ النِّفَاسِ مُسْتَمِرٌّ، وَالْغُسْلَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا (وَلِدُخُولِ مَكَّةَ) أَيْ: حَرَمِهَا، لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَكَانَ يَفْعَلُهُ، وَلَوْ مَعَ حَيْضٍ قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا. [الْغُسْلُ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ] (وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا. [الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالطَّوَافِ] (وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَالطَّوَافِ) لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ، وَيَزْدَحِمُونَ فَيَعْرَقُونَ، فَيُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَاسْتُحِبَّ كَالْجُمُعَةِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ نَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِدُخُولِ الْحَرَمِ، وَفِي " مَنْسَكِ ابْنِ الرَّاغُونِيِّ ": وَلِسَعْيٍ، وَفِي " الْإِشَارَةِ "، و" الْمَذْهَبِ "، وَلَيَالِي مِنًى، وَعَنْهُ: وَلِحِجَامَةٍ، وَنَصَّ أَحْمَدُ، وَلِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِيلَ: وَلِكُلِّ اجْتِمَاعٍ مُسْتَحَبٌّ قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ " فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 فَصَلٌ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ وَهُوَ ضَرْبَانِ: كَامِلٌ يَأْتِي فِيهِ بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ: النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ، وَغَسْلُ يَدَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: يَتَيَمَّمُ لِلْكُلِّ فِي الْأَصَحِّ، لِحَاجَةٍ، نَقَلَهُ صَالِحٌ فِي الْإِحْرَامِ، وَلِمَا يُسَنُّ الْوُضُوءُ لَهُ لِعُذْرٍ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لَا لِغَيْرِ عُذْرٍ. [صِفَةُ الْغُسْلِ] فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ لَمَّا تَمَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ، شَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَتِهِ، وَالْعِلْمُ بِالْمَوْصُوفِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعِلْمِ بِالصِّفَةِ (وَهُوَ ضَرْبَانِ: كَامِلٌ) سُمِّيَ كَامِلًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ (يَأْتِي فِيهِ بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ) وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " وَجَعَلَهَا فِي " الْكَافِي " تِسْعَةً، وَفِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَمَيْمُونَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. (النِّيَّةُ) وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ، أَوِ اسْتِبَاحَةَ مَا لَا يُشْرَعُ إِلَّا بِهِ، كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَنَحْوِهَا (وَالتَّسْمِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ هُنَا كَالْوُضُوءِ قِيَاسًا لِإِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَفِي " الْمُغْنِي " أَنَّ حُكْمَهَا هُنَا أَخَفُّ، لِأَنَّ حَدِيثَ التَّسْمِيَةِ إِنَّمَا تَنَاوَلَ بِصَرِيحِهِ الْوُضُوءَ لَا غَيْرَ، انْتَهَى، وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ، لِأَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وُضُوءٌ وَزِيَادَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْخِرَقِيُّ هُنَا نَظَرًا لِلْحَدَثَيْنِ (وَغَسْلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا) كَمَا فِي الْوُضُوءِ، لَكِنْ هُنَا آكَدُ بِاعْتِبَارِ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُمَا بِذَلِكَ، وَلِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ: فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَيَكُونُ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ثَلَاثًا، وَغَسْلُ مَا بِهِ مِنْ أَذًى، وَالْوُضُوءُ، وَيَحْثِي بِالْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا يَرْوِي بِهَا أُصُولَ الشَّعْرِ، وَيُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا، وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيُدَلِّكُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَغَسْلُ مَا بِهِ مِنْ أَذًى) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى فَرْجِهِ، أَوْ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ، نَجَسًا كَانَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَوْ طَاهِرًا مُسْتَقْذَرًا كَالْمَنِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي " الْوَجِيزِ " و" الْفُرُوعِ " وَغَسْلُ مَا لَوَّثَهُ. (وَالْوُضُوءُ) الْكَامِلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» وَعَنْهُ: يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ: «ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ» وَعَنْهُ: هُمَا سَوَاءٌ لِمَجِيءِ السُّنَّةِ بِهِمَا، وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ غَالِبِ فِعْلِهِ، وَمَيْمُونَةُ أَخْبَرَتْ عَنْ غُسْلٍ وَاحِدٍ. (وَيَحْثِي) يُقَالُ: حَثَوْتُ، أَحْثُو حَثْوًا، كَغَزَوْتُ، وَحَثَيْتُ أَحْثِي حَثْيًا كَرَمَيْتُ (بِالْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا) يَعْنِي: بِالْمَاءِ لِقَوْلِ مَيْمُونَةَ: «ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ» (يَرْوِي بِهَا) فِي كُلِّ مَرَّةٍ (أُصُولَ الشَّعْرِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدِ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ» ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ، فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ، وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. (وَيُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «ثُمَّ أَفَاضَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 بَدَنَهُ بِيَدِهِ، وَيَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ وَمُجْزِئٌ. وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ مَا بِهِ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ» ، وَلِقَوْلِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّثْلِيثِ فِيهِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " وَقِيلَ: مَرَّةً، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي " الْفُرُوعِ " شَيْئًا (وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ فِي طَهُورِهِ (وَيُدَلِّكُ بَدَنَهُ بِيَدِهِ) لِأَنَّهُ أَنْقَى، وَبِهِ يَتَيَقَّنُ وُصُولَ الْمَاءِ إِلَى مَغَابِنِهِ وَجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَبِهِ يَخْرُجُ مِنَ الْخِلَافِ. (وَيَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِهِ) فَيُعِيدُ (غَسْلَ قَدَمَيْهِ) لِقَوْلِ مَيْمُونَةَ: «ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ» وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ غَسْلَهُمَا إِلَّا لِطِينٍ، وَنَحْوِهِ كَالْوُضُوءِ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ لِوُرُودِهِمَا، وَظَاهِرُ إِحْدَى رِوَايَاتِ حَدِيثِ عَائِشَةَ: أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. فَرْعٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلِّلَ أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ، وَلِحْيَتِهِ بِمَاءٍ قَبْلَ إِفَاضَتِهِ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ". وَيَكْفِي ظَنُّ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ أَوْ مَسْحُهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُحَرِّكُ خَاتَمَهُ لِيَتَيَقَّنَ وُصُولَ الْمَاءِ. 1 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 أَذًى، وَيَنْوِيَ، وَيَعُمَّ بَدَنَهُ بِالْغُسْلِ وَيَتَوَضَّأَ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلَ بِالصَّاعِ. فَإِنْ أَسْبَغَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَمُجْزِئٌ) أَيْ: كَافٍ (وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ مَا بِهِ مِنْ أَذًى) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ صِحَّةَ الْغُسْلِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْحُكْمِ بِزَوَالِ النَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى فَرْجِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَقَدْ تَبِعَا أَبَا الْخَطَّابِ، لَكِنَّ عِبَارَتَهُ أَبْيَنُ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَنْوِي، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ كَلَامَهُمَا عَلَى مَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِنْجَاءَ بِشَرْطِ تَقَدُّمِهِ عَلَى الْغُسْلِ، كَمَا هُوَ فِي الْوُضُوءِ، لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُشْكِلُ هَذَا عَلَى الْمُؤَلِّفِ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ، وَعَلَى الْخِرَقِيِّ: بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْمُجْزِئِ، فَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مَعَ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ إِلَّا مَعَ آخِرِ غَسْلَةٍ طَهَّرَتِ الْمَحَلَّ فَيُعَضِّدُ الْأَوَّلَ، ثُمَّ هَلْ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مَعَ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ أَوْ لَا يَرْتَفِعُ إِلَّا مَعَ الْحُكْمِ بِزَوَالِهَا؛ فِيهِ قَوْلَانِ. ثُمَّ مَحَلُّهُمَا مَا لَمْ تَكُنِ النَّجَاسَةُ كَثِيفَةً تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ، فَإِنْ مَنَعَتْهُ فَلَا (وَيَنْوِي) أَيْ: يَقْصِدُ رَفْعَ الْحَدَثِ، أَوِ اسْتِبَاحَةَ أَمْرٍ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِهَا كَمَسِّ الْمُصْحَفِ (وَيَعُمَّ بَدَنَهُ بِالْغُسْلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ، وَلِمَا رَوَى جَابِرٌ: «أَنَّ أُنَاسًا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوا عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَقَالُوا: إِنَّا بِأَرْضٍ بَارِدَةٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَحْفِنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَظَاهِرُهُ: الِاجْتِزَاءُ بِالتَّطْهِيرِ، وَالِاغْتِسَالُ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ. وَالْمُرَادُ بِتَعْمِيمِهِ الظَّاهِرُ جَمِيعُهُ، وَمَا فِي حُكْمِهِ، مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَتَرَكَهُمَا هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا سَبَقَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَأَنْ يَغْسِلَ الْبَشَرَةَ الَّتِي تَحْتَ الشُّعُورِ كَالرَّأْسِ، وَاللِّحْيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ كَثَّةً، وَذَكَرَ الدِّينَوَرِيُّ أَنَّ بَاطِنَ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ فِي الْجَنَابَةِ كَالْوُضُوءِ. وَيَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ ظَاهِرِهِ، وَبَاطِنِهِ مَعَ مُسْتَرْسِلِهِ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ غَسْلُ الْمُسْتَرْسِلِ، وَرَجَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " فَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ تَرَكَ غَسْلَ شَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يَتِمَّ غُسْلُهُ، فَلَوْ غَسَلَهُ ثُمَّ تَقَطَّعَ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِنَقْضِ الشَّعْرِ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَجِبُ نَقْضُهُ فِي الْحَيْضِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا - وَكَانَتْ حَائِضًا - انْقُضِي شَعْرَكِ، وَاغْتَسِلِي» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نَحْوُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَيْضِ تَطُولُ فَيَتَلَبَّدُ، فَشُرِعَ النَّقْضُ طَرِيقًا مُوَصِّلًا إِلَى وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى أُصُولِ الشَّعْرِ وَلَا يَتَكَرَّرُ، بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ كَالْجَنَابَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَفَأَنْقُضُهُ مِنَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ؛ قَالَ: لَا» ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يَجِبُ كَالْحَيْضِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ بِمَا إِذَا طَالَ وَتَلَبَّدَ، وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ، أَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى رَأْسِ إِحْدَاهُنَّ مَا يَمْنَعُ وَصُولَ الْمَاءِ كَالسِّدْرِ، وَنَحْوِهِ، وَجَبَ نَقْضُهُ، وَالرَّجُلُ كَالْمَرْأَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَكَذَا يَجِبُ غَسْلُ حَشَفَةِ الْأَقْلَفِ إِذَا أَمْكَنَ تَشْمِيرُهَا، كَمَا يَجِبُ تَطْهِيرُهَا مِنَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الرَّتِقِ، وَكَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا عِنْدَ قُعُودِهَا لِحَاجَتِهَا، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، كَحَشَفَةِ الْأَقْلَفِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ مِنَ الْبَاطِنِ أَشْبَهَ الْحُلْقُومَ، وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ الْفِطْرُ بِحُصُولِ الْحَشَفَةِ فِيهِ، لَكِنْ حَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مَا عُمِّقَ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا تَسْمِيَةَ - وَقَدْ تَقَدَّمَتْ - وَلَا تَرْتِيبَ، وَهُوَ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ تَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ أَجْزَأَهُ بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ، وَلَا مُوَالَاةَ عَلَى الْأَصَحِّ لِلْحَاجَةِ إِلَى تَفْرِيقِهِ كَثِيرًا، وَلِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ بِإِعَادَتِهِ، وَلِخَبَرِ اللُّمْعَةِ، وَحَيْثُ فَاتَتِ الْمُوَالَاةُ فِيهِ أَوْ فِي وُضُوءٍ، وَقُلْنَا: يَجُوزُ، فَلَا بُدَّ لِلْإِمَامِ مِنْ نِيَّةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ قُرْبَ الْفِعْلِ مِنْهَا، كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ، فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ. وَلَا دَلْكَ، وَقَدْ أَوْجَبَهُ مَالِكٌ حَيْثُ يَنَالُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: اغْتَسَلَ إِلَّا لِمَنْ دَلَّكَ نَفْسَهُ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ، فَوَجَبَ فِيهَا إِمْرَارُ الْيَدِ كَالتَّيَمُّمِ، مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ إِمْرَارِ الْيَدِ فَقَالَ: إِذَا اغْتَسَلَ بِمَاءٍ بَارِدٍ فِي الشِّتَاءِ أَمَرَّ يَدَهُ، لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْزَلِقُ عَنِ الْبَدَنِ فِي الشِّتَاءِ، وَالْجَوَابُ عَنِ التَّيَمُّمِ بِأَنَّهُ أَمَرَنَا بِالْمَسْحِ، وَيَتَعَذَّرُ فِي الْغَالِبِ إِمْرَارُ التُّرَابِ بِغَيْرِ الْيَدِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَصِلْ إِلَى مَحَلِّهِ، فَيَجِبُ، كَبَاطِنِ الشُّعُورِ الْكَثِيفَةِ. تَذْنِيبٌ: يُسْتَحَبُّ السِّدْرُ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ، وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَيْمُونِيِّ، وَكَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ: يَجِبُ، وَأَنْ تَأْخُذَ مِسْكًا فَتَجْعَلَهُ فِي قُطْنَةٍ أَوْ شَيْءٍ، وَتَجْعَلَهَا فِي فَرْجِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَطِيبًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَطِينًا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ، لِيَقْطَعَ الرَّائِحَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: غُسْلُ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ، كَمَيِّتٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " مَعْنَاهُ: يَجِبُ مَرَّةً، وَيُسْتَحَبُّ ثَلَاثًا، وَيَكُونُ السِّدْرُ وَالطِّيبُ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ. 1 - (وَيَتَوَضَّأَ بِالْمُدِّ) وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ عِرَاقِيٌّ، وَبِالدِّرْهَمِ: مِائَةٌ وَوَاحِدٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا، وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ (وَيَغْتَسِلَ بِالصَّاعِ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، فَيَكُونُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا بِالْعِرَاقِيِّ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ لِكَعْبٍ: أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ طَعَامٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَالْفَرَقُ: سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 بِدُونِهِمَا أَجْزَأَهُ وَإِذَا اغْتَسَلَ يَنْوِي الطَّهَارَتَيْنِ، أَجْزَأَ عَنْهُمَا. وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى   [المبدع في شرح المقنع] وَأَوْمَأَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنَ الْمَاءِ، اخْتَارَهُ فِي " الْخِلَافِ "، و" مُنْتَهَى الْغَايَةِ " لَا مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: الرِّطْلُ الْعِرَاقِيُّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ تِسْعُونَ مِثْقَالًا، وَالْمِثْقَالُ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، هَكَذَا كَانَ قَدِيمًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ زَادُوا فِيهِ مِثْقَالًا فَجَعَلُوهُ أَحَدًا وَتِسْعِينَ مِثْقَالًا، وَكُمِّلَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، وَقَصَدُوا بِذَلِكَ زَوَالَ الْكَسْرِ، وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ وَقْتَ تَقْدِيرِ الْعُلَمَاءِ الْمُدَّ بِهِ، وَهُوَ بِالدِّمَشْقِيِّ: ثَلَاثَةُ أَوَاقٍ، وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ أُوقِيَّةٍ، وَالصَّاعُ: رِطْلٌ وَأُوقِيَّةٌ، وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ أُوقِيَّةٍ، وَإِنْ شِئْتَ: رِطْلٌ وَسُبْعُ رِطْلٍ (فَإِنْ أَسْبَغَ بِدُونِهِمَا أَجْزَأَهُ) فِي الْمَنْصُوصِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ «أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي كَرَاهَتِهِ وَجْهَانِ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إِلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُجْزِئُ مِنَ الْوُضُوءِ الْمُدُّ، وَمِنَ الْغُسْلِ الصَّاعُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَثْرَمُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ بِدُونِهِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغُسْلِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَبِمَا رَوَتْ أُمُّ عُمَارَةَ بِنْتُ كَعْبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ، فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ قَدْرَ ثُلُثَيِ الْمُدِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَحَدِيثُهُمْ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ، وَهَذَا بِالْمَنْطُوقِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ، لَكِنْ يُكَرَهُ الْإِسْرَافُ وَالزِّيَادَةُ الْكَثِيرَةُ فِيهِ، قَالَهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى سَعْدٍ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ؛ فَقَالَ: أَفِي الْمَاءِ إِسْرَافٌ؛ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَإِذَا اغْتَسَلَ يَنْوِي الطَّهَارَتَيْنِ) وَقَالَ الْأَزَجِّيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَوِ الْأَكْبَرِ (أَجْزَأَ عَنْهُمَا) عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَرْتِيبٌ، وَلَا مُوَالَاةٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْجُنُبَ بِالتَّطْهِيرِ، وَلَمْ يَأْمُرْ مَعَهُ بِوُضُوءٍ، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ، فَتَدَاخَلَا فِي الْفِعْلِ دُونَ النِّيَّةِ، كَمَا تَدْخُلُ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ، وَلَا يَرُدُّ غُسْلُ الْحَائِضِ الْجُنُبَ، لِأَنَّ مُوجِبَهُمَا وَاحِدٌ (وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ) عَنِ الْأَصْغَرِ (حَتَّى يَتَوَضَّأَ) قَبْلَ الْغُسْلِ، أَوْ بَعْدَهُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ لَمَّا اغْتَسَلَ، وَفِعْلُهُ يُفَسِّرُ الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مُخْتَلِفَتَا الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ فَلَمْ تَتَدَاخَلَا، كَالْحُدُودِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتَدَاخَلَانِ إِذَا أَتَى بِخَصَائِصِ الصُّغْرَى، وَهِيَ التَّرْتِيبُ، وَالْمُوَالَاةُ، وَالْمَسْحُ، فَلَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ حِينَ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ أَجْزَأَهُ، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] فَجَعَلَ الِاغْتِسَالَ نِهَايَةَ الْمَنْعِ مِنَ الصَّلَاةِ، فَيَجِبُ إِذَا اغْتَسَلَ أَنْ تَجُوزَ لَهُ الصَّلَاةُ، لَا يُقَالُ: النَّهْيُ هُنَا عَنْ قُرْبَانِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ يَزُولُ بِالِاغْتِسَالِ، لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ نَهْيٌ عَنِ الصَّلَاةِ، وَعَنْ مَسْجِدِهَا، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَسْجِدِ فَقَطْ، لِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى بِهِمْ، وَخَلَطَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَسَبَبُ النُّزُولِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْكَلَامِ، وَسُئِلَ جَابِرٌ: أَيَتَوَضَّأُ الْجُنُبُ بَعْدَ الْغُسْلِ؛ قَالَ: لَا، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ، رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. فَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا ارْتَفَعَ وَحْدَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ أَوِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ أَمْرًا لَا يُبَاحُ إِلَّا بِوُضُوءٍ، وَاغْتَسَلَ، ارْتَفَعَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ عَكْسُهُ، كَالثَّانِيَةِ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 يَتَوَضَّأَ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوِ الْأَكْلَ أَوِ الْوَطْءَ ثَانِيًا أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأَ..   [المبدع في شرح المقنع] الْجَنَابَةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ حَدَثٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا، لَا يَجِبُ سِوَى الْغُسْلِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ ": لَوِ اغْتَسَلَ إِلَّا أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ، لَمْ يَجِبِ التَّرْتِيبُ فِيهَا، لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ بَاقٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْآمِدِيُّ فِيمَنْ غَسَلَ جَمِيعَ بَدَنِهِ إِلَّا رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ، لِانْفِرَادِهَا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ دُونَ الرِّجْلَيْنِ لِبَقَاءِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ عَلَيْهِمَا، فَيَغْسِلُهُمَا عَنِ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِي بَقِيَّةِ أَعْضَائِهِ. وَإِنْ نَوَتْ مَنِ انْقَطَعَ حَيْضُهَا بِغُسْلِهَا حَلَّ الْوَطْءِ صَحَّ، وَقِيلَ: لَا، لِأَنَّهَا إِنَّمَا نَوَتْ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَهُوَ الْوَطْءُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. 1 - (وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ) وَلَوْ أُنْثَى، وَحَائِضٍ، وَنُفَسَاءَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ (إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوِ الْأَكْلَ) أَوِ الشُّرْبَ أَوْ (الْوَطْءَ ثَانِيًا أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ) لِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْأَذَى (وَيَتَوَضَّأَ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. أَمَّا كَوْنُهُ يُسْتَحَبُّ بِالنَّوْمِ فَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ، قَالَ: نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَرْقُدْ» وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ، وَلَا يَمَسُّ مَاءً» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ آخَرُونَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْأَوَّلَانِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِلْجَمْعِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي الْأَصَحِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَأَمَّا كَوْنُهُ يُسْتَحَبُّ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، فَلِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَعَنْهُ: يَغْسِلُ يَدَيْهِ، وَيَتَمَضْمَضُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ يُسْتَحَبُّ لِمُعَاوَدَةِ الْوَطْءِ، فَوِفَاقًا لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ، فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ، وَزَادَ «فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ» وَلَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا، وَغَسْلُهُ عِنْدَ كُلِّ مَرَّةٍ أَفْضَلُ، وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ، لِأَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْ عَنْهُ بِالْوُضُوءِ، وَلَمْ تَذْكُرْ أَنَّهَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ وَلَا أَمَرَهَا بِهِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجَنَابَةِ، وَمَنْ أَحْدَثَ بَعْدَهُ، لَمْ يُعِدْهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، لِتَعْلِيلِهِمْ بِخِفَّةِ الْحَدَثِ أَوْ بِالنَّشَاطِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا يَتَوَضَّأُ لِمَبِيتِهِ عَلَى إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". 1 - مَسَائِلُ: الْأُولَى: كَرِهَ أَحْمَدُ بِنَاءَ الْحَمَّامِ، وَبَيْعَهُ، وَإِجَارَتَهُ، وَقَالَ: مَنْ بَنَى حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي، وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى غَيْرِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، وَيُكْرَهُ كَسْبُ الْحَمَّامِيِّ، وَفِي " نِهَايَةِ " الْأَزَجِّيِّ: لَا. الثَّانِيَةُ: لَهُ دُخُولُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، وَيَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ عَوْرَاتِهِمْ، وَلَا يَمَسَّ عَوْرَةَ أَحَدٍ، وَلَا يُمَكِّنَ أَحَدًا مِنْ مَسِّ عَوْرَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْبَقَاءِ: يُكْرَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْغَنِيَّةِ "، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَدْخُلْهُ لِخَوْفِ وُقُوعِهِ فِي مُحَرَّمٍ، وَإِنْ عَلِمَهُ حَرُمَ، وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 .. .... .... .... ..   [المبدع في شرح المقنع] " التَّلْخِيصِ " و" الرِّعَايَةِ " لَهُ دُخُولُهُ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ غَالِبًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَفْضَلُ تَجَنُّبُهَا بِكُلِّ حَالٍ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا، لِأَنَّهَا مِمَّا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ رَقِيقِ الْعَيْشِ. الثَّالِثَةُ: لِلْمَرْأَةِ دُخُولُهُ لِعُذْرٍ، وَإِلَّا حَرُمَ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَكَرِهَهُ بِدُونِهِ جَمَاعَةٌ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لَا يَجُوزُ لَهَا دُخُولُهُ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ يُصْلِحُهَا الْحَمَّامُ، وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي، وَالْمُؤَلِّفُ مَعَ الْعُذْرِ تَعَذُّرَ غُسْلِهَا فِي بَيْتِهَا لِخَوْفِ ضَرَرٍ، وَنَحْوِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ خِلَافُهُ، وَقِيلَ: اعْتِيَادُ دُخُولِهَا عُذْرٌ لِلْمَشَقَّةِ، وَقِيلَ: وَلَا تَتَجَرَّدُ فَتَدْخُلَهُ فِي قَمِيصٍ خَفِيفٍ، أَوْمَأَ إِلَيْهِ. الرَّابِعَةُ: ثَمَنُ الْمَاءِ عَلَى الزَّوْجِ، أَوْ عَلَيْهَا؛ أَوْ مَاءِ الْجَنَابَةِ عَلَيْهِ فَقَطْ، أَوْ عَكْسُهُ؛ فِيهِ أَوْجُهٌ، وَمَاءُ الْوُضُوءِ كَالْجَنَابَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ: يَلْزَمُ السَّيِّدَ شِرَاءُ ذَلِكَ لِرَقِيقِهِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ فِي الْأَصَحِّ. الْخَامِسَةُ: تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ فِي الْمَنْصُوصِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا يُعْجِبُنِي لِنَهْيِ عُمَرَ عَنْهُ، رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ خَفَضَ صَوْتَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ، فَقَالَ: الْقِرَاءَةُ بِكُلِّ مَكَانٍ حَسَنٍ، وَلَيْسَ الْحَمَّامُ بِمَوْضِعِ قِرَاءَةٍ، فَمَنْ قَرَأَ الْآيَاتِ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَا السَّلَامُ فِي الْأَشْهَرِ، وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ كَالذِّكْرِ، فَإِنَّهُ حَسَنٌ لِمَا رَوَى النَّخَعِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَعَنْ سُفْيَانَ قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِمَنْ دَخَلَهُ أَنْ يَقُولَ يَا بَرُّ يَا رَحِيمُ، مُنَّ عَلَيْنَا، وَقِنَا عَذَابَ السُّمُومِ. وَسَطْحُهُ، وَنَحْوُهُ كَبَقِيَّتِهِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ كَصَلَاةٍ. السَّادِسَةُ: إِذَا اغْتَسَلَ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَجَبَ عَلَيْهِ سَتْرُ عَوْرَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَتِرَ بِسَقْفٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَأَنْ لَا يَرْفَعَ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ آكَدُ، فَإِنْ تَجَرَّدَ فِي الْفَضَاءِ وَاغْتَسَلَ، جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ كَمَا لَوِ اسْتَتَرَ بِحَائِطٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي كَرَاهَةِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ لِلِاغْتِسَالِ فِي الْخَلْوَةِ رِوَايَتَيْنِ. السَّابِعَةُ: يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِي مُسْتَحَمٍّ أَوْ مَاءٍ عُرْيَانًا، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 بَابُ التَّيَمُّمِ وَهُوَ بَدَلٌ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: دُخُولُ الْوَقْتِ، فَلَا يَجُوزُ   [المبدع في شرح المقنع] وِفَاقًا، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي، إِنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا، قَالَهُ الْحَسَنُ. رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبُرِيُّ، وَاحْتَجَّ أَبُو الْمَعَالِي لِلتَّحْرِيمِ خَلْوَةً بِهَذَا الْخَبَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ التَّيَمُّمِ] [تَعْرِيفُ التيمم] بَابُ التَّيَمُّمِ التَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] أَيْ: قَاصِدِينَ {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] يُقَالُ يَمَّمْتُ فُلَانًا، وَتَيَمَّمْتُهُ، وَأَمَمْتُهُ: إِذَا قَصَدْتَهُ، قَالَ الشَّاعِرُ الْعُذْرِيُّ: وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا ... أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أَنَا مُبْتَغِيهِ ... أَمِ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي وَفِي الشَّرْعِ قِيلَ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ التُّرَابُ الطَّاهِرُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الْعَادِمُ، أَوْ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِاسْتِعْمَالِهِ، زَادَ ابْنُ الْمَنْجَا: بِنِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّعِيدِ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَحَدِيثُ عَمَّارٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْهُ طَهُورًا لِغَيْرِهَا تَوْسِعَةً عَلَيْهَا وَإِحْسَانًا إِلَيْهَا (وَهُوَ) أَيِ: التَّيَمُّمُ (بَدَلٌ) عَنِ الْمَاءِ، لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ يَجِبُ فِعْلُهُ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَهَذَا شَأْنُ الْبَدَلِ. وَهُوَ مَشْرُوعٌ لِكُلِّ مَا يُفْعَلُ بِالْمَاءِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ شَرْعًا، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: إِنِ احْتَاجَهُ، سِوَى جُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا فِي صُورَةٍ تَقَدَّمَتْ. [شُرُوطُ التَّيَمُّمِ] (لَا يَجُوزُ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: الْوَقْتُ، فَلَا يَجُوزُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهِ) فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الْقَائِمَ إِلَى الصَّلَاةِ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ تَيَمَّمَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَفْعَلَهُ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِهِ إِلَيْهَا، وَإِعْوَازِهِ الْمَاءَ، وَالْوُضُوءُ إِنَّمَا جَازَ قَبْلَ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ رَافِعًا لِلْحَدَثِ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْوَقْتِ، كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ، قَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ أَنَّ التَّيَمُّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلَا لِنَفْلٍ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَنْهُ. الثَّانِي: الْعَجْزُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] بِمَنْزِلَةِ الطَّهَارَةِ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ يُحْدِثَ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ قَبْلَهُ كَالْمَاءِ، وَيَشْهَدُ لَهُ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ» وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ فَيَتَسَاوَى بِمُبْدَلِهِ إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ، كَالْإِطْعَامِ مَعَ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَلَقَدْ أَبْعَدَ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي حِكَايَتِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الْوَقْتِ (وَلَا لِنَفْلٍ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لَهَا، فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ وَقْتُ الْمَكْتُوبَةِ دُخُولُ وَقْتِهَا، وَالْفَائِتَةِ كُلُّ وَقْتٍ، وَكَذَلِكَ الْمَنْذُورَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ بِفَرَاغِ طُهْرِهِ، لَكِنْ يُقَالُ: شَخْصٌ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُيَمِّمَ غَيْرَهُ، وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ بِهِ إِنْ أُجِيزَا فِي وَقْتِ نَهْيٍ، وَإِلَّا فَمُقَيَّدٌ بِخُرُوجِهِ، وَجَمِيعُ التَّطَوُّعَاتِ بِجَوَازِ فِعْلِهَا. (الثَّانِي: الْعَجْزُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ) لِأَنَّ غَيْرَ الْعَاجِزِ يَجِدُ الْمَاءَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ، (لِعَدَمِهِ) حَضَرًا كَانَ أَوْ سَفَرًا، قَصِيرًا كَانَ أَوْ طَوِيلًا، مُبَاحًا أَوْ غَيْرَهُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] دَلَّ بِمُطْلَقِهِ عَلَى إِبَاحَتِهِ فِي كُلِّ سَفَرٍ، أَوِ السَّفَرُ الْقَصِيرُ يَكْثُرُ، فَيَكْثُرُ فِيهِ عَدَمُ الْمَاءِ، فَلَوْ لَمْ يُجِزِ التَّيَمُّمَ إِذَنْ لَأَفْضَى إِلَى حَرَجٍ وَمَشَقَّةٍ، وَهُوَ يُنَافِي مَشْرُوعِيَّةَ التَّيَمُّمِ، وَلِأَنَّهُ عَزِيمَةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا بِخِلَافِ الرُّخَصِ، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَهُ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ بَجْدَانَ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ أَبِي قِلَابَةَ، وَقَدْ قِيلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 لِعَدَمِهِ أَوْ لِضَرَرٍ لِاسْتِعْمَالِهِ مِنْ جُرْحٍ، أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ أَوْ مَرَضٍ يَخْشَى زِيَادَتَهُ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَحْمَدَ: مَعْرُوفٌ؛ قَالَ: لَا، وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. فَلَوْ خَرَجَ مِنَ الْمِصْرِ إِلَى أَرْضٍ مِنْ أَعْمَالِهِ لِحَاجَةٍ كَالْحِرَاثَةِ وَالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا يُمْكِنُهُ حَمْلُ الْمَاءِ مَعَهُ، وَلَا الرُّجُوعُ لِلْوُضُوءِ إِلَّا بِتَفْوِيتِ حَاجَتِهِ، فَلَهُ التَّيَمُّمُ، وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ: بَلَى، لِأَنَّهُ كَالْمُقِيمِ، وَلَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ الَّتِي يَخْرُجُ إِلَيْهَا مِنْ عَمَلِ قَرْيَةٍ أُخْرَى فَلَا إِعَادَةَ، وَكَذَا إِذَا تَيَمَّمَ، وَصَلَّى فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يُعِيدُ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ الْمُبَاحِ الطَّوِيلِ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْحَضَرِ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ يُسَافِرَ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي جَوَازَهُ بِحَالَةِ عَدَمِ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقَيُّدِ بِهِ فَائِدَةٌ، وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، لِخَبَرِ أَبِي ذَرٍّ، وَلِأَنَّهُ عَادِمٌ أَشْبَهَ الْمُسَافِرَ، وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّفَرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، لِأَنَّهُ مَحْمَلُ الْعَدَمِ غَالِبًا، فَعَلَى الْأَصَحِّ لَا إِعَادَةَ، وَلَوْ حَضَرَ، لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ. وَعَنْهُ: يُعِيدُ الْحَاضِرُ، لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ إِنْ لَمْ يَطُلِ الْعَدَمُ. 1 - تَنْبِيهٌ: إِذَا عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنِ الْحَرَكَةِ أَوْ عَمَّنْ يُوَضِّئُهُ، فَكَالْعَادِمِ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ إِنِ انْتَظَرَ مَنْ يُوَضِّئُهُ، فَالْأَصَحُّ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إِعَادَةَ. (أَوْ لِضَرَرٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ مِنْ جُرْحٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ صَاحِبِ الشَّجَّةِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَكَمَا لَوْ خَافَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ عَطَشٍ أَوْ شِبَعٍ، وَهَذَا مَعَ الْخَوْفِ فِي اسْتِعْمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ كَالصَّحِيحِ، وَالْخَوْفُ الْمُبِيحُ: هُوَ زِيَادَةُ الْمَرَضِ أَوْ بُطْؤُهُ، لَا خَوْفُ التَّلَفِ (أَوْ بَرْدٌ شَدِيدٌ) لِلنَّصِّ، وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ، قُلْتُ: ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] فَضَحِكَ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ أَشْبَهَ الْمَرِيضَ، وَعَنْهُ: لَا يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى تَسْخِينِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ: مَتَى أَمْكَنَهُ تَسْخِينُ الْمَاءِ أَوِ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهٍ يَأْمَنُ الضَّرَرَ، بِأَنَّهُ كُلَّمَا غَسَلَ عُضْوًا سَتَرَهُ لَزِمَهُ، وَظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَالْمَرِيضِ، وَعَنْهُ: بَلَى مُطْلَقًا، وَعَنْهُ: يُعِيدُ الْحَاضِرُ فَقَطْ، لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا خَافَ الْبَرْدَانُ سُقُوطَ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ، فَخَلَعَ خُفَّيْهِ، سَقَطَ الْمَسْحُ، وَكَفَى غَسْلُ غَيْرِهِمَا، وَتَيَمَّمَ لِتَرْكِ مَسْحِ حَائِلِ رِجْلَيْهِ، إِنْ كَانَ مَانِعٌ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِ بَعْضِ عُضْوٍ، تَيَمَّمَ لِلْبَاقِي. فَرْعٌ: إِذَا أَعَادَ الْقَادِرُ أَوِ الْبَرْدَانُ الصَّلَاةَ، فَالْأُولَى فَرْضُهُ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَفِيهِ وَجْهٌ: الثَّانِيَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ: فَرْضُهُ إِحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا، وَلَهُ قَوْلٌ: كِلَاهُمَا فَرْضٌ، وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَالْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ " الشَّامِلِ " قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ: وَهُوَ قَوِيٌّ فَإِنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِمَا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي " شَرْحِ الْعُمْدَةِ ". 1 - (أَوْ مَرَضٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43] الْآيَةَ، وَإِذَا جَازَ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ، فَلَأَنْ يَجُوزَ لِلْمَرِيضِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَشَرْطُهُ أَنَّهُ (يَخْشَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 تَطَاوُلَهُ أَوْ عَطَشٍ يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ رَقِيقِهِ أَوْ بَهِيمَتِهِ أَوْ خَشْيَةٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ   [المبدع في شرح المقنع] زِيَادَتَهُ أَوْ تَطَاوُلَهُ) لِأَنَّ مَنْ لَا يَخْشَى ذَلِكَ لَا يَخَافُ الضَّرَرَ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إِذَا خَافَ ذَهَابَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ ضَرَرًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَتَرْكَ الصَّوْمِ فِي الْمَرَضِ لَا يَنْحَصِرُ فِي خَوْفِ التَّلَفِ، فَكَذَا هُنَا، وَعَنْهُ: لَا يُبِيحُهُ إِلَّا خَوْفُ التَّلَفِ، كَمَا إِذَا جَبَرَ زَنْدَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْآيَةِ إِبَاحَتُهُ لِكُلِّ مَرِيضٍ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِيمَنْ لَا يَخْشَى، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهَا. (أَوْ عَطَشٍ يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ فِي السَّفَرِ فَتُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ، وَمَعَهُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ يَخَافُ أَنْ يَعْطَشَ: يَتَيَمَّمُ وَلَا يَغْتَسِلُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهُ يَخْشَى الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ أَشْبَهَ الْمَرِيضَ بَلْ أَوْلَى. (أَوْ رَقِيقِهِ) الْمُحْتَرَمِ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ تُقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ رَأَى حَرِيقًا عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِهَا فَيَتْرُكُهَا، وَيَخْرُجُ لِإِنْقَاذِهِ، فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، قَالَ أَحْمَدُ: عِدَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ تَيَمَّمُوا، وَحَبَسُوا الْمَاءَ لِشِفَاهِهِمْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُزَامِلِ لَهُ، أَوْ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّكْبِ، لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمُرَافَقَةِ، وَدَفْعُهُ إِلَى عَطْشَانَ يُخْشَى تَلَفُهُ وَاجِبٌ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالْأَصْوَبُ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُمَا فِي حَبْسِ الْمَاءِ لِعَطَشِ الْغَيْرِ الْمُتَوَقَّعِ، وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ وُجُوبَهُ، فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُهُ، وَرُفْقَتُهُ عِطَاشٌ يَمَّمُوهُ، وَغَرِمُوا لِلْوَرَثَةِ الثَّمَنَ وَقْتَ إِتْلَافِهِ فِي مَكَانِهِ، وَظَاهِرُ مَا فِي " النِّهَايَةِ " إِنْ غَرِمُوهُ فِيهِ فَبِمِثْلِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقِيلَ: إِنْ خَافُوا الْمَوْتَ فَهُمْ أَوْلَى، وَإِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 فِي طَلَبِهِ أَوْ تَعَذُّرِهِ إِلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ ثَمَنٍ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] فَلَا، صَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَهَلْ يُؤْثِرُ أَبَوَيْهِ لِغُسْلٍ وَوُضُوءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. (أَوْ بَهِيمَتِهِ) وَكَذَا إِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ للرُّوح حُرْمَةٌ، وَسَقْيَهَا وَاجِبٌ، وَقِصَّةُ الْبَغِيِّ مَشْهُورَةٌ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مُحْتَرَمَةً حَتَّى كَلْبِ صَيْدٍ لَا عَقُورٍ، وَخِنْزِيرٍ. فَرْعٌ: إِذَا وَجَدَ الْعَطْشَانُ مَاءً طَاهِرًا وَنَجِسًا، شَرِبَ الطَّاهِرَ، وَتَيَمَّمَ، وَأَرَاقَ النَّجِسَ إِنِ اسْتَغْنَى عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ، وَذَكَرَ الْأَزَجِّيُّ: يَشْرَبُ النَّجِسَ، لِأَنَّ الطَّاهِرَ مُسْتَحِقٌّ لِلطَّهَارَةِ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ شُرْبَ النَّجِسِ حَرَامٌ، فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ وحبس الطاهر، نَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " كَمَا لَوِ انْفَرَدَ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَوَضَّأُ بِالطَّاهِرِ، وَيَحْبِسُ النَّجِسَ لِشُرْبِهِ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ يَجْمَعَهُ وَيَشْرَبَهُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَإِطْلَاقُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهُ، لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ، (أَوْ خَشْيَةٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فِي طَلَبِهِ) كَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ سَبُعٌ أَوْ عَدُوٌّ أَوْ حَرِيقٌ، أَوْ يَخَافُ إِنْ ذَهَبَ إِلَى الْمَاءِ شُرُودَ دَابَّتِهِ أَوْ سَرِقَتَهَا أَوْ فَوْتَ رُفْقَتِهِ، لِأَنَّ فِي طَلَبِهِ ضَرَرًا، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، وَكَذَا إِنْ خَافَتِ امْرَأَةٌ عَلَى نَفْسِهَا فُسَّاقًا لَمْ يَلْزَمْهَا الْمُضِيُّ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمُؤَلِّفَ وَغَيْرُهُ: بَلْ يَحْرُمُ خُرُوجُهَا إِلَيْهِ، وَلَا إِعَادَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " خِلَافَهُ، وَعَنْهُ: الْوَقْفُ، وَكَذَا إِذَا خَافَ غَرِيمًا يُطَالِبُهُ، وَيَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ كَانَ خَوْفُهُ جُبْنًا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُبَاحُ إِذَا اشْتَدَّ خَوْفُهُ، وَيُعِيدُ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَائِفِ لِسَبَبٍ، فَإِنْ كَانَ خَوْفُهُ لِسَبَبٍ ظَنَّهُ، فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، فَبَانَ خِلَافُهُ، فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَجَمَاعَةٍ: أَنَّهُ لَا يُعِيدُ لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى بِهِ. (أَوْ تَعَذُّرِهِ إِلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ) أَقُولُ: مَتَى وَجَدَ مَاءً بِثَمَنِ مِثْلِهِ عَادَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ جَرِيحًا تَيَمَّمَ لَهُ، وَغَسَلَ الْبَاقِيَ وَإِنْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ   [المبدع في شرح المقنع] مَكَانَهُ غَالِبًا، وَقِيلَ: بَلْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ إِلَى مَكَانِ بَيْعِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، غَنِيٌّ عَنْهُ، فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ، وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَنَفَقَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ، لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاءُ سَتْرِ عَوْرَتِهِ لِلصَّلَاةِ فَكَذَا هُنَا، فَإِذَا كَثُرَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ، لِأَنَّهَا تَجْعَلُ الْمَوْجُودَ حِسًّا كَالْمَعْدُومِ شَرْعًا، وَقَيَّدَهُ فِي " الْمُغْنِي " بِمَا إِذَا أَجْحَفَتْ بِمَالِهِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا، فَلَوْ كَثُرَتْ مِنْ غَيْرِ إِجْحَافٍ بِمَالِهِ، فَوَجْهَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ يَسِيرَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، كَضَرَرٍ يَسِيرٍ فِي بَدَنِهِ مِنْ صُدَاعٍ، أَوْ بَرْدٍ فَهُنَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِ الْعَيْنِ كَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فِي الْمَنْعِ مِنَ الِانْتِقَالِ إِلَى الْبَدَلِ، كَمَا لَوْ بِيعَتْ بِثَمَنِ مِثْلِهَا، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءٌ مَعَ زِيَادَةٍ مُطْلَقًا، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا بِالزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ خَافَ لِصًّا يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ ذَلِكَ. فَرْعٌ: إِذَا بُذِلَ لَهُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ فِي بَلَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَرُبَّمَا تَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ أَدَائِهِ، وَكَالْهَدْيِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ كَالْكَفَّارَةِ فِي شِرَاءِ الرَّقَبَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ بِخِلَافِ الْمُكَفِّرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَلَدِهِ مَا يُوَفِّيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا (أَوْ ثَمَنٍ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ) لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنِ الثَّمَنِ يُبِيحُ الِانْتِقَالَ إِلَى الْبَدَلِ، دَلِيلُهُ الْعَجْزُ عَنْ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَلَوْ وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ لَا ثَمَنُهُ فِي الْأَشْهَرِ، لِأَنَّ فِيهِ مِنَّةً، وَحَبْلٌ وَدَلْوٌ، كَمَاءٍ، وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُمَا عَارِيَةً، وَإِنِ اسْتَغْنَى صَاحِبُ الْمَاءِ عَنْهُ، وَلَمْ يَبْذُلْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ قَهْرًا، لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا، وَمَنْ تَرَكَ مَا لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَتَحْصِيلُهُ مِنْ مَاءٍ وَغَيْرِهِ، تَيَمَّمَ، وَصَلَّى، فَإِنَّهُ يُعِيدُ. 1 - (فَإِنْ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ جَرِيحًا) وَتَضَرَّرَ (تَيَمَّمَ لَهُ وَغَسَلَ الْبَاقِيَ) يَعْنِي أَنَّ الْجَرِيحَ يَتَيَمَّمُ لِلْمُحْتَاجِ، وَيَغْسِلُ غَيْرَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ لِقِصَّةِ صَاحِبِ الشَّجَّةِ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهِ، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» ، وَظَاهِرُ الْخَبَرِ يَجْمَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي إِنْ كَانَ جُنُبًا وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا، فَهَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ؟   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَ الْمَسْحِ، وَالتَّيَمُّمِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ الْجَمْعُ لِهَذَا الْخَبَرِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ بَدَلٍ وَمُبْدَلٍ كَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ بِـ " ثُمَّ " الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرَاخِي، وَلِأَنَّ الْمُكَلَّفَ لَهُ اسْتِطَاعَةٌ عَلَى التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ فِي بَعْضِ الْبَدَنِ، فَلَزِمَهُ، وَالتَّيَمُّمُ لِمَا لَمْ يُصِبْهُ، وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ، فَالْعَجْزُ عَنْ بَعْضِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ جَمِيعِهَا كَالسِّتَارَةِ، فَعَلَى هَذَا يَغْسِلُ مِنَ الصَّحِيحِ مَا لَا ضَرَرَ فِي غَسْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ضَبْطُهُ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ إِنْ قَدَرَ، وَإِلَّا كَفَاهُ التَّيَمُّمُ، ثُمَّ إِنْ أَمْكَنَهُ مَسْحُ الْجُرْحِ بِالْمَاءِ لَزِمَهُ مَعَ التَّيَمُّمِ كَمَا سَبَقَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، لِأَنَّ الْغُسْلَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَالْمَسْحُ بَعْضُهُ، فَوَجَبَ، كَمَنْ عَجَزَ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقَدَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ، وَعَنْهُ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَيَمُّمٍ، وَعَنْهُ: يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ وَحْدَهُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ وَاحِدٌ، فَلَا يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْمَسْحِ، وَالتَّيَمُّمِ كَالْجَبِيرَةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنِ الْجُرْحُ نَجِسًا، فَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": يَتَيَمَّمُ، وَلَا يَمْسَحُ، ثُمَّ إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ مَعْفُوًّا عَنْهَا أُلْغِيَتْ، وَاكْتُفِيَ بِنِيَّةِ الْحَدَثِ، وَإِلَّا نَوَى الْحَدَثَ وَالنَّجَاسَةَ إِنْ شُرِطَتْ فِيهَا. 1 - وَهَلْ يَكْتَفِي بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ؛ فِيهِ وَجْهَانِ: فَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ عَجَزَ عَنْ مَسْحِهِ تَيَمَّمَ، وَصَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَلَا إِعَادَةَ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَمْسَحُ الْجُرْحَ بِالتُّرَابِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْجُرْحِ عِصَابَةٌ، أَوْ لُصُوقٌ يَضُرُّهُ إِزَالَتُهَا فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يَتَيَمَّمُ، وَفِي الْمَسْحِ مَعَهُ رِوَايَتَانِ، وَالْجُنُبُ الْجَرِيحُ إِنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْغَسْلِ أَوْ بِالتَّيَمُّمِ، وَإِنْ كَانَ حَدَثُ الْجَرِيحِ أَصْغَرَ رَاعَى التَّرْتِيبَ وَالْمُوَالَاةَ، وَيُعِيدُ غَسْلَ الصَّحِيحِ عِنْدَ كُلِّ تَيَمُّمٍ فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ: لَا تَرْتِيبَ وَلَا مُوَالَاةَ، فَعَلَى هَذَا لَا يُعِيدُ الْغَسْلَ إِلَّا إِذَا أَحْدَثَ (وَإِنْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ، لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي إِنْ كَانَ جُنُبًا) لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ لَزِمَهُ طَلَبُهُ فِي رَحْلِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، فَإِنْ دُلَّ عَلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] الشَّرْطِ فَلَزِمَهُ، كَالسُّتْرَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِيَتَحَقَّقَ الْعَدَمُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّيَمُّمِ، وَلِيَتَمَيَّزَ الْمَغْسُولُ عَنْ غَيْرِهِ، لِيَعْلَمَ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ مُطْلَقًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، فَعَلَى هَذَا يَتَيَمَّمُ، وَفِي وُجُوبِ إِرَاقَتِهِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ رِوَايَتَانِ، قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: فَلَوْ وَجَدَ الْجُنُبُ مَاءً يَكْفِي أَعْضَاءَ الْحَدَثِ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ الْفَرْضِ، غَسَلَهَا بِنِيَّةِ الْحَدَثَيْنِ جَمِيعًا، وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، فَتَحْصُلُ لَهُ الصُّغْرَى، وَبَعْضُ الْكُبْرَى كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا يَلْزَمُهُ كَالْجُنُبِ، وَالثَّانِي: لَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ، وَقِيلَ: يَسْتَعْمِلُهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا، صَحَّحَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ أَنَّ الْخِلَافَ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ كُلُّ عُضْوٍ بِنِيَّةٍ؛ وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ كَانَ يَكْفِي بَعْضَ عُضْوٍ، فَوَجْهَانِ. (وَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ لَزِمَهُ طَلَبُهُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] ، وَلَا يُقَالُ: لَمْ يَجِدْ إِلَّا لِمَنْ طَلَبَ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِهِ مَاءً لَا يَعْلَمُهُ، وَلَا يَرِدُ قَوْله تَعَالَى {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44] ، لِانْتِفَاءِ الطَّلَبِ مِنْهُمْ، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً» لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي جَانِبِ النَّفْيِ لَا الْإِثْبَاتِ فَيُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} [الأعراف: 102] لِاسْتِحَالَةِ الطَّلَبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُقَالُ: طَلَبَ مِنْهُمُ الثَّبَاتَ عَلَى الْعَهْدِ، وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ، فَلَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ إِلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ مُبْدَلِهِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ، كَالصِّيَامِ مَعَ الرَّقَبَةِ فِي الْكُفَّارِ، وَمَعَ الْهَدْيِ فِي الْحَجِّ، وَالْقِيَاسِ مَعَ النَّصِّ، وَالْمَيْتَةِ مَعَ الْمُذَكَّى، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلصَّلَاةِ يَخْتَصُّ بِهَا، فَلَزِمَهُ الِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِهِ عِنْدَ الْإِعْوَازِ كَالْقِبْلَةِ. 1 - ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةَ الطَّلَبِ فَقَالَ (فِي رَحْلِهِ) أَيْ: فِي مَسْكَنِهِ، وَمَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 لَزِمَهُ قَصْدُهُ وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ الطَّلَبُ. وَإِنْ نَسِيَ الْمَاءَ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] الْأَثَاثِ (وَمَا قَرُبَ مِنْهُ) عُرْفًا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْلَبُ فِيهِ الْمَاءُ عَادَةً، وَقِيلَ: قَدْرَ مِيلٍ أَوْ فَرْسَخٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَقِيلَ: مَا تَتَرَدَّدُ الْقَوَافِلُ إِلَيْهِ لِلرَّعْيِ وَالِاحْتِطَابِ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: مَدَّ نَظَرِهِ، وَقِيلَ: مَا يُدْرِكُهُ الْغَوْثُ بِشَرْطِ الْأَمْنِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَعَدَمِ فَوْتِ رُفْقَتِهِ، وَيَطْلُبُهُ فِي جِهَاتِهِ الْأَرْبَعِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي طَلَبِهِ، وَيَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ، وَإِنْ ظَنَّهُ فَوْقَ جَبَلٍ عَلَاهُ، وَإِنْ ظَنَّهُ وَرَاءَهُ، فَوَجْهَانِ مَعَ الْأَمْنِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِالْمَكَانِ سَأَلَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ رُفْقَةٌ زَادَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": يُدَلُّ عَلَيْهِمْ، طَلَبَ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَلْزَمُهُ فَلَوْ رَأَى خُضْرَةً أَوْ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَصَدَهُ وَاسْتَبْرَأَهُ، وَمَحَلُّ الطَّلَبِ عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَلَوْ طَلَبَ قَبْلَهُ جَدَّدَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ، لِأَنَّهُ طَلَبَ قَبْلَ الْمُخَاطَبَةِ بِهِ، كَالشَّفِيعِ إِذَا طَلَبَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ، وَيُعِيدُهُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَقِيبَهُ، بَلْ يَجُوزُ بَعْدَهُ من غير تَجْدِيد طَلَبٍ. (فَإِنْ دُلَّ) أَيْ: دَلَّهُ ثِقَةٌ (عَلَيْهِ لَزِمَهُ قَصْدُهُ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهَا شَرْطَ الْعِبَادَةِ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، فَلَزِمَهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الشُّرُوطِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ وَعَنْهُ: وَالْبَعِيدُ كَذَلِكَ (وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ الطَّلَبُ) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «التُّرَابُ كَافِيكَ مَا لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ» وَلِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ، وَاعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ كَالْفَقِيرِ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُ الرَّقَبَةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وَتَيَمَّمَ لَمْ يُجْزِئْهُ.   [المبدع في شرح المقنع] و" الْفُرُوعِ " إِذَا احْتَمَلَ وَجُودَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا، فَإِنْ قَطَعَ بِعَدَمِهِ لَمْ يَجِبْ، وَمَعَ ظَنِّ وَجُودِهِ يَجِبُ، حَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ إِجْمَاعًا، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ إِنْ ظَنَّ عَدَمَهُ ذَكَرَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ ". 1 - تَنْبِيهٌ: لَوْ مَرَّ بِمَاءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، أَوْ كَانَ مَعَهُ فَأَرَاقَهُ قَبْلَهُ، وَعَدِمَ الْمَاءَ، تَيَمَّمَ وَصَلَّى من غير إِعَادَة، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَفِي الْإِعَادَةِ أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: يَجِبُ فِي الْإِرَاقَةِ فَقَطْ، وَإِنْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ فِي الْوَقْتِ حَرُمَ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْأَشْهَرِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْأُضْحِيَّةِ، فَهُوَ عَاجِزٌ عَنِ التَّسْلِيمِ شَرْعًا، وَالثَّانِي: يَصِحُّ، لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْفَرْضِ، وَتَعَلُّقَهُ بِهِ، لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ، كَتَصَرُّفِهِ فِيمَا وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَتَصَرُّفِ الْمَدِينِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَيُعِيدُ إِنْ صَلَّى بِهِ مَعَ بَقَائِهِ، وَفِي التَّلَفِ وَجْهَانِ. (وَإِنْ نَسِيَ الْمَاءَ) أَوْ ثَمَنَهُ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " تَوْجِيهًا (بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَتَيَمَّمَ، لَمْ يُجْزِئْهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ، لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ وَاجِدًا، وَشَرْطُ إِبَاحَةِ التَّيَمُّمِ عَدَمُ الْوِجْدَانِ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ تَجِبُ مَعَ الذِّكْرِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ كَالْحَدَثِ، وَكَمَا لَوْ نَسِيَ الرَّقَبَةَ، وَكَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَكَنِسْيَانِ السُّتْرَةِ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ مَعَ النِّسْيَانِ غَيْرُ قَادِرٍ، أَشْبَهَ الْعَادِمَ، وَمِثْلُهُ الْجَاهِلُ بِهِ، فَلَوْ ضَلَّ عَنْ رَحْلِهِ الَّذِي الْمَاءُ فِيهِ، أَوْ كَانَ يَعْرِفُ بِئْرًا فَضَاعَتْ عَنْهُ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالنَّاسِي، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِدٍ، وَغَيْرُ مُفَرِّطٍ، بِخِلَافِ النَّاسِي، فَإِنْ كَانَ مَعَ عَبْدِهِ، وَنَسِيَهُ حَتَّى صَلَّى سَيِّدُهُ فَقِيلَ: لَا يُعِيدُ، لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: كَالنَّاسِي، لِنِسْيَانِهِ رَقَبَةً مَعَ عَبْدِهِ، لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، فَلَوْ صَلَّى ثُمَّ وَجَدَ بِقُرْبِهِ بِئْرًا، أَوْ غَدِيرًا، أَعَادَ إِنْ كَانَ لَهُ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً، وَطَلَبَ فَلَا. [التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ] (وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ) ، أَمَّا الْأَكْبَرُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ، وَلِلنَّجَاسَةِ عَلَى جُرْحٍ يَضُرُّهُ إِزَالَتُهَا   [المبدع في شرح المقنع] وَالْمُلَامَسَةُ الْجِمَاعُ، وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا، لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؛ فَقَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلَا مَاءَ فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْحَائِضُ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا كَالْجُنُبِ، وَأَمَّا الْأَصْغَرُ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» . وَلِأَنَّهُ إِذَا جَازَ لِلْجُنُبِ جَازَ لَهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَلِلنَّجَاسَةِ عَلَى جُرْحٍ يَضُرُّهُ إِزَالَتُهَا) أَيْ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلنَّجَاسَةِ عَلَى بَدَنِهِ إِذَا عَجَزَ عَنْ غَسْلِهَا، لِخَوْفِ الضَّرَرِ، أَوْ عَدَمِ الْمَاءِ فِي الْمَنْصُوصِ، لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ فِي الْبَدَنِ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ، أَشْبَهَتِ الْحَدَثَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِنَجَاسَةٍ أَصْلًا. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ يَسْرِي مَنْعُهَا، كَمَا لَوِ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ إِلَّا ظُفْرًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا وَرَدَ بِالتَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ، وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، لِأَنَّ الْغَسْلَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ دُونَ غَيْرِهِ، فَعَلَى هَذَا يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةِ ثَوْبِهِ كَالْمَكَانِ، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، لِأَنَّ الْبَدَنَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي التَّيَمُّمِ لِأَجْلِ الْحَدَثِ، فَدَخَلَ فِيهِ التَّيَمُّمُ لِأَجْلِ النَّجَسِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ فِيهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ إِنْ جَازَ أَسْفَلَ الْخُفِّ، وَكَذَا لَا يَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةِ اسْتِحَاضَةٍ يَتَعَذَّرُ إِزَالَتُهَا، وَلَا لِنَجَاسَةٍ يُعْفَى عَنْهَا. وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ لَهَا كَغَسْلِهَا، وَكَالِاسْتِجْمَارِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يَجِبُ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ بِخِلَافِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ، وَإِنِ اجْتَمَعَ مَعَهَا حَدَثٌ، فَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى تَيَمُّمَيْنِ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصَلَّى، فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ فِي الْحَضَرِ خَوْفًا مِنَ الْبَرْدِ، وَصَلَّى، فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] فِيهِ وَجْهَانِ (وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَصَلَّى، فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ طَهَارَةٌ نَابَ عَنْهَا التَّيَمُّمُ، فَلَمْ تَجِبِ الْإِعَادَةُ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ (إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّجَاسَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَيَمَّمَ (وَإِنْ تَيَمَّمَ فِي الْحَضَرِ خَوْفًا مِنَ الْبَرْدِ، وَصَلَّى، فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بِالْإِعَادَةِ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَأَمَرَهَ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ، الثَّانِيَةُ: بَلَى، لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ، فَوَجَبَ مَعَهُ الْإِعَادَةُ كَنِسْيَانِ الطَّهَارَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. [إِذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ] (وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ) زَادَ بَعْضُهُمْ، وَطِينًا يُجَفِّفُهُ إِنْ أَمْكَنَهُ، وَالْأَصَحُّ فِي الْوَقْتِ (صَلَّى) فَرْضًا فَقَطْ (عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَلِأَنَّ الْعَجْزَ عَنِ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ تَرْكَ الْمَشْرُوطِ، كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنِ السُّتْرَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَزِيدُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا يُجْزِئُ، وَفِي " شَرْحِ الْعُمْدَةِ ": يَتَوَجَّهُ فِعْلُ مَا شَاءَ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَثْبُتُ مَعَ إِمْكَانِ الطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ، حَتَّى لَوْ كَانَ جُنُبًا قَرَأَ بِأَكْثَرَ مِنَ الْفَاتِحَةِ، فَكَذَا فِيمَا يُسْتَحَبُّ خَارِجَهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَجَزَمَ جَدُّهُ، وَجَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ، وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إِذَا كَانَ جُنُبًا. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ مِنْ طُمَأْنِينَةٍ، وَنَحْوِهَا، وَإِنْ أَحْدَثَ فِيهَا بَطَلَتْ، وَهَلْ تَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ فِيهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ (وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ) أَصَحُّهُمَا: لَا يُعِيدُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِجَالًا فِي طَلَبِهَا، فَوَجَدُوهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 بِتُرَابٍ طَاهِرٍ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ فَإِنْ خَالَطَهُ ذُو غُبَارٍ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، فَسَقَطَ عِنْدَ الْعَجْزِ كَسَائِرِ شُرُوطِهَا، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُ فَقَدَ شَرْطَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ، وَلَوْ بِتَيَمُّمٍ فِي الْمَنْصُوصِ، لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ لا يشق، فَلَمْ تَسْقُطْ بِهِ الْإِعَادَةُ، فَعَلَيْهَا إِنْ قَدَرَ فِيهَا، خَرَجَ مِنْهَا، وَإِلَّا فَكَمُتَيَمِّمٍ يَجِدُ الْمَاءَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمَا فَرْضُهُ. [لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ] (وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ) أَيْ: طَهُورٍ غَيْرِ مُحْتَرِقٍ (لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ) هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] وَمَا لَا غُبَارَ لَهُ كَالصَّخْرِ لَا يُمْسَحُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّعِيدُ تُرَابُ الْحَرْثِ، وَالطَّيِّبُ: الطَّاهِرُ. وَيُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَجُعِلَ لِيَ التُّرَابُ طَهُورًا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، فَخَصَّ تُرَابَهَا بِحُكْمِ الطَّهَارَةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، وَقَوْلُ الْخَلِيلِ: إِنَّ الصَّعِيدَ وَجْهُ الْأَرْضِ، وَالزُّجَاجِ، مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] ، وَقَائِلًا بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ، يُعَارِضُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللُّغَةِ، وَقَوْلَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّفْسِيرِ، وَقَدْ تَأَكَّدَ بِقَوْلِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، وَقَالَ فِي " الْكَشَّافِ ": إِنَّ " مِنْ " لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ قَوْلٌ مُتَعَسِّفٌ، وَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَسَحْتُ بِرَأْسِهِ مِنَ الدُّهْنِ، وَمِنَ الْمَاءِ، وَالتُّرَابِ إِلَّا مَعْنَى التَّبْعِيضِ، وَالْإِذْعَانُ لِلْحَقِّ أَحَقُّ مِنَ الْمِرَاءِ. وَالثَّانِيَةُ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: يَجُوزُ بِالرَّمْلِ وَالسَّبْخَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَالتُّرَابُ بَعْضُ أَفْرَادِهَا، وَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهِ لَا يُخَصِّصُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْمَفْهُومِ لَا بِذِكْرِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَحَمَلَهُ الْخَلَّالُ عَلَى عَدَمِ التُّرَابِ، وَكَانَ لَهُمَا غُبَارٌ، وَشَرَطَ الْقَاضِي الْغُبَارَ دُونَ الْعَدَمِ. وَفِي ثَالِثَةٍ: يَجُوزُ بِكُلِّ مَا تَصَاعَدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ جِصٍّ وَنَوْرَةٍ، وَنَحْوِهِمَا، وَحَكَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا، وَذَلِكَ عِنْدَ الْعَدَمِ لَا مُطْلَقًا، وَفِي رَابِعَةٍ: يَجُوزُ بِالسَّبْخَةِ فَقَطْ إِذَا كَانَ لَهَا غُبَارٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَيْهِ يُنَزَّلُ كَلَامُ أَحْمَدَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَجُوزُ بِكُلِّ تُرَابٍ عَلَى أَيِّ لَوْنٍ كَانَ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى تُرَابٍ أَوْ لِبَدٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ شَعِيرٍ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ سَحَقَ الطِّينَ، وَتَيَمَّمَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ مَأْكُولًا كَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الطَّبْخِ، فَلَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ الطَّبْخَ أَخْرَجَهُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ مَقْبَرَةٍ تَكَرَّرَ نَبْشُهَا، وَإِنْ شَكَّ فِيهِ، فَوَجْهَانِ، وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، وَالتُّرَابُ الْمَغْصُوبُ كَالْمَاءِ. قَالَ الْمَجْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تُرَابَ مَسْجِدٍ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِتُرَابِ زَمْزَمَ مَعَ أَنَّهُ مَسْجِدٌ، وَقَالُوا: يُكْرَهُ إِخْرَاجُ حَصَى الْمَسْجِدِ وَتُرَابِهِ لِلتَّبَرُّكِ وَغَيْرِهِ، وَالْكَرَاهَةُ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابٍ غَيْرِهِ جَازَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ لِلْإِذْنِ فِيهِ عَادَةً وَعُرْفًا، كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضِهِ، وَقَالَ عُمَرُ: لَا يَتَيَمَّمُ بِالثَّلْجِ لَكِنْ إِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَتَعَذَّرَ تَذْوِيبُهُ فَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ: أَنَّهُ يَمْسَحُ بِهِ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ، وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي " لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا بِالْجَرَيَانِ (فَإِنْ خَالَطَهُ ذُو غُبَارٍ، وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 كَالْجِصِّ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ كَالْمَاءِ إِذَا خَالَطَتْهُ الطَّاهِرَاتُ. فَصْلٌ وَفَرَائِضُ التَّيَمُّمِ أَرْبَعَةٌ: مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ، وَيَدَيْهِ إِلَى كُوعَيْهِ، وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا يَتَيَمَّمُ لَهُ مِنْ حَدَثٍ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] كَالْجِصِّ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ كَالْمَاءِ إِذَا خَالَطَتْهُ الطَّاهِرَاتُ) هَذِهِ طَرِيقَةُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّهُ بَدَلٌ، فَيُقَاسُ عَلَى مُبْدَلِهِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ مُطْلَقًا، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَقْيَسُ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَصَلَ بِالْعُضْوِ مِنْهُ شَيْءٌ فَمَنَعَ وُصُولَ التُّرَابِ، وَالْمَائِعُ يُسْتَهْلَكُ فِي الْمَاءِ. تَنْبِيهٌ: مَا يَتَيَمَّمُ بِهِ وَاحِدٌ فَكَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ، وَقِيلَ: يَجُوزُ كَمَا تَيَمَّمَ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَأَعْجَبَ أَحْمَدَ حَمْلُ تُرَابٍ لِلتَّيَمُّمِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَيُكْرَهُ نَفْخُ الْغُبَارِ عَنْ يَدَيْهِ إِنْ قَلَّ، وَعَنْهُ: أَوْ كَثُرَ، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا إِلَّا أَنْ يَذْهَبَ كُلُّهُ بِالنَّفْخِ. [فَرَائِضُ التَّيَمُّمِ] فَصْلٌ (وَفَرَائِضُ التَّيَمُّمِ أَرْبَعَةٌ: مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ، وَيَدَيْهِ إِلَى كُوعَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ، وَفِي الْبُخَارِيِّ: «وَضَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ» وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ اسْتِيعَابِهِمَا بِهِ، فَالْوَجْهُ يَجِبُ مَسْحُ ظَاهِرِهِ بِمَا لَا يَشُقُّ، فَلَا يَمْسَحُ بَاطِنَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَلَا بَاطِنَ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ، وَظَاهِرُ " الْمُسْتَوْعِبِ " اسْتِثْنَاءَ بَاطِنِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فَقَطْ، وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ، فَإِذَا كَانَ أُقْطِعَ مِنْهُ، وَجَبَ مَسْحُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ فِي الْمَنْصُوصِ، كَمَا لَوْ بَقِيَ مِنَ الْكَفِّ بَقِيَّةٌ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا لَوْ قُطِعَ مِنْ فَوْقِ الْكُوعِ عَلَى الْمَنْصُوصِ. (وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ) عُرْفًا (عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُمَا فَرْضٌ فِي الْمُبْدَلِ، فَكَذَا فِي الْبَدَلِ، وَالثَّانِيَةُ، وَحَكَاهَا فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا: لَا يَجِبَانِ، وَإِنْ وَجَبَا فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، وَقِيلَ: التَّرْتِيبُ، قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 غَيْرِهِ فَإِنْ نَوَى جَمِيعَهَا، جَازَ، وَإِنْ نَوَى أَحَدَهَا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْآخَرِ، وَإِنْ نَوَى   [المبدع في شرح المقنع] الْمَجْدُ: هُوَ قِيَاسٌ، وَلِهَذَا يُجْزِئُهُ مَسْحُ بَاطِنِ أَصَابِعِهِ مَعَ مَسْحِ وَجْهِهِ، وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى، لِأَنَّهَا صِفَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، فَإِنَّ صِفَتَيْهِمَا مُخْتَلِفَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ فِيهَا، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَقِيلَ: بَلَى، وَقِيلَ: مُوَالَاةٌ، وَالتَّسْمِيَةُ هُنَا كَالْوُضُوءِ. (وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا يَتَيَمَّمُ لَهُ مِنْ حَدَثٍ، أَوْ غَيْرِهِ) كَنَجَاسَةٍ عَلَى بَدَنِهِ، فَيَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَالْحَدَثِ إِنْ كَانَا أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ بَعْضِ بَدَنِهِ، أَوْ كُلِّهِ، وَنَحْوِهِ. أَوْ مَا شَرْطُهُ الطَّهَارَةُ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ، لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، فَلَمْ تَرْفَعِ الْحَدَثَ، كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ التَّعْيِينِ تَقْوِيَةً لِضَعْفِهِ، فَلَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ التَّيَمُّمِ إِجْمَاعًا، وَلَوْ رَفَعَهُ لَاسْتَوَى الْجَمِيعُ فِي الْوِجْدَانِ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ، وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِ إِلَى حَدَثِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَيَرْفَعُ الْحَدَثَ كَطَهَارَةِ الْمَاءِ، وَفِيهِ حَدِيثَانِ مُتَعَارِضَانِ، حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا: بِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ إِطْلَاقِ الْحَدَثِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ بِزَوَالِ الْبَرْدِ، أَوْ وُجُودِ الْمَاءِ، يَظْهَرُ حُكْمُ الْحَدَثِ، وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ، فَالْمَانِعُ لَمْ يَزَلْ رَأْسًا، وَفِي الثَّانِي: حُكِمَ بِأَنَّهُ طَهُورٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، فَيُسْتَبَاحُ بِهِ مَا يُسْتَبَاحُ بِالْمَاءِ (فَإِنْ نَوَى جَمِيعَهَا جَازَ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ فَيَكُونُ مَنْوِيًّا (وَإِنْ نَوَى أَحَدَهَا، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْآخَرِ) لأنها أَسْبَاب مُخْتَلِفَة، فَلَمْ يُجْزِئْهُ بَعْضٌ عَنْ آخَرَ كَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَقِيلَ: بَلَى، لِأَنَّ طَهَارَتَهُمَا وَاحِدَةٌ، فَسَقَطَتْ إِحْدَاهُمَا بِفِعْلِ الْأُخْرَى كَالْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ، وَأَجَابَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " بِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ بِدَلِيلِ الْإِجْزَاءِ بِهِ عَنِ الْآخَرِ فِي الْوُضُوءِ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ ": أَنَّهُ يُجْزِئُ إِنْ كَانَا غُسْلَيْنِ، فَإِنْ تَيَمَّمَ لِلْأَكْبَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 نَفْلًا أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ لِلصَّلَاةِ لَمْ يُصَلِّ إِلَّا نَفْلًا وَإِنْ نَوَى فَرْضًا، فَلَهُ فِعْلُهُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَقَضَاءُ الْفَوَائِتِ وَالتَّنَفُّلُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ. وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ   [المبدع في شرح المقنع] دُونَ الْأَصْغَرِ أُبِيحَ لَهُ مَا يُبَاحُ لِلْمُحْدِثِ فَقَطْ، فَإِنْ أَحْدَثَ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي تَيَمُّمِهِ. وَإِنَّ تَيَمَّمَ لَهُمَا، ثُمَّ أَحْدَثَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ فَقَطْ، فَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنَ الْحَيْضِ لَهُ، ثُمَّ أَجْنَبَتْ، فَلَهُ الْوَطْءُ لِبَقَاءِ حُكْمَيْ تَيَمُّمِ الْحَيْضِ (وَإِنْ نَوَى نَفْلًا) لَمْ يَسْتَبِحْ سِوَاهُ، لِأَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِمَنْوِيٍّ، أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ لِلصَّلَاةِ لَمْ يُصَلِّ إِلَّا نَفْلًا) لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ فِي الْفَرْضِ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَأُبِيحَ لَهُ التَّنَفُّلُ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ، وَقِيلَ: مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِهِ نَفْلًا فَوْقَ رَكْعَتَيْنِ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ بِلَا نِيَّةٍ (وَإِنْ نَوَى فَرْضًا) سَوَاءٌ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ مُطْلَقَةً (فَلَهُ فِعْلُهُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَقَضَاءُ الْفَوَائِتِ وَالتَّنَفُّلُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ) وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، صَلَّى بِهِ فُرُوضًا وَنَوَافِلَ. وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَنَذْرًا، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَحْكِ بِهِ نصا، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَمَعْنَاهُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ صَحِيحَةٌ، أَبَاحَتْ فَرْضًا فَأَبَاحَتْ مَا هُوَ مِثْلُهُ، كَطَهَارَةِ الْمَاءِ. وَعَنْهُ: لَا يَجْمَعُ بِهِ بَيْنَ فَرْضَيْنِ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَيْهَا لَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ مِمَّا شَاءَ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، مَعَ أَنَّ حَرْبًا رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: التَّيَمُّمُ بِمَنْزِلَةِ الْوُضُوءِ يُصَلِّي بِهِ الصَّلَوَاتِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ قَبْلَ الْفَرْضِ، ثُمَّ يُصَلِّيهَا، وَمَا شَاءَ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا عَنْ أَيِّ شَيْءٍ تَيَمَّمَ، وَعَنْهُ: لَا يَتَنَفَّلُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ، فَإِنْ خَالَفَ وَصَلَّى، لَمْ يَفْعَلْ بِهِ الْفَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَضَابِطُهُ أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا اسْتَبَاحَهُ، وَمِثْلَهُ وَدُونَهُ، فَالنَّذْرُ دُونَ مَا وَجَبَ شَرْعًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ، وَفَرْضُ كِفَايَةٍ دُونَ فَرْضِ عَيْنٍ، وَفَرْضُ جِنَازَةٍ أَعْلَى مِنْ نَافِلَةٍ، وَقِيلَ: يُصَلِّيهَا بِتَيَمُّمِ نَافِلَةٍ، وَيُبَاحُ الطَّوَافُ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ فِي الْأَشْهَرِ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا، خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي، وَلَا تُبَاحُ نَافِلَةٌ بِنِيَّةِ مَسِّ مُصْحَفٍ، وَطَوَافٍ فِي الْأَشْهَرِ. وَإِنْ تَيَمَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] جُنُبٌ لِقِرَاءَةٍ أَوْ مَسِّ مُصْحَفٍ فَلَهُ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ الْقَاضِي: وَجَمِيعُ النَّوَافِلِ، لِأَنَّهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِمَسِّ مُصْحَفٍ فَلَهُ الْقِرَاءَةُ لَا العكس، وَلَا يَسْتَبِيحُهَا بِنِيَّةِ اللُّبْثِ، وَتُبَاحُ الثَّلَاثَةُ بِنِيَّةِ الطَّوَافِ لَا الْعَكْسِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِمَسِّ مُصْحَفٍ، فَفِي نَفْلِ طَوَافٍ وَجْهَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي " إِنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِقِرَاءَةٍ أَوْ لُبْثٍ أَوْ مَسِّ مُصْحَفٍ، لَمْ يَسْتَبِحْ غَيْرَهُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَفِيهِ بُعْدٌ. [مَا يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ] (وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ، كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ شَرْطًا كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، وَخَرَّجَهُ السَّامِرِيُّ عَلَى وُجُودِ الْمَاءِ فِيهَا، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الَّتِي تَلِيهَا قَالَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَفَائِدَتُهُ: هَلْ يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ زَوَالِهَا، وَفِي ثَالِثٍ: تَبْطُلُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاةِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا، فَيُبَاحُ بِهِ غَيْرُهَا. فَلَوْ كَانَ تَيَمُّمُهُ في غير وَقْتَ صَلَاةٍ، كَالتَّيَمُّمِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَطَلَ بِزَوَالِهَا، وَلَوْ نَوَى الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، فَتَيَمَّمَ فِي وَقْتِ الْأُولَى لَهَا، أَوْ لِفَائِتَةٍ، لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ بِدُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ وَقْتَيْهِمَا قَدْ صَارَا وَقْتًا وَاحِدًا، وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا إِذَا تَيَمَّمَ لِطَوَافٍ أَوْ جِنَازَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ، وَخَرَجَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ كَالْفَرِيضَةِ. وَعَنْهُ: إِنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ، ثُمَّ جِيءَ بِأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ يُمْكِنُهُ التَّيَمُّمُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا حَتَّى يَتَيَمَّمَ لَهَا، وَإِلَّا صَلَّى، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّ النَّفْلَ الْمُتَوَاصِلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الْوَقْتِ وَوُجُودِ الْمَاءِ، وَمُبْطِلَاتِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ثُمَّ خَلَعَهُ، لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَبْطُلُ، وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] هُنَا، كَتَوَاصُلِ الْوَقْتِ لِلْمَكْتُوبَةِ، قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِهِ مَا لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ كَمَسِّ مُصْحَفٍ وَطَوَافٍ، فَعَلَى هَذَا النَّوَافِلُ الْمُؤَقَّتَةُ كَالْوِتْرِ، وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وَالْكُسُوفِ، يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لَهَا بِخُرُوجِ وَقْتِ النَّافِلَةِ، وَالنَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا تَوَاصُلُ الْفِعْلِ كَالْجِنَازَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْتَدَّ وَقْتُهَا إِلَى وَقْتِ النَّهْيِ عَنْ تِلْكَ النَّافِلَةِ. (وَوُجُودِ الْمَاءِ) الْمَعْجُوزِ عَنْهُ إِجْمَاعًا، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَشَرْطُهُ: أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَعَطَشٍ، وَمَرَضٍ، وَأَلْحَقَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ مَا إِذَا رَأَى رَكْبًا ظَنَّ مَعَهُ مَاءً أَوْ خُضْرَةً، وَنَحْوَهُ، أَوْ سَرَابًا ظَنَّهُ مَاءً، قُلْنَا: بِوُجُوبِ الطَّلَبِ، وَسَوَاءٌ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ظَنِّهِ أَوْ لَا، فَإِنْ وَجَدَهُ، وَإِلَّا اسْتَأْنَفَ التَّيَمُّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَبْطُلَ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ لَا تَزُولُ بِالشَّكِّ. (وَمُبْطِلَاتُ الْوُضُوءِ) لِأَنَّهُ إِذَا بَطَلَ الْأَصْلُ بَطَلَ بَدَلُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، لَكِنْ إِنْ كَانَ تَيَمُّمُهُ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ فَهُوَ كَمَا ذَكَرَهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ جَنَابَةٍ فَيَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَمُوجِبَاتِ الْغُسْلِ، وَإِنْ كَانَ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ إِلَّا بِحَدَثِهِمَا أَوْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. (فَإِنْ تَيَمَّمَ، وَعَلَيْهِ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ) كَعِمَامَةٍ وَخُفٍّ (ثُمَّ خَلَعَهُ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ) فِي اخْتِيَارِ الْمُؤَلِّفِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ لَمْ يَمْسَحْ فِيهَا عَلَيْهِ، فَلَا يَبْطُلُ بِنَزْعِهِ كَالْمَلْبُوسِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْمَلْبُوسُ مِمَّا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَائِلُ أَوْ بَعْضُهُ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ بَطَلَ بِخَلْعِهِ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. (وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَبْطُلُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ لِلْوُضُوءِ، فَأَبْطَلَ التَّيَمُّمَ كَسَائِرِ الْمُبْطِلَاتِ، وَيُجَابُ: بِأَنَّ مُبْطِلَ الْوُضُوءِ نَزْعُ مَا هُوَ مَمْسُوحٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ هُنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 تَجِبْ إِعَادَتُهَا، وَإِنْ وَجَدَهُ فِيهَا بَطَلَتْ. وَعَنْهُ: لَا تَبْطُلُ. وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] [الْمُتَيَمِّمُ إِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا] (وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ تَجِبْ إِعَادَتُهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ، فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا، فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُعِدِ الْآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: أَصَبْتَ السُّنَّةَ، وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ، وَقَالَ لِلَّذِي أَعَادَ: لَكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مُتَّصِلًا، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ تَيَمَّمَ وَهُوَ يَرَى بُيُوتَ الْمَدِينَةِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَلَمْ يُعِدْ. وَلِأَنَّهُ أَدَّى صَلَاتَهُ بِطَهَارَةٍ صَحِيحَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدَّاهَا بِالْمَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعٌ فِيمَا إِذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَعَنْهُ: يُسَنُّ، وَلَا يَلْزَمُ إِعَادَةُ صَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَإِنْ لَزِمَ غَسْلُهُ فِي وَجْهٍ. (وَإِنْ، وَجَدَهُ) أَيْ: حَقِيقَةً (فِيهَا) وَفِي طَوَافٍ (بَطَلَتْ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، أَشْبَهَ الْخَارِجَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَكَالْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، فَعَلَيْهَا يَخْرُجُ فَيَتَطَهَّرُ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُهَا، لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْهَا انْبَنَى عَلَى طَهَارَةٍ ضَعِيفَةٍ، كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، بِخِلَافِ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يَبْنِي، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ كَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُهَا، فَهُنَا أَوْلَى. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَعَنْهُ: لَا تَبْطُلُ) نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ، وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، كَمَا لَوْ وَجَدَ الرَّقَبَةَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالصِّيَامِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرُّوذِيَّ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ قَالَ: كُنْتُ أَقُولُ: يَمْضِي، فَإِذَا الْأَحَادِيثُ أَنَّهُ يَخْرُجُ، فَدَلَّ عَلَى رُجُوعِهِ، وَبِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْوَاجِبُ نَفْسُهُ، فَنَظِيرُهُ إِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 آخِرِ الْوَقْتِ لِمَنْ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ وَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِهِ، ثُمَّ الْفَرْقُ بِأَنَّ مُدَّةَ الصِّيَامِ تَطُولُ فَيَشُقُّ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ الشَّاقَّيْنِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَعَلَيْهَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَقِيلَ: هُوَ أَفْضَلُ، وَقِيلَ: خُرُوجُهُ أَفْضَلُ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي جَعْفَرٍ، لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، فَإِنْ عَيَّنَ نَفْلًا أَتَمَّهُ، وَإِلَّا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَقَلِّ الصَّلَاةِ، وَمَتَى فَرَغَ مِنْهَا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَعَلَيْهَا لَوْ وَجَدَهُ فِي صَلَاةٍ عَلَى مَيِّتٍ يُمِّمَ، بَطَلَتْ، وَغُسِّلَ فِي الْأَصَحِّ، وَيَلْزَمُ مَنْ تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةٍ، وَوَطْءٍ، وَنَحْوِهِ، التَّرْكُ. فَرْعٌ: لَوِ انْقَلَبَ الْمَاءُ فِيهَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِنْ عَلِمَ بِتَلَفِهِ فِيهَا بَقِيَ تَيَمُّمُهُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ، فَلَمَّا فَرَغَ، شَرَعَ فِي طَلَبِهِ، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ. [تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِمَنْ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ] (وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِمَنْ) يَعْلَمُ أَوْ (يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ فِي نَفْسِهَا فَرِيضَةٌ، وَالصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَضِيلَةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ انْتِظَارَ الْفَرِيضَةِ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَرْجُهُ بَلْ ظَنَّ أَوْ عَلِمَ عَدَمَهُ، فَالتَّقْدِيمُ أَوْلَى، لِئَلَّا يَتْرُكَ الْفَضِيلَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ لِأَمْرٍ غَيْرِ مَرْجُوٍّ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيمُ أَفْضَلُ إِلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ وُجُودُهُ فِي الْوَقْتِ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، و" الْفُرُوعِ " أَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ عَنْهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ لِئَلَّا يَذْهَبَ خُشُوعُهَا وَتَأْخِيرُهَا لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، فَتَأْخِيرُهَا لِإِدْرَاكِ الطَّهَارَةِ أَوْلَى، وَلِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ إِذْ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ إِلَّا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ. (وَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ) لِحَدِيثِ عَطَاءٍ السَّابِقِ، وَلِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فِي حَالٍ العذر أَشْبَهَ مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا أَوْ جَالِسًا لِمَرَضٍ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى السُّتْرَةِ، وَبَرِئَ فِي الْوَقْتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ، وَهُوَ إِجْمَاعٌ فِيمَا إِذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَكَذَا إِنْ وَجَدَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَالسُّنَّةُ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ وَيُسَمِّيَ وَيَضْرِبَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيِ الْأَصَابِعِ عَلَى التُّرَابِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَيَمْسَحَ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ، وَكَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي:   [المبدع في شرح المقنع] فِيهِ عَلَى الْمَجْزُومِ بِهِ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَأَحَبَّ أَنْ يُعِيدَ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى جَوَازِ الْإِعَادَةِ مِنْ غَيْرِ فَضْلٍ. [كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ] (وَالسُّنَّةُ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ) اسْتِبَاحَةَ مَا تَيَمَّمَ لَهُ (وَيُسَمِّيَ) وَكَذَا فِي " الْوَجِيزِ " وَعَبَّرَ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " بِـ " ثُمَّ "، وَهُوَ أَوْلَى (وَيَضْرِبَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيِ الْأَصَابِعِ) لِيُدْخِلَ الْغُبَارَ بَيْنَهُمَا وَيَنْزِعَ خَاتَمَهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ، بَلِ الْقَصْدُ حُصُولُ التُّرَابِ فِي مَحَلِّهِ، فَلَوْ كَانَ نَاعِمًا فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ أَوْصَلَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِيَدٍ أَوْ بَعْضِهَا جَازَ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى، وَصَمَدَ لِلرِّيحِ حَتَّى عَمَّتْ مَحَلَّ الْفَرْضِ بِالتُّرَابِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، كَمَا لَوْ صَمَدَ لِلْمَطَرِ حَتَّى جَرَى عَلَى أَعْضَائِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَصْدِ الصَّعِيدِ وَالْمَسْحِ بِهِ، وَفِي ثَالِثٍ: يُجْزِئُ إِنْ مَسَحَ بِيَدَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى حَصَلَ فِي الْمَحَلِّ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا (عَلَى التُّرَابِ) الطَّهُورِ (ضَرْبَةً وَاحِدَةً) لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ التَّيَمُّمَ بِضَرْبَةٍ وَبِضَرْبَتَيْنِ وَأَكْثَرَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِيصَالُ التُّرَابِ إِلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَكَيْفَمَا حَصَلَ جَازَ كَالْوُضُوءِ، وَفِي " الْمُغْنِي " لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا تُسَنُّ الزِّيَادَةُ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ إِذَا حَصَلَ الِاسْتِيعَابُ بِهِمَا، وَالْمَنْصُوصُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْوَاجِبُ بِلَا نِزَاعٍ لِمَا رَوَى عَمَّارٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ مُعَلَّقٌ عَلَى مُطْلَقِ الْيَدِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الذِّرَاعُ، لِأَنَّهَا فِي خطاب الشَّرْعِ إِلَى الْكُوعِ، بِدَلِيلِ السَّرِقَةِ وَالْمَسِّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الْمَسْنُونُ ضَرْبَتَانِ، يَمْسَحُ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ، وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَيَضَعُ بُطُونَ أَصَابِعِ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى، وَيُمِرُّهَا إِلَى مِرْفَقِهِ، وَيُدِيرُ بَطْنَ كَفِّهِ إِلَى بَطْنِ الذِّرَاعِ، وَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ، وَيُمِرُّ إِبْهَامَ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ إِبْهَامِ الْيُمْنَى، وَيَمْسَحُ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى كَذَلِكَ، وَيَمْسَحُ إِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَيُخَلِّلُ   [المبدع في شرح المقنع] لَا يُقَالُ: هِيَ مُطْلَقَةٌ فِيهِ مُقَيَّدَةٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الطَّهَارَةِ، لِأَنَّ الْحَمْلَ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، كَالْعِتْقِ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْعِتْقِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَالتُّرَابُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ، وَهُوَ يُشْرَعُ فِيهِ التَّثْلِيثُ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِيهِ، وَالْوَجْهُ يُغْسَلُ مِنْهُ بَاطِنُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ بِخِلَافِهِ هُنَا، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ (فَيَمْسَحَ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ، وَكَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ) عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، فَلَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَمِينِهِ، وَيَمِينَهُ بِيَسَارِهِ أَوْ عَكَسَ، وَخَلَّلَ أَصَابِعَهُ فِيهِمَا، صَحَّ. وَاسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ بِالْمَسْحِ وَاجِبٌ سِوَى مَا يَشُقُّ وَصُولُ التُّرَابِ إِلَيْهِ. (وَقَالَ الْقَاضِي) وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ: (الْمَسْنُونُ ضَرْبَتَانِ، يَمْسَحُ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ، وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الزَّاغُونِيِّ: ابْنُ عُمَرَ تَيَمَّمَ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةً إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَبِهَذَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يَأْخُذُونَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنْ قَالَ ضَرْبَتَيْنِ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ زَادَهُ يَعْنِي: لَا يَصِحُّ، وَقَالَ الْخَلَّالُ: الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ ضِعَافٌ جِدًّا، وَلَمْ يَرْوِ مِنْهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. (فَيَضَعُ بُطُونَ أَصَابِعِ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى، وَيُمِرُّهَا إِلَى مِرْفَقِهِ، وَيُدِيرُ بَطْنَ كَفِّهِ إِلَى بَطْنِ الذِّرَاعِ، وَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ، وَيُمِرُّ إِبْهَامَ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ إِبْهَامِ الْيُمْنَى، وَيَمْسَحُ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى كَذَلِكَ) لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الْأَصَابِعَ. وَمَنْ حُبِسَ فِي الْمِصْرِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَا الْجِنَازَةِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِلْجِنَازَةِ وَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] مِنَ الْخِلَافِ، إِذْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُوجِبُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " الْكَافِي " أَنَّ هَذَا مُبَاحٌ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فَإِنْ بَقِيَ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ شَيْءٌ لَمْ يَصِلْهُ التُّرَابُ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْصِلْ رَاحَتَهُ، فَإِنْ فَصَلَهَا، وَكَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا غُبَارٌ، جَازَ أَنْ يَمْسَحَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ احْتَاجَ إِلَى ضَرْبَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنَ الْوَجْهِ مَسَحَهُ، وَأَعَادَ مَسْحَ يَدَيْهِ لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا، وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْمُوَالَاةِ اسْتَأْنَفَ التَّيَمُّمَ (وَيَمْسَحُ إِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى) لِيُمِرَّ التُّرَابَ بَعْدَ الضَّرْبِ، وَلَا يَجِبُ، لِأَنَّ فَرْضَهُمَا قَدْ سَقَطَ بِإِمْرَارِ كُلِّ وَاحِدة عَلَى ظَهْرِ الْكَفِّ (وَيُخَلِّلُ الْأَصَابِعَ) قِيَاسًا عَلَى مُبْدَلِهِ. 1 - (وَمَنْ حُبِسَ فِي الْمِصْرِ) وَاحِدُ الْأَمْصَارِ أَوْ قَطَعَ عَدُوٌّ مَاءً عَنْ بَلْدَةٍ، وَعَدِمَ (صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ) لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ أَشْبَهَ الْمُسَافِرَ (وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ بِالْبَدَلِ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ كَالْمُسَافِرِ (وَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَبَاحَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَهَذَا وَاجِدٌ لَهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ، وَخُرُوجُ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ (وَلَا الْجِنَازَةِ) هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا قُلْنَاهُ (وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِلْجِنَازَةِ) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمع، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا بِالْوُضُوءِ، أَشْبَهَ الْعَادِمَ، وَالْمُرَادُ بِهِ فَوْتُهَا مَعَ الْإِمَامِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَإِنْ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ، فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِعِيدٍ، وَنَحْوِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ كَفَوْتِ الْعِيدِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ حَيْضٍ، فَبُذِلَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمْ لِأَوْلَاهُمْ بِهِ، فَهُوَ لِلْمَيِّتِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِلْحَيِّ. وَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ فِيهِ وَجْهَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَالْجُمُعَةِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْجِنَازَةِ، لِأَنَّهَا لَا تُعَادُ، وَجَعَلَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَصْلًا لِلْمَنْعِ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَالسُّجُودُ يُخَرَّجُ عَلَى الْجِنَازَةِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ وَصَلَ مُسَافِرٌ إِلَى بِئْرِ مَاءٍ، وَعَلَيْهِ ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا بَعْدَهُ أَوْ عَلِمَهُ قَرِيبًا، وَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ أَنَّهُ كَقُدْرَتِهِ عَلَى مَاءِ بِئْرٍ بِثَوْبٍ يَبُلُّهُ ثُمَّ يَعْصِرُهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إِنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ، وَلَوْ خَافَ الْوَقْتَ، وَقِيلَ: بَلَى، فَيُسْتَثْنَى، اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إِلَى الْحَمَّامِ، لَكِنْ لَا يُمَكِنُهُ الْخُرُوجُ إِلَّا بِفَوَاتِ الْوَقْتِ، كَالْمَرْأَةِ مَعَهَا أَوْلَادُهَا، وَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تُغَسِّلَهُمْ تَتَيَمَّمُ، وَتُصَلِّي خَارِجَ الْحَمَّامِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. فَرْعٌ: إِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مَسْنُونٌ، كَجُمُعَةٍ، فَهَلْ يُسَنُّ التَّيَمُّمُ عَنْهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ الْمَنْصُوصَ: أَنَّهُ يُشْرَعُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، وَصَحَّحَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا يُسَنُّ عَنْ غُسْلِ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّهُ غُسْلٌ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَلَمْ يُسْتَحَبَّ التَّيَمُّمُ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالْجُمُعَةِ. 1 - (وَإِنِ اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ حَيْضٍ، فَبُذِلَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمْ لِأَوْلَاهُمْ بِهِ، فَهُوَ لِلْمَيِّتِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " و" الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ تَنْظِيفُهُ، وَلَا يَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ، وَالْحَيُّ يَقْصِدُ بِغُسْلِهِ إِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالتُّرَابِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا، فَلِلْحَيِّ أَخْذُهُ لِطَهَارَتِهِ بِثَمَنِهِ فِي مَوْضِعِهِ، لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ إِتْلَافَهُ، أَمَّا إِذَا احْتَاجَ الْحَيُّ إِلَيْهِ لِعَطَشٍ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي الْأَصَحِّ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِلْحَيِّ) اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ الْمَيِّتُ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَنَحْوِهَا. (وَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ فِيهِ وَجْهَانِ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ إِزَالَتُهَا بِغَيْرِ الْمَاءِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُزَالُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ كَالْخَلِّ   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدُهُمَا: تُقَدَّمُ الْحَائِضُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " لِأَنَّهَا تَقْضِي حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقَّ زَوْجِهَا فِي إِبَاحَةِ وَطْئِهَا. وَالثَّانِي: يُقَدَّمُ الْجُنُبُ قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لِأَنَّ غُسْلَهُ ثَابِتٌ بِصَرِيحِ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ غُسْلِهَا. وَفِي ثَالِثٍ: يُقَدَّمُ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّهُ يَصْلُحُ إِمَامًا لَهَا، وَهُوَ مُفَضَّلٌ عَلَيْهَا. وَفِي رَابِعٍ: يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا أَيْ: إِذَا احْتَمَلَهَا. وَفِي خَامِسٍ: يُقْرَعُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِهِمْ نَجَاسَةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ فَهُوَ أَوْلَى، لِأَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ لَهَا بَدَلٌ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ، وَتُقَدَّمُ نَجَاسَةُ ثَوْبِهِ عَلَى نَجَاسَةِ بَدَنِهِ، وَنَجَاسَةُ بَدَنِهِ عَلَى نَجَاسَةِ السَّبِيلَيْنِ، وَقِيلَ: الْمَيِّتُ أَوْلَى، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ، وَيُقَدَّمُ جُنُبٌ عَلَى مُحْدِثٍ، وَقِيلَ: سَوَاءٌ، وَقِيلَ: الْمُحْدِثُ إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ مَنْ تَطَهَّرَ بِهِ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَفَاهُ فَقَطْ، قُدِّمَ، وَقِيلَ: الْجُنُبُ، فَإِنْ تَطَهَّرَ بِهِ غَيْرُ الْأَوْلَى كَانَ مُسِيئًا مَعَ صِحَّةِ طَهَارَتِهِ ذَكَرَهُ، فِي " الشَّرْحِ " و" الْفُرُوعِ " لِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي الْمَاءِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ. وَإِنْ وُجِدَ الْمَاءُ فِي مَكَانٍ فَهُوَ لِلْأَحْيَاءِ، لِأَنَّهُ لَا وِجْدَانَ لِلْمَيِّتِ. [بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ] [إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ] بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ كَذَا عَبَّرَ فِي " الْوَجِيزِ " وَالْمُرَادُ بِهِ تَطْهِيرُ مَوَارِدِ الْأَنْجَاسِ الْحُكْمِيَّةِ (لَا يَجُوزُ إِزَالَتُهَا بِغَيْرِ الْمَاءِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، لِمَا رَوَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؛ قَالَ: تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وَنَحْوِهِ. وَيَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، فَإِنْ جَعَلَ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَرَ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُشْتَرَطَةٌ، أَشْبَهَتْ طَهَارَةَ الْحَدَثِ، فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ طَهُورًا، فَتَكُونُ اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ، فَلَا تُزَالُ بِطَاهِرٍ وَلَا غَيْرِ مُبَاحٍ عَلَى الْأَصَحِّ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُزَالُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ كَالْخَلِّ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْلَقَ الْغَسْلَ فِي حَدِيثِ الْوُلُوغِ، فَتَقْيِيدُهُ بِالْمَاءِ يَفْتَقِرُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ طَاهِرٌ مُزِيلٌ أَشْبَهَ الْمَاءَ (وَنَحْوِهِ) كَمَاءِ الْوَرْدِ، وَالشَّجَرِ، وَقِيلَ: يُزَالُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ لَا بِخَلٍّ، وَنَحْوِهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ، أَنَّا إِنْ قُلْنَا: لَا يَنْجُسُ كَثِيرُ خَلٍّ وَمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِمَا بِدُونِ تَغَيُّرِهِ بِنَجَاسَةٍ لِمَا فِيهِ، جَازَتْ إِزَالَتُهَا بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ خَلٍّ وَنَحْوِهِ فِي الْإِزَالَةِ تَخْفِيفًا، وَإِنْ لَمْ يُطَهِّرْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا لَا يُزِيلُ كَالْمَرَقِ وَاللَّبَنِ أَنَّهَا لَا تُزَالُ بِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ لِإِفْسَادِ الْمَالِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لَهَا النِّيَّةُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقِيلَ: فِي بَدَنٍ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " فِي طَهَارَتِهِ بِصَوْبِ الْغَمَامِ، وَفِعْلِ مَجْنُونٍ وَطِفْلٍ احْتِمَالَانِ، وَلَا يُعْقَلُ لِلنَّجَاسَةِ مَعْنًى ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. [غَسْلُ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ] (وَيَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ) وَمُتَوَلَّدٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: «فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَلَهُ أَيْضًا: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَلَوْ كَانَ سُؤْرُهُ طَاهِرًا لَمْ يَجُزْ إِرَاقَتُهُ، وَلَا وَجَبَ غَسْلُهُ، وَالْأَصْلُ وُجُوبُهُ عَنْ نَجَاسَةٍ، وَلَمْ يُعْهَدِ التَّعَبُّدُ إِلَّا فِي غُسْلِ الْبَدَنِ، وَالطُّهُورُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي مَحَلِّ الطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعَبُّدًا لَمَا اخْتَصَّ الْغُسْلَ بِمَوْضِعِ الْوُلُوغِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فِي الْإِنَاءِ كُلِّهِ، وَعَنْهُ: طَهَارَةُ شَعْرٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَنْهُ: طَهَارَةُ سُؤْرِهِمَا، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ عَلَى طَهَارَتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَلَمْ يَأْمُرْ بِغَسْلِ أَثَرِ فَمِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِأَكْلِهِ، وَرَسُولَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 مَكَانَهُ أُشْنَانًا أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَفِي سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ،   [المبدع في شرح المقنع] - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِغَسْلِهِ، فَيُعْمَلُ بِأَمْرِهِمَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، فَلِأَنَّهُ يَشُقُّ فَعُفِيَ عَنْهُ. (سَبْعًا) تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْأَرْضِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَعَنْهُ: يُغْسَلُ ثَمَانِيًا بِتُرَابٍ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْقِلٍ مَرْفُوعًا: «فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ عَدَّ التُّرَابَ ثَامِنَةً لِكَوْنِهِ جِنْسًا آخَرَ، وَعَنْهُ: اخْتِصَاصُ الْعَدَدِ بِالْوُلُوغِ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ الْعَدَدُ فِي غَيْرِ الْآنِيَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْكَلْبِ، فَالْخِنْزِيرُ شَرٌّ مِنْهُ، لِنَصِّ الشَّارِعِ عَلَى تحريمه وَحُرْمَةِ اقْتِنَائِهِ، فَثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَادُونَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ فِي الْخِنْزِيرِ عَدَدًا، وَعَنْهُ: لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا عَدَدٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ. (إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) أَيْ: يَجْعَلُهُ فِي أَيِّ غَسْلَةٍ شَاءَ، وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ فِي الْأُولَى لِلْخَبَرِ، وَلِيَأْتِيَ الْمَاءُ بَعْدَهُ فَيُنَظِّفَهُ، وَعَنْهُ: فِي الْأَخِيرَةِ، وَعَنْهُ: إِنْ غَسَلَهُ ثَمَانِيًا، وَعَنْهُ: سَوَاءٌ، وَظَاهِرُهُ يَجِبُ التُّرَابُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَفِيهِ وَجْهٌ فِي الْآنِيَةِ فَقَطْ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ طَهُورًا، وَقِيلَ: أَوْ طَاهِرًا، وَلَا يَكْفِي ذَرُّهُ عَلَى الْمَحَلِّ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَائِعٍ يُوَصِّلُهُ إِلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يَكْفِي، وَيُتْبِعُهُ الْمَاءَ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ (فَإِنْ جَعَلَ مَكَانَهُ أُشْنَانًا أَوْ نَحْوَهُ كَصَابُونٍ وَنُخَالَةٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ غَسَلَهُ غَسْلَةً زَائِدَةً (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَذْهَبُ يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ نَصَّهُ عَلَى التُّرَابِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي التَّنْظِيفِ، وَالثَّانِي: لَا، لِلنَّصِّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَالتَّيَمُّمِ، وَفِي ثَالِثٍ: إِنْ عَدِمَهُ أَوِ انْضَرَّ الْمَغْسُولُ بِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي رَابِعٍ: يُجْزِئُ بِغَيْرِ الْغَسْلَةِ الزَّائِدَةِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتُّرَابِ مَعُونَةٌ لِلْمَاءِ فِي قَطْعِ النَّجَاسَةِ، أَوْ لِلتَّعَبُّدِ، وَلَا يَحْصُلُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُؤَلِّفِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 إِحْدَاهُنَّ: يَجِبُ غَسْلُهَا سَبْعًا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ التُّرَابُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ ثَلَاثًا، وَالثَّالِثَةُ: تُكَاثَرُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ كَالنَّجَاسَاتِ كُلِّهَا إِذَا كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ. وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: إِذَا وَلَغَ فِي الْإِنَاءِ كِلَابٌ، أَوْ أَصَابَ الْمَحَلَّ نَجَاسَاتٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْحُكْمِ، فَهِيَ كَنَجَاسَة وَاحِدة، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ لِأَغْلَظِهَا، فَلَوْ وَلَغَ فِيهِ فَغُسِلَ دُونَ السَّبْعِ، ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى غُسِلَ، وَيُغْسَلُ مَا نَجُسَ بِبَعْضِ الْغَسَلَاتِ مَا بَقِيَ بَعْدَ تِلْكَ الْغَسْلَةِ، لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ كَالْبَلَلِ الْبَاقِي، وَهُوَ يُطَهَّرُ بِبَاقِي الْعَدَدِ، كَذَلِكَ هُنَا، ثُمَّ إِنْ كَانَتِ انْفَصَلَتْ عَنْ مَحَلٍّ غُسِلَ بِالتُّرَابِ غُسِلَ مَحَلُّهَا بِغَيْرِ تُرَابٍ، وَإِلَّا غُسِلَ بِهِ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّهُ يُغْسَلُ سَبْعًا بِتُرَابٍ، لِأَنَّهَا نَجَاسَةُ كَلْبٍ، وَيُعْتَبَرُ اسْتِيعَابُ الْمَحَلِّ إِلَّا فِيمَا يَضُرُّ، فَيَكْفِي مُسَمَّاهُ فِي الْأَشْهَرِ. (وَفِي سَائِرِ) أَيْ: بَاقِي (النَّجَاسَاتِ) حَتَّى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ (ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ: يَجِبُ غَسْلُهَا سَبْعًا) نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: أُمِرْنَا أَنْ نَغْسِلَ الْأَنْجَاسَ سَبْعًا فَيَنْصَرِفُ إِلَى أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَمَرَ بِهِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ، فَيَلْحَقُ بِهِ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا، وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَصُّ بِمَوْرِدِ النَّصِّ، بِدَلِيلِ إِلْحَاقِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ بِهِ، وَالْعَرَقِ وَالْبَوْلِ لِلرِّيقِ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ التُّرَابُ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، لِأَنَّهَا مَقِيسَةٌ، وَالْفَرْعُ يَأْخُذُ حُكْمَ الْأَصْلِ، وَالثَّانِي: لَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَجْدِ قَصْرًا لَهُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلُزُوجَةٍ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ غَيْرِ الْوَلُوغِ، وَقَدْ قَالُوا بِوُجُوبِ التُّرَابِ فِيهِ. (وَالثَّانِيَةُ ثَلَاثًا) مُنَقِّيَةً، اخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ الْقَائِمَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، مُعَلِّلًا بِوَهْمِ النَّجَاسَةِ، وَلَا يُزِيلُ وَهْمَ النَّجَاسَةِ إِلَّا مَا يُزِيلُ يَقِينَهَا، وَلِأَنَّهُ إِذَا اكْتَفَى بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فِي الِاسْتِجْمَارِ، فَالِاجْتِزَاءُ بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، وَعَلَيْهَا: إِذَا غَسَلَهُ زَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ، فَالزَّائِدُ طَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ. (وَالثَّالِثَةُ تُكَاثَرُ بِالْمَاءِ) حَتَّى تَزُولَ الْعَيْنُ (مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ) اخْتَارَهَا فِي " الْمُغْنِي " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 تَطْهُرُ الْأَرْضُ النَّجِسَةُ بِشَمْسٍ وَلَا رِيحٍ، وَلَا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ بِالِاسْتِحَالَةِ   [المبدع في شرح المقنع] وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " فِي مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي دَمِ الْحَيْضَةِ: «فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لتَنْضَحْهُ بِالْمَاءِ» ، وَقَالَ فِي آنِيَةِ الْمَجُوسِ: «إِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ» وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ فِي جَوَابِ السَّائِلِ عَنِ التَّطْهِيرِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ حَاجَةٍ، فَعَلَى الْأَشْهَرِ يُغْسَلُ مَحَلُّ الِاسْتِنْجَاءِ سَبْعًا كَغَيْرِهِ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، لَكِنْ نَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَاخْتَارَهُ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ عَدَدٌ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، لَا مِنْ قَوْلِهِ، وَلَا مِنْ فِعْلِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تُرَابٌ، وَبِهِ قَطَعَ الْمُؤَلِّفُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَعَنْهُ: لَا عَدَدَ فِي بَدَنٍ، وَعَنْهُ: يَجِبُ فِي السَّبِيلِ مِنْ نَجَاسَةٍ ثَلَاثًا، وَفِي غَيْرِهِ سَبْعًا (كَالنَّجَاسَاتِ كُلِّهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ بَوْلًا أَوْ خَمْرًا أَوْ نَجَاسَةَ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ (إِذَا كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ) وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنَ الْحِيطَانِ وَالْأَحْوَاضِ، فَالْوَاجِبُ مُكَاثَرَتُهَا بِالْمَاءِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعُوهُ، وَأَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ لَمْ يَطْهُرْ بِذَلِكَ لَكَانَ تَكْثِيرًا لِلنَّجَاسَةِ، وَلِأَنَّ الْأَرْضَ مَصَابُّ الْفَضَلَاتِ، وَمَطَارِحُ الْأَقْذَارِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ عَدَدٌ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُكَاثَرَةِ: صَبُّ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى يَغْمُرَهَا بِحَيْثُ يَذْهَبُ لَوْنُهَا وَرِيحُهَا، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبَا لَمْ يَطْهُرْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُزَالُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ سَقَطَ، كَالثَّوْبِ ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَكَذَا حُكْمُهَا إِذَا غُمِرَتْ بِمَاءِ الْمَطَرِ وَالسُّيُولِ، لِأَنَّ تَطْهِيرَ النَّجَاسَةِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ النِّيَّةُ، فَاسْتَوَى مَا صَبَّهُ الْآدَمِيُّ وَغَيْرُهُ. تَذْنِيبٌ: يَجِبُ الْحَتُّ وَالْقَرْصُ، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ: إِنْ لَمْ يَتَضَرَّرِ الْمَحَلُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بِهِمَا، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، أَوْ هُمَا عَجْزًا فِي الْأَصَحِّ، وَيَطْهُرُ، بَلْ بَقَاءُ طَعْمِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ الْقَاضِي: بَقَاءُ أَثَرِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَيُعْتَبَرُ الْعَصْرُ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ مَعَ إِمْكَانِهِ فِيمَا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ، أَوْ دَقُّهُ، أَوْ تَثْقِيلُهُ وَجَفَافُهُ كَعَصْرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَغَمْسُهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يَنْفَصِلَ عَنْهُ، وَيُعَادَ إِلَيْهِ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، وَقِيلَ: يَكْفِي تَحْرِيكُهُ، وَخَضْخَضَتُهُ فِيهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " أَنْ تَمُرَّ عَلَيْهِ أَجْزَاءٌ لَمْ تُلَاقِهِ، كَمَا لَوْ مَرَّتْ عَلَيْهِ جَرَيَاتٌ فِي الْمَاءِ الْجَارِي، وَإِنْ عَصَرَ ثَوْبًا نَجِسًا فِي مَاءٍ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ مِنْهُ، فَغَسَلَهُ يَبْنِي عَلَيْهَا، وَيَطْهُرُ، وَإِذَا غَمَسَ ثَوْبًا نَجِسًا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، نَجَّسَ الْمَاءَ وَلَمْ يَطْهُرْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا غَسْلَةً، وَإِنْ وَضَعَهُ فِيهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَغَمَرَهُ، ثُمَّ عَصَرَهُ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً طَهُرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ وَارِدٌ كَصَبِّهِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْإِنَاءِ. [كَيْفِيَّةُ تَطْهِيرِ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ] (وَلَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ النَّجِسَةُ بِشَمْسٍ وَلَا رِيحٍ) وَلَا جَفَافٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِغَسْلِ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُطَهِّرُ لَاكْتَفَى بِهِ، وَلِأَنَّ الْأَرْضَ مَحَلٌّ نَجِسٌ فَلَمْ تَطْهُرْ بِالْجَفَافِ كَالثِّيَابِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: يَطْهُرُ إِذَا ذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ: وَغَيْرِهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي حَبْلِ غَسِيلٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. لَا يُقَالُ: جَفَافُ الْأَرْضِ طَهُورُهَا مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كَانَتِ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، لِأَنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا، وَلَيْسَ فِيهِ " تَبُولُ " مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ تَبُولُ ثُمَّ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَكُونُ إِقْبَالُهَا وَإِدْبَارُهَا بَعْدَ بَوْلِهَا. [حُكْمُ النَّجَاسَةِ إِذَا اسْتَحَالَتْ] (وَلَا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ بِالِاسْتِحَالَةِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا» ، لِأَكْلِهَا النَّجَاسَةَ، وَلَوْ طَهُرَ بِالِاسْتِحَالَةِ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا إِذَا وَقَعَ كَلْبٌ فِي مَلَّاحَةٍ فَصَارَ مِلْحًا أَوْ أُحْرِقَ السِّرْجِينُ النَّجِسُ فَصَارَ رَمَادًا فَهُوَ نَجِسٌ، وَعَنْهُ: يَطْهُرُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 إِلَّا الْخَمْرَةُ إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا. وَإِنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ، وَقِيلَ: تَطْهُرُ، وَلَا تَطْهُرُ   [المبدع في شرح المقنع] وَذَكَرَهَا فِي " الشَّرْحِ " تَخْرِيجًا قِيَاسًا عَلَى جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ، فَحَيَوَانٌ مُتَوَلَّدٌ مِنْ نَجَاسَةٍ كَدُودِ الْجُرُوحِ وَالْقُرُوحِ، وَصَرَاصِيرِ الْكَنِيفِ طَاهِرٌ لَا مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَتَيْنِ فِي نَجَاسَةِ وَجْهِ تَنُّورٍ سُجِّرَ بِنَجَاسَةٍ، وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ يُغْسَلُ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَرْبٍ لَا بَأْسَ، وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ عَمَلُ زَيْتٍ نَجِسٍ صَابُونًا، وَتُرَابِ جَبَلٍ بِرَوْثِ حِمَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلْ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ فِي رِوَايَةٍ، وَذَكَرَ الْأَزَجِّيُّ أَنَّ نَجَسَ التَّنُّورِ بِذَلِكَ طَهُرَ بِمَسْحِهِ بِيَابِسٍ، وَإِنْ مُسِحَ بِرَطْبٍ تَعَيَّنَ الْغَسْلُ، وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ: يُسَجَّرُ التَّنُّورُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى ذَلِكَ. فَرْعٌ: الْقُصْرُمُلُّ وَدُخَانُ النَّجَاسَةِ وَغُبَارُهَا نَجِسٌ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي، وَكَذَا مَا تَصَاعَدَ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ النَّجِسِ إِلَى الْجِسْمِ الصَّقِيلِ، ثُمَّ عَادَ فَقَطَرَ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ عَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ نَفْسُ الرُّطُوبَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ، وَإِنَّمَا يَتَصَاعَدُ فِي الْهَوَاءِ كَمَا يَتَصَاعَدُ بُخَارُ الْحَمَّامَاتِ، وَبُخَارُ الْحَمَّامَاتِ طَهُورٌ. (إِلَّا الْخَمْرَةُ) هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ خَمَرَ إِذَا سَتَرَ، وَمِنْهُ خِمَارُ الْمَرْأَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ غَطَّى شَيْئًا فَقَدْ خَمَرَهُ، وَمِنْهُ: «خَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ» وَالْخَمْرُ يُخَمِّرُ الْعَقْلَ أَيْ: يُغَطِّيهِ وَيَسْتُرُهُ، وَهِيَ نَجِسَةٌ إِجْمَاعًا، لَكِنْ خَالَفَ فِيهِ اللَّيْثُ، وَرَبِيعَةُ، وَدَاوُدُ، وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْمُزَنِيِّ، فَقَالُوا بِطَهَارَتِهَا، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِلنَّجَاسَةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً لَفَاتَ الِامْتِنَانُ بِكَوْنِ شَرَابِ الْجَنَّةِ طَهُورًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] أَيْ: طَاهِرًا، وَعَلَّلَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ الدَّمَ (إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا) فَإِنَّهَا تَطْهُرُ فِي الْمَنْصُوصِ، وَفِي " الشَّرْحِ " لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا لِشِدَّتِهَا الْمُسْكِرَةِ، وَقَدْ زَالَتْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَّفَتْهَا، فَوَجَبَ أَنْ تَطْهُرَ كَالْمَاءِ، لَا يُقَالُ: حُكْمُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ كَذَلِكَ أَيْ: تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا لِعَيْنِهَا، وَالْخَمْرَةُ نَجَاسَتُهَا لِأَمْرٍ زَالَ بِالِانْقِلَابِ، وَالنَّبِيذُ كَذَلِكَ، وَخَالَفَ الْقَاضِي فِيهِ، لِأَنَّ فِيهِ مَاءً نَجِسًا، وَدَنُّهَا مِثْلُهَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الْأَدْهَانُ النَّجِسَةُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَطْهُرُ مِنْهَا بِالْغَسْلِ مَا يَتَأَتَّى غَسْلُهُ وَإِذَا خَفِيَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا فَقَالَ: أَهْرِقْهَا، قَالَ: أَفَلَا أُخَلِّلُهَا؛ قَالَ: لَا، لَا» . وَلَوْ جَازَ التَّخْلِيلُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَمْ تُبَحْ إِرَاقَتُهُ، وَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ تَخْلِيلُهَا فَلَا تَحِلُّ، فَفِي النَّقْلِ أَوِ التَّفْرِيغِ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى آخَرَ، وَإِلْقَاءِ جَامِدٍ فِيهِ وَجْهَانِ (وَقِيلَ: تَطْهُرُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ، لِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ زَالَتْ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَعَلَيْهِمَا تَطْهُرُ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يُكْرَهُ، وَأَنَّ عَلَيْهَا لَا تَطْهُرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي إِمْسَاكِ خَمْرٍ لِيَصِيرَ خَلًّا بِنَفْسِهِ أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: يَجُوزُ فِي خَمْرَةِ خَلَّالٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ، فَيُتْرَكُ حِينَئِذٍ فَعَلَى هَذَا تَصِيرُ هَذِهِ الْخَمْرَةُ مُحَرَّمَةً، وَعَلَى الْمَنْعِ يَطْهُرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنِ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِلْخَمْرِ فَلَمْ يَتَخَمَّرْ وَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ، فَفِي حِلِّهِ الْخِلَافُ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْحَشِيشَةَ الْمُسْكِرَةَ طَاهِرَةٌ، وَقِيلَ: نَجِسَةٌ، وَقِيلَ: إِنْ أُمِيعَتْ. فَائِدَةٌ: الْخَلُّ الْمُبَاحُ: أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْعِنَبِ أَوِ الْعَصِيرِ خَلٌّ قَبْلَ غَلَيَانِهِ حَتَّى لَا يَغْلِيَ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، قِيلَ لَهُ: صُبَّ عَلَيْهِ خَلٌّ فَغَلَا. قَالَ: يُهْرَاقُ. تَنْبِيهٌ: لَا يَطْهُرُ إِنَاءٌ تَشَرَّبَ نَجَاسَةً بِغَسْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى، إِنْ لَمْ يَبْقَ لِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ، وَقِيلَ: بَلْ ظَاهِرُهُ، وَمِثْلُهُ سِكِّينٌ سُقِيَتْ مَاءً نَجِسًا، وَيَطْهُرُ بَاطِنُ حَبٍّ نُقِعُ فِي نَجَاسَةٍ بِغَسْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى، كَظَاهِرِهِ فَيُنْقَعُ وَيُجَفَّفُ مِرَارًا كَعَجِينٍ، وَقِيلَ: كُلُّ مَرَّةٍ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ إِقَامَتِهِ فِي الْمَاءِ النَّجِسِ، وَإِنْ طُبِخَ لَحْمٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ، طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِغَسْلِهِ، وَعَنْهُ: وَبَاطِنُهُ، فَيُغْلَى فِي مَاءٍ طَهُورٍ كَثِيرٍ، وَيُجَفَّفُ مِرَارًا، وَقِيلَ: إِنْ تَشَرَّبَهُ اللَّحْمُ لَمْ يَطْهُرْ بِحَالٍ، وَلَا يَطْهُرْ جِسْمٌ صَقِيلٌ بِمَسْحِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: تَطْهُرُ سِكِّينٌ مِنْ دَمِ الذَّبِيحَةِ فَقَطْ. (وَلَا تَطْهُرُ الْأَدْهَانُ النَّجِسَةُ) بِغَسْلِهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُصُولُ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَلَوْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِرَاقَةِ السَّمْنِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا يَتَيَقَّنُ بِهِ إِزَالَتَهَا، وَيُجْزِئُ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ النَّضْحُ وَإِذَا تَنَجَّسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوِ الْحِذَاءِ، وَجَبَ غَسْلُهُ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] الْفَأْرَةُ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ عَقِيلٍ الزِّئْبَقَ، لِأَنَّهُ لِقُوَّتِهِ وَتَمَاسُكِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْجَامِدِ، وَبَعَّدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَطْهُرُ مِنْهَا بِالْغَسْلِ مَا يَتَأَتَّى غَسْلُهُ) كَزَيْتٍ، وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ غَسْلَهُ مُمْكِنٌ لِكَوْنِ الْمَاءِ يَخْتَلِطُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَيَطْهُرُ بِهِ كَالْجَامِدِ، وَالْخَبَرُ السَّابِقُ وَارِدٌ فِي السَّمْنِ، وَهُوَ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ لِأَنَّهُ يُجْهِدُ، وَطَرِيقُ تَطْهِيرِهِ: أَنْ يُجْعَلَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، وَيُحَرَّكَ حَتَّى يُصِيبَ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، ثُمَّ يُتْرَكَ حَتَّى يَعْلُوَ عَلَى الْمَاءِ فَيُؤْخَذَ، وَإِنْ تَرَكَهُ فِي جَرَّةٍ وَصَبَّ عَلَيْهِ مَاءً، وَحَرَّكَهُ فِيهِ، وَجَعَلَ لَهَا بِزَالًا يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ، جَازَ. فَرْعٌ: إِذَا مَاتَتِ الْفَأْرَةُ وَنَحْوُهَا فِي جَامِدٍ أُلْقِيَتْ وَمَا حَوْلَهَا، وَالْبَاقِي طَاهِرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْجَامِدُ: مَا لَا تَسْرِي إِلَيْهِ النَّجَاسَةُ غَالِبًا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَا لَوْ فُتِحَ وِعَاؤُهُ لَمْ تَسِلْ أَجْزَاؤُهُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، لِأَنَّ سَمْنَ الْحِجَازِ لَا يَكَادُ يَبْلُغُهُ، فَإِنِ اخْتَلَطَ وَلَمْ يَنْضَبِطْ حَرُمَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْهُ حَيَّةٌ فَطَاهِرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِانْضِمَامِ دُبُرِهِ، وَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُهُ فِي اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ (وَإِذَا خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ) فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بُقْعَةٍ يُمْكِنُ غَسْلُهَا، وَأَرَادَ الصَّلَاةَ (لَزِمَهُ غَسْلُ مَا تَيَقَّنَ بِهِ إِزَالَتَهَا) لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ الْجَمِيعِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ بِالْغَسْلِ، كَمَا لَوْ خَفِيَ الْمُذَكَّى بِالْمَيِّتِ، وَلِأَنَّ النَّجَاسَةَ مُتَيَقَّنَةٌ، فَلَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِيَقِينِ الطَّهَارَةِ، فَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ جِهَتُهَا مِنَ الثَّوْبِ غَسَلَهُ كُلَّهُ، وَإِنْ عَلِمَهَا فِي أَحَدِ كُمَّيْهِ غَسَلَهُمَا، وَإِنْ رَآهَا فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ، غَسَلَ مَا يَقَعُ نَظَرُهُ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَكْفِي الظَّنُّ فِي مَذْيٍ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: وَفِي غَيْرِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا خَفِيَتْ فِي فَضَاءٍ وَاسِعٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ زَادَ بَعْضُهُمْ: بِلَا تَحَرٍّ. [بَوْلُ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ] (وَيُجْزِئُ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ النَّضْحُ) وَيَطْهُرُ بِهِ، لِمَا «رَوَتْ أُمُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَيْسٍ بِنْتُ مِحْصَنٍ: أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى النَّضْحِ: غَمْرُهُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَرْسٍ وَعَصْرٍ، وَهُوَ نَجِسٌ، صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَّا: أَنَّهُ طَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَوَجَبَ غَسْلُهُ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، قُلْنَا: اكْتَفَى فِيهِ بِالرَّشِّ تَيْسِيرًا، وَتَخْفِيفًا، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ أَيْ: بِشَهْوَةٍ وَاخْتِيَارٍ، لَا عَدَمُ أَكْلِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّهُ يُسْقَى الْأَدْوِيَةَ وَالسُّكَّرَ وَيُحَنَّكُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، فَإِنْ أَكَلَهُ بِنَفْسِهِ غُسِلَ، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِيمَنْ لَمْ يَطْعَمِ الطَّعَامَ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَتَخْصِيصُهُ الْغُلَامَ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مُخْرِجٌ لِلْخُنْثَى وَالْأُنْثَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ» قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا إِذَا لَمْ يَطْعَمَا، فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَا جَمِيعًا، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ يَخْرُجُ بِقُوَّةٍ فَيَنْتَشِرُ، أَوْ أَنَّهُ يَكْثُرُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَيْدِي فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ بِغَسْلِهِ، أَوْ أَنَّ مِزَاجَهُ حَارٌّ، فَبَوْلُهُ رَقِيقٌ، بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي فَرْقٌ مِنَ السُّنَّةِ بَيْنَهُمَا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ الْغُلَامَ أَصْلُهُ مِنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَالْجَارِيَةَ مِنَ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، وَقَدْ أَفَادَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، وَهُوَ غَرِيبٌ. فَرْعٌ: لُعَابُهُمَا طَاهِرٌ، وَقِيلَ: إِنْ نَجُسَ فَمُ أَحَدِهِمَا طَهُرَ بِرِيقِهِ بَعْدَ سَاعَةٍ، وَقِيلَ: لَا، بَلْ يُعْفَى عَنْهُ. [النَّجَاسَةُ فِي أَسْفَلِ الْخُفِّ أَوِ الْحِذَاءِ] (وَإِذَا تَنَجَّسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوِ الْحِذَاءِ) بِالْمَشْيِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ: أَوْ طَرَفُهُ (وَجَبَ غَسْلُهُ) نَقَلَهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَكَالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ (وَعَنْهُ: يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالْأَرْضِ) حَتَّى تَزُولَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَتُبَاحُ الصَّلَاةُ فِيهِ، قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَفِي " الشَّرْحِ ": أَنَّهُ الْأَوْلَى لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا وَطِئَ الْأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالْأَرْضِ. وَعَنْهُ: يُغْسَلُ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَيُدْلَكُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ إِلَّا الدَّمُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مِنَ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ   [المبدع في شرح المقنع] التُّرَابُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ ثِقَةٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ نَجَاسَةٍ يُصِيبُهَا، فَلَوْلَا أَنَّ دَلْكَهَا يُجْزِئُ لَمَا صَحَّتِ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ تَتَكَرَّرُ إِصَابَةُ النَّجَاسَةِ لَهُ، فَأَجْزَأَ فِيهِ الْمَسْحُ كَالسَّبِيلَيْنِ، وَيُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ بِهِ فِي وَجْهٍ، هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَذَهَبَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَى خِلَافِهِ. فَرْعٌ: حَكُّهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ، حُكْمُ دَلْكِهِ. 1 - (وَعَنْهُ: يُغْسَلُ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) لِفُحْشِهِمَا، وَتَغْلِيظِ نَجَاسَتِهِمَا (وَيُدْلَكُ مِنْ غَيْرِهِمَا) لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلدَّلْكِ جَفَافُ النَّجَاسَةِ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَشَرَطَهُ الْقَاضِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا أَصَابَتْ غَيْرَ أَسْفَلِهِمَا أَنَّهُ يُغْسَلُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَى الرَّجُلِ، وَذَيْلِ الْمَرْأَةِ، وَنَقَلَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: يَطْهُرُ بِمُرُورِهِ عَلَى طَاهِرٍ يُزِيلُهَا، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِظَاهِرِ خَبَرِ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ جَهَالَةٌ. [لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ إِلَّا الدَّمُ] (وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَالْأَحَادِيثُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ (إِلَّا الدَّمُ) فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ الْمَائِعَاتِ وَالْمَطْعُومَاتِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ غَالِبًا لَا يَسْلَمُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ: مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ، قَالَتْ بِرِيقِهَا، فَمَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْعَفْوِ عَنْهُ، لِأَنَّ الرِّيقَ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يُطَهِّرُ، وَيَتَنَجَّسُ بِهِ ظُفْرُهَا، وَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ دَوَامِ الْفِعْلِ، وَمِثْلُهُ لَا يَخْفَى عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ أَمْرِهِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ يَدَيْهِ دَمٌ فِي الصَّلَاةِ مِنْ شِقَاقٍ كَانَ بِهِمَا، وَعَصَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فَمَسَحَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَعُفِيَ عَنْهُ كَأَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِدَمِ نَفْسِهِ، وَالْيَسِيرُ: الَّذِي لَمْ يَنْقُضِ الْوُضُوءَ، وَالْكَثِيرُ: مَا نَقْضَ الْوُضُوءَ، وَالدَّمُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ: مَا كَانَ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ لَا الْكَلْبِ، وَلَا الْخِنْزِيرِ. بَقِيَ هَاهُنَا صُوَرٌ: مِنْهَا دَمُ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً كَالْبَقِّ، وَالْقَمْلِ، وَالْبَرَاغِيثِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: نَجِسٌ، وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ قَالَ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ: إِنِّي لَأَفْزَعُ مِنْهُ إِذَا كَثُرَ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِنَجَاسَتِهِ بَلْ هُوَ دَلِيلُ التَّوَقُّفِ. وَمِنْهَا: دَمُ السَّمَكِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَتَوَقَّفَتْ إِبَاحَتُهُ عَلَى إِرَاقَتِهِ بِالذَّبْحِ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ مَاءً، وَقِيلَ: نَجِسٌ. وَمِنْهَا: دَمُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ، وَقِيلَ: طَاهِرٌ، وَعَلَيْهِمَا يُسْتَحَبُّ بَقَاؤُهُ، فَيُعَايَا بِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ، صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَمِنْهَا: الدَّمُ الَّذِي يَبْقَى فِي اللَّحْمِ وَعُرُوقِهِ طَاهِرٌ، وَلَوْ غَلَبَتْ حُمْرَتُهُ فِي الْقَدْرِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ، فَهُوَ وَارِدٌ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَيُدْفَعُ بِالْعِنَايَةِ. وَمِنْهَا: الْعَلَقَةُ الَّتِي يُخْلَقُ مِنْهَا الْآدَمِيُّ، وَالْحَيَوَانُ الطَّاهِرُ طَاهِرٌ فِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، لِأَنَّهَا بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، وَعَنْهُ: نَجِسَةٌ صَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " كَسَائِرِ الدِّمَاءِ. (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مِنَ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ) بَلِ الْعَفْوُ عَنْهُمَا أَوْلَى لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي نَجَاسَتِهِمَا، ولِذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ: وَأَسْهَلُ مِنَ الدَّمِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فَعَلَى هَذَا يُعْفَى مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَعَنْهُ: فِي الْمَذْيِ وَالْقَيْءِ، وَرِيقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ وَعَرَقِهَا، وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ وَالنَّبِيذِ وَالْمَنِيِّ: أَنَّهُ كَالدَّمِ، وَعَنْهُ فِي الْمَذْيِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهِ النَّضْحُ. وَلَا يَنْجُسُ الْآدَمِيُّ بِالْمَوْتِ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، كَالذُّبَابِ   [المبدع في شرح المقنع] عَنْ أَكْثَرِ مِمَّا يُعْفَى عَنْ مِثْلِهِ فِي الدَّمِ، لِأَنَّ هَذَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنَ الدَّمِ، وَعَنْهُ: طَهَارَةُ قَيْحٍ وَمِدَّةٍ وَصَدِيدٍ. مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: مَاءُ الْقُرُوحِ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ نَقْلِ الْإِمَامِ، وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْعُمْدَةِ ": إِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا فَهُوَ كَالْقَيْحِ، وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ كَالْعَرَقِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا تَفَرَّقَ دَمٌ مَسْفُوحٌ فِي غَيْرِ الصَّحْرَاءِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ لَمْ يَكُنْ قَدْرَ مَا يُعْفَى عَنْهُ فَكَثِيرٌ حُكْمًا فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ نَفَذَ مِنْ جَانِبَيْ جُبَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ صَفِيقٍ، فَكَدَمٍ وَاحِدٍ فِي الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ نَفَذَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ، وَلَمْ يَتَّصِلْ بِالْآخَرِ فَهُمَا نَجَاسَتَانِ إِذَا بَلَغَا أَوْ جَمَعَا قَدْرًا لَا يُعْفَى عَنْهُ، لَمْ يُعْفَ عَنْهَا كَجَانِبَيِ الثَّوْبِ (وَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ) أَيْ: الِاسْتِجْمَارُ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ، وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَاقْتَضَى ذَلِكَ نَجَاسَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، فَعَلَى هَذَا عَرَقُهُ نَجِسٌ، فَيَنْجُسُ الْمَاءُ الْيَسِيرُ بِقُعُودِهِ فِيهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ طَهَارَتَهُ. (وَعَنْهُ: فِي الْمَذْيِ وَالْقَيْءِ وَرِيقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ وَعَرَقِهَا وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ، وَالنَّبِيذِ وَالْمَنِيِّ أَنَّهُ كَالدَّمِ، وَعَنْهُ: فِي الْمَذْيِ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهِ النَّضْحُ) نَقُولُ: الْمَذْيُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْبَوْلِ، لِكَوْنِهِ لَا يُخْلَقُ مِنْهُ الْحَيَوَانُ، وَالْمَنِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] لِكَوْنِهِ نَاشِئًا عَنِ الشَّهْوَةِ، وَالْمَذْهَبُ: نَجَاسَتُهُ، وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي رِدَائِهِ، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الشَّبَابِ كَثِيرًا فَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَعَنْهُ: يُكْتَفَى فِيهِ بِالنَّضْحِ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي؛ قَالَ: يَكْفِيكَ أَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهِ ثَوْبَكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِنَضْحِهِ، وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ خَارِجٌ مِنَ الذَّكَرِ كَالْبَوْلِ، وَهَلْ يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ أَوْ جَمِيعَ ذَكَرِهِ أَوْ أُنْثَيَيْهِ؛ فِيهِ رِوَايَاتٌ، وَعَنْهُ: طَاهِرٌ كَالْمَنِيِّ اخْتَارَهُ، أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، لِأَنَّهُ خَارِجٌ بِسَبَبِ الشَّهْوَةِ، وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْمَنِيِّ فَلَهُ حُكْمُهُ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَدْيَ، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عَقِيبَ الْبَوْلِ نَجِسٌ، وَأَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: هُوَ كَالْمَذْيِ. وَأَمَّا الْقَيْءُ، وَهُوَ طَعَامٌ اسْتَحَالَ فِي الْجَوْفِ إِلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ خَارِجٌ نَجِسٌ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ أَشْبَهَ الدَّمَ، وَالثَّانِيَةُ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْهُ مُطْلَقًا، قَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " وَهِيَ أَشْهَرُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنِ النَّجَاسَةِ إِلَّا فِيمَا خُصَّ، وَقَيَّدَهُ فِي " الْوَجِيزِ " بِالنَّجِسِ احْتِرَازًا عَنْ قَيْئِ الْمَأْكُولِ. وَأَمَّا رِيقُ الْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، وَعَرَقُهُمَا فَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ إِذَا قِيلَ بِالنَّجَاسَةِ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": هُوَ الظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ الْخَلَّالُ: وَعَلَيْهِ مَذْهَبُهُ، قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] أَحْمَدُ: مَنْ يَسْلَمُ مِنْ هَذَا مِمَّنْ يَرْكَبُ الْحَمِيرَ إِلَّا أَنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَا جَفَّ مِنْهُ أَسْهَلَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُعْفَى عَنْهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَرِيقُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ كَالْأَسَدِ، وَنَحْوِهِ مَا عَدَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ، وَرِيقُ سِبَاعِ الطَّيْرِ كَالْبَازِيِّ، وَنَحْوِهِ، وَعَرَقُهَا، فَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي نَجَاسَتِهَا، وَبَوْلُ الْخُفَّاشِ، وَهُوَ وَاحِدُ الْخَفَافِيشِ، وَهُوَ الَّذِي يَطِيرُ لَيْلًا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي رِوَايَةٍ، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، لِكَوْنِهِ فِي الْمَسَاجِدِ كَثِيرًا، فَلَوْ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ لَمْ يُقَرَّ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَمَا أَمْكَنَ الصَّلَاةُ فِي بَعْضِهَا، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ خِلَافَهَا، وَنَبِيذٌ نَجِسٌ، وَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي رِوَايَةٍ جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا، قَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " وَصَحَّحَهَا فِي " شَرْحِ الْعُمْدَةِ " وَدَلَّ أَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، قَالَ فِي " شَرْحِ الْعُمْدَةِ ": رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْمَنِيُّ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. مَسَائِلُ مُلْحَقَةٌ بِهِ، مِنْهَا: بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إِذَا قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي قَوْلٍ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. وَمِنْهَا: سُؤْرُ الْجَلَّالَةِ إِذَا حُبِسَتْ، وَأَكَلَتِ الطَّاهِرَاتِ الْمُدَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَقِيلَ ذَلِكَ فِي الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا عَرَقُهَا. وَمِنْهَا طِينُ الشَّارِعِ: فَهُوَ طَاهِرٌ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ، وَعَنْهُ: نَجِسٌ فَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَيَسِيرِ دُخَانِ نَجَاسَةٍ فِي وَجْهٍ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْمَعَالِي الْعَفْوَ عَنْهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْيَسِيرِ، لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": هَذَا مُتَوَجِّهٌ. [لَا يَنْجُسُ الْآدَمِيُّ بِالْمَوْتِ] (وَلَا يَنْجُسُ الْآدَمِيُّ بِالْمَوْتِ) عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يَنْجُسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُ لَيْسَ بِنَجِسٍ حَيًّا، وَلَا مَيِّتًا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ: بَلْ مَا عَدَا الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ: أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ فَمَاتَ فَأَمَرَ بِهَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ تُنْزَحَ، وَلِأَنَّهُ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ، فَنَجُسَ بِالْمَوْتِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَيَطْهُرُ بِالْغُسْلِ، قُلْنَا: لَوْ نَجُسَ بِالْمَوْتِ لَمْ يَطْهُرْ بِالْغُسْلِ كَالْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَنْجُسُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ، فَلَمْ يَنْجُسْ بِالْمَوْتِ كَالشَّهِيدِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَنْجُسُ مَا غَيَّرَهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِـ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْآدَمِيَّةِ حَالَ الْحَيَاةِ، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ، وَقِيلَ: يَنْجُسُ الْكَافِرُ وَشَعْرُهُ بِمَوْتِهِ، لِأَنَّ الْخَبَرَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْمُسْلِمِ، وَلَا يُقَاسُ الْكَافِرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا حُرْمَةَ لَهُ كَالْمُسْلِمِ. فَرْعٌ: حُكْمُ أَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ وَأَبْعَاضِهِ حُكْمُ جُمْلَتِهِ، سَوَاءٌ انْفَصَلَتْ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ نَجِسَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَتقضِي بِأَنَّ لَهَا حُرْمَةً بِدَلِيلِ أَنَّ كَسْرَ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ وَهُوَ حَيٌّ، وَكَذَا شَعْرُهُ مُطْلَقًا، وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِحُرْمَتِهِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ، وَعَنْهُ: نَجَاسَةُ شَعْرِ كُلِّ آدَمِيٍّ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [حُكْمُ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ] (وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً) الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ السَّائِلَةِ الدَّمُ السَّائِلُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الدَّمَ نَفْسًا، وَمِنْهُ قِيلَ: لِلْمَرْأَةِ نُفَسَاءُ، لِسَيَلَانِ دَمِهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ، وَيُقَالُ: نُفِسَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا حَاضَتْ، وَسُمِّيَ الدَّمُ نَفْسًا لِنَفَاسَتِهِ فِي الْبَدَنِ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: النَّفْسُ ذَاتُ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتُهُ، يُقَالُ: عِنْدِي كَذَا نَفْسًا، ثُمَّ قِيلَ لِلْقَلْبِ: نَفْسٌ، لِأَنَّ النَّفْسَ بِهِ، كَقَوْلِهِمْ: الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ (كَالذُّبَابِ) هُوَ هُنَا الْمَعْرُوفُ، وَهُوَ مُفْرَدٌ، وَجَمْعُهُ ذِبَّانٌ أَذِبَّةٌ، وَلَا يُقَالُ ذُبَابَةٌ (وَغَيْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ أَوِ الْبَحْرِ كَالْعَقْرَبِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالْعَلَقِ وَالسَّرَطَانِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ الْيَسِيرُ بِمَوْتِهَا فِيهِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الْآخَرِ دَاءً» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ بِالْغَمْسِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الطَّعَامُ حَارًّا، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَعِيشُ غَالِبًا، وَلَوْ نَجَّسَ الطَّعَامَ لَأَفْسَدَهُ، فَيَكُونُ أَمْرًا بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَصَدَهُ الشَّارِعُ، لِأَنَّهُ قَصَدَ بِغَمْسِهِ إِزَالَةَ ضَرَرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، أَشْبَهَ دُودَ الْخَلِّ إِذَا مَاتَ فِيهِ، وَالثَّانِيَةُ: نَجِسٌ لَا يُؤْكَلُ لَا لِحُرْمَتِهِ، أَشْبَهَ الْحِمَارَ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَعَنْهُ: يَنْجُسُ إِنْ لَمْ يُؤْكَلْ، فَيَنْجُسُ بِهِ الْمَاءُ الْقَلِيلُ فِي الْأَصَحِّ إِنْ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ غَالِبًا، وَقُلْنَا: يَنْجُسُ الْقَلِيلُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ دُونَ تَغَيُّرِهِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنَ النَّجَاسَةِ كَدُودِ الْحُشِّ، وَصَرَاصِرِهِ، فَهُوَ نَجِسٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": إِلَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ النَّجَاسَةَ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَلَا يَرِدُ هَذَا عَلَى الْمَتْنِ، لِأَنَّ مَوْتَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ شَيْئًا، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ ضَرْبَانِ: نَجِسٌ فِي الْحَيَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، إِذْ مَوْتُهُ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا خُبْثًا، وَطَاهِرٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: آدَمِيٌّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَمَا تُبَاحُ مَيْتَتُهُ كَسَمَكٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، لِأَنَّهُ لَوْ نَجُسَ بِهِ لَمْ يُبَحْ أَكْلُهُ، وَعَنْهُ: نَجَاسَةُ الطَّافِي، وَإِنْ مَاتَ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ، وَقُلْنَا: يَحْرُمُ الطَّافِي، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ دَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وَغَيْرِهِ. وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ وَمَنِيُّهُ طَاهِرٌ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ نَجِسٌ، وَمَنِيُّ الْآدَمِيِّ   [المبدع في شرح المقنع] دَمٌ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَا لَا تُبَاحُ مَيْتَتُهُ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ الْمَأْكُولِ، وَحَيَوَانِ الْبَحْرِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ كَالضِّفْدَعِ وَالتِّمْسَاحِ وَنَحْوِهِمَا، فَيَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَيَنْجُسُ الْمَاءُ الْيَسِيرُ لِمُلَاقَاتِهِ، وَالْكَثِيرُ بِتَغَيُّرِهِ، وَلِلْوَزَغِ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ كَالْحَيَّةِ لَا الْعَقْرَبِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " فِي دُودِ الْقَزِّ وَبَزْرِهِ وَجْهَانِ. [بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ وَمَنِيُّهُ] (وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ وَمَنِيُّهُ طَاهِرٌ) فِي الْمَنْصُورِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْعُرَنِيِّينَ أَنْ يَلْحَقُوا بِإِبِلِ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا» ، وَالنَّجِسُ لَا يُبَاحُ شُرْبُهُ، وَلَوْ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ لَأَمَرَهُمْ بِغَسْلِ أَثَرِهِ إِذَا أَرَادُوا الصَّلَاةَ، «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا» ، وَطَافَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَتَنَجَّسَتِ الْحُبُوبُ الَّتِي تَدُوسُهَا الْبَقَرُ، فَإِنَّهَا لَا تَسْلَمُ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا، وَشَمَلَ كَلَامُهُ بَوْلَ سَمَكٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَنْجُسُ بِمَوْتِهِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ نَجِسٌ) لِأَنَّهُ رَجِيعٌ مِنْ حَيَوَانٍ أَشْبَهَ غَيْرَ الْمَأْكُولِ (وَمَنِيُّ الْآدَمِيِّ طَاهِرٌ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، «لِقَوْلِ عَائِشَةَ: كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَذْهَبُ فَيُصَلِّي فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: امْسَحْهُ عَنْكَ بِإِذْخِرَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ، رَوَاهُ سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ إِذَا جَفَّ، فَلَمْ يَكُنْ نَجِسًا كَالْمُخَاطِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا أَوْجَبَ غُسْلًا أَوْ لَا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " وَهُوَ بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ فَكَانَ طَاهِرًا كَالطِّينِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْبَوْلَ، فَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ فَرْكُ يَابِسِهِ «لِقَوْلِ عَائِشَةَ: كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَانَ يَابِسًا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ مِنَ الدَّمِ، أَشْبَهَ الْقَيْحَ، فَعَلَى هَذَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَعَنْهُ: كَالْبَوْلِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مُعْتَادٌ مِنَ السَّبِيلِ أَشْبَهَ الْبَوْلَ، فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ، وَظَاهِرُ " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " أَنَّهُ يُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ، وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ كَالْبَوْلِ فِي مَنِيِّ الْخَصِيِّ لِاخْتِلَاطِهِ بِمَجْرَى بَوْلِهِ، وَقِيلَ: وَقْتُ جِمَاعٍ، لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنَ الْمَذْيِ، وَبَعْدَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَفِي " الْمُحَرَّرِ " عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ فِي الرَّجُلِ، وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ ثَخِينٌ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الْفَرْكُ تَخْفِيفًا بِخِلَافِ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهُ رَقِيقٌ، وَلَا يَبْقَى لَهُ جِسْمٌ بَعْدَ جَفَافِهِ، فَلَا يُفِيدُ الْفَرْكُ فِيهِ شَيْئًا، فَإِنْ خَفِيَ مَوْضِعُ الْفَرْكِ فِيهِ فَرَكَهُ كُلَّهُ، لَكِنْ لَوْ أَمْنَى وَعَلَى فَرْجِهِ نَجَاسَةٌ، تَنَجَّسَ مَنِيُّهُ لِإِصَابَتِهِ النَّجَاسَةَ، وَلَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. فَرْعٌ: حُكْمُ بَقِيَّةِ الْخَارِجِ مِنْ بَدَنِ الْآدَمِيِّ كَالْعَرَقِ، وَالرِّيقِ، وَالْمُخَاطِ، وَنَحْوِهَا طَاهِرٌ، حَتَّى الْبَلْغَمِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الرَّأْسِ أَوِ الصَّدْرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ نَجِسٌ، وَقِيلَ: بَلْغَمُ الصَّدْرِ جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، لِأَنَّهُ اسْتَحَالَ فِي الْمَعِدَةِ أَشْبَهَ الْقَيْءَ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَنَجَّسَ الْفَمَ، وَنَقَضَ الْوُضُوءَ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 طَاهِرٌ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ نَجِسٌ، وَيُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ، وَفِي رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ رِوَايَتَانِ، وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ، وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ نَجِسَةٌ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا   [المبدع في شرح المقنع] اسْتَحَالَ فِي الْمَعِدَةِ، بَلْ هُوَ مُنْعَقِدٌ مِنَ الْأَبْخِرَةِ كَالْمُخَاطِ، وَمَا سَالَ مِنَ الْفَمِ وَقْتَ النَّوْمِ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. (وَفِي رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ) وَهُوَ مَسْلَكُ الذَّكَرِ (رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا نَجِسَةٌ، لِأَنَّهَا بَلَلٌ فِي الْفَرْجِ لَا يُخْلَقُ مِنْهَا الْآدَمِيُّ، أَشْبَهَ الْمَذْيَ، وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَجَزَمَ بِهَا الْأَكْثَرُ: أَنَّهَا طَاهِرَةٌ، لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ جِمَاعٍ، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَحْتَلِمُونَ، وَهُوَ يُصِيبُ الرُّطُوبَةَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهَا، لَحَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ مَنِيِّهَا، لِكَوْنِهِ يُلَاقِي رُطُوبَتَهُ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا أَصَابَ مِنْهُ فِي حَالِ الْجِمَاعِ فَهُوَ نَجِسٌ، لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنَ الْمَذْيِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الشَّهْوَةَ إِذَا اشْتَدَّتْ خَرَجَ الْمَنِيُّ وَحْدَهُ كَالِاحْتِلَامِ. [سِبَاعُ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ نَجِسَةٌ] (وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ و) سِبَاعُ (الطَّيْرِ، وَالْبَغْلُ) إِذَا كَانَ مِنَ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ (وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ نَجِسَةٌ) نَصَرَهُ فِي " التَّحْقِيقِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْخِرَقِيِّ " و" الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ، مِنَ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ فَقَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَنْجُسُ إِذَا لَمْ يَبْلُغْهَا. «وَقَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنِ الْحُمُرِ: إِنَّهَا رِجْسٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالرِّجْسُ: النَّجِسُ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ حُرِّمَ أَكْلُهُ لِخُبْثِهِ لَا لِحُرْمَتِهِ، وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَكَانَ نَجِسًا وَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ وَفَضَلَاتِهِ كَذَلِكَ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 طَاهِرَةٌ   [المبدع في شرح المقنع] طَاهِرَةٌ) نَقَلَهَا عَنْهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ، وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَقَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": مَا عَدَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ، وَهُوَ مُرَادٌ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ: أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتِ الْحُمُرُ؛ قَالَ: نَعَمْ، وَبِمَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ كُلُّهَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَعْنَاهُ، وَفِيهِ قَالَ: «لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي أَفْوَاهِهَا، وَلَنَا مَا غَبَرَ طَهُورٌ» وَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى حَوْضٍ، فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ تَرِدُ عَلَى حَوْضِكَ السِّبَاعُ؛ فَقَالَ عُمَرُ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَيْهَا وَتَرِدُ عَلَيْنَا. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَانَ طَاهِرًا كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَعَنْهُ: طَهَارَةُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَرْكَبُهُمَا، وَرُكِبَا فِي زَمَنِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُمَا لِمُقْتَنِيهِمَا، فَكَانَا طَاهِرَيْنِ كَالسِّنَّوْرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهَا رِجْسٌ أَرَادَ بِهِ التَّحْرِيمَ كَقَوْلِهِ فِي الْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ: إِنَّهُ رِجْسٌ، وَقِيلَ: لَحْمُهَا نَجِسٌ، وَعَلَيْهِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْآدَمِيِّ قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ: إِلَّا فِي مَنِيِّهَا، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ بَوْلِهَا، وَذَكَرَ السَّامَرِّيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ فِي طَهَارَةِ مَنِيِّهَا، وَلَبَنِهَا، وَبَيْضِهَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَجْهَيْنِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُمَا مَشْكُوكٌ فِيهِمَا، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَمَارَةِ تَنَجُّسِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ كَالْكَلْبِ، وَأَمَارَةِ تَطْهِيرِهِ، لِأَنَّهُ ذُو حَافِرٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ، أَشْبَهَ الْفَرَسَ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُ رَأْسِهِ إِذَا وُجِدَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، فَعَلَى هَذِهِ إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ سُؤْرِهِمَا تَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ تَيَمَّمَ زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " يَنْوِي الْحَدَثَ وَالنَّجَاسَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَتَيَمَّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي، وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ دُونَ الْوُضُوءِ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": فِي الْأَقْيَسِ فِيهِمَا. [سُؤْرُ الْهِرِّ وَالسِّنَّوْرِ وَمَا دُونَهُمَا فِي الْخِلْقَةِ طَاهِرٌ] (وَسُؤْرُ) بِضَمِّ السِّينِ مَهْمُوزًا، وَهُوَ بَقِيَّةُ طَعَامِ الْحَيَوَانِ، وَشَرَابِهِ (الْهِرِّ) وَيُسَمَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَسُؤْرُ الْهِرِّ وَالسِّنَّوْرِ وَمَا دُونَهُمَا فِي الْخِلْقَةِ طَاهِرٌ   [المبدع في شرح المقنع] الضَّيْوَنَ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَيَاءٍ وَنُونٍ، وَالسِّنَّوْرُ الْقِطُّ (وَمَا دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ) كَابْنِ عِرْسٍ، وَالْفَأْرَةِ (طَاهِرٌ) غَيْرُ مَكْرُوهٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِرِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ فِي الْهِرِّ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» شَبَّهَهَا بِالْخَدَمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النور: 58] وَلِعَدَمِ إِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهَا كَحَشَرَاتِ الْأَرْضِ كَالْحَيَّةِ، قَالَهُ الْقَاضِي، فَطَهَارَتُهَا مِنَ النَّصِّ، وَمَا دُونَهَا مِنَ التَّعْلِيلِ، قَالَ السَّامِرِيُّ: سُؤْرُ مَا دُونَ الْهِرِّ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ وَجْهٌ وَبُعْدٌ. تَنْبِيهٌ: إِذَا عُلِمَتْ نَجَاسَةُ فَمِ هِرٍّ، فَأَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: إِنْ غَابَ فَطَاهِرٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَرَابِعُهَا إِنِ احْتُمِلَ وُلُوغُهَا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ طَهُورٍ فَطَاهِرٌ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 بَابُ الْحَيْضِ وَهُوَ دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ وَيَمْنَعُ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ: فِعْلَ الصَّلَاةِ، وَوُجُوبَهَا، وَفِعْلَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ شَيْخُنَا: يُعْتَبَرُ مُضِيُّ زَمَنٍ بَعْدَ أَكْلِهَا، يَزُولُ فِيهَا أَثَرُ النَّجَاسَةِ بِرِيقِهَا، قَالَ: وَكَذَا أَفْوَاهُ الْأَطْفَالِ وَالْبَهَائِمِ إِذَا تَنَجَّسَتْ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَيَكُونُ الرِّيقُ مُطَهِّرًا لَهَا، وَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ نَجَاسَةٍ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا عَنْ يَسِيرِ نَجَاسَةٍ فِي طَعَامٍ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. وَذَكَرَهُ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا حَرَّمَ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ، وَلِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى بِبَعْرِ الْفَأْرِ وَغَيْرِهِ. [بَابُ الْحَيْضِ] [تَعْرِيفُ الْحَيْضِ] بَابُ الْحَيْضِ. وَهُوَ مَصْدَرُ: حَاضَتِ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا، وَمَحِيضًا، فَهِيَ حَائِضٌ وَحَائِضَةٌ: إِذَا جَرَى دَمُهَا، فَأَصْلُهُ السَّيَلَانُ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَاضَ الْوَادِي إِذَا سَالَ، وَحَاضَتِ الشَّجَرَةُ: إِذَا سَالَ مِنْهَا شِبْهُ الدَّمِ، وَهُوَ الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ، وَاسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ: اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَتَحَيَّضَتْ أَيْ: قَعَدَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا عَنِ الصَّلَاةِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا الطَّمْثُ، وَالْعِرَاكُ، وَالضَّحِكُ، وَالْإِعْصَارُ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] الْآيَةَ وَالسُّنَّةُ، قَالَ أَحْمَدُ: الْحَيْضُ يَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: حَدِيثِ فَاطِمَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ، وَحَمْنَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ مَكَانَ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ (وَهُوَ دَمُ طَبِيعَةٍ) سَجِيَّةٍ (وَجِبِلَّةٍ) خِلْقَةٍ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنَاتِ آدَمَ تُرْخِيهِ الرَّحِمُ، إِذَا بَلَغَتْ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ، يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ هُوَ بِدَمِ فَسَادٍ، بَلْ خَلَقَهُ اللَّهُ لِحِكْمَةِ غِذَاءِ الْوَلَدِ وَتَرْبِيَتِهِ، وَهُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِمَا، فَإِذَا حَمَلَتِ، انْصَرَفَ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى غِذَائِهِ، وَلِذَلِكَ لَا تَحِيضُ الْحَامِلُ، فَإِذَا وَضَعَتْهُ قَلَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ، وَلِذَلِكَ قَلَّمَا تَحِيضُ الْمُرْضِعُ، فَإِذَا خَلَتْ عَنْهُمَا بَقِيَ الدَّمُ لَا مَصْرِفَ لَهُ فَيَسْتَقِرُّ فِي مَكَانٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْغَالِبِ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] سَبْعَةً، وَقَدْ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَقِلُّ، وَيَطُولُ شَهْرُهَا وَيَقْصُرُ بِحَسَبِ مَا رَكَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الطِّبَاعِ، وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِرِّ الْأُمِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَبِبِرِّ الْأَبِ مَرَّةً وَاحِدَةً. [يَمْنَعُ الْحَيْضُ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ] (وَيَمْنَعُ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ: فِعْلَ الصَّلَاةِ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا (و) يَمْنَعُ (وُجُوبَهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إِسْقَاطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَنْهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا، وَعَلَى أَنَّ قَضَاءَ مَا فَاتَ مِنْهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» ، وَلِمَا رَوَتْ مُعَاذَةُ قَالَتْ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؛ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؛ فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ، فَقَالَتْ: كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَمَعْنَى قَوْلِهَا: أَحَرُورِيَّةٌ؛ الْإِنْكَارُ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ حَرُورَاءَ، وَهِيَ مَكَانٌ يُنْسَبُ إِلَيْهِ الْخَوَارِجُ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ عَلَى الْحَائِضِ قَضَاءَ الصَّلَاةِ كَالصَّوْمِ، وَلِفَرْطِ تَعَمُّقِهِمْ حَتَّى مَرَقُوا مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ لِتَكَرُّرِهِ وَطُولِ مُدَّتِهِ، فَإِنْ أَحَبَّتِ الْقَضَاءَ فَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ الْمَنْعُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يُكْرَهُ، لَكِنَّهُ بِدْعَةٌ، كَمَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إِلَّا رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 الصِّيَامِ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَمَسَّ الْمُصْحَفِ، وَاللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ، وَالطَّوَافَ وَالْوَطْءَ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ، فَيُعَايَا بِهَا، وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ شَيْخُنَا ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمُ اتِّفَاقًا، لِأَنَّهُ حَدَثٌ يُوجِبُ الطَّهَارَةَ، وَاسْتِمْرَارُهُ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَالْبَوْلِ، وَلَا يَمْنَعُ غَسْلَهَا كَجَنَابَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، بَلْ يُسَنُّ. (وَفِعْلَ الصِّيَامِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تَصُمْ، وَلَمْ تُصَلِّ، قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّوْمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهَا، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ عِبَادَةٌ وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ، كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهَا، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا، وَتَقْضِيهِ هِيَ، وَكُلُّ مَعْذُورٍ بِالْأَمْرِ السَّابِقِ، لَا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَقْضِيهِ مُسَافِرٌ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ: عَلَى الْأَصَحِّ، وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَقْرَأِ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ» وَقَدْ سَبَقَ وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ كَرَاهَتَهَا لَهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا ظَنَّتْ نِسْيَانَهُ، وَجَبَتْ. (وَمَسَّ الْمُصْحَفِ) لِلنَّصِّ. (وَاللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ، وَلَا جُنُبٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 فِي الْفَرْجِ، وَسُنَّةَ الطَّلَاقِ، وَالِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ، وَيُوجِبُ الْغُسْلَ وَالْبُلُوغَ وَالِاعْتِدَادَ   [المبدع في شرح المقنع] رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقِيلَ: لَا بِوُضُوءٍ، وَقِيلَ: وَيَمْنَعُ دُخُولَهُ، وَحَكَى رِوَايَةً لِخَوْفِهَا تَلْوِيثَهُ فِي الْأَشْهَرِ، وَنَصُّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ: تَمُرُّ وَلَا تَقْعُدُ، وَالْمَذْهَبُ حَيْثُ أَمِنَتْ تَلْوِيثَهُ. (وَالطَّوَافَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَائِشَةَ: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهَا، وَمِنْ لَوَازِمِهِ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: بِلَا عُذْرٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ: يَصِحُّ مِنْهَا، وَيَجْبُرُهُ بِدَمٍ. (و) يَمْنَعُ (الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَنْ بِهِ شَبَقٌ بِشَرْطِهِ. (وَسُنَّةَ الطَّلَاقِ) لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يَقُلِ الْبُخَارِيُّ: " أَوْ حَامِلًا " وَلِأَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا فِيهِ كَانَ مُحَرَّمًا، وَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَسَيَأْتِي، وَهَذَا مَا لَمْ تَسْأَلْهُ الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ أَوِ الْخُلْعَ، وَفِيهِ وَجْهٌ. (وَالِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ بِالْقُرُوءِ، وَشَرْطُهُ فِي الْآيَةِ عَدَمُ الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى، {وَاللائِي يَئِسْنَ} [الطلاق: 4] ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. (وَيُوجِبُ الْغُسْلَ) عِنْدَ انْقِطَاعِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ سَبَقَ فِي الْغُسْلِ الِاخْتِلَافُ فِيهِ، هَلْ يَجِبُ بِالْخُرُوجِ أَوْ الِانْقِطَاعِ؛ (وَالْبُلُوغَ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَرُوِيَ أَيْضًا مُرْسَلًا وَمَوْقُوفًا، فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَتِرَ لِأَجْلِ الْحَيْضِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ حَصَلَ بِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ أَحْكَامَ الْبُلُوغِ تَثْبُتُ بِابْتِدَائِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " و" الْبُلْغَةِ " (و) يُوجِبُ (الِاعْتِدَادَ بِهِ) لِمَا سَبَقَ قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا (وَالنِّفَاسُ مِثْلُهُ) فِيمَا يَجِبُ بِهِ وَيَحْرُمُ، وَمَا يَسْقُطُ عَنْهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ احْتُبِسَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَثَبَتَ حُكْمُهُ، لَكِنْ لَوْ ضَرَبَتِ الْحَامِلُ بَطْنَهَا، أَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأُسْقِطَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 بِهِ، وَالنِّفَاسُ مِثْلُهُ إِلَّا فِي الِاعْتِدَادِ، وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ، أُبِيحَ فِعْلُ الصِّيَامِ وَالطَّلَاقُ، وَلَمْ يُبَحْ غَيْرُهُمَا حَتَّى تَغْتَسِلَ؛ فإذا تطهرن فأتوهن. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ   [المبدع في شرح المقنع] وَنُفِسَتْ لَمْ تُصَلِّ، وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَجْهَانِ (إِلَّا فِي الِاعْتِدَادِ) لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْقُرُوءِ، وَالنِّفَاسُ لَيْسَ بِقُرْءٍ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْبُلُوغِ، لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لِحُصُولِهِ بِالْحَمْلِ قَبْلَهُ، وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِهِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، وَيَقْطَعُ تَتَابُعَ صَوْمِ الظِّهَارِ فِي قَوْلٍ. (وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ) انْقِطَاعًا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهَا (أُبِيحَ) لَهَا (فِعْلُ الصِّيَامِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لَا يَمْنَعُ فِعْلَهُ، كَالْجُنُبِ (و) أُبِيحَ (الطَّلَاقُ) لأن تحريمه لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ. الثَّانِي: لَا يُبَاحَانِ لِمَفْهُومِ خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ، وَأَلْحَقَ الْقَاضِي بِهِمَا الْقِرَاءَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (وَلَمْ يُبَحْ غَيْرُهُمَا حَتَّى تَغْتَسِلَ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ كَالْإِجْمَاعِ، وَحَكَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِجْمَاعَ التَّابِعِينَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ لِحِلِّ الْوَطْءِ شَرْطَيْنِ: انْقِطَاعَ الدَّمِ، وَالْغُسْلَ فَقَالَ {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] أَيْ: حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) أَيْ: اغْتَسَلْنَ بِالْمَاءِ فَأْتُوهُنَّ كَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَكْثَرِ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْأُولَى، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ بِتَشْدِيدِهَا، وَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى تَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ، وَالتَّطَهُّرُ: تَفَعُّلٌ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَكَلَّفُهُ، وَيَرُومُ تَحْصِيلَهُ، فَيَقْتَضِي اتِّخَاذَ الْفِعْلِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَانْقِطَاعُ الدَّمِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إِلَيْهَا، وَلَا صُنْعَ لَهَا فِيهِ، لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي عَلَى قِرَاءَةِ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ يَنْتَهِي النَّهْيُ عَنِ الْقُرْبَانِ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، إِذِ الْغَايَةُ تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا، لِكَوْنِهَا بِحَرْفِ حَتَّى، لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ النَّهْيُ عَنِ الْقُرْبَانِ مُطْلَقٌ، فَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ، وَبَعْدَهُ يَزُولُ التَّحْرِيمُ الْمُطْلَقُ، وَتَصِيرُ إِبَاحَةُ وَطْئِهَا مَوْقُوفًا عَلَى الْغُسْلِ، وَظَهَرَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْأَكْثَرِ أَكْثَرُ فَائِدَةً، وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ، وَقَالَهُ دَاوُدُ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِهِ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] حَلَّ وَطْؤُهَا، وَإِلَّا لَمْ يُبَحْ حَتَّى تَطْهُرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ عَدِمَتِ الْمَاءَ تَيَمَّمَتْ وَحَلَّ وَطْؤُهَا، وَإِنْ تَيَمَّمَتْ لَهَا، حَلَّ، لِأَنَّ مَا أَبَاحَ الصَّلَاةَ أَبَاحَ مَا دُونَهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِالطُّهْرِ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ مَا ذَكَرْنَا. فَرْعٌ: إِذَا أَرَادَ وَطْأَهَا فَادَّعَتْ حَيْضًا، وَأَمْكَنَ قُبِلَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ فِي الطَّلَاقِ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعْمَلَ بِقَرِينَةٍ أَوْ أَمَارَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ تَزُفُّ الْعَرُوسَ إِلَى زَوْجِهَا فَتَقُولُ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ، وَعَلَى اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا بِذَلِكَ، وَعَلَى تَصْدِيقِهَا فِي قَوْلِهَا: أَنَا حَائِضٌ، وَفِي قَوْلِهَا: قَدْ طَهُرْتُ. مَسْأَلَةٌ: تُغَسَّلُ الْمُسْلِمَةُ الْمُمْتَنِعَةُ قَهْرًا، وَلَا نِيَّةَ هُنَا لِلْعُذْرِ، كَالْمُمْتَنِعِ مِنَ الزَّكَاةِ وَإِذَا فَعَلَتْهُ لَمْ تُصَلِّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيُغَسَّلُ الْمَجْنُونَة وَتَنْوِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُغَسِّلَهَا لِيَطَأَهَا، وَيَنْوِيَ غُسْلَهَا تَخْرِيجًا عَلَى الْكَافِرَةِ. [الِاسْتِمْتَاعُ بِالْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ] (وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَمْتَعَ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ) مِنَ الْقُبْلَةِ، وَاللَّمْسِ، وَالْوَطْءِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ، رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَلِأَنَّ الْمَحِيضَ هُوَ اسْمٌ لِمَكَانِ الْحَيْضِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، كَالْمَقِيلِ، وَالْمَبِيتِ، فَيَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِمَكَانِ الْحَيْضِ، وَهُوَ الْفَرْجُ، وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ " الْجِمَاعَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مُنِعَ لِلْأَذَى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الْفَرْجِ، فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْفَرْجِ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ كَفَّارَةً، وَعَنْهُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّوْبَةُ   [المبدع في شرح المقنع] فَاخْتُصَّ بِمَحَلِّهِ كَالدُّبُرِ، وَقِيلَ: الْمَحِيضُ زَمَنُ الْحَيْضِ قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا، فَالِاعْتِزَالُ عَلَى هَذَا اعْتِزَالُهُنَّ مُطْلَقًا كَاعْتِزَالِ الْمُحْرِمَةِ وَالصَّائِمَةِ، وَيُحْتَمَلُ اعْتِزَالُ مَا يُرَادُ مِنْهُنَّ فِي الْغَالِبِ، وَهُوَ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، لِأَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا، فَذَكَرَ الْحُكْمَ بَعْدَ الْوَصْفِ بِالْفَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ هُوَ الْعِلَّةُ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْحُكْمِ كَآيَةِ السَّرِقَةِ، وَالْأَمْرُ بِالِاعْتِزَالِ فِي الدَّمِ لِلضَّرَرِ وَالتَّنْجِيسِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْفَرْجِ، فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِمَحَلِّ سَبَبِهِ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْمَحِيضُ: الْحَيْضُ نَفْسُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ، وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، فَكَذَا مَا بَيْنَهُمَا، وَعَلَى هَذَا يُسَنُّ سَتْرُ فَرْجِهَا عِنْدَ مُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَا بَيْنَهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " النِّهَايَةِ " لِخَوْفِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ: «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا يَحِلُّ لِي مِنَ امْرَأَتِي، وَهِيَ حَائِضٌ؛ قَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حِزَامِ بْنِ حَكِيمٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ. سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِالْمَفْهُومِ، وَالْمَنْطُوقُ رَاجِحٌ عَلَيْهِ، وَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّزِرَ، فَيُبَاشِرنِي وَأَنَا حَائِضٌ» لِأَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحِ تَقَذُّرًا كَتَرْكِهِ أَكْلَ الضَّبِّ. (فَإِنْ وَطِئَهَا) مَنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ، وَلَوْ بِلَفِّ خِرْقَةٍ قَبْلَ انْقِطَاعِهِ (فِي الْفَرْجِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ كَفَّارَةً) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَهُوَ رِوَايَةٌ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَقَعَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] جَارِيَةٍ لَهُ، فَوَجَدَهَا حَائِضًا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا حَفْصٍ، تَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» رَوَاهُ حَرْبٌ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ دِينَارٌ أَوْ نِصْفُهُ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، وَعَنْهُ: نِصْفُهُ، وَعَنْهُ: نِصْفُهُ فِي إِدْبَارِهِ، وَعَنْهُ: بَلْ فِي أَصْفَرَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَشْهُورُ، لِأَنَّهُ مَعْنًى تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، فَاسْتَوَى الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ إِقْبَالِهِ وَإِدْبَارِهِ، وَصِفَاتُهُ كَالْإِحْرَامِ، لَا يُقَالُ: كَيْفَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَنِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ كَتَخْيِيرِ الْمُسَافِرِ بَيْنَ الْإِتْمَامِ وَالْقَصْرِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ ذَهَبًا مَضْرُوبًا أَوْ تِبْرًا، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَاعْتَبَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينَ كَوْنَهُ مَضْرُوبًا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": هُوَ أَظْهَرُ، لِأَنَّ الدِّينَارَ اسْمٌ لَهُ كَمَا فِي الدِّيَةِ، وَذَكَرَ فِي " الرِّعَايَةِ " هَلِ الدِّينَارُ هُنَا عَشَرَةٌ أَوِ اثْنَا عَشَرَ؛ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَمُرَادُهُ: إِذَا أَخْرَجَ دَرَاهِمَ كَمْ يُخْرِجُ؛ وَإِلَّا فَلَوْ أَخْرَجَ ذَهَبًا لَمْ تُعْتَبَرْ قِيمَتُهُ بِلَا شَكٍّ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّاسِي، وَالْمُكْرَهِ، وَالْجَاهِلِ بِالْحَيْضِ أَوِ التَّحْرِيمِ أَوْ هُمَا لِلْعُمُومِ، وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ، قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: بِنَاءً عَلَى الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ، وَبَانَ بِهَذَا أَنَّ مَنْ كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ، أَنَّهُ فِي تَكْرَارِ الْكَفَّارَةِ كَالصَّوْمِ، فَإِنْ وَطِئَهَا طَاهِرًا ثُمَّ حَاضَتْ، فَإِنِ اسْتَدَامَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ نَزَعَ انْبَنَى عَلَى الْخِلَافِ هَلْ هُوَ جِمَاعٌ أَمْ لَا؛ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا، فَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالشَّرْعِ كَالصَّوْمِ، وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، وَهُوَ وَجْهٌ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ بِالشَّرْعِ لَمْ يَرِدْ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةَ كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً أو غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] عَالِمَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهَا، كَالصَّبِيِّ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ لِلْعُمُومِ، وَهُمَا فِي الْقِيمَةِ، وَالْكَفَّارَةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَتُجْزِئُ إِلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ، وَتَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ بِوَطْءِ دُبُرٍ، وَهُوَ غَرِيبٌ. فَرْعٌ: الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَإِنَّمَا شُرِعَتِ الْكَفَّارَةُ زَجْرًا عَنْ مُعَاوَدَتِهِ، وَلِهَذَا أَغْنَى وُجُوبُهَا عَنِ التَّعْزِيرِ فِي وَجْهٍ (وَعَنْهُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّوْبَةُ) قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ نُهِيَ عَنْهُ، لِأَجْلِ الْأَذَى أَشْبَهَ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ، وَكَمَا لَوْ وَطِئَ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ غُسْلِهَا فِي الْمَنْصُوصِ، وَحَدِيثُ الْكَفَّارَةِ مَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ قِيلَ لِأَحْمَدَ: فِي نَفْسِكَ مِنْهُ شَيْءٌ؛ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكُنَّا نَرَى عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ. تَذْنِيبٌ: بَدَنُ الْحَائِضِ، وَعَرَقُهَا، وَسُؤْرُهَا طَاهِرٌ، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا وَعَجِينُهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا وَضْعُ يَدَيْهَا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَائِعَاتِ، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ إِجْمَاعًا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا لَمْ يَفْسُدْ مِنَ الْمَائِعَاتِ بِمُلَاقَاةِ بَدَنِهَا، وَإِلَّا تَوَجَّهَ الْمَنْعُ فِيهَا، وَفِي الْمَرْأَةِ الْجُنُبِ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ الْمَرْأَةُ تِسْعُ سِنِينَ، وَأَكْثَرُهُ خَمْسُونَ سَنَةً، وَعَنْهُ: سِتُّونَ فِي نِسَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] [أَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ الْمَرْأَةُ وَأَكْثَرُهُ] (وَأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ الْمَرْأَةُ) تَمَامُ (تِسْعُ سِنِينَ) فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ، وَرَوَاهُ الْقَاضِي مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، أَيْ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرْأَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَأَيْتُ جَدَّةً لَهَا إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ نِسَاءَ تِهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا رَأَتِ الدَّمَ لِدُونِ تِسْعِ سِنِينَ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْوُجُودِ وَالْعَادَةِ لِأُنْثَى حَيْضٌ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهَا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَالْبَارِدَةِ، وَقِيلَ: لَا حَيْضَ قَبْلَ تَمَامِ عَشْرٍ، وَعَنْهُ: اثْنَتَا عَشْرَةَ، لِأَنَّهُ الزَّمَانُ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ بُلُوغُ الْغُلَامِ، وَهُوَ تَقْرِيبٌ، وَقِيلَ: تَحْدِيدٌ، وَلِانْقِطَاعِهِ غَايَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَأَكْثَرُهُ خَمْسُونَ سَنَةً) قَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" التَّلْخِيصِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْبُلْغَةِ "، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً، خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الْحَيْضِ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ أَيْضًا: لَنْ تَرَى فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ، رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّالَنْجِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِنَّ لِاسْتِوَائِهِنَّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ. (وَعَنْهُ: سِتُّونَ فِي نِسَاءِ الْعَرَبِ) وَخَمْسُونَ لِغَيْرِهِنَّ، وَقَالَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّهُنَّ أَقْوَى جِبِلَّةً، وَعَنْهُ: غَايَتُهُ سِتُّونَ سَنَةً، جَزَمَ بِهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي " خِلَافِهِ " الصَّغِيرِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ وُجِدَ فِيهِ حَيْضٌ بِنَقْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الْعَرَبِ، وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ، وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَعَنْهُ: يَوْمٌ، وَأَكْثَرُهُ   [المبدع في شرح المقنع] نِسَاءٍ ثِقَاتٍ، وَعَنْهُ: إِنْ تَكَرَّرَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِلَّا فَلَا، صَحَّحَهَا فِي " الْكَافِي " لِوُجُودِهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَعَنْهُ: مَشْكُوكٌ فِيهِ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، فَتَصُومَ، وَتُصَلِّي، لِأَنَّ وُجُوبَهَا مُتَيَقَّنٌ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا إِذَا انْقَطَعَ حَتَّى تَغْتَسِلَ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، وَالصَّوْمَ تَقْضِيهِ وُجُوبًا عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا إِذَا رَأَتْ دَمًا (بَعْدَ السِّتينَ) أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجُرْحِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ دَمُ فَسَادٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ لَا غَايَةَ لِانْقِطَاعِهِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ قَدْ وَصَفَ النِّسَاءَ بِالْإِيَاسِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا لَمْ تَيْأَسْ أَبَدًا، وَلِأَنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ. (وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) فِي الْمَنْصُوصِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، فَجَعَلَ الْحَيْضَ عَلَمًا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَقِّ ابْنِ عُمَرَ لَمَّا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: «لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» فَجَعَلَ الْحَمْلَ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ كَالطُّهْرِ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَعَنْهُ: بَلَى، حَكَاهَا أَبُو الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاخْتَارَهَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ، وَذَكَرَ عُبَيْدَةُ بْنُ الطَّيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ إِسْحَاقَ نَاظَرَ أَحْمَدَ، وَرَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ هَذَا. رَوَاهُ الْحَاكِمُ، لِأَنَّهُ دَمٌ صَادَفَ عَادَةً، فَكَانَ حَيْضًا كَغَيْرِهَا، فَعَلَى الْأُولَى إِذَا رَأَتْ دَمًا فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ لَا تَتْرُكُ لَهُ الْعِبَادَةَ، وَلَا تَمْنَعُ زَوْجَهَا مَنْ وَطْئِهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَغْتَسِلَ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ، إِلَّا أَنْ تَرَاهُ قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ نِفَاسٌ، وَلَا تَنْقُصُ بِهِ مُدَّتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ دَمٌ خَرَجَ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ فَكَانَ نِفَاسًا، وَلَا تَتْرُكُ الْعِبَادَةَ مِنْ غَيْرِ عَلَامَةٍ عَلَى قُرْبِ الْوَضْعِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، فَإِنْ تَرَكَتْهَا لِعَلَامَةٍ فَتَبَيَّنَ بُعْدُهُ عَنْهَا أَعَادَتْ مَا تَرَكَتْهُ مِنَ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَلَا نِفَاسٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعَنْهُ: سَبْعَةَ عَشَرَ، وَغَالِبُهُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ   [المبدع في شرح المقنع] [أَقَلُّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرُهُ وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ] (وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. لَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (وَعَنْهُ: يَوْمٌ) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ عَلَى الْحَيْضِ أَحْكَامًا، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ رَدَّهُ إِلَى الْعُرْفِ، كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ، وَقَدْ وُجِدَ حَيْضٌ مُعْتَادٌ يَوْمًا، وَلَمْ يُوجَدْ أَقَلَّ مِنْهُ. قَالَ عَطَاءٌ: رَأَيْتُ مَنْ تَحِيضُ يَوْمًا، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رَأَيْتُ امْرَأَةً فَقَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَزَلْ تَحِيضُ يَوْمًا لَا يَزِيدُ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ فِي نِسَائِنَا مَنْ تَحِيضُ يَوْمًا، فَمَنْ قَالَ بِهِ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْإِطْلَاقِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ: عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَحِيضُ بُكْرَةً، وَتَطْهُرُ عَشِيَّةً، وَمَنْ قَالَ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، قَالَ: إِنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إِطْلَاقِ الْيَوْمِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقَاضِي: يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَقَلُّهُ يَوْمٌ أَيْ: بِلَيْلَتِهِ، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْخَلَّالِ، وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِهَا. (وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْخَلَّالُ: لَا اخْتِلَافَ فِيهِ لِقَوْلِ عَطَاءٍ: رَأَيْتُ مَنْ تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ قِيلَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ؛ قَالَ: تَمْكُثُ إِحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تُصَلِّي» وَذَكَرَ ابْنُ الْمَنْجَا أَنَّهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ خَطَأٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: لَا يَثْبُتُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَعَنْهُ: سَبْعَةَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَ الْمَاجِشُونِ كُنَّ يَحِضْنَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَحَكَاهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ غَيْرِهِنَّ، وَقِيلَ: عَلَيْهِمَا، وَلَيْلَةً. لَا عَشْرَةً بِلَيَالِيهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ، فَلَوْ رَأَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَانَ حَيْضًا، وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. (وَغَالِبُهُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ) «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ لَمَّا سَأَلَتْهُ: تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَاهُ، وَحَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا) هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ، وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ: قُلْ فِيهَا، فَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: " قَالُونُ " أَيْ: جَيِّدٌ بِالرُّومِيَّةِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا، وَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ انْتَشَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ، وَوُجُودُ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ صَحِيحٌ يَقِينًا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُخْتَلَفُ أَنَّ الْعِدَّةَ يَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي شَهْرٍ إِذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطُّهْرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ وَسَيَأْتِي. (وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ) هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ حَكَاهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 فَصْلٌ وَالْمُبْتَدَأَةُ تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإِنِ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرَ فَمَا   [المبدع في شرح المقنع] و" الْفُرُوعِ " وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: «تَمْكُثُ إِحْدَاكُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تُصَلِّي» ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، فَإِنْ قِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلُّ الطُّهْرِ مِثْلُهُ، وَإِنْ قِيلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا بِنَاءَ، فَأَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ إِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ شَهْرُ الْمَرْأَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَإِذَا زَادَ تُصُوِّرَ أَنَّ حَيْضَهَا سَبْعَةَ عَشَرَ، وَطُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَكْثَرُ، وَقِيلَ: يُزَادُ عَلَى كُلِّ عَدَدٍ لَيْلَةٌ، وَعَنْهُ: لَا تَوْقِيتَ فِيهِ، وَهُوَ عَلَى مَا تَعْرِفُهُ مِنْ عَادَتِهَا، اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَعَنْهُ: إِلَّا فِي الْعِدَّةِ أَيْ: إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَهَا فِي شَهْرٍ كُلِّفَتِ الْبَيِّنَةَ، وَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ صُدِّقَتْ (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيِ: الطُّهْرِ، لِأَنَّ التَّحْدِيدَ مِنَ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ دَلِيلًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَنْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا، لَكِنَّ غَالِبَهُ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ. [الْمُبْتَدَأَةُ الَّتِي رَأَتْ دَمَ الْحَيْضِ وَلَمْ تَكُنْ حَاضَتْ] فَصْلٌ (وَالْمُبْتَدَأَةُ) هِيَ الَّتِي رَأَتْ دَمَ الْحَيْضِ، وَلَمْ تَكُنْ حَاضَتْ فِي زَمَنٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَلْتَفِتُ أَوَّلَ مَرَّةٍ إِلَّا إِلَى الْأَسْوَدِ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فَإِنْ كَانَ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً، فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَجْلِسُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ خِلَافُهُ (تَجْلِسُ) أَيْ: تَدَعُ بِرُؤْيَتِهِ - نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ - الصَّلَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَنَحْوَهُمَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 دُونُ، اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ وَتَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَإِنْ كَانَ فِي الثَّلَاثِ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ،   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ جِبِلَّةٌ وَعَادَةٌ، وَدَمَ الِاسْتِحَاضَةِ لِعَارِضٍ مِنْ مَرَضٍ، وَنَحْوِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (يَوْمًا وَلَيْلَةً) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنَيْهِ، وَالْمَرُّوذِيِّ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ، وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهَا بِيَقِينٍ، وَمَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا نُسْقِطُهَا بِالشَّكِّ، وَلَوْ لَمْ نُجْلِسْهَا الْأَقَلَّ، لَأَدَّى إِلَى عَدَمِ جُلُوسِهَا أَصْلًا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ إِلَّا إِذَا قُلْنَا: أَقَلُّهُ يَوْمٌ، قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّ الْمُبْتَدَأَةَ لَا تَجْلِسُ فَوْقَ الْأَقَلِّ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا مَوْضِعُ ذَلِكَ إِذَا اتَّصَلَ الدَّمُ، وَحَصَلَتْ مُسْتَحَاضَةً فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ (ثُمَّ تَغْتَسِلُ) لِأَنَّهُ آخِرُ حَيْضِهَا حُكْمًا، أَشْبَهَ آخِرَهُ حِسًّا (وَتُصَلِّي) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهَا هُوَ الْحَيْضُ، وَقَدْ حُكِمَ بِانْقِطَاعِهِ، وَعَدَمَ الْغُسْلِ، وَقَدْ وُجِدَ حَقِيقَةً. وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ أَوْ يُجَاوِزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ، وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهَا بِالْعِبَادَةِ احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهَا، فَتَعَيَّنَ تَرْكُ وَطْئِهَا احْتِيَاطًا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: يُبَاحُ مَعَ خَوْفِ الْعَنَتِ، فَإِنِ انْقَطَعَ وَاغْتَسَلَتْ أُبِيحَ، لِأَنَّهَا رَأَتِ النَّقَاءَ الْخَالِصَ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ كَالنُّفَسَاءِ، وَعَنْهُ: إِنْ أُمِنَ الْعَنَتُ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ حُرِّمَ الْوَطْءُ إِلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ. (فَإِنِ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرَ فَمَا دُونُ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ لِقَطْعِهِ عَنِ الْإِضَافَةِ (اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ حَيْضِهَا، فَلَا تَكُونُ طَاهِرَةً بِيَقِينٍ إِلَّا بِالْغُسْلِ (وَتَفْعَلُ ذَلِكَ) أَيْ: مِثْلَ جُلُوسِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَغُسْلِهَا عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَعِنْدَ الِانْقِطَاعِ (ثَلَاثًا) لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِهَا فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ» هِيَ صِيغَةُ جَمْعٍ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ، وَلِأَنَّ مَا اعْتُبِرَ لَهُ التَّكْرَارُ اعْتُبِرَ فِيهِ الثَّلَاثُ، كَالْأَقْرَاءِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَالشُّهُورِ، وَخِيَارِ الْمُصَرَّاةِ، وَمُهْلَةِ الْمُرْتَدِّ، فَعَلَى هَذَا تَجْلِسُ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ، وَقَالَ الْقَاضِي: فِي الثَّالِثِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 صَارَ عَادَةً، وَانْتَقَلَتْ إِلَيْهِ، وَأَعَادَتْ مَا صَامَتْهُ مِنَ الْفَرْضِ فِيهِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَصِيرُ عَادَةً مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، فَإِنْ كَانَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا بَعْضُهُ ثَخِينٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ، وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ أَحْمَرُ، فَحَيْضُهَا زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَمَا عَدَاهُ اسْتِحَاضَةٌ،   [المبدع في شرح المقنع] (فَإِنْ كَانَ فِي) الْأَشْهُرِ (الثَّلَاثِ عَلَى قَدْرٍ) أَيْ: لِمِقْدَارٍ (وَاحِدٍ صَارَ عَادَةً) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَوْ تَكَرَّرَ مُخْتَلِفًا كَخَمْسَةٍ مِنَ الْأَوَّلِ، وَسَبْعَةٍ فِي الثَّانِي، وَعَشَرَةٍ فِي الثَّالِثِ، فَالْمُتَكَرِّرُ حَيْضٌ دُونَ غَيْرِهِ (وَانْتَقَلَتْ إِلَيْهِ) أَيْ: لَزِمَهَا جُلُوسُهُ (وَأَعَادَتْ مَا صَامَتْهُ مِنَ الْفَرْضِ فِيهِ) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا فِعْلَهُ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، وَكَذَا حُكْمُ غَيْرِهِ مِنَ اعْتِكَافٍ وَاجِبٍ وَطَوَافٍ، لَكِنْ إِنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَمْ يَعُدْ، أَوْ أَيِسَتْ قَبْلَ التَّكْرَارِ لَمْ تَقْضِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ) أَيِ: الدَّمُ (يَصِيرُ عَادَةً) بِتَكَرُّرِهِ (مَرَّتَيْنِ) لِأَنَّ الْعَادَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ، وَقَدْ عَاوَدَهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَتَجْلِسُ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ. وَقَالَ الْقَاضِي: بَلْ فِي الثَّانِي، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَإِنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَقْتَضِيهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ. [الِاسْتِحَاضَةُ] (فَإِنْ جَاوَزَ) الدَّمُ (أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الدَّمَ كُلَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا. وَالِاسْتِحَاضَةُ: سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ مِنَ الْعِرْقِ الْعَاذِلِ - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - وَقِيلَ: الْمُهْمَلَةِ حَكَاهُمَا ابْنُ سِيدَهْ، وَالْعَاذِرُ لُغَةٌ فِيهِ: مِنْ أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ، إِذِ الْمَرْأَةُ لَهَا فَرْجَانِ، دَاخِلٌ بِمَنْزِلَةِ الدُّبُرِ، مِنْهُ الْحَيْضُ، وَخَارِجٌ كَالْأَلْيَتَيْنِ، مِنْهُ الِاسْتِحَاضَةُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَكْرَارٍ، صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِظَاهِرِ حَدِيثِ حَمْنَةَ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا قَبْلَ تَكْرَارِهَا ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ، ثُمَّ هِيَ لَا تَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ، فَقَالَ: (فَإِنْ كَانَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا بَعْضُهُ ثَخِينٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ، وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ أَحْمَرُ، فَحَيْضُهَا زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ) مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَلَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يَنْقُصُ غَيْرُهُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؛ فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيِّ: «إِذَا كَانَ الْحَيْضُ، فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي، وَصَلِّي، فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ» وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الْفَرْجِ يُوجِبُ الْغُسْلَ فَرَجَعَ إِلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَالْمَنِيِّ، وَالْمَذْيِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا إِذَا عَرَفَتِ التَّمْيِيزَ جَلَسَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ فِي الصِّفَةِ، وَهَذَا يُوجَدُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ، وَالتَّمْيِيزُ يَحْصُلُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ، وَاعْتَبَرَ أَبُو الْمَعَالِي اللَّوْنَ فَقَطْ، فَالْأَسْوَدُ أَقْوَى، ثُمَّ الْأَحْمَرُ، ثُمَّ الْأَشْقَرُ، وَكَرِيهُ الرَّائِحَةِ أَقْوَى، وَالثَّخِينُ أَقْوَى مِنَ الرَّقِيقِ، فَإِنْ تَعَارَضَتِ الصِّفَاتُ، فَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ، فَإِنِ اسْتَوَتْ، رُجِّحَ بِالسَّبْقِ. (وَمَا عَدَاهُ اسْتِحَاضَةٌ) فَيَصِيرُ حُكْمُهَا حُكْمَ الطَّاهِرَاتِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْأَوَّلِ وَتَصُومُ، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ كَمَا يَأْتِي. 1 - تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ أَنَّ دَلَالَةَ التَّمْيِيزِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَكْرَارٍ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: تَجْلِسُ الْمُمَيِّزَةُ مِنَ التَّمْيِيزِ مَا تَكَرَّرَ، فَعَلَى هَذَا إِذَا رَأَتْ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةً أَحْمَرَ، ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَحْمَرَ، وَاتَّصَلَ، جَلَسَتْ زَمَانَ الْأَسْوَدِ، وَهَلْ تَجْلِسُهُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ أَوِ الرَّابِعِ؛ يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّةُ الدَّمَيْنِ عَلَى شَهْرٍ فِي وَجْهٍ، فَلَوْ رَأَتْ عَشَرَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ ثَلَاثِينَ أَحْمَرَ، فَحَيْضُهَا زَمَنُ الْأَسْوَدِ، وَفِي آخَرَ: مَتَى زَادَتْ مُدَّتُهُمَا عَلَى شَهْرٍ، بَطَلَتْ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى الْأَسْوَدِ، فَإِنْ نَقَصَ التَّمْيِيزُ عَنِ الْأَكْثَرِ، فَطُهْرُهَا بَعْدَهُ إِلَى الْأَكْثَرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، تَفْعَلُ فِيهِ كَالْمُعْتَادِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا. وَهَلْ يُبَاحُ وَطْؤُهَا؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ طُهْرٌ، بِيَقِينٍ فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا، قَعَدَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ غَالِبَ الْحَيْضِ. وَعَنْهُ: أَقَلَّهُ، وَعَنْهُ: أَكْثَرَ، وَعَنْهُ: عَادَةَ نِسَائِهَا، كَأُمِّهَا وَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ   [المبدع في شرح المقنع] رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا أَحْمَرَ، ثُمَّ بَاقِيَ الشَّهْرِ أَسْوَدَ، فَحَيْضُهَا زَمَنَ الْأَسْوَدِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي: تَجْلِسُ مِنَ الْأَحْمَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَجْلِسُ الْأَسْوَدَ، وَمَتَى بَطَلَتْ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ، فَهَلْ تَجْلِسُ مَا تَجْلِسُهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، وَعَنْهُ: لَا تَسْقُطُ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ، وَإِنْ عَبَرَ الْأَكْثَرَ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجْلِسَ زِيَادَةً عَلَى الْأَكْثَرِ، وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا قَعَدَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ غَالِبَ الْحَيْضِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رُوِيَ أَنَّ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَبِيرَةً، قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ، فَقَالَ: تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، ثُمَّ اغْتَسِلِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَعَمَلًا بِالْغَالِبِ، وَلِأَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى غَالِبِ الْحَيْضِ وَقْتًا، فَكَذَا قَدْرًا فَعَلَى هَذَا تَجْتَهِدُ فِي السِّتِّ وَالسَّبْعِ، وَقِيلَ: تُخَيَّرُ، وَتُفَارِقُ الْمُبْتَدَأَةُ فِي جُلُوسِهَا الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَوَّلُ مَا تَرَى الدَّمَ تَرْجُو انْكِشَافَ أَمْرِهَا عَنْ قُرْبٍ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهَا دَمٌ فَاسِدٌ، وَإِذَا عُلِمَ اسْتِحَاضَتُهَا فَقَدِ اخْتَلَطَ الْحَيْضُ بِالْفَاسِدِ يَقِينًا، وَلَيْسَ قَرِينَةً، فَلِذَلِكَ رُدَّتْ إِلَى الْغَالِبِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (وَعَنْهُ: أَقَلَّهُ) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي " التَّذْكِرَةِ "، لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَكَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ (وَعَنْهُ: أَكْثَرَهُ) اخْتَارَهُ فِي " الْمُغْنِي " لِأَنَّهُ زَمَانُ الْحَيْضِ، فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ فِي جلسَته كَالْمُعْتَادَةِ (وَعَنْهُ: عَادَةَ نِسَائِهَا كَأُمِّهَا، وَأُخْتِهَا، وَعَمَّتِهَا، وَخَالَتِهَا) لِأَنَّ الْغَالِبَ شَبَهُهَا بِهِنَّ، وَقِيَاسًا عَلَى الْمَهْرِ، وَتُقَدَّمُ الْقُرْبَى، فَالْقُرْبَى، فَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُنَّ جَلَسَتِ الْأَقَلَّ، وَقِيلَ: الْأَكْثَرَ، وَقِيلَ: تَتَحَرَّى، فَإِنْ عُدِمَ الْأَقَارِبُ اعْتُبِرَ الْغَالِبُ. زَادَ ابْنُ حَمْدَانَ: مِنْ نِسَاءِ بَلَدِهَا (وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ) فِي " هِدَايَتِهِ " وَتَبِعَهُ فِي " الْكَافِي " (فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 أَوَّلَ مَا تَرَى الدَّمَ الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعَ، وَإِنِ اسْتُحِيضَتِ الْمُعْتَادَةُ رَجَعَتْ إِلَى عَادَتِهَا،   [المبدع في شرح المقنع] الْمُبْتَدَأَةِ أَوَّلَ مَا تَرَى الدَّمَ الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعَ) الْأُولَى: أَنَّهَا تَجْلِسُ الْأَقَلَّ، لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَالثَّانِيَةُ: تَجْلِسُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، وَالثَّالِثَةُ: تَجْلِسُ عَادَةَ نِسَائِهَا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَبَهُهَا بِهِنَّ، وَالرَّابِعَةُ: تَجْلِسُ مَا تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ قِيَاسًا عَلَى أَقَلِّهِ، وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُبْتَدَأَةِ، شَرَعَ فِي أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: [إِنِ اسْتُحِيضَتِ الْمُعْتَادَةُ] (وَإِنِ اسْتُحِيضَتِ الْمُعْتَادَةُ) وَهِيَ الَّتِي تَعْرِفُ شَهْرَهَا وَوَقْتَ حَيْضِهَا مِنْهُ، وَطُهْرِهَا، وَشَهْرُهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَرَى فِيهِ حَيْضًا، وَطُهْرًا، وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَغَالِبُهُ الشَّهْرُ الْمَعْرُوفُ (رَجَعَتْ إِلَى عَادَتِهَا) إِلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهِيَ مَا إِذَا كَانَتْ ذَاكِرَةً لِعَادَتِهَا، وَهِيَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ، أَوْ يَكُونُ الدَّمُ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ يَنْقُصُ عَنْ أَقَلِّهِ، أَوْ يَزِيدُ عَلَى أَكْثَرِهِ، فَهَذِهِ تَجْلِسُ قَدْرَ عَادَتِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَهَا، وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَادَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُتَّفِقَةٌ، وَمُخْتَلِفَةٌ، فَالْمُتَّفِقَةُ: أَنْ تَكُونَ أَيَّامًا مُتَسَاوِيَةً، كَسَبْعَةٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَإِذَا اسْتُحِيضَتْ جَلَسَتْهَا فَقَطْ، وَالْمُخْتَلِفَةُ قِسْمَانِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى تَرْتِيبٍ، مِثْلَ أَنْ تَرَى فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَفِي الثَّانِي أَرْبَعَةً، وَفِي الثَّالِثِ خَمْسَةً، ثُمَّ تَعُودُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ إِذَا اسْتُحِيضَتْ فِي شَهْرٍ، فَعَرَفَتْ نَوْبَتَهُ عَمِلَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَسِيَتْ نَوْبَتَهُ جَلَسَتِ الْأَوَّلَ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَتُصَلِّي بَقِيَّةَ الشَّهْرِ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَشَكَّتْ هَلْ هُوَ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثُ جَلَسَتْ أَرْبَعَةً، لِأَنَّهَا الْيَقِينُ، ثُمَّ تَجْلِسُ فِي الشَّهْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، وَفِي الرَّابِعِ، ثُمَّ تَعُودُ إِلَى الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ أَبَدًا، وَيَكْفِيهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ، عِنْدَ انقضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي جَلَسَتْهَا كَالنَّاسِيَةِ، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ أَيْضًا عِنْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ عَادَتِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَإِنْ كَانَتْ، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ التَّمْيِيزُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَإِنْ نَسِيَتِ الْعَادَةَ، عَمِلَتْ   [المبدع في شرح المقنع] تَرْتِيبٍ، مِثْلَ أَنْ تَحِيضَ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَفِي الثَّانِي خَمْسَةً، وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةً، فَإِنْ أَمْكَنَ ضَبْطُهُ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ جَلَسَتِ الْأَقَلَّ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَاغْتَسَلَتْ عَقِيبَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهَا تَجْلِسُ أَكْثَرَ عَادَتِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ كَالنَّاسِيَةِ لِلْعَدَدِ، وَبَعَّدَهُ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِذْ فِيهِ أَمْرُهَا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَإِسْقَاطِهَا عَنْهَا مَعَ يَقِينِ الْوُجُوبِ، بِخِلَافِ النَّاسِيَةِ لَا نَعْلَمُ عَلَيْهَا صَلَاةً وَاجِبَةً يَقِينًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيْضِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الثَّانِي، وَهُوَ إِذَا اجْتَمَعَتِ الْعَادَةُ، وَالتَّمْيِيزُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ: تُقَدِّمُ الْعَادَةَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: «أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الدَّمِ فَقَالَ لَهَا: امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وَصَلِّي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُسْتَحَاضَةٍ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَقْوَى لِكَوْنِهَا لَا تَبْطُلُ دَلَالَتُهَا بِخِلَافِ اللَّوْنِ، فَإِنَّهُ إِذَا زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ دَلَالَتُهُ. (وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ التَّمْيِيزُ) عَلَى الْعَادَةِ بِشَرْطِهِ (وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ) وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ: «فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ صِفَةَ الدَّمِ أَمَارَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ، وَالْعَادَةَ بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ، فَرَجَعَ إِلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَالْمَنِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنَ الْعَادَةِ أَوْ أَقَلَّ، وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَلَوِ اتَّفَقَتِ الْعَادَةُ، وَالتَّمْيِيزُ عُمِلَ بِهِمَا. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: إِذَا كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَاسْتُحِيضَتْ، وَصَارَتْ تَرَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ، فَمَنْ قَدَّمَ الْعَادَةَ، قَالَ: تَجْلِسُ الْخَمْسَةَ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ، وَمَنْ قَدَّمَ التَّمْيِيزَ قَالَ: تَجْلِسُ الثَّلَاثَةَ الَّتِي فِيهَا الْأَسْوَدُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي. وَمِنْهَا: إِذَا كَانَ حَيْضُهَا سَبْعًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَاسْتُحِيضَتْ، وَصَارَتْ تَرَى سَبْعَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ يَصِيرُ أَحْمَرَ، وَيَتَّصِلُ، فَالْأَسْوَدُ حَيْضٌ عَلَيْهِمَا، لِمُوَافَقَتِهِ الْعَادَةَ، وَالتَّمْيِيزَ، وَإِنْ رَأَتْ مَكَانَ الْأَسْوَدِ أَحْمَرَ، ثُمَّ صَارَ أَسْوَدَ، وَعَبَرَ، سَقَطَ حُكْمُ الْأَسْوَدِ لِعُبُورِهِ أَكْثَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 بِالتَّمْيِيزِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ، جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ، وَعَنْهُ: أَقَلَّهُ. وَقِيلَ: فِيهَا   [المبدع في شرح المقنع] الْحَيْضِ، وَحَيْضُهَا الْأَحْمَرُ لِمُوَافَقَتِهِ الْعَادَةَ، وَإِنْ رَأَتْ مَكَانَ الْعَادَةِ أَحْمَرَ، ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ صَارَ أَحْمَرَ، وَاتَّصَلَ، فَمَنْ قَدَّمَ الْعَادَةَ أَجْلَسَهَا أَيَّامَهَا، وَمَنْ قَدَّمَ التَّمْيِيزَ جَعَلَ الْأَسْوَدَ وَحْدَهُ حَيْضًا. 1 - (وَإِنْ نَسِيَتِ الْعَادَةَ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا تَمْيِيزٌ وَعَادَةٌ، وَقَدْ أُنْسِيَتْهَا (عَمِلَتْ بِالتَّمْيِيزِ) بِشَرْطِهِ لِمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَمَيِّزُ مُتَّفِقًا مِثْلَ أَنْ تَرَى فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ يَصِيرُ أَحْمَرَ، وَيَعْبُرُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، أَوْ مُخْتَلِفًا، مِثْلَ أَنْ تَرَى فِي الْأَوَّلِ خَمْسَةً أَسْوَدَ، وَفِي الثَّانِي أَرْبَعَةً، وَفِي الثَّالِثِ ثَلَاثَةً، أَوْ بِالزِّيَادَةِ فِيهِمَا، فَالْأَسْوَدُ حَيْضٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَظَاهِرُهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَكْرَارٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ فِي " الرِّعَايَةِ ": فِيهَا الرِّوَايَاتُ الْأَرْبَعُ. 1 - (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَهِيَ النَّاسِيَةُ لِلْعَادَةِ وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا، وَلَهَا ثَلَاثُ أَحْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِوَقْتِهَا وَعَدَدِهَا، وَهَذِهِ تُسَمَّى الْمُتَحَيِّرَةَ، لِأَنَّهَا قَدْ تَحَيَّرَتْ فِي حَيْضِهَا، وَحُكْمُهَا أَنْ تَجْلِسَ غَالِبَ الْحَيْضِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ لِحَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْهَا: هَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ أَوْ نَاسِيَةٌ؛ وَلَوِ افْتَرَقَ الْحَالُ لَسَأَلَهَا، وَكَوْنُهَا نَاسِيَةً أَكْثَرُ، فَإِنَّ حَمْنَةَ امْرَأَةٌ كَبِيرَةٌ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَلَمْ يَسْأَلْهَا عَنْ تَمْيِيزِهَا وَلَا عَادَتِهَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً - فَعَلَى هَذَا إِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الرِّوَايَاتُ الْأَرْبَعُ، وَإِنْ عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا، جَلَسَتْهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ   [المبدع في شرح المقنع] كَانَتْ تَعْرِفُ شَهْرَهَا جَلَسَتْ ذَلِكَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ عَادَتُهَا فَتُرَدُّ إِلَيْهَا كَمَا تُرَدُّ الْمُعْتَادَةُ إِلَى عَادَتِهَا، إِلَّا أَنَّهُ مَتَى كَانَ شَهْرُهَا أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا، لَمْ تَجْلِسْ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنَ الْفَاضِلِ عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ لِئَلَّا يَنْقُصَ الطُّهْرُ عَنْ أَقَلِّهِ، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ شَهْرَهَا جَلَسَتْ مِنَ الشَّهْرِ الْمُعْتَادِ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ غَالِبُ عَادَاتِ النِّسَاءِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَيْضُهَا، وَتَجْتَهِدُ فِي السِّتِّ وَالسَّبْعِ، فَمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا جَلَسَتْهُ، صَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: أَنَّهَا تُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، كَالْوَطْءِ فِيهِ يُتَخَيَّرُ فِي التَّكْفِيرِ بَيْنَ دِينَارٍ وَنِصْفِهِ، لِأَنَّ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ لِلِاجْتِهَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] ، و" إِمَّا " كَـ " أَوْ "، وَلَمْ يَعْرِضْ لِوَقْتِ إِجْلَاسِهَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ (وَعَنْهُ: أَقَلَّهُ) لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا تَدَعُ الْعِبَادَةَ لِأَجْلِهِ، وَجَعَلَهُ فِي " الْكَافِي " مُخَرَّجًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. (وَقِيلَ: فِيهَا الرِّوَايَاتُ الْأَرْبَعُ) لَوِ اقْتَصَرَ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي: يَتَخَرَّجُ فِيهَا الرِّوَايَتَانِ الْأُخْرَيَانِ كَالْمُبْتَدَأَةِ، لِأَنَّ بِنِسْيَانِ الْعَادَةِ صَارَتْ عَادِمَةً لَهَا، فَهِيَ كَمَنْ عَدِمَتِ الْعَادَةَ، وَهِيَ تَجْلِسُ عَادَةَ نِسَائِهَا، وَالْأَكْثَرُ وَالْمَشْهُورُ انْتِفَاؤُهُمَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ اسْتِحَاضَتَهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَكْرَارٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَحَكَى الْقَاضِي وَجْهًا أَنَّهَا لَا تَجْلِسُ شَيْئًا، بَلْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي، وَتَصُومُ، وَيُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا، وَتَقْضِيَ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ. (وَإِنْ عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا، وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا) هَذَا هُوَ الْحَالُ الثَّانِي مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِيَةِ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَعْلَمَ الْعَدَدَ، وَلَا تَعْلَمَ الْوَقْتَ أَصْلًا، مِثْلَ أَنْ تَعْلَمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 شَهْرٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ تَجْلِسُهَا بِالتَّحَرِّي، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعِ حَيْضِ مَنْ لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَيَّامَهَا فِي وَقْتٍ مِنَ الشَّهْرِ، كَنِصْفِهِ الْأَوَّلِ، جَلَسَتْهَا فِيهِ إِمَّا مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ بِالتَّحَرِّي عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا مِنَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ (جَلَسَتْهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ) هِلَالِيٍّ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَلَمْ يُفَرِّقُوا، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ حَيْضَ حَمْنَةَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَالصَّلَاةَ فِي بَقِيَّتِهِ، وَلِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ جِبِلَّةٌ، وَالِاسْتِحَاضَةَ عَارِضَةٌ، فَإِذَا رَأَتْهُ وَجَبَ تَغْلِيبُ دَمِ الْحَيْضِ، وَقِيلَ: تَجْلِسُ فِي تَمْيِيزٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ إِنْ كَانَ، لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِدَمِ الْحَيْضِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ (وَفِي الْآخَرِ: تَجْلِسُهَا بِالتَّحَرِّي) قِيلَ: هُوَ الصَّوَابُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَدَّهَا إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْعَدَدِ فَكَذَا فِي الْوَقْتِ، وَلِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْهِلَالِ فِي أَمْرِ الْحَيْضِ بِوَجْهٍ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: إِنْ ذَكَرَتْ أَوَّلَ الدَّمِ، كَمُعْتَادَةٍ انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَشْهُرًا، ثُمَّ جَاءَ الدَّمُ خَامِسَ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ مَثَلًا، وَاسْتَمَرَّ، وَقَدْ أُنْسِيَتِ الْعَادَةَ، فَالْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ. وَالثَّالِثُ: تَجْلِسُ مَجِيءَ الدَّمِ مِنْ خَامِسِ كُلِّ شَهْرٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ حَمْنَةَ ابْتِدَاءً بِجُلُوسِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ، ثُمَّ تَصُومُ، وَتُصَلِّي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، وَقَالَ: «فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ» وَلَيْسَ حَيْضُ النِّسَاءِ عِنْدَ رُءُوسِ الْأَهِلَّةِ غَالِبًا، وَمَتَى تَعَذَّرَ التَّحَرِّي بِأَنْ يَتَسَاوَى عِنْدَهَا الْحَالُ، وَلَمْ تَظُنَّ شَيْئًا، أَوْ تَعَذَّرَ الْأَوَّلِيَّةُ، عَمِلَتْ بِالْآخَرِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي: إِذَا عَلِمَتْ قَدْرَ عَادَتِهَا وَجَهِلَتْ مَوْضِعَهَا بِأَنْ قَالَتْ: حَيْضَتِي أَحَدُ أَعْشَارِ الشَّهْرِ، فَإِنَّهَا لَا تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَلَا الصَّلَاةَ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ كُلَّمَا مَضَى قَدْرُ عَادَتِهَا وَيُمْنَعُ وَطْؤُهَا، وَتَقْضِي مِنَ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِقَدْرِهَا، وَكَذَا الطَّوَافُ، وَعَنْهُ: لَا تَجْلِسُ شَيْئًا. (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعِ حَيْضِ مَنْ لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ) يَعْنِي أَنَّ فِيهِمَا الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا مَنْ لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ تُشَارِكُ مَنْ نَسِيَتْ مَوْضِعَ حَيْضِهَا فِي تَعَذُّرِ الْجُلُوسِ فِي زَمَنٍ مُحَقَّقٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لَهَا حُكْمُهَا، لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ يُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ، وَفِيهَا وَجْهٌ آخَرُ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهَا تَجْلِسُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ (وَإِنْ عَلِمَتْ أَيَّامَهَا فِي وَقْتٍ مِنَ الشَّهْرِ كَنِصْفِهِ الْأَوَّلِ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهِيَ أَنْ تَعْلَمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 عَلِمَتْ مَوْضِعَ حَيْضِهَا، وَنَسِيَتْ عَدَدَهُ جَلَسَتْ فِيهِ غَالِبَ الْحَيْضِ أَوْ أَقَلَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتِ الْعَادَةُ بِزِيَادَةٍ أَوْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ أَوِ انْتِقَالٍ، فَالْمَذْهَبُ   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّهَا كَانَتْ تَحِيضُ أَيَّامًا مَعْلُومَةً مِنَ الْعَشْرِ الْأُوَلِ (جَلَسَتْهَا) أَيِ: الْأَيَّامَ (فِيهِ) أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ مَا عَدَاهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ (إِمَّا مِنْ أَوَّلِهِ) وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ (أَوْ بِالتَّحَرِّي عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ) الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا فِيمَنْ نَسِيَتْ مَوْضِعَ حَيْضِهَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَدَدُ أَيَّامِهَا، إِمَّا أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى نِصْفِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ يَكُونَ نِصْفَ الْمُدَّةِ فَأَقَلَّ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّكَ تَضُمُّ الزَّائِدَ إِلَى مِثْلِهِ مِمَّا قَبْلَهُ، فَهُوَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، فَإِذَا قَالَتْ: حَيْضَتِي سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأُوَلِ، فَقَدْ زَادَتْ يَوْمَيْنِ عَلَى نِصْفِ الْوَقْتِ، فَتَضُمُّهَا إِلَى مِثْلِهَا، فَيَصِيرُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ حَيْضًا بِيَقِينٍ، وَهِيَ مِنْ أَوَّلِ الرَّابِعِ إِلَى آخِرِ السَّابِعِ، وَيَبْقَى لَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ تَجْلِسُهَا مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ، أَوْ بِالتَّحَرِّي، فَيَكُونُ ذَلِكَ حَيْضًا مَشْكُوكًا فِيهِ، وَحُكْمُهُ كَالْمُتَيَقَّنِ فِي تَرْكِ الْعِبَادَاتِ، وَيَبْقَى لَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ طُهْرًا مَشْكُوكًا فِيهِ، حُكْمُهُ كَالْمُتَيَقَّنِ فِي وُجُوبِ الْعِبَادَاتِ، وَسَائِرُ الشَّهْرِ طُهْرٌ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ، لِأَنَّهَا مَتَى كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ الْخَمْسَةَ الْأُولَى، وَأَنْ يَكُونَ الثَّانِيَةَ، وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا مِنَ الْأُولَى، وَبَاقِيهَا مِنَ الثَّانِيَةِ، فَحِينَئِذٍ تَجْلِسُهَا عَلَى الْخِلَافِ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ فِي النَّاسِيَةِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " لِأَنَّهَا عَرَفَتِ اسْتِحَاضَتَهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّكْرَارِ. 1 - (وَإِنْ عَلِمَتْ مَوْضِعَ حَيْضِهَا، وَنَسِيَتْ عَدَدَهُ) هَذَا هُوَ الْحَالُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِيَةِ، وَهِيَ النَّاسِيَةُ لِعَدَدِهَا دُونَ وَقْتِهَا (جَلَسَتْ فِيهِ) أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَنْ تَعْلَمُ أَنَّ حَيْضَهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ، فَهِيَ فِي قَدْرِ مَا تَجْلِسُهُ كَالْمُتَحَيِّرَةِ، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ (غَالِبَ الْحَيْضِ أَوْ أَقَلَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ) الْمَنْصُوصَتَيْنِ، وَالْأَكْثَرَ، وَعَادَةَ نِسَائِهَا عَلَى الْمُخَرَّجَتَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَجْلِسُ الْغَالِبَ مِنَ الْعَشْرِ، وَهَلْ هُوَ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ بِالتَّحَرِّي؛ عَلَى الْخِلَافِ، فَإِذَا عَلِمَتِ ابْتِدَاءَهُ بِأَنْ قَالَتْ: حَيْضِي كَانَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ حَيْضٌ يَقِينًا، فَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْأَقَلِّ، لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إِلَى مَا خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ، حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْغَالِبِ جَلَسَتْ تَمَامَهُ مِنَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ حَيْضًا مَشْكُوكًا فِيهِ، وَبَقِيَّةُ النِّصْفِ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ: تَغْتَسِلُ عَقِيبَ الْيَوْمِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِلَى الْخَامِسَ عَشَرَ، وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ، وَإِنْ عَلِمَتْ آخِرَهُ، بِأَنْ قَالَتْ: كَانَ آخِرُ حَيْضَتِي مَعَ آخِرِ الشَّهْرِ، وَلَا أَعْلَمُ أَوَّلَهُ، فَالْيَوْمُ الْأَخِيرُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَيُكْتَفَى بِهِ عَلَى الْأَقَلِّ، وَعَلَى الْغَالِبِ تُضِيفُ إِلَيْهِ مِنَ النِّصْفِ الْأَخِيرِ تَمَامَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ، فَيَكُونُ حَيْضًا مَشْكُوكًا فِيهِ، وَبَقِيَّةُ النِّصْفِ طُهْرًا مَشْكُوكًا فِيهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: مِنْ أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي إِلَى التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، تَصُومُ، وَتُصَلِّي، وَتَقْضِي الصَّوْمَ، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ، وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ جَهِلَتْ طَرَفَيْ حَيْضِهَا بِأَنْ قَالَتْ: كُنْتُ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ حَائِضًا لَا أَعْلَمُ هَلْ هُوَ طَرَفُ الْحَيْضَةِ أَوْ وَسَطُهَا، وَلَا أَعْلَمُ هَلْ هُوَ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا، فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ حَيْضٌ يَقِينًا، وَالسَّادِسَ عَشَرَ طُهْرٌ يَقِينًا، وَبَقِيَّةُ النِّصْفِ مَشْكُوكٌ فِيهِ. فَعَلَى الْأَقَلِّ تَجْلِسُهُ فَقَطْ، وَعَلَى الْغَالِبِ تُضِيفُ إِلَيْهِ تَمَامَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ، إِنْ قُلْنَا: تَجْلِسُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ بِالتَّحَرِّي. مَسْأَلَةٌ: إِذَا ذَكَرَتِ النَّاسِيَةُ عَادَتَهَا رُدَّتْ إِلَيْهَا، وَالْمُعْتَادَةُ كَمَا تَقَدَّمَ مَنْ عَلِمَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا، فَإِنْ جَهِلَتْهُمَا، أَوِ الطُّهْرَ وَحْدَهُ رُدَّتْ إِلَى الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ عَمَلًا بِالْغَالِبِ، وَلِأَنَّ تَرْكَهَا لِعَارِضِ النِّسْيَانِ، وَقَدْ زَالَ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا تَرَكَتِ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ عَادَتِهَا لَزِمَهَا إِعَادَتُهَا، وَقَضَاءُ مَا فَعَلَتْهُ مِنَ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ، وَنَحْوِهِ فِي عَادَتِهَا. [إِنْ تَغَيَّرَتِ الْعَادَةُ بِزِيَادَةٍ] (وَإِنْ تَغَيَّرَتِ الْعَادَةُ بِزِيَادَةٍ) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا خَمْسَةً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَتَصِيرَ سِتَّةً وَنَحْوَهَا (أَوْ تَقَدُّمٍ) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَادَتُهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ سِتَّةً فَتَصِيرَ يَوْمَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِقِ، وَأَرْبَعَةً مِنَ الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي تَحِيضُ فِيهِ (أَوْ تَأَخُّرٍ) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَتَصِيرُ خَمْسَةً فِي ثَانِيهِ (أَوِ انْتِقَالٍ) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ الْأُوَلَ، فَتَصِيرَ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ، لَكِنْ لَمْ يَذَكُرْهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " وَلَا " الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إِلَى مَا خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اجْلِسِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّ لَهَا عَادَةً، فَتُرَدُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 الرِّوَايَتَيْنِ، وَعِنْدِي أَنَّهَا تَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ، وَإِنْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا،   [المبدع في شرح المقنع] إِلَيْهَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَتَصُومُ، وَتُصَلِّي فِي الْخَارِجِ عَنِ الْعَادَةِ، وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَيَجِبُ تَرْكُ وَطْئِهَا احْتِيَاطًا، كَمَا وَجَبَتِ الْعِبَادَةُ احْتِيَاطًا، لَكِنَّهَا تَغْتَسِلُ عَقِيبَ الْعَادَةِ، وَعِنْدَ انْقِضَاءِ الدَّمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا كَمَا قُلْنَاهُ فِي الْمُبْتَدَأَةِ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبِ الْغُسْلُ عَقِيبَ الْخَارِجِ عَنِ الْعَادَةِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا زَادَ عَنِ الْعَادَةِ إِنِ اعْتُبِرَ تَكْرَارُهُ، وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَفِي كَرَاهَةِ الْوَطْءِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ إِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَمْ يَعُدْ، أَوْ يَئِسَتْ قَبْلَ التَّكْرَارِ لَمْ تَقْضِ (حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَهُوَ الْأَشْهَرُ فَعَلَى هَذَا تَجْلِسُ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ (أَوْ مَرَّتَيْنِ) فَتَنْتَقِلُ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ، وَقِيلَ: الثَّانِي (عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ) نَقَلَهُمَا عَنْهُ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ. فَعَلَيْهَا إِذَا تَكَرَّرَ صَارَ عَادَةً، وَأَعَادَتْ مَا فَعَلَتْهُ مِنَ الصِّيَامِ وَالطَّوَافِ الْوَاجِبِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فِي وُجُوبِ إِعَادَتِهِ قَبْلَ التَّكْرَارِ وَجْهَانِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: الزَّائِدُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكْرَارٍ وَحْدَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: إِلَّا فِي التَّمْيِيزِ. (وَعِنْدِي أَنَّهَا تَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ) قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَشْبَهُ، وَحَكَاهُ فِي " الرِّعَايَةِ " قَوْلًا، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " رِوَايَةً، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ، فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَمَعْنَاهُ: لَا تَعْجَلْنَ بِالْغُسْلِ، وَمَعْنَى الْقَصَّةِ أَنْ تُدْخَلَ الْقُطْنَةُ فِي فَرْجِهَا فَتَخْرُجَ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَتْبَعُ الْحَيْضَةَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعَادَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَعْدُدْنَ مَا يَرَيْنَهُ مِنَ الدَّمِ حَيْضًا مِنْ غَيْرِ افْتِقَادِ عَادَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُنَّ جَرَيْنَ عَلَى الْعُرْفِ فِي اعْتِقَادِ ذَلِكَ حَيْضًا، وَلَمْ يَرِدْ مِنَ الشَّرْعِ تَغْيِيرُهُ، وَذَلِكَ أَنَّنَا أَجْلَسْنَا الْمُبْتَدَأَةَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ عَادَةٍ، وَرَجَعْنَا فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ إِلَى الْعُرْفِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ، فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي الْعَادَةِ، فَهَلْ تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا اغْتَسَلَتْ، وَصَلَّتْ) وَصَامَتْ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَّا مَا رَأَتِ الطُّهْرَ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الطُّهْرِ وَكَثِيرِهِ، وَنَقَلَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَنِ الْأَصْحَابِ، لَكِنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ فِي خِلَالِ الْحَيْضِ سَاعَةٌ، فَلَوْ كَانَ النَّقَاءُ أَقَلَّ مِنْهَا، فَقَالَ فِي " الْكَافِي " و" الشَّرْحِ ": الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِطُهْرٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَقَلُّهُ يَوْمٌ، وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، لِأَنَّ الدَّمَ يَجْرِي تَارَةً، وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، وَفِي إِيجَابِ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ تَطْهُرُ سَاعَةً حَرَجٌ، فَيَكُونُ مَنْفِيًّا، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ: فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ طُهْرٌ، إِلَّا أَنْ تَرَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُهُ فِي آخِرِ عَادَتِهَا، أَوْ تَرَى الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، وَصَفَ الْحَيْضَ بِكَوْنِهِ أَذًى، فَإِذَا ذَهَبَ الْأَذَى، وَجَبَ زَوَالُ الْحَيْضِ، وَظَاهِرُهُ إِبَاحَةُ وَطْئِهَا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ، وَأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا فِيمَا فَعَلَتْهُ فِيهِ مِنْ صَوْمٍ وَاجِبٍ وَنَحْوِهِ إِذَا عَاوَدَهَا فِي الْعَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ (فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي الْعَادَةِ) وَلَمْ يُجَاوِزْهَا (فَهَلْ تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَجْلِسُهُ، لِأَنَّهُ صَادَفَ زَمَنَ الْعَادَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اسْتَمَرَّ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ حَتَّى يُكَرَّرَ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ الْغَالِبُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ عَادَ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَادَ بَعْدَ الْعَادَةِ، فَعَلَيْهَا حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ عَادَ بَعْدَهَا، وَعَنْهُ: مَشْكُوكٌ فِيهِ، كَدَمِ نُفَسَاءَ عَادَ، فَعَلَى الْأُولَى إِذَا عَادَ فِي الْعَادَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَأَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: الْجَمِيعُ حَيْضٌ، وَالثَّانِي: لَيْسَ بِحَيْضٍ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، وَالثَّالِثُ: مَا فِي الْعَادَةِ حَيْضٌ، وَمَا زَادَ لَيْسَ بِحَيْضٍ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، فَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَهُ فَمُسْتَحَاضَةٌ، لِأَنَّ بَعْضَهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، فَيَكُونُ كُلُّهُ اسْتِحَاضَةً لِاتِّصَالِهِ بِهِ، وَانْفِصَالِهِ عَنِ الْحَيْضِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِعَوْدِهِ بَعْدَ الْعَادَةِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ، تَارَةً يَتَعَذَّرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ مِنَ الْحَيْضِ، وَمَنْ كَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا   [المبدع في شرح المقنع] كَوْنُهُ حَيْضًا، وَهُوَ إِذَا عَبَرَ أَكْثَرَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ الْأَوَّلِ أَقَلُّ الطُّهْرِ، فَيَكُونُ اسْتِحَاضَةً، وَلَوْ تَكَرَّرَ، وَتَارَةً يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا، وَذَلِكَ فِي حَالَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِضَمِّهِ إِلَى الدَّمِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِذَا تَكَرَّرَ جعلناهما حيضة وَاحِدة يُلَفَّقُ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ، وَيَكُونُ الطُّهْرُ الَّذِي بَيْنَهُمَا طُهْرًا فِي خِلَالِ الْحَيْضَةِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، فَرَأَتْ مِنْهَا خَمْسَةً دَمًا، وَطَهُرَتْ خَمْسَةً، ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا، فَلَوْ رَأَتِ الثَّانِيَ سِتَّةً أَوْ أَكْثَرَ، امْتَنَعَ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ، وَكُلٌّ مِنَ الدَّمَيْنِ يَصْلُحُ حَيْضًا بِمُفْرَدِهِ، كَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فصاعدا، فَهَذَا إِذَا تَكَرَّرَ يَكُونُ الدَّمَانِ حَيْضَتَيْنِ، وَإِنْ نَقَصَ أَحَدُهُمَا عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ. [الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ] (وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ) وَهِيَ شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ يَعْلُوهُ صُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ (فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ) أَيْ: زَمَنِ الْعَادَةِ (مِنَ الْحَيْضِ) لِدُخُولِهِمَا فِي عُمُومِ النَّصِّ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا رَأَتْهُ بَعْدَ الْعَادَةِ، وَالطُّهْرِ، أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ: بَعْدَ الطُّهْرِ، وَعَنْهُ: بَلَى إِنْ تَكَرَّرَ لِقَوْلِ أَسْمَاءَ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَشَرَطَ آخَرُونَ اتِّصَالَهَا بِالْعَادَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ التَّلْفِيقِ فَقَالَ: (وَمَنْ كَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا، وَيَوْمًا طُهْرًا) وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ زَمَنِ الدَّمِ مِثْلَ زَمَنِ الطُّهْرِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، فَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا، وَنِصْفَهُ طُهْرًا، أَوْ سَاعَةً وَسَاعَةً، فَقَالَ الْأَصْحَابُ: هُوَ كَالْأَيَّامِ فِي الضَّمِّ إِذَا بَلَغَ الْمُجْتَمِعُ أَقَلَّ الْحَيْضِ، وَلِهَذَا فِي " الْفُرُوعِ ": وَمَنْ رَأَتْ دَمًا مُتَفَرِّقًا يَبْلُغُ مَجْمُوعُهُ أَقَلَّ الْحَيْضِ (فَإِنَّهَا تَضُمُّ الدَّمَ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 طُهْرًا، فَإِنَّهَا تَضُمُّ الدَّمَ إِلَى الدَّمِ فَيَكُونُ حَيْضًا، وَالْبَاقِي طُهْرًا، إِلَّا أَنْ يُجَاوِزَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَتَكُونُ مُسْتَحَاضَةً. فَصْلٌ وَالْمُسْتَحَاضَةُ تَغْسِلُ فَرْجَهَا وَتَعْصِبُهُ، وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي مَا شَاءَتْ   [المبدع في شرح المقنع] الدَّمِ فَيَكُونُ حَيْضًا) فَتَجْلِسُهُ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الدَّمِ حَيْضَةً ضَرُورَة أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَتَعَيَّنَ الضَّمُّ، لِأَنَّهُ دَمٌ فِي زَمَنٍ يَصْلُحُ كَوْنُهُ حَيْضًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ (وَالْبَاقِي) أَيِ: النَّقَاءُ (طُهْرًا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الطُّهْرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ صَحِيحٌ، فَتَغْتَسِلُ فِي زَمَانِهِ، وَتُصَلِّي، لِأَنَّهُ طُهْرٌ حَقِيقَةً، فَيَكُونُ حُكْمًا، وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ مَجْمُوعُهُمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَعَنْهُ: أَيَّامُ الدَّمِ وَالنَّقَاءِ حَيْضٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا تَجْلِسُ مَا يَنْقُصُ عَنِ الْأَقَلِّ إِلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ مَا يَبْلُغُ الْأَقَلَّ مُتَّصِلًا، وَمَتَى انْقَطَعَ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَقَلِّ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ إِذَنْ وَجْهَانِ (إِلَّا أَنْ يُجَاوِزَا) أَيْ: يَعْبُرَا (أَكْثَرَ الْحَيْضِ) مِثْلَ أَنْ تَرَى يَوْمًا دَمًا، وَيَوْمًا طُهْرًا إِلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ (فَتَكُونُ مُسْتَحَاضَةً) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ الْقَاضِي فِيمَنْ لَا عَادَةَ لَهَا: طُهْرُهَا فِي السَّادِسَ عَشَرَ يَمْنَعُ كَوْنَهَا مُسْتَحَاضَةً فِي زَمَنِ الْأَكْثَرِ، فَتَجْلِسُ مَا تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ فِيهِ إِذَا تَكَرَّرَ، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ جَلَسَتْ مَا تَرَاهُ فِي زَمَنِ عَادَتِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي: تَجْلِسُ قَدْرَ الْعَادَةِ أَوْ مَا أَمْكَنَ مِنْهَا فِي زَمَنِ الْأَكْثَرِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْوَجْهَانِ فَرْعٌ عَلَى قَوْلِنَا: الطُّهْرُ فِي الْعَادَةِ لَا يَمْنَعُ مَا بَعْدَهَا أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْنَعُ، لَمْ تَجْلِسْ غَيْرَ الدَّمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْ أَقَلِّهِ، فَقَالَ فِي " الْمُغْنِي ": يُضَمُّ إِلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مَا يَبْلُغُ بِهِ الْأَقَلَّ، وَمَنَعَ مِنْهُ آخَرُونَ، وَأَنَّهُ لَا حَيْضَ لَهَا، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا بِتَلْفِيقٍ، جَلَسَتْ عَلَى حَسَبِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ، وَلَهَا تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ، جَلَسَتْ زَمَنَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا، فَإِنْ قُلْنَا: تَجْلِسُ الْغَالِبَ، فَهَلْ تُلَفِّقُ ذَلِكَ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، أَوْ تَجْلِسُ أَيَّامَ الدَّمِ مِنَ السِّتِّ أَوِ السَّبْعِ؛ وَإِنْ قُلْنَا: تَجْلِسُ الْأَقَلَّ جَلَسَتْهُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ. [الْمُسْتَحَاضَةُ تَغْسِلُ فَرْجَهَا وَتَعْصِبُهُ وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ] فَصْلٌ (وَالْمُسْتَحَاضَةُ) هِيَ الَّتِي تَرَى دَمًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، وَلَا نِفَاسًا، حُكْمُهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، وَالْمَذْيُ وَالرِّيحُ، وَالْجَرِيحُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ دَمُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي وُجُوبِ الْعِبَادَاتِ وَفِعْلِهَا، لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ، أَشْبَهَتْ سَلَسَ الْبَوْلِ (تَغْسِلُ فَرْجَهَا) لِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّمِ (وَتَعْصِبُهُ) بِمَا يَمْنَعُ الدَّمَ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ مِنْ حَشْوٍ بِقُطْنٍ، أَوْ شَدٍّ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ، لِقَوْلِ حَمْنَةَ: أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ يَعْنِي: الْقُطْنَ - تَحْتَشِينَ بِهِ الْمَكَانَ قَالَتْ: إِنَّهُ أَكْثَرُ قَالَ: فَتَلَجَّمِي. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ صَائِمَةً، لَكِنْ يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقْصَرَ عَلَى التَّعْصِيبِ فَقَطْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا غَسْلُ الدَّمِ، وَإِعَادَةُ شَدِّهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِتَفْرِيطٍ فِي الشَّدِّ، أَعَادَتِ الْوُضُوءَ، لِأَنَّهُ حَدَثٌ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. (وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ: «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَفِي لَفْظٍ قَالَ لَهَا: «تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا يُقَالُ: فِيهِ، وَفِي غَالِبِ الرِّوَايَاتِ: «وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهِ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ عَنْ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ كَالتَّيَمُّمِ، وَظَاهِرُهُ يَجِبُ، وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، لَكِنْ قَالَ فِي " الشَّرْحِ " و" الْفُرُوعِ ": إِنَّهُ لَا يَجِبُ إِذَا لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، وَعَلَيْهِ إِذَا تَوَضَّأَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ بَطَلَ بِدُخُولِهِ كَالتَّيَمُّمِ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ إِذَنْ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ صِحَّةَ طَهَارَتِهَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَتَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، لَا رَفْعَ الْحَدَثِ، فَإِنْ نَوَتْهُ فَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": لَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ قَوْلًا، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي، وَلَا تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِلْفَرْضِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. (وَتُصَلِّي) بِوُضُوئِهَا (مَا شَاءَتْ مِنَ الصَّلَوَاتِ) إِذَا كَانَتْ، أَوْ قَضَاءً أَوْ جَمْعًا أَوْ نَذْرًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ. وَهَلْ يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] مَا لَمْ يَخْرُجِ الْوَقْتُ، كَمَا يُجْمَعُ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَوَافِلَ اتِّفَاقًا، لِأَنَّهَا مُتَطَهِّرَةٌ، أَشْبَهَتِ الْمُتَيَمِّمَ، وَعَنْهُ: يَبْطُلُ بِدُخُولِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَجْدِ، وَعَنْهُ: لَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ فَرْضَيْنِ أَطْلَقَهَا جَمَاعَةٌ، وَقَيَّدَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " بِوُضُوءٍ لِلْأَمْرِ بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، قَالَ الْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ ": تَجْمَعُ بِالْغُسْلِ لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِيهِ، وَفِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ": تَجْمَعُ وَقْتَ الثَّانِيَةِ، وَتُصَلِّي عَقِيبَ طُهْرِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهَا التَّأْخِيرَ، فَإِنْ أَخَّرَتْ لِحَاجَةٍ، وَقِيلَ: لِمَصْلَحَةٍ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": أَوْ تَنَفُّلٍ جَازَ، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ صَلَّتْ بِهِ فِي وَجْهٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، كَالْمُتَيَمِّمِ، وَفِي آخَرَ: لَا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَ لَهَا الصَّلَاةُ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا، وَمَحَلُّ هَذَا مَا إِذَا كَانَ دَمُهَا مُسْتَمِرًّا، فَلَوْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِهِ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ، تَعَيَّنَ فِيهِ، فَإِنْ تَوَضَّأَتْ زَمَنَ انْقِطَاعِهِ، ثُمَّ عَادَ بَطَلَ، وَلَوْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ لِمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ، فَفِي بَقَاءِ طَهَارَتِهَا وَجْهَانِ، وَعَنْهُ: لَا عِبْرَةَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَعَ بَقَاءِ الِاسْتِحَاضَةِ بِحَالٍ، لِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ لِلْمَشَقَّةِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. (وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، وَالْمَذْيُ وَالرِّيحُ، وَالْجَرِيحُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ دَمُهُ، وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ) يَعْنِي: أَنَّ حُكْمَ هَؤُلَاءِ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ، لِتَسَاوِيهِمْ مَعْنًى، وَهُوَ عَدَمُ التَّحَرُّزِ مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَبَ الْمُسَاوَاةُ حُكْمًا، قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: كَانَ بِيَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ سَلَسُ الْبَوْلِ، وَكَانَ يُدَاوِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا غَلَبَهُ، صَلَّى وَلَا يُبَالِي مَا أَصَابَ ثَوْبَهُ، وَلَمْ يَرَ أَحْمَدُ حَشْوَ الذَّكَرِ فِي ظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَوِ احْتَشَى فَصَلَّى، ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَوَجَدَ بَلَلًا، فَلَا بَأْسَ مَا لَمْ يَظْهَرْ خَارِجًا، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِيمَنْ بِهِ رُعَافٌ دَائِمٌ: إِنَّهُ يَحْتَشِي، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِي خِلَافَهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ عَصْبُهُ كَالْجُرْحِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ شَدُّهُ، أَوْ مَنْ بِهِ بَاسُورٌ أَوْ نَاصُورٌ، وَلَا يُمْكِنُ عَصْبُهُ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ لِفِعْلِ عُمَرَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَى حَبْسِهِ حَالَ الْقِيَامِ وَحْدَهُ رَكَعَ وَسَجَدَ، وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَالْمَكَانِ النَّجِسِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُومِئُ، لِأَنَّ فَوَاتَ الشَّرْطِ لَا بَدَلَ لَهُ قَالَ: وَلَوِ امْتَنَعَتِ الْقِرَاءَةُ، أَوْ لِحِقَهُ السَّلَسُ إِنْ صَلَّى قَائِمًا، صَلَّى قَاعِدًا قَالَ: وَلَوْ كَانَ قَامَ وَقَعَدَ لَمْ يَحْبِسْهُ، وَلَوِ اسْتَلْقَى، حَبَسَهُ، صَلَّى قَائِمًا وَقَاعِدًا، لِأَنَّ الْمُسْتَلْقِيَ لَا نَظِيرَ لَهُ اخْتِيَارًا. (وَهَلْ يُبَاحُ، وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ إِلَّا لِخَوْفِ الْعَنَتِ، قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَذَكَرَ فِي " الْكَافِي " و" الْفُرُوعِ " أَنَّهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ قِيلَ: وَبِعَدَمِ الطَّوْلِ لِنِكَاحِ حُرَّةٍ، أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لِقَوْلِ عَائِشَةَ: الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا، وَلِأَنَّ بِهَا أَذًى فحرم وطؤها كَالْحَائِضِ، فَإِنْ وَطِئَ أَثِمَ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَالثَّانِيَةُ: يُبَاحُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّ حَمْنَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُجَامِعُهَا، وَأُمَّ حَبِيبَةَ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَغْشَاهَا، رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ، وَلِلْعُمُومِ فِي حِلِّ وَطْءِ الزَّوْجَةِ، وَقَدْ قِيلَ: وَطْءُ الْحَائِضِ يَتَعَدَّى إِلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ مَجْذُومًا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَظَاهِرُهُ إِذَا خَافَ الْعَنَتَ أَوْ خَافَتْهُ هِيَ، وَطَلَبَتْهُ مِنْهُ أُبِيحَ لَهُ، لِأَنَّ حُكْمَهُ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ الْحَيْضِ، وَمُدَّتُهُ تَطُولُ. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِشُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لِقَطْعِ الْحَيْضِ إِذَا أُمِنَ ضَرَرُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي إِذْنَ الزَّوْجِ كَالْعَزْلِ، وَشُرْبُهُ يَجُوزُ لِإِلْقَاءِ نُطْفَةٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَيَجُوزُ لِحُصُولِ الْحَيْضِ، إِلَّا قُرْبَ رَمَضَانَ لِتُفْطِرَ. ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 فَصْلٌ وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ، أَيْ وَقْتَ رَأَتِ الطُّهْرَ، فَهِيَ طَاهِرٌ،   [المبدع في شرح المقنع] [النِّفَاسُ] فَصْلٌ (وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ) وَهُوَ دَمٌ يُرْخِيهِ الرَّحِمُ لِلْوِلَادَةِ، وَبَعْدَهَا إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَهُوَ بَقِيَّةُ الدَّمِ الَّذِي احْتُبِسَ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ لِأَجْلِهِ، وَأَصْلُهُ لُغَةً مِنَ التَّنْفِيسِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنَ الْجَوْفِ، أَوْ نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ أَيْ: فَرَّجَهَا (أَرْبَعُونَ يَوْمًا) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، لِمَا رَوَتْ مُسَّةُ الْأَزْدِيَّةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَكُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِنَ الْكَلَفِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُسَّةَ، وَإِسْنَادُهُ إِلَيْهَا حَسَنٌ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَثْنَى الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَعْنَاهُ كَانَتْ تُؤْمَرُ أَنْ تَجْلِسَ، وَإِلَّا كَانَ الْخَبَرُ كَذِبًا مَعَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ سَابِقٌ أَوْ كَالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ حَكَاهُ إِمَامُنَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَمْ يَقُلْ بِالسِّتِّينَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ السُّنَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا، وَعَنْهُ: أَكْثَرُهُ سِتُّونَ اتِّبَاعًا لِلْوُجُودِ. وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنَ الْوَضْعِ، إلَّا أَنْ تَرَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ نِفَاسٌ، وَلَا يُحْسَبُ مِنَ الْمُدَّةِ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ، فَالدَّمُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ نِفَاسٌ، وَلَا يُحْسَبُ مِنَ الْمُدَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بِوَضْعِ شَيْءٍ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْأَشْهَرِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ إِنْ جَاوَزَ الدَّمُ الْأَكْثَرَ، وَصَادَفَ عَادَةَ حَيْضِهَا، وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ، فَحَيْضٌ، وَإِلَّا فَاسْتِحَاضَةٌ إِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، وَلَا يَدْخُلْ حَيْضٌ، وَاسْتِحَاضَةٌ فِي مُدَّةِ نِفَاسٍ. (وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ تَحْدِيدُهُ، فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ قَلِيلًا عَقِبَ سَبَبِهِ، فَكَانَ نِفَاسًا كَالْكَثِيرِ، وَعَنْهُ: أَقَلُّهُ يَوْمٌ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا فِي الْفَرْجِ حَتَّى تَتِمَّ الْأَرْبَعِينَ، وَإِذَا انْقَطَعَ   [المبدع في شرح المقنع] قَطْرَةٌ، وَقَدَّمَ فِي " التَّلْخِيصِ " لَحْظَةٌ (أَيْ: وَقْتَ رَأَتِ الطُّهْرَ، فَهِيَ طَاهِرٌ) لِانْقِطَاعِ دَمِ النِّفَاسِ، كَمَا لَوِ انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ فِي عَادَتِهَا، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَأَلَت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَمْ تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ إِذَا وَلَدَتْ، قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إِلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إِلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَحَكَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ: أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ بِمَكَّةَ، فَلَمْ تَرَ دَمًا، فَلَقِيَتْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: أَنْتِ امْرَأَةٌ طَهَّرَكِ اللَّهُ. انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَوْ وَلَدَتْ، وَلَمْ تَرَ دَمًا فَهِيَ طَاهِرَةٌ لَا نِفَاسَ لَهَا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ النِّفَاسَ هُوَ الدَّمُ، وَلَمْ يُوجَدْ. (تَغْتَسِلُ، وَتُصَلِّي) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: لَا يَحِلُّ لِلنُّفَسَاءِ إِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ إِلَّا أَنْ تُصَلِّيَ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ بِانْقِضَاءِ نِفَاسِهَا، وَذَلِكَ مُعَلَّقٌ عَلَى مُطْلَقِ الطُّهْرِ، لَكِنْ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَلْتَفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ، وَتُصَلِّي. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا فِي الْفَرْجِ) بَعْدَ طُهْرِهَا، وَتَطَهُّرِهَا (حَتَّى تَتِمَّ الْأَرْبَعِينَ) قَالَ أَحْمَدُ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَهَا زَوْجُهَا عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَوْدَ الدَّمِ فِي زَمَنِ الْوَطْءِ، فَيَكُونُ وَاطِئًا فِي نِفَاسٍ، وَفِي كَرَاهَتِهِ رِوَايَتَانِ، أَصَحُّهُمَا الْكَرَاهَةُ، لِمَا رَوَى ابْنُ شَاهِينَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي النُّفَسَاءِ: «لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ: وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَعَنْهُ: لَا، لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِطَهَارَتِهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ الدَّمُ، وَلَا دَمَ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، ذَكَرَهَا فِي " الْمُجَرَّدِ " لِظَاهِرِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ، وَقِيلَ: مَعَ عَدَمِ الْعَنَتِ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَمِ الْمُبْتَدَأَةِ إِذَا انْقَطَعَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ النِّفَاسِ آكَدُ، لِأَنَّ أَكْثَرَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، فَجَازَ أَنْ يَلْحَقَهُ التَّغْلِيظُ فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 دَمُهَا فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ، ثُمَّ عَادَ فِيهَا فَهُوَ نِفَاسٌ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، تَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ، وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَأَوَّلُ النِّفَاسِ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَطْءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقْرَبُهَا فِي غَيْرِ الْفَرْجِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَالْحَائِضِ. (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ) فَالنَّقَاءُ طُهْرٌ عَلَى الْأَصَحِّ (ثُمَّ عَادَ فِيهَا فَهُوَ) أَيِ: الْعَائِدُ (نِفَاسٌ) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " و" الْمُحَرَّرِ " وَابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ فِي مُدَّتِهِ أَشْبَهَ الْأَوَّلَ: (وَعَنْهُ: أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ) قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": هِيَ الْمَشْهُورَةُ نَقَلَهَا عَنْهُ الْأَثْرَمُ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " وَذَكَرَ أَنَّهُ نَقَلَهَا، وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَرَهُ، ثُمَّ رَأَتْهُ فِي الْمُدَّةِ فِي الْأَصَحِّ (تَصُومُ، وَتُصَلِّي) أَيْ: تَتَعَبَّدُ، لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهَا بِيَقِينٍ، وَسُقُوطُهَا بِهَذَا الدَّمِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَفِي غُسْلِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ رِوَايَتَانِ. (وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ) وَنَحْوَهُ احْتِيَاطًا وَلِوُجُوبِهِ يَقِينًا، لَا يُقَالُ: إِنَّهَا لَا تَقْضِي الصَّوْمَ قِيَاسًا عَلَى النَّاسِيَةِ إِذَا صَامَتْ فِي الدَّمِ الزَّائِدِ عَلَى السِّتِّ وَالسَّبْعِ، لِأَنَّ غَالِبَ حَيْضِ النِّسَاءِ كَذَلِكَ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ نَادِرٌ، وَالْغَالِبَ مِنَ النِّفَاسِ، وَمَا نَقَصَ نَادِرٌ، وَالْحَيْضُ يَتَكَرَّرُ، فَيَشُقُّ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ النِّفَاسِ، وَعَنْهُ: تَقْضِي الصَّوْمَ مَعَ عَوْدِهِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا فِيهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَعَلَى الْأُولَى فِي وُجُوبِ قَضَاءِ مَا صَامَتْهُ فِيهِ، أَوْ طَافَتْهُ أَوْ سَعَتْهُ، أَوِ اعْتَكَفَتِ الطُّهْرُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَاجِبٍ، رِوَايَتَانِ. فَرْعٌ: حُكْمُ النِّفَاسِ كَالْحَيْضِ، وَفِي وَطْئِهَا مَا فِي وَطْءِ حَائِضٍ، نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَقَالَهُ جَمْعٌ، وَقِيلَ: تَقْرَأُ، وَنَقَلَ ابْنُ ثَوَابٍ: تَقْرَأُ إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. (وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ) أَيْ: وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ (فَأَوَّلُ النِّفَاسِ مِنَ الْأَوَّلِ، وَآخِرُهُ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الْأَوَّلِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ دَمٌ خَرَجَ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ فَكَانَ نِفَاسًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الْأَوَّلِ، وَآخِرُهُ مِنْهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ مِنَ الْأَخِيرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.   [المبدع في شرح المقنع] كَحَمْلٍ وَاحِدٍ، وَوَضْعِهِ. فَعَلَى هَذَا مَتَى انْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ مِنْ حِينِ وَضْعِ الْأَوَّلِ فَلَا نِفَاسَ لِلثَّانِي، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تَبْدَؤُهُ بِنِفَاسٍ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَالْأَزَجِّيُّ، وَقَالَ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ، وَعَنْهُ: أَوَّلُهُ، وَآخِرُهُ مِنَ الثَّانِي حَسْبُ، ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ، لِأَنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ مُتَعَلِّقٌ بِالْوِلَادَةِ، فَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا وَانْتِهَاؤُهَا مِنَ الثَّانِي كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ، فَعَلَى هَذَا مَا تَرَاهُ قَبْلَ وَضْعِ الثَّانِي لَا يَكُونُ نِفَاسًا، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا تَرَاهُ قَبْلَهُ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ نِفَاسٌ، وَمَا زَادَ فَفَسَادٌ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ مِنَ الْأَخِيرِ) يَعْنِي أَنَّ أَوَّلَهُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَآخِرَهُ مِنَ الْأَخِيرِ، ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ "، لِأَنَّ الثَّانِيَ وَلَدٌ، فَلَا تَنْقَضِي مُدَّةُ النِّفَاسِ قَبْلَ انْتِهَائِهَا مِنْهُ كَالْمُنْفَرِدِ، فَعَلَى هَذَا مَتَى زَادَتِ الْمُدَّةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مِنَ الْأَوَّلِ فَهُمَا نِفَاسَانِ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَاخْتَارَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَعَنْهُ: وَاحِدٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ مِنْهُمَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِي وَقْتِ الِابْتِدَاءِ هَلْ هُوَ عَقِيبَ انْفِصَالِ الْأَوَّلِ أَوِ الثَّانِي؛ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهَذَا ظَاهِرُهُ إِنْكَارٌ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ آخِرَهُ مِنَ الْأَوَّلِ (وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ) قَالَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ تَبَعٌ لِلْأَوَّلِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي آخِرِ النِّفَاسِ كَأَوَّلِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 كِتَابُ الصَّلَاةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ بالكتاب عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ إِلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ،   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الصَّلَاةِ] [تَعْرِيفُ الصَّلَاةِ وَحُكْمُهَا] وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيِ: ادْعُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا عُدِّيَ بِـ " عَلَى " لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِنْزَالِ، أَيْ: أَنْزِلْ رَحْمَتَكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» . وَقَالَ الشَّاعِرُ: تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرَّبْتُ مُرْتَحَلًا ... يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي ... نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ مُفْتَتَحَةٍ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٍ بِالتَّسْلِيمِ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ، لِأَنَّ الْأَقْوَالَ فِيهَا مُقَدَّرَةٌ، وَالْمُقَدَّرُ كَالْوُجُودِ، وَسُمِّيَتْ صَلَاةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ لِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ، كَالْمُصَلِّي فِي السَّابِقِ مِنَ الْخَيْلِ. وَاشْتِقَاقُهَا مِنَ الصَّلَوَيْنِ، وَاحِدُهُمَا صَلًى كَعَصًا، وَهُمَا عِرْقَانِ مِنْ جَانِبِ الذَّنَبِ، وَقِيلَ: عَظْمَانِ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: مِنْ صَلَّيْتُ الْعُودَ إِذَا لَيَّنْتَهُ، لِأَنَّ الْمَصْلِيَّ يَلِينُ وَيَخْشَعُ، وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ لَامَ الْكَلِمَةِ فِي الصَّلَاةِ وَاوٌ، وَفِي صَلَيْتُ يَاءٌ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَاوَ وَقَعَتْ رَابِعَةً فَقُلِبَتْ يَاءً، وَلَعَلَّهُ ظَنَّ أَنَّ مُرَادَهُ صَلَيْتُ الْمُخَفَّفَ فَتَقُولُ: صَلَيْتُ اللَّحْمَ صَلْيًا إِذَا شَوَيْتَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْنُ فَارِسٍ الْمُضَعَّفَ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: صَلَيْتُ الْعَصَى تَصْلِيَةً، أَدَرْتُهُ عَلَى النَّارِ لِتُقَوِّمَهُ. 1 - (وَهِيَ وَاجِبَةٌ) بِالْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَتَجِبُ عَلَى النَّائِمِ، وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسُكْرٍ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ، وَلَا تَجِبُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [البينة: 5] . وَبِالسُّنَّةِ، مِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَبِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْخَمْسِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، قَالَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ تَجِدُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْقُرْآنِ؛ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَرَأَ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] وَفُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَهُوَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَقِيلَ: قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَقِيلَ: بَعْدَ مَبْعَثِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ شَهْرًا (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ) أَيْ: مُكَلَّفٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ (إِلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ) فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا لِمَا مَرَّ. (وَتَجِبُ عَلَى النَّائِمِ) أَيْ: يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا إِذَا اسْتَيْقَظَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ حَالَ نَوْمِهِ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا، كَالْمَجْنُونِ، وَيَلْحَقُ بِهِ السَّاهِي، وَالْجَاهِلُ، فَلَوْ تَرَكَهَا الْجَاهِلُ قَبْلَ بُلُوغِ الشَّرْعِ بِوُجُوبِهَا لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا، وَقِيلَ: لَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرَائِعَ لَا تَلْزَمُ إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَأَجْرَى ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي كُلِّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا قَبْلَ بُلُوغِ الشَّرْعِ مِنْ تَيَمُّمٍ، وَزَكَاةٍ، وَنَحْوِهِمَا (و) تَجِبُ عَلَى (مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسُكْرٍ) لِأَنَّ سُكْرَهُ مَعْصِيَةٌ، فَلَا يُنَاسِبُ إِسْقَاطَ الْوَاجِبِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ بِالنَّوْمِ الْمُبَاحِ، فَبِالْمُحَرَّمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: يَسْقُطُ إِذَا كَانَ مُكْرَهًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمَا، وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَلَا تَجِبُ   [المبدع في شرح المقنع] (أَوْ إِغْمَاءٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَمَّارًا غُشِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: هَلْ صَلَّيْتُ؛ قَالُوا: مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ ثَلَاثٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَصَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ، وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ لَا تَطُولُ مُدَّتُهُ غَالِبًا، وَلَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ، وَيَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الصَّوْمَ فَكَذَا الصَّلَاةُ، كَالنَّائِمِ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ عَنْهُ وَلَا يَقْضِيهَا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَطَاوُسٍ وَغَيْرِهِمَا (أَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ) وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا أَوْ مُحَرَّمًا، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلَا كَالْحَيَوَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " إِنْ طَالَ زَوَالُهُ بِشُرْبِ الْمُبَاحِ لَمْ يَجِبِ الْقَضَاءُ كَالْجُنُونِ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ وَجَبَ كَالْإِغْمَاءِ. فَرْعٌ: مَا فِيهِ السُّمُومُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ إِذَا كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ، وَفِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " وَيُرْجَى نَفْعُهُ أُبِيحَ شُرْبُهُ فِي الْأَصَحِّ، لِدَفْعِ مَا هُوَ أَخْطَرُ مِنْهُ، كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ، وَالثَّانِي: يَحْرُمُ، لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِلْهَلَاكِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُرَدْ بِهِ التَّدَاوِي، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكَ، فَإِنْ قُلْنَا: يَحْرُمُ شُرْبُهُ فَهُوَ كَالْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الْخَمْرِ، وَنَحْوِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ كَالْمُبَاحَاتِ. (وَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ) أَصْلِيٍّ حَكَاهُ السَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حَالَ كُفْرِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَضَاءِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَصَحَّحَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِذَا أَسْلَمَ إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ بَعْدِهِ، فَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ بِقَضَاءٍ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنْفِيرِ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَفِي خِطَابِهِ بِالْفُرُوعِ خِلَافٌ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَسَيَأْتِي (وَلَا مَجْنُونٍ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يَعْقِلَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ أَشْبَهَ الطِّفْلَ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُعِيدُ إِذَا أَفَاقَ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَعَلَى الْأَوْلَى يُسْتَثْنَى مَا لَوْ طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى الرِّدَّةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ أَيَّامِ الْجُنُونِ الْوَاقِعَةِ فِي الرِّدَّةِ، لِأَنَّ إِسْقَاطَ الْقَضَاءِ عَنِ الْمَجْنُونِ رُخْصَةٌ، وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ كَالْحَيْضِ (وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمَا) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا النِّيَّةَ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ، وَلَا تَقَعُ مِنْ مَجْنُونٍ. مَسْأَلَةٌ: لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبْلَهِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، كَالْمَجْنُونِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَقْضِي مَعَ قَوْلِهِ فِي الصَّوْمِ: الْأَبْلَهُ كَالْمَجْنُونِ. يُقَالُ: رَجُلٌ أَبْلَهُ بَيِّنُ الْبَلَاهَةِ، وَهُوَ الَّذِي غَلَبَتْ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ، وَفِي الْحَدِيثِ «أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ» يَعْنِي الْبُلْهَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِهَا، وَهُمْ أَكْيَاسٌ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَتَبَالَهَ: أَرَى مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِهِ. 1 - (وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ) عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، فَلَهُ مَا لَنَا، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا» لَكِنْ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَوْقُوفًا فِي قَوْلِهِ حِينَ سَأَلَهُ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ فَقَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلَاتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ، لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 عَلَى صَبِيٍّ، وَعَنْهُ: تَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَ عَشْرًا، وَيُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَيُضْرَبُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ بِالصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ شَرْعَنَا، أَشْبَهَتِ الْأَذَانَ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَيُحْكَمُ بِكُفْرِ مَنْ سَجَدَ لِصَنَمٍ، فَكَذَا عَكْسُهُ، وَفَائِدَتُهُ لَوْ مَاتَ عَقِيبَهُ، وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِهِمْ، وَلَوْ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ، فَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَلَوِ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُتَلَاعِبًا أَوْ مُسْتَهْزِئًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، ذَكَرَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، و" مُنْتَهَى الْغَايَةِ "، وَغَيْرِهِمَا كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوِ الْحَرْبِ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ: أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ إِنْ صَلَّى جَمَاعَةً، وَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِي الظَّاهِرِ وَجْهَانِ، فَإِنْ صَحَّتْ لَمْ تَصِحَّ إِمَامَتُهُ فِي الْمَنْصُوصِ، وَفِي حَجِّهِ وَصَوْمِهِ قَاصِدًا رَمَضَانَ، وَزَكَاتِهِ مَالَهُ، وَقِيلَ: وَبَقِيَّةِ الشَّرَائِعِ، وَالْأَقْوَالِ الْمُخْتَصَّةِ بِنَا كَجِنَازَةٍ، وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَجْهَانِ. (وَلَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَالْحَجِّ، وَالطِّفْلُ لَا يَعْقِلُ، وَالْمُدَّةُ الَّتِي يَكْمُلُ فِيهَا عَقْلُهُ وَبِنْيَتُهُ تَخْفَى وَتَخْتَلِفُ، فَنَصَبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ عَلَامَةً ظَاهِرَةً، وَهِيَ الْبُلُوغُ، فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ مِنَ الْمُمَيِّزِ، وَهُوَ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ، وَثَوَابُ فِعْلِهِ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا مَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْبَالِغِ إِلَّا فِي السُّتْرَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَهُوَ شَامِلٌ لُغَةً لِلصَّبِيَّةِ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ (وَعَنْهُ: تَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَ عَشْرًا) لِضَرْبِهِ عَلَيْهَا، وَعَنْهُ: تَجِبُ عَلَى الْمُرَاهِقِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَعَلَيْهِمَا يَلْزَمُهُ إِتْمَامُهَا، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي النَّقْلِ (و) عَلَى الْأَوْلَى (يُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 تَرْكِهَا لِعَشْرٍ، فَإِنْ بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَهَا فِي وَقْتِهَا، لَزِمَه إِعَادَتُهَا، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا، إِلَّا لِمَنْ يَنْوِي الْجَمْعَ، أَوْ لِمُشْتَغِلٍ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْمَضَاجِعِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ سَوَّارِ بْنِ دَاوُدَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا اسْتِكْمَالُهُمَا، وَالْأَمْرُ وَالتَّأْدِيبُ فِي حَقِّهِ لِتَمْرِينِهِ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْلَفَهَا، وَيَعْتَادَهَا، فَلَا يَتْرُكَهَا عِنْدَ الْبُلُوغِ، فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَمْرُهُ بِهَا، وَتَعْلِيمُهُ إِيَّاهَا، وَالطَّهَارَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: يُؤْمَرُ بِهَا أَيْ: مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ لَا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، فَإِنَّ النَّصَّ يَتَضَمَّنُ أَمْرَ الشَّارِعِ لِلْوَلِيِّ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَمْرِهِ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى أُجْرَةٍ، فَمِنْ مَالِ الصَّبِيِّ، ثُمَّ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (فَإِنْ بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا) كَمَنْ تَمَّتْ مُدَّةُ بُلُوغِهِ، وَهُوَ فِيهَا، وَسُمِّيَ بُلُوغًا لِبُلُوغِهِ حَدَّ التَّكْلِيفِ (أَوْ بَعْدَهَا فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إِعَادَتُهَا) لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِ، فَلَمْ تُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ نَوَاهَا نَفْلًا، وَكَمَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ الْحَجِّ إِلَّا عَلَى رِوَايَةِ الْوُجُوبِ ذَكَرَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " و" الْبُلْغَةِ "، وَقَدَّمَ جَمَاعَةٌ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ الطَّهَارَةِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ غَيْرُهَا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَكَذَا إِسْلَامٌ، لِأَنَّ أَصْلَ الدِّينِ لَا يَصِحُّ نَفْلًا، فَإِذَا وُجِدَ فَعَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَبُ. 1 - (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ تَأْخِيرُهَا) أَوْ بَعْضُهَا (عَنْ وَقْتِهَا) أَيْ: وَقْتِ الْجَوَازِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالذِّكْرِ إِجْمَاعًا، لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، أَنْ نُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إِيقَاعُهَا فِي الْوَقْتِ، فَإِذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا كَانَ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ مُخَالِفًا لِلْأَمْرِ، وَهُوَ عَاصٍ مُسْتَحِقٌّ الْعِقَابَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عُذِرَ بِالتَّأْخِيرِ لَفَاتَتْ فَائِدَةُ التَّأْقِيتِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَيْنِ الْأُولَى (إِلَّا لِمَنْ يَنْوِي الْجَمْعَ) لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُؤَخِّرُ الْأُولَى فِي الْجَمْعِ، وَيُصَلِّيهَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَسَيَأْتِي، وَلِأَنَّ وَقْتَيْهِمَا يَصِيرُ وَقْتًا وَاحِدًا لَهُمَا، وَمُقْتَضَاهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِثْنَائِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَيَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إِلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ (أَوْ لِمُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا) كَذَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 بِشَرْطِهَا. وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا كَفَرَ، فَإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا لَا جُحُودًا، دُعِيَ إِلَى فِعْلِهَا، فَإِنْ أَبَى حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا، وَجَبَ قَتْلُهُ، وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَتْرُكَ   [المبدع في شرح المقنع] " الْوَجِيزِ " و" الْحَاوِي "، وَاقْتَصَرَ الْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ: لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِدُونِهِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَشَرْطُهُ: أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَقَيَّدَهُ فِي " الْفُرُوعِ " بِالْقَرِيبِ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَإِنَّ الْوَقْتَ يُقَدَّمُ، وَاخْتَارَ تَقْدِيمَ الشَّرْطِ إِنِ انْتَبَهَ قَبْلَ طُلُوعِهَا، وَمَنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَالْحَاقِنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالطَّهَارَةِ إِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَمَنْ أُبِيحَ لَهُ التَّأْخِيرُ فَمَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ، لَمْ يَأْثَمْ فِي الْأَصَحِّ، وَيَسْقُطُ إِذَنْ بِمَوْتِهِ، قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهَا فِي ذِمَّتِهِ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهَا، مَا لَمْ يَظُنَّ مَانِعًا مِنْهَا، كَمَوْتٍ وَقَتْلٍ، وَحَيْضٍ، وَكَذَا مَنْ أُعِيرَ سُتْرَةً أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَمُتَوَضِّئٌ عَدِمَ الْمَاءَ فِي السَّفَرِ، وَطَهَارَتُهُ لَا تَبْقَى إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَلَا يَرْجُو وُجُودَهُ، وَمُسْتَحَاضَةٌ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِ دَمِهَا فِي وَقْتٍ يَتَّسِعُ لِفِعْلِهَا فَيَتَعَيَّنُ الْفِعْلُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَيَأْثَمُ مَنْ عَزَمَ عَلَى التَّرْكِ إِجْمَاعًا، وَمَتَى فُعِلَتْ فِي وَقْتِهَا فَهِيَ أَدَاءٌ. [مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ] (وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا كَفَرَ) إِذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُهُ كَالنَّاشِئِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَمْصَارِ، زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ فَعَلَهَا، لِأَنَّهُ لَا يَجْحَدُهَا إِلَّا تَكْذِيبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَيَصِيرُ مُرْتَدًّا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَإِنِ ادَّعَى الْجَهْلَ كَحَدِيثِ الْإِسْلَامِ، وَالنَّاشِئِ بِبَادِيَةٍ عُرِّفَ وُجُوبَهَا، وَلَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ، لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فَإِنْ قَالَ أُنْسِيتُهَا قِيلَ: لَهُ صَلِّ الْآنَ، وَإِنْ قَالَ: أَعْجَزُ عَنْهَا لِعُذْرٍ، أُعْلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ (فَإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا) وَكَسَلًا (لَا جُحُودًا (دُعِيَ إِلَى فِعْلِهَا) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ يُعْتَدُّ سُقُوطُهُ بِمِثْلِهِ كَالْمَرَضِ، وَنَحْوِهِ، وَالدَّاعِي لَهُ الْإِمَامُ، وَمَنْ فِي حُكْمِهِ، وَيُهَدَّدُ فَيَقُولُ لَهُ: إِنْ صَلَّيْتَ وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ، وَذَلِكَ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ (فَإِنْ أَبَى حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا وَجَبَ قَتْلُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] إِلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] فَمَتَى تَرَكَ الصَّلَاةَ لَمْ يَأْتِ بِشَرْطِ التَّخْلِيَةِ فَيَبْقَى عَلَى إِبَاحَةِ الْقَتْلِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَكْحُولٍ، وَهُوَ مُرْسَلٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 ثَلَاثًا، وَيَضِيقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ، وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] جَيِّدٌ، وَلِأَنَّهَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، فَقُتِلَ تَارِكُهَا كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَمُرَادُهُ حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ عَنْهَا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقِيلَ: عَنْهُمَا، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَعَنْهُ: يَجِبُ قَتْلُهُ بِدُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَضِقْ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَهِيَ أَظْهَرُ لِمَفْهُومِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَّا إِلَّا الْأُولَى مِنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ، لِأَنَّ وَقْتَهُمَا مَعَ الْعُذْرِ وَاحِدٌ، وَحَسَّنَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُدْعَ إِلَيْهَا لَمْ يَكْفُرْ، وَلَمْ يُقْتَلْ بِحَالٍ. (وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَتْرُكَ ثَلَاثًا) أَيْ: ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ (وَيَضِيقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ) قَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " لِأَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الثَّلَاثَ لِشُبْهَةٍ، فَإِذَا تَرَكَ الرَّابِعَةَ انْتَفَت الشبهة فَيُقْتَلُ، وَالْأَصَحُّ حَتَّى يَضِيقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ عَنْهَا، وَقِيلَ: بَلْ عَنْهُنَّ، وَفِي " الْمُبْهِجِ " و" الْوَاضِحِ " و" تَبْصِرَةِ الْحُلْوَانِيِّ " رِوَايَةٌ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قُتِلَ وُجُوبًا بِضَرْبِ عُنُقِهِ (وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا) أَيْ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا فِي الْأَشْهَرِ، وَيُضَيَّقَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُقْتَلُ لِتَرْكِ وَاجِبٍ، فَتَقَدَّمَتْهُ الِاسْتِتَابَةُ كَالْمُرْتَدِّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُضْرَبُ، وَيَنْبَغِي الْإِشَاعَةُ عَنْهُ بِتَرْكِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ، وَلَا يَنْبَغِي السَّلَامُ عَلَيْهِ، وَلَا إِجَابَةُ دَعْوَتِهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (فَإِنْ تَابَ قُبِلَ مِنْهُ) كَغَيْرِهِ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِالصَّلَاةِ، نَقَلَ صَالِحٌ: تَوْبَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَصَوَّبَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِأَنَّ كُفْرَهُ بِالِامْتِنَاعِ كَإِبْلِيسَ، وَتَارِكِ الصَّلَاةِ، وَصِحَّتُهَا قَبْلَ الشَّهَادَتَيْنِ، كَمُرْتَدٍّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَتَى رَاجَعَ الْإِسْلَامَ لَمْ يَقْضِ مُدَّةَ امْتِنَاعِهِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ خِلَافَهُ (وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ) يُضْرَبُ بِهِ عُنُقُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيِ: الْهَيْئَةَ مِنَ الْقَتْلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 قُتِلَ بِالسَّيْفِ، وَهَلْ يُقْتَلُ حَدًّا أَوْ لِكُفْرِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَهَلْ يُقْتَلُ حَدًّا أَوْ لِكُفْرِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُقْتَلُ كُفْرًا، وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى بُرَيْدَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَى عُبَادَةُ مَرْفُوعًا: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْمِلَّةِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَقَالَ عُمَرُ: لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ. وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِفِعْلِهَا فِي الْإِيمَانِ، فَيَخْرُجُ بِتَرْكِهَا مِنْهُ، كَالشَّهَادَتَيْنِ، فَعَلَيْهَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: يُدْفَنُ مُنْفَرِدًا، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: مَنْ قُتِلَ مُرْتَدًّا تُرِكَ بِمَكَانِهِ، وَلَا يُدْفَنُ، وَلَا كَرَامَةَ، وَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَذَا بَعْدَهُ إِنْ لَمْ يَتُبْ وَيُصَلِّي فِي الْأَشْهَرِ، وَالثَّانِيَةُ: يُقْتَلُ حَدًّا قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ بَطَّةَ، وَذَكَرَ أَنَّهَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهِيَ أَصْوَبُ الْقَوْلَيْنِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِلْعُمُومَاتِ، مِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ: «إِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَتِي لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَائِلَةٌ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَحْكُمُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ، فَلَمْ يَكْفُرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 بَابُ الْأَذَانِ وَهُمَا مَشْرُوعَانِ، لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ دُونَ غَيْرِهَا لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] بِتَرْكِهَا، كَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَهُوَ إِجْمَاعٌ حَكَاهُ فِي " الشَّرْحِ " وَفِيهِ نَظَرٌ، وَأُجِيبَ عَمَّا تَقَدَّمَ: عَلَى كُفْرِ النِّعْمَةِ أَوْ عَلَى مَعْنَى قَارَبَ الْكُفْرَ، فَعَلَيْهَا حُكْمُهُ كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ، فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ السَّابِقَةُ، لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِذَا دُفِنَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ طُمِسَ قَبْرُهُ، حَتَّى يُنْسَى، وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ لَا يُرْفَعُ قَبْرُهُ، وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ تَحْقِيرًا لَهُ، وَزَجْرًا لِأَمْثَالِهِ، وَهُوَ غَرِيبٌ. فَرْعٌ: الْجُمُعَةُ كَغَيْرِهَا، وَقِيلَ: إِنِ اعْتَقَدَ وَجُوبَهَا، وَصَلَّى ظُهْرًا أَرْبَعًا، وَقُلْنَا: هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ، لَمْ يَكْفُرْ. تَنْبِيهٌ: إِذَا تَرَكَ شَرْطًا أَوْ رُكْنًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ، كَالطَّهَارَةِ فَكَتَرْكِهَا، وَكَذَا مُخْتَلَفًا فِيهِ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَخَالَفَ فِيهِ الْمُؤَلِّفُ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ غَيْرِهَا مِنْ زَكَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَحَجٍّ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ تَهَاوُنًا، وَكَسَلًا، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَيُقْتَلُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَسَيَأْتِي. [بَابُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ] [تَعْرِيفُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَمَشْرُوعِيَّتُهُمَا] بَابُ الْأَذَانِ. الْأَذَانُ: هُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ: إِعْلَامٌ، وَقَوْلِهِ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أَيْ: أَعْلِمْهُمْ يُقَالُ: أَذَّنَ بِالشَّيْءِ يُؤَذِّنُ أَذَانًا وَتَأْذِينًا، وَأَذِينًا عَلَى وَزْنِ رَغِيفٍ: إِذَا أَعْلَمَ بِهِ، وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْأُذُنِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ مَا يُعْلِمُهُمْ بِهِ. وَفِي الشَّرْعِ: الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ قُرْبِهِ بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ، وَالْإِقَامَةُ: هِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ، وَحَقِيقَتُهُ إِقَامَةُ الْقَاعِدِ، وَفِي الشَّرْعِ: الْإِعْلَامُ بِالْقِيَامِ إِلَيْهَا بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ، كَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَقَامَ الْقَاعِدِينَ، وَأَزَالَهُمْ عَنْ قُعُودِهِمْ. إِعْلَامُ الْأَذَانِ فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، وَلِقَوْلِهِ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] لِلْمُؤَذِّنِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَلِقَوْلِهِ: «مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِمَامَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَمِنَ الْإِقَامَةِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَعَنْهُ: فَضَّلَهَا، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ عَدَمَ مُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ إِمَّا خَوْفُ تَغْيِيرِ صِيغَتِهِ، أَوْ تَوَهُّمُ سَامِعٍ أَنَّ ثَمَّ غَيْرَهُ مَوْصُوفًا بِذَلِكَ أَوْ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " وَقِيلَ: إِنَّمَا تَرَكَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ لَزِمَ إِجَابَتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ التَّخَلُّفُ عَنْ دَعْوَتِهِ، مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي مَطَرٍ، وَبِلَّةٍ» . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ أَفْضَلُ (وَهُمَا مَشْرُوعَانِ) بِالْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 58] ، وَبِالسُّنَّةِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيَضْرِبَ النَّاسُ بِهِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؛ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؛ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؛ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: تَقُولُ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ بَعْضَهُ، وَصَحَّحَهُ، وَمَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ عَلَى ابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي حَدِيثٌ صَحِيحٌ (لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ) وَفِي " الْفُرُوعِ " وَالْجُمُعَةِ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِدُخُولِهَا فِي الْخَمْسِ (دُونَ غَيْرِهَا) مِنْ فَائِتَةٍ وَمَنْذُورَةٍ، وَقِيلَ: بَلَى، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْمَفْرُوضَاتِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِعْلَامُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، وَكَذَا عِيدٌ، وَكُسُوفٌ، وَاسْتِسْقَاءٌ بَلْ يُنَادَى لِذَلِكَ، وَأَلْحَقَ الْقَاضِي بِذَلِكَ التَّرَاوِيحَ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يُنَادَى لَهَا كَالْجِنَازَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ. فَرْعٌ: يُسَنُّ أَذَانٌ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ حِينَ يُولَدُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا، وَيُقِيمُ فِي الْيُسْرَى. (لِلرِّجَالِ) بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ، وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَسَيَأْتِي (دُونَ النِّسَاءِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ» رَوَاهُ النَّجَّادُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَأَنَسٍ، وَلَا نَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُ، لِأَنَّ الْأَذَانَ يُشْرَعُ لَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَلَا يُشْرَعُ لَهَا، وَكَذَا الْإِقَامَةُ، لِأَنَّ مَنْ لَا يُشْرَعُ لَهُ الْأَذَانُ لَا تُشْرَعُ لَهُ الْإِقَامَةُ كَالْمَسْبُوقِ، وَعَنْهُ: يُسَنُّ لَهُنَّ، لِفِعْلِ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ. رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَعَنْهُ: مَعَ خَفْضِ الصَّوْتِ، وَالْخُنْثَى كَامْرَأَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، إِنِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِمَا قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ   [المبدع في شرح المقنع] [حُكْمُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ] (وَهُمَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُؤَذِّنُونَ، وَلَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ، إِلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَلِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ، فَكَانَ وَاجِبًا كَالْجِهَادِ، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ عَلَى جَمَاعَةِ الرِّجَالِ، وَعَنْهُ: عَلَى كُلِّ رَجُلٍ عَاقِلٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ وَحْدَهُ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " حَضَرًا، وَعَنْهُ: وَسَفَرًا، وَهُوَ أَظْهَرُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُؤَذَّنُ لَهُ، وَيُقَامُ فِيهِمَا، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ، سُنَّتَانِ عَلَى الْمُسَافِرِينَ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ أَحْمَدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَقَالَ السَّامِرِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَالْقُرَى، وَلَا بَيْنَ الْحَاضِرِينَ وَالْمُسَافِرِينَ، وَالْوَاحِدُ وَالْجَمَاعَةُ سَوَاءٌ، قُلْنَا هُمَا وَاجِبَانِ أَوْ مَسْنُونَانِ، وَعَنْهُ: هُمَا سُنَّةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ قَوْلَهُ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " هُوَ فَرْضٌ، وَهِيَ سُنَّةٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَعَلَى أَنَّهُمَا سُنَّةٌ (إِنِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِمَا قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ) لِأَنَّهُمَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ الظَّاهِرَةِ، فَقُوتِلُوا عَلَى التَّرْكِ، كَصَلَاةِ الْعِيدِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْخَلِيفَةُ، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُ كَنَائِبِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا قَامَ بِهِمَا مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ غَالِبًا، أَجْزَأَ عَنِ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالْبَلَدِ الصَّغِيرِ، أَوِ المحلة الكبيرة إِذَا كَانَ يُسْمِعُهُمْ جَمِيعَهُمْ، لِأَنَّ الْغَرَضَ إِسْمَاعَهُمْ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": مَتَى أَذَّنَ وَاحِدٌ سَقَطَ عَمَّنْ صَلَّى مَعَهُ مُطْلَقًا خَاصَّةً، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ اثْنَانِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الْأُجْرَةِ عَلَيْهِمَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ، رَزَقَ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ   [المبدع في شرح المقنع] الْفَجْرِ فَقَطْ كَبِلَالٍ، وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَى أَرْبَعَةٍ لِفِعْلِ عُثْمَانَ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَيُقِيمَ مَنْ أَذَّنَ أَوَّلًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلِ الْإِعْلَامُ بِوَاحِدٍ زِيدَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي جَانِبٍ، أَوْ دُفْعَةٌ وَاحِدَةٌ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ، وَيُقِيمُ أَحَدُهُمْ، وَالْمُرَادُ بِلَا حَاجَةٍ فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ بِدُونِهِمَا، لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، لَكِنْ يُكْرَهُ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إِلَّا بِمَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، وَنَصُّهُ: أَوِ اقْتَصَرَ مُسَافِرٌ وَمُنْفَرِدٌ عَلَى الْإِقَامَةِ، وَهُمَا أَفْضَلُ لِكُلِّ مُصَلٍّ إِلَّا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا يُشْرَعُ، بَلْ حَصَلَ لَهُمُ الْفَضِيلَةُ كَقِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ. وَهَلْ صَلَاةُ مَنْ أَذَّنَ لِصَلَاتِهِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ فَضْلٌ يَخْتَصُّ الصَّلَاةَ أَمْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا وَصَلَاةَ مَنْ أُذِّنَ لَهُ سَوَاءٌ لِحُصُولِ سُنَّةِ الْأَذَانِ؛ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. [أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ] (وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِمَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: «وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ: وَكَرِهُوا أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا، وَلِأَنَّهُ يَقَعُ قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ أَشْبَهَ الْإِمَامَةَ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، لِأَنَّ فِعْلَهُ مَعْلُومٌ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَالْأُولَى: أَصَحُّ، وَخَطَّأَ ابْنُ حَامِدٍ مَنْ أَجَازَهُ، لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَالْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ مَعْنًى وَحُكْمًا (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ رَزَقَ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ يَقُومُ بِهِمَا) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 الْمَالِ مَنْ يَقُومُ بِهِمَا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا أَمِينًا عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ، فَإِنْ تَشَاحَّ فِيهِ اثْنَانِ، قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ أَفْضَلُهُمَا فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ، ثُمَّ مَنْ يَخْتَارُهُ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةً إِلَيْهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ الْمَنْعُ، لَكِنْ قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": هُوَ ضَعِيفٌ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَرْزُقُهُ الْإِمَامُ مِنَ الْفَيْءِ، لِأَنَّهُ الْمُعَدُّ لِلْمَصَالِحِ، فَهُوَ كَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْغُزَاةِ، وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ لَمْ يُعْطَ غَيْرُهُ مِنْهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ. [مَا يَتَحَلَّى بِهِ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الصِّفَاتِ] (وَيَنْبَغِي) أَيْ: وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا) أَيْ: رَفِيعَ الصَّوْتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «قُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» وَاخْتَارَ أَبَا مَحْذُورٍ لِلْأَذَانِ لِكَوْنِهِ صَيِّتًا، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، زَادَ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ: وَأَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ، لِأَنَّهُ أَرَقُّ لِسَامِعِهِ (أَمِينًا) أَيْ: عَدْلًا لِمَا رَوَى أَبُو مَحْذُورَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمَنَاءُ النَّاسِ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَسُحُورِهِمُ الْمُؤَذِّنُونَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَفِيهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَفِيهِ كَلَامٌ، وَلِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَغَيْرِهَا، وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَغُرَّهُمْ بِأَذَانِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ، وَلَا يُؤْمَنُ مِنْهُ النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَاتِ (عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ) لِيَتَحَرَّاهَا فَيُؤَذِّنَ فِي أَوَّلِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ الْخَطَأُ، وَاشْتَرَطَهُ أَبُو الْمَعَالِي كَالذُّكُورِيَّةِ، وَالْعَقْلِ، وَالْإِسْلَامِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَعْرِفُ الْوَقْتَ، فَرُبَّمَا غَلِطَ، وَكَرِهَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ أَذَانَهُ، وَكَرِهَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِقَامَتَهُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يُعَرِّفُهُ الْوَقْتَ لَمْ يُكْرَهْ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِفِعْلِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَتُسْتَحَبُّ حُرِّيَّتُهُ، حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ اتِّفَاقًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا فَرْقَ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَيَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ (فَإِنْ تَشَاحَّ) تَفَاعَلَ مِنَ الشُّحِّ، وَهُوَ النَّحْلُ مَعَ حِرْصٍ (فِيهِ اثْنَانِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الْجِيرَانُ، فَإِن اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. وَالْأَذَانُ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً لَا تَرْجِيعَ فِيهِ،   [المبدع في شرح المقنع] لَا يُرِيدَانِ أَنْ يَفُوتَهُمَا (قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدَّمَ بِلَالًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ لِكَوْنِهِ أَنْدَى صَوْتًا مِنْهُ، وَقِسْنَا بَقِيَّةَ الْخِصَالِ عَلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَوَوْا فِيهَا فَقَالَ: ثُمَّ أَفْضَلُهُمَا فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ إِذَا قُدِّمَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي الصَّوْتِ فَفِي الْأَفْضَلِيَّةِ فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِأَنَّ مُرَاعَاتَهُمَا أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الصَّوْتِ، لِأَنَّ الضَّرَرَ بِفَقْدِهِمَا أَشَدُّ (ثُمَّ مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " و" الشَّرْحِ " لِأَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِهِمْ، فَكَانَ لِرِضَاهُمْ أَثَرٌ فِي التَّقْدِيمِ، وَلِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ يَبْلُغُهُمْ صَوْتُهُ، وَمَنْ هُوَ أَعَفُّ مِنَ النَّظَرِ، وَحُكْمُ أَكْثَرِهِمْ كَالْكُلِّ، وَذَكَرَ فِي " الْكَافِي " هَذَا رِوَايَةً (فَإِنِ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَتَشَاحَّ النَّاسُ فِي الْأَذَانِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ، لِأَنَّهَا تُزِيلُ الْإِيهَامَ، وَيُجْعَلُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ كَالْمُسْتَحِقِّ الْمُتَعَيِّنِ. وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ الْقُرْعَةُ عَلَى مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " و" التَّلْخِيصِ " و" الْبُلْغَةِ " وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَدْيَنُ الْأَفْضَلُ فِيهِ، ثم القرعة جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُمَا مَعَ الِاسْتِوَاءِ يُقَدَّمُ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ أَوِ التَّقَدُّمِ بِالْأَذَانِ فِيهِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يُقَدَّمُ مَنْ لَهُ التَّقْدِيمُ، ثُمَّ الْأَعْقَلُ، ثُمَّ الْأَدْيَنُ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ فِيهِ، ثُمَّ الْأَخْبَرُ بِالْوَقْتِ، ثُمَّ الْأَعْمَرُ لِلْمَسْجِدِ الْمُرَاعِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَالْإِقَامَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً، فَإِنْ رَجَّعَ فِي الْأَذَانِ، أَوْ ثَنَّى الْإِقَامَةَ فَلَا بَأْسَ، وَيَقُولُ   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ، ثُمَّ الْأَقْدَمُ تَأْذِينًا فِيهِ، وَقِيلَ: أَوْ أَبُوهُ، ثُمَّ مَنْ قُرِعَ مَعَ التَّسَاوِي، وَعَنْهُ: بَلْ مَنْ رَضِيَهُ الْجِيرَانُ. [عَدَدُ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ] (وَالْأَذَانُ) الْمُخْتَارُ (خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً لَا تَرْجِيعَ فِيهِ، وَالْإِقَامَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ كَذَلِكَ، وَيُقِيمُ حَضَرًا وَسَفَرًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ قِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ بَعْدَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِ عَبْدِ اللَّهِ؛، وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ: «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ الْبُخَارِيُّ «إِلَّا الْإِقَامَةَ» ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَصَحَّحَهُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَيْ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، أَوْ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، أَوْ هُوَ بِمَعْنَى كَبِيرٍ، وَقَوْلُهُ أَشْهَدُ أَيْ: أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ: أَقْبِلُوا إِلَيْهَا، وَقِيلَ: أَسْرِعُوا، وَالْفَلَاحُ الْفَوْزُ وَالْبَقَاءُ، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَيَبْقَى فِيهَا وَيَخْلُدُ، وَقِيلَ: هُوَ الرُّشْدُ وَالْخَيْرُ، وَطَالِبُهُمَا مُفْلِحٌ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى الْفَلَاحِ، وَمَعْنَاهُ: هَلُمُّوا إِلَى سَبَبِ ذَلِكَ، وَخَتَمَ (بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) لِيَخْتِمَ بِالتَّوْحِيدِ، وَبِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا بَدَأَ بِهِ، وَشُرِعَتِ الْمَرَّةُ إِشَارَةً إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الْمَعْبُودِ سُبْحَانَهُ. (فَإِنْ رَجَّعَ فِي الْأَذَانِ أَوْ ثَنَّى الْإِقَامَةَ فَلَا بَأْسَ) أَيْ: هُوَ جَائِزٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: أَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ أَعْجَبُ إِلَيَّ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ مَكَّةَ إِلَى الْيَوْمِ، وَهُوَ يُرَجِّعُ فَيُعِيدُ الشَّهَادَتَيْنِ بعد ذكرهما خَفْضًا بِصَوْتٍ أَرْفَعَ مِنَ الصَّوْتِ الْأَوَّلِ. عَنْ أَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 فِي أَذَانِ الصُّبْحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَرَسَّلَ فِي الْأَذَانِ وَيَحْدُرَ   [المبدع في شرح المقنع] مَحْذُورَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْحِكْمَةُ: أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا بِتَدَبُّرٍ وَإِخْلَاصٍ، لِكَوْنِهِمَا الْمُنْجِيَتَيْنِ مِنَ الْكُفْرِ الْمُدْخِلَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ رَجَعَ إِلَى الرَّفْعِ بَعْدَ أَنْ تَرَكَهُ، أَوْ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالْخَفْضِ: أَنْ يُسْمِعَ مَنْ بِقُرْبِهِ أَوْ أَهْلَ الْمَسْجِدِ إِنْ كَانَ وَاقِفًا، وَالْمَسْجِدُ مُتَوَسِّطُ الْخَطِّ، وَالتَّرْجِيعُ: اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ مِنَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَعَنْهُ: لَا يُعْتَبَرُ التَّرْجِيعُ فِيهِ، وَأَجَابَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّمَا أَمَرَ أَبَا مَحْذُورَةَ بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا لِيَحْصُلَ الْإِخْلَاصُ بِهِمَا، فَإِنَّهُ فِي الْإِسْرَارِ أَبْلَغُ، وَخَصَّ أَبَا مَحْذُورَةَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهِمَا حِينَئِذٍ، فَإِنَّ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَهْزِئًا يَحْكِي أَذَانَ مُؤَذِّنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعَهُ، فَدَعَاهُ فَأَمَرَهُ بِالْأَذَانِ، وَقَصَدَ نُطْقَهُ بِهِمَا لِيُسَلِّمَ بِذَلِكَ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ بِلَالًا، وَلَا غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ ثَابِتُ الْإِسْلَامِ، وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ خَبَرَ أَبِي مَحْذُورَةَ مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ، لِعَدَمِ عَمَلِ الشَّافِعِيِّ بِهِ فِي الْإِقَامَةِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَذَانِ، وَعَنْهُ: هُمَا سَوَاءٌ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِهِمَا، وَأَمَّا تَثْنِيَةُ الْإِقَامَةِ فَهِيَ كَالْأَذَانِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَقَامَ مِثْلَ أَذَانِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلَا تُكْرَهُ تَثْنِيَتُهَا. [مَا يَقُولُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ] (وَيَقُولُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ) بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ: (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مَحْذُورَةَ: «فَإِذَا كَانَ أَذَانُ الْفَجْرِ فَقُلِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ بِلَالًا جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ نَائِمٌ، قَالَ: فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فِي الْإِقَامَةِ، وَيُؤَذِّنَ قَائِمًا مُتَطَهِّرًا، عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ،   [المبدع في شرح المقنع] » قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الرَّوْضَةِ " وَيُسَمَّى هَذَا التَّثْوِيبَ لِأَنَّهُ مِنْ ثَابَ بِالْمُثَلَّثَةِ إِذَا رَجَعَ، لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا إِلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الدُّعَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقُولُهُ، وَلَوْ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ فِي غَيْرِ أَذَانِ الْفَجْرِ، وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِقَوْلِ بِلَالٍ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُثَوِّبَ فِي الْفَجْرِ، وَنَهَانِي أَنْ أُثَوِّبَ فِي الْعِشَاءِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَاخْتُصَّتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ وَقْتٌ يَنَامُ النَّاسُ فِيهِ غَالِبًا، فَشُرِعَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ. [التَّرَسُّلُ فِي الْأَذَانِ وَالْحَدْرُ فِي الْإِقَامَةِ] (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَرَسَّلَ) أَيْ: يَتَمَهَّلَ، وَيَتَأَنَّى مِنْ قَوْلِهِمْ: جَاءَ فُلَانٌ عَلَى رِسْلِهِ (فِي الْأَذَانِ وَيَحْدُرَ) أَيْ: يُسْرِعَ (الْإِقَامَةِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ: «يَا بِلَالُ إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ صَاحِبِ السِّقَاءِ، وَهُوَ إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " وَعَنْ عُمَرَ مَعْنَاهُ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَلِأَنَّهُ إِعْلَامُ الْغَائِبِينَ، فَالتَّثَبُّتُ فِيهِ أَبْلَغُ، وَالْإِقَامَةَ إِعْلَامُ الْحَاضِرِينَ فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فِيهَا، وَيُسَنُّ أَذَانُهُ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَأَنْ يَقِفَ عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ، قَالَ جَمَاعَةٌ: هُمَا مَجْزُومَانِ، وَحُكِيَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: شَيْئَانِ مَجْزُومَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ. [الْأَذَانُ قَائِمًا مُتَطَهِّرًا] (وَأَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا) لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ: «قُمْ فَأَذِّنْ» وَكَانَ مُؤَذِّنُوهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُؤَذِّنُونَ قِيَامًا، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِسْمَاعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَذَّنَ قَاعِدًا أَنَّهُ يَصِحُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، كَالْخُطْبَةِ قَاعِدًا، وَعَنْهُ: لَا يُعْجِبُنِي، وَبَعَّدَهُ ابْنُ حَامِدٍ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ جَازَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الِاضْطِجَاعَ، وَيَتَوَجَّهُ الْجَوَازُ، لَكِنْ يُكْرَهُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَالْمَاشِي كَالرَّاكِبِ، وَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَعَنْهُ: لَا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ حَضَرًا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ أَذَّنَ قَاعِدًا أَوْ مَشَى فِيهِ كَثِيرًا بَطَلَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الثَّانِيَةِ. وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَتُكْرَهُ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا، وَقَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": يُبَاحَانِ لِلْمُسَافِرِ حَالَ مَشْيِهِ وَرُكُوبِهِ فِي رِوَايَةٍ (مُتَطَهِّرًا) مِنَ الْحَدَثَيْنِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُؤَذِّنُ إِلَّا مُتَوَضِّئٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَقَالَا: هُوَ أَصَحُّ، وَحُكْمُ الْإِقَامَةِ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ مُحْدِثًا، فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْجَدُّ عَدَمَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ أَنَّهَا تُكْرَهُ الْإِقَامَةُ قَوْلًا وَاحِدًا لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَدَثَيْنِ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ كَالْآخَرِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ لِلصَّلَاةِ أَشْبَهَ الْقِرَاءَةَ، وَعَلَى الصِّحَّةِ: إِنْ أَذَّنَ فِي مَسْجِدٍ مَعَ جَوَازِ لُبْثِهِ فِيهِ صَحَّ، وَمَعَ تَحْرِيمِهِ، فَهُوَ كَالْأَذَانِ فِي مَكَانٍ غُصِبَ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْبُقْعَةِ لَهُ، لَكِنْ مَعَ الْإِثْمِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَعَدَمُهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَمْ يَسْتَدِرْ، وَيَجْعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَيَتَوَلَّاهُمَا مَعًا، وَيُقِيمَ   [المبدع في شرح المقنع] عَبْدُوسٍ، فَإِنَّهُ قَطَعَ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لَهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يُسَنُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُتَطَهِّرًا مِنْ نَجَاسَةِ بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ، وَرُبَّمَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ (عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ) أَيْ: مُرْتَفِعٍ كَالْمَنَارَةِ، وَنَحْوِهَا لِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، فَلَوْ خَالَفَ صَحَّ وَكُرِهَ، كَالْخُطْبَةِ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ مُرْسَلًا أَنَّ الَّذِي رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ اسْتَقْبَلَ، وَأَذَّنَ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ، وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، فَلَوْ خَالَفَ فَكَالَّذِي قَبْلَهُ (فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ) وَهِيَ كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، كَمَا يُقَالُ بَسْمَلَ، وَسَبْحَلَ، وَهَيْلَلَ، وَنَحْوُهَا (الْتَفَتَ) بِرَأْسِهِ وَعُنُقِهِ وَصَدْرِهِ، وَظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ بِصَدْرِهِ (يَمِينًا وَشِمَالًا) فَيَكُونُ يَمِينًا حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ يُعِيدُهُ يَسَارًا، ثُمَّ كَذَلِكَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَقِيلَ: يَقُولُ يَمِينًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَسَارًا: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، ثُمَّ كَذَلِكَ ثَانِيَةً، وَهُوَ سَهْوٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ يَمِينًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ، وَيَسَارًا: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ (وَلَمْ يَسْتَدِرْ) أَيْ: لَا يُزِيلُ قَدَمَيْهِ، قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، فَخَرَجَ، وَتَوَضَّأَ، فَأَذَّنَ بِلَالٌ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا، وَهَاهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ: «فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَمْ يَسْتَدِرْ» وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمَنَارَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ الدَّوَرَانُ فِي الْمَنَارَةِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَعَنْهُ: يُزِيلُ قَدَمَيْهِ فِي الْمَنَارَةِ، وَنَحْوِهَا، نَصَرَهُ فِي " الْخِلَافِ "، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الرَّوْضَةِ " لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِدُونِ ذَلِكَ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: مَعَ كِبَرِ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ فِي الْإِقَامَةِ، وَهُوَ وَجْهٌ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَجَزَمَ بِهِ الْآجُرِّيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِي: يَلْتَفِتُ فِيهَا فِي الْحَيْعَلَةِ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ مِقْدَارَ طَاقَتِهِ، وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ لِئَلَّا يَنْضَرَّ مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِجَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ، وَعَنْهُ: التَّوَسُّطُ أَفْضَلُ. (وَيَجْعَلَ أُصْبُعَيْهِ) أَيْ: سَبَّابَتَيْهِ (فِي أُذُنَيْهِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ: «أَنَّ بِلَالًا وَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِلَالًا بِذَلِكَ، وَقَالَ: «إِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْهُ: يَضُمُّ أَصَابِعَهُ إِلَى رَاحَتَيْهِ، وَيَجْعَلُهُمَا عَلَى أُذُنَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَابْنِ الْبَنَّا، وَصَاحِبِ " الْبُلْغَةِ "، رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ أَمَرَ مُؤَذِّنًا بِذَلِكَ، رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ، وَعَنْهُ: يَبْسُطُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً عَلَى أُذُنَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " زَادَ السَّامِرِيُّ عَلَيْهَا دُونَ الْإِبْهَامِ، وَالرَّاحَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ، وَشُهْرَتِهِ، وَعَمَلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ، لِيَجْتَمِعَ الصَّوْتُ وَيَسْتَدِلَّ الْأَصَمُّ عَلَى كَوْنِهِ أَذَانَا، وَأَيُّهُمَا فُعِلَ فَحَسَنٌ، وَيَرْفَعُ وَجْهَهُ إِلَى السَّمَاءِ فِيهِ كُلِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " عِنْدَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَقِيلَ: وَالشَّهَادَتَيْنِ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (وَيَتَوَلَّاهُمَا مَعًا) لِمَا فِي حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ حِينَ أَذَّنَ قَالَ: «فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُقِيمُ أَخُو صُدَاءٍ، فَإِنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنما نعرفه مِنْ حَدِيثِ الْإِفْرِيقِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُمَا ذِكْرَانِ يَتَقَدَّمَانِ الصَّلَاةَ، فَسُنَّ أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا وَاحِدٌ، كَالْخُطْبَتَيْنِ، وَعَنْهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، لِقَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 فِي مَوْضِعِ أَذَانِهِ إِلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إِلَّا مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا، فَإِنْ نَكَّسَهُ، أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ أَوْ كَلَامٍ كَثِيرٍ أَوْ مُحَرَّمٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ   [المبدع في شرح المقنع] - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ، فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقِمْ أَنْتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَوَلَّاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَلَوْ سُبِقَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأَذَانِ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَوْ أَعَادَ الْأَذَانَ كَمَا صَنَعَ أَبُو مَحْذُورَةَ، فَإِنْ أَقَامَ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةٍ فَلَا بَأْسَ. (وَيُقِيمَ فِي مَوْضِعِ أَذَانِهِ) لِقَوْلِ بِلَالٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ لَمَا خَافَ أَنْ يَسْبِقَهُ بِهَا، كَذَا اسْتَنْبَطَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا إِذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ كَالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ (إِلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ) مِثْلَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَنَارَةٍ، أَوْ مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ يُقِيمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ أَذَانِهِ، لِئَلَّا تَفُوتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ، لِإِمْكَانِ صَلَاتِهِ لَكِنْ لَا يُقِيمُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، لِفِعْلِ بِلَالٍ. [لَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إِلَّا مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا] (وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إِلَّا مُرَتَّبًا) لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مُتَعَبَّدٌ بِهِ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِنَظْمِهِ، كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ (مُتَوَالِيًا) عُرْفًا، لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ مُوَالَاةٍ، وَشُرِعَ فِي الْأَصْلِ كَذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّمَهُ أَبَا مَحْذُورَةَ مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا (فَإِنْ نَكَّسَهُ) لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذَكَرْنَا (أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ أَوْ كَلَامٍ كَثِيرٍ أَوْ مُحَرَّمٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ) إِذَا طَالَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ جُمَلِهِ، إِمَّا بِالسُّكُوتِ الطَّوِيلِ أَوِ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ الْكَثِيرِ، بَطَلَ، لِإِخْلَالِهِ بِالْمُوَالَاةِ الْمُشْتَرَطَةِ، وَمِثْلُهُ نَوْمٌ كَثِيرٌ أَوْ إِغْمَاءٌ أَوْ جُنُونٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ السُّكُوتَ والكلام الْمُبَاحَ الْيَسِيرَ لَا يُبْطِلَانِهِ، بَلْ هُوَ جَائِزٌ، لِأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ - وَلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 دُخُولِ الْوَقْتِ، إِلَّا الْفَجْرُ، فَإِنَّهُ يُؤَذَّنُ لَهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ   [المبدع في شرح المقنع] صُحْبَةٌ - كَانَ يَأْمُرُ غُلَامَهُ بِالْحَاجَةِ فِي أَذَانِهِ، وَكَرَدِّ السَّلَامِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَإِنْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِالْمُحَرَّمِ كَالسَّبِّ، وَالْقَذْفِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ يُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْأَذَانِ، كَالرِّدَّةِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " وَعَلَّلَهُ الْمَجْدُ بِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ سَامِعَهُ مُتَلَاعِبًا، أَشْبَهَ الْمُسْتَهْزِئَ، وَعَلَّلَهُ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِيهِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: كَالرِّدَّةِ، فَدَلَّ أَنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ سَوَاءٌ، وَالثَّانِي: يُعْتَدُّ بِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخِلَّ بِالْمَقْصُودِ، أَشْبَهَ الْمُبَاحَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا ارْتَدَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَبْطُلُ قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَحُكْمُ الْإِقَامَةِ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ فِي أَذَانِهِ؛ قَالَ: نَعَمْ، قَلْتُ لَهُ: يَتَكَلَّمُ فِي الْإِقَامَةِ، قَالَ: لَا، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حَدْرُهَا، وَيُعْتَبَرُ مَعَهمَا النِّيَّةُ، وَاتِّحَادُ الْمُؤَذِّنِ، فَلَوْ أَتَى وَاحِدٌ بِبَعْضِهِ، وَآخَرُ بِبَقِيَّتِهِ لَمْ تَصِحَّ كَالصَّلَاةِ. مَسْأَلَةٌ: لَا تُعْتَبَرُ مُوَالَاةً بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ إِذَا أَقَامَ عِنْدَ إِرَادَةِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَجُوزُ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [الْأَذَانُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ] (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ: لَا يَصِحُّ (إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ) لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِمَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَهُوَ حَثٌّ عَلَى الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَصِحَّ فِي وَقْتٍ لَا تَصِحُّ فِيهِ كَالْإِقَامَةِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " رِوَايَةٌ بِالْكَرَاهَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهَا، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، لِفِعْلِ بِلَالٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، وَالْمَنْعُ مِنْهُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَيَتَوَجَّهُ بِسُقُوطِ مَشْرُوعِيَّتِهِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ (إِلَّا الْفَجْرُ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ بِلَالًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ الْبُخَارِيُّ: «وَكَانَ رجلًا أعمى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» وَلِأَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ، وَفِيهِمُ الْجُنُبُ وَالنَّائِمُ، فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيمُ أَذَانِهِ حَتَّى يَتَهَيَّئُوا لَهَا فَيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْوَقْتِ كَثِيرًا لِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَ الْقَاسِمُ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ ذَا، وَيَرْقَى ذَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَجْمُوعُ مَا رُوِيَ فِي تَقْدِيمِ الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ إِنَّمَا هُوَ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ، وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا مِنَ الْأَذَانِ لِلْفَجْرِ مِنَ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ، فَخِلَافُ السُّنَّةِ إِنْ سَلِمَ جَوَازُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ قَبْلَ الْوَقْتِ لَهَا كَغَيْرِهَا، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى وَقْتِ الْجَوَازِ فَقَالَ: (فَإِنَّهُ يُؤَذَّنُ لَهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " لِأَنَّ مُعْظَمَهُ قَدْ ذَهَبَ، وَقَرُبَ الْأَذَانُ، وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ وَقْتُ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارُ، وَيَدْخُلُ وَقْتُ الدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، رَوَى الْأَثْرَمُ قَالَ: كَانَ مُؤَذِّنُ دِمَشْقَ يُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي السَّحَرِ بِمِقْدَارِ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ سِتَّةَ أَمْيَالٍ فَلَا يُنْكِرُهُ مكحول، وَقَيَّدَهُ فِي " الْكَافِي " و" الشَّرْحِ " بِأَنْ يَجْعَلَهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي اللَّيَالِي كُلِّهَا فَلَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ لِئَلَّا يَغُرَّ النَّاسَ، وَظَاهِرُهُ الِاعْتِدَادُ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ رَمَضَانَ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " فِي حَقِّ مَنْ عُرِفَ لَهُ عَادَةٌ بِالْأَذَانِ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ يُكْرَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ فِيهِ لِئَلَّا يَغُرَّ النَّاسَ فَيَتْرُكُوا سُحُورَهُمْ، وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَذَّنَ قَبْلَهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يُؤَذِّنُ فِي الْوَقْتِ لِلْخَبَرِ، وَاشْتَرَطَهُ طَائِفَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، وَأَلْحَقَ الشِّيرَازِيُّ الْجُمُعَةَ بِهِ، فَأَجَازَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِيُدْرِكَهَا مَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ عَبْدُوسٍ مَعَ الْفَجْرِ الصَّلَاةَ الْمَجْمُوعَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ وَقْتَهُمَا كَالْوَاحِدة (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 أَذَانِ الْمَغْرِبِ جِلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يُقِيمَ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ، أَوْ قَضَاءِ فَوَائِتَ، أَذَّنَ وَأَقَامَ لِلْأُولَى، ثُمَّ أَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَهَا، وَهَلْ يُجْزِئ ُ أَذَانُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِينَ؛   [المبدع في شرح المقنع] يَجْلِسَ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ جِلْسَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يُقِيمَ) كَذَا فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى تَمَّامٌ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْمَغْرِبِ سُنَّةٌ» وَقَيَّدَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: خَفِيفَتَيْنِ، وَقِيلَ: وَالْوُضُوءُ، وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ: «اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفرغ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُعْتَصِرُ إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقِيلَ: بِقَدْرِ الْوُضُوءِ وَالسَّعْيِ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَوُضُوئِهِ، زاد الحلواني: وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا سُنَّ تَعْجِيلُهَا، وَلِأَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ، فَيُسَنُّ تَأْخِيرُ الْإِقَامَةِ لِلْإِدْرَاكِ، كَمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا فِي غَيْرِهَا، وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ فَيُسَنُّ تَقْدِيمُهَا لِعُمُومِ النَّصِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تُسْتَحَبُّ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَهَا فِي الظَّاهِرِ عَنْهُ، وَلَا يُكْرَهُ فِعْلُهُمَا قَبْلَهَا فِي الْمَنْصُوصِ، وَعَنْهُ: يُسَنُّ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَعَنْهُ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ. [الْأَذَانُ لِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ أَوْ قَضَاءِ فَوَائِتَ] (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ (أَوْ قَضَاءِ فَوَائِتَ أَذَّنَ، وَأَقَامَ لِلْأُولَى، ثُمَّ أَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَهَا) جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُقِيمُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَعَنْهُ: إِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ فَلَا بَأْسَ، وَهُوَ الَّذِي فِي " الشَّرْحِ " وَخَصَّهُ بِمَا إِذَا كَانَ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ الْأُولَى مُفَعُولَةٌ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَهِيَ كَالْفَائِتَةِ، وَالثَّانِيَةَ مَسْبُوقَةٌ بِصَلَاةٍ، فَلَمْ يُشْرَعْ لَهَا كَالثَّانِيَةِ مِنَ الْفَوَائِتِ بِخِلَافِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ، لِأَنَّ الْأُولَى مُفَعُولَةٌ فِي وَقْتِهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَهَلْ يُعْتَدُّ بِأَذَانِ الْفَاسِقِ وَالْأَذَانِ الْمُلَحَّنِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَيُسْتَحَبُّ   [المبدع في شرح المقنع] أَشْبَهَ مَا لَمْ يَجْمَعْ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْفَوَائِتِ فَلِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ، حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَقَيَّدَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِمَا إِذَا كَانَ فِي الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ أَدْنَى، لِأَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ لِلْإِعْلَامِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ هُنَا، وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ بِالِاكْتِفَاءِ لَهُنَّ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ إِذَا أَذَّنَ، وَعَنْهُ: يُقِيمُ فِي غَيْرِ أَذَانٍ، وَكَذَا لَوْ قَضَاهَا مُتَفَرِّقَاتٍ مِنْ غَيْرِ مُوَالَاةٍ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ وَاحِدَةً فَيُؤَذِّنُ لَهَا وَيُقِيمُ، وَصَرَّحَ فِي " الْكَافِي " أَنَّهُ يُسَنُّ الْأَذَانُ لِلْفَائِتَةِ، ثُمَّ إِنْ خَافَ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِ بِهِ أَسَرَّ، وَإِلَّا جَهَرَ، فَلَوْ تَرَكَ الْأَذَانَ لَهَا فَلَا بَأْسَ. [أَذَانُ الْمُمَيِّزِ] (وَهَلْ يُجْزِئُ أَذَانُ الْمُمَيِّزِ) وَهُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ، وَيَرُدُّ الْجَوَابَ، وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ، كَذَا قِيلَ، وَالصَّوَابُ ضَبْطُهُ بِهِ (لِلْبَالِغِينَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أُولَاهُمَا الصِّحَّةُ، نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " مَعَ الْكَرَاهَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي أَنْ أُؤذِّنَ لَهُمْ، وَأَنَا غُلَامٌ لَمْ أَحْتَلِمْ، وَأَنَسٌ شَاهَدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَهَذَا مِمَّا يَظْهَرُ، وَلَا يَخْفَى، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرٌ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، فَصَحَّ أَذَانُهُ كَالْبَالِغِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ، قَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ، لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، فَلَمْ يَحْصُلِ الْإِعْلَامُ بِأَذَانِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفِعْلُهُ نَفْلٌ، وَهُوَ أَوْلَى، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَتَخَرَّجُ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَشَهَادَتِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَاهِقَ يَصِحُّ أَذَانُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. [أَذَانُ الْفَاسِقِ] (وَهَلْ يُعْتَدُّ بِأَذَانِ الْفَاسِقِ) أَيِ: الْعَاصِي، لِأَنَّ الْفِسْقَ لُغَةً: الْعِصْيَانُ، وَالتَّرْكُ لِأَمْرِ اللَّهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ، إِلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَيَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْخُرُوجُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَشَرْعًا: مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الصَّغَائِرِ، وَالْكَبِيرَةُ: مَا فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَالْأَذَانُ الْمُلَحَّنُ) الَّذِي فِيهِ تَطْرِيبٌ، يُقَالُ: لَحَّنَ فِي قِرَاءَتِهِ إِذَا طَرَّبَ بِهَا، وَغَرَّدَ (عَلَى وَجْهَيْنِ) وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ أَذَانُ الْفَاسِقِ، صَحَّحَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " و" الرِّعَايَةِ " وَقَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَصَفَهُ بِالْأَمَانَةِ، وَالْفَاسِقُ غَيْرُ أَمِينٍ، وَكَامرأَةٍ وَخُنْثَى، وَالثَّانِي: صِحَّتُهُ كَالْإِقَامَةِ، لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِصَلَاتِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " مَعَ الْكَرَاهَةِ، فَإِنْ كَانَ مَسْتُورَ الْحَالِ، فَيَصِحُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ أَذَانُ الْمُلَحِّنِ، وَالْمُلَحِّنُونَ مَعَ بَقَاءِ الْمَعْنَى مَعَ الْكَرَاهَةِ، قَالَ الْقَاضِي: كَقِرَاءَةِ الْأَلْحَانِ، قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ أَكْرَهُهُ مِثْلَ التَّطْرِيبِ، وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَذِّنٌ يُطَرِّبُ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إِنَّ الْأَذَانَ سَهْلٌ سَمْحٌ فَإِنْ كَانَ أَذَانُكَ سَهْلًا سَمْحًا، وَإِلَّا فَلَا تُؤَذِّنْ» وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، فَلَوْ أَحَالَ أَحَدَهُمَا مَعْنًى، كَمَا لَوْ نَصَبَ لَامَ " رَسُولُ " لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرًا، أَوْ مَدَّ لَفْظَةَ " أَكْبَرُ "، لِأَنَّهُ يَجْعَلُ فِيهَا أَلِفًا فَيَصِيرُ جَمْعَ كُبَرٍ، وَهُوَ الطَّبْلُ، أَوْ أَسْقَطَ الْهَاءَ مِنَ اسْمِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ بَطَلَ، وَتُكْرَهُ لُثْغَةٌ فَاحِشَةٌ، وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ، لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يَجْعَلُ الشِّينَ سِينًا، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَالْفَصِيحُ أَحْسَنُ وَأَكْمَلُ. [مَا يَقُولُهُ مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ] (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ إِلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] اسْتِحْبَابِهِ لِمَا رَوَى عُمَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا قَالَ: الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الْأَثْرَمُ: هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْجِيَادِ، وَلِأَنَّهُ خِطَابٌ فَإِعَادَتُهُ عَبَثٌ، بَلْ سَبِيلُهُ الطَّاعَةُ، وَسُؤَالُ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَتَكُونُ الْإِجَابَةُ عَقِيبَ كُلِّ كَلِمَةٍ أَيْ: لَا تُقَارَنُ، وَلَا تَتَأَخَّرُ، وَقِيلَ: يُوَافِقُهُ فِي الْحَيْعَلَةِ مَعَ قَوْلِ ذَلِكَ، لِيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ: يَقُولُ كَمَا يَقُولُ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ وَالسَّامِعِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَلَا الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ لِلْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي طَوَافٍ وَقِرَاءَةٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَفُوتُ بِخِلَافِهِمَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُصَلِّي، وَلَوْ نَفْلًا، وَتَبْطُلُ بِالْحَيْعَلَةِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا دُعَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ، فَرِوَايَتَا سَاهٍ، وَلَكِنْ يُجِيبُهُ إِذَا فَرَغَ، قَالَهُ فِي " الْكَافِي " وَكَذَا الْمُتَخَلِّي، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَا يُجِيبُ نَفْسَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَصَرَّحَ آخَرُونَ بِاسْتِحْبَابِهِ كَالسَّامِعِ، وَأَنْ يَقُولَا ذَلِكَ خُفْيَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: تَجِبُ إِجَابَتُهُ لِلْأَمْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ يُجِيبُ ثَانِيًا، وَثَالِثًا حَيْثُ سُنَّ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لَكِنْ لَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَأَجَابَهُ، وَصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَا يُجِيبُ الثَّانِيَ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَدْعُوٍّ بِهَذَا الْأَذَانِ، زَادَ الْمُؤَلِّفُ (الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) وَتَتَبَّعْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْتَهُ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ..   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ فَوَجَدْتُهُ فِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ قَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ، وَإِسْنَادُهُ فِيهِ لِينٌ، وَيَقُولُ فِي التَّثْوِيبِ: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، وَفِي الْإِقَامَةِ عِنْدَ لَفْظِهَا: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا، زَادَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" التَّلْخِيصِ " مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَيَقُولُ ذَلِكَ خُفْيَةً. 1 - فَائِدَةٌ: مَعْنَى لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ: إِظْهَارُ الْفَقْرِ، وَطَلَبُ الْمَعُونَةِ مِنْهُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: أَصْلُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ مِنْ حَالَ الشَّيْءُ، إِذَا تَحَرَّكَ، يَقُولُ: لَا حَرَكَةَ وَلَا اسْتِطَاعَةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَعْنَاهُ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَتِهِ إِلَّا بِمَعُونَتِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا أَحْسَنُ مَا جَاءَ فِيهِ، وَيُقَالُ: لَا حَيْلَ لُغَةٌ، حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَعَبَّرَ عَنْهَا الْأَزْهَرِيُّ بِالْحَوْقَلَةِ، وَتَبِعَهُ فِي " الْوَجِيزِ " عَلَى أَخْذِ الْحَاءِ مِنْ حَوْلَ، وَالْقَافِ مِنْ قُوَّةَ، وَاللَّامِ مِنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى. 1 - (وَيَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ) كُلٌّ مِنَ الْمُؤَذِّنِ وَسَامِعِهِ (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي، وَعَدْتَهُ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ مُعَرَّفَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَلَمْ يُثْبِتْ فِيهِ الدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِهِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ غَيْرُ ذَلِكَ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَدْعُو بِمَا وَرَدَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ حَاجَةً، فَقُولُوا: فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 .. .... .... .... ..   [المبدع في شرح المقنع] أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يَذْكُرِ السَّلَامَ مَعَهُ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِدُونِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلنَّصِّ. تَذْنِيبٌ: (اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ يَا اللَّهُ، وَالْمِيمُ بَدَلٌ مِنْ يَا، قَالَهُ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ يَا اللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ، فَحُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، إِلَّا فِي الضَّرُورَةِ، وَالدَّعْوَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ هِيَ دَعْوَةُ الْأَذَانِ، سُمِّيَتْ تَامَّةً لِكَمَالِهَا، وَعِظَمِ مَوْقِعِهَا، وَسَلَامَتِهَا مِنْ نَقْصٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَصَفَهَا بِالتَّمَامِ، لِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ يُدْعَى بِهَا إِلَى طَاعَتِهِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي تَسْتَحِقُّ صِفَةَ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ، وَمَا سِوَاهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلنَّقْصِ وَالْفَسَادِ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، قَالَ: لِأَنَّهُ مَا مِنْ مَخْلُوقٍ إِلَّا وَفِيهِ نَقْصٌ، وَالصَّلَاةُ الْقَائِمَةُ الَّتِي سَتَقُومُ بِصَلَاتِهَا، وَيُفْعَلُ بِصَلَاتِهَا، وَالْوَسِيلَةُ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ الْمَلِكِ، وَهِيَ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّهُ يَحْمَدُهُ فِيهَا الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبَ الْوُقُوعِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى إِظْهَارُ كَرَامَتِهِ وَعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مُنَكَّرًا فِي الصَّحِيحِ تَأَدُّبًا مَعَ الْقُرْآنِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ «الَّذِي وَعَدْتَهُ» مَنْصُوبًا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، أَوْ مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى يَفْرُغَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ، وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ أَذَانِ الْجُمُعَةِ، لِأَنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَهَمُّ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ، وَلَا يَقُومُ الْقَاعِدُ حَتَّى يَفْرُغَ، أَوْ يَقْرُبَ فَرَاغُهُ، نَصَّ عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ. الثَّانِيَةُ: يُعْمَلُ بِالْأَذَانِ فِي دَارِنَا، وَكَذَا دَارُ حَرْبٍ إِنْ عُلِمَ إِسْلَامُهُ. الثَّالِثَةُ: لَا يُؤَذِّنُ غَيْرُ الرَّاتِبِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ فَيُؤَذِّنَ غَيْرُهُ. الرَّابِعَةُ: يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَعِنْدَ الْإِقَامَةِ، فَعَلَهُ أَحْمَدُ، وَرَفَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَهِيَ مَا يَجِبُ لَهَا قَبْلَهَا، وَهِيَ سِتٌّ: أَوَّلُهَا دُخُولُ الْوَقْتِ، وَالثَّانِي: الطَّهَارَةُ   [المبدع في شرح المقنع] يَدَيْهِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلِلِقَاءِ الزَّحْفِ، وَلِنُزُولِ الْقَطْرِ، وَلِدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَلِلْأَذَانِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. [بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] [دُخُولُ الْوَقْتِ] بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ. الشُّرُوطُ: جَمْعُ شَرْطٍ، كَفُلُوسٍ جَمْعُ فَلْسٍ، وَالشَّرَائِطُ: جَمْعُ شَرِيطَةٍ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْأَشْرَاطُ وَاحِدُ شَرَطٍ بِفَتْحِ الشِّينِ، وَالرَّاءِ، وَسُمِّيَ شَرَطًا، لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] . وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ مَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ، كَالْإِحْصَانِ مَعَ الرَّجْمِ، فَالشَّرْطُ مَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ مَعَ عَدَمِهِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَهُوَ عَقْلِيٌّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ، وَلُغَوِيٌّ: كَإِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَشَرْعِيٌّ: كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الشَّيْءِ إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، وَلَا يَكُونُ مِنْهُ، (وَهِيَ مَا يَجِبُ لَهَا قَبْلَهَا) أَيْ: يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيَسْبِقُهَا، وَيَجِبُ اسْتِمْرَارُهَا فِيهَا، وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَارَقَتِ الْأَرْكَانَ. (وَهِيَ سِتٌّ) كَذَا بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَقِيَاسُهُ سِتَّةٌ بِالْهَاءِ، لِأَنَّ وَاحِدَهَا شَرْطٌ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ يَلْزَمُ الْهَاءُ فِي جَمْعِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: 7] فَكَأَنَّهُ قَالَ: شَرَائِطُ الصَّلَاةِ، وَهِيَ سِتٌّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي " الْهِدَايَةِ " وَالْعُمْدَةِ (أَوَّلُهَا دُخُولُ الْوَقْتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دُلُوكُهَا إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ، وَيُقَالُ: هُوَ غُرُوبُهَا، وَقِيلَ: طُلُوعُهَا، وَهُوَ غَرِيبٌ، قَالَ عُمَرُ: الصَّلَاةُ لَهَا وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لَهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهِ، وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ حِينَ أَمَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، فَالْوَقْتُ سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا تُضَافُ إِلَيْهِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ، وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ، وَهُوَ سَبَبُ نَفْسِ الْوُجُوبِ، إِذْ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ الْخِطَابُ. [الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ] (وَالثَّانِي: الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 مِنَ الْحَدَثِ، وَالصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ خمس: الظُّهْرُ، وَهِيَ الْأُولَى، وَوَقْتُهَا مِنْ زَوَالِ   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. [الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَأَوْقَاتُهَا] [وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ] (وَالصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ خَمْسٌ) فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ غَيْرَهَا لَا يَجِبُ إِلَّا لِعَارِضٍ كَالنَّذْرِ، وَأَمَّا الْوِتْرُ فَسَيَأْتِي، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ، وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ» وَكَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ وَاجِبًا، فَنُسِخَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ، وَكَذَا فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ الْقَفَّالُ فِي " مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ " فِي الْأَرْبَعِ لَطِيفَةٌ حَسُنَ مَعَهَا عَدَمُ الزِّيَادَةِ فِي الْفَرْضِ عَلَيْهَا، وَهِيَ أَنَّكَ إِذَا ذَكَرْتَ آحَادَهَا فَقُلْتَ وَاحِدٌ، وَاثْنَانِ، وَثَلَاثَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ جَمَعْتَ كُلَّ الْأَعْدَادِ، وَجَدْتَهَا عَشَرَةً، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْأَعْدَادِ يَخْرُجُ أَصْلُهُ عَنْ عَشَرَةٍ، وَأَرَادَ بِالْمَفْرُوضَاتِ الْعَيْنِيَّةَ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، لِكَوْنِهَا فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ، نَعَمْ، تَرِدُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، فَإِنَّهَا مَنِ الْمَفْرُوضَاتِ الْعَيْنِيَّةِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ. (الظُّهْرُ) وَاشْتِقَاقُهَا مِنَ الظُّهُورِ، إِذْ هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي وَسَطِ النَّهَارِ، وَالظُّهْرُ لُغَةً: الْوَقْتُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَشَرْعًا اسْمٌ لِلصَّلَاةِ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ وَقْتِهِ. فَقَوْلُنَا: صَلَاةُ الظُّهْرِ أَيْ: صَلَاةُ هَذَا الْوَقْتِ، وَبَدَأَ بِهَا الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِلْخِرَقِيِّ وَمُعْظَمِ الْأَصْحَابِ، لِبَدَاءَةِ جِبْرِيلَ بِهَا لَمَّا صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَدَأَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ بِالْفَجْرِ لِبَدَاءَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَا السَّائِلَ، وَلِأَنَّهَا أَوَّلُ الْيَوْمِ، وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ إِيجَابَهَا كَانَ لَيْلًا، وَأَوَّلُ صَلَاةٍ تُحْضَرُ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ الْفَجْرُ، فَلِمَ لَا بَدَأَ بِهَا جِبْرِيلُ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وُجِدَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِ الْخَمْسِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، إِلَى أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْإِتْيَانَ بِهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى بَيَانِهَا، لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ مُجْمَلَةٌ، وَلَمْ تُبَيَّنْ إِلَّا عِنْدَ الظُّهْرِ، وَالْحِكْمَةُ أَنَّهُ بَدَأَ بِهَا إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ ظَهَرَ أَمْرُهُ، وَسَطَعَ نُورُهُ مِنْ غَيْرِ خَفَاءٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ بِالْفَجْرِ لَخَتَمَ بِالْعِشَاءِ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَهُوَ وَقْتُ خَفَاءٍ فَلِذَلِكَ خَتَمَ بِالْفَجْرِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ ظُهُورٍ، لَكِنْ فِيهِ ضَعْفٌ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ يَضْعُفُ (وَهِيَ الْأُولَى) قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ اسْمُهَا الْمَعْرُوفُ، لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - مُعَلِّمًا لَهُ فِي الْيَوْمَيْنِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْهَجِيرَ لِفِعْلِهَا فِي وَقْتِ الْهَاجِرَةِ. (وَوَقْتُهَا مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الْغَدِ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ» إِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْمَوَاقِيتِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَفِيهِ: «فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ» وَهُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ، وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَبِالْكَافِ، وَهُوَ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ، رُفِعَ لِكُلِّ شَاخِصٍ ظِلٌّ طَوِيلٌ فِي جَانِبِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ تَرْتَفِعُ، فَالظِّلُّ يَنْقُصُ، فَإِذَا انْتَهَتِ الشَّمْسُ إِلَى وَسَطِ السَّمَاءِ، وَهِيَ حَالَةُ الِاسْتِوَاءِ انْتَهَى نُقْصَانُهُ، فَإِذَا زَادَ الظِّلُّ أَدْنَى زِيَادَةٍ فَهُوَ الزَّوَالُ، فَهُوَ إِذًا مَيْلُهَا عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ، وَيَخْتَلِفُ فَيْءُ الزَّوَالِ فَيَطُولُ فِي الشِّتَاءِ، وَيَقْصُرُ فِي الصَّيْفِ، لَكِنْ لَا يَقْصُرُ ظِلُّهُ وَقْتَ الزَّوَالِ فِي بَعْضِ بِلَادِ خُرَاسَانَ لِمَسِيرِ الشَّمْسِ نَاحِيَةً عَنْهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْبِلَادِ تَحْتَ وَسَطِ الْفَلَكِ مِثْلَ مَكَّةَ وَصَنْعَاءَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَطْوَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ لَا ظِلَّ، وَلَا فَيْءَ، كَوَقْتِ الزَّوَالِ، بَلْ يُعْرَفُ الزَّوَالُ هُنَاكَ بِأَنْ يَظْهَرَ لِلشَّخْصِ فَيْءٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَالْأَفْضَلُ تُعْجِيلُهَا، إِلَّا فِي   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ نَحْوِ الْمَشْرِقِ، لِلْعِلْمِ بِكَوْنِهَا قَدْ أَخَذَتْ مُغْرِبَةً، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّهْرِ، وَالْبَلَدِ، فَأَقَلُّ مَا تَزُولُ فِي إِقْلِيمِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الشِّيحِيُّ عَلَى قَدَمٍ وَثُلُثٍ فِي نِصْفِ حُزَيْرَانَ، وَيَتَزَايَدُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ عَشْرَةَ أَقْدَامٍ وَسُدُسٍ فِي نِصْفِ كَانُونَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَكْثَرُ مَا تَزُولُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَإِذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ، فَقِفْ عَلَى مُسْتَوٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَعَلِّمِ الْمَوْضِعَ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ ظِلُّكَ، ثُمَّ ضَعْ قَدَمَكَ الْيُمْنَى بَيْنَ يَدَيْ قَدَمِكَ الْيُسْرَى، وَأَلْصِقْ عَقِبَكَ بِإِبْهَامِكَ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِسَاحَةَ هَذَا الْقَدْرِ بَعْدَ انْتِهَاءِ النَّقْصِ فَهُوَ وَقْتُ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَتَجِبُ بِهِ الظُّهْرُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَشَرَطَ ابْنُ بَطَّةَ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى مُضِيَّ زَمَنٍ يَتَّسِعُ لِأَدَائِهَا حِذَارًا مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الْإِمْكَانِ حَتَّى يُلْزَمَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ بِفِعْلِهِ إِذَا قَدَرَ، كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا آخِرُهُ فَقَالَ: (إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ سِوَى الزَّوَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا سَبَقَ، وَصَلَّاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى حِينَ سَأَلَهُ السَّائِلُ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي: حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، وَقَالَ: «الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: «وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ تَحْضُرِ الْعَصْرُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَتَى يَكُونُ الظِّلُّ مِثْلَهُ؟ قَالَ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَكَانَ الظِّلُّ بَعْدَ الزَّوَالِ مِثْلَهُ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَضْبُطَ مَا زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَنْظُرَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَلَغَتْ قَدْرَ الشَّخْصِ فَقَدِ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ، وَطُولُ الْإِنْسَانِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَثُلُثَانِ بِقَدَمِهِ تَقْرِيبًا، وَعَنْهُ: آخِرُهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَبَيْنَهُمَا وَقْتٌ مُشْتَرَكٌ قَدْرَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، قَالَ أَحْمَدُ: الزَّوَالُ فِي الدُّنْيَا وَاحِدٌ، وَأَنْكَرَ عَلَى الْمُنَجِّمِينَ أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فِي الْبُلْدَانِ، وَمِثْلُهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ. (وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا) لِمَا رَوَى أَبُو بَرْزَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْهَجِيرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْغَيْمِ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً. ثُمَّ الْعَصْرُ وَهِيَ الْوُسْطَى، وَوَقْتُهَا مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الَّتِي تَدْعُونَهَا الْأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ» وَقَالَ جَابِرٌ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِلظُّهْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا مِنْ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَيَحْصُلُ بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِأَسْبَابِ الصَّلَاةِ مِنْ حِينِ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْفُرُوعِ " فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ حِينَئِذٍ مُتَوَانِيًا، وَلَا مُقَصِّرًا، وَذَكَرَ الْأَزَجِّيُّ قَوْلًا: يَتَطَهَّرُ قَبْلَهُ (إِلَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْغَيْمِ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " أَمَّا فِي الْحَرِّ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا مُطْلَقًا إِلَى أَنْ يَنْكَسِرَ، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ: هُوَ أَشْبَهُ بِالِاتِّبَاعِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْكَافِي " وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ "، وَالْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُمْ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إِذَا اشْتَدَّ الْحُرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ: «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ» وَفَيْحُ جَهَنَّمَ هُوَ غَلَيَانُهَا، وَانْتِشَارُ لَهِيبِهَا، وَوَهَجُهَا، وَصَرِيحُهُ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَنْ يُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَطَائِفَةٍ تَعْلِيلًا بِالْمَشَقَّةِ، وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " مَعَ الْخُرُوجِ إِلَى الْجَمَاعَةِ كَوْنَهُ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ، وَمَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ، فَأَمَّا تَأْخِيرُ مَا فِي الْغَيْمِ، فَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالسَّامِرِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الظُّهْرَ، وَيُعَجِّلُونَ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْمُتَغَيِّمِ، وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يُخَافُ مِنْهُ الْعَوَارِضُ مِنَ الْمَطَرِ، وَنَحْوِهِ، فَيَشُقُّ الْخُرُوجُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهُمَا، فَاسْتُحِبَّ تَأْخِيرُ الْأُولَى مِنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ، لِيَقْرُبَ مِنَ الثَّانِيَةِ، لِكَيْ يَخْرُجَ لَهُمَا خُرُوجًا وَاحِدًا طَلَبًا لِلْأَسْهَلِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا، وَعَنْهُ: لَا تُؤَخَّرُ، بَلْ تُعَجَّلُ مَعَ الْغَيْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، و" الْكَافِي " و" التَّلْخِيصِ " إِذْ مَطْلُوبِيَّةُ التَّأْخِيرِ فِي عَامَّةِ الْأَحَادِيثِ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْحَرِّ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ لِكُلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَعَنْهُ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ   [المبدع في شرح المقنع] مُصَلٍّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَيُؤَخَّرُ الظُّهْرُ لَا الْمَغْرِبُ، وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَيُسَنُّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقًا، قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: مَا كُنَّا نُقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ: «كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَتْبَعُ الْفَيْءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَتَأْخِيرُهَا لِمَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إِلَى بَعْدِ صَلَاتِهَا وَلِمَنْ يَرْمِي الْجَمَرَاتِ حَتَّى يَرْمِيَهَا أَفْضَلَ. [وَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ] (ثُمَّ الْعَصْرُ) وَهُوَ الْعَشِيُّ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْعَصْرَانِ الْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ مِثْلَهُ تَقُولُ: فُلَانٌ يَأْتِي فُلَانًا الْعَصْرَيْنِ، وَالْبَرْدَيْنِ: إِذَا كَانَ يَأْتِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ، فَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِاسْمِ وَقْتِهَا (وَهِيَ الْوُسْطَى) مُؤَنَّثُ الْأَوْسَطِ، وَهُوَ وَالْوَسَطُ: الْخِيَارُ، وَفِي صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مِنْ أَوْسَطِ قَوْمِهِ أَيْ: مِنْ خِيَارِهِمْ، وَلَيْسَتْ بِمَعْنَى مُتَوَسِّطَةٍ، لِكَوْنِ الظُّهْرِ هِيَ الْأُولَى بَلْ بِمَعْنَى الْفُضْلَى، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» وَلِمُسْلِمٍ «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ، لِأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الْعَصْرِ، وَقِيلَ: هِيَ الصُّبْحُ، وَقِيلَ: الظُّهْرُ، وَقِيلَ: الْمَغْرِبُ، لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ، وَلَا تُقْصَرُ، وَقِيلَ: هِيَ الْعِشَاءُ، وَقِيلَ: إِحْدَى الْخَمْسِ مُبْهَمَةٌ، وَقِيلَ: جميعها، وقيل الْجُمُعَةُ. (وَوَقْتُهَا مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ) وَهُوَ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ» وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ و" التَّلْخِيصِ " أَنَّ بَيْنَهُمَا وَقْتًا فَاصِلًا، فَلَا تَجِبُ إِلَّا بَعْدَ الزِّيَادَةِ، وَآخِرُ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ (إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ) فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 مِثْلَيْهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ " وَابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَعَنْهُ: إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ) سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ إِنْ كَانَ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَقَالَ: «الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ» وَفِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّ مَا بَيْنَهُمَا وَقْتُ جَوَازٍ، ثُمَّ هُوَ وَقْتُ ضَرُورَةٍ إِلَى غُرُوبِهَا، وَفِي " الْكَافِي " أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ بَقِيَ وَقْتُ الْجَوَازِ إِلَى الْغُرُوبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ " الرَّوْضَةِ " أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَخْرُجُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ (ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ) وَهُوَ الَّذِي يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إِلَى آخِرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَجَزَمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " و " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِمَا الْكَرَاهَةُ (وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ) وَهُوَ الَّذِي تَقَعُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَدَاءً، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهَا بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ (إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْأَحَادِيثِ ذَهَابُ الْوَقْتِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ فِيهَا تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ فِي الْإِدْرَاكِ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَبْقَى إِلَى الْغُرُوبِ فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ. ثُمَّ الْمَغْرِبُ، وَهِيَ الْوِتْرُ، وَوَقْتُهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ إِلَّا فِي الْإِثْمِ، وَعَدَمِهِ، فَالْمَعْذُورُ لَهُ التَّأْخِيرُ، وَغَيْرُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَيَأْثَمُ بِهِ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى أَنَّ الْإِدْرَاكَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ لَهُ ضَرُورَةٌ، كَحَائِضٍ طَهُرَتْ، وَصَبِيٍّ بَلَغَ، وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ، وَنَائِمٍ اسْتَيْقَظَ، وَذِمِّيٍّ أَسْلَمَ، وَألْحقَ ابن عبدوس بِهِ الْخَبَّازُ، وَالطَّبَّاخُ، وَالطَّبِيبُ إِذَا خَشَوْا تَلَفَ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ لَا يُدْرِكُهَا بِذَلِكَ، بَلْ تَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَتَقَعُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءً، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَوَجَّهَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَتَعْجِيلُهَا) فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ (أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ» وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ نَنْحَرُ الْجَزُورَ، ثُمَّ يُقَسَّمُ لَحْمُهَا عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ تُطْبَخُ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَمِنْهَا: مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: «الْوَقْتُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّلَاةِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَالْوَقْتُ الْآخِرُ عَفْوُ اللَّهِ» وَعَنْهُ: مَعَ غَيْمٍ نَقَلَهُ صَالِحٌ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَفْظُ رِوَايَتِهِ: يُؤَخَّرُ الْعَصْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ، آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدِي مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: قَدِ اسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مِنَ الصَّلَوَاتِ مَا لَهُ إِلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ كَالظُّهْرِ، وَالْمَغْرِبِ، وَالْفَجْرِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَمَالَهُ ثَلَاثَةٌ كَالْعَصْرِ، وَالْعِشَاءِ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَجَوَازٍ وَضَرُورَةٍ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ لَهَا وَقْتَ فَضِيلَةٍ، وَوَقْتَ اخْتِيَارٍ عَلَى الْخِلَافِ، وَوَقْتَ جَوَازٍ عَلَى قَوْلٍ، وَوَقْتَ كَرَاهَةٍ أَيْ: تَأْخِيرُهَا إِلَى الِاصْفِرَارِ، وَوَقْتَ تَحْرِيمِ التَّأْخِيرِ إِلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَبْقَى مَا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ، وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ إِلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ لِمَنْ قَصَدَهَا. ثُمَّ الْعِشَاءُ،   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: يُسَنُّ الْجُلُوسُ بَعْدَهَا إِلَى الْغُرُوبِ، وَبَعْدَ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِهَا، وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي بَقِيَّتِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. [وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ] (ثُمَّ الْمَغْرِبُ) وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ غَرَبَتِ الشَّمْسُ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَضَمِّهَا غُرُوبًا، وَمَغْرِبًا، وَيُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ، وَمَكَانِهِ، فَسُمِّيَتْ هَذِهِ بِذَلِكَ لِفِعْلِهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ (وَهِيَ الْوِتْرُ) أَيْ وِتْرُ النَّهَارِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ الْوِتْرَ الْمَشْهُورَ، بَلْ إنَّهَا وِتْرٌ لِكَوْنِهَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ (وَوَقْتُهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ) إِجْمَاعًا لِلْأَحَادِيثِ الْمُسْتَفِيضَةِ بِذَلِكَ، وَغَيْبُوبَةُ الشَّمْسِ سُقُوطُ قُرْصِهَا، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَيْبُوبَةِ الضَّوْءِ الْمُسْتَعْلِي عَلَيْهَا، قُلْتُ: وَيُعْرَفُ الْغُرُوبُ فِي الْعُمْرَانِ بِزَوَالِ الشُّعَاعِ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَإِقْبَالِ الظَّلَامِ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا (إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَقْتٌ لِاسْتِدَامَتِهَا فَكَانَ وَقْتًا لِابْتِدَائِهَا كَأَوَّلِ وَقْتِهَا، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا: لَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ مُضَيَّقٌ مُقَدَّرٌ آخِرُهُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا، وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: هُوَ عُقَيْبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِقَدْرِ مَا يَتَطَهَّرُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَيُؤَذِّنُ، وَيُقِيمُ، وَيُصَلِّي خَمْسَ رَكَعَاتٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَكْلِ لُقَمٍ يَكْسِرُ بِهَا سَوْرَةَ الْجُوعِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ، لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَوْمَيْنِ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَالِاخْتِيَارِ، وَتَأْكِيدِ فِعْلِهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَمَا سَبَقَ عَلَى الْجَوَازِ، مَعَ أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِزِيَادَةٍ، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ فَرْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ، وَأَحَادِيثُنَا بِالْمَدِينَةِ، فَتَكُونُ نَاسِخَةً لِمَا يُخَالِفُهَا عَلَى تَقْدِيرِ التَّعَارُضِ. (الْأَحْمَرِ) كَذَا ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَأَهْلِ اللُّغَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ: «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ، وَلِأَنَّ الشَّمْسَ أَوَّلُ مَا تَغْرُبُ يَعْقُبُهَا شُعَاعٌ، فَإِذَا بَعُدَتْ عَنِ الْأُفُقِ قَلِيلًا زَالَ الشُّعَاعُ، وَبَقِيَتْ حُمْرَةٌ، ثُمَّ تَرِقُّ الْحُمْرَةُ، وَتَنْقَلِبُ صُفْرَةً، ثُمَّ بَيَاضًا عَلَى حَسَبِ الْبُعْدِ، وَعَنْهُ: الشَّفَقُ الْبَيَاضُ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ لِأَخْبَارٍ لَا حُجَّةَ فِيهَا إِنْ صَحَّتْ، وَعَنْهُ: هُوَ الْحُمْرَةُ فِي السَّفَرِ، وَفِي الْحَضَرِ الْبَيَاضُ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ فِي الْحَضَرِ قَدْ تَنْزِلُ الْحُمْرَةُ فَتُوَارِيهَا الْجُدْرَانُ فَيُظَنُّ أَنَّهَا قَدْ غَابَتْ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق: 16] ، وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وغيره: البياض لَا يَغِيبُ إِلَّا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (وَتَعْجِيلُهَا) أَوَّلَ وَقْتِهَا (أَفْضَلُ) إِلَّا لِعُذْرٍ إِجْمَاعًا، لِمَا رَوَى جَابِرٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ» وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ (إِلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ) وَهِيَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ سُمِّيَتْ جَمْعًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا، وَهِيَ لَيْلَةُ عِيدِ الْأَضْحَى (لِمَنْ قَصَدَهَا) أَيْ: لِمُحْرِمٍ قَصَدَهَا، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُهَا لِيُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إِجْمَاعًا، لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي: لَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَحَصَلَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَقْتَ الْغُرُوبِ لَمْ يُؤَخِّرْهَا، وَيُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، وَظَاهِرُهُ تَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ، وَلَوْ مَعَ غَيْمٍ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُسْتَوْعِبِ " و" الْكَافِي " و" التَّلْخِيصِ " وَفِي أُخْرَى يُسَنُّ تَأْخِيرُهَا مَعَهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَوَقْتُهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، وَعَنْهُ: نِصْفِهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ   [المبدع في شرح المقنع] " الْمُحَرَّرِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَهَلْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَصَلٍّ أَوْ لِمَنْ يَخْرُجُ إِلَى الْجَمَاعَةِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعِشَاءِ، وَبِالْمَغْرِبِ أَوْلَى. [وَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ] (ثُمَّ الْعِشَاءُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعَشِيُّ وَالْعَشِيَّةُ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعَتَمَةِ، وَالْعِشَاءُ بِالْكَسْرِ، وَالْمَدِّ مِثْلُهُ، وَهُوَ اسْمٌ لِأَوَّلِ الظَّلَامِ، سُمِّيَتِ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِيهِ، وَيُقَالُ لَهَا: عِشَاءُ الْآخِرَةِ، وَأَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ، وَغَلَّطُوهُ فِي إِنْكَارِهِ (وَوَقْتُهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ) أَيِ: الْمَعْهُودِ، وَهُوَ (الْأَحْمَرُ) إِنْ كَانَ فِي مَكَانٍ يَسْتَتِرُ عَنْهُ الْأُفُقُ بِالْجِبَالِ أَوْ نَحْوِهَا، اسْتَظْهَرَ حَتَّى يَغِيبَ الْبَيَاضُ، فَيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى غَيْبُوبَةِ الْحُمْرَةِ لَا لِنَفْسِهِ، وَيَمْتَدُّ (إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، «لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَعَنْهُ: نِصْفِهِ) أَيْ: يَمْتَدُّ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخَانِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهَا إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وَقْتُ الِاخْتِيَارِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، وَهُوَ الْبَيَاضُ   [المبدع في شرح المقنع] ثُمَّ قَالَ: أَلَا صَلَّى النَّاسُ، وَنَامُوا، أَلَا إِنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا قَالَ: «وَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " و " الشَّرْحِ " أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّوَايَاتِ، وَالزِّيَادَةُ تَعَارَضَتْ فِيهَا الْأَخْبَارُ، وَصَحَّحَهُ الْحُلْوَانِيُّ، لَكِنْ يُقَالُ: ثَبَتَ تَأْخِيرُهَا إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَوْلًا وَفِعْلًا، وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الثُّلُثِ، فَيَكُونُ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى، وَفِي " الْوَجِيزِ ": يُسَنُّ تَأْخِيرُهَا إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ إِنْ سَهُلَ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " وَمَا بَيْنَهُمَا وَقْتُ جَوَازٍ. (ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ) عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ (وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ) أَيِ: الْإِدْرَاكِ (إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، أَنْ تُؤَخَّرَ صَلَاةٌ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْوِتْرِ، وَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْعِشَاءِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ وَقْتًا لَهَا، لِأَنَّ التَّابِعَ إِنَّمَا يُفْعَلُ فِي وَقْتِ الْمَتْبُوعِ كَرَكْعَتِيِ الْفَجْرِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ الضَّرُورَةِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ بِلَا عُذْرٍ، ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا الْكَرَاهَةَ، وَظَاهِرُ " الرَّوْضَةِ " يَخْرُجُ الْوَقْتُ مُطْلَقًا بِخُرُوجِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي " الْوَجِيزِ " لَهَا وَقْتَ ضَرُورَةٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِهِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 الْمُعْتَرِضُ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ، وَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ مَا لَمْ يَشُقَّ. ثُمَّ الْفَجْرُ،   [المبدع في شرح المقنع] الْعَصْرِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ، وَرَوَى سَعِيدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يسْتَحِبُّ تَأْخِيرهَا مُطْلَقًا، قَالَ النَّوَوِيُّ: لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إنَّ تَأْخِيرَهَا إِلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْدِيمِ (وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْمَشْرِقِ، وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى الْفَجْرِ الثَّانِي، وَيُسَمَّى الْمُسْتَطِيرَ، لِانْتِشَارِهِ فِي الْأُفُقِ قَالَ تَعَالَى: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] أَيْ: مُنْتَشِرًا فَاشِيًا ظَاهِرًا، وَالْفَجْرُ الْأَوَّلُ: الْكَاذِبُ الْمُسْتَطِيلُ بِلَا اعْتِرَاضٍ أَزْرَقُ لَهُ شُعَاعٌ، ثُمَّ يُظْلِمُ، وَلِدِقَّتِهِ يُسَمَّى ذَنَبَ السِّرْحَانِ، وَهُوَ الذِّئْبُ، لِأَنَّ الضَّوْءَ يَكُونُ فِي الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ، كَمَا أَنَّ الشَّعْرَ يَكُونُ عَلَى أَعْلَى الذِّئْبِ دُونَ أَسْفَلِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَسْنَوَيْهِ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْفَجْرُ يَطْلُعُ بِلَيْلٍ، وَلَكِنَّهُ يَسْتُرُهُ أَشْجَارُ جِنَانِ عَدْنٍ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ، لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهِ لَنَا، وَلَا يَكْفِي وُجُودُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَتَأْخِيرُهَا) إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ بِحَيْثُ يَفْعَلُهَا فِيهِ (أَفْضَلُ مَا لَمْ يَشُقَّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، لِمَا رَوَى أَبُو بَرْزَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ الْعِشَاءُ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ تُؤَخَّرِ الْمَغْرِبُ لِغَيْمٍ، أَوْ جَمْعٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا شَقَّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَالْأَصَحُّ: أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّخْفِيفِ رِفْقًا بِهِمْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تُؤَخَّرُ، وَلَوْ مَعَ غَيْمٍ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا مَعَهُ، وَهَلْ ذَلِكَ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَوْ لِمَنْ يَخْرُجُ إِلَى الْجَمَاعَةِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، نَعَمْ، وَيَلْتَحِقُ بِمَا ذَكَرَهُ عَادِمُ الْمَاءِ الْعَالِمُ أَوِ الرَّاجِي وُجُودَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ، وَكَذَا تَأْخِيرُهَا لِمُصَلِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وَوَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ، وَعَنْهُ: إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] كُسُوفٍ إِنْ أَمِنَ فَوْتَهَا، وَلَوْ أَمَرَهُ وَالِدُهُ بِتَأْخِيرِهَا لِيُصَلِّيَ مَعَهُ آخَرُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُقَدِّمَ فِي الْكُلِّ إِذَا ظَنَّ مَانِعًا مِنْهَا. فَائِدَةٌ: لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ شِدَّةُ الظُّلْمَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُسَمَّى الْعِشَاءَ. فَرْعٌ: يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا، لِحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: بِلَا مُوقِظٍ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَخَّصَ لِعَلِيٍّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا فِي الْجُمْلَةِ إِلَّا لِشُغْلٍ وَشَيْءٍ يَسِيرٍ، وَالْأَصَحُّ: وَأَهْلٍ وَعِيَالٍ، وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ نَوْمَهُ يَتَأَخَّرُ فَيُخَافُ مِنْهُ تَفْوِيتُ الصُّبْحِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ عَنْ أَوَّلِهِ، أَوْ يَفُوتُهُ قِيَامُ اللَّيْلِ مِمَّنْ يَعْتَادُهُ، وَعَلَّلَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا، وَهَذَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا كَانَ فِي خَيْرٍ كَقِرَاءَةِ حَدِيثٍ، وَمُذَاكَرَةِ فِقْهٍ، وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ، وَإِينَاسِ الضَّيْفِ، لِأَنَّهُ خَيْرٌ نَاجِزٌ، فَلَا يُتْرَكُ لِمَفْسَدَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ. [وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ] (ثُمَّ الْفَجْرُ) سُمِّيَ بِهِ، لِانْفِجَارِ الصُّبْحِ، وَهُوَ ضَوْءُ النَّهَارِ إِذَا انْشَقَّ عَنْهُ اللَّيْلُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ آخِرُ اللَّيْلِ كَالشَّفَقِ فِي أَوَّلِهِ، وَقَدْ أَفْجَرْنَا كَمَا تَقُولُ: قَدْ أَصْبَحْنَا مِنَ الصُّبْحِ، وَهُوَ مُثَلَّثُ الصَّادِ حَكَاهُ ابْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ مَا جَمَعَ بَيَاضًا، وَحُمْرَةً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: وَجْهٌ صَبِيحٌ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَاضٍ وَحُمْرَةٍ، وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِصَلَاةِ الْغَدَاةِ فِي الْأَصَحِّ، وَهِيَ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، نَصَّ عَلَيْهِ (و) أَوَّلُ (وَقْتِهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) إِجْمَاعًا، وَيُسَمَّى الصَّادِقَ، لِأَنَّهُ صَدَقَكَ عَنِ الصُّبْحِ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ (إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وابن عبدوس: يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ بِالْإِسْفَارِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الْإِدْرَاكِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فَعَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 أَسْفَرَ الْمَأْمُومُونَ، فَالْأَفْضَلُ الْإِسْفَارُ. وَمَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مِنْ صَلَاةٍ فِي   [المبدع في شرح المقنع] هَذَا يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ الْإِسْفَارِ بِلَا عُذْرٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: وَبِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ بِحَسَبِهِ. فَائِدَةٌ: وَقْتُ الْفَجْرِ يَتْبَعُ اللَّيْلَ فَيَكُونُ فِي الشِّتَاءِ أَطْوَلَ مِنَ الصَّيْفِ، وَالْعِشَاءِ عَلَى الْعَكْسِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْفَجْرِ فِي الشِّتَاءِ وَفِي الصَّيْفِ، فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا بَيِّنًا بِاتِّفَاقِ النَّاسِ (وَتَعْجِيلُهَا) أَوَّلَ الْوَقْتِ إِذَا تَيَقَّنَهُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ (أَفْضَلُ) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " و" الْمُسْتَوْعِبِ " و" الرِّعَايَةِ " وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ، مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَلَّسَ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ أَسْفَرَ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْفَارِ حَتَّى مَاتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ الْحَازِمِيُّ: إِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُغَلِّسُونَ، وَمُحَالٌ أَنْ يَتْرُكُوا الْأَفْضَلَ، وَهُمُ النِّهَايَةُ فِي إِتْيَانِ الْفَضَائِلِ (وَعَنْهُ: إِنْ أَسْفَرَ الْمَأْمُومُونَ فَالْأَفْضَلُ الْإِسْفَارُ) وَهُوَ الَّذِي فِي التَّحْقِيقِ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ " قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: الْعَمَلُ عَلَيْهَا، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ الْقَاضِي: نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ، وَالْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْعِشَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْفَجْرِ مِثْلَهُ، وَلَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَغَلِّسْ بِالْفَجْرِ، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ فَأَسْفِرْ، فَإِنَّ اللَّيْلَ قَصِيرٌ، وَالنَّاسُ يَنَامُونَ» رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ فِي " مَغَازِيهِ "، وَالْبَغْوِيُّ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " وَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ حَالِ الْمَأْمُومِينَ كُلِّهِمْ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ وَالْجَدُّ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ، وَعَنْهُ: الْإِسْفَارُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا لِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وَقْتِهَا، فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَمَنْ شَكَّ فِي الْوَقْتِ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] الْقَعْنَبِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ، وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُمَا كَانَا يُسْفِرَانِ بِهَا. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْحَاجُّ بِمُزْدَلِفَةَ، لَكِنْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ أَنَّ مَعْنَى الْإِسْفَارِ أَنْ يُضِيءَ الْفَجْرُ فَلَا يُشَكُّ فِيهِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَسْفَرَ الصُّبْحُ أَيْ: أَضَاءَ يُقَالُ: أَسْفَرَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ وَجْهِهَا إِذَا كَشَفَتْهُ، وَأَظْهَرَتْهُ. [مَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مِنْ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا] (وَمَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مِنْ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا فَقَدْ أَدْرَكَهَا) جَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " و" الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، أَوْ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ: «فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» ، وَكَإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ وَالْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُدْرِكُهَا بِإِدْرَاكِ أَيِّ جُزْءٍ كَانَ، قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَهَا لِعُذْرٍ كَحَائِضٍ تَطْهُرُ، وَمَجْنُونٍ يُفِيقُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهَا، وَعَنْهُ: لَا يُدْرِكُ بِدُونِ رَكْعَةٍ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وصححها الحلواني لِتَخْصِيصِ الشَّارِعِ الْإِدْرَاكَ بِالرَّكْعَةِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَالْجُمُعَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ كُلَّهَا أَدَاءٌ، إِذَا وَقَعَ بَعْضُهَا خَارِجَ الْوَقْتِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ صَلَّى دُونَ رَكْعَةٍ، وَلِهَذَا يَنْوِيهِ، وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مُخْبِرٌ عَنْ يَقِينٍ، قَبِلَ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ ظَنٍّ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَمَتَى   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْمَعْذُورِ اعْتِبَارًا بِالتَّحْرِيمَةِ، وَقِيلَ: قَضَاءٌ، اعْتِبَارًا بِالسَّلَامِ، فَإِنَّهُ وَقْتُ سُقُوطِ الْفَرْضِ، وَقِيلَ: الْخَارِجُ عَنِ الْوَقْتِ، وَلَا تَبْطُلُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا، وَهُوَ فِيهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَجْرِ، لِوُجُوبِهَا كَامِلَةً، فَلَا تُؤَدَّى نَاقِصَةً، وَمِثْلُهُ عَصْرُ أَمْسِهِ تَغْرُبُ، وَهُوَ فِيهَا. [مَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ] (وَمَنْ شَكَّ فِي) دُخُولِ (الْوَقْتِ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِهِ، فَلَوْ صَلَّى مَعَ الشَّكِّ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ أَصَابَ، كَمَا لَوْ صَلَّى مَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: مَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ مَعَ مَا يُنَافِيهِ، لَا مَعَ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ عَمْدًا، أَوْ جَهْلًا أَوْ سَهْوًا، فَسَدَ فَرْضُهُ وَنَفْلُهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، فَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ كَمَنْ لَهُ صَنْعَةٌ جَرَتْ عَادَتُهُ بِعَمَلِ شَيْءٍ مُقَدَّرٍ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، أَوْ قَارِئٍ جَرَتْ عَادَتُهُ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ فَقَرَأَهُ، جَازَتْ صَلَاتُهُ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ اجْتِهَادِيٌّ، فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَبْنُونَ أَمْرَ الْفِطْرِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَلَا يُعِيدُ بِحَالٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " إِلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّ صَلَاتَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَأَمَّا إِذَا تَيَقَّنَ كَالْعَالِمِ بِالْمَوَاقِيتِ وَدَقَائِقِ السَّاعَاتِ، وَسَيْرِ الْكَوَاكِبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ، وَلَا مَانِعَ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى، وَقِيلَ: إِنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ لَمْ يَعْمَلْ بِالظَّنِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ (فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ) أَيْ: بِدُخُولِ الْوَقْتِ (مُخْبِرٌ) ثِقَةٌ (عَنْ يَقِينٍ) عِلْمٍ بِأَنْ قَالَ: رَأَيْتُ الْفَجْرَ طَالِعًا، وَالشَّفَقَ غَارِبًا (قَبِلَ قَوْلَهُ) لِأَنَّ خَبَرَهُ مَعَ الثِّقَةِ يُفِيدُ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ أَشْبَهَ الرِّوَايَةَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْيَقِينُ (وَإِنْ كَانَ عَنْ ظَنٍّ لَمْ يَقْبَلْهُ) لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ، وَتَحْصِيلِ مِثْلِ ظَنِّهِ أَشْبَهَ حَالَ اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ، زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ: إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ، وَالْأَعْمَى وَالْمَطْمُورُ الْقَادِرَانِ عَلَى التَّوَصُّلِ بِالِاسْتِدْلَالِ كَالْبَصِيرِ الْقَادِرِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي إِمْكَانِ التَّقْدِيرِ بِمُرُورِ الزَّمَانِ، فَإِنْ كَانَ الْأَعْمَى عَاجِزًا عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِنَفْسِهِ، قَلَّدَ بَصِيرًا عَالِمًا بِهِ، فَإِنْ عَدِمَ مَنْ يُقَلِّدُهُ فَاجْتَهَدَ، وَصَلَّى أَعَادَ إِنْ أَخْطَأَ، وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَسَيَأْتِي، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعِيدُ مُطْلَقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 اجْتَهَدَ وَصَلَّى فَبَانَ أَنَّهُ وَافَقَ الْوَقْتَ، أَوْ مَا بَعْدَهُ، أَجْزَأَهُ، وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ. وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ جُنَّ أَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ، لَزِمَهُم   [المبدع في شرح المقنع] تَذْنِيبٌ: إِذَا سَمِعَ أَذَانَ ثِقَةٍ عَارِفٍ بِالْوَقْتِ فَلَهُ تَقْلِيدُهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَجَرَى مَجْرَى خَبَرِهِ، وَلِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ تَمِيمٍ: لَا يَعْمَلُ بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يَعْلَمَ إِسْلَامَهُ، وَفِي كِتَابِ أَبِي الْمَعَالِي، و" الرِّعَايَةِ ": لَا أَذَانَ فِي غَيْمٍ، لِأَنَّهُ عَنِ اجْتِهَادٍ، وَيَجْتَهِدُ هُوَ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْوَقْتَ بِالسَّاعَاتِ، أَوْ تَقْلِيدِ عَارِفٍ عَمِلَ بِهِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ مَعَ إِمْكَانِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ. قُلْتُ: مِنَ الْأَمَارَاتِ صِيَاحُ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ، وَكَثْرَةُ الْمُؤَذِّنِينَ. (وَمَتَى اجْتَهَدَ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي الْمَجْهُودِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " الِاجْتِهَادُ التَّامُّ: أَنْ يَبْذُلَ الْوُسْعَ فِي الطَّلَبِ إِلَى أَنْ يُحِسَّ مِنْ نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ عَنْ مَزِيدِ طَلَبٍ (وَصَلَّى فَبَانَ أَنَّهُ وَافَقَ الْوَقْتَ) أَجْزَأَهُ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَقَعَتِ الْمَوْقِعَ، لِكَوْنِهِ أَدَّى مَا خُوطِبَ بِهِ، وَفُرِضَ عَلَيْهِ (أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَقَعُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَاءً، وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْفَرْضِ، وَمُجْزِئٌ عَنْهُ (وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئُهُ) لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، وَتَكُونُ نَفْلًا، صَرَّحَ بِهِ فِي (" الْوَجِيزِ ") و (" الرِّعَايَةِ ") وَكَذَا إِذَا ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً فَأَحْرَمَ بِهَا، فَبَانَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ أَعَادَ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا بُدَّ مِنَ الْفَرْقِ فِيمَا إِذَا اجْتَهَدَ فِي الْقِبْلَةِ، وَصَلَّى فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ بِخِلَافِ الِاجْتِهَادِ فِي الْوَقْتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ المجتهد فِي الْقِبْلَةِ أَدَّى الصَّلَاةَ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، وَفِي الْوَقْتِ أَدَّاهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا، ثُمَّ تَجَدَّدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ تَحْصِيلَ الْيَقِينِ فِي الْوَقْتِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَفِي الْآخَرِ نَظَرٌ. [مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ] (وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْوَقْتِ) وَهُوَ مُكَلَّفٌ (قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ) أَيْ: تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَلَكِنْ أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ، فَلِهَذَا قِيلَ: يُجْزِئُ (ثُمَّ) طَرَأَ مَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْهُ، كَمَا إِذَا (جُنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الْقَضَاءُ، وَإِنْ بَلَغَ صَبِيٌّ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ، لَزِمَهُمُ الصُّبْحُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، لَزِمَهُمُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَزِمَهُمُ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ،   [المبدع في شرح المقنع] أَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ لَزِمَهُمُ الْقَضَاءُ) ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي (" الْوَجِيزِ ") لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ سُقُوطِهَا، وَكَآخِرِ الْوَقْتِ، وَكَالَّتِي أَمْكَنَ أَدَاؤُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَكِنَّ إِدْرَاكَ جُزْءٍ مِنَ الْوَسَطِ كَذَلِكَ، وَعَنْهُ: إِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَ مِنْهُ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ بَطَّةَ، كَمَا لَوْ طَرَأَ الْعُذْرُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ، وَفِي وُجُوبِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاتَيِ الْجَمْعِ بِوُجُوبِ الْأُولَى رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ، وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا، كَمَا لَوْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَالثَّانِيَةُ لَا، وَهِيَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ وَقْتِهَا، وَلَا وَقْتَ تَبِعَهَا، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا، بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهَا تُفْعَلُ تَبَعًا لِلْأُولَى، فَمُدْرِكُ وَقْتِهَا مُدْرِكٌ لِجُزْءٍ مِنْ وَقْتٍ تَبِعَ الْأُولَى (وَإِنْ) طَرَأَ تَكْلِيفٌ بِأَنْ (بَلَغَ صَبِيٌّ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وَلَوْ (بِقَدْرِ تكبيرة) وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ كَبَعْضِ تَكْبِيرَةٍ، وَفِي (" الْفُرُوعِ ") وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي حِكَايَةُ الْقَوْلِ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ حِكَايَةُ الْقَوْلِ بِرَكْعَةٍ، فَتَكُونُ فَائِدَةُ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لَزِمَهُمُ الصُّبْحُ) أَيْ: صَلَاةُ الصُّبْحِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: «مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنَ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» فَقَوْلُهُ: سَجْدَةً أَيْ: مِقْدَارُ سَجْدَةٍ (وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَهُمُ الظُّهْرُ، وَالْعَصْرُ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، وَالْأَثْرَمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُمَا قَالَا: إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ صَلَّتِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَإِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ صَلَّتِ الْمَغْرِبَ وَالْعَشَاءَ، وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَفِي الْإِسْنَادِ ضَعْفٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، قَالَ أَحْمَدُ: عَامَّةُ التَّابِعِينَ يَقُولُونَ بِهِ إِلَّا الْحَسَنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وَمَنْ فَاتَتْهُ صلوات لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا، عَلَى الْفَوْرِ مُرَتَّبًا، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، فَإِنْ خَشِيَ   [المبدع في شرح المقنع] وَحْدَهُ قَالَ: لَا تَجِبُ إِلَّا الصَّلَاةُ الَّتِي طَهُرَتْ فِيهَا، لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى حَالَ الْعُذْرِ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ الْمَعْذُورُ لَزِمَهُ فَرْضُهَا كَمَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الثَّانِيَةِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ تَجِبُ بِهِ الثَّانِيَةُ فَوَجَبَتْ بِهِ الْأُولَى، كَالرَّكْعَةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَتَّسِعْ لِفِعْلِهَا، وَقَدْرُ مَا تَجِبُ بِهِ الثَّانِيَةُ، وَلَا يُعْتَبَرُ زَمَنٌ يَتَّسِعُ لِلطَّهَارَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَزِمَهُمُ الْمَغْرِبُ وَالْعَشَاءُ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَعَلَّلَ أَبُو الْخَطَّابِ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ عَصْرُ يَوْمِهِ لَزِمَهُ ظُهْرُ يَوْمِهِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَ قَبْلَ الْغُرُوبِ. [مَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ] (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ) بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا) وِفَاقًا، وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ: إِنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ لَا يَقْضِي، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَحَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ عَنِ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ، وَحِكْمَتُهُ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ (عَلَى الْفَوْرِ) فِي الْمَنْصُوصِ إِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَوَقْتُهَا إِذَا ذَكَرَهَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ، فَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ الذِّكْرِ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا تَحَوَّلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَصْحَابِهِ لَمَّا نَامُوا، وَقَالَ: «إِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ» ، لِأَنَّهُ سُنَّةٌ كَفِعْلِ سُنَّةٍ قَبْلَ الْفَرْضِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِفَرْضٍ صَحِيحٍ، كَانْتِظَارِ رُفْقَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ لِلصَّلَاةِ (مُرَتِّبًا) عَلَى الْأَصَحِّ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَصَلَّاهَا بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُعِدِ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ لْيُعِدِ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَلِأَنَّهَا صلوات مُؤَقَّتَاتٌ، فَوَجَبَ التَّرْتِيبُ فِيهَا كَالْمَجْمُوعَتَيْنِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، فَظَاهِرُهُ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ الْعُذْرِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ إِذَا وَجَبَتِ الْفَوْرِيَّةُ، وَالتَّرْتِيبُ عَلَى الْمَعْذُورِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالنِّسْيَانِ، لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ، قَالَهُ فِي " الْمُبْهِجِ ": لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] كُلَّ وَاحِدة عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَالْأَدَاءُ إِنَّمَا كَانَ وَاجِبًا فِي الْأَوَّلِ لِضَرُورَةِ الْوَقْتِ كَالصَّوْمِ، وَأَسْقَطَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعِ الْفَوْرِيَّةِ، وَالتَّرْتِيبَ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: التَّرْتِيبُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا، فَلَوْ أَخَلَّ بِهِ لَمْ يَصِحَّ كَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ، وَلَا يُعْتَبَرُ لِلصِّحَّةِ. مَسْأَلَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَائِتَةَ جَمَاعَةً، وَمَنْ شَكَّ فِيمَا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ شَكَّ فِي زَمَنِ الْوُجُوبِ قَضَى مَا يَعْلَمُ وُجُوبَهُ، وَإِنْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَضَى مَا يَعْلَمُ بِهِ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ. (قَلَّتِ) الْفَوَائِتُ (أَوْ كَثُرَتْ) لِأَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْكَثْرَةِ، كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا، لَكِنْ إِذَا قَلَّتِ الْفَوَائِتُ قَضَاهَا بِسُنَنِهَا، وَإِنْ كَثُرَتْ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَرْضِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ سُنَّةَ الْفَجْرِ، وَقَالَ: لَا يُهْمِلُهَا، وَقَالَ فِي الْوِتْرِ: إِنْ شَاءَ قَضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ فَلَا، وَنَقَلَ مُهَنَّا: يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ لَا الْوِتْرَ؛ لِأَنَّهُ دُونَهَا، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: يَقْضِي السُّنَنَ وَالْوِتْرَ كَمَا يَقْضِي غَيْرَهُ مِنَ الرَّوَاتِبِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ نَفْلٌ مُطْلَقٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَحْرِيمِهِ، كَأَوْقَاتِ النَّهْيِ، وَكَذَا يَتَخَرَّجُ فِي النَّفْلِ الْمُبْتَدَأِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ أَوْ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِ الْمُؤَدَّاةِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، وَتَحْرِيمِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ عَجَزَ فَمَاتَ بَعْدَ التَّوْبَةِ غُفِرَ لَهُ، قَالَ: وَلَا تَسْقُطُ بِحَجٍّ، وَلَا تَضْعِيفِ صَلَاةٍ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ. (فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ) سَقَطَ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ فِي الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ، لِئَلَّا تَصِيرَا فَائِتَتَيْنِ، وَفِعْلُ الْحَاضِرَةِ آكُدُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا بِخِلَافِ الْفَائِتَةِ، وَلِأَنَّ تَرْكَ التَّرْتِيبِ أَيْسَرُ مِنْ تَرْكِ الْوَقْتِ، وَعَنْهُ: لَا يَسْقُطُ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، لِأَنَّهُ تَرْتِيبٌ فَلَمْ يَسْقُطْ بِضِيقِ الْوَقْتِ كَتَرْتِيبِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِذَا كَثُرَتِ الْفَوَائِتُ بِحَيْثُ لَا يَتَّسِعُ لَهَا وَقْتُ الْحَاضِرَةِ صَلَّى الْحَاضِرَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ، أَوْ نَسِيَ التَّرْتِيبَ، سَقَطَ وُجُوبُهُ.   [المبدع في شرح المقنع] حَفْصٍ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْإِخْلَالِ بِالتَّرْتِيبِ، فَفَعَلَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِتَحْصُلَ فَضِيلَةُ الْوَقْتِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً، فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ مَعْرِفَةُ آخِرِ الْوَقْتِ فِي حَقِّ أَكْثَرِ النَّاسِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: الْمُرَادُ بِفَوَاتِ الْحَاضِرَةِ ضِيقُ وَقْتِهَا حَتَّى لَا يَتَّسِعَ لِفِعْلِهِمَا جَمِيعًا، وَقِيلَ: مَا لَا يَتَّسِعُ لِفِعْلِ الْفَائِتَةِ، وَإِدْرَاكِ الْحَاضِرَةِ، وَهَلْ خُرُوجُ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ كَخُرُوجِ الْوَقْتِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، وَلَا يَشْتَغِلُ عَنِ الْحَاضِرَةِ بِالْقَضَاءِ، فَإِنْ خَالَفَ، وَقَضَى صَحَّ، نُصَّ عَلَيْهِ، لَا نَافِلَةَ فِي الْأَصَحِّ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاضِرَةِ أَنْ تَكُونَ جُمْعَةً أَوْ غَيْرَهَا، فَإِنَّ خَوْفَ فَوْتِ الْجُمْعَةِ، كَضِيقِ الْوَقْتِ فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ، نُصَّ عَلَيْهِ، فَيُصَلِّي الْجُمْعَةَ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَعَنْهُ: لَا يَسْقُطُ. قَالَ جَمَاعَةٌ: لَكِنْ عَلَيْهِ فِعْلُ الْجُمْعَةِ فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ يَقْضِيهَا ظُهْرًا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَائِتَةُ الْإِمَامَ فِي الْجُمْعَةِ، وَصَّلَاهَا مَعَ ذِكْرِهِ، فَإِنْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِضِيقِ الْوَقْتِ صَحَّتِ الْجُمْعَةُ، وَقَضَى مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْقُطُ أَعَادَ الْجُمْعَةَ إِنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، فَإِنْ ذَكَرَ الْفَائِتَةَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ بِالْجُمْعَةِ اسْتَنَابَ فِيهَا، وَقَضَى الْفَائِتَةَ، فَإِنْ أَدْرَكَ الْجُمْعَةَ مَعَ نَائِبِهِ، وَإِلَّا صَلَّى ظُهْرًا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَصَلَّى بِهِمْ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ، ثُمَّ يَأْتِي بِمَا يُدْرِكُ بِهِ الْجُمْعَةَ، وَهُوَ أَشْبَهُ (أَوْ نَسِيَ التَّرْتِيبَ) بَيْنَ فَوَائِتَ حَالَ قَضَائِهَا، أَوْ بَيْنَ حَاضِرَةٍ وَفَائِتَةٍ حَتَّى فُرِغَ مِنْهَا (سَقَطَ وَجُوبُهُ) وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ» وَلِأَنَّ الْمَنْسِيَّةَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَمَارَةٌ، فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهَا النِّسْيَانُ، كَالصِّيَامِ، وَعَنْهُ: لَا تَسْقُطُ مَعَ النِّسْيَانِ كَالْمَجْمُوعَتَيْنِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمَا إِذْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْجَمْعِ، وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ مَعَ النِّسْيَانِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ الْفَائِتَةَ، ثُمَّ نَسِيَهَا، أَوْ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا ذِكْرٌ، وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِخَشْيَةِ فَوَاتِ الْجَمَاعَةِ فِي الْحَاضِرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا بِالْجَهْلِ بِوُجُوبِهِ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَلِأَنَّهُ اعْتَقَدَ بِجَهْلِهِ خِلَافَ الْأَصْلِ، وَهُوَ التَّرْتِيبُ، فَلَمْ يُعْذَرْ. فَلَوْ صَلَّى الظَّهْرَ، ثُمَّ الْفَجْرَ جَاهِلًا، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا، صَحَّتْ عَصْرُهُ لِاعْتِقَادِهِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ، كَمَنْ صَلَّاهَا، ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَهُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ، وَسَتْرُهَا عَنِ النَّظَرِ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَاجِبٌ، وَعَوْرَةُ   [المبدع في شرح المقنع] وُضُوءٍ، أَعَادَ الظُّهْرَ، وَإِنْ نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ وَجَهِلَ السَّابِقَةَ فَعَنْهُ: يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ، ثُمَّ بِالْعَصْرِ اعْتِبَارًا بِالتَّرْتِيبِ الشَّرْعِيَّ، وَعَنْهُ: يَتَحَرَّى فَإِنِ اسْتَوَيَا، فَعَنْهُ بِمَا شَاءَ، وَعَنْهُ: يُصَلِّي ظُهْرَيْنِ بَيْنَهُمَا عَصْرًا، أو بِالْعَكْسِ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهُوَ الْقِيَاسُ. فَرْعٌ: إِذَا ذَكَرَ فَائِتَةً فِي حَاضِرَةٍ، أَتَمَّهَا غَيْرُ الْإِمَامِ، وَعَنْهُ: نَفْلًا، وَقِيلَ: فَرْضًا، وَعَنْهُ: تَبْطُلُ، وَإِنْ نَسْيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ يَجْهَلُ عَيْنَهَا صَلَّى خَمْسًا، نُصَّ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ، وَعَنْهُ: فَجْرًا، ثُمَّ مَغْرِبًا، ثُمَّ رُبَاعِيَّةً، وَإِنْ تَرَكَ عَشْرَ سَجَدَاتٍ مِنْ صَلَاةٍ شَهْرًا، قَضَى صَلَاةَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لِجَوَازِ تَرْكِهِ كُلَّ يَوْمٍ سَجْدَةً، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. [بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ] [تَعْرِيفُ الْعَوْرَةِ وَحُكْمُ سَتْرِهَا] بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ الْعَوْرَةُ فِي اللُّغَةِ: النُّقْصَانُ، وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْبَحُ، وَمِنْهُ كَلِمَةُ عَوْرَاءَ أَيْ: قَبِيحَةٌ، فَهِيَ سَوْءَةُ الْإِنْسَانِ، وَكُلُّ مَا يُسْتَحْيَى مِنْهُ، وَسُمِّيَتْ عَوْرَةً لِقُبْحِ ظُهُورِهَا، ثُمَّ إِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى مَا يَجِبُ سَتْرُهَا فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَعَلَى مَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَسَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ (وَهُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى فَسَادِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَ ثَوْبَهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِتَارِ بِهِ، أَوْ صَلَّى عُرْيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بِسَبَبٍ خَاصٍّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ الْبَالِغُ، وَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا» ، فَالصَّلَاةُ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَعْلَى، وَآكَدُ مِنْهُ. وَالْأَحْسَنُ فِي الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يُقَالَ: انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنِ الصَّلَاةِ مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَالنَّهْيُ فِي الْعِبَادَاتِ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ، وَهَذَا مَحَلُّهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا. (وَسَتْرُهَا) لَا مِنْ أَسْفَلَ، وَالْأَظْهَرُ: بَلَى إِنْ تَيَسَّرَ النَّظَرُ (عَنِ النَّظَرِ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ) أَيْ: السَّوَادُ، وَالْبَيَاضُ (وَاجِبٌ) لِأَنَّ السَّتْرَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ فَدَلَّ [عَلَى] أَنَّهُ إِذَا وَصَفَ بَيَاضَ الْجِلْدِ أَوْ حُمْرَتَهُ فَلَيْسَ بِسَاتِرٍ، وَإِذَا سَتَرَ اللَّوْنَ، وَوَصَفَ الْخِلْقَةَ أَيْ: حَجْمَ الْعُضْوِ، صَحَّتِ الصَّلَاةُ فِيهِ، لِأَنَّ الْبَشَرَةَ مَسْتُورَةٌ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ السَّاتِرُ صَفِيقًا، وَيَكْفِي نَبَاتٌ، وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ: لَا يَكْفِي حَشِيشٌ مَعَ وُجُودِ ثَوْبٍ، وَيَكْفِي مُتَّصِلٌ بِهِ كَيَدِهِ، وَلِحْيَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي لُزُومِ طِينٍ، وَمَاءٍ كَدِرٍ لِعُدْمٍ وَجْهَانِ، لَا بَارِيَةٌ وَحَصِيرٌ، وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يَضُرُّ، وَلَا حَفِيرَةٌ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ الطِّينُ لَا الْمَاءُ، وَيَكُونُ مِنْ فَوْقَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ سَتْرُهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَجِبُ سَتْرُهَا مُطْلَقًا حَتَّى خَلْوَةً عَنْ نَظَرِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ يَحْرُمُ كَشْفُهَا خَلْوَةً بِلَا حَاجَةٍ فَيَحْرُمُ نَظَرُهَا، لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِكَشْفِهَا الْمُحَرَّمِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَمْ أَجِدْ تَصْرِيحًا بِخِلَافِ هَذَا لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ نَظَرُ عَوْرَتِهِ حَيْثُ جَازَ كَشْفُهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ هُوَ، وَلَا لَمْسُهَا اتِّفَاقًا، وَقَدْ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِذَا وَجَبَ سَتْرُهَا فِي الصَّلَاةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنِ الْأَجَانِبِ، فَهَلْ يَجِبُ عَنْ نَفْسِهِ إِذَا خَلَا؛ فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَجِبُ السَّتْرُ عَنِ الْمَلَائِكَةِ، وَالْجِنِّ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ، وَقَوْلُهُ: وَاجِبٌ مُطْلَقًا إِلَّا لِضَرُورَةٍ كَتَدَاوٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 الرَّجُلِ وَالْأَمَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا الْفَرْجَانِ، وَالْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ، إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] وَنَحْوِهِ، أَوْ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَلِأَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ أَوْ هِيَ لِسَيِّدِهَا. [عَوْرَةُ الرَّجُلِ وَالْأَمَةِ] (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ، وَالْأَمَةِ: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ، وَالرُّكْبَةِ) نَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ مَا ذَكَرَهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ» رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ نَكَارَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَنْ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ، وَقَدِ انْكَشَفَتْ فَخِذِي، فَقَالَ: غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمَا، وَفِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَكَذَا مَنْ بَلَغَ عَشْرًا فِي الْأَصَحِّ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَذَكَرَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، أَنَّ عَوْرَتَهَا كَالرَّجُلِ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ، فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إِلَى رُكْبَتِهِ عَوْرَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، يُرِيدُ بِهِ الْأَمَةَ، فَإِنَّ الْأَجِيرَ وَالْعَبْدَ لَا يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِالتَّزْوِيجِ وَعَدَمِهِ، وَكَانَ عُمَرُ يَنْهَى الْإِمَاءَ عَنِ التَّقَنُّعِ، وَقَالَ: إِنَّمَا الْقِنَاعُ لِلْحَرَائِرِ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرُّكْبَةَ وَالسُّرَّةَ لَيْسَتَا مِنَ الْعَوْرَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَعَنْهُ: وَالرُّكْبَةُ لِخَبَرٍ ضَعِيفٍ، وَعَنْهُ: وَهُمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. (وَعَنْهُ: أَنَّهَا الْفَرْجَانِ) نَقَلَهَا عَنْهُ مُهَنَّا، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ فِي الرَّجُلِ، قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الْفُرُوعِ ": وَهَذَا أَظْهَرُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ، حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ: «فَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخْذِ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَاشِفٌ فَخْذَيْهِ لَمْ يُغَطِّهِمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَرَّجٍ، فَلَمْ يَكُنْ عَوْرَةً كَالسَّاقِ، وَسَمَّى الشَّارِعُ الْفَخِذَ عَوْرَةً لِتَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَرْهَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفَخِذُ عَوْرَةٌ» وَقَالَ أَنَسٌ: «حَسَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِزَارَ عَنْ فَخْذِهِ» وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَقَدْ جَاءَتْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ فِيهَا: أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ، وَلَمْ يُضَادَّهَا أَثَرٌ صَحِيحٌ، وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُشَارَكَةُ الْأَمَةِ لِلرَّجُلِ فِيهَا، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: لَمْ أَجِدْ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا بِأَنَّ عَوْرَةَ الْأَمَةِ الْفَرْجَانِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَئِمَّةً مِنَ الْأَثْبَاتِ قَدْ نَقَلُوهَا مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَعَنْهُ: مَا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا، اخْتَارَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْمَجْدُ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ غَالِبًا، أَشْبَهَ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ، وَقِيلَ: الْبَرْزَةُ كَالرَّجُلِ دُونَ الْخَفْرَةِ، وَقِيلَ: مَا عَدَا رَأْسَهَا عَوْرَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يُسَنُّ سَتْرُ رَأْسِهَا فِي الصَّلَاةِ. فَرْعٌ: إِذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ، وَوَجَدَتْ سُتْرَةً كَالْعُرْيَانِ يَجِدُهَا، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ، وَلَمْ تَعْلَمْ بِوُجُوبِ السَّتْرِ؛ فَصَلَاتُهَا بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ شَرْطَ الصَّلَاةِ لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالْجَهْلِ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ سُتْرَةً أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا، وَلَا إِعَادَةَ. [عَوْرَةُ الْحُرَّةِ] (وَالْحُرَّةُ) الْبَالِغَةُ (كُلُّهَا عَوْرَةٌ) حَتَّى ظُفْرُهَا، نُصَّ عَلَيْهِ، ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الْوَجْهَ، وَفِي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعَتَقِ بَعْضُهَا كَالْأَمَةِ، وَعَنْهُ: كَالْحُرَّةِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؛ قَالَ: إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَ عَبْدُ الْحَقِّ، وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَرَأْسِهَا وَسَاقِهَا فَإِنَّهَا بِالْإِجْمَاعِ (إِلَّا الْوَجْهَ) لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ كَشْفُ وَجْهِهَا فِي الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَقَدْ أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ جَمِيعَهَا عَوْرَةٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عَدَا الْوَجْهَ، أَوْ عَلَى غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ رِوَايَةَ أَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عَكْسَهَا إِجْمَاعًا (وَفِي الْكَفَّيْنِ) ظَهْرًا وَبَطْنًا إِلَى الْكُوعَيْنِ (رِوَايَتَانِ) الْأُولَى، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، سَبَقَ حُكْمُهَا، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنَ الْعَوْرَةِ كَالْوَجْهِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ و" الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةُ: وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ سَتْرُهُمَا فِي الْإِحْرَامِ كَمَا يَحْرُمُ سَتْرُ الْوَجْهِ، وَيَظْهَرَانِ غَالِبًا، وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى كَشْفِهِمَا لِلْبَيْعِ، وَغَيْرِهِ كَالْوَجْهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْقَدَمَيْنِ أَيْضًا. هَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ أَمَّا غَيْرُ الْبَالِغَةِ، كَالْمُرَاهِقَةِ وَالْمُمَيِّزَةِ فَكَالْأَمَةِ، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْمُؤَلِّفِ يُخَالِفُهُ (وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالْأَمَةِ) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " و" الْفُرُوعِ " لِأَنَّ الرِّقَّ بَاقٍ فِيهِمَا، وَالْمُقْتَضِي لِلسَّتْرِ بِالْإِجْمَاعِ هُوَ الْحُرِّيَّةُ الْكَامِلَةُ، وَلَمْ تُوجَدْ فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَكَوْنُهُمَا لَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ فِيهِمَا لَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ حُكْمِ الْإِمَاءِ كَالْمَوْقُوفَةِ، وَانْعِقَادُ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ لَا يُؤَثِّرُ كَالْمُكَاتَبَةِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا سَتْرُ الرَّأْسِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ شَبَهِ الْأَحْرَارِ، وَلِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، وَالْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ (وَعَنْهُ: كَالْحُرَّةِ) قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تُبَاعُ، وَلَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ فِيهَا، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا فِيهَا حُرِّيَّةٌ تَقْتَضِي السَّتْرَ، فَوَجَبَ كَالْحُرَّةِ، وَقُدِّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَالْأَمَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا أَنَّهَا كَالْحُرَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ فِيهَا حُرِّيَّةً يَغْلِبُ حُكْمُهَا احْتِيَاطًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَجْزَأَهُ إِذَا كَانَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ مِنَ اللِّبَاسِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِئُهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي النَّفْلِ دُونَ   [المبدع في شرح المقنع] لِلْعِبَادَةِ، كَمَا وَجَبَ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ سَتْرُ فَرْجَيْهِ احْتِيَاطًا، وَقُدِّمَ فِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَحُرَّةٍ، وَفِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا رِوَايَتَانِ. فَرْعٌ: الْمُكَاتَبَةُ، وَالْمُدَبَّرَةُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ كَالْقِنِّ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُنَّ وَعِتْقُهُنَّ، كَالْقِنِّ، وَعَنْهُ: كَحُرَّةٍ، وَعَنْهُ: الْمُدَبَّرَةُ كَأُمِّ الْوَلَدِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِعَوْرَةِ الْخُنْثَى الْمُشْكَلِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَرَجُلٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ السَّتْرِ، فَلَا نُوجِبُهُ بِالشَّكِّ، وَيجِبُ سَتْرُ فَرْجَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: الْعَوْرَةُ الْفَرْجَانِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَرْجٌ حَقِيقِيٌّ، وَلَا يَتَحَقَّقُ سَتْرُهُ إِلَّا بِسَتْرِهِمَا، وَعَنْهُ: كَامْرَأَةٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَوَجَبَ ذَلِكَ احْتِيَاطًا. [صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي ثَوْبَيْنِ] (وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا (أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ) ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعًا، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: مَعَ سَتْرِ رَأْسِهِ بِعِمَامَةٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ الْبُخَارِيُّ: ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ: إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَحَدُهُمْ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَوْبَيْنِ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ فِي الْإِمَامِ آكَدُ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، لِأَنَّهُ بَيْنَ يَدَيِ الْمَأْمُومِينَ، وَتَتَعَلَّقُ صَلَاتُهُمْ بِصَلَاتِهِ، وَصَرَّحَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ إِذَا سَتَرَ عَوْرَتَهُ وَعَاتِقَيْهِ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَالْقَمِيصُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، ثُمَّ الرِّدَاءُ، ثُمَّ الْمِئْزَرُ، وَالسَّرَاوِيلُ (فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى سَتْرِ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ: مَصْدَرُ سَتَرَ، وَبِكَسْرِهَا: مَا يُسْتَرُ بِهِ (الْعَوْرَةِ أَجْزَأَهُ إِذَا كَانَ عَلَى عَاتِقِهِ) هُوَ مَوْضِعُ الرِّدَاءِ مِنَ الْمَنْكِبِ (شَيْءٌ مِنَ اللِّبَاسِ) يَجِبُ سَتْرُ عَاتِقِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا يُصَلِّيَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 الْفَرْضِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَمِلْحَفَةٍ، فَإِنِ اقْتَصَرَتْ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَقَالَ: عَلَى عَاتِقَيْهِ، وَلِأَحْمَدَ: اللَّفْظَانِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ إِعْرَاءَ الْمَنَاكِبِ فِي الصَّلَاةِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّ مَا اشْتُرِطَ لِلْفَرْضِ اشْتُرِطَ لِلنَّفْلِ كَالطَّهَارَةِ، وَعَنْهُ: سُنَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ أَشْبَهَ بَقِيَّةَ الْبَدَنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يُجْزِئُهُ سَتْرُ أَحَدِ عَاتِقَيْهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ سَتْرُهُمَا، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَاقْتَصَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حِكَايَتِهِ عَنْ أَحْمَدَ. وَفِي وَجْهٍ يُجْزِئُهُ سَتْرُ عَاتِقَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَفِي آخَرَ: يُجْزِئُهُ وَضْعُ خَيْطٍ، وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ فَيَتَنَاوَلُهُ الْخَبَرُ، وَفِي آخَرَ: يُجْزِئُهُ مَا يُسَمَّى لِبَاسًا، وَإِنْ قَلَّ دُونَ حَبْلٍ، وَنَحْوِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَمَتَى قُلْنَا بِوُجُوبِهِ فَهُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْقَاضِي: وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا، لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَعَنْهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَحَمَلَهَا الْمُؤَلِّفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ سَتْرُ الْمَنْكِبَيْنِ جَمِيعًا لَا أَنَّهَا تَنْفِي الشَّرْطِيَّةَ (وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِئُهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ) يَعْنِي إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ دُونَ الْمَنْكِبَيْنِ أَجْزَأَهُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَلِذَلِكَ يُسَامَحُ فِيهِ بِتَرْكِ الْقِيَامِ وَالِاسْتِقْبَالِ فِي حَالِ سَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَسُومِحَ فِيهِ بِهَذَا الْقَدْرِ. [صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَمِلْحَفَةٍ] (وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ) الْحُرَّةِ (أَنْ تُصَلِّيَ فِي دِرْعٍ) قِيلَ: اسْمٌ لِقَمِيصِهَا، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ شِبْهُ الْقَمِيصِ لَكِنَّهُ سَابِغٌ يُغَطِّي قَدَمَيْهَا (وَخِمَارٍ) هُوَ مَا تُغَطِّي بِهِ رَأْسَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 سَتْرِ عَوْرَتِهَا أَجْزَأَهَا. وَإِذَا انْكَشَفَ مِنَ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ لَا يَفْحُشُ فِي النَّظَرِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ فَحُشَ بَطَلَتْ. وَمَنْ صَلَّى فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ أَوْ مَغْصُوبٍ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] (وَمِلْحَفَةٍ) هُوَ شَيْءٌ تَلْتَحِفُ بِهِ مِنْ فَوْقِ الدِّرْعِ، رُوِيَ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَائِشَةَ، رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَإِزَارٍ. وَحِكْمَتُهُ الْمُبَالَغَةُ فِي سَتْرِهَا، وَلَا تَبِينُ عَجِيزَتُهَا (فَإِنِ اقْتَصَرَتْ عَلَى سَتْرِ عَوْرَتِهَا أَجْزَأَهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَمَيْمُونَةَ أَنَّهُمَا كَانَتَا تُصَلِّيَانِ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهِمَا إِزَارٌ. رَوَاهُ مَالِكٌ. قَالَ أَحْمَدُ: اتَّفَقَ عَامَّتُهُمْ عَلَى الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ وَأَسْتَرُ، وَلِأَنَّهَا سَتَرَتْ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ، أَشْبَهَتِ الرَّجُلَ، وَيُكْرَهُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي نِقَابٍ وَبُرْقُعٍ، نُصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا تَضُمُّ ثِيَابَهَا، زَادَ السَّامِرِيُّ: فِي حَالِ قِيَامِهَا. [انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ] (وَإِذَا انْكَشَفَ مِنَ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ لَا يَفْحُشُ فِي النَّظَرِ) عُرْفًا (لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ) نُصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ السَّامِرِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " و " الْمُحَرَّرِ " لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ، قَالَ عَمْرٌو: وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّ ثِيَابَ الْفُقَرَاءِ لَا تَخْلُو مِنْ خَرْقٍ، وَثِيَابَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْ فَتْقٍ، وَالِاحْتِرَازُ مِنْ ذَلِكَ يَشُقُّ فَعُفِيَ عَنْهُ كَيَسِيرِ الدَّمِ، وَعَنْهُ: تَبْطُلُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُعَلَّقٌ بِالْعَوْرَةِ، فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَالنَّظَرِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: يَسِيرٌ وَهُوَ مَا لَا يَفْحُشُ كَأَبِي الْخَطَّابِ وَالْمَجْدِ لَكَانَ أَوْلَى (وَإِنْ فَحُشَ بَطَلَتْ) لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ أَشْبَهَ سَائِرَ الْعَوْرَةِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ إِذَا صَلَّتْ، وَجَمِيعُ رَأْسِهَا مَكْشُوفٌ، أَنَّ عَلَيْهَا الْإِعَادَةَ، وَالْأَصْلُ وُجُوبُ سَتْرِ جَمِيعِهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَعُفِيَ عَنْهُ فِي اليسير غير الْفَاحِشِ لِلنَّصِّ وَلِلْمَشَقَّةِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَلَا بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ: إِلَّا أَنَّ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ يَفْحُشُ مِنْهَا مَا لَا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا، فَاعْتَبَرَ الْفُحْشَ كُلَّ عُضْوٍ بِحَسَبِهِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الْمُخَفَّفَةِ دُونَ الْمُغَلَّظَةِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ قَصُرَ زَمَنُهُ، وَكَشْفُ كَثِيرٍ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ، كَكَشْفِ يَسِيرٍ سَهْوًا فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": إِنْ فَحُشَ أَوْ طَالَ زَمَنُهُ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ سَهْوًا، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَوْ عَمْدًا فَسَتَرَهَا فِي الْحَالِ عُفِيَ عَنْهُ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ يَسِيرٌ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ، وَعَنْهُ: لَا، كَمَا لَوْ طَالَ زَمَنُهُ، وَقَالَ التَّمِيمِيُّ: إِنْ بَدَتْ عَوْرَتُهُ وَقْتًا، وَاسْتَتَرَتْ آخَرَ، لَمْ يَعُدْ لِلْخَبَرِ، فَلَمْ يُشْتَرَطِ الْيَسِيرُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا بُدَّ مِنِ اشْتِرَاطِهِ، لِأَنَّهُ يَفْحُشُ، وَإِذَا أَطَارَتِ الرِّيحُ سُتْرَتَهُ، وَاحْتَاجَ عَمَلًا كَثِيرًا فِي أَخْذِهَا. فَوَجْهَانِ. [الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ أَوْ مَغْصُوبٍ] (وَمَنْ صَلَّى فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ أَوْ مَغْصُوبٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زُفَرَ عَنْ هَاشِمٍ الْأَوْقَصِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَفِيهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً مَا دَامَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: صُمَّتَا إِنْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ: هَاشِمٌ غَيْرُ ثِقَةٍ، وَبَقِيَّةُ مُدَلِّسٌ، وَلِأَنَّ قِيَامَهُ وَقُعُودَهُ وَلُبْثَهُ فِيهِ مُحَرَّمٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَلَمْ يَقَعْ عِبَادَةٌ كَالصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، وَكَالنَّجِسِ، وَحُكْمُ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ أَوِ الْمُعَيَّنِ كَذَلِكَ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهَذَا إِذَا كَانَ ذَاكِرًا عَالِمًا، وَظَاهِرُهُ يَعُمُّ الرَّجُلَ، وَالْمَرْأَةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَغْصُوبِ، وَأَمَّا الْحَرِيرُ: فَتَصِحُّ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِيهِ لِإِبَاحَتِهِ لَهَا، وَكَذَا الرَّجُلُ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ كَمَا فِي " الْوَجِيزِ " لَاسْتَقَامَ، وَظَاهِرُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي الْفَرْضِ فَهُوَ شَرْطٌ لِلنَّفْلِ، وَقَيَّدَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِمَا إِذَا كَانَ هُوَ السَّاتِرَ لَهَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَعَنْهُ: إِنْ عَلِمَ النَّهْيَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وَعَنْهُ: تَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا ثَوْبًا نَجِسًا صَلَّى فِيهِ، وَأَعَادَ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يُعِيدَ بِنَاءً عَلَى مَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ   [المبدع في شرح المقنع] صَحَّتْ (وَعَنْهُ: تَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ) اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُ " الْفُنُونِ " لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَكَعِمَامَةٍ مَغْصُوبَةٍ، وَخَاتَمِ ذَهَبٍ، وَخُفٍّ، وَتِكَّةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: بَلْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَعَنْهُ: الْوَقْفُ فِي التِّكَّةِ، وَعَنْهُ: يَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ شِعَارًا لَمْ يَصِحَّ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ صَلَّى فِي خَاتَمِ حَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ أَعَادَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ كَوْنُهُ غَصْبًا أَوْ حَرِيرًا أَوْ حُبِسَ بِغَصْبٍ حَتَّى صَلَّى فِيهِ، صَحَّتْ عَلَى الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ: إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ سُتْرَةِ حَرِيرٍ، صَلَّى فِيهَا، وَلَا إِعَادَةَ، وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ وَيُصَلِّي عُرْيَانًا مَعَ مَغْصُوبٍ، فَلَوْ صَلَّى فِيهِ، أَوْ غَصَبَ سِتَارَةَ الْكَعْبَةِ، وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَالْحَرِيرُ أَوْلَى مِنَ النَّجَسِ قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَلَا يَصِحُّ نَفْلُ آبِقٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. فَرْعٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فِي الْحَرِيرِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: وَغَيْرُهَا كَرَجُلٍ قَالَهُ الْقَاضِي. [مَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا ثَوْبًا نَجِسًا] (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا ثَوْبًا نَجِسًا صَلَّى فِيهِ) لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ آكَدُ مِنْ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِهِ فِي سَتْرِ عَوْرَتِهِ، وَوُجُوبِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ مُتَّفِقًا عَلَى اشْتِرَاطِهِ، فَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا مَعَ وُجُودِهِ أَعَادَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَعَنْهُ: لَا يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يَضِيقَ الْوَقْتُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ صَلَّى عُرْيَانًا مِنْ غَيْرِ إِعَادَةٍ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ نَجِسَانِ صَلَّى فِي أَقَلِّهِمَا وَأَخَفِّهِمَا نَجَاسَةً (وَأَعَادَ) مَا صَلَّى فِيهِ (عَلَى الْمَنْصُوصِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى مُحْدِثًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا عَجَزَ عَنْ إِزَالَتِهَا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ عَجَزَ عَنْهُ، فَسَقَطَ كَالسُّتْرَةِ ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يُعِيدَ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ " لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 الْخُرُوجُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ سَتَرَهَا، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الشَّرْعَ مَنَعَهُ نَزْعَهُ، أَشْبَهَ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ، وَكَالْعَجْزِ عَنِ السُّتْرَةِ (بِنَاءً عَلَى مَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الشَّرْطِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَمَنَ عَدَمَ الْمَاءَ، فَخَرَّجَ جَمَاعَةٌ فِيهِ رِوَايَةً مِنَ الْإِعَادَةِ فِي الثَّوْبِ، وَخَرَّجُوا فِي الثَّوْبِ مِنَ الْمَكَانِ، وَلَمْ يُخَرِّجْ آخَرُونَ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِظُهُورِ الْفرقِ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا ثَوْبًا نَجِسًا لَهُ حَالَتَانِ يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ مَعَهَا مَعَ الْخَلَلِ، لِأَنَّهُ إِذَا صَلَّى عُرْيَانًا لَمْ يَحْمِلِ النَّجَاسَةَ، فَقَدْ فَاتَهُ السُّتْرَةُ وَحْدَهَا، وَإِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ، فَقَدْ فَاتَتْهُ طَهَارَةُ الثَّوْبِ وَحْدَهُ، فَاخْتِيَارُ إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى يُوجِبُ الْإِعَادَةَ اسْتِدْرَاكًا لِلْخَلَلِ الْحَاصِلِ بِتَرْكِ الشَّرْطِ الَّذِي كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الْمَحْبُوسِ فِي الْمَكَانِ النَّجِسِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا حَالَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الصَّلَاةُ. فَالشَّرْطُ لَيْسَ بِمَقْدُورٍ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَخَرَّجَ فِي " التَّعْلِيقِ " رِوَايَةَ عَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي الثَّوْبِ مِنْ عَدَمِ الطَّهُورَيْنِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِكَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعِ النَّجِسِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: يُومِئُ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ، وَعَنْهُ: يَسْجُدُ بِالْأَرْضِ، وَمَحَلُّهُ: مَا إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ يَابِسَةً، أَمَّا إِذَا كَانَتْ رَطْبَةً فَإِنَّهُ يُومِئُ وَجْهًا وَاحِدًا، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. [مَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ] (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ سَتَرَهَا) وَتَرَكَ سَتْرَ مَنْكِبَيْهِ، وَصَلَّى قَائِمًا، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِهِ فَلَا يُتْرَكُ لِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكْفِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَسْتُرُ منكبيه ويصلي جَالِسًا، لِأَنَّ الْجُلُوسَ بَدَلٌ عَنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لِكَوْنِهِ يَسْتُرُ مُعْظَمَهَا، وَالْمُغَلَّظَ مِنْهَا، وَسَتْرُ الْمَنْكِبِ لَا بُدَّ لَهُ، فَكَانَ مُرَاعَاتُهُ أَوْلَى، وَبَعَّدَ ابْنُ تَمِيمٍ ذَلِكَ، وَحَمَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى سُتْرَةٍ تَتَّسِعُ إِنْ تَرَكَهَا عَلَى كَتِفَيْهِ، وَسَدَلَهَا مِنْ وَرَائِهِ تَسْتُرُ دُبُرَهُ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ إِذَا وَجَدَ مَا يَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ وَعَجُزَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 لَمْ يَكْفِ جَمِيعَهَا سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِهَا جَمِيعًا سَتَرَ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَالْأَوْلَى سَتْرُ الدُّبُرِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَقِيلَ: الْقُبُلُ أَوْلَى، وَإِنْ بُذِلَتْ لَهُ سُتْرَةٌ لَزِمَهُ قَبُولُهَا، إِنْ كَانَتْ عَارِيَةً. فَإِنْ عَدِمَ بِكُلِّ حَالٍ صَلَّى جَالِسًا يُومِئُ إِيمَاءً، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا   [المبدع في شرح المقنع] فَقَطْ، سَتَرَ ذَلِكَ، وَصَلَّى جَالِسًا، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ سَتْرَ الْمَنْكِبَيْنِ الْحَدِيثُ فِيهِ أَصَحُّ (فَإِنْ لَمْ يَكْفِ جَمِيعَهَا سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ) لِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ، وَهُمَا عَوْرَةٌ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّ غَيْرَهُمَا كَالْحَرِيمِ، وَالتَّابِعِ لَهُمَا، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْهُمَا بِالسَّوْأَتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه: 121] سُمِّيَا بِذَلِكَ، لِأَنَّ كَشْفَهُمَا يَسُوءُ صَاحِبَهُ (فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا جَمِيعًا سَتَرَ أَيَّهُمَا شَاءَ) لِاسْتِوَائِهِمَا (وَالْأَوْلَى سَتْرُ الدُّبُرِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ أَفْحَشُ، وَيَنْفَرِجُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (وَقِيلَ: الْقُبُلُ أَوْلَى) لِأَنَّ بِهِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَالدُّبُرُ يَسْتَتِرُ بِالْأَلْيَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهُمَا سَتْرًا، وَفِي الْمَذْهَبِ: هَلِ الْقُبُلُ أَوْلَى أَمِ الدُّبُرُ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يسْترُ عورته ويصلي قَائِمًا، عَلَى الثَّانِي: فَلَا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ يُسْتَرُ آلَةُ الرَّجُلِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ، وَآلَتُهَا إِنْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ. (وَإِنْ بُذِلَتْ لَهُ سُتْرَةٌ لَزِمَهُ قَبُولُهَا إِنْ كَانَتْ عَارِيَةً) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْمِنَّةَ لَا تَكْثُرُ فِيهَا، أَشْبَهَ بِذْلَ الْحَبْلِ وَالدَّلْوِ لِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ كَالْهِبَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا هِبَةً، وَذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ احْتِمَالًا، لِأَنَّ الْعَارَ فِي كَشْفِ عَوْرَتِهِ أَكْثَرُ مِنَ الضَّرَرِ فِيمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْمِنَّةِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهَا عَارِيَةً، وَيَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهَا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، وَالزِّيَادَةِ كَمَاءِ الْوُضُوءِ. (فَإِنْ عَدَمَ بِكُلِّ حَالٍ صَلَّى) وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ (جَالِسًا) نَدْبًا، وَلَا يَتَرَبَّعُ بَلْ يَنْضَمُّ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، وَقِيلَ: وُجُوبًا (يُومِئُ إِيمَاءً) أَيْ: بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 جَازَ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ، وَإِنْ وَجَدَ السُّتْرَةَ قَرِيبَةً مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ سَتَرَ وَبَنَى، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً سَتَرَ وَابْتَدَأَ، وَتُصَلِّي الْعُرَاةُ جَمَاعَةً،   [المبدع في شرح المقنع] الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ قَوْمًا انْكَسَرَتْ بِهِمْ مَرْكِبُهُمْ فَخَرَجُوا عُرَاةً، قَالَ: يُصَلُّونَ جُلُوسًا يُومِئُونَ إِيمَاءً بِرُءُوسِهِمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ، وَيُومِئُ بِالسُّجُودِ أَكْثَرَ مِنَ الرُّكُوعِ (وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا) وَسَجَدَ بِالْأَرْضِ (جَازَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا» وَظَاهِرُهُ أَنَّ صَلَاةَ الْجَالِسِ بِالْإِيمَاءِ أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ قَائِمًا، لِأَنَّ الْجُلُوسَ فِيهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْقِيَامِ، وَلَوْ صَلَّى قَائِمًا لَسَقَطَ السَّتْرُ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ، لِأَنَّ السَّتْرَ آكَدُ مِنَ الْقِيَامِ، لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ بِحَالٍ، وَالْقِيَامُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ سَقَطَ عَنْهُمْ لِحِفْظِ الْعَوْرَةِ، وَهِيَ فِي حَالِ السُّجُودِ أَفْحَشُ، فَكَانَ سُقُوطُهُ أَوْلَى، لَا يُقَالُ: السَّتْرُ كُلُّهُ لَا يَحْصُلُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بَعْضُهُ، فَلَا يَفِي ذَلِكَ بِتَرْكِ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ: الْقِيَامُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ، لِأَنَّ الْعَوْرَةَ إِنْ كَانَتِ الْفَرْجَيْنِ فَقَدْ حَصَلَ سَتْرُهُمَا، وَإِلَّا حَصَلَ سَتْرُ أَغْلَظِهَا وَأَفْحَشِهَا، وَعَنْهُ: يُصَلِّي جَالِسًا، وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ، لِأَنَّ السُّجُودَ آكَدُ مِنَ الْقِيَامِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَسْقُطُ فِيمَا يَسْقُطُ فِيهِ الْقِيَامُ، وَهُوَ النَّفْلُ (وَعَنْهُ:) يَلْزَمُهُ (أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا، وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ) اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ أَوْلَى مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى بَعْضِ شَرْطٍ، وَعَنْهُ: إِنْ قَامَ وَأَوْمَأَ بِالسُّجُودِ صَحَّ، وَقِيلَ: تَقْعُدُ الْجَمَاعَةُ، وَلَا يَقُومُونَ، وَيَسْجُدُونَ بِالْأَرْضِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَأَلْحَقَهُ الدِّينَوَرِيُّ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ بِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ يُعِيدُ عَلَى الْأَقْيَسِ. فَرْعٌ: إِذَا نَسِيَ السُّتْرَةَ وَصَلَّى عُرْيَانًا أَعَادَ لِتَفْرِيطِهِ كَالْمَاءِ. (وَإِنْ وَجَدَ) الْعُرْيَانُ (السُّتْرَةَ قَرِيبَةً مِنْهُ) عُرْفًا، لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ (فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ) وَأَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ زَمَنٍ طَوِيلٍ وَلَا عَمَلٍ كَثِيرٍ (سَتَرَ، وَبَنَى) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ، كَأَهْلِ قُبَاءَ لَمَّا عَلِمُوا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا إِلَيْهَا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ (وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً سَتَرَ، وَابْتَدَأَ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُهَا إِلَّا بِمَا يُنَافِيهَا مِنَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ، أَوْ بِدُونِ شَرْطِهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وَإِمَامُهُمْ فِي وَسَطِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً صَلَّى كُلُّ نَوْعٍ لِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي ضِيقٍ صَلَّى الرِّجَالُ وَاسْتَدْبَرَهُمْ، النِّسَاءُ ثُمَّ صَلَّى النِّسَاءُ وَاسْتَدْبَرَهُنَّ الرِّجَالُ.   [المبدع في شرح المقنع] بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقِيلَ: يَبْنِي مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَبْتَدِئُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إِنِ انْتَظَرَ مَنْ يُنَاوِلُهُ لَهَا لَمْ تَبْطُلْ، لِأَنَّهُ انْتِظَارٌ وَاحِدٌ كَانْتِظَارِ الْمَسْبُوقِ. (وَتُصَلِي الْعُرَاةُ جَمَاعَةً) وُجُوبًا لَا فُرَادَى، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ، وَلِأَنَّهُمْ قَدَرُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، أَشْبَهَ الْمَسْبُوقِينَ، وَلَا تَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ لِفَوَاتِ السُّنَّةِ فِي الْمَوْقِفِ، كَمَا لَوْ كَانُوا فِي ضِيقٍ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمْ، وَإِذَا شَرَعَتِ الْجَمَاعَةُ حَالَ الْخَوْفِ مَعَ تَعَذُّرِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ وَالْحَاجَةِ إِلَى مُفَارَقَتِهِ وَفِعْلِ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ في غير تِلْكَ الْحَالِ، فَأَوْلَى أَنْ يَشْرَعَ هُنَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: جُلُوسًا وُجُوبًا، وَإِنَّ فِي مُنْفَرِدٍ رِوَايَتَيْنِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْجَمَاعَةِ، وَيَقُومُونَ صَفًّا وَاحِدًا (وَإِمَامُهُمْ فِي وَسَطِهِمْ) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُمْ، فَإِنْ تَقَدَّمَهُمْ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانُوا فِي ظُلْمَةٍ صَلَّوْا جَمَاعَةً، وَتَقَدَّمَهُمْ إِمَامُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسَعْهُمْ صَفٌّ وَاحِدٌ وَقَفُوا صُفُوفًا، وَغَضُّوا أَبْصَارَهُمْ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَإِنْ صَلَّى كُلُّ صَفٍّ جَمَاعَةً فَهُوَ أَحْسَنُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ كَانُوا نَوْعًا وَاحِدًا، وَالْمَوْضِعُ ضَيِّقٌ صَلَّوْا جَمَاعَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَثُرَتِ الصُّفُوفُ (وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً صَلَّى كُلُّ نَوْعٍ لِأَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّهَا إِنْ وَقَفَتْ خَلْفَهُ شَاهَدَتِ الْعَوْرَةَ، وَمَعَهُ خِلَافُ سُنَّةِ الْمَوْقِفِ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَى الْفِتْنَةِ (وَإِنْ كَانُوا فِي ضَيْقٍ) بِفَتْحِ الضَّادِ مُخَفَّفًا مِنْ ضَيِّقٍ، وَيَجُوزُ فِيهِ الْكَسْرُ عَلَى المصدر على حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ ذِي ضِيقٍ (صَلَّى الرِّجَالُ، وَاسْتَدْبَرَهُمُ النِّسَاءُ، ثُمَّ صَلَّى النِّسَاءُ، وَاسْتَدْبَرَهُنَّ الرِّجَالُ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَبِالْعَكْسِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا صَلَّى عُرْيَانًا، وَأَعَارَ سُتْرَتَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَيُسْتَحَبُ أَنْ يُعِيرَ إِذَا صَلَّى بها ويصلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَيُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ السَّدْلُ، وَهُوَ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ ثَوْبًا وَلَا يَرُدَّ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى وَيُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَهُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَاحِدٌ بَعْدَ آخَرَ، وَهَلْ يَلْزَمُهُمُ انْتِظَارُهَا، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَمْ لَا كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بَعْدَهُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنِ اسْتَوَوْا، وَلَمْ يَكُنِ الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ أَقْرَعَ، وَالْأَصَحُّ يُقَدَّمُ إِمَامٌ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَتُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ عَوْرَتَهَا أَفْحَشُ، وَلَا يَأْثَمُ مُسْتَتِرٌ بِعَارٍ وَيُصَلِّي بِهَا عَارٍ، ثُمَّ يُكَفَّنُ مَيِّت، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ هُوَ، وَقِيلَ: الْحَيُّ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَهُوَ بِعِيدٌ. [السَّدْلُ فِي الصَّلَاةِ] (وَيُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ السَّدْلُ) كَذَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ ثَوْبٌ، وَعَنْهُ: أَوْ إِزَارٌ، فَعَلَى هَذَا لَا إِعَادَةَ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ اتِّفَاقًا إِنْ لَمْ تَبْدُ عَوْرَتُهُ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يُكْرَهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا يَثْبُتُ (وَهُوَ) إِرْخَاءُ الثَّوْبِ لُغَةً، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَاصْطِلَاحًا (أَنْ يَطْرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ ثَوْبًا، وَلَا يَرُدَّ) أَحَدَ (طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى) قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " و" الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " زَادَ: وَلَا يَضُمُّ طَرَفَهُ بِيَدَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا رَدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى لَا يُكْرَهُ لِزَوَالِ مَعْنَى السَّدْلِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: طَرَحَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يَرُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ إِسْبَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ، وَقِيلَ: وَضْعُ وَسَطِ الرِّدَاءِ عَلَى رَأْسِهِ، وَإِرْسَالُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى ظَهْرِهِ، وَهِيَ لُبْسَةُ الْيَهُودِ، وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ وَضْعُ الرِّدَاءِ عَلَى عُنُقِهِ، وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى كَتِفَيْهِ. [اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ] (وَيُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ) قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَيُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ، وَالتَّلَثُّمُ عَلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَلَفُّ   [المبدع في شرح المقنع] هُرَيْرَةَ، وَأَبُو سَعِيدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَهُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) وَمَعْنَى الِاضْطِبَاعِ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَجَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «نَهَى عَنْ لُبْسَتَيْنِ، وَهُمَا اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُوَ أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَالِاحْتِبَاءُ، وَهُوَ أَنْ يَحْتَبِيَ بِهِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» وَقَالَ السَّامِرِيُّ: هُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِثَوْبٍ يَرُدُّ طَرَفَيْهِ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ، وَلَا يَبْقَى لِيَدَيْهِ مَوْضِعٌ تَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالْأَوَّلُ: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ لَمْ يُكْرَهْ، لِأَنَّهَا لُبْسَةُ الْمُحْرِمِ، وَفَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ إِلَّا أَنْ تَبْدُوَ عَوْرَتُهُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: يُعِيدُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُكْرَهُ فَوْقَ الْإِزَارِ لَا الْقَمِيصِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: الْكَرَاهَةُ قِيلَ: لِكَشْفِ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ، وَقِيلَ: لِظُهُورِ عَوْرَتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا، لِإِفْضَائِهِ إِلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَعَنْهُ: يُكْرَهُ) مُطْلَقًا (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِعُمُومِ النَّهْيِ. فَرْعٌ: إِذَا احْتَبَى، وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، جَازَ، وَإِلَّا حُرِّمَ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. [تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ فِي الصَّلَاةِ] (وَيُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى كَرَاهَةِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَغْطِيَةِ الْفَمِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا تَحْلِيلٌ وَتَحْرِيمٌ، فَشَرَعَ لَهَا كَشْفَ الْوَجْهِ كَالْإِحْرَامِ (وَالتَّلَثُّمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 الْكُمِّ، وَشَدُّ الْوَسَطِ بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ، وَإِسْبَالُ شَيْءٍ مِنْ ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ.   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى الْفَمِ، وَالْأَنْفِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ. وَفِي التَّلَثُّمِ عَلَى الْأَنْفِ رِوَايَتَانِ، وَسَهَّلَ أَحْمَدُ فِي تَغْطِيَةِ اللِّحْيَةِ، وَقَالَ لَا بَأْسَ بِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ (وَلَفُّ الْكُمِّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَا أَكُفُّ شَعْرًا، وَلَا ثَوْبًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَتَشْمِيرُهُ، وَفِي " الْوَجِيزِ " وَإِرْسَالُهُ، وَيُسْتَثْنَى عَلَى كَلَامِهِ بِلَا سَبَبٍ (و) يُكْرَهُ (شَدُّ الْوَسَطِ) بِفَتْحِ السِّينِ (بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ لُبْسُ الْمِنْطَقَةِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: يُكْرَهُ شَدُّ وَسَطِهِ عَلَى الْقَمِيصِ، لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْيَهُودِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الْقُبَاءِ، قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ، قَالَ أَحْمَدُ: أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ مُحْتَزِمٌ» زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ إِلَّا أَنْ يَشُدَّهُ لِعَمَلِ الدُّنْيَا فَيُكْرَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا شَدَّهُ بِمِئْزَرٍ أَوْ حَبْلٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَهُ أَحْمَدُ، وَذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَرْأَةُ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهَا شَدُّ وَسَطِهَا مُطْلَقًا (و) يُكْرَهُ (إِسْبَالُ شَيْءٍ مِنْ ثِيَابِهِ) كَالْقَمِيصِ وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ (خُيَلَاءَ) ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ   [المبدع في شرح المقنع] وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فِي غَيْرِ حَرْبٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ فِي صَلَاتِهِ خُيَلَاءَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و " الشَّرْحِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ حَرَامٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْمُرَادُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ بِلَا حَاجَةٍ نَحْوَ كَوْنِهِ حَمْشَ السَّاقَيْنِ، وَلَمْ يُرِدِ التَّدْلِيسَ عَلَى النِّسَاءِ، وَيُكْرَهُ فَوْقَ نِصْفِ سَاقَيْهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ تَحْتَ كَعْبِهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَعَنْهُ: مَا تَحْتَهُمَا فَهُوَ فِي النَّارِ، وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ زِيَادَةٌ إِلَى ذِرَاعٍ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: ذَيْلُ نِسَاءِ الْمُدُنِ فِي الْبَيْتِ كَرَجُلٍ، وَيُسَنُّ تَطْوِيلُ كُمِّ الرّجلِ إِلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِ أَوْ أَكْثَرَ يَسِيرًا، وَتَوْسِيعُهَا قَصْدًا، وَقَصْرُ كُمِّهَا، وَاخْتُلِفَ فِي سِعَتِهِ. [لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ] فَصْلٌ (وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " لِمَا رَوَى أَبُو طَلْحَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ كَلْبٌ مَنْهِيٌّ عَنِ اقْتِنَائِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: الصُّورَةُ لَا يَنْبَغِي لُبْسُهَا، وَكَتَعْلِيقِهِ، وَسَتْرِ الْجُدُرِ بِهِ وِفَاقًا، وَظَاهِرُهُ عَامٌّ فِي الْكُلِّ. وَالثَّانِي: يُكْرَهُ، وَلَا يَحْرُمُ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَلَا مَا غَالِبُهُ الْحَرِيرُ، وَلَا افْتِرَاشُهُ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، فَإِنِ اسْتَوَى هُوَ   [المبدع في شرح المقنع] ابْنُ تَمِيمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي آخِرِ الْخَبَرِ: «إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ» وَكَافْتِرَاشِهِ، وَجَعْلِهِ مِخَدًّا «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اتَّكَأَ عَلَى مِخَدَّةٍ فِيهَا صُورَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَصْوِيرُ الْحَيَوَانِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ وِفَاقًا، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَلَوْ أُزِيلَ مِنْهَا مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ لَمْ يُكْرَهْ فِي الْمَنْصُوصِ، وَمِثْلُهُ شَجَرٌ، وَنَحْوُهُ، وَكَرِهَ الْآجُرِّيُّ الصَّلَاةَ عَلَى مَا فِيهِ صُورَةٌ، وَكَذَا فِي " الْفُصُولِ "، وَلَوْ عَلَى مَا يُدَاسُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، وَلَا كَلْبٌ، وَلَا جُنُبٌ» إِسْنَادُهُ حَسَنٌ. [لُبْسُ ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَافْتِرَاشُهُ لِلرِّجَالِ] (وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ) وَلَا الْخُنْثَى وَلَوْ كَافِرًا (لُبْسُ ثِيَابِ الْحَرِيرِ) فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فِي غَيْرِ حَالِ الْعُذْرِ. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى تِكَّةٍ، وَشَرَابَةٍ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ شَرَابَةٌ مُفْرَدَةٌ كَشَرَابَةِ الْبَرِيدِ لَا تَبَعًا فَإِنَّهَا كَزِرِّ، وَعَلَّلَ الْقَاضِي وَالْآمِدِيُّ إِبَاحَةَ كِيسِ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، فَعَلَى هَذَا يُسْتَثْنَى (وَلَا مَا غَالِبُهُ الْحَرِيرُ) لِأَنَّ الْغَالِبَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ، فَحُرِّمَ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَالْقَلِيلُ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ، أَشْبَهَ الضَّبَّةَ مِنَ الْفِضَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمْعٍ أَنَّ الْمُحَرَّمَ الْحَرِيرُ الصَّافِي الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ، وَسَيَأْتِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالظُّهُورِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقِيلَ: بِالْوَزْنِ قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (وَلَا افْتِرَاشُهُ) لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُلْبَسَ الْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ، وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وَمَا نُسِجَ مَعَهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَيَحْرُمُ لُبْسُ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ وَالْمُمَوَّهِ   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَةِ صَالِحٍ وَجَعْفَرٍ: افْتِرَاشُ الْحَرِيرِ كَلُبْسِهِ، وَكَذَا الِاسْتِنَادُ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ) لِأَنَّهَا تُبِيحُ الْمُحَرَّمَ بِدَلِيلِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَظَاهِرُهُ إِبَاحَتُهُ لِلنِّسَاءِ مُطْلَقًا، لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَأَغْرَبَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي " فُنُونِهِ " فَجَوَّزَ لَهُنَّ لُبْسَهُ دُونَ الِاسْتِنَادِ وَالِافْتِرَاشِ. 1 - فَرْعٌ: يَحْرُمُ تَعْلِيقُهُ، وَسَتْرُ الْجُدُرِ بِهِ غَيْرَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ وِفَاقًا، وَحَرَّمَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهُ مُطْلَقًا فَدَلَّ أَنَّ فِي شُخَانَةٍ، وَخَيْمَةٍ، وَبُقْجَةٍ، وَكَمِرَانٍ، وَنَحْوِهِ الْخِلَافُ (فَإِنِ اسْتَوَى هُوَ، وَمَا نُسِجَ مَعَهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ، أَحَدُهُمَا: يُبَاحُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ قَزٍّ، أَمَّا السَّدي أَوِ الْعَلَمُ فَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَلِأَنَّ الْحَرِيرَ لَيْسَ أَغْلَبَ، أَشْبَهَ الْأَقَلَّ، وَالثَّانِي: يَحْرُمُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ الْأَشْبَهُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ النِّصْفَ كَثِيرٌ، لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا نُسِجَ مَعَهُ مِنَ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ، كَتَّانٌ وَلَا قُطْنٌ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي كَثْرَةِ الْحَرِيرِ أَوْ مُسَاوَاتِهِ غَيْرَهُ مَعَ إِبَاحَةِ النِّصْفِ. 1 - تَنْبِيهٌ: أَبَاحَ أَحْمَدُ لُبْسَ الْخَزِّ، وَهُوَ مَا سُدِّيَ بِإِبْرَيْسِمَ، وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ أَوْ صُوفٍ لِلْخَبَرِ، وَلِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، وَجَعَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَغَيْرِهِ فِي الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنَ الْحَرِيرِ، وَغَيْرِهِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَحْمَدُ بِأَنَّ هَذَا لَبِسَهُ الصَّحَابَةُ، وَبِأَنَّهُ لَا سَرَفَ وَلَا خُيَلَاءَ، وَعُلِمَ مِنْهُ إِبَاحَةُ الصَّرْفِ، وَكَذَا الْكَتَّانُ إِجْمَاعًا، وَالنَّهْيُ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ لَا أَصْلَ لَهُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ يُكْرَهُ لِلرِّجَالِ، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةٍ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ مَعَ أَنَّهُ لَبِسَهُ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ، وَكَالْقُطْنِ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى ذَكَرٍ بِلَا حَاجَةٍ (لُبْسُ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ، وَالْمُمَوَّهِ بِهِ) أَيِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 بِهِ، فَإِنِ اسْتَحَالَ لَوْنُهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ لِمَرَضٍ أَوْ حَكَّةٍ، أَوْ فِي   [المبدع في شرح المقنع] الْمَطْلِيِّ، وَكَذَا عَبَّرَ فِي " الْوَجِيزِ " وَلَا فَرْقَ فِي الذَّهَبِ بَيْنَ خَالِصِهِ وَمَشُوبِهِ، وَالْمُنْفَرِدِ وَالْخَلِيطِ، بِخِلَافِ الْحَرِيرِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ أَبِي مُوسَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَنْسُوجَ وَالْمُمَوَّهَ بِالْفِضَّةِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ كَالذَّهَبِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَقَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَقِيلَ: أَوْ فِضَّةٍ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، إِلَّا فِي مِغْفَرٍ، وَجَوْشَنٍ، وَخُوذَةٍ، أَوْ فِي سِلَاحِهِ لِضَرُورَةٍ (فَإِنِ اسْتَحَالَ لَوْنُهُ) وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ لِلْخَبَرِ، وَالثَّانِي: يُبَاحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِزَوَالِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ مِنَ السَّرَفِ، وَالْخُيَلَاءِ، وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وقيل: يكره، وَقَيَّدَ ابْنُ تَمِيمٍ: إِنْ كَانَ بَعْدَ اسْتِحَالَتِهِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ مُبَاحٌ وَجْهًا وَاحِدًا، وَقِيلَ: الْمَنْسُوجُ بِذَهَبٍ كَحَرِيرٍ. 1 - فَرْعٌ: مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ تَمَلُّكُهُ، وَتَمْلِيكُهُ كَذَلِكَ، وَعَمَلُ خِيَاطَتِهِ لِمَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نصا. (وَإِنْ لُبِسَ الْحَرِيرُ لِمَرَضٍ أَوْ حِكَّةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَهُوَ الْجَرَبُ أَوْ مِنْ أَجْلِ الْقُمَّلِ جَازَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّ أَنَسًا رَوَى: «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ شَكَيَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُمَّلَ، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ، فَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا فِي غَزَاةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِيهِ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لَهُمَا فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ فِي سَفَرٍ مِنْ حِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا» وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ صَحَابِيٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَقِسْنَا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 الْحَرْبِ، أَوْ أَلْبَسَهُ الصَّبِيَّ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَيُبَاحُ حَشْوُ الْجِبَابِ وَالْفُرُشِ بِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْمَنْصُوصِ مِمَّا يَنْفَعُ فِيهِ لُبْسُ الْحَرِيرِ، وَوَهَمَ فِي " الشَّرْحِ " فَأَوْرَدَ الرُّخْصَةَ فِي الْقُمَّلِ فَقَطْ، وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَالرُّخْصَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً بِهِمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا بُدَّ وَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي زَوَالِهَا (أَوْ فِي الْحَرْبِ) الْمُبَاحِ لِغَيْرِ حَاجَّةٍ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: الْإِبَاحَةُ، وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَعُرْوَةَ، وَكَانَ لَهُ يَلْمَقٌ مِنْ دِيبَاجٍ بِطَانَتُهُ مِنْ سُنْدُسٍ مَحْشُوٌّ قَزًّا يَلْبَسُهُ فِي الْحَرْبِ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ لُبْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُيَلَاءِ وذلك غَيْرُ مَذْمُومٍ فِي الْحَرْبِ، وَمَحَلُّهُ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْعَدُوِّ، وَقِيلَ: عِنْدَ الْقِتَالِ، وَقِيلَ: فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَعَنْهُ: مَعَ نِكَايَةِ الْعَدُوِّ. وَالثَّانِيَةُ: التَّحْرِيمُ لِلْعُمُومِ، وَنَصَرَهُ فِي " التَّحْقِيقِ " لَكِنْ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بِطَانَةً لِبَيْضَةٍ أَوْ دِرْعٍ أَوْ نَحْوِهِ أُبِيحَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الذَّهَبِ كدِرْعٍ مُمَوَّهٍ بِهِ لَا يسْتَغْني عَنْ لُبْسِهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ. 1 - فَرْعٌ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُبَاحُ الْحَرِيرُ لِحَاجَةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ، وَنَحْوِهِ لِعُدْمٍ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ مَنِ احْتَاجَ إِلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ تَحْصِينٍ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ أُبِيحَ (أَوْ أُلْبِسَهُ الصَّبِيُّ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ عَلَى وَلِيِّهِ إِلْبَاسُهُ حَرِيرًا أَوْ ذَهَبًا، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَنْزِعُهُ عَنِ الْغِلْمَانِ، وَنَتْرُكُهُ عَلَى الْجَوَارِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَشَقَّقَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةُ قُمْصَ الْحَرِيرِ على الصبيان، رَوَاهُ الْخَلَّالُ. وَيَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِالْمُكَلَّفِينَ بِتَمْكِينِهِمْ مِنَ الْحَرَامِ كَتَمْكِينِهِمْ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَكَوْنِهِمْ مَحَلًّا لِلزِّينَةِ مَعَ تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِمْ أَبْلَغُ فِي التَّحْرِيمِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِيهِ لَمْ تَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالثَّانِيَةُ: يُبَاحُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْرُمَ، وَيُبَاحُ الْعَلَمُ الْحَرِيرُ فِي الثَّوْبِ إِذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَمَا دُونَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ، وَإِنْ كَانَ مُذَهَّبًا، وَكَذَلِكَ الرِّقَاعُ، وَلَبِنَةُ   [المبدع في شرح المقنع] سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنِ الْعَوَّامِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: كَانُوا يُرَخِّصُونَ لِلصَّبِيِّ فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ، فَإِذَا بَلَغَ أَلْقَاهُ. (وَيُبَاحُ حَشْوُ الْجِبَابِ وَالْفُرُشِ) بِضَمِّ الرَّاءِ جَمْعُ فِرَاشٍ، وَقَدْ تُسَكَّنُ (بِهِ) لِأَنَّهُ لَا خُيَلَاءَ فِيهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحَرَّمَ) وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً كَبِطَانَةٍ، وَلِلْعُمُومِ، وَفِي تَحْرِيمِ كتابة الْمَهْرِ فِيهِ وَجْهَانِ (وَيُبَاحُ الْعَلَمُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (الْحَرِيرُ) وَهُوَ طِرَازُ الثَّوْبِ (إِذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ) مَضْمُومَةً (فَمَا دُونَ) أَيْ: فَأَقَلَّ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا رَوَى عُمَرُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي " الْوَجِيزِ " دُونَهَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا: قَدْرَ كَفٍّ عَرْضًا، فَلَوْ لَبِسَ أَثْوَابًا فِي كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ مَا يُعْفَى عَنْهُ، وَلَوْ جُمِّعَ صَارَ ثَوْبًا فَقِيلَ: لَا بَأْسَ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ وَإِنْ كَانَ مُذَهَّبًا) وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَحَفِيدُهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ لِمَا رَوَى مُعَاوِيَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَلِأَنَّهُ يَسِيرٌ أَشْبَهَ الْحَرِيرَ وَيَسِيرَ الْفِضَّةِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْرُمُ يَسِيرُ ذَهَبٍ تَبَعًا، نُصَّ عَلَيْهِ كَالْمُفْرَدِ. مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ بَيْعُ حَرِيرٍ لِكَافِرٍ، وَلُبْسُهُ لَهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ التَّحْرِيمُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ عَنْ خِلَافِهِ: قَدْ يَتَوَهَّمُهُ مُتَوَهِّمٌ، وَهُوَ وَهَمٌ بَاطِلٌ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهَا. قَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عَلِيٍّ وَأُسَامَةَ كَمَا بَعَثَ إِلَى عُمَرَ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إِبَاحَةُ لُبْسِهِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُخَاطَبَتِهِمْ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ، وَفَائِدَتِهَا: زِيَادَةُ الْعِقَابِ فِي الْآخِرَةِ (وَكَذَلِكَ) تُبَاحُ (الرِّقَاعُ) وَهُوَ جَمْعُ رُقْعَةٍ، وَهِيَ الْخِرْقَةُ الْمَعْرُوفَةُ (وَلَبِنَةٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ، وَكَسْرِ الْبَاءِ (الْجَيْبُ) قَالَ صَاحِبُ " الْمَطَالِعِ " جَيْبُ الْقَمِيصِ طَوْقُهُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الرَّأْسُ، فَعَلَى هَذِهِ لَبِنَتُهُ الزِّيقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 الْجَيْبِ، وَسِجْفُ الْفِرَاءِ. وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَسُجُفٌ) جَمْعُ سُجَافٍ بِضَمِّ السِّينِ مَعَ ضَمِّ الْجِيمِ، وَسُكُونِهَا (الْفِرَاءُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ مَمْدُودًا وَاحِدُهُ فَرْوٌ بِغَيْرِ هَاءٍ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَأَثْبَتَهَا ابْنُ فَارِسٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُسَاوٍ لِلْعَلَمِ، وَكَذَا حُكْمُ الْخِيَاطَةِ بِهِ، وَالْأَزْرَارِ. 1 - (وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْمُزَعْفَرِ) نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الرِّجَالَ عَنِ الْمُزَعْفَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْأَزَجِّيُّ، وَالْقَاضِي تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِهِ أَوْ بِمُعَصْفَرٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَ جَمَاعَةٌ: لَا يُكْرَهُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ (وَالْمُعَصْفَرُ) لِمَا رَوَى عَلِيٌّ: «قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَذَا، وَعَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَهُ أَيْضًا: «إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا» وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ إِلَّا فِي الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلنِّسَاءِ لِتَخْصِيصِ الرَّجُلِ بِالنَّهْيِ، قُلْتُ: وَيَلْتَحِقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْأَحْمَرُ الْمُصْمَتُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَه فِي " الْمُغْنِي " و " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمَذْهَبُ: يُكْرَهُ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً لِغَيْرِ زِينَةٍ، وَكَذَا طَيْلَسَانٌ فِي وَجْهٍ، وَجِلْدٌ مُخْتَلَفٌ فِي نَجَاسَتِهِ وَافْتِرَاشِهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَمَشْيُهُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ بِلَا حَاجَةٍ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُبَاحُ الْأَبْيَضُ، وَالْأَصْفَرُ، وَالْأَخْضَرُ، وَكَذَا الْأَسْوَدُ، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ الْأَسْوَدُ لِلْجُنْدِ، وَقِيلَ: فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ وَهُوَ الشَّرْطُ الرَّابِعُ، فَمَتَى لَاقَى بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] غَيْرِ حَرْبٍ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: فِيمَنْ تَرَكَ ثِيَابًا سُودًا يَحْرِقُهَا الْوَصِيُّ، لِأَنَّهَا لِبَاسُ الْجُنْدِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ وَالظَلَمَةِ. تَذْنِيبٌ: يُسْتَحَبُّ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: «الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ» رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: وَهُوَ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُكْرَهُ الرَّقِيقُ لِلْحَيِّ، وَلَا بَأْسَ بِغَسْلِهِ مِنَ الْعَرَقِ وَالْوَسَخِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُعْجِبُهُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ وَالثِّيَابُ النَّقِيَّةُ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: يُبَاحُ الْمُوَرَّدُ وَالْمُمَسَّكُ، وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ ثِيَابَ الْمَرْأَةِ، وَالْعَكْسُ، نُصَّ عَلَيْهِ، كَالزِّيقِ الْعَرِيضِ لِلرَّجُلِ، وَاخْتُلِفَتْ عَنْهُ فِي كَرَاهَتِهِ لِلنِّسَاءِ. قَالَ الْقَاضِي: إِنَّمَا كَرِهَهُ أَحْمَدُ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الشُّهْرَةِ. 1 - فَصْلٌ يُسَنُّ الرِّدَاءُ، وَقِيلَ: يُبَاحُ، كَفَتْلِ طَرَفِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ إِرْخَاءُ ذُؤَابَةٍ خَلْفَهُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَإِطَالَتُهَا كَثِيرًا مِنَ الْإِسْبَالِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَإِنْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَحَسَنٌ، قَالَهُ الْآجُرِّيُّ، وَتُسَنُّ السَّرَاوِيلُ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " لَا بَأْسَ قَالَ صَاحِبُ " النَّظْمِ " وَفِي مَعْنَاهُ التُّبَّانُ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، قَالَ أَحْمَدُ: السَّرَاوِيلُ أَسْتَرُ مِنَ الْإِزَارِ، وَلِبَاسُ الْقَوْمِ كَانَ الْإِزَارُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُسْتَحَبُّ الْقَمِيصُ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَيُبَاحُ الْقَبَاءُ، قَالَ صَاحِبُ " النَّظْمِ ": وَلَوْ لِلنِّسَاءِ، وَالْمُرَادُ، وَلَا تُشْبِهُ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَدِيدِ وَالْعَتِيقِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْأَنْصَارِيُّ: يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ جَدِيدَةٌ، سَرَاوِيلُهُ، وَمَدَاسُهُ، وَخِرْقَةٌ يُصَلِّي عَلَيْهَا، وَيُجَدِّدُ عِمَامَتَهُ كَيْفَ شَاءَ. فَرْعٌ: مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ بَيْعُهُ، وَخِيَاطَتُهُ، وَكَذَا أُجْرَتُهَا، نُصَّ عَلَيْهِ. [بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ] [طَهَارَةُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ مِنَ النَّجَاسَاتِ] بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ وَهُوَ الشَّرْطُ الرَّابِعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ زَيْدٍ: أَمَرَ بِتَطْهِيرِ الثِّيَابِ مِنَ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يَتَطَهَّرُونَ، وَلَا يُطَهِّرُونَ ثِيَابَهُمْ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِيهَا، وَهُوَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْمَجَازِ، فَيَكُونُ شَرْطًا بِمَكَّةَ لَكِنْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْهِجْرَةِ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِسَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، وَدَمِهَا، وَفَرْثِهَا فَطَرَحَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، حَتَّى أَزَالَتْهُ فَاطِمَةُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ الْمَجْدُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَتَى بِدَمِهَا، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ قَبْلَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ، وَلَعَلَّ الْخَمْسَ لَمْ تَكُنْ فُرِضَتْ، وَالْأَمْرُ بِتَجَنُّبِ النَّجَاسَةِ مَدَنِيٌّ مُتَأَخِّرٌ، بِدَلِيلِ خَبَرِ النَّعْلَيْنِ، وَصَاحِبِ الْقَبْرَيْنِ، وَالْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، وَحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي آتِي فِيهِ أَهْلِي؛ قَالَ: نَعَمْ، إِلَّا أَنْ تَرَى فِيهِ شَيْئًا فَتَغْسِلَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَثَبَتَ بِهَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاجْتِنَابِهَا، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَعَنْهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: فَطَهَارَةُ بَدَنِ الْمُصَلِّي، وَسُتْرَتِهِ، وَبُقْعَتِهِ مَحَلُّ بَدَنِهِ، وَالْمَذْهَبُ: وَثِيَابُهُ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ شَرْطٌ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ. فَائِدَةٌ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ فُرِضَتْ قَبْلَ التَّيَمُّمِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ فِي قِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي النِّيَّةِ مَعَ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ قِيلَ: هِيَ آيَةُ الْمَائِدَةِ أَوْ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا نَعْلَمُ أَيَّةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] آيَةٍ عَنَتْ عَائِشَةُ بِقَوْلِهَا: فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، قَالَ: وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا، وَلَا مَفْعُولًا لَهُمْ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْلُومٌ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَمْ يُفْرَضْ قَبْلَ الْوُضُوءِ كَمَا أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْذُ افْتُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ لَمْ يُصَلِّ إِلَّا بِوُضُوءٍ مِثْلِ وُضُوئِنَا الْيَوْمَ، قَالَ: فَدَلَّ أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ إِنَّمَا نَزَلَتْ لِيَكُونَ فَرْضُهَا الْمُتَقَدِّمُ مَتْلُوًّا فِي التَّنْزِيلِ، وَفِي قَوْلِهَا: فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، وَلَمْ تَقُلْ آيَةُ الْوُضُوءِ، مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي طَرَأَ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُكْمُ التَّيَمُّمِ لَا حُكْمُ الْوُضُوءِ (فَمَتَى لَاقَى بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا أَوْ حَمَلَهَا) زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَوْ حَمَلَ مَا يُلَاقِيهَا (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) أَقُولُ: مَتَى بَاشَرَهَا بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ لَمْ تَصِحَّ، ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَزَادَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِي سُتْرَتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ ذَاتِهِ إِذَا وَقَعَتْ حَالَ سُجُودِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، فَإِنْ كَانَ ثَوْبُهُ يَمَسُّ شَيْئًا نَجِسًا كَثَوْبِ مَنْ يُصَلِّي إِلَى جَانِبِهِ، وَحَائِطٍ لَا يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ صَحَّتْ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِصَلَاتِهِ، وَلَا مَحْمُولًا فِيهَا وَاخْتَارَ السَّامِرِيُّ، وَالْمَجْدُ، وَجَمَاعَةٌ: أَنَّهَا تَبْطُلُ، لِأَنَّ سُتْرَتَهُ مُلَاقِيَةٌ لِنَجَاسَةٍ أَشْبَهُ مَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ، فَلَوِ اسْتَنَدَ إِلَيْهَا حَالَ قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ بَطَلَتْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ قَابَلَهَا حَالَ رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " و" الْمُسْتَوْعِبِ " وَفِيهِ وَجْهٌ، كَمَا لَوْ بَاشَرَهَا بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ لَمْ يُصِبْهَا، وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا كَذَلِكَ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِيهَا الصِّحَّةَ، وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، لِأَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ لَا أَثَرَ لَهُ، وَأَمَّا إِذَا حَمَلَهَا لَمْ تَصِحَّ كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ فَلَوْ حَمَلَ آجُرَّةً بَاطِنُهَا نَجِسٌ، أَوْ قَارُورَةً مَسْدُودَةَ الرَّأْسِ فِيهَا نَجَاسَةٌ، لَمْ تَصِحَّ، لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا أَشْبَهَ حَملَهَا فِي كُمِّهِ، وَكَذَا حَمْلُ مُسْتَجْمَرٍ، وَالْأَصَحُّ فِيهِ الصِّحَّةُ، وَفِي حَمْلِ بَيْضَةٍ فِيهَا فَرْخٌ مَيِّتٌ وَجْهَانِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا حَمَلَ طَاهِرًا طَائِرًا أَوْ غَيْرَهُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِي مَعْدِنِهَا فَهِيَ كَالنَّجَاسَةِ فِي بَدَنِ الْمُصَلِّي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 حَمَلَهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ طَيَّنَ الْأَرْضَ النَّجِسَةِ، أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا شَيْئًا طَاهِرًا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ، مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَإِنْ صَلَّى عَلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ مِنْ بِسَاطٍ طَرَفُهُ نَجِسٌ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا جَهِلَ كَوْنَهَا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ فَأَزَالَهَا، أَوْ زَالَتْ سَرِيعًا، صَحَّتْ فِي الْأَصَحِّ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ فَعُفِيَ عَنْهُ، كَالْيَسِيرِ فِي الْقَدْرِ، وَفِيهِ وَجْهٌ. [إِذَا بَسَطَ عَلَى النَّجَاسَاتِ شَيْئًا طَاهِرًا] (وَإِنْ طَيَّنَ الْأَرْضَ النَّجِسَةَ، أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا شَيْئًا طَاهِرًا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ لِلنَّجَاسَةِ، وَلَا مُبَاشِرٍ لَهَا، وَكَمَا لَوْ غَسَلَ وَجْهَ آجُرٍّ نَجِسٍ، وَكَسَرِيرٍ تَحْتَهُ نَجِسٌ أَوْ عُلُوٍّ سُفْلُهُ غَصْبٌ (مَعَ الْكَرَاهَةِ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " و" الرِّعَايَةِ " وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ أَوْلَى لِاعْتِمَادِهِ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَعَنْهُ: يُعِيدُ، ذَكَرَهَا الشَّيْخَانِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَيْهَا، أَشْبَهَ مُلَاقَاتَهَا، وَعَنْهُ: إِنْ بَسَطَ عَلَى نَجَاسَةٍ رَطْبَةٍ لَمْ تَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّتِ؛ اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى لِلِاتِّصَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ صَفِيقًا فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، وَحَيَوَانٌ نَجِسٌ كَأَرْضٍ، وَقِيلَ: تَصِحُّ هُنَا صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَكَذَا مَا وُضِعَ عَلَى حَرِيرٍ يَحْرُمُ جُلُوسُهُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، فَيَتَوَجَّهُ إِنْ صَحَّ جَازَ جُلُوسُهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ «وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى خَيْبَرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ غَلَطٌ مِنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، وَالْمَعْرُوفُ صَلَاتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ وَالرَّاحِلَةِ لَكِنَّهُ مِنْ فِعْلِ أَنَسٍ. [إِنْ صَلَّى عَلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ مِنْ بِسَاطٍ طَرَفُهُ نَجِسٌ] (وَإِنْ صَلَّى عَلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ مِنْ بِسَاطٍ) أَوْ حَبْلٍ (طَرَفُهُ نَجِسٌ) لَا يُصِيبُهُ (صَحَّتْ صَلَاتُهُ) ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ لِلنَّجَاسَةِ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِ بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَهُ إِذَا مَشَى، فَلَا تَصِحُّ، وَمَتَى وَجَدَ عَلَيْهِ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ   [المبدع في شرح المقنع] مُصَلٍّ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا اتَّصَلَ مُصَلَّاهُ بِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِأَرْضٍ نَجِسَةٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَاذَاهَا بِصَدْرِهِ إِذَا سَجَدَ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، لِأَنَّهَا فِي حَرِيمِ مُصَلَّاهُ، وَالْهَوَاءُ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، أَشْبَهَ الصَّلَاةَ عَلَى سَقْفِ الْحُشِّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَحَرَّكَ النَّجِسُ بِحَرَكَتِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِ بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَهُ إِذَا مَشَى فَلَا تَصِحُّ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " و" الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِمَا، لِأَنَّهُ مُسْتَتْبِعٌ لَهَا، فَهُوَ كَحَامِلِهَا، فَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ وَسَطِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ فِي نَجَسٍ أَوْ سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ تَنْجَرُّ مَعَهُ إِذَا مَشَى، لَمْ يَصِحَّ، كَحَمْلِهِ مَا يُلَاقِيهَا، وَإِلَّا صَحَّتْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَتْبِعٍ لَهَا، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ "، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، كَمَا لَوْ أَمْسَكَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَقَالَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِمَا هُوَ مُلَاقٍ لِلنَّجَاسَةِ، قَالَ الْمَجْدُ: إِنْ كَانَ الشَّدُّ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ مِمَّا لَا يُمْكِنُ جَرُّهُ مَعَهُ كَفِيلٍ، لَمْ يَصِحَّ كَحَمْلِهِ مَا يُلَاقِيهَا، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِتْبَاعِ الْمُلَاقِي لِلنَّجَاسَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَمْسَكَ سَفِينَةً عَظِيمَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهَا حَبْلٌ بِيَدِهِ طَرَفُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ يَابِسَةٍ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الصِّحَّةُ، وَكَذَا حُكْمُ مَا لَوْ سَقَطَ طَرَفُ ثَوْبِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا دَاسَ النَّجَاسَةَ عَمْدًا فِي الْأَشْهَرِ بَطَلَتْ، وَإِنْ دَاسَهَا مَرْكُوبَةً فَلَا، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلَى إِنْ أَمْكَنَ رَدُّهُ عَنْهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا شَرِبَ خَمْرًا وَلَمْ يَسْكَرْ غَسَلَ فَمَهُ، وَصَلَّى، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَيْءٌ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى يَلْزَمُهُ، وَلِإِمْكَانِ إِزَالَتِهَا، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا» فَالْمُرَادُ نَفْيُ ثَوَابِهَا لَا صِحَّتُهَا، قَالَهُ الْمَجْدُ، وَحُكْمُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ كَذَلِكَ، لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي مَعِدَتِهَا (وَمَتَّى وَجَدَ عَلَيْهِ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ هَلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 هَلْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِيهَا لَكِنَّهُ نَسِيَهَا أَوْ جَهِلَهَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِذَا جَبَرَ سَاقَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ، فَجُبِرَ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَلْعُهُ إِذَا خَافَ الضَّرَرَ،   [المبدع في شرح المقنع] كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ كَوْنِهَا فِي الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهَا بَعْدَهَا، فَلَا نُبْطِلُهَا بِالشَّكِّ (وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِيهَا لَكِنَّهُ نَسِيَهَا أَوْ جَهِلَهَا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " إِحْدَاهُمَا لَا تَبْطُلُ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمَجْدُ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي خَلْعِ النَّعْلَيْنِ، وَلَوْ بَطَلَتْ لَاسْتَأْنَفَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِيَةُ: تَبْطُلُ، وَهِيَ الْأَشْهُرُ فَعَلَى هَذَا يُعِيدُ، لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُشْتَرَطَةٌ فَلَمْ تَسْقُطْ بِالْجَهْلِ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ آكَدُ لِكَوْنِهِ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يُعِيدُ مَعَ النِّسْيَانِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَكَذَا قَالَ الْآمِدِيُّ: يُعِيدُ إِذَا كَانَ قَدْ تَوَانَى رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى التَّفْرِيطِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": الصَّحِيحُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ مَا عُذِرَ فِيهِ بِالْجَهْلِ عُذِرَ فِيهِ بِالنِّسْيَانِ، بَلْ أَوْلَى، لِوُرُودِ النَّصِّ بِالْعَفْوِ عَنْهُ، وَكَذَا الْخِلَافُ إِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَتَّى فَرَغَ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: أَوْ زَادَ مَرَضُهُ بِتَحْرِيكِهِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَوْ جَهِلَ حُكْمَهَا. 1 - تَنْبِيهٌ: إِذَا عَلِمَ بِالنَّجَاسَةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَأَمْكَنَ إِزَالَتُهَا مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ كَثِيرٍ، وَلَا زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ عَلِمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَبْطُلُ أَزَالَهَا وَبَنَى، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَبْطُلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِزَالَتُهَا إِلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ أَوْ مَضَى زَمَنٌ طَوِيلٌ بَطَلَتْ، وَقِيلَ: لَا بَلْ يُزِيلُهَا، وَيَبْنِي (وَإِذَا جَبَّرَ سَاقَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَجُبِّرَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَلْعُهُ إِذَا خَافَ الضَّرَرَ) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " و" التَّلْخِيصِ " وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْجَدُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَالْمُرَادُ بِخَوْفِ الضَّرَرِ فَوَاتُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَرَضٍ، لِأَنَّ حِرَاسَةَ النَّفْسِ وَأَطْرَافِهَا مِنَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ، وَهُوَ أَهَمُّ مِنْ رِعَايَةِ شَرْطِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ سُتْرَةٍ وَلَا مَاءٍ لِلْوُضُوءِ بِزِيَادَةٍ تُجْحِفُ بِمَالِهِ، فَإِذَا جَازَ تَرْكُ شَرْطٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لِحِفْظِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وَإِنْ لَمْ يَخَفْ لَزِمَهُ قَلْعُهُ، وَإِنْ سَقَطَتْ سِنُّهُ فَأَعَادَهَا بِحَرَارَتِهَا فَثَبَتَتْ فَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَعَنْهُ: إنَّهَا نَجِسَةٌ، حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَظْمِ النَّجِسِ إِذَا جَبَّرَ بِهِ سَاقَهُ، وَلَا تَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] مَالِهِ، فَتَرْكُ شَرْطٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِأَجْلِ بَدَنِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ إِذَا لَمْ يَخَفِ التَّلَفَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ خَائِفٍ لِلتَّلَفِ، أَشْبَهَ إِذَا لَمْ يَخَفِ الضَّرَرَ، وَالْأَوَّلُ: أَوْلَى، فَإِنْ سَتَرَهُ اللَّحْمُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَيَمُّمٍ، وَإِلَّا تَيَمَّمَ لَهُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ، وَكَذَا إِذَا خَاطَ جُرْحَهُ بِشَيْءٍ نَجِسٍ، فَإِنْ خَافَ التَّلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً (وَإِنْ لَمْ يَخَفِ) الضَّرَرَ (لَزِمَهُ قَلْعُهُ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِزَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَلَوْ صَلَّى مَعَهُ لَمْ يَصِحَّ، فَإِذَا مَاتَ مَنْ يَلْزَمُهُ قَلْعُهُ، قَلَعَ، وَأَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَغَيْرُهُ: مَا لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ لِلْمُثْلَةِ. (وَإِنْ سَقَطَتْ سِنُّهُ) أَوْ عُضْوُهُ (فَأَعَادَهَا بِحَرَارَتِهَا فَثَبَتَتْ، فَهِيَ طَاهِرَةٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ جُمْلَةٍ، فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ (وَعَنْهُ: إِنَّهَا نَجِسَةٌ) اخْتَارَهَا الْقَاضِي، لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا، وَقَدْ أُبِينَتْ مِنْ حَيٍّ فَتَكُونُ نَجِسَةً (حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَظْمِ النَّجِسِ إِذَا جَبَّرَ بِهِ سَاقَهُ) لِتَسَاوِيهِمَا حِينَئِذٍ فِي أَصْلِ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ: إِنْ ثَبَتَتِ السِّنُّ وَغَيْرُهَا، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ ثَبَتَتْ وَتَرَيَّحَ أَوْ تَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ، وَيُعِيدُ مَا صَلَّى قَبْلَ زَوَالِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ فَإِنَّهُ يُزِيلُهُ، وَيُعِيدُ مَا صَلَّى بِهِ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": أَصْلُهُمَا الرِّوَايَتَانِ فِي نَجَاسَتِهِ. فَرْعٌ: إِذَا جَعَلَ مَوْضِعَ سِنِّهِ سِنَّ شَاةٍ مُذَكَّاةٍ، فَصَلَاتُهُ مَعَهُ مُجْزِئَةٌ ثَبَتَتْ أَوْ لَمْ تَثْبُتْ. وَصِلَةٌ: وَصْلُ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا، زَادَ فِي " الشَّرْحِ " أَوْ شَعْرِ غَيْرِهَا بِشَعْرٍ حَرَامٍ، لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مَلْعُونٌ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَلَا بَأْسَ بِوَصْلِهِ بِقَرَامِلَ، وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ رَجَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَبَعْدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، وَالْأَيِّمُ وَذَاتُ الزَّوْجِ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِإِذْنِ زَوْجٍ، لَكِنْ إِنْ كَانَ شَعْرَ أَجْنَبِيَّةٍ فِي حِلِّ النَّظَرِ إِلَيْهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ شَعْرَ بَهِيمَةٍ كُرِهَ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الشَّعْرُ نَجِسًا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ مَعَهُ فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا، وَقُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَجْهَانِ. [الْأَمَاكِنُ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا] (وَلَا تَصِحُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 الصَّلَاةُ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْحُشِّ، وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ، وَهِيَ الَّتِي تُقِيمُ فِيهَا   [المبدع في شرح المقنع] الصَّلَاةُ فِي الْمَقْبَرَةِ) هِيَ بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ، لَكِنْ بِفَتْحِهَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَبِضَمِّهَا الْمَشْهُورُ، وَبِكَسْرِهَا قَلِيلٌ، وَالشَّيْءُ إِذَا كَثُرَ فِي مَكَانٍ جَازَ أَنْ يُبْنَى مِنِ اسْمِهِ كَقَوْلِهِمْ: أَرْضٌ مَسْبَعَةٌ إِذَا كَثُرَ فِيهَا السِّبَاعُ (وَالْحَمَّامُ) مُشَدَّدٌ وَاحِدُ الْحَمَّامَاتِ الْمَبْنِيَّةِ (وَالْحَشُّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمَّهَا الْبُسْتَانُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَخْرَجِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ فِي الْبَسَاتِينِ، وَهِيَ الْحُشُوشُ، فَسُمِّيَتِ الْأَخْلِيَةُ فِي الْحَضَرِ حُشُوشًا بِذَلِكَ (وَأَعْطَانُ الْإِبِلِ) وَاحِدُهَا عَطَنٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَهِيَ الْمَعَاطِنُ الْوَاحِدُ مَعْطِنٌ بِكَسْرِهَا (وَهِيَ الَّتِي تُقِيمُ فِيهَا، وَتَأْوِي إِلَيْهَا) قَالَهُ أَحْمَدُ، وَقِيلَ: مَكَانُ اجْتِمَاعِهَا إِذَا صَدَرَتْ عَنِ الْمَنْهَلِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَمَا تَقِفُ فِيهِ لِتَرِدَ الْمَاءَ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و " الشَّرْحِ ": وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَرَاحِ الْغَنَمِ لَا نُزُولِهَا فِي سَيْرِهَا. قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ لِعَلَفِهَا لِلنَّهْيِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحٌ، وَالْمَنْعُ مِنْهَا تَعَبُّدٌ، فَيَتَنَاوَلُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَفِي آخَرَ بِأَنَّهَا مَظِنَّةُ النَّجَاسَةِ، فَأُقِيمَتْ مَقَامَهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تَصِحُّ فِي الْمَقْبَرَةِ كَغَيْرِهَا، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، ذَكَرَهَا السَّامِرِيُّ، وَفِي ثَالِثَةٍ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ: صِحَّتُهَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، فَعَلَى هَذَا يُسْتَثْنَى، وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْقَدِيمَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَتَأْوِي إِلَيْهَا، وَالْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا:   [المبدع في شرح المقنع] وَالْجَدِيدَةِ، تَكَرَّرَ نَبْشُهَا أَوْ لَا، وَلَا يَضُرُّ قَبْرَانِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ تُسَمَّى مَقْبَرَةً أَمْ لَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخَشْخَاشَةَ فِيهَا جَمَاعَةُ قَبْرٍ وَاحِدٍ، فَلَا تَمْنَعُ كَمَا لَوْ دُفِنَ بِدَارِهِ مَوْتَى، وَنَصَّ أَحْمَدُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُصَلَّى فِي مسَلخ حَمَّامٍ، وَمِثْلُهُ أَتُونُهُ، وَمَا تَبِعَهُ فِي بِيَعٍ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الصَّلَاةَ فَوْقَ الْحَمَّامِ، وَالصَّحِيحُ: قَصْرُ النَّهْيِ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ، وَأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ إِنْ كَانَ تَعَبُّدًا لَمْ يُقَسْ عَلَيْهِ، وَإِنْ عُلِّلَ فَإِنَّمَا يُعَلَّلُ بِمَظِنَّةِ النَّجَاسَةِ، وَلَا يُتَخَيَّلُ هَذَا فِي أَسْطِحَتِهَا، لَكِنْ يُصَلَّى فِيهَا لِلْعُذْرِ، وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهَا مَنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ، وَلَوْ فَاتَ الْوَقْتُ، وَالْحَشُّ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالتَّنْبِيهِ لِكَوْنِهِ مُعَدًّا لِلنَّجَاسَةِ، وَمَقْصُودًا لَهَا؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ مُنِعَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنَ الْكَلَامِ فِيهِ، فَمَنْعُ الصَّلَاةِ فِيهِ أَوْلَى، وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا أَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا (وَالْمَوْضِعُ الْمَغْصُوبُ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَتَى بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَلَمْ تَصِحَّ كَصَلَاةِ الْحَائِضِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْغَصْبِ بَيْنَ دَعْوَى الْمِلْكِ أَوِ الْمَنْفَعَةِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا إِذَا أَخْرَجَ سَابَاطًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ لَهُ، أَوْ غَصَبَ رَاحِلَةً وَصَلَّى عَلَيْهَا، أَوْ سَفِينَةً أَوْ لَوْحًا فَجَعَلَهُ سَفِينَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ، أَوْ مَسْجِدًا وَغَيَّرَهُ عَنْ هَيْئَتِهِ، أَوْ بَسَطَ طَاهِرًا عَلَى أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ مَغْصُوبًا عَلَى أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرِ الْمَسْجِدَ عَنْ هَيْئَتِهِ، بَلْ مَنَعَ النَّاسَ الصَّلَاةَ فِيهِ، فَصَلَاتُهُ فِيهِ صَحِيحَةٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يُضَمِّنُهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتِ الْأَبْنِيَةُ مَغْصُوبَةً، وَالْبُقْعَةُ حَلَالًا فَرِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: هَذَا إِنِ اسْتَنَدَ إِلَيْهَا، وَإِلَّا كُرِهَتْ وَصَحَّتْ، فَإِنْ صَلَّى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِلَا إِذْنِهِ، أَوْ صَلَّى عَلَى مُصَلَّاهُ بِلَا إِذْنِهِ، وَلَمْ يَغْصِبْهُ، أَوْ أَقَامَ غَيْرَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَصَلَّى فِيهِ، فَوَجْهَانِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْجُمْعَةُ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي مَوْضِعِ غَصْبٍ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 حُكْمُ الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَأَسْطِحَتِهَا كَذَلِكَ، وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ إِلَيْهَا   [المبدع في شرح المقنع] تَخْتَصُّ بِبُقْعَتِهِ، وَفِي طَرِيقِ ضَرُورَةٍ وَحَافَّتَيْهَا، نُصَّ عَلَيْهَا، وَعَلَى رَاحِلَةٍ فِيهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ، وَطَرِيقِ أَبْيَاتٍ يَسِيرَةٍ، وَكَذَا عِيدٌ وَجِنَازَةٌ، جَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَقِيلَ: وَكُسُوفٌ، وَاسْتِسْقَاءٌ (وَعَنْهُ: تَصِحُّ) فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيَّمَا رَجُلٌ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ طَاهِرٌ، فَصَحَّتِ الصَّلَاةُ فِيهِ كَالصَّحْرَاءِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِإِعَادَتِهَا، وَلِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى، وَفِي يَدِهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ (مَعَ التَّحْرِيمِ) لِلنَّهْيِ، وَعَنْهُ: مَعَ الْكَرَاهَةِ وِفَاقًا، وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ إِنْ عُلِمَ النَّهْيُ لِخَفَاءِ دَلِيلِهِ، وَقِيلَ: إِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَحَّتْ. 1 - (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: حُكْمُ الْمَجْزَرَةِ) وَهِيَ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ (وَالْمَزْبَلَةِ) أَيْ: مَرْمَى الزُّبَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً (وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ) أَيْ: الَّتِي تَقْرَعُهَا الْأَقْدَامُ مِثْلِ الْأَسْوَاقِ وَالشَّوَارِعِ، دُونَ مَا عَلَا عَنْ جَادَّةِ الْمَارَّةِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، نُصَّ عَلَيْهِ، وَأَلْحَقَ صَاحِبُ " الرَّوْضَةِ " بِذَلِكَ الْمَدْبَغَةَ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ (وَأَسْطِحَتُهَا كَذَلِكَ) أَيْ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا فِي اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: الْمَزْبَلَةُ، وَالْمَجْزَرَةُ، وَالْمَقْبَرَةُ، وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ فِيهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا، وَلِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَاسْتَثْنَى فِي بَعْضِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحُشَّ فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَلَا تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِي الْكَعْبَةِ، وَلَا عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ، فَبقي فِيمَا عَدَاهَا عَلَى الْعُمُومِ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ يَرْوِيهِ زَيْدُ بْنُ جُبَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِمَا، وَفِي لَفْظٍ وَمَحَجَّةِ الطَّرِيقِ بَدَلَ قَارِعَةٍ، وَهِيَ الطَّرِيقُ الْجَادَّةُ الْمَسْلُوكَةُ فِي السَّفَرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ طَرِيقٍ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مَوْضِعٌ مِنَ الْمَشْيِ فِيهِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ " الشَّرْحِ " لَا بَأْسَ بِطُرُقِ الْأَبْيَاتِ الْقَلِيلَةِ. 1 - تَنْبِيهٌ: أَسْطِحَةُ مَوَاضِعِ النَّهْيِ كَهِيَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ بِدَلِيلِ الْجُنُبِ يُمْنَعُ مِنَ اللُّبْثِ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَيَحْنَثُ بِدُخُولِ سَطْحِ الدَّارِ إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا، فَيَعُودُ الضَّمِيرُ إِلَى الْكُلِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُغْنِي " وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا أَنَّ الْأَسْطِحَةَ لَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ الْقَرَارِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " و " الشَّرْحِ " لِمَا ذَكَرْنَا، قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: لَا سَطْحَ نَهْرٍ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ الصِّحَّةَ، كَالسَّفِينَةِ، قَالَ: وَلَوْ جَمُدَ الْمَاءُ فَكَالطَّرِيقِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمُ الصِّحَّةَ. (وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ إِلَيْهَا) مَعَ الْكَرَاهَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» (إِلَّا الْمَقْبَرَةَ) اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ لِمَا رَوَى أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا إِلَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالْحَشُّ فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: وَحَمَّامٌ، وَشَرْطُهُ لَا حَائِلَ، وَلَوْ كَمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ، وَظَاهِرُهُ لَيْسَ كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ، فَيَكْفِي الْخَطُّ، بَلْ كَسُتْرَةِ الْمُتَخَلِّي، وَلَا يَضُرُّ بَعْدَ كَثِيرٍ عُرْفًا، وَعَنْهُ: لَا يَكْفِي حَائِطُ الْمَسْجِدِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، لِكَرَاهَةِ السَّلَفِ الصَّلَاةَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 ظَهْرِهَا، وَتَصِحُّ النَّافِلَةُ، إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا..   [المبدع في شرح المقنع] مَسْجِدٍ فِي قِبْلَتِهِ حَشٌّ، وَتَأَوَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ النَّصَّ عَلَى سَرَايَةِ النَّجَاسَةِ تَحْتَ مَقَامِ الْمُصَلِّي، وَاسْتَحْسَنَهُ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَعَنْهُ: لَا يُصَلَّى إِلَى ذَلِكَ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَإِنْ فَعَلَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِعَادَةَ عَلَى الْجَمِيعِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ خِلَافَهُ، قَالَ الْقَاضِي: يُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ سَائِرُ مَوَاضِعِ النَّهْيِ إِلَّا الْكَعْبَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ النَّهْيَ عِنْدَهُ تَعَبُّدٌ، وَشَرْطُهُ فَهْمُ الْمَعْنَى. تَذْنِيبٌ: مَا زَالَ اسْمُهُ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ زَالَ الْمَنْعُ مِنْهُ فِي الْأَشْهَرِ، وَالْمُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ بُنِيَ فِي مَقْبَرَةٍ، كَالْمُصَلِّي فِيهَا، لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَقْبَرَةً، لَكِنْ إِنْ حَدَثَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَمْنَعِ الصَّلَاةَ فِيهِ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ، وَكَذَا إِنْ حَدَثَ فِي قِبْلَتِهِ فَهُوَ كَالْمُصَلِّي إِلَيْهَا. مَسْأَلَةٌ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي أَرْضِ السِّبَاخِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يُكْرَهُ كَأَرْضِ الْخَسْفِ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ، وَلَا تَصِحُّ فِي عَجَلَةٍ سَائِرَةٍ، وَلَا أُرْجُوحَةٍ تُحَرَّكُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِرِّ الْقَدَمَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ، كَمَا لَوْ سَجَدَ عَلَى بَعْضِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، وَتَرَكَ الْبَاقِيَ مُعَلَّقًا، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَقَدَّمَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهَا تَصِحُّ عَلَى الْعَجَلَةِ إِذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَالْمَرْبُوطُ فِي الْهَوَاءِ يُومِئُ. 1 - (وَلَا تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِي الْكَعْبَةِ، وَلَا عَلَى ظَهْرِهَا) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَلِلْخَبَرِ. وَالْمُصَلِّي فِيهَا أَوْ عَلَيْهَا غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ لِجِهَتِهَا، وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِيهَا يَسْتَدْبِرُ مِنْهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قِبْلَةً مَعَ الْقُدْرَةِ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ الْفَرْضَ، وَالْمُصَلِّي عَلَيْهَا لَيْسَ مُصَلِّيًا، وَقَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 .. .... .... .... ..   [المبدع في شرح المقنع] أَمَرَ بِالصَّلَاةِ إِلَيْهَا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى مُنْتَهَى الْكَعْبَةِ أَوْ يَقِفَ عَلَيْهِ أَوْ لَا، ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَجَزَمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى مُنْتَهَاهَا، بِحَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ مِنْهَا أَوْ قَامَ خَارِجَهَا وَسَجَدَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ، لِأَنَّهُ اسْتَقْبَلَهُ، وَلَمْ يَسْتَدْبِرْ مِنْهُ شَيْئًا، كَمَا لَوْ صَلَّى إِلَى أَحَدِ أَرْكَانِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ بِخِلَافِهِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ كَمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهَا، وَعَنْهُ: مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَعَنْهُ: إِنْ جَهَلَ النَّهْيَ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ (وَتَصِحُّ النَّافِلَةُ) فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَيْهَا لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " و " الشَّرْحِ " لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْتَ هُوَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلَالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلَالًا فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لَا يُقَالُ: فَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ يُصَلِّ فِيهَا، لِأَنَّهُ نَفْيٌ، وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، خُصُوصًا مِمَّنْ كَانَ حَاضِرَ الْقِصَّةِ، وَلِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّخْفِيفِ وَالْمُسَامَحَةِ، بِدَلِيلِ صِحَّتِهَا قَاعِدًا، أَوْ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْلٌ فَوْقَهَا فِي الْأَصَحِّ، وَيَصِحُّ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ هُنَا، وَشَرْطُهَا (إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا) لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا بَعْضَهَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى إِلَى جِهَةِ الْبَابِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهَا، وَلَا شَاخِصَ مُتَّصِلٌ بِهَا، لَمْ يَصِحَّ، وَذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَنِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقْبَلٍ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَاخِصًا، فَوَجْهَانِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ شَيْءٍ مِنْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ مَوْضِعِهَا وَهَوَائِهَا دُونَ حِيطَانِهَا، بِدَلِيلِ مَا لَوِ انْهَدَمَتْ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا تَصِحُّ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ فَإِنَّهُ أَعْلَى مِنْهَا، وَقِيلَ: لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ إِلَّا فِي حَالِ الْعَجْزِ عَنْهُ، وَالنَّافِلَةُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] تَصِحُّ عَلَى ظَهْرِهَا، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ فِيهَا إِنْ نُقِضَ الْبِنَاءُ، وَصَلَّى إِلَى الْمَوْضِعِ، وَالْحِجْرُ مِنْهَا، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَشَيْءٌ فَيَصِحُّ التَّوَجُّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا، وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي الْمَكِّيِّ، وَيُسَنُّ النَّفْلُ فِيهِ، وَالْفَرْضُ كَدَاخِلِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. مَسْأَلَةٌ: يُسْتَحَبُّ نَفْلُهُ فِيهَا، وَعَنْهُ: لَا، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يُصَلِّي فِيهَا إِذَا دَخَلَ وَجَاهَةً، كَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يَقُومُ كَمَا قَامَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ. [بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ] [حُكْمُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ] بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْقِبْلَةُ الْوُجْهَةُ، وَهِيَ الْفِعْلَةُ مِنَ الْمُقَابَلَةِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا لَهُ قِبْلَةٌ وَلَا دُبْرَةٌ، إِذَا لَمْ يَهْتَدِ لِجِهَةِ أَمْرِهِ، وَأَصْلُ الْقِبْلَةِ فِي اللُّغَةِ: الْحَالَةُ الَّتِي يُقَابِلُ الشَّيْءُ غَيْرَهُ عَلَيْهَا، كَالْجِلْسَةِ لِلْحَالِ الَّتِي يُجْلَسُ عَلَيْهَا، إِلَّا أَنَّهَا الْآنَ صَارَتْ كَالْعَلَمِ لِلْجِهَةِ الَّتِي يَسْتَقْبِلُهَا الْمُصَلِّي، وَسُمِّيَتْ قِبْلَةً لِإِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُقَابِلُهَا، وَهِيَ تُقَابِلُهُ (وَهُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] قَالَ عَلِيٌّ: شَطْرَهُ قِبَلَهُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَتْ شِرْعَةُ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ بِالسُّنَّةِ أَوِ الْقُرْآنِ؛ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعِ، وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُ كَانَ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِصَلَاتِهِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَسُئِلَ عَنْهَا ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ: الْجَوَابُ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثُمَةَ فِي " تَارِيخِهِ " أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَهَلْ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ لِلْمَاشِي؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ   [المبدع في شرح المقنع] صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَصَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ (إِلَّا فِي حَالِ الْعَجْزِ عَنْهُ) كَالْمَرْبُوطِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَالْمَصْلُوبِ وَنَحْوِهِمَا، لِأَنَّهُ شَرْطٌ عَجَزَ عَنْهُ فَسَقَطَ كَالْقِيَامِ، وَمِنْهُ: إِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، وَيَأْتِي (وَالنَّافِلَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ) هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ، وَجَمْعُهُ أَسْفَارٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ (الطَّوِيلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ لِكُلِّ مَنْ سَافَرَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَنْ يَتَطَوَّعَ عَلَى دَابَّتِهِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ (وَالْقَصِيرُ) هُوَ مُغْنٍ عَنِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ فِي الْقَصِيرِ جَازَ فِي الطَّوِيلِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً، وَلِمَا رَوَى هُوَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ إِلَّا الْفَرَائِضَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ فِي التَّطَوُّعِ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى تَقْلِيلِهِ أَوْ قَطْعِهِ، فَاسْتَوَيَا فِيهِ إِذَا كَانَ مُبَاحًا، زَادَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا: إِذَا كَانَ يَقْصِدُ جِهَةً مُعَيَّنَةً لَا مِنْ رَاكِبِ التَّعَاسِيفِ، وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهُوَ أَخْفَضُ مِنْ رُكُوعِهِ، هَذَا إِذَا كَانَ الرَّاكِبُ يَحْفَظُ نَفْسَهُ بِفَخْذَيْهِ وَسَاقَيْهِ كَرَاحِلَةِ الْقَتْبِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْهَوْدَجِ وَالْعَمَارِيَّةِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ في جميعها وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَزِمَهُ كراكب السفينة، لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ غَيْرُ مُشِقٍّ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ دُونَهُمَا لَزِمَهُ وَأَوْمَأَ بِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الآمديُّ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ الْعَامَّةَ يَسْتَوِي فِيهَا مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَغَيْرُهُ، كَالْقَصْرِ وَالْجَمْعِ، وَلَعَلَّهُ موافق لظاهر كَلَامه، وَيُعْتَبَرُ طَهَارَةُ مَحَلِّهِ نَحْوَ سَرْجٍ وَرِكَابٍ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَرْكُوبِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعِيرًا أَوْ غَيْرَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْحَضَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِلسَّائِرِ الرَّاكِبِ خَارِجَ الْمِصْرِ، فَعَلَهُ أَنَسٌ، لِأَنَّهُ رَاكِبٌ أَشْبَهَ الْمُسَافِرَ. (وَهَلْ يَجُوزُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَالْفَرْضُ فِي الْقِبْلَةِ إِصَابَةُ الْعَيْنِ لِمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] التَّنَفُّلُ لِلْمَاشِي) فِي السَّفَرِ سَائِرًا (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، و" الْوَجِيزِ " لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي الرَّاكِبِ، وَالْمَاشِي بِخِلَافِهِ، لِأَنَّهُ يَأْتِي فِي الصَّلَاةِ بِمَشْيٍ مُتَتَابِعٍ وَعَمَلٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْإِلْحَاقُ، وَالثَّانِيَةُ: نَقَلَهَا الْمُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ يَجُوزُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّ الصَّلَاةَ أُبِيحَتْ لِلرَّاكِبِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ عَنِ الْقَافِلَةِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَاشِي. فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ إِذَا أَمْكَنَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ إِلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ، وَيَفْعَلُ مَا سِوَى ذَلِكَ مَاشِيًا إِلَى جِهَةِ سَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُومِئُ بِهِمَا سَيْره، وَقِيلَ: مَا سِوَى الْقِيَامِ يَفْعَلُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ غَيْرَ مَاشٍ. (وَإِنْ أَمْكَنَهُ) أَيِ: الرَّاكِبَ (افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ) أَيْ: بِالْإِحْرَامِ (إِلَى الْقِبْلَةِ) بِالدَّابَّةِ أَوْ بِنَفْسِهِ كَرَاكِبِ رَاحِلَةٍ مُنْفَرِدَةٍ تُطِيعُهُ (فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَنَقَلَهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبُ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا سَافَرَ وَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وُجْهَةُ رِكَابِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ ابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ فَلَزِمَهُ، وكراكب السفينة، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَرَجَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ أَشْبَهَ سَائِرَهَا، وَيُحْمَلُ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنُهُ اسْتِقْبَالُهَا بِهِ كَرَاكِبِ رَاحِلَةٍ لَا تُطِيعُهُ، أَوْ جَمَلٍ مَقْطُورٍ لَا يُمْكِنُهُ إِدَارَتُهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ، أَشْبَهَ الْخَائِفَ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِذَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 قَرُبَ مِنْهَا، وَإِصَابَةُ الْجِهَةِ لِمَنْ بَعُدَ عَنْهَا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِخَبَرٍ ثِقَةٍ عَنْ يَقِينٍ   [المبدع في شرح المقنع] مَشَقَّةٍ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَسَفِينَةٍ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، فَدَلَّ أَنَّهُ وِفَاقٌ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، وَذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " رِوَايَةٌ لِلتَّسَاوِي فِي الرُّخَصِ الْعَامَّةِ فَدَلَّ أَنَّ السَّفِينَةَ كَذَلِكَ كَالْمِحَفَّةِ. تَذْنِيبٌ: إِذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا جَازَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي قَوْلًا: لَا، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ مَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا عُذِرَ مَنْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ، أَوْ عَدَلَ هُوَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَطَالَ، بَطَلَتْ، وَقِيلَ: لَا، فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَسَاهٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْذَرْ بِأَنْ عَدَلَتْ دَابَّتُهُ، وَأَمْكَنَهُ رَدُّهَا، أَوْ عَدَلَ إِلَى غَيْرِهَا مَعَ عِلْمِهِ، بَطَلَتْ، وَكَذَا إِنِ انْحَرَفَ عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ فَصَارَ قَفَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ عَمْدًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَا انْحَرَفَ إِلَيْهِ جِهَةَ الْقِبْلَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ وَقَفَتْ دَابَّتُهُ تَعَبًا أَوْ مُنْتَظِرًا رُفْقَةً أَوْ لَمْ يَسِرْ كَسَيْرِهِمْ أَوْ نَوَى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَهُ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَإِنْ نَزَلَ فِي أَثْنَائِهَا نَزَلَ مُسْتَقْبِلًا وَأَتَمَّهَا، نُصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ فِي أَثْنَائِهَا أَتَمَّ صَلَاةَ مُقِيمٍ، وَإِنْ رَكِبَ مَاشٍ فِيهَا أَتَمَّهَا، وَالْمُقَدَّمُ بُطْلَانُهَا. 1 - (وَالْفَرْضُ فِي الْقِبْلَةِ إِصَابَةُ الْعَيْنِ) أَيْ: عَيْنِ الْكَعْبَةِ (لِمَنْ قَرُبَ مِنْهَا) وَهُوَ مَنْ كَانَ مُعَايِنًا لَهَا، أَوْ نَاشِئًا بِمَكَّةَ، أَوْ كَثُرَ مَقَامُهُ فِيهَا، فَيَلْزَمُهُ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ عَنْهَا، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى عَيْنِهَا قَطْعًا، فَلَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهُ وَالتَّوَجُّهُ إِلَيْهَا ظَنًّا، فَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ بِبَعْضِ بَدَنِهِ عَنْ مَسَامِتِهَا، لَمْ تَصِحَّ، وَقِيلَ: بَلَى فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَائِلٌ أَصْلِيٌّ مِنْ جَبَلٍ وَنَحْوِهِ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ، اجْتَهَدَ إِلَى عَيْنِهَا، وَعَنْهُ: أَوْ إِلَى جِهَتِهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إِنْ تَعَذَّرَ فَكَبَعِيدٍ، وَلَا يَضُرُّ عُلُوٌّ عَلَيْهَا، وَلَا نُزُولٌ عَنْهَا إِذَا أَخْرَجَهُ ذَلِكَ عَنْ بِنَائِهَا، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَوْضِعِهَا، لِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُهَا. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي اسْتِقْبَالِ قِبْلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمُ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ، لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ، وَقَالَ صَاحِبُ " النَّظْمِ " وَكَذَا مَسْجِدُ الْكُوفَةِ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ نَظَرٌ، فَإِنَّ صَلَاةَ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ فِي مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ صَحِيحَةٌ، مَعَ خُرُوجِ بَعْضِهِمْ عَنِ اسْتِقْبَالِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، لِكَوْنِ الصَّفِّ أَطْوَلَ مِنْهَا، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ صَحِيحٌ لَكِنْ إِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ، وَقَدْ فَعَلَهُ (وَإِصَابَةُ الْجِهَةِ لِمَنْ بَعُدَ عَنْهَا) جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " و" الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " و" الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَحَكَاهُ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الِاثْنَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ يَسْتَقْبِلَانِ قِبْلَةً وَاحِدَةً، وَعَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ. لَا يُقَالُ: مَعَ الْبُعْدِ يَتَّسِعُ الْمُحَاذِي، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَّسِعُ مَعَ التَّقَوُّسِ، أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ فَلَا، فَعَلَى هَذَا لَا يَضُرُّ التَّيَامُنُ وَالتَّيَاسُرُ فِي الْجِهَةِ، وَالْبَعِيدُ هُنَا مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُعَايَنَةِ، وَلَا عَلَى مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ إِصَابَةُ عَيْنِهَا اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ الْمَشْهُورُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَقِيَاسًا عَلَى الْقَرِيبِ، وَالْخَبَرِ الْأَوَّلِ: لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِ الْأَمْكِنَةِ بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالْمَدِينَةِ وَمَا شَابَهَهَا، فَعَلَى هَذَا إِنْ تَيَامَنَ أَوْ تَيَاسَرَ بَطَلَتْ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " عَلَيْهَا: إِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ فَخَرَجَ بِوَجْهِهِ عَنِ الْقِبْلَةِ مُنِعَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدُوسَ، وَجَعَلَاهُ فَائِدَةَ الْخِلَافِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي صُورَةٍ يَخْرُجُ فِيهَا الْمُصَلِّي عَنِ اسْتِقْبَالِ الْعَيْنِ إِلَى اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ، وَهَذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْعَيْنِ إِلَى الْجِهَةِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ وَجْهُهُ خَاصَّةً (فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ) أَيْ: مَعْرِفَةُ الْقِبْلَةِ (بِخَبَرٍ ثِقَةٍ) عَدَلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَقِيلَ: أَوْ مَسْتُورٌ أَوْ مُمَيَّزٌ (عَنْ يَقِينٍ) أَيْ: عَنْ عِلْمٍ لَزِمَهُ تَقْلِيدُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ كَالْحَاكِمِ يَقْبَلُ النَّصَّ مِنَ الثِّقَةِ، وَلَا يَجْتَهِدُ، وَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": الْقَادِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ لَيْسَ لَهُ مُتَابَعَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 أَوِ اسْتِدْلَالٍ بِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ وَجَدَ مَحَارِيبَ لَا يَعْلَمُ: هَلْ هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لَا؛ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا وَإِنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ، اجْتَهَدَ فِي طَلَبِهَا   [المبدع في شرح المقنع] الْمُخْبِرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ خَبَرَ فَاسِقٍ، لَكِنْ يَصِحُّ التَّوَجُّهُ إِلَى قِبْلَتِهِ فِي بَيْتِهِ، فَلَوْ شَكَّ فِي حَالِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ شَكَّ فِي إِسْلَامِهِ فَلَا، وَأَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَهُ عَنِ اجْتِهَادٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: أَوْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ قَلَّدَهُ، وَفِي " التَّمْهِيدِ " يُصَلِّيهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، ثُمَّ يُعِيدُ إِذَا قَدَرَ، فَلَا ضَرُورَةَ إِلَى التَّقْلِيدِ، كَعَادِمِ الطَّهُورَيْنِ يُصَلِّي وَيُعِيدُ، وَيَلْزَمُهُ السُّؤَالُ، فَظَاهِرُهُ يَقْصِدُ الْمَنْزِلَ فِي اللَّيْلِ لِيَسْتَخْبِرَ (أَوِ اسْتِدْلَالٌ بِمَحَارِيبَ) وَاحِدُهَا مِحْرَابٌ، وَهُوَ صَدْرُ الْمَجْلِسِ، وَمِنْهُ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ الْغُرْفَةُ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: لَا يَكُونُ مِحْرَابًا إِلَّا أَنْ يَرْتَقِيَ إِلَيْهِ بِدَرَجٍ (الْمُسْلِمِينَ) عُدُولًا كَانُوا أَوْ فُسَّاقًا (لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ) إِذَا عَلَّمَهَا لَهُمْ، لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهَا مَعَ تَكَرُّرِ الْأَعْصَارِ إِجْمَاعٌ عَلَيْهَا، وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا، وَعَنْهُ: يَجْتَهِدُ فَإِنْ أَخْطَأَ فَوَجْهَانِ، وَعَنْهُ: وَلَوْ بِالْمَدِينَةِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَا يَنْحَرِفُ لِأَنَّ دَوَامَ التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ كَالْقَطْعِ كَالْحَرَمَيْنِ (وَإِنْ وَجَدَ مَحَارِيبَ) بِبَلَدٍ خَرَابٍ (لَا يَعْلَمُ هَلْ هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لَا؛ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا) لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهَا، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا آثَارُ الْإِسْلَامِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْبَانِي مُشْرِكًا عَمِلَهَا لِيَغُرَّ بِهَا الْمُسْلِمِينَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهَا لِلْكُفَّارِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ، لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَمَحَارِيبُهُمْ أَوْلَى، وَفِي " الْمُغْنِي " إِذَا عُلِمَتْ قِبْلَتُهُمْ كَالنَّصَارَى إِذَا رَأَى مَحَارِيبَهُمْ فِي كَنَائِسِهِمْ عَلِمَ أَنَّهَا مُسْتَقْبِلَةً لِلْمَشْرِقِ. [مَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فِي السَّفَرِ] (وَإِنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ) وَلَمْ يُمْكِنْهُ مَعْرِفَتُهَا (اجْتَهَدَ فِي طَلَبِهَا) لِأَنَّ مَا وَجَبَ اتِّبَاعُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَجَبَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ عِنْدَ خَفَائِهِ كَالْحُكْمِ فِي الْحَادِثَةِ، وَالْمُجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ هُوَ الْعَالِمُ بِأَدِلَّتِهَا، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَدِلَّةَ شَيْءٍ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ، وَالْجَاهِلُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ أَدِلَّتَهَا وَإِنْ كَانَ فَقِيهًا، وَكَذَا الْأَعْمَى فَهَذَانِ فَرَضَهُمَا التَّقْلِيدُ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ تَعَلُّمُ ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ قَوْمٌ، لِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مِمَّا يَنْدُرُ الْتِبَاسُهُ، وَالْمُكَلَّفُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ مَا يَعُمُّ لَا مَا يَنْدُرُ (بِالدَّلَائِلِ) جَمْعُ دَلِيلٍ، وَهُوَ أُمُورٌ مِنْهَا: النُّجُومُ قَالَ اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 بِالدَّلَائِلِ، وَأَثْبَتَهَا الْقُطْبُ، فَإِذَا جَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، كَانَ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ، وَالشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَمَنَازِلِهِمَا، وَمَا يَقْتَرِنُ بِهَا، كُلُّهَا تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَغْرُبُ فِي الْغَرْبِ عَنْ   [المبدع في شرح المقنع] تَعَالَى {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] (وَأَثْبَتُهَا الْقُطْبُ) لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ عَنْ مَكَانِهِ إِلَّا قَلِيلًا، وَيُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ مَعْرِفَتُهُ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَأَصَحُّهَا وَأَقْوَاهَا الْقُطْبُ بِتَثْلِيثِ الْقَافِ، حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ، وَهُوَ نَجْمٌ خَفِيٌّ شَمَالِيٌّ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ أَنَّهُ الْجَدْيُ، وَحَوْلَهُ أَنْجُمٌ دَائِرَةٌ كَفَرَاشَةِ الرَّحَى، فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا الْجَدْيُ، وَالْآخَرُ الْفَرْقَدَانِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَنْجُمٍ مِنْ فَوْقَ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَسْفَلَ، تَدُورُ هَذِهِ الْفَرَاشَةُ حَوْلَ الْقُطْبِ دَوَرَانَ فَرَاشَةِ الرَّحَى حَوْلَ سَفُّودِهَا، فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَوْرَةً، وَعَلَيْهِ تَدُورُ بَنَاتُ نَعْشٍ، وَهِيَ سَبْعَةُ أَنَجُمٍ مُتَفَرِّقَةٍ مُضِيئَةٍ مِمَّا تَلِي الْفَرْقَدَيْنِ، وَهُوَ خَفِيٌّ جِدًّا يَرَاهُ حَدِيدُ النَّظَرِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْقَمَرُ طَالِعًا (فَإِذَا جَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ كَانَ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ) بِالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ، وَالْجَزِيرَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ ثِقَاتٌ عَنْ يَقِينٍ، وَقِيلَ: يَنْحَرِفُ فِي الشَّامِ إِلَى الشَّرْقِ قَلِيلًا، وَبِالْعِرَاقِ يَجْعَلُهُ حِذَاءَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى عَلَى عُلُوِّهَا، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ الْقُطْبَ أَوِ الْجَدْيَ أَوِ الْفَرْقَدَيْنِ أَوْ بَنَاتِ نَعْشٍ وَرَاءَهُ فَقَدِ اسْتَقْبَلَهَا فِيمَا ذَكَرْنَا، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يَجْتَهِدُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ. (وَالشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَمَنَازِلِهِمَا، وَمَا يَقْتَرِنُ بِهَا، وَيُقَارِبُهَا كُلَّهَا تَطْلُعُ مِنَ الشَّرْقِ، وَتَغْرُبُ فِي الْغَرْبِ عَنْ يَمِينِ الْمُصَلِّي) وَذَلِكَ مَعْلُومٌ، لَكِنَّ الشَّمْسَ تَخْتَلِفُ مَطَالِعُهَا وَمَغَارِبُهَا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ مَنَازِلِهَا، فَتَطْلُعُ قُرْبَ الْجَنُوبِ شِتَاءً، وَقُرْبَ الصَبَا صَيْفًا، وَهِيَ فِي الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ كَمَا ذَكَرَهُ، وَالْقَمَرُ يَبْدُو أَوَّلَ لَيْلَةٍ هِلَالًا فِي الْمَغْرِبِ عَنْ يَمِينِ الْمُصَلِّي، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ كُلَّ لَيْلَةٍ مَنْزِلًا حَتَّى يَكُونَ فِي السَّابِعِ وَقْتُ الْمَغْرِبِ فِي قِبْلَةٍ يُصَلِّي مَائِلًا عَنْهَا قَلِيلًا إِلَى الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يطلع لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الْمَشْرِقِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بَدْرًا فَيَكُونُ مُرَادُهُ عِنْدَ التَّكَامُلِ، وَلَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ يَكُونُ فِي قِبْلَةِ الْمُصَلِّي أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا وَقْتَ الْفَجْرِ، وَلَيْلَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ يَبْدُو عِنْدَ الْفَجْرِ كَالْهِلَالِ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَتَخْتَلِفُ مَطَالِعُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ مَنَازِلِهِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلًا، يَنْزِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَاحِدًا مِنْهَا، وَالشَّمْسُ تَنْزِلُ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ مِنْهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَيَكُونُ عَوْدُهَا إِلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلٍ كَامِلٍ مِنْ أَحْوَالِ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ، فَالْمَنَازِلُ مِنْهَا مَا بَيْنَ طُلُوعِهَا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 يَمِينِ الْمُصَلِّي، وَالرِّيَاحُ الْجَنُوبُ تَهُبُّ، مُسْتَقْبِلَةً لِبَطْنِ كَتِفِ الْمُصَلِّي الْيُسْرَى مَارَّةً إِلَى يَمِينِهِ، وَالشَّمَالُ مُقَابِلَتُهَا تَهُبُّ إِلَى مَهَبِّ الْجَنُوبِ، وَالدَّبُورُ تَهُبُّ مُسْتَقْبِلَةً شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الْأَيْمَنِ، وَالصَبَا مُقَابِلَتُهَا تَهُبُّ إِلَى مَهَبِّهَا فَإِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] غُرُوبِهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَنْزِلًا، وَمِنْ غُرُوبِهَا إِلَى طُلُوعِهَا كَذَلِكَ، فَوَقْتُ الْفَجْرِ مِنْهَا مَنْزِلَانِ، وَالْمَغْرِبُ مَنْزِلٌ، وَهُوَ نِصْفُ سَوَادِ اللَّيْلِ، وَسَوَادُ اللَّيْلِ اثْنَا عَشَرَ مَنْزِلًا (وَالرِّيَاحُ) وَأُمَّهَاتُهَا أَرْبَعٌ، لَكِنْ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الِاسْتِدْلَالُ بِهَا ضَعِيفٌ (الْجَنُوبُ تَهُبُّ مُسْتَقْبِلَةً لِبَطْنِ كَتِفِ الْمُصَلِّي الْيُسْرَى مَارَّةً إِلَى يَمِينِهِ) فِي الزَّاوِيَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْقِبْلَةِ، فَإِذَا اسْتَقْبَلَهَا الْمُصَلِّي كَانَتِ الْقِبْلَةُ بِالْعِرَاقِ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْمَشْرِقُ عَلَى يَسَارِهِ، وَفِي الشَّامِ مِنْ مَطْلَعِ سُهَيْلٍ إِلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ (وَالشَّمَالِ مُقَابِلَتُهَا) تَهُبُّ مِنْ ظَهْرِ الْمُصَلِّي، لِأَنَّ مَهَبَّهَا مِنَ الْقُطْبِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ (تَهُبُّ إِلَى مَهَبِّ الْجَنُوبِ) ، فَإِذَا اسْتَقْبَلَهَا يَكُونُ عَلَى يَمِينِهِ، وَالْمَغْرِبُ عَلَى يَسَارِهِ (وَالدَّبُورُ تَهُبُّ مُسْتَقْبِلَةً شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الْأَيْمَنَ) مِنَ الزَّاوِيَةِ الَّتِي بَيْنَ الْقِبْلَةِ وَالْمَغْرِبِ، فَإِذَا اسْتَقْبَلَهَا يَكُونُ الْقُطْبُ عَلَى يَسَارِهِ، وَالْمَشْرِقُ عَلَى يَمِينِهِ (وَالصَّبَا مُقَابِلَتُهَا تَهُبُّ إِلَى مَهَبِّهَا) فَهِيَ تَهُبُّ يَسْرَةَ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى قِبْلَةِ الشَّامِ، لِأَنَّ مَهَبَّهَا مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ إِلَى مَطْلَعِ الْعَيُوقِ، فَإِذَا اسْتَقْبَلَهَا كَانَتِ الْقِبْلَةُ بِالْعِرَاقِ عَلَى يَسَارِهِ، وَالْمَغْرِبُ عَلَى يَمِينِهِ، وَتُسَمَّى الْقَبُولَ، لِأَنَّ بَابَ الْكَعْبَةِ، وَعَادَةً أَبْوَابُ الْعَرَبِ إِلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ فَتُقَابِلُهُمْ، وَبَقِيَّةُ الرِّيَاحِ عَنْ جُنُوبِهِمْ، وَشَمَائِلِهِمْ، وَمِنْ وَرَائِهِمْ. 1 - فَوَائِدُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُسْتَدَلُّ بِالْأَنْهَارِ الْكِبَارِ غَيْرِ الْمُحَدَّدَةِ، فَكُلُّهَا بِخِلْقَةِ الْأَصْلِ تَجْرِي مِنْ مَهَبِّ الشَّمَالِ مِنْ يَمْنَةِ الْمُصَلِّي إِلَى يَسْرَتِهِ عَلَى انْحِرَافٍ قَلِيلٍ إِلَّا نَهْرَيْنِ أَحَدُهُمَا بِخُرَاسَانَ، وَيُسَمَّى الْمَقْلُوبَ، وَالْآخَرُ بِالشَّامِ، وَيُسَمَّى الْعَاصِي، فَإِنَّهُمَا يَجْرِيَانِ عَكْسَ ذَلِكَ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهَذَا لَا يَنْضَبِطُ، لِأَنَّ الْأُرْدُنَّ بِالشَّامِ يَجْرِي نَحْوَ الْقِبْلَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا يَجْرِي نَحْوَ الْبَحْرِ يَصُبُّ فِيهِ. وَبِالْجِبَالِ، فَإِنَّ غَالِبَ وُجُوهِهَا إِلَى الْقِبْلَةِ خَلْفَهُ يَعْرِفُهُ أَهْلُهُ، وَبِالْمَجَرَّةِ فِي السَّمَاءِ، وَهِيَ أَوَّلُ اللَّيْلِ مُمْتَدَّةٌ عَلَى كَتِفِ الْمُصَلِّي الْأَيْسَرِ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَفِي آخِرِهِ عَلَى الْأَيْمَنِ فِي الصَّيْفِ، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا فِيهِ نَظَرٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْأَكْثَرُ مِنْهُمُ الْمُؤَلِّفُ. 1 - مَسْأَلَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَدِلَّةَ الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ، وَيَتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ، فَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، وَيَتْبَعُ الْجَاهِلُ وَالْأَعْمَى أَوْثَقَهُمَا فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا صَلَّى الْبَصِيرُ فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ لَزِمَهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِقِصَرِ زَمَنِهِ، وَيُقَلَّدُ لِضِيقِ الْوَقْتِ، لِأَنَّ الْقِبْلَةَ يَجُوزُ تَرْكُهَا لِلضَّرُورَةِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْخَوْفِ، وَلَا يُعِيدُ، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ، وَالْأَعْمَى يُقَلِّدُ فِيهِ، وَلَهُ الْعلم بِلَمْسِ مِحْرَابٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ قَلَّدَ غَيْرَهُ، ثُمَّ أَبْصَرَ فِي الصَّلَاةِ، وَفَرْضُهُ قَبُولُ الْخَبَرِ أَتَمَّهَا، وَكَذَا إِنْ كَانَ فَرْضُهُ الِاجْتِهَادَ، وَرَأَى مَا يَدُلُّ عَلَى صَوَابِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا، أَوْ كَانَ قَلَّدَ غَيْرَهُ لِعَمَاهُ بَطَلَتْ فِي الْأَشْهَرِ، وَمَنْ صَلَّى بِاجْتِهَادٍ أَوْ بِيَقِينٍ، ثُمَّ عَمِيَ فِيهَا، بَنَى فَقَطْ. [إِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ] (فَإِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ لَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) لِأَنَّ فَرْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يُؤَدِّي إِلَى اجْتِهَادِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ، كَالْعَالِمَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي الْحَادِثَةِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اخْتِلَافِهِمَا فِي جِهَتَيْنِ أَوْ جِهَةٍ، وَالْأَوَّلُ: الْمَذْهَبُ، وَالثَّانِي: قُوَيْلٌ. وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِظَنِّهِ خَطَأَهُ بِإِجْمَاعٍ، وَذُكِرَ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي جِهَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ صَلَاةِ الْآخَرِ، وَأَنَّ فَرْضَهُ التَّوَجُّهُ إِلَى مَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، كَالْمُصَلِّينَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فَقَطْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَصِحُّ ائْتِمَامُهُ بِهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ حَالَهُ، فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي جِهَةٍ، فَتَيَامَنَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَيَاسَرَ الْآخَرُ، وَفِي صِحَّةِ اقْتِدَاءِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَجْهَانِ، ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْجِهَةِ الْوَاجِبِ اسْتِقْبَالُهَا، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ كَالْحَاكِمِ لَيْسَ لَهُ تَقْلِيدُهُ غَيْرَهُ، وَكَمَا لَوْ كَانَ مُتَّسَعًا، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَهُوَ الَّذِي فِي " التَّلْخِيصِ " وَذَكَرَهُ الْقَاضِي ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ هُوَ فِي مَدِينَةٍ فَتَحَرَّى فَصَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي بَيْتٍ بَعِيدٍ، لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ، وَرَدَّهُ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ الْمَنْعُ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْمِصْرِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّوَصُّلُ بِطَرِيقِ الْخَبَرِ عَنْ يَقِينٍ، فَإِنِ اتَّفَقَ اجْتِهَادُهُمَا فَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، فَمَنْ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ انْحَرَفَ وَأَتَمَّ، وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ الْمُفَارَقَةَ لِلْعُذْرِ وَيُتِمُّ، وَيَتْبَعُهُ مَنْ قَلَّدَهُ فِي الْأَصَحِّ. 1 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: إِذَا صَلَّى بِلَا اجْتِهَادٍ، وَلَا تَقْلِيدٍ أَوْ ظَنَّ جِهَةً بِاجْتِهَادِهِ فَخَالَفَهَا أَعَادَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْأَمْرَانِ لِخَفَاءِ الْأَدِلَّةِ أَوْ عَدَمِ مَنْ يُقَلِّدُهُ لِجَهْلِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِتَحَرٍّ فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ صَلَّى بِلَا تَحَرٍّ أَعَادَ، وَعَنْهُ: يُعِيدُ إِنْ تَعَذَّرَ التَّحَرِّي، وَقِيلَ: وَيُعِيدُ فِي الْكُلِّ إِنْ أَخْطَأَ، وَإِلَّا فَلَا. 1 - (وَيَتَّبِعُ الْجَاهِلُ وَالْأَعْمَى) وُجُوبًا (أَوْثَقُهُمَا فِي نَفْسِهِ) ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " و" الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَعْلَمُهُمَا عِنْدَهُ، وَأَصْدَقُهُمَا قَوْلًا، وَأَشَدُّهُمَا تَحَرِّيًا لِدِينِهِ، لِأَنَّ الصَّوَابَ إِلَيْهِ أَقْرَبُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا قَلَّدَ الْمَفْضُولَ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ "، وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ يَتْرُكُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ الصَّوَابُ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْمُجْتَهِدِ ترك اجتهاده، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ. فَعَلَى هَذَا لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا ذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ الْأَوْلَى كَمَا لَوِ اسْتَوَيَا، وَكَعَامِّيٍّ فِي الْفُتْيَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ، فَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إِصَابَةُ الْمَفْضُولِ لَمْ يَمْنَعْهُ من تَقْلِيد الْفَاضِلِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَدْيَنَ، وَالْآخَرُ أَعْلَمَ، فَوَجْهَانِ، فَلَوْ تَسَاوَيَا، فَمَنْ شَاءَ، وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: إِنِ اخْتَلَفَا فَإِلَى الْجِهَتَيْنِ. تَذْنِيبٌ: إِذَا قَلَّدَ اثْنَيْنِ لَمْ يَرْجِعْ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا بِظَاهِرٍ فَلَا يَزُولُ إِلَّا بِمِثْلِهِ، وَالْمُقَلِّدُ إِذَا أُخْبِرَ فِيهَا بِالْخَطَأِ عَنْ يَقِينٍ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ الَّذِي قَلَّدَهُ، فَالْجَاهِلُ وَالْأَعْمَى أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ عَنِ اجْتِهَادٍ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهَا بِدَلِيلٍ يَقِينًا فَلَا يَزُولُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّ الثَّانِيَ إِنْ كَانَ أَوْثَقَ مِنَ الْأَوَّلِ، وَقُلْنَا: يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ الْأَفْضَلِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلٍ كَالْمُجْتَهِدِ إِذا تغير اجتهاده فِي أَثْنَائِهَا. 1 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 حَضَرٍ، فَأَخْطَأَ، أَوْ صَلَّى الْأَعْمَى بِلَا دَلِيلٍ، أَعَادَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْأَعْمَى مَنْ يُقَلِّدُهُ صَلَّى، وَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ أَخْطَأَ أَعَادَ، وَإِنْ أَصَابَ فَعَلَى   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِذَا صَلَّى الْبَصِيرُ فِي حَضَرٍ فَأَخْطَأَ) أَعَادَ، ذَكَرَهُ مُعْظَمُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِتَفْرِيطٍ، لِأَنَّ الْحَضَرَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلِاجْتِهَادِ، لِقُدْرَةِ مَنْ فِيهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بِاجْتِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَعَنْهُ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ إِذَا صَلَّى بِاجْتِهَادٍ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُسْتَوْعِبِ " لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَخَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ كَالْمُصِيبِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَضِيَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ، وَفِي ثَالِثَةٍ: مَا لَمْ يُحِطْ جَزْمًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَكِّيَّ كَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَأَنَّهُ لَا يُعِيدُ مَعَ الْإِصَابَةِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا إِلَى الْقِبْلَةِ، وَقَدْ وُحِّدَتْ، وَقِيلَ: يُعِيدُ، لِأَنَّهُ تَرَكَ فَرْضَهُ، وَهُوَ السُّؤَالُ، فَإِذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَدْلٌ فِي الْحَضَرِ بِالْقِبْلَةِ فَصَلَّى إِلَيْهَا، وَبَانَ خَطَؤُهُ أَعَادَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِمَا، لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ خَبَرَهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا إِذَا كَانَ مَحْبُوسًا فِيهِ، وَلَا يَجِدُ مَنْ يُخْبِرُهُ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّحَرِّي، وَلَا يُعِيدُ، قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، أَشْبَهَ الْمُسَافِرَ (أَوْ صَلَّى الْأَعْمَى بِلَا دَلِيلٍ، أَعَادَا) كَتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ فِي الْحَضَرِ بِمَنْزِلَةِ الْبَصِيرِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَضَرِ، وَلَمْسِ الْمَحَارِيبِ، وَيُعْلَمُ أَيْضًا بِأَنَّ بَابَ الْمَسْجِدِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعِيدُ وَلَوْ أَصَابَ، لِأَنَّهُ تَرَكَ فَرْضَهُ مَعَ أَنَّهُ يَغْلُبُ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ إِصَابَتِهِ، وَفِيهِ وَجْهُ أَنَّهُ يُعِيدُ مَعَ الْخَطَأِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْأَعْمَى) وَالْمُقَلِّدُ فِي السَّفَرِ (مَنْ يُقَلِّدُهُ) تَحَرَّى، فَإِنْ صَلَّى بِدُونِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قَضَى، وَقِيلَ: إِنْ أَخْطَأَ، فَإِنَّ عَدَمَ التَّحَرِّي (صَلَّى) عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّ لَأَدَّى إِلَى خُلُوِّ الْوَقْتِ عَنْ صَلَاةٍ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، كَعَادِمِ الطَّهُورَيْنِ (وَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ) وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، إِحْدَاهُمَا: يُعِيدُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّهُ صَلَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَجْهَيْنِ، وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَرَادَ صَلَاةً أُخْرَى، اجْتَهَدَ لَهَا، فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، عَمِلَ بِالثَّانِي، وَلَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ.   [المبدع في شرح المقنع] بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، وَعَادِمٌ لِلدَّلِيلِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ أَخْطَأَ أَعَادَ) لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَهُوَ عَدَمُ الْإِصَابَةِ، وَالصَّلَاةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ (وَإِنْ أَصَابَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا يُعِيدُ، لِأَنَّهُ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِيهَا، وَهُوَ إِنْ كَانَ فَرْضُهُ السُّؤَالَ فَقَدْ سَقَطَ بِعَدَمِ الْمَسْئُولِ، وَالثَّانِي: بَلَى، لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْوَقْتِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ اسْتِدْرَاكًا لِمَا حَصَلَ. 1 - (وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ) ثُمَّ شَكَّ فِي اجْتِهَادِهِ، لَمْ يَلْتَفِتْ، وَبَنَى، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا بِظَاهِرٍ، فَلَا يَزُولُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا إِنْ زَالَ ظَنُّهُ، وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُ الْخَطَأُ، وَلَا ظَهَرَ لَهُ جِهَةٌ أُخْرَى (ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ) لِمَا رَوَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ؛ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] » رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ عَجَزَ عَنْهُ أَشْبَهَ سَائِرَ الشُّرُوطِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَدِلَّةِ ظَاهِرَةً فَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، أَوْ مَسْتُورَةً بِغَيْمٍ أَوْ مَا يَسْتُرُهَا عَنْهُ، وَكَذَا إِذَا قَلَّدَ فَأَخْطَأَ مُقَلِّدُهُ (فَإِنْ أَرَادَ صَلَاةً أُخْرَى اجْتَهَدَ لَهَا) لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ فَتَسْتَدْعِي طَلَبًا جَدِيدًا، كَطَلَبِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ، وَكَالْحَادِثَةِ فِي الْأَصَحِّ فِيهَا كَمُفْتٍ وَمُسْتَفْتٍ، وَأَلْزَمُهُ فِيهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ إِنْ لَمْ يَذْكُرْ طَرِيقَ الِاجْتِهَادِ (فَإِنْ تغير اجتهاده عَمِلَ بِالثَّانِي) أَيْ: بالآخر، لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ فِي ظَنِّهِ، وَالْعَمَلُ بِهِ وَاجِبٌ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَإِنَّهُ يَبْنِي نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، لِقِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ، وَالصَّلَاةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 بَابُ النِّيَّةِ وَهِيَ الشَّرْطُ السَّادِسُ لِلصَّلَاةِ، عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ بِعَيْنِهَا   [المبدع في شرح المقنع] تَتَّسِعُ لِاجْتِهَادَيْنِ لِطُولِهَا، بِخِلَافِ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَعَنْهُ: تَبْطُلُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَلْزَمُهُ جِهَتُهُ الْأَوَّلِيَّةُ لِئَلَّا يُنْقَضَ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ (وَلَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ) لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ لَكَانَ نَقْضًا لِلِاجْتِهَادِ بِمِثْلِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِعَدَمِ تَنَاهِيهِ، وَكَالْحَاكِمِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. فَرْعٌ: إِذَا ظَنَّ الْخَطَأَ فِيهَا بَطَلَتْ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِنْ بَانَ لَهُ صِحَّةُ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ اسْتَمَرَّ، وَصَحَّتْ، وَإِنْ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ فِيهَا بَنَى، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ، أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْكُهَا، وَلِأَنَّ مَا مَضَى مِنْهَا كَانَ صَحِيحًا، فَجَازَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَخْبَرَ فِيهَا بِالْخَطَأِ يَقِينًا لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُهُ، فَكَمَنَ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْصُوصِهِ فِي الثِّيَابِ الْمُشْتَبِهَةِ وُجُوبَ الصَّلَاةِ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ النِّيَّةِ] [تَعْرِيفُ النِّيَّةِ وَحُكْمُهَا] بَابُ النِّيَّةِ. النِّيَّةُ مُشَدَّدَةٌ، وَحُكِيَ فِيهَا التَّخْفِيفُ يُقَالُ نَوَيْتُ نِيَّةً وَنَوَاةً، وَأَنْوَيَتُ كَنَوَيْتُ، قَالَهُ الزُّجَاجُ، وَانْتَوَيْتُ كَذَلِكَ، حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ، وَهُوَ عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ: نَوَاكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ أَيْ: قَصَدَكَ بِهِ. وَفِي الشَّرْعِ: الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَالتَّلَفُّظُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، إِذِ الْغَرَضُ جَعْلُ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالنِّيَّةِ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْفِظَ بِمَا نَوَاهُ، وَإِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلى غير مَا نَوَاهُ لَمْ يَضُرَّ، فَإِنْ تَلَفَّظَ بِمَا نَوَاهُ كَانَ تَأْكِيدًا ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَهِيَ الشَّرْطُ السَّادِسُ لِلصَّلَاةِ) أَيْ: لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 إِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، وَإِلَّا أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ الصَّلَاةِ. وَهَلْ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْفَائِتَةِ، وَنِيَّةُ   [المبدع في شرح المقنع] {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ بِعَمَلِهِ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَلِأَنَّهَا قِرْبَةٌ مَحْضَةٌ فَاشْتُرِطَتْ لَهَا النِّيَّةُ كَالصَّوْمِ، وَقِيلَ: فَرْضٌ، وَقِيلَ: رُكْنٌ. وَعَدَّهَا فِي " التَّلْخِيصِ " مَعَ الْأَرْكَانِ لِاتِّصَالِهَا بِهَا، وَإِلَّا فَهِيَ بِالشُّرُوطِ أَشْبَهُ، وَقَالَ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: هِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ شَرْطٌ، وَفِيهَا رُكْنٌ، قَالَ صَاحِبُ " النَّظْمِ ": فَيَلْزَمُ فِي بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ مِثْلُهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ (عَلَى كُلِّ حَالٍ) أَيْ: لَا تَسْقُطُ بِوَجْهٍ، فَهِيَ شَرْطٌ مَعَ الْعِلْمِ، وَالْجَهْلِ، وَالذِّكْرِ، وَالنِّسْيَانِ، وَغَيْرِهَا. (وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ بِعَيْنِهَا إِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً) فَرْضًا كَانَتْ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَوْ نَفْلًا كَالْوِتْرِ وَالسُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ وَنَحْوِهَا، نُصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، فَيَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْفِعْلِ وَالتَّعْيِينِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا، وَقِيلَ: نِيَّةُ الْفَرْضِ تُغْنِي عَنْ تَعْيِينِهِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَقِيلَ: إِذَا نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ فِيهِ، أَوْ مَا عَلَيْهِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ جَهِلَهَا صَحَّ وَكَفَى، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقِيلَ: يَكْفِي نِيَّةُ الصَّلَاةِ فِي نَفْلٍ مُعَيَّنٍ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ (وَإِلَّا أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ) مُطْلَقِ (الصَّلَاةِ) إِذَا كَانَتْ نَافِلَةً مُطْلَقَةً كَصَلَاةِ اللَّيْلِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ فِيهَا (وَهَلْ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْفَائِتَةِ، وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْفَرْضِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) قِيلَ: هُمَا رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ، جَزَمَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُغْنِي عَنْهَا، لِكَوْنِ الظُّهْرِ لَا يَقَعُ مِنَ الْمُكَلَّفِ إِلَّا فَرْضًا، كَمَا أَغْنَى عَنْ نِيَّةِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَالثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِيَتَمَيَّزَ عَنْ ظُهْرِ الصَّبِيِّ، وَعَنِ الْمُعَادَةِ. فَعَلَى هَذَا يُحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ الْفِعْلِ، وَالتَّعْيِينِ، وَالْفَرْضِيَّةِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ فِي الْحَاضِرَةِ، وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ، وَعَكْسُهُ إِذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ، ذَكَرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 الْفَرْضِيَّةِ فِي الْفَرْضِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ وَيَأْتِي بِالنِّيَّةِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ   [المبدع في شرح المقنع] الْأَصْحَابُ، قَالُوا: وَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ، وَعَكْسِهِ أَيْ: مَعَ الْعِلْمِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إِضَافَةُ الْفِعْلِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمَا، وَكَذَا فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: الْأَشْبَهُ اشْتِرَاطُهُ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِيمَا يُقْصَدُ لِعَيْنِهِ كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَام دُونَ الطَّهَارَةِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا نَوَى مَنْ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ فَائِتَتَانِ ظُهْرًا مِنْهُمَا، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ وَاحِدة مِنْهُمَا حَتَّى يُعَيِّنَ السَّابِقَةَ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، وَقِيلَ: بَلَى كَصَلَاتَيْ نَذْرٍ، لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ هُنَا فِي التَّرْتِيبِ، وَإِنْ قَصَدَ بِالْفَائِتَةِ أَنَّهَا ظُهْرُ أَمْسِهِ، وَالْحَاضِرَةِ أَنَّهَا ظُهْرُ يَوْمِهِ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى وَصْفِهِمَا بِالْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ، فَإِنْ كَانَتَا عَلَيْهِ وَحَاضِرَةً، فَتَرَكَ شَرْطًا فِي وَاحِدَةٍ لَزِمَهُ إِعَادَةُ وَاحِدَةٍ فِي الْأَشْهَرِ، فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً فَنَوَاهَا فِي وَقْتِ حَاضِرَةٍ مِثْلِهَا، ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ، لَمْ تُجْزِئْهُ عَنِ الْحَاضِرَةِ فِي الْأَظْهَرِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالثَّانِي: تُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ نَوَى ظُهْرَ أَمْسٍ، وَعَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمٍ قَبْلَهُ. [النِّيَّةُ تَكُونُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ] (وَيَأْتِي بِالنِّيَّةِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) لِأَنَّهُ أَوَّلُ الصَّلَاةِ، لِتَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلْعِبَادَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ، فَإِنْ دَخَلَ بِنِيَّةٍ مُتَرَدِّدَةٍ لَمْ يَصِحَّ (فَإِنْ تَقَدَّمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ) عُرْفًا (جَازَ) هَذَا ظَاهِرُ مَا فِي " التَّلْخِيصِ " و" الْمُحَرَّرِ " وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْجدُّ، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، فَجَازَ تَقْدِيمُ نِيَّتِهَا عَلَيْهَا كَالصَّوْمِ، وَلِأَنَّ أَوَّلَهَا مِنْ أَجْزَائِهَا، فَكَفَى اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ فِيهَا كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَعَلَيْهِ شَرَحَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا رُكْنٌ، فَلَا تُقْبَلُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يَجُوزُ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ كَالصَّوْمِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَاشْتَرَطَ الْآجُرِّيُّ مُقَارَنَتَهَا لِلتَّكْبِيرِ كَالشَّافِعِيِّ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَفْسَخْهَا أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 قَبْلَ ذَلِكَ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، جَازَ، وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ حُكْمَهَا إِلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قَطَعَهَا فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ، وَإِنْ تَرَدَّدْ فِي قَطْعِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بفرض   [المبدع في شرح المقنع] يَقْطَعْهَا وَبَقَاءُ إِسْلَامِهِ، قَالَ فِي " الْوَسِيلَةِ "، و" التَّعْلِيقِ ": أَوْ يَشْتَغِلُ بِعَمَلٍ وَنَحْوِهِ، كَعَمَلِ مَنْ سَلِمَ عَنْ نَقْصٍ. وَقِيلَ: أَوْ يَتَكَلَّمُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ. فَرْعٌ: تَصِحُّ النِّيَّةُ لِلْفَرْضِ مِنَ الْقَاعِدِ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " لَا، وَعَلَيْهِ لَا يَنْعَقِدُ نَفْلًا. [اسْتِصْحَابُ حُكْمِ النِّيَّةِ إِلَى آخِرِ الصَّلَاةِ] (وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ حُكْمَهَا إِلَى آخِرِ الصَّلَاةِ) لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ، فَيُشْتَرَطُ اسْتِصْحَابُهَا كَالصَّوْمِ، وَمَعْنَى الِاسْتِصْحَابِ: أَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا إِذَا ذَهَلَ عَنْهَا أَوْ عَزُبَتْ عَنْهُ فِي أَثْنَائِهَا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ (فَإِنْ قَطَعَهَا فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ) نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ في جميعها، وَقَدْ قَطَعَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ يَنْوِي الْخُرُوجَ مِنْهَا، وَفِي ثَانِيَةٍ: لَا تَبْطُلُ كَالْحَجِّ، وَفَرَّقَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " بِأَنَّ الْحَجَّ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ بِمَحْظُورَاتِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ إِنْ أَعَادَهَا قَرِيبًا، وَهُوَ بِعِيدٌ (وَإِنْ تَرَدَّدَ فِي قَطْعِهَا) أَوْ عَزَمَ عَلَى النَّسْخِ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، لِأَنَّهُ دَخَلَ بِنِيَّةٍ مُتَيَقِّنَةٍ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَالثَّانِي: تَبْطُلُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ النِّيَّةِ شَرْطٌ، وَمَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَبْقَى مُسْتَدِيمًا، وَكَذَا إِنْ عَلَّقَ قَطْعَهَا عَلَى شَرْطٍ، وَصَحَّحَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا عَزَمَ عَلَى فِعْلِ مَحْظُورٍ كَالْحَدِيثِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ. 1 - أَصْلٌ: إِذَا شَكَّ فِيهَا فِي النِّيَّةِ، أَوْ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ اسْتَأْنَفَهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا، فَإِنْ ذَكَرَ مَا شَكَّ فِيهِ قَبْلَ قَطْعِهَا، فَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ إِنْ أَطَالَ اسْتَأْنَفَهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بَنَى، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 فبان قَبْلَ وَقْتِهِ انْقَلَبَ نَفْلًا، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا جَازَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ إِلَّا لِعُذْرٍ مِثْلَ أَنْ يُحْرِمَ مُنْفَرِدًا فَيُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنِ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ بَطَلَتِ الصَّلَاتَانِ. وَمِنْ شَرْطِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ   [المبدع في شرح المقنع] مُبْطِلٌ لَهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ فِيهَا عَمَلًا مَعَ الشَّكِّ بَنَى فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَقَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " لِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُزِيلُ حُكْمَ النِّيَّةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " لِخُلُوِّهِ عَنْ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ: إِنْ كَانَ الْعَمَلُ قَوْلًا لَمْ تَبْطُلْ كَتَعَمُّدِ زِيَادَةٍ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِعْلًا كَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ بَطَلَتْ لِعَدَمِ جَوَازِهِ، كَتَعَمُّدِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. 1 - (فَإِنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ) أَوْ بَانَ عَدَمُهُ أَوْ بِفَائِتَةٍ، فَلَمْ تَكُنِ (انْقَلَبَتْ نَفْلًا) لِأَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِ تَشْمَلُ نِيَّةَ النَّفْلِ، فَإِذَا بَطَلَتْ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ بَقِيَتْ نِيَّةُ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: لَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنَوِّهْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ (وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ، ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا جَازَ) قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ إِكْمَالٌ فِي الْمَعْنَى، كَنَقْضِ الْمَسْجِدِ لِلْإِصْلَاحِ، وَلِأَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ تَضَمَّنَتْهَا نِيَّةُ الْفَرْضِ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ أَبْطَلَ عَمَلَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: لَا تَصِحُّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَا انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إِلَى آخَرَ، وَفِي " الْجَامِعِ " أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهُ أَبْطَلَ عَمَلَهُ لِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَا فَائِدَةٍ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ إِلَّا لِعُذْرٍ) أَيْ: لِغَرَضٍ صَحِيحٍ (مِثْلَ أَنْ يُحْرِمَ مُنْفَرِدًا فَيُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ) قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى أَفْضَلَ مِنْ حَالِهِ، وَذَلِكَ مَطْلُوبٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَهَلْ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْ تَرْكُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، صَرَّحَ فِي " الشَّرْحِ " بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ، حَكَاهَا الْقَاضِي، وَعَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ فَرِيضَةٍ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ حَضَرَ الْإِمَامُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ: يَقْطَعُ صَلَاتَهُ ويدخل مَعَهُمْ. يَتَخَرَّجُ مِنْهُ قَطْعُ النَّافِلَةِ بِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنْ دَخَلَ مَعَهُمْ قَبْلَ قَطْعِهِ، فَفِي الْإِجْزَاءِ رِوَايَتَانِ (وَإِنِ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وَالْمَأْمُومُ حَالَهُمَا و َإِنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] فَرْضٍ بَطَلَتِ الصَّلَاتَانِ) لِأَنَّهُ قَطَعَ نِيَّةَ الْأُولَى، وَلَمْ يَنْوِ لِلثَّانِيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ صَحَّ مَا نَقَلَهُ إِلَيْهِ دُونَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ، وَفِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ إِذَا نَوَى الثَّانِيَ مِنْ أَوَّلِهِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَفِي نَفْلِهِ الْخِلَافُ، وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ نَوَاهَا فَرْضًا، وَاعْتَقَدَ جَوَازَهُ بَعْدَ إِتْمَامِهَا فَرْضًا، كَصَلَاةِ الْفَذِّ خَلْفَ الصَّفِّ، وَفِي الْكَعْبَةِ، وَخَلْفَ الصَّبِيِّ، وَالْمُتَنَفِّلِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَالْأَقْيَسُ بَقَاؤُهَا نَفْلًا، وَإِنِ اعْتَقَدَ عَدَمَ جَوَازِهِ فَوَجْهَانِ، وَظَاهِرُهُ الْبُطْلَانُ، وَقَوْلُهُ: بَطَلَتِ الصَّلَاتَانِ فِيهِ تَجُّوزٌ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَا تُوصَفُ بِهِ. [مِنْ شَرْطِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ حَالَهُمَا] (وَمِنْ شَرْطِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ حَالَهُمَا) أَيْ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، كَالْجُمْعَةِ وِفَاقًا، وَالْمَأْمُومُ لِحَالِهِ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ، وَسُقُوطِ السَّهْوِ عَنِ الْمَأْمُومِ، وَفَسَادِ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ إِمَامِهِ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزَانِ بِالنِّيَّةِ، فَكَانَتْ شَرْطًا، رَجُلًا كَانَ الْمَأْمُومُ أَوِ امْرَأَةً، صُرِّحَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ امْرَأَةً لَمْ يَصِحَّ ائْتِمَامُهَا بِهِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، لِأَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ إِذَا وَقَفَتْ بِجَنْبِهِ، وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ وَلَوْ سَلَّمَ، فَالْمَأْمُومُ مِثْلُهُ، وَلَا يَنْوِي كَوْنَهَا مَعَهُ فِي الْجَمَاعَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِالْفَرْقِ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ فِي الْفَرْضِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ إِنَّمَا تَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، فَاعْتُبِرَتْ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَأَنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ إِمَامُ الْآخَرِ، أَوْ مَأْمُومُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّ مَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ فِي الْأُولَى، وَقِيلَ: تَصِحُّ فُرَادَى، جُزِمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ "، وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ صَحَّتْ فِي الْأُولَى فَرْضًا فُرَادَى، وَكَذَا إِذَا نَوَى إِمَامَةَ مَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُ كَامْرَأَةٍ تَؤُمُّ رَجُلًا، وَإِنْ شَكَّ فِي كَوْنِهِ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ، وَفِي " الْمُجَرَّدِ ": وَلَوْ بعد الفراغ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي الْأَشْهَرِ. 1 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وَإِنْ نَوَى الْإِمَامَةَ، صَحَّ فِي النَّفْلِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْفَرْضِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَصِحَّ وَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] مَسَائِلُ: الْأُولَى: لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْإِمَامِ، وَقِيلَ: بَلَى، فَعَلَى الْأُولَى لَوْ عَيَّنَهُ فَبَانَ غَيْرُهُ بَطَلَتْ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُتِمُّهَا مُنْفَرِدًا. الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَأْمُومِ، وَقِيلَ: بَلَى، فَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ عَيَّنَ مَأْمُومًا وَأَخْطَأَ، فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا جَهِلَ مَا قَرَأَ بِهِ إِمَامُهُ لَمْ يَضُرَّ فِي الْأَشْهَرِ. الرَّابِعَةُ: إِذَا أَحْرَمَ بِجَمَاعَةٍ، فَانْفَضُّوا قَبْلَ رُكُوعِهِمْ بَطَلَتْ، وَقِيلَ: يُتِمُّهَا وَحْدَهُ، وَكَذَا إِنْ أَحْرَمَ ظَنًّا أَنَّهُ يَأْتِيهِ مَأْمُومٌ، ثُمَّ لَمْ يَأْتِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ لَا يَرْجُو مَجِيءَ أَحَدٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ نَوَى زِيدٌ الِاقْتِدَاءَ بِعَمْرٍو، وَلَمْ يَنْوِ عَمْرٌو الْإِمَامَةَ صَحَّتْ صَلَاةُ عَمْرٍو وَحْدَهُ. [إِنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ] (وَإِنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ لَمْ تَصِحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " و" الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الِائْتِمَامَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ نَقَلَ نَفْسَهُ مُؤْتَمًّا، فَلَمْ يَجُزْ كَنِيَّةِ إِمَامَتِهِ فَرْضًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ رَكْعَةً أَوْ لَا، وَفارق نَقْلُهُ إِلَى الْإِمَامَةِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ: تَصِحُّ كَمَا لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ، وَلِأَنَّهُ نَقَلَ نَفْسَهُ إِلَى الْجَمَاعَةِ، فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ، وَعَنْهُ: لَا، وَمَتَى فَرَغَ قَبْلَ إِمَامِهِ، فَارَقَهُ وَسَلَّمَ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَإِنِ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ جَازَ (وَإِنْ) أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ (نَوَى الْإِمَامَةَ صَحَّ فِي النَّفْلِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ يَتَهَجَّدُ وَحْدَهُ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَحْرَمَ مَعَهُ، فَصَلَّى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْفَرْضِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَحْرَمَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَكَمَالِ الْعَدَدِ، ثُمَّ انْفَضُّوا، فَأَحْرَمَ بِالظُّهْرِ، ثُمَّ تَكَامَلَ الْعَدَدُ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَنَوَى الْجُمْعَةَ، وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ فِي فَرْضٍ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 أَصَحُّ عِنْدِي. فَإِنْ أَحْرَمَ مَأْمُومًا، ثُمَّ نَوَى الِانْفِرَادَ لِعُذْرٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى الْإِمَامَةَ لِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ   [المبدع في شرح المقنع] نَفْلٍ، قَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَفِي " الْفُرُوعِ " اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ فِي ابْتِدَائِهَا أَشْبَهَ مَا لَوِ ائْتَمَّ بِمَأْمُومٍ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَصِحَّ) فِيهِمَا (وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَاخْتَارَهَا المؤلف والشيخ تَقِيُّ الدِّينِ، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَحْرَمَ وَحْدَهُ فَجَاءَ جَابِرٌ وَجَبَّارٌ فَصَلَّى بِهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " قُلْتُ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ مُسَاوَاةُ الْفَرْضِ لِلنَّفْلِ فِي النِّيَّةِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، فَصَحَّ كَحَالَةِ الِاسْتِخْلَافِ. (فَإِنْ أَحْرَمَ مَأْمُومًا، ثُمَّ نَوَى الِانْفِرَادَ لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ، وَغَلَبَةِ نُعَاسٍ، وَتَطْوِيلِ إِمَامٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ (جَازَ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «صَلَّى مُعَاذٌ بِقَوْمِهِ، فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَتَأَخَّرَ رَجُلٌ فَصَلَّى وَحْدَهُ فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ: لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؛ مَرَّتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، وَكَالطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَلَوْ زَالَ عُذْرُهُ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَهُ الدُّخُولُ مَعَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ، وَكَمَسْبُوقٍ مُسْتَخْلَفٍ أَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ صَلَاتَهُمْ، فَعَلَى هَذَا إِنْ فَارَقَهُ فِي ثَانِيَةِ الْجُمْعَةِ لِعُذْرٍ، أَتَمَّهَا جُمْعَةً كَمَسْبُوقٍ، وَإِنْ فَارَقَهُ فِي الْأُولَى فَكَمَزْحُومٍ فِيهَا حَتَّى تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ الظُّهْرُ قَبْلَ الْجُمْعَةِ أَتَمَّ نَفْلًا، وَإِنْ فَارَقَهُ فِي قِيَامٍ أَتَى بِبَقِيَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَبِعْدَهَا لَهُ الرُّكُوعُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ ظَنَّ فِي صَلَاةِ سِرٍّ أَنَّ الْإِمَامَ قَرَأَ، لَمْ يَقْرَأْ، وَعَنْهُ: بَلَى، لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الرُّكُوعَ. 1 - فَرْعٌ: لَوْ سَلَّمَ مَنْ لَهُ عُذْرٌ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَجُوزُ، فَيُحْمَلُ فِعْلَ مَنْ فَارَقَ مُعَاذًا عَلَى ظَنِّ الْجَوَازِ، لَكِنْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ الْأَصَحُّ، كَمَا لَوْ تَرَكَ مُتَابَعَةَ إِمَامِهِ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، وَلَا تَبْطُلُ، كَمَا إِذَا نَوَى الْمُنْفَرِدُ الْإِمَامَةَ بَلْ هَاهُنَا أَوْلَى، فَإِنَّ الْمَأْمُومَ قَدْ يَصِيرُ مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَهُوَ الْمَسْبُوقُ إِذَا سَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 صَحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] إِمَامُهُ، وَالْمُنْفَرِدُ لَا يَصِيرُ مَأْمُومًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِحَالٍ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْإِمَامُ كَالْمَأْمُومِ فِي ذَلِكَ. 1 - فَرْعٌ: تَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إِمَامِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لَا عَكْسَهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُتِمُّهَا مُنْفَرِدًا، وَعَنْهُ: لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ، وَيُتِمُّونَهَا فُرَادَى، وَالْأَشْهَرُ: أَوْ جَمَاعَةً، اخْتَارَهُ جَمْعٌ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": إِنْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ رُكْنٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ كَالْحَدَثِ والكلام، فَرِوَايَتَانِ، وَاسْتَثْنَى فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " إِذَا صَلَّى بِهِمْ مُحْدِثًا، وَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى سَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، اسْتِحْسَانًا (وَإِنْ) أَحْرَمَ مَأْمُومًا، ثُمَّ (نَوَى الْإِمَامَةَ لِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ صَحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ لِمَّا طُعِنَ، أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَأَتَمَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَمَا عَابَهُ عَائِبٌ، وَلَا أَنْكَرَهُ مُنْكِرٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِفِعْلِ عَلِيٍّ رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قُلْنَا بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَو لَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ كَتَعَمُّدِهِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلِيُعِدِ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ ابْتَدَأَ، وَمِنْ غَيْرِهِمَا يَبْنِي، لِأَنَّ نَجَاسَتَهُمَا أَغْلَظُ، وَعَنْهُ: يَبْنِي مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ لِخَبَرٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ» . فَعَلَى هَذَا إِذَا احْتَاجَ إِلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ، فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْبِنَاءُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ أَحْرَمَ إِمَامًا لِغَيْبَةِ   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ حِجَازِيٌّ، وَرِوَايَتُهُ عَنِ الْحِجَازِيِّينَ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ. وَإِنْ سَبْقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ فَجَهِلَ هُوَ وَالْمَأْمُومُ حَتَّى فَرَغُوا مِنَ الصَّلَاةِ، فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ صَحِيحَةٌ. تَنْبِيهٌ: إِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفِ الْإِمَامُ، فَاسْتَخْلَفَ الْجَمَاعَةُ أَحَدَهُمْ، أَوْ مَسْبُوقًا مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَوِ اسْتَخْلَفَ كُلُّ طَائِفَةٍ رَجُلًا، أَوْ صَلَّى بَعْضُهُمْ فُرَادَى، أَوْ كُلُّهُمْ، أَوْ تَطَهَّرَ الْإِمَامُ وَأَتَمَّ بِهِمْ قَرِيبًا وَبَنَى، صَحَّ الْكُلُّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِحُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ حَصْرٍ عَنْ قِرَاءَةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ قَصْرٍ، وَنَحْوِهِ، وَظَاهِرُهُ، وَجُنُونٍ، وَإِغْمَاءٍ، وَاحْتِلَامٍ، وَلَوْ مَسْبُوقًا، نُصَّ عَلَيْهِ، وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ، وَلَهُ اسْتِخْلَافُ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ نَصًّا، وَيَبْنِي عَلَى تَرْتِيبِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنِ اسْتَخْلَفَ فِي الرُّكُوعِ لَغَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةَ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنِ اسْتَخْلَفَهُ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ، قَرَأَ لِنَفْسِهِ، وَانْتَظَرَهُ الْمَأْمُومُ، ثُمَّ رَكَعَ وَلَحِقَ الْمَأْمُومَ، وَإِنِ اسْتَخْلَفَ امْرَأَةً وَفِيهِمْ رَجُلٌ، أَوْ أُمِّيًّا وَفِيهِمْ قَارِئٌ، صَحَّتْ صَلَاةُ الثَّانِي بِالنِّسَاءِ وَالْأُمِّيِّينَ فَقَطْ، وَقَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَمَنِ اسْتَخْلَفَ فِيمَا لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ، لَمْ يَمْنَعِ اعْتِدَادَ الْمَأْمُومِ بِهِ. [إِنْ سَبَقَ اثْنَانِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ] (وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ) أَوْ أَكْثَرَ (بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا) أَوِ ائْتَمَّ مُقِيمٌ بِمِثْلِهِ إِذَا سَلَّمَ إِمَامٌ مُسَافِرٌ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ جَمَاعَةٍ إِلَى جَمَاعَةٍ لِعُذْرٍ، فَجَازَ كَالِاسْتِخْلَافِ، وَاسْتَدَلَّ فِي " الشَّرْحِ " بِقَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ تَأَخَّرَ، وَتَقَدُّمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ بِسَلَامِ إِمَامِهِ، فَصَارَ كَالْمُنْفَرِدِ ابْتِدَاءً، وَبَنَاهُ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى عَدَمِ الِاسْتِخْلَافِ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ هُنَا، وَإِنْ صَحَّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْجُمْعَةِ كَمَا جَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، لِأَنَّهَا إِذَا أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ مَرَّةً لَمْ تُقَمْ فِيهِ ثَانِيَةً (وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرِ) السَّبْقِ (لَمْ يَصِحَّ) كَاسْتِخْلَافِ إِمَامٍ بِلَا عُذْرٍ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَنْعُهُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ جَوَازُهُ فِي مَحَلِّ الْعُذْرِ، لِقَضِيَّةِ عُمَرَ، فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 إِمَامِ الْحَيِّ، ثُمَّ حَضَرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَأَحْرَمَ بِهِمْ، وَبَنَى عَلَى صَلَاةِ خَلِيفَتِهِ، وَصَارَ الْإِمَامُ مَأْمُومًا، فَهَلْ تَصِحُّ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ إِلَى الصَّلَاةِ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ يُسَوِّي   [المبدع في شرح المقنع] " الْكَافِي " و" الشَّرْحِ " أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ إِلَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّ فِي جَوَازِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ رِوَايَتَيْنِ. [إِنْ أَحْرَمَ إِمَامًا لِغَيْبَةِ إِمَامِ الْحَيِّ] (وَإِنْ أَحْرَمَ إِمَامًا لِغَيْبَةِ إِمَامِ الْحَيِّ، ثُمَّ حَضَرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، فَأَحْرَمَ بِهِمْ، وَبَنَى عَلَى صَلَاةِ خَلِيفَتِهِ، وَصَارَ الْإِمَامُ مَأْمُومًا فَهَلْ تَصِحُّ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَجُوزُ، لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، وَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا صَحَّحَهُ فِي " الْوَسِيلَةِ " وَذَكَرَ أَنَّهُ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا لَهُ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُسَاوِيهِ فِي الْفَضْلِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَقَطْ. [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] [الْخُرُوجُ إِلَى الصَّلَاةِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ] بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ. يُسَنُّ الْخُرُوجُ إِلَيْهَا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَيُقَارِبُ خُطَاهُ، وَيَقُولُ مَا وَرَدَ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا، وَلَا بَطَرًا، وَلَا رِيَاءً، وَلَا سُمْعَةً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سُخْطِكَ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُنْقِذَنِي مِنَ النَّارِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، أَقْبَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ» . فَإِذَا وَصَلَ الْمَسْجِدَ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ، وَالْيُسْرَى فِي عَكْسِهِ، وَيَقُولُ مَا وَرَدَ، وَلَا يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ، وَلَا يَخُوضُ فِي حَدِيثِ الدُّنْيَا، وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ سَمِعَ الْإِقَامَةِ لَمْ يَسْعَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ خَارِجَهُ، وَنَصُّهُ: لَا بَأْسَ بِهِ يَسِيرًا إِنْ طَمَعَ أَنَّهُ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأَوْلَى، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ. 1 - (السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ إِلَى الصَّلَاةِ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ) كَذَا فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ فَاسْتُحِبَّ الْمُبَادَرَةُ إِلَيْهَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ، وَهَذَا إِنْ رَأَى الْإِمَامَ، وَإِلَّا قَامَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْإِمَامُ غَائِبًا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ: أَوْ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَقُومُوا حَتَّى يَرُوهُ، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ قَامُوا قَبْلَ رُؤْيَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ: يَنْبَغِي أَنْ تُقَامَ الصُّفُوفُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْأولَى أَنْ يَقُومَ إِمَامٌ، ثُمَّ مَأْمُومٌ، وَلَا يُحْرِمِ الْإِمَامُ حَتَّى تَفْرَغَ الْإِقَامَةُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُلِّ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ، وَعُلِمَ مِنْهُ جَوَازُ إِقَامَةِ الْمُقِيمِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ إِلَيْهَا هُوَ التَّوَجُّهُ إِلَيْهَا لِيَشْمَلَ الْعَاجِزَ عَنْهُ (ثُمَّ يُسَوِّي الْإِمَامُ الصُّفُوفَ) بِالْمَنَاكِبِ وَالْأَكْعُبِ اسْتِحْبَابًا، فَيَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ: اسْتَوُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَقُولُ عَنْ يَسَارِهِ: اعْتَدِلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ، وَيُكْمِلُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَيَتَرَاصُّونَ قَالَ أَنَسٌ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ فَيَقُولُ: تَرَاصُّوا، وَاعْتَدِلُوا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 الْإِمَامُ الصُّفُوفَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا لَزِمَهُ   [المبدع في شرح المقنع] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ الْبُخَارِيُّ «فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ: يَجِبُ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرَهُ فَقَالَ: لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» وَمَنْ ذَكَرَ الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فَمُرَادُهُ ثُبُوتُ اسْتِحْبَابِهِ لَا نَفْيَ وُجُوبِهِ. فَائِدَةٌ: يَمِينِهِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يَقْطَعُهُ الْمِنْبَرُ، وَعَنْهُ: مَا يَلِيهِ لِلرِّجَالِ أَفْضَلُ، وَلَوْ ثَوَابُهُ، وَثَوَابُ مَنْ وَرَاءَهُ مَا اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ، فَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْهُ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَظَاهِرُ مَا حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّ بِقُرْبِهِ أَفْضَلَ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّ بَعْدَ يَمِينِهِ لَيْسَ أَفْضَلَ مِنْ قُرْبِ يَسَارِهِ، وَلِلْأَفْضَلِ تَأْخِيرُ الْمَفْضُولِ، وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ فَتُسْتَثْنَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا، وَفِي كَرَاهَةِ تَرْكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِقَادِرٍ وَجْهَانِ، وَالصَّفُّ الْأَخِيرُ لِلنِّسَاءِ أَفْضَلُ. [تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ] (ثُمَّ يَقُولُ) قَائِمًا فِي فَرْضٍ مَعَ الْقُدْرَةِ (اللَّهُ أَكْبَرُ) إِلَّا بِهَا نُطْقًا وَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَأَنَّ الدُّخُولَ فِيهَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ. فَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُمْ مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ (لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا) نُصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ حَتَّى يَضَعَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: «إِذَا قُمْتَ فَكَبِّرْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَنْقُلْ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَفْتِحُهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا تَنْعَقِدُ بِقَوْلِ: اللَّهُ أَكْبَرُ أَوِ الْكَبِيرُ أَوِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 تَعَلُّمُهَا، فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ، كَبَّرَ بِلُغَتِهِ، وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ كُلِّهِ، وَيُسِرُّ غَيْرُهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْجَلِيلُ، وَلَا: اللَّهُ أَقْبَرُ بِالْقَافِ، وَلَا: اللَّهُ فَقَطْ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَتَصِحُّ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا نَكَّسَهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا مَدَّ هَمْزَةَ اللَّهِ، لَمْ تَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَعْنَى، فَصَارَ اسْتِفْهَامًا، وَكَذَا إِنْ قَالَ: أَكْبَارُ، لِأَنَّهُ يَعْنِي جَمْعَ كَبَرٍ، وَهُوَ الطَّبْلُ، وَإِنْ مَطَّطَهُ كُرِهَ مَعَ بَقَاءِ الْمَعْنَى وَصَحَّتْ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا تَمَّمَهُ رَاكِعًا، أَوْ أَتَى بِهِ فِيهِ، أَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا، أَوْ أَتَمَّهُ قَائِمًا، انْعَقَدَتْ فِي الْأَصَحِّ نَفْلًا، كَسُقُوطِ الْقِيَامِ فِيهِ، وَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ إِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي نَفْلٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا) لِأَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا كَالْفَاتِحَةِ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " فِي مَكَانِهِ أَوْ فِيمَا قَرُبَ مِنْهُ، وَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": إِنْ كَانَ فِي الْبَادِيَةِ لَزِمَهُ قَصْدُ الْبَلَدِ لِتَعَلُّمِهِ، وَلَا تَكْفِيهِ التَّرْجَمَةُ بَدَلًا، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ (فَإِنْ) عَجَزَ أَوْ (خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ) ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنِ اللَّفْظِ فَلَزِمَهُ الإتيان بمعناه كَلَفْظَةِ النِّكَاحِ، وَعَنْهُ: لَا يُكَبِّرُ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ تَعَيَّنَتْ صِيغَتُهُ، فَلَمْ يُتَرْجِمْ عَنْهُ، كَالْقِرَاءَةِ، وَكَالْقَادِرِ فَيُحْرِمُ بِقَلْبِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْبَعْضِ قَالَهُ، وَحُكْمُ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ كَالتَّكْبِيرِ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمُسِنُّونَ، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، نُصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ تُرْجِمَ عَنْهُ بَطَلَتْ. 1 - فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ: إِذَا عَرَفَ لِسَانًا فَارِسِيًّا، وَسُرْيَانِيًّا فَثَالِثُهَا يُخَيَّرُ، وَيُقَدَّمَانِ عَلَى التُّرْكِيِّ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ كَمَا يُخَيَّرُ بَيْنَ التُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ. الثَّانِي: يَلْزَمُ الْأَخْرَسَ، وَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ النُّطْقِ، تَحْرِيكُ لِسَانِهِ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرُهُمَا، لِأَنَّ الصَّحِيحَ يَلْزَمُهُ النُّطْقُ بِتَحْرِيكِ لِسَانِهِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ الْآخَرُ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ، وَرَجَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لَا، كَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ الْقِيَامُ سَقَطَ عَنْهُ النُّهُوضُ إِلَيْهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 بِهِ وَبِالْقِرَاءَةِ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مِنِ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ مَمْدُودَةَ الْأَصَابِعِ،   [المبدع في شرح المقنع] عَبَثٌ، وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِهِ كَالْعَبَثِ بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْقَادِرَ ضَرُورَةً. (و) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَجْهَرَ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ كُلِّهِ) بِحَيْثُ يُسْمِعُ مَنْ خَلْفَهُ، وَأَدْنَاهُ سَمَاعُ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ مَطْلُوبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُتَابَعَةِ الْمَأْمُومِينَ لِإِمَامِهِمْ، وَكَذَا جَهْرُهُ بِتَسْمِيعٍ وَسَلَامٍ، وَقِرَاءَةٍ فِي جَهْرِيَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِسْمَاعُهُمْ، جَهَرَ بِهِ بَعْضُهُمْ لِيُسْمِعَهُمْ، لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ، فَإِذَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُنَا» وَكَذَا حُكْمُ جَهْرِهِ بِتَحْمِيدٍ، وَسَلَامٍ لِحَاجَةٍ فَيُسَنُّ (وَيُسَرُّ غَيْرُهُ بِهِ) أَيْ: بِالتَّكْبِيرِ (وَبِالْقِرَاءَةِ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، وَرُبَّمَا لُبِسَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَإِنَّمَا سُنَّ لَهُ الْإِسْرَارُ بِهَا فِي حَالِ إِخْفَاءِ الْإِمَامِ لَا فِي حَالِ جَهْرِهِ، لِأَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْإِنْصَاتُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَسْنُونَيَّةِ الْإِسْرَارِ وَالْإِنْصَاتِ مُتَنَاقِضٌ (بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَجْهَرَ بِكُلِّ قَوْلٍ وَاجِبٍ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَلَامًا بِدُونِ الصَّوْتِ، وَهُوَ مَا يَتَأَتَّى سَمَاعُهُ، وَأَقْرَبُ السَّامِعِينَ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَهَذَا لَيْسَ يُفِيدُ فِي مَسْنُونِيَّةِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ يَلِيهِ فَقَطْ لَكَانَ مُسِرًّا آتِيًا بِالْمَقْصُودِ، وَهَذَا إِنْ لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ سَمَاعِ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ، فَبِحَيْثُ يَحْصُلُ السَّمَاعُ مَعَ عَدَمِهِ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) نُدِبَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ عِنْدَ افْتِتَاحِهَا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ اتِّفَاقًا، وَيُقَالُ لِتَارِكِهِ: تَارِكُ السُّنَّةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا بَأْسَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مُبْتَدِعٌ; فَإِنْ عَجَزَ عَنْ رَفْعِ إِحْدَى يَدَيْهِ رَفَعَ الْأُخْرَى; فَإِنْ كَانَتَا فِي كُمَّيْهِ رَفْعَهُمَا لِخَبَرِ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ (مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ) أَيْ: يَكُونُ ابْتِدَاءُ الرَّفْعِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ، وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حَجَرٍ: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ» وَلِأَنَّ الرَّفْعَ لِلتَّكْبِيرِ فَكَانَ مَعَهُ، وَعَنْهُ: يَرْفَعُهُمَا قَبْلَ التَّكْبِيرِ، ثُمَّ يَحُطُّهُمَا بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ يَنْفِي الْكِبْرِيَاءَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ، وَبِالتَّكْبِيرِ يُثْبِتُهَا لِلَّهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 مَضْمُومَةً بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ، أَوْ إِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ يَضَعُ كَفَّ   [المبدع في شرح المقنع] وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ كَكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، فَإِنْ تَرَكَ الرَّفْعَ حَتَّى فَرَغَ مِنَ التَّكْبِيرِ لَمْ يَرْفَعْ، لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا (مَمْدُودَةَ الْأَصَابِعِ) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَدًّا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (مَضْمُومًا بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ الْأَصَابِعَ إِذَا ضُمَّتْ تَمْتَدُّ، وَعَنْهُ: مُفَرَّقَةٌ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَبَّرَ نَشَرَ أَصَابِعَهُ» ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: إِنَّهُ خَطَأٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ الْمَدَّ، لِأَنَّ النَّشْرَ لَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ كَنَشْرِ الثَّوْبِ، وَيَكُونُ مُسْتَقْبَلًا بِبُطُونِهِمَا الْقِبْلَةَ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، و" الْمُبْهِجُ " و" الْفُرُوعُ " وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ مِنْهُمُ الْمُؤَلِّفُ، وَقِيلَ: قَائِمَةٌ حَالَ الرَّفْعِ وَالْحَطِّ (إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ أَوْ إِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ) ذَكَرَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَشْهَرُ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ إِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِهِمَا، وَعَنْهُ: «يَرْفَعُهُمَا إِلَى مَنْكِبَيْهِ» اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذُكِرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّ مَيْلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِلَى هَذَا أَكْثَرُ لِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقُرْبِهِمْ، وَعَنْهُ: إِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ، وَعَنْهُ: إِلَى صَدْرِهِ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: يُجَاوِزُ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَهُ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَجْعَلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِبْهَامَيْهِ عِنْدَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَقَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرَّفْعِ الْمَسْنُونِ حَسَبَ إِمْكَانِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُهُمَا إِلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى أُذُنَيْهِ رَفَعَهُمَا، لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَزِيَادَةٍ، وَيَسْقُطُ بِفَرَاغِ التَّكْبِيرِ كُلِّهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ الْيُسْرَى، وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكُ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: كَشَفَ يَدَيْهِ هُنَا، وَفِي الدُّعَاءِ أَفْضَلُ، وَرَفَعُهُمَا إِشَارَةٌ إِلَى الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، كَمَا أَنَّ السَّبَّابَةَ إِشَارَةٌ إِلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ. [وَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ السُّرَّةِ] (ثُمَّ يَضَعُ كَفَّ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ الْيُسْرَى) نُصَّ عَلَيْهِ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ: «ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَالرُّسْغِ، وَالسَّاعِدِ» وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: بَعْضُهَا عَلَى الْكَفِّ، وَبَعْضُهَا عَلَى الذِّرَاعِ، لَا بَطْنُهَا عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَجَزَمَ بِمِثْلِهِ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ "، وَمَعْنَاهُ: ذُلٌّ بَيْنَ يَدَيْ عِزٍّ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الرَّقِّيُّ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ، وَعَنْهُ: يُرْسِلُهُمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَعَنْهُ: فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ) فِي أَشْهَرَ الرِّوَايَاتِ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرُهُ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: مِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَذُكِرَ فِي " التَّحْقِيقِ " أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيلَ لِلْقَاضِي: هُوَ عَوْرَةٌ فَلَا يَضَعُهُمَا عَلَيْهِ كَالْعَانَةِ، وَالْفَخِذِ؛ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَوْرَةَ أَوْلَى، وَأَبْلَغُ بِالْوَضْعِ عَلَيْهِ لِحِفْظِهِ، وَعَنْهُ: تَحْتَ صَدْرِهِ، وَفَوْقَ سُرَّتِهِ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ، اخْتَارَهُ فِي " الْإِرْشَادِ " لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَأْثُورٌ، وَظَاهِرُهُ يُكْرَهُ وَضْعُهُمَا عَلَى صَدْرِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ رَوَاهُ. [النَّظَرُ إِلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ] (وَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَلِّبُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَتِ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ» وَرَوَاهُ سَعِيدٌ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثَنَا أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَزَادَ فِيهِ، قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ مُصَلَّاهُ، وَلِأَنَّهُ أَخْشَعُ، وَأَكَفُّ لِنَظَرِهِ إِلَّا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَحَالِ إِشَارَتِهِ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى سَبَّابَتِهِ لِخَبَرِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَصَلَاتُهُ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَفِي " الْغُنْيَةِ " يُكْرَهُ إِلْصَاقُ الْحَنَكِ بِالصَّدْرِ عَلَى الثَّوْبِ، وَأَنَّهُ يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَرِهَتْهُ. [دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ] (ثُمَّ يَقُولُ) سِرًّا (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،   [المبدع في شرح المقنع] غَيْرُكَ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَنُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ، وَقَدْ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَصَحَّحَ أَحْمَدُ قَوْلَ عُمَرَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدَةَ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ، وَبِأَنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوهٍ لَيْسَتْ بِذَاكَ، وَلَيْسَتْ (وَجَّهْتُ وَجْهِي) وَالْآيَةُ بَعْدَهَا أَفْضَلَ لِخَبَرِ عَلِيٍّ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ قَوْلَ مَا فِي خَبَرِ عَلِيٍّ كُلِّهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ جَمْعَهُمَا أَفْضَلُ، وَيَجُوزُ بِمَا وَرَدَ، نُصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ نَوْعٍ أَحْيَانًا، وَكَذَا صَلَاةُ الْخَوْفِ، وَلَا يَجْهَرُ بِهِ إِمَامٌ، وَإِنَّمَا جهَر بِهِ لِيُعلمَ النَّاسَ (ثُمَّ يَقُولَ) سِرًّا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] أَيْ: إِذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَعَنْهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَقَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَرْفُوعِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيَادَةِ، وَالْأَخْذُ بِهَا أَوْلَى، لَكِن ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَعَنْهُ: بَعْدَ كَمَالِهَا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، اخْتَارَهَا فِي " التَّنْبِيهِ "، وَالْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيُّ جَمَعَا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَكَيْفَمَا تَعَوَّذَ فَحَسُنٌ، وَهَذَا كُلُّهُ وَاسِعٌ. مَسْأَلَةٌ: الِاسْتِفْتَاحُ، وَالتَّعَوُّذُ سُنَّتَانِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: وَاجِبَانِ، اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَعَنْهُ: التَّعَوُّذُ، وَيَسْقُطَانِ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِمَا كَالْبَسْمَلَةِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ التَّعَوُّذَ أَوَّلَ كُلِّ قُرْبَةٍ. [قِرَاءَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] (ثُمَّ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَأَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ فِي قَوْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وَلَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ. وَلَا يُجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَفِيهَا إِحْدَى عَشْرَةَ   [المبدع في شرح المقنع] أَكْثَرِهِمْ، لِمَا رَوَى نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ قَالَ: «صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى بَلَغَ {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسِرُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ» وَزَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فِي الصَّلَاةِ (وَلَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ) جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ،، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالْجَدُّ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي إِجْمَاعًا سَابِقًا، وَكَغَيْرِهَا؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَوْ كَانَتْ آيَةً لَعَدَّهَا، وَبَدَأَ بِهَا، وَلَمَا تَحَقَّقَ التَّنْصِيفُ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ ثَنَاءٌ وَتَمْجِيدٌ أَرْبَعُ آيَاتٍ وَنِصْفٌ، وَمَا هُوَ لِلْآدَمِيِّ اثْنَانِ وَنِصْفٌ، لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ إِجْمَاعًا، لَكِنْ حَكَى الرَّازِيُّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا ثَمَانِ آيَاتٍ، «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] إِنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْعَادُّونَ أَنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً بِدُونِ الْبَسْمَلَةِ، وَهِيَ قُرْآنٌ عَلَى الْأَصَحِّ آيَةٌ مِنْهُ، وَكَانَتْ تَنْزِلُ فَصْلًا بَيْنَ السُّورِ غَيْرَ (بَرَاءَةَ) وَعَنْهُ: لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا فِي (النَّمْلِ) فَإِنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ فِيهَا إِجْمَاعًا، فَلِهَذَا نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا تُكْتَبُ أَمَامَ الشِّعْرِ، وَلَا مَعَهُ، وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ، قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ يَشُوبُهُ الْكَذِبُ وَالْهُجْرُ غَالِبًا (وَعَنْهُ: أَنَّهَا مِنْهَا) اخْتَارَهَا ابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ شِهَابٍ لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُنْزِلَ عَلَيَّ سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقِرَاءَتِهَا مَعَ الْفَاتِحَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى كِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ. 1 - ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَسْمَلَةِ عَظِيمَةٌ صَنَّفَ فِيهَا الْأَئِمَّةُ، مِنْهُمُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ الْأُصُولِيُّونَ: وَقُوَّةُ الشُّبْهَةِ فِي (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) مَنَعَتِ التَّكْفِيرَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ، خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ. فَائِدَةٌ: تُكْتَبُ أَوَائِلَ الْكُتُبِ، كَمَا كَتَبَهَا سليمان والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَإِلَى قَيْصَرَ وَغَيْرِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، فَتُذْكَرُ فِي ابْتِدَاءِ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ، وَالْخُرُوجِ مِنْهُ لِلتَّبَرُّكِ، وَهِيَ تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ إِذَا ابْتَدَأَ فِعْلًا تَبَعًا لِغَيْرِهَا لَا مُسْتَقِلَّةَ، فَلَمْ تُجْعَلْ كَالْحَمْدَلَةِ، وَنَحْوِهَا. 1 - (وَلَا يُجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) قَدْ مَضَى شَرْحُهُ، وَالْآنَ لَا يُجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ، وَإِنْ قُلْنَا هِيَ مِنَ الْفَاتِحَةِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا خِلَافَ عَنْهُ فِيهِ، وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ: لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ، وَلَا فِي آخِرِهَا» وَعَنْهُ: يَجْهَرُ لِأَخْبَارٍ مِنْهَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا أَمَّ النَّاسَ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إِسْنَادُهُمْ كُلِّهِمْ ثِقَاتٌ، وَعَنْهُ: بِالْمَدِينَةِ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهَا سُنَّةٌ، لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يُنْكِرُونَهَا، كَمَا جَهَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَعَنْهُ: يُجْهَرُ فِي نَفْلٍ، وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: هِيَ مِنَ الْفَاتِحَةِ جَهَرَ بِهَا، وَاخْتَارَ تَقِيُّ الدِّينِ: يُجْهَرُ بِهَا وَبِالتَّعَوُّذِ، وَبِالْفَاتِحَةِ بِالْجِنَازَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ أَحْيَانًا، فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ تَعْلِيمًا لِلسُّنَّةِ، وَلِلتَّأْلِيفِ، وَيُخَيَّرُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ في الْجَهْرِ بِهَا، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَكَالْقِرَاءَةِ وَالتَّعَوُّذِ، وَعَنْهُ: يَجْهَرُ، وَعَنْهُ: لَا. [قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ] (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) وَهِيَ رُكْنٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ مَرْفُوعًا: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ يَقُولُهُ ثَلَاثًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْخِدَاجُ: النُّقْصَانُ فِي الذَّاتِ نَقْصَ فَسَادٍ وَبُطْلَانٍ. تَقُولُ الْعَرَبُ: أَخْدَجَتِ النَّاقَةُ وَلَدَهَا أَيْ: أَلْقَتْهُ، وَهُوَ دَمٌ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ. فَإِنْ نَسِيَهَا فِي رَكْعَةٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِيمَا بَعْدَهَا مَرَّتَيْنِ، وَيَعْتَدُّ بِهَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَعَنْهُ: فِي الْأُولَيَيْنِ، وَعَنْهُ: يَكْفِي آيَةٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصُرَتْ، وَلَوْ كَانَتْ كَلِمَةً، وَعَنْهُ: سَبْعٌ، وَعَنْهُ: مَا تَيَسَّرَ، وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ قِرَاءَةٌ فِي غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ، وَالْفَجْرِ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْفَاتِحَةَ تَتَعَيَّنُ فِي رَكْعَةٍ، وَيَأْتِي حُكْمُ الْمَأْمُومِ فِي قِرَاءَتِهَا. 1 - بَدِيعَةٌ: سُمِّيَتْ بِالْفَاتِحَةِ، لِأَنَّهُ يُفْتَتَحُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَبِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَتُسَمَّى الْحَمْدَ، وَالسَّبْعَ الْمَثَانِيَ، وَأُمَّ الْكِتَابِ، وَالْوَاقِيَةَ، وَالشَّافِيَةَ، وَالْأَسَاسَ، وَالصَّلَاةَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 تَشْدِيدَةً، فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا، أَوْ تَشْدِيدَةً مِنْهَا، أَوْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ كَثِيرٍ، أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا، فَإِذَا قَالَ: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ: آمِينَ يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ   [المبدع في شرح المقنع] وَأُمَّ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَقْرِيرُ أُمُورِ الْإِلَهِيَّاتِ، وَالْمَعَادِ، وَالنُّبُوَّاتِ، وَإِثْبَاتِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لِلَّهِ تَعَالَى فَالْحَمْدُ لِلَّهِ) إِلَى (الرَّحِيمِ) يَدُلُّ عَلَى الْإِلَهِيَّاتِ، و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] يَدُلُّ عَلَى الْمَعَادِ و {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ، وَعَلَى إِثْبَاتِ أَنَّ الْكُلَّ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، و {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] إِلَى آخِرِهَا يَدُلُّ عَلَى الثَّوَابِ، وَتُسَمَّى الشِّفَاءَ، وَالشَّافِيَةَ، وَالسُّؤَالَ، وَالدُّعَاءَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَوْدَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَعَانِيَ الْقُرْآنِ كَمَا أَوْدَعَ فِيها مَعْنَى الْكُتُبِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ أَفْضَلُ سُورَةٍ، قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَغَيْرُهُ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَدَنِيَّةٌ، وَخُطِّئَ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ (وَفِيهَا إِحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً) بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَهَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنْهَا، فَيَصِيرُ فِيهَا أَرْبَعَةَ عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً، لِأَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةً، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِقِرَاءَتِهَا مُرَتَّبَةً مُشَدَّدَةً غَيْرَ مَلْحُونٍ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى، مِثْلَ كَسْرِ كَافِ (إِيَّاكَ) أَوْ ضَمِّ تَاءِ (أَنْعَمْتَ) أَوْ فَتْحِ هَمْزَةَ الْوَصْلِ فِي (اهْدِنَا) 1 - (فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا أَوْ تَشْدِيدَةً مِنْهَا أَوْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ كَثِيرٍ أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا) وَفِيهِ مَسَائِلُ. الْأُولَى: إِذَا تَرَكَ تَرْتِيبَ الْفَاتِحَةِ ابْتَدَأَهَا، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَؤُهَا مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ، وَالْإِعْجَازُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّظْمِ وَالتَّرْتِيبِ، وَهِيَ رُكْنٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَنْكِيسُهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا تَرَكَ شَدَّةً مِنْهَا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا، لِأَنَّ الشَّدَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ حَرْفٍ، وَمَنْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْهَا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْهَا، لِأَنَّ الْمُرَكَّبَ يَنْعَدِمُ بِعَدَمِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ شَدَّةٍ لأنها غير ثَابِتَةٍ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ، وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةٌ لِلْحَرْفِ، وَيُسَمَّى تَارِكُهَا قَارِئًا لِلْفَاتِحَةِ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا لَيَّنَهَا، وَلَمْ يُحَقِّقْهَا عَلَى الْكَمَالِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ فِي " الْجَامِعِ " هَذَا الْمَعْنَى فَيَكُونُ قَوْلُهُ مُتَّفِقًا، وَفِيهِ نَظَرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وَالْمَأْمُومُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ الْفَاتِحَةَ، أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلَّمَهَا،   [المبدع في شرح المقنع] الثَّالِثَةُ: إِذَا أَطَالَ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ كَثِيرٍ أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ غير مأموم لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا، لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُعْرِضًا عَنِ الْفَاتِحَةِ بِذَلِكَ، وَهُوَ عَلَى أَضْرُبٍ. أَحَدُهَا: قَطْعٌ بِذِكْرٍ أَوْ سُكُوتٍ مَشْرُوعٍ كَالتَّأْمِينِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالتَّسْبِيحِ بِالتَّنْبِيهِ، وَاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَإِنْ طَالَ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَكَذَا إِذَا سَمِعَ آيَةَ رَحْمَةٍ فَسَأَلَ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُعْرِضًا، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ إِذَا كَثُرَ اسْتَأْنَفَهَا. الثَّانِي: قَطْعٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، كَالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لَهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكَثِيرَ مُبْطِلٌ، لِأَنَّهُ أُحِلَّ بِالْمُوَالَاةِ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ. الثَّالِثُ: قَطْعٌ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ فَهَذَا مُبْطِلٌ لَهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْجَمَاعَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِاخْتِيَارٍ أَوْ مَانِعٍ مِنْ عَقْلِهِ، أَوْ أُرْتِجَ عَلَيْهِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ يَسِيرًا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ لَمْ يَقْطَعْ قِرَاءَتَهَا، سَوَاءٌ نَوَى قَطْعَهَا أَوْ لَا، لِأَنَّهُ يَسِيرٌ فَعُفِيَ عَنْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ قَطْعُهَا مَعَ النِّيَّةِ لِتَحَقُّقِ الْإِعْرَاضِ، وَلَوْ نَوَى قَطْعَ الْقِرَاءَةِ لَمْ يَقْطَعْ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِاللِّسَانِ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ بِخِلَافِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: إِنْ سَكَتَ مَعَ ذَلِكَ يَسِيرًا انْقَطَعَتْ. الرَّابِعُ: قَطْعٌ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ مَشْرُوعٍ، كَالْمَأْمُومِ يَشْرَعُ فِي الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فَيُنْصِتُ، ثُمَّ يُتِمُّهَا بَعْدَ فَرَاغِ إِمَامِهِ، فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ، لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ كَالذِّكْرِ. مَسْأَلَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَؤُهَا مُرَتَّلَةً مُعْرَبَةً، يَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ لِقِرَاءَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَيُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي التَّشْدِيدِ، وَالْمَدِّ، وَالتَّرْجِيعِ، وَإِنْ أَحَالَ مِنْهَا مَعْنًى بِلَحْنٍ يَقْدِرُ عَلَى إِصْلَاحِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحُلْ صَحَّ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، فَإِنْ قَرَأَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] بِظَاءٍ قَائِمَةٍ فَأَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: إِنْ عَرَفَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بَطَلَتْ، وَإِلَّا فَلَا. (فَإِذَا قَالَ: وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ: آمِينَ) بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا هِيَ طَابَعُ الدُّعَاءِ، وَمَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ، وَقِيلَ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَيَحْرُمُ تَشْدِيدُ الْمِيمِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَعْنَى قَاصِدِينَ، وَيُخَيَّرُ فِي مَدِّ هَمْزَتِهِ وَقَصْرِهَا، وَالْمَدُّ أَوْلَى، ذَكَرَهُ الْقَاضِي (يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 قَرَأَ قَدْرَهَا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ: فِي عَدَدِ الْآيَاتِ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَّا آيَةً وَاحِدَةً كَرَّرَهَا بِقَدْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَرْجَمَ   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَى أَبُو وَائِلٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُؤَمِّنُ، وَيُؤَمِّنُونَ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَعَنْ أَحْمَدَ: تَرْكُ الْجَهْرِ، وَعَلَى الْأُولَى، وَهِيَ الْأَصَحُّ يَقُولُهَا الْمَأْمُومُ بَعْدَ الْإِمَامِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مَعًا، وَإِنْ تَرَكَهُ إِمَامٌ أَوْ أَسَرَّهُ، جَهَرَ بِهِ مَأْمُومٌ لِيُذَكِّرَ النَّاسَ، فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى قَرَأَ غَيْرَهُ لَمْ يَقُلْهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِذِكْرِ الْمُنْفَرِدِ، وَحُكْمُهُ الْجَهْرُ بِهَا قِيَاسًا عَلَيْهِمَا. 1 - فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا لَا يُسْتَحَبُّ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ الْفَاتِحَةَ) لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا، لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَزِمَهُ تَحْصِيلُهَا إِذَا أَمْكَنَهُ كَشُرُوطِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ إِمَّا لِبُعْد حفظه (أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا) سَقَطَ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: إِذَا طَالَ زَمَنُهُ (قَرَأَ) لِمَا رَوَى رِفَاعَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قِرَاءَةٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدِ اللَّهَ، وَهَلِّلْهُ، وَكَبِّرْ، ثُمَّ ارْكَعْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إِلَى الذِّكْرِ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْقِرَاءَةِ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (قَدْرَهَا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ) هَذَا قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الثَّوَابَ مُقَدَّرٌ بِالْحَرْفِ فَكَفَى اعْتِبَارُهُ (وَقِيلَ فِي عَدَدِ الْآيَاتِ) دُونَ عَدَدِ الْحُرُوفِ (مِنْ غَيْرِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87] وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَدَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعًا، وَلِأَنَّ مَنْ فَاتَهُ صَوْمٌ طَوِيلٌ لَمْ يَعْتَبِرْ فِي الْقَضَاءِ مِثْلَهُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ بِعَدَدِ الْآيِ، وَالْحُرُوفِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ، لِأَنَّ الْحَرْفَ مَقْصُودٌ بِدَلِيلِ تَقْدِيرِ الْحَسَنَاتِ بِهِ، كَالْآيِ، وَلِيَكُونَ الْبَدَلُ كَالْمُبْدَلِ حَسَبَ الْإِمْكَانِ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ قِرَاءَةُ آيَةٍ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَّا آيَةً كَرَّرَهَا بِقَدْرِهَا) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى، وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَّا بَعْضَ ذَلِكَ، كَرَّرَهُ   [المبدع في شرح المقنع] و" الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ مَنْ قَرَأَهَا لِكَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ، وَظَاهِرُهُ لَوْ أَحْسَنَ آيَةً مِنْهَا فَقَطْ كَرَّرَهَا فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْآيَةَ مِنْهَا أَقْرَبُ شَبَهًا إِلَى بَقِيَّةِ الْفَاتِحَةِ مِنْ غَيْرِهَا، وَالثَّانِي: يَقْرَؤُهَا مَرَّةً، وَيَعْدِلُ إِلَى الذِّكْرِ بِقَدْرِ بَقِيَّتِهَا، لِأَنَّهُ إِذَا قَرَأَهَا مَرَّةً فَقَدْ أَسْقَطَ فَرْضَهَا، فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعِيدَهَا، كَمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ لِغُسْلِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْبَدَلِ فِي الْبَاقِي، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يُحْسِنُ آخِرَهَا أَتَى قَبْلَهُ بِالذِّكْرِ كَبَدَلٍ، ثُمَّ أَتَى بِمَا يُحْسِنُ مِنْهَا، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ تَكْرَارُ آيَةٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقِيلَ: يَقْرَأُ الْآيَةَ، وَشَيْئًا مِنْ غَيْرِهَا، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ إِذَا أَحْسَنَ بَعْضَ آيَةٍ لَا يُكَرِّرُهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، بَلْ يَعْدِلُ إِلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: هِيَ كَآيَةٍ، وَالْآيَةُ الطَّوِيلَةُ كَآيَةِ الدَّيْنِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَكْرَارٍ بِخِلَافِ الْقَصِيرَةِ. (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَرْجَمَ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى) فِي الْمَنْصُوصِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] وَ {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ} [الشعراء: 195] قَالَ أَحْمَدُ: الْقُرْآنُ مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ أَيْ: فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، قَالَ الْأَصْحَابُ: تَرْجَمَتُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تُسَمَّى قُرْآنًا، فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ، وَلَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] وَإِنَّمَا يُنْذَرُ كُلُّ قَوْمٍ بِلِسَانِهِمْ، وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ (وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي، فَعَلَّمَهُ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 بِقَدْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنَ الذِّكْرِ، وَقَفَ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ. ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ   [المبدع في شرح المقنع] وَزَادَ: فِي صَلَاتِي بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ قَارِئٍ، زَادَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَوْقَلَةِ: الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، وَلِأَنَّ هَذَا بَدَل من غير الْجِنْسِ أَشْبَهَ التَّيَمُّمَ، وَعَنْهُ: يُكَرِّرُهُ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالْمَذْهَبُ إِسْقَاطُ الْحَوْقَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَعَنْهُ: يَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِ جُمْلَتَيْنِ لِتَصِيرَ سَبْعَ جُمَلٍ بَدَلَ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ مِنْ أَيِّ ذِكْرٍ شَاءَ، فذكر الحلواني: وَيَحْمَدُ، وَيُكَبِّرُ، وَذَكَرَ ابْنُهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " يُسَبِّحُ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: وَيُكَبِّرُ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: وَيُهَلِّلُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يَحْمَدُ، وَيُكَبِّرُ، وَيُهَلِّلُ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ رِفَاعَةَ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْكُلُّ، وَلَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ. فَرْعٌ: إِذَا صَلَّى وَتَلَقَّفَ الْقِرَاءَةَ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّتْ، ذَكَرَهُ فِي " النَّوَادِرِ " وَفِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْأَشْهَرِ يَلْزَمُ غَيْرَ حَافِظٍ يَقْرَأُ مِنْ مُصْحَفٍ. (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَّا بَعْضَ ذَلِكَ كَرَّرَهُ بِقَدْرِهِ) كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ يُحْسِنُ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنَ الذِّكْرِ) زَادَ بَعْضُهُمْ: وَعَجَزَ عَنْ قَارِئِ يَوْمِهِ (وَقَفَ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ) أَيْ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ فَمَعَ الْقُدْرَةِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ وَالْقِيَامُ بِقَدْرِهَا، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ الْآخَرُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . مَسْأَلَةٌ: يُسْتَحَبُّ سُكُوتُ الْإِمَامِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لِيَقْرَأَ مَنْ خَلْفَهُ لِئَلَّا يُنَازعَ فِيهَا، كَنَصِّهِ عَلَى السُّكُوتِ قَبْلَهَا، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يَسْكُتُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَبَعْدَهَا. وَقِيلَ: ظَاهِرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 سُورَةً تَكُونُ فِي الصُّبْحِ مِنْ طُوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وَفِي الْبَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ، وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ، وَالْأُولَيَيْنِ فِي الْمَغْرِبِ   [المبدع في شرح المقنع] كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ السَّكْتَةَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ كُلِّهَا، لِئَلَّا يَصِلَ الْقِرَاءَةَ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، وَلَا يُسَنُّ السُّكُوتُ لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُ. [قِرَاءَةُ سُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ] (ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً) كَامِلَةً نَدْبًا يَبْتَدِئُهَا بِالْبَسْمَلَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ سِرًّا، وَفِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَهْرِ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ (تَكُونُ فِي الصُّبْحِ مِنْ طُوَالِ الْمُفَصَّلِ) وَهُوَ مِنْ (قَافٍ) وَفِي الْفُنُونِ مِنْ (الْحُجُرَاتِ) وَقِيلَ: مِنَ (الْقِتَالِ) وَقِيلَ: مِنَ (وَالضُّحَى) وَهُوَ غَرِيبٌ (وَفِي الْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وَفِي الْبَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ) لِمَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فُلَانٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْغَدَاةِ بِطُوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ، وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَإِنْ قَرَأَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَاضِحِ " فِي الْمَغْرِبِ، وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ لَمْ يُكْرَهْ بِأَقْصَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَرَضٍ، وَسَفَرٍ، وَنَحْوِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ كُرِهَ بِقِصَارِهِ فِي فَجْرٍ، لَا بِطُوَالِهِ فِي مَغْرِبٍ، نُصَّ عَلَيْهِمَا، وَعَنْهُ: يَجِبُ بَعْدَهَا قِرَاءَةُ شَيْءٍ، فَظَاهِرُهُ، وَلَوْ بَعْضُ آية لظاهر الْخَبَرِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: تُكْرَهُ الْفَاتِحَةُ فَقَطْ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ، وَإِنْ قَصُرَتْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِهَا. قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: تَجُوزُ آيَةٌ إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ اسْتَحَبَّ كَوْنَهَا طَوِيلَةً كَآيَةِ الدَّيْنِ، وَالْكُرْسِيِّ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ السُّورَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنْ قَرَأَ السُّورَةَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ لَمْ تَقَعْ مَوْقِعَهَا. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ أَقَلَّ مِنَ الْأُولَى، وَفِي الظُّهْرِ أَكْثَرَ مِنَ الْعَصْرِ، وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالسَّامِرِيُّ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى مِنَ الظُّهْرِ بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُولَى مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ، لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَالْعِشَاءِ، وَإِنْ قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ تَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ،   [المبدع في شرح المقنع] [الصَّلَوَاتُ الَّتِي يَجْهَرُ الْإِمَامُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ] (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ، وَالْأُولَيَيْنِ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنِ السَّلَفِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِلْمَأْمُومِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ، وَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِالْكَرَاهَةِ، وَقِيلَ: يُجْهَرُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ بِالْحَمْدِ. وَلَا لِلْمُنْفَرِدِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ، لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ سَمَاعُ غَيْرِهِ، أَشْبَهَ الْمَأْمُومَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ، وَعَنْهُ: يُسَنُّ لَهُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْإِنْصَاتِ، أَشْبَهَ الْإِمَامَ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: تَرْكُهُ أَفْضَلُ، وَقِيلَ: يَجْهَرُ فِي غَيْرِ بَدَلِ الْجُمْعَةِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا أَجْنَبِيٌّ فَقِيلَ: تَجْهَرُ كَالرَّجُلِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا، قَالَ الْقَاضِي: أَطْلَقَ الْمَنْعَ. فَرْعٌ: يخير القائم لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ بَيْنَ جَهْرٍ وَإِخْفَاتٍ، وَيُسِرُّ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ جَهْرٍ نَهَارًا مُطْلَقًا، وَيَجْهَرُ بِهَا لَيْلًا فِي جَمَاعَةٍ. مَسْأَلَةٌ: يُكْرَهُ جَهْرُ إِمَامٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ نَهَارًا فِي نَفْلٍ، زَادَ بَعْضُهُمْ: لَا يُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقِيلَ: لَا، وَيُخَيَّرُ لَيْلًا، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ إِذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ، وَفِعْلُهُ إِذَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ. (وَإِنْ قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ تَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ) كَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ ثَبَتَ بِطَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَهُوَ التَّوَاتُرُ، وَلَا تَوَاتُرَ فِيهَا، بَلْ أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ (وَعَنْهُ: تَصِحُّ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي " الْفُرُوعِ " مَعَ الْكَرَاهِيَةِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهَا أَنَصُّهُمَا لِصَلَاةِ الصَّحَابَةِ بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَرْكَعُ مُكَبِّرًا، فَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ مُسْتَوِيًا، وَيَجْعَلُ   [المبدع في شرح المقنع] فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِي ابْنِ الْمُنَجَّا: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَقَالَ أَئِمَّةٌ مِنَ السَّلَفِ: مُصْحَفُ عُثْمَانَ أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ، وَشَرْطُهُ اتِّصَالُ سَنَدِهِ، وَفِي تَعْلِيقِ الْأَحْكَامِ بِهِ الرِّوَايَتَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ، وَلَا تُجْزِئُ عَنْ رُكْنِ الْقِرَاءَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهَا تَصِحُّ بِمَا وَافَقَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ، زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّ سَنَدُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَّاءِ الْعَشْرَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَفِي تَعْلِيقِ الْأَحْكَامِ بِهِ رِوَايَتَانِ، وَاخْتَارَ أَحْمَدُ قِرَاءَةَ نَافِعٍ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَنْهُ: قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كُلُّهَا سَوَاءٌ، ثُمَّ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، ثُمَّ قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ، وَأَثْنَى أَحْمَدُ عَلَى قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو غَيْرَ أَنَّهُ كَرِهَ إِدْغَامَهُ الْكَبِيرَ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، وَعَنْهُ: تُكْرَهُ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الْكَسْرِ، وَالْإِدْغَامِ الشَّدِيدَيْنِ، وَزِيَادَةِ الْمَدِّ. فَعَلَى هَذَا إِنْ أَظْهَرَ وَلَمْ يُدْغِمْ، وَفَتَحَ وَلَمْ يُمِلْ، فَلَا كَرَاهَةَ، وَالصَّلَاةُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ صَحِيحَةٌ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَكْرَهْ قِرَاءَةَ أَحَدٍ مِنَ الْعَشْرَةِ إِلَّا مَا ذُكِرَ عَنْ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقِرَاءَةِ زِيَادَةُ حَرْفٍ، فَهِيَ أَوْلَى، لِأَجْلِ الْعَشْرِ حَسَنَاتٍ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الْحَرْفَ الْكَلِمَةُ، وَفِي الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ بِمَا خَالَفَ عُرْفَ الْبَلَدِ. [الرُّكُوعُ وَصِفَتُهُ] (ثُمَّ) إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ ثَبَتَ قَائِمًا، وَسَكَتَ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيْهِ نَفْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، وَلَا يَصِلُ قِرَاءَتَهُ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ، «فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ سَكَتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (يَرْفَعُ يَدَيْهِ) مَعَ ابْتِدَاءِ الرُّكُوعِ، وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فِي قَوْلِ خَلَائِقَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأَسَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 رَأْسَهُ حِيَالَ ظَهْرِهِ، وَلَا يَرْفَعُهُ وَلَا يُخَفِّضُهُ، وَيُجَافِي مَرْفِقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَقَدْرُ   [المبدع في شرح المقنع] وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَصَبَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ، وَمَضَى عَمَلُ السَّلَفِ عَلَى هَذَا (وَيَرْكَعُ مُكَبِّرًا) وَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ خَفْضٍ، وَرَفْعٍ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَيَضَعُ يَدَيْهِ) مُفَرَّجَتَيِ الْأَصَابِعِ (عَلَى رُكْبَتَيْهِ) اسْتِحْبَابًا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى التَّطْبِيقِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُصَلِّي إِحْدَى كَفَّيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ يَجْعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِذَا رَكَعَ، وَهَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ، وَقَدْ فَعَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ فَنَهَاهُ أَبُوهُ، وَقَالَ: «كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ، فَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْمَذْهَبُ أَنْ يُفَرِّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَرَّجَ أَصَابِعَهُ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَفِي " الْكَافِي " أَنَّهُ يَكُونُ قَابِضًا لِرُكْبَتَيْهِ (وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ مُسْتَوِيًا، وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَ ظَهْرِهِ) اتِّفَاقًا (وَلَا يَرْفَعُهُ، وَلَا يخفِضُهُ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا رَكَعَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ إِذَا رَكَعَ، لَوْ كَانَ قَدَحُ مَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ مَا تَحَرَّكَ، لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 الْإِجْزَاءِ الِانْحِنَاءُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثًا، وَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» (وَيُجَافِي مَرْفِقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ) لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكَعَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا، وَوَتَرَ يَدَيْهِ فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ (وَقَدْرُ الْإِجْزَاءِ) فِي رُكُوعٍ (الِانْحِنَاءُ بِحَيْثُ يَمَسُّ رُكْبَتَيْهِ) بِيَدَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَاكِعًا بِدُونِهِ، وَلَا يُخْرَجُ عَنْ حَدِّ الْقِيَامِ إِلَى الرُّكُوعِ إِلَّا بِهِ، وَالِاعْتِبَارُ بِمُتَوَسِّطِي النَّاسِ لَا بِالطَّوِيلِ الْيَدَيْنِ، وَلَا بِقَصِيرِهِمَا، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِي " الْفُرُوعِ " أَوْ قَدْرُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: فِي أَقَلَّ مِنْهُ احْتِمَالَانِ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ: أَدْنَاهُ الِانْحِنَاءُ بِحَيْثُ تَنَالُ كَفَّاهُ رُكْبَتَيْهِ، وَفِي " الْوَسِيلَةِ " نُصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا مَشْرُوعٌ، وَقَالَ الْمَجْدُ: وَضَابِطُ الْإِجْزَاءِ الَّذِي لَا يُخْتَلَفُ أَنْ يَكُونَ انْحِنَاؤُهُ إِلَى الرُّكُوعِ الْمُعْتَدِلِ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَى الْقِيَامِ الْمُعْتَدِلِ، فَإِنْ كَانَتَا عَلِيلَتَيْنِ لَا يُمْكِنُهُ وَضْعُهُمَا انْحَنَى وَلَمْ يَضَعْهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلِيلَةً، وَضَعَ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي ". 1 - فَرْعٌ: إِذَا سَقَطَ مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ، عَادَ إِلَى الرُّكُوعِ فَاطْمَأَنَّ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُومَ، ثم يركع، وَإِنِ اطْمَأَنَّ فِي رُكُوعِهِ ثُمَّ سَقَطَ انْتَصَبَ قَائِمًا، ثُمَّ سَجَدَ وَلَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ، لِأَنَّ فَرْضَهُ قَدْ سَقَطَ، وَالِاعْتِدَالَ عَنْهُ قَدْ سَقَطَ بِقِيَامِهِ، وَإِنْ رَكَعَ، ثُمَّ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ سَجَدَ عَنِ الرُّكُوعِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ قَبْلَ سُجُودِهِ عَادَ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ إِلَى الْقِيَامِ، لِأَنَّ السُّجُودَ قَدْ صَحَّ، وَأَجْزَأَ، فَسَقَطَ مَا قَبْلُهُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فَإِنْ قَامَ مِنْ سُجُودِهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ بَطَلَتْ، لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا، وَيَعُودُ إِلَى جِلْسَةِ الْفَصْلِ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. 1 - (وَيَقُولُ) فِي رُكُوعِهِ (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 أَدْنَى الْكَمَالِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلًا: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ. فَإِذَا قَامَ   [المبدع في شرح المقنع] الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَعَنْهُ: الْأَفْضَلُ وَيَحْمَدُهُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، قَالَ أَحْمَدُ: جَاءَ هَذَا وَهَذَا، وَالْوَاجِبُ مَرَّةً (ثَلَاثًا) وَهُوَ أَدْنَى (الْكَمَالِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ» هَذَا مُرْسَلٌ، لِأَنَّ عَوْنًا لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ. فَالْكَمَالُ لِلْمُنْفَرِدِ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَخَفْ سَهْوًا، وَقِيلَ: بِقَدْرِ قِيَامِهِ، وَقِيلَ: سَبْعٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَقِيلَ: عَشْرٌ، وَالْإِمَامُ إِلَى عَشْرٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ مَا لَمْ يُؤَثِّرْ مَأْمُومٌ، وَقِيلَ: مَا لم يشق، وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ قَدْرَ قِرَاءَتِهِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ خَمْسًا لِيُدْرِكَ الْمَأْمُومُ ثَلَاثًا، وَأَمَّا الْوَسَطُ فَقَالَ أَحْمَدُ جَاءَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ التَّسْبِيحُ التَّامُّ سَبْعٌ، وَالْوَسَطُ خَمْسٌ، وَأَدْنَاهُ ثَلَاثٌ. [الرَّفْعُ مِنَ الرُّكُوعِ وَصِفَتُهُ] (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلًا: سَمِعَ اللَّهُ لمن حمده) إِنْ كَانَ إِمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبُرَيْدَةَ: «يَا بُرَيْدَةُ إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَقُلْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَرْتِيبَ هَذَا الذِّكْرِ وَاجِبٌ، فَلَوْ قَالَ: مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ لِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْأَوَّلَ صِيغَةٌ تَصْلُحُ لِلدُّعَاءِ، مَعْنَى سَمِعَ أَجَابَ، وَالثَّانِي صِيغَةُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ، فَافْتَرَقَا، أَشْبَهَ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 قَالَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ،   [المبدع في شرح المقنع] لَوْ نَكَّسَ التَّكْبِيرَ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَيَرْفَعُهُمَا مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ فِي رِوَايَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ، وَعَنْهُ: بَعْدَ اعْتِدَالِهِ، نَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ رَأَى أَحْمَدَ يَفْعَلُهُ، وَقِيلَ: يَرْفَعُهُمَا الْمَأْمُومُ مَعَ رَأْسِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَقِّهِ ذِكْرٌ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ، وَالرَّفْعُ إِنَّمَا جُعِلَ هَيْئَةً لِلذِّكْرِ، وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ، إِنْ قُلْنَا: لَا يَقُولُ بَعْدَ الرَّفْعِ شَيْئًا (فَإِذَا قَامَ) أَيِ: اعْتَدَلَ قَائِمًا (قَالَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) هَذَا مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ إِثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا، وَبِهَا أُفَضِّلُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَكُونُ أَكْثَرَ حُرُوفًا، وَيَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ مُقَدَّرًا أَوْ مُظْهَرًا، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ: رَبَّنَا حَمِدْنَاكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ، لِأَنَّ الْوَاوَ لَمَّا كَانَتْ لِلْعَطْفِ، وَلَا شَيْءَ هَا هُنَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا، دَلَّ أَنَّ فِي الْكَلَامِ مُقَدَّرًا، وَهُوَ قَوْلُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَبِلَا (وَاوٍ) أَفْضَلُ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَكْثَرُ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» ، وَعَنْهُ: يَقُولُ: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ، وَلَا يَتَخَيَّرُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": وَكَيْفَمَا قَالَ جَازَ، وَكَانَ حَسَنًا، لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِهِ. فَرْعٌ: إِذَا عَطَسَ حَالَ رَفْعِهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ لَهُمَا لَا يُجْزِئُهُ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخَلِّصْهُ لِلرَّفْعِ، وَصَحَّحَ الْمُؤَلِّفُ الْإِجْزَاءَ كَمَا لَوْ قَالَهُ ذَاهِلًا، وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْآخَرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا لَمْ يَزِدْ عَلَى: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ   [المبدع في شرح المقنع] «مِلْءَ السَّمَاءِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» أَيْ: حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ ذَلِكَ، وَلِمُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ: «وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا» وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ فِي الْأَخْبَارِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَالْأَصْحَابُ، لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا رَفَعَ ظَهْرَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْأَخْبَارِ (السَّمَاوَات) لِمَا رَوَى عَلِيٌّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " كَـ " الْمُقْنِعِ "، وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ، إِذِ الْأَصْلُ التَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا وَقَدْ عَضَّدَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَعَنْهُ: يَقْتَصِرُ الْمُنْفَرِدُ عَلَى التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ فَقَطْ حَطًّا لَهُ عَنْ رُتْبَةِ الْإِمَامِ، وَرَفْعًا لَهُ عَنْ رُتْبَةِ الْمَأْمُومِ، لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْهُ لِعَدَمِ تَبَعِيَّتِهِ، وَعَنْهُ: يُسَمِّعُ فَقَطْ، وَعَنْهُ: عَكْسُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ، وَخَصَّهَا فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " بِالْفَرِيضَةِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ عَامٌّ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ: إِنْ شَاءَ قَالَ: أَهْل الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، قَالَ أَحْمَدُ: وَأَنَا أَقُولُهُ، فَظَاهِرُهُ يُسْتَحَبُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ". (فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا لَمْ يَزِدْ عَلَى: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وَيَخِرُّ سَاجِدًا، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، وَيَكُونُ   [المبدع في شرح المقنع] الْحَمْدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى أَمْرِهِمْ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ سِوَاهُ، وَيَأْتِي بِهِ حِينَ يَرْفَعُ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ فِي الرَّفْعِ عَقِيبَ تَسْمِيعِ الْإِمَامِ فَيَحْمَدُ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ فَيَقُولَانِ ذَلِكَ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ مِنَ الرُّكُوعِ، لِأَنَّهُمَا فِي حَالِ الرَّفْعِ يَشْرَعَانِ فِي التَّسْمِيعِ (إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ: مِلْءَ السَّمَاءِ إِلَى آخِرِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ، وَاخْتَارَهَا صَاحِبُ " النَّصِيحَةِ "، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ بَقِيَّةَ الْأَذْكَارِ، وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ الزِّيَادَةِ عِنْدَهُ بِمَا بَعْدَ التَّحْمِيدِ، وَفِي " الْمُغْنِي " لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَا يسمعُ، لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالتَّحْمِيدِ عَقِيبَ تَسْمِيعِ إِمَامِهِ، وَعَنْهُ: وَيسمعُ، وَحَكَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " قَوْلًا كَالْإِمَامِ، وَالْمُنْفَرِدِ، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ لَهُمَا، فَشُرِعَ لِلْمَأْمُومِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ، وَجَوَابُنَا بِأَنَّ حَدِيثَنَا خَاصٌّ بِالْمَأْمُومِ، وَحَدِيثَ بُرَيْدَةَ عَامٌّ، وَتَقْدِيمُ الصَّحِيحِ الْخَاصِّ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ إِسْنَادَ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ. مَسْأَلَةٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِهَيْئَةِ الْيَدَيْنِ بَعْدَ الرَّفْعِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ: إِنْ شَاءَ أَرْسَلَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَفِي الْمَذْهَبِ، و" التَّلْخِيصِ " يُرْسِلُهُمَا. [السُّجُودُ وَصِفَتُهُ] (ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ سَاجِدًا) لِلنُّصُوصِ (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَعَنْهُ: فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَفِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي حُمَيْدٍ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، وَحَيْثُ اسْتَحَبَّ رَفَعَهُمَا فَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ، مَنْ رَفَعَ أَتَمُّ صَلَاةً، وَعَنْهُ: لَا أَدْرِي، قَالَ الْقَاضِي: إِنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى نَحْوِ مَا يَقُولُهُ ابْنُ سِيرِينَ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ تَمَامِ صِحَّتِهَا، لِأَنَّهُ قَدْ حُكِيَ عَنْهُ: أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ يُعِيدُ، وَلَمْ يَتَوَقَّفْ أَحْمَدُ عَنِ التَّمَامِ الَّذِي هُوَ تَمَامُ فَضِيلَةٍ وَسُنَّةٍ، وَمَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ (فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَالسُّجُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَاجِبٌ، إِلَّا الْأَنْفَ عَلَى إِحْدَى   [المبدع في شرح المقنع] قَوْلُ عَامَّتِهِمْ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ شَرِيكٍ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ شَرِيكٍ، وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْمُصَلِّي، وَأَحْسَنُ فِي الشَّكْلِ، وَرَأْيُ الْعَيْنِ، وَعَنْهُ: عَكْسُهُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ، وَلَا يَبْرُكْ بُرُوكَ الْبَعِيرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، لَكِنْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: حَدِيثُ وَائِلٍ أَصَحُّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: هُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَتَقْدِيرُ مُسَاوَاتِهِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، فَأُمِرْنَا بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ» لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ هَا هُنَا الْكَفَّانِ (ثُمَّ جَبْهَتُهُ، وَأَنْفُهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا سَجَدَ أَمْكَنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ (وَيَكُونُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ) أَيْ: أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، وَيَثْنِيهِمَا إِلَى الْقِبْلَةِ ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» ذَكَرَ مِنْهَا أَطْرَافَ الْقَدَمَيْنِ، وَفِي الصَّحِيحِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ، وَلَا قَابِضِهُمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «وَفَتَخَ أَصَابِعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] رِجْلَيْهِ» وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " أَنَّهُ يُقِيمُ قَدَمَهُ، وَيَجْعَلُ بُطُونَ أَصَابِعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": يَجِبُ جَعْلُ بَاطِنِ أَطْرَافِهَا إِلَى الْقِبْلَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا نِعَالٌ أَوْ خُفٌّ، وَقِيلَ: يَجِبُ فَتْحُهَا إِنْ أَمْكَنَ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَيُكْرَهُ أَنْ يُلْصِقَ كَعْبَيْهِ فِي سُجُودِهِ قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ". 1 - فَرْعٌ: إِذَا سَقَطَ عَلَى جَنْبِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنَ الرُّكُوعِ، ثُمَّ انْقَلَبَ سَاجِدًا لَمْ يُجْزِئْهُ سُجُودُهُ حَتَّى يَنْوِيَهُ، لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهَيْئَتِهَا، وَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ سَاجِدًا أَجْزَأَهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، لِأَنَّهُ عَلَى هَيْئَتِهَا فَلَوْ قَطَعَ النِّيَّةَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْهُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. 1 - (وَالسُّجُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَاجِبٌ) أَيْ: رُكْنٌ مَعَ الْقُدْرَةِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَوْلًا وَاحِدًا، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْجَبْهَةِ، ذَكَرَهَا الْآمِدِيُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سَجَدَ وَجْهِي» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْوَجْهِ، وَبِهِ يُسَمَّى سَاجِدًا لَا بِوَضْعِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ السُّجُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَوَجَبَ كَشْفُهَا كَالْجَبْهَةِ، قَالَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ ": هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ قَدْ نُصَّ فِي الْمَرِيضِ يَرْفَعُ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ أَخَلَّ بِالسُّجُودِ عَلَى يَدَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " فَعَلَى هَذِهِ فَيَكُونُ السُّجُودُ عَلَى الْبَقِيَّةِ سُنَّةً، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهُهُ، وَكَفَّاهُ، وَرُكْبَتَاهُ، وَقَدَمَاهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَجَابَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " بِأَنَّ سُجُودَ الْوَجْهِ لَا يَنْفِي سُجُودَ مَا عَدَاهُ، وَسُقُوطَ الْكَشْفِ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلَّى بِشَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا الْجَبْهَةَ عَلَى إِحْدَى   [المبدع في شرح المقنع] يَمْنَعُ وُجُوبَ السُّجُودِ، فَإِنَّا نَمْنَعُ فِي الْجَبْهَةِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَلَوْ سَلِمَ فَالْجَبْهَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي السُّجُودِ، وَهِيَ تُكْشَفُ عَادَةً بِخِلَافِ غَيْرِهَا (إِلَّا الْأَنْفَ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ (عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ، وَهِيَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي قَالَهُ فِي الْوَسِيلَةِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَذْكُرِ الْأَنْفَ مِنْهَا، وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ بِأَعْلَى جَبْهَتِهِ عَلَى قُصَاصِ الشَّعْرِ» رَوَاهُ تَمَّامُ فِي " فَوَائِدِهِ " وَإِذَا سَجَدَ بِأَعْلَى الْجَبْهَةِ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْأَنْفِ، وَالثَّانِيَةُ: " رُكْنٌ " ذَكرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهَا الْمَشْهُورَةُ، وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالْجَدُّ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْمُنَجَّا وَغَيْرُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، فَمَتَى أَخَلَّ بِالسُّجُودِ عَلَى عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ لَمْ تَصِحَّ. تَنْبِيهٌ: إِذَا عَجَزَ عَنِ السُّجُودِ بِغَيْرِ الْجَبْهَةِ سَجَدَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَهُ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْهُبُوطُ، وَلَا يَحْصُلُ بِالرَّفْعِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْجَبْهَةِ لِعَارِضٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ سَقَطَ عَنْهُ السُّجُودُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الْمَرِيضِ يَرْفَعُ إِلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ: إِنَّهُ يُجْزِئُهُ، حَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ " لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَضْعُهُ بِدُونِ بَعْضِهَا، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ بِدُونِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَيُجْزِئُهُ بَعْضُ كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا، وَذَكَرَ فِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ يَجِبُ سُجُودُهُ بِبَاطِنِ كَفِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَقِيلَ: وَأَصَابِعُهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، وَلَا يُجْزِئُ سُجُودُهُ عَلَى أنفه عَنْ جَبْهَتِهِ وِفَاقًا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْإِجْزَاءَ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إِلَى هَذَا، قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ عُضْوٌ وَاحِدٌ، لِإِشَارَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَيْهِ، وَالْعُضْوُ الْوَاحِدُ يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى بَعْضِهِ. (وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلَّى بِشَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] إِجْمَاعٌ فِي الْقَدَمَيْنِ، لِصِحَّةِ صَلَاةِ لَابِسِ الْخُفَّيْنِ، وَفِي الرُّكْبَتَيْنِ لِاتِّصَالِهِمَا بِالْعَوْرَةِ أَوْ مِنْهَا، عِنْدَ بَعْضٍ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ فِي الْيَدَيْنِ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: «جَاءَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِنَا فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا يَدَيْهِ فِي ثَوْبِهِ إِذَا سَجَدَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ (إِلَّا الْجَبْهَةَ) فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلَّى بِهَا (عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ لِقَوْلِ خَبَّابٍ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا، فَلَمْ يُشْكِنَا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِ جِبَاهُنَا وَأَكُفُّنَا، وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْسِرِ الْعِمَامَةَ عَنْ جَبْهَتِهِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ السُّجُودَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةَ، وَلِأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى مَا هُوَ حَائِلٌ لَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ، وَهِيَ الْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصَرَهَا فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ، وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُونَ، وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ، وَعَلَى عَمَائِمِهِمْ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ ذَيْلِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ خَبَّابٍ أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 الرِّوَايَتَيْنِ، وَيُجَافِي عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَطْنَهُ عَنْ فَخْذَيْهِ، وَيَضَعُ يَدَيْهِ، حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ،   [المبدع في شرح المقنع] يُزِيلُ عَنْهُمْ ضَرَرَ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ أَوْ تَسْقِيفِ الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِهِ، لَا أَنَّهُمْ طَلَبُوا الرُّخْصَةَ فِي السُّجُودِ عَلَى الْعَمَائِمِ، وَالْأَكْمَامِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا طَلَبَهُ الْفُقَرَاءُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَمَائِمُ، وَلَا أَكْمَامٌ طِوَالٌ يَتَّقُونَ بِهَا الرَّمْضَاءَ، وَعَلَى الصِّحَّةِ فَفِي كَرَاهَةِ حَائِلٍ مُتَّصِلٍ حَتَّى طِينٍ كَثِيرٍ رِوَايَتَانِ، وَلَا يُكْرَهُ لِعُذْرٍ، نَقَلَهُ صَالِحٌ، وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ أَنَّ ظَاهِرَ مَا نَقَلَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَا فَرْقَ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ قَالَ جَمَاعَةٌ: يُكْرَهُ بِمَكَانٍ شَدِيدِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لِتَرْكِ الْخُشُوعِ، كَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ. 1 - مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: إِذَا سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يُجْزِئْهُ قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّ السُّجُودَ عليهَا يُفْضِي إِلَى تَدَاخُلِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا فِيهَا، وَيُجْزِئُهُ إِنْ قُلْنَا: لَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَى غَيْرِ الْجَبْهَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ، فَلَا، لِئَلَّا يَتَدَاخَلَ مَحَلُّ السُّجُودِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. الثَّانِيَةُ: إِذَا عَلَا مَوْضِعُ رَأْسِهِ عَلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ فَلَمْ تَسْتَعْلِ الْأَسَافِلُ بِلَا حَاجَةٍ جَازَ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَقِيلَ: إِنْ كَثُرَ، وَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": التَّنْكِيسُ فِي السُّجُودِ، وَهُوَ اسْتِعْلَاءُ الْأَسَافِلِ وَاجِبٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْيَسِيرَ لَا بَأْسَ بِهِ دُونَ الْكَثِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ التَّنْكِيسَ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَالسُّنَنِ. 1 - (و) يُسَنُّ أَنْ (يُجَافِيَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَطْنِهِ عَنْ فَخْذَيْهِ) وَفَخْذَيْهِ عَنْ سَاقَيْهِ، لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا سَجَدَ يَجْنَحُ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبِطَيْهِ» وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي " رِسَالَتِهِ ": جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَجَدَ لَوْ مَرَّتْ بَهِيمَةٌ لَنَفِدَتْ، وَذَلِكَ لِشَدَّةِ رَفْعِ مَرْفِقَيْهِ، وَعَضُدَيْهِ، وَهَذَا مَا لَمْ يُؤْذِ جَارَهُ» (وَيَضَعُ يَدَيْهِ) يَعْنِي رَاحَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ مَبْسُوطَتَيْنِ مَضْمُومَتَيِ الْأَصَابِعِ مُسْتَقْبِلًا بِهِمَا الْقِبْلَةَ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا سَجَدَ ضَمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وَيُفَرِّقُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رُبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا، وَيَجْلِسُ   [المبدع في شرح المقنع] أَصَابِعَهُ» رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ (حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: قَرِيبَةً مِنْ أُذُنَيْهِ (وَيُفَرِّقُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ) وَرِجْلَيْهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخْذَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ عَقِبَيْهِ، وَيُكَرَهُ افْتِرَاشُ الذِّرَاعِ فِي السُّجُودِ لِلنَّهْيِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. مَسْأَلَةٌ: لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ بِمَرْفِقَيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ إِنْ طَالَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ جَمَاعَةٌ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ الصَّحَابَةَ شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ، قَالَ: اسْتَعِينُوا بِالرُّكَبِ» قَالَ ابْنُ عَجْلَانَ: هُوَ أَنْ يَضَعَ مَرْفِقَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ إِذَا طَالَ السُّجُودُ، وَقِيلَ: فِي نَفْلٍ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ لَوْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالْأَرْضِ، وَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهَا يُجْزِئُهُ، وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَمْكِينِ الْجَبْهَةِ مِنَ الْأَرْضِ، وَبِفِعْلِهِ، وَوُجُوبِ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، فَهَذَانِ وَجْهَانِ، وَقَدْ ذَكَرُوا لَوْ سَجَدَ عَلَى حَشِيشٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ ثَلْجٍ، وَبَرَدٍ، وَلَمْ يَجِدْ حَجْمَهُ، لَمْ يَصِحَّ، لِعَدَمِ الْمَكَانِ الْمُسْتَقِرِّ عَلَيْهِ (وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا) كَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ عَلَى مَا مَرَّ، وَفِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِمَا وَرَدَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمَعْنَاهُ: حَقِيقٌ، وَجَدِيرٌ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْضِ، وَفِي النَّفْلِ رِوَايَتَانِ، وَرَدَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 مُفْتَرِشًا يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا وَيَقُومُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] الْمُؤَلِّفُ بِمَا صَحَّ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَسُنَّتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ. [الرَّفْعُ مِنَ السُّجُودِ وَصِفَتُهُ] (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ) إِذَا قَضَى سُجُودَهُ (مُكَبِّرًا) وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ، وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ (وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى) وَيَفْتَحُ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَيْهَا، وَاعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ» وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْجَدُّ: وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ مَضْمُومَةَ الْأَصَابِعِ، زَادَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَيَضُمُّ الْإِبْهَامَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ (ثُمَّ يَقُولُ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (رَبِّ اغْفِرْ لِي ثَلَاثًا) ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " و" الْفُرُوعِ " وَغَيْرُهُمْ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي رَبِّ اغْفِرْ لِي» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ لِلْخَبَرِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي أَوْ لَنَا ثَلَاثًا، وَفِي " الشَّرْحِ " إِنْ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لَنَا فَلَا بَأْسَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ ثَلَاثًا، بَلْ قَالَ: يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، قَالَ حَرْبٌ: وَمَذْهَبُهُ إِنْ قَالَ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ جَازَ، وَالْأَمْرُ عِنْدَهُ وَاسِعٌ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافِنِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ فِي نَفْلٍ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ: وَفَرَضَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 صُدُورِ قَدَمَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ إِلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، فَيَعْتَمِدُ بِالْأَرْضِ، وَعَنْهُ: يَجْلِسُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ عَلَى قَدَمَيْهِ وَأَلْيَتَيْهِ، ثُمَّ يَنْهَضُ، ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ   [المبدع في شرح المقنع] (ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى) مِنَ التَّكْبِيرِ، وَالتَّسْبِيحِ، وَالْهَيْئَةِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ رَفْعٍ، وَخَفْضٍ (وَيَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ) نُصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ فَكَانَ أَفْضَلَ كَالتَّجَافِي، قَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ إِنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْأَرْضِ، سَوَاءٌ قُلْنَا يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ لَا (إِلَّا أن يشق عَلَيْهِ فَيَعْتَمِدُ بِالْأَرْضِ) لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ إِذَا نَهَضَ أَنْ لَا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ» ، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ إِذَا شَقَّ عَلَيْهِ واعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَجْلِسُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: تِلْكَ السُّنَّةُ، وَفِي " الْغُنْيَةِ " يُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ، وَأَنَّهُ قِيلَ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَكَذَا فِي رِسَالَةِ أَحْمَدَ يُكْرَهُ (وَعَنْهُ: يَجْلِسُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَشَيْخُهُ الْخَلَّالُ، وَذَكَرَ أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنِ الْأُولَى، لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ ضَعِيفًا، قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 كَالْأُولَى إِلَّا فِي تكبيرة الْإِحْرَامِ وَالِاسْتِفْتَاحِ، وَفِي الِاسْتِعَاذَةِ رِوَايَتَانِ، ثُمَّ يَجْلِسُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُؤَلِّفَ: وَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَإِلَّا فَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَمَنْ سَمَّيْنَا، فَيَجْلِسُ (عَلَى قَدَمَيْهِ، وَأَلْيَتَيْهِ) نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ لَوْ جَلَسَ مُفْتَرِشًا لَمْ يَأْمَنِ السَّهْوَ، وَلْيُفَارِقِ الْجِلْسَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ: هُوَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " و" الْفُرُوعِ " وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْمُغْنِي " احْتِمَالًا، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، وَقَالَ: هُوَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ، وَقَالَ الْخَلَّالُ: رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا لَا أُحْصِيهِ كَثْرَةً أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ، وَهَلْ هِيَ فَصْلٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ مِنَ الثَّانِيَةِ، فِيهِ وَجْهَانِ (ثُمَّ يَنْهَضُ) بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ، لِأَنَّهُ انْتَهَى تَكْبِيرُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ جُلُوسِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَنْهَضُ مُكَبِّرًا، وَرَدَّهُ فِي " الْمُغْنِي " بِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ فِي رُكْنٍ وَاحِدٍ لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِجَمْعِهِمَا فِيهِ. بُشْرَى: رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا قَامَ الْعَبْدُ يُصَلِّي، أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَوُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَاتِقِهِ، فَكُلَّمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. (ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ لَمَّا وَصَفَ لَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى: «ثُمَّ افْعَلْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» وَفُهِمَ مِنْهُ مُسَاوَاةُ قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى، وَسَيَأْتِي (إِلَّا فِي تكبيرة الْإِحْرَامِ) لِأَنَّهَا وضعت لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ (وَالِاسْتِفْتَاحِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا نَهَضَ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 مُفْتَرِشًا، وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى، يَقْبِضُ مِنْهَا الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصَرَ،   [المبدع في شرح المقنع] الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وَلَمْ يَسْكُتْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَاسْتَثْنَى أَبُو الْخَطَّابِ، و" الْمُغْنِي " و" الْوَجِيزُ " و" الْفُرُوعُ " تَجْدِيدَ النِّيَّةِ لِاسْتِصْحَابِهَا حُكْمًا، وَلِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْعَقْدِ، وَقَدِ انْعَقَدَتْ، قَالَ الْمَجْدُ: وَتَرْكُ اسْتِثْنَائِهَا أَوْلَى، لِأَنَّهَا شَرْطٌ لَا رُكْنٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الصَّلَاةَ اكْتِفَاءً بِالدَّوَامِ الْحُكْمِيِّ (وَفِي الِاسْتِعَاذَةِ رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي " الْمُغْنِي " إِحْدَاهُمَا: لَا يَتَعَوَّذُ مَنْ تَعَوَّذَ فِي الْأُولَى، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالثَّوْرِيِّ لِظَاهِرِ خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا أَتَى بِالِاسْتِعَاذَةِ فِي أَوَّلِهَا كَفَى، فَلَوْ تَرَكَهَا فِي الْأُولَى أَتَى بِهَا فِي الثَّانِيَةِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُرَادُ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ لِلْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ: يَفْتَتِحُ إِنْ وَجَبَ، وَالثَّانِيَةُ: يَسْتَعِيذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] وَلِحُصُولِ الْفَصْلِ، كَالصَّلَاتَيْنِ، فَعَلَى هَذِهِ يَسْتَعِيذُ الْمَسْبُوقُ، وَعَلَى الْأُولَى كَالِاسْتِفْتَاحِ، فَإِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ اسْتَفْتَحَ، وَاسْتَعَاذَ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَا يُدْرِكُهُ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرِ صَلَاتِهِ. [التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَصِفَتُهُ] (ثُمَّ يَجْلِسُ) لِلتَّشَهُّدِ إِجْمَاعًا (مُفْتَرِشًا) كَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْهُ: إِنْ تَوَرَّكَ فِي أَثْنَائِهِ جَازَ، وَلَا فَضْلَ فِيهِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْلِسُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَفِي آخِرِهَا مُتَوَرِّكًا» وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ مُقَدَّمٌ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّ أَبَا حُمَيْدٍ ذَكَرَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَصَدَّقُوهُ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَالْأَخْذُ بِهِ مُتَعَيِّنٌ (وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى) وَكَذَا الْيُسْرَى، لِأَنَّهُ أَشْهَرُ فِي الْأَخْبَارِ لَا يُلْقِمُهُمَا رُكْبَتَيْهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى، وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ فِي تَشَهُّدِهِ مِرَارًا، وَيَبْسُطُ الْيُسْرَى   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي " الْكَافِي " وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " النَّظْمِ " التَّخْيِيرُ، كَذَا فِي الْأَخْبَارِ: يَدَيْهِ، وَفِيهَا: كَفَّيْهِ، وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: ذِرَاعَيْهِ (يَقْبِضُ مِنْهَا الْخِنْصَرَ، وَالْبِنْصَرَ، وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى) كَذَا ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَقَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " و" الْفُرُوعِ " لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ عَقَدَ مِنْ أَصَابِعِهِ، الْخِنْصَرَ وَالَّتِي تَلِيهَا، وَحَلَّقَ حَلْقَةً بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى عَلَى الْإِبْهَامِ، وَرَفَعَ السَّبَّابَةَ يُشِيرُ بِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَنْهُ: يَبْسُطُهُمَا، وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَعَنْهُ: يَقْبِضُ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، وَيَعْقِدُ إِبْهَامَهُ كَخَمْسِينَ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ " لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْهُ: هِيَ كَيُسْرَاهُ، فَيَضَعُ أَصَابِعَهَا مَضْمُومَةً مُسْتَقْبِلًا بِهَا الْقِبْلَةَ لَا مُفَرَّجَةً (وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ) سُمِّيَتْ بِهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشِيرُونَ بِهَا إِلَى السَّبِّ، وَسَبَّاحَةٌ، لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا لِلتَّوْحِيدِ، وَالْمُرَادُ سَبَّابَةُ الْيُمْنَى لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَظَاهِرُهُ لَا بِغَيْرِهَا، وَلَوْ عَدِمَتْ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّنْبِيهَ عَلَى التَّوْحِيدِ (فِي تَشَهُّدِهِ مِرَارًا) وَكَذَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِهَا فِي كُلِّ تَشَهُّدِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ مَوْضِعَ الْإِشَارَةِ بِهَا عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ لِتُنَبِّهَ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَذِكْرِ رَسُولِهِ، وَقَدَّمَ فِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ يَرْفَعُهُمَا فِي تَشَهُّدِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُشِيرُ بِهَا، وَلَمْ يَقُولُوا مِرَارًا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَرَّةً، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْأَخْبَارِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُحَرِّكُهَا فِي الْأَصَحِّ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قَالَ فِي " الْغُنْيَةِ ": وَيُدِيمُ نَظَرَهُ إِلَيْهَا فِي كُلِّ تَشَهُّدِهِ لِخَبَرِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَائِدَةٌ: يُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ إِذَا دَعَا فِي صَلَاتِهِ أَوْ غَيْرِهَا، نُصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ وَائِلٍ، قَالَ: «فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 عَلَى فَخْذِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ فَيَقُولُ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، هَذَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] (وَيَبْسُطُ الْيُسْرَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُسْرَى) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ أُصْبُعَهُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ فَدَعَا بِهَا، وَيَدُهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطُهَا عَلَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَوْلُهُ: عَلَى فَخْذِهِ الْيُسْرَى أَيْ: لَا يَخْرُجُ بِهَا عَنْهَا، بَلْ يَجْعَلُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ مُسَامِتَةً لِرُكْبَتَيْهِ، زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ: مَضْمُومَةَ الْأَصَابِعِ، زَادَ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ: مُسْتَقْبِلًا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": قَرِيبًا مِنَ الرُّكْبَةِ، وَفِي " الْكَافِي " أَوْ يُلْقِمُهُمَا رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إِنْ قَبَضَ بِهَا عَلَى رُكْبَتِهِ فَلَا بَأْسَ (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ سِرًّا لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (فَيَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وَلَفْظُهُ: «كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ، قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ، فَسَمِعنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إِلَى آخِرِهِ، قَالَ: ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُ» ، وَفِي لَفْظٍ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّشَهُّدَ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حَدِيثٌ غَيْرُهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، وَيَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَهُ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلَيْسَ تَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَفْضَلَ، وَهُوَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ إِلَى آخِرِهِ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وَلَا تَشَهُّدَ عُمَرَ، وَهُوَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ إِلَى آخِرِهِ، فَإِنْ تَشَهَّدَ بِأَحَدِهَا أَجَزَأَهُ، حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ اتِّفَاقًا، لَكِنْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَهُوَ الَّذِي فِي " التَّلْخِيصِ " إِنَّهُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ مِنْهُ حَرْفًا لَمْ يُجْزِئْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ، وَصَحَّحَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ مَتَى أَخَلَّ بِلَفْظَةٍ سَاقِطَةٍ فِي بَعْضِ التَّشَهُّدَاتِ فَلَا بَأْسَ، وَقَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، كَمَا إِذَا أَسْقَطَ لَفْظًا لَا يَسْقُطُ الْمَعْنَى بِهِ، فَعَلَى هَذَا الْوَاجِبُ خَمْسُ كَلِمَاتٍ، وَهِيَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ (رَسُولُ اللَّهِ) ، لِأَنَّ هَذَا يَأْتِي عَلَى مَعْنَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَاتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَمِّي فِي أَوَّلِهِ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِالْكَرَاهَةِ، وَأَنَّهُ يُرَتِّبُ الْجُمَلَ، وَهُوَ وَجْهٌ، لِأَنَّ إِذَا لَمْ يُرَتِّبْ فَقَدْ أَخَلَّ بِهِ فِي ذِكْرٍ مَشْرُوعٍ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْأَذَانِ. 1 - فَائِدَةٌ: إِذَا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ يَنْوِي بِهِ النَّسَاءَ وَمَنْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» . مُهِمَّاتٌ: التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ، وَهِيَ الْعَظَمَةُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْمُلْكُ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: السَّلَامُ، وَقِيلَ: الْبَقَاءُ، وَالصَّلَوَاتُ: هِيَ الْخَمْسُ، وَقِيلَ: الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ: الْأَدْعِيَةُ، وَقِيلَ: الْعِبَادَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ هِيَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْكَلَامِ، وَمِنْ خَوَاصِّ الْهَيْلَلَةِ أَنَّ حُرُوفَهَا كُلَّهَا مُهْمَلَةٌ تَنْبِيهًا عَلَى التَّجَرُّدِ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَجَوْفِيَّةٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الشَّفَوِيَّةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ الْقَلْبِ. (هَذَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ) وَظَاهِرُهُ تَخْفِيفُهُ، وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَنَصُّهُ فِيهَا: أَسَاءَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَزَادَ: وَعَلَى آلِهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: لَا بَأْسَ بِزِيَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَإِنْ شَاءَ قَالَ: كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَمَا بَارَكَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ.   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: قَوْلُهَا أَوْلَى، وَيُكَرِّرُهُ مَسْبُوقٌ، نُصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ تَمَامِهِ قَامَ وَلَمْ يُتِمَّهُ. [الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ] (ثُمَّ يَقُولُ) فِي التَّشَهُّدِ الَّذِي يَعْقُبُهُ السَّلَامُ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؛ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ جَدِّي فِي " الِانْتِصَارِ " إِلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ: وَآلِ مُحَمَّدٍ بِإِسْقَاطِ عَلَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ بِإِثْبَاتِهَا (وَإِنْ شَاءَ قَالَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبٍ، وَقَالَ فِيهِ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» . قُلْتُ: وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ لِوُرُودِ الرِّوَايَةِ بِهِمَا، وَعَنْهُ: يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّهَا وَرَدَتْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ مِنْهَا مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ، وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَسَبَ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخَانِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْجَدُّ فِي " فُرُوعِهِ "، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى مَا فِي خَبَرِ كَعْبٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " و" الْمَذْهَبِ " لِظَاهِرِ الْأَمْرِ بِهِ. 1 - مَسَائِلُ: الْأُولَى أَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، فَكَيْفَ تَطْلُبُ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُشَبَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ. وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَصْلُ الصَّلَاةِ بِأَصْلِهَا لَا الْقَدْرُ بِالْقَدْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ} [البقرة: 183] الْآيَةَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ لَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ مُتَّصِلًا بِمَا بَعْدَهُ، وَيُقَدَّرُ لَهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَالْأَوَّلُ مَقْطُوعٌ عَنِ التَّشْبِيهِ، وَفِيهِمَا نَظَرٌ، وَيُحْتَمَلُ - وَهُوَ أَحْسَنُهَا - أَنَّ الْمُشَبَّهَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ، فَتَقَابَلَتِ الْجُمْلَتَانِ، وَتَعَذَّرَ أَنْ يَكُونَ لِآلِ الرَّسُولِ مَا لِآلِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِينَ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، فَكَانَ مَا يُوَفِّرُ مِنْ ذَلِكَ حَاصِلًا لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالَّذِي يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ هو آثار الرَّحْمَة وَالرِّضْوَان، وَمَنْ كَانَتْ فِي حَقِّهِ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ. الثَّانِيَةُ: السُّنَّةُ تَقْدِيمُ التَّشَهُّدِ عَلَى الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرِ الْمَعْنَى وَالْإِخْلَالِ بِشَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَكَذَا لَوْ أَبْدَلَ آلَ بِأَهْلٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِئُهُ. الثَّالِثَةُ: كَانَ يَلْزَمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَقُولَ فِي تَشَهُّدِهِ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَى آخِرِهِ، وَالشَّهَادَتَيْنِ فِي الْأَذَانِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. الرَّابِعَةُ: لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: بَلَى، اخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ، وَاللَّخْمِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، وَالْقَائِلُونَ بِهِ قِيلَ: يَجِبُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ: كُلَّمَا ذُكِرَ، وَدَلِيلُهُ ظَاهِرٌ، وَلَهُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَإِنْ دَعَا بِمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ فَلَا بَأْسَ.   [المبدع في شرح المقنع] مُنْفَرِدًا، نُصَّ عَلَيْهِ، وَكَرِهَهَا جَمَاعَةٌ، وَحَرَّمَهَا آخَرُونَ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَعَ الشِّعَارِ. الْخَامِسَةُ: آلُ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى (آلِ فِرْعَوْنَ) يَعْنِي أَتْبَاعَهُ عَلَى دِينِهِ، وَقِيلَ: كُلُّ تَقِيٍّ لِلْخَبَرِ، رَوَاهُ تَمَّامٌ فِي " فَوَائِدِهِ " وَقِيلَ: أَزْوَاجُهُ، وَمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ، وَقِيلَ: هُمْ بَنُو هَاشِمٍ الْمُؤْمِنُونَ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ، فَمِنْهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَفِي بَنِي الْمُطَّلِبِ رِوَايَتَا زَكَاةٍ، وَأَفْضَلُ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مَوْضِعٍ أَنَّ حَمْزَةَ أَفْضَلُ مِنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ. [التَّعَوُّذُ بِاللَّهِ مِنْ أَشْيَاءَ قَبْلَ السَّلَامِ] (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ فَيَقُولَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ وَذَكَرَهُنَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو بِذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَابْنُ تَمِيمٍ تَكْرَارَ أَعُوذُ بِاللَّهِ فِي كُلِّ جُمْلَةٍ، وَحَكَى الْقَاضِي وُجُوبَ ذَلِكَ، وَذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " رِوَايَةً لِظَاهِرِ الْأَمْرِ بِهِ (وَإِنْ دَعَا بِمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ) أَيْ: أَخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَارِ أَصْحَابِهِ زَادَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " وَأَخْبَارِ السَّلَفِ، وَبِأَمْرِ الْآخِرَةِ، وَلَوْ لَمْ يُشْبِهْ مَا وَرَدَ (فَلَا بَأْسَ) وَكَذَا ذَكَرَ الْخِرَقِيُّ، وَالسَّامِرِيُّ لِقَوْلِهِ: «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ يَدْعُو بِمَا وَرَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " و" الْفُرُوعِ " لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ، وَالتَّسْلِيمِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُوصِيكَ بِكَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ كَمَا صُنْتَ وَجْهِي عَنِ السُّجُودِ لِغَيْرِكَ، فَصُنْ وَجْهِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ لِغَيْرِكَ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُولُهُ، وَقَالَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُولُهُ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى مَأْمُومٍ، أَوْ يَخَفْ سَهْوًا إِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَدْعُو بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ بِجَمِيعِ حَوَائِجِ دُنْيَاهُ، وَآخِرَتِهِ، اخْتَارَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِظَوَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ جَوَازُ الدُّعَاءِ بِمَا كَانَ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَثَرٌ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، فَأَمَّا مَا يَقْصِدُ بِهِ مَلَاذَ الدُّنْيَا، وَشَهَوَاتِهَا، كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ، وَحُلَّةً خَضْرَاءَ، لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ:   [المبدع في شرح المقنع] الْآدَمِيِّينَ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِقَوْلِهِ: «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ» إِلَى آخِرِهِ، وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ. فَرْعٌ: يَجُوزُ الدُّعَاءُ لِمُعَيَّنٍ عَلَى الْأَصَحِّ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَقِيلَ: فِي نَفْلٍ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ كَافِ الْخِطَابِ، ذكَره جَمَاعَةٌ، وَإِلَّا بَطَلَتْ لِخَبَرِ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِإِبْلِيسَ: «أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ» قَبْلَ التَّحْرِيمِ أَوْ مُؤَوَّلٍ، وَلَا تَبْطُلُ بِقَوْلِهِ: لَعَنَهُ اللَّهُ عِنْدَ اسْمِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا مَنْ عَوَّذَ نَفْسَهُ بِقُرْآنٍ لِحُمَّى وَنَحْوِهَا، وَلَا مَنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَلَا بِالْحَوْقَلَةِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا. [السَّلَامُ في الصلاة وَصِفَتُهُ] (ثُمَّ يُسَلِّمُ) وَهُوَ جَالِسٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَأَنَّهُ تَحْلِيلُهَا، وَهُوَ مِنْهَا لِقَوْلِهِ: «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَلَيْسَ لَهَا تَحْلِيلٌ سِوَاهُ (عَنْ يَمِينِهِ) فَيَقُولُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيْهَا، فَاشْتُرِطَ لَهُ كَالْأَوَّلِ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهَا تَسْلِيمَتَانِ، فَعَنْ سَعْدٍ قَالَ: «كُنْتُ أَرَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيُسَنُّ الْتِفَاتُهُ فِيهِمَا، قَالَ أَحْمَدُ: ثَبَتَ عِنْدَنَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَيَكُونُ الْتِفَاتُهُ فِي الثَّانِيَةِ أَكْثَرَ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، رَوَاهُ ابْنُ صَاعِدٍ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالسَّامِرِيُّ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِقَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إِلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ فِي قَوْلِهِ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَيَجْهَرُ بِالْأُولَى، وَيُسِرُّ الثَّانِيَةَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وَرَحْمَةُ اللَّهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِئُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ جَازَ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ:   [المبدع في شرح المقنع] نُصَّ عَلَيْهِ، لِتَقَدُّمِهَا أَوْ لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ بِهَا، وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " خِلَافَهَا، لِئَلَّا يُسَابِقَهُ الْمَأْمُومُ فِي السَّلَامِ، أَوْ فِي الْقِيَامِ لِلْقَضَاءِ إِنْ كَانَ مَسْبُوقًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَجْهَرُ، وَبِالْأُولَى أَكْثَرُ، وَقِيلَ: يُسِرُّهُمَا كَمَأْمُومٍ، قَالَ فِي " الْمَذْهَبِ ": وَمُنْفَرِدٌ، وَيُسْتَحَبُّ حَذْفُهُ، وَيَجْزِمُهُ، وَلَا يُعْرِبُهُ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا نَكَّسَ السَّلَامَ مُطْلَقًا لَمْ يُجْزِئْهُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَبَعَّدَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنْ نَكَّرَهُ، فَأَوْجُهٌ ثَالِثُهَا: يُجْزِئُ مَعَ التَّنْوِينِ لِإِقَامَتِهِ مَقَامَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَقِيلَ: تَنْكِيرُهُ أَفْضَلُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ (فَإِنْ لَمْ يَقُلْ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ لَمْ يُجْزِئْهُ) اخْتَارَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَحَّحَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" الرِّعَايَةِ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُهُ، وَهُوَ سَلَامٌ فِي صَلَاةٍ فَيَرِدُ مَقْرُونًا بِالرَّحْمَةِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ بِدُونِهَا، كَالسَّلَامِ فِي التَّشَهُّدِ، فَعَلَى هَذَا هِيَ رُكْنٌ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَذْهَبِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِئُهُ) قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ: «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ، وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ " الْمُحَرَّرِ " دَلِيلًا لِلْأَوَّلِ، وَحَمَلَهُ عَلَى السَّلَامِ الْمَعْهُودِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ " وَلِأَنَّ ذِكْرَ الرَّحْمَةِ تَكْرِيرٌ لِلثَّنَاءِ، فَعَلَى هَذَا هِيَ سُنَّةٌ (وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ، وَاقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى السَّلَامِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " و" الْمُحَرَّرِ " فِي وُجُوبِهَا رِوَايَتَانِ. 1 - تَتِمَّةٌ: إِذَا زَادَ: وَبَرَكَاتُهُ فَلَا بَأْسَ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ، وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ (وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلَاةِ) هَذَا الْأَوْلَى لِتَكُونَ النِّيَّةُ شَامِلَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَغْرِبٍ أَوْ رُبَاعِيَّةٍ نَهَضَ مُبَكِّرًا إِذَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ. وَصَلَّى الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ مِثْلَ الثَّانِيَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ، وَلَا يَقْرَأُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] لِطَرَفَيِ الصَّلَاةِ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ جَازَ) نُصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْجَدُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ قَدْ شَمِلَتْ جَمِيعَهَا، وَالسَّلَامُ مِنْ جُمْلَتِهَا، فَاكْتفى فِيهِ بِالنِّيَّةِ الْمُسْتَصْحَبِ حُكْمُهَا، وَكَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَمْ تَجِبِ النِّيَّةُ لِلْخُرُوجِ مِنْهَا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ، لِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيِ الصَّلَاةِ، فَوَجَبَتْ فِيهِ النِّيَّةُ كَالطَّرَفِ الْأَوَّلِ، فَعَلَى هَذَا هِيَ رُكْنٌ، وَقِيلَ: إِنْ سَهَا عَنْهَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهَا مَعَ الْحَفَظَةِ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ جَازَ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ لِلتَّشْرِيكِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: السُّنَّةُ أَنْ يَنْوِيَ بِالْأُولَى الْخُرُوجَ، وَبِالثَّانِيَةِ عَلَى الْحَفَظَةِ وَمَنْ مَعَهُ إِنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنْ نَوَى بِسَلَامِهِ الْحَاضِرِينَ، وَلَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ وَجْهًا وَاحِدًا لِتَمَحُّضِهِ خِطَابَ آدَمِيٍّ، وَالْأَشْهَرُ يَجُوزُ، وَعَنْهُ: لَا يَتْرُكُ السَّلَامَ عَلَى إِمَامِهِ، وَإِنْ وَجَبَتِ الثَّانِيَةُ اعْتَبَرَ الْخُرُوجَ مِنْهَا (وَإِنْ كَانَ فِي مَغْرِبٍ أَوْ رُبَاعِيَّةٍ نَهَضَ مُكَبِّرًا إِذَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ) كَنُهُوضِهِ مِنَ السُّجُودِ قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ وِفَاقًا، وَعَنْهُ: بَلَى، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَحَفِيدُهُ، وَهِيَ أَظْهَرُ، وَقَدْ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ (وَصَلَّى الثَّالِثَةَ، وَالرَّابِعَةَ مِثْلَ الثَّانِيَةِ) لِقَوْلِهِ: «ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» وَاقْتَضَى كَلَامُهُ مُسَاوَاةَ الثَّالِثَةِ لِلرَّابِعَةِ فِي عَدَمِ التَّطْوِيلِ، لِأَنَّهَا مِثْلُهَا (إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ) فِيهِمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (وَلَا يَقْرَأُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ ابْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مُتَوَرِّكًا يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى، وَيُخْرِجُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَيَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] سِيرِينَ: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ» وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى شُرَيْحٍ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إِذَا قُلْنَا: يَنْتَظِرُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَيَقْرَأُ سُورَةً مَعَهَا، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ، وَالنَّفْلِ. [التَّشَهُّدُ الثَّانِي وَصِفَتُهُ] (ثُمَّ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مُتَوَرِّكًا) لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، فَإِنَّهُ وَصَفَ جُلُوسَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا، وَالثَّانِي مُتَوَرِّكًا، وَهَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَزِيَادَةٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا، وَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا، وَحِينَئِذٍ لَا يُسَنُّ التَّوَرُّكُ إِلَّا فِي صَلَاةٍ فِيهَا تَشَهُّدَانِ أَصْلِيَّانِ فِي الْأَخِيرِ مِنْهُمَا، وَعَنْهُ: لَا تَوَرُّكَ فِي الْمَغْرِبِ، وَالْأَوَّلُ: الْمَذْهَبُ، وَصِفَتُهُ كَمَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنِ الْإِمَامِ (يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى، وَيُخْرِجُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ، فَإِذَا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إِلَى الْأَرْضِ، وَأَخْرَجَ قَدَمَهُ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي لَفْظٍ: جَلَسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ، وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَالسَّامِرِيُّ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَاطِنَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخْذِهِ الْيُمْنَى، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْهُ: يُخْرِجُ قَدَمَهُ الْأَيْسَرَ مِنْ تَحْتِ سَاقِهِ الْأَيْمَنِ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَيْضًا، وَأَيُّهَا فَعَلَ جَازَ. 1 - فَرْعٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ: هَلْ يُتَوَرَّكُ فِي تَشَهُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ؛ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَحَمَلَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى مَا إِذَا كَانَ السَّهْوُ فِي صَلَاةٍ فِيهَا تَشَهُّدَانِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 أَنَّهَا تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَتَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً أَوْ تُسْدِلُ رِجْلَيْهَا فَتَجْعَلُهُمَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا، وَهَلْ يُسَنُّ لَهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَيُكْرَهُ   [المبدع في شرح المقنع] تَشَهُّدَهَا يُتَوَرَّكُ فِيهِ، وَهَذَا تَابِعٌ لَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يَتَوَرَّكُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ كَسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ، وَغَيْرِهَا، وَقَالَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ تَشَهُّدٌ ثَانٍ فِي الصَّلَاةِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى الْفَرْقِ (وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) لِشُمُولِ الْخِطَابِ لَهُمَا لِقَوْلِهِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (إِلَّا أَنَّهَا تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ) أَيْ: لَا يُسَنُّ لَهَا التَّجَافِي، لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ فَقَالَ: إِذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إِلَى بَعْضٍ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي " مَرَاسِيلِهِ " وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ فَكَانَ الْأَلْيَقُ بِهَا الِانْضِمَامَ، وَذُكِرَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَتَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً) لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ (أَوْ تُسْدِلَ رِجْلَيْهَا فَتَجْعَلَهُمَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا) وَكَذَا فِي " الْخِرَقِيِّ "، و" الْمُحَرَّرِ " و" الْمَذْهَبِ " وَنُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ غَالِبُ فِعْلِ عَائِشَةَ، وَأَشْبَهُ بِجِلْسَةِ الرَّجُلِ، وَأَبْلَغُ فِي الِانْكِمَاشِ، وَالضَّمِّ، وَأَسْهَلُ عَلَيْهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ الْجُلُوسِ مُتَرَبِّعَةً لِاسْتِوَائِهِمَا، وَلَكِنَّ السَّدْلَ أَفْضَلُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ " وَلَا تَجْهَرُ بِقِرَاءَةٍ إِنْ سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَإِلَّا جَهَرَتْ كَذِكْرٍ (وَهَلْ يُسَنُّ لَهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يُسَنُّ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْجَدُّ، وَهُوَ عُمُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، وَقِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُسَنُّ، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " قَالَ القاضي: وتبعه فِي " الشَّرْحِ ": لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّجَافِي، فَعَلَى هَذَا هَلْ يُكْرَهُ أَوْ يَجُوزُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَالثَّالِثَةُ: تَرْفَعُ دُونَهُ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ أَوْسَطُ الْأَقْوَالِ، قَالَهُ الْمَجْدُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِذِكْرِ الْخُنْثَى الْمُشْكَلِ، وَحُكْمُهُ كَامْرَأَةٍ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا. [الذِّكْرُ وَالِاسْتِغْفَارُ ثَلَاثًا عَقِيبَ الصَّلَاةِ] 1 فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ الذِّكْرُ، وَالِاسْتِغْفَارُ ثَلَاثًا كَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" الرِّعَايَةِ ": وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَكَذَا الْمُعَوِّذَتَيْنِ زَادَ بَعْضُهُمْ: وَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ، وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيَحْمَدُ كَذَلِكَ، وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ لِلْخَبَرِ ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَالْمَذْهَبِ، وَغَيْرِهِمَا، قَالُوا: وَيَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، كَذَا قَالُوا، وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى، وَيَفْرَغُ مِنْ عَدَدِ ذَلِكَ مَعًا قَالَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لِلنَّصِّ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِفْرَادِ كُلِّ جُمْلَةٍ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي الْإِفْرَادَ، وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِذَلِكَ، وَحَكَى ابْنُ بَطَّةَ عَنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ خِلَافَهُ، وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا مُخْتَلِفٌ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ يَجْهَرُ لِقَصْدِ التَّعْلِيمِ فَقَطْ، ثُمَّ يَتْرُكُهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْعَدَدِ أَنْ لَا يَنْقُصَ مِنْهُ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا تَضُرُّ شَيْئًا لَا سِيَّمَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، لِأَنَّ الذِّكْرَ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَهُوَ يُشْبِهُ الْمُقَدَّرَ فِي الزَّكَاةِ إِذَا زَادَ عَلَيْهِ، وَيُشْرَعُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ لِحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمَا فَيُؤَمِّنُونَ عَلَى الدُّعَاءِ، وَالْأَصَحُّ: وَغَيْرُهَا، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَيَسْتَقْبِلُ الْمَأْمُومَ، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَلَا يَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ، وَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَيُشِيرُ إِلَى السَّمَاءِ فِي دُعَائِهِ بِأُصْبُعِهِ، وَيَسْمَعُهُ الْمَأْمُومُ، وَقِيلَ: إِنْ قَصَدَ تَعْلِيمَهُ، وَإِلَّا خَفَضَ صَوْتَهُ كَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ الْجَهْرُ مُطْلَقًا، وَلَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ قَبْلَ إِمَامِهِ إِلَّا أَنْ يُطِيلَ الْجُلُوسَ، فَإِنْ كَانَ رِجَالٌ أَوْ نِسَاءٌ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُمْنَ عَقِيبَ سَلَامِهِ، وَيَثْبُتُ الرِّجَالُ قَلِيلًا، وَيَنْصَرِفُ كَيْفَ شَاءَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ، وَرَفْعُ بَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَافْتِرَاشُ الذِّرَاعَيْنِ فِي السُّجُودِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: أَوْ عَنْ يَسَارِهِ إِنْ سَهُلَ، قَالَ الْقَاضِي: يَمِينُهُ أَوْلَى إِلَّا أَنْ تَكُونَ جِهَةُ انْصِرَافِهِ غَيْرَهَا. وَمِنْ أَدَبِ الدُّعَاءِ بَسْطُ يَدَيْهِ، وَرَفْعُهُمَا إِلَى صَدْرِهِ، وَكَشْفُهُمَا أَوْلَى، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الدُّعَاءَ لِلرَّهْبَةِ بِظَهْرِ الْكَفِّ لِدُعَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَالْبُدَاءَةِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَخَتْمُهُ بِهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُهُ، وَآخِرُهُ قَالَ الْآجُرِّيُّ: وَوَسَطُهُ، وَسُؤَالُهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بِدُعَاءٍ جَامِعٍ مَأْثُورٍ، وَيَكُونُ مُتَطَهِّرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَيُلِحُّ، وَيُكَرِّرُهُ ثَلَاثًا، وَلَا يَسْأَمُ مِنْ تَكْرَارِهِ فِي أَوْقَاتٍ، وَلَا يُعَجِّلُ، وَيَنْتَظِرُ الْفَرَجَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجْتَنِبُ السَّجْعَ، وَسُئِلَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقُرْآنِ سَجْعٌ؛ فَأَجَابَ بِالْجَوَازِ، قَالَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ: لَوْ سَكَتَ عَنْ هَذَا كَانَ أَحْسَنَ، وَلَا يُعْتَدُّ فِيهِ، وَيَبْدَأُ بِنَفْسِهِ، وَيَعُمُّ، وَيُؤَمِّنُ الْمُسْتَمِعُ، وَتَأْمِينُهُ فِي أَثْنَاءِ دُعَائِهِ، وَخَتْمِهِ بِهِ مُتَّجِهٌ، وَيُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ خِلَافُهُ، وَشَرْطُهُ الْإِخْلَاصُ، قَالَ الْآجُرِّيُّ: وَاجْتِنَابُ الْحَرَامِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مِنَ الْأَدَبِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَبْعُدُ إِجَابَتُهُ إِلَّا مُضْطَرًّا أَوْ مَظْلُومًا، «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ قَالَ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. [مَكْرُوهَاتُ الصَّلَاةِ] فَصْلٌ (وَيُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ) ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمَا، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ» ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا الْفَرِيضَةِ، وَلِأَنَّهُ يَكُونُ بِهِ خَارِجًا وَجْهُهُ عَنْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ، وَأَقَلُّ مَا فِيهِ الْكَرَاهَةُ، وَيُسْتَثْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 وَالْإِقْعَاءُ فِي الْجُلُوسِ، وَهُوَ أَنْ يَفْرِشَ قَدَمَيْهِ، وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ سُنَّةٌ،   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهُ مَا إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى، وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَفِيهِ: «وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَيْهِ يَحْرُسُ» ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَسْتَدبرَ عَنِ الْقِبْلَةِ بِجُمْلَتِهِ، أَوْ يَسْتَدْبِرَهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ يختلف اجتهاده فِيهَا، أَوْ فِي شِدَّةِ خَوْفٍ، فَإِنِ اسْتَدَارَ بِصَدْرِهِ مَعَ وَجْهِهِ لَمْ تَبْطُلْ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُؤَلِّفُ خِلَافًا لِابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِ (وَرَفْعُ بَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ) وِفَاقًا لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُنَّ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَذَا يُكْرَهُ تَغْمِيضُهُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ، وَلِأَنَّهُ يُغَيِّرُ هَيْئَةَ الْمُصَلِّي، وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلنَّوْمِ، فَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ فَلَا، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: إِنْ نَظَرَ أَمَتَهُ عُرْيَانَةً غَمَّضَ عَيْنَيْهِ (وَافْتِرَاشِ الذِّرَاعَيْنِ فِي السُّجُودِ) أَيْ: يَمُدُّهُمَا عَلَى الْأَرْضِ مُلْصِقًا لَهُمَا بِهَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَهُ (وَالْإِقْعَاءُ فِي الْجُلُوسِ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ الْأَوْلَى، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى، وَيَقْعُدُ عَلَى مَقْعَدَتِهِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «نَهَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرِ الدِّيكِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الِافْتِرَاشِ الْمَسْنُونِ فِعْلًا، وَقَوْلًا، فَكَانَ مَكْرُوهًا، وَحِينَئِذٍ لَا تَبْطُلُ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي " شَرْحِهِ الصَّغِيرِ ": تَبْطُلُ بِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَعَنْهُ: هُوَ جَائِزٌ، رَوَى مُهَنًّا عَنْهُ: لَا أَفْعَلُهُ، وَلَا أَعِيبُ عَلَى مَنْ يَفْعَلُهُ، الْعَبَادِلَةُ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ (وَهُوَ أَنْ يَفْرِشَ قَدَمَيْهِ، وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ) كَذَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الْفُرُوعِ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْعَرَبِ: فَهُوَ جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ نَاصِبًا فَخْذَيْهِ مِثْلَ إِقْعَاءِ الْكَلْبِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الْإِقْعَاءِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ لَا يَمُدَّ ظَهْرَيْ قَدَمَيْهِ، وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ أَوْ بَيْنَهُمَا عَلَى أَلْيَتَيْهِ أَوْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ، وَيَجْلِسَ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَيْهِمَا، أَوْ يَفْرِشُهُمَا، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِمَا، أَوْ يَجْلِسُ عَلَى وَرِكَيْهِ، وَأَلْيَتَيْهِ مَعَ نَصْبِ رُكْبَتَيْهِ أَوْ فَخْذَيْهِ، وَذَكَرَ فِي " الرِّعَايَةِ " رِوَايَةَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ يُسَنُّ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ سُنَّةٌ) لِقَوْلِ طَاوُسٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ قَالَ: قُلْنَا إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً، فَقَالَ: هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ مُسْلِمٌ. 1 - مَسْأَلَةٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا، وَهُوَ جَالِسٌ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى الْجِدَارِ، وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ يُزِيلُ مَشَقَّةَ الْقِيَامِ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَسَنَّ، وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ، اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلَّاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، فَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ لَوْ أُزِيلَ لَمْ يَصِحَّ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَا بَأْسَ بِالِاسْتِنَادِ إِلَيْهِ، وَحُمِلَ عَلَى الْحَاجَةِ. 1 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ تَتُوقُ نَفْسُهُ إِلَيْهِ وَيُكْرَهُ الْعَبَثُ،   [المبدع في شرح المقنع] (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَهُوَ حَاقِنٌ) أَيْ: بَوْلَهُ سَوَاءٌ خَافَ الْجَمَاعَةَ أَوْ لَا، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِهَا مَعَ الْمُدَافَعَةِ، وَلِأَنَّهُ يَشْغَلُهُ عَنْ خُشُوعِ الصَّلَاةِ، وَحُضُورِ قَلْبِهِ فِيهَا، فَإِنْ فَعَلَ صَحَّتْ عَلَى الْمَذْهَبِ، كَمَا لَوْ صَلَّى وَقَلْبُهُ مَشْغُولٌ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَعَنْهُ: يُعِيدُ، وَعَنْهُ: إِنْ أَزْعَجَهُ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ إِذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَفِي مَعْنَاهُ الْحَاقِبُ، وَهُوَ الَّذِي احْتَبَسَ غَائِطُهُ، وَعِبَارَتُهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَشْمَلُ، قَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ: وَفِي مَعْنَاهُمَا مَنْ بِهِ رِيحٌ مُحْتَبِسَةٌ، فَتَجِيءُ الرِّوَايَاتُ، وَحُكْمُ الْجُوعِ، وَالْعَطَشِ الْمُفْرِطِ كَذَلِكَ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّمَا جَمَعَ بَيْنهمَا الشَّارِعُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى، وَكَذَا قَالَ: يُكْرَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ بِخُشُوعِهَا كَحَرٍّ، وَبَرْدٍ، لِأَنَّهُ يُقْلِقُهُ (أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ تَتُوقُ نَفْسُهُ إِلَيْهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ أَشْبَهُ بِالِاتِّبَاعِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ» وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلِلْبُخَارِيِّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرَغَ، وَإِنَّهُ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ. وَهَذَا مَا لَمْ يَضِقِ الْوَقْتُ، فَإِنْ ضَاقَ فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يَجِبُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهَا تَائِقًا لِطَعَامٍ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ لَا، لِقَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ، حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ، وَعَلَى هَذَا إِنْ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ صَحَّتْ إِجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالطَّعَامِ رُخْصَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهَا صَحَّتْ كَسَائِرِ الرُّخَصِ. (وَيُكْرَهُ الْعَبَثُ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَ: لَوْ خَشَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وَالتَّخَصُّرُ وَالتَّرَوُّحُ وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ وَتَشْكِيلُهَا. وَلَهُ رَدُّ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَدُّ الْآيِ،   [المبدع في شرح المقنع] قَلْبُ هَذَا لَخَضَعَتْ جَوَارِحُهُ» قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ " لِلْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّ الْعَبَثَ حَرَامٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَمَا ظَنُّكَ بِهِ فِيهَا، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ (وَالتَّخَصُّرُ) هُوَ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْخُضُوعَ وَالْخُشُوعَ، وَيَمْنَعُ مِنْ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ، وَتُكْرَهُ صَلَاةُ الْحَازِقِ مِنْ ضِيقِ الْخُفِّ، وَمَنْ لَا يَعْقِلُ غَالِبًا، كَخَوْفٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ إِزْعَاجٍ، وَتَخْبِيطٍ، وَنَحْوِهِ (وَالتَّرَوُّحِ) بِمِرْوَحَةٍ، وَنَحْوِهَا، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَطَاءٌ، لِأَنَّهُ مِنَ الْعَبَثِ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ " و" الْفُرُوعِ " إِلَّا لِحَاجَةٍ كَغَمٍّ شَدِيدٍ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَمُرَاوَحَتُهُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَتُكْرَهُ كَثْرَتُهُ، لِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ (وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) لِمَا رَوَى الْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَا تُفقِّعْ أَصَابِعَكَ، وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَتَشْبِيكُهَا) لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الَّذِي يُصَلِّي، وَهُوَ مُشَبِّكٌ أَصَابِعَهُ: تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. 1 - مَسَائِلُ: يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ مَا يُلْهِيهِ، أَوْ يَنْظُرُ فِي كِتَابٍ، وَأَنْ يَلُفَّ شَعْرَهُ أَوْ ثَوْبَهُ أَوْ يُصَلِّيَ وَهُوَ مَعْقُوصُ الشَّعْرِ، وَلَوْ فَعَلَهُمَا لِعَمَلٍ قَبْلَ صَلَاتِهِ، أَوْ مَكْتُوفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْيَدَيْنِ، وَمَسَّ لِحْيَتَهُ، وَأَنْ يَمْسَحَ أَثَرَ السُّجُودِ، وَفِي " الْمُغْنِي " إِكْثَارُهُ مِنْهُ، وَلَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَعَنْهُ: وَبَعْدَ الصَّلَاةِ، وَأَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَيُحَرِّكَ الْحَصَى، وَأَنْ يَخُصَّ مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ بِمَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الرَّافِضَةِ، وَأَنْ يُعَلِّقَ فِي قِبْلَتِهِ شَيْئًا مِنْ مُصْحَفٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَأْسَ بِكَوْنِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَنْ يَكْتُبَ فِي الْقِبْلَةِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ بَابٌ مَفْتُوحٌ، أَوْ إِلَى نَارٍ فِي قِنْدِيلٍ، وَشَمْعَةٍ، وَالرَّمْزُ بِالْعَيْنِ، وَالْإِشَارَةُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَإِخْرَاجُ لِسَانِهِ، وَفَتْحُ فَمِهِ، وَوَضْعُهُ فِيهِ شَيْئًا لَا بِيَدِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَسْتَصْحِبَ مَا فِيهِ صُورَةٌ مِنْ فَصٍّ أَوْ ثَوْبٍ، وَصَلَاتُهُ إِلَى مُتَحَدِّثٍ أَوْ نَائِمٍ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ النَّفْلُ، وَإِلَى كَافِرٍ، وَصُورَةٍ مَنْصُوبَةٍ، نُصَّ عَلَيْهِمَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ إِلَيْهَا، وَأَنَّهُ لَا يُكَرَهُ إِلَى غَيْرِ مَنْصُوبَةٍ، وَلَا سُجُودُهُ عَلَى صُورَةٍ، وَلَا صُورَةٍ خَلْفَهُ فِي الْبَيْتِ، وَلَا فَوْقَ رَأْسِهِ فِي سَقْفٍ، أَوْ عَنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ، وَإِلَى وَجْهٍ آدَمِيٍّ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَوْ حَيَوَانِ غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ وَيُصَلِّي إِلَيْهَا، وَإِلَى امْرَأَةٍ تُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنْ غَلَبَهُ تَثَاؤُبٌ فِي صَلَاتِهِ كَظَمَ، فَإِنْ أَبَى اسْتُحِبَّ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِلْخَبَرِ، وَلَا يُقَالُ تَثَاوَبَ بَلْ تَثَاءَبَ. [مَا يُسْتَحَبُّ فِي الصَّلَاةِ] [رَدُّ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَي المصلي] (و) يُسْتَحَبُّ (لَهُ رَدُّ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " و" الْفُرُوعِ " وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلَا يَدَعَنَّ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْهُ: يَجِبُ رَدُّهُ آدَمِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِلْفَرْضِ وَالنَّفْلِ فِي ظَاهِرِ كلامهم لظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ بِالْفَرْضِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَمَرَّ دُونَهَا، أَوْ لَمْ تَكُنْ، فَمَرَّ قَرِيبًا مِنْهُ، وَقِيلَ: قَدْرَ خُطْوَتَيْنِ بِحَيْثُ لَوْ مَشَى وَرَدَّهُ لَمْ تَبْطُلْ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي " الْكَافِي " لِأَنَّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ، أَشْبَهَ مَنْ نَصَبَ سُتْرَةً وَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَصْبِهَا الْإِعْلَامُ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي الدَّفْعِ إِعْلَامٌ صَرِيحٌ، وَقِيلَ: هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ إِذَا مَرَّ دُونَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا، وَالنَّصُّ شَاهِدٌ لَهُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَغْلِبْهُ، أَوْ يَكُنْ مُحْتَاجًا، بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا، وَيَتَعَيَّنُ طَرِيقًا. وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ هُنَاكَ ذَكَرَهُ فِي " الْمَذْهَبِ " وَلَا يَحْرُمُ، أَوْ فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فِي رِوَايَةٍ، قَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى بِمَكَّةَ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَأَلْحَقَ فِي " الْمُغْنِي " الْحَرَمَ بِمَكَّةَ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَّةَ، وَغَيْرِهَا، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَأَطْلَقَ فِي " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ، فَإِنْ تَرَكَهُ يمر نَقَصَتْ صَلَاتُهُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي إِنْ تَرَكَهُ قَادِرًا، فَإِنْ أَبَى دَفَعَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ فَلَهُ قِتَالُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ مَشَى فَإِنْ خَافَ فَسَادَهَا لَمْ يُكَرِّرْ دَفْعَهُ، وَيُضَمِّنُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِيمَا، وَالْمَذْهَبُ يَحَرِّمُ مُرُورَهُ بَيْنَ مُصَلٍّ وَسُتْرَتِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعُدَ مِنْهَا، لِمَا رَوَى أَبُو جُهَيْمٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» ، قَالَ أَبُو النَّضْرِ أَحَدُ رُوَاتِهِ: لَا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وَالتَّسْبِيحِ، وَقَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْقَمْلَةِ، وَلُبْسُ الثَّوْبِ وَالْعِمَامَةِ، مَا لَمْ يُطِلْ، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] سَنَةً؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَحْرُمُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ سُتْرَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ، وَقِيلَ: الْعُرْفُ لَا مَوْضِعَ سُجُودِهِ، وَفِي " الْفُصُولِ " و" التَّرْغِيبِ " يُكْرَهُ، وَقِيلَ: النَّهْيُ مُخْتَصٌّ بِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ، وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى إِثْمِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. 1 - فَرْعٌ: لِلْمُصَلِّي دَفْعُ الْعَدُوِّ مِنْ سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ سُقُوطِ جِدَارٍ، وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَثُرَ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَشْهَرِ (و) لَهُ (عَدُّ الْآيِ) زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْجَدُّ: بِأَصَابِعِهِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْقِدُ الْآيَ بِأَصَابِعِهِ» رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ، وَكَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ (وَالتَّسْبِيحِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى عَدِّ الْآيِ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وقدمه السَّامِرِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يُكْرَهُ، لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنِ السَّلَفِ عَدُّ الْآيِ دُونَ التَّسْبِيحِ، لِأَنَّهُ يَتَوَالَى لِقَصْرِهِ فَتَتَوَالَى حَسَنَاتُهُ، فَيَكْثُرُ الْعَمَلُ، بِخِلَافِ عَدِّ الْآيِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالْجَدُّ الْخِلَافَ (وَقَتْلُ الْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَالْقَمْلَةِ) لِأَنَّ عُمَرَ، وَأَنَسًا، وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَلِأَنَّ فِي تَرْكِهَا أَذًى لَهُ إِنْ تَرَكَهَا عَلَى جَسَدِهِ، وَلِغَيْرِهِ إِنْ أَلْقَاهَا، وَهُوَ عَمَلٌ يَسِيرٌ، فَلَمْ يُكْرَهْ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَقَالَ الْقَاضِي التَّغَافُلُ عَنْهَا أَوْلَى، وَفِي جَوَازِ دَفْنِهَا فِي مَسْجِدٍ وَجْهَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ قَتْلُهَا فِيهِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 طَالَ الْفِعْلُ فِي الصَّلَاةِ، أَبْطَلَهَا عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا، إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ مُتَفَرِّقًا. وَيُكْرَهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا أَوْ يَدْفِنَهَا قِيلَ لِلْقَاضِي: يُكْرَهُ قَتْلُهَا، وَدَفْنُهَا فِيهِ كَالنُّخَامَةِ فَقَالَ دَفْنُ النُّخَامَةِ؛ كَفَّارَةٌ لَهَا، وَإِذَا دَفَنَهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَتَنَخَّمْ، فَكَذَا الْقَمْلَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَعْمَاقَهُ تَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنِ النَّجَاسَةِ كَظَاهِرِهِ بِخِلَافِهَا، وَفِي مَعْنَاهُ الْبُرْغُوثُ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَتْلِ الْقَمْلَةِ، وَالْبُرْغُوثِ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. 1 - فَائِدَةٌ: لَهُ حَكُّ جَسَدِهِ يَسِيرًا، وَقِيلَ: ضَرُورَةً، وَيَجِبُ رَدُّ كَافِرٍ عَصَمَ دَمَهُ عَنْ بِئْرٍ فِي الْأَصَحِّ، كَمُسْلِمٍ، فَيَقْطَعُ، وَقِيلَ: يُتِمُّ، وَكَذَا إِنْ فَرَّ مِنْهُ غَرِيمُهُ يَخْرُجُ فِي طَلَبِهِ، كَإِنْقَاذِ غَرِيقٍ (وَلُبْسُ الثَّوْبِ) (و) لَفُّ (الْعِمَامَةِ) لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْتَحَفَ بِإِزَارِهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ» ، وَكَذَا إِنْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ فَلَهُ رَفْعُهُ وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ يَسِيرٌ أَشْبَهَ حَمْلَ أُمَامَةَ، وَفَتْحَ الْبَابِ لِعَائِشَةَ (مَا لَمْ يَطُلْ) رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَهُ رَدُّ الْمَارّ إِلَى آخِرِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ جَوَازُ أَكْثَرِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ (فَإِنْ طَالَ) أَيْ: كَثُرَ (الْفِعْلُ) عُرْفًا بِلَا ضَرُورَةٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثًا، وَقِيلَ: مَا ظَنَّ فَاعِلُهُ لَا فِي صَلَاةٍ (فِي الصَّلَاةِ) مُتَوَالِيًا (أَبْطَلَهَا) إِجْمَاعًا (عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا) إِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ، وَيَمْنَعُ مُتَابَعَةَ الْأَذْكَارِ، وَيُذْهِبُ الْخُشُوعَ فِيهَا، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مُنَافٍ لَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَهَا، فَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ لَمْ يَقْطَعْهَا، وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخَائِفِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ لِوُجُودِ الْمُبْطِلِ، وَعَنْهُ: لَا تَبْطُلُ بِالسَّهْوِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَحْتَاجُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، لِأَنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ سَاهِيًا فِيهِ الْخِلَافُ، بِخِلَافِ الْفِعْلِ إِذِ الْقَوْلُ أَخَفُّ مِنَ الْفِعْلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِتَكْرَارِ السُّجُودِ دُونَ تَكْرَارِ الْفَاتِحَةِ، إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ مُتَفَرِّقًا فَلَا تَبْطُلُ بِهِ، وَلَوْ طَالَ الْمَجْمُوعُ لَا كُلُّ عَمَلٍ مِنْهَا، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ إِذَا قَامَ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ، وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ وَصَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْمِنْبَرِ، وَتَكَرُّرُهُ صُعُودُهُ، وَنُزُولُهُ عَنْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَخْذُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ فِي الْفَرْضِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي النَّفْلِ، وَلَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى الْإِمَامِ إِذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ، وَإِذَا   [المبدع في شرح المقنع] الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنُ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ مُتَفَرِّقًا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. فَرْعٌ: إِشَارَةُ أَخْرَسَ مَفْهُومَةٌ أَوْ لَا، كَفِعْلٍ، وَلَا تَبْطُلُ بِعَمَلِ الْقَلْبِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَلَا بِإِطَالَةِ نَظَرٍ فِي كِتَابٍ فِي الْأَصَحِّ. [تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ فِي الْفَرْضِ] (وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ) لِعَدَمِ فِعْلِ ذَلِكَ، وَهِيَ رُكْنٌ، وَاخْتُلِفَ فِي تَكْرَارِهَا، وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ الْكَرَاهَةُ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ فِي الْفَرْضِ) فِي رِوَايَةٍ، لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمَأْثُورَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ، فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ، سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَكْتُوبَةِ بِالسُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ رَوَاهُ مَالِكٌ، وَكَتَكْرَارِ سُورَةٍ فِي رَكْعَةٍ، وَتَفْرِيقِ سُورَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، نُصَّ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ لَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى سُورَةٍ فِي رَكْعَةٍ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَعَنْهُ: تُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ (وَلَا يُكْرَهُ) أَيِ: الْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ (فِي النَّفْلِ) قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ سُورَةَ (الْبَقَرَةِ) و (آلِ عِمْرَانَ) و (النِّسَاءِ) وَكَانَ عُثْمَانُ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ خَتَمْتُ فِيهِمَا الْقُرْآنَ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَهُوَ بِعِيدٌ (وَلَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ، وَأَوْسَاطِهَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] وَلِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ: أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ، وَمَا تَيَسَّرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ آخِرَ (آلِ عِمْرَانَ) وَآخِرَ (الْفُرْقَانِ) . رَوَاهُ الْخَلَّالُ. قَالَ الْحَسَنُ: غَزَوْتُ مَعَ ثَلَاثِمَائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَقْرَأُ إِذَا أَمَّ أَصْحَابَهُ بِخَاتِمَةِ (الْبَقَرَةِ) وَبِخَاتِمَةِ (الْفُرْقَانِ) وَبِخَاتِمَةِ (الْحَشْرِ) وَكَانَ لَا يُنْكِرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ (وَعَنْهُ: يُكْرَهُ) فِي الْفَرْضِ، نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ، وَقَالَ: سُورَةٌ أَعْجَبُ إِلَيَّ، قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: كَانَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَرَابَةٌ يُصَلِّي بِهِ، فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ مِنَ الْفَجْرِ بِآخِرِ السُّورَةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تَقَدَّمْ أَنْتَ فَصَلِّ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا يُصَلِّي بِكُمْ مُنْذُ كَمْ، قَالَ: دَعْنَا مِنْهُ، يَجِيءُ بِآخِرِ السُّورَةِ، وَكَرِهَهُ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَلَعَلَّ أَحْمَدَ إِنَّمَا أَحَبَّ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ أَوْ بَعْضِهَا مِنْ أَوَّلِهَا، وَعَنْهُ: تُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ، وَعَنْهُ: قِرَاءَةُ الْأَوْسَاطِ لَا الْأَوَاخِرِ لِعَدَمِ نَقْلِهِ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ قِرَاءَةِ أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ كُلِّ الْقُرْآنِ فِي فَرْضٍ، وَعَنْهُ: لَا كَفَرَائِضَ. تَذْنِيبٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ كَمَا فِي الْمُصْحَفِ، وَيُكْرَهُ تَنْكِيسُ السُّوَرِ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ كَالْآيَاتِ، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَغَيْرُهُ لِلْأَخْبَارِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَرْتِيبُ الْآيَاتِ وَاجِبٌ، لِأَنَّ تَرْتِيبَهَا بِالنَّصِّ، وَتَرْتِيبُ السُّوَرِ بِالِاجْتِهَادِ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ، فَتَجُوزُ قِرَاءَةُ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ، وَكَذَا فِي الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا تَنَوَّعَتْ مَصَاحِفُ الصَّحَابَةِ فِي كِتَابَتِهَا، لَكِنْ لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى الْمُصْحَفِ زَمَنَ عُثْمَانَ صَارَ هَذَا مِمَّا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَعَلَّلَ الْمَجْدُ كَرَاهَةَ تَنْكِيسِ الْآيَاتِ بِأَنَّهُ مَظِنَّةُ تَغَيُّرِ الْمَعْنَى، بِخِلَافِ السُّوَرِ إِلَّا مَا ارْتَبَطَتْ، وَتَعَلَّقَتْ بِالْأُولَى كَسُورَةِ قُرَيْشٍ مَعَ الْفِيلِ عَلَى رَأْيٍ. فَحِينَئِذٍ يُكْرَهُ، وَلَا يَبْعُدُ تَحْرِيمُهُ عَمْدًا، لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِمَوْضِعِ السُّورَةِ، فَإِنْ نَكَّسَ الْكَلِمَاتِ حَرُمَ، وَبَطَلَتْ. 1 - (وَ) يُشْرَعُ (لَهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى إِمَامِهِ إِذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ) قَالَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ فِي الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَعَنْهُ: إِنْ طَالَ، وَعَنْهُ: فِي نَفْلٍ، وَقِيلَ: إِنْ سَكَتَ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي الْفَرْضِ فِي الْحَمْدِ، وَفِي النَّفْلِ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ: تَبْطُلُ بِهِ لِقَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 نَابَهُ شَيْءٌ مِثْلُ سَهْوِ إِمَامِهِ، أَوِ اسْتِئْذَانِ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ، سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً صَفَّحَتْ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى، وَإِنْ بَدَرَهُ الْبُصَاقُ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَا عَلِيُّ لَا تَفْتَحْ عَلَى الْإِمَامِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: فِيهِ الْحَارِثُ، وَكَانَ كَذَّابًا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِتَجَرُّدِهِ لِلتَّفْهِيمِ، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ لِمَا «رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً فَلُبِّسَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِأَبِي: أَصَلَّيْتَ مَعَنَا؛ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَمَا مَنَعَكَ؛» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَلِأَنَّهُ تَنْبِيهٌ فِيهَا بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ، أَشْبَهَ التَّسْبِيحَ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ فِي الْفَاتِحَةِ، كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ فِيهَا كَغَيْرِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَلَوْ فَتَحَ بَعْدَ أَخْذِهِ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إِتْمَامِ مَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَسْقُطُ، وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَصَلَاةُ الْأُمِّيِّ خَلْفَهُ دُونَ الْقَارِئِ، فَإِنَّهُ يُفَارِقُهُ، وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ، ثُمَّ إِنِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ، وَصَلَّى مَعَهُ جَازَ، وَإِلَّا تَعَلَّمَ مَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى، صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُ عَلَى غَيْرِ إِمَامِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَبْطُلْ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَكَمَا لَوْ فَتَحَ غَيْرُ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ. 1 - تَنْبِيهٌ: إِذَا عَطَسَ، أَوْ بُشِّرَ بِمَا يَسُرُّهُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ أَخْبَرَهُ بِمَا يَغُمُّهُ فَقَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، أَوْ خَاطَبَ بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الْأَصَحِّ لِلْأَخْبَارِ، لَكِنْ يُكْرَهُ لِعَاطِسٍ الْحَمْدُ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ، فَلَوْ عَطَسَ حَالَ شُرُوعِهِ فِي الْحَمْدِ فَنَوَى الْقِرَاءَةَ لَمَّا عَطَسَ، فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْ فَرْضٍ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا قَصَدَ بِالْحَمْدِ الذِّكْرَ أَوِ الْقُرْآنَ لَمْ تَبْطُلْ، فَإِنْ قَصَدَ خِطَابَ آدَمِيٍّ بَطَلَتْ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا فَوَجْهَانِ (وَإِذَا نَابَهُ شَيْءٌ) أَيْ: أَمْرٌ (مِثْلُ سَهْوِ إِمَامِهِ) كَمَا لَوْ أَتَى بِفِعْلٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ تَنْبِيهُهُ. (أَوِ اسْتِئْذَانِ إِنْسَانٍ) دَاخِلٍ (عَلَيْهِ سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا) وَلَوْ كَثُرَ، وَيَجُوزُ بِقِرَاءَةٍ، وَتَكْبِيرٍ، وَتَهْلِيلٍ فِي الْأَظْهَرِ (وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً صَفَّحَتْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " صَفَّقَتْ، وَهُمَا سَوَاءٌ مَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ، وَقِيلَ: التَّصْفِيحُ الضَّرْبُ بِظَاهِرِ إِحْدَاهُمَا عَلَى بَاطِنِ الْأُخْرَى، وَقِيلَ: بِأُصْبُعَيْنِ مِنْ إِحْدَاهُمَا عَلَى صَفْحَةِ الْأُخْرَى، وَالتَّصْفِيقُ الضَّرْبُ بِجَمِيعِ إِحْدَى الصَّفْحَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ (بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خَبَرِ سَهْلٍ: «إِذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي صَلَاتِكُمْ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلِيُصَفِّق النِّسَاءُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُسَبِّحُ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ، نُصَّ عَلَيْهِ كَتَصْفِيقِهِ، وَتَطْبِيقٍ، وَصَفِيرٍ، وَيُكْرَهُ بِنَحْنَحَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَشَرْطُ التَّصْفِيقِ مَا لَمْ يُطِلْ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ مُرَادٌ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ: لَا تَبْطُلُ بِتَصْفِيقِهَا عَلَى جِهَةِ اللَّعِبِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَتَبْطُلُ بِهِ لِمُنَافَاتِهِ الصَّلَاةَ، وَالْخُنْثَى كَامْرَأَةٍ. فَرْعٌ: إِجَابَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ وَاجِبَةً فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، نُصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةً فِيهَا اسْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْلٍ – نصا -، وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَا يُجِيبُ الْوَالِدُ فِي نَفْلٍ إِنْ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ، وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْهَا، فَقَالَ: يُرْوَى عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ: إِذَا دَعَتْكَ أُمُّكَ فِيهَا فَأَجِبْهُ، وَأَبُوكَ لَا تُجِبْهُ، وَكَذَا الصَّوْمُ (وَإِنْ بَدْرَهُ الْبُصَاقُ) وَيُقَالُ بِالسِّينِ، وَالزَّايِ أَيْضًا، وَالْمُخَاطُ أَوِ النُّخَامَةُ (بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ) وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ إِذْهَابًا لِصُورَتِهِ إِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقَنَّ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَزَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، جَازَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى سُتْرَةٍ مِثْلِ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ خَطَّ خَطًّا، فَإِذَا مَرَّ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] » رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الْمَسْجِدِ عَنِ الْبُصَاقِ فِيهِ، قَالَ أَحْمَدُ: الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهُ دَفْنُهُ لِلْخَبَرِ، قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: لِأَنَّ بِدَفْنِهِ تَزُولُ الْقَذَارَةُ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: يَجُوزُ فِي بُقْعَةٍ يَنْدَفِنُ فِيهَا يَخْلُقُ مَوْضِعُهَا اسْتِحْبَابًا، وَيَلْزَمُ غَيْرَهُ إِزَالَتُهَا إِنْ لَمْ يُزِلْهَا فَاعِلُهَا، لِخَبَرِ أَبِي ذَرٍّ (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ بَصَقَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى) قَالَهُ جَمَاعَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لِيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَبْصُقَ أَمَامَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، «وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا، «مَنْ تَفَلَ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَفْلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» ، وَفِي " الْوَجِيزِ " وَيَبْصُقُ فِي الصَّلَاةِ أَوِ الْمَسْجِدِ فِي ثَوْبِهِ، وَفِي غَيْرِهِمَا يَسْرَةً، وَفِيهِ نَظَرٌ. [سُتْرَةُ الْمُصَلِّي] (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى سُتْرَةٍ) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَضَرِ، وَالسَّفَرِ، وَلَمْ يَخْشَ مَارًّا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَفِي " الْوَاضِحِ " يَجِبُ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالسُّتْرَةُ: مَا يُسْتَتَرُ بِهِ، وَلَوْ بِخَيْطٍ مُطْلَقًا (مِثْلِ آخِرَةِ الرَّحْلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ، فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُبَالِ مَنْ يَمُرُّ وَرَاءَ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، «وَصَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، وَبَيْنَهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 وَرَائِهَا شَيْءٌ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ له سُتْرَةٌ فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ،   [المبدع في شرح المقنع] وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ، وَنَحْوِهِ قَرُبَ مِنَ الْجِدَارِ، أَوْ فَضَاءٍ فَإِلَى شَيْءٍ شَاخِصٍ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ظَهْرِ إِنْسَانٍ أَوْ عَصَا، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى إِلَى حَرْبَةٍ، وَإِلَى بَعِيرٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَيُلْقِي الْعَصَا بَيْنَ يَدَيْهِ عَرْضًا، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْخَطِّ، وَيُسْتَحَبُّ انْحِرَافُهُ عَنْهَا قَلِيلًا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ، لَكِنْ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَيَكُونُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَهَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَكُلَّمَا دَنَا فَهُوَ أَفْضَلُ لِلنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِصَلَاتِهِ، وَطُولُهَا ذِرَاعٌ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: مِثْلَ عَظْمِ الذِّرَاعِ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدَّرَهَا بِمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ، وَهُوَ عُودٌ فِي مُؤَخَّرِهِ ضِدَّ قَادِمَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ رَحْلُ الْبَعِيرِ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنَ الْقَتَبِ، وَالْمُؤَخِّرَةُ تَخْتَلِفُ فَتَارَةً تَكُونُ ذِرَاعًا، وَتَارَةً أَقَلَّ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يُجْزِئُ الِاسْتِتَارُ بِهَا، وَعَرْضُهَا لَا حَدَّ لَهُ، لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ غَلِيظَةً كَالْحَائِطِ، وَدَقِيقَةً كَالسَّهْمِ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ أَعْرَضَ هُوَ أَعْجَبُ إِلَيَّ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ خَطَّ خَطًّا) نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلِيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصَا فَلْيَخُطَّ خَطًّا، وَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ فِيهِ رَجُلًا مَجْهُولًا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَصِفَتُهُ كَالْهِلَالِ لَا طُولًا، لَكِنْ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَكَيْفَمَا خَطَّ أَجَزْأَهُ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ الْخَطُّ (فَإِذَا مَرَّ مِنْ وَرَائِهَا شَيْءٌ لَمْ يُكْرَهْ) لِلْأَخْبَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَفِي الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ رِوَايَتَانِ. وَيَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ، وَإِذَا   [المبدع في شرح المقنع] السَّابِقَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سُتْرَةٌ فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) قَرِيبًا، وَمُرَادُهُمْ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ، فَأَقَلُّ مِنْ قَدَمِهِ، أَوْ كَانَتْ تَمُرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا (الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فَصَلَّى فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَالْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ الَّذِي لَا لَوْنَ فِيهِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ: أَوْ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَيَاضٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَلَيْسَ بِبَهِيمٍ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَخُصُّ الْبَهِيمُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ، لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ. 1 - مَسْأَلَةٌ: يُبَاحُ قَتْلُ الْبَهِيمِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ (وَفِي الْمَرْأَةِ، وَالْحِمَارِ) الْأَهْلِيِّ (رِوَايَتَانِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: لَا تَبْطُلُ، نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ، وَهِيَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لِمَا رُوِيَ «أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارِ أَتَانٍ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِمِنَى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ، وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيَّ أَحَدٌ» ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَالثَّانِيَةُ: تُبْطِلُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَرَجَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِلنَّصِّ السَّابِقِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْوُقُوفِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْمُرُورِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا غَيْرُ مَا ذُكِرَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ: يَقْطَعُهَا شَيْطَانٌ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: وَسِنَّوْرٌ أَسْوَدُ، وَفِي الصَّغِيرَةِ وَجْهٌ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ، وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ النَّفْلُ، وَعَنْهُ: وَالْجِنَازَةُ. فَرْعٌ: وَسُتْرَةٌ مَغْصُوبَةٌ، وَنَجِسَةٌ كَغَيْرِهَا قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَفِيهِ وَجْهٌ، فَالصَّلَاةُ إِلَيْهَا كَالْقَبْرِ، قَالَ صَاحِبُ " النَّظْمِ ": وَعَلَى قِيَاسِهِ سُتْرَةُ الذَّهَبِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِنْهَا لَوْ وَضَعَ الْمَارَّةُ سُتْرَةً أَوْ تَسَتَّرَ بِدَابَّةٍ جَازَ. 1 - تَذْنِيبٌ: سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ لِلْأَخْبَارِ، وَلَا عَكْسَ، فَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَأْمُومٍ سُتْرَةٌ، وَلَيْسَتْ سُتْرَةً لَهُ، وَمَعْنَاهُ إِذَا مَرَّ مَا يُبْطِلُهَا، فَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا فِيمَا يُبْطِلُهَا خَاصَّةً، وَأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي نَهْيِ الْآدَمِيِّ عَنِ الْمُرُورِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَكَذَا الْمُصَلِّي لَا يَدْعُ شَيْئًا بَيْنَ يَدَيْهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي إِلَى سُتْرَةٍ دُونَ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ " النَّظْمِ ": لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِجَوَازِ مُرُورِ الْإِنْسَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَأْمُومِينَ، فَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ اعْتِبَارًا بِسُتْرَةِ الْإِمَامِ لَهُ حُكْمًا، وَيُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْإِبْطَالِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْجَمِيعِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اخْتَلَفُوا هَلْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ أَمْ هِيَ سُتْرَةٌ لَهُ خَاصَّةً، وَهُوَ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى سُتْرَةٍ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ» أَيْ: يَمْنَعُ مِنْ نَقْصِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، لَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْمُرُورُ قُدَّامَ الْمَأْمُومِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَهَا، أَوْ آيَةُ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهَا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ.   [المبدع في شرح المقنع] [النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةُ مِنْهُ في الصلاة] (وَيَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ) وَالْقِرَاءَةُ مِنْهُ فِيهَا، جَزَمَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ: أَنَّ عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا عَبْدٌ لَهَا فِي الْمُصْحَفِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ خِيَارُنَا يَقْرَءُونَ فِي الْمَصَاحِفِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ، وَالْفَرْضُ وَالنَّفْلُ سَوَاءٌ، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ فِي النَّفْلِ، وَحُمِلَ فِي " الشَّرْحِ " كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لِغَيْرِ الْحَافِظِ، وَعَنْهُ: يَبْطُلُ فَرْضٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَهَانَا أَنْ نَؤُمَّ مِنَ الْمَصَاحِفِ. رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَقِيلَ: وَنَفْلٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ عَلَى غَيْرِهِ كَاعْتِمَادِهِ بِحَبْلٍ فِي قِيَامِهِ (وَإِذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَهَا) أَيْ: يَسْأَلَ الرَّحْمَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَآيَةُ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ (الْبَقَرَةَ) فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى إِلَى أَنْ قَالَ: إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ» مُخْتَصَرٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ، وَخَيْرٌ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُهُ لِكُلِّ مُصَلٍّ، وَسَبَقَ إِذَا تَلَى آيَةً فِيهَا ذِكْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَعَنْهُ: يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ) لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي النَّفْلِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَفْعَلُهُ إِنْ صَلَّى وَحْدَهُ، وَنَقَلَ الْفَضْلُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَهُ مَأْمُومٌ، وَيَخْفِضَ صَوْتَهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الدِّينَوَرِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَعْنَى ذَلِكَ تَكْرَارُ الْآيَةِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] فِي صَلَاةٍ، وَغَيْرِهَا قَالَ: سُبْحَانَكَ قِيلَ: فِي فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِمَا. فَائِدَةٌ: سُئِلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْقِرَاءَةِ بِمَا فِيهِ دُعَاءٌ هَلْ يَحْصُلَانِ لَهُ؛ فَتَوَقَّفَ، وَيَتَوَجَّهُ الْحُصُولُ، لِخَبَرِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَتَمَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ بِآيَتَيْنِ أَعْطَانِيهِمَا مِنْ كَنْزِهِ الَّذِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَعَلَّمُوهُنَّ، وَعَلِّمُوهُنَّ نِسَاءَكُمْ، فَإِنَّهَا صَلَاةٌ، وَقُرْآنٌ، وَدُعَاءٌ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 فَصْلٌ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ اثْنَا عَشَرَ: الْقِيَامُ، وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَالرُّكُوعُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالسُّجُودُ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذِهِ   [المبدع في شرح المقنع] [أَرْكَانُ الصَّلَاةِ] فَصْلٌ (أَرْكَانُ الصَّلَاةِ) : جَمْعُ رُكْنٍ، وَهُوَ جَانِبُ الشَّيْءِ الْأَقْوَى، وَهُوَ مَا كَانَ فِيهَا، وَلَا يَسْقُطُ عَمْدًا، وَلَا سَهْوًا، وَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ فُرُوضًا، وَهُوَ لَفْظِيٌّ (اثْنَا عَشَرَ) كَذَا فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، وَجَعَلَهَا فِي " الْبُلْغَةِ " عَشْرَةً، وَعَدَّ مِنْهَا النِّيَّةَ، لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِيهَا قِسْمَانِ: وَاجِبٌ، وَمَسْنُونٌ، وَالْأَوَّلُ: قِسْمَانِ: مَا لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا، وَهِيَ الْأَرْكَانُ (الْقِيَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَلِحَدِيثِ عِمْرَانَ: «صَلِّ قَائِمًا» وَمَحَلُّهُ فِي الْفَرْضِ لِقَادِرٍ، وَهُوَ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ، لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ يُدْرِكُ بِهِ فَرْضَ الْقِيَامِ، ذَكَرَهُ فِي " الْخِلَافِ " وَغَيْرِهِ، ولَا يضره مَيل رَأْسه قَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَغَيْرُهُ، وَحْدَهُ مَا لَمْ يُصِرَّ رَاكِعًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْعُرْيَانُ، وَالْخَائِفُ، وَلِمُدَاوَاةٍ، وَقِصَرِ سَقْفٍ لِعَاجِزٍ عَنِ الْخُرُوجِ، وَمَأْمُومٍ خَلْفَ إِمَامِ الْحَيِّ الْعَاجِزِ عَنْهُ بِشَرْطِهِ، فَإِنْ قَامَ عَلَى رِجْلٍ لَمْ يُجْزِئْهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ، وَنَقَلَ خطاب بْنُ بِشْرٍ: لَا أَدْرِي (وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» (وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ) أَيْ: فِي حَقِّ الْإِمَامِ، وَالْمُنْفَرِدِ، وَيَتَحَمَّلُهَا إِمَامٌ عَنْ مَأْمُومٍ، وَكَذَا بَدَلُهَا (وَالرُّكُوعُ) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا} [الحج: 77] ، وَحَدِيثُ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَلِمُسْلِمٍ، وَعَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ إِلَى الْبُخَارِيِّ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّاةَ فِي الْحَدِيثِ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ، فَإِنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ لَسَقَطَتْ عَنِ الْأَعْرَابِيِّ لِجَهْلِهِ بِهَا (وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَاوَمَ عَلَى فِعْلِهِ، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَلَوْ طَوَّلَهُ لَمْ تَبْطُلْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الْأَفْعَالِ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَالْجُلُوسُ لَهُ، وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى، وَالتَّرْتِيبُ، وَمَنْ تَرَكَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْمَاطِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُطِيلُ الِاعْتِدَالَ وَالْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَالسُّجُودُ) إِجْمَاعًا (وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ) لِمَا سَبَقَ، وَلِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ، مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا رُكْنٌ وَاحِدٌ فِي الْكُلِّ، لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْقِيَامَ، وَهِيَ السُّكُونُ، وَإِنْ قَلَّ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْجَدُّ فِي فُرُوعِهِ، وَقِيلَ: بِقَدْرِ الْوَاجِبِ، وَحَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: بِقَدْرِ ظَنِّهِ أَنَّ مَأْمُومَهُ الضَّعِيفُ، وَثَقِيلُ اللِّسَانِ أَتَى بِمَا يَلْزَمُهُ (وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ، وَالْجُلُوسُ لَهُ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْبَدْرِيِّ لِقَوْلِهِ: «إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» الْخَبَرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» . . . . ذَكَرَهُ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ عُمَرُ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إِلَّا بِتَشَهُّدٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَالرُّكْنُ مِنْهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ مَعَ مَا يُجْزِئُ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ: وَعَنْهُ: وَاجِبٌ يَسْقُطُ بِالسَّهْوِ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَعَنْهُ: سُنَّةٌ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ: إِنَّ الْجُلُوسَ فَرْضٌ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الذِّكْرِ فِيهِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 شَيْئًا مِنْهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَوَاجِبَاتُهَا تِسْعَةٌ: الْإِحْرَامُ، وَالتَّسْمِيعُ، وَالتَّحْمِيدُ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ، وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، مَرَّةً مَرَّةً، وَسُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَرَّةً، وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَالْجُلُوسُ لَهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] (وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى) لِقَوْلِهِ: «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْتِمُ صَلَاتَهُ بِالتَّسْلِيمِ» ، وَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَلِأَنَّهَا نُطْقٌ مَشْرُوعٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا، فَكَانَ رُكْنًا كَالطَّرَفِ الْآخَرِ (وَالتَّرْتِيبُ) أَيْ: بَيْنَ الْأَرْكَانِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّيهَا مُرَتَّبَةً، وَعَلَّمَهَا لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ مُرَتَّبًا بِثُمَّ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ، فَكَانَ التَّرْتِيبُ رُكْنًا فِيهَا كَغَيْرِهَا. (وَمَنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَفَى الصَّلَاةَ مَعَ الْجَهْلِ، وَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ عُذْرًا، وَإِذَا انْتَفَى مَعَ الْجَهْلِ، فَمَعَ الْعَمْدِ أَوْلَى، وَتَرْكُهُ سَهْوًا يَأْتِي. [وَاجِبَاتُ الصَّلَاةِ] (وَوَاجِبَاتُهَا تِسْعَةٌ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَسَمَّى أَبُو الْفَرَجِ الْوَاجِبَ سُنَّةً اصْطِلَاحًا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَمَا سَمَّى الْمَبِيتَ، وَرَمْيَ الْجِمَارِ، وَطَوَافَ الصَّدْرِ سُنَّةً، وَهُوَ وَاجِبُ (التَّكْبِيرِ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، وَعَنْهُ: رُكْنٌ لَا يَسْقُطُ بِالسَّهْوِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَعَنْهُ: يَسْقُطُ فِي حَقِّ مَأْمُومٍ فَقَطْ، وَعَنْهُ: سُنَّةٌ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُعَلِّمِ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، قُلْنَا: وَلَمْ يُعَلِّمْهُ التَّشَهُّدَ، وَلَا السَّلَامَ، وَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى تَعْلِيمِهِ مَا أَسَاءَ فِيهِ (وَالتَّسْمِيعُ) وَهُوَ قَوْلُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي حَقِّ إِمَامٍ، وَمُنْفَرِدٍ (وَالتَّحْمِيدُ) وَهُوَ قَوْلُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فِي حَقِّ الْكُلِّ (فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ لِمَا سَبَقَ مِنَ النُّصُوصِ فِعْلًا لَهُ، وَأَمْرًا بِهِ (وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ مَرَّةً مَرَّةً) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالزَّائِدُ عَلَى الْمَرَّةِ سُنَّةٌ (وَسُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَرَّةً) عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَمْ يُنْقَلْ تَرْكُهُ، وَعَنْهُ: سُنَّةٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوْضِعِهَا، وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ فِي رِوَايَةِ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا عَمْدًا بَطَلَتْ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ (وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالْجُلُوسُ لَهُ) اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَهُ، وَدَاوَمَ عَلَى فِعْلِهِ، وَأَمَرَ بِهِ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ حِينَ نَسِيَهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ لِسُقُوطِهَا بِالسَّهْوِ، وَانْجِبَارِهَا بِالسُّجُودِ كَوَاجِبَاتِ الْحَجِّ، وَيُسْتَثْنَى منه غير مَأْمُوم قَامَ إِمَامُهُ عَنْهُ سَهْوًا فَيُتَابِعُهُ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: 56] ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلَا مَوْضِعَ تَجِبُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَوْلَى مِنَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَعَنْهُ: رُكْنٌ، قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " وَصَحَّحَهَا فِي " الْمَذْهَبِ " و" الْوَسِيلَةِ " وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهَا الْمَشْهُورَةُ، وَأَنَّهَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ لِحَدِيثِ كَعْبٍ، وَعَنْهُ: سُنَّةٌ، قَالَ الْمَرْوَزِيُّ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ ابْنَ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَقَالَ: مَا أَجْتَرِئُ أَنْ أَقُولَ مِثْلَ هَذَا، وَفِي رِوَايَةٍ: هَذَا شُذُوذٌ. لِقَوْلِهِ: «إِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدَ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ» ، وَكَخَارِجِ الصَّلَاةِ (فِي مَوْضِعِهَا) أَيْ: فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ (وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ فِي رِوَايَةٍ) قَالَ الْقَاضِي: وَهِيَ أَصَحُّ جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُسَلِّمُهُمَا، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ شُرِعَ لَهَا تَحْلِيلَانِ، فَكَانَتْ وَاجِبَةً كَالْأُولَى، وَعَنْهُ: أَنَّهَا رُكْنٌ كَالْأُولَى، صَحَّحَهُ فِي " الْمَذْهَبِ " وَقَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَهِيَ ظَاهِرُ " الْهِدَايَةِ " و" الْمُحَرَّرِ " لِعُمُومِ قَوْلِهِ: وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ، فَعَلَى هَذَا هُمَا مِنَ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: سُنَّةٌ، اخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَصَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 صَلَاتُهُ، وَمَنْ تَرَكَهُ سَهْوًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَعَنْهُ: إِنَّ هَذِهِ سُنَنٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ   [المبدع في شرح المقنع] وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعُ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ، وَعَنْهُ: فِي النَّفْلِ، وَعَنْهُ: هُمَا وَاجَبَتَانِ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهَا الْمَشْهُورَةُ، وَصَحَّحَهَا فِي " الْوَسِيلَةِ " قَالَ الْقَاضِي: الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ فِي الْجِنَازَةِ وَالنَّافِلَةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً (مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَشْبَهَتِ الْأَرْكَانَ (وَمَنْ تَرَكَهُ سَهْوًا) أَوْ جَهْلًا، نُصَّ عَلَيْهِ (سَجَدَ لِلسَّهْوِ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ سَجَدَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا سَجَدَ لِجَبْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الصَّلَاةِ زيادة محرمة لِجَبْرِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَغَيْرُ التَّشَهُّدِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ مَقِيسٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِبَادَةِ وَاجِبٌ يُجْبَرُ إِذَا تَرَكَهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهَا كَالْحَجِّ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ سَهْوًا، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ (وَعَنْهُ: أَنَّ هَذِهِ سُنَنٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا) لِعَدَمِ تَعْلِيمِهَا لِلْمُسِيءِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا تَرَكَ شَيْئًا، وَلَمْ يَدْرِ أَفَرْضٌ أَمْ سُنَّةٌ، لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُ لِلشَّكِّ فِي صِحَّتِهِ، وَإِذَا اعْتَقَدَ الْفَرْضَ سُنَّةً، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَصَلَّاهَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهَا عَلَى اعْتِقَادٍ فَاسِدٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يَعْرِفَ الرُّكْنَ مِنَ الشَّرْطِ، وَالْفَرْضَ مِنَ السُّنَّةِ، وَرَدَّ الْمَجْدُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَحِّحِ الِائْتِمَامَ بِمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ نَفْلٌ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مَعَ شِدَّةِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا هُوَ الْفَرْضُ، وَالسُّنَّةُ، وَلِأَنَّ اعْتِقَادَ الْفَرْضِيَّةِ، وَالنَّفْلِيَّةِ يُؤَثِّرُ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ لَا تَفَاصِيلِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى يَعْتَقِدُ الصَّلَاةَ فَرِيضَةً، فَأَتَى بِأَفْعَالٍ تَصِحُّ مَعَهَا الصَّلَاةُ، بَعْضُهَا فَرْضٌ، وَبَعْضُهَا نَفْلٌ، وَهُوَ يَجْهَلُ الْفَرْضَ مِنَ السُّنَّةِ، أَوْ يَعْتَقِدُ الْجَمِيعَ فَرْضًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ إِجْمَاعًا. فَرْعٌ: الْخُشُوعُ - وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَلْبِ سُنَّةٌ - ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَجَمْعٌ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 بِتَرْكِهَا. وَسُنَنُ الْأَقْوَالِ اثْنَا عَشَرَ: الِاسْتِفْتَاحُ، وَالتَّعَوُّذُ، وَقِرَاءَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَوْلُ آمِينَ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ، وَالْجَهْرُ، وَالْإِخْفَاتُ، وَقَوْلُ: مِلْءَ السَّمَاءِ بَعْدَ التَّحْمِيدِ، وَمَا زَادَ عَلَى التَّسْبِيحَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَلَى الْمَرَّةِ فِي سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ، وَالتَّعَوُّذُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَالْقُنُوتُ فِي الْوَتْرِ. فَهَذِهِ لَا تَبْطُلُ   [المبدع في شرح المقنع] وَجِيهُ الدِّينِ أَنَّهُ وَاجِبٌ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": مُرَادُهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِي بَعْضِهَا، وَإِنْ أَرَادَ فِي كُلِّهَا، فَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ فَخِلَافُ قَاعِدَةِ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ أَبْطَلَ بِهِ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَكِلَاهُمَا خِلَافُ الْأَخْبَارِ. فَائِدَةٌ: مَنْ عَلِمَ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ، وَمَضَى فِيهَا أُدِّبَ لِاسْتِهْزَائِهِ بِهَا، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَلَا يَكْفُرُ إِذَا صَلَّى مُحْدِثًا بِلَا عُذْرٍ مُتَعَمِّدًا فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ، لِأَنَّ الْكُفْرَ بِالِاعْتِقَادِ، وَهَذَا اعْتِقَادٌ صَحِيحٌ. [سُنَنُ الصَّلَاةِ] (وَسُنَنُ الْأَقْوَالِ) هَذَا بَيَانُ الْقِسْمِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ (اثْنَا عَشَرَ) كَذَا فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ (الِاسْتِفْتَاحُ، وَالتَّعَوُّذُ، وَقِرَاءَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَوْلُ آمِينَ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ) وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا (وَالْجَهْرُ وَالْإِخْفَاتُ) حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ: وَاجِبَانِ، وَقِيلَ: الْإِخْفَاتُ فَقَطْ، وَإِنْ نَسِيَ فَجَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ بَنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ سِرًّا، وَإِنْ أَسَرَّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ بَنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ سِرًّا، وَعَنْهُ: يَسْتَأْنِفُهَا جَهْرًا، وَإِنْ كَانَ فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَهْرَ زِيَادَةٌ حَصَلَ بِهَا الْمَقْصُودُ وَزِيَادَةٌ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَتِهِ، وَالْإِسْرَارُ نَقْصٌ فَاتَتْ بِهِ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ، وَهُوَ إِسْمَاعُ الْمَأْمُومِ الْقِرَاءَةَ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهَا (وَقَوْلُ: مِلْءَ السَّمَاءِ بَعْدَ التَّحْمِيدِ) لِغَيْرِ مَأْمُومٍ (وَمَا زَادَ عَلَى التَّسْبِيحَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَعَلَى الْمَرَّةِ فِي سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ، وَالتَّعَوُّذُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَالْقُنُوتُ فِي الْوَتْرِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَوَاضِعِهِ، وَعَنْهُ: وَاجِبَةٌ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَكَذَا يُسَنُّ الدُّعَاءُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَغَيْرُ التَّعَوُّذِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي " هِدَايَتِهِ "، وَعُدَّ مِنْ سُنَنِ الْأَقْوَالِ السُّجُودُ عَلَى أنفه، وَجِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ، وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ فِي رِوَايَةٍ. وَمِنْ سُنَنِ الْأَفْعَالِ الْجَهْرُ، وَالْإِخْفَاتُ بِالْقِرَاءَةِ، وَبِآمِينَ، وَهُوَ بَعِيدٌ (فَهَذِهِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا) لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَلَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهَا كَمَسْنُونَاتِ الْحَجِّ (وَلَا يَجِبُ السُّجُودُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا، وَلَا يَجِبُ السُّجُودُ لَهَا، وَهَلْ يُشْرَعُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمَا سِوَى هَذَا مِنْ سُنَنِ الْأَفْعَالِ، لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا، وَلَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لَهَا.   [المبدع في شرح المقنع] لَهَا) لِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ وَاجِبٍ، فَجَبْرُهَا أَوْلَى، لَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهَا (وَهَلْ يُشْرَعُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يُشْرَعُ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ سَالِمٍ الْعَنْسِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ» وَإِسْمَاعِيلُ رِوَايَتُهُ عَنِ الشَّامِيِّينَ حُجَّةٌ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ فَذَكَرَهُ، وَلِأَنَّ السُّجُودَ جُبْرَانٌ، فَشُرِعَ لِيَجْبُرَ مَا فَاتَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُشْرَعُ، وَهِيَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ تَرْكَهَا عَمْدًا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، فَلَمْ يُشْرَعْ لِسَهْوِهَا سُجُودٌ كَسُنَنِ الْأَفْعَالِ، وَلِأَنَّ السُّجُودَ زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجُزْ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ (وَمَا سِوَى هَذَا مِنْ سُنَنِ الْأَفْعَالِ) وَتُسَمَّى هَيْئَاتُهَا كَرَفْعِ يَدَيْهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَالرُّكُوعِ، وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَوَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَالنَّظَرِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فِي الرُّكُوعِ، وَالتَّجَافِي فِيهِ، وَفِي السُّجُودِ، وَمَدِّ الظَّهْرِ مُعْتَدِلًا، وَجَعْلِهِ حِيَالَ رَأْسِهِ، وَالْبَدَاءَةِ بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ، وَعَكْسُهُ فِي الْقِيَامِ مِنْهُ، وَفِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ فِي السُّجُودِ، وَوَضْعِ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَضْمُومَةً مُسْتَقْبِلًا بِهِمَا الْقِبْلَةَ، وَنَصْبِ قَدَمَيْهِ، وَفَتْحِ أَصَابِعِهِمَا فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ، وَالِافْتِرَاشِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَفِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَالتَّوَرُّكِ فِي الثَّانِي، وَوَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُمْنَى مَقْبُوضَةً مُحَلَّقَةً، وَالْإِشَارَةِ بِالسَّبَّابَةِ، وَوَضْعِ الْيُسْرَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُسْرَى مَبْسُوطَةً، وَالِالْتِفَاتِ فِي السَّلَامِ عَنْ يَمِينِهِ، وَيَسَارِهِ، وَالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ، وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهَا فِي سَلَامِهِ عَلَى مَا سَبَقَ (لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا) لِأَنَّهَا سُنَّةٌ (وَلَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لَهَا) نَصَرَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْ تَرْكِهَا لِكَثْرَتِهَا، فَلَوْ شُرِعَ السُّجُودُ لَمْ تَخْلُ صَلَاةٌ مِنْ سُجُودٍ فِي الْغَالِبِ، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سُنَنِ الْأَقْوَالِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ وَلَا يُشْرَعُ فِي الْعَمْدِ، وَيُشْرَعُ لِلسَّهْوِ فِي زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ وَشَكٍّ، لِلنَّافِلَةِ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ أَنَّهُ يُشْرَعُ كَالْأَوَّلِ، فَإِذَا قُلْنَا لَا يَسْجُدُ فَسَجَدَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، نُصَّ عَلَيْهِ. [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] [تَعْرِيفُ السَّهْوِ وَحُكْمُهُ] بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ. قَالَ صَاحِبُ " الْمَشَارِقِ " السَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ: النِّسْيَانُ فِيهَا، وَقِيلَ: هُوَ الْغَفْلَةُ، وَقِيلَ: النِّسْيَانُ عَدَمُ ذِكْرِ مَا قَدْ كَانَ مَذْكُورًا، وَالسَّهْوُ: ذُهُولٌ وَغَفْلَةٌ عَمَّا كَانَ مَذْكُورًا، وَعَمَّا لَمْ يَكُنْ. فَعَلَى هَذَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ النِّسْيَانِ، وَلَا مِرْيَةَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ السَّهْوِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُحْفَظُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: سَلَّمَ مِنِ اثْنَتَيْنِ فَسَجَدَ، وَسَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ فَسَجَدَ، وَفِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ. قَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ، وَلَمْ يَتَشَهَّدْ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْخَمْسَةُ يَعْنِي حَدِيثَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ بُحَيْنَةَ. (وَلَا يُشْرَعُ فِي الْعَمْدِ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ» فَعَلَّقَ السُّجُودَ عَلَى السَّهْوِ لِأَنَّهُ شُرِعَ جُبْرَانًا، وَالْعَامِدُ لَا يُعْذَرُ، وَلَا يَنْجَبِرُ خَلَلُ صَلَاتِهِ بِسُجُودِهِ، بِخِلَافِ السَّاهِي، وَلِذَلِكَ أُضِيفَ السُّجُودُ إِلَى السَّهْوِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَسْجُدُ لِتَرْكِ الْقُنُوتِ، وَالتَّشَهُّدِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وَالْفَرْضِ، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ، فمَتَى زَادَ فِعْلًا مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا أَوْ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا عَمْدًا بَطَلَتِ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا سَجَدَ لَهُ، وَإِنْ زَادَ رَكْعَةً، فَلَمْ يَعْلَمْ   [المبدع في شرح المقنع] الْجَبْرُ بِسَهْوِهِ تَعَلَّقَ بِعَمْدِهِ كَجُبْرَانِ الْحَجِّ، وَجَوَابُهِ بِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِزِيَادَةِ رُكْنٍ. (وَيُشْرَعُ لِلسَّهْوِ فِي زِيَادَةٍ، وَنَقْصٍ، وَشَكٍّ) لِأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا وَرَدَ بِهِ فِي ذَلِكَ، فَدَلَّ أَنَّ حَدِيثَ النَّفْسِ لَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودٌ، لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ، وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. (لِلنَّافِلَةِ، وَالْفَرْضِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، فَشُرِعَ لَهَا السُّجُودُ كَالْفَرِيضَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، لِأَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي صُلْبِهَا، فَفِي جَبْرِهَا أَوْلَى، وَلَا فِي سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ، لِأَنَّهُ لَوْ شُرِعَ كَانَ الْجَبْرُ زَائِدًا عَلَى الْأَصْلِ أَوْ شُكْرًا، وَنَظَرَ إِلَى شَيْءٍ يُلْهِي، وَعَنْهُ: يَسْجُدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: اسْتِحْبَابًا، وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوٍ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ إِجْمَاعٌ حَكَاهُ إِسْحَاقُ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى التَّسَلْسُلِ، وَكَذَا إِنْ سَهَا بَعْدَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ، وَكَثْرَةِ سَهْوٍ، حَتَّى يَصِيرَ كَوَسْوَاسٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. 1 - (فَأَمَّا الزِّيَادَةُ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ تَفْصِيلِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَحُكْمِهَا، ثُمَّ هِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: زِيَادَةُ أَقْوَالٍ، وَزِيَادَةُ أَفْعَالٍ، وَزِيَادَةُ الْأَفْعَالِ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ (فَمَتَى زَادَ فِعْلًا مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ قِيَامًا) أَيْ: يَقُومُ فِي مَوْضِعِ جُلُوسٍ (أَوْ قُعُودًا) أَيْ: يَقْعُدُ فِي مَوْضِعِ قِيَامٍ (أَوْ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا عَمْدًا بَطَلَتِ الصَّلَاةُ) إِجْمَاعًا، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّهُ بِهَا يُخِلُّ بِنُظُمِ الصَّلَاةِ، وَيُغَيِّرُ هَيْئَتهَا، فَلَمْ تَكُنْ صَلَاةً، وَلَا فَاعِلُهَا مُصَلِّيًا (وَإِنْ كَانَ سَهْوًا سُجِدَ لَهُ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «فَإِذَا زَادَ الرَّجُلَ أَوْ نَقَصَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ سَهْوٌ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ: سَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَجَدَ، بَلْ هِيَ نَقْصٌ فِي الْمَعْنَى، فَشُرِعَ لَهَا السُّجُودُ لِيَنْجَبِرَ النَّقْصُ، لَكِنْ مَتَى ذَكَرَ عَادَ إِلَى تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ، قَالَ جَمَاعَةٌ: إِنْ زَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، سَجَدَ لَهَا، وَإِنْ عَلِمَ فِيهَا جَلَسَ فِي الْحَالِ، وَتَشَهَّدَ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ، وَسَجَدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ سَبَّحَ بِهِ اثْنَانِ، لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ   [المبدع في شرح المقنع] عَقِيبَ رَكْعَةٍ جُلُوسًا يَسِيرًا، زَادَ جَمْعٌ: بِقَدْرِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، فَهَلْ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، وَيَبْطُلُ عَمْدُهُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " إِنْ جَلَسَ عَنْ قِيَامٍ، وَلَمْ يَتَشَهَّدْ، ثُمَّ ذَكَرَ، وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ، قَالَ الْقَاضِي: سَوَاءٌ كَانَ بِقَدْرِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَوْ أَطْوَلَ، لِأَنَّ صِفَتَهَا تُخَالِفُ صِفَةَ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَسْجُدُ، لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ، وَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، إِلَّا إِذَا قُلْنَا تُجْبَرُ الْهَيْئَاتُ بِالسُّجُودِ، وَلِهَذَا عُلِّلَ بِتَغَايُرِ الْقَعُودَيْنِ فِي الْكَيْفِيَّةِ، وَقِيلَ: إِنْ قَامَ إِلَى خَامِسَةٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ، عَادَ، فَسَلَّمَ، وَبَطَلَ فَرْضُهُ، وَتَصِيرُ نَفْلًا، وَفِيهِ نَظَرٌ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَكَانَ مَوْضِعُ جُلُوسِهِ لِلْفَصْلِ، أَوِ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَتَى بِذَلِكَ، وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَبْلَ السُّجُودِ، سَجَدَ كَذَلِكَ، وَإِنْ جَلَسَ لِلْفَصْلِ فَظَنَّهُ التَّشَهُّدَ، وَطَوَّلَهُ، لَمْ يَجِبِ السُّجُودُ، وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ فَأَتَمَّ سَهْوًا فَفَرْضُهُ الرَّكْعَتَانِ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ قَامَ أَوْ سَجَدَ فِيهَا إِكْرَامًا لِإِنْسَانٍ بَطَلَتْ. (وَإِنْ زَادَ رَكْعَةً) لِخَامِسَةٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ أَوْ رَابِعَةٍ فِي الْمَغْرِبِ أَوْ ثَالِثَةٍ فِي الْفَجْرِ (فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا سَجَدَ لَهَا) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى خَمْسًا، فَلَمَّا انْفَتَلَ، قَالُوا: إِنَّكَ صَلَّيْتَ خَمْسًا فَانْفَتَلَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتِيِ السَّهْوِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَإِنْ عَلِمَ) بِالزِّيَادَةِ (فِيهَا) أَيْ: فِي الرَّكْعَةِ (جَلَسَ فِي الْحَالِ) بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْلِسْ لَزَادَ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا، وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لَهَا (وَتَشَهَّدَ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ) لِأَنَّهُ رُكْنٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ (وَسَجَدَ) لِلسَّهْوِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» (وَسَلَّمَ) لِتَكْمُلَ صَلَاتُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَيُسَلِّمُ، وَفِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ إِنْ كَانَ تَشَهَّدَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ سَلَّمَ. 1 - تَنْبِيهٌ: إِذَا قَامَ إِلَى ثَالِثَةٍ نَهَارًا، وَقَدْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا، رَجَعَ إِنْ شَاءَ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَهُ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَلَا يَسْجُدُ، وَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ لَيْلًا، وَكَمَا لَوْ قَامَ إِلَى ثَالِثَةٍ فِي الْفَجْرِ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَتْ رَكْعَتَيْنِ أَشْبَهَتِ الْفَجْرَ (وَإِنْ سُبِّحَ بِهِ) وَفِي " الْفُرُوعِ " نُبِّهَ، وَهُوَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ (اثْنَانِ) ثِقَتَانِ فَأَكْثَرَ، وَيَلْزَمُهُمْ تَنْبِيُهُهُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ " النَّظْمِ " احْتِمَالًا فِي الْفَاسِقِ كَأَذَانِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَفِي الْمُمَيِّزِ خِلَافٌ (لَزِمَهُ الرُّجُوعُ) إِلَيْهِمَا، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ سَبَّحَا بِهِ إِلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا يَعْمَلُ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ غُلِبَ عَلَى ظَنِّهِ صَوَابُهُمَا أَوْ خَطَؤُهُمَا، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجَعَ إِلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَذْكِيرِهِ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَعَلَيْهَا يَعْمَلُ بِيَقِينِهِ أَوِ الْتحَرِي لَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَى ثِقَةٍ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي زِيَادَةٍ، لَا مُطْلَقًا، وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: يَرْجِعُ إِلَى وَاحِدٍ يَظُنُّ صِدْقَهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ: إِنْ ظَنَّ صِدْقَهُ عَمِلَ بِظَنِّهِ، لَا بِتَسْبِيحِهِ، لَكِنْ أَطْلَقَ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي هَذَا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي تَنْبِيهِهَا فَائِدَةٌ، وَلَمَا كُرِهَ تَنْبِيهُهَا بِالتَّسْبِيحِ، وَنَحْوِهِ، وظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِمَا، وَلَوْ تَيَقَّنَ صَوَابَ نَفْسِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَذَكَرَهُ الْحُلْوَانِيُّ رِوَايَةً، كَالْحَاكِمِ يحكم بِالشَّاهِدَيْنِ، وَيَتْرُكُ يَقِينَ نَفْسِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 صَلَاتُهُ، وَصَلَاةُ مَنِ اتَّبَعَهُ عَالِمًا، فَإِنْ فَارَقَ أَوْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ. وَالْعَمَلُ   [المبدع في شرح المقنع] حِينَئِذٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُمَا إِنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ، وَالْيَقِينُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَأَجَابَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " بِأَنَّهُ عَلِمَ خَطَأَهُمَا فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمَا فِيهِ، وَكَذَا يَقُولُ فِي الشَّاهِدَيْنِ، مَتَّى عَلِمَ الْحَاكِمُ كَذِبَهُمَا أَوْ غَلَطَهُمَا لَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَا أَظُنُّ أَبَا الْخَطَّابِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَمُرَادُهُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي: يَتْرُكُ الْإِمَامُ الْيَقِينَ، وَمُرَادُهُ الْأَصْلُ، قَالَ: كَالْحَاكِمِ يَرْجِعُ إِلَى الشُّهُودِ، وَيَتْرُكُ الْأَصْلَ وَالْيَقِينَ، وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ، وَكَذَا شَهَادَتُهُمَا بِرُؤْيَةٍ لِهِلَالٍ يَرْجِعُ إِلَيْهِمَا، وَيَتْرُكُ الْأَصْلَ وَالْيَقِينَ، وَهُوَ بَقَاءُ الشَّهْرِ. فَرْعٌ: إِذَا اخْتَلَفَ الْجَمَاعَةُ عَلَيْهِ سَقَطَ قَوْلُهُمْ، كَالْبَيِّنَتَيْنِ إِذَا تَعَارَضَتَا، وَيَعْمَلُ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ، وَفِي وَجْهٍ - وَذَكَرَ فِي " الْوَسِيلَةِ " أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ - أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَنْ وَافَقَهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ الْخَطَأَ، وَيَرْجِعُ مُنْفَرِدًا إِلَى يَقِينٍ، وَقِيلَ: لَا، لِأَنَّ مَنْ فِي الصَّلَاةِ أَشَدُّ تَحَفُّظًا قَالَ الْقَاضِي: وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ فِي الطَّوَافِ. (فَإِنْ لَمْ يَرْجِعِ) الْإِمَامُ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) نُصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا (وَصَلَاةُ مَنِ اتَّبَعَهُ عَالِمًا) عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا، لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ، كَمَا لَوِ اقْتَدَى بِمَنْ يَعْلَمُ حَدَثَهُ (فَإِنْ فَارَقَ) وَسَلَّمَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُ فَارَقَهُ لِعُذْرٍ، أَشْبَهَ مَنْ فَارَقَ إِمَامَهُ إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ، وَعَنْهُ: يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ وُجُوبًا، وَعَنْهُ: اسْتِحْبَابًا، وَعَنْهُ: يَجِبُ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا، وَعَنْهُ: يُخْبَرُ الْمَأْمُومُ فِي انْتِظَارِهِ أَوِ اتِّبَاعِهِ، وَعَنْهُ: تَبْطُلُ فِي الْكُلِّ، وَمَعْنَى الْإِبْطَالِ أَنَّهَا تَخْرُجُ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا بَلْ يُسَلِّمُ عَقِبَ الرَّابِعَةِ، وَتَكُونَ لَهُمْ نَفْلًا، ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " عَنِ الْأَصْحَابِ (أَوْ كَانَ) مُتَّبِعُهُ (جَاهِلًا) وَسَاهِيًا (لَمْ تَبْطُلْ) عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 الْمُسْتَكْثَرُ فِي الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ يُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، وَلَا تَبْطُلُ بِالْيَسِيرِ وَلَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودٌ، وَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الصَّحَابَةَ تَابَعُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَامِسَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُمْ، وَتَابَعُوهُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِيهَا انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ، وَاعْتُدَّ بِهَا، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، بِنَاءً عَلَى اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا، لِأَنَّهَا سَهْوٌ وَغَلَطٌ، وَعَنْهُ: الْوَقْفُ، نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ، وَالْأَوَّلُ نَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهَا زَائِدَةٌ، فَإِنْ عَلِمَ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ مُفْتَرِضٌ، وَكَذَا لَا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي سُجُودِ سَهْوٍ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الْأَصَحِّ. [الْعَمَلُ الْمُسْتَكْثَرُ فِي الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ] (وَالْعَمَلُ الْمُسْتَكْثَرُ فِي الْعَادَةِ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي فِي زِيَادَةِ الْأَفْعَالِ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ) لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَالْمَشْيِ، وَالتَّرَوُّحِ، وَنَحْوِهِمَا (يُبْطِلُهَا عَمْدُهُ، وَسَهْوُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْأَرْكَانِ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً (وَلَا تَبْطُلُ بِالْيَسِيرِ) لِحَمْلٍ أُمَامَةَ، وَفَتْحِ الْبَابِ لِعَائِشَةَ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِمَا إِلَى الْعُرْفِ، وَذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" الشَّرْحِ " (وَلَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودٌ) لِعَدَمِ سُجُودِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ (وَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ، فَاسْتَوَى كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ كَالْجِمَاعِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ، وَهُوَ إِجْمَاعُ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ فِي الْفَرْضِ، لِأَنَّهُمَا يُنَافِيَانِ الصَّلَاةَ إِلَّا مَا حَكَاهُ فِي " الرِّعَايَةِ " قَوْلًا: إنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِيَسِيرِ شُرْبٍ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَكَذَا النَّفْلُ، قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُهُمْ، لِأَنَّ مَا أَبْطَلَ الْفَرْضَ أَبْطَلَ النَّفْلَ كَسَائِرِ الْمُبْطِلَاتِ، وَعَنْهُ: لَا، إِذَا كَانَ يَسِيرًا كَغَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ: لَا تَبْطُلُ بِالشُّرْبِ فَقَطْ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ شَرِبَا فِي التَّطَوُّعِ. قَالَ الْخَلَّالُ: سَهْلٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 كَانَ سَهْوًا. لَمْ تَبْطُلْ إِذَا كَانَ يَسِيرًا وَإِنْ أَتَى بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، لِأَنَّ مَدَّ النَّفْلِ، وَإِطَالَتَهُ مُسْتَحَبَّةٌ مَطْلُوبَةٌ، فَيَحْتَاجُ مَعَهُ كَثِيرًا إِلَى جُرْعَةِ مَاءٍ لِدَفْعِ الْعَطَشِ، كَمَا سُومِحَ بِهِ جَالِسًا، وَعَلَى الرَّاحِلَةِ (وَإِنْ كَانَ) الْأَكْلُ أَوِ الشُّرْبُ (سَهْوًا) أَوْ جَهْلًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ (لَمْ تَبْطُلْ إِذَا كَانَ يَسِيرًا) كَذَا ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ تَرْكَهُمَا عِمَادُ الصَّوْمِ، وَرُكْنُهُ الْأَصْلِيُّ، وَفَوَاتَهُ اقْتِضَاءً لِإِبْطَالِهِ مِنْ إِبْطَالِهِ الصَّلَاةَ، فَإِذَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ حَالَةُ السَّهْوِ فَالصَّلَاةُ أَوْلَى، وَكَالسَّلَامِ، قَالَ فِي " الْكَافِي ": فَعَلَى هَذَا يَسْجُدُ، لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِعَمْدِهِ، وَعُفِيَ عَنْ سَهْوِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كجِنْسِ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: تَبْطُلُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " لِأَنَّهُ من غير جِنْس الصَّلَاةِ، فَاسْتَوَى سَهْوُهُ وَعَمْدُهُ، كَالْكَثِيرِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِالْأَكْلِ فَقَطْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِهِ إِذَا كَانَ كَثِيرًا بِغَيْرِ خِلَافٍ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّ غَيْرَهُمَا يُبْطِلُهَا إِذَا كَثُرَ فَهُمَا أَوْلَى، وَقِيلَ: الْفَرْضُ وَحْدَهُ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَالْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِيَسِيرِ شُرْبٍ عُرْفًا فِي نَفْلٍ، وَلَوْ عَمْدًا، وَظَاهِرُ مَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" التَّلْخِيصِ " أَنَّ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ لَا يَبْطُلُ بِكَثِيرِ ذَلِكَ سَهْوًا. تَنْبِيهٌ: إِذَا تَرَكَ بِفِيهِ سُكَّرًا وَنَحْوَهُ، وَبَلَعَ مَا ذَابَ فَهُوَ كَالْأَكْلِ، وَكَمَا لَوْ فَتَحَ فَاهُ فَنَزَلَ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ فَابْتَلَعَهُ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ فِيهِمَا، وَإِنْ بَقِيَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ بَقِيَّةُ طَعَامٍ يَجْرِي بِهِ رِيقُهُ فَبَلَعَهُ، أَوِ ازْدَرَدَهُ بِلَا مَضْغٍ، أَوْ تَرَكَ بِفَمِهِ لُقْمَةً لَمْ يَمْضُغْهَا، وَلَمْ يَبْتَلِعْهَا، لَمْ تَبْطُلْ لِلْمَشَقَّةِ، وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ يَسِيرٌ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، ذكرهُ جَمْعٌ، لِأَنَّهُ يَشْغَلُهُ عَنْ خُشُوعِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَاكَهَا فَهُوَ كَالْعَمَلِ إِنْ كَثُرَ تَبْطُلُ، وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " و" الرِّعَايَةِ " وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: مَا أَمْكَنَ إِزَالَتُهُ بَطَلَتْ بِابْتِلَاعِهِ. [إِنْ أَتَى بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ] (وَإِنْ أَتَى) شَرع فِي بَيَانِ زِيَادَةِ الْأَقْوَالِ، وَهِيَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ كَالسَّلَامِ، وَكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَسَيَأْتِي، وَالثَّانِي: مَا لَا يُبْطِلُهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 كَالْقِرَاءَةِ فِي السُّجُودِ وَالْقُعُودِ وَالتَّشَهُّدِ فِي الْقِيَامِ، وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ، وَلَا يَجِبُ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ، وَهَلْ يَشْرَعُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إِتْمَامِ صَلَاتِهِ عَمْدًا أَبْطَلَهَا، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا، ثُمَّ ذَكَرَ قَرِيبًا أَتَمَّهَا وَسَجَدَ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ،   [المبدع في شرح المقنع] عَمْدًا سِوَى السَّلَامِ، قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ " و" الْفُرُوعِ " وَهُوَ المُرَادُ من أَطْلَقَ (كَالْقِرَاءَةِ فِي السُّجُودِ، وَالْقُعُودِ، وَالتَّشَهُّدِ فِي الْقِيَامِ، وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، لَمْ تَبْطُلْ بِهِ) نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " مَسْبُوكِهِ "، وَقَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ فِي قِرَاءَتِهِ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ (و) عَلَى الْأَوَّلِ: (لَا يَجِبُ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ) كَسَائِرِ مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ (وَهَلْ يُشْرَعُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يُشْرَعُ، صَحَّحَهُ فِي " الْوَسِيلَةِ "، و" الرِّعَايَةِ " و" الْفُرُوعِ " وَنَصَرَهُ جَمَاعَةٌ، فَعَلَى هَذَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَالثَّانِيَةُ: لَا يُشْرَعُ قَدَّمَهَا فِي " الْمُغْنِي " لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِعَمْدِهِ، فَلَمْ يُشْرَعِ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ، كَتَرْكِ سُنَنِ الْأَفْعَالِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَتَى بِذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ مُتَعَمِّدًا لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِهِ فِيهَا، كَقَوْلِ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَفِي التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالسُّجُودِ» وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَفِيهِ بُعْدٌ (وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إِتْمَامِ صَلَاتِهِ عَمْدًا أَبْطَلَهَا) لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهَا، وَالْبَاقِي مِنْهَا إِمَّا رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَكِلَاهُمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا (وَإِنْ كَانَ) السَّلَامُ (سَهْوًا) لَمْ تَبْطُلْ بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَعَلُوهُ، وَبَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ، لِأَنَّ جِنْسَهُ مَشْرُوعٌ فِيهَا، أَشْبَهَ الزِّيَادَةَ فِيهَا مِنْ جِنْسِهَا (ثُمَّ ذَكَرَ قَرِيبًا أَتَمَّهَا) زَادَ غَيْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَاحِدٍ، وَإِنِ انْحَرَفَ عَنِ الْقِبْلَةِ، أَوْ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، نُصَّ عَلَيْهِ (وَسَجَدَ) لِمَا رَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: قَدْ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَخَرَجَتِ السُّرْعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: قُصِرَتِ الصَّلَاةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدِهِ طُولٌ، يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قُصِرَتِ الصَّلَاةُ؛ فَقَالَ: لَمْ أَنَسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ، فَقَالَ: كمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؛ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: بِمَ سَلَّمَ؛ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. لَكِنْ إِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى قَامَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ لِيَنْهَضَ إِلَى الْإِتْيَانِ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ جُلُوسٍ، لِأَنَّ هَذَا الْقِيَامَ وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ مَعَ النِّيَّةِ، وَشَرْطُ الْإِتْمَامِ اسْتِمْرَارُ الطَّهَارَةِ، فَلَوْ أَحْدَثَ اسْتَأْنَفَهَا (فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ) بَطَلَتْ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ بِنَاءُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ، وَلِتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ مَعَهُ، وَيَرْجِعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": وَالْمُقَارَبَةُ لِمِثْلِ حَالِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ إِذْ لَمْ يَرِدْ بِتَحْدِيدِهِ نَصٌّ، وَقِيلَ: قَدْرُ رَكْعَةٍ طَوِيلَةٍ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ "، وَقِيلَ: قَدْرُ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَقِيلَ: مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلصَّلَاةِ. 1 - تَنْبِيهٌ: إِذَا لَمْ يَذْكُرِ الْمَتْرُوكَ حَتَّى شَرَعَ فِي صَلَاةِ غَيْرِهَا، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَطَلَتْ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ عَادَ إِلَى الْأُولَى وَأَتَمَّهَا، وَعَنْهُ: يَسْتَأْنِفُهَا، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْكَافِي " لِتَضَمُّنِ عَمَلِهِ قَطْعَ نِيَّتِهَا، وَعَنْهُ: يَسْتَأْنِفُهَا إِنْ كَانَ مَا شَرَعَ فِيهِ نَفْلًا، وَذَكَرَ فِي " الْمُبْهِجِ " يُكْمِلُ الْأُولَى مِنَ الثَّانِيَةِ نَفْلًا كَانَتْ أَوْ فَرْضًا، لِأَنَّهُ سَهْوٌ مَعْذُورٌ فِيهِ، وَفِي " الْفُصُولِ " فِيمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 أَوْ تَكَلَّمَ لِغَيْرِ مصْلحَةِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، وَإِنْ تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَتِهَا، فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إِحْدَاهُنَّ تَبْطُلُ. وَالثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ، وَالثَّالِثَةُ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ دُونَ الْإِمَامِ،   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا كَانَتَا صَلَاتَيْ جَمْعٍ أَتَمَّهَا، ثُمَّ سَجَدَ عَقِيبَهَا لِلسَّهْوِ عَنِ الْأُولَى، لِأَنَّهُمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَالْأَوَّلُ: الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ سَهْوًا فَلَمْ تَبْطُلْ، كَمَا لَوْ زَادَ رَكْعَةً، وَأَمَّا إِتْمَامُ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْأُولَى بِالسَّلَامِ، وَنِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَلَمْ يَنْوِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَنِيَّةُ غَيْرِهَا لَا تُجْزِئُ عَنْ نِيَّتِهَا كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ (أَوْ تَكَلَّمَ) فِي هَذِهِ الْحَالِ أَيْ: إِذَا سَلَّمَ يَظُنُّ أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ (لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ) كَقَوْلِهِ: يَا غُلَامُ اسْقِنِي مَاءً، وَنَحْوِهِ (بَطَلَتْ) نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِمَا رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: " لَا يَحِلُّ مَكَانٌ لَا يَصْلُحُ "، وَعَنْهُ: لَا تَفْسُدُ بِالْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ النِّسْيَانِ، أَشْبَهَ الْمُتَكَلِّمَ جَاهِلًا، وَأَطْلَقَ جَمْعٌ الْخِلَافَ. (وَإِنْ تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَتِهَا فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ تَبْطُلُ) مُطْلَقًا اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الرِّعَايَةِ " وَصَحَّحَهَا جَمَاعَةٌ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ قَالَ: «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ، وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ فِيهِ: «كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ» . وَزَيْدٌ مَدَنِيٌّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَسْخَ الْكَلَامِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ (وَالثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ) مُطْلَقًا، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَقَدَّمَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ. وإِنْ تَكَلَّمَ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، وَعَنْهُ: لَا تَبْطُلُ إِذَا كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] ابْنُ تَمِيمٍ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ الْأَوْلَى، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَذَا الْيَدَيْنِ تَكَلَّمُوا، وَبَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِصْلَاحُ الصَّلَاةِ بِإِشَارَةٍ، وَنَحْوِهَا، فَتَكَلَّمَ، فَذَكَرَ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ، أَنَّهَا تَبْطُلُ، وَعَنْهُ: إِنْ تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَتِهَا سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي، لِأَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ، وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي حَالِ السَّهْوِ فَيَخْتَصُّ بِهِ، وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ عَلَى الْأَصْلِ (وَالثَّالِثَةُ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّأَسِّي بِالْخَلِيفَتَيْنِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا مُجِيبَيْنِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجَابَتُهُ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ، وَلَا بِذِي الْيَدَيْنِ، لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ سَائِلًا عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ، فَعُذِرَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ (دُونَ الْإِمَامِ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ) لِأَنَّ لَهُ أُسْوَةً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ إِمَامًا، وَتَكَلَّمَ، وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، فَعَلَى هَذِهِ: الْمُنْفَرِدُ كَالْمَأْمُومِ ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ " وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ بِمَنْ ظَنَّ تَمَامَ صَلَاتِهِ، فسلم ثُمَّ تَكَلَّمَ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ: هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ، كَإِمَامٍ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ، وَنَحْوَهَا، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِعْلَامِ الْمَأْمُومِ، وَالْكَلَامُ غَيْرُ الْمُبْطِلِ مَا كَانَ يَسِيرًا، فَإِنْ كَثُرَ وَطَالَ أَبْطَلَ، اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ، وَالْقَاضِي زَاعِمًا أَنَّهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَانِعَةَ مِنَ الْكَلَامِ عَامَّةٌ تُرِكَتْ فِي الْيَسِيرِ، لِلْأَخْبَارِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ "، لِأَنَّ مَا عُفِيَ عَنْهُ بِالنِّسْيَانِ اسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ. 1 - مَسْأَلَةٌ: لَا بَأْسَ بِالسَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي، نُصَّ عَلَيْهِ، وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] أَيْ: عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَقَالَهُ الشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلِطَ فَرْدٌ بِالْكَلَامِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ فِي فَرْضٍ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ إِنْ عُرِفَ كَيْفِيَّةُ الرَّدِّ، وَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ عُرْفًا بِلَا ضَرُورَةٍ، وَإِنْ رَدَّهُ لَفْظًا بَطَلَتْ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ آدَمِيٌّ أَشْبَهَ تَشْمِيتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 سَاهِيًا، أَوْ جَاهِلًا، وَيَسْجُدُ لَهُ وَإِنْ قَهْقَهَ أَوْ نَفَخَ، أَوِ انْتَحَبَ، فَبَانَ حَرْفَانِ، فَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] الْعَاطِسِ، وَيَرُدُّهُ إِشَارَةٌ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَلَا يَجِبُ فِي الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ: فِي فَرْضٍ، وَلَا يَرُدُّهُ فِي نَفْسِهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ بَعْدَهَا لِرَدِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ السَّلَامِ، وَلَوْ صَافَحَ إِنْسَانًا يُرِيدُ السَّلَامَ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ. [الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ] (وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا يَنْقَسِمُ إِلَى أَقْسَامٍ:. أَحَدُهَا: أَنْ يَتَكَلَّمَ عَمْدًا عَالِمًا أَنَّهُ فِيهَا، مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَلَا لِأَمْرٍ يُوجِبُ ذَلِكَ، بَطَلَتْ إِجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُدَ قَالَ: «فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِيهَا» وَأَبْعَدَ فِي " الرِّعَايَةِ " فَحَكَى قَوْلًا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِكَلَامٍ يَسِيرٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَكَلَّمَ سَاهِيًا، وَهُوَ مُبْطِلٌ لَهَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ لِلْعُمُومِ (وَعَنْهُ: لَا تَبْطُلُ إِذَا كَانَ سَاهِيًا) قَدَّمَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَنَصَرَهُ فِي " التَّحْقِيقِ "، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَكَلَّمَ سَاهِيًا أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ أَوْ يَظُنَّ أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ، فَيُسَلِّمُ، وَيَتَكَلَّمُ (أَوْ جَاهِلًا) ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْ مُعَاوِيَةَ حِينَ شَمَّتَ الْعَاطِسَ جَهْلًا بِتَحْرِيمِهِ بِالْإِعَادَةِ، وَالسَّاهِي مِثْلُهُ، لِأَنَّ مَا عُذِرَ فِيهِ بِالْجَهْلِ عُذِرَ فِيهِ بِالنِّسْيَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَاهِلِ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ أَوِ الْإِبْطَالِ بِهِ، قَالَ الْقَاضِي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] " الْجَامِعِ ": لَا أَعْرِفُ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا فِي الْجَاهِلِ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ، وَأَلْحَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْحَدِيثَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ بِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا تَبْطُلُ بِحَالٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " احْتِمَالًا؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا» فَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِعَادَةِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُخَرَّجَ هَذَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي النَّاسِي، لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِمِثْلِهِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَتَكَلَّمَ جَاهِلًا، وَقَدْ ذُكِرَ. (وَيَسْجُدُ لَهُ) لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّ عَمْدَهُ يُبْطِلُهَا، فَوَجَبَ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ كَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ. لَا يُقَالُ: لَمْ يَأْمُرْ مُعَاوِيَةَ بِالسُّجُودِ فَكَيْفَ يَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُومًا، وَالْإِمَامُ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ سَهْوَهُ. الرَّابِعُ: أَنْ يَتَكَلَّمَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ. أَحَدُهَا: أَنْ تَخْرُجَ الْحُرُوفُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، كَمَا لَوْ غَلَبَهُ سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ أَوْ تَثَاؤُبٌ، فَبَانَ حَرْفَانِ، أَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ حَالَ قِرَاءَتِهِ إِلَى كَلِمَةٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ لَمْ تَبْطُلْ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ كَالنَّاسِي. الثَّانِي: أَنْ يَنَامَ فَيَتَكَلَّمَ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنِ الْجَوَابِ عَنْهُ، وَالْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِهِ، لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ، وَلِعَدَمِ صِحَّةِ إِقْرَارِهِ، وَعِتْقِهِ. الثَّالِثُ: أَنْ يُكْرَهَ عَلَى الْكَلَامِ فَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " الْإِبْطَالَ بِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى زِيَادَةِ رُكْنٍ أَوْ رَكْعَةٍ، وَذَكَرَ فِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ كَالنَّاسِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ الْقَاضِي: هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 كَالْكَلَامِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي النَّحْنَحَةِ مِثْلَ ذَلِكَ،   [المبدع في شرح المقنع] أَوْلَى مِنْهُ بِالْعَفْوِ، وَصِحَّةِ الصَّلَاةِ، نَصَرَهُ فِي " التَّحْقِيقِ "، لِأَنَّ الفعل غير مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إِتْلَافِ مَال لَمْ يَضْمَنْهُ، وَالنَّاسِي يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ النِّسْيَانَ يَكْثُرُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاجِبٍ، مِثْلَ أَنْ يَخْشَى عَلَى ضَرِيرٍ أَوْ صَبِيٍّ الْوُقُوعَ فِي هَلَكَةٍ، أَوْ يَرَى حَيَّةً تَقْصِدُ غَافِلًا، أَوْ نَارًا يَخَافُ أَنْ تَشْتَعِلَ فِي شَيْءٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّنْبِيهُ بِالتَّسْبِيحِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَبْطُلُ بِهِ لِمَا سَبَقَ، وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ كَالنَّاسِي، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ اسْتِغْنَاؤُهُ بِإِشَارَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَلَا يَتَكَلَّمَ بِزِيَادَةٍ عَلَى حَاجَتِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُبْطِلَ مِنْهُ مَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ كَقَوْلِهِ أَبٌ، وَدَمٌ أَيْ: ظَاهِرًا، لِأَنَّهُ لَا تَنْتَظِمُ كَلِمَةٌ مِنْ أَقَلَّ مِنْهُمَا، فَلَوْ قَالَ: لَا، فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهَا لَامٌ وَأَلِفٌ. [الْقَهْقَهَةُ وَالنَّفْخُ وَالِانْتِحَابُ فِي الصَّلَاةِ] (وَإِنْ قَهْقَهَ أَوْ نَفَخَ أَوِ انْتَحَبَ، فَبَانَ حَرْفَانِ، فَهُوَ كَالْكَلَامِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى) وَفِيهِ مَسَائِلُ. الْأُولَى: إِذَا قَهْقَهَ، وَهِيَ ضِحْكَةٌ مَعْرُوفَةٌ، فَإِنْ قَالَ: قَهْ قَهْ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبِنْ حَرْفَانِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَقَدَّمَهُ الْأَكْثَرُ، كَالْمَتْنِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا، لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْقَهْقَهَةُ تَنْقُضُ الصَّلَاةَ، وَلَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ، وَلِأَنَّهُ تَعَمَّدَ فِيهَا بِمَا يُنَافِيهَا أَشْبَهَ خطاب الْآدَمِيَّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالتَّبَسُّمِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا نَفَخَ فِيهَا فَهُوَ كَالْكَلَامِ إِذَا بَانَ حَرْفَانِ ذَكَرَهُ فِي الْمَذْهَبِ، والمحرر و " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ نَفَخَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] صَلَاتِهِ فَقَدْ تَكَلَّمَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ عَنْهُمَا، وَعَنْهُ: تَبْطُلُ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا، وَعَنْهُ: عَكْسُهَا، رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقِيلَ لِقُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: نَتَأَذَّى بِرِيشِ الْحَمَامِ إِذَا سَجَدْنَا، فَقَالَ: انْفُخُوا. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَقُدَامَةُ صَحَابِيٌّ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَخَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَكَالْحَرْفِ الْوَاحِدِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَنْتَظِمْ حَرْفَانِ فَإِنِ انْتَظَمَ بَطَلَتْ. الثَّالِثَةُ: إِذَا انْتَحَبَ بِأَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ مِنْ غَيْرِ خَشْيَةٍ، كَالْكَلَامِ إِذَا بَانَ حَرْفَانِ، لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا غَلَبَ صَاحِبَهُ، وَمَا لَمْ يَغْلِبْهُ، لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" النِّهَايَةِ ": إِنَّهُ إِذَا غَلَبَ صَاحِبَهُ لَمْ يَضُرَّهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي وُسْعِهِ، وَلَمْ يَحْكِيَا فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ: فَهُوَ كَالْكَلَامِ أَيْ: يَبْطُلُ إِنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. الرَّابِعَةُ: إِذَا انْتَحَبَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، لِمَا رَوَى مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي، وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ عُمَرُ يَبْكِي حَتَّى يُسْمَعَ لَهُ نَشِيجٌ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ، وَهُوَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ، وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَحْنَحُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَرَاهَا مُبْطِلَةً لِلصَّلَاةِ.   [المبدع في شرح المقنع] لَمْ يَكُنْ عَنْ غَلَبَةٍ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ الْبَاكِينَ فَقَالَ {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الإسراء: 109] ، وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا تَضَمَّنَ حَرْفًا أَوْ حُرُوفًا، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ، وَلِهَذَا مَدَحَ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114] ، وَفِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّهُ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي: تَبْطُلُ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِ أَحْمَدَ، لِعُمُومِ النُّصُوصِ، وَالْمَدْحُ عَلَى الْبُكَاءِ لَا يُخَصِّصُهُ، كَرَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ خَشْيَةٍ، لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْهِجَاءِ، وَيَدُلُّ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمَعْنَى كَالْكَلَامِ، وَإِنِ اسْتَدْعَى الْبُكَاءَ كُرِهَ، كَالضَّحِكِ، وَإِلَّا فَلَا. فَرْعٌ: إِذَا تَأَوَّهَ أَوْ أَنَّ، فَبَانَ حَرْفَانِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ، لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكَلَامِ، فَدَلَّ أَنَّهُمَا إِذَا ظَهَرَا مِنْ بُكَاءٍ أَوْ بُصَاقٍ أَوْ تَثَاؤُبٍ أَوْ سُعَالٍ لَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهَا تَبْطُلُ قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْكَلَامَ نَاسِيًا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ، فَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَالِبًا لَا تَبْطُلُ بِهِ، وَإِنْ بَانَ حَرْفَانِ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي النَّحْنَحَةِ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ: هِيَ كَالنَّفْخِ، وَالْقَهْقَهَةِ، إِنْ بَانَ حَرْفَانِ فَسَدَتْ، لِأَنَّهُ إِذَا أَبَانَهُمَا كَانَ مُتَكَلِّمًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَنَّ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَحْنَحُ فِي الصَّلَاةِ) نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ، وَمُهَنًّا. (وَلَا يَرَاهَا مُبْطِلَةً لِلصَّلَاةِ) اخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَيُعَضِّدُهُ مَا رَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 فَصْلٌ وَأَمَّا النَّقْصُ فَمَتَى تَرَكَ رُكْنًا، فَذَكَرَهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى،   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ: «كَانَ لِي مَدْخَلَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ فَإِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُصَلِّي يَتَنَحْنَحُ لِي» ، وَلِلنَّسَائِيِّ مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّها صَوْتٌ لَا يَدُلُّ بِنَفْسِهِ، وَلَا مَعَ لَفْظِ غَيْرِهِ عَلَى مَعْنًى، لِكَوْنِهَا حُرُوفًا غَيْرَ مُحَقَّقَةٍ، كَصَوْتٍ أُعْقِلَ، وَلَا يُسَمَّى فَاعِلُهَا مُتَكَلِّمًا، بِخِلَافِ النَّفْخِ، وَالتَّأَوُّهِ، وَأَطْلَقَ فِي " الْمُحَرَّرِ " الرِّوَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: إِنْ تَنَحْنَحَ لِضَرُورَةٍ أَوْ حاجة فبان حَرْفَانِ فَوَجْهَانِ، وَحَمَلَ الْأَصْحَابُ مَا رُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِحَرْفَيْنِ، وَرَدَّهُ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهَا. [النَّقْصُ فِي الصَّلَاةِ] فَصْلٌ (وَأَمَّا النَّقْصُ، فَمَتَّى تَرَكَ رُكْنًا) نَاسِيًا أَوْ سَاهِيًا غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، أَوِ النِّيَّةِ إِذَا قُلْنَا بِرُكْنِيَّتِهَا (فَذَكَرَهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى بَطَلَتِ) الرَّكْعَةُ (الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا) فَقَطْ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا، وَلَمْ يُمْكِنِ اسْتِدْرَاكُهُ لِتَلَبُّسِهِ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، فَلَغَتْ رَكْعَتَهُ، وَصَارَتِ الَّتِي تَشْرَعُ فِيهَا عِوَضًا عَنْهَا، وَلَا يُعِيدُ الِاسْتِفْتَاحَ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ ذَكَرَ الرُّكْنَ الْمَتْرُوكَ قَبْلَ السُّجُودِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ يَعُودُ إِلَى السَّجْدَةِ الْأُولَى، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ سُجُودِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَعَتْ عَنِ الْأُولَى، لِأَنَّ الرَّكْعَةَ قَدْ صَحَّتْ، وَمَا فَعَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ سَهْوًا لَا يَبْطُلُ كَمَا لَوْ ذَكَرَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ هَذَا الْقَوْلَ فَقَرَّبه، إِلَّا أَنَّهُ اخْتَارَ الْأَوَّلَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ وَجْهًا، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى، لِأَنَّ الْمَزْحُومَ فِي الْجُمْعَةِ إِذَا زَالَ الزِّحَامُ، وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ، وَيَسْجُدُ مَعَهُ، وَيَكُونُ السُّجُودُ مِنَ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ التَّرْكُ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 بَطَلَتِ الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهُ وَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، عَادَ فَأَتَى بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ، فَهُوَ كَتَرْكِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ وَإِنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ   [المبدع في شرح المقنع] الْأُولَى صَارَتِ الثَّانِيَةُ أَوَّلِيَّتَهُ، وَالثَّالِثَةُ ثَانِيَتَهُ، وَالرَّابِعَةُ ثَالِثَتَهُ، وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةِ، فَإِنْ رَجَعَ عَمْدًا مَعَ عِلْمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَمْدًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ مَا مَضَى مِنَ الرَّكَعَاتِ قَبْلَ الْمَتْرُوكِ رُكْنُهَا، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: بَلَى، وَبَعْدَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ (وَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ الْقِرَاءَةِ (عَادَ) لُزُومًا (فَأَتَى بِهِ) أَيْ: بِالْمَتْرُوكِ، نُصَّ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الْقِيَامِ غَيْرَ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ؛ وَلِأَنَّهُ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعِهِ، كَمَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، فَذَكَرَهَا قَبْلَ السَّلَامِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي الْحَالِ، وَقَالَ فِي " الْمُبْهِجِ ": مَنْ تَرَكَ رُكْنًا نَاسِيًا فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى شَرَعَ فِي رُكْنٍ آخَرَ بَطَلَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً، فَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ لَمْ يُعِدْ مَعَ عِلْمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا لَمْ تَبْطُلْ، لِأَنَّهُ فعل غير مُتَعَمِّدٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَضَى قَبْلَ ذِكْرِ الْمَتْرُوكِ، وَتَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِذَا لَمْ يُعِدْهُ لَا يُعْتَدُّ بِمَا يَفْعَلُهُ بَعْدُ الْمَتْرُوكِ، فَإِنْ ذَكَرَ الرُّكُوعَ، وَقَدْ جَلَسَ أَتَى بِهِ، وَبِمَا بَعْدَهُ، فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ قَامَ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَانَ جَلَسَ لِلْفَصْلِ، أَتَى بِالسَّجْدَةِ فَقَطْ، وَلَمْ يَجْلِسْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ، وَقِيلَ: بَلَى، ثُمَّ يَسْجُدُ، وَإِلَّا جَلَسَ لِلْفَصْلِ، ثُمَّ يَسْجُدُ (و) يَأْتِي مَعَهُ (بِمَا بَعْدَهُ) لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ فَهُوَ كَتَرْكِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ) كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الَّتِي لَغَتْ بِتَرْكِ رُكْنِهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا، فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا، فَإِذَا سَلَّمَ قَبْلَ ذِكْرِهَا فَقَدْ سَلَّمَ مِنْ نَقْصٍ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ أَحْدَثَ بَطَلَتْ لِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ، كَمَا لَوْ ذَكَرَهُ فِي يَوْمٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يُطِلْ، بَلْ كَانَ عَنْ قُرْبٍ عُرْفًا لَمْ تَبْطُلْ، وَأَتَى بِرَكْعَةٍ، وَظَاهِرُهُ لَوِ انْحَرَفَ عَنِ الْقِبْلَةِ أَوْ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَيَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ نَقَلَهُ حَرْبٌ بِخِلَافِ تَرْكِ الرَّكْعَةِ بِتَمَامِهَا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ "، و" التَّلْخِيصِ " تَبْطُلُ، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ تَرَكَ رُكْنَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِدْرَاكُهُ، لِكَوْنِهِ خَرَجَ مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 رَكَعَاتٍ، وَذَكَرَ فِي التَّشَهُّدِ، سَجَدَ سَجْدَةً، فَصَحَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ، وَيَأْتِي بِثَلَاثٍ،   [المبدع في شرح المقنع] بِالسَّلَامِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ رَكْعَةً، فَإِنَّهُ إِجْمَاعٌ لَخَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " إِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ سَلَامًا أَتَى بِهِ فَحَسْبُ، وَإِنْ كَانَ تَشَهُّدًا أَتَى بِهِ وَبِالسَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا أَتَى بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَقِيلَ: يَأْتِي بِالرُّكْنِ، وَبِمَا بَعْدَهُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَحْسَنُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى شَرَعَ فِي صَلَاةٍ فَقَدْ سَبَقَ. 1 - تَنْبِيهٌ: إِذَا تَرَكَ رُكْنًا لَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ، أَوْ جَهِلَ عَيْنَ الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ، بَنَى عَلَى الْأَحْوَطِ، لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنَ الصَّلَاةِ وَهُوَ شَاكٌّ فِيهَا، فَيَكُونُ مَغْرُرًا بِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ، وَلَا تَسْلِيمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ تَفْسِيرِهِ، أَمَّا أَنَا فَأَرَى أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا إِلَّا عَلَى يَقِينٍ أَنَّهَا قَدْ تَمَّتْ، فَعَلَى هَذَا إِذَا تَرَكَ سَجْدَةً لَا يَعْلَمُ مِنَ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ، جَعَلَهَا مِنَ الْأُولَى، وَأَتَى بِرَكْعَةٍ، وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ لَا يَعْلَمُ مِنْ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ، سَجَدَ سَجْدَةً، وَحَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ الثَّالِثَةِ لَغَتِ الْأُولَيَانِ، فَإِنْ تَرَكَ رُكْنًا لَا يَعْلَمُ هَلْ هُوَ رُكُوعٌ أَوْ سُجُودٌ جَعَلَهُ رُكُوعًا، وَإِنْ شَكَّ فِي الْقِرَاءَةِ، وَالرُّكُوعِ جَعَلَهُ قِرَاءَةً، وَإِنْ تَرَكَ اثْنَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ مِنَ الْفَاتِحَةِ جَعَلَهُمَا مِنْ رَكْعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَوَالِيَهُمَا جَعَلَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ. 1 - (وَإِنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وَذَكَرَ فِي التَّشَهُّدِ، سَجَدَ سَجْدَةً، فَصَحَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ، وَيَأْتِي بِثَلَاثٍ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ بِشُرُوعِهِ فِي الَّتِي بَعْدَهَا، وَبَقِيَتِ الرَّابِعَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وَعَنْهُ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، وَنَهَضَ، لَزِمَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا، وَإِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ رَجَعَ جَازَ، وَإِنْ شَرَعَ   [المبدع في شرح المقنع] نَاقِصَةً فَيُتِمُّهَا بِسَجْدَةٍ فَتَصِحُّ، وَتَصِيرُ أُولَاهُ، وَيَأْتِي بِالثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَيُسَلِّمُ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ لَهُ رَكْعَتَانِ، وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحَ، لِأَنَّ أَحْمَدَ حَكَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ: هُوَ أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ لَهُ سِوَى تكبيرة الْإِحْرَامِ فَيَبْنِي عَلَيْهَا (وَعَنْهُ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ) وَقَالَهُ إِسْحَاقُ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التَّلَاعُبِ فِي الصَّلَاةِ، وَيُفْضِي إِلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ غَيْرِ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَالرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ، وَبَنَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ " الشَّرْحِ " عَلَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى سَلَّمَ بَطَلَتْ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَذْهَبِ، و" التَّلْخِيصِ " رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ بَطَلَتْ بِسَلَامِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: كَمَا لَوْ لَمْ يُسَلِّمْ، وَإِنْ ذَكَرَ، وَقَدْ قَرَأَ فِي الْخَامِسَةِ فَهِيَ أُولَاهُ، وَلَغَا مَا قَبْلَهَا، ذَكَرَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ، وَلَا يُعِيدُ الِافْتِتَاحَ، وَتَشَهُّدُهُ قَبْلَ سَجْدَتَيِ الْأَخِيرَةِ زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ، وَقَبْلَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةٌ قَوْلِيَّةٌ (وَإِنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَنَهَضَ، لَزِمَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا) كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ "، و" الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، وَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلَا يَجْلِسُ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ» رَوَاهُ أحمد وأبو دَاوُدُ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ أَخَلَّ بِوَاجِبٍ، وَذَكَرَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي رُكْنٍ، فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ تُفَارِقْ أَلْيَتَاهُ الْأَرْضَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، سَوَاءٌ فَارَقَتْ أَلْيَتَاهُ الْأَرْضَ، أَوْ كَانَ إِلَى الْقِيَامِ أَقَرَبُ، وَيَجِبُ عَلَى مَأْمُومٍ اعْتَدَلَ مُتَابَعَتُهُ (وَإِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا) وَلَمْ يَقْرَأْ (لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ رَجَعَ جَازَ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْمَذْهَبِ " و" التَّلْخِيصِ " و" الْكَافِي " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 فِي الْقِرَاءَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ، وَعَلَيْهِ السُّجُودُ لِذَلِكَ كُلِّهِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ كَمَا لَوْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الِاعْتِدَالِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ، لِأَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ، وَلِهَذَا جَازَ تَرْكُهُ عِنْدَ الْعَجْزِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَرْكَانِ، وَالْأَشْهَرُ يُكْرَهُ رُجُوعُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَعَنْهُ: يَمْضِي وُجُوبًا، صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ، فَلَمْ يَجُزِ الرُّجُوعُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ كَالْقِرَاءَةِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، وَقَالَهُ النُّخَعِيُّ، وَيَتْبَعُهُ الْمَأْمُومُ (وَإِنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ، وَلِأَنَّهُ شَرَعَ فِي رُكْنٍ مَقْصُودٍ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الرُّكُوعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ إِذَا رَجَعَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، وَكَذَا حَالُ الْمَأْمُومِينَ إِنْ تَبِعُوهُ، وَإِنْ سَبَّحُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ فَلَمْ يَرْجِعْ تَشَهَّدُوا لِأَنْفُسِهِمْ، وَتَبِعُوهُ، وَقِيلَ: بَلْ يُفَارِقُونَهُ، وَيُتِمُّونَ صَلَاتَهُمْ (وَعَلَيْهِ السُّجُودُ لِذَلِكَ كُلِّهِ) جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ، وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَعَنْهُ: إِنْ كَثُرَ نُهُوضُهُ، وَإِنْ قَلَّ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " إِنْ بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ سَجَدَ، لِأَنَّهُ زَادَ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: إِذَا لَمْ يَعْتَدِلْ قَائِمًا فَلَا سُجُودَ، وَحَكَاهُ فِي " شَرْحِ الْمَذْهَبِ " عَنْ شَيْخِهِ لِخَبَرٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. مَسْأَلَةٌ: حُكْمُ تَرْكِ الذِّكْرِ فِيهِ كَتَرْكِهِمَا، فَلَوْ نَسِيَ تَسْبِيحَ رُكُوعٍ، فَذَكَرَهُ بَعْدَ زَوَالِهِ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ حَتَّى انْتَصَبَ قَائِمًا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَرْجِعُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " لِأَنَّهُ يَزِيدُ رُكُوعًا، وَيَأْتِي بِالتَّسْبِيحِ فِي رُكُوعٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ. فَعَلَى هَذَا إِنْ رَجَعَ بَطَلَتْ لَا سَهْوًا، بَلْ يَسْجُدُ لَهُ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي هَذَا الرُّكُوعِ لَمْ يُدْرِكْهَا، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَذَكَرَهُ الْقَاضِي قِيَاسًا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 فَصْلٌ وَأَمَّا الشَّكُّ، فَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] الْقِيَامِ مِنْ تَرْكِ التَّشَهُّدِ، وَلَيْسَ مِثْلَهُ، لِأَنَّ التَّشَهُّدَ وَاجِبٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْوَاجِبَاتِ، لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي غَيْرِهَا، كَالتَّسْبِيحِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى فِي التَّشَهُّدِ لَا يَرْجِعُ إِمَّا جَزْمًا كَمَا فِي " الْمُغْنِي " أَوِ اسْتِحْبَابًا كَالْمَشْهُورِ، وَقِيَاسُ بَقِيَّةِ الْوَاجِبَاتِ مِثْلُهُ، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ. [الشَّكُّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ] فَصْلٌ (وَأَمَّا الشَّكُّ:) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِمَّا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ (فَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَكَطَهَارَةٍ، وَطَوَافٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا شُكَّ فِيهِ، وَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ، وَسَوَاءٌ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ لَا، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ (وَعَنْهُ: يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ) نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ، وَذَكَرَ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ: بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ» ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُهَا مَنْ يَعْرِضُ لَهُ أَوَّلًا، وَقَالَ: عَلَى هَذَا عَامَّةُ أُمُورِ الشَّرْعِ، وَأَنَّ مِثْلَهُ يُقَالُ فِي طَوَافٍ، وَسَعْيٍ، وَرَمْيِ جِمَارٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، وَالْإِمَامَ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " و" الْوَجِيزِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، وَالْإِمَامَ يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، وَمَنْ شَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ فَهُوَ كَتَرْكِهِ، وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِ وَاجِبٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ مَنْ يُنَبِّهُهُ، وَيُذَكِّرُهُ إِذَا أَخْطَأَ الصَّوَابَ، بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ، وَمُرَادُهُمْ مَا لَمْ يَكُنِ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا، فَإِنْ كَانَ، فَبِالْيَقِينِ، لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ بِدَلِيلِ الْمَأْمُومِ الْوَاحِدِ لَا يَرْجِعُ إِلَى فِعْلِ إِمَامِهِ، وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَيُعَايَا بِهَا، وَذَكَرَ فِي " الْمَذْهَبِ " أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا الْإِمَامُ فِي الْأَصَحِّ (فَإِنِ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) وَهُوَ الْأَقَلُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْإِمَامِ، وَالْمُنْفَرِدِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَتْبَعُ إِمَامَهُ مَعَ عَدَمِ الْجَزْمِ بِخَطَئِهِ، وَإِنْ جَزَمَ بِخَطَئِهِ لَمْ يَتْبَعْهُ، وَلَمْ يُسَلِّمْ قَبْلَهُ، وَإِنْ تَيَقَّنَ الْإِمَامُ أَنَّهُ مُصِيبٌ فِيمَا فَعَلَهُ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ فِي الْأَشْهَرِ، وَسَوَاءٌ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ أَوْ غَلَبَةِ الظَّنِّ (وَمَنْ شَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ فَهُوَ كَتَرْكِهِ) وَيَعْمَلُ بِالْيَقِينِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَقِيلَ: هُوَ كَرَكْعَةٍ قِيَاسًا، قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: التَّحَرِّي سَائِغٌ فِي الْأَقْوَالِ، وَالْأَفْعَالِ، وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَالنِّيَّةُ عَلَى مَا مَرَّ (وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِ وَاجِبٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَكَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ السُّجُودُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَالثَّانِي: لَا قَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" الرِّعَايَةِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَذَكَرَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهِ، فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ (وَإِنْ شَكَّ فِي زِيَادَةٍ لَمْ يَسْجُدْ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا، وَعَنْهُ: يَسْجُدُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، كَشَكِّهِ فِيهَا وَقْتَ فِعْلِهَا. فَلَوْ بَانَ صَوَابُهُ أَوْ سَجَدَ، ثُمَّ بَانَ لَمْ يَسْهُ أَوْ سَهَا بَعْدَهُ قَبْلَ سَلَامِهِ فِي سُجُودِهِ قَبْلَ السَّلَامِ، فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ فِي النَّقْصِ لَا الزِّيَادَةِ، وَقَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 وَإِنْ شَكَّ فِي زِيَادَةٍ لَمْ يَسْجُدْ. وَلَيْسَ عَلَى الْمَأْمُومِ سُجُودُ سَهْوٍ إِلَّا أَنْ يَسْهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] كَانَ شَكُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَتَى بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَقِيلَ: بَلَى مَعَ قِصَرِ الزَّمَنِ فَإِنْ طَالَ فَلَا، وَجْهًا وَاحِدًا. فَرْعٌ: إِذَا شَكَّ هَلْ سَهْوُهُ مِمَّا يُسْجَدُ لَهُ أَوْ لَا؛ أَوْ ظَنَّ أَنَّ لَهُ سَهْوًا فَسَجَدَ لَهُ، فَبَانَ سُجُودُهُ لَهُ سَهْوًا، فَهَلْ يَسْجُدُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ كَثُرَ السَّهْوُ حَتَّى صَارَ وَسْوَاسًا لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ. [لَيْسَ عَلَى الْمَأْمُومِ سُجُودُ سَهْوٍ] (وَلَيْسَ عَلَى الْمَأْمُومِ سُجُودُ سَهْوٍ) فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَهْوٌ، فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ بَعْدَ السَّلَامِ، لَكِنْ إِنْ سَهَا فَسَلَّمَ مَعَهُ، أَوْ سَهَا مَعَهُ أَوْ فِيمَا انْفَرَدَ سَجَدَ، وَكَذَا إِنْ سَهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ إِمَامِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً (إِلَّا أَنْ يَسْهُوَ إِمَامُهُ فَيَسْجُدَ مَعَهُ) وَحَكَاهُ إِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا، لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» وَسَوَاءٌ كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ مَسْبُوقٌ مَعَ إِمَامِهِ إِنْ سَهَا إِمَامُهُ فِيمَا أَدْرَكَهُ، وَكَذَا فِيمَا لَمْ يُدْرِكْهُ، وَعَنْهُ: لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُهُ فَلَا يَسْجُدُ مَعَهُ، بَلْ يَقْضِي، ثُمَّ يَسْجُدُ إِنْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ سَجَدَ قَبْلَهُ تَبِعَهُ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ مُتَابَعَةِ إِمَامِهِ، وَتَأْخِيرِ السُّجُودِ إِلَى آخِرِ صَلَاتِهِ، وَإِذَا تَبِعَ الْمَسْبُوقُ إِمَامَهُ، ثُمَّ قَضَى هَلْ يُعِيدُ السُّجُودَ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: يُعِيدُ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَإِنَّمَا سَجَدَ مَعَ إِمَامِهِ تَبَعًا، وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِأَنَّهُ قَدْ سَجَدَ، وَانْجَبَرَتْ صَلَاتُهُ فَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ سَجَدَ وَجْهًا وَاحِدًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَ إِمَامِهِ، وَلَوْ لَمْ يُكْمِلِ التَّشَهُّدَ، ثُمَّ يُتِمُّهُ، وَقِيلَ: ثُمَّ يُعِيدُ السُّجُودَ إِذَا سَلَّمَ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَامَ مَأْمُومٌ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، فَسَجَدَ إِمَامُهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقُلْنَا: يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ إِمَامِهِ فَهُوَ كَالْقَائِمِ عَنِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَعُودُ أَوْ لَا أَوْ يُخَيَّرُ؛ فِيهِ رِوَايَاتٌ، فَإِنْ كَانَ قَرَأَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي إِحْدَى سَجْدَتَيِ السَّهْوِ سَجَدَ مَعَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ أَتَى بِالثَّانِيَةِ، ثُمَّ قَضَى صَلَاتَهُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَأْتِي بِهَا، بَلْ يَقْضِي صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ إِمَامِهِ، ثُمَّ يَسْجُدُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ، وَقَبْلَ السَّلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 إِمَامُهُ، فَيَسْجُدَ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الْإِمَامُ، فَهَلْ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَصْلٌ وَسُجُودُ السَّهْوِ لِمَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ وَاجِبٌ، وَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ إِلَّا فِي السَّلَامِ قَبْلَ إِتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَفِيمَا إِذَا بَنَى الْإِمَامُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْجَمِيعَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَعَنْهُ: مَا كَانَ مِنْ زِيَادَةٍ فَهُوَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ، كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] لَمْ يَسْجُدْ، قَالَهُ فِي الْمَذْهَبِ (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الْإِمَامُ فَهَلْ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَسْجُدُ، اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهَا نَقَصَتْ بِسَهْوِ إِمَامِهِ فَلَزِمَهُ جَبْرُهَا، وَكَمَا لَوِ انْفَرَدَ لِعُذْرٍ، وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ، «فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ» ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَهِيَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْجُدُ تَبَعًا، وَلَمْ يُوجَدْ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَأَصْلُهُمَا هَلْ سُجُودُ الْمَأْمُومِ تَبَعًا أَوْ لِسَهْوِ إِمَامِهِ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا تَرَكَهُمَا الْإِمَامُ سَهْوًا، فَإِنْ تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ الْوَاجِبِ قَبْلَ السَّلَامِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَفِي صَلَاتِهِمْ رِوَايَتَانِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَأْمُومِ غَيْرُ الْمَسْبُوقِ بِبَعْضِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ كَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ. [مَحَلُّ سُجُودِ السَّهْوِ] فَصْلٌ (وَسُجُودُ السَّهْوِ لِمَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ وَاجِبٌ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا، حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: سُنَّةٌ، وَتَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ، وَالْأَوَّلُ: هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، سِوَى نَفْسِ سُجُودِ سَهْوٍ قَبْلَ سَلَامٍ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ مَعَ سَهْوِهِ، وَيَبْطُلُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا، وَلَا يَجِبُ السُّجُودُ لَهُ (وَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، إِلَّا فِي السَّلَامِ قَبْلَ إِتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَفِيمَا إِذَا بَنَى الْإِمَامُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذِي الْيَدَيْنِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِهَا، فَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ كَسُجُودِ صُلْبِهَا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ عَنْ نَقْصِ رَكْعَةٍ أَوْ أَقَلَّ، وَقَالَ فِي الْخِلَافِ، و" الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِمَا: عَنْ نَقْصِ رَكْعَةٍ، وَإِلَّا قَبْلَهُ، نُصَّ عَلَيْهِ (وَعَنْهُ: أَنَّ الْجَمِيعَ قَبْلَ السَّلَامِ) اخْتَارَهُ أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 قَبْلَهُ، وَإِنْ نَسِيَهُ قَبْلَ السَّلَامِ، قَضَاهُ مَا لَمْ يُطِلِ الْفَصْلَ، أَوْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ.   [المبدع في شرح المقنع] مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو الْفَرَجِ قَالَ فِي " الْخِلَافِ ": وَهُوَ الْقِيَاسُ لِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَغَيْرِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَعَنْهُ: عَكْسُهُ، لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الشَّامِيِّينَ (وَعَنْهُ: مَا كَانَ مِنْ زِيَادَةٍ فَهُوَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ كَانَ قَبْلَهُ) وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَجَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَكَانَ مِنْ نَقْصٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ سُجُودٍ سَجَدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ السَّلَامِ فَهُوَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَسَائِرُ السُّجُودِ قَبْلَهُ، وَعَنْهُ: عَكْسُهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي مَحَلِّ وُجُوبِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُسْتَوْعِبِ " و" التَّلْخِيصِ " وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَضْلِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ الْقَاضِي: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلِ، فَلَا مَعْنَى لِادِّعَاءِ النَّسْخِ (وَإِنْ نَسِيَهُ قَبْلَ السَّلَامِ قَضَاهُ مَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ) عُرْفًا (أَوْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ) ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" التَّلْخِيصِ " و" الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِمْ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ والكلام» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ لِتَكْمِيلِ الصَّلَاةِ فَلَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ كَرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَحَلُّ الصَّلَاةِ، فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الْمُدَّةُ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا طَالَ أَوْ خَرَجَ أَوْ أَحْدَثَ لَمْ يَسْجُدْ، وَصَحَّتْ، وَأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِلْخَبَرِ، وَعَنْهُ: مَتَّى تَكَلَّمَ امْتَنَعَ مِنَ السُّجُودِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ: إِنْ تَكَلَّمَ لَا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لَمْ يَسْجُدْ، وَقِيلَ: إِنْ طَالَ الْفَصْلُ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يُمْنَعْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْجِدِ حُكْمُ الْبُقْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَكَأَنَّهُ بَاقٍ فِي مُصَلَّاهُ بِدَلِيلِ الِاقْتِدَاءِ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ، وَإِنْ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَطُلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وَيَكْفِيهِ لِجَمِيعِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ، إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ مَحَلُّهُمَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ، وَمَتَى سَجَدَ   [المبدع في شرح المقنع] الْفَصْلُ، صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجَعَ إِلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ لِإِتْمَامِ الصَّلَاةِ، فَالسُّجُودُ أَوْلَى، وَعَنْهُ: يَسْجُدُ، وَإِنْ خَرَجَ، وَطَالَ الْفَصْلُ كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ، وَعَنْهُ: لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا، وَفِيهِ وَجْهٌ: إِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ صَلَاتِهِ، وَتَوَضَّأَ أَنَّهُ يَسْجُدُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، سَجَدَ إِذَا سَلَّمَ، وَقِيلَ: إِنْ قَرُبَ الزَّمَنُ، وَلَا يُجِبُ بِتَرْكِ سُجُودِ السَّهْوِ سَاهِيًا سُجُودٌ آخَرُ، وَلَا يَبْطُلُ بِهِ، لِأَنَّهُ جَابِرٌ لِلْعِبَادَةِ كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ مَتَى تَعَذَّرَ السُّجُودُ الْوَاجِبُ بَطَلَتْ. [يَكْفِي لِجَمِيعِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ] (وَيَكْفِيهِ لِجَمِيعِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ) إِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ مَحَلُّهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ (إِلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ مَحَلُّهمَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَهَا فَسَلَّمَ، وَتَكَلَّمَ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَسَجَدَ لَهُمَا سُجُودًا وَاحِدًا، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْجَبْرِ فَكَفَى فِيهِ سُجُودٌ وَاحِدٌ، كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا أُخِّرَ لِيَجْمَعَ السَّهْوَ كُلَّهُ، وَالثَّانِي: يَتَعَدَّدُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِعُمُومِ حَدِيثِ ثَوْبَانَ: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» ، وَلِأَنَّ كُلَّ سَهْوٍ يَقْتَضِي سُجُودًا، وَإِنَّمَا يَتَدَاخَلَانِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ السَّهْوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيهَا سَهْوٌ سَجْدَتَانِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بَعْدَ السَّلَامِ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ السَّلَامِ سُجُودَانِ الْجِنْسَانِ مَا كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَبَعْدَهُ، وَقِيلَ: مَا كَانَ مِنْ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَإِذَا قِيلَ بِالتَّدَاخُلِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَقِيلَ: بَعْدَهُ، وَقِيلَ: الْحُكْمُ لِلْأَسْبَقِ. فَرْعٌ: إِذَا شَكَّ فِي مَحَلِّ سُجُودِهِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَمَنْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِسَهْوِهِ أَوْ لَا؛ سَجَدَ مَرَّةً فِي الْأَشْهَرِ، فَلَوْ فَارَقَ إِمَامَهُ لِعُذْرٍ، وَقَدْ سَهَا الْإِمَامُ، ثُمَّ سَهَا الْمَأْمُومُ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَيَكْفِيهِ فِي الْأَصَحِّ سُجُودٌ لِسَهْوَيْنِ، أَحَدُهُمَا جَمَاعَةً، وَالْآخَرُ مُنْفَرِدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 بَعْدَ السَّلَامِ، جَلَسَ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَمَنْ تَرَكَ السُّجُودَ الْوَاجِبَ قَبْل السَّلَامِ عَمْدًا، بَطَلَتِ الصَّلَاةُ، وَإِنْ تَرَكَ الْمَشْرُوعَ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ تَبْطُلْ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَمَتَى سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ) زَادَ الْمُؤَلِّفُ، وَغَيْرُهُ، سَوَاءٌ كَانَ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ، أَوْ قَبْلَهُ فَنَسِيَهُ إِلَى مَا بَعْدَهُ (جَلَسَ فَتَشَهَّدَ) أَيِ: التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ وُجُوبًا (ثُمَّ سَلَّمَ) وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ، لِمَا رَوَى عِمْرَانُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ سَلَّمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ يُسَلِّمُ لَهُ، فَكَانَ مَعَهُ تَشَهُّدٌ يَعْقُبُهُ سَلَامٌ، كَسُجُودِ الصُّلْبِ، وَفِي تَوَرُّكِهِ فِي شَأْنِهِ وَجْهَانِ، وَيُكَبِّرُ لِلسُّجُودِ، وَالرَّفْعِ مِنْهُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقِيلَ: إِنْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ كَبَّرَ وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصِفَتُهُ، وَمَا يَقُولُ فِيهِ، وَبَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ كَسُجُودِ الصُّلْبِ، وَقِيلَ: لَا يَتَشَهَّدُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كَسُجُودِهِ قَبْلَ السَّلَامِ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ مُفْرَدٌ أَشْبَهَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ. (وَمَنْ تَرَكَ السُّجُودَ الْوَاجِبَ قَبْلَ السَّلَامِ عَمْدًا؛ بَطَلَتِ الصَّلَاةُ) بِمَا قَبْلَ السَّلَامِ، لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا، وَعَنْهُ: لَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " قَوْلًا مَعَ قَطْعِهِ بِوُجُوبِهِ كَوَاجِبَاتِ الْحَجِّ (وَإِنْ تَرَكَ الْمَشْرُوعَ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ تَبْطُلْ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ جَبَرٌ لِلْعِبَادَةِ خَارِجٌ مِنْهَا، فَلَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهَا، كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ، وَسَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، وَعَنْهُ: تَبْطُلُ قِيَاسًا عَلَى الْمَشْرُوعِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ فِي الصَّلَاةِ وَالْوَاجِبِ لَهَا، لِأَنَّ الْأَذَانَ وَالْجَمَاعَةَ وَاجِبٌ لَهَا، وَلَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ عَلَيْهِمَا الرِّوَايَتَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وهي أفضل تطوع البدن.   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ] [آكَدُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ] التَّطَوُّعُ فِي الْأَصْلِ: فِعْلُ الطَّاعَةِ، وَشَرْعًا وَعُرْفًا: طَاعَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ. وَالنَّفْلُ وَالنَّافِلَةُ: الزِّيَادَةُ، وَالتَّنَفُّلُ: التَّطَوُّعُ (وَهِيَ أَفْضَلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ) لِمَا رَوَى سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ إِلَى سَالِمٍ. قَالَ أَحْمَدُ: سَالِمٌ لَمْ يَلْقَ ثَوْبَانَ، بَيْنَهُمَا مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صِحَاحًا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " سُنَنِهِ "، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ "، وَمَالِكٌ فِي " مَوَطَّئِهِ " بَلَاغًا، وَلَهُ طُرُقٌ فِيهَا ضَعْفٌ؛ وَلِأَنَّ فَرْضَهَا آكَدُ الْفُرُوضِ، فَتَطَوُّعُهَا آكَدُ التَّطَوُّعَاتِ، وَلِأَنَّهَا تَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنَ الْعِبَادَةِ: الْإِخْلَاصَ، وَالْقِرَاءَةَ، وَالرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ، وَمُنَاجَاةَ الرَّبِّ، وَالتَّوَجُّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَالتَّسْبِيحَ، وَالتَّكْبِيرَ، وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنْ أَطْلَقَ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ. وَذَكَرَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: ثُمَّ الْعِلْمُ، ثُمَّ الصَّلَاةُ. وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْجِهَادِ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا، وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ تَطَوُّعٍ بَدَنِيٍّ مَحْضٍ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ أَفْضَلُ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ، بِأَنَّ الرِّبَاطَ أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وَآكَدُهَا صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ ثُمَّ الْوَتْرُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَوَقْتُهُ مَا بَيْنَ   [المبدع في شرح المقنع] اسْتِيعَابُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْعِبَادَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا أَفْضَلُ مِنْ جِهَادٍ لَمْ تَذْهَبْ فِيهِ نَفْسُهُ وَمَالُهُ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. قِيلَ: فَأَيُّ شَيْءٍ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ؟ قَالَ: يَنْوِي: يَتَوَاضَعُ فِيهِ، وَيَنْفِي عَنْهُ الْجَهْلَ. وَقِيلَ: بَلِ الصَّوْمُ؛ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي أُمَامَةَ: " عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَفِيهِ لِينٌ. وَقِيلَ: مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ؛ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَاتِّبَاعِ جِنَازَةٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: الْحَجُّ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ جِهَادٌ؛ فَإِنَّ فِيهِ مَشْهَدًا لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُهُ؛ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَإِنْ مَاتَ بِهِ، فَقَدْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ. وَنَقَلَ عَنْهُ مُهَنَّا: أَفْضَلِيَّةَ الذِّكْرِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَفْضَلَهَا جِهَادٌ ثُمَّ تَوَابِعُهُ، ثُمَّ عِلْمٌ: تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ، ثُمَّ صَلَاةٌ. وَنَصَّ: أَنَّ طَوَافَ الْغَرِيبِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِيهِ، وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الصَّحِيحِ، ثُمَّ مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ، فَصَدَقَةٌ عَلَى قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقٍ، وَعِتْقٌ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، إِلَّا زَمَنَ حَاجَةٍ، ثُمَّ حَجٌّ، ثُمَّ عِتْقٌ، ثُمَّ صَوْمٌ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الذِّكْرَ بِقَلْبٍ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِلَا قَلْبٍ؛ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: (وَآكَدُهَا صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ) لِأَنَّهُ يُشْرَعُ لَهَا الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا، أَشْبَهَا الْفَرَائِضَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ صلاة الْكُسُوفَ آكَدُ مِنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَتْرُكْهَا عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهَا، بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَسْتَسْقِي تَارَةً، وَيَتْرُكُ أُخْرَى، وَيُلْحَقُ بِهِمَا فِي الْآكَدِيَّةِ مَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ كَالتَّرَاوِيحِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "؛ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي " الْفُرُوعِ ". [الْوَتْرُ] [حُكْمُ الْوَتْرِ] (ثُمَّ الْوَتْرُ) قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا أَنَّهُ آكَدُ مِمَّا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: رَكْعَتَا الْفَجْرِ آكَدُ مِنْهُ؛ لِاخْتِصَاصِهَا بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ. وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ: أَنَّ السُّنَنَ الرَّاتِبَةَ آكَدُ مِنَ التَّرَاوِيحِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَيْسَ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ (وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ؛ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ سَأَلَهُ عَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ، قَالَ: خَمْسَ صَلَوَاتٍ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَكَذَّبَ عُبَادَةُ رَجُلًا يَقُولُ: الْوَتْرُ وَاجِبٌ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» الْخَبَرَ. وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْوَتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَهَيْئَةِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، أَشْبَهَ السُّنَنَ، وَعَنْهُ: هُوَ وَاجِبٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْوَتْرُ حَقٌّ؛ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ   [المبدع في شرح المقنع] وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: الْمَوْقُوفُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُوَاظِبُ عَلَيْهِ حَضَرًا وَسَفَرًا، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ تَرَكَ الْوَتْرَ عَمْدًا فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ، وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَأْكِيدِ الِاسْتِحْبَابِ. [وَقْتُ الْوَتْرِ] (وَوَقْتُهُ: مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَطُلُوعِ الْفَجْرِ) الثَّانِي، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ: «لَقَدْ أَمَدَّكُمُ اللَّهُ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمُرِ النِّعَمِ؛ وَهِيَ الْوَتْرُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَعَنْ مُعَاذٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا، رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْهُ: إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. وَعَنْ أَبِي بَصْرَةَ مَرْفُوعًا: «إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَيُحْمَلُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ؛ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، ويدخل فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ جَمَعَ الْعِشَاءَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَوْتَرَ قَبْلَ الْعِشَاءِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَأَنَّهُ إِذَا أَخَّرَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ يَكُونُ قَضَاءً، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالًا: أَنَّهُ يَكُونُ أَدَاءً، لِحَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ. وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ آخِرَ اللَّيْلِ لِمَنْ وَثِقَ، لَا مُطْلَقًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ سَرَدَ ثَمَانِيًا وَجَلَسَ، فَتَشَهَّدَ وَلَمْ يُسَلِّمْ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الْقَاضِي: وَقْتُهُ الْمُخْتَارُ كَوَقْتِ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارِ. وَقِيلَ: كُلُّ اللَّيْلِ سَوَاءٌ، وَمَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ جَعَلَهُ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ لَمْ يُكْرَهْ، نَصَّ عَلَيْهِ. [أَقَلُّ الْوَتْرِ] (وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ) لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ؛ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، (وَأَكْثَرُهُ) وَفِي " الْوَجِيزِ "، وَأَفْضَلُهُ: (إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى؛ فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ، فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرَغَ الْعِشَاءُ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا صَلَاةٌ، حَتَّى فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، وَعَنْهُ: يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُوتِرُ. قَالَ أَحْمَدُ: الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ كَانَ قَبْلَهَا صَلَاةٌ مُتَقَدِّمَةٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا بَأْسَ بِالْوَتَرِ بِرَكْعَةٍ، لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوْ نَحْوِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 صَلَّى التَّاسِعَةَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ. وَكَذَلِكَ السَّبْعُ، وَإِنْ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ، لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: لَهُ سَرْدُ عَشَرَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ فَيَتَشَهَّدُ، ثُمَّ يُوتِرُ بِالْأَخِيرَةِ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَهُ سَرْدُ إِحْدَى عَشْرَةَ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ وَسَلَامٍ. وَقِيلَ: أَكْثَرُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ، فَلَمَّا كَبُرَ وَضَعُفَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ» . وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا جَالِسًا بَعْدَ الْوَتْرِ، أَوْ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ أَنْ تَكُونَ الرَّكْعَةُ عَقِيبَ الشَّفْعِ، وَلَا يُؤَخِّرُهَا عَنْهُ، وَلَيْسَ كَالْمَغْرِبِ حَتْمًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا أَنَّهُ رَكْعَةٌ قَبْلَهُ شَفْعٌ لَا حَدَّ لَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَتَمَسُّكًا بِأَخْبَارٍ فِيهَا ضَعْفٌ عَلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهَا. [الْوَتْرُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ] (وَإِنْ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ؛ سَرَدَ ثَمَانِيًا، وَجَلَسَ فَتَشَهَّدَ، وَلَمْ يُسَلِّمْ، ثُمَّ صَلَّى التَّاسِعَةَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقِيلَ: كَإِحْدَى عَشْرَةَ: يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. قَالَ فِي " الْخِلَافِ " عَنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: قَصَدَ بَيَانَ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَيْرَهُ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ هَذَا. (وَكَذَلِكَ السَّبْعُ) أَيْ: يَسْرُدُ سِتًّا، وَيَجْلِسُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي السَّابِعَةَ، وَيَتَشَهَّدُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 آخِرِهِنَّ، وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ. يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ:   [المبدع في شرح المقنع] وَيُسَلِّمُ. نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَالْأَشْهُرُ فِي الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ: أَنَّ السَّبْعَ كَالْخَمْسِ؛ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. (وَإِنْ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ؛ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ. وَالثَّانِي: يُصَلِّي الْجَمِيعَ بِسَلَامٍ، فَيَجْلِسُ عَقِبَ الشَّفْعِ، وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ. (وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ) ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ؛ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «افْصِلْ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِسَنَدِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ وَهُوَ قَوْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 " سَبِّحْ "، وَفِي الثَّانِيَةِ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ "، وَفِي الثَّالِثَةِ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَيَقْنُتُ فِيهَا   [المبدع في شرح المقنع] جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْمُفْرَدَةَ اخْتُلِفَ فِي كَرَاهَتِهَا، وَالْأَفْضَلُ: أَنْ يَتَقَدَّمَهَا شَفْعٌ، فَلِذَلِكَ كَانَتِ الثَّلَاثُ أَدْنَى لِلْكَمَالِ، لَكِنْ إِنْ سَرَدَهُنَّ بِسَلَامٍ جَازَ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا صَلَّى الثَّلَاثَ بِسَلَامٍ، وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ عَقِيبَ الثَّانِيَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ جَلَسَ؛ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا يَكُونُ وَتْرًا. [الْقِرَاءَةُ فِي الْوَتْرِ] (يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ: " سَبِّحْ "، وَفِي الثَّانِيَةِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. زَادَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ: «فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: " سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ " ثَلَاثًا» ، وَلَهُمَا فِي رِوَايَةٍ: «وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالْآخِرَةِ» ، وَعَنْهُ: يُضِيفُ مَعَ الْإِخْلَاصِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ بِذَلِكَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، لَكِنْ فِيهِ ضَعْفٌ. وَذَكَرَ فِي " التَّحْقِيقِ " أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ زِيَادَتَهُمَا. [الْقُنُوتُ فِي الْوَتْرِ] (وَيَقْنُتُ فِيهَا) أَيْ: فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ فِي وَتْرِهِ أَشْيَاءَ تَأْتِي، وَ (كَانَ) لِلدَّوَامِ، وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ فِي رَمَضَانَ شُرِعَ فِي غَيْرِهِ كَعَدَدِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَقْنُتُ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، اخْتَارَهُ الْأَثْرَمُ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَهْدِيكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنَتُوبُ إِلَيْكَ وَنُؤْمِنُ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، ثُمَّ هُوَ رَأْيُ أُبَيٍّ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا، وَخَيَّرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، وَأَنَّهُ إِنْ صَلَّى بِهِمْ قِيَامَ رَمَضَانَ، فَإِنْ قَنَتَ جَمِيعَ الشَّهْرِ، أَوْ نِصْفَهُ الْأَخِيرَ، أَوْ لَمْ يَقْنُتْ بِحَالٍ، فَحَسَنٌ. (بَعْدَ الرُّكُوعِ) نَصَّ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يُسَنُّ قَبْلَهُ، لَكِنْ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَقْنُتُ، نَصَّ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. قَالَ الْخَطِيبُ: الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى صَدْرِهِ، وَيَبْسُطُ بُطُونَهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. (فَيَقُولُ) الْإِمَامُ جَهْرًا، وَكَذَا مُنْفَرِدًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: وَمَأْمُومًا. وَكَانَ أَحْمَدُ: يُسِرُّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّ الْجَهْرَ مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ فَقَطْ. قَالَ فِي " الْخِلَافِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ. (اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ: يَا اللَّهُ؛ فَحُذِفَتْ يَاءٌ مِنْ أَوَّلِهِ، وَعُوِّضَ عَنْهَا الْمِيمُ فِي آخِرِهِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَجْتَمِعَانِ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ؛ لِئَلَّا يُجْمَعَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ، وَلَخَّصُوا فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى تَبَرُّكًا وَتَعْظِيمًا أَوْ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ بِتَصْيِيرِ اللَّفْظَيْنِ لَفْظًا وَاحِدًا. (إِنَّا نَسْتَعِينُكَ، وَنَسْتَهْدِيكَ، وَنَسْتَغْفِرُكَ) أَيْ: نَطْلُبُ مِنْكَ الْمَعُونَةَ، وَالْهِدَايَةَ، وَالْمَغْفِرَةَ. (وَنَتُوبُ إِلَيْكَ) التَّوْبَةُ: الرُّجُوعُ عَنِ الذَّنْبِ، وَفِي الشَّرْعِ: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الذَّنْبِ، وَالْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ تَعْظِيمًا لِلَّهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 بِكَ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، نَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ   [المبدع في شرح المقنع] تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ أَنْ يُحَلِّلَهُ، (وَنُؤْمِنُ بِكَ) أَيْ: نُصَدِّقُ بِوَحْدَانِيَّتِكَ (وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التَّوَكُّلُ إِظْهَارُ الْعَجْزِ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْغَيْرِ، وَالِاسْمُ التُّكْلَانُ. وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ: هُوَ تَرْكُ تَدْبِيرِ النَّفْسِ، وَالِانْخِلَاعُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُرِيدُ (وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ) أَيْ: نَمْدَحُكَ، وَنَصِفُكَ بِالْخَيْرِ، وَالثَّنَاءُ فِي الْخَيْرِ خَاصَّةً، وَبِتَقْدِيمِ النُّونِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْمُعَافِرِيُّ: أَثْنَيْتُ عَلَى الرَّجُلِ: وَصَفْتُهُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ (نَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ) أَصْلُ الْكُفْرِ: الْجُحُودُ وَالشَّرُّ. قَالَ فِي " الْمَطَالِعِ ": وَالْمُرَادُ هُنَا كُفْرُ النِّعْمَةِ، لِاقْتِرَانِهِ بِالشُّكْرِ. (اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَعْنَى الْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ، وَالْخُضُوعُ، وَالتَّذَلُّلُ، وَلَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْفَخْرُ إِسْمَاعِيلُ، وَأَبُو الْبَقَاءِ: الْعِبَادَةُ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ، وَلَا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ، وَسُمِّيَ الْعَبْدُ عَبْدًا لِذِلَّتِهِ، وَانْقِيَادِهِ لِمَوْلَاهُ. (وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ) لَا لِغَيْرِكَ، (وَإِلَيْكَ نَسْعَى) . يُقَالُ: سَعَى يَسْعَى سَعْيًا: إِذَا عَدَا، وَقِيلَ: إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْجَرْيِ عُدِّيَ بِإِلَى، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَمَلِ فَبِاللَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] . (وَنَحْفِدُ) بِفَتْحِ النُّونِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، يُقَالُ: حَفَدَ بِمَعْنَى أَسْرَعَ، وَأَحْفَدَ لُغَةٌ فِيهِ بِمَعْنَى يَحْفِدُ يُسْرِعُ، أَيْ: يُبَادِرُ الْعَمَلَ، وَالْخِدْمَةَ (نَرْجُو رَحْمَتَكَ) يُقَالُ: رَجَوْتُهُ، أَيْ أَمَّلْتُهُ، وَالرَّحْمَةُ: سَعَةُ الْعَطَاءِ، وَ (نَخْشَى عَذَابَكَ) : أَيْ نَخَافُ عُقُوبَتَكَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر: 49] {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر: 50] (إِنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ: الْحَقَّ، لَا اللَّعِبَ. (بِالْكَفَّارِ مُلْحِقٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، أَيْ لَاحِقٌ بِهِمْ، وَمَنْ فَتَحَهَا أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ يُلْحِقُهُ إِيَّاهُ، وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ الرِّوَايَةَ هِيَ الْأُولَى. قَالَ الْخَلَّالُ: سَأَلْتُ ثَعْلَبًا عَنْ مُلْحِقٍ، وَمُلْحَقٍ؛ فَقَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُهُمَا جَمِيعًا. هَذَا الدُّعَاءُ قَنَتَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي أَوَّلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ. اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يُذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ   [المبدع في شرح المقنع] آخِرِهِ: اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَهَاتَانِ سُورَتَانِ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَتَبَهُمَا أُبَيٌّ فِي مُصْحَفِهِ إِلَى قَوْلِهِ: مُلْحِقٌ، زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ. (اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ) أَصْلُ الْهُدَى: الرَّشَادُ وَالْبَيَانُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] فَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَالْإِرْشَادُ، وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ مُهْتَدِينَ بِمَعْنَى طَلَبِ التَّثَبُّتِ عَلَيْهَا، أَوْ بِمَعْنَى الْمَزِيدِ مِنْهَا. (وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ) الْمُرَادُ بِهَا: الْعَافِيَةُ مِنَ الْأَسْقَامِ، وَالْبَلَايَا، وَالْمُعَافَاةُ: أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنَ النَّاسِ، وَيُعَافِيَهُمْ مِنْكَ، وَ (بَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ) الْبَرَكَةُ: الزِّيَادَةُ، وَقِيلَ: هِيَ حُلُولُ الْخَيْرِ الْإِلَهِيِّ فِي الشَّيْءِ، وَالْعَطِيَّةُ: الْهِبَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا: مَا أَنْعَمَ بِهِ، (وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) الْوَلِيُّ: ضِدُّ الْعَدُوِّ؛ وَهُوَ فَعِيلٌ مِنْ تَلَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا عَنَيْتَ بِهِ، وَنَظَرْتَ فِيهِ؛ كَمَا يَنْظُرُ الْوَلِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَنْظُرُ فِي أَمْرِ وَلِيِّهِ بِالْعِنَايَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَيْتُ الشَّيْءَ: إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَاسِطَةٌ؛ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَقْطَعُ الْوَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِيرَ فِي مَقَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ؛ وَهُوَ مَقَامُ الْإِحْسَانِ، (وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ) سُبْحَانَهُ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ؛ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ «إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: «عَلَّمَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي) إِلَى (وَتَعَالَيْتَ) وَلَيْسَ فِيهِ: (وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ) » ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَثْبَتَهَا فِيهِ، وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ. وَالرِّوَايَةُ إِفْرَادُ الضَّمِيرِ، وَجَمَعَهَا الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمَأْمُومَ فِي الدُّعَاءِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي " الرِّعَايَةِ " لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ، نَسْتَغْفِرُكَ اللَّهُمَّ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ، لَا لَجَأَ، وَلَا مَلْجَأَ، وَلَا مُلْتَجَأَ، وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ ". (اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ) . قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي هَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَهُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ، وَهُمَا ضِدَّانِ، وَمُتَقَابِلَانِ، وَكَذَلِكَ الْمُعَافَاةُ، وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْعُقُوبَةِ، لَجَأَ إِلَى مَا لَا ضِدَّ لَهُ؛ وَهُوَ اللَّهُ، أَظْهَرَ الْعَجْزَ وَالِانْقِطَاعَ، وَفَزِعَ مِنْهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ: أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ؛ إِذْ حَاصِلُهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ اللَّهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إِذْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْخَبَرِ (لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ) أَيْ: لَا نُطِيقُهُ، وَلَا نَبْلُغُهُ، وَلَا تَنْتَهِي غَايَتُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] أَيْ: تُطِيقُوهُ. (أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ تَفْصِيلِ الثَّنَاءِ، وَرَدٌّ إِلَى الْمُحِيطِ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فَكَمَا أَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِسُلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ، لَا نِهَايَةَ لِثَنَاءٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُثْنَى عَلَيْهِ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وَتْرِهِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيَقُولُ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ؛ وَهُوَ مَعْنَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ: يَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى دُعَاءِ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَاخْتَارَهُ أَحْمَدُ. وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ: يُسْتَحَبُّ بِالسُّورَتَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ، ويصلي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: مِنْ أَوَّلِهِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": وَعَلَى آلِهِ، وقَوْله تَعَالَى {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] الْآيَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ. وَهَلْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَا يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الْوَتْرِ إِلَّا أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ قَوْلُهَا قُبَيْلَ الْأَذَانِ، وَفِي " نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي ": يُكْرَهُ. فَرْعٌ: الْمُنْفَرِدُ يُفْرِدُ الضَّمِيرَ، وَيَجْهَرُ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ: وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ يَجْمَعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ عَلَى الْأَصَحِّ إِنْ سَمِعَ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَقْنُتُ مَعَهُ، وَيَجْهَرُ بِهِ، وَعَنْهُ: يُتَابِعُهُ فِي الثَّنَاءِ، وَيُؤَمِّنُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ دُعَاءً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ رِوَايَةً فِيمَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ أَنَّهُ يَسْكُتُ، وَلَا يُتَابِعُهُ. [مَسْحُ الْوَجْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ دُعَاءِ الْقُنُوتِ] وَ (هَلْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ) إِذَا فَرَغَ؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِمَا رَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا دَعَا رَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَسْحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَكَخَارِجِ الصَّلَاةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا، نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ، وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ لِضَعْفِ الْخَبَرِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، صَحَّحَهَا فِي الْوَسِيلَةِ، وَعَنْهُ: يُمِرُّهُمَا عَلَى صَدْرِهِ، وَإِذَا سَجَدَ رَفَعَ يَدَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي الْقِيَامِ، فَهُوَ كَالْقِرَاءَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ أَظْهَرُ. [الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ] (وَلَا يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الْوَتْرِ) رُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَصَرَّحَ ابْنُ تَمِيمٍ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ: الرُّخْصَةُ فِيهِ فِي الْفَجْرِ، وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ،. قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 تَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ، فَلِلْإِمَامِ خَاصَّةً الْقُنُوتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ. ثُمَّ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ، وَهِيَ   [المبدع في شرح المقنع] أَنَسٍ قَالَ: «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» . رَوَاهُ الْخَطِيبُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، وَاسْمُهُ عِيسَى بْنُ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ، وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ، وَلِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقْنُتُ فِيهَا بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، بَلْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِيهَا، وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ» وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا. وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: إِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَخَلْفَ عَلِيٍّ هَاهُنَا بِالْكُوفَةِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ: أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ فِيهِ " فِي الْفَجْرِ "، وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ أَنَّهُ أَرَادَ طُولَ الْقِيَامِ؛ فَإِنَّهُ يُسَمَّى قُنُوتًا، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَيْهِمْ، لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ، إِلَّا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَيْهِمْ» وَعَنْ فِعْلِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ فِي أَوْقَاتِ النَّوَازِلِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ بِدْعَةٌ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ، فَلَمْ يُسَنَّ فِيهَا كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ (إِلَّا أَنْ تَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ) : هِيَ الشَّدِيدَةُ مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ، (فَلِلْإِمَامِ) أَيْ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الَّذِي قَنَتَ، فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إِلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَعَنْهُ: وَنَائِبُهُ، وَعَنْهُ: بِإِذْنِهِ، وَعَنْهُ: وَإِمَامُ جَمَاعَةٍ، وَعَنْهُ: كُلُّ مُصَلٍّ (خَاصَّةً الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 عَشْرُ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ   [المبدع في شرح المقنع] أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْهُ: وَالْمَغْرِبُ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقِيلَ: وَالْعِشَاءُ. وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، " وَ " الْفُرُوعِ " "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، إِلَّا فِي الْوَتْرِ وَالْفَجْرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْجُمُعَةُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِيهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُطْلَقًا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ لَا يَقْنُتُ لِرَفْعِ الْوَبَاءِ فِي الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتِ الْقُنُوتُ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِلْأَخْبَارِ فَلَا يُسْأَلُ رَفْعُهُ. [السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ] (ثُمَّ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ) الَّتِي تُفْعَلُ مَعَ الْفَرَائِضِ؛ (وَهِيَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ) كَذَا ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَهُمَا آكَدُهَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ.   [المبدع في شرح المقنع] بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ، كَانَتْ سَاعَةً لَا يُدْخَلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا» حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا أَخْبَرَتْ عَائِشَةُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. (وَهُمَا آكَدُهَا) أَيْ: أَفْضَلُهَا، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَلَوْ طَرَدَتْكُمُ الْخَيْلُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقِيلَ: سُنَّةُ الْمَغْرِبِ، وَيُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُ سُنَّةِ الْفَجْرِ، وَقِرَاءَةُ مَا وَرَدَ لَا الْفَاتِحَةَ فَقَطْ. وَتَجُوزُ رَاكِبًا. وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا مَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ الِاضْطِجَاعُ بَعْدَهُمَا عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ قَبْلَ فَرْضِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ» ، وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَةٍ: فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذَهَبَ الظَّاهِرِيَّةُ إِلَى وُجُوبِهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْكَرَهُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَهُمَا إِنَّمَا هِيَ سَاعَةُ تَسْبِيحٍ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ الْعِلْمِ، وَلِقَوْلِ الْمَيْمُونِيِّ: كُنَّا نَتَنَاظَرُ أَنَا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمَسَائِلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَغَيْرِ الْكَلَامِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ، وَيَتَوَجَّهُ: لَا يُكْرَهُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ) اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ أَحْمَدُ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُؤْمِنِينَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى التَّرْغِيبِ، وَلَيْسَتْ مِنَ الرَّوَاتِبِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَحْفَظْهَا، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، لِمَا رَوَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً سِوَى الْمَكْتُوبَةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ (أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ) وَأَخْبَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ عَنْ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. تَذْنِيبٌ: فِعْلُ جَمِيعِ الرَّوَاتِبِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَعَنْهُ: سُنَّةُ الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ، زَادَ فِي " الْمُغْنِي " وَالْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَالْبَاقِي فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ السُّنَنِ سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهُ. ثُمَّ التَّرَاوِيحُ، وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً، يَقُومُ   [المبدع في شرح المقنع] عُمَرَ أَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُنَّ فِي بَيْتِهِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: التَّسْوِيَةُ، وَكُلُّ سُنَّةٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَوَقْتُهَا مِنْ دُخُولِ وَقْتِهَا إِلَى فِعْلِهَا، وَبَعْدَهَا إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا، وَيُسْتَحَبُّ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ أَوْ قِيَامٍ لِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ: أُمِرْنَا بِذَلِكَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَتُجْزِئُ سُنَّةٌ عَنْ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ عَكْسٌ، فَإِنْ فَاتَتْهُ سُنَّةُ الظُّهْرِ قَبْلَهَا قَضَاهَا بَعْدَهَا وَبَدَأَ بِهَا، وَهِيَ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ بَعْدَهُمَا فِي الْوَقْتِ قَضَاءٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَقِيلَ: أَدَاءٌ. (وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ السُّنَنِ سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهُ) قَدَّمَهُ، وَنَصَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ؛ وَهُوَ ثِقَةٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بَعْدَهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. وَعَنْهُ: تُقْضَى سُنَّةُ الْفَجْرِ إِلَى الضُّحَى، وَقِيلَ: لَا تُقْضَى، إِلَّا هِيَ إِلَى وَقْتِ الضُّحَى، وَرَكَعَتَا الظُّهْرِ. 1 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مَسْأَلَةٌ: يُكْرَهُ تَرْكُ الرَّوَاتِبِ، فَإِنْ دَاوَمَ عَلَيْهَا، رُدَّ قَوْلُهُ، وَأَثِمَ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَالْمَشْهُورُ لَا. لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ تَرَكَ الْوَتْرَ فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ. فَصْلٌ: تُسَنُّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا، وَأَرْبَعٍ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: سِتٍّ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَ العِشَاءِ غَيْرِ السُّنَنِ. قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": التَّنَفُّلُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ مُرَغَّبٌ فِيهِ؛ وَهُوَ التَّهَجُّدُ، وَيَجُوزُ فِعْلُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوَتْرِ جَالِسًا، وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَعَدَّهَا الْآمِدِيُّ مِنَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ. قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَهُوَ غَرِيبٌ [التَّرَاوِيحُ] [عَدَدُ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ] (ثُمَّ التَّرَاوِيحُ) : سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعٍ يَسْتَرِيحُونَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْمُرَاوَحَةِ؛ وَهِيَ التَّكْرَارُ فِي الْفِعْلِ؛ وَهِيَ سُنَّةٌ سَنَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَتْ مُحْدَثَةً لِعُمَرَ؛ وَهِيَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ الظَّاهِرَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَجِبُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا بِأَصْحَابِهِ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْتَرَضَ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 بِهَا فِي رَمَضَانَ فِي جَمَاعَةٍ، وَيُوتِرُ بَعْدَهَا فِي الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ جَعَلَ الْوَتْرَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) : فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً، وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الرَّاتِبَةَ عَشْرٌ، فَضُوعِفَتْ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَتَشْمِيرٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: سِتٌّ وَثَلَاثُونَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ، وَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْهُمْ أَنَّهَا إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ رَكْعَةً، وَاخْتَارَهُ إِسْحَاقُ. وَقَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: أَمَرَ عُمَرُ أُبَيًّا، وَتَمِيمًا أَنْ يَقُومَا بِالنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. رَوَاهُ مَالِكٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ، وَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْتُ أَبِي يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ مَا لَا أُحْصِي. وَقَالَ أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى عِشْرِينَ رَكْعَةً، وَحَكَاهُ فِي " الرِّعَايَةِ " قَوْلًا (يَقُومُ بِهَا فِي رَمَضَانَ) بَعْدَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ، وَقَبْلَ الْوَتْرِ، وَعَنْهُ: أَوْ بَعْدَ الْعِشَاءِ، جَزَمَ بِهِ فِي (الْعُمْدَةِ) لَا قَبْلَهَا، وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا لِأَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَشَنَّعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَيْهِ، وَنَسَبَهُ إِلَى الْبِدْعَةِ، وَلَا تَكْفِيهَا نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ. (وَفِي جَمَاعَةٍ وَيُوتِرُ بَعْدَهَا فِي الْجَمَاعَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ عَلِيٌّ، وَجَابِرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ يُصَلُّونَهَا فِي الْجَمَاعَةِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إِمَامًا، وَلِلنِّسَاءِ إِمَامًا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 بَعْدَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ، فَأَوْتَرَ مَعَهُ قَامَ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَشَفَعَهَا بِأُخْرَى.   [المبدع في شرح المقنع] جَمَعَ أَهْلَهُ، وَأَصْحَابَهُ، وَقَالَ: إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفُهِمَ مِنْهُ: أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ إِلَى الْفَجْرِ الثَّانِي، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ السُّنَّةَ الْمَأْثُورَةَ فِعْلُهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسَاجِدِ، وَفِعْلُهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَى أَحْمَدَ. لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ، أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَأْخِيرِهَا بِمَكَّةَ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إِذَا كَانَ أَوَّلَهُ غَيْمٌ وَقُلْنَا بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهَا تُفْعَلُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالسَّامِرِيُّ، وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ لَا؛ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ ". أَنْوَاعٌ: يُسَنُّ أَنْ يُجْهَرَ فِيهَا، وَفِي الْوَتْرِ بِالْقِرَاءَةِ، وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ أَنْ يَبْتَدِئَ فِيهَا بِسُورَةِ (الْقَلَمِ) ثُمَّ يَسْجُدُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ مِنَ (الْبَقَرَةِ) وَلَا يَزِيدُ فِيهِ عَلَى خَتْمَةٍ إِلَّا أَنْ يُوتِرُوا، وَلَا يَنْقُصَ عَنْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَعْتَبِرُ حَالَهُمْ، وَيَدْعُو لِخَتْمِهِ قَبْلَ رُكُوعِ آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْهَا، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيُطِيلُ الْأُولَى وَيَعِظُ بَعْدَهَا، نَصَّ عَلَى الْكُلِّ، وَقِيلَ: يَخْتِمُ فِي الْوَتْرِ، وَيَدْعُو، وَقِيلَ: يَدْعُو بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ كَبَعْدِهَا. وَكَرِهَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: هُوَ بِدْعَةٌ، وَيَسْتَرِيحُ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعٍ. فَعَلَهُ السَّلَفُ، وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِ، وَقِرَاءَةُ (الْأَنْعَامِ) فِي رَكْعَةٍ بِدَعَةٌ. (فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ جَعَلَ الْوَتْرَ بَعْدَهُ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وَتْرًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْأَفْضَلِيَّةِ (وَإِنْ أَحَبَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَأَوْتَرَ مَعَهُ قَامَ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَشَفَعَهَا بِأُخْرَى) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَشْيَاخُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وَيُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ، وَفِي التَّعْقِيبِ رِوَايَتَانِ، وَهُوَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ   [المبدع في شرح المقنع] «لَا وَتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَيْسٌ فِيهِ لِينٌ. قَالَ السَّامِرِيُّ: وَيَنْوِي بِالرَّكْعَةِ فَسْخَ الْوَتْرِ، وَعَنْهُ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُوتِرَ مَعَهُ. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ لَمْ يُوتِرْ مَعَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي وَتْرِهِ؛ لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ تَحْرِيمَةُ الْإِمَامِ، فَلَوْ أَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى لَمْ يُنْقَضْ وَتْرُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، ثُمَّ لَا يُوتِرُ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ يُوتِرُ، وَعَنْهُ: يَنْقُضُهُ، وَعَنْهُ: بِرَكْعَةٍ، ثُمَّ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى، ثُمَّ يُوتِرُ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ فِي نَقْضِهِ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّرَاوِيحِ مَرَّتَيْنِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَسْجِدَيْنِ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى. [التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ] (وَيُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ: رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّطْوِيلِ، وَلِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِمْ بِمُتَابَعَةِ إِمَامِهِمْ، وَلَا يُكْرَهُ الطَّوَافُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: مَعَ إِمَامِهِ. (وَفِي التَّعْقِيبِ رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ "؛ إِحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي (الْمُذْهَبِ) وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّلْخِيصِ " لِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، زَادَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمَجْدُ: مَا لَمْ يَنْتَصِفِ اللَّيْلُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِيَةُ: وَنَقَلَهَا عَنْهُ لِجَمَاعَةٍ، وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ ": أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِقَوْلِ أَنَسٍ: لَا يَرْجِعُونَ إِلَّا لِخَيْرٍ يَرْجُونَهُ أَوْ لِشَرٍّ يَحْذَرُونَهُ. قِيلَ: وَالْكَرَاهَةُ قَوْلٌ قَدِيمٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وَالْوَتْرِ فِي جَمَاعَةٍ. وَصَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ النَّهَارِ، وَأَفْضَلُهَا وَسَطُ اللَّيْلِ،   [المبدع في شرح المقنع] نَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ (وَهُوَ أَنْ يَتَطَوَّعَ) أَيْ: يُصَلِّي مُطْلَقًا. (بَعْدَ التَّرَاوِيحِ وَ) بَعْدَ (الْوَتْرِ فِي جَمَاعَةٍ) . نَصَّ عَلَيْهِ، هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى التَّعْقِيبِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا تَطَوَّعَ بَعْدَهُمَا وَحْدَهُ لَا يُكْرَهُ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَذَكَرَهُ مَنْصُوصًا، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي " التَّرْغِيبِ " جَمَاعَةً، وَاخْتَارَهُ فِي (النِّهَايَةِ) وَمَحَلُّهُ عِنْدَ الْقَاضِي: إِذَا لَمْ يَكُنْ رَقَدَ، وَقِيلَ: أَوْ أَكَلَ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى لِمَنْ فَسَخَ وَتْرَهُ [صَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ النَّهَارِ] (وَصَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ النَّهَارِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: رَكْعَةٌ بِاللَّيْلِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرِ رَكَعَاتٍ بِالنَّهَارِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَلِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الْإِسْرَارِ، وَأَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ؛ فَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ أَفْضَلُهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَهَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ؛ فِيهِ خِلَافٌ. (وَأَفْضَلُهَا وَسَطُ اللَّيْلِ) : ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِي " الْوَجِيزِ ". قَالَ آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ مَرْفُوعًا: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ» وَفِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ دَاوُدَ؛ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ» وَيُرْوَى أَنَّ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: يَا رَبِّ، أَيُّ وَقْتٍ أَقْوَمُ لَكَ، قَالَ: لَا تَقُمْ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَلَا آخِرَهُ، وَلَكِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وَالنِّصْفُ الْأَخِيرُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَوَّلِ. وَصَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَإِنْ تَطَوَّعَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَسَطَ اللَّيْلِ، حَتَّى تَخْلُوَ بِي، وَأَخْلُوَ بِكَ، وَلَمْ يَذْكُرِ " الْكَافِي " وَ " الْمُذْهَبُ " أَنَّ الْأَوْسَطَ أَفْضَلُ، وَفِي (الرِّعَايَةِ) : آخِرُهُ خَيْرٌ، ثُمَّ وَسَطُهُ. (وَالنِّصْفُ الْأَخِيرُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَوَّلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] وَوَرَدَ أَنَّ الْعَرْشَ يَهْتَزُّ وَقْتَ السَّحَرِ، وَفِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ؛ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؛ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؛ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؛» وَمِنَ الثُّلُثِ الْأَوْسَطِ، وَالثُّلُثُ بَعْدَ النِّصْفِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: الِاسْتِغْفَارُ فِي السَّحَرِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَلَا يَقُومُهُ كُلَّهُ إِلَّا لَيْلَةَ عِيدٍ، وَقِيَامُهُ كُلُّهُ عَمَلُ الْأَقْوِيَاءِ حَتَّى وَلَا لَيَالِيَ الْعَشْرِ. قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا نَامَ بَعْدَ تَهَجُّدِهِ لَمْ يُبْنَ عَلَيْهِ السَّهَرُ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالنَّاشِئَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ رَقْدَةٍ، وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ قِيَامِ اللَّيْلِ؛ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَصَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ، فَلَا بَأْسَ. وَالْأَفْضَلُ مَثْنَى. وَصَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَاخْتَارَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ قَامَ فِي التَّرَاوِيحِ إِلَى ثَالِثَةٍ: يَرْجِعُ وَإِنْ قَرَأَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا، وَلَا بُدَّ، لِلْخَبَرِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ؛ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْعَدَدَ، أَوْ نَسِيَهُ. قَوْلُهُ: مَثْنَى، هُوَ مَعْدُولٌ عَنِ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ؛ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْمُكَرَّرِ، فَلَا يَجُوزُ تَكْرِيرُهُ، وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّفْظِ لَا لِلْمَعْنَى، وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مُنِعَتِ الصَّرْفَ لِلْعَدْلَيْنِ عَدْلِهَا عَنْ صِيغَتِهَا، وَعَدْلِهَا عَنْ تَكْرَارِهَا. (وَإِنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ) كَالظُّهْرِ (فَلَا بَأْسَ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا: «مَنْ تَطَوَّعَ قَبْلَ الظُّهْرِ [أَرْبَعًا] لَا يُسَلِّمُ فِيهِنَّ تُفْتَحُ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ؛ فَقَدْ تَرَكَ الْأَوْلَى، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً؛ فَإِنْ زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ نَهَارًا كُرِهَ. رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَانِ. قَالَهُ فِي " الْمُذْهَبِ " وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " الصِّحَّةَ. (وَالْأَفْضَلُ مَثْنَى) لِمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 الْقَائِمِ، وَيَكُونُ فِي حَالِ الْقِيَامِ مُتَرَبِّعًا وَأَدْنَى صَلَاةِ الضُّحَى رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ،   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ أَحْمَدُ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ السَّهْوِ، وَأَشْبَهُ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إِلَّا مَثْنَى. ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ. زِيَادَةٌ: كَثْرَةُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ قِيَامٍ، وَقِيلَ: نَهَارًا. وَعَنْهُ: طُولُ الْقِيَامِ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَعَنْهُ: التَّسَاوِي. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ. وَبِالْجُمْلَةِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخْفِيفُهُ أَوْ تَطْوِيلُهُ، فَالْأَفْضَلُ اتِّبَاعُهُ فِيهِ، وَكَانَ أَحْمَدُ يُعْجِبُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَكَعَاتٌ مَعْلُومَةٌ. [صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ] (وَصَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ) فِي الْأَجْرِ (مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ. وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " إِلَّا الْمُتَرَبِّعَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ شَاذَانَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مَوْلَاهُ السَّائِبِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ؛ وَمُرَادُهُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَهُمَا سَوَاءٌ، وَيَتَوَجَّهُ فَرْضًا وَنَفْلًا، مَا يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي تَكْمِيلِ الْأَجْرِ. (وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَكُونُ فِي حَالِ الْقِيَامِ مُتَرَبِّعًا) : رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَنْهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يَفْتَرِشُ، وَقَالَهُ زُفَرُ، وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: يَحْتَبِي، وَفِي (الْوَسِيلَةِ) إِنْ كَثُرَ رُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ لَمْ يَتَرَبَّعْ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَثْنِي رِجْلَيْهِ فِي سُجُودِهِ، وَكَذَا فِي حَالِ رُكُوعِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَعَنْهُ: لَا؛ وَهِيَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ هَيْئَةَ الرَّاكِعِ فِي رِجْلَيْهِ هَيْئَةُ الْقَائِمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى هَيْئَتِهِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهَذَا أَصَحُّ فِي النَّظَرِ، إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ ذَهَبَ إِلَى فِعْلِ أَنَسٍ، وَأَخَذَ بِهِ. فَرْعٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِلتَّطَوُّعِ مُضْطَجِعًا؛ وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ صِحَّتَهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْحَسَنِ، وَهَلْ يُومِئُ أَمْ يَسْجُدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَلَهُ الْقِيَامُ عَنْ جُلُوسٍ، وَكَذَا عَكْسُهُ، وَخَالَفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ. [صَلَاةُ الضُّحَى] (وَأَدْنَى) أَيْ: أَقَلُّ (صَلَاةِ الضُّحَى رَكْعَتَانِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» . وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: «وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى كُلَّ يَوْمٍ» ، وَيُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهَا، بَلْ تُفْعَلُ غِبًّا. نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 وَوَقْتُهَا إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ. وَهَلْ يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى قَطُّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّشْبِيهِ بِالْفَرَائِضِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: يُسْتَحَبُّ مُدَاوَمَتُهَا، وَنَقَلَهُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ فِي لَيْلِهِ. (وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ) قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ هَانِئٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ فِي (الْهَدْيِ) أَنَّهَا صَلَاةٌ بِسَبَبِ الْفَتْحِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْأُمَرَاءَ كَانُوا يُصَلُّونَهَا إِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: أَكْثَرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ وَهِيَ فِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالٌ لِقَوْلِ أَنَسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ مِنْ ذَهَبٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. (وَوَقْتُهَا إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ " وَتَبِعَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَمَعْنَاهُ: أَنَّ وَقْتَهَا مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ النَّهْيِ إِلَى أَنْ تَتَعَالَى الشَّمْسُ، وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهَا عِنْدَ اشْتِدَادِ حَرِّهَا؛ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ تَحْمَى الرَّمْضَاءُ؛ وَهِيَ الرَّمْلُ، فَتَبْرِكَ الْفِصَالُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ؛ وَمِنْهُ سُمِّيَ رَمَضَانُ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا إِلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ. [التَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ] (وَهَلْ يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ) : أَيْ: بِفَرْدٍ؛ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي (الْهِدَايَةِ) إِحْدَاهُمَا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] تَصِحُّ، قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَنَصَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ؛ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ قَابُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْوَتْرَ مَشْرُوعٌ؛ وَهُوَ رَكْعَةٌ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَقَوَّاهَا فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» وَلِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْفَرْضِ، فَكَذَا فِي النَّفْلِ كَالسَّجْدَةِ، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ فُعِلَ فِي غَيْرِ الْوَتْرِ. فَرْعٌ: يَجُوزُ التَّطَوُّعُ جَمَاعَةً، وَقِيلَ: مَا لَمْ يُتَّخَذْ عَادَةً، وَقِيلَ: يُكْرَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا سَمِعْتُهُ. [فَصْلُ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ] 1 فَصْلٌ. تُسَنُّ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ، أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ. فَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فِي حَجٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَيُسْتَحَبُّ صَلَاةُ الْحَاجَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَى آدَمِيٍّ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنَى آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لْيُثْنِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، [لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ] سُبْحَانَ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، [وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ] وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ: غَرِيبٌ، [وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ؛ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْوَرْقَاءِ؛ وَهُوَ مُضَعَّفٌ فِي الْحَدِيثِ] . وَصَلَاةُ التَّوْبَةِ؛ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} [آل عمران: 135] إِلَى آخِرِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ، وَعَقِبَ الْوُضُوءِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عَصْرٍ احْتَسَبَ بِانْتِظَارِهِ بِالْوُضُوءِ الصَّلَاةَ، فَيُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ مُصَلٍّ، وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ؛ فَإِنْ جَلَسَ قَبْلَ الصَّلَاةِ سُنَّ لَهُ أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّيَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ رَجُلًا بِذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَيْلَةَ الْعِيدَيْنِ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ: جَمْعٌ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَفِيهِ بَقِيَّةُ، رِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ جَيِّدَةٌ؛ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. [صَلَاةُ التَّسْبِيحِ] 1 وَصَلَاةُ التَّسْبِيحِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَنَصُّهُ: لَا، وَضَعَّفَ الْخَبَرَ الْمَرْوِيَّ فِي ذَلِكَ؛ وَهُوَ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهَا لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ: «أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، ثُمَّ يُسَبِّحُ، وَيَحْمَدُ، وَيُهَلِّلُ، وَيُكَبِّرُ خَمْسَ عَشْرَة مَرَّةً، ثُمَّ يَقُولُهَا فِي رُكُوعِهِ، ثُمَّ فِي رَفْعِهِ مِنْهُ، ثُمَّ فِي سُجُودِهِ، ثُمَّ فِي رَفْعِهِ مِنْهُ، ثُمَّ فِي سُجُودِهِ، ثُمَّ فِي رَفْعِهِ مِنْهُ، عَشْرًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ صَلَاةٌ. وَهُوَ سُنَّةٌ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ دُونَ السَّامِعِ وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ   [المبدع في شرح المقنع] عَشْرًا، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّةً، فِي كُلِّ يَوْمٍ، ثُمَّ فِي الْجُمُعَةِ، ثُمَّ فِي الشَّهْرِ، ثُمَّ فِي الْعُمُرِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ. وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْآجُرِّيُّ، وَصَحَّحُوهُ، وَادَّعَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَا بَأْسَ بِهَا؛ فَإِنَّ الْفَضَائِلَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا صِحَّةُ الْخَبَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ عَدَمَ قَوْلِ أَحْمَدَ بِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى الْعَمَلَ بِالْخَبَرِ الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ، وَيُسْتَحَبُّ إِحْيَاءُ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لِلْخَبَرِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَيْلَةِ عَاشُورَاءَ، وَلَيْلَةِ أَوَّلِ رَجَبٍ، وَلَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": وَلَيْلَةِ نِصْفِ رَجَبٍ، وَفِي (الْغَنِيَّةِ) : وَبَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَلَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ آخَرُونَ؛ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: وَصَلَاةُ الرَّغَائِبِ، وَاخْتَلَفَ الْخَبَرُ فِي صِفَتِهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ الطَّرَسُوسِيُّ: هِيَ مَوْضُوعَةٌ. [سُجُودُ التِّلَاوَةِ] [حُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] (وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ صَلَاةٌ) لِأَنَّهُ سُجُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ إِلَيْهِ، لَهُ تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ، فَكَانَ صَلَاةً كَسُجُودِ الصَّلَاةِ، فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ السُّجُودُ، وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ أَشْبَهَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ؛ وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يُقْضَى؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِسَبَبٍ؛ فَإِذَا فَاتَ، لَمْ يَسْجُدْ، وَقِيلَ: إِنْ طَالَ الْفَصْلُ؛ وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] ظَاهِرُ مَا فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَطُلْ لَمْ يَبْعُدْ سَبَبُهَا، وَعَنْهُ: وَإِنْ سَمِعَهُ غَيْرُ الْمُتَطَهِّرِ تَطَهَّرَ وَسَجَدَ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ، لِخَوْفِهِ فَوْتَهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لَهُ، وَلِلشُّكْرِ. (وَهُوَ سُنَّةٌ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ «قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَالنَّجْمِ) فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَفْظُهُ: فَلَمْ يَسْجُدْ مِنَّا أَحَدٌ، وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَلَيْهَا: يَسْجُدُ فِي الْأَصَحِّ فِي طَوَافٍ مَعَ قَصْرٍ. فَصْلٌ وَيَتَيَمَّمُ مُحْدِثٌ، وَيَسْجُدُ مَعَ قَصْرِهِ، وَإِذَا نَسِيَ سَجْدَةً لَمْ يُعِدْهَا لِأَجْلِهِ، وَلَا يَسْجُدُ لِهَذَا السَّهْوِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ وُجُوبَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَعَنْهُ: مُطْلَقًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] وَلَا يُذَمُّ إِلَّا عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ، وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ يُفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ أَشْبَهَ سُجُودَ صُلْبِهَا، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ عِنْدَهُمْ بِسُجُودِ السَّهْوِ. (لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ) فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ عَلَيْنَا السَّجْدَةَ فَيَسْجُدُ، وَنَسْجُدُ مَعَهُ، حَتَّى مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 الْقَارِئُ يَصْلُحُ إِمَامًا لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الْقَارِئُ لَمْ يَسْجُدْ. وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً   [المبدع في شرح المقنع] يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِجَبْهَتِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ: فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلُ الْإِضَافَةِ؛ أَيْ: وَمُسْتَمِعُهُ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي " الْمُحَرَّرِ " (وَ " الْوَجِيزِ " (وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ كَتَالٍ، وَكَذَا يُشَارِكُهُ فِي الْأَجْرِ، فَدَلَّ عَلَى المُسَاوَاةِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَفِيهِ نَظَرٌ. وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنِ اسْتَمَعَ آيَةً كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ، وَمَنْ تَلَاهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، لَكِنْ لَا يَسْجُدُ فِي صَلَاةٍ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إِمَامِهِ فِي الْأَصَحِّ؛ كَمَا لَا يَسْجُدُ مَأْمُومٌ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ فِي وَجْهٍ، وَعَنْهُ: يَسْجُدُ، وَعَنْهُ: فِي نَفْلٍ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ إِذَا فَرَغَ (دُونَ السَّامِعِ) جَزَمَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ مَرَّ بِقَاصٍّ، فَقَرَأَ سَجْدَةً لِيَسْجُدَ مَعَهُ عُثْمَانُ فَلَمْ يَسْجُدْ. وَقَالَ: إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْقَارِئَ فِي الْأَجْرِ، فَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي السُّجُودِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يَسْجُدُ كَالْمُسْتَمِعِ. [شُرُوطُ السُّجُودِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ] (وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ يَصْلُحُ إِمَامًا لَهُ) أَيْ: يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، لِمَا رَوَى عَطَاءٌ «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ قَرَأَ سَجْدَةً، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (إِنَّكَ كُنْتَ إِمَامَنَا، وَلَوْ سَجَدْتَ سَجَدْنَا مَعَكَ) » . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا، وَفِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى، وَفِيهِ كَلَامٌ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ خَذْلَمٍ، وَهُوَ غُلَامٌ يَقْرَأُ عَلَيْهِ سَجْدَةً، فَقَالَ: اسْجُدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنَّكَ إِمَامُنَا فِيهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، فَلَا يَسْجُدُ قُدَّامَ إِمَامِهِ، وَلَا عَنْ يَسَارِهِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ، وَلَا رَجُلٌ لِتِلَاوَةِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى، وَقِيلَ: بَلَى فِي الْكُلِّ كَمَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةِ أُمِّيٍّ وَزَمِنٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْجُدُ رَجُلٌ لِتِلَاوَةِ صَبِيٍّ فِي وَجْهٍ (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الْقَارِئُ لَمْ يَسْجُدْ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ: «وَلَوْ سَجَدْتَ سَجَدْنَا مَعَكَ» ، وَقَدَّمَ فِي الْوَسِيلَةِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ التَّالِي فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَلَمْ يَسْجُدْ، سَجَدَ مُسْتَمِعُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ السُّجُودَ فَإِنْ شَاءَ أَتَى بِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا يُجْزِئُ رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُجُودٌ مَشْرُوعٌ، أَشْبَهُ سُجُودَ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ رُكُوعُ الصَّلَاةِ وَحْدَهُ. ذَكَرَهَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَهِيَ قَوْلُ الْقَاضِي؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السُّجُودُ؛ لِقَوْلِهِ (وَخَرَّ) . وَذَكَرَ فِي " الْمُذْهَبِ " أَنَّهُ إِنْ جَعَلَ مَكَانَ السُّجُودِ رُكُوعًا لَمْ يُجْزِئْهُ، وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّ السَّجْدَةَ إِذَا كَانَتْ آخِرَ السُّورَةِ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ شَيْئًا، ثُمَّ رَكَعَ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَإِنْ شَاءَ رَكَعَ فِي آخِرِهَا؛ لِأَنَّ السُّجُودَ يُؤْتَى بِهِ عَقِيبَ الرُّكُوعِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ. [مَوَاضِعُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي الْقُرْآنِ] (وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالصَّحِيحُ مِنَ " الْمَذْهَبِ "، وَعَنْهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 فِي الْحَجِّ مِنْهَا اثْنَتَانِ وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ، وَيَجْلِسُ وَيُسَلِّمُ، وَلَا يَتَشَهَّدُ. فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] خَمْسَ عَشْرَةَ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ «عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً» فَعَلَى هَذَا سَجْدَةُ (ص) مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، بَلْ سَجْدَةُ شُكْرٍ. لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (ص) لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُ فِيهَا» ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. فَعَلَى هَذَا يَسْجُدُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ سَجَدَ فِيهَا عَالِمًا بَطَلَتْ، ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ؛ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا مِنَ الصَّلَاةِ، فَإِذَا سَقَطَ مِنْهَا بَقِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَجَدَ فِي النَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسُجُودُ الْفَرِيقَيْنِ مَعَهُ؛ لِكَوْنِهَا أَوَّلَ سَجْدَةٍ لَا لِغَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي (الِانْشِقَاقِ) وَفِي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) » رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (فِي الْحَجِّ مِنْهَا اثْنَتَانِ) هَذَا قَوْلُ عَمْرٍو، وَابْنِهِ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (فِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنَيْنٍ عَنْ عَمْرٍو، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الْحَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، وَقَوْلُهُ: (مَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا) . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَعَنْهُ: الْأُولَى فَقَطْ، وَعَنْهُ: عَكْسُهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَرَأَ سَجْدَةً، ثُمَّ أَعَادَهَا، فَفِي تَكْرَارِهَا وَجْهَانِ، وَقِيلَ: يُوَحِّدُهَا الرَّاكِبُ فِي صَلَاةٍ، وَيُكَرِّرُهَا غَيْرُهُ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ إِنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ، وَيَأْتِي فِيمَنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ مَكَّةَ. فَائِدَةٌ: مَوْضِعُ سَجْدَةِ (ص) عِنْدَ (وَأَنَابَ) وَ (حم) عِنْدَ " يَسْأَمُونَ "؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ: " يَعْبُدُونَ "، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالسُّجُودِ فِيهَا، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ. [صِفَةُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] (وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ وَ) يُكَبِّرُ (إِذَا رَفَعَ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو، وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ مُفْرَدٌ أَشْبَهَ السُّجُودَ بَعْدَ السَّلَامِ لِلسَّهْوِ، وَقِيلَ: لَا يُكَبِّرُ لِلرَّفْعِ مِنْهُ، بَلْ يُسَلِّمُ إِذَا رَفَعَ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ (الْخِرَقِيِّ) وَقِيلَ: إِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ وَالسُّجُودِ، وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "؛ كَمَا لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ (وَيَجْلِسُ) كَذَا قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُشْتَرَطُ لَهَا التَّكْبِيرُ، فَاشْتُرِطَ لَهَا ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ، وَالْمُرَادُ النَّدْبُ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرُوا جُلُوسَهُ فِي الصَّلَاةِ لِذَلِكَ، (وَيُسَلِّمُ) وَهُوَ رُكْنٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَيُجْزِئُ وَاحِدَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُ إِلَّا اثْنَتَانِ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي (الْمُجَرَّدِ) وَعَنْهُ: لَا سَلَامَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، (وَلَا يَتَشَهَّدُ) لِأَنَّهُ صَلَاةٌ لَا رُكُوعَ فِيهِ، فَلَمْ يُشْرَعِ التَّشَهُّدُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، بَلْ لَا تُسَنُّ. نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَرْفَعُهُمَا، وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ السُّجُودُ فِي صَلَاةٍ لَا يُجْهَرُ فِيهَا. فَإِنْ فَعَلَ، فَالْمَأْمُومُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ اتِّبَاعِهِ   [المبدع في شرح المقنع] وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَالْأَفْضَلُ سُجُودُهُ عَنِ الْقِيَامِ، فَإِنْ سَجَدَ عَنْ جُلُوسٍ فَحَسَنٌ. قَالَهُ أَحْمَدُ. مَسْأَلَةٌ: يَقُولُ فِيهِ وَفِي سُجُودِ الشُّكْرِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، وُجُوبًا، وَإِنْ زَادَ مَا وَرَدَ فَحَسَنٌ، وَذَكَرَ فِي " الرِّعَايَةِ ": أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ التَّسْبِيحِ، وَبَيْنَ مَا وَرَدَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِيهِ مَا يَلِيقُ بِالْآيَةِ. [سُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ] (فَإِنْ سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ) قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ رَفْعٍ، وَخَفْضٍ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ» . وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَرْفَعُهُمَا) وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ لَا يَفْعَلُ فِي السُّجُودِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ، وَأَطْلَقَ فِي " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَرْفَعُهُمَا إِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فِي الْأَصَحِّ. أَصْلٌ: يُكْرَهُ اخْتِصَارُ السُّجُودِ؛ وَهُوَ جَمْعُ آيَاتِهِ وَقِرَاءَتُهَا فِي وَقْتٍ لِيَسْجُدَ فِيهَا، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَحْذِفَ فِي قِرَاءَتِهِ آيَاتِ السُّجُودِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَكِلَاهُمَا مُحْدَثٌ، وَفِيهِ إِخْلَالٌ بِالتَّرْتِيبِ. (وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ السُّجُودُ فِي صَلَاةٍ لَا يُجْهَرُ فِيهَا) وَلَا قِرَاءَةَ السَّجْدَةِ فِيهَا، بَلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وَتَرْكِهِ. وَيُسْتَحَبُّ سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ، وَلَا يُسْجَدُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ.   [المبدع في شرح المقنع] يُكْرَهَانِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْفُرُوعِ " لِأَنَّ فِيهِ إِبْهَامًا عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ فِي الظُّهْرِ ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ، فَرَأَى أَصْحَابُهُ أَنَّهُ قَرَأَ (تَنْزِيلَ، السَّجْدَةَ) » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " اتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى؛ (فَإِنْ فَعَلَ، فَالْمَأْمُومُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ اتِّبَاعِهِ وَتَرْكِهِ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ لِلْإِمَامِ، وَلَمْ يُوجَدِ الِاسْتِمَاعُ الْمُقْتَضِي لِلسُّجُودِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِقَوْلِهِ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» وَمَا ذَكَرُوهُ يُنْتَقَضُ بِالْأَطْرَشِ وَالْبَعِيدِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ قِرَاءَتُهَا فِيهَا، وَكَذَا يُخَرَّجُ فِي وُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ فِي سُجُودِ سَهْوٍ مَسْنُونٍ، وَتَشَهُّدٍ أَوَّلٍ إِنْ قُلْنَا: هُوَ سُنَّةٌ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. [سُجُودُ الشُّكْرِ] (وَيُسْتَحَبُّ سُجُودُ الشُّكْرِ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فِي كَرَاهَتِهِ، وَفِي ابْنِ تَمِيمٍ لِأَمِيرِ النَّاسِ؛ وَهُوَ غَرِيبٌ (عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ) كَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا؛ لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، «وَسَجَدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يَقُولُ اللَّهُ: (مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 فَصْلٌ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، وَعِنْدَ   [المبدع في شرح المقنع] أَحْمَدُ. «وَسَجَدَ حِينَ شُفِّعَ فِي أُمَّتِهِ فَأُجِيبَ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَسَجَدَ الصِّدِّيقُ حِينَ جَاءَهُ قَتْلُ مُسَيْلِمَةَ، رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَسَجَدَ عَلِيٌّ حِينَ رَأَى ذَا الثُّدَيَّةِ فِي الْخَوَارِجِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَسَجَدَ كَعْبٌ حِينَ بُشِّرَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَقِصَّتُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّعَمِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ بِالظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّ الْعُقَلَاءَ يُهَنَّئُونَ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْعَارِضِ، وَلَا يَفْعَلُونَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِأَمْرٍ يَخُصُّهُ؛ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَيُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ (وَلَا يُسْجَدُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ لَيْسَ مِنْهَا، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: فِيهِ رِوَايَتَانِ: مَنْ حَمِدَ لِنِعْمَةٍ أَوِ اسْتَرْجَعَ لِمُصِيبَةٍ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِيهَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ. وَفَرَّقَ الْقَاضِي بِأَنَّ سَبَبَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَارِضٌ فِي الصَّلَاةِ، وَإِذَا رَأَى مُبْتَلًى فِي دِينِهِ سَجَدَ بِحُضُورِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَدَنِهِ كَتَمَهُ عَنْهُ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِحَضْرَةِ الْمُبْتَلَى، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. [فَصْلٌ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ] [الْأَوْقَاتُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا خَمْسَةٌ] فَصْلٌ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ (وَهِيَ خَمْسَةٌ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَظَاهِرُ (الْخِرَقِيِّ) أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ: بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ قَيْدَ رُمْحٍ، وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَإِذَا تَضَيَّفَتْ لِلْغُرُوبِ   [المبدع في شرح المقنع] الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ؛ وَهُوَ يَشْمَلُ وَقْتَيْنِ، وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى أَحَادِيثِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ (بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ، إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: (بَعْدَ الْفَجْرِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ) وَيَتَعَلَّقُ النَّهْيُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» . وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ نَحْوُهُ مُرْسَلًا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَعَنْهُ: مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِزْقُ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، وَذَكَرَ فِي (التَّحْقِيقِ) أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَفِي الْعَصْرِ: يَفْعَلُهَا إِلَّا بِالْوَقْتِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ جَمْعًا، وَتُفْعَلُ سُنَّةُ الظُّهْرِ بَعْدَهَا، وَلَوْ فِي جَمْعِ تَأْخِيرٍ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا لَا بِالشُّرُوعِ، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ قَيْدَ رُمْحٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ، أَيْ: قَدْرَ رُمْحٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الرُّمْحُ الْمَعْرُوفُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 حَتَّى تَغْرُبَ وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ فِيهَا، وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": حَتَّى تَبْيَضَّ (وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا نَهْيَ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَحْضُرِ الْجَامِعَ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْإِبَاحَةِ إِلَى أَنْ يَعْلَمَ (وَإِذَا تَضَيَّفَتْ لِلْغُرُوبِ) أَيْ: مَالَتْ لَهُ، وَعَنْهُ: إِذَا اصْفَرَّتْ (حَتَّى تَغْرُبَ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» . وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ مَعْنَاهُ بِأَطْوَلَ مِنْهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَفِيهِ: (فَإِنَّهَا تَطْلُعُ، وَتَغِيبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ) وَالْمُرَادُ بِهِ حِزْبُهُ، وَأَتْبَاعُهُ، وَقِيلَ: قُوَّتُهُ وَغَلَبَتُهُ، وَقِيلَ: هُمَا جَانِبَا الرَّأْسِ؛ وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُدْنِي رَأْسَهُ إِلَى الشَّمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ؛ لِيَكُونَ السَّاجِدُونَ لَهَا مِنَ الْكُفَّارِ، كَالسَّاجِدِينَ لَهُ فِي الصُّورَةِ، فَيَكُونَ لَهُ وَلِشِيعَتِهِ تَسَلُّطٌ ظَاهِرٌ مِنْ أَنْ يُلَبِّسُوا عَلَى الْمُصَلِّينَ صَلَاتَهُمْ؛ كَمَا مُنِعَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي هِيَ مَأْوَى الشَّيْطَانِ، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبسَةَ: «ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ» فَهُوَ مُعَلِّلٌ حِينَئِذٍ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَّةَ، وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ، وَعَنْهُ: لَا نَهْيَ بِمَكَّةَ، وَيَتَوَجَّهُ إِنْ قُلْنَا: الْحَرَمُ كَمَكَّةَ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي إنَّ هُنَا مِثْلُهُ، وَكَلَامُهُ فِي (الْخِلَافِ) أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهِ اتِّفَاقًا، وَعَنْهُ: وَلَا نَهْيَ بَعْدَ عَصْرٍ، وَعَنْهُ: مَا لَمْ تَصْفَرَّ، وَلَا بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. [مَا يَجُوزُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ] (وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ فِيهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ، لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ؛ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَكَذَا الْخِلَافُ عِنْدَنَا فِي النَّذْرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ مُعَيَّنًا، فَلَوْ نَذَرَهَا وَقْتَ نَهْيٍ، انْعَقَدَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَمَعَ التَّحْرِيمِ لَا تَنْعَقِدْ، وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ وَقْتَ نَهْيٍ مُطْلَقًا. (وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ) بَعْدَ الْفَجْرِ، وَالْعَصْرِ إِجْمَاعًا لِطُولِهِمَا، فَإِنَّ الِانْتِظَارَ فِيهِمَا يَضُرُّ بِالْمَيِّتِ، زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَحَكَاهُ فِي " الرِّعَايَةِ " قَوْلًا: الْفَرْضُ مِنْهَا، وَعَنْهُ: لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى قَبْرٍ وَغَائِبٍ وَقْتَ نَهْيٍ، وَقِيلَ: نَفْلًا، وَصَحَّحَ فِي الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ عَلَى قَبْرٍ فِي الْوَقْتَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ، لِطُولِ زَمَانِهِمَا، وَحُكِيَ مُطْلَقًا، وَفِي (" الْفُصُولِ ") : لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي جَوَازِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ خَوْفُ الِانْفِجَارِ، وَقَدْ أُمِنَ فِي الْقَبْرِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَصَلَّى قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بَعْدَ الْعَصْرِ بِفَتْوَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَلَعَلَّهُ قَاسَ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَحُكِيَ لِي عَنْهُ: أَنَّهُ عَلَّلَ بِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ، وَهَذَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ. فَرْعٌ: تُقَدَّمُ الْجِنَازَةُ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَتُؤَخَّرُ عَنِ الْبَاقِي، وَذَكَرَ فِي " الْمُذْهَبِ " أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْجِنَازَةِ مَعَ سِعَةِ الْوَقْتِ، وَمَعَ ضِيقِهِ بِالْفَرْضِ قَوْلًا وَاحِدًا. (وَ) تَجُوزُ (رَكَعَتَا الطَّوَافِ) فِيهِمَا؛ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، لِمَا رَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَصَلَّى فِيهِ فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلِأَنَّهُمَا تَابِعَتَانِ لِلطَّوَافِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وَإِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ إِذَا أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ. وَهَلْ تَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِغَيْرِهَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَيَجُوزُ فَرْضُهُ وَنَفْلُهُ وَقْتَ النَّهْيِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَنَا لَا تَخْصِيصَ فِيهِ. (وَ) يَجُوزُ (إِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ إِذَا أُقِيمَتْ؛ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ) لِمَا رَوَى يَزِيدُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؛ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: (لَا تَفْعَلَا إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْفَجْرِ، وَالْعَصْرُ مِثْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَعُدْ، لَحِقَهُ تُهْمَةٌ فِي حَقِّهِ، وَتُهْمَةٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، فَصَرِيحُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَعَبَّرَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُصَلِّي جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لِعُمُومِ النَّهْيِ؛ وَجَوَابُهُ وَاضِحٌ، وَشَرَطَ الْقَاضِي لِجَوَازِهِ أَنْ تَكُونَ إِعَادَتُهَا مَعَ إِمَامِ الْحَيِّ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّلْخِيصِ " وَفِي " الْوَجِيزِ " كَـ " الْمُقْنِعِ ". إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِلَّا الْمَغْرِبَ بِمَسْجِدٍ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ هُوَ فِيهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ دَخَلَ، وَهُمْ يُصَلُّونَ بَعْدَهُمَا. لَكِنْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: لَا يُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ. (وَهَلْ تَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ البَاقِيَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) : إِحْدَاهُمَا: لَا تَجُوزُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِيهَا، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَةِ " وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، لِحَدِيثِ عُقْبَةَ، وَذِكْرُهُ الصَّلَاةَ مَعَ الدَّفْنِ ظَاهِرٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَكَالنَّوَافِلِ، وَلِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ خَفِيفَةٌ لَا يُخَافُ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْمَيِّتِ فِيهَا، وَالثَّانِيَةُ تَجُوزُ لِلْعُمُومِ، وَلِأَنَّهَا أُبِيحَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَتُبَاحُ فِي الْبَاقِي كَالْفَرَائِضِ، وَحَكَاهُمَا فِي " الْمُذْهَبِ " فِي الْكَرَاهَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُصَلَّى عَلَيْهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إِلَّا حَالَ الْغُرُوبِ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَالزَّوَالِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ خِيفَ، صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي الطَّوَافِ: يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي " الْمُذْهَبِ " وَ " التَّلْخِيصِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ، وَيَجُوزُ فِيهَا إِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ؛ لِتَأْكِيدِ ذَلِكَ، لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ، وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ، لِحَدِيثِ عُقْبَةَ. (وَلَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِغَيْرِهَا) أَيْ: يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ (فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ، وَيَنْهَى عَنْهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، «قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْهُمَا - عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ - ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، وَقَالَ: يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لَا نَفْعَلُهُ، وَلَا نَعِيبُ عَلَى مَنْ يَفْعَلُهُ، وَعَنْهُ: الرُّخْصَةُ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رَخَّصَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ بَعْدَ الْعَصْرِ مُطْلَقًا؛ مِنْهُمْ عَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَابْنُهُ، وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَأَيُّوبُ، وَعَائِشَةُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَوْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَذَكَرَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَفِي جَاهِلٍ: رِوَايَتَانِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّ إِتْمَامَ النَّفْلِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يَقْطَعُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 إِلَّا مَا لَهُ سَبَبٌ، كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَقَضَاءِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] بَلْ يُخَفِّفُهُ (إِلَّا مَا لَهُ سَبَبٌ، كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَقَضَاءِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ؛ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ) : إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ الْكُلُّ فِيهَا، اخْتَارَهَا صَاحِبُ (" الْفُصُولِ ") (وَالْمُذْهَبِ) (وَالْمُسْتَوْعِبِ) وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَلْحَقَ بِهِ الِاسْتِخَارَةَ فِيمَا يَنُوبُ، وَعَقِبَ الْوُضُوءِ؛ لِقَوْلِهِ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» وَقَوْلِهِ: «مَنْ نَامَ عَنْ وَتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ» وَقَوْلِهِ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا» هَذَا، وَإِنْ كَانَ عَامًّا مِنْ وَجْهٍ؛ فَهُوَ خَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَيَتَرَجَّحُ عَلَى أَحَادِيثِ النَّهْيِ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حَالَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا جَوَابٌ صَحِيحٌ، وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْمَنْعَ هُنَا اخْتَصَّ الصَّلَاةَ، فَهُوَ آكَدُ، وَهَذَا عَلَى العَكْسِ أَظْهَرُ. قَالَ: مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَنْعُ، تَرَكْنَاهُ لِخَبَرِ سُلَيْكٍ، وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ مُسْتَحَبٌّ مَأْمُورٌ بِهِ، وَالثَّانِيَةُ الْمَنْعُ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَهُ الشَّرِيفُ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ (الْوَسِيلَةِ) وَهُوَ أَشْهَرُ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَإِنَّمَا تَرَجَّحَ عُمُومُهَا عَلَى أَحَادِيثِ التَّحِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا حَاظِرَةٌ، وَتِلْكَ مُبِيحَةٌ، أَوْ نَادِبَةٌ، وَالصَّلَاةُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ خَصَائِصِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ فَعَلَى هَذَا لَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةٍ فِي وَقْتٍ قَصِيرٍ، وَعَنْهُ: يَقْضِي وِرْدَهُ وَوَتْرَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَعَنْهُ: يَقْضِي وَتْرَهُ، وَالسُّنَنَ مُطْلَقًا إِنْ خَافَ إِهْمَالَهَا أَوْ نِسْيَانَهَا، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ: يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ بَعْدَهَا، وَيَقْضِي غَيْرَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى الرِّجَالِ، لَا شَرْطَ. وَلَهُ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ وَقْتَ نَهْيٍ بِلَا خِلَافٍ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَ السَّامِرِيُّ الْجَوَازَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] [حُكْمُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ شُرِعَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِبَرَكَةِ نَبِيِّهَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الِاجْتِمَاعُ لِلْعِبَادَةِ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ، فَمِنْهَا مَا هُوَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِلْمَكْتُوبَاتِ؛ وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي الْأُسْبُوعِ؛ وَهُوَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ؛ وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي السَّنَةِ مُتَكَرِّرًا؛ وَهُوَ صَلَاتَا الْعِيدَيْنِ لِجَمَاعَةِ كُلِّ بَلَدٍ؛ وَمِنْهَا مَا هُوَ عَامٌّ فِي السَّنَةِ؛ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لِأَجْلِ التَّوَاصُلِ وَالتَّوَادُدِ وَعَدَمِ التَّقَاطُعِ. (وَهِيَ وَاجِبَةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى الرِّجَالِ لَا شَرْطَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] فَأَمْرُ الْجَمَاعَةِ فِي حَالِ الْخَوْفِ؛ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى، يُؤَكِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامُ، ثُمَّ آمُرُ رَجُلًا فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقُ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: شَرْطٌ. ذَكَرَهَا فِي " الْوَاضِحِ " وَالْإِقْنَاعِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَصَحَّحَ عَبْدُ الْحَقِّ: أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. لَكِنْ قَالَ الشَّرِيفُ: لَا يَصِحُّ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي كَوْنِهَا شَرْطًا، وَعَنْهُ: سُنَّةٌ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ نَشَأَ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي مِثْلِهَا، وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ الْوَحْدَةُ وَالِاجْتِمَاعُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمُقَاتَلَةُ تَارِكِهَا كَالْأَذَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَنْعَقِدُ بِاثْنَيْنِ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ، وَلَوْ أُنْثَى وَعَبْدٍ، لَا بِصَبِيٍّ فِي فَرْضٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا، وَلَوْ سَفَرًا فِي شِدَّةِ خَوْفٍ، فَلَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا مُطْلَقًا صَحَّتْ، وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ مَعَ الْعُذْرِ، وَبِدُونِهِ فِي صَلَاتِهِ فَضْلٌ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِ فِي الْأُولَى، وَلِنَقْلِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَا قِيلَ لِلْقَاضِي: عِنْدَكُمْ لَا فَضْلَ فِي صَلَاةِ الْفَذِّ؛ فَقَالَ: قَدْ تَحْصُلُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَلَا خَيْرَ فِي أَحَدِهِمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النِّيَّةِ بَيْنَهُمَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ ثُبُوتُ الْأَجْرِ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَلَا نِسْبَةَ وَلَا تَقْدِيرَ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَأَبِي الْخَطَّابِ فِيمَنْ عَادَتُهُ الِانْفِرَادُ مَعَ الْعُذْرِ، وَإِلَّا تَمَّ أَجْرُهُ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ مَنْ صَلَّى قَاعِدًا لِعُذْرٍ، لَهُ أَجْرُ الْقَائِمِ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا» قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَسَاوِيهِمَا فِي أَصْلِ الْأَجْرِ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الثَّغْرِ الِاجْتِمَاعُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَالْأَفْضَلُ   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ الْجَزَاءُ أَوِ الْفَضْلُ بِالْمُضَاعَفَةِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ، وَعَنْهُ: لَا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَمَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ إِلَى وُجُوبِهَا إِذَا اجْتَمَعَتْ، وَلَا الصِّبْيَانِ إِلَّا عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ، قَالَهُ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٍ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي وُجُوبِهَا لِفَائِتَةٍ وَالْمَنْذُورَةِ وَجْهَانِ. فَرْعٌ: لِلنِّسَاءِ حُضُورُ جَمَاعَةِ الرِّجَالِ، وَعَنْهُ: الْفَرْضُ، وَكَرِهَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ لِلشَّابَّةِ؛ وَهُوَ أَشْهَرُ، وَالْمُرَادُ الْمُسْتَحْسَنَةُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي الْجُمُعَةِ، وَغَيْرُهَا مِثْلُهَا؛ فَمَجَالِسُ الْوَعْظِ كَذَلِكَ أَوْلَى. [صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ] (وَلَهُ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) كَذَا قَالَهُ جَمْعٌ، وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَطَهُورًا؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ هُوَ السُّنَّةُ، وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ " وَ " الرِّعَايَةِ " قَرِيبٍ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ، وَزَادَ: (جَارُ الْمَسْجِدِ مَنْ أَسْمَعَهُ الْمُنَادِي) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " إِنَّ فِعْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَعَنْهُ: فَرْضُ عَيْنٍ لِإِرَادَةِ التَّحْرِيقِ. [صَلَاةُ أَهْلِ الثَّغْرِ الْجَمَاعَةَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ] (وَيُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الثَّغْرِ) هُوَ مَوْضِعُ الْمَخَافَةِ مِنْ فُرُوجِ الْبُلْدَانِ (الِاجْتِمَاعُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّهُ أَعْلَى لِلْكَلِمَةِ، وَأَوْقَعُ لِلْهَيْبَةِ، فَإِذَا جَاءَهُمْ خَبَرٌ عَنْ عَدُوِّهِمْ سَمِعَهُ جَمِيعُهُمْ، وَتَشَاوَرُوا فِي أَمْرِهِمْ، وَإِنْ جَاءَ عَيْنٌ لِلْكُفَّارِ رَأَى كَثْرَتَهُمْ بِهَا. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيَّ، لَسَمَّرْتُ أَبْوَابَ الْمَسَاجِدِ الَّتِي لِلثُّغُورِ؛ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 لِغَيْرِهِمُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ إِلَّا بِحُضُورِهِ. ثُمَّ مَا كَانَ أَكْثَرَ جَمَاعَةً، ثُمَّ فِي الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ، وَهَلِ الْأَوْلَى قَصْدُ الْأَبْعَدِ أَوِ الْأَقْرَبِ، عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] (وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِهِمُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ إِلَّا بِحُضُورِهِ) لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ ثَوَابُ عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ، وَتَحْصِيلٌ لِلْجَمَاعَةِ لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ " وَابْنُ تَمِيمٍ: وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ تُقَامُ فِيهِ مَعَ غَيْبَتِهِ، إِلَّا أَنَّ قَصَدَ غَيْره كَسْرَ قَلْبِ جَمَاعَةٍ، فَجَبْرُ قُلُوبِهِمْ أَوْلَى. (ثُمَّ مَا كَانَ أَكْثَرَ جَمَاعَةً) ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ الْأَوْلَى، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ لِمَا رَوَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ رَجُلٍ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا هُوَ أَكْثَرُ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، (ثُمَّ) إِنِ اسْتَوَيَا فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ فِعْلَهَا (فِي الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ) لِأَنَّ الطَّاعَةَ فِيهِ أَسْبَقُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَكْثَرِ جَمَاعَةً، وَقِيلَ: إِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ. قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَفِي " الْوَجِيزِ ": الْعَتِيقُ أَفْضَلُ، ثُمَّ الْأَبْعَدُ، ثُمَّ مَا تَمَّتْ جَمَاعَتُهُ. (وَهَلِ الْأَوْلَى قَصْدُ الْأَبْعَدِ أَوِ الْأَقْرَبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: قَصْدُ الْأَبْعَدِ أَفْضَلُ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى مَرْفُوعًا: «إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ أَجْرًا أَبْعَدُهُمْ مَمْشًى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِكَثْرَةِ حَسَنَاتِهِ بِكَثْرَةِ خُطَاهُ، وَالثَّانِيَةُ: قَصْدُ الْأَقْرَبِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ لَهُ جِوَارًا فَكَانَ أَحَقَّ بِصَلَاتِهِ؛ كَمَا أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ بِمَعْرُوفِ جَارِهِ، وَكَمَا لَوْ تَعَلَّقَتِ الْجَمَاعَةُ بِحُضُورِهِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمَانِ عَلَى الْأَكْثَرِ جَمْعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 رِوَايَتَيْنِ وَلَا يُؤَمُّ فِي مَسْجِدٍ قَبْلَ إِمَامِهِ الرَّاتِبِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. إِلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عُذْرُهُ انْتُظِرَ وَرُوسِلَ مَا لَمْ يُخْشَ خُرُوجُ الْوَقْتِ. فَإِنْ صَلَّى ثُمَّ أُقِيمَتِ   [المبدع في شرح المقنع] مَسْأَلَةٌ: تُقَدَّمُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ، ذَكَرُوهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ، وَهَلْ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ أَمِ انْتِظَارُ كَثْرَةِ الْجَمْعِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. [لَا يُؤَمُّ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فِي مَسْجِدِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ] (وَلَا يُؤَمُّ فِي مَسْجِدٍ قَبْلَ إِمَامِهِ الرَّاتِبِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ فِي " الْكَافِي "، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " بِأَنَّهَا تَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَتَبْطُلُ فَائِدَةُ اخْتِصَاصِهِ بِالتَّقَدُّمِ، وَمَعَ الْإِذْنِ هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَحْرُمُ؛ فَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا كَانَ سُلْطَانًا؛ فَإِنَّهُ أَحَقُّ مِنْ إِمَامِ الْمَسْجِدِ (إِلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ) «لِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ حِينَ غَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، «وَفَعَلَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مَرَّةً فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَحْسَنْتُمْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي " الْكَافِي ": يَجُوزُ مَعَ غَيْبَةِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، وَالْأَشْهَرُ لَا، إِلَّا مَعَ تَأَخُّرِهِ وَضِيقِ الْوَقْتِ. (فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عُذْرُهُ انْتُظِرَ وَرُوسِلَ) لِأَنَّ الِائْتِمَامَ بِهِ سُنَّةٌ وَفَضِيلَةٌ؛ فَلَا يُتْرَكُ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الِافْتِيَاتِ بِنَصْبِ غَيْرِهِ، وَقَيَّدَهُ فِي " الْفُرُوعِ " تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِمَا إِذَا كَانَ قَرِيبًا، وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ مَشَقَّةٌ، وَتَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ (مَا لَمْ يُخْشَ خُرُوجُ الْوَقْتِ) فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ غَيْرُهُ؛ لِئَلَّا يَفُوتَ الْوَقْتُ، وَتَصِيرَ الصَّلَاةُ قَضَاءً، وَكَذَا إِنْ كَانَ بَعِيدًا، أَوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ حُضُورُهُ، أَوْ غَلَبَ وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ صَلَّوْا. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْجَدُّ فِي فُرُوعِهِ. [صَلَّى مُنْفَرِدًا ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَعَادَهَا] (فَإِنْ صَلَّى) فَرِيضَةً، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ (ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) فِي جَمَاعَةٍ (وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ اسْتُحِبَّ لَهُ إِعَادَتُهَا، إِلَّا الْمَغْرِبَ. وَعَنْهُ: يُعِيدُهَا وَيَشْفَعُهَا   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْمَسْجِدِ) أَوْ جَاءَهُ غَيْرُ وَقْتِ نَهْيٍ، وَلَمْ يَقْصِدِ الْإِعَادَةَ، أَوْ دَخَلَ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ يُصَلُّونَ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " (اسْتُحِبَّ لَهُ إِعَادَتُهَا) ذَكَرَهُ جَمْعٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ رَغْبَتُهُ عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ فِي إِعَادَتِهَا مَعَ إِمَامِ الْحَيِّ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ مَعَ إِمَامِ الْحَيِّ، وَقَدْ سَبَقَ. وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَعَنْهُ: بَلَى مَعَ إِمَامِ الْحَيِّ بِشَرْطِهِ (إِلَّا الْمَغْرِبَ) قَدَّمَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَكُونُ بِرَكْعَةٍ، وَلَوْ كَانَ صَلَّى وَحْدَهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، (وَعَنْهُ يُعِيدُهَا) صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ حِمْدَانَ لِلْعُمُومِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ أَعَادَ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَكَانَ قَدْ صَلَّاهُنَّ فِي جَمَاعَةٍ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. (وَيَشْفَعُهُمَا بِرَابِعَةٍ) فِي الْمَنْصُوصِ: يَقْرَأُ فِيهَا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ كَالتَّطَوُّعِ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يَشْفَعُهَا؛ وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ التَّطَوُّعِ بِفَرْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَشْفَعْهَا صَحَّتْ، وَالْأَوْلَى فَرْضُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فَرِيضَةً، فَأَسْقَطَتِ الْفَرْضَ، وَكَإِعَادَتِهَا مُنْفَرِدًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَلِهَذَا يَنْوِي الْمُعَادَةَ نَفْلًا. وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ: هَلْ يَنْوِي فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَوْ إِكْمَالَ الْفَضِيلَةِ، أَوْ يُفَوِّضُ الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: يَنْوِي الْفَرْضَ، وَلَوْ كَانَتِ الْأُولَى فَرْضَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 بِرَابِعَةٍ وَلَا تُكْرَهُ إِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَا   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَنْوِي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا، وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ: كِلَاهُمَا فَرْضٌ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ إِذَا فَعَلَهُ طَائِفَةٌ ثُمَّ فَعَلَهُ طَائِفَةٌ أُخْرَى. فَرْعٌ: الْمَسْبُوقُ فِي ذَلِكَ يُتِمُّهُ بِرَكْعَتَيْنِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» ، وَقِيلَ: يُسَلِّمُ مَعَهُ. [لَا تُكْرَهُ إِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ] (وَلَا تُكْرَهُ إِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ) أَيْ: إِذَا صَلَّى إِمَامُ الْحَيِّ ثُمَّ حَضَرَ جَمَاعَةٌ أُخْرَى، اسْتُحِبَّ لَهُمْ أَنَّ يُصَلُّوا جَمَاعَةً، هَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» ، وَقَوْلِهِ: «مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَلْيُصَلِّ مَعَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَصَلَّى مَعَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُكْرَهُ لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ، وَلِأَنَّهُ مَسْجِدٌ لَهُ إِمَامٌ رَاتِبٌ، فَكُرِهَ فِيهِ إِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ؛ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقِيلَ: فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقِيلَ: الْمَسَاجِدُ الْعِظَامُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَاسْتُحِبَّ لَهُ كَالْمَسْجِدِ الَّذِي فِي مَمَرِّ النَّاسِ، وَحِينَئِذٍ يُؤَذِّنُ لَهَا وَيُقِيمُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَيُكْرَهُ قَصْدُهَا لِلْإِعَادَةِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ كَانَ صَلَّى فَرْضَهُ وَحْدَهُ، وَلِأَجْلِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِفَوْتِهَا لَهُ، لَا لِقَصْدِ الْجَمَاعَةِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَفَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِشُهُودِ تَحْرِيمِ الْإِمَامِ (فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ) فَإِنَّهُ يُكْرَهُ إِعَادَتُهَا فِيهَا، رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا؛ لِئَلَّا يَتَوَانَى النَّاسُ فِي حُضُورِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ، وَإِنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ أَتَمَّهَا إِلَّا أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ، فَيَقْطَعَهَا، وَعَنْهُ: يُتِمُّهَا وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ، وَمَنْ أَدْرَكَ   [المبدع في شرح المقنع] الرَّاتِبِ فِيهَا، وَتَعْظِيمًا لَهَا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ؛ وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ أَرْغَبُ فِي تَوْقِيرِ الْجَمَاعَةِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ فِي مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَغَيْرِهَا مَعَ كَثْرَةِ الْجَمْعِ إِلَّا مَعَ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ أَوْ أَقَلَّ. قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَفِيهِ بُعْدٌ. مَسْأَلَةٌ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ، وَجَعْلُ الثَّانِيَةِ عَنْ فَائِتَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَالْأُمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ؛ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ] «وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَكَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ عَلَى صَلَاةٍ بَعْدَ الْإِقَامَةِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ فِعْلِ نَافِلَةٍ بَعْدَ إِقَامَةِ الْفَرِيضَةِ مَعَ أَنَّ (صَلَاةَ) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، لَكِنْ بَعْدَ الْفَائِتَةِ تَجُوزُ بِشَرْطِهِ (وَإِنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ أَتَمَّهَا) خَفِيفَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ خَارِجَ مَسْجِدٍ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ شَرَعَ فِي الثَّالِثَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ سَلَّمَ عَنْهَا جَازَ (إِلَّا أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ، فَيَقْطَعُهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ فَوَاتَ جَمِيعِهَا، وَخَصَّ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِفَوَاتِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى. قَالَ ابْنُ مَنْجَا: وَكُلٌّ مُتَّجِهٌ، لَكِنْ فِي حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ نَظَرٌ (وَعَنْهُ: يُتِمُّهَا) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. [بِأَيِّ شَيْءٍ تُدْرَكُ بِهِ الْجَمَاعَةُ] (وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ) هَذَا هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَأَجْزَأَتْهُ تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْأَفْضَلُ اثْنَتَانِ. وَمَا أَدْرَكَ مَعَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً، وَكَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَنْوِيَ الصِّفَةَ الَّتِي عَلَيْهَا؛ وَهُوَ كَوْنُهُ مَأْمُومًا؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يُدْرِكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ، وَشَرْطُهُ جُلُوسُهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي التَّشَهُّدِ، وَقِيلَ: أَوْ قَبْلَ سَلَامِ الثَّانِيَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا إِلَّا بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مَعَهُ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً، وَاخْتَارَهَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَعَدُّوهَا شَيْئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ مِنَ الْأَرْكَانِ غَيْرُ الْقِيَامِ؛ وَهُوَ يَأْتِي بِهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ، ثُمَّ يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ بَقِيَّةَ الرَّكْعَةِ، وَشَرْطُ حُصُولِهَا إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهِ بِحَيْثُ يَنْتَهِي إِلَى قَدْرِ الْإِجْزَاءِ فِي الرُّكُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ، وَقِيلَ: إِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الطُّمَأْنِينَةَ. حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ: وَفِي " التَّلْخِيصِ " وَجْهٌ: يُدْرِكُهَا وَلَوْ شَكَّ فِي إِدْرَاكِهِ رَاكِعًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرُّكُوعِ؛ فَإِنْ كَبَّرَ وَالْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ، ثُمَّ لَمْ يَسْتَطِعْ حَتَّى رَفَعَ إِمَامُهُ، لَمْ يُدْرِكْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ رَفْعِهِ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَلَوْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْمَأْمُومِينَ (وَأَجْزَأَتْهُ تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ) وَهِيَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَتَسْقُطُ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ فِعْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ، فَأَجْزَأَ الرُّكْنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا، يَسْتَفْتِحُ وَيَتَعَوَّذُ، وَيَقْرَأُ السُّورَةَ. وَلَا تَجِبُ   [المبدع في شرح المقنع] عَنِ الْوَاجِبِ؛ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ. قِيلَ لِلْقَاضِي: لَوْ كَانَتْ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ وَاجِبَةً، لَمْ تَسْقُطْ؛ فَأَجَابَ: بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ الْقِرَاءَةَ وَأَسْقَطَهَا إِذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا، وَعَنْهُ: يَجِبُ مَعَهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لِوُجُوبِهَا، وَيَتَوَجَّهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِيَامٍ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؛ فَإِنْ نَوَاهُمَا بِتَكْبِيرَةٍ، لَمْ تَنْعَقِدْ. ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَّكَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ فِي النِّيَّةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَطَسَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ، فَقَالَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ عَنْهُمَا، وَعَنْهُ: بَلَى، اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ، وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الرُّكُوعِ لَا تُنَافِي نِيَّةَ الِافْتِتَاحِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَةِ، وَإِنْ نَوَى بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا (وَالْأَفْضَلُ اثْنَتَانِ) خُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: إِنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَتَيْنِ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ. فَرْعٌ: إِذَا أَدْرَكَهُ فِي غَيْرِ رُكُوعٍ، سُنَّ دُخُولُهُ مَعَهُ نَدْبًا، لِلْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَيَنْحَطُّ مَعَهُ عَنْ قِيَامٍ بِلَا تَكْبِيرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ، وَقَدْ فَاتَهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرِ، وَيَقُومُ مَسْبُوقُ تَكْبِيرٍ نَصًّا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ثَانِيَتَهُ، وَإِنْ قَامَ قَبْلَ سَلَامِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَرْجِعِ، انْقَلَبَتْ نَفْلًا فِي الْأَصَحِّ. [مَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ] (وَمَا أَدْرَكَ) الْمَسْبُوقُ (مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَصَحَّحَهُ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَاقْضُوا» ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ كَذَلِكَ، قَالَ مُسْلِمٌ: أَخْطَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ: فَاقْضُوا، وَلَا أَعْلَمُ رَوَاهَا عَنِ الزُّهْرِيِّ غَيْرُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَقَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّحْقِيقِ، وَالْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ» ، وَالْمَقْضِيُّ: هُوَ الْفَائِتُ؛ فَيَكُونُ عَلَى صِفَتِهِ (يَسْتَفْتِحُ وَيَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ السُّورَةَ) مَعَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَدْرَكَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ مَغْرِبٍ رَكْعَةً تَشَهَّدَ عَقِبَ قَضَاءِ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَنْهُ: فِي الْمَغْرِبِ فَقَطْ، وَعَنْهُ: يَتَشَهَّدُ عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ، قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَهَذِهِ صِفَةُ أَوَّلِهَا. قَالَ فِي " الْكَافِي "، وَ " الشَّرْحِ ": لِأَنَّهُمَا رَكْعَتَانِ يَقْرَأُ فِيهِمَا الْفَاتِحَةَ، وَالسُّورَةَ، وَهُمَا مُتَوَالِيَتَانِ، كَغَيْرِ الْمَسْبُوقِ، وَعَنْهُ: مَا يُدْرِكُهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ آخِرُهَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى: فَأَتِمُّوا قَضَاءً لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهَا يَتَشَهَّدُ عَقِيبَ رَكْعَةٍ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ: إِنْ تَشَهَّدَ عَقِيبَ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّ مَسْرُوقًا، وَجُنْدُبًا ذَكَرَا ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَصَوَّبَ فِعْلَ مَسْرُوقٍ، وَلَمْ يُنْكِرْ فِعْلَ جُنْدُبٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، وَيَسْتَفْتِحُ، وَيَسْتَعِيذُ، وَيَقْرَأُ السُّورَةَ فِيمَا يُدْرِكُهُ فَقَطْ، وَقِيلَ: يَقْرَأُ السُّورَةَ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، لَكِنْ بَنَى ابْنُ هُبَيْرَةَ وَجَمَاعَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ، وَمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] قِرَاءَتَهَا عَلَى الْخِلَافِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَيُخَرَّجُ عَلَيْهِ الْجَهْرُ، وَالْقُنُوتُ، وَتَكْبِيرُ الْعِيدِ، وَكَذَا التَّوَرُّكُ، وَالِافْتِرَاشُ. وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ ": لَا يُحْتَسَبُ لَهُ تَشَهُّدُ الْإِمَامِ الْأَخِيرُ إِجْمَاعًا مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ، وَلَا مِنْ آخِرِهَا، وَيَأْتِي بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَيُكَرِّرُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ إِمَامُهُ، وَيَتَوَجَّهُ فِيمَنْ قَنَتَ مَعَ إِمَامِهِ لَا يَقْنُتُ ثَانِيًا، كَمَنْ سَجَدَ مَعَهُ لِلسَّهْوِ لَا يُعِيدُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا يَقْضِيهِ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. [عَدَمُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ] (وَلَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ) أَيْ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ (عَلَى الْمَأْمُومِ) ؛ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ» . قَالَ فِي الشَّرْحِ: هَذَا إِسْنَادُهُ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ، وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ لَيْثَ بْنَ أَبِي سَلَيْمٍ، وَجَابِرًا الْجُعْفِيَّ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ مُرْسَلًا. قَالَ فِي الْأَحْكَامِ: هُوَ الصَّحِيحُ، وَصَوَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ؛ وَالْمُرَادُ بِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَى مَأْمُومٍ: أَيْ يَحْمِلُهَا الْإِمَامُ عَنْهُ، وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ. نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقَاضِي؛ كَمَا يَحْمِلُ عَنْهُ سُجُودَ سَهْوٍ وَسُتْرَةً، وَكَذَا تَشَهُّدٌ أَوَّلُ إِذَا سَبَقَهُ بِرَكْعَةِ، وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ، وَدُعَاءِ قُنُوتٍ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: تَجِبُ. ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا بُدَّ لِلْمَأْمُومِ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا: «إِنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَؤُونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ، لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ، وَقِيلَ: فِي صَلَاةِ السِّرِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 لَا يَسْمَعُهُ لِبُعْدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِطَرَشٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَهَلْ يَسْتَفْتِحُ وَيَسْتَعِيذُ   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] . قَالَ أَحْمَدُ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا أَعْلَمُ فِي السُّنَّةِ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قِرَاءَتُهُ تَكْفِيكَ. وَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ عَلَى الْفِطْرَةِ مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَدِدْتُ مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَنْ أَمْلَأَ فَاهُ تُرَابًا. رَوَى ذَلِكَ سَعِيدٌ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ) الْفَاتِحَةَ (فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ) وَلَوْ لِتَنَفُّسٍ؛ نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ، وَلَا يَضُرُّ تَفْرِيقُهَا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ لِلْإِمَامِ سَكَتَاتٍ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَفَرَاغِ الْفَاتِحَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ قَدْرَهَا، وَفَرَاغَ الْقِرَاءَةِ. وَقَالَ الْمَجْدُ: هُمَا سَكْتَتَانِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ؛ إِحْدَاهُمَا: تَخْتَصُّ بِأَوَّلِ رَكْعَةٍ لِلِاسْتِفْتَاحِ، وَالثَّانِيَةُ: عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ كُلِّهَا؛ لِيَرُدَّ إِلَيْهِ نَفَسَهُ. (وَمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مَشْرُوعَةٌ فِيهَا؛ وَإِنَّمَا تُرِكَ لِأَجْلِ التَّشْوِيشِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَسُورَةً. وَفِي " الشَّرْحِ ": يَقْرَأُ فِي الْجَهْرِ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ بِالْفَاتِحَةِ، وَفِي السِّرِّ يَقْرَأُ بِهَا، وَسُورَةٍ كَالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَلِ الْأَفْضَلُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا أَمْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَمَعَهُمَا. وَمُقْتَضَى نَصِّ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ الثَّانِي، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَلَوْ قَرَأَ حَالَ جَهْرِ إِمَامِهِ كُرِهَ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ بِالْفَاتِحَةِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَرُوِيَ عَنْ تِسْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ (أَوْ لَا يَسْمَعُهُ لِبُعْدِهِ) أَيْ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ. نَصَّ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ سَمِعَ قِرَاءَتَهُ؛ فَالْمَذْهَبُ يُكْرَهُ، وَقِيلَ: يُعِيدُ. أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ؛ فَإِنْ سَمِعَ هَمْهَمَةَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَفْهَمْ قِرَاءَتَهُ، لَمْ يَقْرَأْ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَمَنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ إِمَامِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْجَمَاعَةِ، وَعَنْهُ: بَلَى. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ وَهِيَ أَظْهَرُ. (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِطَرَشٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ "، وَكَذَا فِي " الْفُرُوعِ ". وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الْأُطْرُوشِ، هَلْ يَقْرَأُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَظَاهِرُهُ التَّوَقُّفُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ بَعِيدًا قَرَأَ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا؛ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُ، فَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِالْإِنْصَاتِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَشْغَلْ غَيْرَهُ عَنِ الِاسْتِمَاعِ، وَيُخَلِّطْ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَالثَّانِي: يُكْرَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشْوِيشِ عَلَى الْمُصَلِّينَ. (وَهَلْ يَسْتَفْتِحُ وَيَسْتَعِيذُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ. قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ إِمَامِهِ قَامَتْ مَقَامَ قِرَاءَتِهِ، بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ إِمَامِهِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِيَةُ: يُكْرَهَانِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّا أَنَّهَا هِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ عَنِ الْقِرَاءَةِ؛ وَهِيَ أَهَمُّ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ التَّعَوُّذُ فَقَطْ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ التَّعَوُّذَ إِنَّمَا شُرِعَ مِنْ أَجْلِ الْقِرَاءَةِ، فَإِذَا سَقَطَتْ سَقَطَ التَّبَعُ، بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ عَنِ الْإِنْصَاتِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُمَا يُسَنَّانِ فِي صَلَاةِ السِّرِّ. نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِهِ بَعْدَهُ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إِلَّا الْقَاضِي،   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا جَهِلَ مَا قَرَأَ بِهِ إِمَامُهُ لَمْ يَضُرَّ، وَقِيلَ: يُتِمُّهَا وَحْدَهُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ. نَقَلَ ابْنُ أَصْرَمَ: يُعِيدُ. فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَدْرِ هَلْ قَرَأَ الْحَمْدَ أَمْ لَا، وَلَا مَانِعَ مِنَ السَّمَاعِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بَلْ لِتَرْكِهِ الْإِنْصَاتَ الْوَاجِبَ. [حُكْمُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ] (وَمَنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ إِمَامِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِهِ بَعْدَهُ) الْأَوْلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» . وَقَالَ الْبَرَاءُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ كَبَّرَ مَعَهُ لِلْإِحْرَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِمَنْ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَلَّمَ مَعَهُ كُرِهَ وَصَحَّ، وَقِيلَ: لَا، كَسَلَامِهِ قَبْلَهُ بِلَا عُذْرٍ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، يُعِيدُهُ بَعْدَهُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَإِنْ فَعَلَ الْبَاقِيَ مَعَهُ، كُرِهَ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الرُّكْنِ. ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِي (الْمُبْهِجِ) : تَبْطُلُ، وَبَعَّدَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَقِيلَ: إِنْ سَارَقَهُ بِالرُّكُوعِ بَطَلَتْ، لَا بِغَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَهُ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 فَإِنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ إِمَامِهِ عَالِمًا عَمْدًا فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ، وَهَلْ تَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ رَكَعَ   [المبدع في شرح المقنع] يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: تَبْطُلُ، وَفِي " الْكَافِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ. فَعَلَى هَذَا، مَتَى سَبَقَهُ بِالرُّكُوعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِيَرْكَعَ مَعَهُ؛ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لِيَأْتِيَ بِهِ بَعْدَهُ. (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا) أَيْ: لَمْ يَعُدْ حَتَّى لَحِقَ الْإِمَامَ فِيهِ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) حَكَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " قَوْلًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا. (إِلَّا الْقَاضِيَ) فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلْ عِنْدَهُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَذَكَرَ فِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّهُ سَبْقٌ يَسِيرٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الرُّكْنِ الْمَقْصُودِ، وَعَلَى هَذَا إِنْ عَادَ بَطَلَتْ فِي وَجْهٍ، وَبَعَّدَهُ ابْنُ حِمْدَانَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا أَنَّهَا تَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ (فَإِنْ) سَبَقَهُ بِرَكْنٍ مِثْلَ إِنْ (رَكَعَ، وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ إِمَامِهِ عَالِمًا عَمْدًا فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: تَبْطُلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ كَامِلٍ؛ وَهُوَ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَبَقَهُ بِالسَّلَامِ، وَلِلنَّهْيِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ. ذَكَرَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ، أَشْبَهَ الَّتِي قَبْلَهَا، فَعَلَى هَذِهِ: لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِتَلْكَ الرَّكْعَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَهُ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرُّكُوعَ رُكْنٌ، وَعَنْهُ: كَاثْنَيْنِ (وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ» . (وَهَلْ تَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ) إِذَا فَاتَهُ ذَلِكَ مَعَ إِمَامِهِ؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ، ثُمَّ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِهِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِلَّا الْجَاهِلَ وَالنَّاسِيَ تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا، وَتَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ مَعَ إِتْمَامِهَا،   [المبدع في شرح المقنع] الْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَبْطُلُ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا فَاتَهُ مَعَ إِمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِإِمَامِهِ فِي الرُّكُوعِ، أَشْبَهَ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تُلْغَى، بَلْ يَعْتَدُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَكَمَا لَوْ كَانَ عَامِدًا، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ بِالسَّبْقِ بِرُكْنٍ غَيْرِ الرُّكُوعِ. قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَخَرَّجَ مِنْهَا الْأَصْحَابُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ مَعَ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ عَامِدٌ، وَالْجَهْلُ بِالْحَظْرِ لَا يُبِيحُ الْمَحْظُورَ؛ فَإِنْ سَبَقَهُ بِرَكْعَتَيْنِ بِأَنْ (رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ، ثُمَّ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِهِ) عَمْدًا (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِإِمَامِهِ فِي أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ (إِلَّا الْجَاهِلَ وَالنَّاسِيَ تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِالصَّلَاةِ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي يُعْذَرَانِ فِيهِ لِلْخَبَرِ. (وَتَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِإِمَامِهِ فِيهَا، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ مَعَ إِمَامِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حِمْدَانَ وَالْجَدُّ: وَأَمَّا السَّبْقُ بِالْأَقْوَالِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَالسَّلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": إِذَا سَبَقَ إِمَامَهُ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ لَمْ يَضُرَّهُ إِلَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ؛ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَهُ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَخَّرَ بِمَا عَدَاهَا، وَحُكْمُ التَّخَلُّفِ عَنِ الْإِمَامِ بِرُكْنٍ أَوْ أَكْثَرَ يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. فَرْعٌ: إِذَا تُرِكَتْ مُتَابَعَةُ إِمَامِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ؛ فَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ لِعُذْرٍ تَابَعَهُ، وَقَضَى كَمَسْبُوقٍ. [اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ للْإِمَامِ مَعَ إِتْمَامِهَا] (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ مَعَ إِتْمَامِهَا) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وَتَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنَ الثَّانِيَةِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ انْتِظَارُ دَاخِلٍ فِي الرُّكُوعِ   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَّةِ» ، وَلِحَدِيثِ مُعَاذٍ؛ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَسَائِرِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يُؤْثِرَ الْمَأْمُومُ التَّطْوِيلَ، وَعَدَدُهُمْ مُنْحَصِرٌ؛ وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ، مَعَ أَنَّهُ سَبَقَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْفَجْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَيُكْرَهُ سُرْعَةٌ تَمْنَعُ الْمَأْمُومَ فِعْلَ مَا يُسَنُّ. قَالَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» (وَتَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى) مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ (أَكْثَرَ مِنَ الثَّانِيَةِ) لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطَوِّلُهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِيَلْحَقَهُ الْقَاصِدُ إِلَيْهَا؛ لِئَلَّا يَفُوتَهُ مِنَ الْجَمَاعَةِ شَيْءٌ؛ فَإِنْ طَوَّلَ الثَّانِيَةَ عَنْهَا، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا (كَالْغَاشِيَةِ) مَعَ (سَبِّحْ) فَلَا أَثَرَ لَهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ طَوَّلَ قِرَاءَةَ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى: يُجْزِئُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْعَلَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِذَا اسْتَأْذَنَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَسْجِدِ، كُرِهَ مَنْعُهَا. وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا.   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ خَوْفٍ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، كَانَتِ الثَّانِيَةُ أَطْوَلَ (وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ انْتِظَارُ دَاخِلٍ فِي الرُّكُوعِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) بَلْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ انْتِظَارَهُ تَشْرِيكٌ فِي الْعِبَادَةِ، فَلَمْ يُشْرَعْ كَالرِّيَاءِ، وَيَتَخَرَّجُ بُطْلَانُهَا فِي تَشْرِيكِهِ فِي نِيَّةِ خُرُوجِهِ مِنْهَا. وَالثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ. قَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ انْتِظَارٌ يَنْفَعُ وَلَا يَشُقُّ، فَشُرِعَ كَتَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ، وَكَالِانْتِظَارِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى مُتَابِعِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ. زَادَ الشَّيْخَانِ: أَوْ يَكْثُرُ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ، زَادَ جَمَاعَةٌ: أَوْ طَالَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالصَّلَاةِ مَعَهُ، لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَجَمْعٌ: وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ دَاخِلٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ جَائِزٌ، وَلَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ، وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُ مَنْ كَانَ ذَا حُرْمَةٍ كَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَنُظَرَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ، فَلَوْ أَحَسَّ بِدَاخِلٍ حَالَ الْقِيَامِ فَكَالرُّكُوعِ. ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَفِي حَالِ تَشَهُّدِهِ وَجْهَانِ: وَظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ " مُطْلَقًا، وَفِي " الْخِلَافِ ": لَا فِي السُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَعْتَدُّ بِهِ. [كَرَاهَةُ مَنْعِ الْمَرْأَةِ مِنَ الذَّهَابِ لِلْمَسْجِدِ] (وَإِذَا اسْتَأْذَنَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَسْجِدِ كُرِهَ مَنْعُهَا) صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَتَخْرُجُ غَيْرَ مُتَطَيِّبَةٍ، لِهَذَا الْخَبَرِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَتُهُ كَامْرَأَتِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ لَهَا حُضُورَ صَلَاةِ الرِّجَالِ جَمَاعَةً لِلْخَبَرِ، وَعَنْهُ: الْفَرْضُ، وَكَرِهَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ لِلشَّابَّةِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ اتِّفَاقًا، وَالْمُرَادُ لِلْمُسْتَحْسَنَةِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ بِهَا. قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ، لِظُهُورِ الْفَسَادِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي الْجُمُعَةِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِي غَيْرِهَا مِثْلُهَا، وَإِنَّ مَجَالِسَ الْوَعْظِ كَذَلِكَ وَأَوْلَى، (وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا) أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ؛ وَهُوَ مُرَادٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ لِلْأَخْبَارِ الْخَاصَّةِ فِي النِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَرَوَى أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَارُونُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي، قَالَتْ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى بَيْتٍ مِنْ بَيْتِهَا، وَأَتَتْهُ، فَكَانَتْ تُصْلِي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَطْلَقَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الرِّعَايَةِ " أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَبِالْمَدِينَةِ بِخَمْسِينَ أَلْفًا، وَبِالْأَقْصَى نِصْفُهُ؛ لِخَبَرِ أَنَسٍ. فَيَكُونُ الْمُرَادُ غَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا، فَلَا تَعَارُضَ، وَكَذَا مُضَاعَفَةُ النَّفْلِ عَلَى غَيْرِهَا، لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ أَنَّ النَّافِلَةَ بِالْبَيْتِ أَفْضَلُ لِلْأَخْبَارِ، وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مُرَادٌ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ، وَهَذَا أَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُمُ التَّفْضِيلُ الْمَذْكُورُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، أَوْ إِلَى غَيْرِ الْبُيُوتِ، فَلَمْ تَدْخُلِ الْبُيُوتُ، فَلَا تَعَارُضَ. 1 - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مَسَائِلُ: الْجِنُّ مُكَلَّفُونَ فِي الْجُمْلَةِ؛ يَدْخُلُ كَافِرُهُمُ النَّارَ، وَمُؤْمِنُهُمُ الْجَنَّةَ، لَا أَنَّهُ تَصِيرُ تُرَابًا كَالْبَهَائِمِ، وَثَوَابُهُ النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ، وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَغَيْرِهِمْ بِقَدْرِ ثَوَابِهِمْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا يَأْكُلُونَ، وَلَا يَشْرَبُونَ فِيهَا، أَوْ أَنَّهُمْ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ، وَلَمْ يُبْعَثْ إِلَيْهِمْ نَبِيٌّ قَبْلَ نَبِيِّنَا، وَلَيْسَ مِنْهُمْ رَسُولٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: بَلَى؛ وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: هُمْ كَالْإِنْسِ فِي التَّكْلِيفِ، وَالْعِبَادَاتِ، وَفِي النَّوَادِرِ تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ بِالْمَلَائِكَةِ، وَبِمُسْلِمِي الْجِنِّ؛ وَهُوَ مَوْجُودٌ زَمَنَ النُّبُوَّةِ، وَالْمُرَادُ فِي الْجُمُعَةِ مَنْ لَزِمَتْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَنْعَقِدُ بِآدَمِيٍّ لَا تَلْزَمُهُ، كَمُسَافِرٍ وَصَبِيٍّ. فَهُنَا أَوْلَى. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُمْ كَالْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، فَلَا يَكُونُ تَكْلِيفُهُمْ مُسَاوِيًا لِمَا عَلَى الْإِنْسِ، لَكِنْ يُشَارِكُونَهُمْ فِي جِنْسِ التَّكْلِيفِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، بِلَا نِزَاعٍ؛ فَقَدْ يَدُلُّ عَلَى مُنَاكَحَتِهِمْ، وَغَيْرِهَا، وَيَقْتَضِيهِ إِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِجِنِّيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ كَالْهِبَةِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ مِنِ انْتِفَاءِ التَّمْلِيكِ مِنَّا مَنْعُ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ، وَإِذَا صَحَّ نِكَاحُ جِنِّيَّةٍ، فَهِيَ فِي الْحُقُوقِ كَآدَمِيَّةٍ، لِظَاهِرِ الشَّرْعِ، إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ ذَلِكَ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ: إِنَّ مَا بِيَدِهِمْ مِلْكُهُمْ مَعَ إِسْلَامِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ كَالْحَرْبِيِّ، وَيَجْرِي التَّوَارُثُ الشَّرْعِيُّ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمْ مَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْآدَمِيِّ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: أَنَّهُمْ فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ كَذَلِكَ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ظُلْمُ الْإِنْسِ، وَظُلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَيَسْقُطُ فَرْضُ غُسْلِ مَيِّتٍ بِغُسْلِهِمْ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلَهُ كُلُّ فَرْضِ كِفَايَةٍ إِلَّا الْأَذَانَ، وَكَذَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 فَصْلٌ فِي الْإِمَامَةِ السُّنَّةُ أَنْ يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ. ثُمَّ أَفْقَهُهُمْ، ثُمَّ أَسَنُّهُمْ، ثُمَّ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، ثُمَّ أَشْرَفُهُمْ،   [المبدع في شرح المقنع] لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَعَدَمِ الْمَانِعِ، وَلِعَدَمِ اعْتِبَارِ التَّكْلِيفِ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. خَصَّ الْأُذُنَ لِأَنَّهَا حَاسَّةُ الِانْتِبَاهِ. قِيلَ: ظَهَرَ عَلَيْهِ وَسَخِرَ مِنْهُ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَقَيْئِهِ، فَيَكُونُ بَوْلُهُ وَقَيْؤُهُ طَاهِرًا؛ وَهُوَ غَرِيبٌ. [فَصْلٌ فِي الْإِمَامَةِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا] فَصْلٌ فِي الْإِمَامَةِ (السُّنَّةُ أَنَّ يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ) هَذَا ظَاهِرُ " الْمَذْهَبِ "، وَجَزَمَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا» ، وَفِي لَفْظٍ: سلما: «وَلَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَمَّا اسْتَخْلَفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ» ، صَحَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْرَؤُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَعَلَّمُونَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَعَانِيَهُ، وَمَا يُرَادُ بِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا عَلِمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يَتَجَاوَزْهُنَّ حَتَّى يَعْلَمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مَعَانِيَهُنَّ، وَالْعَمَلَ بِهِنَّ. لَكِنْ أَجَابَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ فِي تَقْدِيمِهِ مَعَ تَقَدُّمِ قَوْلِهِ: «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ» أَرَادَ بِهِ الْخِلَافَةَ، وَمُرَادُهُ بِالْأَقْرَأِ: أَجْوَدُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ، فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمَنْ قَرَأَ وَلَحَنَ فِيهِ فَلَهُ بِكُلِّ حِرَفٍ حَسَنَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ فِي الْأَجْرِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَكْثَرُ قُرْآنًا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا» ، وَعَلَيْهِمَا إِذَا عَرَفَ وَاجِبَ الصَّلَاةِ، وَمَا يَحْتَاجُهُ فِيهَا، وَقِيلَ: وَسُجُودُ السَّهْوِ، وَقِيلَ: وَجَاهِلٌ يَأْتِي بِهَا عَادَةً، وَالْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، إِذَا كَانَ يَقْرَأُ مَا يَكْفِي فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنُوبُهُ فِي الصَّلَاةِ مَا لَا يَدْرِي مَا يَفْعَلُ فِيهِ إِلَّا بِالْفِقْهِ، فَقُدِّمَ كَالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَالْحُكْمِ، (ثُمَّ أَفْقَهُهُمْ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ فَقِيهَانِ قَارِئَانِ، وَأَحَدُهُمَا أَفْقَهُ أَوْ أَقْرَأُ قُدِّمَ، فَإِنْ كَانَا قَارِئَيْنِ، قُدِّمَ أَجْوَدُهُمَا قِرَاءَةً، وَأَكْثَرُهُمَا، وَيُقَدَّمُ قَارِئٌ لَا يَعْرِفُ أَحْكَامَ صَلَاتِهِ عَلَى فَقِيهٍ أُمِّيٍّ، فَإِنِ اجْتَمَعَ فَقِيهَانِ أَحَدُهُمَا أَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ قُدِّمَ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُؤَثِّرُ فِي تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ (ثُمَّ أَسَنُّهُمُ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ أَشْهَرَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ (ثُمَّ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً) لِلْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ هِجْرَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، قِيلَ: بِنَفْسِهِ، وَقِيلَ: بِآبَائِهِ، وَقِيلَ: بِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ فَقُدِّمَ بِهِ، وَسَبْقُ الْإِسْلَامِ كَالْهِجْرَةِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ " (ثُمَّ أَشْرَفُهُمْ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 ثُمَّ الْأَتْقَى، ثُمَّ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقَرْعَةُ، وَصَاحِبُ الْبَيْتِ، وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ أَحَقُّ   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ، وَقَالَ: «قَدِّمُوا قُرَيْشًا، وَلَا تُقَدِّمُوهَا» ، وَالنَّسَبُ يَكُونُ بِعُلُوِّ النَّسَبِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " فَعَلَيْهِ تُقَدَّمُ بَنُو هَاشِمٍ ثُمَّ قُرَيْشٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: يُقَدَّمُ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً ثُمَّ الْأَسَنُّ ثُمَّ الْأَشْرَفُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ ". وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ ثُمَّ الْأَشْرَفُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْأَشْرَفُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً ثُمَّ الْأَسَنُّ، عَكْسُ مَا فِي الْمَتْنِ (ثُمَّ الْأَتْقَى) وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِجَابَةِ، وَقَدْ وَرَدَ: إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، لَمْ يَزَالُوا فِي سَفَالٍ. ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: ثُمَّ الْأَتْقَى، وَالْأَوْرَعُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمَانِ عَلَى الْأَشْرَفِ، وَذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَلِأَنَّ شَرَفَ الدِّينِ خَيْرٌ مِنْ شَرَفِ الدُّنْيَا (ثُمَّ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقَرْعَةُ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَ " التَّلْخِيصِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَقْرَعَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْأَذَانِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، فَالْإِمَامَةُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، ثُمَّ اخْتِيَارُ الْجَمَاعَةِ فِي رِوَايَةٍ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ بِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ "، فَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْجَمَاعَةُ عُمِلَ بِالْأَكْثَرِ، فَإِنِ اسْتَوَوْا، قِيلَ: يُقْرَعُ، وَقِيلَ: يَخْتَارُ السُّلْطَانُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وِفَاقًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 بِالْإِمَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ ذَا سُلْطَانٍ. وَالْحُرُّ أَوْلَى مِنَ الْعَبْدِ، وَالْحَاضِرُ أَوْلَى   [المبدع في شرح المقنع] لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَقِيلَ: وَالْخِلْقَةُ وِفَاقًا لِمَالِكٍ، وَزَادَ: بِحُسْنِ اللِّبَاسِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ. (وَصَاحِبُ الْبَيْتِ) بِشَرْطِهِ (وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) مِنَ الْكُلِّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَى أَرْضًا لَهُ عِنْدَهَا مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ مَوْلًى لَهُ، فَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ مَعَهُمْ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ فَأَبَى، وَقَالَ: صَاحِبُ الْمَسْجِدِ أَحَقُّ، وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ غَيْرِهِ افْتِئَاتًا، وَكَسْرًا لِقَلْبِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّمَا يَكُونُ أَوْلَى مَعَ التَّسَاوِي، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُمَا لِلْأَفْضَلِ مِنْهُمَا، وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْأَوْلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُقَدَّمُ عَلَى عَبْدِهِ فِي بَيْتِ الْعَبْدِ، لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، رَوَاهُ صَالِحٌ، وَلِعُمُومِ وِلَايَتِهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ ذَا سُلْطَانٍ) فَهُوَ أَوْلَى فِي الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَمَّ عُتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ، وَأَنَسًا فِي بُيُوتِهِمَا» ، وَلِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً، وَكَذَا الْوَالِي مِنْ قِبَلِهِ، زَادَ فِي " الْكَافِي ": وَنَائِبُهُمَا، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ السُّلْطَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَلِيفَتِهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا أَنَّهُمَا يُقَدَّمَانِ عَلَيْهِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ» ، وَلِأَنَّ وِلَايَةَ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ خَاصَّةٌ، وَإِمَامَةُ السُّلْطَانِ عَامَّةٌ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَصَرَّفُ السُّلْطَانُ إِلَّا بِالْغِبْطَةِ، كَالْوَكِيلِ، بِخِلَافِ الْمَالِكِ فَافْتَرَقَا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: صَاحِبُ الْبَيْتِ وَحْدَهُ أَحَقُّ بِهَا؛ وَهُوَ أَوْلَى. فَرْعٌ: مُعِيرٌ وَمُسْتَأْجِرٌ أَوْلَى فِي الْأَصَحِّ مِنْ مُسْتَعِيرٍ، وَمُؤَجِّرٍ، وَفِي " الْوَجِيزِ ": وَسَاكِنُ الْبَيْتِ أَحَقُّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَالِكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 مِنَ الْمُسَافِرِ. وَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنَ الْأَعْمَى فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهَلْ تَصِحُّ إِمَامَةُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَالْحُرُّ أَوْلَى مِنَ الْعَبْدِ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي أَحْكَامِهِ، وَأَشْرَفُ، وَيَصْلُحُ إِمَامًا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، وَلَوْ تَبَعَّضَ، وَعَنْهُ: الْعَبْدُ أَوْلَى إِنْ كَانَ أَفْضَلَ أَوْ أَدْيَنَ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ صِحَّةَ إِمَامَتِهِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا غُلَامٌ لَهَا، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَلِعُمُومِ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ» وَصَلَّى ابْنُ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةُ، وَأَبُو ذَرٍّ وَرَاءَ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ وَهُوَ عَبْدٌ، رَوَاهُ صَالِحٌ فِي مَسَائِلِهِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْأَذَانِ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا كَالْحُرِّ، فَعَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَالْحَاضِرُ أَوْلَى مِنَ الْمُسَافِرِ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَمَّ حَصَلَ جَمِيعُ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ بِخِلَافِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ إِمَامًا فَهُوَ أَحَقُّ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عَامَ الْفَتْحِ، وَيَقُولُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ: صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا سَفَرٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، فَعَلَى هَذَا يُتِمُّهَا الْمُقِيمُ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَسْبُوقٍ، فَإِنْ أَتَمَّ الْمُسَافِرُ فَرِوَايَتَا مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَلَيْسَ بِمُتَنَفِّلٍ، وَصَحَّحَ فِي " الشَّرْحِ " الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ، فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ فَرْضًا، فَعَلَى هَذَا لَا تُكْرَهُ إِمَامَتُهُ بِمُسَافِرٍ، كَعَكْسِهِ، وَفِي " الْفُصُولِ ": إِنْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ احْتَمَلَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ؛ لِأَنَّ الِائْتِمَامَ لَزِمَهُ حُكْمًا (وَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنَ الْأَعْمَى فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى تَوَقِّي النَّجَاسَاتِ، وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِاجْتِهَادِهِ، وَالثَّانِي: يُقَدَّمُ الْأَعْمَى؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَخْشَعُ لِكَوْنِهِ لَا يَشْتَغِلُ فِي الصَّلَاةِ بِمَا يُلْهِيهِ، وَعَنْهُ: هُمَا سَوَاءٌ، وَقَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْخُشُوعَ مَعَ تَوَقِّي النَّجَاسَةِ يَتَقَابَلَانِ، فَيَتَسَاوَيَانِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَصِيرَ لَوْ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ كُرِهَ لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 الْفَاسِقِ وَالْأَقْلَفِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَفِي إِمَامَةِ أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ وَجْهَانِ وَلَا تَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ فَضِيلَةً لَكَانَ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهُ يُحَصِّلُ بِتَغْمِيضِهِ مَا يُحَصِّلُهُ الْأَعْمَى، فَإِنْ كَانَ الْأَعْمَى أَصَمَّ، فَفِي صِحَّةِ إِمَامَتِهِ وَجْهَانِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا تُكْرَهُ إِمَامَتُهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ يُصَلِّي بِهِمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِإِمَامَةِ الْبَدَوِيِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ إِمَامَتُهُ، وَيُقَدَّمُ الْحَضَرِيُّ، وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ مَنْ يُصْرَعُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَمَنْ تُضْحِكُ صُورَتُهُ أَوْ رُؤْيَتُهُ، وَقِيلَ: وَالْأَمْرَدُ، وَفِي " الْمُذْهَبِ " وَغَيْرِهِ: وَإِمَامَةُ مَنِ اخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ إِمَامَتِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: تُكْرَهُ إِمَامَةُ الْمُوَسْوَسِ؛ وَهُوَ مُتَّجَهٌ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ عَامِّيٌّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا. قَالَ فِي " الْمُذْهَبِ ": وَالْمُتَوَضِّئُ أَوْلَى مِنَ الْمُتَيَمِّمِ. [حُكْمُ إِمَامَةِ الْفَاسِقِ وَالْأَقْلَفِ وَأَقْطَعِ الْيَدَيْنِ] (وَهَلْ تَصِحُّ إِمَامَةُ الْفَاسِقِ وَالْأَقْلَفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ إِمَامَةُ الْفَاسِقِ مُطْلَقًا، قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ " الْفُرُوعِ "، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهَا الْأَشْهَرُ، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: وَهِيَ اخْتِيَارُ الْمَشَايِخِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وَلِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا يَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ سُلْطَانٌ يَخَافُ سَوْطَهُ وَسَيْفَهُ» وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِخْبَارُهُ لِمَعْنًى فِي دِينِهِ، أَشْبَهَ الْكَافِرَ، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَى شَرَائِطِ الصَّلَاةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ، فَمَتَى كَانَ يُعْلِنُ بِبِدْعَتِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِهَا، وَيُنَاظِرُ عَلَيْهَا، لَمْ يَصِحَّ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُصَلَّى خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إِذَا كَانَ دَاعِيَةً، أَيْ: يُظْهِرُهَا، وَيَدْعُو إِلَيْهَا، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْمُؤَلِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ، وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُعْلِنُ بِبِدْعَتِهِ أَوْ بِسُكْرٍ أَعَادَ، فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ أَنَّ الْبُطْلَانَ مُخْتَصٌّ بِظَاهِرِ الْفِسْقِ دُونَ خَفِيِّهِ. قَالَ فِي " الْوَجِيزِ ": لَا يَصِحُّ خَلْفَ الْفَاسِقِ الْمَشْهُورِ فِسْقُهُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ؛ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ - مُطْلَقًا. فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ خَلْفَ عَدْلٍ اسْتَنَابَهُ، وَلَا إِعَادَةَ فِي الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ وَحْدَهُ عَدْلًا فَوَجْهَانِ، صَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَخَالَفَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يَؤُمُّ فَاسِقٌ فَاسِقًا، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، بِخِلَافِ الْأُمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ رَفْعُ مَا عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ، وَالْفِسْقُ يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، وَيُعِيدُ فِي الْمَنْصُوصِ إِذَا عَلِمَ فِسْقَهُ، وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ الْجُمُعَةُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تُصَلَّى خَلْفَهُ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ، فَالْمَنْعُ مِنْهَا خَلْفَهُ يُؤَدِّي إِلَى تَفْوِيتِهَا دُونَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، نَعَمْ لَوْ أُقِيمَتْ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا عَدْلٌ فَعَلَهَا وَرَاءَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِعَادَةَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ كَغَيْرِهَا، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: وَعَنْهُ: لَا إِعَادَةَ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": هِيَ الْأَشْهَرُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَأْمُورٌ بِهَا كَغَيْرِهَا، وَكَذَا إِنْ خَافَ فِتْنَةً أَوْ أَذًى صَلَّى خَلْفَهُ وَأَعَادَ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَوَى الِانْفِرَادَ وَوَافَقَهُ فِي أَفْعَالِهَا، لَمْ يُعِدْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَلْحَقَ الْمُؤَلِّفُ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " الْعِيدَ بِالْجُمُعَةِ، وَالثَّانِيَةُ: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، ذَكَرَ الشَّرِيفُ أَنَّهَا قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، وَوَاثِلَةُ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: مَكْحُولٌ لَمْ يَلْقَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ، وَضَعَّفَ فِي " التَّحْقِيقِ " إِسْنَادَهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَصَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَكَمَا تَصِحُّ مَعَ فِسْقِ الْمَأْمُومِ، وَعَنْهُ: فِي نَفْلٍ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا إِمَامَةُ الْأَقْلَفِ فَعَنْهُ: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَهُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ غَسَلَهَا، وَإِلَّا عُفِيَ عَنْ إِزَالَتِهَا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لنَجَاسَةٍ ظَاهِرَةٍ يُمْكِنُهُ إِزَالَتُهَا، وَهَلْ ذَلِكَ لِتَرْكِ الْخِتَانِ الْوَاجِبِ أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: إِنْ كَثُرَتْ إِمَامَتُهُ لَمْ تَصِحَّ، وَعَلَى الْمَنْعِ تَصِحُّ إِمَامَتُهُ بِمِثْلِهِ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ: إِنْ لَمْ يَجِبِ الْخِتَانُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَارِئٌ غَيْرَهُ. فَرَوْعٌ: الْأَوَّلُ: تَصِحُّ خَلْفَ مَنْ خَالَفَ فِي فَرْعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، مَعَ شِدَّةِ الْخِلَافِ، مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمْ تَرَكُوا رُكْنًا أَوْ شَرْطًا، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ شَارِبِ نَبِيذٍ مُعْتَقِدًا حِلَّهُ رِوَايَتَيْنِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى خَلْفَ مَنْ يَقُولُ: الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ أَوْ يُجِيزُ رِبَا الْفَضْلِ. الثَّانِي: إِذَا تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا عِنْدَ الْمَأْمُومِ، فَعَنْهُ يُعِيدُ الْمَأْمُومُ، اخْتَارَهُ جَمْعٌ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إِمَامِهِ، كَمَا لَوِ اعْتَقَدَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَبَانَ خِلَافُهُ، وَعَنْهُ: لَا يُعِيدُ، اخْتَارَهُ المُؤَلِّفُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَالْإِمَامِ، وَكَعِلْمِ الْمَأْمُومِ لَمَّا سَلَّمَ فِي الْأَصَحِّ. الثَّالِثُ: إِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ عَمْدًا مَا يَعْتَقِدُهُ وَحْدَهُ وَاجِبًا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا، وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] السَّامِرِيُّ: تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ إِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ بِحَالِ الْإِمَامِ. الرَّابِعُ: إِذَا تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا أَوْ وَاجِبًا مُخْتَلَفًا فِيهِ بِلَا تَأْوِيلٍ وَلَا تَقْلِيدٍ، أَعَادَ، ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ إِجْمَاعًا لِتَرْكِهِ فَرْضَهُ، وَلِهَذَا أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ بِالْإِعَادَةِ، وَعَنْهُ: لَا، لِخَفَاءِ الطُّرُقِ، وَعَنْهُ: إِنْ طَالَ. الْخَامِسُ: إِذَا فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَإِنْ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ فَسَقَ، وَإِنْ لَمْ يُدَاوِمْ، فَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الصَّغَائِرِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ أَنَّهُ يَفْسُقُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَوْ شَرِبَ النَّبِيذَ عَامِّيٌّ بِلَا تَقْلِيدٍ لِعَالِمٍ فَسَقَ؛ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ لَا يَعْلَمُ جَوَازَهُ، وَيَفْسُقُ إِنْ كَانَ مِمَّا يَفْسُقُ بِهِ. (وَفِي إِمَامَةِ أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا (وَجْهَانِ) وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ، حَكَاهُمَا الْآمِدِيُّ، إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِرُكْنٍ فِي الصَّلَاةِ، كَقَطْعِ الْأَنْفِ، وَالثَّانِي: لَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ لِإِخْلَالِهِ بِالسُّجُودِ عَلَى عُضْوٍ، وَقِيلَ: إِنْ كَثُرَتْ إِمَامَتُهُ، وَحُكْمُ أَقْطَعِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِمَامَتُهُ بِمِثْلِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي "، وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 الصَّلَاةُ خَلْفَ كَافِرٍ. وَلَا أَخْرَسَ، وَلَا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، وَلَا عَاجِزٍ عَنِ الرُّكُوعِ   [المبدع في شرح المقنع] بِأَنَّهَا تُكْرَهُ إِمَامَةُ مَنْ قُطِعَ أَنْفُهُ [مَنْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ] (وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ كَافِرٍ) وِفَاقًا؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ وَالْوُضُوءِ، وَهُمَا لَا يَصِحَّانِ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ ائْتَمَّ بِمَجْنُونٍ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِكُفْرِهِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يَخْفَى غَالِبًا، فَالْجَاهِلُ بِهِ مُفَرِّطٌ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِنْ كَانَ يُسِرُّهُ، وَعَلَى هَذَا لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، كَمَا لَوِ ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ الْمُحْدِثَ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَعْلَمَ حَدَثَ نَفْسِهِ، وَالْكَافِرُ يَعْلَمُ حَالَ نَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَصَلَّى خَلْفَهُ فَقَالَ بَعْدَ الصَّلَاةِ: هُوَ كَافِرٌ لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهَا؛ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ هُوَ كَافِرٌ تَهَزُّؤًا، فَنَصُّهُ: يُعِيدُ الْمَأْمُومُ، كَمَنْ ظَنَّ كُفْرَهُ أَوْ حَدَثَهُ فَبَانَ خِلَافُهُ، وَقِيلَ: لَا، كَمَنْ جَهِلَ حَالَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْمُصَلِّينَ الْإِسْلَامُ، سِيَّمَا إِذَا كَانَ إِمَامًا، وَإِنْ عُلِمَ لَهُ حَالَانِ أَوْ إِفَاقَةٌ وَجُنُونٌ لَمْ يُدْرَ فِي أَيِّهِمَا ائْتَمَّ، وَأَمَّ فِيهِمَا، فَفِي الْإِعَادَةِ أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: إِنْ عَلِمَ قَبْلَ الصَّلَاةِ إِسْلَامَهُ، وَشَكَّ فِي رِدَّتِهِ لَمْ يُعِدْ، وَإِلَّا أَعَادَ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَلَا أَخْرَسَ) لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِفَرْضٍ الصَّلَاةِ، كَالْمُضْطَجِعِ يَؤُمُّ الْقَائِمَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَلَوْ بِمِثْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ مَأْيُوسٌ مِنْ نُطْقِهِ، وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ "، وَ " الْكَافِي " أَنَّهَا تَصِحُّ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قِيَاسًا عَلَى الْأُمِّيِّ وَالْعَاجِزِ عَنِ الْقِيَامِ يَؤُمُّ مِثْلَهُ (وَلَا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ) لِأَنَّ فِي صَلَاتِهِ خَلَلًا غَيْرَ مَجْبُورٍ بِبَدَلٍ؛ لِكَوْنِهِ يُصَلِّي مَعَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْحَدَثُ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوِ ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ يَعْلَمُ بِحَدَثِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَنْ حَدَثُهُ مُسْتَمِرٌّ كَـ " الْوَجِيزِ "، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ. وَلَا تَصْلُحُ خَلْفَ عَاجِزٍ عَنِ الْقِيَامِ، إِلَّا إِمَامَ الْحَيِّ الْمَرْجُوَّ زَوَالُ   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الْفُرُوعِ " لَكَانَ أَوْلَى، وَتَصِحُّ إِمَامَتُهُ بِمِثْلِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِي " الْفُرُوعِ "، وَجْهَانِ. مَسْأَلَةٌ: لَا يَصِحُّ ائْتِمَامُ الْمُتَطَهِّرِ بِعَادِمِ الطَّهُورَيْنِ، وَلَا الْقَادِرِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ بِالْعَاجِزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِشَرْطٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ، أَشْبَهَ ائْتِمَامَ الْمُعَافَى بِمَنْ حَدَثُهُ مُسْتَمِرٌّ (وَلَا عَاجِزٍ عَنِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقُعُودِ) أَيْ: لَا تَصِحُّ إِمَامَةُ عَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ بِالْقَادِرِ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِرُكْنٍ لَا يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كَالْقَاعِدِ يَؤُمُّ الْقَائِمَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ إِمَامِ الْحَيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَاسَ أَبُو الْخَطَّابِ الْمَنْعَ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمَرْبُوطِ، وَأَمَّا الْقِيَامُ فَهُوَ أَخَفُّ بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ فِي النَّافِلَةِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُصَلِّينَ خَلْفَ الْجَالِسِ بِالْجُلُوسِ» ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُضْطَجِعِ لَا يَضْطَجِعُ، وَتَصِحُّ إِمَامَتُهُمْ بِمِثْلِهِمْ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْمَطَرِ بِالْإِيمَاءِ» . (وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ عَاجِزٍ عَنِ الْقِيَامِ) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، كَالْعَاجِزِ عَنِ الْقِرَاءَةِ (إِلَّا إِمَامَ الْحَيِّ) وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فِي الْمَسْجِدِ، لِمَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 عِلَّتِهِ، وَيُصَلُّونَ وَرَاءَهُ جُلُوسًا. فَإِنْ صَلَّوْا قِيَامًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ، وَلِأَنَّ إِمَامَ الْحَيِّ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيمِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَالْقِيَامُ أَخَفُّ بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ فِي النَّفْلِ (الْمَرْجُوَّ زَوَالُ عِلَّتِهِ) لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى تَرْكِ الْقِيَامِ عَلَى الدَّوَامِ، أَوْ مُخَالَفَةِ الْخَبَرِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مَعَ غَيْرِ إِمَامِ الْحَيِّ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ زَوَالُهُ (وَيُصَلُّونَ وَرَاءَهُ جُلُوسًا) لِمَا تَقَدَّمَ، قَالَ فِي الْخِلَافِ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَجَابَ أَحْمَدُ عَنْهُ، بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ابْتَدَأَ بِهِمْ قَائِمًا فَيُتِمُّهَا كَذَلِكَ، وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ هُوَ الْإِمَامُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَرَضِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي ثَوْبٍ مُتَوَشِّحًا» وَرَوَاهُ أَنَسٌ أَيْضًا، وَصَحَّحَهُمَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ مَالِكٌ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ هُوَ الْإِمَامُ، لَكَانَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُ كَانَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَلْفَهُ صَفٌّ، وَفَعَلَ مِثْلَ قَوْلِنَا أُسَيْدُ بْنُ حَضِيرٍ، وَجَابِرٌ، وَقَيْسُ بْنُ فِهْرٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِي صِحَّةِ إِمَامَتِهِ، مَعَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَائِمِ أَكْمَلُ، وَكَمَالُهَا مَطْلُوبٌ (فَإِنْ صَلَّوْا قِيَامًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 وَإِنِ ابْتَدَأَ بِهِمُ الصَّلَاةَ قَائِمًا، ثُمَّ اعْتَلَّ فَجَلَسَ، أَتَمُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا. وَلَا تَصِحُّ إِمَامَةُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِلرِّجَالِ وَلَا لِلْخَنَاثَى. وَلَا إِمَامَةُ الصَّبِيِّ لِبَالِغٍ إِلَّا فِي النَّفْلِ عَلَى إِحْدَى   [المبدع في شرح المقنع] الْمَشْهُورُ، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَلَّى وَرَاءَهُ الْقَوْمُ قِيَامًا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ» ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ الْأَصْلُ، وَقَدْ أَتَوْا بِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ مَعَ عِلْمِ وُجُوبِ الْجُلُوسِ دُونَ جَهْلِهِ، كَالرَّاكِعِ دُونَ الصَّفِّ. فَرْعٌ: إِذَا قَدَرَ الْمُقْتَدِي وَالْمَرِيضُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْأَرْكَانِ فَلَا بَأْسَ بِإِمَامَتِهِمَا (وَإِنِ ابْتَدَأَ بِهِمُ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ اعْتَلَّ) أَيْ: حَصَلَ لَهُ عِلَّةٌ (فَجَلَسَ أَتَمُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا) لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ الْأَصْلُ، فَإِذَا بَدَأَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهُ فِي جَمِيعِهَا إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، كَمَنَ أَحْرَمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْحُلْوَانِيُّ: وَلَمْ يَكُنْ إِمَامَ الْحَيِّ [إِمَامَةُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِلرِّجَالِ] (وَلَا تَصِحُّ إِمَامَةُ الْمَرْأَةِ، وَالْخُنْثَى لِلرِّجَالِ، وَلَا لِلْخَنَاثَى) لَا يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ؛ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ وَالتَّابِعُونَ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا» ، وَلِأَنَّهَا لَا تُؤَذِّنُ لِلرِّجَالِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَؤُمَّهُمْ كَالْمَجْنُونِ، وَكَذَا لَا تَصِحُّ إِمَامَتُهَا بِالْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَنَّهُ لَوْ صَلَّى خَلْفَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا تَصِحُّ، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ فِي النَّفْلِ، وَعَنْهُ: فِي التَّرَاوِيحِ، قَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَخَصَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْجَوَازَ بِذِي الرَّحِمِ، وَبَعْضُهُمْ بِكَوْنِهَا عَجُوزًا، وَبَعْضُهُمْ بِأَنْ تَكُونَ أَقْرَأَ مِنَ الرَّجُلِ، وَعَلَى الصِّحَّةِ تَقِفُ خَلْفَهُمْ، وَيَقْتَدُونَ بِهَا فِي جَمِيعِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ «أُمَّ وَرَقَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنِّي أَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَإِنَّ أَهْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بَيْتِي لَا يَحْفَظُونَهُ، فَقَالَ: قَدِّمِي الرِّجَالَ أَمَامَكِ، وَقُومِي فَصَلِّي مِنْ وَرَائِهِمْ» ذَكَرَهُ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ "، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهُمْ أَحَدُهُمْ، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَعَنْهُ: يَقْتَدُونَ بِهَا فِي الْقِرَاءَةِ، وَيُقْتَدَى بِهِمْ فِي غَيْرِهَا، فَيَنْوِي الْإِمَامَةَ أَحَدُهُمْ، وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ الصِّحَّةَ فِي الْجُمْلَةِ لِخَبَرِ أُمِّ وَرَقَةَ الْعَامِّ؛ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا، وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا» فَظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا، وَالْخَاصِّ؛ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَؤُمَّ نِسَاءَ أَهْلِ دَارِهَا» . قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": هَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا، لَكِنْ إِنْ صَحَّ فَيُحْمَلُ عَلَى النَّفْلِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ، وَأَمَّا الْخُنْثَى فَلَا تَصِحُّ إِمَامَتُهُ لِلرَّجُلِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَلَا بِخُنْثَى مِثْلِهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ امْرَأَةً وَالْمَأْمُومُ رَجُلًا، وَقِيلَ: اقْتِدَاءُ خُنْثَى بِمِثْلِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَؤُمُّ خُنْثَى نِسَاءً، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ إِمَامَةِ الْمَرْأَةِ بِالنِّسَاءِ، وَسَيَأْتِي، وَكَذَا إِمَامَةُ الخُنْثَى بِهِنَّ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَإِمَامَتُهَا بِهِنَّ صَحِيحَةٌ، وَإِذَا أَمَّهَا وَقَفَتْ خَلْفَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِذَا أَمَّ الْخُنْثَى قَامَ وَسَطَهُنَّ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي جَمَاعَةٍ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ [إِمَامَةُ الصَّبِيِّ لِبَالِغٍ] (وَلَا إِمَامَةُ الصَّبِيِّ لِبَالِغٍ) فِي فَرْضٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُقَدِّمُوا صِبْيَانَكُمْ» ، وَلِأَنَّهَا حَالُ كَمَالٍ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ بَلْ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ يَمْنَعُ التَّكْلِيفَ وَصِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَالْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الضُّمَّانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ الْإِخْلَالُ بِشَرْطِ الْقِرَاءَةِ حَالَةَ السِّرِّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ فِيهِ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ تَخْرِيجًا، وَبَنَاهُ جَمَاعَةٌ عَلَى اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ إِمَامَتِهِ إِنْ لَزِمَتْهُ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ؛ وَهُوَ ابْنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَا تَصِحُّ إِمَامَةُ مُحْدِثٍ، وَلَا نَجِسٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَإِنْ جَهِلَ هُوَ وَالْمَأْمُومُ حَتَّى قَضَوُا الصَّلَاةَ، صَحَّتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَحْدَهُ. وَلَا تَصِح ُّ إِمَامَةُ الْأُمِّيِّ، وَهُوَ مَنْ   [المبدع في شرح المقنع] سِتِّ سِنِينَ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ فِيهِ: وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَبْلُغِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ يُضَعِّفُ أَمْرَ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ مَرَّةً: دَعْهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: لَا أَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ هَذَا؛ وَعَلَى الصِّحَّةِ يُقَدَّمُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ يَعْقِلُهَا، لِقَوْلِهِمْ: وَتَصِحُّ مِنْهُ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ. فَدَلَّ أَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَصِحُّ، نَعَمْ تَصِحُّ بِمِثْلِهِ، وَجَزَمَ فِي " الْمُنْتَخَبِ " بِخِلَافِهِ (إِلَّا فِي النَّفْلِ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَنَصَرَهُ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ يَؤُمُّ مُتَنَفِّلِينَ؛ وَهِيَ أَخَفُّ، إِذِ الْجَمَاعَةُ تَنْعَقِدُ بِهِ فِيهَا إِذَا كَانَ مَأْمُومًا، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. [إِمَامَةُ الْمُحْدِثِ] (وَلَا تَصِحُّ إِمَامَةُ مُحْدِثٍ، وَلَا نَجِسٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ) هَذَا هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، أَشْبَهَ الْمُتَلَاعِبَ، لِكَوْنِهِ لَا صَلَاةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ سَوَاءٌ جَهِلَ الْحَدَثَ أَوْ عَلِمَهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُذْهَبِ " وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْإِشَارَةِ، وَبَنَاهُ فِي الْخِلَافِ عَلَى إِمَامَةِ الْفَاسِقِ لِفِسْقِهِ بِذَلِكَ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي: هُوَ أَمِينٌ عَلَى طَهَارَتِهِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا عَلِمْنَا بِقَوْلِهِ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَزُوِّجَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ؛ قَالَ: فَتَجِبُ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَعَلَى أَنَّ دُخُولَهَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ اعْتِرَافٌ بِصِحَّتِهِ، فَلَمْ تُصَدَّقْ، وَهَذَا مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، فَقِيلَ: كَقَبْلِ الصَّلَاةِ، وَعَلَّلَهُ فِي " الْفُصُولِ " بِأَنَّهُ فَاسِقٌ، وَإِمَامَتُهُ عِنْدَنَا لَا تَصِحُّ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ بِأَنَّ الْفَاسِقَ مُتَطَهِّرٌ، وَإِنَّمَا تَخَلَّفَتِ الصِّحَّةُ لِمَانِعٍ، بِخِلَافِهِ هُنَا (فَإِنْ جَهِلَ هُوَ وَالْمَأْمُومُ حَتَّى قَضَوُا الصَّلَاةَ صَحَّتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَحْدَهُ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي " الْمُحَرِّرِ "، وَ " التَّلْخِيصِ " لِمَا رَوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، أَوْ يُدْغِمُ حَرْفًا لَا يُدْغَمُ، أَوْ يُبَدِّلُ حَرْفًا، أَوْ يَلْحَنُ فِيهَا لَحْنًا   [المبدع في شرح المقنع] الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالْقَوْمِ أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَتَمَّتْ لِلْقَوْمِ صَلَاتُهُمْ» رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَرَّانِيُّ؛ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ؛ وَهُوَ مَحَلُّ الشُّهْرَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الْحَدَثَ مِمَّا يَخْفَى، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، فَكَانَ الْمَأْمُومُ مَعْذُورًا، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إِذَا كَانَ بِالْإِمَامِ أَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ مُحْدِثًا فِيهَا، وَعَنْهُ: يُعِيدُ كَالْإِمَامِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ مُحْدِثًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ، وَحُكْمُ النَّجَاسَةِ كَالْحَدَثِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةٌ لَهَا، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِالْحَدَثِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ أَخَفُّ، وَخَفَاؤُهَا أَكْثَرُ، فَلِذَلِكَ صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ مَعَ نِسْيَانِهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ هُوَ وَالْمَأْمُومُ فِيهَا، اسْتَأْنَفَ الْمَأْمُومُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِمَنْ صَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، أَشْبَهَ مَا لَوِ ائْتَمَّ بِامْرَأَةٍ، وَعَنْهُ: يَبْنِي، ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمْ صَحِيحٌ، فَكَانَ لَهُمُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، فَإِنْ عَلِمَ مَعَهُ وَاحِدٌ أَعَادَ الْكُلُّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ: يُعِيدُ مَنْ عَلِمَ، وَإِنْ عَلِمَهُ اثْنَانِ، فَأَنْكَرَهُ هُوَ، أَعَادُوا، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَقِيلَ: بَلْ هُمَا فَقَطْ. فَائِدَةٌ: إِذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَى إِمَامِهِ فَائِتَةً، وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي وَجْهٍ، فَفِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَجْهَانِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِيهَا سَهْوًا، أَوْ شَكَّ فِي إِخْلَالِ إِمَامِهِ بِشَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ السِّتَارَةَ أَوِ الِاسْتِقْبَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى غَالِبًا. [إِمَامَةُ الْأُمِّيِّ] (وَلَا تَصِحُّ إِمَامَةُ الْأُمِّيِّ) مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ، وَقِيلَ: أُمَّةِ الْعَرَبِ (وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ) أَيْ: لَا يَحْفَظُهَا، أَيْ: لَا تَصِحُّ إِمَامَتُهُ بِمَنْ يُحْسِنُهَا، مَضَتِ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَهُ الزُّهْرِيُّ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ شَرْطٌ مَقْصُودٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَادِرِ عَلَيْهِ بِالْعَاجِزِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 يُحِيلُ الْمَعْنَى إِلَّا بِمِثْلِهِ. وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِصْلَاحِ ذَلِكَ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَتُكْرَهُ   [المبدع في شرح المقنع] عَنْهُ، كَالطَّهَارَةِ وَالسُّتْرَةِ؛ وَهُوَ يَتَحَمَّلُهَا عَنِ الْمَأْمُومِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ (أَوْ يُدْغِمُ) فِي الْفَاتِحَةِ (حَرْفًا لَا يُدْغَمُ) أَيْ: فِي غَيْرِ مِثْلِهِ، وَغَيْرِ مَا يُقَارِبُهُ فِي الْمَخْرَجِ؛ وَهُوَ الْأَرَتُّ، وَفِي " الْمُذْهَبِ ": هُوَ الَّذِي فِي لِسَانِهِ عَجَلَةٌ تُسْقِطُ بَعْضَ الْحُرُوفِ (أَوْ يُبَدِّلُ حَرْفًا) بِغَيْرِهِ؛ وَهُوَ الْأَلْثَغُ، كَمَنْ يُبَدِّلُ الرَّاءَ غَيْنًا (أَوْ يَلْحَنُ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى) كَكَسْرِ كَافِ (إِيَّاكَ) وَضَمِّ تَاءِ (أَنْعَمْتَ) وَفَتْحِ هَمْزَةِ (اهْدِنَا) فِي الْأَصَحِّ فِيهَا. وَظَاهِرُهُ: إِذَا لَمْ يُحِلِ الْمَعْنَى كَفَتْحِ دَالِ (نَعْبُدُ) وَنُونِ (نَسْتَعِينُ) لَا يَكُونُ أُمِّيًّا، وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، حَكَاهَا الْآمِدِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَكْثُرْ، وَقِيلَ: فِي نَفْلٍ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَأْمُومُونَ بِحَالِهِ أَوْ جَهِلُوهُ، فَإِنْ عَلِمُوا كَوْنَهُ أُمِّيًّا لَمَّا سَلَّمَ، فَوَجْهَانِ، وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ بَطَلَ فَرْضُ الْقَارِئِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. ثُمَّ هَلْ تَبْقَى نَفْلًا فَتَصِحُّ صَلَاةُ الْكُلِّ، أَوْ لَا تَبْقَى فَتَبْطُلُ، أَوِ الْإِمَامُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ (إِلَّا بِمِثْلِهِ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِيهِ، فَصَحَّتْ إِمَامَتُهُ كَالْعَاجِزِ عَنِ الْقِيَامِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ عَاجِزٍ عَنْ نِصْفِ الْفَاتِحَةِ الْأَوَّلِ بِعَاجِزٍ عَنْ نِصْفِهَا الْأَخِيرِ، وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا اقْتِدَاءُ قَادِرٍ عَلَى الْأَقْوَالِ الْوَاجِبَةِ بِالْعَاجِزِ عَنْهَا، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا وَأَحْسَنَ بِقَدْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْتَمَّ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، وَجَوَّزَهُ الْمُؤَلِّفُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُحْسِنُ دُونَ السَّبْعِ فَوَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: إِذَا شَكَّ قَارِئٌ فِي صَلَاةِ سِرٍّ هَلْ إِمَامُهُ أُمِّيٌّ صَحَّتْ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، فَإِنْ أَسَرَّ فِي صَلَاةِ جَهْرٍ فَوَجْهَانِ، فَإِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَرَأَ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُهُ، وَتُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 إِمَامَةُ اللَّحَّانِ وَالْفَأْفَاءِ الَّذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ، وَالتِّمْتَامِ الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ، وَمَنْ لَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ، وَأَنْ يَؤُمَّ نِسَاءً أَجَانِبَ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ، أَوْ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِصْلَاحِ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) وَلَا صَلَاةُ مَنِ ائْتَمَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ، أَشْبَهَ تَارِكَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. [مَنْ تُكْرَهُ إِمَامَتُهُ] (وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ اللَّحَّانِ) وَهُوَ كَثِيرُ اللَّحْنِ، وَتَصِحُّ، نَصَّ عَلَيْهِ، إِنْ كَانَ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، فَإِنْ أَحَالَهُ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ إِمَامَتِهِ إِلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَهُ، وَذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْزِئٌ وَمُتَعَمِّدٌ. وَنَقَلَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ (وَالْفَأْفَاءُ الَّذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ، وَالتِّمْتَامِ الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ) لِأَنَّ فِي قِرَاءَتِهِمْ نَقْصًا عَنْ حَالِ الْكَمَالِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِالْحَرْفِ الْوَاجِبِ، وَإِنَّمَا يَزِيدُونَ حَرَكَةً أَوْ فَاءً أَوْ تَاءً، وَذَلِكَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ كَتَكْرِيرِ الْآيَةِ (وَ) تُكْرَهُ إِمَامَةُ (مَنْ لَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ) كَالْقَافِ وَالضَّادِ فِي حَقِّ الْبَدَوِيِّ وَغَيْرِهِ لِلنَّقْصِ، وَظَاهِرُهُ: صِحَّةُ إِمَامَتِهِ أَعْجَمِيًّا كَانَ أَوْ عَرَبِيًّا، وَقِيلَ: مَنْ قَرَأَ (وَلَا الضَّالِّينَ) بِظَاءٍ قَائِمَةٍ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُحِيلُ الْمَعْنَى، يُقَالُ: ظَلَّ يَفْعَلُ كَذَا إِذَا فَعَلَهُ نَهَارًا، وَقَدْ سَبَقَ (وَأَنْ يَؤُمَّ نِسَاءً أَجَانِبَ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ) كَذَا ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَطَةِ الْوَسْوَاسِ، وَحُكْمُ الْوَاحِدَةِ كَالْجَمْعِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَمَّ مَحَارِمَهُ أَوْ أَجْنَبِيَّاتٍ مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ، قِيلَ: نَسِيبًا لِإِحْدَاهُنَّ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقِيلَ: مَحْرَمًا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ فِي الْجَهْرِ مُطْلَقًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 كَارِهُونَ. وَلَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَا وَالْجُنْدِيِّ إِذَا سَلِمَ دِينُهُمَا. وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ مَنْ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ نَسِيبًا، وَفِي " الْفُصُولِ " يُكْرَهُ لِلشَّوَابِّ، وَذَوَاتِ الْهَيْئَةِ الْخُرُوجُ، وَيُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ، فَإِنْ صَلَّى بِهِمْ رَجُلٌ مَحْرَمٌ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَصَحَّتِ الصَّلَاةُ (أَوْ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ؛ وَهُوَ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ لِينٌ، وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تُقْبَلُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ الْإِفْرِيقِيِّ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ: دِيَانَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَرِهَهُ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ لَا يُكْرَهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَتَّى يَكْرَهَهُ أَكْثَرُهُمْ، قَالَ الْقَاضِي: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَؤُمَّهُمْ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ، فَإِنِ اسْتَوَى الْفَرِيقَانِ فَوَجْهَانِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَؤُمَّهُمْ إِزَالَةً لِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ ذَا دِينٍ وَسُنَّةٍ فَكَرِهُوهُ لِذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ، بَلْ يُكْرَهُ إِنْ كَانَ لِخَلَلٍ فِي دِينِهِ أَوْ فَضْلِهِ، قَالَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ مُعَادَاةٌ مِنْ جِنْسِ مُعَادَاةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَوِ الْمَذْهَبِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَؤُمَّهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً إِنَّمَا يَتِمُّ بِالِائْتِلَافِ، وَقَالَ جَدُّهُ: أَوْ لِدُنْيَا؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَقِيلَ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِخَبَرِ أَبِي أُمَامَةَ السَّابِقِ. [إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَالْجُنْدِيِّ] (وَلَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَا، وَالْجُنْدِيِّ إِذَا سَلِمَ دَيْنُهُمَا) لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ» ، وَصَلَّى التَّابِعُونَ خَلْفَ ابْنِ زِيَادٍ؛ وَهُوَ مِمَّنْ فِي نَسَبِهِ نَظَرٌ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ وِزْرِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ، قَالَ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ. وَمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُرٌّ مَرْضِيٌّ فِي دِينِهِ، فَصَلُحَ لَهَا كَغَيْرِهِ، وَكَذَا حُكْمُ الْخَصِيِّ وَاللَّقِيطِ، وَالْمَنْفِيِّ بِلِعَانٍ، وَالْأَعْرَابِيِّ إِذَا سَلِمَ دَيْنُهُمْ، وَصَلَحُوا لَهَا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ اتِّخَاذُ وَلَدِ الزِّنَا إِمَامًا رَاتِبًا، وَعَنْهُ: أُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْجُنْدِيِّ، وَعَنْهُ: لَا يُعْجِبُنِي إِمَامَةُ الْأَعْرَابِيِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمُ الْجَهْلُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْمُهَاجِرُ أَوْلَى. مَسْأَلَةٌ: لَا يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ إِمَامَةُ ابْنٍ بِأَبِيهِ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: لَا يَتَقَدَّمُهُ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ، وَإِنْ أَذِنَ الْأَفْضَلُ لِلْمَفْضُولِ لَمْ يُكْرَهْ فِي الْمَنْصُوصِ، وَبِدُونِ إِذْنِهِ يُكْرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِلَّا خَوْفَ أَذًى، وَالْمُرَادُ: سِوَى إِمَامِ الْمَسْجِدِ، وَصَاحِبِ الْبَيْتِ، كَمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ كَمَا سَبَقَ. [ائْتِمَامُ مَنْ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا] (وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ مَنْ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا) رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ الْخَلَّالُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْوَقْتُ، وَكَذَا عَكْسُهُ، لِمَا قُلْنَاهُ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ، وَفِي " الْمُذْهَبِ " إِذَا قَضَى الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يُؤَدِّيهَا صَحَّ وَجْهًا وَاحِدًا، وَفِي العَكْسِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ قَضَى ظُهْرَ يَوْمٍ خَلْفَ ظُهْرِ يَوْمٍ آخَرَ، فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا، هَذَا فِيمَا إِذَا اتَّحَدَتِ الصَّلَاةُ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَسَيَأْتِي. [ائْتِمَامُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ] (وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ) فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَاخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَصَاحِبُ " النَّصِيحَةِ " " وَالتَّبْصِرَةِ " وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَاءَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَزَادَ «وَهِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَهِيَ لَهُمْ مَكْتُوبَةٌ، وَصَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 بِمَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى لَا تَصِحُّ فِيهِمَا   [المبدع في شرح المقنع] الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ اتَّفَقَتَا فِي الْأَفْعَالِ، أَشْبَهَ الْمُتَنَفِّلَ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا لِحَاجَةٍ نَحْوَ كَوْنِهِ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ، نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَأَبُو الْحَارِثِ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَنَصَرَهَا جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْإِمَامِ، أَشْبَهَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ؛ وَهُوَ يَنْتَقِضُ بِالْمَسْبُوقِ فِي الْجُمُعَةِ إِذَا أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْوِي الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّيهَا. [ائْتِمَامُ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ] (وَمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَمِثْلُهُ صَلَاةُ كُلِّ مُفْتَرِضٍ خَلْفَ مُفْتَرَضٍ بِفَرْضٍ غَيْرِهِ وَقْتًا وَاسْمًا، وَسَيَأْتِي (وَالْأُخْرَى لَا تَصِحُّ فِيهِمَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الصِّفَةِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْوُضُوءِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الصِّحَّةُ وَعَدَمُهَا كَمَا تَقَدَّمَ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا صَلَّى فَرْضًا رُبَاعِيَّةً خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَقِيلَ: أَوِ الْمَغْرِبَ، فَإِذَا تَمَّ فَرْضُهُ قَبْلَ إِمَامِهِ، هَلْ يَنْتَظِرُهُ أَوْ يُسَلِّمُ قَبْلَهُ، أَوْ يُخَيَّرُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا تُخَالِفُ الْأُخْرَى كَصَلَاةِ كُسُوفٍ، وَاسْتِسْقَاءٍ، وَجِنَازَةٍ، وَعِيدٍ، مُنِعَ فَرْضًا، وَقِيلَ: نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْمُخَالَفَةِ فِي الْأَفْعَالِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا صَلَّى ظُهْرًا تَامَّةً خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: إِنْ صَحَّ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَى نِيَّةِ الْجُمُعَةِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إِنْ أَدْرَكَ مَا يُعْتَدُّ بِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَمُلَتِ الْجُمُعَةُ، كَمَنْ هُوَ فِي ظُهْرٍ، كَمَا لَوْ سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ فِي التَّشَهُّدِ، وَقَدْ أَدْرَكَهُ إِنْسَانٌ فِيهِ، فَالْخِلَافُ. الثَّالِثَةُ: إِذَا صَلَّى مَرِيضٌ بِمِثْلِهِ ظُهْرًا قَبْلَ إِحْرَامِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَقُلْنَا: يَصِحُّ، ثُمَّ حَضَرَ الْإِمَامَ الْجُمُعَةُ، لَمْ يَنْقَلِبْ ظُهْرُهُ نَفْلًا فِي الْأَصَحِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 فَصْلٌ فِي الْوَقْفِ، السُّنَّةُ: أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ. فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ وَقَفُوا   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوفِ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ] فَصْلٌ فِي الْمَوْقِفِ (السُّنَّةُ: أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُونَ) رِجَالًا كَانُوا أَوْ نِسَاءً (خَلْفَ الْإِمَامِ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَامَ أَصْحَابُهُ خَلْفَهُ» ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ جَابِرًا وَجَبَّارًا وَقَفَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِأَيْدِيهِمَا حَتَّى أَقَامَهُمَا خَلْفَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلَا يَنْقُلُهُمَا إِلَّا إِلَى الْأَكْمَلِ، وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كُنَّا ثَلَاثَةً أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُنَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرَى أَنْ يَقِفَ الِاثْنَانِ عَنْ جَانِبَيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى بَيْنَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ، وَأَجَابَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ ضَيِّقًا. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّ إِمَامَ الْعُرَاةِ يَقِفُ وَسَطًا وُجُوبًا، وَالْمَرْأَةُ إِذَا صَلَّتْ بِالنِّسَاءِ، (فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ لَمْ يَصِحَّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ، وَالْمُخَالَفَةُ فِي الْأَفْعَالِ مُبْطِلَةٌ، لِكَوْنِهِ يَحْتَاجُ فِي الِاقْتِدَاءِ إِلَى الِالْتِفَاتِ خَلْفَهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْقُولِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ؛ وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ، وَلَوْ بِإِحْرَامٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْقِفًا بِحَالٍ، وَالِاعْتِبَارُ بِمُؤَخَّرِ الْقَدَمِ، وَإِلَّا لَمْ يَضُرَّ كَطُولِ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ بِرَأْسِهِ فِي السُّجُودِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ صَحَّ. وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا وَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ، وَإِنْ وَقَفَ خَلْفَهُ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَمَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ خَلْفَهُ. وَإِنِ اجْتَمَعَ أَنْوَاعٌ، تَقَدَّمَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ الْعُرْفُ، فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَالِاعْتِبَارُ بِمَحَلِّ الْقُعُودِ؛ وَهُوَ الْأَلْيَةُ، حَتَّى لَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ وَقَدَّمَهَا عَلَى الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ كَانَ مُضْطَجِعًا فَبِالْجَنْبِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا: يُكْرَهُ، وَيَصِحُّ، وَالْمُرَادُ: وَأَمْكَنَ الِاقْتِدَاءُ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، أَشْبَهَ مَنْ خَلْفَهُ. وَقِيلَ: تَصِحُّ جُمْعَةٌ، وَعِيدٌ، وَجِنَازَةٌ لِعُذْرٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: مَنْ تَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ، فَلَمَّا أُذِّنَ جَاءَ فَصَلَّى قُدَّامَهُ؛ عُزِّرَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَجْهَانِ، هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ صَفٌّ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَرْأَةُ إِذَا أَمَّتْ رِجَالًا فِي تَرَاوِيحَ، وَدَاخِلَ الْكَعْبَةِ إِذَا تَقَابَلَا، أَوْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى ظَهْرِ إِمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ، فَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى وَجْهِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ وَقَفُوا حَوْلَ الْكَعْبَةِ مُسْتَدِيرِينَ صَحَّتْ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ أَقْرَبَ مِنْ جِهَتِهِ مِنَ الْإِمَامِ فِي جِهَتِهِ جَازَ، فَإِنْ كَانَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ بَطَلَتْ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " لَا يَضُرُّ، وَفِي شِدَّةِ الْخَوْفِ إِذَا أَمْكَنَ الْمُتَابَعَةُ (وَإِنْ وَقَفُوا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ صَحَّ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: إِنْ وَقَفَ بَيْنَهُمَا، فَفِي الْكَرَاهَةِ احْتِمَالَانِ (وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا وَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ) «لِإِدَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرًا إِلَى يَمِينِهِ لَمَّا وَقَفَا عَنْ يَسَارِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ قَلِيلًا خَوْفًا مِنَ التَّقَدُّمِ، وَمُرَاعَاةً لِلْمَرْتَبَةِ. فَإِنْ عُدِمَ صِحَّةُ مُصَافَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَالْمُرَادُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ أَحَدٌ، فَيَجِيءُ الْوَجْهُ: تَصِحُّ مُنْفَرِدًا، وَكَصَلَاتِهِمْ قُدَّامَهُ، فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ (وَإِنْ وَقَفَ خَلْفَهُ) لِأَنَّهُ صَارَ فَذًّا (أَوْ عَنْ يَسَارِهِ لَمْ يَصِحَّ) كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَالْمُرَادُ: إِذَا صَلَّى رَكْعَةً فَأَكْثَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، وَالْمُؤَلِّفُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ، وَفِي " الشَّرْحِ " هِيَ الْقِيَاسُ، كَمَا لَوْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَوْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرًا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ، بِدَلِيلِ رَدِّ جَابِرٍ وَجَبَّارٍ إِلَى وَرَائِهِ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِمَا عَنْ جَانِبَيْهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِنْ كَانَ خَلْفَهُ صَفٌّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَّى وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ» ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْإِمَامُ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَحُكْمُ الْجَمَاعَةِ كَالْوَاحِدِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَبَّرَ عَنْ يَسَارِهِ أَدَارَهُ مِنْ وَرَائَهُ إِلَى يَمِينِهِ، فَإِنْ كَبَّرَ الْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ أَخْذَهُمَا بِيَدِهِ إِلَى وَرَائِهِ، فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ، أَوْ تَعَذَّرَ، تَقَدَّمَ الْإِمَامُ فَصَلَّى بَيْنَهُمَا، أَوْ عَنْ يَسَارِهِمَا، وَلَوْ تَأَخَّرَ الْأَيْمَنُ قَبْلَ إِحْرَامِ الدَّاخِلِ لِيُصَلِّيَا خَلْفَهُ، جَازَ، وَفِي النِّهَايَةِ وَ " الرِّعَايَةِ " بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ أَدْرَكَهُمَا الدَّاخِلُ جَالِسَيْنِ كَبَّرَ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ صَاحِبِهِ، أَوْ يَسَارِ الْإِمَامِ، وَلَا تَأَخَّرَ إِذَنْ لِلْمَشَقَّةِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الزَّمْنَى لَا يَتَقَدَّمُونَ وَلَا يَتَأَخَّرُونَ لِلْعِلَّةِ. (وَإِنْ أَمَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ خَلْفَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ رَجُلٌ أَوْ رِجَالٌ، وَلَا يَصِحُّ وُقُوفُ امْرَأَةٍ فَذًّا، فَإِنْ وَقَفَتْ وَحْدَهَا فَهِيَ فَذٌّ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي "، وَإِنْ وَقَفَتْ مَعَ رَجُلٍ، فَكَذَا فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ، وَنَقَلَهُ الْمَجْدُ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْوَفَاءِ، فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ كُرِهَ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا وَخَلْفَهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، كَمَا لَوْ وَقَفَتْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَنْ يَلِيهَا رِوَايَةً: تَبْطُلُ، وَفِي " الْفُصُولِ " أَنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَأَنَّ أَحْمَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْخَنَاثَى. ثُمَّ النِّسَاءُ، وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي تَقْدِيمِهِمْ إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] تَوَقَّفَ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ، وَقِيلَ: وَمَنْ خَلْفَهَا، وَقِيلَ: وَأَمَامَهَا، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا، وَذَهَبَ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْوَفَاءِ إِلَى خِلَافِهِ، لِلنَّهْيِ عَنْ وُقُوفِهَا، وَالْوُقُوفِ مَعَهَا، فَهُمَا سَوَاءٌ، فَإِنْ وَقَفَتْ عَنْ يَمِينِهِ، فَظَاهِرُهُ يَصِحُّ، وَعَنْ يَسَارِهِ إِنْ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا، وَلَا مَنْ يَلِيهَا، فَكَرَجُلٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَفِي " التَّعْلِيقِ " إِذَا كَانَ الْإِمَامُ رَجُلًا، وَهُوَ عُرْيَانٌ، فَإِنَّهَا تَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ. (وَإِنِ اجْتَمَعَ أَنْوَاعٌ تَقَدَّمَ الرِّجَالُ) أَحْرَارًا كَانُوا أَوْ عَبِيدًا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ (ثُمَّ الصِّبْيَانُ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى، فَصَفَّ الرِّجَالَ، ثُمَّ صَفَّ خَلْفَهُمُ الْغِلْمَانَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ، وَزَادَ: «وَالنِّسَاءُ خَلْفَ الْغِلْمَانِ» وَفِيهِ لِينٌ وَضَعْفٌ، وَفِي " الْمُذْهَبِ ": رِوَايَةُ تَأْخِيرِهِمْ عَنِ الْكُلِّ (ثُمَّ الْخَنَاثَى) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا رِجَالًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى صِحَّةِ وُقُوفِ الْخَنَاثَى صَفًّا. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وُقُوفَ الْمَرْأَةِ إِلَى جَانِبِ الرَّجُلِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَعَلَى أَنَّ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ إِذَا وَقَفَ مَعَ امْرَأَةٍ لَا يَكُونُ فَذًّا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ صَفُّهُمْ، وَإِنْ أَمَّ رَجُلٌ خُنْثَى، صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، فَيَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ، صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: خَلْفَهُ، وَإِنْ أَمَّ رَجُلًا وَخُنْثَى وَقَفَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْخُنْثَى خَلْفَهُمَا، وَفِي " الشَّرْحِ " يَقِفُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ أَوْ يَمِينِ الرَّجُلِ، وَلَا يَقِفَانِ خَلْفَهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً إِلَّا عِنْدَ مَنْ أَجَازَ لِلرَّجُلِ مُصَافَّتَهَا، فَإِنْ أَمَّ امْرَأَةً وَخُنْثَى، فَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 الْأَمَامِ إِذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إِلَّا كَافِرٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ مُحْدِثٌ يَعْلَمُ حَدَثَهُ، فَهُوَ فَذٌّ. وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ، إِلَّا فِي النَّافِلَةِ، وَمَنْ جَاءَ فَوَجَدَ فُرْجَةً   [المبدع في شرح المقنع] يَقِفَانِ خَلْفَهُ مُتَبَاعِدَيْنِ (ثُمَّ النِّسَاءُ) فَلَوِ انْفَرَدَتْ عَنْ صَفِّ النِّسَاءِ أَوْ صَلَتْ بِامْرَأَةٍ مِثْلِهَا، فَوَقَفَتْ خَلْفَهَا، لَمْ يَصِحَّ، وَفِي " الْكَافِي " عَكْسُهُ، لِأَنَّهَا يَجُوزُ وُقُوفُهَا مُنْفَرِدَةً بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَنَسٍ (وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي تَقْدِيمِهِمْ إِلَى الْأَمَامِ) وَإِلَى الْقِبْلَةِ فِي قَبْرٍ لِضَرُورَةٍ (إِذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُهُمْ) وَسَيَأْتِي (وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إِلَّا كَافِرٌ) اتِّفَاقًا (أَوِ امْرَأَةٌ) أَوْ خُنْثَى فَهُوَ فَذٌّ، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَفِي " الْكَافِي "، وَ " التَّلْخِيصِ " لِأَنَّهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلُ الْوُقُوفِ مَعَهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " عَنِ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَ مَعَهُ مُفْتَرِضٌ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، أَشْبَهَ الرَّجُلَ (أَوْ مُحْدِثٌ يَعْلَمُ حَدَثَهُ فَهُوَ فَذٌّ) أَيْ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ وَجُودَهُ كَعَدَمِهِ، وَكَذَا إِذَا وَقَفَ مَعَهُ سَائِرُ مَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " فَدَلَّ أَنَّ صِحَّةَ صَلَاتِهِ صِحَّةُ مُصَافَّتِهِ، فَلَوْ جَهِلَ الْحَدَثَ حَتَّى سَلَّمَا، صَحَّتْ، وَلَمْ يَكُنْ فَذًّا، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي: كَجَهْلِ مَأْمُومٍ حَدَثَ إِمَامِهِ، وَفِي " الْفُصُولِ " إِنْ بَانَ مُبْتَدِعًا أَعَادَ، وَلِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَا يَؤُمُّ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ، فَإِنَّ الْمُتَيَمِّمَ يَؤُمُّ. (وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ) إِذَا وُقِفَ مَعَهُ فِي فَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إِمَامَتُهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يُصَافَّهُمْ كَالْمَرْأَةِ، لَكِنْ رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ وُقُوفِ الصَّبِيِّ مَعَ الْفَرْضِ فَتَوَقَّفَ، وَقَالَ: مَا أَدْرِي، فَذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ أَنَسٍ فَقَالَ: ذَاكَ فِي التَّطَوُّعِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ فَذٌّ، وَانْعِقَادُ الْجَمَاعَةِ بِهِ وَمُصَافَّتُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَفَرْضُهُ نَفْلٌ، وَقِيلَ: تَصِحُّ مُصَافَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ إِمَامَتُهُ، لِأَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ لَهَا صِحَّةُ الْإِمَامَةِ كَالْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ، وَالْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ الْمُنَجَّا فِي الْخُلَاصَةِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَلِأَنَّهُ لَوِ اشْتَرَطَ فِي صِحَّتِهَا صِحَّةُ الْإِمَامَةِ، لَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وَقَفَ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ، فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً فَذًّا لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] صَحَّتْ مُصَافَّةُ الْأَخْرَسِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ صِحَّةُ إِمَامَتِهِ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ مُصَافَّتِهِ، حَيْثُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا فِي النَّفْلِ، وَعَلَى الصِّحَّةِ فَيَقِفُ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ خَلْفَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: عَنْ يَمِينِهِ أَوْ مِنْ جَانِبَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (إِلَّا فِي النَّافِلَةِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ، وَعَنْهُ: لَا كَالْفَرْضِ. فَرْعٌ: إِذَا وَقَفَ اثْنَانِ خَلْفَ الصَّفِّ، فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ دَخَلَ الْآخَرُ فِي الصَّفِّ، أَوْ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، أَوْ نَبَّهَ مَنْ يَخْرُجُ فَيَقِفُ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ نَوَى مُفَارَقَتَهُ وَأَتَمَّ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَبَقَ إِمَامَهُ الْحَدَثُ (وَمَنْ جَاءَ فَوَجَدَ فُرْجَةً) بِضَمِّ الْفَاءِ: هِيَ الْخَلَلُ فِي الصَّفِّ (وَقَفَ فِيهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ» . قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ كَانَتْ بِحِذَائِهِ كُرِهَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْهَا عَرْضًا، وَإِنْ كَانَ الصَّفُّ غَيْرَ مَرْصُوصٍ دَخَلَ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ مَوْقِفُ الْوَاحِدِ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ) بِنَحْنَحَةٍ أَوْ كَلَامٍ، وَجْهًا وَاحِدًا، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حُصُولِ مَنْ يَقِفُ مَعَهُ وَيَتْبَعُهُ، وَظَاهِرُهُ: يُكْرَهُ جَذْبُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدَهُ أَوِ ابْنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَالَ الْعِبَادَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: جَوَّزَ أَصْحَابُنَا جَذْبَ رَجُلٍ يَقُومُ مَعَهُ صَفًّا، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " لِلْحَاجَةِ، فَجَازِ كَالسُّجُودِ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ، أَوْ قَدَمِهِ حَالَ الزِّحَامِ، وَفِي الْمُغْنِي، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ، لَمْ يَكْرَهْهُ، وَصَلَّى وَحْدَهُ، أَوِ انْتَظَرَ جَمَاعَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] أُخْرَى (فَإِنْ صَلَّى فَذًّا رَكْعَةً لَمْ يَصِحَّ) وَقَالَهُ النَّخَعِيُّ وَإِسْحَاقُ؛ لِمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ شَيْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَّتَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّهُ خَالَفَ الْوُقُوفَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَفَ قُدَّامَ الْإِمَامِ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالْعَالِمِ وَضِدِّهِمَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فَذًّا أَنَّهَا تَصِحُّ، وَعَنْهُ: عَكْسُهَا، اخْتَارَهُ فِي " الرَّوْضَةِ "، وَعَنْهُ: إِنْ عَلِمَ النَّهْيَ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ، حَكَاهَا الدَّيْنَوَرِيُّ؛ «لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ - وَاسْمُهُ نُفَيْعٌ - رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ. وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَاهُ عَنِ الْعَوْدِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَعَذَرَهُ فِيمَا فَعَلَهُ بِالْجَهْلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: فِي النَّفْلِ، وَبَنَاهُ فِي " الْفُصُولِ " عَلَى مَنْ صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ، وَفِي " النَّوَادِرِ " رِوَايَةٌ: يَصِحُّ لِخَوْفِهِ تَضْيِيقًا؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِعُذْرٍ، وَحَيْثُ صَحَّتْ، فَالْمُرَادُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ إِلَّا لِعُذْرٍ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا، وَقِيلَ: تَصِحُّ فَذًّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، قَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ أَفْضَلُ إِنْ تَعَيَّنَ صَفًّا، وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، فَكَانُوا سِتَّةً، فَجَعَلَ الصَّفَّ الْأَوَّلَ ثَلَاثَةً، وَالثَّانِيَ اثْنَيْنِ، وَالثَّالِثَ وَاحِدًا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ رَفَعَ، وَلَمْ يَسْجُدْ، صَحَّتْ، وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ النَّهْيَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَمْ يَصِحَّ. وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْفُصُولِ ": وَيُعَايَا بِهَا، وَرَدَّهُ فِي " الْمُغْنِي " لِعَدَمِ صِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهِ. قَالَ: لِأَنَّ أَحْمَدَ لَوْ عَلِمَ فِيهِ حَدِيثًا لَمْ يُعَدِّهُ إِلَى غَيْرِهِ. [حُكْمُ صَلَاةِ الْفَذِّ مَعَ الْإِمَامِ] (وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، أَوْ وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ فِي الصَّفِّ مَا يُدْرِكُ بِهِ الرَّكْعَةَ (وَإِنْ رَفَعَ) الْإِمَامُ مِنَ الرُّكُوعِ (وَلَمْ يَسْجُدْ صَحَّتْ) قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ وَالشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ فَعَلَهُ، وَفَعَلَهُ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مَعَهُ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ فِي الصَّفِّ مَا يُدْرِكُ بِهِ رَكْعَةً، أَشْبَهَ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً فَذًّا، وَجَعَلَهَا فِي الْمُنْتَخَبِ، وَ " الْوَجِيزِ " فِيمَا إِذَا سَجَدَ الْإِمَامُ (وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ النَّهْيَ لَمْ يَصِحَّ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْ أَبَا بَكْرَةَ بِالْإِعَادَةِ، وَنَهَاهُ عَنِ الْعَوْدِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ دَخَلَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؛ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ (وَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ) وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي " الْفُرُوعِ " لِغَيْرِ غَرَضٍ، وَفِي " الْكَافِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَلَا خَشِيَ الْفَوَاتَ (لَمْ يَصِحَّ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي الْمَعْذُورِ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " لِأَنَّ الْمَوْقِفَ لَا يَخْتَلِفُ بِخِيفَةِ الْفَوَاتِ وَعَدَمِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 يَرَى مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ إِذَا اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ، وَإِنْ لَمْ يَرَ مَنْ وَرَاءَهُ لَمْ تَصِحَّ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ إِذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ. وَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ أَعْلَى مِنَ الْمَأْمُومِ،   [المبدع في شرح المقنع] [أَحْكَامُ الِاقْتِدَاءِ] (وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى) الْإِمَامَ أَوْ (مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إِذَا اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ) جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي "، وَ " نِهَايَةِ " أَبِي الْعَالِي؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامِهِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ، لِانْتِفَاءِ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَعَدَمِ الِاتِّصَالِ الْمُفْسِدَيْنِ لَهَا، وَكَمَا لَوْ صَلَّى فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ، وَفِي " التَّلْخِيصِ "، وَ " الرِّعَايَةِ " أَوْ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ، لِظَاهِرِ الْأَمْرِ بِالدُّنُوِّ مِنَ الْإِمَامِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَفَسَّرَهُ فِي " الْمُغْنِي " بِبُعْدٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ، وَلَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ، وَمَعْنَاهُ فِي " الشَّرْحِ " " وَالْمُذْهَبِ " عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي أَقْصَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ مَا يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلِ الصُّفُوفُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلْجَمَاعَةِ، فَكُلُّ مَنْ حَصَلَ فِي مَحَلِّ الْجَمَاعَةِ، بِخِلَافِ خَارِجِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مُعَدًّا لِلِاجْتِمَاعِ فِيهِ، فَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ الِاتِّصَالَ فِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَرَ مَنْ وَرَاءَهُ لَمْ تَصِحَّ) قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ لِنِسَاءٍ كُنْ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا: لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ. فَعَلَّلَتِ النَّهْيَ بِالْحِجَابِ؛ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ فِي الْغَالِبِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَسْمَعِ التَّكْبِيرَ (وَعَنْهُ: تَصِحُّ إِذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ: إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ بِسَمَاعِ التَّكْبِيرِ فِيهِ، وَلَمْ يَرَ إِمَامَهُ، وَلَا بَعْضَ مَنْ مَعَهُ، صَحَّ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَفِي " الْكَافِي "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُمْ فِي مَوْضِعِ الْجَمَاعَةِ، وَيُمْكِنُهُمُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بِسَمَاعِ التَّكْبِيرِ، أَشْبَهَ الْمُشَاهَدَةَ، وَعَنْهُ: فِي النَّفْلِ، وَعَنْهُ: وَالْفَرْضِ مُطْلَقًا لِظُلْمَةٍ وَضَرَرٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْجُمُعَةُ. وَقِيلَ: تَصِحُّ فِيهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] تَتِمَّاتٌ: إِذَا اقْتَدَى بِهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَرَاهُ، أَوْ مَنْ خَلْفَهُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ صَحَّ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ الصَّحِيحَ فِي " الْمَذْهَبِ "، وَلَوْ جَاوَزَ ثَلَاثَمِائَةِ ذِرَاعٍ، أَوْ كَانَتْ جُمُعَةً فِي دَارٍ وَدُكَّانٍ، وَاعْتَبَرَ جَمَاعَةٌ اتِّصَالَ الصُّفُوفِ عُرْفًا، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ أَوْ طَرِيقٌ، وَلَمْ تَتَّصِلِ الصُّفُوفُ، إِنْ صَحَّتِ الصَّلَاةُ فِيهِ، لَمْ يَمْنَعِ الِاقْتِدَاءَ فِي رِوَايَةٍ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَغَيْرُهُ، لِعَدَمِ النَّصِّ فِي ذَلِكَ وَالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ ": هُوَ الْقِيَاسُ تُرِكَ لِلْآثَارِ. قَالَ فِي " الْكَافِي ": إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَرِيضًا يَمْنَعُ الِاتِّصَالَ، وَعَنْهُ: يَمْنَعُ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِلْآثَارِ، وَمِثْلُهُ: إِذَا كَانَ بِسَفِينَةٍ، وَإِمَامُهُ فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمَاءَ طَرِيقٌ، وَلَيْسَتِ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً، وَالْمُرَادُ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَأَلْحَقَ الْآمِدِيُّ بِالنَّهْيِ النَّارَ وَالْبِئْرَ، وَقِيلَ: وَالسَّبُعَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ، لَكِنْ يَسْمَعُ التَّكْبِيرَ، فَالْخِلَافُ. (وَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ أَعْلَى مِنَ الْمَأْمُومِ) وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُومَنَّ فِي مَكَانٍ أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِهِمْ» وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ،. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِحُذَيْفَةَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: بَلَى، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ ثِقَاتٍ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ تَعْلِيمَهُمْ أَمْ لَا، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ، وَعَنْهُ: إِنْ أَرَادَ التَّعْلِيمَ لِحَدِيثِ سَهْلٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ، وَسَجَدَ مَعَهُ النَّاسُ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا، وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ عُلُوٌّ يَسِيرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى الدَّرَجَةِ السُّفْلَى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 فَإِنْ فَعَلَ، وَكَانَ كَثِيرًا، فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي طَاقِ الْقِبْلَةِ أَوْ يَتَطَوَّعُ فِي مَوْضِعِ الْمَكْتُوبَةِ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِينَ الْوُقُوفُ   [المبدع في شرح المقنع] جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ خَاصَّةً (فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَ كَثِيرًا) وَهُوَ ذِرَاعٌ عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَدَّرَهُ أَبُو الْمَعَالِي مِقْدَارَ قَامَةِ الْمَأْمُومِ، لِحَاجَتِهِ إِلَى رَفْعِ رَأْسِهِ إِلَيْهِ؛ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؟) أَيِ: الْإِمَامِ (عَلَى وَجْهَيْنِ) الْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا، لِفِعْلِ حُذَيْفَةَ وَعَمَّارٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ لِلنَّهْيِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ سَاوَاهُ بَعْضُهُمْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ فِي الْأَصَحِّ، زَادَ بَعْضُهُمْ: بِلَا كَرَاهَةٍ، وَفِي النَّازِلِينَ إِذَنِ الْخِلَافُ، وَلَا بَأْسَ بِعُلُوِّ الْمَأْمُومِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يُعِيدُ الْجُمُعَةَ مَنْ يُصَلِّيهَا فَوْقَ سَطْحِ الْمَسْجِدِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أَنَسٍ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، أَشْبَهَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَقَيَّدَهَا فِي " الْكَافِي " إِذَا اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ. [صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي طَاقِ الْقِبْلَةِ] (وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي طَاقِ الْقِبْلَةِ) أَيِ: الْمِحْرَابِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَتِرُ عَنْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ، وَحِينَئِذٍ فَيَقِفُ عَنْ يَمِينِ الْمِحْرَابِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ حَاجَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَضِيقِ الْمَسْجِدِ وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ لَمْ يُكْرَهْ، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا كَسُجُودِه فِيهِ، وَكَمَا لَوْ شَاهَدَهُ الْمَأْمُومُ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. فَائِدَةٌ: اتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ فِيهِ مُبَاحٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، لِيَسْتَدِلَّ بِهِ الْجَاهِلُ، لَكِنْ قَالَ الْحَسَنُ: الطَّاقُ فِي الْمَسْجِدِ أَحْدَثَهُ النَّاسُ، وَكَانَ يُكْرَهُ كُلُّ مُحْدَثٍ، وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ: لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَّخِذُوا فِي مَسَاجِدِهِمْ مَذَابِحَ كَمَذَابِحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 بَيْنَ السَّوَارِي إِذَا قُطِعَتْ صُفُوفُهُمْ وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ إِطَالَةُ الْقُعُودِ بَعْدَ الصَّلَاةِ   [المبدع في شرح المقنع] النَّصَارَى، وَعَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدٍ يُشْرِفُ قَالَ: هَذِهِ بَيْعَةٌ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ. [تَطَوُّعُ الْإِمَامِ فِي مَوْضِعِ الْمَكْتُوبَةِ] (أَوْ يَطَّوَّعُ فِي مَوْضِعِ الْمَكْتُوبَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ الْإِمَامُ فِي مَقَامِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ فِي تَحْوِيلِهِ مِنْ مَكَانِهِ إِعْلَامًا لِمَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ أَنَّهُ صَلَّى فَلَا يَنْتَظِرُهُ، وَيَطْلُبُ جَمَاعَةً أُخْرَى، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُكْرَهُ، لَكِنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ كَالْمَأْمُومِ (إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ) فِيهِمَا، وَالْحَاجَّةُ هَنَا أَنْ لَا يَجِدَ مَوْضِعًا يَتَحَوَّلُ إِلَيْهِ [وُقُوفُ الْمَأْمُومِينَ بَيْنَ السَّوَارِي] (وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِينَ الْوُقُوفُ بَيْنَ السَّوَارِي إِذَا قُطِعَتْ صُفُوفُهُمْ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ لِينٌ، وَقَالَ أَنَسٌ: «كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّفَّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فَتَكُونُ سَارِيَةٌ عَرْضُهَا مَقَامَ ثَلَاثَةٍ بِلَا حَاجَةٍ، وَيَتَوَجَّهُ: أَكْثَرُ أَوِ الْعُرْفُ، فَلَوْ كَانَ الصَّفُّ قَدْرَ مَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ الصَّفَّ لَا يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. فَإِنْ كَانَ مَعَهُ نِسَاءٌ لَبِثَ قَلِيلًا لِيَنْصَرِفَ النِّسَاءُ وَإِذَا صَلَّتِ امْرَأَةٌ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ كَالْإِمَامِ، وَكَقَطْعِ الْمِنْبَرِ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ صَلَّى بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ» . 1 مَسْأَلَةٌ: يُكْرَهُ اتِّخَاذُ غَيْرِ إِمَامٍ مَكَانًا بِالْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي فَرْضَهُ إِلَّا فِيهِ، وَيُبَاحُ فِي النَّفْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهُ بِمَوْضِعٍ مِنْهُ، وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ لَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ، وَيَكْرَهُ إِيطَانَهَا، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَتْ فَاضِلَةً، وَيَتَوَجَّهُ: لَا يُكْرَهُ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ مِنْ تَحَرِّي نَقْرَةِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَلَوْ لِحَاجَةٍ كَإِسْمَاعِ حَدِيثٍ وَتَقْدِيسٍ وَإِفْتَاءٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ. [إِطَالَةُ قُعُودِ الْإِمَامِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ] (وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ إِطَالَةُ الْقُعُودِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ إِذَا بَقِيَ عَلَى حَالِهِ رُبَّمَا سَهَا فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ، أَوْ ظَنَّ غَيْرُهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ أَوْ يَنْحَرِفَ عَنْ قِبْلَتِهِ؛ لِقَوْلِ سَمُرَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُطِيلَ الْإِمَامُ جُلُوسَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَظَاهِرُهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ مُسْتَقْبِلَ الْمَأْمُومِينَ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهَا فِيهِ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ عَلَى حَالِهِمَا. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَيَأْتِيَانِ بِالذِّكْرِ، وَهُمَا مُسْتَقْبِلَانِ الْقِبْلَةَ مُثْنِيٌ رِجْلُهُمَا (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ نِسَاءٌ لَبِثَ) الْإِمَامُ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الرِّجَالِ (قَلِيلًا لِيَنْصَرِفَ النِّسَاءُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَتَرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 بِالنِّسَاءِ قَامَتْ وَسَطَهُنَّ فِي الصَّفِّ. وَيُعْذَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمَرِيضُ، وَمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَلِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ يُفْضِي إِلَى اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ إِمَامِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَسْبِقُونِي بِالِانْصِرَافِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِئَلَّا يَذْكُرَ سَهْوًا فَيَسْجُدَ لَهُ، زَادَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْإِمَامُ السُّنَّةَ فِي إِطَالَةِ الْجُلُوسِ أَوْ يَنْحَرِفَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. [مَوْقِفُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ إِمَامَةِ النِّسَاءِ] (وَإِذَا صَلَّتِ امْرَأَةٌ بِالنِّسَاءِ قَامَتْ وَسَطَهُنَّ فِي الصَّفِّ) رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا التَّسَتُّرُ، وَهَذَا أَسْتَرُ لَهَا، أَشْبَهَ إِمَامَ الْعُرَاةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النِّسَاءَ يُصَلِّينَ جَمَاعَةً، وَصَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. فَإِنْ تَقَدَّمَتْهُنَّ صَحَّ لِكَوْنِهِ مَوْقِفًا فِي الْجُمْلَةِ لِلرَّجُلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ مَوْقِفَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَالَفَ الرَّجُلُ مَوْقِفَهُ، وَإِنْ أَمَّتْ وَاحِدَةً وَقَفَتْ عَنْ يَمِينِهَا كَالْمَأْمُومِ مِنَ الرِّجَالِ، فَإِنْ وَقَفَتْ خَلْفَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَوْقِفٌ لَهَا؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ. ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " تَبَعًا " لِلْكَافِي "، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ. غَرِيبَةٌ: قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: مِنَ الْأَدَبِ أَنْ يَضَعَ الْإِمَامُ نَعْلَهُ عَنْ يَسَارِهِ، وَالْمَأْمُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ، لِئَلَّا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ. [الْأَعْذَارُ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ] فَصْلٌ (وَيُعْذَرُ فِي) تَرْكِ (الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمَرِيضُ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا مَرِضَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 يُدَافِعُ أَحَدَ الْأَخْبَثَيْنِ، أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَالْخَائِفُ مِنْ ضَيَاعِ مَالِهِ أَوْ فَوَاتِهِ، أَوْ ضَرَرٍ فِيهِ. أَوْ مَوْتِ قَرِيبِهِ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ضَرَرٍ، أَوْ سُلْطَانٍ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] تَخَلَّفَ عَنِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ خَافَ طُولَ الْمَرَضِ أَوْ كَثْرَتَهُ، وَكَذَا خَوْفُ حُدُوثِهِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرَ الْعُذْرَ بِالْخَوْفِ وَالْمَرَضِ، لَكِنْ إِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِإِتْيَانِهَا رَاكِبًا وَمَحْمُولًا، أَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدٌ، أَوْ بِأَنْ يَقُودَ أَعْمَى لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ، وَقِيلَ: لَا، كَالْجَمَاعَةِ. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: فِي الْجُمُعَةِ يَكْتَرِي وَيَرْكَبُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ضَعْفٍ عَقِبَ الْمَرَضِ، فَأَمَّا مَعَ الْمَرَضِ فَلَا يَلْزَمُهُ لِبَقَاءِ الْعُذْرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا كَانَ فِي الْجَامِعِ، فَتَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ (وَمَنْ يُدَافِعُ أَحَدَ الْأَخْبَثَيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ) وَيَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِخَبَرِ أَنَسٍ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَعَنْهُ: مَا يَكْسِرُ بِهِ نَفْسَهُ، إِلَّا أَنْ يَخَافَ ضَرَرًا، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْجُمُعَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ بَدَأَ بِالطَّعَامِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، ابْتَدَرَ إِلَى الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَقَامَ وَصَلَّى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَالْخَائِفُ مِنْ ضَيَاعِ مَالِهِ أَوْ فَوَاتِهِ أَوْ ضَرَرٍ فِيهِ) كَمَنْ يَخَافُ عَلَى مَالِهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ سُلْطَانٍ، أَوْ يَخَافُ عَلَى بَهِيمَةٍ مِنْ سَبْعٍ أَوْ شُرُودٍ، وَكَمَنْ لَهُ خُبْزٌ فِي تَنُّورٍ، أَوْ طَعَامٌ عَلَى نَارٍ، أَوْ مَاءٌ فِي زَرْعٍ، أَوْ يَخَافُ ضَيَاعَ مَالِهِ، أَوْ إِبَاقَ عَبْدِهِ، أَوْ يَرْجُو وِجْدَانَهُمَا فِي تِلْكَ الْحَالِ، أَوْ يَكُونُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، أَوْ فَوَاتِ رُفْقَتِهِ، أَوْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ. أَوِ الْأَذَى بِالْمَطَرِ،   [المبدع في شرح المقنع] مُسْتَأْجَرًا عَلَى حِفْظِ مَالٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ اللَّاحِقَةَ بِذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ بَلِّ الثِّيَابِ بِالْمَطَرِ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: خَوْفُ فَوْتِ الْمَالِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ إِذَا لَمْ يُتَعَمَّدْ سَبَبُهُ، بَلْ حَصَلَ اتِّفَاقًا (أَوْ مَوْتِ قَرِيبِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ تَمْرِيضِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَخْدِمُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ، وَكَذَا إِنْ خَافَ عَلَى أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتُصْرِخَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ؛ وَهُوَ يَتَجَمَّرُ لِلْجُمُعَةِ، فَأَتَاهُ بِالْعَقِيقِ، وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. (أَوْ) يَخَافُ (عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ضَرَرٍ) كَسَبْعٍ أَوْ سَيْلٍ، وَنَحْوِهِمَا (أَوْ سُلْطَانٍ) يَأْخُذُهُ (أَوْ مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ، وَلَا شَيْءَ مَعَهُ) يُعْطِيهِ؛ لِأَنَّ حَبْسَ الْمُعْسِرِ ظُلْمٌ، وَكَذَا إِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَخَشِيَ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ دَيْنِهِ، فَلَا عُذْرَ، لِلنَّصِّ، فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِآدَمِيٍّ، أَوْ قِصَاصٌ، فَمِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَفَاؤُهُ، لَكِنْ فِي الْقِصَاصِ إِذَا رَجَا الْعَفْوَ عَلَى مَالٍ، وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ عُذْرٌ حَتَّى يُصَالِحَ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تَدْخُلُهَا الْمُصَالَحَةُ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ (أَوْ) أَرَادَ سَفَرًا مُبَاحًا إِنْشَاءً أَوِ اسْتِدَامَةً، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حِمْدَانَ، يَخَافُ (فَوْتِ رُفْقَتِهِ) لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا (أَوْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ) لِأَنَّ «رَجُلًا صَلَّى مَعَ مُعَاذٍ، ثُمَّ انْفَرَدَ فَصَلَّى وَحْدَهُ عِنْدَ تَطْوِيلِ مُعَاذٍ، وَخَوْفِ النُّعَاسِ وَالْمَشَقَّةِ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَخْبَرَهُ» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِغَلَبَتِهِ، سَوَاءٌ خَافَ فَوْتَهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ مَعَ الْإِمَامِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ " الشَّرْحِ "، وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ أَشْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَظَاهِرُ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ يُعْذَرُ إِذَا خَافَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وَالْوَحَلِ، وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ الْمُظْلِمَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَوْتَهَا مَعَ الْإِمَامِ فَقَطْ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ: يُعْذَرُ فِي الْجَمَاعَةِ لَا الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا؛ وَهُوَ ظَاهِرُ " الْكَافِي "، وَفِي " الْمُذْهَبِ " وَ " الْوَجِيزِ " يُعْذَرُ فِيهِمَا بِخَوْفِهِ نَقْضَ الْوُضُوءِ بِانْتِظَارِهِ (أَوِ الْأَذَى بِالْمَطَرِ وَالْوَحَلِ) لِأَخْبَارٍ، مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ، زَادَ مُسْلِمٌ: فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ، فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ» . وَثَلْجٌ، وَجَلِيدٌ، وَبَرَدٌ كَذَلِكَ، وَعَنْهُ: سَفَرًا. فَائِدَةٌ: الْوَحَلُ بِتَحْرِيكِ الْحَاءِ، وَالتَّسْكِينُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ. (وَالرِّيحُ الشَّدِيدَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْبَارِدَةِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَادِي مُنَادِيهُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَمْ يَقُلْ: فِي السَّفَرِ. وَفِي " الْفُرُوعِ " بِرِيحٍ بَارِدَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُهُمْ: مُظْلِمَةً، وَعَنْهُ: أَعْذَارٌ فِي السَّفَرِ. قَالَ الْآمِدِيُّ: الْأَعْذَارُ كَالْمَطَرِ، وَالْوَحَلِ، وَالرِّيحِ، أَعْذَارٌ فِي السَّفَرِ، وَفِي الْحَضَرِ، رِوَايَتَانِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّ كُلَّ مَا أَذْهَبَ الْخُشُوعَ كَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ عُذْرٌ، وَلِهَذَا جَعَلَهُ الْأَصْحَابُ كَالْبَرْدِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْحُكْمِ وَالْإِفْتَاءِ. مَسَائِلُ: يُلْحَقُ بِمَا تَقَدَّمَ إِذَا خَافَ تَطْوِيلَ الْإِمَامِ كَثِيرًا، وَلَيْسَ رُؤْيَةُ الْبَلَّةِ فِي طَرِيقِهِ عُذْرًا، نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ حُضُورُ الْمَسْجِدِ مَنْ أَكَلَ بَصَلًا أَوْ فِجْلًا، أَوْ نَحْوَهُ، حَتَّى يَذْهَبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ وَيُصَلِّي الْمَرِيضُ: كَمَا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» . فَإِنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، صَحَّتْ   [المبدع في شرح المقنع] رِيحُهُ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ خَلَا الْمَسْجِدُ مِنْ آدَمِيٍّ لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ، وَالْمُرَادُ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَسْجِدٍ، وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ، لَكِنْ إِنْ حَرُمَ دُخُولُهُ وَجَبَ إِخْرَاجُهُ، وَإِلَّا اسْتُحِبَّ. فَائِدَةٌ: يَقْطَعُ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ مَضْغُ السَّذَابِ أَوِ السَّعْدِ، قَالَهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا طَرَأَ بَعْضُ الْأَعْذَارِ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا حَقِيقَةً إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا خَرَجَ مِنْهَا، وَالْمَأْمُومُ يُفَارِقُ إِمَامَهُ وَيُتِمُّهَا أَوْ يَخْرُجُ مِنْهَا، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ] [صَلَاةُ الْمَرِيضِ] بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ الْأَعْذَارُ: جَمْعُ عُذْرٍ، كَأَقْفَالٍ جَمْعُ قُفْلٍ، (وَيُصَلِّي الْمَرِيضُ كَمَا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» خ) كَذَا وُجِدَ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ، وَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، زَادَ النَّسَائِيُّ: «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا» ، وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ، وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا، رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ لَزِمَهُ إِجْمَاعًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 صَلَاتُهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَيَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَوْ مُعْتَمِدًا إِلَى حَائِطٍ أَوْ نَحْوَهُ أَوْ عَلَى إِحْدَى رِجْلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَلْزَمُهُ اكْتِرَاءُ مَنْ يُقِيمُهُ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ، أَوْ يَلْحَقُهُ بِالْقِيَامِ ضَرَرٌ مِنْ زِيَادَةِ مَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ، صَلَّى قَاعِدًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] مُتَرَبِّعًا نَدْبًا. وَقِيلَ: وُجُوبًا، وَيَثْنِي رِجْلَيْهِ فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمُتَنَفِّلٍ، وَفِي " النِّهَايَةِ " وَ " الرِّعَايَةِ " إِنْ قَدَرَ أَنْ يَرْتَفِعَ إِلَى حَدِّ الرُّكُوعِ لَزِمَهُ، وَإِلَّا رَكَعَ جَالِسًا، وَعَنْهُ: إِنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ تَرَبَّعَ، وَإِلَّا افْتَرَشَ، وَلَا يَفْتَرِشُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ: لَا يَقْعُدُ إِلَّا إِنْ عَجَزَ عَنْ قِيَامِهِ لِدُنْيَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَأَسْقَطَهُ الْقَاضِي بِضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ، وَأَنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ حَتَّى ازْدَادَ مَرَضُهُ أَثِمَ، ثُمَّ إِنَّ الْإِمَامَ وَالْأَصْحَابَ اعْتَبَرُوا الْخَوْفَ؛ وَهُوَ ضِدُّ الْأَمْنِ فَقَالُوا: يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ إِذَا لَمْ يُؤْمَنْ هُجُومُ الْعَدُوِّ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُصَلِّي كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ كَانَ بِتَعَدِّيهِ بِضَرْبِ سَاقِهِ، كَتَعَدِّيهَا بِضَرْبِ بَطْنِهَا فَنَفِسَتْ، فَإِنْ عَجَزَ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ أَفْضَلُ، فَإِنْ صَلَّى عَلَى الْأَيْسَرِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ جَوَازُهُ، لِظَاهِرِ خَبَرِ عِمْرَانَ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ؛ وَهُوَ حَاصِلٌ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُكْرَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَيْمَنِ (فَإِنْ) تَرَكَهُ قَادِرٌ، وَ (صَلَّى عَلَى ظَهْرِهِ، وَرِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ذَكَرَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْمُذْهَبِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِقْبَالٍ، وَلِهَذَا يُوَجَّهُ الْمَيِّتُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، لِأَنَّهُ نَقَلَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصَلَاةِ عَلَى جَنْبٍ، فَدَلَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 مِنْ رُكُوعِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ، وَإِنْ قَدَرَ   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ ولِأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ بِوَجْهِهِ وَجُمْلَتِهِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يُصَلِّي كَيْفَ شَاءَ، كِلَاهُمَا جَائِزٌ، فَظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا، أَمَّا إِذَا عَجَزَ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى جَنْبٍ، تَعَيَّنَ أَنْ يُصَلِّيَ مُسْتَلْقِيًا وَجْهًا وَاحِدًا. (وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَاعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ مَا أَمْكَنَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَأَقَلُّ رُكُوعِهِ مُقَابَلَةُ وَجْهِهِ مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ أَدْنَى مُقَابَلَةٍ، وَتَتِمَّتُهَا الْكَمَالُ (وَيَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ) لِلْخَبَرِ، وَلِيَتَمَيَّزَ أحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، وَإِنْ سَجَدَ مَا أَمْكَنَهُ عَلَى شَيْءٍ رَفَعَهُ، كُرِهَ، وَأَجْزَأَهُ، نَصَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُمَكِّنُهُ مِنَ الِانْحِطَاطِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْمَأَ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً بِالْمَنْعِ كَيَدِهِ، وَلَا بَأْسَ بِسُجُودِهِ عَلَى وِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا، وَعَنْهُ: هُوَ أَوْلَى مِنَ الْإِيمَاءِ، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَ: وَنَهَى عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ (فَإِنْ عَجَزَ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي الْأَشْهَرِ (عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ) أَيْ: بِعَيْنِهِ، لِمَا رَوَى زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ» وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا يَلْزَمُهُ، وَصَوَّبَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يُومِئُ بِطَرْفِهِ أَوْ قَلْبِهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " يُومِئُ بِطَرْفِهِ نَاوِيًا مُسْتَحْضِرَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ، إِنْ عَجَزَ عَنْهُ بِقَلْبِهِ، كَأَسِيرٍ عَاجِزٍ لِخَوْفِهِ، وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 عَلَى الْقِيَامِ أَوِ الْقُعُودِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ وَأَتَمَّهَا، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَعَجَزَ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ قَائِمًا. وَبِالسُّجُودِ قَاعِدًا، وَإِذَا قَالَ ثِقَاتٌ   [المبدع في شرح المقنع] " الْخِلَافِ " زِيَادَةٌ عَلَيْهِمَا: أَوْ حَاجِبَيْهِ، وَقَاسَهُ عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْإِيمَاءُ بِيَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَلْزَمَهُ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: يُصَلِّي مُضْطَجِعًا وَيُومِئُ، فَأَطْلَقَ وُجُوبَ الْإِيمَاءِ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ. (وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ) مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا، ذَكَرَهُ وَنَصَرَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ، أَشْبَهَ الْقَادِرَ عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ، وَعَنْهُ: تَسْقُطُ، اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِظَاهِرِ خَبَرِ عِمْرَانَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ (وَإِنْ) صَلَّى قَاعِدًا ثُمَّ (قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ) صَلَّى عَلَى جَنْبٍ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى (الْقُعُودِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، انْتَقَلَ إِلَيْهِ وَأَتَمَّهَا) لِأَنَّ الْمُبِيحَ الْعَجْزُ، وَقَدْ زَالَ، وَلِأَنَّ مَا صَلَّى كَانَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا، وَمَا بَقِيَ قَدْ أَتَى بِالْوَاجِبِ فِيهِ، وَلَا يَقْرَأُ حَالَ نُهُوضِهِ إِلَى الْقِيَامِ، لَكِنْ إِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ قِيَامِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، قَامَ فَرَكَعَ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَعَكْسُهُ لَوْ مَرِضَ فِي أَثْنَائِهَا جَلَسَ، وَلَهُ الْقِرَاءَةُ فِي هُوِيِّهِ، وَيَأْتِي بِهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ) لَزِمَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَلِخَبَرِ عِمْرَانَ، وَلِأَنَّهُ رُكْنٌ قَدَرَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعَجْزِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْقِرَاءَةِ (وَعَجَزَ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ قَائِمًا) لِأَنَّ الرَّاكِعَ كَالْقَائِمِ فِي نَصْبِ رِجْلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُومِئَ بِهِ فِي قِيَامِهِ. (وَ) أَوْمَأَ (بِالسُّجُودِ قَاعِدًا) لِأَنَّ السَّاجِدَ كَالْجَالِسِ فِي جَمْعِ رِجْلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُومِئَ فِي جُلُوسِهِ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِيمَاءَيْنِ. مَسَائِلُ: مِنْهَا إِذَا كَانَ فِي بَيْتٍ سَقْفُهُ قَصِيرٌ يَتَعَذَّرُ خُرُوجُهُ مِنْهُ، أَوْ فِي سَفِينَةٍ يَعْجِزُ عَنِ الْقِيَامِ فِيهَا وَالْخُرُوجِ مِنْهَا، صَلَّى جَالِسًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلْ يَقُومُ مَا أَمْكَنَهُ كَالْأَحْدَبِ. وَمِنْهَا: إِذَا قَدَرَ قَائِمًا مُنْفَرِدًا، وَجَالِسًا جَمَاعَةً، خُيِّرَ بَيْنَهُمَا، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لِأَنَّهُ يَفْعَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَاجِبًا، وَيَتْرُكُ وَاجِبًا، وَقِيلَ: جَمَاعَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالطِّبِّ لِلْمَرِيضِ: إِنْ صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُكَ فَلَهُ ذَلِكَ. وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا لِقَادِرٍ عَلَى الْقِيَامِ. وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْفَرْضِ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] أَوْلَى، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ قَائِمًا مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ. وَمِنْهَا لَوْ تَقَوَّسَ ظَهْرُهُ فَصَارَ كَالرَّاكِعِ، فَمَتَى رَكَعَ زَادَ فِي انْحِنَائِهِ قَلِيلًا لِيَقَعَ الْفَرْقُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَحْنِيَ ظَهْرَهُ حَنَى رَقَبَتَهُ، وَإِذَا سَجَدَ قَرَّبَ وَجْهَهُ مِنَ الْأَرْضِ مَا أَمْكَنَهُ، وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى صَدْغَيْهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ. (وَإِذَا قَالَ ثِقَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالطِّبِّ) وَمَعْنَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " (لِلْمَرِيضِ) أَوْ لِمَنْ بِهِ رَمَدٌ وَنَحْوُهُ (إِنْ صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُكَ فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَّى جَالِسًا حِينَ جُحِشَ شِقُّهُ» ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ، بَلْ فَعَلَهُ، إِمَّا لِلْمَشَقَّةِ، أَوْ خَوْفِ الضَّرَرِ، أَشْبَهَ الْمَرَضَ، وَذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى عَافِيَتِهِ؛ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، وَيُشْتَرَطُ إِسْلَامُهُمْ وَثِقَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ، فَاشْتُرِطَ لَهُ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَلَيْسَ بِمُرَادٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الِاثْنَيْنِ كَافٍ، صَرَّحَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَحَكَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا. وَقِيلَ: عَنْ يَقِينٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ: إِنَّ الصَّوْمَ مِمَّا يُمَكِّنُ الْعِلَّةَ. [الصَّلَاةُ فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا] (وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا لِقَادِرٍ عَلَى الْقِيَامِ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى رُكْنِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا، وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ إِذَا عَجَزَ، وَقَدْ سَبَقَ، فَلَوْ قَدَرَ فِيهَا عَلَى انْتِصَابٍ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ حَدِّ الرَّاكِعِ فَظَاهِرُهُ اللُّزُومُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا صَلَّى حَسَبَ حَالِهِ فِيهَا، وَأَتَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ التَّيَامُنِ وَغَيْرِهِ، وَكُلَّمَا دَارَتِ انْحَرَفَ إِلَى الْقِبْلَةِ فِي الْفَرْضِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ كَالنَّفْلِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ ضَيِّقَةً لَا يُمْكِنُ كُلُّ مَنْ فِيهَا الصَّلَاةَ قَائِمًا فِي حَالَةٍ، صَلَّوْا فُرَادَى مَا لَمْ يَضِقِ الْوَقْتُ، وَإِنْ أَمْكَنَ الْإِتْيَانُ فِيهَا بِجَمِيعِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ، حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا، وَاقِفَةً كَانَتْ أَوْ مُسَافِرَةً، فَرْضًا كَانَتِ الصَّلَاةُ أَوْ نَفْلًا، قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " كَالصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَالَ اسْتِقْرَارٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 الرَّاحِلَةِ خَشْيَةَ التَّأَذِّي بِالْوَحَلِ. وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ جَمَاعَةٌ: مَتَى كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى أَصْحَابِهِ، لَمْ يَجِبْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ النَّفْلَ فِيهَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. مَسْأَلَةٌ: تُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِي السَّفِينَةِ، وَعَنْهُ: إِذَا صَلَّوْا جُلُوسًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَلَّى جَمَاعَةٌ فِيهَا قِيَامًا جَمَاعَةً، وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ، مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْبَيْهَقِيُّ. [صَلَاةُ الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ] (وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ) وَاقِفَةً وَسَائِرَةً، وَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ، وَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (خَشْيَةَ التَّأَذِّي بِالْوَحَلِ) نَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِمَا رَوَى يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى إِلَى مَضِيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ؛ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَالْبَلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُ إِيمَاءً، يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: العَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَفَعَلَهُ أَنَسٌ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَى النُّزُولِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَالْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ كَغَيْرِ حَالَةِ الْمَطَرِ، وَيُومِئُ بِالسُّجُودِ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ «لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ: أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ، وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْقِيَامَ وَالسُّجُودَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْمَطَرِ كَبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عُذْرٌ يُبِيحُ الْجَمْعَ، فَأَثَّرَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْيَسِيرِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مَسْجِدِهِ فِي الْمَدِينَةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ الَّذِي يُلَوِّثُ الثِّيَابَ وَالْبَدَنَ (وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ مَشَقَّةَ النُّزُولِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 فَصْلٌ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا، يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ خَاصَّةً إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] الْمَرَضِ أَكْثَرُ مِنْ مَشَقَّةِ النُّزُولِ بِالْمَطَرِ، لَكِنْ قَيَّدَهَا فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ النُّزُولَ، وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحْمَدُ بِخِلَافِهِ، وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُنْزِلُ مَرْضَاهُ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْأَرْضِ أَسْكَنُ لَهُ، وَأَمْكَنُ، بِخِلَافِ صَاحِبِ الطِّينِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ مَعَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ أَوْ زِيَادَةِ ضَرَرٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ. أَمَّا إِذَا خَافَ انْقِطَاعًا عَنِ الرُّفْقَةِ، أَوِ الْعَجْزَ عَنِ الرُّكُوبِ، فَيُصَلِّي كَخَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَدُوٍّ. فَرْعٌ: مَنْ أَتَى بِكُلِّ فَرْضٍ أَوْ شَرْطٍ لِلصَّلَاةِ، وَصَلَّى عَلَيْهَا بِلَا عُذْرٍ، أَوْ فِي سَفِينَةٍ وَنَحْوِهَا - مَنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ وَاقِفَةً، أَوْ سَائِرَةً، صَحَّتْ. وَمَنْ كَانَ فِي مَاءٍ وَطِينٍ أَوْمَأَ، كَمَصْلُوبٍ وَمَرْبُوطٍ، وَالْغَرِيقُ يَسْجُدُ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ. [فَصْلٌ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ] [السَّفَرُ الْمُبِيحُ لِلْقَصْرِ وَالْجَمْعِ وَالْإِفْطَارِ] فَصْلٌ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ أَجْمَعُوا عَلَى قَصْرِهَا بِشَرْطِهِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] عَلَّقَ الْقَصْرَ بِالْخَوْفِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى غَالِبِ أَسْفَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَكْثَرُهَا لَمْ يَخْلُ مِنْ عَدُوٍّ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْقَصْرَ قِسْمَانِ: مُطْلَقٌ؛ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ قَصْرُ الْأَفْعَالِ، وَالْعُذْرُ، كَصَلَاةِ الْخَوْفِ حَيْثُ كَانَ مُسَافِرًا، فَإِنَّهُ يَرْتَكِبُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي صَلَاةِ الْأَمْنِ، وَالْآيَةُ وَرَدَتْ عَلَى هَذَا. وَمُقَيَّدٌ؛ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ قَصْرُ الْعَدَدِ فَقَطْ كَالْمُسَافِرِ، أَوْ قَصْرُ الْعَمَلِ فَقَطْ، كَالْخَائِفِ؛ وَهُوَ حَسَنٌ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ «قَوْلُ يَعْلَى لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: مَا لَنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَظَاهِرُ مَا فَهِمْنَاهُ تَقْيِيدُ قَصْرِ الْعَدَدِ بِالْخَوْفِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ (إِنْ خِفْتُمْ) كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مَعْنَاهُ: وَإِنْ خِفْتُمْ. «وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا) ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَحَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَتَرَخَّصُ فِي الْعَوْدِ مِنَ السَّفَرِ؛ وَهُوَ مُبَاحٌ، وَكَالْغَزْوِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " سَفَرًا جَائِزًا؛ وَهُوَ أَعَمُّ، وَالْمُرَادُ مَنِ ابْتَدَأَ سَفَرًا مُبَاحًا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَالْأَصَحُّ: أَوْ هُوَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَتَرَخَّصُ فِي سَفَرِ النُّزْهَةِ وَالتَّفَرُّجِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا شُرِعَ إِعَانَةً عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِي هَذَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ اخْتِصَاصُهُ بِسَفَرِ الطَّاعَةِ. وَقَالَ فِي " الْمُبْهِجِ ": إِذَا سَافَرَ لِتِجَارَةٍ مُكَاثِرًا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ سَفَرُ مَعْصِيَةٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ وَهُوَ شَامِلٌ إِذَا غَرَبَتِ الْمَرْأَةُ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَلَهُ التَّرَخَّصُ، وَكَذَا الزَّانِي، وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ، وَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ فِي سَفَرٍ وَاجِبٍ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ، وَلَا قَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَبَاحَ فِي " التَّلْخِيصِ " تَنَاوُلَ الْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ عَصَى فِي سَفَرِهِ الْمُبَاحِ لَمْ يُمْنَعِ التَّرَخُّصَ، كَارْتِكَابِهَا فِي الْحَضَرِ لَا يَمْنَعُهُ، وَمَنْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إِلَى مَعْصِيَةٍ لَمْ يَتَرَخَّصْ فِي الْأَصَحِّ لِزَوَالِ سَبَبِهِ، وَإِنْ نَقَلَ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى مُبَاحٍ، وَقَدْ بَقِيَ مَسَافَةُ قَصْرٍ، قَصَرَ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ وُجُودَ مَا مَضَى مِنْ سَفَرِهِ كَعَدَمِهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا سَافَرَ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": لَا يُبَاحُ لَهُ التَّرَخُّصُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا لِثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: الصَّحِيحُ جَوَازُهُ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: السَّفَرُ الْمَكْرُوهُ كَزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ مُلْحَقٌ بِالسَّفَرِ الْمُحَرَّمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْحُلْوَانِيِّ هَلِ السَّفَرُ لِزِيَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبٌ، أَوْ طَاعَةٌ كَزِيَارَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. لَكِنْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: يَحْرُمُ الشَّدُّ إِلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجِبُ السَّفَرُ الْمَنْذُورُ إِلَى الْمَشَاهِدِ. (يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا) الْفَرْسَخُ وَاحِدُ الْفَرَاسِخِ؛ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ، وَبِأَمْيَالِ بَنِي أُمَيَّةَ مِيلَانِ وَنِصْفٌ، وَالْمِيلُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ، سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ، وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَةً مُعْتَدِلَةً، كُلُّ أُصْبُعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ، بُطُونُ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، عَرْضُ كُلِّ شُعَيْرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتِ بِرْذَوْنٍ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عَسَفَانَ» ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى، مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ احْتَجَّ بِهِ مَعَ تَضْعِيفِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ هَذَا تَقْرِيبٌ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: تَحْدِيدٌ، وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ سَوَاءٌ، فَلَوْ قَطَعَهُ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فِي الْبَحْرِ قَصَرَ، كَمَا لَوْ قَطَعَهَا فِي الْبَرِّ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمَيْنِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَسَالِكِ أَنَّ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الْقَطِيفَةِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِيلًا، وَمِنْ دِمَشْقَ إِلَى الْكُسْوَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا، وَعَنِ ابْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 رَكْعَتَيْنِ، إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ أَوْ خِيَامَ قَوْمِهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِتْمَامِ، وَإِنْ أَتَمَّ   [المبدع في شرح المقنع] عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ: يَقْصُرُ فِي يَوْمٍ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ دَحْيَةَ أَفْطَرَ فِي ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَأَفْطَرَ مَعَهُ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ، وَقِيلَ: تُقْصَرُ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مَسَافَةٌ تَجْمَعُ مَشَقَّةَ السَّفَرِ مِنَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، فَجَازَ الْقَصْرُ فِيهِ كَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ أَبَاحَ الْقَصْرَ لِكُلِّ مُسَافِرٍ إِلَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى خِلَافِهِ. (فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ خَاصَّةً إِلَى رَكْعَتَيْنِ) وَلَا قَصْرَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ إِجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ لَوْ قُصِرَتْ صَارَتْ رَكْعَةً، وَلَا نَظِيرَ لِذَلِكَ فِي الْفَرْضِ، وَالْمَغْرِبُ وَتْرُ النَّهَارِ، فَلَوْ قَصَرَ مِنْهَا رَكْعَةً لَمْ يَبْقَ وَتْرًا، وَرَكْعَتَانِ كَانَ إِجْحَافًا بِهَا، وَإِسْقَاطًا لِأَكْثَرِهَا، وَلَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْفَرْضِ (إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ أَوْ خِيَامَ قَوْمِهِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَوَّزَ الْقَصْرَ لِمَنْ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ، وَقَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ ضَارِبًا وَلَا مُسَافِرًا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَحَدُ طَرَفَيِ السَّفَرِ، أَشْبَهَ حَالَةَ الِانْتِهَاءِ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يَقْصُرُ إِذَا ارْتَحَلَ» ، فَعَلَى هَذَا يَقْصُرُ إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ، أَوْ لَا يَنْوِيَ الرُّجُوعَ قَرِيبًا، فَإِنْ فَعَلَ، لَمْ يَتَرَخَّصْ حَتَّى يَرْجِعَ وَيُفَارِقَهُ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ، لَكِنْ بَدَا لَهُ لِحَاجَةٍ، لَمْ يَتَرَخَّصْ بَعْدَ نِيَّةِ عَوْدِهِ حَتَّى يُفَارِقَهُ ثَانِيًا، وَقِيلَ: وَالْخَرَابُ، كَمَا لَوْ وَلِيَهُ عَامِرٌ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: أَوْ جَعَلَ مَزَارِعَ، وَبَسَاتِينَ يَسْكُنُهُ أَهْلُهُ، وَلَوْ فِي فَصْلِ النُّزْهَةِ، وَقِيلَ: يَقْصُرُ بِمُفَارَقَةِ سُورِ بَلَدِهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوِ اتَّصَلَ بِهِ بَلَدٌ، وَاعْتَبَرَ أَبُو الْمَعَالِي انْفِصَالَهُ وَلَوْ بِذِرَاعٍ، وَيُعْتَبَرُ فِي سَاكِنِ الْقُصُورِ وَالْبَسَاتِينِ مُفَارَقَةُ مَا نُسِبُوا إِلَيْهِ عُرْفًا (وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِتْمَامِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَاوَمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ الْإِتْمَامُ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَرَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» وَفِيهِ وَجْهُ أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَعَدَدًا؛ وَهُوَ الْأَصْلُ، أَشْبَهَ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ (وَإِنْ أَتَمَّ جَازَ) فِي الْمَشْهُورِ لِلْآيَةِ، وَلِحَدِيثِ يَعْلَى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَالَتْ عَائِشَةُ: «أَتَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصَرَ» قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَبَيَّنَ سَلْمَانُ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ بِمَحْضَرِ اثْنَيْ عَشَرَ صَحَابِيًّا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، «وَلَمَّا أَتَمَّتْ عَائِشَةُ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَحْسَنْتِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْقَصْرُ؛ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ، وَعَنْهُ: الْوَقْفُ، وَقَالَ مَرَّةً: لَا يُعْجِبُنِي الْإِتْمَامُ، وَكَرِهَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ. 1 - مَسَائِلُ: الْأُولَى: يُعْتَبَرُ تَحْقِيقُ الْمَسَافَةِ، فَلَوْ شَكَّ فِي قَدْرِ السَّفَرِ لَمْ يَقْصُرْ، وَإِنْ بَانَ بَعْدَهُ أَنَّهُ طَوِيلٌ، كَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ: مَتَى بَلَغَ الْمَسَافَةَ قَصَرَ، وَعَنْهُ: إِنْ بَلَغَ عِشْرِينَ فَرْسَخًا. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ جِهَةً مُعَيَّنَةً، فَلَوْ سَافَرَ وَلَمْ يَقْصِدْهَا لَمْ يَقْصُرْ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْجَزْمِ بِبُلُوغِ الْمَسَافَةِ، فَلَوْ عَلِمَ صَاحِبَهُ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ، وَنَوَى إِنْ وَجَدَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَقْصُرْ، وَقِيلَ: إِنْ بَلَغَ مَسَافَةَ قَصْرٍ قَصَرَ، وَكَذَا سَائِحٌ وَتَائِهٌ. الثَّالِثَةُ: إِذَا سَافَرَ لِيَتَرَخَّصَ، فَقَدْ ذَكَرُوا لَوْ سَافَرَ لِيُفْطِرَ حَرُمَ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَا خُفَّ فِي رِجْلِهِ، فَلَبِسَهُ لِغَرَضِ الْمَسْحِ خَاصَّةً، لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ، كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إِنْشَاءُ السَّفَرِ لِغَرَضِ التَّرَخُّصِ، وَيَأْتِي مَنْ سَافَرَ يَقْصِدُ حَلَّ يَمِينِهِ. الرَّابِعَةُ: يَقْصُرُ، وَيَتَرَخَّصُ مُسَافِرٌ مُكْرَهًا، كَأَسِيرٍ عَلَى الْأَصَحِّ، كَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ تَبَعًا لِزَوْجٍ وَسَيِّدٍ فِي نِيَّتِهِ وَسَفَرِهِ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ: لَا قَصْرَ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَالْجَيْشُ مَعَ الْأَمِيرِ، وَالْجُنْدِيُّ مَعَ أَمِيرِهِ إِنْ كَانَ رِزْقُهُمْ فِي مَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 جَازَ. فَإِنْ أَحْرَمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ، وَفِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ، أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِي سَفَرٍ، أَوْ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ، أَوِ ائْتَمَّ مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ. أَوْ بِمَنْ يَشُكُّ فِيهِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] أَنْفُسِهِمْ، فَفِي أَيِّهِمَا يَعْتَبِرُ نِيَّتَهُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِلَّا فَكَالْأَجِيرِ وَالْعَبْدِ لِشَرِيكَيْنِ تُرَجَّحُ نِيَّةُ إِقَامَةِ أَحَدِهِمَا، وَالْأَسِيرُ إِذَا صَارَ بِبَلَدِهِمْ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ فِي الْمَنْصُوصِ، تَبَعًا لِإِقَامَتِهِمْ، كَسَفَرِهِمْ. الْخَامِسَةُ: يُوتِرُ، وَيَرْكَعُ سُنَّةَ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ، وَيُخَيَّرُ فِي غَيْرِهِمَا، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: يُسَنُّ تَرْكُ غَيْرِهِمَا، وَأَطْلَقَ أَبُو الْمَعَالِي التَّخْيِيرَ فِي النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِي: يَتَطَوَّعُ أَفْضَلُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعًا. [هَلْ يَحْتَاجُ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ إِلَى نِيَّةٍ] (فَإِنْ أَحْرَمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ، وَفِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ) أَتَمَّ، نَصَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ اجْتَمَعَ لَهَا حُكْمُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَغَلَبَ حُكْمُ الْحَضَرِ كَالْمَسْحِ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ أَدَائِهَا، كَصَلَاةِ صِحَّةٍ فِي مَرَضٍ، وَالْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ فِي رَاكِبِ السَّفِينَةِ، فَلَوْ سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، لَمْ يَجُزِ الْقَصْرُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ فِعْلُهَا أَرْبَعًا، فَلَمْ يَجُزِ النُّقْصَانُ مِنْهَا، كَالْمَنْذُورَةِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا مُؤَدَّاةٌ فِي السَّفَرِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ وَقْتُهَا فِيهِ، وَقِيلَ: إِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ، لَمْ يَقْصُرْ وَجْهًا وَاحِدًا (أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِي سَفَرٍ) أَتَمَّهَا إِجْمَاعًا، حَكَاهَا أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: اخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ مُعْتَبَرٌ بِالْأَدَاءِ؛ وَهُوَ أَرْبَعٌ (أَوْ) ذَكَرَ (صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ) أَتَمَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ، فَبَطَلَ بِزَوَالِهِ كَالْمَسْحِ ثَلَاثًا، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَهَا مُسَافِرٌ عَمْدًا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا، أَوْ ضَاقَ عَنْهَا، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ كَالدَّيْنِ، وَالْأَصْلُ الْإِتْمَامُ، وَقِيلَ: يَقْصُرُ فِيهِمَا، إِذَا ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِي سَفَرٍ (أَوِ ائْتَمَّ مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ) أَتَمَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تِلْكَ السُّنَّةُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَرْدُودَةٌ مِنْ أَرْبَعٍ، فَلَا يُصَلِّيهَا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْأَرْبَعَ كَالْجُمُعَةِ، وَسَوَاءٌ أَدْرَكَ مَعَهُ جَمِيعَ الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْضَهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ يَلْزَمُهُ إِتْمَامُهَا، فَفَسَدَتْ وَأَعَادَهَا، أَوْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَحْتَاجُ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ إِلَى نِيَّةٍ. وَمَنْ لَهُ طَرِيقَانِ بَعِيدٌ وَقَرِيبٌ،   [المبدع في شرح المقنع] اعْتَقَدَهُ مُسَافِرًا أَوْ لَا، وَعَنْهُ: فِي رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ تَشَهُّدَ الْجُمُعَةِ؛ أَتَمَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَقْصُرُ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ: يَقْصُرُ مُسَافِرٌ مُطْلَقًا، كَمَا خَرَّجَ بَعْضُهُمْ إِيقَاعًا مَرَّتَيْنِ عَلَى صِحَّةِ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ، وَشَمِلَ مَا إِذَا أَحْرَمَ الْمُسَافِرُونَ خَلْفَ مُسَافِرٍ، فَأَحْدَثَ، وَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا، فَيَلْزَمُهُمُ الْإِتْمَامُ دُونَ إِمَامِهِمُ الْمُحْدِثِ (أَوْ بِمَنْ يَشُكُّ فِيهِ) أَيْ: فِي إِقَامَتِهِ وَسَفَرِهِ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، وَإِنْ بَانَ أَنَّ الْإِمَامَ مُسَافِرٌ لِعَدَمِ نِيَّتِهِ، لَكِنْ إِذَا عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ مُسَافِرٌ بِأَمَارَةٍ وَعَلَامَةٍ، كَهَيْئَةِ لِبَاسٍ إِلَّا أَنَّ إِمَامَهُ نَوَى الْقَصْرَ، فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَهُ عَمَلًا بِالظَّنِّ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ قَصَرَ قَصَرْتُ، وَإِنْ أَتَمَّ أَتْمَمْتُ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ سَبَقَ إِمَامَهُ الْحَدَثُ، فَخَرَجَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ، فَلَهُ الْقَصْرُ، عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (أَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ، يَلْزَمُهُ إِتْمَامُهَا) كَمَا لَوِ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ، أَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ (فَفَسَدَتْ) بِالْحَدَثِ، وَنَحْوِهِ (وَأَعَادَهَا) أَتَمَّ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، بِتَلَبُّسِهِ بِهَا، وَقِيلَ: إِنْ بَانَ أَنَّ الْإِمَامَ مُحْدِثٌ قَبْلَ السَّلَامِ، فَفِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ وَجْهَانِ (أَوْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ) عِنْدَ الْإِحْرَامِ (لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ مُطْلَقًا، انْصَرَفَ إِلَى الِانْفِرَادِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ، فَعَلَى هَذَا، إِنْ شَكَّ فِي النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّ، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ نَوَى الْقَصْرَ لَمْ يَقْصُرْ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ فَلَمْ يَزُلْ. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) وَجَمَاعَةٌ: (لَا يَحْتَاجُ الْجَمْعُ، وَالْقَصْرُ إِلَى نِيَّةٍ) لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَكَذَا بَعْدَهُ، وَالْقَصْرُ هُوَ الْأَصْلُ، لِخَبَرِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَلِأَنَّ السَّفَرَ حَالٌ يُبِيحُ الْقَصْرَ، فَإِذَا تَلَبَّسَ الْمُسَافِرُ بِهَا فِيهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، جَازَ لَهُ الْقَصْرُ، لِقِيَامِ السَّفَرِ مَقَامَ نِيَّتِهِ، كَالْإِتْمَامِ فِي الْحَضَرِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ، ثُمَّ أَرَادَ الْقَصْرَ قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْأَرْبَعَ قَدْ وُجِدَ. 1 - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 فَسَلَكَ الْبَعِيدَ، أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي آخَرَ، فَلَهُ الْقَصْرُ وَإِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ   [المبدع في شرح المقنع] مَسَائِلُ: مِنْهَا إِذَا صَلَّى مُسَافِرٌ وَمُقِيمٌ خَلْفَ مُسَافِرٌ، أَتَمَّ الْمُقِيمُ إِذَا سَلَّمَ إِمَامُهُ إِجْمَاعًا. وَمِنْهَا: إِذَا أَمَّ مُسَافِرٌ مُقِيمِينَ فَأَتَمَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ، صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِنِيَّةٍ، وَعَنْهُ: تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقِيمِينَ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، فَلَا يُؤَمُّ بِهِمَا مُفْتَرِضٌ. وَمِنْهَا: إِذَا انْتَقَلَ مُسَافِرٌ مِنَ الْقَصْرِ إِلَى الْإِتْمَامِ جَازَ، وَفَرْضُهُ الْأُولَيَانِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ عَمْدًا مَعَ بَقَاءِ نِيَّةِ الْقَصْرِ، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّةُ الْقَصْرِ، وَصَلَّى أَرْبَعًا، سَجَدَ لِلسَّهْوِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْأَشْهَرِ، فَإِنْ كَانَ إِمَامًا، وَعَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْإِتْمَامَ سَبَّحُوا بِهِ، وَلَمْ يُتَابِعُوهُ؛ لِأَنَّهُ سَهْوٌ، فَإِنْ تَابَعُوهُ، فَوَجْهَانِ. وَمِنْهَا: إِذَا شَكَّ هَلْ نَوَى إِمَامُهُ الْإِتْمَامَ، أَوْ قَامَ سَهْوًا، لَزِمَ مُتَابَعَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنْ قَامَ إِلَى ثَالِثَةٍ عَمْدًا أَتَمَّ، فَإِنْ سَلَّمَ مِنْهَا عَمْدًا بَطَلَتْ، وَإِنْ قَامَ سَهْوًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ، فَإِنْ شَاءَ سَجَدَ، وَجَلَسَ، وَإِنْ شَاءَ أَتَمَّ. وَمِنْهَا: إِذَا نَوَى مُسَافِرٌ الْقَصْرَ خَلْفَ مُقِيمٍ عَالِمًا بِذَلِكَ، لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ: بَلَى، وَيُتِمُّهَا، وَقِيلَ: وَيَقْصُرُهَا، وَفِي وُجُوبِ نِيَّةِ سَفَرِ الْقَصْرِ فِي أَوَّلِهِ وَجْهَانِ. وَإِذَا نَوَى الظُّهْرَ تَامَّةً مُسَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ خَلْفَ إِمَامِ جُمُعَةٍ، لَمْ يَصِحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ. [لَهُ طَرِيقَانِ بَعِيدٌ وَقَرِيبٌ فَسَلَكَ الْبَعِيدَ هَلْ لَهُ الْقَصْرُ] (وَمَنْ لَهُ طَرِيقَانِ بَعِيدٌ وَقَرِيبٌ، فَسَلَكَ الْبَعِيدَ) قَصَرَ، كَذَا فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ بَعِيدَةٌ، أَشْبَهَ الْمُنْفَرِدَ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْآخَرُ مَخُوفًا أَوْ مُشِقًّا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنْ سَلَكَهُ لِرَفْعِ أَذِيَّةٍ، وَاجْتِلَابِ نَفْعٍ، قَصَرَ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ لَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي سَفَرِ النُّزْهَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 أَكْثَرَ مِنْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً، أَتَمَّ، وَإِلَّا قَصَرَ. وَإِنْ أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ. أَوْ حُبِسَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ رُخَصِ السَّفَرِ (أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي) سَفَرٍ (آخَرَ، فَلَهُ الْقَصْرُ) لِأَنَّ وُجُوبَهَا وَفِعْلَهَا وُجِدَا فِي السَّفَرِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدَّاهَا، وَقِيلَ: يُتِمُّهَا لِذِكْرِهِ لَهَا فِي إِقَامَةٍ مُتَخَلِّلَةٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا ذَكَرَهَا فِيهِ أَنَّهُ يَقْصُرُ وِفَاقًا، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُتِمُّهَا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأَدَاءِ كَالْجُمُعَةِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَقَضَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ كَقَضَاءِ جَمِيعِهَا. [نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ أَكْثَرَ مِنْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً] (وَإِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ أَكْثَرَ مِنْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً) أَيِ: اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ صَلَاةً (أَتَمَّ، وَإِلَّا قَصَرَ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَفِي " الْكَافِي " أَنَّهُ " الْمَذْهَبُ " وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْأَكْثَرُ، لِمَا احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَمَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَقَامَ بِهَا الرَّابِعَ، وَالْخَامِسَ، وَالسَّادِسَ، وَالسَّابِعَ، وَصَلَّى الصُّبْحَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مِنًى، وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى إِقَامَتِهَا» . وَقَالَ أَنَسٌ: «أَقَمْنَا بِمَكَّةَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ حَدِيثَ أَنَسٍ، وَيَقُولُ: هُوَ كَلَامٌ لَيْسَ يَفْقَهُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَسَبَ مُقَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ وَمِنًى، وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا، وَعَنْهُ: إِنْ نَوَى إِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ، وَإِلَّا قَصَرَ، قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَحَقَّقَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَوَاهُ إِقَامَةُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَاجًّا، وَالْحَاجُّ لَا يَخْرُجُ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: إِنْ نَوَى إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ، وَإِلَّا قَصَرَ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» وَبِأَنَّ عُمَرَ أَجْلَى الْيَهُودَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا ثَلَاثًا، وَفِي " النَّصِيحَةِ " فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، بَلْ فِي رُسْتَاقٍ يَنْتَقِلُ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَقَصْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَةَ عَشْرًا، وَيُحْتَسَبُ يَوْمُ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمُدَّةِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِغَيْرِهِمْ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " إِنَّ إِقَامَةَ الْجَيْشِ لِلْغَزْوِ لَا يَمْنَعُ التَّرَخُّصَ، وَإِنْ طَالَ، لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَوْضِعٍ يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْإِقَامَةُ كَالْبَرِّيَّةِ لَا يَقْصُرُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ، وَالْمَذْهَبُ بَلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، فَلَغَتْ، وَبَقِيَ حُكْمُ السَّفَرِ الْأَوَّلِ مُسْتَدَامًا، فَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ إِقَامَةً مُطْلَقَةً، وَقِيلَ: بِمَوْضِعٍ تُقَامُ فِيهِ: إِنَّهُ يُتْمٌ، وَمَنْ نَوَى إِقَامَةً تَمْنَعُ الْقَصْرَ، ثُمَّ نَوَى السَّفَرَ قَبْلَ فَرَاغِهَا، فَقِيلَ: تَقْصُرُ، وَقِيلَ: إِذَا سَافَرَ. [أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ] (وَإِنْ أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ) قَصَرَ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» إِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ مَعْمَرٌ بِرِوَايَتِهِ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ مُرْسَلًا، «وَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ أَقَامَ فِيهَا تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَنَسٌ: أَقَامَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَامَهُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ مَا لَمْ يَجْمَعْ إِقَامَةً وَلَوْ أَتَى عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 ظُلْمًا، أَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، قَصَرَ أَبَدًا. وَالْمَلَّاحُ الَّذِي مَعَهُ أَهْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ بِبَلَدٍ، لَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ.   [المبدع في شرح المقنع] سُنُونَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ كَثْرَةُ ذَلِكَ أَوْ قِلَّتُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْكَافِي "، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: إِنْ ظَنَّ قَضَاءَ حَاجَتِهِ مِنِ اسْتِوَاءِ رِيحٍ أَوْ خُرُوجِ قَافِلَةٍ لَمْ يَقْصُرْ، كَمَا لَوْ عَلِمَ (أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا) قَصَرَ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ حَالَ الثَّلْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ، وَفِي مَعْنَاهُ إِذَا حَبَسَهُ مَرَضٌ أَوْ مَطَرٌ، فَإِنْ حُبِسَ بِحَقٍّ لَمْ يَقْصُرْ (أَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، قَصَرَ أَبَدًا) لِمَا تَقَدَّمَ، وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: يَقْصُرُ الَّذِي يَقُولُ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا، شَهْرًا، وَعَنْ سَعْدٍ أَنَّهُ أَقَامَ فِي بَعْضِ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ، وَلَا فَرْقَ إِذَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، أَوْ نَوَاهَا مُدَّةً لَا تَمْنَعُ الْقَصْرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ مُنْتَهَى قَصْدِهِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ، عَلَى الْمَنْصُوصِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامٍ الْخِرَقِيِّ، وَالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَصَرَ فِي حَجِّهِ مُدَّةَ مَقَامِهِ بِمَكَّةَ» ، وَكَانَ مُنْتَهَى قَصْدِهِ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِذَا كَانَ مُنْتَهَى قَصْدِهِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ لِانْتِهَاءِ سَفَرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَوْجُهُ، أَوْ تَزَوَّجَ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ عَلَى الْأَشْهُرِ، وَعَنْهُ: أَوْ أَهْلٌ أَوْ مَاشِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: أَوْ مَالٌ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ بِهِ وَلَدٌ أَوْ وَالِدٌ أَوْ دَارٌ، قَصَرَ، وَفِي أَهْلٍ غَيْرِهِمَا وَمَالٍ وَجْهَانِ. 1 - فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ إِذَا مَرَّ الْمُسَافِرُ بِوَطَنِهِ، أَتَمَّ، وَعَنْهُ: لَا، وَلَا حَاجَةَ فِيهِ، وَإِلَّا قَصَرَ. الثَّانِي: إِذَا نَسِيَ حَاجَةً فِي بَلَدِهِ فَرَجَعَ لِأَخْذِهَا عَنْ قُرْبٍ، قَصَرَ فِي رُجُوعِهِ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي وَجْهٍ: لَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَفِي رُجُوعِهِ إِلَى غَيْرِ وَطَنِهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهِ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ، لَمْ يَقْصُرْ فِي رُجُوعِهِ، وَقِيلَ: إِنْ قَصَدَ بَلَدًا بِعَيْنِهِ، وَنَوَى الرُّجُوعَ قَرِيبًا، قَصَرَ فِي رُجُوعِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا سَافَرَ مَنْ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ سَفَرًا طَوِيلًا، ثُمَّ كُلِّفَ بِالصَّلَاةِ فِي أَثْنَائِهِ، فَلَهُ الْقَصْرُ مُطْلَقًا فِيمَا بَقِيَ. [الْمَلَّاحُ الَّذِي مَعَهُ أَهْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ بِبَلَدٍ] (وَالْمَلَّاحُ) صَاحِبُ السَّفِينَةِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (الَّذِي مَعَهُ أَهْلُهُ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ بِبَلَدٍ، لَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ) أَيْ: يُعْتَبَرُ لِلسَّفَرِ الْمُبِيحِ كَوْنُهُ مُنْقَطِعًا، فَإِنْ كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءَيْنِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: السَّفَرِ الطَّوِيلِ، وَالْمَرَضِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِتَرْكِ الْجَمْعِ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ،   [المبدع في شرح المقنع] دَائِمًا كَمَا مَثَّلَهُ، لَمْ يَتَرَخَّصْ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاعِنٍ عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ، أَشْبَهَ الْمُقِيمَ. فَعَلَى هَذَا لَا يَتَرَخَّصُ بِفِطْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِيهِ فِي السَّفَرِ، وَكَمَا تَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ مَكَانَهَا كَمُقِيمٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنِ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ، فَلَوِ انْتَفَى أَحَدُهُمَا لَمْ يُمْنَعِ التَّرَخُّصُ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْقَاضِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَهْلُهُ؛ وَهُوَ خِلَافُ نُصُوصِهِ؛ لِأَنَّ الشَّبَهَ لَا يَحْصُلُ حَقِيقَةً إِلَّا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ، وَمِثْلُهُ مُكَارٍ، وَسَاعٍ، وَبَرِيدٌ، وَرَاعٍ، وَنَحْوُهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ عَنْهُ: يَتَرَخَّصُ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ أَهْلُهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ. [فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ] [سَبَبُ الْجَمْعِ وَكَيْفِيَّتُهُ] فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ (يَجُوزُ الْجَمْعُ) وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ، وَعَنْهُ: فَعَلَهُ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَغَيْرُهُ، كَجَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَعَنْهُ: التَّوَقُّفُ (بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءَيْنِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا) فَهَذِهِ الْأَرْبَعُ هِيَ الَّتِي تُجْمَعُ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا، الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَالْمَغْرِبُ، وَالْعَشَاءُ (لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: السَّفَرِ الطَّوِيلِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِمَا رَوَى مُعَاذٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ؛ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ رَفْعِ الشَّمْسِ، صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَعَنْ أَنَسٍ مَعْنَاهُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَازِلًا أَوْ سَائِرًا فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَوِ التَّأْخِيرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ إِلَّا لِسَائِرٍ، وَعَنْهُ: لِسَائِرٍ وَقْتَ الْأُولَى فَيُؤَخِّرُ إِلَى الثَّانِيَةِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ لِمَا «رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَشَاءِ. قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ صِفَةَ الْجَمْعِ فِعْلُ الْأُولَى آخِرَ وَقْتِهَا، وَالثَّانِيَةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْقَصْرِ عَلَى " الْمَذْهَبِ "، وَفِيهِ وَجْهٌ. (وَالْمَرَضِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِتَرْكِ الْجَمْعِ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَغَيْرِهِ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَا عُذْرَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا الْمَرَضُ، وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْجَمْعِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ؛ وَهِيَ نَوْعُ مَرَضٍ، وَفِي " الْوَجِيزِ " يَجُوزُ بِكُلِّ عُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، عَدَا النُّعَاسِ وَنَحْوِهِ، انْتَهَى، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ الْمَرَضَ أَشَدُّ مِنَ السَّفَرِ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ: إِنْ جَازَ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بَعْدَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ، لِمَا سَبَقَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وَالْمَطَرِ الَّذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ. إِلَّا أَنَّ جَمْعَ الْمَطَرِ يَخْتَصُّ الْعِشَاءَيْنِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَهَلْ يَجُوزُ لِأَجْلِ الْوَحَلِ أَوِ الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ، أَوْ لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي مَسْجِدِ طَرِيقِهِ تَحْتَ سَابَاطٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيَفْعَلُ الْأَرْفَقَ بِهِ مِنْ تَأْخِيرِ   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لِمُرْضِعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِلْمَشَقَّةِ بِكَثْرَةِ النَّجَاسَةِ، وَفِي " الْوَسِيلَةِ " رِوَايَةٌ: لَا. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: كَمَرِيضٍ، وَكَمَنْ لَهُ سَلَسُ الْبَوْلِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَلِكُلِّ مَنْ يَعْجِزُ عَنِ الطَّهَارَةِ وَالتَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَعَنْ مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ، كَأَعْمَى وَنَحْوِهِ، أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَمَنْ لَهُ شَغْلٌ أَوْ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُ (وَالْمَطَرِ الَّذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، رَوَاهُ مَالِكٌ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا كَانَ يَوْمُ مَطَرٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَرَوَى النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ، وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ» وَحُكْمُ الثَّلْجِ كَذَلِكَ فِي الْمَنْصُوصِ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ: لَا يَجُوزُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِطَلٍّ، وَلَا لِمَطَرٍ خَفِيفٍ لَا يَبُلُّ الثِّيَابَ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ. (إِلَّا أَنَّ جَمْعَ الْمَطَرِ يَخْتَصُّ الْعِشَاءَيْنِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ الْأَشْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ إِلَّا فِي الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ، وَمَشَقَّتُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمَا يُفْعَلَانِ فِي الظُّلْمَةِ، وَمَشَقَّةُ السَّفَرِ لِأَجْلِ السَّيْرِ وَفَوَاتِ الرُّفْقَةِ؛ وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، وَالثَّانِي: يَجُوزُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَالْعِشَاءَيْنِ؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُذْهَبِ "؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى أَبَاحَ الْجَمْعَ، فَأَبَاحَهُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَالسَّفَرِ (وَهَلْ يَجُوزُ لِأَجَلِ الْوَحَلِ، أَوِ الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ، أَوْ لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي مَسْجِدِ طَرِيقِهِ تَحْتَ سَابَاطٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: يَجُوزُ الْجَمْعُ لِأَجْلِ الْوَحَلِ فِي الْأَصَحِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 الْأُولَى إِلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ، أَوْ تَقْدِيمِ الثَّانِيَةِ إِلَيْهَا. وَلِلْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى ثَلَاثَةُ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْقَاضِي: قَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ عُذْرٌ يُبِيحُ الْجَمْعَ بِمُجَرَّدِهِ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْمَشَقَّةُ كَالْمَطَرِ، وَالثَّانِي: لَا يُبِيحُهُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ مَشَقَّتَهُ دُونَ مَشَقَّةِ الْمَطَرِ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَأَذَّى بِهِ فِي نَفْسِهِ وَثِيَابِهِ، وَذَلِكَ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنَ الْبَلَلِ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَيَّدَهُ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ " بِاللَّيْلِ، وَظَاهِرُ كَلَامٍ ابْنِ أَبِي مُوسَى اعْتِبَارُ الظُّلْمَةِ لَيْلًا. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ فِي الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ صَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ أَحْمَدُ: فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَجْمَعُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ، زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ: لَيْلًا، وَزَادَ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَ " الْكَافِي "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " مَعَ ظُلْمَةٍ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، وَقَدْ عُلِمَا. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ فِي بَيْتِهِ، أَوْ مَسْجِدِ طَرِيقِهِ تَحْتَ سَابَاطٍ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ خُطُوَاتٌ يَسِيرَةٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ الْعَامَّةَ يَسْتَوِي فِيهَا حَالُ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا، كَالسَّفَرِ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمَذْهَبِ " لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ جَمَاعَةً فِي وَقْتِهَا لَمْ يَجْمَعْ، وَإِلَّا جَمَعَ (وَيَفْعَلُ الْأَرْفَقَ بِهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْأُولَى إِلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ، أَوْ تَقْدِيمِ الثَّانِيَةِ إِلَيْهَا) كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ، تَفَرَّدَ بِهِ قُتَيْبَةُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: قُلْتُ لَهُ: مَعَ مَنْ كَتَبْتَ هَذَا عَنِ اللَّيْثِ؛ قَالَ: مَعَ خَالِدٍ الْمَدَائِنِيِّ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَخَالِدٌ هَذَا كَانَ يُدْخِلُ الْأَحَادِيثَ عَلَى الشُّيُوخِ، وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، «وَأَخَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ يَوْمًا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ خَرَجَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 شُرُوطٍ: نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ إِحْرَامِهَا، وَيُحْتَمَلُ تَجْزِئَةُ النِّيَّةُ قَبْلَ سَلَامِهَا، وَأَنْ لَا   [المبدع في شرح المقنع] فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتُ الْإِسْنَادِ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بِحَالِهِ كَسَائِرِ رُخَصِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ السَّيْرِ فِي رِوَايَةٍ، وَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ: أَنَّ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَفْضَلُ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنَ الْخِلَافِ، وَعَمَلٌ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، وَقِيلَ: فِي جَمْعِ السَّفَرِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيمُ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَأَنَّ فِي جَمْعِ السَّفَرِ تُؤَخَّرُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا هُوَ قَوْلٌ فِي " الْمَذْهَبِ " وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ ظَاهِرَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ؛ وَهُوَ يَعُمُّ أَقْسَامَهُ. لَكِنْ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا شَيْئًا. قَالَ أَحْمَدُ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إِذَا اخْتَلَطَ الظَّلَامُ أَوْ غَابَ الشَّفَقُ، فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ. [شُرُوطُ الْجَمْعِ] (وَلِلْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ) : الْأَوَّلُ: (نِيَّةُ الْجَمْعِ) فِي الْأَشْهَرِ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ عُمِلَ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (عِنْدَ إِحْرَامِهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ اشْتُرِطَتْ فِيهَا النِّيَّةُ اعْتُبِرَتْ فِي أَوَّلِهَا، كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُجْزِئَهُ النِّيَّةُ قَبْلَ سَلَامِهَا) هَذَا قَوْلٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْجَمْعِ مِنَ الْأُولَى إِلَى الشُّرُوعِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِذَا لَمْ تَتَأَخَّرِ النِّيَّةُ عَنْهُ أَجْزَأَهُ، وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ بَعْدَ سَلَامِ الْأُولَى قَبْلَ إِحْرَامِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ: مَحَلُّ النِّيَّةِ عِنْدَ إِحْرَامِ الثَّانِيَةِ لَا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ، وَعَلَى الْأُولَى: لَا تَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ؛ وَهُوَ الْأَشْهَرُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ. فَإِنْ صَلَّى السُّنَّةَ بَيْنَهُمَا، بَطَلَ الْجَمْعُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ، وَسَلَامِ الْأُولَى.   [المبدع في شرح المقنع] (وَ) الثَّانِي: الْمُوَالَاةُ؛ وَهُوَ (أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا) فُرْقَةً طَوِيلَةً؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُتَابِعَةُ وَالْمُقَارِنَةُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ التَّفْرِيقِ الطَّوِيلِ، وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ تَقْدِيمِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ لِتَكُونَ الثَّانِيَةُ تَابِعَةً؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ وَقْتُهَا، وَسَوَاءٌ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ؛ لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا هُنَا تَبَعٌ لِاسْتِقْرَارِهَا، كَالْفَوَائِتِ (إِلَّا بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ؛ وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهُمَا مِنْ مَصَالِحِ الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُهُ تَقْدِيرُ الْيَسِيرِ بِذَلِكَ، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّ مَرْجِعَهُ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْوُضُوءُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، فَإِنْ طَالَ، بَطَلَ الْجَمْعُ، وَاسْتَثْنَى مَعَهُمَا جَمَاعَةَ الذِّكْرِ الْيَسِيرِ، كَتَكْبِيرِ عِيدٍ. فَإِنْ صَلَّى السُّنَّةَ بَيْنَهُمَا، بَطَلَ الْجَمْعُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ وَهُوَ ظَاهِرُ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ، فَبَطَلَ، كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةً، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَمْ يَقَعِ الْفَصْلُ بِأَجْنَبِيٍّ، كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " يَجُوزُ تَنَفُّلُهُ بَيْنَهُمَا، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَطَّوَّعَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُطِلِ الصَّلَاةَ، فَإِنْ أَطَالَهَا، بَطَلَ الجَمْعُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ، جَازَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْجَمْعَ يَبْطُلُ بِالتَّفْرِيقِ الْيَسِيرِ، وَاعْتَبَرَ فِي " الْفُصُولِ " الْمُوَالَاةَ. قَالَ: وَمَعْنَاهَا أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ وَلَا كَلَامٍ، لِئَلَّا يَزُولَ مَعْنَى الِاسْمِ؛ وَهُوَ الْجَمْعُ. وَقَالَ: إِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الثَّانِيَةِ، وَقُلْنَا: تَبْطُلُ بِهِ فَتَوَضَّأَ، أَوِ اغْتَسَلَ وَلَمْ يَطُلْ، فَفِي بُطْلَانِ جَمْعِهِ احْتِمَالَانِ. (وَ) الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ) الْمُبِيحُ (مَوْجُودًا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ، وَسَلَامِ الْأُولَى) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، كَفَاهُ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى، مَا لَمْ يَضِقْ عَنْ   [المبدع في شرح المقنع] كَذَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمْ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْأُولَى مَوْضِعُ النِّيَّةِ وَفَرَاغُهَا، وَافْتِتَاحُ الثَّانِيَةِ مَوْضِعُ الْجَمْعِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى، وَأَنَّهُ مَتَى انْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ صَحَّ الْجَمْعُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: سَوَاءٌ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الْجَمْعِ أَوْ لَا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ فِي الْأُولَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ الْمَطَرُ فِي الْأُولَى وَلَمْ يَعُدْ، أَنَّهُ يَبْطُلُ الْجَمْعُ، لَكِنْ إِنْ حَصَلَ وَحَلٌ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ لَهُ، لَمْ يَبْطُلْ، وَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْعُذْرِ إِلَى فَرَاغِ الثَّانِيَةِ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَإِنِ انْقَطَعَ السَّفَرُ فِي الْأُولَى، بَطَلَ الْجَمْعُ مُطْلَقًا، وَيَصِحُّ وَيُتِمُّهَا، وَإِنِ انْقَطَعَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا، أَوْ دَخَلَتِ السَّفِينَةُ الْبَلَدَ، بَطَلَ الْجَمْعُ، كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا كَالْقَصْرِ وَالْمَسْحِ. فَعَلَى هَذَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ الْجَمْعُ كَانْقِطَاعِ الْمَطَرِ فِي الْأَشْهَرِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ، لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَيَخْلُفُهُ الْوَحَلُ؛ وَهُوَ عُذْرٌ مُبِيحٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَمَرِيضٌ كَمُسَافِرٍ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ إِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ، أَوْ أَقَامَ، أَوْ عُوفِيَ الْمَرِيضُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ، صَحَّ الْجَمْعُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، كَمَا لَوْ قَدِمَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ. (وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَفَاهُ) أَيْ: أَجْزَأَهُ (نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأَوْلَى) لِأَنَّهُ مَتَى أَخَّرَهَا عَنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، صَارَتْ قَضَاءً لَا جَمْعًا (مَا لَمْ يَضِقْ عَنْ فِعْلِهَا) كَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنِ الْقَدْرِ الَّذِي يَضِيقُ عَنْ فِعْلِهَا حَرَامٌ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: أَنْ يَنْوِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْأُولَى بِقَدْرِهَا، لِفَوْتِ فَائِدَةِ الْجَمْعِ؛ وَهِيَ التَّخْفِيفُ بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: أَوْ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ أَوْ رَكْعَةٍ، وَذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " احْتِمَالًا؛ لِأَنَّهُ يُدْرِكُهَا بِهِ، وَحَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: يَنْوِيهِ مِنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ (وَ) يُشْتَرَطُ (اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ لِلْجَمْعِ الْعُذْرُ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ، وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ، لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي، كَالْمَرِيضِ يَبْرَأُ، وَالْمُسَافِرِ يَقْدِمُ، وَالْمَطَرِ يَنْقَطِعُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْعُذْرِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُمَا صَارَتَا وَاجِبَتَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 فِعْلِهَا، وَاسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ. وَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ.   [المبدع في شرح المقنع] فِعْلِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ فِي الْجَمْعَيْنِ، لَكِنْ إِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": أَوْ ضَاقَ وَقْتُ الْأُولَى عَنْ إِحْدَاهُمَا، فَفِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ لِضِيقِهِ وَجْهَانِ (وَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ: مِمَّا تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُهُ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ مِنْ نِيَّةِ الْجَمْعِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ، وَوُجُودِ الْعُذْرِ عِنْدَ إِحْرَامِهِمَا، وَسَلَامِ الْأُولَى، وَالْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَفْعُولَةٌ فِي وَقْتِهَا، فَهِيَ أَدَاءٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَالْأُولَى مَعَهَا كَصَلَاةٍ فَائِتَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى الشَّيْءِ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ التَّفْرِيقِ، فَعَلَى هَذَا: إِنْ تَرَكَ الْمُوَالَاةَ أَثِمَ، وَصَحَّتْ، كَمَا لَوْ صَلَّى الْأُولَى مَعَ وَقْتِهَا مَعَ نِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ تَرَكَهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ بَيْنَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَلَّى الْأُولَى وَحْدَهُ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، أَوْ صَلَّى إِمَامٌ الْأُولَى، وَإِمَامٌ الثَّانِيَةَ، أَوْ صَلَّى مَعَهُ مَأْمُومٌ الْأُولَى، وَأُخِّرَ الثَّانِيَةَ، أَوْ نَوَى الْجَمْعَ خَلْفَ مَنْ لَا يَجْمَعُ، أَوْ بِمَنْ لَا يَجْمَعُ، صَحَّ. مَسَائِلُ: الْأُولَى إِذَا بَانَ فَسَادُ أُولَاهُمَا بَعْدَ الْجَمْعِ بِنِسْيَانِ رُكْنٍ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ، وَكَذَا الثَّانِيَةُ، فَلَا جَمْعَ، وَلَا تَبْطُلُ الْأَوْلَى بِبُطْلَانِ الثَّانِيَةِ، وَلَا الْجَمْعُ إِنْ صَلَّاهَا قَرِيبًا، وَإِنْ تَرَكَ رُكْنًا، وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا تَرَكَهُ، أَعَادَهُمَا إِنْ بَقِيَ الْوَقْتُ، وَإِلَّا قَضَاهُمَا. الثَّانِيَةُ: السُّنَّةُ تَتْبَعُ الْفَرْضَ تَقَدُّمًا وَتَأَخُّرًا، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ فِعْلُ سُنَّةِ الظُّهْرِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ جَمْعًا، وَقِيلَ: إِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ، لِبَقَاءِ الْوَقْتِ إِذَنْ. الثَّالِثَةُ: صَلَاةُ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ كَغَيْرِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْجَمْعَ وَالْقَصْرَ مُطْلَقًا، وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ: الْجَمْعُ فَقَطْ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ. وَلِامْتِنَاعِ الْقَصْرِ لِلْمَكِّيِّ. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى أَحَدٌ مِنْهُمُ الْمَوْسِمَ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْدِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنَ الْمَدِينَةِ» ، وَقَالَ عَطَاءٌ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُوَلَّى أَحَدٌ مِنْهُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَوْ سِتَّةٍ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْ فَعَلَهُ، فَمِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، صَفَّ الْإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِهِمْ جَمِيعًا إِلَى أَنْ يَسْجُدَ،   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ] [أَنْوَاعُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةَ، وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثَبَتَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ، وَتَخْصِيصُهُ بِالْخِطَابِ لَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْحُكْمِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَبِالسُّنَّةِ، وَقَدْ ثَبَتَ وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّاهَا، وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى فِعْلِهَا، وَصَلَّاهَا عَلِيٌّ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَحُذَيْفَةُ. فَإِنْ قُلْتَ: فَالنَّبِيُّ لَمْ يُصَلِّهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ؟ وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِهَا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَسِيَهَا يَوْمَئِذٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ قِتَالٌ يَمْنَعُهُ مِنْهَا. (قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ: (صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ، أَوْ سِتَّةٍ) وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: سِتَّةِ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٍ (كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْ فَعَلَهُ) قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَقُولُ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا أَوْ تَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهَا؟ قَالَ: أَنَا أَقُولُ مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهَا كُلِّهَا فَحَسَنٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلٍ فَأَنَا أَخْتَارُهُ. وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ مُبَاحَ الْقِتَالِ، سَفَرًا كَانَ أَوْ حَضَرًا، مَعَ خَوْفِ هُجُومِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِهِ {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] (فَمِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ، صَفَّ الْإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ) قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ أَكْثَرَ (فَصَلَّى بِهِمْ جَمِيعًا) مِنَ الْإِحْرَامِ، وَالْقِيَامِ، وَالرُّكُوعِ، وَالرَّفْعِ مِنْهُ (إِلَى أَنْ يَسْجُدَ فَيَسْجُدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 فَيَسْجُدَ مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَيَحْرُسُ الْآخَرُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إِلَى الثَّانِيَةِ، فَيَسْجُدَ وَيَلْحَقَهُ، فَإِذَا سَجَدَ فِي الثَّانِيَةِ، سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِي حَرَسَ، وَحَرَسَ الْآخَرُ حَتَّى يَجْلِسَ الْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ، فَيَسْجُدَ وَيَلْحَقَهُ، فَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ بِهِمْ.   [المبدع في شرح المقنع] مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَيَحْرُسُ الْآخَرُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إِلَى الثَّانِيَةِ فَيَسْجُدَ وَيَلْحَقَهُ، فَإِذَا سَجَدَ فِي الثَّانِيَةِ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِي حَرَسَ، وَحَرَسَ الْآخَرُ حَتَّى يَجْلِسَ فِي التَّشَهُّدِ فَيَسْجُدَ، وَيَلْحَقَهُ فَيَتَشَهَّدَ، وَيُسَلِّمَ بِهِمْ) جَمِيعًا. هَذِهِ الصِّفَةُ رَوَاهَا جَابِرٌ قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفَّنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، وَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ، وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ، وَالصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ، وَرَوَى هَذِهِ الصِّفَةَ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَّقِيِّ، قَالَ: «فَصَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً بِعَسَفَانَ، وَمَرَّةً بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ» ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ هُنَا تَأَخُّرَ الْمُتَقَدِّمِ، وَتَقَدُّمَ الْمُؤَخَّرِ؛ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْخَبَرِ كَمَا تَرَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " فَقِيلَ: هُوَ أَوْلَى لِلتَّسَاوِي فِي فَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ، وَلِقُرْبِ مُوَاجَهَةِ الْعَدُوِّ، وَقِيلَ: تَجُوزُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَحْرُسُ السَّاجِدُ مَعَهُ أَوَّلًا، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ لَا يَسْجُدُونَ مَعَ الْإِمَامِ، بَلْ يَقِفُونَ حَرَسًا؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَإِنْ حَرَسَ بَعْضُ الصَّفِّ، أَوْ جَعَلَهُمْ صَفًّا وَاحِدًا، جَازَ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْلَى، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَخْفَى بَعْضُهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 الْوَجْهُ الثَّانِي: إِذَا كَانَ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، جَعَلَ طَائِفَةً حِذَاءَ الْعَدُوِّ، وَطَائِفَةً تُصَلِّي مَعَهُ رَكْعَةً، فَإِذَا قَامُوا إِلَى الثَّانِيَةِ، ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا أُخْرَى. وَسَلَّمَتْ وَمَضَتْ إِلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الْأُخْرَى، فَصَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ، أَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا أُخْرَى، وَتَشَهَّدَتْ، وَسَلَّمَ بِهِمْ. فَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ   [المبدع في شرح المقنع] عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ لَا يَخَافُوا كَمِينًا. زَادَ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ فِي " التَّلْخِيصِ ": أَوْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمْ كَثْرَةٌ بِأَنْ يَحْرُسَ بَعْضُهُمْ، وَيُصَلِّيَ بَعْضٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ. (الْوَجْهُ الثَّانِي: إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةَ الْقِبْلَةِ، جَعَلَ طَائِفَةً حَذْوَ الْعَدُوِّ، وَطَائِفَةً تُصَلِّي مَعَهُ رَكْعَةً، فَإِذَا قَامُوا إِلَى الثَّانِيَةِ، ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا أُخْرَى، وَسَلَّمَتْ، وَمَضَتْ إِلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الْأُخْرَى فَصَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ أَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا أُخْرَى، وَتَشَهَّدَتْ، وَسَلَّمَ بِهِمْ) وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ خَوَاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ: «أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةً وُجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، وَصَفُّوا وُجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» وَصَحَّ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ أَنَكَى لِلْعَدُوِّ، وَأَقَلُّ فِي الْأَفْعَالِ؛ وَهُوَ أَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ، وَإِنْ صَلَّى كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ؛ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، جَازَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ؛ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهَا تُفْعَلُ، وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ شَيْخُنَا: نَصُّ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ تُمْكِنْ صَلَاةُ عَسَفَانَ، لِانْتِشَارِ الْعَدُوِّ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أَمْكَنَتْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَوْلُهُ: (جَعَلَ طَائِفَةً حَذْوَ الْعَدُوِّ) ، شَرَطَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " التَّلْخِيصِ " أَنْ يَكُونَ الْمُصَلُّونَ يُمْكِنُ تَفْرِيقُهُمْ طَائِفَتَيْنِ، كُلُّ طَائِفَةٍ ثَلَاثَةٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا سَجَدُوا} [النساء: 102] وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَذَهَبَ الْمُؤَلِّفُ وَجَمْعٌ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ يَصِحُّ بِهِ الْجَمَاعَةُ، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ طَائِفَةٌ كَالثَّلَاثَةِ، بَلْ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْوَاحِدُ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَإِنْ كَانَ كُلُّ طَائِفَةٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، كُرِهَ، وَصَحَّ، وَظَاهِرُهُ لَا يَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِكِفَايَتِهَا، وَحِرَاسَتِهَا، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: بِحَيْثُ يَحْرُمُ فِرَارُهَا، فَإِنْ فَرَّطَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ أَثِمَ؛ وَهُوَ صَغِيرَةٌ، الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: يَفْسُقُ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، كَالْمُوَدِّعِ، وَمَتَى خَشِيَ اخْتِلَالَ حَالِهِمْ، وَاحْتِيجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْهَزَ إِلَيْهِمْ بِمَنْ مَعَهُ، وَثَبَتُوا عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمْ، فَإِنْ أَتَى الطَّائِفَةَ الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ مَدَدٌ، اسْتَغْنَتْ بِهِ عَنِ الْحِرَاسَةِ، فَهَلْ تَتْرُكُ الْحِرَاسَةَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ وَتُصَلِّي؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَعَلَيْهِمَا مَتَى صَلَّتْ، فَصَلَاتُهَا صَحِيحَةٌ. قَوْلُهُ: (وَطَائِفَةٌ تُصَلِّي مَعَهُ رَكْعَةً) ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَ لَهُمُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا عَلَى التَّخْفِيفِ، وَكَذَا الطَّائِفَةُ الَّتِي تُفَارِقُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَقِلَّ قَائِمًا؛ لِأَنَّ النُّهُوضَ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ جَمْعًا، فَلَا حَاجَةَ إِلَى مُفَارَقَتِهِمْ لَهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا جَازَتْ لِلْعُذْرِ، وَتَنْوِي الْمُفَارَقَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ تَرَكَ الْمُتَابَعَةَ، وَلَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ، بَطَلَتْ، وَتَسْجُدُ لِسَهْوِ إِمَامِهَا قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ عِنْدَ فَرَاغِهَا؛ وَهِيَ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ مُنْفَرِدَةٌ، وَقِيلَ: مَنْوِيَّةٌ، وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مَنْوِيَّةٌ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ، يَسْجُدُونَ لِسَهْوِهِ لَا لِسَهْوِهِمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 مَغْرِبًا صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً. وَإِنْ كَانَتْ رُبَاعِيَّةً غَيْرَ مَقْصُورَةٍ،   [المبدع في شرح المقنع] قَوْلُهُ: (ثَبَتَ قَائِمًا) أَيْ: يَقْرَأُ حَالَ انْتِظَارِهِ وَيُطِيلُهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ حَالُ سُكُوتٍ، وَالْقِيَامُ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهَا كَمَا فِي التَّشَهُّدِ إِذَا انْتَظَرَهُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا قَرَأَ فِي انْتِظَارِهِمْ، قَرَأَ بَعْدَ مَجِيئِهِمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ خَفِيفَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي انْتِظَارِهِمْ قَرَأَ إِذَا جَاءُوا بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، فَلَوْ قَرَأَ قَبْلَ مَجِيئِهِمْ، ثُمَّ رَكَعَ عِنْدَ مَجِيئِهِمْ، أَوْ قَبْلَهُ، فَأَدْرَكُوهُ رَاكِعًا، رَكَعُوا مَعَهُ، وَصَحَّتْ لَهُمُ الرَّكْعَةُ مَعَ تَرْكِ السُّنَّةِ. قَوْلُهُ: فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ، أَيْ: يَتَشَهَّدُ وَيُطِيلُهُ، وَيُطِيلُ الدُّعَاءَ فِيهِ حَتَّى يُدْرِكَهُ فَيَتَشَهَّدُوا، وَيُسَلِّمَ بِهِمْ، وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَهُمْ بَعْدَ أَنْ صَلَّوْا مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلُّوا وَحْدَهُمْ رَكْعَةً أُخْرَى وَيُسَلِّمُوا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْخَبَرِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُمْ كُلَّهَا مَعَهُ، وَلِتَحْصُلَ الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ، وَالثَّانِيَةَ السَّلَامَ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ وَالَّتِي قَبْلَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ، كَصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَالرُّبَاعِيَّةِ الْمَقْصُورَةِ لِلْمُسَافِرِ، فَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَتُصَلَّى فِي الْخَوْفِ حَضَرًا بِشَرْطِ كَوْنِ الطَّائِفَةِ أَنْ تُعِينَ، فَيُصَلِّي بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً بَعْدَ حُضُورِهَا الْخُطْبَةَ، فَإِنْ أَحْرَمْ بِالَّتِي لَمْ يَحْضُرْهَا، لَمْ يَصِحَّ، وَتَقْضِي كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا جَهْرٍ، وَتُصَلِّي الِاسْتِسْقَاءَ ضَرُورَةً كَالْمَكْتُوبَةِ، وَالْكُسُوفُ وَالْعِيدُ آكَدُ مِنْهُ. (فَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ التَّفْضِيلِ، فَالْأُولَى أَحَقُّ بِهِ، وَمَا فَاتَ الثَّانِيَةَ يَنْجَبِرُ بِإِدْرَاكِهَا السَّلَامَ مَعَ الْإِمَامِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عُكِسَ، صَحَّتْ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ الثَّانِيَةَ فِي الرَّكَعَاتِ لِيَحْصُلَ الْجَبْرُ بِهِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَكَيْفَ فَعَلَ جَازَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُصَلِّي جَمِيعَ صَلَاتِهَا فِي حُكْمِ الْإِتْمَامِ، وَالْأُولَى تَفْعَلُ صَلَاتَهَا فِي حِكَمِ الِانْفِرَادِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَأَتَمَّتِ الْأُولَى بِـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَالْأُخْرَى تُتِمُّ بِـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وَسُورَةٍ، وَهَلْ تُفَارِقُهُ الْأُولَى فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعًا، فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُولَيَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَخَرَّجُ: يَفْسَدُ مِنْ فَسَادِهَا بِتَفْرِيقِهِمْ أَرْبَعَ طَوَائِفَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا صَلَّى بِالثَّانِيَةِ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ، وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامَتْ، وَلَا تَتَشَهَّدُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِتَشَهُّدِهَا، بِخِلَافِ الرُّبَاعِيَّةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: تَتَشَهَّدُ مَعَهُ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا تَقْضِي رَكْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ (وَإِنْ كَانَتْ رُبَاعِيَّةً غَيْرَ مَقْصُورَةٍ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَأَتَمَّتِ الْأُولَى) بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ (بِالْحَمْدُ لِلَّهِ) وَحْدَهَا (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهَا (وَ) تَقُومُ (الْأُخْرَى) إِذَا تَشَهَّدَتْ مَعَهُ الْأَوَّلَ (تُتِمُّ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُورَةٍ) لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهَا، وَتَسْتَفْتِحُ إِذَا قَامَتْ لِلْقَضَاءِ، وَيُسَلِّمُ بِهِمْ، وَإِنْ قُلْنَا: مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ آخِرَ صَلَاتِهِ، فَلَا اسْتِفْتَاحَ، وَلَا يَقْرَأُ السُّورَةَ (وَهَلْ تُفَارِقُهُ الْأُولَى فِي التَّشَهُّدِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، عَلَى وَجْهَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: تُفَارِقُهُ إِذَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِ، وَيَنْتَظِرُ الثَّانِيَةَ جَالِسًا يُكَرِّرُهُ، فَإِذَا أَتَتْ، قَامَ لِيُدْرِكَ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ أَخَفُّ عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى انْتَظَرَهُمْ قَائِمًا احْتَاجَ إِلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ خِلَافُ السُّنَّةِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: تُحْرِمُ مَعَهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ بِهِمْ، وَالثَّانِي: يُفَارِقُونَهُ حِينَ قِيَامِهِ إِلَى الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى التَّطْوِيلِ مِنْ أَجْلِ الِانْتِظَارِ، وَالتَّشَهُّدُ يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُ، وَلِأَنَّ ثَوَابَ الْقَائِمِ أَكْثَرُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ، وَيَصِحُّ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، وَبِأُخْرَى ثَلَاثًا، وَيَكُونُ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. (وَإِنْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعًا فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً) أَوْ فَرَّقَهُمْ ثَلَاثَ فِرَقٍ، فَصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ رَكْعَةً رَكْعَةً، أَوْ صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً فِي الْمَغْرِبِ (صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُولَيَيْنِ) فَقَطْ، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْأُخْرَيَيْنِ إِنْ عَلِمَتَا بُطْلَانَ صَلَاتِهِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، ثُمَّ تَمْضِي إِلَى الْعَدُوِّ، وَتَأْتِي الْأُخْرَى، فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً وَيُسَلِّمُ وَحْدَهُ، وَتَمْضِي هِيَ إِلَى الْعَدُوِّ، ثُمَّ تَأْتِي الْأُولَى فَتُتِمُّ صَلَاتَهَا، ثُمَّ تَأْتِي   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُمَا ائْتَمَّا بِمَنْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَلِمُفَارَقَتِهَا قَبْلَ الِانْتِظَارِ الثَّالِثِ؛ وَهُوَ الْمُبْطِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ (وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ زَادَ انْتِظَارًا ثَالِثًا لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِهِ، فَوَجَبَ بُطْلَانُهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا التَّفْرِيقُ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ (وَالْأُخْرَيَيْنِ إِنْ عَلِمَتَا بُطْلَانَ صَلَاتِهِ) لِأَنَّهُمَا ائْتَمَّا بِمَنْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً مِنْ أَوَّلِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا إِذَا جَهِلَتَا بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، أَنَّهَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، وَكَمَا لَوِ ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ لَا يَعْلَمُ حَدَثَهُ، وَيَجُوزُ خَفَاؤُهُ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَفِيهِ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ يَعْلَمَانِ وُجُودَ الْمُبْطِلِ، وَإِنَّمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْبُطْلَانَ، كَمَا لَوْ عُلِمَ حَدَثُ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ مُبْطِلًا، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَقْيَسُ، فَعَلَى هَذَا تُفَارِقُهُ الْأُولَتَانِ بَعْدَ الْقِيَامِ، وَتُفَارِقُهُ الثَّالِثَةُ، وَتَقُومُ الرَّابِعَةُ عَقِبَ رَفْعِهِ مِنَ السُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُولَى فَقَطْ، وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَبَاقِي الطَّوَائِفِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْكُلِّ لِنِيَّتِهِ صَلَاةً مُحَرَّمَةً ابْتِدَاءً، وَقِيلَ: تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ إِنَّمَا فَسَدَتْ لِانْصِرَافِهِمْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِانْصِرَافِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ لِانْصِرَافِهِمَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ تَمْضِيَ إِلَى الْعَدُوِّ، وَتَأْتِيَ الْأُخْرَى فَيُصَلِّيَ بِهَا رَكْعَةً وَيُسَلِّمَ وَحْدَهُ، وَتَمْضِيَ هِيَ إِلَى الْعَدُوِّ، ثُمَّ تَأْتِيَ الْأُولَى فَتُتِمَّ صَلَاتَهَا، ثُمَّ تَأْتِيَ الْأُخْرَى فَتُتِمَّ صَلَاتَهَا) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجَهَةُ الْعَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، وَقَامُوا فِي مَقَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 الْأُخْرَى فَتُتِمُّ صَلَاتَهَا. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ صَلَاةً وَيُسَلِّمَ بِهَا. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ الْمَقْصُورَةَ تَامَّةً، وَتُصَلِّيَ مَعَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا تَقْضِي شَيْئًا، فَتَكُونَ لَهُ تَامَّةً، وَلَهُمْ مَقْصُورَةً. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْمِلَ   [المبدع في شرح المقنع] أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي تَقْضِيهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا مُؤْتَمَّةٌ بِهِ حُكْمًا، فَلَا يَقْرَأُ فِيمَا يَقْضِيهِ، كَمَنْ زُحِمَ أَوْ نَامَ حَتَّى سَلَّمَ إِمَامُهُ، وَالْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ، وَإِذَا قَضَتِ الثَّانِيَةُ رَكْعَتَهَا حِينَ تُفَارِقُ الْإِمَامَ ثُمَّ تَمْضِي، وَتَأْتِي الْأُولَى فَتُتِمُّ صَلَاتَهَا، جَازَ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ. (الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ صَلَاةً، وَيُسَلِّمَ بِهَا) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي بَكَرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ حَسَنَةٌ قَلِيلَةُ الْكُلْفَةِ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ، وَلَا إِلَى تَعْرِيفِ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَبَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُنْتَفِلِ، وَنَصُّهُ التَّفْرِقَةُ. (الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ الْمَقْصُورَةَ تَامَّةً، وَتُصَلِّيَ مَعَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا تَقْضِي شَيْئًا، فَتَكُونَ لَهُ تَامَّةً، وَلَهُمْ مَقْصُورَةً) لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ قَالَ: فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُثْقِلُهُ، كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ.   [المبدع في شرح المقنع] وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى بِهِمْ كَصَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ قَضَتْ رَكْعَتَيْنِ؛ وَهُوَ تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ لِمُخَالَفَةِ صِفَةِ الرِّوَايَةِ، وَقَوْلِ أَحْمَدَ، وَمَنَعَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِاحْتِمَالِ سَلَامِهِ، فَتَكُونُ الصِّفَةُ قَبْلَهَا. تَتْمِيمٌ: وَهُوَ الْوَجْهُ السَّادِسُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا؛ وَهُوَ لَوْ قَصَرَهَا، وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا قَضَاءٍ، كَصَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، صَحَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَ " مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ "، وَغَيْرِهِمْ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": الَّذِينَ قَالُوا: رَكْعَةً، إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ شِدَّةِ الْقِتَالِ، وَالَّذِينَ رَوَيْنَا عَنْهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُهُمْ لَمْ يَنْقُصُوا مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لِصِغَرِ سِنِّهِ، فَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ مَنْ حَضَرَهَا وَصَلَّاهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى. زِيَادَةٌ: إِذَا صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ نَجْدٍ، عَلَى مَا خَرَّجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وَهِيَ أَنْ تَقُومَ مَعَهُ طَائِفَةٌ، وَأُخْرَى تُجَاهَ الْعَدُوِّ، وَظَهْرُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يُحْرِمُ وَيُحْرِمُ مَعَهُ الطَّائِفَتَانِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً هُوَ وَالَّتِي مَعَهُ، ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الثَّانِيَةِ وَيَذْهَبُ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَتَأْتِي الْأُخْرَى فَتَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، ثُمَّ يُصَلِّي بِالثَّانِيَةِ وَيَجْلِسُ، وَتَأْتِي الَّتِي تُجَاهَ الْعَدُوِّ فَتَرْكَعُ وَتَسْجُدُ وَيُسَلِّمُ بِالْجَمِيعِ، جَازَ. (وَيُسْتَحِبُّ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُثْقِلُهُ، كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] وَقَوْلِهِ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} [النساء: 102] فَدَلَّ عَلَى الْجُنَاحِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ شَرْطًا كَالسُّتْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ حَمْلَهُ يُرَادُ لِحِرَاسَةٍ أَوْ قِتَالٍ، وَالْمُصَلِّي لَا يَتَّصِفُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَالْأَمْرُ بِهِ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَالصِّيَانَةِ لَهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْإِيجَابِ، كَمَا أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْوِصَالِ لَمَّا كَانَ لِلرِّفْقِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّحْرِيمِ، وَذَكَرَهُ الشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ حَمْلَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 فَصْلٌ وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، صَلَّوْا رِجَالًا وَرُكْبَانًا إِلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُومِئُونَ   [المبدع في شرح المقنع] فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ مَحْظُورٌ، فَالْأَمْرُ بِهِ هُنَا أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ؛ وَهُوَ لِلْإِبَاحَةِ مَعَ قَوْلِهِمْ: يُسْتَحَبُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ حَمْلُ مَا يُثْقِلُهُ كَالْجَوْشَنِ وَمَا يَمْنَعُ مِنْ إِكْمَالِهَا كَالْمِغْفَرِ، وَمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ كَالرُّمْحِ، هَذَا إِذَا كَانَ مُتَوَسِّطًا، فَإِنْ كَانَ فِي حَاشِيَةٍ لَمْ يُكْرَهْ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ) أَيْ: حَمْلُ الْخِفِّ مِنْ سِلَاحٍ يَقِيهِ، وَاخْتَارَهُ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَهُ دَاوُدُ، وَفِي " الشَّرْحِ "؛ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وِفَاقًا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، لَكِنْ إِنْ كَانَ بِهِمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ مَرَضٍ، فَلَا يَجِبُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. فَرْعٌ: يَجُوزُ حَمْلُ سِلَاحٍ نَجِسٍ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِلْحَاجَةِ بِلَا إِعَادَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. [فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْخَوْفِ] فَصْلٌ (وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ) الْمُرَادُ بِهِ حَالَ الْمُسَايَفَةِ؛ وَهُوَ أَنْ يَتَوَاصَلَ الطَّعْنُ وَالْكَرُّ وَالْفَرُّ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَفْرِيقُ الْقَوْمِ، وَلَا صَلَاتُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ (صَلَّوْا) أَيْ: يَلْزَمُهُمْ فِعْلُ الصَّلَاةِ (رِجَالًا وَرُكْبَانًا إِلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ الْبُخَارِيُّ قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 إِيمَاءً عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ. فَإِنْ أَمْكَنَهُمُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمَنْ هَرَبَ مِنْ عَدُوٍّ هَرَبًا مُبَاحًا أَوْ مِنْ سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ، فَلَهُ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمَشْيِ إِلَى وُجَاهِ الْعَدُوِّ، وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَعُودُونَ لِقَضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ؛ وَهُوَ مَشْيٌ كَثِيرٌ، وَعَمَلٌ طَوِيلٌ، وَاسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ، فَمَعَ شِدَّتِهِ أَوْلَى. (وَيُومِئُونَ إِيمَاءً عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ) لِأَنَّهُمْ لَوْ تَمَّمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لَكَانُوا هَدَفًا لِأَسْلِحَةِ الْكُفَّارِ، مُعَرِّضِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِالْهَلَاكِ، وَيُومِئُ بِالسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ، وَلَهُ الْكَرُّ وَالْفَرُّ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُبْطِلًا لَجَازَ إِخْلَاءُ الْوَقْتِ عَنِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ تَصِحُّ طَهَارَتُهُمْ، كَالْمَرِيضِ، بِخِلَافِ الصِّيَاحِ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَيْهِ، وَلَا يَزُولُ الْخَوْفُ إِلَّا بِانْهِزَامِ الْكُلِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُمْ فِعْلَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ وُجِدَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا، وَتَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ حِينَئِذٍ، نَصَّ عَلَيْهِ لِلنُّصُوصِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْمُؤَلِّفِ: لَا يَنْعَقِدُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعْفَى عَنْ تَقْدِيمِ الْإِمَامِ، كَعَمَلٍ كَثِيرٍ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ إِمْكَانُ الْمُتَابَعَةِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُؤَخَّرُ عَنْ وَقْتِهَا؛ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا حَالَ شِدَّةِ الْحَرْبِ وَالْتِحَامِ الْقِتَالِ وَالْمُطَارَدَةِ، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَلَا يَجِبُ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهَا، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَتَأْخِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ. (فَإِنْ أَمْكَنَهُمُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) " الْمَذْهَبُ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " لَا يَلْزَمُهُ كَبَقِيَّةِ أَجْزَائِهَا، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى؛ وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ، وَظَاهِرُهُ: لَا تَجِبُ مَعَ الْعَجْزِ، حَكَاهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 يُصَلِّيَ كَذَلِكَ. وَهَلْ لِطَالِبِ الْعَدُوِّ الْخَائِفِ فَوَاتَهُ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمَنْ أَمِنَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّ صَلَاةَ آمِنٍ، وَمَنِ ابْتَدَأَهَا آمِنًا فَخَافَ، أَتَمَّ صَلَاةَ   [المبدع في شرح المقنع] أَبُو بَكْرٍ فِي " الشَّافِي "، وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَمَعَ الْعَجْزِ رِوَايَتَانِ. (وَمَنْ هَرَبَ مِنْ عَدُوٍّ هَرَبًا مُبَاحًا) كَخَوْفِ قَتْلٍ مُحَرَّمٍ أَوْ أَسْرٍ (أَوْ مِنْ سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ) وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا -، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ (أَوْ نَحْوِهِ) كَنَارٍ (فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كَذَلِكَ) أَيْ: كَمَا تَقَدَّمَ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، سَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ ذَبَّهُ عَنْهُ، وَعَلَى الْأَصَحِّ: أَوْ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ صَلَاةُ أَمْنٍ كَدُخُولِهِ حِصْنًا، أَوْ صُعُودِهِ رَبْوَةً، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِذَلِكَ، وَفِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِمُحْرِمٍ خَوْفَ فَوْتِ الْحَجِّ خِلَافٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَاصِيَ بِهَرَبِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ، فَلَا تَثْبُتُ بِالْمَعْصِيَةِ كَرُخَصِ السَّفَرِ (وَهَلْ لِطَالِبِ الْعَدُوِّ الْخَائِفِ فَوَاتَهُ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا، وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ: أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، رُوِيَ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ؛ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ «بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ، فَرَأَيْتُهُ وَقَدْ حَضَرَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا أُصَلِّي أُومِئُ إِيمَاءً نَحْوَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَظَاهِرُ حَالِهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ كَانَ قَدْ عَلِمَ جَوَازَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مُخْطِئًا، وَلِأَنَّ فَوَاتَ الْكُفَّارِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، فَأُبِيحَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ عِنْدَ فَوْتِهِ، كَالْحَالَةِ الْأُخْرَى، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُصَلِّي إِلَّا صَلَاةَ أَمْنٍ، صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهَا مَشْرُوطَةٌ بِالْخَوْفِ؛ وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، وَكَذَا التَّيَمُّمُ لَهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إِنْ خَافَ الطَّالِبُ رُجُوعَ الْعَدُوِّ صَلَّى صَلَاةَ خَائِفٍ؛ وَهُوَ الَّذِي فِي " الشَّرْحِ ". (وَمَنْ أَمِنَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّ صَلَاةَ آمِنٍ، وَإِنِ ابْتَدَأَهَا آمِنًا فَخَافَ، أَتَمَّ صَلَاةَ خَائِفٍ) عَلَى حَسَبِ حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى صَلَاةٍ صَحِيحَةٍ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى قَائِمًا ثُمَّ عَجَزَ، أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 خَائِفٍ، وَمَنْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ لِسَوَادٍ ظَنَّهُ عَدُوًّا، فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا يَمْنَعُهُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْتَوْطِنٍ بِبِنَاءٍ. لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ   [المبدع في شرح المقنع] عَاجِزًا ثُمَّ قَدَرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوِ انْتَهَى السَّيْلُ أَوِ الْحَرِيقُ إِلَيْهِ؛ وَهُوَ يُصَلِّي أَنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ، وَكَذَا مَنْ خَافَ كَمِينًا أَوْ مَكِيدَةً أَوْ مَكْرُوهًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَدُوُّ بِإِزَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ عَلَى الْأَشْهَرِ (وَمَنْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ لِسَوَادٍ ظَنَّهُ عَدُوًّا، فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا يَمْنَعُهُ، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) كَذَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدِ الْمُبِيحُ، أَشْبَهَ مَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ، ثُمَّ عَلِمَ بِحَدَثِهِ. وَسَوَاءٌ اسْتَنَدَ ظَنُّهُ إِلَى خَبَرِ ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا إِعَادَةَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ رِوَايَةً، وَكَذَا إِنْ كَانَ، وَثَمَّ مَانِعٌ، وَقِيلَ: إِنْ خَفِيَ الْمَانِعُ، وَإِلَّا أَعَادَ، فَإِنْ بَانَ عَدُوًّا يَقْصِدُ غَيْرَهُ، لَمْ يُعِدْ فِي الْأَصَحِّ، لِوُجُودِ سَبَبِ الْخَوْفِ بِوُجُودِ عَدُوٍّ يَخَافُ هَجْمَهُ، كَمَا لَا يُعِيدُ مَنْ خَافَ عَدُوًّا فِي تَخَلُّفِهِ عَنْ رُفْقَتِهِ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ بَانَ أَمْنُ الطَّرِيقِ. وَقَالَ فِي " التَّبْصِرَةِ ": إِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ خَنْدَقٌ أَوْ سُورٌ، فَخَافُوا طَمَّهُ أَوْ هَدْمَهُ إِنِ اشْتَغَلُوا، صَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ، وَقَالَ الْقَاضِي: فَإِنْ عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، صَلَّوْا صَلَاةَ آمِنٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] [حُكْمُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ، حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ، وَالْأَصْلُ الضَّمُّ، وَاشْتِقَاقُهَا مِنِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لِجَمْعِهَا الْجَمَاعَاتِ، وَقِيلَ: لِجَمْعِ طِينِ آدَمَ فِيهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ آدَمَ جُمِعَ فِيهَا خَلْقُهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ جُمِعَ مَعَ حَوَّاءَ فِي الْأَرْضِ فِيهَا، وَفِيهِ خَبَرٌ مَرْفُوعٌ، وَقِيلَ: لِمَا جُمِعَ فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ. قِيلَ: أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَاسْمُهُ الْقَدِيمُ يَوْمُ الْعُرُوبَةِ؛ وَهُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ. (وَهِيَ وَاجِبَةٌ) بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَالسَّعْيُ الْوَاجِبُ لَا يَجِبُ إِلَّا إِلَى وَاجِبٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الذَّهَابُ إِلَيْهَا لَا الْإِسْرَاعُ، وَبِالسُّنَّةِ: فَمِنْهَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقُ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ» ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ؛ وَهِيَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا بِنِيَّةِ الظُّهْرِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلِجَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ لَا أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ: وَلَا تُجْمَعُ فِي مَحَلٍّ يُبِيحُ الْجَمْعَ، وَعَنْهُ: ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ، وَفِي " الِانْتِصَارِ "، " وَالْوَاضِحِ " هِيَ الْأَصْلُ، وَالظُّهْرُ بَدَلٌ، زَادَ بَعْضُهُمْ: رُخْصَةٌ فِي حَقِّ مَنْ فَاتَتْهُ؛ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنَ الظُّهْرِ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ شَرْطَانِ لِلتَّكْلِيفِ وَصِحَّةِ الْعِبَادَةِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ إِجْمَاعًا، وَلَا عَلَى صَبِيٍّ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ مَرْفُوعًا: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ. رَوَاهُ» أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: طَارِقٌ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَلِأَنَّ الْبُلُوغَ مِنْ شَرَائِطِ التَّكْلِيفِ بِالْفُرُوعِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ عَلَى مُمَيِّزٍ، ذَكَرَهَا فِي " الْمُذْهَبِ "، وَ " الشَّرْحِ "، وَزَادَ: بِنَاءً عَلَى تَكْلِيفِهِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ: إِنْ لَزِمَتِ الْمَكْتُوبَةُ صَبِيًّا لَزِمَتْهُ، وَقِيلَ: لَا، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَقَالَ: هُوَ كَالْإِجْمَاعِ لِلْخَبَرِ (ذَكَرٍ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْحُضُورِ فِي مَجَامِعِ الرِّجَالِ، وَفِي " نِهَايَةِ " الْأَزَجِّيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ تَقْرِيبًا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ. وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَةٌ أَنَّهَا تَلْزَمُهَا (حُرٍّ) هُوَ الْمَشْهُورُ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكُ الْمَنْفَعَةِ مَحْبُوسٌ عَلَى سَيِّدِهِ، أَشْبَهَ الْمَحْبُوسَ بِالدَّيْنِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَقِيَاسًا عَلَى الظُّهْرِ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ سَيِّدَهُ، وَيَحْرُمُ مَنْعُهُ وَمُخَالَفَتُهُ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَا يَذْهَبُ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُمْ بِإِذْنِ سَيِّدٍ، وَمُقْتَضَاهُ: لَا تَجِبُ عَلَى الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي نَوْبَتِهِ؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، كَالْقِنِّ، لِبَقَاءِ الرِّقِّ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ السَّيِّدِ (مُسْتَوْطِنٍ بِبِنَاءٍ) مُعْتَادٍ، وَلَوْ كَانَ فَرَاسِخَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. مِنْ حَجَرٍ أَوْ قَصَبٍ وَنَحْوِهِ، مُتَّصِلًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، يَشْمَلُهُ اسْمٌ وَاحِدٌ، لَا يَرْتَحِلُ عَنْهُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا (لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ) إِذَا كَانَ خَارِجًا عَنِ الْمِصْرِ (أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ) نَصَّ عَلَيْهِ (تَقْرِيبًا) عَنْ مَكَانِ الْجُمُعَةِ، وَعَنْهُ: عَنْ أَطْرَافِ الْبَلَدِ، وَعَنْهُ: الِاعْتِبَارُ بِسَمَاعِ النِّدَاءِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَسْنَدَهُ قَبِيصَةُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ مِنَ الثِّقَاتِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": الْأَشْبَهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَفْظُهُ: «إِنَّمَا الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» ، وَالْعِبْرَةُ بِسَمَاعِهِ مِنَ الْمَنَارَةِ لَا بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: غَالِبًا مِنْ مَكَانِهَا، أَوْ مِنْ أَطْرَافِ الْبَلَدِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ عَلَى مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الذَّهَابِ إِلَيْهَا، وَالْعَوْدِ إِلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ، رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ، يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ كَالْمِصْرِ، وَاعْتِبَارُ سَمَاعِ النِّدَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِيهِمُ الْأَصَمُّ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ، فَيَخْتَصُّ بِسَمَاعِهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَاعْتُبِرَ بِمَظِنَّتِهِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءَ غَالِبًا إِذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا، وَالرِّيَاحُ سَاكِنَةً، وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةً، وَالْعَوَارِضُ مُنْتَفِيَةً، هُوَ فَرْسَخٌ، فَلَوْ سَمِعَتْهُ قَرْيَةٌ مِنْ فَوْقِ فَرْسَخٍ لِعُلُوِّ مَكَانِهَا، أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ دُونَهُ لِجَبَلٍ حَائِلٍ أَوِ انْخِفَاضِهَا، فَعَلَى الْخِلَافِ، وَحَيْثُ لَزِمَهُمْ، لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ أَصْلًا، وَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ إِلَيْهَا، قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى، وَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ أَجْزَأَتْهُ، وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَعَنْهُ فِي العَبْدِ: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ لِعُذْرٍ إِذَا   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ الْبَلَدَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ (إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ) مِنْ مَرَضٍ، وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. [مَنْ لَا تُجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ] (وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرِ) لَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُسَافِرُونَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْجُمُعَةَ فِيهِ مَعَ اجْتِمَاعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ، وَكَمَا لَا يَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ بِغَيْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ لَزِمَتْهُ. وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ: إِنْ حَضَرَ مَكَانَهَا، فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ لَا بِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَقَامَ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ، وَلَمْ يَنْوِ اسْتِيطَانًا، لَزِمَتْهُ فِي الْأَشْهَرِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ لِعَدَمِ الِاسْتِيطَانِ، وَفِي صِحَّةِ إِمَامَتِهِ فِيهَا وَجْهَانِ، وَعَنْهُ: لَا تَلْزَمُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ "؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا، وَفِي " الْكَافِي "؛ لِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُقِيمُونَ بِالرَّيِّ السَّنَةَ وَأَكْثَرَ، وَبِسِجِسْتَانَ، لَا يَجْمَعُونَ وَلَا يُشَرِّقُونَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. فَرْعٌ: لَا جُمُعَةَ بِمِنًى كَعَرَفَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ، نَقَلَ يَعْقُوبُ: لَيْسَ بَيْنَهُمَا جُمُعَةٌ، إِنَّمَا يُصَلِّي الظُّهْرَ وَلَا يَجْهَرُ، وَقِيلَ: وَلَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ (وَلَا عَبْدٍ، وَلَا امْرَأَةٍ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَلَا خُنْثَى) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ رَجُلًا، لَكِنْ يُشْكَلُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ: إِنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ، وَالظَّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا (وَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ هَؤُلَاءِ (أَجْزَأَتْهُ) لِأَنَّ إِسْقَاطَ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ تَخْفِيفًا، فَإِذَا حَضَرَهَا أَجْزَأَتْ، كَالْمَرِيضِ (وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْهُمُ الْجُمُعَةُ تَبَعًا لِمَنِ انْعَقَدَتْ بِهِ، فَلَوِ انْعَقَدَتْ بِهِمْ لَانْعَقَدَتْ بِهِمْ مُتَفَرِّقِينَ كَالْأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ (وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا) لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا؛ وَهُوَ فِي الْمَرْأَةِ اتِّفَاقٌ، وَكَذَا مُسَافِرٌ لَهُ الْقَصْرُ، وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ تَبَعًا لِلْمُقِيمِينَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً: تَلْزَمْهُ بِحُضُورِهَا فِي وَقْتِهَا مَا لَمْ يَنْضَرَّ بِالِانْتِظَارِ، وَتَنْعَقِدُ بِهِ، وَيَؤُمُّ فِيهَا كَمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ تَخْفِيفًا لِعُذْرِ مَرَضٍ وَخَوْفٍ وَنَحْوِهِمَا لِزَوَالِ ضَرَرِهِ، فَهُوَ كَمُسَافِرٍ يَقْدِمُ، وَإِنْ قُلْنَا: تَلْزَمُ عَبْدًا وَصَبِيًّا صَحَّتْ إِمَامَتُهُمَا، وَانْعَقَدَتْ بِهِمَا، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 حَضَرَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ، وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَلَّا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ. وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ السَّفَرُ فِي يَوْمِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْعَبْدِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ ": لَا تَصِحُّ إِمَامَةُ الصَّبِيِّ فِيهَا، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (وَعَنْهُ: فِي الْعَبْدِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَقِيَاسًا عَلَى الظُّهْرِ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ سَيِّدَهُ، وَيَحْرُمُ مَنْعُهُ وَمُخَالَفَتُهُ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَا يَذْهَبُ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُ بِإِذْنِ سَيِّدٍ. تَنْبِيهٌ: مَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوِ اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا كَعَبْدٍ، فَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَلِلْمَرْأَةِ حُضُورُهَا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ فَقَطْ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. (وَمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ، وَخَوْفٍ (إِذَا حَضَرَهَا، وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ) وَأَمَّ فِيهَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَهَا لِمَشَقَّةِ السَّعْيِ، فَإِذَا تَحَمَّلَ، وَحَضَرَهَا انْتَفَتِ الْمَشَقَّةُ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ كَالصَّحِيحِ (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ) أَيْ: مِمَّنْ تَلْزَمُهُ (قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَا لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ، وَتَرَكَ مَا خُوطِبَ بِهِ، فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ مَكَانَ الظُّهْرِ، وَكَشَكِّهِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، لِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ، فَعَلَى هَذَا يُعِيدُهَا ظُهْرًا إِذَا تَعَذَّرَتِ الْجُمُعَةُ، ثُمَّ إِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ سَعَى إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا الْمَفْرُوضَةُ فِي حَقِّهِ، وَإِلَّا انْتَظَرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ صَلَّى، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ، وَقِيلَ: إِنْ أَمْكَنَهُ إِدْرَاكُهَا، وَإِلَّا صَحَّتْ ظُهْرُهُ. وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقْلَا وَجْهًا: أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الظُّهْرُ، فَتَصِحُّ مُطْلَقًا، وَلَا تَبْطُلُ بِالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَكَذَا إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ شَاكًّا هَلْ صَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ، أَوْ صَلَّى الظُّهْرَ أَهْلُ بَلَدٍ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَشْهَرِ، وَيُعِيدُونَهَا إِذَا فَاتَتِ الْجُمُعَةُ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى عَلَى الْأَوَّلِ مَا لَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ تَأْخِيرًا مُنْكَرًا، فَلِلْغَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا، وَيُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَجَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِهِ، لِخَبَرِ تَأْخِيرِ الْأُمَرَاءِ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا. (وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ) كَالْمُسَافِرِ، وَالْمَرِيضِ (أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا زَالَ عُذْرُهُ فَلَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 وَيَجُوزُ قَبْلَهُ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ. . وَعَنْهُ: يَجُوزُ فِي الْجِهَادِ خَاصَّةً. فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ   [المبدع في شرح المقنع] لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ دَامَ عُذْرَهُ كَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى، فَالتَّقْدِيمُ فِي حَقِّهِمَا أَفْضَلُ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ إِذَا صَلَّوْا قَبْلَ الْإِمَامِ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ، لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا فَرْضَ الْوَقْتِ، وَلَوْ زَالَ عُذْرُهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ، كَالْمَعْضُوبِ إِذَا حُجَّ عَنْهُ، ثُمَّ بَرِئَ، وَقِيلَ: بَلَى؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي " التَّرْغِيبِ " كَصَبِيٍّ بَلَغَ فِي الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ: إِنْ زَالَ عُذْرُهُ، وَالْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ، لَزِمَتْهُ، وَقِيلَ: إِنْ عُوفِيَ الْمَرِيضُ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ أَعَادَهَا، وَفِي زَوَالِ عُذْرِ غَيْرِهِ وَجْهَانِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ قَبْلَ الْإِمَامِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، كَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْأُولَى: لَوْ صَلَّاهَا ثُمَّ حَضَرَ الْجُمُعَةَ كَانَتْ لَهُ نَفْلًا؛ لَأَنَّ الْأُولَى أَسْقَطَتِ الْفَرْضَ، وَقِيلَ: بَلْ فَرْضًا. مَسْأَلَةٌ: لَا يُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فِي الْمِصْرِ، لِحَدِيثِ فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَفَعَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. زَادَ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ: عَلَى الْأَوَّلِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَفِي كَرَاهَتِهَا فِي مَكَانِهَا وَجْهَانِ، وَمَنْ خَافَ فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا صَلَّى حَيْثُ يَأْمَنُ ذَلِكَ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يُصَلِّي فَوْقَ ثَلَاثَةٍ جَمَاعَةً، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ تَبَعًا لِشَيْخِهِ، وَمَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ فَتَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ لِلْخَبَرِ، وَلَا يَجِبُ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". [السَّفَرُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ] (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ السَّفَرُ فِي يَوْمِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ: بَعْدَ اللُّزُومِ قَبْلَ فِعْلِهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِتَرْكِهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ، كَمَا لَوْ تَرَكَهَا لِتِجَارَةٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اسْتِقْرَارِهَا بِأَوَّلِهِ، فَلِهَذَا خَرَجَ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يَحْرُمْ بِهَا لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ، وَيَجُوزُ إِذَا خَافَ فَوْتَ رُفْقَةِ سَفَرٍ مُبَاحٍ، وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ (وَيَجُوزُ قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: لَا تَحْبِسُ الْجُمُعَةُ عَنْ سَفَرٍ. وَكَمَا لَوْ سَافَرَ مِنَ اللَّيْلِ (وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ) قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 الْجُمُعَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: الْوَقْتُ، وَأَوَّلُهُ أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ. . . وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَ: «مَنْ سَافَرَ مِنْ دَارِ إِقَامَةٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ دَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا يُصْحَبَ فِي سَفَرِهِ، وَأَنْ لَا يُعَانَ عَلَى حَاجَتِهِ» وَلِأَنَّ هَذَا وَقْتٌ يَلْزَمُ مَنْ كَانَ عَلَى فَرْسَخٍ السَّعْيُ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَجُزْ لِمَنْ فِي الْبَلَدِ السَّفَرُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَبِدَلِيلِ الِاعْتِدَادِ بِالْغُسْلِ، وَإِنَّهُ يُسَنُّ التَّبْكِيرُ إِلَيْهَا، فَمَنَعَ مِنَ السَّبَبِ إِلَى تَفْوِيتِهَا. قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ سَافَرَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، قَلَّ مَنْ يَفْعَلُهُ إِلَّا رَأَى مَا يَكْرَهُ. وَعَلَيْهَا لَهُ السَّفَرُ إِنْ أَتَى بِهَا فِي طَرِيقِهِ، وَإِلَّا كُرِهَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً (وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً) وَأَنَّهُ أَفْضَلُ، نَقْلَهَا أَبُو طَالِبٍ؛ «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ جَهَّزَ جَيْشَ مُؤْتَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ جَهَّزَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَعَلِيًّا، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَتَخَلَّفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ: لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَرَاحَ مُنْطَلِقًا» وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الرِّوَايَاتِ: إِنْ دَخَلَ وَقْتُهَا، وَإِلَّا جَازَ، وَعَلَى الْمَنْعِ لَهُ السَّفَرُ إِنْ أَتَى بِهَا فِي قَرْيَةٍ بِطَرِيقِهِ، وَإِلَّا كُرِهَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يُكْرَهُ. [فَصْلُ شُرُوطٍ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: الْوَقْتُ] فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: الْوَقْتُ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ، فَاشْتُرِطَ لَهَا كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، فَلَا تَصِحُّ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ إِجْمَاعًا (وَأَوَّلُهُ أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ) نَصَّ عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ: شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ إِلَى أَنْ أَقُولَ: قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُثْمَانَ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إِلَى أَنْ أَقُولَ: زَالَ النَّهَارُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَهُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 الْخِرَقِيُّ: يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ، وَآخِرُهُ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ. . . فَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ فِعْلِهَا، صَلَّوْا ظُهْرًا، وَإِنْ خَرَجَ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، أَتَمُّوهَا جُمُعَةً، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَجَابِرٍ، وَسَعِيدٍ، وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَمْ يُنْكِرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ عِيدٍ أَشْبَهَتِ الْعِيدَيْنِ، فَعَلَى هَذَا: هَلْ هُوَ وَقْتٌ لِوُجُوبِهَا، كَمَا اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصِ بْنُ بَدْرَانَ وَغَيْرُهُ، أَوْ وَقْتُ جَوَازِهَا، نَقَلَهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْمَذْهَبَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ) حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ شَاقْلَا، وَالْمُؤَلِّفُ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، ثُمَّ نَذْهَبُ إِلَى جِمَالِنَا فَنُزِيحُهَا حِينَ تَزُولَ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي نُسْخَةٍ " لِلْخِرَقِيِّ " الْخَامِسَةُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَغْرَبَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: أَنَّ مَذْهَبَ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِ الْفَجْرِ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُ بِالزَّوَالِ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِمَا «رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِعْلُهَا بَعْدَهُ أَفْضَلُ، وَأَنَّهَا لَا تُفْعَلُ أَوَّلَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَلِلْخُرُوجِ مِنِ الْخِلَافِ. وَتَعْجِيلُهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ صَيْفًا وَشِتَاءً؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ لِاجْتِمَاعِهِمْ أَوَّلَهُ بِخِلَافِ الظُّهْرِ (وَآخِرُهُ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهَا، أَوْ وَاقِعَةٌ مَوْقِعُهَا، فَوَجَبَ الْإِلْحَاقُ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُشَابَهَةِ (فَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ فِعْلِهَا، صَلَّوْا ظُهْرًا) لِفَوَاتِ الشَّرْطِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 خَرَجَ قَبْلَ رَكْعَةٍ، فَهَلْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا أَوْ يَسْتَأْنِفُونَهَا؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. . . . الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِقَرْيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا، فَلَا تَجُوزُ إِقَامَتُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ،   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (وَإِنْ خَرَجَ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، أَتَمُّوهَا جُمُعَةً) نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ؛ وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ إِذَا فَاتَ لَمْ يُمْكِنِ اسْتِدْرَاكُهُ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِي الِاسْتِدَامَةِ لِلْعُذْرِ، وَكَالْجَمَاعَةِ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ. وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ فِي جَمِيعِهَا إِلَّا السَّلَامَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ شَرْطٌ فَيُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِهَا كَالطَّهَارَةِ (وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ) فَعَلَ (رَكْعَةٍ، فَهَلْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا أَوْ يَسْتَأْنِفُونَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ ". أَحَدُهُمَا: يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا وَقْتٍ، فَجَازَ بِنَاءُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، كَصَلَاةِ السَّفَرِ مَعَ الْحَضَرِ، وَالثَّانِي: يَسْتَأْنِفُونَهَا ظُهْرًا، لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَلَمْ تُبْنَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَالظُّهْرِ وَالصُّبْحِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً؛ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ خَصَّ إِدْرَاكَهَا بِالرَّكْعَةِ، وَقِيلَ: يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً، حَكَاهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنَ " الْمُذْهَبِ "، وَذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " نَصًّا، وَقِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَرَدَ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَبِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ثَابِتٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَيُمْتَنَعُ الْقِيَاسُ، فَلَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَهُمْ فِيهَا، فَقِيلَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ لَيْسَ وَقْتًا لَهَا، وَوَقْتَ الْعَصْرِ، وَوَقْتَ الظُّهْرِ الَّتِي الْجُمُعَةُ بَدَلُهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ الْخُطْبَةِ وَالتَّحْرِيمَةِ، لَزِمَهُمْ فِعْلُهَا، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا يَلْزَمُهُمْ إِنْ شَكُّوا فِي خُرُوجِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. [الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِقَرْيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا] (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِقَرْيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا، فَلَا تَجُوزُ إِقَامَتُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ) «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَتَبَ إِلَى قُرَى عُرَيْنَةَ أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ» ، وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 وَتَجُوزُ إِقَامَتُهَا فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ إِذَا شَمِلَهَا اسْمٌ وَاحِدٌ. . . . وَفِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانُ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] جَمَّعَ بِهِمْ بِهَزْمِ النَّبِيتِ، وَلِأَنَّ الْقَرْيَةَ الْمَبْنِيَّةَ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ يَسْتَوْطِنُهَا الْعَدَدُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ وَبُيُوتِ الشِّعْرِ وَالْحَرَكَاوَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُقْصَدْ لِلِاسْتِيطَانِ غَالِبًا، وَلِذَلِكَ كَانَتْ قَبَائِلُ الْعَرَبِ حَوْلَهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهَا، زَادَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: وَلَوِ اتَّخَذُوهَا أَوْطَانًا؛ لِأَنَّ اسْتِيطَانَهُمْ فِي غَيْرِ بُنْيَانٍ، وَقَدَّمَ الْأَزَجِيُّ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: صِحَّتُهَا وَوُجُوبُهَا عَلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ بِعَمُودٍ أَوْ خِيَامٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ مُتَّجِهٌ. نَقَلَ أَبُو النَّصْرِ الْعِجْلِيُّ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ جُمُعَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَنَقَّلُونَ، وَفِي تَصْرِيحِ الْمُؤَلِّفِ بِالْقَرْيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ لِصِحَّتِهَا الْمِصْرُ، وَتُشْتَرَطُ الْإِقَامَةُ فِيهَا، فَلَوْ رَحَلَ عَنْهَا أَهْلُهَا فِي بَعْضِ السَّنَةِ لَمْ يَصِحَّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَكَذَا لَوْ دَخَلَ قَوْمٌ بَلَدًا لَا سَاكِنَ بِهِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِهِ سَنَةً فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ مَا يُمْنَعُ الْقَصْرُ، وَأَهْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَلَا جُمُعَةَ ـ أَيْضًا ـ فَلَوْ خَرِبَتِ الْقَرْيَةُ وَعَزَمَ أَهْلُهَا عَلَى عِمَارَتِهَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا فَعَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ عَزَمُوا عَلَى النَّقْلَةِ فَلَا (وَتَجُوزُ إِقَامَتُهَا فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ إِذَا شَمِلَهَا اسْمٌ وَاحِدٌ) قِيَاسًا عَلَى الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ، وَاعْتَبَرَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ اجْتِمَاعَ الْمَنَازِلِ فِي الْقَرْيَةِ، قَالَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ ـ أَيْضًا ـ: مَعْنَاهُ: مُتَقَارِبَةُ الِاجْتِمَاعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّفْرِيقَ إِذَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ لَمْ تَصِحَّ فِيهَا الْجُمُعَةُ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ ": إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْهَا مَا يَسْكُنُهُ أَرْبَعُونَ، فَتَجِبُ بِهِمُ الْجُمُعَةُ وَيَتْبَعُهُمُ الْبَاقُونَ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْجَدُّ فِي " فُرُوعِهِ ": وَرَبَضُ الْبَلَدِ لَهُ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ. تَنْبِيهٌ: إِذَا تَقَارَبَ قَرْيَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ، لَمْ يَصِحَّ فِعْلُ الْجُمُعَةِ فِي وَاحِدَةٍ بِتَكْمِيلِ الْأُخْرَى، فَإِنْ كَمُلَ فِي أَحَدِهِمَا لَزِمَهُمْ فِعْلُهَا، وَإِنْ كَمُلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَالْأَوْلَى جَمْعُ كَلِّ قَرْيَةٍ فِي مَوْضِعِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: الْقَرْيَةُ إِذَا كَانَتْ فِي الْمِصْرِ عَلَى فَرْسَخٍ فَمَا دُونُ، لَزِمَهُمْ قَصْدُهُ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ إِلَى جَنْبِ قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَلَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ، وَإِلَى جَنْبِهَا مِصْرٌ فِيهِ دُونَهُ، لَزِمَ أَهْلَهُ قَصْدُ الْقَرْيَةِ (وَ) تَجُوزُ إِقَامَتُهَا (فِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانُ مِنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 الصَّحْرَاءِ. الثَّالِثُ: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. . . . وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ،   [المبدع في شرح المقنع] الصَّحْرَاءِ) وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْبُنْيَانُ لِقَوْلِ كَعْبِ [بْنِ مَالِكٍ] : إِنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ قَالَ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَسَنُ الْإِسْنَادِ صَحِيحٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: حَرَّةُ بَنِي بَيَاضَةَ عَلَى مِيلٍ مِنَ الْمَدِينَةِ. وَقِيَاسًا عَلَى الْجَامِعِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ فِيهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إِلَّا فِي جَامِعٍ إِلَّا لِعُذْرٍ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِذَا صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ] (الثَّالِثُ: حُضُورُ أَرْبَعِينَ) رَجُلًا (مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: بَعَثَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ جَمَّعَ بِهِمْ، وَكَانُوا أَرْبَعِينَ، وَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ جَابِرٌ: «مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقُ جُمُعَةً وَأَضْحًى وَفِطَرًا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ (وَعَنْهُ: تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ) اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَهَذَا جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، وَعَنْهُ: فِي الْقُرَى خَاصَّةً؛ لِقِلَّتِهِمْ، وَعَنْهُ: بِخَمْسِينَ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «لَمَّا بَلَغَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 فَإِنْ نَقَصُوا قَبْلَ إِتْمَامِهَا اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا. . . . وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ إِنْ نَقَصُوا قَبْلَ رَكْعَةٍ   [المبدع في شرح المقنع] خَمْسِينَ جَمَّعَ بِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَعَنْهُ: بِسَبْعَةٍ، وَعَنْهُ: بِخَمْسَةٍ، وَعَنْهُ: بِأَرْبَعَةٍ، وَعَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا: لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْإِمَامِ زَائِدًا عَلَى الْعَدَدِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: بِلَى، فَعَلَيْهَا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا نَاسِيًا لَمْ يُجْزِئْهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا بِدُونِهِ الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ، وَيَتَخَرَّجُ: لَا مُطْلَقًا، قَالَ الْمَجْدُ: بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ صَلَاةَ الْمُؤْتَمِّ بِنَاسٍ حَدَثَهُ تَفْسُدُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَرَأَ خَلْفَهُ. فَرْعٌ: إِذَا رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ الْعَدَدَ، فَنَقَصَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّهُمْ، وَلَزِمَهُ اسْتِخْلَافُ أَحَدِهِمْ، وَبِالْعَكْسِ لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلَوْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إِلَّا بِأَرْبَعِينَ، لَمْ يَجُزْ بِأَقَلَّ، وَلَا أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِقِصَرِ وِلَايَتِهِ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ، وَبِالْعَكْسِ الْوِلَايَةُ بَاطِلَةٌ لِتَعَذُّرِهَا مِنْ جِهَتِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ لَهَا أَحَدَهُمْ (فَإِنْ نَقَصُوا قَبْلَ إِتْمَامِهَا) لَمْ يُتِمُّوهَا جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ، فَاعْتُبِرَ فِي جَمِيعِهَا كَالطَّهَارَةِ، وَ (اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَقِيلَ: يُتِمُّونَ ظُهْرًا، وَقِيلَ: جُمُعَةً، وَلَوْ بَقِيَ وَحْدَهُ وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ فِي الْأُولَى، وَقِيلَ: جُمُعَةً إِنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ الْعَدَدُ الْبَاقِي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانُوا فِي الصَّلَاةِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْمُرَادُ فِي انْتِظَارِهَا كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي الْخُطْبَةِ، وَلِلْدَارَقُطْنِيِّ: بَقِيَ مَعَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، وَإِنَّمَا انْفَضُّوا لِظَنِّهِمْ جَوَازَ الِانْصِرَافِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ: أَنَّ خُطْبَتَهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ هَذِهِ كَانَتْ بَعْدَ صَلَاتِهِ الْجُمُعَةَ، فَظَنُّوا لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي الِانْصِرَافِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُمُ انْفَضُّوا لِقُدُومِ التِّجَارَةِ لِشِدَّةِ الْمَجَاعَةِ، أَوْ ظُنُّ وُجُوبُ خِطْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ فَرَغَتْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 أَتَمُّوا ظُهْرًا، وَإِنْ نَقَصُوا بَعْدَ رَكْعَةٍ أَتَمُّوا جُمُعَةً، وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَمَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّهَا ظُهْرًا. . . . إِذَا كَانَ قَدْ نَوَى الظُّهْرَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَادُوا فَحَضَرُوا الْقَدْرَ الْوَاجِبَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ (وَيُحْتَمَلُ) هَذَا وَجْهٌ (أَنَّهُمْ إِنْ نَقَصُوا قَبْلَ رَكْعَةٍ أَتَمُّوا ظُهْرًا، وَإِنْ نَقَصُوا بَعْدَ رَكْعَةٍ أَتَمُّوا جُمُعَةً) وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَذِكْرُهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدِي كَالْمَسْبُوقِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْمَسْبُوقَ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ جُمُعَةٍ تَمَّتْ شَرَائِطُهَا وَصَحَّتْ، فَجَازَ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ هَذِهِ، وَإِنْ بَقِيَ الْعَدَدُ، أَتَمَّ جُمُعَةً. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: سَوَاءً سَمِعُوا الْخُطْبَةَ أَوْ لَحِقُوهُمْ قَبْلَ نَقَصِهِمْ بِلَا خِلَافٍ، كَبَقَائِهِ مِنَ السَّامِعِينَ. (وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً) أَيْ: بِسَجْدَتَيْهَا، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا لَوْ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ (أَتَمَّهَا جُمُعَةً) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَفْظُهُ «فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا خَطَأٌ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا يَصِحُّ. (وَمَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّهَا ظُهْرًا) لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ. وَعَنْهُ: يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» ، وَكَالظُّهْرِ، وَكَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِدْرَاكُهُ إِدْرَاكُ إِلْزَامٍ، وَهَذَا إِدْرَاكُ إِسْقَاطٍ لِلْعَدَدِ، وَبِأَنَّ الظُّهْرَ لَيْسَ مَنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقْلَا: يَنْوِي جُمُعَةً وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا، وَمَنْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ. . فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ سَجَدَ إِذَا زَالَ الزِّحَامُ، إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ، فَيُتَابِعَ إِمَامَهُ وَتَصِيرَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُؤَلِّفِ صِحَّةُ دُخُولِهِ مَعَهُ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ، بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَهَا بِإِحْرَامِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: (إِذَا كَانَ قَدْ نَوَى الظُّهْرَ فِي قَوْلِ " الْخِرَقِيِّ ") صَحَّحَهُ الْحُلْوَانِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَصْدٌ يَتْبَعُ الْعِلْمَ، وَيُوَافِقُ الْفِعْلَ، فَالْمُصَلِّي ظُهْرًا لَا يَنْوِي جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُ يَنْوِي غَيْرَ مَا يَفْعَلُهُ، وَلِأَنَّ الظُّهْرَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ ابْتِدَاءً فَكَذَا اسْتَدَامَتُهُ، كَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا دَخَلَ وَقْتُهَا، وَإِلَّا كَانَتْ نَفْلًا (وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقْلَا: يَنْوِي جُمُعَةً) تَبَعًا لِإِمَامِهِ (وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا) وَذَكَرَ الْقَاضِي الْمَذْهَبَ، كَصَلَاةِ الْمُسَافِرِ مَعَ الْمُقِيمِ، وَضَعَّفَهُ الْمَجْدُ بِأَنْ قَالَ: فَرَّ مِنَ اخْتِلَافِ النِّيَّةِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ فِي الْبِنَاءِ، وَالْوَاجِبُ الْعَكْسُ أَوِ التَّسْوِيَةُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْبِنَاءِ مَعَ اخْتِلَافٍ يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ، وَقِيلَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ هَلْ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَمْ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ دُخُولُ مَنْ فَاتَهُ مَعَهُ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، فَإِنْ دَخَلَ انْعَقَدَتْ نَفْلًا، وَالثَّانِي: يَصِحُّ دُخُولُهُ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهَا ظُهْرًا، وَيَجِبُ أَنْ يُصَادِفَ ظُهْرُهُ زَوَالَ الشَّمْسِ. (وَمَنْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ زُحِمَ عَلَى السُّجُودِ) بِالْأَرْضِ (سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ) أَيْ: قَدَمِهِ وُجُوبًا إِنْ أَمْكَنَ، ذَكَرَهُ مُعْظَمُهُمْ، لِقَوْلِ عُمَرَ: إِذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَسَعِيدٌ وَهَذَا قَالَهُ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ، وَلَا يَأْتِي بِمَا يُمْكِنُهُ حَالَ الْعَجْزِ، فَوَجَبَ، وَصَحَّ كَالْمَرِيضِ يُومِئُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَحَدٍ، وَيُومِئُ غَايَةَ الْإِمْكَانِ، فَأَمَّا إِنِ احْتَاجَ إِلَى وَضْعِ يَدَيْهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ، وَقُلْنَا: يَجُوزُ فِي الْجَبْهَةِ، فَوَجْهَانِ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) انْتَظَرَ، وَ (سَجَدَ إِذَا زَالَ الزِّحَامُ) وَتَبِعَ إِمَامَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ فِي صَلَاةِ عُسْفَانَ لِلْعُذْرِ؛ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا، وَالْمُفَارَقَةُ وَقَعَتْ صُورَةً لَا حُكْمًا، فَلَمْ تُؤَثِّرْ (إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ فَيُتَابِعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 أُولَاهُ، وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ فَسَجَدَ، ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ، أَتَى بِرَكْعَةٍ أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِهِ وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ. . . وَعَنْهُ: يُتِمُّهَا ظُهْرًا. الرَّابِعُ: أَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ، وَمِنْ شَرْطِ   [المبدع في شرح المقنع] إِمَامَهُ، وَتَصِيرَ أُولَاهُ، وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً) ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» ، وَلِأَنَّهُ مَأْمُومٌ خَافَ فَوْتَ الثَّانِيَةِ فَلَزِمَتْهُ الْمُتَابَعَةُ كَالْمَسْبُوقِ، وَعَنْهُ: لَا يُتَابِعُهُ بَلْ يَشْتَغِلُ بِسُجُودِ الْأُولَى، وَكَمَا لَوْ زَالَ الزِّحَامُ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ، فَإِنْ لَمْ يَزُلِ الزِّحَامُ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ، وَهَلْ تَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ يُتِمُّهَا جُمُعَةً أَوْ يُصَلِّي ظُهْرًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ (فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِتَرْكِهِ مُتَابَعَةَ إِمَامِهِ عَمْدًا، وَمُتَابَعَتُهُ وَاجِبَةٌ؛ لِقَوْلِهِ: فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ عَمْدًا يُبْطِلُهَا وِفَاقًا (وَإِنْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ فَسَجَدَ) أَيْ: إِذَا جَهِلَ تَحْرِيمَ مُتَابَعَةِ إِمَامِهِ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِسُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي مَوْضِعِ الرُّكُوعِ جَهْلًا، فَهُوَ كَالسَّاهِي. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُعْتَدُّ بِهِ (ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ، أَتَى بِرَكْعَةٍ أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِهِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِسُجُودٍ مُعْتَدٍّ بِهِ (وَ) إِذَا اعْتَدَّ لَهُ بِذَلِكَ (صَحَّتْ جُمُعَتُهُ) لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، وَالْجُمُعَةُ تُدْرَكُ بِهَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَخَالَفَ فِيهِ الْمُؤَلِّفَ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَأْمُومِ سُجُودُ سَهْوٍ (وَعَنْهُ: يُتِمُّهَا ظُهْرًا) لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنَ السُّجُودِ لَمْ يُتَابِعْ إِمَامَهُ فِيهِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّدَارُكِ، فَلَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ. 1 - مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا أَدْرَكَ الرُّكُوعَ، وَزُحِمَ عَنِ السُّجُودِ، أَوْ أَدْرَكَ الْقِيَامَ، وَزُحِمَ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى سَلَّمَ إِمَامُهُ، أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ، فَفَاتَهُ ذَلِكَ بِالْوُضُوءِ، وَقُلْنَا: يَبْنِي، اسْتَأْنَفَ ظُهْرًا، نَصَّ عَلَيْهِ، لِاخْتِلَافِهِمَا فِي فَرْضٍ وَشَرْطٍ كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ، وَلِافْتِقَارِ كُلٍّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهُمَا إِلَى النِّيَّةِ، وَعَنْهُ: يُتِمُّهَا ظُهْرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً كَامِلَةً، أَشْبَهَ الْمَسْبُوقَ بِرُكُوعِ الثَّانِيَةِ، وَعَنْهُ: يُتِمُّهَا جُمُعَةً، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، كَمُدْرِكِ رَكْعَةٍ، وَعَنْهُ: يُتِمُّ جُمُعَةً مَنْ زُحِمَ عَنْ سُجُودٍ أَوْ نَسِيَهُ، لِإِدْرَاكِهِ الرُّكُوعَ كَمَنْ أَتَى بِالسُّجُودِ قَبْلَ سَلَامِ إِمَامِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي جَمَاعَةٍ، وَالْإِدْرَاكُ الْحُكْمِيِّ كَالْحَقِيقِيِّ، كَحَمْلِ الْإِمَامِ السَّهْوَ عَنْهُ. الثَّانِيَةُ: إِذَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ بِنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ وَنَحْوِهِ، لَغَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِنْ فَاتَهُ الرُّكُوعُ فَقَطْ فِي رِوَايَةٍ، فَإِنْ فَاتَهُ رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ، لَمْ يَقْضِ قَبْلَ سَلَامِ إِمَامِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَةِ، بَلْ يُتَابِعُهُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى مَا فَاتَهُ كَالْمَسْبُوقِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ فَاتَهُ رُكْنٌ، أَتَى بِهِ ثُمَّ لَحِقَ إِمَامَهُ، وَإِنْ كَانَ رُكُوعًا فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ كَانَ رُكْنَيْنِ لَغَتْ رَكْعَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَأْتِي بِهِمَا كَنَصِّهِ فِي الْمَزْحُومِ، فَإِنْ زُحِمَ عَنِ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، أَتَى بِهِ قَائِمًا، وَأَجْزَأَهُ، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْأَوْلَى انْتِظَارُ زَوَالِ الزِّحَامِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ فَزُحِمَ، وَأُخْرِجَ مِنَ الصَّفِّ فَصَلَّى فَذًّا، لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أُخْرِجَ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ أَتَمَّهَا جُمُعَةً فِي قِيَاسِ " الْمُذْهَبِ "، وَإِلَّا، فَرِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يُتِمُّهَا جُمُعَةً كَمَسْبُوقٍ، وَالثَّانِيَةُ: يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ فَذَّ فِي رَكْعَةٍ. [الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ] [شُرُوطُ صِحَّةِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ] (الرَّابِعُ: أَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَالذِّكْرُ: هُوَ الْخُطْبَةُ، فَأَمَرَ بِالسَّعْيِ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ وَاجِبًا، وَلِمُوَاظَبَتِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ عَلَيْهَا، مَعَ قَوْلِهِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَعَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ: قُصِرَتِ الصَّلَاةُ مِنْ أَجْلِ الْخُطْبَةِ، وَيُشْتَرَطُ اثْنَتَانِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ؛ وَهُوَ قَائِمٌ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُمَا أُقِيمَا مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 صِحَّتِهِمَا حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ. . . . . وَقِرَاءَةُ آيَةٍ، ثم نظر {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] ، وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ   [المبدع في شرح المقنع] فَالْإِخْلَالُ بِإِحْدَاهُمَا إِخْلَالٌ بِإِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، وَعَنْهُ: تُجْزِئُهُ وَاحِدَةٌ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُمَا بَدَلٌ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى الصَّلَاةِ، لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ وَأَصْحَابِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، لِأَنَّهُمَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ، وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ، أَوْ لِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِمَعَايِشِهِمْ، فَقُدِّمَا لِأَجْلِ التَّدَارُكِ، وَأَنْ يَكُونَا فِي وَقْتٍ تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ مِنْ مُكَلَّفٍ مَسْتُورِ الْعَوْرَةِ، قَالَهُ الْقَاضِي. (وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مُرْسَلًا، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ إِذَا تَشَهَّدَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ» وَيَتَعَيَّنُ هَذَا اللَّفْظُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ (وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ) مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَتْ إِلَى ذِكْرِ رَسُولِهِ، كَالْأَذَانِ، وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الصَّلَاةِ، أَوْ يَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَوْجَبَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ إِيمَانٌ بِهِ، وَالصَّلَاةُ دُعَاءٌ لَهُ، وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي خُطْبَتِهِ، وَعَمَلًا بِالْأَصْلِ (وَقِرَاءَةُ آيَةٍ) كَامِلَةٍ لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يَقْرَأُ آيَاتٍ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُمَا أُقِيمَا مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْخُطْبَةُ فَرْضٌ فَوَجَبَتْ فِيهَا الْقِرَاءَةُ، كَالصَّلَاةِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ. قَالَ أَحْمَدُ: يَقْرَأُ مَا شَاءَ، وَأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 تَعَالَى. . . . وَحُضُورُ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ، وَأَنْ يَتَوَلَّاهُمَا مَنْ   [المبدع في شرح المقنع] لَا يُجْزِئُ بَعْضُ آيَةٍ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا دُونَهَا بِدَلِيلِ مَنْعِ الْجُنُبِ مِنْهَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَوْ قَرَأَ آيَةً لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى أَوْ حُكْمٍ كَقَوْلِهِ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] أَوْ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] لَمْ يَكْفِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي إِحْدَاهُمَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مِنْ قَرَاءَةِ آيَةٍ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا مَعَ تَحْرِيمِهَا. وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِيهَا، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، فَلَوْ قَرَأَ مَا تَضَمَّنَ الْحَمْدَ وَالْمَوْعِظَةَ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ أَجْزَأَ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ: لَا بُدَّ مِنْ خُطْبَةٍ، وَكَمَا لَا يُجْزِئُ عَنْهَا قِرَاءَةُ (فَاطِرٍ) أَوِ (الْحَجِّ) نَصَّ عَلَيْهِ. 1 - (وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَقِيلَ: فِي الثَّانِيَةِ، وَالْمَذْهَبُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا يَكْفِي ذِكْرُ الْمَوْتِ وَذَمُّ الدُّنْيَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يُحَرِّكَ الْقُلُوبَ، وَيَبْعَثَ بِهَا إِلَى الْخَيْرِ، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَطِيعُوا اللَّهَ، وَاجْتَنِبُوا مَعَاصِيَهُ، فَالْأَظْهَرُ لَا يَكْفِي، وَإِنْ كَانَ فِيهِ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ اسْمِ الْخُطْبَةِ عُرْفًا، وَتُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَجْزَائِهِمَا، وَالصَّلَاةُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُمَا مَعَ الصَّلَاةِ كَالْمَجْمُوعَتَيْنِ، فَلَوْ قَرَأَ سَجْدَةً فَنَزَلَ فَسَجَدَ لَمْ يُكْرَهْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَ " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَفْرِيقُ كَثِيرٍ بِدُعَاءٍ لِسُلْطَانٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ كَالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ هَلْ يَجِبُ إِبْدَالُ عَاجِزٍ عَنْ قِرَاءَةٍ بِذِكْرٍ أَمْ لَا لِحُصُولِ مَعْنَاهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَيَبْدَأُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، ثُمَّ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ بِالْمَوْعِظَةِ، ثُمَّ الْقِرَاءَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. (وَ) يُشْتَرَطُ (حُضُورُ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ) لِسَمَاعِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ اشْتُرِطَ لِلصَّلَاةِ، فَاشْتُرِطَ لَهُ الْعَدَدُ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، فَإِنِ انْفَضُّوا وَعَادُوا قَبْلَ فَوْتِ رُكْنٍ مِنْهَا بَنَوْا، وَإِنْ كَثُرَ التَّفْرِيقُ، أَوْ فَاتَ مِنْهَا رُكْنٌ، أَوْ أَحْدَثَ فَتَطَهَّرَ، فَفِي الْبِنَاءِ وَالِاسْتِئْنَافِ مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ وَجْهَانِ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِمَا بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ إِذَا لَمْ يَعْرِضْ مَانِعٌ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِخَفْضِ صَوْتِهِ أَوْ بُعْدٍ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا إِنْ كَانُوا صُمًّا، خِلَافًا لِلْمَجْدِ، فَإِنْ قَرُبَ الْأَصَمُّ وَبَعُدَ مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. . . . . وَمِنْ سُنَنِهِمَا أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ، أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ،   [المبدع في شرح المقنع] يَسْمَعُ، فَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِفَوْتِ الْمَقْصُودِ، وَقِيلَ: بَلَى، كَمَا لَوْ كَانَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ طُرْشًا أَوْ عُجْمًا؛ وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ خُرْسًا صَلَّوْا ظُهْرًا فِي الْأَصَحِّ، وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ "، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ، وَلَوْ يَسِيرًا (وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ، وَأَنْ يَتَوَلَّاهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الطَّهَارَةِ، قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ لَمْ يَكُنْ يَفْصِلُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ شَرْطًا فِي الْجُمُعَةِ أَشْبَهَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ، أَشْبَهَ الْأَذَانَ، وَعَنْهُ: تُشْتَرَطُ الْكُبْرَى، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَصُّهُ: تُجْزِئُ خُطْبَةُ الْجُنُبِ، جَزَمَ بِهِ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ لُبْثِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِوَاجِبِ الْعِبَادَةِ، كَمَنْ صَلَّى وَمَعَهُ دِرْهَمٌ غَصْبٌ، لَكِنْ قَيَّدَهُ الْقَاضِي فِي " جَامِعِهِ "، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " فِيهِ، بِأَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ لُبْثَهُ فِيهِ مَعْصِيَةٌ تُنَافِي الْعِبَادَةَ، وَقِيلَ: إِنْ جَازَ لِلْجُنُبِ قِرَاءَةُ آيَةٍ أَوْ لَمْ تَجِبِ الْقِرَاءَةُ فِي الْخُطْبَةِ، فَوَجْهَانِ كَالْأَذَانِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ كَطَهَارَةٍ صُغْرَى. الثَّانِيَةُ: إِحْدَاهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ، بَلْ تُسْتَحَبُّ، قَدَّمَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَذُكِرَ فِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَا الصَّلَاتَيْنِ، لَكِنْ فِي فِعْلِ اثْنَيْنِ لِلْخُطْبَتَيْنِ وَجْهَانِ، وَالثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ مَعَ الْعُذْرِ كَالْحَدَثِ، ذُكِرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الصَّلَاةِ لِلْعُذْرِ فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَعَلَى الْجَوَازِ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ النَّائِبِ الْخُطْبَةَ، كَالْمَأْمُومِ، لِتَعَيُّنِهَا عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ جُمُعَةُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا إِلَّا تَبَعًا، كَمُسَافِرٍ. وَإِنْ أَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَحْضُرِ الْخُطْبَةَ، صَحَّ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ مَنَعْنَا الِاسْتِخْلَافَ، أَتَمُّوا فُرَادَى جُمُعَةً بِرَكْعَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وَيُسَلِّمَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ. . وَيَجْلِسَ إِلَى فَرَاغِ الْأَذَانِ، وَيَجْلِسَ   [المبدع في شرح المقنع] كَمَسْبُوقٍ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا لِبَقَاءِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ، كَمَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ، وَقِيلَ: ظُهْرًا، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ، كَمَا لَوِ اخْتَلَّ الْعَدَدُ، وَإِنْ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ فَأَتَمُّوا فُرَادَى لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ، وَلَوْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ أُنْقِصَ الْعَدَدُ وَأَوْلَى. مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: إِذَا قُلْنَا: يُعْتَدُّ بِأَذَانِ الْمُمَيِّزِ وَالْفَاسِقِ، فَفِي خُطْبَتِهِ وَجْهَانِ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ ": إِنْ صَحَّ أَنْ يَؤُمَّ غَيْرُ مَنْ خَطَبَ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ إِمَامَةُ الْعَبْدِ، فَفِي صِحَّةِ خُطْبَتِهِ وَجْهَانِ. الثَّانِيَةُ: لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْخُطْبَةَ قِرَاءَتُهَا مِنْ صَحِيفَةٍ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ: كَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ كَالْقِرَاءَةِ مِنَ الْحِفْظِ، فَهَذَا مِثْلُهُ. [سُنَنُ الْخُطْبَةِ] (وَمِنْ سُنَنِهِمَا أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ) لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ أَرْسَلَ إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنْ مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهَا إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُ عُمِلَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ، فَكَانَ يَرْتَقِي عَلَيْهِ، وَاتِّخَاذُهُ كَانَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ، وَكَانَ ثَلَاثَ دَرَجٍ، وَيُسَمَّى مِنْبَرًا لِارْتِفَاعِهِ، مِنَ النَّبْرِ؛ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، وَاتِّخَاذُهُ سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، قَالَهُ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ "، وَيَكُونُ صُعُودُهُ فِيهِ عَلَى تُؤَدَةٍ إِلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي السَّطْحَ، قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " (أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ) إِنْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْلَامِ، وَيَكُونَانِ عَنْ يَمِينِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِنْ وَقَفَ بِالْأَرْضِ، وَقَفَ عَلَى يَسَارِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الْمِنْبَرِ (وَيُسَلِّمَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ» وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَيَخْطُبَ قَائِمًا. . . وَيَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا، وَيَقْصِدَ   [المبدع في شرح المقنع] مَسْعُودٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَاهُ [أَبُو بَكْرٍ] النَّجَّادُ عَنْ عُثْمَانَ، وَكَسَلَامِهِ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ فِي خُرُوجِهِ، قَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: لِأَنَّهُ اسْتِقْبَالٌ بَعْدَ اسْتِدْبَارٍ، أَشْبَهَ مَنْ فَارَقَ قَوْمًا ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمْ، وَعَكْسُهُ الْمُؤَذِّنُ، قَالَهُ الْمَجْدُ، وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِ الْخَطِيبِ النَّاسَ؛ وَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ رَدَّ السَّلَامِ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَكَذَا كُلُّ سَلَامٍ مَشْرُوعٍ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ لَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ كَابْتِدَائِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ غَرِيبٌ وَاجِبٌ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَيَجْلِسَ إِلَى فَرَاغِ الْأَذَانِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ: يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ» . مُخْتَصَرٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَرِيحُ بِذَلِكَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ، وَيَتَمَكَّنُ مِنَ الْكَلَامِ التَّمَكُّنَ التَّامَّ، وَهَذَا النِّدَاءُ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَعَنْهُ: بِالْأَوَّلِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ، وَلِأَنَّ عُثْمَانَ سَنَّهُ، وَعَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ، وَمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ، سَعَى فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا كُلَّهَا إِذَا عَلِمَ حُضُورَ الْعَدَدِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَبْلَهُ. (وَيَجْلِسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ؛ وَهُوَ قَائِمٌ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَجِلْسَتِهِ الْأُولَى، وَيُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهَا، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا، اخْتَارَهُ النَّجَّادُ لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عَلِيٌّ، سَرَدُوا الْخُطْبَةَ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ، فَلَمْ يَجِبْ كَالْأُولَى (وَيَخْطُبَ قَائِمًا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الِاسْتِقْبَالُ، فَلَمْ يَجِبْ لَهُ الْقِيَامُ كَالْأَذَانِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ مَعَ الْقُدْرَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي " النَّصِيحَةِ "، وَبِالْجُلُوسِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَيُقَصِّرَ الْخُطْبَةَ، وَيَدْعُوَ لِلْمُسْلِمِينَ. وَلَا يُشْتَرَطُ إِذَنُ الْإِمَامِ، وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ. فَصْلٌ: وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَيَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا) لِمَا رَوَى الْحَكَمُ بْنُ حَزَنٍ قَالَ: «وَفَدْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فَشَهِدْنَا مَعَهُ الْجُمُعَةَ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى سَيْفٍ، أَوْ قَوْسٍ، أَوْ عَصًا» . مُخْتَصَرٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ لَهُ، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ فُتِحَ بِهِ، وَيَكُونُ اعْتِمَادُهُ عَلَى ذَلِكَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ بِالْيُسْرَى، وَالْأُخْرَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ أَمْسَكَ يَمِينَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا (وَيَقْصِدَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَلِأَنَّ فِي الْتِفَاتِهِ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ إِعْرَاضًا عَنِ الْآخَرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا الْتَفَتَ أَوِ اسْتَدْبَرَ النَّاسَ أَنَّهُ يُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، صَرَّحُوا بِهِ فِي الِاسْتِدْبَارِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يُجْزِئُ لِتَرْكِهِ الْجِهَةَ الْمَشْرُوعَةَ، وَيَنْحَرِفُ إِلَيْهِ الْمَأْمُومُونَ إِذَا خَطَبَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ. (وَيُقَصِّرَ الْخُطْبَةَ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَمَّارٍ مَرْفُوعًا «إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ» وَفِي " التَّعْلِيقِ ". وَالثَّانِيَةُ أَقْصَرُ، جَعَلَهُ أَصْلًا لِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ، وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ حَسَبَ الْإِمْكَانِ (وَيَدْعُوَ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ الدُّعَاءَ لَهُمْ مَسْنُونٌ فِي غَيْرِ الْخُطْبَةِ، فَفِيهَا أَوْلَى، وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ: وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ "، وَاحْتَجَّ بِالْعُمُومِ، وَقِيلَ: لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يُسْتَحَبُّ، قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ بِدْعَةٌ وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يُسَنُّ لِلْمُسْلِمَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ يَشْمَلُهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ الدُّعَاءَ لِلسُّلْطَانِ فِيهَا، وَلَا لِمُعَيَّنٍ؛ وَهُوَ جَائِزٌ، بَلْ قِيلَ: يُسْتَحَبُّ لِلسُّلْطَانِ، حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ أَوْ غَيْرُهُ: لَوْ كَانَ لَنَا دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ لَدَعَوْنَا بِهَا لِإِمَامٍ عَادِلٍ، وَلِأَنَّ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحَ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَدْعُو فِي خُطْبَتِهِ لِعُمَرَ، وَرَوَى الْبَزَّارُ: أَرْفَعُ النَّاسِ دَرَجَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِمَامٌ عَادِلٌ. قَالَ أَحْمَدُ: إِنِّي لَأَدْعُو لَهُ بِالتَّسْدِيدِ وَالتَّوْفِيقِ. فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا نَزَلَ عِنْدَ لَفْظَةِ الْإِقَامَةِ فِي وَجْهٍ، قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَفِي الْآخَرِ إِذَا فَرَغَ مِنْهَا، وَيَنْزِلُ مُسْرِعًا. (وَلَا يُشْتَرَطُ إِذْنُ الْإِمَامِ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا صَلَّى بِالنَّاسِ، وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَصَوَّبَهُ عُثْمَانُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ، وَلِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ، أَشْبَهَتِ الظُّهْرَ. قَالَ أَحْمَدُ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بِالشَّامِ تِسْعَ سِنِينَ، فَكَانُوا يُجَمِّعُونَ (وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ) لِأَنَّهُ لَا يُقِيمُهَا فِي كُلِّ عَصْرٍ إِلَّا الْأَئِمَّةُ؛ وَهِيَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ الظَّاهِرَةِ، أَشْبَهَتِ الْجِهَادَ، وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ، وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا لَا لِجَوَازِهَا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِمَوْتِهِ إِلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَاشْتُرِطَ إِذْنُهُ، فَعَنْهُ: لَا إِعَادَةَ لِلْمَشَقَّةِ، وَعَنْهُ: بَلَى، لِبَيَانِ الشَّرْطِ. فَرْعٌ: إِذَا غَلَبَ الْخَوَارِجُ عَلَى بَلَدٍ، فَأَقَامُوا فِيهِ الْجُمُعَةَ، جَازَ اتِّبَاعُهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ قُلْنَا: مِنْ شَرْطِهَا إِمَامٌ عَادِلٌ، إِذَا كَانَ خُرُوجُهُمْ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُصَلِّي مَعَهُمُ الْجُمُعَةَ، وَيُعِيدُهَا ظُهْرًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأَوْلَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ. وَتَجُوزُ إِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ، وَلَا تَجُوزُ   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلُ مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَهُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] فَصْلٌ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ إِجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ عُمَرُ: صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ (يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) قَالَهُ الْأَئِمَّةُ، لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَنَقَلَهُ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ إِلَّا الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ» (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي (الْمُغْنِي) وَ (الشَّرْحِ) : إِنْ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ فَحَسَنٌ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَعَنْهُ: يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِـ (سَبِّحْ) . قَالَ مَالِكٌ: أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ، وَالَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ الْغَاشِيَةَ مَعَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِـ (سَبِّحْ) ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَسُورَةٌ. قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِسُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَقَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَمَهْمَا قَرَأَ بِهِ فَحَسَنٌ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لَكِنَّ الْأَوْلَى الِاقْتِدَاءُ بِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ؛ لِأَنَّ سُورَةَ الْجُمُعَةِ تَلِيقُ بِهَا، لِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِهَا، وَالْأَمْرِ بِهَا، وَالْحَثِّ عَلَيْهَا. تَذْنِيبٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي فَجْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] السَّجْدَةَ وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِتَضَمُّنِهِمَا ابْتِدَاءَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلْقِ الْإِنْسَانِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ، وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا فِي الْمَنْصُوصِ، وَصُحِّحَ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهَا مُفَضَّلَةٌ بِسَجْدَةٍ، أَوْ لِظَنِّ الْوُجُوبِ، فَإِنْ سَهَا عَنِ السَّجْدَةِ، فَعَنْ أَحْمَدَ: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. قَالَ الْقَاضِي: كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ، قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا تَغْيِيرُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَثَّ وَالتَّرْغِيبَ وُجِدَ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ أَكْثَرَ، وَالسُّنَّةُ إِكْمَالُهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيُكْرَهُ تَحَرِّيهِ قِرَاءَةَ سَجْدَةٍ غَيْرِهَا. [جَوَازُ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لِلْحَاجَةِ] (وَتَجُوزُ إِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ) فَأَكْثَرَ (مِنَ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ) كَسِعَةِ الْبَلَدِ، وَتَبَاعُدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 مَعَ عَدَمِهَا، فَإِنْ فَعَلُوا، فَجُمُعَةُ الْإِمَامِ هِيَ الصَّحِيحَةُ. فَإِنِ اسْتَوَتَا، فَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ، فَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا، أَوْ جُهِلَتِ الْأُولَى، بَطَلَتَا مَعًا. وَإِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ   [المبدع في شرح المقنع] أَقْطَارِهِ، أَوْ بُعْدِ الْجَامِعِ أَوْ ضِيقِهِ أَوْ خَوْفِ فِتْنَةٍ، وَلِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْأَمْصَارِ الْعَظِيمَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إِجْمَاعًا. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَأَصْحَابَهُ لَمْ يُقِيمُوهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْجَوَابُ لِعَدَمِ حَاجَتِهِمْ إِلَى أَكْثَرَ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُؤَثَّرُونَ بِسَمَاعِ خُطْبَتِهِ وَشُهُودِ جُمُعَتِهِ، وَإِنْ بَعُدَتْ مَنَازِلُهُمْ، وَظَاهِرُهُ إِذَا اسْتَغْنَى بِجُمُعَتَيْنِ لَمْ تَجُزِ الثَّالِثَةُ (وَلَا تَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إِلَّا عَنْ عَطَاءٍ (فَإِنْ فَعَلُوا) أَيْ: فَعَلُوهَا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ (فَجُمُعَةُ الْإِمَامِ هِيَ الصَّحِيحَةُ) لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ غَيْرِهَا افْتِئَاتًا عَلَيْهِ، وَتَفْوِيتًا لَجُمُعَتِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَأَخَّرَتْ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَذَكَرَ ابْنُ حَمْدَانَ أَنَّهُ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: إِذْنُهُ شَرْطٌ أَوْ لَا، وَقِيلَ: السَّابِقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ، لِأَنَّهَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَا يُفْسِدُهَا (فَإِنِ اسْتَوَتَا) فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ (فَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ حَصَلَ بِالْأُولَى، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهَا لِكَوْنِهَا سَابِقَةً، وَيُعْتَبَرُ السَّبْقُ بِالْإِحْرَامِ، وَقِيلَ: بِالشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ، وَقِيلَ: بِالسَّلَامِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ أَوْ قَصَبَةِ الْبَلَدِ فِي وَجْهٍ، وَفِي الْآخَرِ: تَصِحُّ الْوَاقِعَةُ فِيهِمَا، وَلَوْ كَانَتِ الثَّانِيَةَ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْمَعَانِي مَزِيَّةً، فَقُدِّمَ بِهَا كَجُمُعَةِ الْإِمَامِ (فَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا) وَلَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا، بَطَلَتَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا، وَلَا تَعْيِينُ إِحْدَاهُمَا بِالصِّحَّةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 فَاجْتَزَى بِالْعِيدِ وَصَلَّى ظُهْرًا جَازَ إِلَّا لِلْإِمَامِ. وَأَقَل ُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ. وَأَكْثَرُهَا سِتُّ رَكَعَاتٍ.   [المبدع في شرح المقنع] وَتَلْزَمُهُمُ الْجُمُعَةُ إِنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ مِصْرٌ لَمْ يُصَلَّ فِيهِ جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ، فَإِنْ سَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا وَعُلِمَتْ، بَطَلَتِ الثَّانِيَةُ، وَلَزِمَ أَهْلَهَا الظُّهْرُ، فَإِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ فِي أَثْنَائِهَا اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا، صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ جَائِزًا بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ، وَجَزَمَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ": يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا (أَوْ جُهِلَتِ الْأُولَى بَطَلَتَا مَعًا) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَا إِذَا جُهِلَ الْحَالُ هَلْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ فِي وَقْتَيْنِ، فَهَلْ يُصَلُّونَ ظُهْرًا، كَمَا ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ الْأَوْلَى، وَقَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِلشَّكِّ فِي شَرْطِ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ، أَوْ جُمُعَةٍ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّتِهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ جُمُعَةً. أَيْ: بِشَرْطِهَا. [إِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ] (وَإِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاجْتَزَى بِالْعِيدِ، وَصَلَّى ظُهْرًا، جَازَ) «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ صَلَّى الْعِيدَ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ إِسْقَاطَ حُضُورٍ لَا وُجُوبٍ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَمَرِيضٍ، لَا كَمُسَافِرٍ وَنَحْوِهِ، عَمَّنْ حَضَرَ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ كَصَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ، وَعَنْهُ: لَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ لِلْعُمُومِ، كَالْإِمَامِ (إِلَّا لِلْإِمَامِ) هَذَا الْمَذْهَبُ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَ: «قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ؛ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ وَقَدْ قَالَ: حَدَّثَنَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَامْتَنَعَ فِعْلُهَا فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَمَنْ يُرِيدُهَا مِمَّنْ سَقَطَتْ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا إِنِ اجْتَمَعَ مَعَهُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ أَقَامَهَا، وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: تَسْقُطُ عَنْهُ كَهُمْ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَحَكَاهُ السَّامِرِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ، وَاحْتَجَّ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يُصَلِّهَا، وَكَانَ إِمَامًا، وَلِأَنَّهَا إِذَا سَقَطَتْ عَنِ الْمَأْمُومِ سَقَطَتْ عَنِ الْإِمَامِ كَحَالَةِ السَّفَرِ، وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ، وَقَالَ: الْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِأَدْنَى عُذْرٍ، كَمَنَ لَهُ عَرُوسٌ تُجَلَّى، فَكَذَا الْمَسَرَّةُ بِالْعِيدِ، وَرَدَّهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَعَنْهُ: لَا تَسْقُطُ عَنِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ، فَتَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ. فَرْعٌ: يَسْقُطُ الْعِيدُ بِالْجُمُعَةِ، سَوَاءٌ فُعِلَتْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، لِفِعْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَصَابَ السُّنَّةَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إِلَى الْعَصْرِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إِنْ فُعِلَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ اعْتُبِرَ الْعَزْمُ عَلَى الْجُمُعَةِ لِتَرْكِ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " السُّقُوطَ بِفِعْلِ الْجُمُعَةِ وَقْتَ الْعِيدِ، وَفِي " مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ " احْتِمَالٌ يُسْقِطُ الْجَمْعَ، وَتُصَلَّى فُرَادَى. [السُّنَّةُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ] (وَأَقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (وَأَكْثَرُهَا سِتُّ رَكَعَاتٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يَفْعَلُهُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُغْنِي " أَرْبَعًا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَأَمْرِهِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 فَصْلٌ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجُمُعَةِ فِي يَوْمِهَا، وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ عِنْدَ مُضِيِّهِ إِلَيْهَا،   [المبدع في شرح المقنع] هُرَيْرَةَ، وَقِيلَ: إِنْ شَاءَ صَلَّى بِسَلَامٍ أَوْ سَلَامَيْنِ مَكَانَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ، وَقِيلَ: لَا سُنَّةَ لَهَا، وَيُسَنُّ أَنْ يَفْصِلَ بِكَلَامٍ أَوِ انْتِقَالٍ مِنْ مَوْضِعِهِ لِلْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ: لَا سُنَّةَ لَهَا قَبْلَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَئِمَّةِ، لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ظُهْرًا مَقْصُورَةً، فَتُفَارِقُهَا فِي أَحْكَامٍ، وَعَنْهُ: رَكْعَتَانِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَعَنْهُ: أَرْبَعٌ، وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْتُ أَبِي يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ رَكَعَاتٍ. [فَصْلُ اسْتِحْبَابِ الِاغْتِسَالِ وَالتَّطَيُّبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجُمُعَةِ فِي يَوْمِهَا، وَلَا يَجِبُ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» وَظَاهِرُهُ حُصُولُ الْفَضِيلَةِ بِهِ، وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الرَّوَاحُ (وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ عِنْدَ مُضِيِّهِ إِلَيْهَا) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ، وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنَ الْخِلَافِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُجَامِعَ ثُمَّ يَغْتَسِلَ، نَصَّ عَلَيْهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ، وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَيُبَكِّرَ إِلَيْهَا مَاشِيًا، وَيَدْنُوَ مِنَ الْإِمَامِ وَيَشْتَغِلَ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، وَيَقْرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا. وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ وَالصَّلَاةَ   [المبدع في شرح المقنع] لِلْخَبَرِ (وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ بِدُهْنٍ، وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَوْلُهُ: «وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ» يَعْنِي مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ، وَخَفِيَ رِيحُهُ لِتَأَكُّدِ الطِّيبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ خِلَافُهُ (وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، وَأَفْضَلُهَا الْبَيَاضُ، وَيَعْتَمَّ، وَيَرْتَدِيَ (وَيُبَكِّرَ إِلَيْهَا) وَلَوْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالصَّلَاةِ فِي مَنْزِلِهِ (مَاشِيًا) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «وَمَشَى، وَلَمْ يَرْكَبْ» ، وَيَكُونُ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، وَقِيلَ: بَعْدَ صَلَاتِهِ، لَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا بَعْدَ الزَّوَالِ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ فَلَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ كَالْعَوْدِ (وَيَدْنُوَ مِنَ الْإِمَامِ) مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ، عَمَلُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. [اسْتِحْبَابُ الِاشْتِغَالِ بِالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] (وَيَشْتَغِلَ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ) وَالْقِرَاءَةَ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْصِيلِ الْأَجْرِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ سَامِعٍ لِلْخُطْبَةِ بِأَنْ يَحْضُرَ قَبْلَهَا، أَوْ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ (وَيَقْرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا) لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. زَادَ أَبُو الْمَعَالِي وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ «أَوْ لَيْلَتَهَا» ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتِهِ وُقِيَ فِتْنَةَ الدَّجَّالِ» (وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ) رَجَاءَ أَنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «إِنَّ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا، أَوْ يَرَى فُرْجَةً   [المبدع في شرح المقنع] الْجُمُعَةِ سَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا. فَقَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ الْحَدِيثِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ أَنَّهَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَفِي " الدَّعَوَاتِ " لِلْمُسْتَغْفِرِينَ: عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ فِي الْبَابِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ، وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ، وَانْتَشَرْتُ لِمَا أَمَرْتَنِي، فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (وَ) يُكْثِرُ (الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَيْلَتَهَا؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَقَدْ رُوِيَ الْحَثُّ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَ: «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. فَائِدَةٌ: رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ قَرَأَ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ سَبْعًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأُعْطِيَ مِنَ الْأَجْرِ بِعَدَدِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» . [حُكْمُ تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] (وَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ» وَلِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 فَيَتَخَطَّى إِلَيْهَا، وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَلَا يُقِيمُ غَيْرَهُ فَيَجْلِسُ مَكَانَهُ، إِلَّا مَنْ قَدَّمَ صَاحِبًا لَهُ فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ. وَإِذَا وَجَدَ مُصَلًّى مَفْرُوشًا فَهَلْ لَهُ رَفْعُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَالْأَذَى، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِتَحْرِيمِهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا) فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ لِتَعْيِينِ مَكَانِهِ، وَأُلْحِقَ بِهِ فِي " الْغُنْيَةِ " الْمُؤَذِّنُ (أَوْ يَرَى) الْمُصَلِّي (فُرْجَةً فَيَتَخَطَّى إِلَيْهَا) لِأَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حَقَّ أَنْفُسِهِمْ بِتَأَخُّرِهِمْ، وَعَنْهُ: إِنْ وَصَلَهَا بِدُونِهِ كُرِهَ، وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ تَخَطِّيهِ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْفُرْجَةُ أَمَامَهُ، (وَعَنْهُ: يُكْرَهُ) مُطْلَقًا؛ لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا «مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتَّخَذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (وَلَا يُقِيمُ غَيْرَهُ فَيَجْلِسُ مَكَانَهُ) وَذَلِكَ حَرَامٌ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ نَهَى أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ، وَيَجْلِسَ فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا، قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا يُقِيمُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يُخَالِفُ إِلَى مَقْعَدِهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلِ: افْسَحُوا» ، وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ بَيْتُ اللَّهِ، وَالنَّاسَ فِيهِ سَوَاءٌ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ وَلَدَهُ إِلَّا الصَّغِيرَ، وَسَوَاءً كَانَ رَاتِبًا لَهُ يَجْلِسُ فِيهِ أَوْ لَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يُكْرَهُ (إِلَّا مَنْ قَدَّمَ صَاحِبًا لَهُ، فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ) لِأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَعَدَ فِيهِ لِحِفْظِهِ لَهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِإِقَامَتِهِ، وَعَلَّلَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّ النَّائِبَ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَصْحَابُنَا: إِلَّا مَنْ جَلَسَ بِمَكَانٍ يَحْفَظُهُ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ دُونَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ: " أَوْ دُونَهُ "؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي اخْتِصَاصٍ مُبَاحٍ، كَتَوْكِيلِهِ فِي تَمْلِيكِ الْمُبَاحِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ، لَكِنْ إِنْ جَلَسَ فِي مَكَانِ الْإِمَامِ، أَوْ طَرِيقِ الْمَارَّةِ، أَوِ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّينَ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ أُقِيمَ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. مَسْأَلَةٌ: إِذَا آثَرَ بِمَكَانِهِ الْأَفْضَلَ، فَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: لَا، كَمَا لَوْ جَلَسَ، وَقِيلَ: إِنْ آثَرَ عَالِمًا أَوْ دَيِّنًا جَازَ، وَلَا يُكْرَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي " الْفُصُولِ " لَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ، وَكَذَا الْخِلَافُ إِنْ آثَرَ بِمَكَانِهِ فَسَبَقَ إِلَيْهِ آخَرُ، وَصَحَّحَ فِي " الشَّرْحِ " وَابْنُ حَمْدَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا، ثُمَّ آثَرَ بِهِ غَيْرَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَسَّعَ لِرَجُلٍ فِي طَرِيقٍ فَمَرَّ غَيْرُهُ، لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فِيهَا، وَالْمَسْجِدُ جُعِلَ لِلْإِقَامَةِ فِيهِ. (وَإِذَا وَجَدَ مُصَلًّى مَفْرُوشًا فَهَلْ لَهُ رَفْعُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ، وَعَنْهُ: وَلِمَا فِيهِ مِنَ الِافْتِئَاتِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَالْإِفْضَاءِ إِلَى الْخُصُومَةِ، وَقَاسَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى السَّابِقِ إِلَى رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ، وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ. فَعَلَى هَذَا لَهُ رَفْعُهُ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالثَّانِي: لَهُ رَفْعُهُ، وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ بِنَفْسِهِ، وَالْفَضِيلَةُ بِالسَّبْقِ بِالْبَدَنِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ صَاحِبُهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِتَخَطِّي النَّاسِ رَفَعَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " يُكْرَهُ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ بِتَحْرِيمِهِ، وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ إِنْ حَرُمَ رَفْعُهُ فَلَهُ فَرْشُهُ، وَإِلَّا كُرِهَ، وَأَطْلَقَ شَيْخُنَا: لَيْسَ لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ، يُوجِزُ فِيهِمَا. وَلَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ.   [المبدع في شرح المقنع] فَرْشُهُ. (وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إِذَا عَادَ قَرِيبًا، وَأَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَيَّدَهُ فِي " الْوَجِيزِ " بِمَا إِذَا عَادَ، وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِهِ، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، إِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ إِلَّا بِالتَّخَطِّي، فَكَمَنَ رَأَى فُرْجَةً، وَجَوَّزَهُ أَبُو الْمَعَالِي. [دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ] (وَمَنْ دَخَلَ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ يُوجِزُ فِيهِمَا) لِقَوْلِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ مُسْلِمٌ «وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» ، وَكَذَا قَالَهُ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا، هَذَا إِذَا كَانَتْ تُقَامُ فِي مَسْجِدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، لَمْ يُصَلِّ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ " إِنْ لَمْ تَفُتْهُ مَعَهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ جَلَسَ قَامَ فَأَتَى بِهِمَا، أَطْلَقَهُ أَصْحَابُنَا؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» . قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: مَا لَمْ يُطِلِ الْفَصْلَ، فَإِنْ ذَكَرَ فَائِتَةً، أَوْ قُلْنَا لَهُ سُنَّةً، صَلَّاهَا، وَكَفَتْ إِنْ كَانَتِ الْفَائِتَةُ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ تَحِيَّةً لَا تَحْصُلُ بِغَيْرِهِمَا، وَلَوْ نَوَى التَّحِيَّةَ وَالْفَرْضَ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُصُولُهُمَا لَهُ كَنَظَائِرِهِمَا. 1 مَسَائِلُ: مِنْهَا إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ انْقَطَعَ التَّنَفُّلُ مُطْلَقًا، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ بِخُرُوجِهِ؛ وَهُوَ أَشْهَرُ فِي الْأَخْبَارِ، وَلَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ، وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 إِلَّا لَهُ، أَوْ لِمَنْ كَلَّمَهُ، وَيَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَبَعْدَهَا، وَعَنْهُ: يَجُوزُ فِيهَا.   [المبدع في شرح المقنع] الْجَوْزِيِّ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا تَحْرِيمَ إِنْ لَمْ يَحْرُمِ الْكَلَامُ فِيهَا؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَيُخَفِّفُهُ مَنْ هُوَ فِيهِ، وَمَنْ نَوَى أَرْبَعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وَمِنْهَا: إِذَا نَعَسَ اسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي مَجْلِسِهِ فَلْيَتَحَوَّلْ إِلَى غَيْرِهِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاحْتِبَاءُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَرِهَهُ الشَّيْخَانُ، لِنَهْيِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ عَنْهُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَهَيِّئًا لِلنَّوْمِ وَالسُّقُوطِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحْمَدَ جَالِسًا إِلَّا الْقُرْفُصَاءَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةٍ؛ وَهِيَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ رَافِعًا رُكْبَتَيْهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَمُفْضِيًا بِأَخْمَصِ قَدَمَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ، وَرُبَّمَا احْتَبَى بِيَدِهِ، وَلَا جِلْسَةَ أَخْشَعُ مِنْهَا. [الْكَلَامُ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ وَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا] (وَلَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَلِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «مَنْ قَالَ: صَهٍ، فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَالَّذِي يَقُولُ: أَنْصِتْ لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ، وَلِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ «إِذَا سَمِعْتَ إِمَامَكَ يَتَكَلَّمُ فَأَنْصِتْ حَتَّى يَفْرُغَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، سَمِعَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَا، وَقِيلَ: وَحَالَةُ الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ عَلَى سَامِعٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمْعٌ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مُطْلَقًا، وَعَنْهُ: يَجُوزُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُبَاحُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، كَتَحْذِيرِ ضَرِيرٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ، وَتَشْمِيتِ عَاطِسٍ، وَرَدِّ السَّلَامِ نُطْقًا كَإِشَارَتِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لِحَقِّ آدَمِيٍّ، أَشْبَهَ الضَّرِيرَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ، وَالثَّانِي: يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ نُطْقًا؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ إِذَا ذُكِرَ كَالدُّعَاءِ اتِّفَاقًا، وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَا يَسْمَعُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِذِكْرِ اللَّهِ خُفْيَةً، وَقِيلَ: بَلْ سُكُوتُهُ أَفْضَلُ، فَيَسْجُدُ لِتِلَاوَةٍ، وَفِي " الْفُصُولِ " إِنْ بَعُدَ، وَلَمْ يَسْمَعْ هَمْهَمَةَ الْإِمَامِ جَازَ أَنْ يَقْرَأَ، وَأَنْ يُذَاكِرَ فِي الْفِقْهِ، وَلِمَنْ يَسْمَعُ تَسْكِيتُ الْمُتَكَلِّمِ إِشَارَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٌ كَكَلَامِهِ (إِلَّا لَهُ أَوْ لِمَنْ كَلَّمَهُ) كَذَا أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَيَّدَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " لِمَصْلَحَةٍ؛ «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَلَّمَ سُلَيْكًا، وَكَلَّمَهُ هُوَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَأَلَ عُمَرُ عُثْمَانَ فَأَجَابَهُ، «وَسَأَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ الِاسْتِسْقَاءَ» ، وَعَنْهُ: يُكْرَهَانِ، وَلَا مَنْعَ، كَأَمْرِ إِمَامٍ بِمَعْرُوفٍ (وَيَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَعُمَرُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ عُمَرُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، حَتَّى يَقْضِيَ الْخُطْبَتَيْنِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، (وَعَنْهُ: يَجُوزُ فِيهَا) ، فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِمَامِ، وَعَلَى مَنْ كَلَّمَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِلْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَفِيهِ أَوْجُهٌ: الْجَوَازُ وَالْكَرَاهَةُ وَالتَّحْرِيمُ، وَجَعَلَ الشَّيْخَانِ أَصْلَ التَّحْرِيمِ سُكُوتَهُ لِتَنَفُّسٍ. 1 - مَسَائِلُ: الْأُولَى: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى سَائِلٍ وَقْتَ الْخُطْبَةِ، وَلَا يُنَاوِلَهُ إِذْنٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى مُحَرَّمٍ، وَإِلَّا جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يُكْرَهُ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ قَبْلَهَا ثُمَّ جَلَسَ لَهَا جَازَ، كَالصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْأَلْ، أَوْ سَأَلَ الْإِمَامَ الصَّدَقَةَ لِإِنْسَانٍ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ السُّؤَالُ وَالتَّصَدُّقُ فِي الْمَسْجِدِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ "، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَطَّةَ: يَحْرُمُ السُّؤَالُ، وَقَالَهُ فِي إِنْشَادِ الضَّالَّةِ، وَهَذَا مِثْلُهُ، وَأَوْلَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إِنِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ، وَأَوَّلُ   [المبدع في شرح المقنع] الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ الْعَبَثُ وَالشُّرْبُ حَالَ الْخُطْبَةِ [إِنْ سَمِعَهَا] وَإِلَّا جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ إِذَا اشْتَدَّ عَطَشُهُ، وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِأَنَّهُ إِذَنْ أَوْلَى، وَقَالَ فِي " الْفُصُولِ ": وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ شُرْبَهُ بَعْدَ الْأَذَانِ بِقَطْعِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَكَذَا شُرْبُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ لِلْحَاجَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَتَحْصِيلًا لِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ. الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَنْ يَنْتَظِرَ صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَيُصَلِّيهَا فِي مَوْضِعِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ، وَيُسْتَحَبُّ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «إِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا» وَذَكَرَ الشَّيْخَانُ وَجَمَاعَةٌ جُلُوسَهُ بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ إِلَى طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا، لَا فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَجْرِ، لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. [بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] [حُكْمُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ وَيَتَكَرَّرُ لِأَوْقَاتِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَعُودُ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ تَفَاؤُلًا، لِيَعُودَ ثَانِيَةً كَالْقَافِلَةِ، وَجُمِعَ بِالْيَاءِ، وَأَصْلُهُ الْوَاوُ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ، وَقِيلَ: لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ. (وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] هِيَ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي قَوْلِ عِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي التَّفْسِيرِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ يُدَاوِمُونَ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ الظَّاهِرَةِ، فَكَانَتْ وَاجِبَةً كَالْجِهَادِ بِدَلِيلِ قَتْلِ تَارِكِهَا، وَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْأَعْيَانِ، لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 وَقْتِهَا إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، وَآخِرُهُ إِذَا زَالَتْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعِيدِ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، خَرَجَ مِنَ الْغَدِ، فَصَلَّى بِهِمْ وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْأَضْحَى، وَتَأْخِيرُ الْفِطْرِ، وَالْأَكْلُ فِي   [المبدع في شرح المقنع] أَذَانٌ، أَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، وَعَنْهُ: فَرْضُ عَيْنٍ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَنْهُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ " فَلَا يُقَاتَلُ تَارِكُهَا كَالتَّرَاوِيحِ، وَعَلَى الْوُجُوبِ (إِنِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ) كَالْأَذَانِ. [وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] (وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ) لِأَحَادِيثِ النَّهْيِ، وَكَمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَمَنْ بَعْدَهُ لَمْ يُصَلُّوهَا إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى فِعْلِهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ إِلَّا الْأَفْضَلَ، وَرَوَى الْحَسَنُ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَانَ يَغْدُو إِلَى الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَيَتِمُّ طُلُوعُهَا، وَكَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ إِذَا حَضَرَ» (وَآخِرُهُ إِذَا زَالَتْ) لِأَنَّهَا شَارَكَتِ الضُّحَى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي آخِرِهِ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعِيدِ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، خَرَجَ مِنَ الْغَدِ فَصَلَّى بِهِمْ) لِمَا رَوَى أَبُو عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: «غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ، فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأُوا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ النَّاسَ أَنْ يَفْطُرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ، وَأَنْ يَخْرُجُوا غَدًا لِعِيدِهِمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى فِي غَيْرِ يَوْمِ الْعِيدِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ: سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ أَوْلَى أَنْ تُتَّبَعَ، وَحَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحِيحٌ، فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَاجِبٌ كَالْفَرَائِضِ، وَكَذَا لَوْ مَضَى أَيَّامٌ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ ": لَا تُصَلَّى إِذًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَالْإِمْسَاكُ فِي الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ، وَالْغُسْلُ وَالتَّبْكِيرُ إِلَيْهَا بَعْدَ الصُّبْحِ مَاشِيًا عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ، إِلَّا الْمُعْتَكِفَ يَخْرُجُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] [سُنَنُ الْعِيدَيْنِ] (وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْأَضْحَى وَتَأْخِيرُ الْفِطْرِ) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ عَجِّلِ الْأَضْحَى، وَأَخِّرِ الْفِطْرَ، وَذَكِّرِ النَّاسُ» وَلِأَنَّهُ يَتَّسِعُ بِذَلِكَ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ، وَوَقْتُ إِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَيَكُونُ تَعْجِيلُ الْأُضْحِيَّةِ بِحَيْثُ يُوَافِقُ مَنْ بِمِنًى فِي ذَبْحِهِمْ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَالْأَكْلُ فِي الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) لِقَوْلِ بُرَيْدَةَ «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ «وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا» وَفِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ " أَنَّ الْأَكْلَ فِيهِ آكَدُ مِنَ الْإِمْسَاكِ فِي الْأَضْحَى، وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى الْأَهْلِ وَالصَّدَقَةُ (وَالْإِمْسَاكُ فِي الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أُضْحِيَّةٌ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ كَبِدِهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ تَنَاوُلًا وَهَضْمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ شَاءَ أَكْلَ قَبْلَ خُرُوجِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَالْغُسْلُ) وَقَدْ سَبَقَ (وَالتَّبْكِيرُ إِلَيْهَا) لِلْمَأْمُومِ، لِيَحْصُلَ لَهُ الدُّنُوُّ مِنَ الْإِمَامِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ فَيَكْثُرُ ثَوَابُهُ (بَعْدَ الصُّبْحِ) أَيْ: بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَذَهَبَ آخَرُونَ أَنَّهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَعَلَهُ رَافِعٌ، وَيَنْوِيهِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ (مَاشِيًا) لِمَا رَوَى الْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِنْ كَانَ الْبَلَدُ ثَغْرًا اسْتُحِبَّ الرُّكُوبُ وَإِظْهَارُ السِّلَاحِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَنْ لَهُ ضَرُورَةٌ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ رَاكِبًا كَالْعَوْدِ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 إِمَامًا يَتَأَخَّرُ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ. وَإِذَا غَدَا مِنْ طَرِيقٍ، رَجَعَ فِي أُخْرَى، وَهَلْ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] ثُمَّ تَرْكَبُ إِذَا رَجَعْتَ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَانَ يَعْتَمُّ، وَيَلْبَسُ بُرْدَهُ الْأَحْمَرَ فِي الْعِيدَيْنِ، وَالْجُمُعَةِ» رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ فِي الْعِيدَيْنِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَيَكُونُ مُظْهِرًا لِلتَّكْبِيرِ، وَعَنْهُ: يُظْهَرُ فِي الْفِطْرِ فَقَطْ لَا عَكْسِهِ (إِلَّا الْمُعْتَكِفَ) فِي الْعَشْرِ الْأُخَرِ أَوْ عَشْرِ ذِيِ الْحِجَّةِ (يَخْرُجُ مِنْ) مُعْتَكَفِهِ إِلَى الْمُصَلَّى (فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَوْبَانِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ " لَجُمُعَتِهِ وَعِيدِهِ إِلَّا الْمُعْتَكِفَ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ» وَاسْتَحَبَّهُ السَّلَفُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلِأَنَّهُ أَثَرُ الْعِبَادَةِ، فَاسْتُحِبَّ بَقَاؤُهُ كَالْخَلُوقِ، وَعَنْهُ: ثِيَابٌ جَيِّدَةٌ وَرَثَّةٌ سَوَاءٌ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: مُعْتَكِفٌ كَغَيْرِهِ فِي زِينَةٍ وَطِيبٍ وَنَحْوِهِمَا (أَوْ إِمَامًا يَتَأَخَّرُ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ: يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَنْتَظِرُ وَلَا يُنْتَظَرُ، لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْظُورٌ إِلَيْهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ النَّاسِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ مُعْتَكِفًا فَظَاهِرُ كَلَامِهِ خُرُوجُهُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: يُسَنُّ لِلْإِمَامِ التَّجَمُّلُ وَالتَّنَظُّفُ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَكِفًا. فَرْعٌ: لَا بَأْسَ بِخُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْعِيدِ لَكِنْ لَا يَتَطَيَّبْنَ، وَلَا يَلْبَسْنَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَوْ زِينَةٍ، وَلَا يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» وَعَنْهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 شَرْطِهَا الِاسْتِيطَانُ، وَإِذْنُ الْإِمَامِ، وَالْعَدَدُ الْمُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَتُسَنُّ   [المبدع في شرح المقنع] يُسْتَحَبُّ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْمَجْدُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَالْمُسْتَحْسَنَاتِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ: لِلشَّابَّةِ، وَعَنْهُ: لَا يُعْجِبُنِي خُرُوجُهُنَّ فِي وَقْتِنَا، لِقَوْلِ عَائِشَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. . (وَإِذَا غَدَا مِنْ طَرِيقٍ رَجَعَ فِي أُخْرَى) لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْعِيدِ خَالَفَ الطَّرِيقَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِلَّتُهُ: لِتَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ، أَوْ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُمَا فِي التَّبَرُّكِ بِمُرُورِهِ بِهِمْ، وَسُرُورِهِمْ بِرُؤْيَتِهِ، أَوْ لِيَتَبَرَّكَ الطَّرِيقَانِ بِوَطْئِهِ عَلَيْهِمَا، أَوْ لِزِيَادَةِ الْأَجْرِ بِالسَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الطَّرِيقِ الْآخَرِ، أَوْ لِتَحْصُلَ الصَّدَقَةُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقَيْنِ، فَيَنْبَغِي طَرْدُهُ فِي غَيْرِهَا، قُلْنَا: وَيَلْزَمُهُ فِي الْجُمُعَةِ، نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ " أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهِ شُرِعَتْ لِمَعْنًى خَاصٍّ، فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِ غَيْرُهُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: الْأَوْلَى سُلُوكُ الْأَبْعَدِ فِي الْخُرُوجِ، وَالْأَقْرَبِ فِي الْعَوْدِ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ (وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا) أَيْ: صِحَّتِهَا إِذًا (الِاسْتِيطَانُ، وَإِذْنُ الْإِمَامِ، وَالْعَدَدُ الْمُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَأُسْقِطَ الْإِذْنُ " كَالْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، فَلَا تُقَامُ إِلَّا حَيْثُ تُقَامُ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَهَا خُطْبَةٌ رَاتِبَةٌ، أَشْبَهَتِ الْجُمُعَةَ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَافَقَ الْعِيدَ فِي حَجَّتِهِ، وَلَمْ يُصَلِّ، لَكِنْ إِنْ فَاتَتْ قُضِيَتْ تَطَوُّعًا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، قَدَّمَهُ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " فَيَفْعَلُهَا الْمُسَافِرُ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْمُنْفَرِدُ؛ لِأَنَّ أَنَسًا كَانَ إِذَا لَمْ يَشْهَدِ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ أَهْلَهُ، وَمَوَالِيَهُمْ، وَأَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَاهُ فَصَلَّى بِهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 فِي الصَّحْرَاءِ. وَتُكْرَهُ فِي الْجَامِعِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ. وَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقِمْهَا النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ لِاشْتِغَالِهِ عَنْهَا بِالْمَنَاسِكِ، لِأَنَّهَا أَهَمُّ، لِكَوْنِهِمَا فَرْضَ عَيْنٍ، وَصَلَاةُ الْعِيدِ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، وَعَلَى الْأَوْلَى يَفْعَلُونَهَا تَبَعًا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ: إِنْ صَلَّوْا بَعْدَ خُطْبَةِ الْإِمَامِ صَلَّوْا بِغَيْرِ خُطْبَةٍ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى تَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ، وَصَحَّحَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الِاسْتِيطَانُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَ: وَيُكْتَفَى بِاسْتِيطَانِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إِذَا لَمْ يُعْتَبَرِ الْعَدَدُ، وَإِنْ قُلْنَا بِاعْتِبَارِهِ، وَكَانَ فِي الْقَرْيَةِ أَقَلُّ مِنْهُمْ، وَإِلَى جَنْبِهِمْ مِصْرٌ أَوْ قَرْيَةٌ تُقَامُ فِيهِ الْعِيدُ لَزِمَهُمُ السَّعْيُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعِيدَ لَا يَتَكَرَّرُ، فَلَا يَشُقُّ إِتْيَانُهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إِذْنُ الْإِمَامِ كَالْجُمُعَةِ. (وَتُسَنُّ فِي الصَّحْرَاءِ) الْقَرْيَةِ عُرْفًا، نَقَلَ حَنْبَلٌ: الْخُرُوجُ إِلَى الْمُصَلَّى أَفْضَلُ إِلَّا ضَعِيفًا أَوْ مَرِيضًا؛ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يَخْرُجُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّهُ أَوْقَعُ لِهَيْبَةِ الْإِسْلَامِ، وَأَظْهَرُ لِشِعَارِ الدِّينِ، وَلَا مَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهَا، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا فِي مُعْظَمِ الْأَمْصَارِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ كَانَ الْجَامِعُ وَاسِعًا فَهُوَ أَفْضَلُ، كَأَهْلِ مَكَّةَ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُمْ يُحَصِّلُونَ بِذَلِكَ مُعَايَنَةَ الْكَعْبَةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ شِعَارِ الدِّينِ (وَتُكْرَهُ فِي الْجَامِعِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، لِمُخَالَفَةِ فِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَمَعَ الْعُذْرِ لَا يُكْرَهُ، رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَصَابَنَا مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فِي الْمَسْجِدِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ لِينٌ، وَلِلْمَعْنَى: وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِفِعْلِ عَلِيٍّ، وَيَخْطُبُ لَهُمْ، لِتَكْمِيلِ حُصُولِ مَقْصُودِهِمْ، وَإِنْ تَرَكُوا فَلَا بَأْسَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الِاسْتِفْتَاحِ وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ سِتًّا، وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنَ السُّجُودِ خَمْسًا. وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَلَهُمْ فِعْلُهَا قَبْلَ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ، وَأَيُّهُمَا سَبَقَ سَقَطَ الْفَرْضُ وَجَازَتِ التَّضْحِيَةُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ. وَالْمُسْتَخْلَفُ، هَلْ يُصَلِّي أَرْبَعًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَا يَؤُمُّ فِيهَا عَبْدٌ كَالْجُمُعَةِ فِي الْأَشْهَرِ [صِفَةُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] (وَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ) قَبْلَ الْخُطْبَةِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَيْهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَكَمَا لَوْ خَطَبَ فِي الْجُمُعَةِ بَعْدَهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَنِي أُمَيَّةَ تَقْدِيمُ الخُطْبَةِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَفِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ " أَنَّهُ قَدَّمَهَا فِي أَوَاخِرِ خِلَافَتِهِ (فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) إِجْمَاعًا، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ: «صَلَاةُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرَ قَصْرٍ، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ (يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى بَعْدَ) تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَ (الِاسْتِفْتَاحِ، وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ سِتًّا) زَوَائِدَ (وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنَ السُّجُودِ خَمْسًا) زَوَائِدَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَبَّرَ فِي عِيدٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ» إِسْنَادٌ حَسَنٌ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ أَبِي: أَنَا أَذْهَبُ إِلَى هَذَا، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَ: التَّكْبِيرُ سَبْعٌ فِي الْأُولَى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا، وَإِنْ أَحَبَّ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ. ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ، وَفِي   [المبدع في شرح المقنع] وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بِعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَنْهُ: سَبْعٌ زَوَائِدُ فِي الْأُولَى، رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ، وَعَنْهُ: خَمْسٌ فِي الْأُولَى، وَأَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ أَنَسٍ، وَعَنْهُ: يُصَلِّي أَهْلُ الْقُرَى بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ. قَالَ أَحْمَدُ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فِي التَّكْبِيرِ، وَكُلٌّ جَائِزٌ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَيْسَ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فِي التَّكْبِيرِ وَفِي الْعِيدَيْنِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الْأُولَى بَعْدَ الِاسْتِفْتَاحِ، وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ؛ وَهُوَ السُّنَّةُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْتَاحَ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ، وَالِاسْتِعَاذَةَ لِلْقِرَاءَةِ، وَعَنْهُ: الِاسْتِفْتَاحُ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ تَلِي الِاسْتِفْتَاحَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، فَكَذَا هُنَا، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَ الِاسْتِعَاذَةِ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ» . قَالَ أَحْمَدُ: فَأَرَى أن يَدْخُلُ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ، وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ، وَعَنْ زَيْدٍ كَذَلِكَ، رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ، (وَيَقُولُ) بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ وَعَقِبَ الْآخِرَةِ مِنْهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ "، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالذِّكْرِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا) لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَمَّا يَقُولُهُ بَعْدَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ؟ قَالَ: يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عليه، ويصلي عَلَى النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَحَرْبٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهَا تَكْبِيرَاتٌ حَالَ الْقِيَامِ، فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا ذِكْرٌ، كَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ (وَإِنْ أَحَبَّ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْغَرَضَ الذِّكْرُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ، لَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، فَلِهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، وَيَكُونُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَعَنْهُ: يُوَالِي   [المبدع في شرح المقنع] نَقَلَ حَرْبٌ أَنَّ الذِّكْرَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ: يَحْمَدُ وَيُكَبِّرُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْهُ: وَيَدْعُو، وَعَنْهُ: وَيُسَبِّحُ وَيُهَلِّلُ، وَظَاهِرُهُ: قَوْلُ شَيْءٍ لَا وُقُوفٌ مُجَرَّدٌ. فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ: إِذَا شَكَّ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرِ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ. الثَّانِي: إِذَا نَسِيَ التَّكْبِيرَ حَتَّى رَكَعَ، سَقَطَ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهُ، وَكَذَا إِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فِي الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ نَسِيَ الِاسْتِفْتَاحَ، أَوِ لتَّعَوَّذَ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ، فَعَلَى هَذَا يَأْتِي بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ لَمْ يُعِدْهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا، أَتَى بِهِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا لِتَسْلَمَ مِنْ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا غَيْرُهَا، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمَنْسِيُّ يَسِيرًا لَمْ يَسْتَأْنِفِ الْقِرَاءَةَ. الثَّالِثُ: إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا أَحْرَمَ ثُمَّ رَكَعَ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِقَضَاءِ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ كَالِاسْتِفْتَاحِ، وَكَمَا لَوْ نَسِيَهُ الْإِمَامُ حَتَّى رَكَعَ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ قَائِمًا بَعْدَ فَرَاغِهِ من التكبير الزائد، لَمْ يَقْضِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَأْتِي بِهِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: إِنْ لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، فَإِنْ سَبَقَهُ بِبَعْضِ التَّكْبِيرِ، فَعَلَى الْخِلَافِ. (ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى بِسَبِّحِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى سَمُرَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ بِـ " {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] "، وَ " {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مِثْلُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَلِأَنَّهُ فِيهِ حَثٌّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] هَكَذَا فَسَّرَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَنْهُ: الْأُولَى (ق) وَالثَّانِيَةُ (اقْتَرَبَتِ) اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْهُ: (لَا تَوْقِيتَ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ (وَيَجْهَرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ فَإِذَا سَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، يَسْتَفْتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْقِرَاءَةِ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَجْهَرُ بالْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ» وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إِلَّا مَا رَوَاهُ الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ مَنْ يَلِيهِ، وَلَمْ يَجْهَرْ ذَلِكَ الْجَهْرَ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَحْمَدَ (وَيَكُونُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَهُ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ تَكْبِيرٌ فِي إِحْدَى رَكْعَتَيِ الْعِيدِ، فَكَانَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ كَالْأُولَى (وَعَنْهُ: يُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فِي قِيَامِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، فَكَانَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ. [خُطْبَةُ الْعِيدَيْنِ] (فَإِذَا سَلَّمَ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ السَّلَامَ مِنَ الصَّلَاةِ؛ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ السَّلَامُ الْمَعْرُوفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّصِيحَةِ فَقَالَ: إِذَا اسْتَقْبَلَهُمْ سَلَّمَ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ (خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ) بَعْدَ الصَّلَاةِ، كَخُطْبَتَيِ الْجُمُعَةِ، فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَهُمَا كَالْجُمْعَةِ فِي أَحْكَامِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، حَتَّى فِي الْكَلَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ، إِلَّا التَّكْبِيرَ مَعَ الْخَاطِبِ، وَاسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ الطَّهَارَةَ، وَاتِّحَادَ الْإِمَامِ، وَالْقِيَامَ، وَالْجِلْسَةَ، وَالْعَدَدَ؛ لِكَوْنِهِمَا سُنَّةً لَا شَرْطًا لِلصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ، فَأَشْبَهَا الذِّكْرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ (يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا) لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيِّ؛ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ فِي الْعِيدَيْنِ خُطْبَتَيْنِ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ. يَحُثُّهُمْ فِي خُطْبَةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يُخْرِجُونَ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِي الْأُضْحِيَّةِ فِي الْأَضْحَى، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حُكْمَ الْأُضْحِيَّةِ،   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى، وَفِيهِ كَلَامٌ، وَهَلْ يَجْلِسُ عَقِيبَ صُعُودِهِ إِلَى الْمِنْبَرِ لِيَسْتَرِيحَ، كَمَا هُوَ الْأَظْهَرُ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي " الْأُمِّ " أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْجُلُوسَ فِي الْجُمُعَةِ لِمَوْضِعِ الْأَذَانِ، فِيهِ وَجْهَانِ، وَيُسَنُّ أَنْ (يَسْتَفْتِحَ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: يُكَبِّرُ الْإِمَامُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ: سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَالتَّكْبِيرُ فِي الْأُولَى نَسَقًا وِفَاقًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَالِسًا، وَقِيلَ: قَائِمًا كَسَائِرِ أَذْكَارِ الْخُطْبَةِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ فِي الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى، وَعَنْهُ: بَعْدَ فَرَاغِهَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عبد الله بن عُتْبَةَ: إِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ، وَقِيلَ: التَّكْبِيرَاتُ شَرْطٌ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يَفْتَتِحُهَا بِالْحَمْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ افْتَتَحَ خُطْبَةً بِغَيْرِهِ (يَحُثُّهُمْ فِي خُطْبَةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «اغْنُوهُمْ عَنِ السُّؤَالِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» (وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يُخْرِجُونَ) أَيْ مِنْ جِنْسِهَا، وَقَدْرِهَا، وَوُجُوبِهَا، وَوَقْتِهَا (وَيُرَغِّبُهُمْ فِي الْأُضْحِيَّةِ في الأضحى) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ لِفَاطِمَةَ: «قُومِي إِلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا، فَإِنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا أَنْ يَغْفِرَ لَكِ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكِ» وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الْأَضَاحِي؟ قَالَ: سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ قَالُوا: فَمَا لَنَا؟ قَالَ: بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ، قَالُوا: وَالصُّوفُ؟ قَالَ: بِكُلِّ شَعْرَةِ حَسَنَةٌ» قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (وَيُبَيَّنُ لَهُمْ حُكْمَ الْأُضْحِيَّةِ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وَالتَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ، وَالذِّكْرَ بَيْنَهُمَا، وَالْخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ. وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِها وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، صَلَّى مَا فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ ذَكَرَ فِي خُطْبَةِ الْأَضْحَى كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ، وَالْبَرَاءِ، وَجَابِرٍ، وَغَيْرِهِمْ (وَالتَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ وَالذِّكْرَ بَيْنَهُمَا) سُنَّةٌ فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ بَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَالْقِرَاءَةِ، أَشْبَهَ الِاسْتِفْتَاحَ، فَعَلَى هَذَا إِنْ نَسِيَهُ فَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ فِي الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " إِنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ أَتَمَّ، وَلَمْ تَبْطُلْ، وَسَاهِيًا لَا يَلْزَمُهُ سُجُودٌ، لِأَنَّهَا هَيْئَةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَالْخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ) لِمَا رَوَى عَطَاءٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ الْعِيدَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إِنَّا نَخْطُبُ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَا: مُرْسَلٌ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَ حُضُورُهَا وَاسْتِمَاعُهَا كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُمَا شَرْطٌ. فَائِدَةٌ: السُّنَّةُ لِمَنْ حَضَرَ الْعِيدَ مِنَ النِّسَاءِ حُضُورُ الْخُطْبَةِ، وَأَنْ يَنْفَرِدْنَ بِمَوْعِظَةٍ إِذَا لَمْ يَسْمَعْنَ خُطْبَةَ الرِّجَالِ، وَفِي " نِهَايَةِ " أَبِي الْمَعَالِي: إِذَا فَرَغَ فَرَأَى قَوْمًا لَمْ يَسْمَعُوهَا اسْتُحِبَّ إِعَادَةُ مَقَاصِدِهَا لَهُمْ لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَالْمُرَادُ مَعَ عَدَمِ خَوْفِ فِتْنَةٍ. [كَرَاهَةُ التَّنَفُّلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا] (وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِهِمَا) وَهُوَ مَكْرُوهٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «خَرَجَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يَوْمَ عِيدٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَرَى الصَّلَاةَ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: لَا يُسَنُّ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " لَا سُنَّةَ لَهَا قَبْلَهَا، وَلَا بَعْدَهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيلَ: يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْغُنْيَةِ "؛ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ فِعْلِ الصَّلَاةِ بَعْدَهَا فِي غَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى صِفَتِهَا، وَعَنْهُ: أَرْبَعًا، وَعَنْهُ: أَنَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] مَوْضِعِهما، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَرَوَى حَرْبٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ الْعِيدِ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ إِسْحَاقُ، فَلَوْ فَارَقَ مَوْضِعَهُمَا، ثُمَّ عَادَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، لَمْ يُكْرَهِ التَّنَفُّلُ، نَصَّ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: يُكْرَهُ قَضَاءُ فَائِتَةٍ مَوْضِعَ الْعِيدِ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ. [قَضَاءُ صَلَاةِ الْعِيدِ] (وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ إِمَامِهِ صَلَّى مَا فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَلِأَنَّهَا أَصْلٌ بِنَفْسِهَا، فَتُدْرَكُ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ، كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُصَلِّي أَرْبَعًا كَالْجُمُعَةِ، وَإِذَا أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً قَضَى أُخْرَى، وَكَبَّرَ فِيهَا سِتًّا زَوَائِدَ أَوْ خَمْسًا، عَلَى الْخِلَافِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَسْبُوقَ فِي الْقَضَاءِ يُرَاعِي مَذْهَبَهُ فِي التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالسَّهْوِ، فَكَذَا فِي التَّكْبِيرِ، وَعَنْهُ: بِمَذْهَبِ إِمَامِهِ؛ لِئَلَّا يُكَبِّرَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ عَدَدًا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ فِي الْأَصْلِ، وَكَمَأْمُومٍ، وَكَذَا إِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ أَوْ رَكْعَتَانِ بِنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ. (وَإِنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ، اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى صِفَتِهَا) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِفِعْلِ أَنَسٍ، وَلِأَنَّهُ قَضَاءُ صَلَاةٍ، فَكَانَ عَلَى صِفَتِهَا، كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَظَاهِرُهُ: مَتَى شَاءَ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِلَّا مِنَ الْغَدِ، وَعَنْهُ: إِنْ قَضَى جَمَاعَةً كَبَّرَ، وَلَا يُكَبِّرُ الْمُنْفَرِدُ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ: إِذَا قَضَى رَكْعَتَيْنِ فَهَلْ يُكَبِّرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (وَعَنْهُ: أَرْبَعًا) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ، فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْأَثْرَمُ، وَرَوَيَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ. وَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ فِي لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ، وَفِي الْأَضْحَى يُكَبِّرُ عَقِيبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّ عَلِيًّا أَمَّرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِضَعْفَةِ النَّاسِ أَرْبَعًا، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَكَقَضَاءِ الْجُمُعَةِ بِلَا تَكْبِيرٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُصَلِّي تَطَوُّعًا، فَكَانَ عَلَى صِفَتِهِ بِسَلَامٍ كَالظُّهْرِ، وَعَنْهُ: أَوْ بِسَلَامَيْنِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ) لِأَنَّهُ تَطَوَّعٌ بِالنَّهَارِ، فَكَانَ مُخَيَّرًا فِيهِ كَالْمُطْلَقِ، وَلِأَنَّ كُلًّا قَدْ جَاءَ الْأَثَرُ بِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَلَا مُرَجِّحَ، فَكَانَ لَهُ فِعْلُ مَا شَاءَ، فَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا فَكَالسُّنَنِ فِي الْقَضَاءِ. مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ لِلضَّعْفَةِ، وَفِي صِفَةِ صَلَاةِ الْخَلِيفَةِ الْخِلَافُ، وَأَيُّهُمَا سَبَقَ، سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ، وَضَحَّى، وَتَنْوِيهُ الْمَسْبُوقَةِ نَفْلًا. [التَّكْبِيرُ فِي لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ] (وَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ فِي لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ) خُصُوصًا فِي الْفِطْرِ؛ وَهُوَ آكَدُ مِنَ الْأَضْحَى، نَصَّ عَلَيْهِ، مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] . قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ جَمِيعًا، وَيَجْهَرُ بِهِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى فِيهِمَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ وَهُوَ مُمْتَدٌّ إِلَى فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ خُطْبَتِهِ؛ لِأَنَّ شِعَارَ الْعِيدِ لَمْ يَنْقَضِ، فَسُنَّ كَمَا فِي حَالِ الْخُرُوجِ، وَعَنْهُ: إِلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَنْهُ: إِلَى وُصُولِهِ الْمُصَلَّى؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الْخُرُوجِ هُوَ الَّذِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ، وَمَا بَعْدَهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ (وَفِي الْأَضْحَى) يُسَنُّ فِيهِ الْمُطْلَقُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَرَ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَالْمُرَادُ لِغَيْرِ أُنْثَى، وَأَيَّامُ الْعَشْرِ: الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ: الْمَعْدُودَاتُ (يُكَبِّرُ عَقِيبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يُكَبِّرُ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. إِلَّا الْمُحْرِمَ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ. فَإِنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ، قَضَاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، أَوْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا التَّكْبِيرُ عَلَى مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ. رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ مُخْتَصٌّ بِوَقْتِ الْعِيدِ، فَاخْتُصَّ بِالْجَمَاعَةِ كَالْخُطْبَةِ، فَيُكَبِّرُ الْإِمَامُ إِلَى الْقِبْلَةِ كَغَيْرِهِ، وَالْأَشْهَرُ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يُكَبِّرُ، لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْمُحَافَظَةِ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُكَبِّرُ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ) قَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَغَيْرِهِ، لِلْعُمُومِ، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ لِلْمَسْبُوقِ، أَشْبَهَ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ (مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى) بَعْدِ صَلَاةِ (الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَانَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَمَدَّ التَّكْبِيرَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجَعْفِيِّ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: بِأَيِّ حَدِيثٍ تَذْهَبُ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: بِالْإِجْمَاعِ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالذِّكْرِ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ؛ وَهِيَ أَيَّامٌ يُرْمَى فِيهَا، أَشْبَهَتْ يَوْمَ النَّحْرِ، وَعَنْهُ: يُكَبَّرُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَنْهُ: مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، رَوَاهُ سَعِيدٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْأَمْصَارِ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُكَبَّرُ فِي الْفِطْرِ عَقِبَ الْفَرَائِضِ، لِعَدَمِ نَقْلِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَلَا عَقِبَ نَافِلَةٍ، وَلَوْ صُلِّيَتْ جَمَاعَةً (إِلَّا الْمُحْرِمَ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ) إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَشْغُولٌ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالْجَهْرُ بِهِ مَسْنُونٌ إِلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَيَأْتِي بِهِ كَالذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: يُكَبِّرُ تَبَعًا لِلرِّجَالِ فَقَطْ، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ كَالْأَذَانِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْجَهْرِ، وَالْمُسَافِرُ كَالْمُقِيمِ، وَلَوْ لَمْ يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ، وَالْمُمَيِّزُ كَالْبَالِغِ فَرْعٌ: إِذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَقَضَاهَا فِيهَا مِنْ عَامِهِ، فَكَبَّرَ، لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِيهِ، وَوَقْتُ التَّكْبِيرِ بَاقٍ، وَإِنْ قَضَاهَا فِي غَيْرِهَا، لَمْ يُكَبِّرْ كَالتَّلْبِيَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: بِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 وَفِي التَّكْبِيرِ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَجْهَانِ. وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ شَفْعًا: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ،   [المبدع في شرح المقنع] كَالدُّعَاءِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَقَضَاهَا فِيهَا، كَبَّرَ فِي رِوَايَةٍ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَعَنْهُ: لَا يُكَبِّرُ لِبُعْدِ أَيَّامِهَا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ وَقْتُهَا. فَائِدَةٌ: سُمِّيَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ مِنْ تَشْرِيقِ اللَّحْمِ؛ وَهُوَ تَقْدِيدُهُ، وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِمْ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْهَدْيَ لَا يُنْحَرُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ، وَقِيلَ: هُوَ التَّكْبِيرُ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ، وَأَنْكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ (فَإِنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ، قَضَاهُ) مَكَانَهُ وَيَعُودُ، فَيَجْلِسُ مَنْ قَامَ أَوْ ذَهَبَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ جَالِسًا فِي مُصَلَّاهُ سُنَّةٌ، فَلَا تُتْرَكُ مَعَ إِمْكَانِهَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنْ كَبَّرَ مَاشِيًا فَلَا بَأْسَ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ أَقْيَسُ، كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ، وَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ، وَالْمَذْهَبُ يُكْرَهُ (مَا لَمْ يُحْدِثْ) لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ، وَالذِّكْرُ تَابِعٌ لَهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (أَوْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا، وَقِيلَ: أَوْ يَتَكَلَّمْ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ عَقِيبَهَا، فَنَافَاهُ مَا يُنَافِيهَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَأْتِي بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ وَالدُّعَاءِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " (فَإِنْ نَسِيَهُ الْإِمَامُ كَبَّرَ الْمَأْمُومُ لِيُحْرِزَ الْفَضِيلَةَ، بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَفِي الِانْفِرَادِ بِهِ تَرْكُ الْمُتَابَعَةِ، وَإِذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ، أَتَى بِهِ، ثُمَّ كَبَّرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ. تَنْبِيهٌ: فَإِنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ تَلْبِيَةٌ وَتَكْبِيرٌ، فَإِنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ النَّحْرِ، كَبَّرَ، ثُمَّ لَبَّى، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ مَشْرُوعٌ مِثْلَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَكَانَ أَشْبَهَ بِهَا، وَالْمَسْبُوقُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ يَقْضِي مَا فَاتَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ. (وَفِي التَّكْبِيرِ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا: لَا يُكَبِّرُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَقَالَ: فِي الْفِطْرِ إِنْ قِيلَ فِيهِ مُقَيَّدٌ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ إِنَّمَا جَاءَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ، وَالثَّانِي: يُكَبِّرُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْوَفَاءِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَإِذَا كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوِ الْقَمَرُ، فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى بِإِذْنِ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ: هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ مُؤَقَّتَةٌ تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ، كَالْمَكْتُوبَةِ، وَخَصَّهُ فِي " الْكَافِي " بِعِيدِ الْفِطْرِ (وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ شَفْعًا: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَانَ يَقُولُ كَذَلِكَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَهُ عَلِيٌّ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ. قَالَ أَحْمَدُ: اخْتِيَارِي تَكْبِيرَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يُكَبِّرُونَ كَذَلِكَ. رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَلِأَنَّهُ تَكْبِيرٌ خَارِجُ الصَّلَاةِ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَا، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْحَاجِّ، فَكَانَ شَفْعًا كَالْأَذَانِ، وَاسْتَحَبَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ تَثْلِيثَ التَّكْبِيرِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَأَمَّا تَكْبِيرُهُ ثَلَاثًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِمْ، وَلَعَلَّهُ يُقَاسُ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ بعد الفراغ مِنَ الصَّلَاةِ، وَعَلَى قَوْلِ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ بَعْدَ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ. تَتِمَّاتٌ: لَا بَأْسَ قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ كَالْجَوَابِ، وَقَالَ: لَا أَبْتَدِئُ بِهِ، وَعَنْهُ: الْكُلُّ حَسَنٌ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيفِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْأَمْصَارِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَذِكْرٌ، قِيلَ: تَفْعَلُهُ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ، ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَمَنْ تَوَلَّى صَلَاةَ الْعِيدِ أَقَامَهَا كُلَّ عَامٍ، لِأَنَّهَا رَاتِبَةٌ، مَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا، بِخِلَافِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. [بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ] [سَبَبُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَحُكْمُهَا] بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ يُقَالُ: كَسَفَتْ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا، وَمِثْلُهُ خَسَفَتْ، وَقِيلَ: الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ، وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ؛ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 الْإِمَامِ وَغَيْرِ إِذْنِهِ، وَيُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةَ جَامِعَةً يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: الْكُسُوفُ فِي أَوَّلِهِ، وَالْخُسُوفُ فِي آخِرِهِ، وَقِيلَ: الْكُسُوفُ الذَّهَابُ كُلُّهُ. وَفِعْلُهَا ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَاسْتَنْبَطَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] . (وَإِذَا كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوِ الْقَمَرُ) اسْتَعْمَلَهُ فِيهِمَا (فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الصَّلَاةِ) هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالنَّوَوِيُّ إِجْمَاعًا، وَقُدِّمَ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ لَهُمَا أَمْرًا وَاحِدًا، وَرَوَى أَحْمَدُ مَعْنَاهُ، وَلَفْظُهُ «فَافْزَعُوا إِلَى الْمَسَاجِدِ» وَرَوَى الشَّافِعِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى: «إِنَّ الْقَمَرَ خَسَفَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ، وَقَالَ: إِنَّمَا صَلَّيْتُ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يُصَلِّي» ؛ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَإِنْ حَضَرَهَا ذَوِي الْهَيْئَاتِ مَعَ الرِّجَالِ فَحَسَنٌ، وَكَذَا لِلصِّبْيَانِ حُضُورُهَا، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَامِدٍ لَهُمْ، وَلِلْعَجَائِزِ كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ (جَمَاعَةً) فِي جَامِعٍ أَفْضَلَ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ وَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسَ وَرَاءَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْمُبَادَرَةِ بِهَا، لِخَوْفِ فَوْتِهَا بِالتَّجَلِّي، وَعَنْهُ: بِالْمُصَلَّى أَفْضَلُ (وَفُرَادَى) لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الِاسْتِيطَانُ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهَا الجَمَاعَةٌ كَالنَّوَافِلِ (بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَغَيْرِ إِذْنِهِ) لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ، وَإِذْنُهُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا، وَكَصَلَاتِهَا مُنْفَرِدًا، وَعَنْهُ: بِلَى كَالْعِيدِ (وَيُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ بَعَثَ مُنَادِيًا فَنَادَى: الصَّلَاةَ جَامِعَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً طَوِيلَةً، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُسَمِّعُ وَيُحَمِّدُ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، وَيُطِيلُ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيلُ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] مَنْصُوبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى الْحَالِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " بِرَفْعِهَما وَنَصْبِهَما، وَوَقْتُهُمَا مِنْ حِينِ الْكُسُوفِ إِلَى الِانْجِلَاءِ، وَلَا تُقْضَى كَاسْتِسْقَاءٍ، وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ [صِفَةُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ] (فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً طَوِيلَةً) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَقْرَأُ قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، أَوْ هِيَ (وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ) عَلَى الْأَصَحِّ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ (ثُمَّ يَرْكَعُ رُكُوعًا طَوِيلًا) مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ: إِنَّهُ بِقَدْرِ مِائَةِ آيَةٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: بِقَدْرِ مُعْظَمِ الْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ: نَصِفُهَا. (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُسَمِّعُ وَيُحَمِّدُ) كَغَيْرِهَا (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، وَيُطِيلُ؛ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ) قِيلَ: كَمُعْظَمِهَا (ثم يركع فَيُطِيلُ؛ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ) نِسْبَتُهُ إِلَى الْقِرَاءَةِ كَنِسْبَةِ الْأَوَّلِ مِنْهَا (ثُمَّ يَرْفَعُ) وَظَاهِرُهُ مِنْ غَيْرِ إِطَالَةٍ (ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ) فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُطِيلُهُ كَالرُّكُوعِ، وَقِيلَ: وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُطِيلُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَكْثَرُ كَمَا لَا يُطِيلُ الْقِيَامَ عَنْ رُكُوعٍ يَسْجُدُ بَعْدَهُ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِجْمَاعًا لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الرِّوَايَاتِ، وَانْفَرَدَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِإِطَالَتِهِ، فَيَكُونُ فَعَلَهُ مَرَّةً لِيَتَبَيَّنَ الْجَوَازُ، أَوْ أَطَالَهُ قَلِيلًا لِيَأْتِيَ بِالذِّكْرِ الْوَارِدِ فِيهِ، وَالْأَصْلُ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَامَ فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَمَّعَ وَحَمَّدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الثَّانِيَةِ، فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، فَإِنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ فِيهَا، أَتَمَّهَا خَفِيفَةً. وَإِنْ تَجَلَّى قَبْلَهَا، أَوْ غَابَتْ كَاسِفَةً، أَوْ طَلَعَتْ وَالْقَمَرُ   [المبدع في شرح المقنع] الْبَقَرَةِ» ، وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ «ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ» ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «إنَّهُ جَهَرَ بِقِرَاءَتِهِ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ، وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ مُعَلَّلَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ. (ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الثَّانِيَةِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ) لَكِنْ يَكُونُ دُونَ الْأُولَى فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُ فِيهَا، قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: الْقِرَاءَةُ فِي كُلِّ قِيَامٍ أَقْصَرُ مِمَّا قَبْلَهُ، وَكَذَا التَّسْبِيحُ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: قِرَاءَةُ الْقِيَامِ الثَّالِثِ أَطْوَلُ مِنَ الثَّانِي (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ، وَيُسَلِّمُ) لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهَا خُطْبَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ أَمَرَ بِهَا دُونَ الْخُطْبَةِ» ، وَعَنْهُ: لَهَا خُطْبَتَانِ، تَجَلَّى الْكُسُوفُ أَوْ لَا، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالسَّامِرِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي نَصًّا بِعْدَمهُمَا، إِنَّمَا أَخَذُوهُ مِنْ نَصِّهِ: لَا خُطْبَةَ لِلِاسْتِسْقَاءِ (فَإِنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ فِيهَا أَتَمَّهَا خَفِيفَةً) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ «فَصَلُّوا، وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّجَلِّي، وَقَدْ حَصَلَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَشُرِعَ تَخْفِيفُهَا لِزَوَالِ السَّبَبِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 خَاسِفٌ، لَمْ يُصَلِّ، وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ أَوْ أَرْبَعٍ، فَلَا بَأْسَ.   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ بَعْدَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَتَمَّهَا صَلَاةَ كُسُوفٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَوْ قَبْلَهُ أَتَمَّهَا بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ تَجَلَّى قَبْلَهَا) لَمْ يُصَلِّ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «إِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى تَنْجَلِيَ» فَجَعَلَهُ غَايَةً لِلصَّلَاةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا زَوَالُ الْعَارِضِ، وَإِعَادَةُ النِّعْمَةِ بِنُورِهِمَا، وَقَدْ حَصَلَ، فَإِنْ خَفَّ قَبْلَهَا شَرَعَ فِيهَا وَأَوْجَزَ (أَوْ غَابَتِ) الشَّمْسُ (كَاسِفَةً، أَوْ طَلَعَتْ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ، لَمْ يُصَلِّ) لِأَنَّهُ ذَهَبَ وَقْتُ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا، وَقِيلَ: إِنْ طَلَعَتْ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ، صَلَّى، وَيُعْمُل بِالْأَصْلِ فِي بَقَائِهِ، فَلَوْ شَكَّ فِي التَّجَلِّي لِغَيْمٍ، أَتَمَّهَا مِنْ غَيْرِ تَخْفِيفٍ، وَلَوِ انْكَشَفَ الْغَيْمُ عَنْ بَعْضِ الْقَمَرِ، وَلَا كُسُوفَ عَلَيْهِ، أَتَمَّهَا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَالْأَشْهَرُ يُصَلِّي إِذَا غَابَ الْقَمَرُ خَاسِفًا لَيْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ وَقْتَ الِانْتِفَاعِ بِنُورِهِ، وَالثَّانِي: لَا، لِغَيْبُوبَتِهِ كَالشَّمْسِ، وَفِي مَنْعِ الصَّلَاةِ لَهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَجْهَانِ إِنْ فُعِلَتْ وَقْتَ نَهْيٍ. فَرْعٌ: إِذَا فَرَغَ مِنْهَا، وَلَمْ يَذْهَبِ الْكُسُوفُ لَمْ يُعِدْهَا، بَلْ يَذْكُرُ وَيَدْعُو، وَيَعْمَلُ بِالْأَصْلِ فِي بَقَائِهِ وَذَهَابِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَنْجَلِيَ، لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. (وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ أَوْ أَرْبَعٍ، فَلَا بَأْسَ) وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " جَازَ كَصَلَاةِ الْخَوْفِ، رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» ، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسُ رُكُوعَاتٍ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وَلَا يُصَلِّي لِشَيْءٍ مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ إِلَّا لِلزَّلْزَلَةِ الدَّائِمَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَفِي السُّنَنِ كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَعَنْهُ: أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَفْضَلُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَبِكُلِّ نَوْعٍ قَالَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالِ الْكُسُوفِ، فَفِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَأَخَّرَ الِانْجِلَاءُ، فَزَادَ فِي عَدَدِ الرُّكُوعِ، وَفِي بَعْضِهَا أَسْرَعَ، فَاقْتَصَرَ، وَفِي بَعْضِهَا تَوَسَّطَ فَتَوَسَّطَ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ: بِأَنَّ تَأَخُّرَ الِانْجِلَاءِ لَا يُعْلَمُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَدِ اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ عَدَدَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ في جميعها. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا أَقْوَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي السُّجُودِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ. فَرْعٌ: الرُّكُوعُ الثَّانِي سُنَّةٌ، وَتُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ فِي وَجْهٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْوَفَاءِ، إِنْ صَلَّاهَا الْإِمَامُ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ لِإِدْرَاكِهِ مُعْظَمَ الرَّكْعَةِ. [لَا يُصَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ] (وَلَا يُصَلِّي لِشَيْءٍ مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ) لِعَدَمِ نَقْلِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، مَعَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي زَمَانِهِمِ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ، وَهُبُوبُ الرِّيَاحِ، وَالصَّوَاعِقُ، وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَانَ إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ شَدِيدَةً، اصْفَرَّ لَوْنُهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا، وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا» لِأَنَّ الرِّيَاحَ نِعْمَةٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46] (إِلَّا لِلزَّلْزَلَةِ) هِيَ وَجْفَةُ الْأَرْضِ وَاضْطِرَابُهَا وَعَدَمُ سُكُونِهَا (الدَّائِمَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ: لَوْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ لَقُلْنَا بِهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: يُصَلِّي لِكُلِّ آيَةٍ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ عَلَّلَ الْكُسُوفَ بِأَنَّهُ آيَةٌ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَهْبَةٍ، كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةُ رَغْبَةٍ وَرَجَاءٍ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ أَنْ يَدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا، وَفِي " النَّصِيحَةِ ": يُصَلُّونَ لِكُلِّ آيَةٍ مَا أَحَبُّوا رَكْعَتَيْنِ، أَمْ أَكْثَرَ، كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَأَنَّهُ يَخْطُبُ. تَنْبِيهٌ: تُقَدَّمُ الْجِنَازَةُ عَلَى الْكُسُوفِ، وَيُقَدَّمُ هُوَ عَلَى الْجُمُعَةِ إِنْ أَمِنَ فَوْتَهَا أَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِي خُطْبَتِهَا، وَكَذَا عَلَى الْعِيدِ وَالْمَكْتُوبَةِ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ خَافَ بَدَأَ بِالْفَرْضِ، وَفِي تَقْدِيمِ الْوِتْرِ إِنْ خَافَ فَوْتَهُ، وَالتَّرَاوِيحِ عَلَيْهِ، وَجْهَانِ، وَقِيلَ: إِنْ صُلِّيَتِ التَّرَاوِيحُ جَمَاعَةً قُدِّمَتْ لِمَشَقَّةِ الِانْتِظَارِ، وَإِنْ كَسَفَتْ بِعَرَفَةَ صَلَّى ثُمَّ دَفَعَ، وَإِنْ مُنِعَتْ وَقْتَ نَهْيٍ ذَكَرَ وَدَعَا، وَقِيلَ: لَا يُتَصَوَّرُ كُسُوفٌ إِلَّا فِي ثَامِنٍ أَوْ تَاسِعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَا خُسُوفَ إِلَّا فِي إِبْدَارِ الْقَمَرِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَرَدَّهُ فِي " الْفُرُوعِ " بِمَا ذَكَرَهُ أَبُو شَامَةَ فِي تَارِيخِهِ: أَنَّ الْقَمَرَ خُسِفَ لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي غَدِهِ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. قال: وَاتَّضَحَ بِذَلِكَ مَا صَوَّرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنَ اجْتِمَاعِ الْكُسُوفِ وَالْعِيدِ، وَاسْتَبْعَدَهُ أَهْلُ النَّجَّامَةِ، وَكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ عَاشِرُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَيُسْتَحَبُّ الْعِتْقُ فِي كُسُوفِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَمْرِهِ بِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ. قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: لِقَادِرٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَإِذَا أَجْدَبَتِ الْأَرْضُ وَقَحَطَ الْمَطَرُ، فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الصَّلَاةِ وَصَفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَأَحْكَامِهَا صِفَةُ صَلَاةِ الْعِيدِ. وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْخُرُوجَ لَهَا وَعَظَ النَّاسَ،   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] [حُكْمُ صلاة الاستسقاء] ِ هُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنَ السُّقْيَا. قَالَ الْقَاضِي عياض: الِاسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ بِطَلَبِ السُّقْيَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَابُ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ طَلَبِ السُّقْيَا عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ. (وَإِذَا أَجْدَبَتِ الْأَرْضُ) أَيْ: أَصَابَهَا الْجَدْبُ؛ وَهُوَ نَقِيضُ الْخِصْبِ (وَقَحَطَ الْمَطَرُ) أَيِ: احْتَبَسَ (فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الصَّلَاةِ) وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «خَرَجَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ: يُسَنُّ حَضَرًا وَسَفَرًا، جَمَاعَةً وَفُرَادَى، وَالْأَفْضَلُ جَمَاعَةٌ حَتَّى وَلَوْ كَانَ الْقَحْطُ فِي غَيْرِ أَرْضِهِمْ، وَظَاهِرُهُ: اخْتِصَاصُهَا بِالْجَدْبِ، فَلَوْ غَارَ مَاءُ عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ نَقُصَ وَضَرَّ فَرِوَايَتَانِ، وَلَا اسْتِسْقَاءَ لِانْقِطَاعِ مَطَرٍ عَنْ أَرْضٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ، وَلَا مَسْلُوكَةٍ لِعَدَمِ الضَّرَرِ. [صِفَةُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] (وَصِفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَأَحْكَامِهَا صِفَةُ صَلَاةِ الْعِيدِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سُنَّةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةُ الْعِيدَيْنِ، فَعَلَى هَذَا تُسَنُّ فِي الصَّحْرَاءِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْمَعَاصِي، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَتَرْكِ   [المبدع في شرح المقنع] ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ لَمْ يُقِمْهَا إِلَّا فِي الصَّحْرَاءِ؛ وَهِيَ أَوْسَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «صَلَّى النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَعَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ «أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ، يُكَبِّرُونَ فِيهَا سَبْعًا، وَخَمْسًا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى؛ وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: «وَقَرَأَ " سَبِّحْ "، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَنْهُ: رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ؛ وَهِيَ ظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ "؛ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «اسْتَسْقَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ، وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُقَيَّدَةٌ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا تُفْعَلُ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَقِيلَ: بَعْدَ الزَّوَالِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. (وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْخُرُوجَ لَهَا وَعَظَ النَّاسَ) أَيْ: يُخَوِّفُهُمْ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِالْخَيْرِ فِيمَا يَرِقُّ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَيَنْصَحُهُمْ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِالْعَوَاقِبِ (وَأَمْرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْمَعَاصِي، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ) وَذَلِكَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ سَبَبُ الْقَحْطِ، وَالتَّقْوَى سَبَبٌ لِلْبَرَكَاتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 96] الْآيَةَ (وَالصِّيَامِ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى نُزُولِ الْغَيْثِ، وَقَدْ رُوِيَ «دَعْوَةُ الصَّائِمِ لَا تُرَدُّ» ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ الشَّهْوَةِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ، وَالتَّذَلُّلِ لِلرَّبِّ، زَادَ جَمَاعَةٌ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ صَائِمًا، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الصَّوْمَ بِأَمْرِهِ، مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِوُجُوبِ طَاعَتِهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعًا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ الْمُرَادَ فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْأُمُورِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، لَا مُطْلَقًا، وَلِهَذَا جَزَمَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ فِي الطَّاعَةِ، وَيُسَنُّ فِي الْمَسْنُونِ، وَيُكْرَهُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 التَّشَاحُنِ. وَيَعِدُهُمْ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، وَيَتَنَظَّفُ لَهَا، وَلَا يَتَطَيَّبُ، وَيَخْرُجُ مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُتَذَلِّلًا مُتَضَرِّعًا، وَمَعَهُ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالشُّيُوخُ، وَيَجُوزُ خُرُوجُ الصِّبْيَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُسْتَحَبُّ، وَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَمْ يُمْنَعُوا وَلَمْ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَكْرُوهِ (وَالصَّدَقَةِ) لِأَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلرَّحْمَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى رَحْمَتِهِمْ بِنُزُولِ الْغَيْثِ (وَتَرْكِ التَّشَاحُنِ) وَهُوَ تَفَاعُلٌ مِنَ الشَّحْنَاءِ؛ وَهِيَ الْعَدَاوَةُ؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْبَهْتِ، وَتَمْنَعُ نُزُولَ الْخَيْرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «خَرَجْتُ لِأُخْبِرُكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ» (وَيَعِدُهُمْ يَوْمًا) أَيْ: يُعَيِّنُهُ لَهُمْ (يَخْرُجُونَ فِيهِ) لِيَتَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَسْنُونَةِ (وَيَتَنَظَّفُ لَهَا) مِنْ إِزَالَةِ الرَّائِحَةِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَحْوِهِمَا، لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ؛ وَهُوَ يَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ لَهُ أَشْبَهَ الْجُمُعَةَ (وَلَا يَتَطَيَّبُ) وِفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ اسْتِكَانَةٍ وَخُضُوعٍ (وَيَخْرُجُ مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُتَذَلِّلًا مُتَضَرِّعًا) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ لِلِاسْتِسْقَاءِ مُتَذَلِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَمَعَهُ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالشُّيُوخُ) لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى إِجَابَتِهِمْ، وَظَاهِرُهُ: تَخْرُجُ الْعَجَائِزُ، وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا، وَالْأَشْهَرُ: لَا يُسْتَحَبُّ. بَلْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ خُرُوجُهُمْ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَلَا تَخْرُجُ ذَاتُ هَيْئَة؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي خُرُوجِهِنَّ أَكْثَرُ. (وَيَجُوزُ خروج الصبيان) كَالْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ الرِّزْقَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ، لَكِنَّ الْمُمَيِّزَ يُسْتَحَبُّ خُرُوجُهُ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُسْتَحَبُّ) لِمَا رَوَى الْبَزَّارُ مَرْفُوعًا «لَوْلَا أَطْفَالٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 يَخْتَلِطُوا بِالْمُسْلِمِينَ، فَيُصَلِّي بِهِمْ. ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً. يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ   [المبدع في شرح المقنع] رُضَّعٌ، وَعِبَادٌ رُكَّعٌ، وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ، لِصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبًّا» ، وَلِأَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ، فَيَكُونُ دُعَاؤُهُمْ مُسْتَجَابًا كَالْمَشَايِخِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِحْبَابُ خُرُوجِ الْبَهَائِمِ. وَفِي " الْفُصُولِ " نَحْنُ لِخُرُوجِ الشُّيُوخِ وَالصِّبْيَانِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا، قَالَ: وَيُؤْمَرُ سَادَةُ الْعَبِيدِ بِإِخْرَاجِ عَبِيدِهِمْ وَإِمَائِهِمْ، وَلَا يَجِبُ، وَالْمُرَادُ: مَعَ عَدَمِ الْفِتْنَةِ (وَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَمْ يُمْنَعُوا) لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِطَلَبِ الرِّزْقِ، وَاللَّهُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ كَمَا ضَمِنَ أَرْزَاقَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَذْهَبُ يَكْرَهُ، لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ، فَهُمْ بَعِيدُونَ مِنَ الْإِجَابَةِ، وَإِذَا غِيثَ الْمُسْلِمُونَ فَرُبَّمَا ظَنُّوهُ بِدُعَائِهِمْ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ (وَلَمْ يَخْتَلِطُوا بِالْمُسْلِمِينَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ فَيَعُمَّ مَنْ حَضَرَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُمْ لَا يُفْرَدُونَ بِيَوْمٍ؛ لِئَلَّا يَتَّفِقَ نُزُولُ غَيْثٍ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ وَحْدَهُمْ، فَيَكُونُ أَعْظَمُ لِفِتْنَتِهِمْ، وَرُبَّمَا افْتَتَنَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": إِفْرَادُهُمْ بِيَوْمٍ أَوْلَى؛ لِئَلَّا يَظُنُّوا إِنَّمَا حَصَلَ مِنَ السُّقْيَا بِدُعَائِهِمْ، وَفِي خُرُوجِ عَجَائِزِهِمُ الْخِلَافُ، وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُمْ شَابَّةٌ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ "، وَجَعَلَ أَهْلَ الذِّمَّةِ مَنْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ فِي الْجُمْلَةِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ الِاسْتِسْقَاءُ بِمَنْ ظَهَرَ صَلَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِجَابَةِ، وَقَدِ اسْتَسْقَى عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ، وَمُعَاوِيَةُ بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَاسْتَسْقَى بِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ مَرَّةً أُخْرَى، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. وَقَالَ السَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": لَا بَأْسَ بِالتَّوَسُّلِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ بِالشُّيُوخِ وَالْعُلَمَاءِ الْمُتَّقِينَ. وَقَالَ فِي " الْمُذْهَبِ ": وَيَجُوزُ أَنْ يُستَشَفَّعَ إِلَى اللَّهِ بِرَجُلٍ صَالِحٍ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 كَخُطْبَةِ الْعِيدِ، وَيُكْثِرُ فِيهَا الِاسْتِغْفَارَ وَقِرَاءَةَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ، وَيَرْفَعُ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ فِي " مَنْسَكِهِ " الَّذِي كَتَبَهُ لِلْمَرُّوذِيِّ: إِنَّهُ يَتَوَسَّلُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دُعَائِهِ، وَجَزَمَ به فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ (فَيُصَلِّي بِهِمْ) رَكْعَتَيْنِ كَالْعِيدِ، وَعَنْهُ: بِلَا تَكْبِيرٍ زَائِدٍ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَفِي " النَّصِيحَةِ " يَقْرَأُ فِي الْأُولَى {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ مَا أَحَبَّ [خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ] (ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ خَطَبَ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَعَنْهُ: خُطْبَتَيْنِ كَالْعِيدِ؛ وَهِيَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ ثُمَّ خَطَبَنَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَكَالْعِيدِ، وَعَنْهُ: قَبْلَهَا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ كَالْجُمُعَةِ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ: لَا خُطْبَةَ لَهَا، صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَنَصَرَهَا فِي " الْخِلَافِ " فَعَلَيْهَا يَدْعُو بَعْدَهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرٍ، وَيَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ، ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ كَالْعِيدِ فِي الْأَحْكَامِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ (يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فِي الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدِ» ، وَعَنْهُ: يَفْتَتِحُهَا بِالْحَمْدِ كَالْجُمُعَةِ، وَقِيلَ: بِالِاسْتِغْفَارِ؛ لِأَنَّهُ مُنَاسِبٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِدُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا، غَدَقًا مُجَلِّلًا، سَحًّا   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ: فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ ": وَيَكْثُرُ فِيهَا الدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعُونَةٌ عَلَى الْإِجَابَةِ، وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (وَيُكْثِرُ فِيهَا الِاسْتِغْفَارَ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْغَيْثِ، رَوَى سَعِيدٌ: أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ، فَقَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْغَيْثَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ الْمَطَرُ، ثُمَّ قَرَأَ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] . {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ (وَقِرَاءَةُ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3] (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) فِي الدُّعَاءِ؛ وَهُوَ سُنَّةٌ لِقَوْلِ أَنَسٍ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَكَانَ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَظُهُورُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ، لِحَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فَيَدْعُو بِدُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَانَ إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ» ، وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، طَبَقًا غَدَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. قَوْلُهُ: " غَيْرَ رَائِثٍ " أَيْ: غَيْرَ بَطِيءٍ وَلَا مُتَأَخِّرٍ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الدُّعَاءَ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَأَنَّ النَّاسَ يُؤْمِنُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 عَامًّا طَبَقًا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ ولَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْبِلَادِ وَالْعِبَادِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالضَّنْكِ مَا لَا نَشْكُوهُ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ. وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجُوعَ وَالْجَهْدَ وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا. وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي أَثْنَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: بَلْ يَدْعُونَ (اللَّهُمَّ) أَيْ: يَا اللَّهُ (اسْقِنَا) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَقَطْعِهَا (غَيْثًا) هُوَ مَصْدَرٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَطَرُ، وَيُسَمَّى الْكَلَأُ غَيْثًا (مُغِيثًا) هُوَ الْمُنْقِذُ مِنَ الشِّدَّةِ يُقَالُ: غَاثَهُ وَأَغَاثَهُ، وَغِيثَتِ الْأَرْضُ فَهِيَ مَغِيثَةٌ وَمَغْيُوثَةٌ (هَنِيئًا) هُوَ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ؛ وَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ (مَرِيئًا) السَّهْلُ النَّافِعُ؛ وَهُوَ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ: الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ (غَدَقًا) بِفَتْحِ الدَّالِّ وَكَسْرِهَا، وَالْمُغْدِقُ الْكَثِيرُ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ (مُجَلِّلًا) السَّحَابُ الَّذِي يَعُمُّ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ نَفْعُهُ (سَحًّا) الصَّبُّ، يُقَالُ: سَحَّ الْمَاءُ يَسِحُّ إِذَا سَالَ مِنْ فَوْقٍ إِلَى أَسْفَلَ، وَسَاحَ يَسِيحُ: إِذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ (عَامًّا) شَامِلًا (طَبَقًا) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْبَاءِ: الَّذِي طَبَّقَ الْبِلَادَ مَطَرُهُ (دَائِمًا) أَيْ: مُتَّصِلًا إِلَى أَنْ يَحْصُلَ الْخِصْبُ (اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ) الْقَانِطُ: الْيَائِسُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] أَيْ: لَا تَيْئَسُوا (اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْبِلَادِ وَالْعِبَادِ مِنَ اللَّأْوَاءِ) أَيِ: الشِّدَّةِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: شِدَّةُ الْمَجَاعَةِ (وَالْجَهْدِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ: الْمَشَقَّةُ، وَبِضَمِّهَا: الطَّاقَةُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ مَنْجَا: هُمَا الْمَشَقَّةُ، وَرَدَّ بِمَا سَبَقَ (وَالضَّنْكِ) الضِّيقِ (مَا لَا نَشْكُوهُ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ) . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الضَّرْعُ لِكُلِّ ذَاتِ ظِلْفٍ أَوْ خُفٍّ (وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجُوعَ وَالْجَهْدَ وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفْ عنَا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا) الْمِدْرَارُ: الدَّائِمُ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، هَذَا الدُّعَاءُ بِكَمَالِهِ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ غَيْرَ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 الْخُطْبَةِ، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ، فَيَجْعَلُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ.   [المبدع في شرح المقنع] قَوْلَهُ: «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ؛ وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. (وَ) يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ (يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ) «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَسْتَقْبِلُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ ". قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِهَا لِلدُّعَاءِ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ وَالْقِرَاءَةُ وَسَائِرُ الطَّاعَاتِ إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ كالخطبة (وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ) بَعْدَ اسْتِقْبَالِها لما في حديث عبد الله أنه حول رداءه حين استقبل القبلة. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فَيَجْعَلُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ خَطَبَ، وَدَعَا اللَّهَ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ قَلَبَ رِدَاءَهُ، فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ» وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِهَذَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ اسْتَسْقَى، وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وَيَفْعَلُ النَّاسُ كَذَلِكَ، وَيَتْرُكُونَهُ حَتَّى يَنْزِعُوهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ، وَيَدْعُو سِرًّا حَالَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ، وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا، فَاسْتَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدْتَنَا، فَإِنْ سُقُوا وَإِلَّا عَادُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا.   [المبدع في شرح المقنع] سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ أَسْفَلَهَا أَعْلَاهَا فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ، فَقَلَبَهَا الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا، فَهِيَ ظَنٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَقَدْ نَقَلَ التَّحْوِيلَ جَمَاعَةٌ، لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَيَبْعُدُ أَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ تَرَكَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لِثِقَلِ الرِّدَاءِ (وَيَفْعَلُ النَّاسُ كَذَلِكَ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ، كَيْفَ وَقَدْ عُقِلَ الْمَعْنَى؛ وَهُوَ التَّفَاؤُلُ بِقَلْبِ الرِّدَاءِ لِيُقْلَبَ مَا بِهِمْ مِنَ الْجَدْبِ إِلَى الْخِصْبِ، مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (وَيَتْرُكُونَهُ حَتَّى يَنْزِعُوهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ) لِعَدَمِ نَقْلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي "، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّ لَا تَحْوِيلَ فِي كُسُوفٍ، وَلَا حَالَةَ الْأَمْطَارِ وَالزَّلْزَلَةِ، وصَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ (وَيَدْعُو سِرًّا حَالَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ، وَأَبْلَغُ فِي الْخُشُوعِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِبَعْضِهِ حَتَّى يَحْصُلَ التَّأْمِينُ (فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ، وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا، فَاسْتَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدْتَنَا) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِنْجَازًا لِمَا وَعَدَ مِنْ فَضْلِهِ حَيْثُ قَالَ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] فَإِنْ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ اسْتَقْبَلَهُمْ بِوَجْهِهِ ثُمَّ حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْبِرِّ والخير، ويصلي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِلْمُؤْمِنَاتِ، وَيَقْرَأُ آيَةً، وَيَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْهَا، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ (فَإِنْ سُقُوا) فَذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةٌ (وَإِلَّا عَادُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّضَرُّعِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وَإِنْ سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ، شَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ. وَيُنَادَى   [المبدع في شرح المقنع] الدُّعَاءِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، فَاسْتُحِبَّ كَالْأَوَّلِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: اسْتُسْقِيَ لِلنِّيلِ بِمِصْرَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مَرَّةً مُتَوَالِيَةً، وَحَضَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمْعٌ. (وَإِنْ) تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ وَ (سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ شَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ) لِأَنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ زَادَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ، لِأَنَّهَا تُرَادُ لِنُزُولِ الْغَيْثِ، وَقَدْ وُجِدَ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْجَدُّ فِي " فُرُوعِهِ " وَجَمْعٌ: إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ خُرُوجُهُمْ بَعْدَ التَّأَهُّبِ، وَيُصَلُّونَ شُكْرًا لِلَّهِ، وَيَسْأَلُونَ الْمَزِيدَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ الْعَارِضِ مِنَ الْجَدْبِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النُّزُولِ، وَقِيلَ: يَخْرُجُونَ، وَلَا يُصَلُّونَ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ مَنْجَا أَنَّ التَّشَاغُلَ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ بِالدُّعَاءِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ عِنْدَ ثَلَاثٍ: الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَنُزُولِ الْغَيْثِ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ. فَلَوْ سُقُوا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ صَلَّوْا، وَجْهًا وَاحِدًا، فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا، وَفِي الْخُطْبَةِ رِوَايَتَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 لَهَا: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا إِذْنُ الْإِمَامُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ، وَيُخْرِجَ رَحْلَهُ وَثِيَابَهُ لِيُصِيبَهَا. وَإِنْ زَادَتِ الْمِيَاهُ، فَخِيفَ   [المبدع في شرح المقنع] مَسْأَلَةٌ: ذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمْعٌ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: مَا وَصَفْنَا؛ وَهُوَ أَكْمَلُهَا، الثَّانِي: اسْتِسْقَاءُ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي خُطْبَتِهَا كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَالثَّالِثُ: يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى عَقِيبَ صَلَوَاتِهِمْ، وَفِي خَلَوَاتِهِمْ. (وَيُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةَ جَامِعَةً) كَالْكُسُوفِ (وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا إِذْنُ الْإِمَامِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ "؛ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ أَشْبَهَتِ النَّوَافِلَ، فَعَلَيْهَا يَفْعَلُهَا الْمُسَافِرُ، وَأَهْلُ الْقُرَى، وَيَخْطُبُ بِهِمْ أَحَدُهُمْ، وَالثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ، لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ بِأَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ، وَكَالْعِيدِ، فَعَلَيْهَا إِنْ خَرَجُوا بِغَيْرِ إِذْنِهِ دَعُوا وَانْصَرَفُوا بِلَا صَلَاةٍ، وَفِي ثَالِثَةٍ: يُعْتَبَرُ إِذْنُهُ لِلصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ دُونَ الْخُرُوجِ لَهَا وَالدُّعَاءِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ خَرَجُوا بِغَيْرِ إِذْنٍ صَلَّوْا وَدَعَوْا مِنْ غَيْرِ خُطْبَةٍ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ وَيُخْرِجَ رَحْلَهُ) هُوَ مَسْكَنُ الرَّجُلِ، وَمَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنَ الْأَثَاثِ (وَثِيَابَهُ لِيُصِيبَهَا) لِقَوْلِ أَنَسٍ: «أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ مَطَرٌ، فَحَسَرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؛ قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَنْزِعُ ثِيَابَهُ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ إِلَّا الْإِزَارَ يَتَّزِرُ بِهِ» ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ اسْتِحْبَابَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنْهُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ، وَاقْتَصَرَ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى الْوُضُوءِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَانَ يَقُولُ إِذَا سَالَ الْوَادِي: اخْرُجُوا بِنَا إِلَى الَّذِي جَعَلَهُ الله طُهْرًا فَنَتَطَهَّرُ بِهِ» . قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَيَقْرَأُ عِنْدَ فَرَاغِهِ {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس: 89] تَفَاؤُلًا بِالْإِجَابَةِ. فَائِدَةٌ: إِذَا سَمِعَ الرعد ورأى الْبَرْقَ سَبَّحَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 مِنْهَا، اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الظَّرَابِ وَالْآكَامِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ. وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، واعف عنا   [المبدع في شرح المقنع] الزُّبَيْرِ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، وَلَا يَتْبَعُ الْبَصَرُ الْبَرْقَ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. (وَإِنْ زَادَتِ الْمِيَاهُ فَخِيفَ مِنْهَا اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا) إِلَى آخِرِهِ، وَاقْتَصَرَ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَ " الْفُرُوعِ " عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مَا عَدَا الْآيَةَ؛ وَهِيَ اللَّائِقَةُ بِالْحَالِ، فَاسْتُحِبَّ قَوْلُهَا كَسَائِرِ الْأَقْوَالِ اللَّائِقَةِ بِمَحَالِّهَا. وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ ماء العُيُونَ إِذَا زَادَتْ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُصَلِّي بَلْ يَدْعُو، لِأَنَّهُ أَحَدُ الضَّرَرَيْنِ، فَاسْتُحِبَّ الدُّعَاءُ لِانْقِطَاعِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا يُشْرَعُ لَهُ الِاجْتِمَاعُ فِي الصَّحْرَاءِ. وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْآمِدِيَّ قَالَ: يُصَلَّى لِكَثْرَةِ الْمَطَرِ. قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا أَيْ: أَنْزِلْهُ حَوَالَيِ الْمَدِينَةِ مَوَاضِعَ النَّبَاتِ، وَلَا عَلَيْنَا فِي الْمَدِينَةِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمَبَانِي (اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ) جَمْعُ ظَرِبٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ: وَاحِدُ الظُّرَابِ؛ وَهِيَ الرَّوَابِي الصِّغَارُ (وَالْآكَامُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ يَلِيهَا مَدَّةٌ عَلَى وَزْنِ آصَالٍ، وَتُكْسَرُ الْهَمْزَةُ بِغَيْرِ مَدٍّ عَلَى وَزْنِ جِبَالٍ، فَالْأَوَّلُ جَمْعُ أُكُمٍ كَكُتُبٍ، وَأُكُمٌ جَمْعُ إِكَامٍ كَجِبَالٍ، وآكام جمع أكم كجبل، وَأُكُمٌ وَاحِدُهُ أَكَمَةٌ، فَهُوَ مُفْرَدٌ جُمِعَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا، وَكَانَ أَكْثَرَ ارْتِفَاعًا مِمَّا حَوْلَهُ كَالتِّلُولِ وَنَحْوِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ الْجِبَالُ الصِّغَارُ. قَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ حَجَرٌ وَاحِدٌ (وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ) هِيَ الْأَمْكِنَةُ الْمُنْخَفِضَةُ (وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ) أَيْ أُصُولِهَا؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهَا {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] أَيْ: لَا تُكَلِّفُنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ، وَقِيلَ: هُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ وَالْوَسْوَسَةِ، وَعَنْ مَكْحُولٍ: هُوَ الْغُلْمَةُ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ: هِيَ الْحُبُّ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ: هُوَ الْعِشْقُ، وَقِيلَ: هُوَ شَمَاتَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.   [المبدع في شرح المقنع] الْأَعْدَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ الْفُرْقَةُ وَالْقَطِيعَةُ، نُعَوُذُ بِاللَّهِ مِنْهَا (واعف عنا) أَيْ: تَجَاوَزْ وَامْحُ عَنَّا ذُنُوبَنَا (وَاغْفِرْ لَنَا) أَيِ: اسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبَنَا، وَلَا تَفْضَحْنَا (وَارْحَمْنَا) فَإِنَّا لَا نَنَالُ الْعَمَلَ بِطَاعَتِكَ، وَلَا تَرْكَ مَعَاصِيكَ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ (أَنْتَ مَوْلَانَا) نَاصِرُنَا وَحَافِظُنَا {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] . يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيَحْرُمُ بِنَوْءِ كَذَا، لِخَبَرِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ؛ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَإِضَافَةُ الْمَطَرِ إِلَى النَّوْءِ دُونَ اللَّهِ كُفْرٌ إِجْمَاعًا، وَلَا يُكْرَهُ فِي نَوْءِ كَذَا، خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ إِلَّا أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 كِتَابُ الْجَنَائِزِ فصل تُسْتَحَب ُّ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ. وَتَذْكِيرُهُ التَّوْبَةَ وَالْوَصِيَّةَ. فَإِذَا نَزَلَ بِهِ، تَعَاهَدَ بَلَّ حَلْقِهِ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [عِيَادَةُ الْمَرِيضِ] ِ الْجَنَائِزُ: بِفَتْحِ الْجِيمِ لا غير جَمْعُ جِنَازَةٍ بِالْكَسْرِ، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ، وَيُقَالُ: بِالْفَتْحِ لِلْمَيِّتِ، وَبِالْكَسْرِ لِلنَّعْشِ عَلَيْهِ مَيِّتٌ، وَيُقَالُ عَكْسُهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَيِّتٌ فَلَا يُقَالُ: نَعْشٌ وَلَا جِنَازَةٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ سَرِيرٌ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ جَنَزَ إِذَا سَتَرَ، وَالْمُضَارِعُ بِكَسْرِ النُّونِ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُذْكَرَ بَيْنَ الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضِ، لَكِنْ ذُكِرَ هُنَا؛ لِأَنَّ أَهَمَّ مَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ الصَّلَاةُ، فَذُكِرَ فِي الْعِبَادَاتِ. 1 - فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَالِاسْتِعْدَادِ. لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَيُكْرَهُ الْأَنِينُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا تَمَنِّي الْمَوْتِ عِنْدَ نُزُولِ الشَّدَائِدِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ غَيْرُ تَمَنِّي الشَّهَادَةِ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحِ «مَنْ تَمَنَّى الشَّهَادَةَ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ» ، وَلَا يُكْرَهُ لِضَرَرِ بَدَنِهِ، وَقِيلَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يُسْتَحَبُّ، وَفِي كَرَاهَةِ مَوْتِ الْفَجْأَةِ رِوَايَتَانِ، وَفِيهِ خَبَرَانِ مُتَعَارِضَانِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَعَلَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، وَكَذَا هُمَا فِي حُقْنَةٍ لِحَاجَةٍ، وَقَطْعِ الْعُرُوقِ وَفَصْدِهَا. مَسْأَلَةٌ: التَّدَاوِي مُبَاحٌ، وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ فِعْلَهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: إِنْ ظُنَّ نَفْعُهُ، وَيَحْرُمُ بِمُحَرَّمٍ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ مِنْ صَوْتِ مَلْهَاةٍ وَغَيْرِهِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ فِي أَلْبَانِ الْأُتُنِ وَاحْتُجَّ بِتَحْرِيمِهَا، وَفِي التِّرْيَاقِ وَالْخَمْرِ، وَنَقَلَهُ الْمَرْوَذِيُّ فِي مُدَاوَاةِ الدُّبُرِ بِالْخَمْرِ، وَيَجُوزُ بِبَوْلِ إِبِلٍ فَقَطْ، وَنَقَلَ الْفَضْلُ فِي حَشِيشَةٍ تُسْكِرُ تُسْحَقُ، وَتُطْرَحُ مَعَ دَوَاءٍ: لَا بَأْسَ، أَمَّا مَعَ الْمَاءِ فَلَا، وَشَدَّدَ فِيهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الدَّوَاءَ الْمَسْمُومَ إِنْ غَلَبَ مِنْهُ السَّلَامَةُ، وَرُجِيَ نَفْعُهُ أُبِيحَ شُرْبُهُ لِدَفْعِ مَا هُوَ أَخْطَرُ مِنْهُ، كَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِلتَّلَفِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ دَوَاءً لَمْ يُبَيِّنْ مُفْرَدَاتِهِ الْمُبَاحَةَ، وَصَرَّحَ فِي الْمَذْهَبِ بِجَوَازِهِ. (تُسْتَحَبُّ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ) وَالسُّؤَالُ عَنْ حَالِهِ لِأَخْبَارٍ، وَقِيلَ: بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَنَسٍ، وَأَوْجَبَ الشِّيرَازِيُّ وَجَمَاعَةٌ عيادته لظاهر الْأَمْرَ بِهِ، وَالْمُرَادُ مَرَّةٌ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ،. وَفِي " الرِّعَايَةِ " فَرْضُ كِفَايَةٍ كَوَجْهٍ فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ، وَيَغُبُّ بِهَا، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ جَمَاعَةٍ خِلَافُهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْعَمَلِ بِالْقَرَائِنِ بُكْرَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ، وَنَدَّى شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ، وَلَقَّنَهُ قَوْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَرَّةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَعَشِيًّا، وَيُكْرَهُ وَسَطَ النَّهَارِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي رَمَضَانَ لَيْلًا، لَا مُبْتَدَعَ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَيَأْخُذُ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَيُخْبِرُ بِمَا يَجِدُ بِلَا شَكْوَى، وَكَانَ أَحْمَدُ يَحْمَدُ اللَّهَ أَوَّلًا لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ، إِذَا كَانَ الشُّكْرُ قَبْلَ الشَّكْوَى فَلَيْسَ بِشَاكٍّ، وَيُنَفَّسُ لَهُ فِي أَجَلِهِ لِخَبَرٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَيَدْعُو لَهُ، وَيُسْتَحَبُّ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ عبد مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ يَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسَالُ اللَّهَ العظيم رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلَّا عُوفِيَ» لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُكْرَهُ أَنْ يَعُوَدَ امْرَأَةً غَيْرَ مُحْرِمَةٍ، أَوْ تَعُودُهُ، وَتَعُودُ امْرَأَةٌ امْرَأَةً مِنْ أَقَارِبِهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَهَلْ يُكْرَهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ عِيَادَتَهَا (وَتَذْكِيرُهُ) إِذَا خِيفَ مَوْتُهُ، قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ " (التَّوْبَةَ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ وَهُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» يَعْنِي: مَا لَمْ تَبْلُغْ رُوحُهُ إِلَى حَلْقِهِ (وَالْوَصِيَّةَ) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. [مَا يُسَنُّ فِعْلُهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ] (فَإِذَا نَزَلَ بِهِ) أَيْ: نَزَلَ الْمَلَكُ بِهِ لَقَبْضِ رُوحِهِ (تَعَاهَدَ) أَرْفَقُ أَهْلِهِ وَأَتْقَاهُمْ لِرَبِّهِ (بَلَّ حَلْقَهُ بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ، وَنَدَّى شَفَتَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 ثَلَاثٍ إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ، فَيُعِيدَ تَلْقِينَهُ بِلُطْفٍ وَمُدَارَاةٍ، وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةَ يس، وَتَوْجِيهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. فَإِذَا مَاتَ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ، وَشَدَّ لِحْيَيْهِ، وَلَيَّنَ مَفَاصِلَهُ، وَخَلَعَ   [المبدع في شرح المقنع] بِقُطْنَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُطْفِئُ مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ الشِّدَّةِ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ النُّطْقَ بِالشَّهَادَةِ (وَلَقِّنْهُ قَوْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ، وَأُطْلِقَ عَلَى الْمُحْتَضِرِ مَيِّتًا بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَعَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ بِهَا إِقْرَارٌ بِالْأُخْرَى، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَفِي " الْفُرُوعِ " احْتِمَالٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُلَقَّنُ الشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَبَعٌ، فَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْأُولَى. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَيُكْرَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ بِلَا عُذْرٍ (مَرَّةً) نَقَلَهُ مُهَنَّا وَأَبُو طَالِبٍ (وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ) لِئَلَّا يُضْجِرَهُ، وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَجَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِذَا قُلْتَ مَرَّةً فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ أَتَكَلَّمْ (إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ فَيُعِيدَ تَلْقِينَهُ بِلُطْفٍ وَمُدَارَاةٍ) ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّ اللُّطْفَ مَطْلُوبٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَهُنَا أَوْلَى (وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةَ يس) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ لِينٌ مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَلِأَنَّهُ يُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ عِنْدَهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَقِيلَ: وَتَبَارَكَ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (تَوْجِيهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ «قِبْلَتُكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِقَوْلِ حُذَيْفَةَ: وَجِّهُونِي. وَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، إِنْ كَانَ الْمَكَانُ وَاسِعًا، وَعَنْهُ: مُسْتَلْقِيًا، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: سَوَاءٌ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ تَطْهِيرُ ثِيَابِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "؛ «لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فلبسها ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يَقُولُ: الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِثِيَابِهِ عَمَلُهُ (فَإِذَا مَاتَ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ) «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ أَغْمَضَ أَبَا سَلَمَةَ، وَقَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ شَدَّادٍ مَرْفُوعًا «إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَيِّتَ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ، فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ، وَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّهُ يُؤَمَّنُ عَلَى مَا قَالَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِئَلَّا يُقَبَّحَ مَنْظَرُهُ، وَيُسَاءُ بِهِ الظَّنُّ، وَيَقُولُ مَنْ يُغْمِضُهُ: بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ نَصَّ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: يُغْمِضُ الرَّجُلُ ذَاتَ مَحْرَمٍ وَتُغْمِضُهُ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَنْ تُغْمِضَهُ حَائِضٌ أَوْ جُنُبٌ أَوْ يَقْرَبَاهُ، وَتُغْمِضُ الْأُنْثَى مِثْلُهَا أَوْ صَبِيٌّ، وَفِي الْخُنْثَى وَجْهَانِ. (وَشَدَّ لِحْيَيْهِ) لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الْهَوَامُّ أَوِ الْمَاءُ فِي وَقْتِ غُسْلِهِ (وَلَيَّنَ مَفَاصِلَهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 ثِيَابَهُ، وَسَجَاهُ بِثَوْبٍ يَسْتُرُهُ، وَجَعَلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةً أَوْ نَحْوَهَا، وَوَضَعَهُ عَلَى سَرِيرِ غُسْلِهِ، مُتَوَجِّهًا مُنْحَدِرًا نَحْوَ رِجْلَيْهِ، وَيُسَارِعُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَتَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] لِتَبْقَى أَعْضَاؤُهُ سَهْلَةً عَلَى الْغَاسِلِ لَيِّنَةً، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَرُدُّ ذِرَاعَيْهِ إِلَى عَضُدَيْهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إِلَى جَنْبَيْهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا وَيَرُدُّ سَاقَيْهِ إِلَى فَخْذَيْهِ، وَهُمَا إِلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَقِبَ مَوْتِهِ قَبْلَ قَسْوَتِهَا، فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ تَرَكَهُ (وَخَلَعَ ثِيَابَهُ) لِئَلَّا يَحْمَى جَسَدُهُ فَيُسْرِعَ إِلَيْهِ الْفَسَادُ وَيَتَغَيَّرَ، وَرُبَّمَا خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ فَلَوَّثَتْهَا (وَسَجَّاهُ) أَيْ: غَطَّاهُ (بِثَوْبٍ يَسْتُرُهُ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ فِي كَرَامَتِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْطِفَ فَاضِلَ الثَّوَابِ عِنْدَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ لِئَلَّا يَرْتَفِعَ بِالرِّيحِ (وَجَعَلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةً) بِكَسْرِ الْمِيمِ، الَّتِي يَنْظُرُ فِيهَا (أَوْ نَحْوَهَا) مِنْ حَدِيدٍ أَوْ طِينٍ لِقَوْلِ أَنَسٍ: ضَعُوا عَلَى بَطْنِهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيدٍ. وَلِئَلَّا يَنْتَفِخَ بَطْنُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا وَهُوَ عَلَى ظَهْرِهِ (وَوَضَعَهُ عَلَى سَرِيرِ غُسْلِهِ) لِأَنَّهُ يَبْعُدُ عَنِ الْهَوَامِّ، وَيَرْتَفِعُ عَنْ نَدَاوَةِ الْأَرْضِ (مُتَوَجِّهًا) إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَقِيلَ: عَلَى ظَهْرِهِ (مُنْحَدِرًا نَحْوَ رِجْلَيْهِ) أَيْ: يَكُونُ رَأْسُهُ أَعْلَى مِنْ رِجْلَيْهِ، لِيَنْصَبَّ عَنْهُ مَاءُ الْغُسْلِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ. (وَ) يَجِبُ أَنْ (يُسَارِعَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " قَبْلَ غُسْلِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وَتَجْهِيزُهُ إِذَا تَيَقَّنَ مَوْتَهُ بِانْفِصَالِ كَفَّيْهِ، وَمَيْلِ أَنْفِهِ، وَانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ، وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ السَّامِرِيُّ: قَبْلَ دَفْنِهِ بِوَفَائِهِ أَوْ بِرَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ عَنْهُ إِنْ تَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ عَاجِلًا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِبْرَاءِ الذِّمَّةِ. (وَ) يُسَنُّ (تَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْجِيلِ الْأَجْرِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ تَقْدِيمَ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ إِلَى عكسه لظاهر النَّصِّ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا أَشْبَهَتِ الْمِيرَاثَ فِي كَوْنِهَا بِلَا عَرَضٍ، فَكَانَ فِي إِخْرَاجِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْوَارِثِ، فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إِخْرَاجِهَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ (أَوِ) الَّتِي لِلتَّسْوِيَةِ أَيْ: فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاهْتِمَامِ وَعَدَمِ التَّضْيِيعِ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا (وَتَجْهِيزُهُ) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ أَهْلِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ أَصْوَنُ لَهُ، وَأَحْفَظُ مِنَ التَّغْيِيرِ، لَكِنْ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْتَظِرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ وَلِيِّهِ وَغَيْرِهِ إِنْ كَانَ قَرِيبًا، وَلَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ أَوْ يُشَقَّ عَلَى الْحَاضِرِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ انْتَظَرَ بِهِ حَتَّى يعلم مَوْتِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: مِنْ غُدْوَةٍ إِلَى اللَّيْلِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تُرِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً مَا لَمْ يَخَفْ فَسَادَهُ (إِذَا تَيَقَّنَ مَوْتَهُ بِانْفِصَالِ كَفَّيْهِ، وَمَيْلِ أنفه، وَانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ، وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ دَالَّةٌ عَلَى الْمَوْتِ يَقِينًا، زَادَ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَامْتِدَادُ جِلْدَةِ وَجْهِهِ، وَظَاهِرُ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى الْمُسَارَعَةِ فِي تَجْهِيزِهِ، وَكَلَامُ ابْنِ تَمِيمٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّه رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَيَّنَ مَفَاصِلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " الْمُذْهَبِ "، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَا وَلَاءَ بِهِ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمَا إِلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّجْهِيزُ قَبْلَ تَيَقُّنِ الْمَوْتِ تَفْرِيطٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 فَصْلٌ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ غُسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ   [المبدع في شرح المقنع] مَسْأَلَةٌ: لَا يُسْتَحَبُّ النَّعْيُ؛ وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِهِ، بَلْ يُكْرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا يُعْجِبُنِي، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ إِعْلَامُ غَيْرِ صَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَوْ جَارٍ، وَعَنْهُ: أَوْ أَهْلِ دَيْنٍ، وَيَتَوَجَّهُ. يُسْتَحَبُّ «لِإِعْلَامِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ أَصْحَابَهُ بِالنَّجَاشِيِّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ كَثْرَةُ الْمُصَلِّينَ، فَيَحْصُلُ لَهُمْ ثَوَابٌ وَنَفْعٌ لِلْمَيِّتِ، وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِهِ، وَالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَلَوْ بَعْدَ تَكْفِينِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ] [حُكْمُ غسل الميت وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ] فَصْلٌ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ (غُسْلُ الْمَيِّتِ) الْمُسْلِمِ (وَتَكْفِينُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَدَفْنُهُ، فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ «اغْسِلُوه بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ: «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَضَعَّفَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ طُرُقَهُ كُلَّهَا، وَالسُّتْرَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْحَيَاةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّ فِي تَرْكِهِ أَذًى لِلنَّاسِ، وَهَتْكًا لِحُرْمَتِهِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " أَنَّ حَمْلَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَصَرَّحَ فِي الْمَذْهَبِ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَأَمَّا اتِّبَاعُهُ فَسُنَّةٌ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَابْنُ تَمِيمٍ لِحَدِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وَصِيُّهُ، ثُمَّ أَبُوهُ، ثُمَّ جَدُّهُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَاتِهِ، ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] الْبَرَاءِ، فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِرَجُلٍ أَوْ خُنْثَى أَوِ امْرَأَةٍ. وَيُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُشْتَرَطُ لِغُسْلِهِ مَاءٌ طَهُورٌ، وَإِسْلَامُ غَاسِلٍ، وَعَقْلُهُ، وَلَوْ جُنُبًا وَحَائِضًا، وَفِي مُمَيِّزٍ رِوَايَتَانِ كَأَذَانِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " يَكْفِي إِنْ عُلِمَ. تَذْنِيبٌ: كَرِهَ أَحْمَدُ لِلْغَاسِلِ وَالْحَفَّارِ أَخْذَ أُجْرَةٍ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا، فَيُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أُعْطِيَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ. لَكِنْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " أَنَّهُ إِذَا أُعْطِيَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَأَحْسَنُهُ كَلَامُهُ فِي الْخِصَالِ إِذَا اخْتَصَّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ إِذَا فَعَلَهُ عَنْ نَفْسِهِ عَادَ نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ كَالْجِهَادِ، وَالْقَضَاءِ، وَالْإِمَامَةِ، جَازَ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَخْتَصَّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ كَالْبِنَاءِ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَقَطْ. (وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَصِيُّهُ) الْعَدْلُ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تُغَسِّلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ، وَأَوْصَى أَنَسٌ أَنْ يُغَسِّلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ يُقَدَّمُ فِيهِ وَصِيُّهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: أَوْ فَاسِقٌ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: بِالصَّلَاةِ فَقَطْ مَعَ وُجُودِ عَصَبَتِهِ الصَّالِحِ لِلْإِمَامَةِ (ثُمَّ أَبَوْهُ) لِاخْتِصَاصِهِ بِالْحُنُوِّ وَالشَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الِابْنِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، فَكَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ (ثُمَّ جَدُّهُ) وَإِنْ عَلَا، فَلِمُشَارَكَةِ الْأَبِ فِي الْمَعْنَى، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْجَدِّ لَا عَلَى الْأَبِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ فِي نِكَاحٍ (ثُمَّ الأقرب فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَاتِهِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْأَمِيرَ أَحَقُّ بِهَا بَعْدَ وَصِيِّهِ، وَغُسْلُ الْمَرْأَةِ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ نِسَائِهَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ غُسْلُ صَاحِبِهِ فِي أَصَحِّ   [المبدع في شرح المقنع] فَيُقَدَّمُ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ، ثُمَّ الْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الْأَبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ أَخٌ وَابْنُهُ عَلَى جَدٍّ، وَعَنْهُ: سَوَاءٌ (ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ) كَالْمِيرَاثِ، ثُمَّ الْأَجَانِبُ، وَهُمْ أَوْلَى مِنْ زَوْجِهِ، وَأَجْنَبِيَّةٌ أَوْلَى مَنْ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ، وَزَوْجٌ أَوْلَى مِنْ سَيِّدٍ، وَزَوْجَةٌ أَوْلَى مِنْ أُمِّ وَلَدٍ، ثُمَّ صَدِيقُهُ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْجَارِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ (إِلَّا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْأَمِيرَ) وَهُوَ الْإِمَامُ أَوِ الْحَاكِمُ مِنْ قَبْلِهِ (أَحَقُّ بِهَا بَعْدَ وَصِيِّهِ) لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَأْذِنُ أَحَدًا مِنَ الْعَصَبَاتِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَمِيرِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عُمَرُ، قَالَهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ: أَوْصَى عُمَرُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ، وَأَوْصَتْ أَمُّ سَلَمَةَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَوْصَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَإِنْ قَدَّمَ الْوَصِيُّ غَيْرَهُ، فَوَجْهَانِ، فَإِنْ وَصَّى إِلَى اثْنَيْنِ قِيلَ: يُصَلِّيَانِ مَعًا، وَقِيلَ: مُنْفَرِدَيْنِ، وَوَصَّيْتُهُ إِلَى فَاسِقٍ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَتِهِ. (وَغُسْلُ الْمَرْأَةِ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ) وَصِيَّتُهَا، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " زَادَ فِي " الْوَجِيزِ ": وَغَيْرُ الْفَاسِقَةِ، وَالْمُؤَلِّفُ تَرَكَ ذِكْرَهَا اسْتِغْنَاءً بِمَا سَبَقَ (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ نِسَائِهَا) فَتُقَدَّمُ أُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ، ثُمَّ بِنْتُهَا وَإِنْ نَزَلَتْ، ثُمَّ الْقُرْبَى كَالْمِيرَاثِ، وَعَمَّتُهَا وَخَالَتُهَا سَوَاءٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْب وَالْمَحْرَمِيَّةُ، وَكَذَا بِنْتُ أَخِيهَا وَبِنْتُ أُخْتِهَا، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بِنْتُ الْأَخِ ثُمَّ أَقْرَبُ نِسَاءِ مَحَارِمِهَا ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ. فَرْعٌ: تُسَنُّ الْبَدَاءَةُ بِمَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ، ثُمَّ بِأَقْرَبَ، ثُمَّ بِأَفْضَلَ ثُمَّ بِأَسَنَّ، ثُمَّ بِقُرْعَةٍ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ غُسْلُ صَاحِبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِقَوْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 الرِّوَايَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ سُرِّيَّتِهِ. وَلِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ غُسْلُ مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ،   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ لِعَائِشَةَ: «مَا ضَرُّكِ لَوْ مُتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَوِ اسْتَقْبَلْنَا مِنْ أَمْرِنَا مَا اسْتَدْبَرْنَا مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا نِسَاؤُهُ. وَقَدْ وَقَعَ وَلَمْ يُنْكِرْ، وَلِأَنَّ آثَارَ النِّكَاحِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالْإِرْثِ بَاقِيَةٌ، فَكَذَا الْغُسْلُ، وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تُبَاحُ بِهَا أُخْتُهَا، وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ النَّظَرُ وَاللَّمْسُ كَالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ حَصَلَتْ بِالْمَوْتِ، وَمَا زَالَتْ عِصْمَةُ النِّكَاحِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِعَدَمِ غَيْرِهِ، فَيَحْرُمُ نَظَرُ عَوْرَةٍ، وَحُكِيَ عَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَالْمَذْهَبِ فِيمَنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ لَهَا دُونَهُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ رُخْصَةً فِي النَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيِّ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ، إِذْ مَحْذُورُ الشَّهْوَةِ فِيهَا أَخَفُّ، وَقَدْ نَفَاهُ الْمُؤَلِّفُ، وَحَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ ظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَعَلَى الْأُولَى يَشْمَلُ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَنَّهَا تُغَسِّلُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي عِدَّةٍ، كَمَا لَوْ وَلَدَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ، وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ إِنْ أُبِيحَتْ، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِهَا (وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ سُرِّيَّتِهِ) لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ وَمَمْلُوكَةٌ، وَحُكْمُ الْمَلْكِ فِي إِبَاحَةِ اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ حُكْمُ الزَّوْجَةِ فِي الْحَيَاةِ، بَلْ بَقَاءُ الْمَلْكِ أَوْلَى لِبَقَاءِ وُجُوبِ تَكْفِينِهَا، وَمُؤْنَةُ دَفْنِهَا كَالْحَيَاةِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْمَلْكَ يَنْتَقِلُ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهِ، وَعَلَى الْأُولَى: لَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ مِنْ زَوْجٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي اسْتِبْرَاءٍ فَوَجْهَانِ، وَلَا الْمُعَتَقَ بَعْضُهَا، وَحُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ كَالْأَمَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، لِأَنَّهَا عُتِقَتْ بِمَوْتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَقَةٌ مِنْ مِيرَاثٍ وَنَحْوِهِ. فَائِدَةٌ: السُّرِّيَّةُ: هِيَ الْأَمَةُ الَّتِي بَوَّأَهَا بَيْتًا مَنْسُوبَةٌ إِلَى السِّرِّ؛ وَهُوَ الْجِمَاعُ، وَضَمُّوا السِّينَ؛ لِأَنَّ الْحَرَكَاتِ قَدْ تُغَيَّرُ فِي الْأَبْنِيَةِ خَاصَّةً، كَمَا قَالُوا فِي النِّسْبَةِ إِلَى الدَّهْرِ دُهْرِيٌّ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ السِّرِّ؛ لِأَنَّهُ يُسِرُّ بِهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 وَفِي ابْنِ السَّبْعِ وَجْهَانِ وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ، أَوِ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ، أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٌ، يُمِّمَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِي الْأُخْرَى يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَلِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ غُسْلُ مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا عَوْرَةَ لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ غَسَّلَهُ النِّسَاءُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّلُ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ، فَتُغَسِّلُهُ مُجَرَّدًا بِغَيْرِ سُتْرَةٍ، وَتَمَسُّ عَوْرَتَهُ، والنْظُرُ إِلَيْهَا، وَعَنْهُ: الْوَقْفُ فِي الرَّجُلِ لِلْجَارِيَةِ، وَقِيلَ: بِمَنْعِهِ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ عَوْرَتَهَا أَفْحَشُ، وَعَنْهُ: يُغَسِّلُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ دُونَ السَّبْعِ إِلَى ثَلَاثٍ (وَفِي ابْنِ السَّبْعِ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ؛ لِأَنَّهُ فَاقِدُ أَهْلِيَّةِ فَهْمِ الْخِطَابِ، وَلَيْسَ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، أَشْبَهَ الطِّفْلَ. لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: يُسْتَرُ إِذَا بَلَغَ السَّبْعَ، وَالثَّانِي: لَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ بَلَغَ سِنًّا يَحْصُلُ فِيهِ التَّمْيِيزُ، أَشْبَهَ مَنْ فَوْقَهَا، وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ، وَقِيلَ: تُحَدُّ الْجَارِيَةُ بِتِسْعٍ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا زَادَ عَلَى السَّبْعِ لَا يُغَسِّلُهُ غَيْرُ نَوْعِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " النِّهَايَةِ " وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، وَيَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَى عَوْرَتِهِ الْمُغَلَّظَةِ كَالْبَالِغِ، وَعَنْهُ: إِلَى عَشْرٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، أَمْكَنَ الْوَطْءَ أَوْ لَا. [حُكْمُ الرَّجُلِ إِذَا مَاتَ بَيْنَ نِسْوَةٍ وَالْعَكْسُ] (وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ، أَوِ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ، أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ يُمِّمَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَنْصُورُ فِي الْمَذْهَبِ لِمَا رَوَى تَمَّامٌ فِي " فَوَائِدِهِ " عَنْ وَاثِلَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَ: «إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ بينها وبَيْنَهُمْ مَحْرَمٌ تتُيَمَّمُ كَمَا يُتيَمَّمُ الرِّجَالُ» وَلِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِالْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ تَنْظِيفٌ، وَلَا إِزَالَةُ نَجَاسَةٍ، بَلْ رُبَّمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 الْقَمِيصِ، وَلَا يُمَسُّ وَلَا يُغَسِّلُ مُسْلِمٌ كَافِرًا وَلَا يَدْفِنُهُ. إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُوَارِيهِ   [المبدع في شرح المقنع] كَثُرَتْ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً لِئَلَّا يَمَسَّهُ، وَقِيلَ: لَا يَجِبْ إِنْ كَانَ ذَا رَحِمِ مَحْرَمٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرِّجَالِ فِي غُسْلِ الْأَقَارِبِ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَا بِالْعَكْسِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ لِتَحْرِيمِهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَبَنَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى مَا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا، وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ بِغُسْلِ ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْ فَوْقِ قَمِيصٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ (وفي الأخرى: يصب عليه الماء من فوق القميص) لأنه أمكن غسله مَعَ سَتْرِ مَا حُرِّمَ النَّظَرُ إِلَيْهِ (وَلَا يَمَسُّ) وَتُغَطَّى وُجُوهُهُمْ، وَقِيلَ: بَلْ يَمَسُّ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، وَعَنْهُ: هُوَ وَالتَّيَمُّمُ سَوَاءٌ، وَالرِّجَالُ أَوْلَى بِالْخُنْثَى، وَقِيلَ: النِّسَاءُ. [لَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ] (وَلَا يُغَسِّلُ مُسْلِمٌ كَافِرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13] وَفِي غُسْلِهِ تَوَلٍّ لَهُمْ، وَلِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَلَا يَدْفِنُهُ) وَلَا يَحْمِلُهُ، وَلَا يُكَفِّنُهُ، وَلَا يَتَّبِعُ جَنَازَتَهُ لِلنَّهْيِ عَنِ الْمُوَالَاةِ؛ وَهُوَ عَامٌّ، وَلِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ وَتَطْهِيرٌ لَهُ، أَشْبَهَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، وَفَارَقَ غُسْلَهُ فِي حَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ: يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ قَالَ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ دُونَ غُسْلِهِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْهُ: دَفْنُهُ خَاصَّةً كَالْعَدَمِ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أُخْبِرَ بِمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِعَلِيٍّ: اذْهَبْ فَوَارِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. وَإِذَا غُسِّلَ، فَكَثَوْبٍ نَجِسٍ، فَلَا وُضُوءَ وَلَا نِيَّةَ لِلْغُسْلِ، وَيُلْقَى فِي حُفْرَةٍ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، رَكِبَ وَسَارَ أَمَامَهُ (إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُوَارِيهِ غَيْرَهُ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُنَا دَفْنُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ قَتْلَى بَدْرٍ أُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ، وَلِأَنَّهُ يُتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ، وَيَتَغَيَّرُ بِبَقَائِهِ. زَادَ بَعْضُهُمْ: وَكَذَا حَمْلُهُ وَتَغْسِيلُهُ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُغَسِّلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 غَيْرَهُ. وَإِذَا أَخَذَ فِي غُسْلِهِ، سَتَرَ عَوْرَتَهُ، وَجَرَّدَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُغَسِّلُهُ فِي قَمِيصٍ خَفِيفٍ وَاسِعِ الْكُمَّيْنِ. وَيُسْتَرُ الْمَيِّتُ عَنِ الْعُيُونِ، وَلَا يَحْضُرُ إِلَّا مَنْ يُعَيَّنُ   [المبدع في شرح المقنع] مُسْلِمًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يَجُوزُ إِنْ لَمْ تَجِبْ نِيَّةُ غُسْلِهِ، وَيُغَسِّلُ حَلَالٌ مُحْرِمًا، وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ وَغُسْلُهُ. (وَإِذَا أَخَذَ فِي غُسْلِهِ سَتَرَ عَوْرَتَهُ) وَهُوَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ حَذَارًا مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا؛ «لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ لِعَلِيٍّ: لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» (وَجَرَّدَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ؛ وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنُ فِي تَغْسِيلِهِ، وَأَبْلَغُ فِي تَطْهِيرِهِ، وَأَشْبَهُ بِغُسْلِ الْحَيِّ، وَأَصُونُ لَهُ مِنَ التَّنْجِيسِ، إِذْ يُحْتَمَلُ خُرُوجُهَا مِنْهُ، وَلِفِعْلِ الصَّحَابَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ أَمَرَهُمْ بِهِ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ (وَقَالَ الْقَاضِي:) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حِكَايَتِهَا عَنْهُ فَقَطْ، وَاخْتَارَهَا الشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهَا السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " (يُغَسِّلُهُ فِي قَمِيصٍ خَفِيفٍ وَاسِعِ الْكُمَّيْنِ) «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ. قَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُغَسَّلَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ، يُدْخِلُ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ، وَلِأَنَّهُ أَسْتُرُ لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاسِعَ الْكُمَّيْنِ تَوَجَّهَ أَنْ يَفْتُقَ رُؤوسَ الدَّخَارِيصِ، وَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْهَا، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَغُسْلُهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ فِي قَمِيصٍ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَاحْتِمَالُ الْمَفْسَدَةِ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، وظاهره أنه لَا يُغَطِّي وَجْهَهُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِيهِ لَا أَصْلَ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ يُسَنُّ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَغَيَّرَ لِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيُظَنُّ السُّوءُ. [صِفَةُ غُسْلِ الميت] (وَيُسْتَرُ الْمَيِّتُ عَنِ الْعُيُونِ) تَحْتَ سِتْرٍ أَوْ سَقْفٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِهِ عَيْبٌ يَسْتُرُهُ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ تَظْهَرُ عَوْرَتُهُ، وَاسْتَحَبَّ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ مُظْلِمًا، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَغْسِيلُهُ تَحْتَ السَّمَاءِ لِئَلَّا يَسْتَقْبِلَهَا بِعَوْرَتِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 فِي غُسْلِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بِرِفْقٍ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الْجُلُوسِ، وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ عَصْرًا رَفِيقًا، وَيُكْثِرُ صَبَّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ، ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً فَيُنْجِيهِ. وَلَا يَحِلُّ مَسُّ عَوْرَتِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمَسَّ سَائِرَ بَدَنِهِ إِلَّا بِخِرْقَةٍ، ثُمَّ يَنْوِي غُسْلَهُ وَيُسَمِّي،   [المبدع في شرح المقنع] وَلِلْخَبَرِ، وَلَا يَنْظُرُ الْغَاسِلُ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ (وَلَا يَحْضُرُهُ إِلَّا مَنْ يُعَيَّنُ فِي غُسْلِهِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ أَمْرٌ يَكْرَهُ الْحَيُّ أَنْ يُطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى مِثْلِهِ، وَرُبَّمَا ظَهَرَ فِيهِ شَيْءٌ؛ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ مُنْكَرٌ، فَيُتَحَدَّثُ بِهِ، فَيَكُونُ فَضِيحَةً، وَالْحَاجَةُ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إِلَى حُضُورِهِ، بِخِلَافِ مَنْ يُعِينُ الْغَاسِلَ بِصَبٍّ وَنَحْوِهِ، وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ لِوَلِيِّهِ الدُّخُولَ عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بِرِفْقٍ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الْجُلُوسِ، وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ) لِيَخُرِجَ مَا فِي جَوْفِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ (عَصْرًا رَفِيقًا) لِأَنَّ الْمَيِّتَ فِي مَحَلِّ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَعَنْهُ: يَفْعَلُهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَعَنْهُ: بَلْ فِي الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِينُ حَتَّى يُصِيبَهُ الْمَاءُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْحَامِلُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْصَرُ بَطْنُهَا لِخَبَرٍ رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْلِسُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَذِيَّةً لَهُ، وَيَكُونُ ثَمَّ بُخُورٌ لِئَلَّا يَظْهَرَ مِنْهُ رِيحٌ (وَيُكْثِرُ صَبَّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ) لِيُذْهِبَ مَا خَرَجَ، وَلَا يَظْهَرُ رَائِحَتُهُ (ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً فَيُنْجِيهِ) وِفَاقًا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ، وَطَهَارَةً لِلْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّي النَّجَاسَةِ إِلَى الْغَاسِلِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَسْحُهَا، وَلَا وُصُولُ الْمَاءِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُنَجَّى، وَيَكْفِيهِ خِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ لَا بُدَّ لِكُلِّ فَرْجٍ مِنْ خِرْقَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ خِرْقَةٍ خَرَجَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إِلَّا أَنْ تُغْسَلَ (وَلَا يَحِلُّ مَسُّ عَوْرَته) لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَيْهَا حَرَامٌ، فَمَسُّهَا أَوْلَى (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمَسَّ سَائِرَ بَدَنِهِ إِلَّا بِخِرْقَةٍ) لِفِعْلِ عَلِيٍّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِيُزِيلَ مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَيَأْمَنَ مَسَّ الْعَوْرَةِ الْمُحَرَّمِ مَسُّهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: بَدَنُهُ عَوْرَةٌ إِكْرَامًا لَهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ سَتْرُ جَمِيعِهِ، فَيَحْرُمُ نظره، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْضُرَهُ إِلَّا مَنْ يُعَيَّنُ فِي أَمْرِهِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ، فَحِينَئِذٍ يُعِدُّ الْغَاسِلُ خِرْقَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا لِلسَّبِيلَيْنِ، وَالْأُخْرَى لِبَقِيَّةِ بَدَنِهِ (ثُمَّ يَنْوِي غُسْلَهُ) وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وَيُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ مَبْلُولَتَيْنِ بِالْمَاءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ، فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ، وَفِي مِنْخَرَيْهِ فَيُنَظِّفُهُمَا، وَيُوَضِّئُهُ. وَلَا يُدْخِلُ الْمَاءَ فِي فِيهِ وَلَا أَنْفِهِ، وَيَضْرِبُ السِّدْرَ، فَيَغْسِلُ بِرَغْوَتِهِ رَأْسَهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْغَاسِلِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ تَعَبُّدِيَّةٌ، أَشْبَهَتْ غُسْلَ الْجَنَابَةِ. وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي " التَّذْكِرَةِ ": لَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّنْظِيفُ، أَشْبَهَ غُسْلَ النَّجَاسَةِ، وَالْأُولَى أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ غَسْلُ مُتَنَظِّفٍ، وَلَجَازَ غُسْلُهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْفِعْلُ، وَهُوَ وَجْهٌ، فَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ تَحْتَ مِيزَابٍ، فَنَوَى غُسْلَهُ إِنْسَانٌ، وَمَضَى زَمَنٌ بَعْدَ النِّيَّةِ أَجْزَأَ، وَيَجِبُ فِي آخَرَ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، فَعَلَى هَذَا لَا يُجْزِئُ، فَلَوْ حُمِلَ وَوُضِعَ تَحْتَ مِيزَابٍ بِنِيَّةِ غُسْلِهِ أَجْزَأَ وَجْهًا وَاحِدًا، وَكَذَا حُكْمُ الْغَرِيقِ (وَيُسَمِّي) وَفِيهَا الرِّوَايَاتُ السَّابِقَةُ (ويدخل أُصْبُعَيْهِ) وَهُمَا السَّبَّابَةُ وَالْإِبْهَامُ بَعْدَ غَسْلِ كَفَّيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (مَبْلُولَتَيْنِ بِالْمَاءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ، فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ، وَفِي مِنْخَرَيْهِ فَيُنَظِّفُهُمَا) لِإِزَالَةِ مَا عَلَى تِلْكَ الْأَعْضَاءِ مِنَ الْأَذَى، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِخِرْقَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، صِيَانَةً لِلْيَدِ، وَإِكْرَامًا لِلْمَيِّتِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى فِيهِ وَأَنْفِهِ، وَلَا يُدْخِلُهُ فِيهِمَا (وَيُوَضِّئُهُ) كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَ لِأُمِّ عَطِيَّةَ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: يُوَضَّأُ الْمَيِّتُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُعَادُ؛ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِقِيَامِ مُوجِبِهِ؛ وَهُوَ زَوَالُ عَقْلِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ أَنَّهُ وَاجِبٌ (وَلَا يُدْخِلُ الْمَاءَ فِي فِيهِ، وَلَا أنفه) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ وُصُولُهُ إِلَى جَوْفِهِ، فَيُفْضِي إِلَى الْمُثْلَةِ، وَرُبَّمَا حَصَلَ مِنَه الِانْفِجَارِ، وَبِهَذَا عَلَّلَ أَحْمَدُ (وَيَضْرِبُ السِّدْرَ فَيَغْسِلُ بِرَغْوَتِهِ) هُوَ مُثَلَّثُ الرَّاءِ (رَأْسَهُ، وَلِحْيَتَهُ، وَسَائِرَ بَدَنِهِ) «لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ فِي الْمُحْرِمِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وَلِحْيَتَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ الْأَيْسَرَ. ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ   [المبدع في شرح المقنع] اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» ، «وَقَوْلُهُ لِلنِّسَاءِ اللَّاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» وَلِأَنَّ الرَّغْوَةَ تُزِيلُ الدَّرَنَ، وَلَا تَعْلُقُ بِالشَّعْرِ، وَتَزُولُ بِمُجَرَّدِ مُرُورِ الْمَاءِ، وَصَرِيحُهُ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يَكُونُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَفِي " الْكَافِي "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ يَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَقَطْ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ يَسِيرًا خِلَافًا لِابْنِ حَامِدٍ. وَقَالَ: إِنَّهُ الَّذِي وُجِدَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا؛ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَلِ بِالْخَبَرِ، وَيَكُونُ الْمَاءُ بَاقِيًا عَلَى إِطْلَاقِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: يُغَسَّلُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، ثُمَّ يُغَسَّلُ عَقِبَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ، فَيَكُونُ الْجَمِيعُ غَسْلَةً وَاحِدَةً، وَالِاعْتِدَادُ بِالْآخَرِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ شَبَّهَ غُسْلَهُ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ السِّدْرَ إِنْ كَثُرَ سَلَبَ الطَّهُورِيَّةَ، وَالْيَسِيرُ لَا يُؤَثِّرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَاءَ تَزُولُ طَهُورِيَّتُهُ بِتَغَيُّرِهِ بِالطَّهَارَاتِ، وَالْمُؤَلِّفُ لَا يَرَاهُ، لَكِنْ إِنْ غَلَبَ عَلَى أَجْزَائِهِ سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَكُونُ فِي كُلِّ الْغَسَلَاتِ (ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ) «لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا» وَلِأَنَّهُ مَسْنُونٌ فِي غُسْلِ الْحَيِّ فَكَذَا الْمَيِّتُ (ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ) لِيَعُمَّهُ بِالْغُسْلِ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ مَنْكِبِهِ إِلَى كَتِفِهِ، وَصَفْحَةَ عُنُقِهِ الْيُمْنَى، وَشِقَّ صَدْرِهِ وَفَخْذَهُ وَسَاقَهُ، فَيَغْسِلُ الظَّاهِرَ مِنْهُ؛ وَهُوَ مُسْتَلْقٍ، ثُمَّ يَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، وَلَا يَكُبُّهُ لِوَجْهِهِ، فَيَغْسِلُ الظَّهْرَ وَمَا هُنَاكَ مِنْ وِرْكِهِ وَفَخْذِهِ وَسَاقِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّةَ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ، فَيَفْرُغُ مِنْ غَسْلِهِ مَرَّةً فِي أَرْبَعِ دُفْعَاتٍ، وَظَاهِرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 بَدَنِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا، يُمِرُّ يَدَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَ بِالثَّلَاثِ، أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَّلَهُ إِلَى خَمْسٍ، فَإِنْ زَادَ فَإِلَى سَبْعٍ. وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ كَافُورًا، وَالْمَاءَ الْحَارَّ، وَالْخِلَالَ، وَالْأُشْنَانُ يُسْتَعْمَلُ إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ، وَيَقُصُّ   [المبدع في شرح المقنع] كَلَامِ أَحْمَدَ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَقَالَهُ الْمَجْدُ: يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي دُفْعَتَيْنِ، فَيُحَرِّفُهُ أَوَّلًا عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ، فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ، وَكَيْفَمَا فَعَلَ أَجْزَأَهُ (فَيَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا) لِمَا تَقَدَّمَ إِلَّا الْوُضُوءَ، فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ، وَقِيلَ: يُعَادُ، وَحُكِيَ رِوَايَةً. وَالتَّثْلِيثُ مُسْتَحَبٌّ، وَيُجْزِئُ مَرَّةً كَالْجَنَابَةِ، لَكِنْ يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ (يمر يَدَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) عَلَى بَطْنِهِ بِرِفْقٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِخْرَاجًا لِمَا تَخَلَّفَ، وَأَمْنًا مِنْ فَسَادِ الْغُسْلِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدُ (فَإِنْ لَمْ يَنْقَ بِالثَّلَاثِ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَّلَهُ إِلَى خَمْسٍ، فَإِنْ زَادَ فَإِلَى سَبْعٍ) لِمَا سَبَقَ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ نَجَاسَةٌ بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ لَا يُعَادُ غُسْلُهُ، بَلْ يغُسِلَ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ وَيُوَضَّأُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَيِّ كَذَلِكَ، فَالْمَيِّتُ مِثْلُهُ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّارِعَ إِنَّمَا كَرَّرَ الْأَمْرَ بِغَسْلِهَا مِنْ أَجْلِ تَوَقُّعِ النَّجَاسَةِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْخَارِجَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ: فِي الدَّمِ هُوَ أَسْهَلُ، فَعَلَيْهَا فِي الْإِعَادَةِ احْتِمَالَانِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ خَضْبُ لِحْيَةِ الرَّجُلِ وَرَأْسِ الْمَرْأَةِ بِالْحِنَّاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ كَافُورًا) «لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يُصْلِبُ الْجِسْمَ، وَيُبْرِدُهُ، وَيُطَيِّبُهُ، وَيَطْرُدُ عَنْهُ الْهَوَامَّ بِرِيحِهِ، قِيلَ: مَعَ السِّدْرِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ، وَقِيلَ: وَحْدَهُ فِي مَاءٍ قَرَاحٍ، وَقِيلَ: يُجْعَلُ فِي الْكُلِّ (وَالْمَاءُ الْحَارُّ وَالْخِلَالُ) هُوَ الْعُودُ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِهِ (وَالْأُشْنَانُ يُسْتَعْمَلُ إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ) كَشِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ إِزَالَةِ وَسَخٍ؛ لِأَنَّ إِزَالَتَهُ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْخِلَالُ مِنْ شَجَرَةٍ لَيِّنَةٍ تُنَقِّي مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ، كَالصَّفْصَافِ وَنَحْوِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 شَارِبَهُ، وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ. وَلَا يُسَرِّحُ شَعْرَهُ وَلَا لِحْيَتَهُ، وَيُضَفَّرُ شَعْرُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ   [المبدع في شرح المقنع] يَسْتَعْمِلُهُ، وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِالْكَرَاهَةِ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ، بِلَا حَاجَةٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَرِدْ بِهِ، وَالْمُسَخِّنُ يُرْخِيهِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَامِدٍ؛ لِأَنَّهُ يُنْقِي مَا لَا يُنْقِي الْبَارِدُ. (وَيَقُصُّ شَارِبَهُ، وَيُقَلِّمُ أَظَافِرَهُ) أَيْ: إِنْ طَالَا لِقَوْلِ أَنَسٍ: اصْنَعُوا بِمَوْتَاكُمْ مَا تَصْنَعُونَ بِعَرَائِسِكُمْ. وَلِأَنَّ تَرْكَهُ يُقَبِّحُ مَنْظَرَهُ، فَشَرَعَ إِزَالَتَهُ، كَقُبْحِ عَيْنَيْهِ، وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ مَسْنُونٌ فِي الْحَيَاةِ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، أَشْبَهَ الْغُسْلَ، وَعَنْهُ: لَا يُقَلِّمُ أَظَافِرَهُ، بَلْ يُنَقِّي وَسَخَهَا لِكَوْنِهَا لَا تَظْهَرُ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، فَيَخْرُجُ فِي نَتْفِ الْإِبِطِ وَجْهَانِ، وَيَأْخُذُ شَعْرَ إِبِطِهِ فِي الْمَنْصُوصِ، وَكَذَا عَانَتُهُ، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَتُزَالُ بِالْمُوسَى أَوِ الْمِقْرَاضِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِفِعْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: بِنَوْرَةٍ، لِأَنَّهَا أَسْهَلُ، وَلَا يَمَسَّهَا بِيَدِهِ، بَلْ بِحَائِلٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ لِمَا فِيهِ مِنْ لَمْسِ الْعَوْرَةِ، وَرُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى نَظْرِهَا؛ وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَلَا تُفْعَلُ لِأَجْلِ مَنْدُوبٍ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَحْرَمِ، وَيُدْفَنُ مَعَهُ مَا أُخِذَ مِنْهُ كَعُضْوٍ سَاقِطٍ، وَيُعَادُ غَسْلُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ كَعُضْوٍ، وَالْمُرَادُ: يُسْتَحَبُّ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُكْرَهُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ فِي الْحَيَاةِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الزِّينَةُ أَوِ النُّسُكُ، وَهُمَا لَا يُطْلَبَانِ هُنَا، وَكَذَا لَا يُخْتَنُ؛ لِأَنَّهُ إِبَانَةُ جُزْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ. مَسْأَلَةٌ: يُزَالُ عَظْمٌ نَجِسٌ جُبِرَ بِهِ كَسْرٌ إِذَا أَمْكَنَ مِنْ غَيْرِ مُثْلَةٍ كَالْحَيَاةِ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ جَبِيرَةٌ قُلِعَتْ لِلْغُسْلِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ بَقِيَتْ وَمُسِحَ عَلَيْهَا، وَلَا يَبْقَى خَاتَمٌ وَنَحْوُهُ، وَلَوْ بِبُرْدَةٍ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ إِتْلَافٌ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ. قَالَ أَحْمَدُ: يَرْبُطُ أَسْنَانَهُ بِذَهَبٍ إِنْ خِيفَ سُقُوطُهَا، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ سَقَطَتْ لَمْ تُرْبَطْ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَيُؤْخَذُ إِنْ لَمْ تَسْقُطْ (وَلَا يُسَرِّحُ شَعْرَهُ، وَلَا لِحْيَتَهُ) نَصَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 قُرُونٍ، وَيُسْدَلُ مِنْ وَرَائِهَا. ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ السَّبْعِ حَشَاهُ بِالْقُطْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ فَبِالطِّينِ الْحُرِّ، ثُمَّ يُغْسَلُ الْمَحَلُّ وَيُوَضَّأُ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: عَلَامَ تَقُصُّونَ مَيِّتَكُمْ؟ ! أَيْ: لَا تُسَرِّحُوا رَأْسَهُ بِالْمُشْطِ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الشَّعْرَ وَيَنْتِفُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَامِدٍ إِذَا كَانَ خَفِيفًا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنَجَّا عَنْهُ، وَعَنْ أَبِي الْخَطَّابِ اسْتِحْبَابَ تَسْرِيحِ الشَّعْرِ مُطْلَقًا (وَيُضَفَّرُ شَعْرُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَيُسْدَلُ مِنْ وَرَائِهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ: فَضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَأَلْقَيْنَاهُ مِنْ خَلْفِهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ: فَضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، قَرْنَيْهَا وَنَاصِيَتَهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَامَهَا؛ لِأَنَّهُ يُضَفَّرُ عَلَى صَدْرِهَا، قِيلَ لِأَحْمَدَ: الْعَرُوسُ تَمُوتُ فَتُجْلَى، فَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا (ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ) هَكَذَا فُعِلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِئَلَّا يَنْبَلَّ كَفَنُهُ فَيَفْسُدَ بِهِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْحَيِّ، فِي رِوَايَةٍ، وَلَا يَتَنَجَّسُ مَا نُشِّفَ بِهِ فِي الْمَنْصُوصِ (وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ السَّبْعِ حَشَاهُ) أَيْ: مَحَلَّ الْخَارِجِ (بِالْقُطْنِ) لِيمَنْعِ الْخَارِجِ، وَكَالْمُسْتَحَاضَةِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ " النِّهَايَةِ ": إِنَّهُ يُلْجِمُ الْمَحَلَّ بِالْقُطْنِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ حَشَاهُ بِهِ، إِذَ الْحَشْوُ يُوَسِّعُ الْمَحَلَّ، فَلَا يُفْعَلُ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكِ) الْخَارِجُ بِالْقُطْنِ (فَبِالطِّينِ الْحُرِّ) أَيِ: الْخَالِصِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ قُوَّةٌ تَمْنَعُ الْخَارِجَ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وِفَاقًا لِمَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعَادُ غُسْلُهُ بَعْدَ السَّبْعِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي أَكْفَانِهِ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْغُسْلِ وَيُغَسَّلُ الْمُحْرِمُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَلَا يَلْبَسُ الْمَخِيطَ، وَلَا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ، وَلَا يَقْرُبُ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنَّهُ يُعَادُ غُسْلُهُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ لِأَجْلِ الْإِنْقَاءِ، فَكَذَا مَا بَعْدَ السَّبْعِ (ثُمَّ يَغْسِلُ الْمَحَلَّ) أَيْ: مَحَلَّ النَّجَاسَةِ (وَيُوَضَّأُ) وُجُوبًا كَالْجُنُبِ إِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ غُسْلِهِ لِتَكُونَ طَهَارَتُهُ كَامِلَةً، وَعَنْهُ: لَا؛ وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ لِلْمَشَقَّةِ وَالْخَوْفِ عَلَيْهِ (وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي أَكْفَانِهِ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْغُسْلِ) بَلْ يُحْمَلُ عَلَى حَالِهِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى إِخْرَاجِهِ وَإِعَادَةِ غُسْلِهِ وَتَطْهِيرِ أَكْفَانِهِ وَتَجْفِيفِهَا أَوْ إِبْدَالِهَا فَيَتَأَخَّرُ دَفْنُهُ؛ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، ثُمَّ لَا يُؤْمَنُ مِثْلُ هَذَا بَعْدَهُ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَارِجِ أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَعَنْهُ: يُعَادُ غُسْلُهُ وَيُطَهَّرُ كَفَنُهُ، وَعَنْهُ: مِنَ الْكَثِيرِ، لَكِنْ إِنْ وُضِعَ عَلَى الْكَفَنِ وَلَمْ يُلَفَّ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أُعِيدَ غُسْلُهُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. [وَيُغَسَّلُ الْمُحْرِمُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ] (وَيُغَسَّلُ الْمُحْرِمُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَلَا يُلْبَسُ الْمَخِيطَ، وَلَا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ، وَلَا يَقْرُبُ طِيبًا) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَ فِي مُحْرِمٍ مَاتَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَلِلنَّسَائِيِّ: «وَلَا تَمَسُّوهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا» ، وَحِينَئِذٍ يُجَنَّبُ مَا يُجَنَّبُ الْحَيُّ لِبَقَاءِ إِحْرَامِهِ، وَقِيلَ: وَيَفْدِي الْفَاعِلُ، وَلَا يُوقَفُ بِعَرَفَةَ، وَلَا يُطَافُ بِهِ، بِدَلِيلِ الْمُحْرِمِ الَّذِي مَاتَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِأَنَّهُ لَا يُحِسُّ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ جُنَّ، وَعَنْهُ: وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ صَبًّا، وَلَا يُفْعَلُ بِهِ كَالْحَلَالِ، لِئَلَّا يَنْقَطِعَ شَعْرُهُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجِبُ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ وَكَذَا رِجْلَيْهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَجِبُ كَشْفُهُمَا، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " قَالَ الْخَلَّالُ: هِيَ وَهُمٌ مِنْ حَنْبَلٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالرِّجْلَيْنِ. لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَلَامُ الْخِرَقِيِّ خَرَجَ عَلَى الْمُعْتَادِ، إِذْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْهِ: الرِّدَاءِ وَالْإِزَارِ، وَالْعَادَةُ عَدَمُ تَغْطِيَتِهِمَا لِلرِّجْلَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْهِ لَا يُزَادُ، أَيْ: يُسْتَحَبُّ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 طِيبًا وَالشَّهِيدُ لَا يُغَسَّلُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا، بَلْ يُنْزَعُ عَنْهُ السِّلَاحُ والجلود،   [المبدع في شرح المقنع] بَعْدَهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنَ الطِّيبِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حِلٌّ بِهَا، هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ رَجُلًا، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً فَحُكْمُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمُهَا فِي الْحَيَاةِ، لَا تُمْنَعُ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَيُغَطَّى رَأْسُهَا لَا وَجْهُهَا. فَرْعٌ: لَا تُمْنَعُ الْمُعْتَدَّةُ لِلْوَفَاةِ مِنَ الطِّيبِ فِي الْأَصَحِّ. [الشَّهِيدُ لَا يُغَسَّلُ] (وَالشَّهِيدُ) وَهُوَ مَنْ قُتِلَ بِأَيْدِي الْكُفَّارِ فِي مَعْرَكَتِهِمْ (لَا يُغَسَّلُ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ أَمَرَ بِدَفْنِ قَتْلَى أُحُدٍ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَحْمَدَ مَعْنَاهُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِتَحْرِيمِهِ، وَحُكِيَ رِوَايَةً؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الشَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ وَهُوَ حَيٌّ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا) فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَتُغَسِّلَهُ الْمَلَائِكَةُ، يَعْنِي حَنْظَلَةَ، قَالُوا لِأَهْلِهِ: مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَائِعَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» وَفِي " الْكَافِي " أَنَّهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ وَاجِبٌ لِغَيْرِ الْمَوْتِ، فَلَمْ يَسْقُطْ كَغُسْلِ النَّجَاسَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ لِلْعُمُومِ، وَمِثْلُهُ حَائِضٌ وَنُفَسَاءُ طَهُرَتَا أَوَّ لًا، وَعَلَى الْوُجُوبِ: لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ، فَهَلْ يَوَضَّأُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ ثُمَّ اسْتُشْهِدَ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ لِلْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ أَصْرَمَ بْنَ عَبْدِ الْأَشْهَلَ أَسْلَمَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ قُتِلَ فَلَمْ يَأْمُرْ بِغُسْلِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ: وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدٌ إِلَّا لِمُوجِبِهِ (بَلْ يُنْزَعُ عَنْهُ) أَيْ: عَنِ الشَّهِيدِ لَأْمَةُ الْحَرْبِ مِنْ (السِّلَاحِ وَالْجُلُودِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ أَمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ بِالشُّهَدَاءِ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمُ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَقَالَ: ادْفِنُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وثيابهم» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَكَذَا يُنْزَعُ عَنْهُ خُفٌّ وَفَرْوٌ، نَصَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وَيُزَمَّلُ فِي ثِيَابِهِ. وَإِنْ أَحَبَّ كَفَّنَهُ بِغَيْرِهَا، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا، وَلَا أَثَرَ بِهِ أَوْ حُمِلَ، فَأَكَلَ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ، وَتُغْسَلُ نَجَاسَةٌ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ بَقَاءُ دَمٍ لَا تُخَالِطُهُ نَجَاسَةٌ، فَإِنْ خَالَطَتْهُ، غُسِلَا فِي الْأَصَحِّ (وَيُزَمَّلُ) أَيْ: يُلَفُّ (فِي ثِيَابِهِ) وَيُدْفَنُ فِيهَا، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ» وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ؛ وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْعِبَادَةِ، فَعَلَيْهِ لَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ بِحَسَبِ الْمَسْنُونِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ لَابِسًا الْحَرِيرَ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ: لَا بَأْسَ بِهِمَا (وَإِنْ أَحَبَّ كَفَّنَهُ) الْوَلِي (بِغَيْرِهَا) تَبِعَ الْقَاضِيَ فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَحَكَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " قَوْلًا، وَنَسَبَهُ الزَّرْكَشِيُّ إِلَى الشُّذُوذِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ صَفِيَّةَ أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ ثَوْبَيْنِ لِيُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ، فَكَفَّنَهُ فِي أَحَدِهِمَا، وَكَفَّنَ فِي الْآخَرِ رَجُلًا آخَرَ» رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ، وَقَالَ: هُوَ صَالِحُ الْإِسْنَادِ، وَأَجَابَ فِي " الْخِلَافِ " بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ ثِيَابَهُ سُلِبَتْ، أَوْ أَنَّهُمَا ضُمَّا إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَوَي فِي الْمُعْتَمَدِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِلْأَخْبَارِ، وَهَلْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِّهِمْ، أَوْ لِغِنَاهُمْ عَنِ الشَّفَاعَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، وَالثَّانِيَةُ: يُصَلَّى عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ «لِصَلَاتِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ بِدَلِيلِ «أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. تَوْدِيعًا لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، وَالثَّالِثَةُ: يُخَيَّرُ لِتَعَارُضِ الْأَخْبَارِ، فَيُخَيَّرُ، كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ إِلَى الْأُذُنَيْنِ أَوْ إِلَى الْمِنْكَبَيْنِ، وَحُكِيَ عَنْهُ التَّحْرِيمُ. (وَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ، أَوْ حُمِلَ) بَعْدَ جُرْحِهِ (فَأَكَلَ، أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ، غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) وَفِيهِ أُمُورٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 طَالَ بَقَاؤُهُ، غُسِّلَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَهَلْ يُلْحَقُ بِالشَّهِيدِ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِذَا سَقَطَ فِي الْمَعْرَكَةِ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ شَاهِقٍ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَمَاتَ فِيهَا أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ بِغَيْرِ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ فِعْلِ الْعَدُوِّ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ بِفِعْلِهِمْ فَلَا. الثَّانِي: إِذَا وُجِدَ مَيِّتًا، وَلَا أَثَرَ به، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، فَلَا يَسْقُطُ بِالِاحْتِمَالِ، وَعَنْهُ: لَا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ بِهِ أَثَرٌ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا دَمَ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: اعْتَبَرْنَا الْأَثَرَ هُنَا احْتِيَاطًا لِلْغُسْلِ، وَلَمْ نَعْتَبِرْهُ فِي الْقَسَامَةِ احْتِيَاطًا، لِوُجُوبِ الدَّمِ، فَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ غُسِّلَ، كَمَنْ رُدَّ عَلَيْهِ سَهْمُهُ فَقَتَلَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَصَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ كَقَتْلِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ عَامِرَ بْنَ الْأَكْوَعِ بَارَزَ رَجُلًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَعَادَ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ، فَلَمْ يُفْرَدْ عَنِ الشُّهَدَاءِ بِحُكْمٍ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا حُمِلَ بَعْدَ جُرْحِهِ فَأَكَلَ، أَنَّهُ يُغَسَّلُ «لِتَغْسِيلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ» ، وَلِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ ذِي حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، وَظَاهِرُهُ: إِذَا شَرِبَ أَوْ تَكَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَابْنُ تَمِيمٍ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ لَمْ يُغَسِّلْ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ، وَأَصْرَمَ بْنَ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَقَدْ تَكَلَّمَا وَمَاتَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَلَكِنْ قَدَّمَ السَّامِرِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمَجْدُ وَالْجَدُّ أَنَّ مَنْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ بَالَ كَمَنْ أَكَلَ، زَادَ جَمَاعَةٌ: أَوْ عَطَسَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ إِذَا طَالَ بَقَاؤُهُ عُرْفًا لَا وَقْتَ صَلَاةٍ، أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ وَهُوَ يَعْقِلُ، لِأَنَّهَا تَقْتَضِي حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، وَظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ " أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِغُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ طُولُ الْفَصْلِ، بَلْ لَوْ مَاتَ عَقِبَ الْحَمْلِ وَفِيهِ رَمَقٌ، فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَأَوْرَدَهُ الْمَجْدُ مَذْهَبًا، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: إِنَّمَا يُتْرَكُ غُسْلُ مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ. (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَهَلْ يُلْحَقُ بِالشَّهِيدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يُلْحَقُ بِهِ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " فَعَلَيْهَا لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا وُلِدَ السَّقْطُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ، كَشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَالْحُسَيْنَ قُتِلُوا ظُلْمًا، وَغُسِّلُوا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، أَشْبَهَ الْمَبْطُونَ، وَعَلَى الْأُولَى: مَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ لَا يُغَسَّلُ، وَفِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ كُلَّ شَهِيدٍ غُسِّلَ، صُلِّيَ عَلَيْهِ وُجُوبًا، وَمَنْ لَا يُغَسَّلُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. تَذْنِيبٌ: يُغَسَّلُ الْبَاغِي وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُلْحَقُ بِشَهِيدِ أَهْلِ الْعَدْلِ، لِلْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ غُسْلُ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصَفِّينَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ أَوِ الْكُفَّارُ خَطَأً غُسِّلَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا النُّفَسَاءُ تُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهَا كَالشَّهِيدِ بِغَيْرِ قَتْلٍ، كَحَرِيقٍ وَغَرَقٍ وَهَدْمٍ، وَهُمْ بِضْعَةَ عَشْرَ، وَمِنْ أَغْرَبِهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ» ، وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ الْمُنَجَّا، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْعَاشِقَ مِنْهَا، وَأَشَارُوا إِلَى الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ «مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ، فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» . وَهَذَا الْخَبَرُ مَذْكُورٌ فِي تَرْجَمَةِ سُوِيدِ بْنِ سَعِيدٍ فِيمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ. مَسْأَلَةٌ: قَاطِعُ الطَّرِيقِ يُقْتَلُ أَوَّلًا وَيُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصْلَبُ، وَقِيلَ: يُؤَخَّرَانِ عَنِ الصَّلْبِ، قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ ". [السَّقْطُ هَلْ يُغَسَّلُ] (وَإِذَا وُلِدَ السَّقْطُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَصَالِحٍ؛ «لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ وَالسَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 تَعَذَّرَ غُسْلَهُ يُمِّمَ. وَعَلَى الْغَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا.   [المبدع في شرح المقنع] لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَلَفْظُهُمَا: «وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهُ نَسَمَةٌ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ، وَأَنَّهُ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهَا لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، وَقَدَّمَ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إِذَا بَانَ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا. فَائِدَةٌ: تُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْعَثُ قَبْلَهَا، وَاخْتَارَ فِي " الْمُعْتَمَدِ " أَنَّهُ يُبْعَثُ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: فَإِنْ جَهِلَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، سُمِّيَ بِصَالِحٍ لَهُمَا، كَطَلْحَةَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الكَافِرَيْنِ، فَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَمُسْلِمٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ. تَتْمِيمٌ: إِذَا مَاتَ بِدَارِنَا مَجْهُولُ الْإِسْلَامِ غُسِّلَ، وَصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِنَا، وَلَوْ كَانَ أَقْلَفَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ وُجِدَ بِدَارِ حَرْبٍ وَعَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ غُسِّلَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ إِذَا وُجِدَ الطفل فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَيِّتًا يَجِبُ غُسْلُهُ وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِرِنَا، وَإِنْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ غُسِّلَ، وَصَلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَكْفِينِهِ، وَأُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ سَلًا، كَإِدْخَالِهِ الْقَبْرَ مَعَ خَوْفِ فَسَادِهِ أَوْ حَاجَةٍ، وَيُثْقَلُ بِشَيْءٍ، وَذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " عَنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ: وَلَا مَوْضِعَ لَنَا، الْمَاءُ فِيهِ بَدَلٌ عَنِ التُّرَابِ، إِلَّا هُنَا، وَمَنْ مَاتَ بِبِئْرٍ أُخْرِجَ مِنْهَا إِذَا أَمْكَنَ بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إخراجه إِلَّا بِمِثْلِهِ طُمَّتْ، وَجُعِلَتْ قَبْرَهُ، وَمَعَ حَاجَةِ الْأَحْيَاءِ يَخْرُجُ، وَقِيلَ: لَا مَعَ مُثْلَةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] [مَنْ تَعَذَّرَ غُسْلَهُ] (وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلَهُ) لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ عُذْرٍ غَيْرِهِ، كَالْحَرْقِ، وَالْجُذَامِ، وَالتَّبْضِيعِ (يُمِّمَ) لِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ طَهَارَةٌ عَلَى الْبَدَنِ، فَقَامَ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ مَقَامَهُ كَالْجَنَابَةِ، وَهَلْ يَلُفُّ مَنْ يُيَمِّمُهُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً؟ سَبَقَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ غُسْلُ بَعْضِهِ، غُسِّلَ بَعْضُهُ، مَا أَمْكَنَ، وَيُيَمَّمُ لِلْبَاقِي فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَعَنْهُ: يُكَفَّنُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ، وَلَا تَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بالغسل التَّنْظِيفِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الْمُحْتَرِقُ، وَالْمَجْذُومُ، وَالْمِبْضَعُ، يُصَبُّ الماء عَلَيْهِ صَبًّا، ثُمَّ يُكَفَّنُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ يُمِّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ ثُمَّ وُجِدَ الْمَاءُ قَبْلَ دَفْنِهِ غُسِّلَ، وَكَذَا إِنْ وَجَدَهُ فِيهَا، فَلَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لَمْ يُنْبَشْ، وَإِنْ بَذَلَهُ أَجْنَبِيٌّ لَزِمَ الْوَارِثَ قَبُولُهُ، بِخِلَافِ ثَمَنِهِ، فَإِنْ عُدِمَا صُلِّيَ عَلَيْهِ بِدُونِهِمَا وَدُفِنَ، فَإِنْ وُجِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ دَفْنِهِ لَمْ يُنْبَشْ، وَيَجُوزُ إِنْ أُمِنَ تَفَسُّخُهُ، وَإِنْ وُجِدَ الْمَاءُ قَبْلَ دَفْنِهِ غُسِّلَ، وَإِنْ وُجِدَ التُّرَابُ وَحْدَهُ، فَفِي إِنْشَاءِ التَّيَمُّمِ وَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ احْتِمَالَانِ. [عَلَى الْغَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ] (وَعَلَى الْغَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ أَمِينًا لِيَسْتُرَ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَفِي الْخَبَرِ مَرْفُوعًا «لَيُغَسِّلَ مَوْتَاكُمُ الْمَأْمُونُونَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ. عَارِفًا بِالْغُسِلِ دَيِّنًا فَاضِلًا، وَظَاهِرُهُ: يَلْزَمُهُ سَتْرُ الشَّرِّ، لَا إِظْهَارُ الْخَيْرِ، لِيُتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ فِي السَّتْرِ اخْتِصَاصُهُ بِأَهْلِ السُّنَّةِ، فَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ، أَوْ مَعْرُوفٌ بِفُجُورٍ، فَيُسَنُّ إِظْهَارُ شَرِّهِ، وَسَتْرُ خَيْرِهِ، وَنَرْجُو لِلْمُحْسِنِ، وَنَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ، وَلَا نَشْهَدُ إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوِ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى الثَّنَاءِ أَوِ الْإِسَاءَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُرَادُ الْأَكْثَرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 فَصْلٌ فِي الْكَفَنِ يَجِبُ كَفَنُ الْمَيِّتِ فِي مَالِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ،   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ فِي الْكَفَنِ] [الْكَفَنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ] فَصْلٌ فِي الْكَفَنِ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْغُسْلِ أَتْبَعَهُ الْكَفَنَ فَقَالَ: (يَجِبُ كَفَنُ الْمَيِّتِ) وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْمَيِّتِ (فِي مَالِهِ) «لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ فِي الْمُحْرِمِ: كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» وَلِأَنَّ حَاجَةَ الْمَيِّتِ مُقَدَّمَةٌ فِي مَالِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ بِدَلِيلِ قَضَاءِ دَيْنِهِ (مُقَدَّمًا عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّ الْمُفْلِسَ يُقَدَّمُ بِالْكُسْوَةِ عَلَى الدَّيْنِ فَكَذَا الْمَيِّتُ، وَلِأَنَّهُ إِذَا قُدِّمَ عَلَى الدَّيْنِ فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ دَيْنُ الرَّهْنِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْوَاجِبُ ثَوْبٌ يَسْتُرُهُ أَوْ أَكْثَرُ، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِتَحْسِينِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، فَيَجِبُ مَلْبُوسُ مِثْلِهِ، جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مَا لَمْ يُوصَ بِدُونِهِ، وَفِي " الْفُصُولِ " إِنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ حَالِهِ كَنَفَقَتِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَنُوطُ وَالطِّيبُ لِعَدَمِ وُجُوبِهِمَا فِي الْحَيَاةِ، وَقِيلَ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ، وَلَا بَأْسَ بِالْمِسْكِ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ أَخْذَ ذَلِكَ مِنَ السَّبِيلِ لَمْ يُجَابُوا، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ قَبُولُهُ، لَكِنْ لَيْسَ لِلْبَقِيَّةِ نَقْلُهُ، وَسَلْبُهُ مِنْ كَفَنِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ، بِخِلَافِ مُبَادَرَتِهِ إِلَى دَفْنِهِ فِي مِلْكِ الْمَيِّتِ لِانْتِقَالِهِ إِلَيْهِمْ، لَكِنْ يُكَرَهُ لَهُمْ، وَلَا يُسْتَرُ بِحَشِيشٍ، وَيُقْضَى دَيْنُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. فَرْعٌ: الْجَدِيدُ أَفْضَلُ فِي الْمَنْصُوصِ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ " إِلَّا أَنْ يُوصِيَ لِغَيْرِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، إِلَّا الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ امْرَأَتِهِ. وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] فَيَتَمَثَّلُ لِقَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْعَتِيقُ غَيْرُ الْبَالِي أَفْضَلُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ حَالَ الْحَيَاةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِقَدْرِ إِرْثِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَنْفَرِدُ بِهِ الْأَبُ، فَإِنْ عُدِمَ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ الْعَالِمِينَ بِحَالِهِ. قَالَ فِي الْفُنُونِ: قَالَ حَنْبَلٌ: بِثَمَنِهِ كَالْمُضْطَرِّ، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ بِهِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا جِبي لَهُ ثَمَنُ كَفَنٍ، فَفَضُلَ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ كَفَّنَهُ وَرَثَتُهُ، صُرِفَ فِي كَفَنٍ آخَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، تُصُدِّقَ بِهِ، وَلَا يَأْخُذُهُ وَرَثَتُهُ فِي الْأَصَحِّ (إِلَّا الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ امْرَأَتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ وَجَبَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدِ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَانَتْ فِي الْحَيَاةِ، أَشْبَهَتِ الْأَجْنَبِيَّةَ، وَدَلِيلُ الِانْقِطَاعِ إباحته أُخْتُهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا، وَقِيلَ: بَلَى، وَحُكِيَ رِوَايَةً؛ وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَرِكَةٌ فَعَلَيْهِ كَفَنُهَا، وَقِيلَ: يُكَفِّنُ الزَّوْجَةَ الذِّمِّيَّةَ أَقَارِبُهَا، فَإِنْ عُدِمُوا أَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْأَصَحُّ لَا، وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَكَفَنُهُ عَلَى مَالِكِهِ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: يُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةٍ مُسْبَلَةٍ بِقَوْلِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِنَّةَ، وَعَكْسُهُ، الْكَفَنُ وَالْمُؤْنَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: مَاتَ إِنْسَانٌ مَعَ جَمَاعَةٍ فِي سَفَرٍ، كَفَّنُوهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَفَّنُوهُ وَرَجَعُوا، فَإِنْ أَبَى الْحَاكِمُ الْإِذْنَ أَوْ تَعَذَّرَ إِذْنُهُ، أَوْ أَمْكَنَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنُوهُ، أَوْ لَمْ يَنْوُوا الرُّجُوعَ، فَوَجْهَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ. يُبْسَطُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ بَعْدَ تَجْمِيرِهَا، ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا مُسْتَلْقِيًا، وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ فِيمَا بَيْنَهَا، وَيُجْعَلُ مِنْهُ فِي قُطْنٍ يُجْعَلُ مِنْهُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ،   [المبدع في شرح المقنع] الثَّالِثَةُ: إِذَا سُرِقَ كَفَنُهُ، كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ ثَانِيًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قُسِّمَتْ، فَإِنْ كَانَتْ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ وَصِيَّته لَمْ يُسْتَرْجَعْ مِنْهَا كَفَنٌ آخَرُ، فَإِنْ أَكَلَهُ سَبُعٌ، فَكَفَنُهُ تَرِكَةٌ. [كَفَنُ الرَّجُلِ] (وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «الْبَسُوا الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَلِأَنَّ حَالَ الْإِحْرَامِ أَكْمَلُ أَحْوَالِ الْحَيِّ؛ وَهُوَ لَا يَلْبَسُ الْمَخِيطَ فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَظَاهِرُهُ: يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْبَيَاضِ مِنْ مُزَعْفَرٍ وَمُعَصْفَرٍ، لِأَمْرِهِ بِالْبَيَاضِ، وَظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " خِلَافُهُ، وأَنَّهُ يُكْرَهُ بِمَا زَادَ كَالْخَمْسَةِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الشَّرْحِ "، وَغَيْرِهِمَا، وَصَحَّحَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، بَلْ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُعَمَّمُ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَيَكُفنُ فِي وَاحِدٍ، وَيَجُوزُ فِي ثَلَاثَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ " يُسْتَحَبُّ أَيْضًا، وَيَكُونُ مِنْ قُطْنٍ، وَقِيلَ: وَكَتَّانٍ (يَبْسُطُ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ) أَوْسَعُهَا وَأَحْسَنُهَا أَعْلَاهَا، ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا دُونَهَا؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْحَيِّ جَعْلُ الظَّاهِرِ أَفْخَرَ ثِيَابِهِ (بَعْدَ تَجْمِيرِهَا) أَيْ: تَبْخِيرِهَا، زَادَ جَمَاعَةٌ: ثَلَاثًا، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ: «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَالَ: إِذَا جَهَّزْتُمُ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوهُ ثَلَاثًا» ، وَلِأَنَّ هَذَا عَادَةُ الْحَيِّ عِنْدَ غُسْلِهِ وَتَجْدِيدِ ثِيَابِهِ، فَكَذَا الْمَيِّتُ، بَعْدَ رَشِّهَا بِمَاءِ وَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِيَعْلُقَ (ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا مُسْتَلْقِيًا) لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِإِدْرَاجِهِ فِيهَا (وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 وَيُشَدُّ فَوْقَهُ خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرَفِ كَالتُّبَّانِ تَجْمَعُ أَلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتَهُ، وَيُجْعَلُ الْبَاقِي عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ وَمَوَاضِعِ سُجُودِهِ، وَإِنْ طَيَّبَ جَمِيعَ بَدَنِهِ كَانَ حَسَنًا، ثُمَّ يُرَدُّ طَرَفُ اللِّفَافَةِ الْعُلْيَا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيُرَدُّ طَرَفُهَا الْآخَرُ فَوْقَهُ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِالثَّانِيَةِ   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ أَخْلَاطٌ مِنْ طِيبٍ مُعَدٍّ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً (فِيمَا بَيْنَهَا) لِأَنَّهُ مَشْرُوعُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ فَوْقَ الْعُلْيَا لِكَرَاهَةِ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ يَجْعَلُ فَوْقَ الْأُولَى حَنُوطًا فَقَطْ، وَقِيلَ: بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ طِيبٌ وَكَافُورٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَذَرُ عَلَى اللَّفَائِفِ شَيْئًا، كَمَا لَا يُوضَعُ عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي يَسْتُرُ النَّعْشَ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَيُجْعَلُ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الْحَنُوطِ (فِي قُطْنٍ يُجْعَلُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ) بِرِفْقٍ، وَيُكْثِرُ ذَلِكَ لِيَرُدَّ مَا يَخْرُجُ عِنْدَ تَحْرِيكِهِ، (وَيَشُدُّ فَوْقَهُ خِرْقَةً مَشْقُوقَةَ الطَّرَفِ كَالتُّبَّانِ) وَهُوَ السَّرَاوِيلُ بِلَا أَكْمَامٍ (تَجْمَعُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتِهِ) بِشَدِّ الْخِرْقَةِ (وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ) فِي الْقُطْنِ (عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ) وَهِيَ عَيْنَاهُ، وَمَنْخِرَاهُ، وَأُذُنَاهُ، وَفَمُهُ؛ لِأَنَّ فِي جَعْلِهَا عَلَى الْمَنَافِذِ مَنْعًا مِنْ دُخُولِ الْهَوَامِّ، وَلِأَنَّهَا تَمْنَعُ سُرْعَةَ الْفَسَادِ إِذَا حَدَثَ حَدَثٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْشَى بِالْقُطْنِ. وِفِي " الْغُنْيَةِ " إِنْ خَافَ حَشَاهُ بِقُطْنٍ وَكَافُورٍ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " إِنْ خَافَ لَا بَأْسَ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَمَوَاضِعِ سُجُودِهِ) وَهِيَ رُكْبَتَاهُ وَيَدَاهُ وَجَبْهَتُهُ، وَأَطْرَافُ قَدَمِهِ تَشْرِيفًا لَهَا، لِكَوْنِهَا مُخْتَصَّةً بِالسُّجُودِ، وَيُطَيِّبُهَا مَعَ مَغَابِنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ طَيَّبَ جَمِيعَ بَدَنِهِ كَانَ حَسَنًا) لِأَنَّ أَنَسًا طُلِيَ بَدَنُهُ بِالْمِسْكِ، وَطُلِيَ ابْنُ عُمَرَ مَيِّتًا بِالْمِسْكِ، وَذَكَرَ السَّامُرِّيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِالصَّنْدَلِ وَالْكَافُورِ لِدَفْعِ الْهَوَامِّ، وَالْمَنْصُوصُ: يُكْرَهُ دَاخِلَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُهَا، وَيُكْرَهُ خَلْطُ زَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ بِحَنُوطٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ لَوْنُهُ عَلَى الْكَفَنِ؛ ولِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ غِذَاءً وَزِينَةً، وَلَا يُعْتَادُ التَّطَيُّبُ بِهِ، وَيُكْرَهُ طَلْيُهُ بِصَبْرٍ لِيُمْسِكَهُ وَبِغَيْرِهِ لِعَدَمِ نَقْلِهِ (ثُمَّ يَرُدُّ طَرَفَ اللِّفَافَةِ الْعُلْيَا) مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ (عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَرُدُّ طَرَفَهَا الْآخَرَ) أَيْ: مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ (فَوْقَهُ) أَيْ: فَوْقَ الطَّرَفِ الْآخَرِ؛ وَهُوَ الْأَيْمَنُ؛ لِئَلَّا يَسْقُطَ عَنْهُ الطَّرَفُ الْأَيْسَرُ إِذَا وُضِعَ عَلَى يَمِينِهِ فِي الْقَبْرِ، وَعَكَسَ صَاحِبُ " الْفُصُولِ "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وَالثَّالِثَةِ كَذَلِكَ، وَيُجْعَلُ مَا عِنْدَ رَأْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يَعْقِدُهَا، وَتُحَلُّ الْعُقَدُ فِي الْقَبْرِ. وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ بِخَمْسَةِ أَثْوَابٍ، إِزَارٍ وَخِمَارٍ وَقَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ. وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ ثَوْبٌ يَسْتُرُهُ جَمِيعَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ: لِأَنَّهُ عَادَةُ لُبْسِ الْحَيِّ مِنْ قَبَاءٍ وَرِدَاءٍ وَنَحْوِهِمَا، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. (ثُمَّ يَفْعَلُ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ كَذَلِكَ) أَيْ كَالْأُولَى، لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهِمَا (وَيَجْعَلُ مَا عِنْدَ رَأْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَ رِجْلَيْهِ) كَالْحَيِّ لِشَرَفِهِ، وَلِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالسَّتْرِ مِنْ رِجْلَيْهِ، وَيُعِيدُ الْفَاضِلَ عَلَى وَجْهِهِ وَرِجْلَيْهِ بَعْدَ جَمْعِهِ، لِيَصِيرَ الْكَفَنُ كَالْكِيسِ فَلَا يَنْتَشِرَ (ثُمَّ يَعْقِدُهَا) إِنْ خَافَ انْتِشَارَهَا (وَتُحَلُّ الْعُقَدُ فِي الْقَبْرِ) «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ لَمَّا أَدْخَلَ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الْقَبْرَ نَزَعَ الْأَخِلَّةَ بِفِيهِ» ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَمُرَةَ نَحْوُهُ، وَلِأَنَّ الْخَوْفَ قَدْ زَالَ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي، وَغَيْرُهُ: وَلَوْ نَسِيَ بَعْدَ تَسْوِيَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ قَرِيبًا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ الْإِزَارَ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا يَخْرِقُ الْكَفَنَ) لِمَا فِيهِ مِنْ إِفْسَادِهِ، وَتَقْبِيحِ الْكَفَنِ الْمَأْمُورِ بِتَحْسِينِهِ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: بِأَنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَجَوَّزَهُ أَبُو الْمَعَالِي مع خَوْفَ نَبْشِهِ. قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: وَلَوْ خِيفَ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ (وَإِنْ كُفِّنَ فِي قَمِيصٍ وَمِئْزَرٍ، وَلِفَافَةٍ، جَازَ) «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَمِيصَهُ لَمَّا مَاتَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إِنَّ الْمَيِّتَ يُؤْزَرُ، وَيُقَمَّصُ، وَيُلَفُّ بِالثَّالِثَةِ، وَهَذَا عَادَةُ الْحَيِّ. وَصَرَّحَ فِي " الشَّرْحِ "؛ وَهُوَ ظَاهِرُ " الْهِدَايَةِ " أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَالْمَنْصُوصُ أَنْ يَكُونَ الْقَمِيصُ بِكُمَّيْنِ، وَدَخَارِيصَ لَا يُزَرُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِلْحَيِّ زَرُّهُ فَوْقَ إِزَارٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ لِلْحَيِّ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ فِي الْعُرْفِ، فَيُؤْزَرُ بِالْمِئْزَرِ، ثُمَّ يُلْبَسُ الْقَمِيصَ، ثُمَّ يُلَفُّ بِاللِّفَافَةِ، وَقِيلَ: بِزِرِّهِ؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ " الْوَجِيزِ "، وَيُجْزِئُ، وَفِيهَا شَيْءٌ. [كَفَنُ الْمَرْأَةِ] (وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ، إِزَارٍ، وَخِمَارٍ، وَقَمِيصٍ، وَلِفَافَتَيْنِ) اسْتِحْبَابًا، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ ضَعْفٌ «عَنْ لَيْلَى الثَّقَفِيَّةِ قَالَتْ: كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا الْحِقْيَ، ثُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الدرع، ثم الْخِمَارَ، ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ، ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ» . قَالَ أَحْمَدُ: الْحِقْيُ: الْإِزَارُ، وَالدِّرْعُ: الْقَمِيصُ، فَعَلَى هَذَا تُؤْزَرُ بِالْمِئْزَرِ، ثُمَّ تَلْبَسُ الْقَمِيصَ، ثُمَّ تُخَمَّرُ بِمُقَنَّعَةٍ، ثُمَّ تُلَفُّ بِاللِّفَافَتَيْنِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الْخَامِسَةَ تَشُدُّ بِهَا فَخِذَيْهَا تَحْتَ الْمِئْزَرِ، وَصَرَحَّ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُنَقَّبُ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَتُكَفَّنُ فِي قَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهَا إِلَى خِمَارٍ فِي حَيَاتِهَا، فَكَذَا فِي مَوْتِهَا، وَكَذَا بِنْتُ تِسْعٍ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ كَالْبَالِغَةِ؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ. فَرْعٌ: الْخُنْثَى كَامْرَأَةٍ (وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ ثَوْبٌ يَسْتُرُهُ جَمِيعَهُ) لِأَنَّ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ يُجْزِئُ فِي سَتْرِهَا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَكَفَنُ الْمَيِّتِ أَوْلَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ ثَلَاثَةٌ، احْتَجَّ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَجِبْ لَمْ يَجُزْ مَعَ وَارِثٍ صَغِيرٍ، وَرَدَّهُ الْمُؤَلِّفُ بِالْكَفَنِ الْحَسَنِ، وَقِيلَ: بِقَدْرِ الثَّلَاثَةِ عَلَى غَيْرِ الدَّيْنِ مِنَ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي. قَالَ: وَإِنْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَثَوْبٌ، وَفِي الزَّائِدِ لِلْكَمَالِ وَجْهَانِ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَصِفَ الْبَشْرَةَ، وَيُكْرَهْ رِقَّةٌ تَحْكِي هَيْئَةَ الْبَدَنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَشَعْرٌ وَصُوفٌ، وَكَذَا مَنْقُوشٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَيَحْرُمُ بِجِلُودٍ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَكَذَا تَكْفِينُهَا بِحَرِيرٍ لِصَبِيٍّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: لَا، وَمِثْلُهُ الْمَذْهَبُ، وَيَجُوزُ لِعَدَمِ تَكْفِينِهِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ حَرِيرٍ لِلضَّرُورَةِ لَا مُطْلَقًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا بَعْضَ ثَوْبٍ سَتَرَ الْعَوْرَةَ كَحَالِ الْحَيَاةِ، وَذَكَرَ السَّامُرِّيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ يَسْتُرُ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ بَاقِيهِ، وَالْبَاقِيَ بِحَشِيشٍ أَوْ وَرَقٍ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: يَحْرُمُ دَفْنُ حُلِيٍّ وَثِيَابٍ غَيْرِ الْكَفَنِ؛ لِأَنَّهُ إِضَاعَةُ مَالٍ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَفْصٍ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ ": لِغَيْرِ حَاجَةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ، وَيُقَدَّمُ إِلَى الْإمَامِ   [المبدع في شرح المقنع] الثَّانِيَةُ: إِذَا أَوْصَى بِدُونِ مَا يَسْتُرُ بَدَنَهُ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِتَكْفِينِهِ فِي ثِيَابٍ ثَمِينَةٍ لَا يَلِيقُ بِهِ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَإِنْ وَصَّى فِي ثَوْبٍ، أَوْ دُونَ مَلْبُوسٍ مِثْلِهِ، جَازَ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ إِجْمَاعًا، وَإِنْ وَصَّى بِثَوْبٍ، وَقُلْنَا: يَجِبُ أَكْثَرُ، فَفِي صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ وَجْهَانِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا مَاتَ جَمَاعَةٌ، وَلَمْ يُوجَدْ سِوَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، جُمِعَ فِيهِ مَا أَمْكَنَ، لِخَبَرِ أَنَسٍ فِي قَتْلَى أُحُدٍ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ شَيْخُنَا: يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ، وَيَسْتُرُ عَوْرَةَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَا يُجْمَعُونَ فِيهِ. الرَّابِعَةُ: إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ كَفَنٌ، وَثَمَّ حَيٌّ يَحْتَاجُهُ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، فَالْأَصَحُّ لَهُ أَخْذُهُ بِثَمَنِهِ، زَادَ الْمَجْدُ: إِنْ خَشِيَ التَّلَفَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُصَلَّى عَلَيْهِ عَادِم فِي أَحَدِ لِفَافَتَيْهِ، وَالْأَشْهُرُ: عُرْيَانًا كَلِفَافَةٍ وَاحِدَةٍ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ بِهَا. [فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ] [مَوْقِفُ الْإِمَامِ مِنَ الْجِنَازَةِ] فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا قَبْلَهُ (السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى رَجُلٍ فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ فَقَامَ وَسَطَهَا، فَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يَقُومُ؟ قَالَ: نَعَمْ» ، وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ عَلَى امْرَأَةٍ، فَقَامَ وَسَطَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، وَعَنْهُ: يَقُومُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَعَنْهُ: عِنْدَ صَدْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَالْخُنْثَى بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِلْمَقَامِ مِنَ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ، وَظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " أَنَّهُمَا كَمَا سَبَقَ، فَلَوْ خَالَفَ الْمَوْضِعَ صَحَّتْ وَلَمْ يُصِبِ السُّنَّةَ، وَيُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ، وَلَمْ يُصَلُّوهَا عَلَى النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ بِإِمَامٍ إِجْمَاعًا احْتِرَامًا لَهُ وَتَعْظِيمًا، وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ بِرَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ كَغُسْلِهِ، وَفِي سُقُوطِهِ بِفِعْلِ خُنْثَيَيْنِ وَجْهَانِ (وَيُقَدَّمُ إِلَى الْإمَامِ) إِذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزَهُمَا (أَفْضَلُهُمْ) لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ يُسْتَحَقُّ بِهَا التَّقْدِيرُ فِي الْإِمَامَةِ، فَكَذَا هُنَا، يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ كَانَ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ يُقَدِّمُ فِي الْقَبْرِ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ قُرْآنًا، وَقِيلَ: الْأَدْيَنُ، وَقِيلَ: الْأَكْبَرُ، نَصَّ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". وَقَالَ الْقَاضِي: يُقَدَّمُ السَّابِقُ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا إِلَّا الْمَرْأَةَ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، كَمَا لَا يُؤَخَّرُ الْمَفْضُولُ فِي صَفِّ الْمَكْتُوبَةِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَقُرْبِ الْإِمَامِ، فَإِنْ تَسَاوُوا قَدَّمَ الْإِمَامُ مَنْ شَاءَ، فَإِنْ تَشَاحُّوا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ مَعَ التَّشَاحِّ فَهَلْ يُقَدَّمُ مَنْ أَحَقُّ بِهَا أَوْ مَنْ مَيِّتُهُ سَبَقَ الْحُضُورَ أَوِ الْمَوْتَ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، وَيُحْتَمَلُ مَنْ سَبَقَ مَيِّتُهُ التَّطْهِيرَ، فَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْحُرِّ، ثُمَّ الْعَبْدِ الْمُكَلَّفِ، ثُمَّ الصَّبِيِّ، ثم الخنثى، ثُمَّ الْمَرْأَةِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، كَالْمَكْتُوبَةِ، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الصَّبِيُّ عَلَى الْعَبْدِ، وَعَنْهُ: عَبْدٌ عَلَى حَرٍّ دُونَهُ، وَعَنْهُ: الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ، كَمَا قَدَّمَهَا الصَّحَابَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو الْوَفَاءِ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَلِحَاجَتِهَا إِلَى الشَّفَاعَةِ، وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ أَمَامَهَا فِي الْمَسِيرِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَيُقَدَّمُ فِي أَوْلِيَاءِ مَوْلًى أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ، ثُمَّ قُرْعَةً، وَلِوَلِيِّ كُلِّ مَيِّتٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 أَفْضَلُهُمْ. وَيُجْعَلَ وَسَطُ الْمَرْأَةِ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُسَوِّي بَيْنَ رُؤوسِهِمْ. فصل وَيُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي   [المبدع في شرح المقنع] مَسْأَلَةٌ: جَمْعُ الْمَوْتَى فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ أَوْ شُقَّ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِالتَّسْوِيَةِ (وَيَجْعَلُ وَسَطَ الْمَرْأَةِ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، لِيَقِفَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْقِفَهُ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُجْعَلُ وَسَطُهَا حِذَاءَ صَدْرِ الرَّجُلِ، وَخُنْثَى بَيْنَهُمَا (وَقَالَ الْقَاضِي: يُسَوِّي بَيْنَ رُؤوسِهِمْ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْكَافِي "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ وَابْنَهَا زَيْدًا تُوُفِّيَا جَمِيعًا، فَصَلَّى عَلَيْهِمَا أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، فَسَوَّى بَيْنَ رُؤوسِهِمَا. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَابِعٌ لَا حُكْمَ لَهَا، وَعَلَيْهِ: يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الرَّجُلِ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِي رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ، يَجْعَلُونَ دَرَجًا، رَأْسُ هَذَا عِنْدَ رِجْلِ هَذَا، وَإِنَّ هَذَا وَالتَّسْوِيَةَ سَوَاءٌ، قَالَ الْخَلَّالُ: وَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ قَوْلُهُ. فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ تَسْوِيَةُ صُفُوفِ الْجِنَازَةِ، وَأَنْ لَا يُنْقِصُهُمْ عَنْ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ، لِخَبَرِ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ إِلَّا غُفِرَ لَهُ» ، وَسَبَقَ حُكْمُ الْفَذِّ، وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى أَنْ لَا يَبْرَحَ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى تَرْتَفِعَ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٍ. [صِفَةُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ] (وَيُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) «لِتَكْبِيرِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ عَلَى النَّجَاشِيِّ أَرْبَعًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاشْتَهَرَتِ الرِّوَايَاتُ بِهِ (يَقْرَأُ فِي الْأَوْلَى الْفَاتِحَةُ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 الثَّانِيَةِ. وَيَدْعُو فِي الثَّالِثَةِ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا،   [المبدع في شرح المقنع] أُمِّ شَرِيكٍ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ أَنْ نَقْرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ، وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَرَأَ بِالْفَاتِحَةِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى» ، وَكَالْمَكْتُوبَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِحُ؛ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّخْفِيفِ، وَعَنْهُ: بِلَى، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ " ثُمَّ يَتَعَوَّذُ لِلْآيَةِ، وَعَنْهُ: لَا، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَفْعَلُهُ، وَنَقَلَ الْفَضْلُ أَنَّهُ أَرْسَلَهُمَا، وَيَبْتَدِئُ الْحَمْدَ بِالْبَسْمَلَةِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا، قَالَ فِي " الْفُصُولِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي مَذْهَبِنَا، وَجَزَمَ فِي " التَّبْصِرَةِ " بِقِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَهَا. قَالَ أَحْمَدُ: يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ سِرًّا، وَلَوْ لَيْلًا، لَا يُقَالُ: ابْنُ عَبَّاسٍ جَهَرَ بِهَا. وَقَالَ: سُنَّةٌ وَحَقٌّ، لِأَجْلِ تَعْلِيمِهِمْ (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الثَّانِيَةِ) سِرًّا، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ: أَنَا مُطْرَفُ بْنُ مَازِنَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ «أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى سِرًّا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ» وَيَكُونُ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي بَعْدَهَا " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيَائِكَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَأَهْلِ طَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ " وَفِي " الْكَافِي " لَا يَتَعَيَّنُ صَلَاةٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ (وَيَدْعُو) لِنَفْسِهِ، وَلِوَالِدَيْهِ، وَالْمَيِّتِ، وَالْمُسْلِمِينَ (فِي الثَّالِثَةِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، إِنَّكَ تَعْلَمُ مُتَقَلَّبَنَا وَمَثْوَانَا، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ فَتَوَفِّهُ عَلَيْهِمَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ. وَافْسَحْ لَهُ قَبْرَهُ، وَنَوِّرْ   [المبدع في شرح المقنع] الدُّعَاءَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ (فَيَقُولَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، إِنَّكَ تَعْلَمُ مُتَقَلَّبَنَا وَمَثْوَانَا، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفِّهِ عَلَيْهَمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ زَادَ ابْنُ مَاجَهْ «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ» وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، لَكِنْ زَادَ فِيهِ الْمُؤَلِّفُ: وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلَفْظُ " السُّنَّةِ " «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يَقُولُ عَلَى جِنَازَةٍ حَتَّى تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَيِّتَ، وَفِيهِ: «وَأَبْدِلْهُ أَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ» ، وَزَادَ الْمُؤَلِّفُ لَفْظَ مِنَ الذُّنُوبِ «وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْمَحَلِّ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً أَنَّثَ الضمير، وَإِنْ كَانَ خُنْثَى قَالَ: هَذَا الْمَيِّتُ وَنَحْوَهُ. تَذْنِيبٌ: " نُزُلَهُ " بِضَمِّ الزَّايِ، وَقَدْ يُسَكَّنُ، " وَمَدْخَلَهُ " بِفَتْحِ الْمِيمِ: مَوْضِعُ الدُّخُولِ، وَبِضَمِّهَا: الْإِدْخَالُ، وَالزَّوْجُ بِغَيْرِ هَاءٍ: لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَقَدْ يُقَالُ لِامْرَأَةِ الرَّجُلِ: زَوْجَةٌ، حَكَاهَا الْخَلِيلُ وَالْجَوْهَرِيُّ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 لَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ، وَفَرَطًا وَأَجْرًا وَشَفِيعًا مُجَابًا، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِهِ بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الْجَحِيمِ، وَيَقِفُ بَعْدَ   [المبدع في شرح المقنع] وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَزَلَ بِكَ، وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَجَازِهِ بِإِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، اللَّهُمَّ إِنَّا جِئْنَا شُفَعَاءَ لَهُ فَشَفِّعْنَا فِيهِ، وَلَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، إِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شَرًّا مِنَ الْمَيِّتِ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، لِلْخَبَرِ، وَلَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ بِالْإِصْبَعِ حَالَ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا) وَعِبَارَةُ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ وَهُوَ أَوْلَى (قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ، وَفَرَطَا، وَأَجْرًا، وَشَفِيعًا مُجَابًا، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِهِ بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الْجَحِيمِ) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «وَالسَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الدُّعَاءِ لَائِقٌ بِحَالِهِ مُنَاسِبٌ لِمَا مَرَّ فِيهِ، فَشُرِعَ كَالِاسْتِغْفَارِ لِلْبَالِغِ، زَادَ جَمَاعَةٌ: سُؤَالَ الْمَغْفِرَةِ لَهُ، وَالْأَشْهَرُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ، هَذَا هُوَ السُّنَّةُ. فَرْعٌ: إِذَا لَمْ يُعْرَفُ إِسْلَامُ وَالِدَيْهِ دَعَا لِمُوَالِيهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ "، وَمُرَادُهُمْ فِيمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ومَاتَ أَنَّهُ كَصَغِيرٍ (وَيَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلًا) لِمَا رَوَى الْجُرْجَانِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَقِفُ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَكُنْتُ أَحْسَبُ هَذِهِ الْوَقْفَةَ لِيُكَبِّرَ آخِرُ الصُّفُوفِ» وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ بَعْدَهَا دُعَاءٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 الرَّابِعَةِ قَلِيلًا. وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ.   [المبدع في شرح المقنع] الْخِرَقِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُهُمُ الْوُقُوفَ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: يَدْعُو فِيهَا كَالثَّالِثَةِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْآجُرِّيُّ، وَالْمَجْدُ فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ "؛ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي أَوْفَى فَعَلَهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فَعَلَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَصْلَحُ مَا رُوِيَ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُخَالِفُهُ، وَلِأَنَّهُ قِيَامٌ فِي جِنَازَةٍ، أَشْبَهَ الَّذِي قَبْلَهُ، فَيَقُولُ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ، وَحَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنِ الْأَكْثَرِ، وَصَحَّ أَنَّ أَنَسًا كَانَ لَا يَدْعُو بِدُعَاءٍ إِلَّا خَتَمَهُ بِهَذَا، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْمَحَلِّ، وَفِي " الْوَسِيلَةِ " رِوَايَةُ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَقَدْ نَصَّ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ؛ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ وَلَا يُسَبِّحُ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ حَرْبٌ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِلَى قَوْلِهِ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ (وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَنْ سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ رَوَى عَطَاءُ بْنُ السائب «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَ عَلَى الْجِنَازَةٍ تَسْلِيمَةً» رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهَا تَسْلِيمَتَيْنِ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ عَنْ يَمِينِهِ أَكْثَرُ مَا رُوِيَ فِيهِ وَهُوَ أَشْبَهُ، وَإِنْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَتَجُوزُ ثَانِيَةٌ، وَاسْتَحَبَّهَا الْقَاضِي، وَذَكَرَهُ الْحُلْوَانِيُّ رِوَايَةً، وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى تَسْلِيمَتَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ، وَقِيلَ: يُسِرُّ وَيُتَابِعُ إِمَامًا فِي الثَّانِيَةِ كَالْقُنُوتِ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ الْقِيَامُ وَالتَّكْبِيرَاتُ وَالْفَاتِحَةُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ وَالسَّلَامُ. صلوا كما رأيتموني أصلي، وَإِنْ كَبَّرَ الْإِمَامُ خَمْسًا، كُبِّرَ   [المبدع في شرح المقنع] رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَعُمَرُ عَمُّ زِيدِ بْنِ ثَابِتٍ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ طَرَفُهَا بِسُجُودٍ وَلَا قُعُودٍ، فَسُنَّ فِيهَا الرَّفْعُ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَحَكَى فِي " الشَّرْحِ " الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُ فِي الْأُولَى، وَصِفَةُ الرَّفْعِ وَانْتِهَاؤُهُ كَمَا سَبَقَ [وَاجِبَاتُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ] (والْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ التَّكْبِيرَاتُ) الْأَرْبَعُ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ «أَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَبَّرَ أَرْبَعًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَوْ نَقَصَ تَكْبِيرَةً عَمْدًا بَطَلَتْ، وَسَهْوًا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ، وَقِيلَ: يُعِيدُهَا لِفِعْلِ أَنَسٍ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَسْتَأْنِفُهَا إِلَّا إِذَا أَطَالَ، أَوْ وَجَدَ مُنَافٍ مِنْ كَلَامٍ أَوْ نَحْوِهِ (والْفَاتِحَةُ) وَلَمْ يُوجِبِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قِرَاءَةً، بَلِ اسْتَحَبَّهَا؛ وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ أَبِي طَالِبٍ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِقَوْلِهِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ» . وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَجِبُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَجِبْ هُنَا (وَأَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ (وَالسَّلَامُ) لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى الْجَنَائِزِ، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدَةٌ، وَعَنْهُ: ثِنْتَانِ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْكَافِي " وهنا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَى، وَالصَّلَاةُ فِي الثَّانِيَةِ، وَالدُّعَاءُ فِي الثَّالِثَةِ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " خِلَافَهُ، وَيُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ، فَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِالذَّكَرِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ جَهِلَهُ، نَوَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَإِنْ نَوَى أَحَدَ الْمَوْتَى اعْتُبِرَ تَعْيِينُهُ، فَإِنْ نَوَى عَلَى رَجُلٍ فَبَانَ امْرَأَةً أَوْ عَكْسَهُ فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُجْزِئُهُ لِقُوَّةِ التَّعْيِينِ عَلَى الصِّفَةِ، وَالْقِيَامُ فِي فَرْضِهَا، لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَجِبُ فِيهَا الْقِيَامُ كَالْمَكْتُوبَةِ، فَلَا تَصِحُّ مِنْ قَاعِدٍ، وَلَا عَلَى رَاحِلَةٍ بِلَا عُذْرٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 بِتَكْبِيرِهِ، وَعَنْهُ: لَا يُتَابَعُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعٍ، وَعَنْهُ: يُتَابَعُ إِلَى سَبْعٍ. وَإِنْ فَاتَهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ تَكَرَّرَتْ إِنْ قِيلَ: الثانية فَرْضٌ. وَالْمُؤَلِّفُ تَرَكَ ذِكْرَهُمَا لِظُهُورِهِمَا، وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ وَالطَّهَارَةُ مِنْ حَدَثٍ وَنَجَسٍ، وَالِاسْتِقْبَالُ وَالسُّتْرَةُ كَمَكْتُوبَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُ الْمَيِّتِ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَحُضُورُ الْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي، وَلَا تَصِحُّ عَلَى جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ فِي الْمَسْبُوقِ، لِأَنَّهَا كَإِمَامٍ، وَلِهَذَا لَا صَلَاةَ بِدُونِ الْمَيِّتِ، وَقَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: قُرْبُهَا مِنَ الْإِمَامِ مَفْصُولَةٌ كَقُرْبِ الْمَأْمُومِ مِنَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الدُّنُوُّ مِنْهَا، وَلَوْ صَلَّى؛ وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ لَمْ يَصِحَّ. (وَإِنْ كَبَّرَ الْإِمَامُ خَمْسًا كُبِّرَ بِتَكْبِيرِهِ) نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ خَمْسًا، وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يُكَبِّرُهَا» ، وَعَنْ حُذَيْفَةَ نَحْوُهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَعَنْهُ لَا يُتَابَعُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعٍ) نَقَلَهَا حَرْبٌ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ، فَلَمْ يَتْبَعْهُ كَالْقُنُوتِ فِي الْأُولَى، وَكَمَا لَوْ زَادَ عَلَى عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَكَمَا لَوْ عَلِمَ، أَوْ ظَنَّ بِدْعَةً، وَأَجَابَ الثَّوْرِيُّ عَمَّا سَبَقَ بِالنَّسْخِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ (وَعَنْهُ: يُتَابَعُ إِلَى سَبْعٍ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَاخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعًا، رَوَاهُ ابْنُ شَاهِينَ، وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: كَانُوا يُكَبِّرُونَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ خَمْسًا، وَسِتًّا، وَسَبْعًا رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ يُتَابِعُ إِمَامَهُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، فَكَذَا هُنَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا. قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَكْثَرُ مَا جَاءَ فِيهِ، وَلَا تَبْطُلُ مُجَاوَزَةُ سَبْعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَبِّحَ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا: تَبْطُلُ مُجَاوَزَةُ أَرْبَعٍ عَمْدًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 شَيْءٌ مِنَ التَّكْبِيرِ قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا، فَإِنْ سَلَّمَ وَلَمْ   [المبدع في شرح المقنع] وَبِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ لَا يُتَابَعُ فِيهَا، وَفِي " الْخِلَافِ " قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِسَالَةِ مُسَدَّدٍ: خَالَفَنِي الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا فَقَالَ: إِذَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ تُعَادُ الصَّلَاةُ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ النَّجَاشِيِّ، قَالَ أَحْمَدُ: وَالْحُجَّةُ لَهُ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى أَرْبَعٍ تَدُلُّ عَلَى الْفَضِيلَةِ، وَغَيْرَهَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، فَتَتَعَيَّنُ الْمُتَابَعَةُ، وَإِذَا لَمْ يُتَابَعْ فِي الزِّيَادَةِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ السَّلَامُ قَبْلَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهًا: يَنْوِي مُفَارَقَتَهُ وَيُسَلِّمُ، كَمَا لَوْ قَامَ إِلَى خَامِسَةٍ، وَعَجِبَ أَحْمَدُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ مَا وَرَدَ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَبِّرْ مَا كَبَّرَ إِمَامُكَ. تَنْبِيهٌ: الْمُنْفَرِدُ كَإِمَامٍ فِي زِيَادَةٍ، وَلَوْ كَبَّرَ فَجِيءَ بِثَانِيَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَكَبَّرَ الْإِمَامُ، وَنَوَاهُمَا، جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، إِذَا بَقِيَ مِنْ تَكْبِيرِهِ أَرْبَعٌ، فَيَقْرَأُ فِي الْخَامِسَةِ، وَيُصَلِّي [عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] فِي السَّادِسَةِ، وَيَدْعُو فِي السَّابِعَةِ، وَلَوْ جِيءَ بِخَامِسَةٍ لَمْ يُكَبِّرْ عَلَيْهَا الْخَامِسَةَ لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى زِيَادَةِ التَّكْبِيرِ عَلَى سَبْعٍ، أَوْ نُقْصَانِ الْخَامِسَةِ مِنْ أَرْبَعٍ، وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ، فَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ الْجِنَازَةِ الْأُولَى رَفَعَهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَسْبُوقِ إِذَا حَضَرَ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ أَنْ يُحْرِمَ وَيَدْخُلَ مَعَهُ كَالصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ كَرَكْعَةٍ، فَلَا يَشْتَغِلُ بِقَضَائِهَا، وَرَدَّهُ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ اشْتِغَالًا بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، وَإِنَّمَا يُصَلِّي مَعَهُ مَا أَدْرَكَهُ، وَخَيَّرَهُ فِي " الْفُصُولِ " كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ فَمَسْأَلَتُهَا: إِنْ شَرَعَ بَعْدَ ذِكْرٍ كَبَّرَ وَتَبِعَهُ [وَإِنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّكْبِيرِ فِي الْجِنَازَةِ] (وَإِنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّكْبِيرِ، قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ) قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَحَلُّ الْأَدَاءِ، كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَالْمَقْضِيُّ أَوَّلُ صَلَاتِهِ يَأْتِي فِيهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ هُنَا، فَيَأْتِي بِالْقِرَاءَةِ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ، وَهَذَا ظَاهِرُ " التَّلْخِيصِ " لَكِنْ إِذَا خَشِيَ رَفْعَهَا تَابَعَ، رُفِعَتْ أَمْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 يَقْضِهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ، صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَحَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يَقْضِي، فَإِنْ كَبَّرَ سَابِعًا فَلَا بَأْسَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ: إِنْ رُفِعَتْ قَبْلَ إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ قَضَاهُ سَابِعًا لِعَدَمِ مَنْ يُدْعَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُرْفَعْ قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ (فَإِنَّ سَلَّمَ) مَعَ الْإِمَامِ (وَلَمْ يَقْضِهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ لِعَائِشَةَ «مَا فَاتَكِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْكِ» وَلِأَنَّهَا تَكْبِيرَاتٌ حَالَ الْقِيَامِ، فَلَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا، كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْآجُرِّيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَحَكَاهُ عَنْ شَيْخِهِ لِقَوْلِهِ: «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» . أَصْلٌ: إِذَا صَلَّى لَمْ يُصَلِّ ثَانِيًا، كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ رَدُّ السَّلَامِ ثَانِيًا، ذَكْرَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُنْتَخَبِ " نصا كَالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي، اخْتَارَهُ فِي " الْفُنُونِ " وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْمَجْدُ: يُصَلِّي تَبَعًا، وَإِلَّا فَلَا إِجْمَاعًا كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بَلْ يُسْتَحَبُّ، كَصَلَاتِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ بِلَا إِذْنِ وَالٍ حَاضِرٍ أَوْ وَلِيٍّ بَعْدَهُ حَاضِرٍ، وَإِنَّمَا تُعَادُ تَبَعًا، وَمَتَّى رُفِعَتْ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ تُوضَعْ لِأَحَدٍ، وَيُبَادَرُ إِلَى دَفْنِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إِلَّا أَنْ يُرْجَى مَجِيءُ الْوَلِيِّ فَيُؤَخَّرَ، إِلَّا أَنْ يَخَافَ تَغَيُّرَهُ. [فَاتَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَى شَهْرٍ] (وَمَنْ فَاتَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَى شَهْرٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ» ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَائِبٌ، فَلَمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 شَهْرٍ. وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الْبَلَدِ، لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. قَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ مَا سَمِعْتُ هَذَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَيُقَيِّدُ بِهِ، قِيلَ: مِنْ دَفْنِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقِيلَ: مِنْ مَوْتِهِ، وَيَحْرُمُ بَعْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْخِلَافِ ": أَجَابَ أَبُو بَكْرٍ فِيمَا سَأَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ قَوْلِ الرَّاوِي: بَعْدَ شَهْرٍ، يُرِيدُ شَهْرًا، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ، أَرَادَ الْحِينَ، لَكِنْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفِ وَابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ زِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ شَهْرٍ» قَالَ الْقَاضِي: كَالْيَوْمَيْنِ، وَقِيلَ: إِلَى سَنَةٍ مَا لَمْ يَبْلَ، فَإِنْ شَكَّ فِي بَقَائِهِ فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا يَوْمَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ عَلَى قَبْرِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ لِئَلَّا يُتَّخَذَ مَسْجِدًا، وَمَنْ شَكَّ فِي الْمُدَّةِ صَلَّى حَتَّى يُعْلَمَ فَرَاغُهَا، وَحُكْمُ الْغَرِيقِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُدْفَنْ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ مَضَى أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " بِالشَّهْرِ. [الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ] (وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّيَّةِ) كَالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ، وَغَيْرِهِ، وَلَا مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَغَيْرِهَا، فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِهَا. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حُضُورَ الْجِنَازَةِ شَرْطٌ كَمَا لَوْ كَانَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ ـ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ فَصَفَّ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لَا يُقَالُ: لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَذْهَبِكُمْ، فَإِنَّكُمْ تَمْنَعُونَ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَرِيقِ وَالْأَسِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ يَبْعُدُ مَا ذَكَرْتُمْ، فَإِنَّ النَّجَاشِيَّ مَلِكُ الْحَبَشَةِ، وَقَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، فَيَبْعُدُ أَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَمُدَّتُهُ كَمُدَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 بِالنِّيَّةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى الْغَالِّ من الغنيمة، وَلَا على مَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الصَلَاةِ على الْقَبْرِ، وَيُعْتَبَرُ انْفِصَالُ مَكَانِهِ عَنِ الْبَلَدِ بِمَا يُعَدُّ الذِّهَابُ إِلَيْهِ نَوْعُ سَفَرٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَكْفِي خَمْسُونَ خُطْوَةً. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَقْرَبُ الْحُدُودِ مَا تَجِبُ فِيهِ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّهُ إِذْنٌ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ فِي الْبَلَدِ، فَلَا يُعَدُّ غَائِبًا عَنْهَا، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَقْتِ نَهْيٍ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الْبَلَدِ، لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ حُضُورُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَا فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، كَالْعِيدِ وَلِلْمَشَقَّةِ. مَسَائِلُ: مِنْهَا: إِذَا صَلَّي عَلَى غَائِبٍ، ثُمَّ حُضِرَ بِهِ، اسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلّى عَلَيْهِ ثَانِيًا، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، فَيُعَايَا بِهَا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُصَلَّى كُلَّ يَوْمٍ عَلَى كُلِّ غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَمِنْهَا: الصَّلَاةُ عَلَى مُسْتَحِيلٍ بِإِحْرَاقٍ، وَأَكِيلِ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ، وَجْهَانِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": الْأَظْهَرُ الْمَنْعُ، لِاسْتِحَالَتِهِ، بِخِلَافِ الْغَرِيقِ فِي اللُّجَّةِ. قَالَ فِي " الْفُصُولِ ": فَأَمَّا إِنْ حَصَلَ فِي بَطْنِ سَبُعٍ، لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ مَعَ مُشَاهَدَةِ السَّبُعِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ فِي تَابُوتٍ مُغَطَّى، وَقِيلَ: إِنْ أَمْكَنَ كَشْفُهُ عَادَةً، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَصِحُّ كَالْمُكِبَّةِ. [لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى الْغَالِّ] (وَلَا يُصَلِّي الْإِمَامُ) أَيِ: الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَاخْتَارَهُ " الْخَلَّالُ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَقِيلَ: أَوْ نَائِبُهُ، وَإِمَامُ قَرْيَةٍ، وَهُوَ وَالِيهَا فِي الْقَضَاءِ، نَقَلَهُ حَرْبٌ (عَلَى الْغَالِّ مِنَ الْغَنِيمَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ـ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ امْتَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْقَوْمِ، فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادِ حسن مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 قَتَلَ نَفْسَهُ. وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ، غُسِّلَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا يُصَلَّى عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] خَالِدٍ؛ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (وَلَا عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ) عَمْدًا فِي الْأَصَحِّ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «قَالَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ: أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ» وَهُوَ سَهْمٌ لَهُ نَصْلٌ عَرِيضٌ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَحُكِيَ رِوَايَةً. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ فِي هَجْرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُسَّاقِ، فيجيء الخلاف، فلا يصلي أهل الفضل على الفساق؛ لِأَنَّ فِي امْتِنَاعِ الْإِمَامِ رَدْعًا وَزَجْرًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِمَا غَيْرُ الْإِمَامِ، قَالَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَيُصَلِّي عَلَى كُلِّ عَاصٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى الْغَالِّ وَقَاتِلِ نَفْسِهِ، وَيَلْحَقُ بِهِمَا صَاحِبُ بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ، وَعَنْهُ: وَلَا يُصَلِّي عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ، جَزَمَ به فِي " التَّرْغِيبِ "، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي كُلِّ مَنْ مَاتَ عَنْ مَعْصِيَةٍ ظَاهِرَةٍ بِلَا تَوْبَةٍ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَعَنْهُ، وَلَا عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ، وَلَا عَلَى مَدِينٍ، وَعَنْهُ: يُصَلّى عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، كَمَا يُصَلِّي غَيْرُهُ حَتَّى عَلَى بَاغٍ وَمُحَارِبٍ. [وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ] (وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ) تَحْقِيقًا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ (غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ أَبَا أَيُّوبَ صَلَّى عَلَى رِجْلٍ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَصَلَّى عُمَرُ عَلَى عِظَامٍ بِالشَّامِ، وَصَلَّى أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى رُءُوسٍ بَعْدَ تَغْسِيلِهَا وَتَكْفِينِهَا، رَوَاهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَلْقَى طَائِرٌ يَدًا بِمَكَّةَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ عُرِفَتْ بِالْخَاتَمِ، وَكَانَتْ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا أَهْلُ مَكَّةَ، وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ غَيْرُ شَعْرٍ وَظُفْرٍ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِ، وَكَذَا سَنَّ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ: يُلَفُّ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 الْجَوَارِحِ، وَإِنِ اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِمَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، صَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ، يَنْوِي مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ   [المبدع في شرح المقنع] شَيْءٍ بَعْدَ تَطْهِيرِهِ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وُجُوبًا إِنْ لَمْ يَكُنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا كَغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَقِيلَ: يَنْوِي الْجُمْلَةَ إِذَا صَلَّى، ثُمَّ وَجَدَ الْأَكْثَرَ، فَفِي الْوُجُوبِ احْتِمَالَانِ، وَإِنْ تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ جَعَلَا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ (وَعَنْهُ: لَا يُصَلَّى عَلَى الْجَوَارِحِ) الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا، كَمَا لَوْ بَانَ فِي حَيٍّ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلِئَلَّا تَتَكَرَّرَ الصَّلَاةُ، فَمَتَى وُجِدَ الْأَكْثَرُ صَلَّى عَلَيْهِ، وَهَلْ يُنْبَشُ لِيُدْفَنَ مَعَهُ، أَمْ بِجَنْبِهِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا بَانَ مِنْ حَيٍّ كَيَدِ سَارِقٍ انْفَصَلَ فِي وَقْتٍ لَوْ وُجِدَتْ فِيهِ الْجُمْلَةُ، لَمْ يَغُسَّلْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: يُصَلَّى عَلَيْهِمَا إِنِ احْتَمَلَ مَوْتَهُ (وَإِنِ اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ) كَمُسْلِمٍ (وَمَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) كَكَافِرٍ (صَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ) لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاجِبَةٌ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنِ الْعُهْدَةِ إِلَّا بِذَلِكَ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ الْجَمِيعُ، وَيُكَفَّنُونَ، سَوَاءً كَانَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ أَكْثَرَ أَمْ لَا، وَسَوَاءً فِي ذَلِكَ دَارُ الْحَرْبِ وَغَيْرُهَا، وَعَنْهُ: إِذَا اشْتَبَهُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا. (يَنْوِي مَنْ يُصَلّى عَلَيْهِ) أَيْ: يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْكَافِرِ لَا تَجُوزُ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنْ أَمْكَنَ عَزْلُهُمْ، وَإِلَّا دُفِنُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَهُ أَحْمَدُ. مَسْأَلَةٌ: يُصَلَّى عَلَى الْمُسْلِمَةِ الْحَامِلَةِ دُونَ حَمْلِهَا قَبْلَ مُضِيِّ تَصْوِيرِهِ، وَعَلَيْهِمَا مَعًا بَعْدَهُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَى أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حُكْمَ آبَائِهِمْ إِلَّا مَنْ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ مِنْهُمْ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. [الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ] (وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ) قَالَ الْآجُرِّيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهَا فِيهِ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ «صَلَّى النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُ النِّسَاءِ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَصُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِيهِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ، فَلَمْ تُكْرَهْ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَقِيلَ: هُوَ أَفْضَلُ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَخَيَّرَهُ أَحْمَدُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ تَلْوِيثُهُ، لَمْ يَجُزْ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى الْكَرَاهَةِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ انْفِجَارُهُ فِيهِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ صَالِحًا فِيهِ ضَعْفٌ، وَبِأَنَّ احْتِمَالَ انْفِجَارِهِ نَادِرٌ، ثُمَّ هُوَ عَادَةٌ بِعَلَامَةٍ، فَمَتَى ظَهَرَتْ كُرِهَ إِدْخَالُهُ الْمَسْجِدَ (وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُ النِّسَاءِ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ عَائِشَةَ أَمَرَتْ أَنْ يُؤْتَى بِأُمِّ سَعْدٍ، وَكَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الرِّجَالِ وُجُوبًا ضَرُورَةَ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْفَرْضِ وَيَسْقُطُ بِهِنَّ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ. وَتُسَنُّ لَهُنَّ جَمَاعَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَتَقِفُ إِمَامَتُهُنَّ وَسَطًا لِمَكْتُوبَةٍ، وَيَقْدُمُ مِنْهُنَّ مَنْ يَقْدُمُ مِنَ الرِّجَالِ حَتَّى قَاضِيهِ وَوَالِيِّهِ، وَكَرِهَ ابْنُ عَقِيلٍ لِسُرْعَانِ الِاجْتِهَادِ، وَقِيلَ: فُرَادَى أَفْضَلُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، كَصَلَاتِهِنَّ بَعْدَ رِجَالٍ فِي وَجْهٍ. فَائِدَةٌ: يَحْصُلُ لَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا قِيرَاطٌ؛ وَهُوَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ قِيرَاطٌ بِنِسْبَتِهِ مِنْ أَجْرِ صَاحِبِ الْمُصِيبَةِ، وَلَهُ بِتَمَامِ دَفْنِهَا آخَرُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهًا أَنَّ الثَّانِيَ بِوَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ، وَقِيلَ: إِذَا سُتِرَ بِاللَّبِنِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ لِلثَّانِي أَنْ لَا يُفَارِقَهَا مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى تُدْفَنَ، أَمْ يَكْفِيَ حُضُورُ دَفْنِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَلَا تُحْمَلُ الْجِنَازَةُ إِلَى مَكَانِهِ وَمَحَلِّهِ لِيُصَلَّى عَلَيْهَا، فَهِيَ كَالْإِمَامِ يُقْصَدُ وَلَا يَقْصِدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْمَيِّتِ يُسْتَحَبُّ التَّرْبِيعُ فِي حَمْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ السَّرِيرِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةَ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُؤَخَّرَةِ، ثُمَّ يضع قائمة الْيُمْنَى الْمُقَدَّمَةِ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُؤَخَّرَةِ، وَإِنْ حَمَلَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَحَسَنٌ.   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْمَيِّتِ] [كَيْفِيَّةُ حَمْلِ الْمَيِّتِ] فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَا يَخْتَصُّ كَوْنُ فَاعِلِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، فَيَسْقُطُ بِكَافِرٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا تَلْقِينُهُ وَدَفْنُهُ وِفَاقًا لِعَدَمِ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ (يُسْتَحَبُّ) أَنْ يَحْمِلَهُ أَرْبَعَةٌ، لِأَنَّهُ يُسَنُّ (التَّرْبِيعُ فِي حَمْلِهِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلْيَحْمِلْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا، فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ فَلْيَتَطَوَّعْ، وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ. إِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، لَكِنْ كَرِهَهُ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ إِذَا ازْدَحَمُوا عَلَيْهَا (وَهُوَ أَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ السَّرِيرِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةَ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُؤَخَّرَةِ، ثُمَّ يَضَعُ قَائِمَةَ الْيُمْنَى الْمُقَدَّمَةَ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُؤَخَّرَةِ) هَذَا صِفَةُ التَّرْبِيعِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ، فَبُدِئَ فِيهِ بِالْمُقَدَّمَةِ، وَعَنْهُ: يَنْتَقِلُ مِنْ رِجْلِ السَّرِيرِ الْيُمْنَى إِلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَخْتِمُ بِرَأْسِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ (وَإِنْ حَمَلَ) كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى عَاتِقِهِ (بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَحَسَنٌ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْ سَعْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا، وَيَكُونُ الْمُشَاةُ أَمَامَهَا، وَالرُّكْبَانُ خَلْفَهَا. وَلَا يَجْلِسُ من   [المبدع في شرح المقنع] فَعَلُوا ذَلِكَ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، حَكَاهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُهَا، وَلَيْسَ بِأَفْضَلَ مِنَ التَّرْبِيعِ، وَعَنْهُ: هُمَا سَوَاءٌ، وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ حَمْلِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ حُمِلَتْ بِالتَّابُوتِ، وَالرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ طِفْلًا فَلَا بَأْسَ بِحَمْلِهِ عَلَى الْأَيْدِي. صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى نَعْشٍ كَمَا قَدَّمْنَا، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً اسْتُحِبَّ سَتْرُ نَعْشِهَا بِمَكَبَّةٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، وَرُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ صُنِعَ لَهَا ذَلِكَ بِأَمْرِهَا، وَمَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنِ اتُّخِذَ ذَلِكَ لَهُ زَيْنَبُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ وَفَاتَهَا كَانَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَيُجْعَلُ فَوْقَ الْمَكَبَّةِ ثَوْبٌ، وَكَذَا إِنْ كَانَ بِهِ حَدَبٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْهَرُ بِالْمُثْلَةِ، وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِهِ عَلَى دَابَّةٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَبُعْدِ قَبْرِهِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يَحْرُمُ حَمْلُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ يَخَافُ مَعَهَا سُقُوطُهَا. [الْإِسْرَاعُ بِالْجِنَازَةِ] (وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا) لِقَوْلِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً، فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ دُونَ الْخَبَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، زَادَ فِي " الْمُذْهَبِ ": وَفَوْقَ السَّعْيِ، وَفِي " الْكَافِي " لَا يُفْرِطُ فِي الْإِسْرَاعِ فَيَمْخَضُهَا وَيُؤْذِي مُتَّبِعَهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنِ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ، وَلَكِنْ يُرَاعِي الْحَاجَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ أَسْرَعَ (وَيَكُونُ الْمُشَاةُ أَمَامَهَا) نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ [كَانُوا] يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، وَرَوَاهُ أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ، وَالشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ الْمَشْفُوعَ لَهُ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ حَيْثُ شَاءَ، وَفِي " الْكَافِي " حَيْثُ مَشَى قَرِيبًا مِنْهَا فَحَسَنٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 تَّبِعُهَا حَتَّى تُوضَعَ، وَإِنْ جَاءَتْ وَهُوَ جَالِسٌ لَمْ يَقُمْ لَهَا وَيَدْخُلُ قَبْرَهُ مِنْ عِنْدِ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: خَلْفَهَا أَفْضَلُ لِأَنَّهَا مَتْبُوعَةً (وَالرُّكْبَانُ خَلْفَهَا) لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا: «الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّ سَيْرَهُ أَمَامَهَا يُؤْذِي مُتَّبِعَهَا، وَقَالَ الْمَجْدُ: يُكْرَهُ أَمَامَهَا، وَفِي رَاكِبِ سَفِينَةٍ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ كَرَاكِبٍ أَوْ كَمَاشٍ، وَأنَّ عَلَيْهِمَا يَنْبَنِي دَوَرَانُهُ فِي الصَّلَاةِ. وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ اتِّبَاعُهَا، وَحَرَّمَهُ الْآجُرِّيُّ فِي الشَّابَّةِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُمْنَعْنَ مِنَ اتِّبَاعِهَا؛ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَبَاحَهُ قَوْمٌ لِقَرَابَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: هُوَ بِدْعَةٌ، وَيَجِبُ طَرْدُهُنَّ، فَإِنْ رَجَعْنَ، وَإِلَّا رَجَعَ الرِّجَالُ بَعْدَ أَنْ يُحْثُوا فِي وُجُوهِهِنَّ التُّرَابَ، وَكَذَا يُكْرَهُ لِمُتَّبِعِهَا الضَّحِكُ وَالتَّبَسُّمُ وَالتَّحَدُّثُ بِأَمْرِ الدُّنْيَا، وَأَنْ تُوضَعَ عَلَيْهَا الْأَيْدِي، وَأَنْ يُقَالَ حَالَ الْمَشْيِ مَعَهَا: اللَّهُمَّ سَلِّمْ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاسْتَغْفِرُوا لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْكُتُوا، أَوْ يَذْكُرُوا اللَّهَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: خُفْيَةً. فَرْعٌ: يُكْرَهُ الرُّكُوبُ لِمَنْ تَبِعَهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ وَكَعَوْدِهِ، وَتَقَدُّمُهَا إِلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ لَا إِلَى الْمَقْبَرَةِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ مَعَهَا مُنْكَرٌ وَقَدَرَ عَلَى إِزَالَتِهِ تَبِعَهَا وَأَزَالَهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتْبَعَهَا، وَعَنْهُ: بَلْ وَيُنْكِرُهُ بِحَسَبِهِ، وَمَنْ كَانَ حُضُورُهُ يُزِيلُ الْمُنْكَرَ، لَزِمَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، كَحُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَيُعَايَا بِهَا. (وَلَا يَجْلِسُ مَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَعَ) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ: «مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَا يَجْلِسُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 رِجْلِ الْقَبْرِ. إِنْ كَانَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ. وَلَا يُسْجَى الْقَبْرُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِامْرَأَةٍ، وَيُلْحَدُ   [المبدع في شرح المقنع] حَتَّى تُوضَعَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا وَضْعُهَا عَلَى الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْهُ: لِلصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: فِي اللَّحْدِ، لِاخْتِلَافِ الْخَبَرِ، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ وَضْعِهَا كَمَنْ بَعُدَ (وَإِنْ جَاءَتْ وَهُوَ جَالِسٌ لَمْ يَقُمْ لَهَا) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ ثُمَّ قَعَدَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ عَلِيٌّ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ أَمَرَ بِالْقِيَامِ، ثُمَّ جَلَسَ، وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَكَذَا إِذَا مَرَّتْ بِهِ، وَعَنْهُ: الْقِيَامُ وَتَرْكَهُ سَوَاءٌ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِأَمْرِهِ بِذَلِكَ، وَعَنْهُ: حَتَّى تَغِيبَ أَوْ تُوضَعُ، فَيَقُومُ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلَيْهِ حِينَ رُؤْيَتِهَا، لِلْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ: لَوْ كَانَتْ جِنَازَةُ كَافِرٍ، لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْأَصَحُّ الْكَرَاهَةُ، إِذْ دَلِيلُهُ نَاسِخٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ [صِفَةُ دَفْنِ الْمَيِّتِ] (وَيَدْخُلُ قَبْرَهُ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ) أَيْ: مِنْ شَرْقِهِ ثُمَّ يُسِلُّهُ سَلًّا، لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ سَلًّا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ أَدْخَلَ الْحَارِثَ قَبْرَهُ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ، وقال: هَذَا مِنَ السُّنَّةِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ مُوَجِّهٍ بَلْ دُخُولٍ، وَدُخُولُ الرَّأْسِ أَوْلَى، كَعَادَةِ الْحَيِّ، لِكَوْنِهِ يَجْمَعُ الْأَعْضَاءَ الشَّرِيفَةَ، وَلِهَذَا يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَبْدَأُ بِهِ فِي حَمْلِهِ (إِنْ كَانَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ) كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْمَجْدُ؛ لِأَنَّ فِي ضِدِّهَا ضَرَرًا وَمَشَقَّةً؛ وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فِي " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَظَاهِرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] كَلَامِهِ أَنَّهُ يُدْخِلُهُ مُعْتَرِضًا مِنْ قِبْلَتِهِ إِذَا لَمْ يَسْهُلْ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَخَرَجَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِإِدْخَالِ رِجْلِهِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيمَنْ يَدْخُلُهُ، بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَسَائِرِ أُمُورِهِ، وَقِيلَ: الْوِتْرُ أَفْضَلُ، وَأَنَّهُ لَا حَدَّ لِعُمْقِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ «احْفُرُوا، وَأَعْمِقُوا، وَأَحْسِنُوا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ: يُعَمَّقُ إِلَى الصَّدْرِ، وَقَدَّرَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا بِقَامَةٍ وَبَسْطَةٍ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ نَصًّا، وَالْبَسْطَةُ: الْبَاعُ، وَجَعَلَهُمَا فِي " الْوَسِيلَةِ " أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَنِصْفًا نَصًّا، وَبِالْجُمْلَةِ يَكْفِي مَا يَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسِّبَاعَ، وَلَا يَجُوزُ جَعْلُهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَمَوْضِعُ فَوْقَهُ خَشَبًا لَا فِي تُرَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، كَمَا لَا يَجُوزُ سَتْرُهُ إِلَّا بِالثِّيَابِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. تَنْبِيهٌ: الْأَحَقُّ بِالتَّلْقِينِ وَالدَّفْنِ أَحَقُّهُمْ بِالْغُسْلِ. وَذَكَرَ الْمَجْدُ وَابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَلَّى دَفْنَ الْمَيِّتِ غَاسِلُهُ، فَيُقَدَّمُ الْوَصِيُّ، ثُمَّ الأقرب فَالْأَقْرَبُ، ثُمَّ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ، ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ، وَالْمَرْأَةُ مَحَارِمُهَا الرِّجَالُ أَوْلَى مِنَ الْأَجَانِبِ، وَمِنْ مَحَارِمِهَا النِّسَاءُ بِدَفْنِهَا، وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى مَحَارِمِهَا الرِّجَالِ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ عُدِمَا، فَالرِّجَالُ الْأَجَانِبُ أَوْلَى فِي الْمَشْهُورِ، وَعَنْهُ: نِسَاءُ مَحَارِمِهَا، قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَوْلَى، وَشَرْطُهُ عَدَمُ مَحْذُورٍ مِنْ تَكَشُّفِهِنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ الْمَجْدُ: أَوِ اتِّبَاعِهِنَّ الْجِنَازَةَ، وَيُقَدَّمُ مِنَ الرِّجَالِ خَصِّيٌّ، ثُمَّ شَيْخٌ، ثُمَّ أَفْضَلُ دِينًا وَمَعْرِفَةً، وَمِنْ بَعْدِ عَهْدِهِ بِجَمَاعَةٍ أَوْلَى مِمَّنْ قَرُبَ. فَرْعٌ: لَا يُكْرَهُ لِلرِّجَالِ دَفْنُ امْرَأَةٍ مَعَ حُضُورِ مَحْرَمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَحْمِلُهَا مِنَ الْمُغْتَسَلِ إِلَى النَّعْشِ، وَيُسَلِّمُهَا إِلَى مَنْ فِي الْقَبْرِ، وَيَحِلُّ عُقَدَ الْكَفَنِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ "، وَمَتَى كَانَ الْأَوْلَى بِغُسْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 لَهُ لَحْدًا. وَيُنْصَبُ اللَّبِنُ عَلَيْهِ نَصْبًا، وَلَا يُدْخِلُهُ خَشَبًا، وَلَا شَيْئًا مَسَّهُ النَّارُ،   [المبدع في شرح المقنع] الْأَوْلَى بِدَفْنِهِ تَوَلَّاهُمَا بِنَفْسِهِ، ثُمَّ نَائِبُهُ إِنْ شَاءَ (وَلَا يُسْجَى الْقَبْرُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةٍ) فَإِنَّهُ يُسَنُّ تَغْطِيَةُ قَبْرِهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نُعَلِّمُهُ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَرَاهُ الْحَاضِرُونَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ " الْوَجِيزِ " وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً، وَيُكْرَهُ سَتْرُ قَبْرِ الرَّجُلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ وَتَقَدَّمَ بِقَوْمٍ دَفَنُوا مَيِّتًا وَبَسَطُوا عَلَى قَبْرِهِ الثَّوْبَ، فَجَذَبَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا بِالنِّسَاءِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّ كَشْفَهُ أَمْكَنُ وَأَبْعَدُ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ مِنْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُكْرَهْ (وَيُلْحِدُ لَهُ لَحْدًا) لِقَوْلِ سَعْدٍ: الْحِدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا اللَّبِنَ عَلَيَّ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ وَاللَّحْدُ إِذَا بَلَغَ الْحَافِرُ قَرَارَ الْقَبْرِ حَفَرَ فِيهِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ مَكَانًا يُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ؛ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الشَّقِّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ أَنْ يَحْفِرُوا أَرْضَ الْقَبْرِ شَقًّا يَضَعُ فِيهِ الْمَيِّتَ وَيُسْقَفُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَيُكْرَهُ الشَّقُّ بِلَا عُذْرٍ، فَلَوْ تَعَذَّرَ اللَّحْدُ لِكَوْنِ التُّرَابِ يَنْهَارُ يَبْنِيهِ بِلَبِنٍ وَحِجَارَةٍ إِنْ أَمِنَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَشُقُّ إِذَنْ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ الشَّقَّ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ (وَيَنْصِبُ اللَّبِنَ عَلَيْهِ نَصْبًا) لِحَدِيثِ سَعْدٍ، وَإِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ طِنَّ قَصَبٍ جَازَ، لِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ: رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّبِنَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ مَنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَأَبْعَدُ مِنْ أَبْنِيَةِ الدُّنْيَا، وَعَنْهُ: الْقَصَبُ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ، وَابْنُ عَقِيلٍ؛ «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ خَرَّجَ عَلَى قَبْرِهِ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ» ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " هُمَا سَوَاءٌ، وَيُسَدُّ الْخَلَلُ بِمَا يَمْنَعُ التُّرَابَ مِنْ طِينٍ وَغَيْرِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وَيَقُولُ الَّذِي يُدْخِلُهُ الْقَبْرَ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَيَضَعُهُ فِي لَحْدِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَيَحْثِي التُّرَابَ فِي الْقَبْرِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ يُهَالُ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ: وَيَسُدُّ الْفُرْجَةَ بِحَجَرٍ، فَدَلَّ أَنَّ الْبَلَاطَ كَاللَّبِنِ، وَإِنْ كَانَ اللَّبِنُ أَفْضَلَ (وَلَا يَدْخُلُهُ خَشَبًا) بِلَا ضَرُورَةٍ (وَلَا شَيْئًا مَسَّهُ النَّارُ) لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ اللَّبِنَ وَيَكْرَهُونَ الْخَشَبَ وَالْآجُرَّ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِأَهْلِ الدُّنْيَا، وَتَفَاؤُلًا أَنْ لَا تَمَسَّهُ النَّارُ، وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً، أَوْ فِي حَجَرٍ مَنْقُوشٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ يُجْعَلُ فِيهِ حَدِيدٌ، وَلَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ رَخْوَةً أَوْ نَدِيَّةً (وَيَقُولُ الَّذِي يُدْخِلُهُ الْقَبْرَ: «بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ إِذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ قَالَ ذَلِكَ» ، وَفِي لَفْظٍ: وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ رَوَى ذَلِكَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَعَنْهُ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي الْقَبْرِ وَصَاحِبِهِ» ، وَإِنْ قَرَأَ {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] الْآيَةَ، وَأَتَى بِذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ لَائِقٍ عِنْدَ وَضْعِهِ وَإِلْحَادِهِ، فَلَا بَأْسَ لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ (وَيَضَعُهُ فِي لَحْدِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ هَكَذَا دُفِنَ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَالْمُؤَلِّفِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " يَجِبُ دَفْنُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَعِنْدَ صَاحِبِ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِهِ شَيْئًا لِقَوْلِ عُمَرَ: إِذَا جَعَلْتُمُونِي فِي اللَّحْدِ فَأَفْضُوا بِخَدِّي إِلَى الْأَرْضِ. وَاسْتَحَبَّ عَامَّتُهُمْ أَنْ يَجْعَلَ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةً كَالْمِخَدَّةِ لِلْحَيِّ، وَيَجْعَلُ قُدَّامَهُ وَخَلْفَهُ مَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ عَلَى قَفَاهُ أَوْ وَجْهِهِ، وَفِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ " يُدْنِيهِ مِنْ قِبْلَةِ اللَّحْدِ، وَيُسْنَدُ خَلْفَهُ، وَيُكْرَهُ الْمُرَقَّعَةُ وَالْمُضَرَّبَةُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 عَلَيْهِ التُّرَابُ. وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ عَنِ الْأَرْضِ مُسَنَّمًا، وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ. وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَطِيفَةٌ تَحْتَهُ لِكَرَاهَةِ الصَّحَابَةِ؛ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَنَصَّ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا مِنْ عِلَّةٍ فِي الْأَرْضِ، وَعَنْهُ: مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ شُقْرَانَ وَضَعَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَطِيفَةً حَمْرَاءَ، لَكِنْ مِنْ غَيْرِ اتِّفَاقٍ مِنْهُمْ (وَيُحْثِي التُّرَابَ فِي الْقَبْرِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) اسْتِحْبَابًا، لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ حَثَى عَلَى الْمَيِّتِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْيَدِ، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ وَهُوَ شَامِلٌ لِحَاضِرٍ بِهِ، زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ: مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، لِفِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقِيلَ: مَنْ دَنَا مِنْهُ، وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَذَكَرَ ابْنُ مُنَجَّا: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إِذَا حَثَى الْأُولَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] وَفِي الثَّانِيَةِ {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] وَفِي الثَّالِثَةِ {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] (ثُمَّ يُهَالُ) أَيْ: يُصَبُّ (عَلَيْهِ التُّرَابُ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَتْ فَاطِمَةُ لِأَنَسٍ: كَيْفَ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ التُّرَابَ؛ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُزَادَ فِي الْقَبْرِ مِنْ غَيْرِ تُرَابِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِنَهْيِ عُقْبَةَ عَنْهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ فِي " الْفُصُولِ ": إِلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ، وَلَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِهِ بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ وَنَحْوِهِمَا عِنْدَ رَأْسِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ تَرَكَ عِنْدَ قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] صَخْرَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَنَصَّ على استحبابه، واختلف عنه في اللوح، والأشبه أنه لا بأس به بلا كتابة، قاله ابْنُ تَمِيمٍ [أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ بِالْقَبْرِ] (وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ عَنِ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ) لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ رُفِعَ قَبْرُهُ عَنِ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ، رَوَاهُ السَّاجِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِأَنَّهُ يُعْلَمُ أنه قبر فَيُتَّوَقَّى وَيُتَرَحَّمُ عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ فَوْقَ شِبْرٍ؛ لِأَنَّ «فَضَالَةَ أَمَرَ بِقَبْرٍ فَسُوِّيَ، وَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يَأْمُرُ بِذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى تَقْرِيبِهِ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْمَنْعِ عَنْ عُلُوِّهَا الْفَاحِشِ (مُسَنَّمًا) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ مُسَنَّمًا، وَلِأَنَّ التَّسْطِيحَ يُشْبِهُ أَبْنِيَةَ أَهْلِ الدُّنْيَا؛ وَهُوَ شِعَارُ أَهْلِ الْبِدَعِ، فَكَانَ مَكْرُوهًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّسْطِيحُ أَفْضَلُ، وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: وَبَلَغَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ سَطَّحَ قَبْرَ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ» ؛ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَطَّحَ جَوَانِبَهَا وَسَنَّمَ سَطْحَهَا، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا إِذَا دُفِنَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ تَعَذُّرِ نَقْلِهِ، فَالْأَوْلَى تَسْوِيَتُهُ بِالْأَرْضِ وَإِخْفَاؤُهُ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ (وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ) «لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ رَشَّ عَلَى قَبْرِ سَعِيدٍ مَاءً» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ رَشَّ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ الْمَاءَ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ يُلَبِّدُهُ، وَهُوَ آثَارُ الرَّحْمَةِ، وَيُوضَعُ عَلَيْهِ حَصًى صِغَارٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَعُمُّهُ بِهَا لِيَحْفَظَ تُرَابَهُ، وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ مَاءً، وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصًى» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ (وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ) قَالَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ، وَالْبِنَاءُ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ. وَالْجُلُوسُ، وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ، وَالِاتِّكَاءُ إِلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ طُيِّنَ قَبْرُهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةً عَنِ الدَّرْسِ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى طِينٍ فِيهِ تَحْسِينٌ لِلْقَبْرِ وَزِينَةٌ (وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ) وَتَزْوِيقُهُ وَتَحْلِيقُهُ؛ وَهُوَ بِدْعَةٌ (وَالْبِنَاءُ) عَلَيْهِ، أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ. لَاصِقَةً أَوْ لَا، لِقَوْلِ جَابِرٍ «نَهَى النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْقُبَّةِ وَالْبَيْتِ وَالْحَظِيرَةِ فِي مِلْكِهِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَيُكْرَهُ فِي صَحْرَاءٍ لِلضِّيقِ وَالتَّشَبُّهِ بِأَبْنِيَةِ الدُّنْيَا، وَكَرِهَ فِي " الْوَسِيلَةِ " الْبِنَاءَ الْفَاخِرَ كَالْقُبَّةِ، وَظَاهِرُهُ لَا بَأْسَ بِبِنَاءٍ مُلَاصِقٍ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِتَعْلِيمِهِ وَحِفْظِهِ دَائِمًا، فَهُوَ كَالْحَصْبَاءِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْمُعْتَادِ، أَوْ يَخُصُّ مِنْهُ، وَعَنْهُ: مَنْعُ الْبِنَاءِ فِي وَقْفٍ عَامٍّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رَأَيْتُ الْأَئِمَّةَ بِمَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا تَبَقَّى، وَالْمَنْقُولُ هُنَا الْمَنْعُ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ تَمِيمٍ، يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ عَمَّنِ اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَقْبَرَةِ لِغَيْرِهِ، قَالَ: لَا يُدْفَنُ فِيهَا، وَالْمُرَادُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ لِغَيْرِهِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: بِأَنَّهُ يَحْرُمُ حفر قَبْرٌ فِي مُسْبَلَةٍ قَبْلَ الْحَاجَةِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَتُكْرَهُ الْخَيْمَةُ وَالْفُسْطَاطُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَمْرِ ابْنِ عُمَرَ بِإِزَالَتِهِ. وَقَالَ: إِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّ الصَّحْرَاءَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَانَ يَدْفِنُ أَصْحَابَهُ بِالْبَقِيعِ؛ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَسَاكِنِ الْآخِرَةِ، وَأَكْثَرُ لِلدُّعَاءِ لَهُ، وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِ، سِوَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاخْتَارَ صَاحِبَاهُ الدَّفْنَ عِنْدَهُ تَشَرُّفًا وَتَبَرُّكًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْخَرْقَ يُتَّبَعُ، وَالْمَكَانُ ضَيِّقٌ، وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ تَدُلُّ عَلَى دَفْنِهِمْ كَمَا وَقَعَ، ذَكَرَهَا الْمَجْدُ. (وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ) لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «نَهَى أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ تُوطَأَ» (وَالْجُلُوسُ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لِأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ من أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 فصل وَلَا يُدْفَنُ فِيهِ اثْنَانِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَيُجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ   [المبدع في شرح المقنع] (وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْخَلَّالُ مَرْفُوعًا «لِأَنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ أَحَبُّ إِلَيَّ [مِنْ] أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ» ، وَفِي " الْكَافِي " إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى قَبْرِ مَنْ يَزُورُهُ إِلَّا بِالْوَطْءِ جَازَ لِلْحَاجَةِ (وَالِاتِّكَاءُ إِلَيْهِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ رَأَى عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ مُتَّكِئًا عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ: لَا تُؤْذِهِ» . مَسْأَلَةٌ: لَا يَجُوزُ الْإِسْرَاجُ عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا، وَلَا بَيْنَهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَتَعَيَّنُ إِزَالَتُهَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. فَلَوْ وُضِعَ الْمَسْجِدُ وَالْقَبْرُ مَعًا لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَلَا الصَّلَاةُ، قَالَهُ فِي " الْهَدْيِ " وَفِي " الْوَسِيلَةِ ": يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عِنْدَهَا، وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَهَا، وَالْمَشْيُ بِالنَّعْلِ فِيهَا، وَيُسَنُّ خَلْعُهُ إِلَّا خَوْفَ نَجَاسَةٍ أَوْ شَوْكٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. 1 - فَصْلٌ يَسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لَهُ عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ دَفْنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَعَلَهُ أَحْمَدُ جَالِسًا، وَاسْتَحَبَّ الْأَصْحَابُ وُقُوفَهُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ وَالْأَحْنَفُ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: هُوَ بِدْعَةٌ، وَاسْتَحَبَّ الْأَكْثَرُ تَلْقِينَهُ بَعْدَ دَفْنِهِ، لِقَوْلِ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، وَضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، وَحَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ قَبْرِهِ: يَا فُلَانُ قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَا فُلَانُ قُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ، وَدِينِيَ الْإِسْلَامُ، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ. رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، رَوَاهُ ابْنُ شَاهِينَ وَالطَّبَرَانِيُّ. فَيَجْلِسُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَفْعَلُهُ إِلَّا أَهْلُ الشَّامِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَلْقِينُهُ مُبَاحٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَلَا يُكْرَهُ. وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 اثْنَيْنِ حَاجِزٌ مِنَ التُّرَابِ. وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ، نُبِشَ وَأُخِذَ. وَإِنْ كُفِّنَ   [المبدع في شرح المقنع] تَلْقِينِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ، وَسُؤَالِهِ، وَانْتِخَابُهُ النَّقِيَّ قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْإِثْبَاتُ قَوْلُ أَبِي حَكِيمٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدُوسَ عَنِ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلَا يُدْفَنُ فِيهِ اثْنَانِ) أَيْ: يَحْرُمُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ؛ لِأَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ كَانَ يَدْفِنُ كُلَّ مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ، وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ فِعْلُ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عقيل والشيخ تَقِيِّ الدِّينِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي الْمَحَارِمِ، وَقِيلَ: فِيمَنْ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُدْفَنَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ، لَكِنْ إِنْ لَمْ يُبْلَ لَمْ يَجُزْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَلِيَ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَيُعْمَلُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَرْضِ، وَإِنْ حَفَرَ فَوَجَدَ عِظَامَ الْمَيِّتِ دَفَنَهَا، وَحَفَرَ فِي مَكَانٍ آخَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ (إِلَّا لِضَرُورَةٍ) وَكَكَثْرَةِ الْمَوْتَى، وَقِلَّةِ مَنْ يَدْفِنُهُمْ، وَخَوْفِ الْفَسَادِ عَلَيْهِمْ؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ يَوْمَ أُحُدٍ: «ادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ إِلَى الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» حِينَ سَأَلُوهُ مَنْ يُقَدَّمُ فِيهِ؛ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَكَمَا يُقَدَّمُ إِلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ (وَيُجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزٌ مِنَ التُّرَابِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِيَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ فِي قَبْرٍ مُنْفَرِدٍ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: إِنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَا بَأْسَ بِالذَّهَابِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ أَهْلِ الْمَيِّتِ، نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] تَذْنِيبٌ: كَرِهَ أَحْمَدُ الدَّفْنَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَقِيَامِهَا، وَفِي " الْمُغْنِي " لَا يَجُوزُ، وَيَجُوزُ لَيْلًا، ذَكَرَهُ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، حَكَاه ابْنُ هُبَيْرَةَ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ حَكَى فِي " الْإِفْصَاحِ " الْإِجْمَاعَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَأَنَّهُ بِالنَّهَارِ أَمْكَنُ، وَعَنْهُ: لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ. مَسْأَلَةٌ: يُسْتَحَبُّ جَمْعُ الْأَقَارِبِ فِي بُقْعَةٍ لِتَسْهُلَ زِيَارَتُهُمْ، قَرِيبًا مِنَ الشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، لِيَنْتَفِعَ بِمُجَاوَرَتِهِمْ مِنَ الْبِقَاعِ الشَّرِيفَةِ، فَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي مِلْكِهِ دُفِنَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَهُ أَحْمَدُ، كَمَا إِذَا اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ، وَحَمَلَ الْمَجْدُ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إِذَا نَقَصَهَا نَقْصًا لَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ مُتَّجِهٌ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِشِرَاءِ مَوْضِعِ قَبْرِهِ، وَيُوصِي بِدَفْنِهِ فِيهِ، فَعَلَهُ عُثْمَانُ وَعَائِشَةُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: بِشَرْطِ خُرُوجِهِ مِنَ الثُّلُثِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا دُفِنَ فِيهِ مِنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يُجْعَلْ أَوْ يَصِرْ مَقْبَرَةً، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَوْضِعِ الْقَبْرِ مَعَ بَقَاءِ رِمَّتِهِ، وَإِنْ ثَقُلَتْ وَجَبَ رَدُّهَا لِتَعْيِينِهِ لَهَا. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَهُ حَرْثُهَا إِذَا بَلِيَ الْعَظْمُ، وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مُسْبَلَةٍ، قُدِّمَ ثُمَّ يُقْرَعُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ نَحْوَ كَوْنِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ. (وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ) عَادَةً وَعُرْفًا وَإِنْ قَلَّ خَطَرُهُ، قَالَهُ أَصْحَابُنَا، أَوْ رَمَاهُ رَبُّهُ فِيهِ (نُبِشَ وَأُخِذَ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي مِسْحَاةِ الْحَفَّارِ، دَلِيلُهُ مَا رُوِيَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّهُ وَضَعَ خَاتَمَهُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ فَقَالَ: خَاتَمِي، فَدَخَلَ وَأَخَذَهُ. وَلِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ، وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 بِثَوْبِ غَصْبٍ، أَوْ بَلْعِ مَالِ غَيْرِهِ، غُرِّمَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَقِيلَ: يُنْبَشُ وَيُؤْخَذُ   [المبدع في شرح المقنع] ضَرَرَ فِي أَخْذِهِ، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ، إِنْ بُذِلَ لَهُ عِوَضُهُ، فَدَلَّ عَلَى رِوَايَةٍ تَمْنَعُ نَبْشَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَفِي النَّبْشِ ضَرَرٌ. مِنْهَا: مَنْ أَمْكَنَ غُسْلَهُ، وَدُفِنَ قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ يُنْبَشُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ يُتْرَكُ إِنْ خُشِيَ تَفَسُّخُهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ نَقْلُهُ مُطْلَقًا، فَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَاءٍ وَتُرَابٍ. وَمِنْهَا: إِذَا دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يُنْبَشُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِيُوجَدَ شَرْطُ الصَّلَاةِ؛ وَهُوَ عَدَمُ الْحَائِلِ، وَقِيلَ: يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ. وَمِنْهَا: إِذَا دُفِنَ قَبْلَ تَكْفِينِهِ فَإِنَّهُ يُنْبَشُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " كَالْغُسْلِ، وَقِيلَ: لَا، لِسَتْرِهِ بِالتُّرَابِ. وَمِنْهَا: إِبْدَالُ كَفَنِهِ بِأَحْسَنَ مِنْهُ وَخَيْرٍ مِنْ بُقْعَتِهِ وَدَفْنُهُ لِعُذْرٍ بِلَا غُسْلٍ، وَلَا حَنُوطٍ، كَإِفْرَادِهِ، نَصَّ عَلَى الْكُلِّ. وَمِنْهَا: إِذَا دُفِنَ غَيْرَ مُوَجَّهٍ لِلْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ نَبْشُهُ، وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ: يُسْتَحَبُّ. وَمِنْهَا: إِذَا دُفِنَ فِي مَسْجِدٍ، فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى نَبْشِهِ. وَمِنْهَا: إِذَا دُفِنَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلِلْمَالِكِ نَقْلُهُ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ، وَكَرِهَهُ أَبُو الْمَعَالِي لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ. وَمِنْهَا: إِذَا كُفِّنَ الرَّجُلُ فِي حَرِيرٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ نُبِشَ وَأُخِذَ فِي وَجْهٍ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ لَمْ يُنْبَشْ بِحَالٍ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ أَجَزْنَا نَبْشَهُ، فَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ. [كُفِّنَ بِثَوْبِ غَصْبٍ] (وَإِنْ كُفِّنَ بِثَوْبِ غَصْبٍ) لَمْ يُنْبَشْ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ مَعَ إِمْكَانِهِ دَفْعَ الضَّرَرِ بِدُونِهَا، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ قِيمَتُهُ فِي تَرِكَتِهِ. وَقَالَ الْمَجْدُ: يَضْمَنُهُ مَنْ كَفَّنَهُ بِهِ، لِمُبَاشَرَتِهِ الْإِتْلَافَ عَالِمًا، وَإِنْ جَهِلَ، فَالْقَرَارُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 الْكَفَنُ، وَيُشَقُّ جَوْفُهُ فَيَخْرُجُ. وَإِنْ مَاتَتْ حَامِلٌ، لَمْ يُشَقَّ بَطْنُهَا، وَتَسْطُو عَلَيْهِ الْقَوَابِلَ فَيُخْرِجْنَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَحْيَا. وَإِنْ مَاتَتْ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى الْغَاصِبِ، وَلَوْ أَنَّهُ الْمَيِّتُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ نُبِشَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدَّفْنِ أُخِذَ لِتَعْلِقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ (أَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ) بِغَيْرِ إِذْنِهِ (غَرِمَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ) بِطَلَبِ رَبِّهِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَيْنِ يَسْقُطُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ، وَيَنْتَقِلُ إِلَى الْقِيمَةِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا فِي حَيَاتِهِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَبْقَى مَالِيَّتُهُ كَخَاتَمٍ أَوْ غَيْرِهِ، يَسِيرًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْكَثِيرَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِطْلَاقُ غَيْرِهِمْ بِخِلَافِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَتِ الْقِيمَةُ، وَلَمْ يَعْدِلْهَا وَارِثٌ، شُقَّ جَوْفُهُ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ بَلَعَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَيُؤْخَذُ إِذَا بَلِيَ، وَلَا تَعَرُّضَ لَهُ قَبْلَهُ بِحَالٍ، وَلَا يَضْمَنُهُ، وَكَذَا إِذَا بَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ حَيًّا، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: بَلْ يُشَقُّ وَيُؤْخَذُ، وَفِي " الْمُبْهِجِ " تُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ (وَقِيلَ: يُنْبَشُ، وَيُؤْخَذُ الْكَفَنُ، وَيُشَقُّ جَوْفُهُ فَيَخْرُجُ) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، وَ " الرِّعَايَةِ " لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ الْمَيِّتِ مِنْ الْإِثْمِ، وَرَدِّ الْمَالِ إِلَى مَالِكِهِ، وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْوَرَثَةِ بِحِفْظِ التَّرِكَةِ لَهُمْ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ ظَنُّهُ أَنَّهُ مَلَكَهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا اتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ، وَمَاتَ، لَمْ يُقْلَعْ عَنْهُ، وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ ثَمَنَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، أَخَذَهُ إِذَا بَلِيَ، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ فِي الْحَالِ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلرُّجُوعِ حَيَاةُ الْمُفْلِسِ فِي قَوْلٍ، مَعَ أَنَّ فِيهِ هُنَا مُثْلَةٌ. [مَاتَتْ حَامِلٌ هَلْ يُشَقُّ بَطْنُهَا] (وَإِنْ مَاتَتْ حَامِلٌ لَمْ يُشَقَّ بَطْنُهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ وَنَصَرَهُ الْأَكْثَرُ، لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةٍ مُتَيَقِّنَةٍ لِإِبْقَاءِ حَيَاةٍ مَوْهُومَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُ لَوْ خَرَجَ حَيًّا، فَالْغَالِبُ الْمُعْتَادُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ، وَقَدِ احْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (وَتَسْطُو عَلَيْهِ) النِّسَاءُ (الْقَوَابِلُ) فَيُدْخِلْنَ أَيْدِيَهُنَّ فِي رَحِمِ الْمَيِّتِ (فَيُخْرِجْنَهُ) إِذَا طَمِعْنَ فِي حَيَاتِهِ بِأَنْ قَرُبَتِ الْحَرَكَةُ، وَانْفَتَحَتِ الْمَخَارِجُ، قَالَهُ فِي " الْخِلَافِ " وَابْنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 ذِمِّيَّةٌ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ دُفِنَتْ وَحْدَهَا، وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا، وَجَعَلَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمُنَجَّا فِي " شَرْحِهِ "، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ إِذَا احْتُمِلَتْ حَيَاتُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِبْقَاءً لِلْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ مُثْلَةٍ بَائِنَةٍ، فَإِنْ عَجَزْنَ أَوْ عُدِمْنَ، وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ يُشَقُّ بَطْنُهَا، وَالْمَذْهَبُ: لَا، وَعَنْهُ: يَفْعَلُ ذَلِكَ الرِّجَالُ، وَالْمَحَارِمُ أَوْلَى، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْمَجْدُ، كَمُدَاوَاةِ الْحَيِّ، وَالْأَشْهَرُ لَا. فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لَمْ تُدْفَنْ مَا دَامَ حَيًّا، وَلَا يُوضَعْ عَلَيْهَا مَا يُمَوِّتُهُ، فَلَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ حَيًّا شُقَّ حَتَّى يَخْرُجَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِهِ أُخْرِجَ إِنْ أَمْكَنَ، وَغُسِّلَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ غُسِّلَ مَا خَرَجَ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ فِي الْأَشْهَرِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مَعَهَا بِشَرْطِهِ وَإِلَّا عَلَيْهِ دُونَهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَحْيَا) لِأَنَّهُ تَعَارَضَ حَقَّاهُمَا، فَقُدِّمَ حَقُّ الْحَيِّ لِكَوْنِ حُرْمَتِهِ أَوْلَى (وَإِنْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ، دُفِنَتْ وَحْدَهَا) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ، وَدَفْنُ الْمَيِّتِ عِنْدَ مَنْ يُبَايِنُهُ فِي دِينِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: يُدْفَنُ بِجَنْبِ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَنَ مَعَنَا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، لِمَا فِي بَطْنِهَا، وَعِبَارَةُ " الْمُحَرَّرِ " حَامِلٌ بِمُسْلِمٍ؛ وَهِيَ أَوْلَى لِشُمُولِهَا صُوَرًا (وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ) عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَنِينِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، لِأَنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ إِلَى ظَهْرِهَا، وَيَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ دَفَنَهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْلُودًا وَلَا سَقْطًا، وَقِيلَ: يُصَلَّى عَلَيْهِ إِنْ مَضَى زَمَنُ تَصْوِيرِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إِذَا انْفَصَلَ؛ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ] (وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ) وَفِي الْمَقْبَرَةِ (فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، رَوَى أَنَسٌ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ فِيهَا (يس) خُفِّفَ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لَهُ بِقَدْرِهِمْ حَسَنَاتٌ» وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَخَاتِمَتِهَا، وَلِهَذَا رَجَعَ أَحْمَدُ عَنِ الْكَرَاهَةِ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَصْلُهَا أَنَّهُ مَرَّ عَلَى ضَرِيرٍ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرٍ، فَنَهَاهُ عَنْهَا، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي مُبَشِّرِ الْحَلَبِيِّ؛ قَالَ: ثِقَةٌ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مُبَشِّرٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا، وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ أَوْصَى بِذَلِكَ. فَقَالَ أَحْمَدُ عِنْدَ ذَلِكَ: ارْجِعْ فَقُلْ لِلرَّجُلِ يَقْرَأُ. فَلِهَذَا قَالَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ: الْمَذْهَبُ رِوَايَةً وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. لَكِنْ قَالَ السَّامِرِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَعِنْدَ رِجْلِهِ بِخَاتِمَتِهَا. وَالثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ، اخْتَارَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الورَّاقُ، وَأَبُو حَفْصٍ؛ وَهِيَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ لَا يُقْرَأُ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ بَيْتٍ يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» وَعَلَّلَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا مَدْفَنُ النَّجَاسَةِ كَالْحَشِّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: شَدَّدَ أَحْمَدُ حَتَّى قَالَ: لَا تَقْرَأُ فِيهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَنَقَلَ الْمَرْوَذِيُّ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيهِ: يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَا يَقْرَأُ، واخْتَارَ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ يَقْرَأُ إِلَّا عِنْدَ الْقَبْرِ، وَعَنْهُ: إِنَّهَا بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَلَا فِعْلِ أَصْحَابِهِ [مَا يَنْفَعُ الْمَيِّتَ بَعْدَ مَوْتِهِ] (وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا) مِنْ دُعَاءٍ، وَاسْتِغْفَارٍ، وَصَلَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَحَجٍّ، وَقِرَاءَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَجَعَلَ ثَوَابَ ذَلِكَ لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، نَفَعَهُ ذَلِكَ) . قَالَ أَحْمَدُ: الْمَيِّتُ يَصِلُ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ مِصْرَ، وَيَقْرَءُونَ، وَيَهْدُونَ لِمَوْتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَكَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ، حَتَّى لَوْ أَهْدَاهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَازَ، وَوَصَلَ إِلَيْهِ الثَّوَابُ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. وَقَالَ الْأَكْثَرُ: لَا يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَ {لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: 286] وَبِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ ذَلِكَ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْلَحَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُصْلِحُونَ هُمْ طَعَامًا لِلنَّاسِ.   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ عِكْرِمَةُ: هَذَا فِي حَقِّهِمْ خَاصَّةً، بِخِلَافِ شَرْعِنَا، بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، أَوْ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: 21] أَوْ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْكَافِرِ، أَيْ: لَيْسَ لَهُ مِنَ الْجَزَاءِ إِلَّا جَزَاءُ سَعْيِهِ، تَوَفَّاهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ، أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى عَدْلًا، وَلَهُ مَا سَعَى غَيْرُهُ فَضْلًا، أَوْ أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد: 25] وَعَنِ الثَّانِيَةِ: بِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَفْهُومِ، وَمَنْطُوقُ السُّنَّةِ بِخِلَافِهِ، وَعَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عَمَلِ غَيْرِهِ لَا عَمَلِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَفْتَقِرُ أَنْ يَنْوِيَهُ حَالَ الْقِرَاءَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَثَبْتَنِي عَلَى هَذَا، فَاجْعَلْهُ أَوْ مَا يُشَابِهُ لِفُلَانٍ، وَقِيلَ: يَسِيرُ الثَّوَابِ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ لَهُ، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ. وَبَالَغَ الْقَاضِي فَقَالَ: إِذَا صَلَّى فَرْضًا، وَأَهْدَى ثَوَابَهُ صَحَّتِ الْهَدِيَّةُ، وَأَجْزَأَ فَاعِلَهُ، وَفِيهِ بُعْدٌ، فَلَوْ أَهْدَى بَعْضَ الْقُرْبَةِ، فَنَقَلَ الْكَحَّالُ فِي الرَّجُلِ يَعْمَلُ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ مِنَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَيَجْعَلُ نِصْفَهُ لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ قَالَ: أَرْجُو، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ صَاحِبِ " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ ثَوَابَ قُرْبَةٍ لِحَيٍّ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْحَيَّ كَالْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يُعْرَفُ رِوَايَةٌ بِالْفَرْقِ، بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ يَعُمُّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إِنَّمَا ذَكَرَ الْمَيِّتَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَدِلَّةِ فِيهِ، وَحَاجَتُهُ إِلَى الثَّوَابِ أَكْثَرُ، وَأَنَّهُ إِذَا جَعَلَهَا لِغَيْرِ مُسْلِمٍ لَا يَنْفَعُهُ؛ وَهُوَ صَحِيحٌ لِنَصٍّ وَرَدَ فِيهِ. [إِصْلَاحُ الطَّعَامِ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَإِرْسَالِهِ لَهُمْ] (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْلِحَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا يُبْعَثُ إِلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ جَبْرًا، وَالْمَذْهَبُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ (وَلَا يُصْلِحُونَ هُمْ طَعَامًا لِلنَّاسِ) فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، لِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ. وَهَلْ تُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَنْ   [المبدع في شرح المقنع] رَوَى أَحْمَدُ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا نُعِدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَصَنْعَةُ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ. وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. زَادَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِلَّا لِحَاجَةٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي، وَنَقَلَ الْمَرْوَذِيُّ: هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا. فَرْعٌ: يُكْرَهُ الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَالْأَكْلُ مِنْهُ لِخَبَرِ أَنَسٍ: «لَا عُقْرَ فِي الْإِسْلَامِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَفِي مَعْنَاهُ الصَّدَقَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ، وَفِيهِ رِيَاءٌ. [فَصْلٌ: زِيَارَةُ الْقُبُورِ] فَصْلٌ (يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ إِجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ: «فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «زَارَ رَسُولُ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى، وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، وَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْمَوْتَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 يَقُولَ إِذَا زَارَهَا أَوْ مَرَّ بِهَا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ   [المبدع في شرح المقنع] وَغَيْرُهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ الْإِبَاحَةَ؛ لِأَنَّهُ الغالب فِي الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ بِمَا هُوَ مُبَاحٌ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ. فَوَائِدُ: يُسْتَحَبُّ لِلزَّائِرِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْقَبْرِ، وَعَنْهُ: حَيْثُ شَاءَ، وَعَنْهُ: قُعُودُهُ كَقِيَامِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَيَنْبَغِي قُرْبُهُ، كَزِيَارَتِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَيَجُوزُ لَمْسُ الْقَبْرِ بِالْيَدِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، لِأَنَّ الْقُرْبَ تُتَلَقَّى مِنَ التَّوْقِيفِ، وَلَمْ تَرِدْ بِهِ سُنَّةٌ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ، صَحَّحَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ مُصَافَحَةَ الْحَيِّ، وَلَا سِيَّمَا مِمَّنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ، وَاجْتِمَاعُ النَّاسِ لِلزِّيَارَةِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ بِدْعَةٌ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ، وَيَجُوزُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْمُشْرِكِ وَالْوُقُوفُ لِزِيَارَتِهِ لِمَا سَبَقَ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ، وَجَوَّزَهُ حَفِيدُهُ لِلِاعْتِبَارِ. قَالَ: وَلَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ زِيَارَةَ قَبْرِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ (وَهَلْ يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا؛ وَهِيَ الْمَذْهَبُ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَلِيلَةُ الصَّبْرِ، فَلَا يُؤْمَنُ تَهْيِيجُ حُزْنِهَا بِرُؤْيَةِ الْأَحِبَّةِ، فَيَحْمِلُهَا عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ، وَالثَّانِيَةُ: يُبَاحُ؛ لِأَنَّ «عَائِشَةَ زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ لَهَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَلَيْسَ كَانَ نُهِيَ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، ثُمَّ أُمِرَ بِزِيَارَتِهَا» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَكَمَا لَوْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَقَعُ فِي مُحَرَّمٍ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ مَعَ تَأْثِيمِهِ بِظَنِّ وُقُوعِ النَّوْحِ، وَلَا فَرْقَ، وَلَمْ يُحَرِّمْ هُوَ وَغَيْرُهُ دُخُولَ الْحَمَّامِ إِلَّا مَعَ الْعِلْمِ الْمُحَرَّمِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ ـ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَقُولَ إِذَا زَارَهَا أَوْ مَرَّ بِهَا: «سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ» كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَالسَّلَامُ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 لَلَاحِقُونَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ، وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ   [المبدع في شرح المقنع] مُعَرَّفٌ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَالتَّنْكِيرُ مِنْ طَرِيقٍ لِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَنْكِيرَهُ أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَخَيَّرَهُ الْمَجْدُ، وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ نَصًّا، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْأَحْيَاءِ، وَعَنْهُ: تَعْرِيفُهُ أَفْضَلُ كَالرَّدِّ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: سَلَامُ التَّحِيَّةِ مُنَكَّرٌ، وَسَلَامُ الْوَدَاعِ مُعَرَّفٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ لِلتَّبَرُّكِ. قَالَهُ الْعُلَمَاءُ، وَفِي الْبَغَوِيِّ: أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى اللُّحُوقِ لَا إِلَى الْمَوْتِ، وَفِي الشَّافِي: أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْبِقَاعِ (وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ) رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (فَنَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَقَعُ عَلَى الْمَقَابِرِ، وَإِطْلَاقُ الْأَهْلِ عَلَى سَاكِنِ الْمَكَانِ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ (اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ (وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ) لِأَنَّهُ رُوِيَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، وَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ دَعَا لِأَهْلِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ» سُمِّيَ بِهِ لِغَرْقَدٍ كَانَ بِهِ؛ وَهُوَ مَا عَظُمَ مِنَ الْعَوْسَجِ، وَقِيلَ: كُلُّ شَجَرٍ لَهُ شَوْكٌ. فَائِدَةٌ: يَسْمَعُ الْمَيِّتُ الْكَلَامَ، وَيَعْرِفُ زَائِرَهُ، قَالَهُ أَحْمَدُ. يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَفِي " الْغُنْيَةِ " يَعْرِفُهُ كُلَّ وَقْتٍ، وَهَذَا الْوَقْتُ آكَدُ، وَيُكْرَهُ مَشْيُهُ بَيْنَ الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ إِلَّا خَوْفَ نَجَاسَةٍ أَوْ شَوْكٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ كَالْخُفِّ لِلْمَشَقَّةِ، وَفِي التمشك وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ [تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ] (وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 الْمَيِّتِ. وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ عَزَّى أَخَاهُ مُصِيبَتَهُ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي سَنَدِهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ وَهِيَ التَّسْلِيَةُ وَالْحَثُّ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعِينَ بِالصَّبْرِ، وَالصَّلَاةِ، وَيَسْتَرْجِعَ، وَلَا يَقُولَ إِلَّا خَيْرًا، وَيَسْأَلَ اللَّهَ أَجْرَ الصَّابِرِينَ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيَعُمُّ بِهَا أَهْلَ الْمَيِّتِ حَتَّى الصَّغِيرَ، لَكِنْ يُكْرَهُ لِامْرَأَةٍ شَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَلَوْ شَقَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِزَوَالِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الشَّقُّ، وَاسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ مَكْرُوهٌ، وَيَبْدَأُ بِخِيَارِهِمْ؛ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ يَدِ مَنْ يُعَزِّيهِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِآخِرِ وَقْتِ التَّعْزِيَةِ، فَدَلَّ أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا؛ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَحَدُّهُا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْآمِدِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ يُكْرَهُ بَعْدَهَا لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ، وَاسْتَثْنَى أَبُو الْمَعَالِي إِذَا كَانَ غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِهَا إِذَا حَضَرَ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ، وَزَادَ: مَا لَمْ يَنْسَ. فَرْعٌ: إِذَا جَاءَتْهُ التَّعْزِيَةُ فِي كِتَابٍ رَدَّهَا عَلَى الرَّسُولِ لَفْظًا، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَيُكْرَهُ تَكْرَارَهَا، فَلَا يُعَزِّي مَنْ عَزَّى (وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَهْيِيجِ الْحُزْنِ، وَعَنْهُ: الرُّخْصَةُ فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ. وَفِي تَعْزِيَتِهِ عَنْ كَافِرٍ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ: أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ، وَفِي تَعْزِيَتِهِ عَنِ كَافِرِ: خْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَلَا نَقَصَ عَدَدَكَ وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْخَلَّالُ: سَهَّلَ أَحْمَدُ فِي الْجُلُوسِ إِلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعٍ. قَالَ: وَنُقِلَ عَنْهُ الْمَنْعُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا بَأْسَ فِيهِ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ عِنْدَهُمْ إِذَا خِيفَ عَلَيْهِمْ شِدَّةُ الْجَزَعِ، وَأَمَّا الْمَبِيتُ عِنْدَهُمْ فَأَكْرَهُهُ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْجُلُوسُ بِقُرْبِ دَارِ الْمَيِّتِ لِيَتْبَعَ الْجِنَازَةَ، أَوْ يَخْرُجَ وَلِيُّهُ فَيُعَزِّيَهُ، فَعَلَهُ السَّلَفُ (وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ) . قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَا أَعْلَمُ فِي التَّعْزِيَةِ شَيْئًا مَحْدُودًا، إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ عَزَّى رَجُلًا، فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ وَآجَرَكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، «وَعَزَّى رَجُلًا فَقَالَ: (آجَرَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ فِي هَذَا الرَّجُلِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «أَعْظَمَ اللَّهُ أَجَرَكُمْ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكُمْ» وَيَقُولُ الْمُعَزَّى: اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَكَ، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لِآخَرَ: عَزِّ عَنِّي فُلَانًا تَوَجَّهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: فُلَانٌ يُعَزِّيكَ (وَفِي تَعْزِيَتِهِ عَنْ كَافِرٍ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجَرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ: أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَكَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَائِقٌ بِحَالِ الْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ، وَيَحْرُمُ تَعْزِيَةُ كَافِرٍ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ، فَيَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَدْعُو لِكَافِرٍ حَيٍّ بِالْأَجْرِ، وَلَا لِكَافِرٍ مَيِّتٍ بِالْمَغْفِرَةِ (وَفِي تَعْزِيَتِهِ) أَيِ الْكَافِرِ (عَنْ كَافِرٍ: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَلَا نَقُصَ عَدَدَكَ) فَيَدْعُو لَهُ بِمَا يَرْجِعُ إِلَى طُولِ الْحَيَاةِ، وَكَثْرَةِ الْمَالِ، وَالْوَلَدِ، لِأَجْلِ الْحُرْمَةِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ: يَقُولُ: أَعْطَاكَ اللَّهُ عَلَى مُصِيبَتِكَ أَفْضَلَ مَا أَعْطَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِكَ، يُقَالُ لِمَنْ ذَهَبَ لَهُ شَيْءٌ يُتَوَقَّعُ مِثْلُهُ: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ، أَيْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ مِثْلَهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 الْمَيِّتِ، وَأَنْ يَجْعَلَ الْمُصَابُ عَلَى رَأْسِهِ ثَوْبًا يُعْرَفُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ النَّدْبُ وَلَا النِّيَاحَةُ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ حُصُولُ مِثْلِهِ: خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ: أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً مِنْهُ عَلَيْكَ، ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ، وَالْجَوْهَرِيُّ. [جَوَازُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ] (وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ، أَوْ يَرْحَمُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، «وَدَخَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ؛ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَ الدَّفْنِ، وَأَخْبَارُ النَّهْيِ كَقَوْلِهِ: " فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةً "، مَحْمُولَةٌ عَلَى بُكَاءٍ مَعَهُ نَدْبٌ أَوْ نِيَاحَةٌ. قَالَ الْمَجْدُ: أَوْ أَنَّهُ كَرِهَ كَثْرَةَ الْبُكَاءِ، وَالدَّوَامِ عَلَيْهِ أَيَّامًا، ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنَ الْفَرَحِ، لِفَرَحِ الْفُضَيْلِ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ عَلِيٌّ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» (وَ) يَجُوزُ (أَنْ يَجْعَلَ الْمُصَابَ عَلَى رَأْسِهِ ثَوْبًا يُعْرَفُ بِهِ) وَالْمُرَادُ بِهِ عَلَامَةٌ لِيُعْرَفَ بِهَا فَيُعَزَّى؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ سُنَّةً بَقِيَ الْجَوَازُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُكْرَهُ لُبْسَهُ خِلَافَ زِيِّهِ الْمُعْتَادِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَغَيُّرُ حَالِهِ مِنْ خَلْعِ رِدَائِهِ وَنَعْلِهِ، وَغَلْقِ حَانُوتِهِ، وَتَعْطِيلِ مَعَاشِهِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ يَوْمَ مَاتَ بِشْرٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا يَوْمَ جَوَابٍ، هَذَا يَوْمُ حُزْنٍ. فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، قَالَ جَمَاعَةٌ: لَا بَأْسَ بِهَجْرِ الْمُصَابِ لِلزِّينَةِ وَحُسْنِ الثِّيَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ [عَدَمُ جَوَازِ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ وَشَقِّ الثِّيَابِ] (وَلَا يَجُوزُ النَّدْبُ) وَهُوَ تَعْدَادُ الْمَحَاسِنِ نَحْوُ: وَارَجُلَاهْ (وَلَا النِّيَاحَةُ) نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَذَكَرَهُ فِي " الْمَذْهَبِ "، وَ " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَحْرُمُ النِّيَاحَةُ إِجْمَاعًا لِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: «وَلَكِنْ نُهِيتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، وَخَمْشِ وَجْهٍ» . حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: «أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] : هُوَ النَّوْحُ، وَقَدَّمَ فِي " الْكَافِي " وَهُوَ ظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ: " الْكَرَاهَةَ؛ لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ: «إِلَّا آلَ فُلَانٍ فَإِنَّهُمْ أَسْعَدُوني فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أُسْعِدَهُمْ، فَقَالَ: إِلَّا آلَ فُلَانٍ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ وَهُوَ خَاصٌّ بِهَا، لِخَبَرِ أَنَسٍ: " «لَا إِسْعَادَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعَنْهُ: يُكَرَهُ النَّدْبُ وَالنِّيَاحَةُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِلَّا تَعْدَادُ الْمَحَاسِنِ بِصِدْقٍ، وَعَنْهُ: إِبَاحَتُهُمَا، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحَبُهُ؛ لِأَنَّ وَاثِلَةَ وَأَبَا وَائِلٍ كَانَا يَسْمَعَانِ النَّوْحَ وَيَبْكِيَانِ، رَوَاهُ حَرْبٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 ، وَلَا شَقُّ الثِّيَابِ وَلَطْمُ الْخُدُودِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.   [المبدع في شرح المقنع] لَكِنْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ التَّحْرِيمُ، وَجَزَمَ الْمَجْدُ وَابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِيَسِيرِ النَّدْبِ إِذَا كَانَ صِدْقًا، وَلَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ النَّوْحِ، وَلَا قُصِدَ نَظْمُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَفَاطِمَةَ، " وَلَا شَقُّ الثِّيَابِ وَلَطْمُ الْخُدُودِ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) كَتَخْمِيشِ الْوَجْهِ، وَنَتْفِ الشَّعْرِ، وَإِظِهَارِ الْجَزَعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 كِتَابُ الزَّكَاةُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ مِنَ الْمَالِ. السَّائِمَةِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ،   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الزَّكَاةِ] [تَعْرِيفُ الزَّكَاةِ] ِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ، يُقَالُ: زَكَا الزَّرْعُ إِذَا نَمَا وَزَادَ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَدْحِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] وَعَلَى التَّطْهِيرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] أَيْ: طَهَّرَهَا عَنِ الْأَدْنَاسِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الصَّلَاحِ يُقَالُ: رَجُلٌ زَكِيٌّ أَيْ: زَائِدُ الْخَيْرِ مِنْ قَوْمٍ أَزْكِيَاءَ، وَزَكَّى الْقَاضِي الشُّهُودَ: إِذَا بَيَّنَ زِيَادَتَهُمْ فِي الْخَيْرِ، فَسُمِّيَ الْمَالُ الْمُخْرَجُ زَكَاةً؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي الْمُخْرَجِ مِنْهُ، وَيَقِيهِ الْآفَاتِ. وَفِي الشَّرْعِ: حَقٌّ يُجْبَ فِي مَالٍ خَاصٍّ، لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، وَتُسَمَّى صَدَقَةً؛ لِأَنَّهَا دَلِيلٌ لِصِحَّةِ إِيمَانِ مُؤَدِّيهَا وَتَصْدِيقِهِ؛ وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَالْأَحَادِيثُ الْمُسْتَفِيضَةُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ أَمْ فِي الْمَدِينَةِ؛ وَفِي ذَلِكَ آيَاتٌ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَ " الْمُحَرَّرِ " وَحَفِيدُهُ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ الْمُرَادَ طَلَبُهَا، وَبَعْثُ السُّعَاةِ لِقَبْضِهَا، فَهَذَا بِالْمَدِينَةِ. [الْأَصْنَافُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ] (تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ) وَاحِدُهَا صَنْفٌ، وَفَتْحُ الصَّادِ فِيهِ لُغَةٌ، حَكَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وَالْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْأَثْمَانِ، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَجِبُ فِي الْمُتَوَلِّدِ مِنَ الْوَحْشِ وَالْأَهْلِ، وَفِي بَقْرِ الْوَحْشِ رَاوِيَتَانِ. وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] الْجَوْهَرِيُّ (مِنَ الْمَالِ) هُوَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا مَلَكَهُ الْإِنْسَانُ، وَعَنْ ثَعْلَبٍ: أَقَلُّ الْمَالِ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْعَرَبُ لَا تُوقِعُ الْمَالَ مُطْلَقًا إِلَّا عَلَى الْإِبِلِ، وَرُبَّمَا أَوْقَعُوهُ عَلَى الْمَوَاشِي (السَّائِمَةِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْأَثْمَانِ، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ) ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ (وَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَلَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَفَرَسِهِ صَدَقَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ: «لَيْسَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ زَكَاةٌ إِلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ» " لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ دَرُّهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا لِلزِّينَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَلَا فِي الْعَقَارِ وَالثِّيَابِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَدًّا لِلتِّجَارَةِ، وَلَا فِي الظِّبَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: بَلَى، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْغَنَمَ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا) أَيْ: أَكْثَرُهُمْ (يَجِبُ فِي الْمُتَوَلِّدِ مِنَ الْوَحْشِ وَالْأَهْلِ) تَغْلِيبًا لِلْوُجُوبِ، وَاحْتِيَاطًا لِتَحْرِيمِ قَتْلِهِ، وَإِيجَابِ الْجَزَاءِ، وَالنُّصُوصُ تَتَنَاوَلُهُ، وَاخْتِيَارُ الْمُؤَلِّفِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَاتِ لَا تَثْبُتُ احْتِيَاطًا؛ وَلِأَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِاسْمِهِ وَخِفَّتَهُ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ، وَلَا يُجْزِئُ فِي هَدْيٍ وَلَا أُضْحِيَةٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِي وَكَالَةٍ (وَفِي بَقَرِ الْوَحْشٍ) وَغَنَمِهِ بِشَرْطِهِ (رِوَايَتَانِ) أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُعَاذٍ: «خُذْ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعًا» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 تَجِبُ إِلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: الْإِسْلَامِ، وَالْحُرِّيَّةِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ، وَلَا عَبْدٍ،   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَيُسَمَّى بَقَرًا حَقِيقَةً، فَيَدْخُلُ تَحْتَ الظَّاهِرِ، وَفِي نِدَائِهَا فِي حَرَمٍ وَإِحْرَامٍ، وَجَوَازِ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ وَجْهَانِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ، اخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَصَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّهَا تُفَارِقُ الْبَقَرَ الْأَهْلِيَّةَ صُورَةً وَحُكْمًا، وَالْإِيجَابُ مِنَ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَكَغَنَمِ الْوَحْشِ. [شُرُوطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ] [الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ] (وَلَا تَجِبُ إِلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ) ؛ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ الْإِسْلَامَ شَرَطًا لِوُجُوبِهَا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ، وَالْكُفْرُ يُضَادُّ ذَلِكَ، وَطُهْرَةٌ، وَالْكَافِرُ لَا يُطَهِّرُهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ؛ وَهُوَ يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ، فَلَمْ تَجِبْ كَالصَّوْمِ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْمُرْتَدِّ، أَمَّا الْأَصْلِيُّ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " عَلَى الْأَشْهَرِ، وَلَا يَقْضِيهَا إِذَا أَسْلَمَ إِجْمَاعًا، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، فَقِيلَ: مَأْخَذُهُ كَوْنُهَا عِبَادَةً، وَقِيلَ: لِمَنْعِهِ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَزُولُ مِلْكُهُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ: تَجِبُ، نَصَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ أَشْبَهَ الدَّيْنَ، وَالرِّدَّةُ لَا تُنَافِي الْوُجُوبَ وَلَا اسْتِمْرَارَهُ، لَكِنَّهَا تُنَافِي الْأَدَاءَ، فَيَأْخُذُهَا الْإِمَامُ مِنْهُ، وَيَنْوِي عَنْهُ لِلتَّعَذُّرِ، وَكَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً كَالْحُدُودِ تُسْتَوْفَى رَدْعًا وَزَجْرًا مَعَ وجود التَّوْبَةِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فَإِنْ أَخَذَهَا الْإِمَامُ بَعْدَ رِدَّتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَجْزَأَتْ فِي الظَّاهِرِ، وَكَذَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فِي وَجْهٍ، فَلَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ الْوُجُوبِ أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ مُطْلَقًا، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَظَاهِرُهُ إِيجَابُهَا عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِلْعُمُومِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِهَا كَالْمَرْأَةِ، (وَلَا عَبْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ مُعَتَقًا بَعْضُهُ فَبِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وَلَا مُكَاتَبٍ، وَإِنْ مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَالًا، وَقُلْنَا: إِنَّهُ يُمَلِّكُهُ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُمَلِّكُهُ، فَزَكَاتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ. الثَّالِثُ: مِلْكُ نِصَابٍ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ فَلَا   [المبدع في شرح المقنع] يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا، أَشْبَهَ الْحُرَّ، (وَلَا مُكَاتَبٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ، وملكه غير تَامٌّ، يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ» ، وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَزَلْزِلٌ؛ لِأَنَّهُ بِعَرَضِيَةِ أَنْ يَعْجَزَ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، لِنَقْصِ مِلْكِهِ، وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ؛ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِوَفَاءِ نُجُومِهِ، بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، لِنَقْصِ تَصَرُّفِهِ، وَالْمَرْهُونِ، فَإِنَّهُ مُنِعَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِعَقْدِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْهُ: هُوَ كَالْقِنِّ، وَعَنْهُ: يُزَكِّي بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا عُشْرَ فِي زَرْعِهِ، فَإِنْ عَتَقَ أَوْ عَجَزَ أَوْ قَبَضَ مِنْ نُجُومِ كِتَابَتِهِ وَفِي يَدِهِ نِصَابٌ، اسْتَقْبَلَ بِهِ حَوْلًا، وَمَا دُونَ نِصَابٍ فَكَمُسْتَفَادٍ (وَإِنْ مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَالًا، وَقُلْنَا: إِنَّهُ يَمْلِكُهُ) عَلَى رِوَايَةٍ (فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَمِلْكُ الْعَبْدِ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَقَارِبُهُ إِذَا مَلَكَهُمْ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ، وَالزَّكَاةُ إِنَّمَا تَجِبُ بِطَرِيقِ الْمُوَاسَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فِطْرَةَ إِذَنْ فِي الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: يُزَكِّيهِ الْعَبْدُ، وَعَنْهُ: بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ السَّيِّدُ، وَعَنْهُ: الْوَقْفُ (وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ) عَلَى رِوَايَةٍ؛ وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ (فَزَكَاتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ. أَصْلٌ: أُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ. فَرْعٌ: هَلْ تَجِبُ فِي الْمَالِ الْمَنْسُوبِ إِلَى الْجَنِينِ إِذَا انْفَصَلَ حَيًّا، اخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، لِحُكْمِنَا لَهُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا، حَتَّى مَنَعْنَا بَاقِي الْوَرَثَةِ أَمْ لَا، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، فَإِنَّهُ لَا مَالَ لَهُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 زَكَاةَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا يَسِيرًا كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ، وَتَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِالْحِسَابِ، إِلَّا السَّائِمَةَ. الرَّابِع ُ: تَمَامُ الْمِلْكِ، فَلَا زَكَاةَ فِي دَيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] [مِلْكُ النِّصَابِ] (الثَّالِثُ: مِلْكُ نِصَابٍ) لِلنُّصُوصِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَرِدُ الرِّكَازُ؛ لِأَنَّ شَبَهَهُ بِالْغَنِيمَةِ أَكْثَرُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ (فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) فِي رِوَايَةٍ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْدَلَ عَنْهُ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا يَسِيرًا كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ) فَإِنَّهَا تَجِبُ كَذَلِكَ، قَالَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ غَالِبًا، فَهُوَ كَنَقْصِ الْحَوْلِ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ؛ وَهُوَ لَا يُخِلُّ بِالْمُوَاسَاةِ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ لَا حُكْمَ لَهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، كَالْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ، وَانْكِشَافِ الْعَوْرَةِ، وَالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ، فَكَذَا هُنَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ نَقْصًا بَيِّنًا كَالدَّانِقِ وَالدَّانِقَيْنِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي رِوَايَةٍ، وَصَحَّحَهَا فِي " الْمَذْهَبِ "، وَذَكَرَهَا فِي " الشَّرْحِ " عَنِ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ: إِنْ جَازَتْ جَوَازَ الْوَازِنَةِ وَجَبَتْ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْمَضْرُوبَةُ؛ وَهُوَ الظَّاهِرُ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ وَلِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْوَازِنَةِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إِذَا نَقَصَ النِّصَابُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ ثُلُثَ مِثْقَالٍ فَلَا زَكَاةَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: الدَّانَقُ وَالدَّانَقَانِ لَا يُمْنَعُ فِي الْفِضَّةِ بِخِلَافِ الذَّهَبِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَهَذَا أَوْجَهُ، وَقِيلَ: النَّقْصُ الْيَسِيرُ لَا يُؤَثِّرُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ، بَلْ فِي أَوَّلِهِ وَوَسَطِهِ، وَظَاهِره أَنَّ نِصَابَ الْبَاقِي تَحْدِيدٌ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَكَذَا فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَتَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِالْحِسَابِ) أَمَّا زِيَادَةُ الْحَبِّ فَيَجِبُ فِيهَا بِالْحِسَابِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا زِيَادَةُ النَّقْدَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى تَتِمَّ مِائَتَيْنِ فَتَجِبُ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ مِنَ الْأَرْضِ يَتَجَزَّأُ وَيَتَبَعَّضُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، أَشْبَهَ الْأَرْبَعِينَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ نَقْدَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ (إِلَّا السَّائِمَةَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 الْكِتَابَةِ، وَلَا فِي السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ، وَلَا فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ، وَمِنَ الرِّبْحِ قَبْلَ   [المبدع في شرح المقنع] فَلَا زَكَاةَ فِي وَقْصِهَا، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِهِ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ صَدَقَةٌ» ، وَقَالَ: الْوَقْصُ: مَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ، وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: «أُمِرْتَ فِي الْأَوْقَاصِ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لَا، وَسَأَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرٍ، وَعَدَمِ التَّشْقِيصِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، فَعَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ بَعِيرٌ مِنْ تِسْعٍ، أَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ إِنِ اعْتَبَرْنَاهُ، سَقَطَ تُسْعُ شَاةٍ، وَلَوْ تَلِفَ مِنْهَا سِتَّةٌ، زَكَّى الْبَاقِيَ ثُلُثَ شَاةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً، فَأَخَذَ مِنْهَا بَعِيرًا بَعْدَ الْحَوْلِ، زَكَّاهُ بِتُسْعِ شَاةٍ. [تَمَامُ الْمِلْكِ] (الرَّابِعُ: تَمَامُ الْمِلْكِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ النَّاقِصَ لَيْسَ نِعْمَةً كَامِلَةً؛ وَهِيَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَتِهَا؛ إِذِ الْمِلْكُ التَّامُّ عِبَارَةٌ عَمَّا كَانَ بِيَدِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ فِيهِ حق غَيْرُهُ، يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ، وَفَوَائِدُهُ حَاصِلَةٌ لَهُ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي (فَلَا زَكَاةَ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ) وِفَاقًا، لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ، وَيَمْتَنِعُ مِنَ الْأَدَاءِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا، وَفِيهِ رِوَايَةٌ، فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ هُنَا (وَلَا فِي السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ) عَلَى مُعَيَّنٍ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " لِنَقْصِهِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ؛ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلْعُمُومِ، وَكَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَبَنَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْخِلَافَ عَلَى الْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْوُجُوبِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ، وَأَمَّا الْوُقُفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا. تَنْبِيهٌ: إِذَا وُقِفَ عَلَى مُعْتِقٍ أَرْضًا أَوْ شَجَرًا فَحَصَلَ لَهُ مِنْ غَلَّتِهِ نِصَابٌ وَجَبَتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 الْقِسْمَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا، وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، زَكَّاهُ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى، وَفِي الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ وَالْمُؤَجَّلِ   [المبدع في شرح المقنع] الزَّكَاةُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ وَالثمْرَ لَيْسَ وَقْفًا، بِدَلِيلِ بَيْعِهِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: لَا عُشْرَ فِيهَا إِنْ كَانَ فَقِيرًا، وَجَزَمَ بِهِ الْحُلْوَانِيُّ، وَإِنْ حَصَلَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَأَثُّرِ الْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ (وَلَا فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ، وَمِنَ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هذا ظاهر المذهب، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ، إِمَّا لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَوْ لِنُقْصَانِهِ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ كَرَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ إِلَّا بِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: الْوُجُوبُ، وَيَنْعَقِدُ حَوْلَهُ بِظُهُورِ الرِّبْحِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَيَجِبُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ الْمُضَارَبَةِ بِدُونِ إِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ حُكْمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَإِخْرَاجِهَا مِنَ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِنَا: لَا يَمْلِكُ الْعَامِلُ الرِّبْحَ بِظُهُورِهِ، فَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ زَكَاةُ حِصَّةِ الْعَامِلِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْعَامِلِ دُونَ نِصَابٍ، انْبَنَى عَلَى الْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، وَظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَيُزَكِّي حَقَّهُ مِنَ الرِّبْحِ مَعَ الْأَصْلِ عِنْدَ حَوْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَمَانَةً أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ حَقَّهُ مِنَ الرِّبْحِ بِظُهُورِهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ أَخْرَجَ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ جُعِلَ مِنَ الرِّبْحِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، وَفِي " الْكَافِي " يُجْعَلُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ كَدِيَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْعَلُ مِنْهُمَا بِالْحِصَصِ، فَيَنْقُصُ رُبْعُ عُشْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ، فَمِنْهُمَا، وَإِنْ قُلْنَا: فِي الْعَيْنِ، فَمِنَ الرِّبْحِ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ (وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ) بَاذِلٍ أَوْ غَيْرِهِ (مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، زَكَّاهُ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى قَبْضِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 وَالْمَجْحُودِ وَالْمَغْصُوبِ وَالضَّائِعِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: كَالدَّيْنِ عَلَى الْمَلِيءِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ فِيهِ. قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَاللُّقَطَةُ إِذَا جَاءَ رَبُّهَا، زَكَّاهَا لِلْحَوْلِ الَّذِي   [المبدع في شرح المقنع] وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، أَشْبَهَ سَائِرَ مَالِهِ، وَلِلْعُمُومِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُوَاسَاةِ إِخْرَاجُ زَكَاةِ مَالٍ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِبَقَائِهِ عَلَيْهِ الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا، وَعَنْهُ: يَجِبُ إِخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَالْوَدِيعَةِ، وَعَنْهُ: لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا إِمْكَانُ الْأَدَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا مَضَى، وَعَنْهُ: لَا زَكَاةَ فِي دَيْنٍ بِحَالٍ، رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، لِأَنَّهُ غَيْرُ نَامٍ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ: لَا زَكَاةَ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يُقْبَضَ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ. فَرْعٌ: لَوْ قَبَضَ دُونَ نِصَابٍ، زَكَّاهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِلْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ دُونَ نِصَابٍ، وَبَاقِيه دَيْنٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ ضَالٍّ، وَالْحَوَالَةُ بِهِ، وَالْإِبْرَاءُ كَالْقَبْضِ (وَفِي الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ) وَهُوَ: الْمُعْسِرُ (وَالْمُؤَجَّلِ وَالْمَجْحُودِ) الَّذِي لَا بَيِّنَةَ بِهِ (وَالْمَغْصُوبِ، وَالضَّائِعِ) إِذَا عَادَ إِلَيْهِ (رِوَايَتَانِ) وَكَذَا أَطْلَقَهَما فِي " الْمُحَرَّرِ " (إِحْدَاهُمَا) هُوَ (كَالدَّيْنِ عَلَى الْمَلِيءِ) اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِهِ وَالْإِبْرَاءِ، فَيُزَكِّي ذَلِكَ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينِ، رَوَاهُ أَبُو عَبِيدٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ لِلْعُمُومِ، وَكَسَائِرِ مَالِهِ. وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: إِذَا قُلْنَا يَجِبُ فِي الدَّيْنِ وَقَبَضَهُ، فَهَلْ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَيَتَوَجَّهُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ، وَقَيَّدَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " الْمَجْحُودَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: ظَاهِرًا، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا، أَوْ هُمَا، وَإِنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَوَجْهَانِ. فَرْعٌ: حُكْمُ مَسْرُوقٍ وَمَدْفُونٍ وَمَنْسِيٍّ وَمَوْرُوثٍ جَهِلَهُ، أَوْ جُهِلَ عِنْدَ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ. (وَالثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ فِيهِ) صَحَّحَهَا فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ، وَرَجَّحَهَا جَمَاعَةٌ وَاخْتَارَهَا ابْنُ شِهَابٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، لِأَنَّهُ غَيْرُ نَامٍ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 كَانَ الْمُلْتَقِطُ مَمْنُوعًا مِنْهَا، وَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُنْقِصُ النِّصَابَ إِلَّا فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ، أَشْبَهَ الْحُلِيَّ وَدَيْنِ الْكِتَابَةِ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ بِالنَّمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ مَظِنَّةً؛ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَفِي ثَالِثَةٍ: إِنْ كَانَ لَا يُؤَمَّلُ رجوعه كَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَمَا يُؤَمَّلُ رجوعه، كَالدَّيْنِ عَلَى الْمُفْلِسِ، وَالْغَائِبِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ، فِيهِ الزَّكَاةُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا أَقْرَبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي رَابِعَةٍ: إِنْ كَانَ الذي عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِ، وَإِلَّا وَجَبَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَجْحُودِ حَذَارًا مِنْ وُجُوبِ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ (قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَاللُّقَطَةُ إِذَا جَاءَ رَبُّهَا، زَكَّاهَا لِلْحَوْلِ الَّذِي كَانَ الْمُلْتَقِطُ مَمْنُوعًا مِنْهَا) هَذَا مِنْ صُوَرِ الْمَالِ الضَّائِعِ، ذَكَرَهَا لِتَأْكِيدِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ وَهُوَ " الْمَذْهَبُ "، وَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا بِغَيْرِ وَاوٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا لَوَجَبَ عَلَى مَالِكِهَا زَكَاتُهَا لِجَمِيعِ الْأَحْوَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَحِينَئِذٍ إِذَا مَلَكَهَا الْمُلْتَقِطِ اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا وَزَكَّى، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا تَامًّا، فَوَجَبَتْ كَسَائِرِ مَالِهِ، وَكَوْنُ الْمَالِكِ لَهُ انْتِزَاعُهَا إِذَا عَرَفَهَا، كَمَالٍ وَهَبَهُ لِابْنِهِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَدِينٌ بِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّهَا إِذَا زَكَّاهَا الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَخْرَجَ الْمُلْتَقِطُ زَكَاتَهَا عَلَيْهِ مِنْهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا رَبُّهَا رَجَعَ عليه بِمَا أَخْرَجَ فِي الْأَشْهَرِ. 1 - مَسَائِلُ: يُجْزِئُ الصَّدَاقُ وَعِوَضُ الْخُلْعِ، وَالْأُجْرَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمَنْفَعَةَ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ جَمِيعَهُ مُسْتَقِرٌّ، وَتَعْرِيضُهُ لِلزَّوَالِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَعَنْهُ: حَتَّى يُقْبَضَ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: لَا زَكَاةَ فِي صَدَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى يُقْبَضَ، فَيَثْبُتُ الِانْعِقَادُ وَالْوُجُوبُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إِجْمَاعًا مَعَ احْتِمَالِ الِانْفِسَاخِ، وَعَنْهُ: يَمْلِكُ نِصْفَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَكَذَا في الْخِلَافُ فِي اعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِي كُلِّ دَيْنٍ، لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ أَوْ مَالٍ غَيْرِ زَكَوِيٍّ عِنْدَ الْكُلِّ، كَمُوصًى بِهِ وَمَوْرُوثٍ، وَعَنْ مَسْكَنٍ، وَعَنْهُ: لَا حَوْلَ لِأُجْرَةٍ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَالْمَعْدِنِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأُجْرَةِ الْعَقَارِ، وَإِنْ سَقَطَ قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْقَبْضِ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ مِنْ جِهَتِهَا، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهَا فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ زَكَّتْ صَدَاقَهَا، ثُمَّ تَنَصَّفَ بِطَلَاقِهِ، رَجَعَ الزَّوْجُ فِيمَا بَقِيَ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وإِنْ لَمْ تَكُنْ زَكَّتْهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُخْرِجَ بَعْدَهُ، فَإِنْ فَعَلَتْ لَمْ يُجْزِئْهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِكًا، وَإِنْ زَكَّتْهُ مِنْ غَيْرِهِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ كَامِلًا، وَلَا زَكَاةَ فِي الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ، وَلَوْ عَزَلَهَا الْإِمَامُ مِنْهَما، وَلَا فِي الْغَنِيمَةِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، وَلَا فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَيَجِبُ فِي مَبِيعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، فَيُزَكِّيهِ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا، وَكَذَا مَبِيعٌ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، أَوْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، فَيُزَكِّيهِ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِمِلْكِهِ، وَلَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ، وَدَيْنُ السَّلَمِ إِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ أَثْمَانًا، وَعَنِ الْمَبِيعِ، وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ عِوَضِهِمَا وَلَوِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، وَيَجِبُ فِي مَالِ الِابْنِ، وَإِنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِتَمَلُّكِ الْأَبِ وَرُجُوعِهِ، وَيَجِبُ فِي وَدِيعَةٍ وَمَرْهُونٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَجِبُ فِي مَالٍ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي لِلْغُرَمَاءِ، كَالْمَغْصُوبِ تَشْبِيهًا لِلْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بِالْمَنْعِ الْحِسِّيِّ، فَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِهَا، لَمْ يَسْقُطْ، وَقِيلَ: بَلْ إِنْ كَانَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنَ الْإِخْرَاجِ، وَلَهُ إِخْرَاجُهَا مِنْهُ فِي وَجْهٍ، وَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِهَا، وَعَنْهُ: بَلْ كَمَا لَوْ صَدَّقَهُ الْغَرِيمُ (وَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُنْقِصُ النِّصَابَ) ؛ أَيْ: يَمْنَعُ الدَّيْنُ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ - وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي قَدْرِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنِةِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لِقَوْلِ عُثْمَانَ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِهِ، وَلْيُزَكِّ مَا بَقِيَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو عَبِيدٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَالْأَمْوَالُ الْبَاطِنِةُ هِيَ الْأَثْمَانُ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، وَالسَّامِرِيُّ، وَفِي الْمَعْدِنِ وَجْهَانِ، وَجَزَمَ الشِّيرَازِيُّ بِأَنَّهَا الْأَثْمَانُ فَقَطْ، وَعَنْهُ: لَا يُمْنَعُ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ. قَالَ: وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا، وَجَزَمَ فِي " الْإِرْشَادِ " وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَانِعَهَا الدَّيْنُ الْحَالُّ خَاصَّةً؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ إِلَّا دَيْنًا بِسَبَبِ ضَمَانٍ أَوْ مَئُونَةِ حَصَادٍ وَدِيَاسٍ، وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ خُمُسَ الرِّكَازِ وَيَمْنَعُ الْخَرَاجَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا دَيْنُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ لَا الضَّامِنِ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، كَنِصَابٍ غَصْبِ مَنْ غَاصَبَهُ وَأَتْلَفَهُ، فَإِنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 الْمَوَاشِي وَالْحُبُوبِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْكَفَّارَةِ كَالدَّيْنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمَنْعَ يَخْتَصُّ بِالثَّانِي، مَعَ أَنَّ لِلْمَالِكِ طَلَبَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَوِ اسْتَأْجَرَ لِرَعْيِ غَنَمِهِ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ، صَحَّ؛ وَهِيَ كَالدَّيْنِ فِي مَنْعِهَا الزَّكَاةَ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَهُ دَيْنٌ مِثْلُهُ، جَعَلَ الدَّيْنَ فِي مُقَابَلَةِ مَا فِي يَدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِهِ إِنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ (إِلَّا فِي الْمَوَاشِي وَالْحُبُوبِ) وَالثِّمَارِ، وَتُسَمَّى الْأَمْوَالَ الظَّاهِرَةَ (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَبْعَثُ سُعَاتَهُ فَيَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ مِمَّا وَجَدُوا مِنَ الْمَالِ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ عَنْ دَيْنِ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ» ، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأَطْمَاعِ مِنَ الْفُقَرَاءِ بِهَا أَكْثَرُ، وَالْحَاجَةَ إِلَى حِفْظِهَا أَوْفَرُ بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ، وَالثَّانِيَةُ: يَمْنَعُ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَمْعٌ؛ وَهِيَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ أَظْهَرُ وَإِلْزَامَ الْحَاكِمِ بِالْأَدَاءِ مِنْهَا آكَدُ وَأَشَدُّ، وَفِي مَالِهِ يَمْنَعُ مَا اسْتَدَانَهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى ذَلِكَ دُونَ مَا اسْتَدَانَهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ مَصَالِحِ الزَّرْعِ، فَهُوَ كَالْخَرَاجِ، بِخِلَافِ الثَّانِي، وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ، لِكَوْنِهَا لَا تَخْرُجُ عَنِ الْأُولَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِ الزَّرْعِ فَلَهُ إِخْرَاجُهُ مِنْهُ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يُخْرِجْهُ أَوَّلًا أَخْرَجْنَاهُ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِيمَا بَقِيَ بعده، وَفِي رَابِعَةٍ: يَمْنَعُ مَا اسْتَدَانَهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى زَرْعِهِ وَثَمَرِهِ، أَوْ كَانَ مِنْ ثَمَنِهِ خَاصَّةً خَلَا الْمَاشِيَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ أَحْمَدُ: اخْتَلَفَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يُخْرِجُ مَا اسْتَدَانَهُ وَأَنْفَقَ عَلَى ثَمَرَتِهِ وَأَهْلِهِ، ويزكي ما بقي. وَقَالَ ابْنَ عَبَّاسٍ: يُخْرِجُ مَا اسْتَدَانَهُ عَلَى ثَمَرَتِهِ، وَيُزَكِّي مَا بَقِيَ، وَإِلَيْهِ أَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ إِذَا جَاءَ فَوَجَدَ إِبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا لَمْ يَسْأَلْ أَيَّ شَيْءٍ عَلَى صَاحِبِهَا؛ وَلَيْسَ الْمَالُ هَكَذَا (وَالْكَفَّارَةُ كَالدَّيْنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهَذَا رِوَايَةٌ، وَصَحَّحَهَا صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي " خِلَافِهِ " فِي الْكَفَّارَةِ وَالْخَرَاجِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ قَضَاؤُهُ، أَشْبَهَ دَيْنَ الْآدَمِيِّ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» ، وَكَذَا حُكْمُ نَذْرٍ مُطْلَقٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 الْخَامِسُ: مُضِيُّ الْحَوْلِ شَرْطٌ إِلَّا فِي الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ، فَإِذَا اسْتَفَادَ مَالًا، فَلَا   [المبدع في شرح المقنع] وَزَكَاةٍ، وَدَيْنِ حَجٍّ، وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَمْنَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ. وَفِي " الْمُحَرَّرِ " الْخَرَاجُ مِنْ دَيْنِ اللَّهِ، لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ، ولَا مُطَالِبَ بِهَا مُعَيَّنٌ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُطَالِبَ بِهِ الْإِمَامُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَلَا مُمَاطَلَتُهُ، فَهُوَ أَشَدُّ مِنْ دَيْنِ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ بِعَيْنِهِ، فَحَالَ الْحَوْلُ، فَلَا زَكَاةَ لِزَوَالِ مِلْكِهِ أَوْ نَقْصِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَجِبُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " إِذَا نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِنِصَابٍ مُعَيَّنٍ فَلَا زَكَاةَ، وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهَا إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ قَبْلَهَا، وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ الصَّدَقَةُ بِهَذَا النِّصَابِ إِذَا حَالَ الْحَوْلُ، فَقِيلَ: لَا زَكَاةَ، وَقِيلَ: بَلَى، فَتُجْزِئُهُ الزَّكَاةُ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَبْرَأُ بِقَدْرِهَا مِنَ الزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ إِنْ نَوَاهُمَا مَعًا، لِكَوْنِ الزَّكَاةِ صَدَقَةٌ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِبَعْضِ النِّصَابِ هَلْ يُخْرِجُهُمَا، أَوْ يُدْخِلُ النَّذْرَ فِي الزَّكَاةِ وَيَنْوِيهِمَا؛ ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". [مُضِيُّ الْحَوْلِ] (الْخَامِسُ: مُضِيُّ الْحَوْلِ شَرْطٌ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَة حَارِثَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَرَادَ بِهِ الْمَالَ النَّامِيَ كَالْمَوَاشِي وَالنُّقُودِ؛ لِأَنَّ نَمَاءَهَا لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِمُضِيِّ الْحَوْلِ عَلَيْهَا، وَإِذَا ثَبَتَ فِيهِمَا ثَبَتَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي قِيمَتِهَا؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا فِي مِلْكٍ تَامٍّ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الْحَوْلُ رِفْقًا بِالْمَالِكِ، وَلِيَتَكَامَلَ النَّمَاءُ فَيَتَسَاوَى فِيهِ، وَظَاهِرُهُ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ سَاعَتَيْنِ، وَكَذَا نِصْفُ يَوْمٍ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ: لَا يُؤَثِّرُ نَقْصُهُ دُونَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْبَطُ غَالِبًا، وَلَا يُسَمَّى فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ إِلَّا نِتَاجَ السَّائِمَةِ، وَرِبْحَ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ حَوْلَهُمَا حَوْلُ أَصْلِهِمَا إِنْ كَانَ نِصَابًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا، فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ، وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا صِغَارًا، انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حِينَ مَلَكَ. وعنه: لَا   [المبدع في شرح المقنع] الْعُرْفِ نَقْصًا، وَلَا يُعْتَبَرُ طَرَفَا الْحَوْلِ خَاصَّةً، وَلَنَا وَجْهٌ (إِلَّا فِي الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ، وَذَلِكَ يَنْفِي اعْتِبَارَهُ فِي الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ، وَأَمَّا الْمَعْدِنُ وَالرِّكَازُ، فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا (فَإِذَا اسْتَفَادَ مَالًا) بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا (فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ فِي الْمُسْتَفَادِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ؛ وَهُوَ أَصَحُّ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مُنْفَرِدٍ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الْحَوْلُ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اسْتَفَادَهُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا عِنْدَهُ كَمَنِ اسْتَفَادَ إِبِلًا وَعِنْدَهُ إِبِلٌ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ (إِلَّا نِتَاجَ السَّائِمَةِ، وَرِبْحَ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ حَوْلَهُمَا حَوْلُ أَصْلِهِمَا) أَيْ: يَجِبُ ضَمُّهُمَا إِلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ أَصْلِهِ (إِنْ كَانَ نِصَابًا) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ: اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ، وَلَا تَأْخُذْهَا مِنْهُمْ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ: عُدَّ عَلَيْهِمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ السَّائِمَةَ يَخْتَلِفُ وَقْتُ وِلَادَتِهَا، فَإِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ يَشُقُّ، فَجُعِلَتْ تَبَعًا لِأُمَّاتِهَا؛ وَلِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا فِي الْمِلْكِ، فَيَتْبَعُهَا فِي الْحَوْلِ، فَلَوْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنَ الْأُمَّاتِ، فَنَتَجَتْ سَخْلَةٌ، انْقَطَعَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَتَجَتْ ثُمَّ مَاتَتْ، وَرِبْحُ التِّجَارَةِ كَذَلِكَ مَعْنَى، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ حُكْمًا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْأَصْلُ (نِصَابًا، فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّبَعِيَّةُ، كَمَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تَجِبُّ فِيهِ الزَّكَاةُ، لِنُقْصَانِهِ عَنِ النِّصَابِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: حَوْلُ الْكُلِّ مُنْذُ مِلْكِ الْأُمَّاتِ لِنَمَاءِ النِّصَابِ، وَفِيهِ شَيْءٌ. 1 - تَنْبِيهٌ: إِذَا نَضَّ الرِّبْحُ قَبْلَ الْحَوْلِ، لَمْ يَسْتَأْنِفْ لَهُ حَوْلًا، وَلَا يَبْنِي الْوَارِثُ عَلَى حَوْلِ الْمَوْرُوثِ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ عَنْ أَحْمَدَ، وَيَضُمُّ الْمُسْتَفَادَ إِلَى نِصَابٍ بِيَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ، وَيُزَكِّي كُلَّ وَاحِدٍ إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي مُسْتَفَادٍ (وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا صِغَارًا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حِينَ مَلَكَ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَلِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 يَنْعَقِدُ حَتَّى يَبْلُغَ سِنًّا يُجْزِئُ مِثْلُهُ فِي الزَّكَاةِ، وَمَتَى نَقَصَ النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ أَوْ بَاعَهُ، أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، انْقَطَعَ الْحَوْلُ، إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ   [المبدع في شرح المقنع] لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. وَهِيَ لَا تَجِبُ فِي الْكِبَارِ، لَكِنْ لَوْ تَغَذَّتْ بِاللَّبَنِ فَقَطْ فَقِيلَ: يَجِبُ لِوُجُوبِهَا فِيهَا تبعا لِلْأُمَّاتِ، كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْحَوْلِ، وَقِيلَ: لَا، لِعَدَمِ السَّوْمِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ (وَعَنْهُ: لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَبْلُغَ سِنًّا يُجْزِئُ مِثْلُهُ فِي الزَّكَاةِ) لِقَوْلِ مُصَدِّقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَرَنِي أَنْ لَا آخُذُ مِنْ رَاضِعٍ شَيْئًا، إِنَّمَا حَقُّنَا فِي الثَّنِيَّةِ وَالْجَذَعَةِ» ، وَعَلَيْهَا إِذَا مَاتَتِ الْأُمَّاتُ كُلُّهَا إِلَّا وَاحِدَةً لَمْ يَنْقَطِعِ الْحَوْلُ، بِخِلَافٍ مَا إِذَا مَاتَتْ كُلُّهَا، قَالَهُ فِي: " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " شَرْحِهِ الصَّغِيرِ " أَنَّهَا تَجِبُ فِي الْحِقَاقِ، وَفِي بَنَاتِ الْمَخَاضِ وَاللَّبُونِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى السِّخَالِ (وَمَتَّى نَقَصَ النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ) انْقَطَعَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْهُ مُطْلَقًا، لَكِنَّ الْيَسِيرَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ، وَلَا فِي النَّقْصِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ أَوْ طَرَفِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ وَسَطِ الْحَوْلِ مُؤَثِّرٌ، وَظَاهِرُ الْخَبَرِ يَقْتَضِي التَّأْثِيرَ مُطْلَقًا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ أَوْلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَوْ بَاعَهُ) وَلَوْ بِيعَ خِيَارٌ عَلَى الْمَذْهَبِ (أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) كَمَنَ أَبْدَلَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ (انْقَطَعَ الْحَوْلُ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَيَسْتَأْنِفُ حَوْلًا، لَكِنْ لَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِ الْأُمَّاتِ، وَالنِّصَابُ تَامُّ النِّتَاجِ، وَلَا بَيْعٍ فَاسِدٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ إِذَا أَبْدَلَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ، وَبِالْعَكْسِ؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ عَدَمِ الضَّمِّ وَإِخْرَاجِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ، وَالْمَذْهَبُ: لَا يَنْقَطِعُ، لِأَنَّهُمَا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ، أَخْرَجَ مِمَّا مَعَهُ عِنْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ يُخْرِجُ مِمَّا مَلَكَهُ أَكْثَرَ الْحَوْلِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَالشَّيْخَانِ: إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا لِتِجَارَةٍ بِنَقْدٍ، أَوْ بَاعَهَا بِهِ، أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا فَلَا تَسْقُطُ. وَإِنْ أَبْدَلَهُ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ، بَنَى عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] أَثْمَانِ الْعُرُوضُ؛ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ النَّقْدِ وِفَاقًا، وَفِي عَطْفِهِ الْإِبْدَالَ عَلَى الْبَيْعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا غَيْرَانِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الْمُبَادَلَةُ هَلْ هِيَ بَيْعٌ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّهُ بِجَوَازِ إِبْدَالِ الْمُصْحَفِ لَا بَيْعِهِ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ: الْمُعَاطَاةُ بَيْعٌ، وَالْمُبَادَلَةُ مُعَاطَاةٌ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَبَّرَ بِالْبَيْعِ، وَبَعْضٌ بِالْإِبْدَالِ، وَدَلِيلُهُمْ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ. فَرْعٌ: لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ فِي أَمْوَالِ الصَّيَارِفَةِ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى سُقُوطِهَا فِيمَا يَنْمُو، وَوُجُوبِهَا فِي غَيْرِهِ، وَالْأُخْرَى يَقْتَضِي الْعَكْسَ (إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا فَلَا تَسْقُطُ) وَيَحْرُمُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [القلم: 17] ، فَعَاقَبَهُمْ تَعَالَى بِذَلِكَ لِفِرَارِهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ إِسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ، كَالْمُطَلِّقِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَشَرَطَ الْمُؤَلِّفُ وَجَمَاعَةٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ قَصْدِ الْفِرَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ، أَوْ وَسَطِهِ؛ لِأَنَّهَا بَعِيدَةٌ أَوْ مُنْتَفِيَةٌ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمَيْنِ، وَقِيلَ: أَوْ بِشَهْرَيْنِ لَا أَزْيَدَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْهَا أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ مُطْلَقًا، أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ، وَحُكْمُ الْإِتْلَافِ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ يُزَكِّي مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ لِذَلِكَ الْحَوْلِ، وَفِي " مُفْرَدَاتِ " أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: يَسْقُطُ بِالتَّحَيُّلِ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ كَمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّحَيُّلِ فِيهِ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى عَدَمَ الْفِرَارِ، وَثَمَّ قَرِينَةٌ، عُمِلَ بِهَا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْأَشْهَرِ (وَإِنْ أَبْدَلَهُ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَالِكًا لِنِصَابٍ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، فَوَجَبَتِ الزَّكَاةُ لِوُجُودِ شَرْطِهَا، وَإِنْ زَادَ بِالِاسْتِبْدَالِ يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْحَوْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَنِتَاجٍ، فَلَوْ أَبْدَلَ مِائَةَ شَاةٍ بِمِائَتَيْنِ، لَزِمَهُ شَاتَانِ إِذَا حَالَ حَوْلُ الْمِائَةِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يَسْتَأْنِفُ لِزَائِدٍ حَوْلًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذا أَبْدَلَهُ بِدُونِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 حَوْلِهِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْقَطِعَ، وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الْمَالِ، وَعَنْهُ: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا إِمْكَانُ الْأَدَاءِ. وَلَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ،   [المبدع في شرح المقنع] نِصَابٍ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْقَطِعَ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَكَالْحَقَّيْنِ، وَكَرُجُوعِهِ إِلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ فَسْخٍ. 1 (وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الْمَالِ) نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» ، وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ بِلَفْظِ " فِي " الْمُقْتَضِيَةِ لِلظَّرْفِيَّةِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ (وَعَنْهُ: يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ) اخْتَارَهُ " الْخِرَقِيُّ " وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ، أَشْبَهَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، وَلَوْ وَجَبَتْ فِيهِ لَامْتَنَعَ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْفَقِيرِ وَلِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا مِنْ غَيْرِ الْمَالِ، وَلَسَقَطَتْ بِتَلَفِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لِسُقُوطِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِتَلَفِ الْجَانِي (وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا إِمْكَانُ الْأَدَاءِ) كَخَبَرِ اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَوْلِ مُطْلَقًا؛ وَلِأَنَّهَا حَقُّ الْفَقِيرِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا إِمْكَانُ الْأَدَاءِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ لَمْ يَنْعَقِدِ الْحَوْلُ الثَّانِي حَتَّى يُمَكَّنَ مِنَ الْأَدَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَنْعَقِدُ عَقِبَ الْأَوَّلِ إِجْمَاعًا، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِأَنَّ لِلسَّاعِي الْمُطَالَبَةَ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا لَحِقٍّ سَبَقَ وَجُوبُهُ، كَالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ الْمَرِيضُ، بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَعَنْهُ: وَيُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، فَاشْتَرَطَ لِوُجُوبِهَا إِمْكَانُ الْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْمَالِ الظَّاهِرِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ، وَقِيَاسُهُمْ يَنْقَلِبُ، فَيُقَالُ: عِبَادَةٌ، فَلا يشْتُرِطَ لِوُجُوبِهَا إِمْكَانُ الْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْحَائِضِ وَالْعَاجِزِ عَنْ أَدَائِهِ، وَعَلَيْهِ لَوْ أَتْلَفَ النِّصَابَ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْأَدَاءِ ضَمِنَهَا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا، وَجَزَمَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَسْقُطُ إِذَا لَمْ يُفَرِّطُ. وَإِذَا مَضَى حَوْلَانِ عَلَى نِصَابٍ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُمَا، فَعَلَيْهِ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ إِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ، وَزَكَاتَانِ إِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] " الْكَافِي "، وَ " نِهَايَةِ " أَبِي الْمَعَالِي بِالضَّمَانِ (وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ يلزمه مؤنة تَسْلِيمِهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا، يَضْمَنُهَا بِتَلَفِهَا فِي يَدِهِ كَعَارِيَةٍ وَغَصْبٍ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فَرَّطَ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ، أَوْ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهِ، فَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهَا لِدَيْنِ آدَمِيٍّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ: الْمُعَشَّرَاتُ إِذَا تَلِفَتْ بِآفَةٍ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " قَبْلَ قَطْعِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِدَلِيلِ الْجَائِحَةِ؛ إِذِ اسْتِقْرَارُهُ مَنُوطٌ بِالْوَضْعِ فِي الْجَرِينِ، وَزَكَاةُ الدَّيْنِ بِعَدَمِ تَلَفِهِ بِيَدِهِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَسْقُطُ إِذَا لَمْ يُفَرِّطْ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يَجِبُ أَدَاؤُهَا مَعَ عَدَمِ الْمَالِ، وَفَقْرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهَا حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، فَيَسْقُطُ بِتَلَفِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ كَالْوَدِيعَةِ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ: إِنْ عَلِقَتْ بِالذِّمَّةِ، لَمْ يَسْقُطْ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ. وَقَالَ الْمَجْدُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَسْقُطُ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبُرِيُّ: رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَالْمَالِ، وَالْعَمَلِ عَلَى مَا رَوَى الْجَمَاعَةُ أَنَّهَا كَالْمَالِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (وَإِذَا مَضَى حَوْلَانِ عَلَى نِصَابٍ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُمَا، فَعَلَيْهِ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ إِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ) وَلَوْ تَعَدَّى بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَصِيرُ نَاقِصًا لِتَعْلِقِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ بِجُزْءٍ مِنْهُ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ لِلْحَوْلِ الثَّانِي لِنُقْصَانِهِ، وَتَصِيرُ زَكَاةُ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بَاقِيَةً (وَزَكَاتَانِ إِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ) أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ نِصَابٌ كَامِلٌ مِنْ كُلِّ حَوْلٍ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي تَنْقِيصِ النِّصَابِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَوْ قُلْنَا: إِنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ، لَمْ يَسْقُطْ هُنَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُسْقِطُ نَفْسَهُ، وَقَدْ يُسْقِطُ غَيْرَهُ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ " إِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 مَا كَانَتْ زَكَاتُهُ الْغَنَمَ مِنَ الْإِبِلِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ زَكَاةً، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ جَمِيعِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ إِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ، نَقَصَ مِنْ زَكَاتِهِ فِي كُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ نَقْصِهِ بِهَا، وَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] سَقَطَتِ الزَّكَاةُ بِدَيْنِ اللَّهِ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَى النِّصَابِ، فَلَا زَكَاةَ لِلْحَوْلِ الثَّانِي، لِأَجْلِ الدَّيْنِ، لَا لِلتَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ، زَادَ صَاحِبُ " الْمُسْتَوْعِبِ " مَتَى قُلْنَا: يَمْنَعُ الدَّيْنُ، فَلَا زَكَاةَ لِلْعَامِ الثَّانِي تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ أَوِ الذِّمَّةِ، وَإِنَّ أَحْمَدَ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْ زَكَاةَ الْحَوْلِ الثَّانِي فَإِنَّهُ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ مَنْعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْعَامِ الْأَوَّلِ صَارَتْ دَيْنًا عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ مِنَ الْغَنَمِ خَمْسٌ: ثَلَاثٌ لِلْأَوَّلِ، وَاثْنَتَانِ لِلثَّانِي، وَعَلَى الثَّانِي: سِتٌّ لِحَوْلَيْنِ (إِلَّا مَا كَانَتْ زَكَاتُهُ الْغَنَمَ مِنَ الْإِبِلِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ زَكَاةً) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ مِنَ الذِّمَّةِ، وَإِنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، أَيْ: لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنَ النِّصَابِ، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ مِنَ الْجِنْسِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَاخْتَارَهُ السَّامِرِيُّ، وَ " الْمُحَرَّرُ " أَنَّهُ كَالْوَاجِبِ مِنَ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي. فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ، لَوْ لَمْ يَكُنْ سِوَى خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ فَفِي امْتِنَاعِ زَكَاةِ الْحَوْلِ الثَّانِي؛ لِكَوْنِهَا دَيْنًا، مَا سَبَقَ مِنَ الْخِلَافِ (وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ جَمِيعِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ إِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ) ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَمَّا وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ، لَمْ تَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَالِ، فَوَجَبَ إِخْرَاجُهَا لِكُلِّ حَوْلٍ مَا لَمْ تُفْنِ الزَّكَاةُ الْمَالَ (وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ يَسْقُطُ مِنْ زَكَاةِ كُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ نَقْصِهِ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ فِي الْعَيْنِ، نَقُصَ مِنَ الْمَالِ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ لِتَعَلُّقِهَا بِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ فِيهِ زَكَاةٌ، لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا لِلْفُقَرَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ مِنَ الْجَمِيعِ مِقْدَارَ زَكَاةِ النَّقْصِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الزَّكَاةُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَبَ فِيهَا لِحَوْلَيْنِ عِشْرُونَ، وَعَلَى الثَّانِي: تِسْعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَنِصْفُ دِرْهَمٍ وَرُبْعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ قَدْرَ الْوَاجِبِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِالْمَالِ مِنَ الْحَوْلِ الثَّانِي، فَيَنْقُصُ عَشَرَةً، فَيَبْقَى ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا، وَقَوْلُهُ: " سَقَطَ مِنْ زَكَاةِ كُلِّ حَوْلٍ " لَا يَشْمَلُ الْحَوْلَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ بِلَا حَوْلٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَجَبَ حَتَّى يَنْقِصَ بِقَدْرِهِ عَلَى التَّعْلِقِ بِالْعَيْنِ (وَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 الزَّكَاةُ، أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ اقْتَسَمُوا بِالْحِصَصِ. بَابُ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَلَا تَجِبُ إِلَّا فِي السَّائِمَةِ مِنْهَا، وَهِيَ الَّتِي تَرْعَى فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ. وَهِيَ   [المبدع في شرح المقنع] الزَّكَاةُ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يُوصَ بِهَا كَالْعُشْرِ، وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ فِي حَجٍّ لَمْ يُوصَ بِهِ، وَزَكَاةٍ، وَكَفَّارَةٍ مِنَ الثُّلُثِ، وَنُقِلَ عَنْهُ - أَيْضًا - مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سِوَى النَّصِّ السَّابِقِ (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ) وَلَمْ يَفِ بِالْكُلِّ (اقْتَسَمُوا بِالْحِصَصِ) نَصَّ عَلَيْهِ، كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ إِذَا ضَاقَ عَنْهَا الْمَالُ، وَعَنْهُ: يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا لِتَقْدِيمِهِ بِالرَّهِينَةِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ، وَأَجَابَ ابْنُ الْمُنَجَّا بِأَنَّهَا حَقٌّ آدَمِيٌّ، أَوْ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حَقِّهِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الزَّكَاةَ إِنْ عَلِقَتْ بِالْعَيْنِ، اخْتَارَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " قَالَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ ": لِبَقَاءِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ، فَجَعَلَهُ أَصْلًا، وَلَوْ عُلِّقَتْ بِالذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَهَا بِالْعَيْنِ قَهْرِيٌّ، فَيُقَدَّمُ عَلَى مُرْتَهِنٍ، وَغَرِيمٍ مُفْلِسٍ، كَأَرْشِ جِنَايَةٍ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ، فَهَذَا التَّعَلُّقُ بِسَبَبِ الْمَالِ، فَيَزْدَادُ وَيَنْقُصُ، وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِهِ، وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْهَا مُسْتَقِرٌّ، وَيُقَدَّمُ النَّذْرَ بِمُعَيَّنٍ عَلَيْهَا، وَعَلَى الدَّيْنِ. [بَابُ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ] [زَكَاةُ الْإِبِلِ] بَابُ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ بَدَأَ بِهِ اقتداء بِكِتَابِ الصِّدِّيقِ الَّذِي كَتَبَهُ لِأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِطُولِهِ مُفَرَّقًا. سُمِّيَتْ بَهِيمَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ، وَالْأَنْعَامُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: النَّعَمُ: هِيَ الْإِبِلُ خَاصَّةً، فَإِذَا قِيلَ: الْأَنْعَامُ، دَخَلَ فِيهِ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (وَلَا تَجِبُ إِلَّا فِي السَّائِمَةِ مِنْهَا) السَّائِمَةُ: الرَّاعِيَةُ، وَقَدْ سَامَتْ تَسُومُ سَوْمًا إِذَا رَعَتْ، وَأَسَمْتُهَا: إِذَا رَعَيْتُهَا؛ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: الْإِبِلُ، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا، فَتَجِبُ فِيهَا شَاةٌ   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ -: «فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ، فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً، شَاةٌ» ، فَذِكْرُهُ السَّوْمَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلنَّسْلِ وَالدَّرِّ بِخِلَافِ الْمِعْلُوفَةِ وَالْعَوَامِلِ، وَقِيلَ: يَجِبُ فِي الْعَوَامِلِ كَالْإِبِلِ الَّتِي تُكْرَى. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَقِيلَ: وَتَجِبُ فِي مَعْلُوفَةٍ كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ (وَهِيَ الَّتِي تَرْعَى) الْمُبَاحَ، فَلَوِ اشْتَرَى لَهَا مَا تَرْعَاهُ، أَوْ جَمَعَ لها مَا تَأْكُلُ، فَلَا زَكَاةَ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ هَلِ السَّوْمُ شَرْطٌ أَوْ عَدَمُهُ مَانِعٌ، فَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (أَكْثَرِ الْحَوْلِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوِ اعْتُبِرَ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ لَامْتَنَعَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ أَصْلًا، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ كُلُّهُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَلَا أَثَرَ لِعَلَفِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَلَا يُعْتَبَرُ لِلسَّوْمِ، وَالْعَلَفُ نِيَّةٌ فِي وَجْهٍ، فَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَسَامَهَا غَاصِبٌ، وَجَبَتْ كَغَصْبِهِ حَبًّا، وَزَرْعِهِ فِي أَرْضِ مَالِكِهِ، فِيهِ الْعُشْرُ عَلَى رَبِّهِ كَنَبَاتِهِ بِلَا زَرْعٍ، وَإِنِ اعْتَلَفَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ عَلَفَهَا غَاصِبٌ فَلَا زَكَاةَ؛ لِفِقْدَانِ الشَّرْطِ، وَفِي آخَرٍ يُعْتَبَرُ فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ، وَقِيلَ: تَجِبُ إِذَا عَلَفَهَا غَاصِبٌ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، فَقِيلَ: لِتَحْرِيمِ فِعْلِهِ، وَقِيلَ: لِانْتِفَاءِ الْمُؤْنَةِ عَنْ رَبِّهَا، وَقِيلَ: يَجِبُ إِنْ أَسَامَهَا لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ، كَمَا لَوْ كَمُلَ النِّصَابُ بِيَدِ الْغَاصِبِ (وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا الْإِبِلُ) بَدَأَ بِهَا لَبُدَاءَةِ الشَّارِعِ حِينَ فَرَضَ زكاة الْأَنْعَامَ؛ وَلِأَنَّهَا أَهَمُّ؛ لِكَوْنِهَا أَعْظَمَ النِّعَمِ قِيمَةً وَأَجْسَامًا، وَأَكْثَرُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ (وَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا) وَهِيَ أَقَلُّ نِصَابِهَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» (فَتَجِبُ فِيهَا شَاةٌ) إِجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا، فَفِيهَا شَاةٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 فَإِنْ أَخْرَجَ بَعِيرًا لَمْ يُجْزِئْهُ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَهِيَ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُجْزِئُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ شَاةِ الْجُبْرَانِ، وَجَعَلَهُ فِي الشَّرْحَيْنِ إِذَا عَدِمَ الشَّاةَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: لَا يُجْزِئُهُ مَعَ وُجُودِ الشَّاةِ فِي مِلْكِهِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَتُعْتَبَرُ الشَّاةُ بِصِفَةِ الْإِبِلِ، فَفِي كِرَامٍ سَمِينَةٍ كَرِيمَةٌ سَمِينَةٌ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، وَإِنْ كَانَتْ بَدِيلَ مَعِيبَةٍ. فَقِيلَ: الشَّاةُ كَشَاةِ الصِّحَاحِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَشَاةِ الْفِدْيَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَقِيلَ: بَلْ صِحَّتُهَا بِقَدْرِ الْمَالِ، يَنْقُصُ قِيمَتُهَا بِقَدْرِ نَقْصِ الْإِبِلِ، كَشَاةِ الْغَنَمِ، وَقِيلَ: شَاةٌ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْقِيمَةِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَبِكُلِّ حَالٍ لَا يُخْرِجُ مَرِيضَةً، وَكَذَا شَاةُ الْجُبْرَانِ، وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا مِنْ جِنْسِ غَنَمِهِ، وَلَا جِنْسِ غَنَمِ الْبَلَدِ، وَلَا يُجْزِئُ الذَّكَرُ، وَقِيلَ: بَلَى لِإِطْلَاقِهَا (فَإِنْ أَخْرَجَ بَعِيرًا لَمْ يُجْزِئْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَلَمْ تُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ بَقَرَةً، وَكَنِصْفَيْ شَاتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوَّ لًا، وَإِنَّمَا أَجْزَأَتْ بِنْتُ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ؛ لِأَنَّهُ مُخْرِجٌ لِلْوَاجِبِ، وَزِيَادَةٍ مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ، بِخِلَافِ الْبَعِيرِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ شَاةٍ وَسَطٍ فَأَكْثَرَ، بِنَاءً عَلَى إِخْرَاجِ الْقِيمَةِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ إِنْ أَجْزَأَ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ) هَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَثَابِتٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ: «فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا، فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» (فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إِلَّا مَا يُحْكَى عَنْ عَلِيٍّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ» (وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ) وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا قَدْ حَمَلَتْ غَالِبًا، وَالْمَاخِضُ: الْحَائِلُ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ تَعْرِيفًا بِغَالِبِ حَالِهَا، كَتَعْرِيفِهِ الرَّبِيبَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 الَّتِي لَهَا سَنَةٌ، فَإِنْ عَدِمَهَا أَجْزَاهُ ابْنُ لَبُونٍ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ سَنَتَانِ، فَإِنْ عَدِمَهُ أَيْضًا لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَهِيَ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْحِجْرِ (فَإِنْ عَدِمَهَا) فِي مَالِهِ، أَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً (أَجْزَأَهُ ابْنُ لَبُونٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ» . " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي لَفْظٍ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ» عَلَى وَجْهِهَا؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا كَالْعَدَمِ فِي الِانْتِقَالِ إِلَى الْبَدَلِ، وَالْأَشْهَرُ: أَوْ خُنْثَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَيُجْزِئُ حِقٌّ أَوْ جَذَعٌ أَوْ ثَنِيٌّ، وَأَوْلَى لِزِيَادَةِ السِّنِّ، وَفِي بِنْتِ لَبُونٍ، وَلَهُ جُبْرَانٌ وَجْهَانِ، فَإِنِ اشْتَرَى بِنْتَ مَخَاضٍ وَأَخْرَجَهَا أَجْزَأَ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَلَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُ ابْنِ لَبُونٍ بَعْدَ شِرَائِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي مَالِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ أَعْلَى مِنَ الْوَاجِبِ، لَمْ يُجْزِئْهُ ابْنُ لَبُونٍ، وَالْأَشْهَرُ: لَا يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهَا، بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سِوَى بِنْتِ مَخَاضٍ بِصِفَةِ الْوَاجِبِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُهَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّهُ يُخْرِجُ عَنِ الْمِرَاضِ صَحِيحَةً، حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْهُ (وَهُوَ الَّذِي لَهُ سَنَتَانِ) وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ وَضَعَتْ، فَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ (فَإِنْ عَدِمَهُ - أَيْضًا - لَزِمَهُ) شِرَاءُ بِنْتِ (مَخَاضٍ) وَلَا يُجْزِئُهُ هُوَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خَبَرِ أَبِي بَكْرٍ: «مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ» ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ؛ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْعَدَمِ، فَلَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، كَمَا لَوِ اسْتَوَيَا فِي الْوُجُودِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ (وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ) لِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي بَكْرٍ: «فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَفِيهَا بنت لَبُونٌ أُنْثَى» وَظَاهِرُهُ: لَا يُجْزِئُ ابْنُ لَبُونٍ، وَقِيلَ: بَلْ يُجْبَرَانِ لِعَدَمٍ (وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ) لِحَدِيثِ الصِّدِّيقِ: «فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ» (وَهِيَ الَّتِي لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ) وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ، سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا، وَيَطْرُقَهَا الْفَحْلُ، وَالذَّكَرُ مِنْهَا مُحِقٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 الَّتِي لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ، وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ. فصل وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إِحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، ثُمَّ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ   [المبدع في شرح المقنع] (وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّدَقَةِ: «وَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ» (وَهِيَ الَّتِي لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ) وَدَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ، سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَجْذَعُ إِذَا سَقَطَ مِنْهَا سِنُّهَا، وَالذَّكَرُ جَذَعٌ، فَلَوْ أَخْرَجَ ثَنِيَّةً؛ وَهِيَ الَّتِي دَخَلَتْ فِي السَّادِسَةِ، أَجْزَأَ بِلَا جُبْرَانٍ، سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا أَلْقَتْ ثَنِيَّتَهَا، وَقِيلَ: وَيُجْزِئُ عَنِ الْجَذَعَةِ حِقَّتَانِ، وَابْنَتَا لَبُونٍ، وَابْنَتَا لَبُونٍ عَنِ الْحِقَّةِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلَّفُ وَنَقَضَهُ بَعْضُهُمْ بِبِنْتِ مَخَاضٍ عَنْ عِشْرِينَ، وَبِبِنْتِ بَنَاتِ مَخَاضٍ عَنِ الْجَذَعَةِ. 1 - فَصْلٌ الْأَسْنَانُ الْمَذْكُورَةُ لِلْإِبِلِ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لِبِنْتِ مَخَاضٍ سَنَتَانِ، وَلِبِنْتِ لَبُونٍ ثَلَاثٌ، وَلِحِقَّةٍ أَرْبَعٌ، وَلِجَذَعَةٍ خَمْسٌ كَامِلَةٌ، فَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى بَعْضِ السَّنَةِ؛ وَهُوَ غَرِيبٌ؛ لِقَوْلِهِ: كَامِلَةٌ، وَقِيلَ: لِبِنْتِ مَخَاضٍ نِصْفُ سَنَةٍ، ولبنت لبون سنة، وَلِحِقَّةٍ سَنَتَانِ، وَلِجَذَعَةٍ ثَلَاثٌ (وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ ابْنَتَا لَبُونٍ) إِجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ» (وَفِي إِحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ) إِجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ» (فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً) أَيْ: عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ (فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ) فِي الْمَشْهُورِ، وَالْمُخْتَارُ للعامة، لظاهر خَبَرُ الصِّدِّيقِ: «فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» وَبِالْوَاحِدَةِ حَصَلَتِ الزِّيَادَةُ، فَقِيلَ: الْوَاحِدَةُ عَفْوٌ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهَا الْفَرْضُ، وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 خَمْسِينَ حِقَّةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ اتَّفَقَ الْفَرْضَانِ، فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ، وَإِنْ شَاءَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُخْرِجُ الْحَقَاقَ، وَلَيْسَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ شَيْءٌ، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِنٌّ، فَعَدِمَهَا، أَخْرَجَ سِنًّا أَسْفَلَ مِنْهَا، وَمَعَهَا شَاتَانِ، أَوْ عِشْرِونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَعْلَى مِنْهَا، وَأَخَذَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ السَّاعِي، فَإِنْ عَدِمَ   [المبدع في شرح المقنع] الْوُجُوبُ (ثُمَّ) تَسْتَقِرُّ الْفَرِيضَةُ (فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي خَمْسِينَ حِقَّةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ لِخَبَرِ الصِّدِّيقِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْهُ: لَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ إِلَّا إِلَى مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَتَسْتَقِرُّ الْفَرِيضَةُ، فَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْآجُرِّيُّ، لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، فَإِنْ صَحَّ، عُورِضَ بِرِوَايَتِهِ الْأُخْرَى، وَبَّمَا هو أَكْثَرُ مِنْهُ، وَأَصَحُّ (فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ، اتَّفَقَ الْفَرْضَانِ، فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ، وَإِنْ شَاءَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ) هَذَا الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْبَقَرِ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِلْأَخْبَارِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ: مَا لَمْ يَكُنِ الْمَالُ لِيَتِيمٍ أَوْ مَجْنُونٍ، فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ إِخْرَاجُ الْأَدْوَنِ الْمُجْزِئِ، فَلَوْ جُمِعَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ فِي الْإِخْرَاجِ، كَأَرْبَعِ حِقَاقٍ، وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ عَنْ أَرْبَعِمِائَةٍ جَازَ، جَزَمَ بِهِ الْأَئِمَّةُ، فَإِطْلَاقُ وَجْهَيْنِ سَهْوٌ، أَمَّا مَعَ الْكَسْرِ، فَلَا، كَحِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ وَنِصْفٍ عَنْ مِائَتَيْنِ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ؛ وَهُوَ ضَعْفٌ. فَرْعٌ: إِذَا وُجِدَ أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ كَامِلًا، وَالْآخَرُ نَاقِصًا، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ جُبْرَانٍ يُعَيِّنُ الْكَامِلَ؛ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ بَدَلٌ (وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُخْرِجُ الْحِقَاقَ) أَيْ: يَجِبُ إِخْرَاجُهَا، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي " الشَّرْحِ " نَظَرَا لِحَظِّ الْفُقَرَاءِ، إِذْ هِيَ أَنْفَعُ لَهُمْ لِكَثْرَةِ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا، وَأَوَّلَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " النَّصَّ عَلَى صِفَةِ التَّخَيُّرِ، وَقَدَّمَ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ": أَنَّ السَّاعِيَ يَأْخُذُ أَفْضَلَهَا، وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: يَأْخُذُ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ مِنْهَا، وَمُرَادُهُمْ: لَيْسَ لِلسَّاعِي تَكْلِيفُ الْمَالِكِ سِوَاهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ سَبَبُهَا النِّصَابُ، فَاعْتُبِرَتْ بِهِ (وَلَيْسَ فِيمَا بَيْنُ الْفَرِيضَتَيْنِ شَيْءٌ) وَتُسَمَّى الْأَوْقَاصُ؛ لِعَفْوِ الشَّارِعِ عَنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِنٌّ فَعَدِمَهَا) لَمْ يُكَلَّفْ تَحْصِيلَهَا، وَخُيِّرَ الْمَالِكُ، فَإِنْ شَاءَ (أَخْرَجَ سنا أَسْفَلَ مِنْهَا، وَمَعَهَا شَاتَانِ، أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَعْلَى مِنْهَا، وَأَخَذَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ السَّاعِي) هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 السِّنَّ الَّتِي تَلِيهَا، انْتَقَلَ إِلَى الْأُخْرَى، وَجَبَرَهَا بِأَرْبَعِ شِيَاهٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَنْتَقِلُ إِلَّا إِلَى سِنٍّ تَلِي الْوَاجِبَ، وَلَا مَدْخَلَ لَلْجُبْرَانِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ.   [المبدع في شرح المقنع] هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي كِتَابِ أَنَسٍ: " «وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ ثَابِتٌ فِي كَوْنِ مَا عَدَلَ إِلَيْهِ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ عَدِمَهَما حَصَلَ الْأَصْلُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ أَدْنَى مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ، لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَجِبُ فِي زَكَاتِهَا، وَلَا يُخْرِجُ أَعْلَى مِنَ الْجَذَعَةِ إِلَّا أَنْ يَرْضَى رَبُّ الْمَالِ بِغَيْرِ جُبْرَانٍ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَاقْتَضَى: أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجَذَعَةُ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَأَخْرَجَ الثَّنِيَّةَ، أَنْ يَأْخُذَ الْجُبْرَانَ مِنَ السَّاعِي، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ بِشَاةٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي وَجْهٍ حِذَارًا مِنْ تَخْيِيرٍ ثَالِثٍ، وَيَجُوزُ مِنْ آخَرَ، وقَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْعَشَرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الشَّاةِ (فَإِنْ عَدِمَ السِّنَّ الَّتِي تَلِيهَا، انْتَقَلَ إِلَى الْأُخْرَى وَجَبَرَهَا بِأَرْبَعِ شِيَاهٍ، أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا) أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَوْرَدَهُ الشَّيْخَانِ مَذْهَبًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَوَّزَ لَهُ الِانْتِقَالَ إِلَى الَّذِي يَلِيهِ مَعَ الْجُبْرَانِ، وَجَوَّزَ الْعُدُولَ عَنْهَا إِذَا عَدِمَ الْجُبْرَانَ إِذَا كَانَ هُوَ الْوَصِيُّ، وَهَاهُنَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا، فَإِذَا عَدِمَ، جَازَ الْعُدُولُ إِلَى مَا يَلِيهِ مَعَ الْجُبْرَانِ، وَلَا شَكَّ فِي التَّعْدِيَةِ إِذَا عُقِلَ مَعْنَى النَّصِّ، وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا كَانَ بِصِفَةِ الصِّحَّةِ، أَوْ لِجَائِزِ الْأَمْرِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ النِّصَابُ مَعِيبًا، وَعُدِمَتِ الْفَرِيضَةُ، فَلَهُ دَفْعُ السِّنِّ السُّفْلَى مَعَ الْجُبْرَانِ، وَلَيْسَ لَهُ دفع مَا فَوْقَهَا مَعَ الْجُبْرَانِ؛ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ قَدَّرَهُ الشَّارِعُ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَمَا بَيْنَ الْمَعِيبَيْنِ أَقَلُّ، فَإِذَا دَفَعَهُ الْمَالِكُ صَارَ كَتَطَوُّعِهِ بِالزَّائِدِ بِخِلَافِ السَّاعِي وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا إِلَّا إِخْرَاجُ الْأَدْوَنِ؛ وَهُوَ أَقَلُّ الْوَاجِبِ، كَمَا لَا يَتَبَرَّعُ. (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) وَابْنُ عَقِيلٍ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ ": وهو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (لَا يَنْتَقِلُ إِلَّا إِلَى سِنٍّ تَلِي الْوَاجِبَ) إِذِ النَّصُّ إِنَّمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ، وَالزَّكَاةُ فِيهَا شِيَابَةُ التَّعَبُّدِ (وَلَا مَدْخَلَ لَلْجُبْرَانِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ إِنَّمَا وَرَدَ فِيهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي: الْبَقْرُ، وَلَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ، فَيَجِبُ فِيهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ، وَفِي السِّتِّينَ   [المبدع في شرح المقنع] فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ غَيْرُهُا فِي مَعْنَاهَا لِكَثْرَةِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ لَا تَخْتَلِفُ فَرِيضَتُهَا بِاخْتِلَافِ سِنِّهَا، وَمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ فِي الْبَقَرِ يُخَالِفُ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ فِي الْإِبِلِ، فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ، فَلَوْ غَيَّرَ صِفَةَ الْوَاجِبِ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَأَخْرَجَ الرَّدِيءَ عَنِ الْجِيدِ، وَزَادَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَضْلِ، لَمْ يُجْزِئْ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ النَّفْعُ بِعَيْنِهَا، فَيَفُوتُ بَعْضُ الْمَقْصُودِ، وَمِنَ الْأَثْمَانِ الْقِيمَةُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ فِي الْمَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا. [زَكَاةُ الْبَقَرِ] فَصْلٌ (النَّوْعُ الثَّانِي: الْبَقَرُ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَالْبَقَرَةُ تَقَعُ عَلَى الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ، وَدَخَلَتِ الْهَاءُ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ مِنْ جِنْسٍ، وَالْبَقَرَاتُ: الْجَمْعُ، وَالْبَاقِي جَمَاعَةُ الْبَقَرِ مَعَ رُعَاتِهَا؛ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَقَرْتَ الشَّيْءَ إِذَا شَقَقْتَهُ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَرُ الْأَرْضَ بِالْحِرَاثَةِ، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا أَحَادِيثُ، مِنْهَا مَا رَوَى مُعَاذٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمَنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ فِي خَبَرِ الصَّدَقَةَ لِقِلَّتِهَا فِي الْحِجَازِ، إِذْ يَنْدُرُ مِلْكُ نِصَابٍ مِنْهَا، بَلْ لَا يُوجَدُ، وَلِمَا أَرْسَلَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ ذَكَرَ لَهُ حُكْمَهَا لِوُجُودِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهَا (وَلَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ) وَهِيَ أَقَلُّ نِصَابِهَا (فَيَجِبُ فِيهَا تَبِيعٌ) سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ؛ وَهُوَ جَذَعُ الْبَقْرِ الَّذِي اسْتَوَى قَرْنَاهُ، وَحَاذَى قَرْنُهُ أُذُنَهُ غَالِبًا (أَوْ تَبِيعَةٌ؛ وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ) وَعِبَارَةُ " الْفُرُوعِ " لِكُلٍّ مِنْهَما سَنَةٌ، وَذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ، وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " نِصْفُ سَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: سَنَتَانِ (وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) ؛ لِأَنَّهَا أَلْقَتْ سِنًّا غَالِبًا؛ وَهِيَ الثَّنِيَّةُ (وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ) وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " سَنَةٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ، وَقِيلَ: أَرْبَعٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 تَبِيعَانِ، ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَلَا يُجْزِئُ الذَّكَرُ فِي الزَّكَاةِ فِي غَيْرِ هَذَا إِلَّا ابْنُ لَبُونٍ مَكَانَ بِنْتِ مَخَاضٍ إِذَا عَدِمَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُورًا، فَيُجْزِئُ الذَّكَرُ فِي الْغَنَمِ وَجْهًا وَاحِدًا، وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فِي أَحَدِ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا مُسِنٌّ، بَلْ عَنِ الْأَوَّلِينَ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ عَنْهَا تَبِيعَانِ (وَفِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ، ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مَنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنَ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنَ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَمِنَ الثَّمَانِينَ مُسِنَّتَيْنِ، وَمِنَ التِّسْعِينَ ثَلَاثَةَ أَتْبَاعٍ، وَمِنَ الْمِائَةِ مُسِنَّةً وَتَبِيعَيْنِ، وَمِنَ الْعَشَرَةِ وَمِائَةٍ مُسِنَّتَيْنِ وَتَبِيعًا، وَمَنِ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ وَأَرْبَعَةَ أَتْبَاعٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا آخُذَ مِمَّا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا، إِلَّا أَنْ يَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا» "، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَعِشْرِينَ اتَّفَقَ فِيهَا الْفَرْضَانِ كَالْإِبِلِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ هُنَا عَلَى التَّخَيُّرِ. 1 - (وَلَا يُجْزِئُ الذَّكَرُ فِي الزَّكَاةِ) إِذَا كَانَتْ ذُكُورًا أَوْ إِنَاثًا؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى أَفْضَلُ، لِمَا فِيهَا مِنَ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى اعْتِبَارِهَا فِي الْإِبِلِ فِي الْأَرْبَعِينَ مِنَ الْبَقَرِ (فِي غَيْرِ هَذَا) إِذِ التَّبِيعُ مَكَانَ التَّبِيعَةِ؛ لِلنَّصِّ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ لَحْمًا، فَتُعَادِلُ الْأُنُوثَةَ (إِلَّا ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ بِنْتِ مَخَاضٍ إِذَا عَدِمَهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَيَرْعَى الشَّجَرَ فَيُجْزِئُ بِنَفْسِهِ، وَيَرِدُ الْمَاءَ، لَكِنْ لَيْسَ بِأَصْلٍ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُجْزِئُ مَعَ وُجُودِهَا، بِخِلَافِ التَّبِيعِ فَيُجْزِئُ فِي الثَّلَاثِينَ، وَمَا تَكَرَّرَ مِنْهَا كَالسِّتِّينَ، وَأَمَّا الْأَرْبَعُونَ وَمَا تَكَرَّرَ مِنْهَا كَالثَّمَانِينَ، فَلَا يُجْزِئُ فِي فَرْضِهَا إِلَّا الْإِنَاثُ لِنَصِّ الشَّارِعِ عَلَيْهَا، إِلَّا أَنْ يُخْرِجَ عَنِ الْمُسِنَّةِ تَبِيعَيْنِ، فَيُجْزِئُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (إِلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُورًا، فَيُجْزِئُ الذَّكَرُ فِي الْغَنَمِ وَجْهًا وَاحِدًا) ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ، فَلَا يُكَلَّفُهَا مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَقِيلَ: لَا، فَيُخْرِجُ أُنْثَى بِقِيمَةِ الذَّكَرِ (وَ) يُجْزِئُ (مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا سَبَقَ. الثَّانِي: لَا يُجْزِئُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ نَصَّ عَلَى الْأُنْثَى؛ وَهِيَ أَفْضَلُ، فَفِي الْعُدُولِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 الْوَجْهَيْنِ. وَمِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ، وَمِنَ الْمِرَاضِ مَرِيضَةٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُؤْخَذُ إِلَّا كَبِيرَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ، فَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] عَنْهَا عُدُولٌ عَنِ الْمَنْصُوصِ، وَصَحَّحَ فِي " الْكَافِي "، وَ " الشَّرْحِ " الْإِجْزَاءَ فِي الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَوَّزْنَا الذَّكَرَ فِي الْغَنَمِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي زَكَاتِهَا مَعَ وُجُودِ الْإِنَاثِ، فَالْبَقَرُ الَّتِي فِيهَا مَدْخَلٌ أَوْلَى. وَفِي الْإِبِلِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ، لِمَا ذُكِرَ مِنَ الْمُوَاسَاةِ. وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُ لِإِفْضَائِهِ إِلَى إِخْرَاجِ ابْنِ لَبُونٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَسِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَفِيهِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَ النِّصَابَيْنِ، فَعَلَى هَذَا يُخْرِجُ أُنْثَى نَاقِصَةً بِقَدْرِ قِيمَةِ الذَّكَرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُخْرِجُ ابْنَ لَبُونٍ عَنِ النِّصَابَيْنِ، وَيَكُونُ التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ الشَّاةَ الْوَاجِبَةَ، وَنَصَّ عَلَى الْأُنْثَى مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ (وَيُؤْخَذُ مِنَ الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا. . . الْخَبَرَ، وَيُتَصَوَّرُ أَخْذُهَا، فَإِذَا أَبْدَلَ الْكِبَارَ بِالصِّغَارِ، أَوْ بِمَوْتِ الْإِنَاثِ، وَتَبَقَّى الصِّغَارُ، وَهَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْحَوْلَ يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً، وَهَذَا فِي الْغَنَمِ دُونَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، فَلَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُهُ فُصْلَانَ وَعَجَاجِيلَ، فَيُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنَ الْكِبَارِ، وَيُقَوَّمُ فَرْضُهُ، ثُمَّ تُقَوَّمُ الصِّغَارُ، وَيُؤْخَذُ عَنْهَا كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ فَيُؤْخَذُ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى إِحْدَى وَسِتِّينَ وَاحِدَةً، وَالتَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ مَكَانَهُ زِيَادَةُ السِّنِّ، (وَمِنَ الْمِرَاضِ مَرِيضَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ مُوَاسَاةً، وَلَيْسَ مِنْهَا أَنْ يُكَلَّفَ غَيْرَ الَّذِي فِي مَالِهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِقِلَّةِ الْعَيْبِ وَكَثْرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَأْتِي عَلَى ذَلِكَ، لِكَوْنِ أَنَّ الْمُخْرَجَ وَسَطُ الْقِيمَةِ، (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُؤْخَذُ) فِيهِمَا (إِلَّا كَبِيرَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ) لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ: لَا يَأْخُذُ مَا يَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ. قَالَ الْقَاضِي: وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَذَكَرَهُ الْحُلْوَانِيُّ: ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ لِقَوْلِ مُصَدِّقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَرَنِي أَنْ لَا آخُذُ مِنْ رَاضِعٍ شَيْئًا، إِنَّمَا حَقُّنَا فِي الثَّنِيَّةِ وَالْجَذَعَةِ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 اجْتَمَعَ صِغَارٌ وَكِبَارٌ، وَصِحَاحٌ وَمِرَاضٌ، وَذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، لَمْ يُؤْخَذْ إِلَّا أُنْثَى صَحِيحَةٌ كَبِيرَةٌ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ، وَإِنْ كَانَ نَوْعَيْنِ كَالْبَخَاتِيِّ وَالْعِرَابِ، وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ، وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، أَوْ كَانَ فِيهِ كِرَامٌ وَلِئَامٌ، وَسِمَانٌ وَمَهَازِيلُ، أُخِذَتِ الْفَرِيضَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَلِقَوْلِ عُمَرَ: اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ، وَلَا تَأْخُذْهَا مِنْهُمْ، وَكَشَاةِ الْإِبِلِ. فَعَلَى هَذَا يُكَلَّفُ سَوَاءً كَبِيرَةٌ أَوْ صَحِيحَةٌ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْفَرْضِ لِتَحْصُلَ الْمُوَاسَاةُ، وَالْأَوَّلُ أَشَهَرُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا اشْتَمَلَ عَلَى النَّوْعَيْنِ، وَشَاةُ الْإِبِلِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ، فَلَا يَرْتَفِقُ الْمَالِكُ، وَهُنَا مِنْ جِنْسِهِ، فَهُوَ كَالْحُبُوبِ (فَإِنْ اجْتَمَعَ) فِي النِّصَابِ (صِغَارٌ وَكِبَارٌ، وَصِحَاحٌ وَمِرَاضٌ، وَذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، لَمْ يُؤْخَذْ إِلَّا أُنْثَى صَحِيحَةٌ كَبِيرَةٌ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ) لِلنَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الصَّغِيرِ وَالْمَعِيبِ وَالْكَرِيمَةِ لِقَوْلِهِ: «وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ» ؛ ولِتَحْصُلَ الْمُوَاسَاةُ، فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الْمَالِ الْمُخْرَجِ إِذَا كَانَ الْمُزَكَّى كُلُّهُ كِبَارًا صِحَاحًا عِشْرِينَ، وَقِيمَتُهُ بِالْعَكْسِ عَشَرَةً، وَجَبَ كَبِيرَةٌ صَحِيحَةٌ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، هَذَا مَعَ تَسَاوِي الْعَدَدَيْنِ، فَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ أَعْلَى، وَالثُّلُثَانِ أَدْنَى، فَشَاةٌ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ، وَبِالْعَكْسِ قِيمَتُهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ (وَإِنْ كَانَ نَوْعَيْنِ كَالْبَخَاتِيِّ) ، الْوَاحِدُ: بُخْتِيٌّ، وَالْأُنْثَى بُخْتِيَّةٌ، قَالَ عِيَاضٌ: هِيَ إِبِلٌ غِلَاظٌ ذَوَاتُ سَنَامَيْنِ (وَالْعِرَابِ) هِيَ جُرْدٌ مُلْسٌ حِسَانُ الْأَلْوَانِ كَرِيمَةٌ (وَالْبَقَرِ، وَالْجَوَامِيسِ) وَاحِدُهَا: جَامُوسٌ. قَالَ مَوْهُوبٌ: هُوَ أَعْجَمِيٌّ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ (وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، أَوْ كَانَ فِيهِ كِرَامٌ) وَاحِدُهَا: كَرِيمٌ، وَذَكَرَ عِيَاضٌ فِي قَوْلِهِ: «وَاتَّقِ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» أَنَّهَا جَمْعُ كَرِيمَةٍ؛ وَهِيَ الْجَامِعَةُ لِلْكَمَالِ الْمُمْكِنِ فِي حَقِّهَا مِنْ غَزَارَةِ لَبَنٍ أَوْ جِمَالِ صُورَةٍ أَوْ كَثْرَةِ لَحْمٍ أَوْ صُوفٍ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يَخْتَصُّهَا مَالِكُهَا لِنَفْسِهِ وَيُؤْثِرُهَا (وَلِئَامٌ) وَاحِدٌهَا لَئِيمَةٌ؛ وَهِيَ ضِدُّ الْكَرِيمَةِ (وَسِمَانٌ، وَمَهَازِيلُ، أُخِذَتِ الْفَرِيضَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ) ؛ لِأَنَّهَا مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي هَزِيلَةٍ بِقِيمَةِ سَمِينَةٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَيِّ الْأَنْوَاعِ أَحَبَّ، سَوَاءٌ دَعَتْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ أَوْ لَا، لَكِنْ مِنْ كِرَامٍ وَسِمَانٍ، وَضِدُّهُمَا يُخْرِجُ وَسَطًا، نَصَّ عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ السَّاعِي، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ مِنْ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ: يُخَيَّرُ السَّاعِيَ لِاتِّحَادِ الْوَاجِبِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو بَكْرٍ الْقِيمَةَ فِي النَّوْعَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْغَنَمُ، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَيَجِبُ فِيهَا شَاةٌ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الْمَعْزِ الثَّنِيُّ، وَمِنَ الضَّأْنِ الْجَذَعُ، وَلَا يُؤْخَذُ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَكْثَرِهِمَا عَدَدًا، وَقَدْ تَضَمَّنَ كَلَامُهُ ضَمَّ أَنْوَاعِ الْجِنْسِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ، وَخَرَجَ بِهِ الْخِرَقِيُّ فِي الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَخْرَجَ عَنِ النِّصَابِ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ مَا لَيْسَ فِي مَالِهِ مِنْهُ، جَازَ إِنْ لَمْ يُنْقِصْ قِيمَةَ الْمُخْرَجِ عَنِ النَّوْعِ الْوَاجِبِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ نَقَصَتْ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ هُنَا مُطْلَقًا كَغَيْرِ الْجِنْسِ. [زَكَاةُ الْغَنَمِ] فَصْلٌ (النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْغَنَمُ وَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ) وَهِيَ أَقَلُّ نِصَابِهَا إِجْمَاعًا (فَيَجِبُ فِيهَا شَاةٌ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ) إِجْمَاعًا (فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ) وِفَاقًا (ثُمَّ) تَسْتَقِرُّ الْفَرِيضَةُ، فَيَجِبُ (فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ) وَسَنَدُهُ مَا رَوَى أَنَسٌ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ قَالَ: " «فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، وَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا» مُخْتَصَرٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْهُ: فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَمِائَةٍ، فَيَكُونُ خَمْسَ شِيَاهٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْمِائَةَ زَائِدَةٌ، فَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ سِتٌّ، وَعَلَى هَذَا أَبَدًا، وَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةٍ، فَيَجِبُ فِي كُلِّ مِائَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا تَيْسٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَهِيَ الْمَعِيبَةُ، وَلَا الرُّبَّى؛ وَهِيَ الَّتِي تُرَبِّي   [المبدع في شرح المقنع] شَاةٌ، وَالْوَقْصُ مِائَتَيْنِ مِائَتَيْنِ، وَوَاحِدَةٌ إِلَى أَرْبَعِمِائَةٍ؛ وَهُوَ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ (وَيُؤْخَذُ مِنَ الْمَعْزِ الثَّنِيُّ، وَمِنَ الضَّأْنِ الْجَذَعُ) لِمَا رَوَى سُوِيدُ بْنُ غَفْلَةَ قَالَ: «أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: أَمَرَنَا أَنْ نَأْخُذَ الْجَذَعَةَ مِنَ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيَّةَ مِنَ الْمَعْزِ» وَلِأَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ فِي الْأُضْحِيَّةِ، فَكَذَا هُنَا، الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ: مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ لَا سِنَةٌ، وَالثَّنِيُّ مِنَ الْمَعْزِ: مَا لَهُ سَنَةٌ لَا سَنَتَانِ (وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا تَيْسٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ: وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسٌ، إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَرْوِيهِ بِفَتْحِ الدَّالِّ مِنَ الْمُصَدَّقِ يَعْنِي الْمَالِكَ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَى التَّيْسِ فَقَطْ، وَخَالَفَهُ عَامَّةُ الرُّوَاةِ فَقَالُوا: بِكَسْرِهَا، يَعْنِي: السَّاعِيَ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَقَالَ: التَّيْسُ لَا يُؤْخَذُ لِنَقْصِهِ، وَفَسَادِ لَحْمِهِ، فَيَكُونُ كَتَيْسٍ لَا يَضْرِبُ، لَكِنْ قَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّ فَحْلَ الضَّرْبِ لَا يُؤْخَذُ لِجَبْرِهِ، فَلَوْ بَذَلَهُ الْمَالِكُ لَزِمَ قَبُولُهُ حَيْثُ يُقْبَلُ الذَّكَرُ، وَالْهَرِمَةُ: هي الكبيرة الطَّاعِنَةُ فِي السِّنِّ، وَالْعَوَارُ بِفَتْحٍ العين عَلَى الْأَفْصَحِ (وَهِيَ الْمَعِيبَةُ) الَّتِي لَا يُضَحَّى بِهَا، قَالَهُ الْأَكْثَرُ، وَفِي " نِهَايَةِ " الْأَزَجِيِّ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ: إِذَا رُدَّتْ فِي الْبَيْعِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُؤْخَذُ عَوْرَاءُ، وَلَا عَرْجَاءُ، وَلَا نَاقِصَةُ الْخَلْقِ. وَاخْتَارَ الْمَجْدُ جَوَازَهُ إِنْ رَآهُ السَّاعِي أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ لِزِيَادَةِ صِفَةٍ فِيهِ، وَأَنَّهُ أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ إِخْرَاجُ الْمَكْسُورَةِ عَنِ الصِّحَاحِ إِذَا زَادَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَضْلِ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَى الثَّلَاثَةِ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (وَلَا الرُّبَّى؛ وَهِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 وَلَدَهَا، وَلَا الْحَامِلُ، وَلَا كَرَائِمُ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهُ. وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ، وَإِنْ أَخْرَجَ سِنًّا أَعْلَى مِنَ الْفَرْضِ مِنْ جِنْسِهِ، جَازَ.   [المبدع في شرح المقنع] الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا) قَالَهُ أَحْمَدُ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تُرَبَّى فِي الْبَيْتِ لِأَجْلِ اللَّبَنِ (وَلَا الْحَامِلُ) لِقَوْلِ عُمَرَ: لَا تُؤْخَذُ الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضُ وَلَا الْأَكُولَةُ، وَمُرَادُهُ السَّمِينَةُ، مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ إِخْرَاجُ الْفَرِيضَةِ عَلَى صِفَةٍ مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِالسِّنِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يُؤْخَذُ طَرُوقَةُ الْفَحْلُ؛ لِأَنَّهَا تَحْبَلُ غَالِبًا (وَلَا كَرَائِمُ الْمَالِ) وَهِيَ النَّفِيسَةُ، فَهَذِهِ لَا تُؤْخَذُ لِشَرَفِهَا، وَلِحَقِّ الْمَالِكِ (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ خَيْرُ الْمَالِ، فَلَمْ يُجْزِئْ أَخْذُهُ بِغَيْرِ رِضَى مَالِكِهِ، وَالْحَقُّ فِي الْوَسَطِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قَسَّمَ الشَّاء أثلاثا: ثُلُثَ خِيَارٍ، وَثُلُثَ وَسَطٍ، وَثُلُثَ شِرَارٍ، وَأَخَذَ مِنَ الْوَسَطِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، يُؤَيِّدُه قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ شَرَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ] (وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُعَاذٍ: " «خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ، وَالْإِبِلَ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرَ مِنَ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمَ مِنَ الْغَنَمِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَغَيْرِها. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قِيلَ لِأَحْمَدُ: أُعْطِي دَرَاهِمَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ لَا يُجْزِئَ، خِلَافُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَعَنْهُ: يَجُوزُ) لِقَوْلِ مُعَاذٍ: ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ. وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ صُوَرِ الْأَمْوَالِ إِذَا حَصَلَتِ الْقِيمَةُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": هَذَا فِيمَا عَدَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَتَكُونُ بِالْبُرِّ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 فَصْلٌ فِي الْخُلْطَةِ وَإِذَا اخْتَلَطَ نَفْسَانِ، أَوْ أَكْثَرُ، مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، فِي نِصَابٍ مِنَ الْمَاشِيَةِ حَوْلًا، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] لِلْحَاجَةِ إِنْ تَعَذَّرَ الْفَرْضُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِلنُّصُوصِ، وَقَوْلُ مُعَاذٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِزْيَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ مَجَازًا، وَقَوْلُهُ: مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَالَحَهُمْ عَنْ أَرَاضِيهِمْ بِذَلِكَ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا؛ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ وَشُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ، فَيَتَنَوَّعُ الْوَاجِبُ لِيَصِلَ إِلَى الْفَقِيرِ مَنْ كُلِّ نَوْعٍ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ، وَيَحْصُلُ شُكْرُ النِّعْمَةِ بِالْمُوَاسَاةِ مَنْ جِنْسِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ فِي تَجْوِيزِ إِخْرَاجِ غَيْرِهَا عُدُولًا عَنِ الْمَفْرُوضِ (وَإِنْ أَخْرَجَ سِنًّا أَعْلَى مِنَ الْفَرْضِ مِنْ جِنْسِهِ) كَبِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ (جَازَ) قَالَهُ الْأَئِمَّةُ، لِمَا رَوَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: " «أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَانِي رَسُولُكَ لِيَأْخُذَ مِنِّي صَدَقَةَ مَالِي، فَزَعَمَ أَنَّ مَا عَلَيَّ مِنْهُ بِنْتَ مَخَاضٍ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ نَاقَةً فَتِيَّةً سَمِينَةً، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ذَاكَ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْكَ، فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ آجَرَكَ اللَّهُ فِيهِ، وَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ، فَقَالَ: هَا هِيَ ذِهْ، فَأَمَرَ بِقَبْضِهَا، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ مِنْ جِنْسِهِ مَا يُجْرِئُ عَنْ غَيْرِهِ فَأَجْزَأَ، كَمَا لَوْ زَادَ فِي الْعَدَدِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا: لَا يُجْزِئُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ فِي الْخُلْطَةِ] [تَعْرِيفُ الْخُلْطَةِ] فَصْلٌ فِي الْخُلْطَةِ بِضَمِّ الْخَاءِ: الشَّرِكَةُ؛ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ (وَإِذَا اخْتَلَطَ نَفْسَانِ) ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَاحِدُ، وَلَا خُلْطَةَ مَعَهُ (أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ) فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُكَاتَبًا أَوْ ذِمِّيًّا، فَلَا أَثَرَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي مَالِهِ، فَلَمْ يَكْمُلِ النِّصَابُ بِهِ (فِي نِصَابٍ) فَلَوْ كَانَ الْمَجْمُوعُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 يَثْبُتْ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِهِ، فَحُكْمُهَما فِي الزَّكَاةِ حُكْمُ الْوَاحِدِ، سَوَاءٌ كَانَتْ خُلْطَةَ أَعْيَانٍ، بِأَنْ يَكُونَ مُشَاعًا بَيْنَهُمَا، أَوْ خُلْطَةَ أَوْصَافٍ بِأَنْ يَكُونَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزًا، فَاشْتَرَكَا فِي الْمُرَاحِ، وَالْمَسْرَحِ، وَالْمَشْرَبِ، وَالْمَحْلَبِ، وَالرَّاعِي، وَالْفَحْلِ، فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا أَوْ ثَبَتَ لَهُمَا حكم الِانْفِرَادُ فِي بَعْضِ   [المبدع في شرح المقنع] فَلَا عِبْرَةَ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ أَوْ لَا، وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (مِنَ الْمَاشِيَةِ) فَلَا يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهَا، وَسَيَأْتِي (حَوْلًا لَمْ يَثْبُتْ لَهَما حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِهِ) ؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ مَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِهِ إِيجَابُ الزَّكَاةِ، فَاعْتُبِرَتْ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، كَالنِّصَابِ (فَحُكْمُهَما فِي الزَّكَاةِ حُكْمُ الْوَاحِدِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ جَمْعِ التَّفَرُّقِ وَعَكْسِهِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَسَوَاءٌ أَثَّرَتْ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ أَوْ إِسْقَاطِهَا، أَوْ فِي تَغْيِيرِ الْفَرْضِ، فَلَوْ كَانَ لِأَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَرْبَعُونَ شَاةً، أَوْ لِوَاحِد شَاةٌ، وَلِلْآخَرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَزِمَهُمْ شَاةٌ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَمَعَ الِانْفِرَادِ لَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ لِثَلَاثَةٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً، لَزِمَهُمْ شَاةٌ، وَمَعَ الِانْفِرَادِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ (سَوَاءٌ كَانَتْ خُلْطَةَ أَعْيَانٍ) ؛ لِأَنَّ أَعْيَانَهَا مُشْتَرِكَةٌ (بِأَنْ يَكُونَ مُشَاعًا بَيْنَهُمَا) بِأَنْ مَلَكَاهُ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَوْ خُلْطَةَ أَوْصَافٍ بِأَنْ يَكُونَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَما مُتَمَيِّزًا) عَنِ الْآخَرِ بِصِفَةٍ أَوْ صِفَاتٍ (وَاشْتَرَكَا) فِي الْأَوْصَافِ الْآتِي ذِكْرُهَا، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ (فِي الْمُرَاحِ) بِضَمِّ الْمِيمِ: الْمَكَانُ الَّذِي تَرُوحُ إِلَيْهِ الْمَاشِيَةُ عِنْدَ رُجُوعِهَا فَتَبِيتُ فِيهِ، (وَالْمَسْرَحِ) مَوْضِعُ الرَّعْيِ، وَفَسَّرَهُ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرُهُ: مَوْضِعُ جَمْعِهَا عِنْدَ خُرُوجِهَا لِلرَّعْيِ (وَالْمَشْرَبِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ: الْمَكَانُ الَّذِي يُشْرَبُ فِيهِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ (وَالْمَحْلَبِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ: الْمَوْضِعُ الذي يُحْلَبُ فِيهِ، وَبِكَسْرِ الْمِيمِ: الْإِنَاءُ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ خَلْطَ اللَّبَنِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرْفَقٍ، بَلْ مَشَقَّةً لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى قَسْمِ اللَّبَنِ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَى الرِّبَا، وَقِيلَ: يَلْزَمُ خَلْطُ اللَّبَنِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْآنِيَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " (وَالرَّاعِي) كَذَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَأَسْقَطَ الْمَحْلَبَ، (وَالْفَحْلِ) وجَزَمَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الْمُعَدُّ لِلضَّرْبِ، وَلَيْسَ الْمُعْتَبَرُ اتِّخَاذَهُ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا، بَلْ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ فُحُولُ الْمَالَيْنِ عَنِ الْآخَرِ عِنْدَ الضَّرْبِ. وَجَمَعَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " بَيْنَ الْمَسْرَحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 الْحَوْلِ، زَكَّيَا زَكَاةَ الْمُنْفَرِدَيْنِ فِيهِ، وَإِنْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ وَحْدَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] وَالْمَرْعَى كَالْخِرَقِيِّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنِ الْخِرَقِيَّ أَرَادَ بِالرَّعْيِ: الرَّعْيَ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ لَا الْمَكَانُ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْرَحِ: الْمَصْدَرَ الَّذِي هُوَ السُّرُوحُ لَا الْمَكَانُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ زَالَ التَّكْرَارُ، وَحَصَلَ بِهِ اتِّحَادُ الرَّاعِي وَالْمَشْرَبِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْمَرْعَى وَالْمَسْرَحُ شَرْطٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَحْمَدُ الْمَسْرَحَ لِيَكُونَ فِيهِ رَاعٍ وَاحِدٌ، وَقَالَ فِي " الْوَاضِحِ ": " الْفَحْلِ وَالرَّاعِي وَالْمَحْلَبِ، وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ الْمُرَاحَ وَالْمَسْرَحَ وَالْفَحْلَ وَالْمَرْعَى، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ الرَّاعِي فَقَطْ، وَذَكَرَ رِوَايَةً أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الرَّاعِي وَالْمُبَيَّتُ فَقَطْ، وَفِيهِ طُرُقٌ أُخْرَى، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِاعْتِبَارِ ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «الْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا عَلَى الْحَوْضِ وَالْفَحْلِ وَالرَّاعِي» رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو عَبِيدٍ، وَجَعَلَ بَدَلَ الرَّاعِي الْمَرْعَى، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ، فَيَتَوَجَّهُ الْعَمَلُ بِالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ خُلْطَةَ الْأَوْصَافِ لَا أَثَرَ لَهَا، كَمَا يُرْوَى عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، وَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْمَالِ بِنَفْسِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْخُلْطَةِ نِيَّةٌ؛ وَهِيَ فِي خُلْطَةِ الْأَعْيَانِ إِجْمَاعٌ، وَكَذَا فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ فِي الْأَصَحِّ، وَاحْتَجَّ الْمُؤَلِّفُ بِنِيَّةِ السَّوْمِ فِي السَّائِمَةِ، وَكَنِيَّةِ السَّقْيِ فِي الْمُعَشَّرَاتِ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهَا يُعْتَبَرُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْنًى يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ، فَافْتَقَرَ إِلَى النِّيَّةِ كَالسَّوْمِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي خَلْطٍ وَقَعَ اتِّفَاقًا، أَوْ فَعَلَهُ رَاعٍ وَتَأَخَّرَ النِّيَّةُ عَنِ الْمِلْكِ، وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ تَأْخِيرُهَا بِزَمَنٍ يَسِيرٍ، لتقديمها على الملك بزمن يسير (فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا) بَطَلَ حُكْمُهَا لِفَوَاتِ شَرْطِهَا، وَصَارَ وُجُودُهَا كَالْعَدَمِ، فَيُزَكِّي كُلُّ وَاحِدٍ مَالَهُ إِنْ بَلَغَ نِصَابًا وَإِلَّا فَلَا (أَوْ ثَبَتَ لَهَما حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ) كَرَجُلَيْنِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ مِلْكِهِ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ اخْتَلَطَا بَعْدَ ذَلِكَ (زَكَّيَا زَكَاةَ الْمُنْفَرِدَيْنِ فِيهِ) يَعْنِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ شَاةٌ، وَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ السِّنِينَ يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ، فَإِنِ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا أَخْرَجَا شَاةً عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ نِصْفَيْنِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ نِصْفُ شَاةٍ، وَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ الْمَالِ، فَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ شَاةٍ أَيْضًا، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنَ الْمَالِ فَقَدْ تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي عَلَى تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ شَاةً ونصف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْمُنْفَرِدِ، وَعَلَى الثَّانِي زَكَاةُ الْخُلْطَةِ، ثُمَّ يُزَكِّيَانِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْحَوْلِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ، كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنْهَا. وإِنْ مَلَكَ نِصَابًا شَهْرًا، ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهُ مُشَاعًا، أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بَعْضِهِ، وَبَاعَهُ مُخْتَلِطًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيَسْتَأْنِفَانِهِ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ   [المبدع في شرح المقنع] شاة، لَهُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ شَاةً، يَلْزَمُهُ أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا وَنِصْفِ جُزْءٍ مِنْ شَاةٍ، فَيُضَعِّفُهَا لِتَكَوُّنَ ثَمَانِينَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ، كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ مِنْ زَكَاةِ الْجَمِيعِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ (وَإِنْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ وَحْدَهُ) بِأَنْ يَمْلُكَ رَجُلَانِ نِصَابَيْنِ، ثُمَّ يَخْلِطَاهُمَا، ثُمَّ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَجْنَبِيًّا بَعْدَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَرْبَعِينَ، ثُمَّ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ، فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ (فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْمُنْفَرِدِ) وَهُوَ شَاةٌ لِثُبُوتِ حُكْمِ الِانْفِرَادِ مِنْ حَقِّهِ (وَعَلَى الثَّانِي) إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ (زَكَاةُ الْخُلْطَةِ) وَهُوَ نِصْفُ شَاةٍ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَزَلْ مُخَالِطًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَ مِنْهُ، لَزِمَهُ أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ (ثُمَّ يُزَكِّيَانِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْحَوْلِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ) ؛ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ بِشُرُوطِهَا (كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَالَهُ مِنْهَا) أَيْ: يُزَكِّي بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ يُزَكِّي مَا عَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ الثَّانِي، وَلَا يَنْتَظِرُ حَوْلَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ بَعْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا، وَإِنَّ الْمُشْتَرِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ زَكَاتِهِ إِلَى رَأْسِ حَوْلِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا قَبْلَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ لَا يَجِبُ، وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصَابٌ، فَعَلَى كُلٍّ مِنْهَما نِصْفُ شَاةٍ، فَإِنْ كَانَ لِلْأَوَّلِ أَرْبَعُونَ، وَلِلثَّانِي ثَمَانُونَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ ثُلُثُ شَاةٍ، وَعَلَى الثَّانِي ثُلُثَاهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا. تَنْبِيهٌ: يَثْبُتُ حُكْمُ الِانْفِرَادِ - أَيْضًا - فِيمَا إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ، وَلِلْآخَرِ دُونَهُ، ثُمَّ يَخْتَلِطَانِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، وَكَذَا إِذَا أَبْدَلَ نِصَابًا مُنْفَرِدًا بِنِصَابٍ مُخْتَلِطٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَقُلْنَا: لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِهِ، زَكَّيَا زَكَاةَ انْفِرَادٍ، كَمَالٍ وَاحِدٍ حَصَلَ الِانْفِرَادُ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ حَوْلِهِ، وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ بِأَرْبَعِينَ مُخْتَلِطَةً أَرْبَعِينَ مُنْفَرِدَةً، وَخَلَطَهَا فِي الْحَالِ، لِوُجُودِ الِانْفِرَادِ مِنْ بَعْضِ الْحَوْلِ، وَقِيلَ: يُزَكِّي زَكَاةَ خُلْطَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ خُلْطَةٍ، وَزَمَنُ الِانْفِرَادِ يَسِيرٌ. [إِنْ مَلَكَ نِصَابًا شَهْرًا ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهُ مُشَاعًا] (وإِنْ مَلَكَ نِصَابًا شَهْرًا، ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهُ مُشَاعًا، أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بَعْضِهِ) أَيْ: عَيَّنَهُ (وَبَاعَهُ مُخْتَلِطًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيَسْتَأْنِفَانِهِ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 الْبَائِعِ، وَعَلَيْهِ إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ زَكَاةُ حِصَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ أَخْرَجَهَا مِنَ الْمَالِ انْقَطَعَ حَوْلُ الْمُشْتَرِي، لِنُقْصَانِ النِّصَابِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَقُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا فِي الذِّمَّةِ، فَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةُ حِصَّتِهِ. وَإِنْ أَفْرَدَ   [المبدع في شرح المقنع] هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ فِي النِّصْفِ الْمَبِيعِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ أَصْلًا، فَلَزِمَ انْقِطَاعُ الْحَوْلِ في الثَّانِي (وقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْبَائِعِ) فِيمَا لم يَبِعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُخَالِطًا لِمَالٍ جَارٍ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ (وَعَلَيْهِ إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ زَكَاةُ حِصَّتِهِ) فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ شَاةٍ لِكَوْنِهِ مَا خَلَا حَوْلُهُ مِنْ مِلْكِ نِصْفِ نِصَابٍ، فَهُوَ كَالْخَلِيطِ إِذَا تَمَّ مَالُهُ بِمَالِ شَرِيكِهِ (فَإِنْ كَانَ) الْبَائِعُ (أَخْرَجَهَا مِنَ الْمَالِ انْقَطَعَ حَوْلُ الْمُشْتَرِي) ذَكَرَهُ الْمَجْدُ إِجْمَاعًا، فَعَلَى هَذَا: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ (لِنُقْصَانِ النِّصَابِ) فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، إِلَّا أَنْ يَسْتَدِيمَ الْفَقِيرُ الْخُلْطَةَ بِنِصْفِهِ، فَلَا يَنْقُصُ النِّصَابَ إِذًا، وَيُخْرِجُ الثَّانِي نِصْفَ شَاةٍ، وَقِيلَ: إِنْ زَكَّى الْبَائِعُ مِنْهُ إِلَى فَقِيرِ زَكَّى الْمُشْتَرِي (وَإِنْ أَخْرَجَهَا) الْبَائِعُ (مِنْ غَيْرِهِ، وَقُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ، فَكَذَلِكَ) وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَقِيَّةِ كُتُبِهِ وَصَحَّحَهُ، وَعَزَاهُ إِلَى أَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَهَا بِالْعَيْنِ يُنْقِصُ النِّصَابَ، فَمَنَعَ وُجُوبَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَجَزَمَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ شَاةٍ إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ، وَالْفَقِيرُ لَا يَمْلِكُ جُزْءًا مِنَ النِّصَابِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِهِ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِالْجَانِي، فَلَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَهَا، وَضَعَّفَ الْمَجْدُ الْأَوَّلَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مَوْضِعٌ يُخَالِفُهُ، مَعَ أَنَّ فِي كَلَامِهِ نَظَرًا مِنْ حَيْثِيَّةِ أَنَّهُ بَعْدَ إِخْرَاجِهَا كَيْفَ يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّقُ؟ لِأَنَّ بَعْدَ الْأَدَاءِ لَا يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا، كَمَا لَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِالرَّهْنِ بَعْدَ أَدَائِهِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ بِالْجَانِي بَعْدَ فِدَائِهِ (وَإِنْ قُلْنَا فِي الذِّمَّةِ فَعَلَيْهِ) أَيِ: الْمُشْتَرِي (عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةُ حِصَّتِهِ) لِعَدَمِ نُقْصَانِ النِّصَابِ فِي حَقِّهِ مُطْلَقًا، وَعَكْسُهَا صُورَةُ لَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ نِصَابُ خُلْطَةٍ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا خَلِيطَهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ خَلِيطُ نَفْسِهِ، ثم صار خليط أجنبي، وهاهنا كان خليط أجنبي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 بَعْضَهُ وَبَاعَهُ، ثُمَّ اخْتَلَطَا، انْقَطَعَ الْحَوْلُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ إِذَا كَانَ زَمَنًا يَسِيرًا. وَإِنْ مَلَكَ نِصَابَيْنِ شَهْرًا، ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا مُشَاعًا، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ، وَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةُ الْمُنْفَرِدِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ عَلَيْهِ زَكَاةُ خَلِيطٍ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ زَكَاةُ خَلِيطٍ وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِذَا مَلَكَ نِصَابًا شَهْرًا، ثُمَّ مَلَكَ آخَرَ، لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ، مِثْلُ أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي الْمُحَرَّمِ، وَأَرْبَعِينَ فِي صَفَرٍ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْأَوَّلِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ   [المبدع في شرح المقنع] ثم صار خليط نفسه، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ اسْتَدَانَ مَا أَخْرَجَهُ، وَلَا مَالَ لَهُ يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِهِ إِلَّا مَالَ الْخُلْطَةِ، أَوْ لَمْ يُخْرِجِ الْبَائِعُ الزَّكَاةَ حَتَّى تَمَّ حَوْلُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ قُلْنَا: الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، أَوْ قُلْنَا: يَمْنَعُ، لَكِنْ لِلْبَائِعِ مَالٌ يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِ الزَّكَاةِ، زَكَّى الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ نِصْفَ شَاةٍ، وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ أَفْرَدَ بَعْضَهُ وَبَاعَهُ ثُمَّ اخْتَلَطَا، انْقَطَعَ الْحَوْلُ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، لِوُجُودِ الِانْفِرَادِ فِي الْبَعْضِ، وَكَحُدُوثِ بَعْضِ مَبِيعٍ بَعْدَ سَاعَةٍ (وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ إِذَا كَانَ زَمَنًا يَسِيرًا) ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مُشَاعًا. [إِنْ مَلَكَ نِصَابَيْنِ شَهْرًا ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا مُشَاعًا] (وَإِنْ مَلَكَ نِصَابَيْنِ شَهْرًا، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا مُشَاعًا، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ) ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ الْبَيْعَ يَقْطَعُ الْحَوْلَ، فَيَصِيرُ الْبَائِعُ كَأَنَّهُ مَلَكَ نِصَابًا مُنْفَرِدًا (وَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةُ الْمُنْفَرِدِ) لِثُبُوتِ حُكْمِ الِانْفِرَادِ لَهُ (وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: عَلَيْهِ زَكَاةُ خَلِيطٍ) لِاخْتِيَارِهِ عَدَمَ الِانْقِطَاعِ بِالْبَيْعِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ خُلْطَةٍ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَزَلْ مُخَالِطًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ (فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ زَكَاةُ خَلِيطٍ وَجْهًا وَاحِدًا) ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ الَّتِي لَهُ لَمْ تَزَلْ مُخْتَلِطَةً فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ. [إِذَا مَلَكَ نِصَابًا شَهْرًا ثُمَّ مَلَكَ آخَرَ] (وَإِذَا مَلَكَ نِصَابًا شَهْرًا، ثُمَّ مَلَكَ آخَرَ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ، مِثْلُ أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي الْمُحَرَّمِ، وَأَرْبَعِينَ فِي صَفَرٍ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْأَوَّلِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ) وَهِيَ شَاةٌ لِانْفِرَادِهَا فِي بَعْضِ الْحَوْلِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي) إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 عَلَيْهِ للثَّانِي زَكَاةُ خُلْطَةٍ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِائَةَ شَاةٍ، فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ، وَلَا يَبْلُغُ نِصَابًا، مِثْلُ أَنْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ فِي الْمُحَرَّمِ، وَعَشْرًا فِي صَفَرٍ، فَعَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ إِذَا تَمَّ حَوْلُهَا رُبْعُ مُسِنَّةٍ. وَإِنْ مَلَكَ مَا لَا يُغَيِّرُ   [المبدع في شرح المقنع] مِلْكٌ وَاحِدٌ، فَلَمْ يَزِدْ فَرْضُهُ عَلَى شَاةٍ كَمَا لَوِ اتَّفَقَتْ أَحْوَالُهُ، وَلِلْعُمُومِ فِي الْأَوْقَاصِ كَمَمْلُوكٍ دُفْعَةً (وَفِي الْآخَرِ عَلَيْهِ لِلثَّانِي زَكَاةُ خُلْطَةٍ) وَهُوَ نِصْفُ شَاةٍ، لِاخْتِلَاطِهَا بِالْأَرْبَعِينَ الْأُولَى (كَالْأَجْنَبِيِّ فِي) الْمَسْأَلَةِ (الَّتِي قَبْلَهَا) وَقِيلَ: يَجِبُ شَاةٌ كَالْأُولَى، وَكَمَا لِمُنْفَرِدٍ، وَعَلَى الثَّانِي فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ يُزَكِّيهِمَا زَكَاةَ خُلْطَةٍ، كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ إِحْدَاهُمَا، أَخْرَجَ قِسْطَهَا نِصْفَ شَاةٍ، فَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ أُخْرَى فِي رَبِيعٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا شَيْءَ سِوَى الشَّاةِ الْأُولَى، وَعَلَى الثَّانِي: زَكَاةُ خُلْطَةٍ ثُلُثُ شَاةٍ؛ لِأَنَّهَا ثُلُثُ الْجَمْعِ، وَفِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فِي كُلٍّ ثُلُثُ شَاةٍ لِتَمَامِ حَوْلِهَا، وَعَلَى الثَّالِثِ شَاةٌ (وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِائَةَ شَاةٍ، فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ، وَجْهًا وَاحِدًا) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " كَمَا لَوِ انْقَضَتْ أَحْوَالُهُ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُجْعَلَا كَالْمَالِ الْوَاحِدِ لِمَالِكٍ أَوْ كَمَالَيْنِ لِمَالِكَيْنِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَجِبُ شَاةٌ أُخْرَى، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهَذَا عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ هُنَا إِلَى زَكَاةِ الْجَمِيعِ، فَيَسْقُطُ مِنْهَا مَا وَجَبَ فِي الْأَوَّلِ، وَيَجِبُ الْبَاقِي فِي الثَّانِي، وَكَذَا عَلَى الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ يُعْتَبَرُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، وَكَذَا هُنَا، وَعَلَى الثَّانِي: يَجِبُ زَكَاةُ خُلْطَةٍ؛ وَهِيَ شَاةٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ شَاةٍ؛ لِأَنَّ فِي الْكُلِّ شَاتَيْنِ، حِصَّةُ الْمِائَةِ مِنْهَا خَمْسَةُ أَسْبَاعِ الْكُلِّ بِحِصَّتِهَا مِنْ فَرْضِهِ خَمْسَةُ أَسِبَاعِهِ، فَلَوْ مَلَكَ مِائَةً أُخْرَى فِي رَبِيعٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ شَاةٌ، وَعَلَى الثَّانِي شَاةٌ وَرُبْعٌ؛ لِأَنَّ فِي الْكُلِّ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَالْمِائَةُ رُبْعُ الْكُلِّ وَسُدْسُهُ، فَحِصَّتُهَا مِنْ فَرْضِهِ رُبْعُهُ وَسُدْسُهُ، وَفِي إِحْدَى وَثَمَانِينَ شَاةً بَعْدَ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، وَقِيلَ: شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ، وَأَحَدٌ وَعِشْرونَ جُزْءًا مِنْ شَاةِ الْخَلِيطِ (وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ وَلَا يَبْلُغُ نِصَابًا، مِثْلُ أَنْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ فِي الْمُحَرَّمِ، وَعَشْرًا فِي صَفَرٍ) فَيَجِبُ فِي ثَلَاثِينَ إِذَا تَمَّ حَوْلُهَا تَبِيعٌ، وَأَمَّا الْمُسْتَفَادُ (فَعَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ إِذَا تَمَّ حَوْلُهَا رُبْعُ مُسِنَّةٍ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْمُسِنَّةِ قَدْ كَمُلَتْ، وَقَدْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الثَّلَاثِينَ، فَوَجَبَ فِي الْعَشْرِ، يَقْطَعُهَا مِنَ الْمُسِنَّةِ وَهُوَ رُبْعُهَا، وَعَلَى الثَّالِثِ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ مَلَكَهَا مُنْفَرِدَةً. [إِنْ مَلَكَ مَا لَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ] (وَإِنْ مَلَكَ مَا لَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 الْفَرْضَ كَخَمْسٍ، فَلَا شَيْءَ فِيهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الثَّانِي: عَلَيْهِ سُبْعُ تَبِيعٍ إِذَا تَمَّ حَوْلُهَا، وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً، كُلُّ عِشْرِينَ مِنْهَا مُخْتَلِطَةٌ بِعِشْرِينَ لِآخَرَ، فَعَلَى الْجَمِيعِ شَاةٌ، نِصْفُهَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ، وَنِصْفُهَا عَلَى خُلَطَائِهِ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سُدُسُ شَاةٍ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ عَشْرٍ مِنْهَا مُخْتَلِطَةً بِعَشْرٍ لِآخَرَ، فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَى خُلَطَائِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِطُوا فِي نِصَابٍ، وَإِذَا كَانَتْ مَاشِيَةُ الرَّجُلِ مُتَفَرِّقَةً فِي بَلَدَيْنِ لَا تُقْصَرُ بَيْنَهُمَا الصَّلَاةُ فَهِيَ كَالْمُجْتَمِعَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّ لِكُلِّ مَالٍ حُكْمَ نَفْسِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] كَخَمْسٍ فَلَا شَيْءَ فِيهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ وَقْصٌ، وَكَمَا لَوْ مَلَكَهُمَا دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا عَلَى الثَّالِثِ (وَفِي الثَّانِي عَلَيْهِ سُبْعُ تَبِيعٍ إِذَا تَمَّ حَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِطٌ بِخَمْسٍ كَثَلَاثِينَ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً، كُلُّ عِشْرِينَ مِنْهَا مُخْتَلِطَةٌ بِعِشْرِينَ لِآخَرَ، فَعَلَى الْجَمِيعِ شَاةٌ) ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ شَيْئًا يَجِبُ فِيهِ شَاةٌ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَكَذَا فِي الِاخْتِلَاطِ (نِصْفُهَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ، وَنِصْفُهَا عَلَى خُلَطَائِهِ، عَلَى كُلٍّ وَاحِدٍ سُدْسُ شَاةٍ) ضُمَّ الْمَالُ كُلُّ خَلِيطٍ إِلَى مَالِ الْكُلِّ، فَيَصِيرُ كَمَالٍ وَاحِدٍ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَمَحَلُّهُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ قَصْرٍ، أَوْ كَانَ عَلَى رِوَايَةٍ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُمْ شَاتَانِ وَرُبْعٌ، عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِطُ الْعِشْرِينَ خُلْطَةَ وَصْفٍ، وَلِأَرْبَعِينَ بِجَهَةِ الْمِلْكِ، وَحِصَّةُ الْعِشْرِينَ مِنْ زَكَاةِ الثَّمَانِينَ رُبْعُ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِطُ الْعِشْرِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ فِي الْجَمِيعِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، عَلَى رَبِّ السِّتِّينَ شَاةٌ وَنِصْفٌ، جُعِلَا لِلْخُلْطَةِ قَاطِعَةً بَعْضَ مِلْكِهِ عَنْ بَعْضٍ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ نِصْفُ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُخَالِطْ سِوَى عِشْرِينَ (وإِنْ كَانَتْ كُلُّ عَشْرٍ مِنْهَا مُخْتَلِطَةً بِعَشْرٍ لِآخَرَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ نِصَابًا، وَقَدْ فَاتَ هُنَا، فَوَجَبَ عَلَى مَالِكِ السِّتِّينَ شَاةٌ (وَلَا شَيْءَ عَلَى خُلَطَائِهِ) وَأَبْرَزَ الْمُؤَلِّفُ عِلَّتَهُ. فَقَالَ: (لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِطُوا فِي نِصَابٍ) بِخِلَافِ الْأُولَى (وَإِذَا كَانَتْ مَاشِيَةُ الرَّجُلِ مُتَفَرِّقَةً فِي بَلَدَيْنِ لَا تُقْصَرُ بَيْنَهُمَا الصَّلَاةُ، فَهِيَ كَالْمُجْتَمِعَةِ) يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَيُزَكِّيهَا كَالْمُخْتَلِطَةِ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ، فَكَذَلِكَ) فِي رِوَايَةٍ هِيَ (قَوْلُ) أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتِيَارُ (أَبِي الْخَطَّابِ) وَصَحَّحَهُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 كَمَا لَوْ كَانَا لِرَجُلَيْنِ، وَلَا تُؤَثِّرُ الْخُلْطَةُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُؤَثِّرُ. وَيَجُوزُ   [المبدع في شرح المقنع] " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " لِقَوْلِهِ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ وَاحِدٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَكَغَيْرِ السَّائِمَةِ إِجْمَاعًا، وَعَلَيْهَا يَخْرُجُ الْفَرْضُ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، وَقِيلَ: بِالْقِسْطِ (وَالْمَنْصُوصُ) عَنْ أَحْمَدَ كَمَا نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ (أَنَّ لِكُلِّ مَالٍ حُكْمُ نَفْسِهِ) فَإِنْ كَانَ نِصَابًا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا، فَجَعَلَ التَّفْرِقَةَ فِي الْبَلَدَيْنِ كَالتَّفْرِقَةِ فِي الْمِلْكَيْنِ، فَصَارَ (كَمَا لَوْ كَانَا لِرَجُلَيْنِ) احْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ. . .» الْخَبَرَ، وَعِنْدَنَا أَنَّ مَنْ جَمَعَ أَوْ فَرَّقَ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَالٍ يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهُ بِبَلَدِهِ، فَتَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِهِ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ غَيْرِ أَحْمَدَ، وَحَمَلَ الْمُؤَلِّفُ النَّصَّ عَلَى الْمُجْتَمِعَةِ، وَكَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ لَا يَأْخُذُهَا، وَإِنَّمَا رَبُّ الْمَالِ، فَيُخْرِجُ إِذَا بَلَغَ مَالُهُ نِصَابًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَاشِيَةِ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ، لَكِنْ جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ رِوَايَتَيْنِ كَالْمَاشِيَةِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ (وَلَا تُؤَثِّرُ الْخُلْطَةُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ: لَا يُجْمَعُ الْخَلِيطَانِ؛ وَلِأَنَّ السَّائِمَةَ تَقِلُّ تَارَةً، وَتَكْثُرْ أُخْرَى، وَسَائِرُ الْمَالِ يَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ، فَلَا أَثَرَ لِجَمْعِهَا، وَالْخُلْطَةُ مِنَ الْمَاشِيَةِ يُؤَثِّرُ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ، فَلَوِ اعْتَبَرْنَاهُ فِي غَيْرِهَا لَأَثَّرَتْ ضَرَرًا مَحْضًا بِرَبِّ الْمَالِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُؤَثِّرُ) ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا مَوْجُودٌ فِي غَيْرِهَا، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَخَصَّهَا الْأَكْثَرُ بِخُلْطَةِ الْأَعْيَانِ؛ وَهِيَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَالْأَوْزَاعِيُّ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فَأَمَّا خُلْطَةُ الْأَوْصَافِ فَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَا يَحْصُلُ، وَقِيلَ: لَهَا مَدْخَلٌ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: كَالْمَوَاشِي، فَقَالَ: إِذَا كَانَا رَجُلَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 لِلسَّاعِي أَخْذُ الْفَرْضِ مَنْ مَالِ أَيِّ الْخَلِيطَيْنِ شَاءَ، مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا، وَيَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ به عَلَى خَلِيطِهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الْقِيمَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ إِذَا عُدِمَتِ الْبَيِّنَةُ، وَإِذَا أَخَذَ السَّاعِي أَكْثَرَ مِنَ الْفَرْضِ ظُلْمًا، لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى خَلِيطِهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ رَجَعَ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] لَهُمَا مِنَ الْمَالِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ النَّقْدَيْنِ، فَعَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ، فَيُعْتَبَرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اتِّحَادُ الْمُؤَنَ وَمَرَافِقُ الْمِلْكِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِ الشَّرِكَةِ، وَخَصَّهَا الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ بِالنَّقْدَيْنِ. [لِلسَّاعِي أَخْذُ الْفَرْضِ مِنْ مَالِ أَيِّ الْخَلِيطَيْنِ شَاءَ] (وَيَجُوزُ لِلسَّاعِي أَخْذُ الْفَرْضِ مِنْ مَالِ أَيِّ الْخَلِيطَيْنِ شَاءَ) ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ (مَعَ الْحَاجَةِ) بِأَنْ تَكُونَ الْفَرِيضَةُ عَيْنًا وَاحِدَةً لَا يُمْكِنُ أَخْذُهَا إِلَّا مِنْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ، أَوْ تَكُونُ أَحَدُهُمَا صِغَارًا، وَالْآخَرُ كِبَارًا، وَنَحْوُهُ (وَعَدَمُهَا) بِأَنْ يَجِدَ فَرْضَ كُلٍّ مِنَ الْمَالَيْنِ فِيهِ، نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ قِسْمَةٍ فِي خُلْطَةِ أَعْيَانٍ مَعَ بَقَاءِ النَّصِيبَيْنِ، وَقَدْ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ خِلَافًا لِ " الْمُحَرَّرِ " (فَأَمَّا مَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، كَذِمِّيٍّ وَمُكَاتَبٍ، فَلَا أَثَرَ لِخُلْطَتِهِ فِي جَوَازِ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ مِنْ خَلِيطَيْنِ يُمْكِنُ رُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ (وَيَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ بِهِ عَلَى خَلِيطِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» ؛ أَيْ: إِذَا أُخِذَ مِنْ أَحَدِهِمَا (بِحِصَّتِهِ مِنَ الْقِيمَةِ) يَوْمَ أُخِذَتْ لِزَوَالِ مِلْكِهِ إِذَنْ؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، فَيَرْجِعُ بِالْقِسْطِ الَّذِي قَابَلَ مَالَهُ مِنَ الْمُخْرَجِ، فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الْمَالِ، وَأُخِذَ الْفَرْضُ مِنْهُ، رَجَعَ بِقِيمَةِ ثُلُثَيِ الْمُخْرَجِ عَلَى شَرِيكِهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنَ الْآخَرِ رَجَعَ بِقِيمَةِ الثُّلُثِ، يَرْجِعُ رَبُّ عَشَرَةٍ مِنَ الْإِبِلِ أُخِذَتْ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى رَبِّ عِشْرِينَ بِقِيمَةِ ثُلُثَيْهَا، وَبِالْعَكْسِ بِقِيمَةِ ثُلُثِهَا (فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ) بِأَنْ قَالَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ: قِيمَتُهَا عِشْرُونَ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ) مَعَ يَمِينِهِ (إِذَا عُدِمَتِ الْبَيِّنَةُ) وَاحْتُمِلَ صِدْقُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ غَارِمٌ، وَكَالْغَاصِبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَجِبُ بِمَا يَقُولُهُ، لِأَنَّهَا تَرْفَعُ النِّزَاعَ (وَإِذَا أَخَذَ السَّاعِي أَكْثَرَ مِنَ الْفَرْضِ ظُلْمًا) ؛ أَيْ: ثَلَاثًا، قِيلَ: كَأَخْذِهِ عَنْ أَرْبَعِينَ مُخْتَلِطَةً شَاتَيْنِ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا (لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى خَلِيطِهِ) ؛ لِأَنَّهَا ظُلْمٌ، فَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ وِفَاقًا. وَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] خَلِيطِهِ بِنِصْفِ شَاةٍ فَقَطْ، وَذَكَرَ الشَّيْخِ تَقِيُّ الدِّينِ فِيهَا قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ أَظْهَرُهُمَا: يَرْجِعُ. وَقَالَ فِي الْمَظَالِمِ الْمُشْتَرَكَةِ: وَحِينَئِذٍ تُطْلَبُ مِنَ الشُّرَكَاءِ، يَطْلُبُهَا الْوُلَاةُ مِنَ الْبُلْدَانِ أَوِ التُّجَّارِ أَوِ الْحَجِيجِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَالْكُلَفُ السُّلْطَانِيَّةُ عَلَى الْأَنْفُسِ أَوِ الْأَمْوَالِ أَوِ الدَّوَابِّ، وَيَلْزَمُهُمُ الْتِزَامُ الْعَدْلِ فِي ذَلِكَ، كَمَا يَلْزَمُ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِحَقٍّ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَدَاءِ قِسْطِهِ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ يُؤْخَذُ قِسْطُهُ مِنَ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعِ الظُّلْمَ عَنْهُ إِلَّا بِظُلْمِ شُرَكَائِهِ (وَإِنْ أَخَذَهُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ) كَأَخْذِهِ صَحِيحَةً عَنْ مِرَاضٍ، أَوْ كَبِيرَةً عَنْ صِغَارٍ، أَوْ قِيمَةَ الْوَاجِبِ (رَجَعَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ نَائِبُ الْإِمَامِ، فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ، وَلِهَذَا لَا يُنْقَضُ؛ لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَمَا فِي الْحَاكِمِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ وَجَبَ دَفْعُهُ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ سَائِغٌ نَافِذٌ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِسَوَغَانِهِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِنْ أَخَذَ الْقِيمَةَ، وَصَارَ أَحَدُهَا، رَجَعَ بِنِصْفِهَا، إِنْ قُلْنَا: الْقِيمَةُ أَصْلٌ، وَإِنْ قُلْنَا: بَدَلٌ، فَيُنَصِّفُ قِيمَةَ الشَّاةِ، وَإِنْ لَمْ تُجْزِئِ الْقِيمَةُ فَلَا رُجُوعَ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ، وَلَوِ اعْتَقَدَ الْمَأْخُوذُ بِهِ عَدَمَهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا أَخْرَجَ أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ فَوْقَ الْوَاجِبِ لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ. قَالَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ ": عَقْدُ الْخُلْطَةِ: جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْإِذْنِ لِخَلِيطِهِ فِي الْإِخْرَاجِ عَنْهُ، وَكَذَا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، غَابَ الْآخَرُ أَوْ حَضَرَ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ: لَا يُجْزِئُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَخَذَ السَّاعِي فَرْضًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ: هَلْ هُوَ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا، عَمِلَ كُلٌّ فِي التَّرَاجُعِ بِمَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْضَ فِيهِ، لِفِعْلِ السَّاعِي، فَعِشْرُونَ خُلْطَةً بِسِتِّينَ فِيهَا رُبْعُ شَاةٍ، فَإِذَا أَخَذَ الشَّاةَ مِنَ السِّتِّينَ رَجَعَ رَبُّهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 بَابُ زَكَاةُ الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا، وَفِي كُلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ، كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ   [المبدع في شرح المقنع] بِرُبْعِ الشَّاةِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنَ الْعِشْرِينَ رَجَعَ بِهَا بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا لَا بِقِيمَتِهَا كُلِّهَا، وَلَا يَسْقُطُ زِيَادَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بِأَخْذِ السَّاعِي مُجْمَعًا عَلَيْهِ، كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ خُلْطَةً بَيْنِهِمَا ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ عَقِبَ الْحَوْلِ بِأَخْذِ نِصْفِ شَاةٍ، بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقٍ الزَّكَاةِ بِالنِّصَابِ وَالْعَفْوِ، وَجَعْلِ لِلْخُلْطَةِ وَالتَّلَفِ تَأْثِيرًا، لَزِمَهُمَا إِخْرَاجُ نِصْفِ شَاةٍ، ذَكَرَهُمَا فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ ". [بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ] [حُكْمُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ] بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَالزَّكَاةُ تُسَمَّى نَفَقَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَقُّهُ الزَّكَاةُ، مَرَّةً الْعُشْرُ وَمَرَّةً نِصْفُ الْعُشْرِ، وَالسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ (تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا، سَوَاءٌ كَانَ قُوتًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْأُرْزِ وَالدُّخْنِ، أَوْ مِنَ الْقُطْنِيَّاتِ كَالْبَاقِلَاءِ وَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ، أَوْ مِنَ الْأَبَازِيرِ كَالْكُسْفُرَةِ وَالْكَمُّونِ، وَكَبِزْرِ الْكَتَّانِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ، وَحَبِّ الْبُقُولِ، كَحَبِّ الرَّشَادِ، وَالْفُجْلِ، وَالْقُرْطُمِ؛ لِعُمُومِ النَّصِّ السَّابِقِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَفِي كُلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ) نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَدْخُلُهُ التَّوْسِيقُ لَيْسَ مُرَادًا مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَإِلَّا لَكَانَ ذِكْرُ الْأَوْسُقِ لَغْوًا؛ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُدَّخَرِ لَا تَكْمُلُ فِيهِ النِّعْمَةُ لِعَدَمِ النَّفْعِ فِيهِ مَآلًا (كَالثَّمَرِ وَالزَّبِيبِ وَاللَّوْزِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مَكِيلٌ (وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ) وَالسُّمَّاقُ. نَقَلَ صَالِحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَأَنْ يُكَالَ وَيُدَّخَرَ، وَيَقَعُ فِيهِ الْقَفِيزُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ، وَلَا تَجِبُ فِي سَائِرِ الثَّمَرِ، وَلَا فِي الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ وَالزَّهْرِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ وَالْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ إِذَا بَلَغَا بِالْوَزْنِ نِصَابًا،   [المبدع في شرح المقنع] فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا كَانَ مِثْلَ الْبَصَلِ، وَالرَّيَاحِينِ، وَالرُّمَّانِ، فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ، إِلَّا أَنْ يُبَاعَ وَيَحُولُ عَلَى ثَمَنِهِ حَوْلٌ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ، (وَلَا تَجِبُ فِي سَائِرِ الثَّمَرِ) كَالْجَوْزِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ مَعْدُودٌ، وَالْخَوْخِ، وَالْآجَاصِ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالْمِشْمِشِ، وَالتِّينِ، وَالتُّوتِ، وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَكِيلَةً، وَقَدْ رُوِيَ أَنْ عَامِلَ عُمَرَ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي كُرُومٍ فِيهَا مِنَ الْفِرْسِكِ وَالرُّمَّانِ مَا هُوَ أَكْثَرُ غَلَّةً مِنَ الْكُرُومِ أَضْعَافًا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: لَيْسَ فِيه عُشْرٌ، هِيَ مِنَ الْعِضَاهِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَكَذَا الْعُنَّابُ، وَجَزَمَ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْكَافِي " بِالزَّكَاةِ فِيهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهَذَا أَظْهَرُ، وَالتِّينُ، وَالْمِشْمِشُ، وَالتُّوتُ مِثْلُهُ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا فِي التِّينِ؛ لِأَنَّهُ يُدَّخَرُ كَالتَّمْرِ (وَلَا فِي الْخُضَرِ) كَالْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَاللِّفْتِ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» " وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ، (وَالْبُقُولِ وَالزَّهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ، وَنَحْوُهُمَا الْوَرَقُ وَطَلْعُ الْفُحَّالِ، وَالسَّعَفِ وَالْخُوصِ، وَالْحَطَبِ وَالْخَشَبِ، وَأَغْصَانِ الْخِلَافِ، وَالْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ مُطْلَقًا، وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ وَصُوفِهَا، وَكَذَا الْحَرِيرُ وَدُودُ الْقَزِّ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالزَّيْتُونَ} [الأنعام: 99] الْآيَةَ؛ وَلِأَنَّهُ حَبٌّ مَكِيلٌ يُنْتَفَعُ بِدُهْنِهِ الْخَارِجِ مِنْهُ، أَشْبَهَ السِّمْسِمَ وَالْكَتَّانَ، فَيُزَكَّى إِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَيْلًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُخْرِجُ مِنْهُ، وَإِنْ صَفَّاهُ، وَأَخْرَجَ عَصِيرَ زَيْتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَالثَّانِيَةُ لا يجب، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤَلِّفُ: عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الِادِّخَارَ شَرْطٌ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ، فَلَمْ يَجِبْ، وَالْآيَةُ بِمَكَّةَ نَزَلَتْ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَلَا تَكُونُ مُرَادَةً، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الرُّمَّانِ (وَالْقُطْنِ وَالزَّغْفَرَانِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْزُونٌ مُدَّخَرٌ تَامُّ الْمَنْفَعَةِ وَالْوَزْنِ، أُقِيمَ مَقَامَ الْكَيْلِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي عُمُومِ الْمَنْفَعَةِ (إِذَا بَلَغَا بِالْوَزْنِ نِصَابًا) وَهُوَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ عِرَاقِيَّةٍ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا زَكَاةَ فِي حَبِّ الْبُقُولِ كَحَبِّ الرَّشَادِ وَالْأَبَازِيرِ، كَالْكُسْفُرَةِ وَالْكَمُّونِ، وَبَذْرِ الْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ، وَنَحْوِهِ. وَيُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: أن يبلغ نصابا قَدْرَهُ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ وَالْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ،   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ بِالْكَيْلِ رَجَعَ فِيهِ إِلَى الْوَزْنِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " (وَعَنْهُ: أَنَّ نِصَابَ ذَلِكَ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصَابٍ مِنْ أَدْنَى الْعَشَرَاتِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ فِيهِمَا؛ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ لِعَدَمِ الْكَيْلِ فِيهِمَا، وَقِيَامُ الْوَزْنِ مَقَامَ الْكَيْلِ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَمْ أَجِدْ فِيهِمَا نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ، غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِي حَكَى عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ فِي الْقُطْنِ وَجَبَ فِي حَبِّهِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَالْكَتَّانُ مِثْلُهُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَكَذَا الْعِنَبُ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزَّعْفَرَانِ، وَيَخْرُجُ عَلَيْهِ الْعُصْفُرُ وَالْوَرْسُ وَالنِّيلُ. قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: وَالْفُوَّةُ، وَفِي الْحِنَّاءِ الْخِلَافُ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا زَكَاةَ فِي حَبِّ الْبُقُولِ كَحَبِّ الرَّشَادِ، وَالْأَبَازِيرِ، كَالْكُسْفُرَةِ وَالْكَمُّونِ، وَبِزْرِ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوِهِ) كَبِزْرِ الرَّيَاحِينِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُوتٍ وَلَا أُدْمٍ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا بِزْرُ الْيَقْطِينِ، وَذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " مِنَ الْمُقْتَاتِ، وَيُخْرِجُ الصَّعْتَرَ وَالْأُشْنَانَ عَلَى الْخِلَافِ، وَجَزَمَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ نَبَاتٌ مَكِيلٌ مُدَّخَرٌ، وَمَالُهُ وَرَقٌّ مَقْصُودٌ كَوَرَقِ السِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَالْآسِ عَلَى الْخِلَافِ، وَالْأَشْهَرُ الْوُجُوبُ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ: لَا زَكَاةَ إِلَّا فِي التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ، يُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مُوسَى، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ التَّابِعِينَ. [شُرُوطُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ] (وَيُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا شَرْطَانِ، أَحَدُهُمَا: أَن يبلغ نصابا، قَدْرَهُ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ وَالْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ خمسة أوسق) فَلَا يَجِبُ فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ ثَمَرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ. فَتَقْدِيرُهُ بِالْكَيْلِ يَدُلُّ عَلَى إِنَاطَةِ الْحُكْمِ بِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْحَوْلُ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ عِنْدَ الْوُجُوبِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ النِّصَابِ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ الْكَمَالِ وَالِادِّخَارِ وَالْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ؛ لِأَنَّ التَّوْسِيقَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ التَّحْقِيقِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وثلث بِالْعِرَاقِيِّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَلْفًا وَسِتَّمِائَةِ   [المبدع في شرح المقنع] عِنْدَهُ، فَلَوْ كَانَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ عِنَبًا، لَا يَجِيءُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَبِيبًا، لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ (وَالْوَسْقُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا (سِتُّونَ صَاعًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ، وَنَحْوُهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهَذَا أَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ، وَتَوَارَدَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ، فَيَكُونُ ثَلَاثَمِائَةِ صَاعٍ، (وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وثلث بِالْعِرَاقِيِّ) وَهُوَ رِطْلٌ وَسُبْعٌ دِمَشْقِيٌّ، فَرَدَّ عَلَى الثَّلَاثِمِائَةِ سُبْعَهَا، تَكُنْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ رِطْلًا، وَسِتَّةَ أَسْبَاعِ رِطْلٍ بِالدِّمَشْقِيِّ، عَلَى مَا حَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي الْجَدِيدِ " أَنَّ الرِّطْلَ الْعِرَاقِيَّ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَبِالْقُدْسِيِّ وَمَا وَافَقَهُ: مِائَتَانِ وَسَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ رِطْلًا وَسُبْعُ رِطْلٍ، وَبَالْحَلَبِيِّ وَمَا وَافَقَهُ: مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ رِطْلًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ رَطْلٍ، وَبِالْمِصْرِيِّ وَمَا وَافَقَهُ: أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ (فَيَكُونُ ذَلِكَ) أَيْ: بِالْعِرَاقِيِّ (أَلْفًا وَسِتَّمِائَةِ رِطْلٍ) وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ بِلَا كَسْرٍ: ثَلَاثُمِائَةِ رِطْلٍ وَأَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثُ رِطْلٍ، وَالْوَسْقُ وَالصَّاعُ كَيْلَانِ لَا صَنْجَانِ، وَإِنَّمَا نُقِلَ إِلَى الْوَزْنِ لِيُحْفَظَ وَيُنْقَلَ؛ إِذِ الْمَكِيلُ يَخْتَلِفُ فِي الْوَزْنِ، فَمِنْهُ ثَقِيلٌ كَالْأُرْزِ وَالتَّمْرِ، وَمُتَوَسِّطٌ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ، وَخَفِيفٌ كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، وَالِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِالْمُتَوَسِّطِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ فِي الْخَفِيفِ إِذَا قَارَبَ هَذَا الْوَزْنَ، وَإِنْ لَمْ يَيْلُغْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْكَيْلِ كَالرَّزِينِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَأَكْثَرُ الثَّمَرِ أَخَفُّ مِنَ الْحِنْطَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُكَالُ شَرْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى هَيْئَةٍ غَيْرُ مَكْبُوسٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ بِالْحِنْطَةِ أَيْ: بِالرَّزِينِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُسَاوِي الْعَدَسَ فِي وَزْنِهِ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنِ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَبْعَدُ الْأَمْرَيْنِ الْكَيْلُ أَوِ الْوَزْنُ. 1 - تَنْبِيهٌ: نِصَابُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ تَحْدِيدٌ فِي الْأَشْهَرِ، لِتَحْدِيدِ الشَّارِعِ بِالْأَوْسُقِ، وَعَنْهُ: تَقْرِيبٌ، فَيُؤْثَرُ نَحْوُ رِطْلَيْنِ وَمُدَّيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي، وَجَعَلَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فَائِدَةَ الْخِلَافِ، وَقَدَّمَ الثَّانِيَةَ، وَلَا اعْتِبَارَ بِنَقْصِ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، جَزَمَ بِهِ الْأَئِمَّةُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 رِطْلٍ إِلَّا الْأُرْزَ وَالْعَلَسَ - نَوْعٌ مِنَ الْحِنْطَةِ يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ - فَنِصَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ قِشْرِهِ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ نِصَابُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ رُطَبًا، ثُمَّ يُؤْخَذُ عُشْرُهُ يَابِسًا،   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": إِذَا نَقَصَ مَا لَوْ وُزِّعَ عَلَى الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ ظَهَرَ فِيهَا، فَلَا زَكَاةَ، وَإِلَّا وَجَبَتْ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا شَكَّ فِي بُلُوغِ قَدْرِ النِّصَابِ احْتَاطَ، وَأَخْرَجَ وَلَمْ تَجِبْ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " مُنْتَهَى الْغَايَةِ "، وَمَنِ اتَّخَذَ وِعَاءً يَسَعُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا مِنَ الْبُرِّ الرَّزِينِ، ثُمَّ كَالَ بِهِ مَا شَاءَ، عَرَفَ أَبْلَغَ حَدِّ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (إِلَّا الْأُرْزَ وَالْعَلَسَ نَوْعٌ مِنَ الْحِنْطَةِ) وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ (يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ) عَادَةً لِحِفْظِهِ (فَإِنَّ نِصَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ قِشْرِهِ عشرة أوسق) ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ زَعَمُوا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى النِّصْفِ، وَأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ قِشْرِهِ لَا يَبْقَى كَغَيْرِهِ، فَيَجِبُ الْعُشْرَ إِذَا بَلَغَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ حَبًّا، وَإِنْ صُفِّيَا فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِثِقَلٍ وَخِفَّةٍ، فَيُرْجَعُ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَيُؤْخَذُ بِقَدْرِهِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ نِصَابُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ رُطَبًا، ثُمَّ يُؤْخَذُ عُشْرُهُ يَابِسًا) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ: «أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ، كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ، فَيُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا، كَمَا يُؤْخَذُ صَدَقَةُ النَّخْلِ تَمْرًا» "، وَمَا وَجَبَ خَرْصُهُ اعْتُبِرَ بِحَالِ رُطُوبَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ لَا، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ نِصَابُهُمَا رُطَبًا وَعِنَبًا، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَيُؤْخَذُ عُشْرُ مَا يَجِيءُ مِنْهُ، وَحَمَلَهَا فِي " الْمُغْنِي " عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُؤْخَذَ عُشْرُ مَا يَجِيءُ مِنْهُ مِنَ التَّمْرِ إِذَا بَلَغَ رُطَبُهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّ إِيجَابَ قَدْرِ عُشْرِ الرُّطَبِ مِنَ التَّمْرِ إِيجَابٌ لِأَكْثَرِ مِنَ الْعُشْرِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَخْرُصُ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ خَرَصَ عَلَيْهِ مِائَةَ وَسْقٍ رُطَبًا يُعْطِي عِشْرَةَ أَوْسُقٍ تَمْرًا؟ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ التَّأْوِيلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 وَتُضَمُّ ثَمَرَةُ الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ حِمْلَيْنِ ضَمَّ أَحَدَهُمَا إِلَى الْآخَرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُضَمُّ، وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إِلَى آخَرَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْحُبُوبَ يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَعَنْهُ: يُضَمُّ الْحِنْطَةُ إِلَى الشَّعِيرِ، وَالْقُطْنِيَّاتُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ مَمْلُوكًا لَهُ وَقْتَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَلَا يَجِبُ فِيمَا يَكْتَسِبُهُ اللُّقَّاطُ، أَوْ يَأْخُذُهُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَتُضَمُّ ثَمَرَةُ الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَكَمَا لَوْ بَدَا صَلَاحُ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى؛ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ كَالْبَرْنِيِّ وَالْمَعْقِلِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ وَقْتُ إِطْلَاعِهَا وَإِدْرَاكِهَا أَوِ اخْتَلَفَ، أَوْ تَعَدَّدَ الْبَلَدُ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ، فَيَأْخُذُ عَامِلُ الْبَلَدِ حِصَّتَهُ مِنَ الْوَاجِبِ فِي مَحَلِّ وِلَايَةٍ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لِنَقْصِ مَا فِي وِلَايَتِهِ عَنْ نِصَابٍ، فَيُخْرِجُ الْمَالِكُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَامِ هُنَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، بَلْ وَقْتُ اسْتِغْلَالِ الْمُغَلِّ مِنَ الْعَامِ عُرْفًا، وَأَكْثَرُهُ عَادَةً سِتَّةُ أَشْهُرٍ بِقَدْرِ فَصْلَيْنِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَضُمُّ ثَمَرَةَ عَامٍ، أَوْ زَرْعَهُ إِلَى آخَرَ (فَإِنْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ حِمْلَيْنِ، ضَمَّ أَحَدَهُمَا إِلَى الْآخَرِ) لِزَرْعِ الْعَامِ الْوَاحِدِ، وَكَالذُّرَةِ الَّتِي تَنْبُتُ مَرَّتَيْنِ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَضُمُّ) لِقُدْرَتِهِ مَعَ بَيَانِ أَصِلِهِ، فَهُوَ لِثَمَرَةِ عَامٍ آخَرَ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ، فَعَلَيْهِ لَوْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ يَحْمِلُ بَعْضُهُ فِي السَّنَةِ حِمْلًا، وَبَعْضُهُ حِمْلَيْنِ، ضَمَّ مَا يَحْمِلُ حِمْلًا إِلَى أَيِّهِمَا بَلَغَ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: أَقْرَبُهُمَا إِلَيْهِ (وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إِلَى آخَرَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ) اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " كَأَجْنَاسِ الثِّمَارِ وَالْمَاشِيَةِ (وَعَنْهُ: أَنَّ الْحُبُوبَ يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ) نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي قَدْرِ النِّصَابِ وَالْمُخْرَجِ كَضَمِّ أَنْوَاعِ الْجِنْسِ (وَعَنْهُ: يُضَمُّ الْحِنْطَةُ إِلَى الشَّعِيرِ، وَالْقُطْنِيَّاتُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَجَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَقَارَبُ مَنْفَعَةً، أَشْبَهَ نَوْعِيِ الْجِنْسِ، وَعَلَيْهَا تُضَمُّ الْأَبَازِيرُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَكَذَا حَبُّ الْبُقُولِ لِتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ، وَالذُّرَةُ إِلَى الدُّخْنِ، وَكُلُّ مَا يُقَارِبُ مِنَ الْحُبُوبِ ضُمَّ، وَمَعَ الْمِسْكِ لَا ضَمَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ مَمْلُوكًا لَهُ وَقْتَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ) وَهُوَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (وَلَا يَجِبُ فِيمَا يَكْتَسِبُهُ اللُّقَّاطُ) مِنَ السُّنْبُلِ (أَوْ يَأْخُذُهُ) أُجْرَةً (بِحَصَادِهِ) ، وَكَذَا مَا مَلَكَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشِرَاءٍ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 بِحَصَادِهِ، وَلَا فِيمَا يَجْتَنِيهِ مِنَ الْمُبَاحِ، كَالْبُطْمِ وَالزَّعْبَلِ وَبِزْرِ قَطُونَا وَنَحْوِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا ثَبَتَ فِي أَرْضِهِ. فَصْلٌ وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ، كَالْغَيْثِ وَالسُّيُوحِ، وَمَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِكُلْفَةٍ كَالدَّوَالِي وَالنَّوَاضِحِ، فَإِنْ سَقَى نِصْفَ   [المبدع في شرح المقنع] إِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْعَسَلِ لِلْأَثَرِ (وَلَا فِيمَا يَجْتَنِيهِ مِنَ الْمُبَاحِ كَالْبُطْمِ، وَالزَّعْبَلِ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ؛ وَهُوَ شَعِيرُ الْجَبَلِ (وَبِزْرِ قَطُونَا وَنَحْوِهِ) كَحَبِّ النَّمَّامِ، وَبِزْرِ الْبَقْلَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَمْ يَمْلِكْهُ، فَلَمْ تَجِبْ، كَمَا لَوِ اتَّهَبَهُ (وَقَالَ الْقَاضِي:) وَأَبُو الْخَطَّابِ (فِيهِ الزَّكَاةُ) لِكَوْنِهِ مَكِيلًا مُدَّخَرًا (إِذَا ثَبَتَ فِي أَرْضِهِ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ إِذَا ثَبَتَ فِي أَرْضِهِ هَلْ يَمْلِكُ بملك الْأَرْضَ أَوْ يَأْخُذُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِمِلْكِهَا، بَلْ يَأْخُذُهُ، فَإِنْ ثَبَتَ بِنَفْسِهِ مَا يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّ كَمَنْ سَقَطَ لَهُ حَبُّ حِنْطَةٍ فِي أَرْضِهِ، أَوْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ. [وُجُوبُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ وَنِصْفِ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ كُلْفَةً] فَصْلٌ (وَيَجِبُ الْعُشْرُ) وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ إِجْمَاعًا (فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ كَالْغَيْثِ وَالسُّيُوحِ) جَمْعُ سَيْحٍ؛ وَهُوَ الْمَاءُ الْجَارِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَالْمُرَادُ: الْأَنْهَارُ وَالسَّوَاقِي (وَمَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ) كَالْبَعْلِ (وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِكُلْفَةٍ كَالدَّوَالِي) وَاحِدَتُهَا دَالِيَةٌ؛ وَهِيَ الدُّولَابُ تُدِيرُهُ الْبَقَرُ، وَالنَّاعُورَةُ تُدِيرُهَا الْمَاءُ (وَالنَّوَاضِحُ) جَمْعُ نَاضِحٍ وَنَاضِحَةٍ، وَهُمَا الْبَعِيرُ وَالنَّاقَةُ يُسْتَقَى عَلَيْهِمَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا، الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. سُمِّيَ عَثَرِيًّا؛ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِي مَجْرَى الْمَاءِ عَاثُورًا، فَإِذَا صَدَّتْهُ الْمَاءُ يَزَادُ مَدْخَلُ تِلْكَ الْمَجَارِ، فَتَسْقِيهِ؛ وَلِأَنَّ لِلْكُلْفَةِ تَأْثِيرًا فِي إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ، فَفِي تَخْفِيفِهَا أَوْلَى، وَلَا تُؤَثِّرُ مُؤْنَةُ حَفْرِ الْأَنْهَارِ وَالسَّوَاقِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ إِحْيَاءِ الْأَرْضِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ، وَكَذَا مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 السَّنَةِ بِهَذَا، وَنَصْفَهَا بِهَذَا، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ، وَإِنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنَ الْآخَرِ، اعْتَبَرَ أَكْثَرَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ، وَإِنْ جُهِلَ الْمِقْدَارُ، وَجَبَ الْعُشْرُ. وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرِ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ   [المبدع في شرح المقنع] يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي السَّوَاقِي؛ لِأَنَّهُ لِحَرْثِ الْأَرْضِ وَتَسْحِيَتِهَا، فَلَوِ اشْتَرَى مَاءَ بِرْكَةٍ أَوْ حُفَيْرَةٍ، وَسَقَى سَيْحًا، فَالْعُشْرُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ لِنُدْرَةٍ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: نِصْفُهُ، وَكَذَا إِنْ جَمَعَهُ، ثُمَّ سَقَى بِهِ، فَيَجِبُ الْعُشْرُ، فَإِنْ كَانَ يَجْرِي مِنَ النَّهْرِ فِي سَاقِيَةٍ إِلَى الْأَرْضِ، وَيَسْتَقِرُّ فِي مَكَانٍ قَرِيبٍ مَنْ وَجْهِهَا إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي تَرْقِيَةِ الْمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ إِلَى آلَةٍ مِنْ غَرْفٍ أَوْ دُولَابٍ، فَهُوَ مِنَ الْكُلْفَةِ الْمُسْقِطَةِ لِنِصْفِ الْعُشْرِ. فَرْعٌ: إِذَا سُقِيَتْ أَرْضُ الْعُشْرِ بِمَاءِ الْخَرَاجِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا، وَعَكْسُهُ لَمْ يَسْقُطْ خَرَاجُهَا، وَلَا يَمْنَعْ مِنْ سَقْيِ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِمَاءِ الْأُخْرَى، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ (فَإِنْ سَقَى نِصْفَ السَّنَةِ بِهَذَا، وَنَصِفَهَا بِهَذَا، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ وُجِدَ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ لَأَوْجَبَ مُقْتَضَاهُ، فَإِذَا وُجِدَ فِي نِصْفِهِ أَوْجَبَ نِصْفَهُ (فَإِنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنَ الْآخَرِ اعْتَبَرَ أَكْثَرَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ عَدَدِ السَّقْيِ وَمَرَّاتِهِ وَقَدْرَ مَا يُسْقَى بِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَشُقُّ، فَاعْتَبَرَ الْأَكْثَرَ كَالسَّوْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ، وَقِيلَ: بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ) لِوُجُوبِهِ عِنْدَ التَّمَاثُلِ، فَكَذَا عِنْدَ التَّفَاضُلِ كَفِطْرَةِ الْعِيدِ الْمُشْتَرَكِ، فَلَوِ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِيمَا سُقِيَ بِهِ أَكْثَرَ، صَدَقَ الْمَالِكَ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُسْتَحْلَفُونَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ، وَقِيلَ: يَحْلِفُ، لَكِنْ إِنْ نَكَلَ، لَزِمَهُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ فَقَطْ (وَإِنْ جَهِلَ الْمِقْدَارَ وَجَبَ الْعُشْرُ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُهُ كَامِلًا؛ وَلِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: يُجْعَلُ مِنْهُ بِكُلْفَةِ الْمُتَيَقِّنِ، وَالْبَاقِي سَيْحًا، وَيُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ؛ وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْأَنْفَعِ لِلْفَقِيرِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا كَانَ لَهُ حَائِطَانِ، أَحَدُهُمَا يُسْقَى بِمُؤْنَةٍ، وَالْآخَرُ بِغَيْرِهَا، ضُمَّا فِي النِّصَابِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ فِي سَقْيِهِ بِمُؤْنَتِهَا أَوْ غَيْرِهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 فَإِنْ قَطْعَهَا قَبْلَهُ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَقْطَعَهَا فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ فَيَلْزَمُهُ، وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إِلَّا بِجَعْلِهَا فِي الْجَرِينِ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ سَقَطَتْ، سَوَاءٌ كَانَتْ خُرِصَتْ أَوْ لَمْ تُخْرَصْ، وَإِذَا ادَّعَى تَلَفَهَا قُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَيَجِبُ   [المبدع في شرح المقنع] [إِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرِ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ] (وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ، وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرِ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ) ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ لِلْأَكْلِ وَالِاقْتِيَاتِ كَالْيَابِسِ؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ خَرْصِ الثَّمَرَةِ لِحِفْظِ الزَّكَاةِ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ زَكَاتُهُ، وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْخَرْصِ وَبَعْدَهُ، فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَوْ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ لَمْ يَبْلُغْ حِصَّتَهُ، وَأُخِذَ مِنْهُمْ نِصَابًا لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تَجِبُ زَكَاةُ الْحَبِّ يَوْمَ حَصَادِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] . وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي التَّصَرُّفِ (فَإِنْ قَطَعَهَا قَبْلَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا) كَمَا لَوْ أَكَلَ السَّائِمَةَ أَوْ بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ (إِلَّا أَنْ يَقْطَعَهَا فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ فَيَلْزَمُهُ) لِيَفُوتَهُ الْوَاجِبُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ، أَشْبَهَ الْعَامِلَ، وَالْمُطَلِّقَ ثَلَاثًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ (وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إِلَّا بِجَعْلِهَا فِي الْجَرِينِ) وَيُجْعَلُ الزَّرْعُ فِي الْبَيْدَرِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يُثْبَتْ الْيَدُ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَتْ مَبِيعَةً فَتَلِفَتِ بِجَائِحَةٍ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى فِعْلِ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ التَّمَكُّنَ مِنَ الْأَدَاءِ شَرْطًا (فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ سَقَطَتْ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَسْتَقِرَّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ، فَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ فَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ الثَّانِي نِصَابًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْمَذْهَبُ: إِنْ كَانَ التَّلَفُ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَهُوَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَجَبَ فِي الْبَاقِي بِقَدْرِهِ مُطْلَقًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَتْلَفَهَا أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ " لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ (سَوَاءٌ كَانَتْ خُرِصَتْ أَوْ لَمْ تُخْرَصْ) ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يُوجِبُ، وَإِنَّمَا فُعِلَ ذَلِكَ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ التَّصَرُّفِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْحَبِّ مُصَفًّى وَالثَّمَرِ يَابِسًا، فَإِنِ احْتِيجَ إِلَى قَطْعِهِ قَبْلَ كَمَالِهِ، لِضَعْفِ الْأَصْلِ وَنَحْوِهِ، أَوْ كَانَ رُطَبًا، لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ، أَوْ عِنَبًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ، أَخْرَجَ مِنْهُ عِنَبًا وَرُطَبًا، وَقَالَ الْقَاضِي: يُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ قِسْمَتِهِ مَعَ رَبِّ الْمَالِ قَبْلَ الْجِذَاذِ وَبَعْدِهِ، وَبَيْنَ بَيْعِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] فَوَجَبَ سُقُوطُ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُودِهِ كَعَدَمِهِ (وَإِذَا ادَّعَى تَلَفَهَا) بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ (قَبْلَ قَوْلِهِ) وَلَوِ اتُّهِمَ (بِغَيْرِ يَمِينٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ، فَلَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ كَالصَّلَاةِ. [إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْحَبِّ مُصَفًّى وَالثَّمَرِ يَابِسًا] (وَيَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْحَبِّ مُصَفًّى، وَالثَّمَرِ يَابِسًا) لِحَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، «وَلَا يُسَمَّى زَبِيبًا وَتَمْرًا إِلَّا الْيَابِسُ» ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِيهِمَا، فَالْكُلُّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْيَباسِ حَالَةُ الْكَمَالِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " (وَقِيلَ: يُجْزِئُ رُطَبُهُ، وَقِيلَ: فِيمَا لَا يُتْمِرُ وَلَا يُزَبَّبُ، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ عَنِ ابْنِ بَطَّةَ: لَهُ أَنْ يُخْرِجَ رُطَبًا وَعِنَبًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ أَخْرَجَ سُنْبُلًا وَرُطَبًا وَعِنَبًا لَمْ يُجْزِئْهُ وَوَقَعَ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَ السَّاعِي أَخَذَهُ فَجَفَّفَهُ وَصَفَّاهُ، وَكَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ، أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ أَخَذَ الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ زَائِدًا رَدَّ الْفَضْلَ، وَإِنْ كَانَ رُطَبًا بِحَالِهِ رَدَّهُ، وَإِنْ تَلِفَ رَدَّ مِثْلَهُ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ (فَإِنِ احْتِيجَ إِلَى قَطْعِهِ قَبْلَ كَمَالِهِ لِضَعْفِ الْأَصْلِ وَنَحْوِهِ) كَخَوْفِ عَطَشٍ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": أَوْ لِتَحْسِينِ بَقِيَّتِهِ (أَوْ كَانَ رُطَبًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ) كَالْحَسْنَوِيِّ (أَوْ عِنَبًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ) كَالْخَمْرِيِّ (أَخْرَجَ مِنْهُ عِنَبًا وَرُطَبًا) إِنْ كَانَ قَدْرَ نِصَابٍ يَابِسًا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخَانِ وَصَاحِبُ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ مُوَاسَاةً، وَلَا مُوَاسَاةَ فِي إِلْزَامِهِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ جَوَازَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْإِخْرَاجِ إِلَّا بِهِ؛ وَلِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي إِبْقَائِهِ. لَكِنْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: إِنْ كَفَى التَّجْفِيفُ لَمْ يَجُزْ قَطْعُ الْكُلِّ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ إِطْلَاقٌ، وَإِنَّمَا قِيلَ: جَازَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ، وَمُرَادُهُ يَجِبُ لِإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ إِلَّا بِإِذْنِ السَّاعِي إِنْ كَانَ (وَقَالَ الْقَاضِي) وَجَمَاعَةٌ (يُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ قِسْمَتِهِ مَعَ رَبِّ الْمَالِ قَبْلَ الْجِذَاذِ) بِالْخَرْصِ، وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُمْ نَخَلَاتٍ مُفْرَدَةً بِأَخْذِ تَمْرَتِهَا (أَوْ بَعْدَهُ) بِأَنْ جَذهَا وَقَاسَمَهُ إِيَّاهَا بِالكيْلِ، وَيُقَسِّمُ الثَّمَرَةَ فِي الْفُقَرَاءِ (وَبَيْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 يَابِسًا، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ زَكَاتِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ سَاعِيًا إِذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ لِيَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا، خَرَصَ كُلَّ نَوْعٍ وَحْدَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] بَيْعِهَا مِنْهُ أَوْ فِي غَيْرِهِ) وَيُقَسِّمُ ثَمَنَهَا، وَلِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَبْذُلُ فِيهَا عِوَضَ مِثْلِهَا، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ (وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ إِلَّا يَابِسًا) مُصَفَّاةً، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يُخْرَصُ الْعِنَبُ فَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا» ، وَلِأَنَّهُ حَالَةُ الْكَمَالِ، فَاعْتُبِرَ، فَإِنْ أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ هَذِهِ الثَّمَرَةَ، ضَمِنَ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا كَغَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَهَلْ يُخْرِجُ قِيمَتَهُ أَوْ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ يُخْرِجُهُ إِذَا قَدَرَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ (وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ زَكَاتِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ فِي سَرِيرِ الْفَرَسِ: «لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» ، وَقَيَّدَهُ فِي " الْوَجِيزِ " بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ وَهُوَ مُرَادٌ. [يَبْعَثُ الْإِمَامُ سَاعِيًا إِذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ لِيَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ] (وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثُ الْإِمَامُ سَاعِيًا إِذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ لِيَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: " «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةٍ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِحَدِيثِ عَتَّابٍ وَغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِالظَّنِّ لِلْحَاجَةِ لِغَيْرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّا أَنَّ نَخْلَ الْبَصْرَةِ لَا يُخْرَصُ، وَأَنَّهُ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فقهاء الْأَمْصَارُ لِلْمَشَقَّةِ، وَيَكْفِي خَارِصٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ كَحَاكِمٍ وَقَائِفٍ، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا أَمِينًا لَا يُتَّهَمُ، خَبِيرًا، وَقِيلَ: حُرًّا، وَأُجْرَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُبْعَثْ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنَ الْخَرْصِ مَا يَفْعَلُهُ السَّاعِي، لِيَعَرِفَ قَدْرَ الْوَاجِبِ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ، وَيُخَيِّرُهُ بَيْنَ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَا شَاءَ وَيَضْمَنَ قَدْرَهَا، وَبَيْنَ حِفْظِهَا إِلَى وَقْتِ الْجَفَافِ، فَإِنْ لَمْ يَضْمَنِ الزَّكَاةَ وَتَصَرَّفَ، صَحَّ تَصَرُّفُهُ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ عَنِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ التَّصَرُّفُ، كَتَصَرُّفِهِ قَبْلَ الْخَرْصِ (فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا، خَرَصَ كُلَّ نَوْعٍ وَحْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْعَدْلِ وَعَدَمِ الْجَوْرِ؛ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا مَا يَكْثُرُ رُطَبُهُ، وَيَقِلُّ تَمْرُهُ، وَبِالْعَكْسِ (وَإِنْ كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وَإِنْ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا فَلَهُ خَرْصُ كُلِّ شَجَرَةٍ وَحْدَهَا، وَلَهُ خَرْصُ الْجَمِيعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً. وَيَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ فِي الْخَرْصِ لِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثُ أَوِ الرُّبْعُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ،   [المبدع في شرح المقنع] نَوْعًا وَاحِدًا فَلَهُ خَرْصُ كُلِّ شَجَرَةٍ وَحْدَهَا) فَيُطِيفُ بِهَا (وَلَهُ خَرْصُ الْجَمِيعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ النَّوْعَ الْوَاحِدَ لَا يَخْتَلِفُ غَالِبًا، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ بِخَرْصِ كُلِّ شَجَرَةٍ عَلَى حِدَةٍ، وَالْخَرْصُ خَاصٌّ بِالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ فَقَطْ لِلنَّصِّ؛ وَلِلْحَاجَةِ إِلَى أَكْلِهَا رُطَبَيْنِ، وَخَرْصُهُمَا مُمْكِنٌ لِظُهُورِ ثَمَرَتِهِمَا، وَاجْتِمَاعِهِمَا فِي عَنَاقِيدِهِمَا، بِخِلَافِ الزَّيْتُونِ لِتَفَرُّقِ حَبِّهِ، وَاسْتِتَارِهِ بِوَرَقِهِ، وَقِيلَ: يُخْرَصُ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى الْمَالِكُ غَلَطَ الْخَارِجِ وَكَانَ مُمْكِنًا، فَإِنْ فَحُشَ، فَقِيلَ: يُرَدُّ قَوْلُهُ، وَقِيلَ: ضَمَانًا كَانَتْ أَوْ أَمَانَةً تُرَدُّ فِي الْفَاحِشِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَوِ ادَّعَى كَذِبَهُ عَمْدًا لَمْ يُقْبَلْ، وَلَوْ قَالَ: مَا حَصَلَ بِيَدِي إِلَّا هَذَا قُبِلَ، وَيُكَلَّفُ بِبَيِّنَةٍ فِي دَعْوَاهُ جَائِحَةً ظَاهِرَةً، ثُمَّ يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ، وَإِنِ ادَّعَى بِالْحَالِفِ الْعَادَةَ، لَمْ يُقْبَلْ. [مَا يُتْرَكُ لِرَبِّ الْمَالِ عِنْدَ الْخَرْصِ] (وَيَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ فِي الْخَرْصِ لِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثُ أَوِ الرُّبْعُ) بِحَسَبِ اجْتِهَادِ السَّاعِي، لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا، وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ، فَدَعُوا الرُّبُعَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا ابْنِ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَهَذَا تَوْسِعَةٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْأَكْلِ هُوَ وَأَضْيَافُهُ وَجِيرَانُهُ وَأَهْلُهُ، وَيَأْكُلُ مِنْهَا الْمَارَّةُ؛ وَمِنْهَا السَّاقِطَةُ، فَلَوِ اسْتَوْفَى الْكُلَّ أَضَرَّ بِهِمْ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُتْرَكُ قَدْرُ أَكْلِهِمْ وَهَدِيَّتِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ بِلَا تَحْدِيدٍ لِلْأَخْبَارِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنَّمَا يُتْرَكُ فِي الْخَرْصِ إِذَا زَادَتِ الثَّمَرَةُ عَلَى النِّصَابِ، فَإِنْ كَانَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 فَلِرَبِّ الْمَالِ الْأَكْلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ. وَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ فِي كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ، فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ أُخِذَ مِنَ الْوَسَطِ، وَيَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْمَالِكِ،   [المبدع في شرح المقنع] نِصَابًا فَلَا، وَهَذَا الْقَدْرُ الْمُدْرَكُ لَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَدَلَّ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا لَمْ يُزَكِّهِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَفِي " الْوَجِيزِ ": يُزَكِّي الْكُلَّ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": وَيُوضَعُ ثُلُثُ الثَّمَرَةِ أَوْ رُبْعُهَا، فَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ زَكَاةٌ، وَيُزَكِّي الْبَاقِيَ إِنْ بَلَغَ نِصَابًا (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلِرَبِّ الْمَالِ الْأَكْلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ بِأَنْ يَرَى السَّاعِي شَيْئًا مِنَ الْوَاجِبِ، أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ نَصًّا. تَذْنِيبٌ: ظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّ الْحُبُوبَ لَا تُخْرَصُ، وَلِلْمَالِكِ الْأَكْلُ مِنْهَا هُوَ وَعِيَالُهُ بِحَسَبَ الْعَادَةِ كَالْفَرِيكِ، وَمَا يَحْتَاجُهُ، وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ، وَلَا يَهْدِي، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي " الْخِلَافِ ": أَسْقَطَ أَحْمَدُ عَنْ أَرْبَابِ الزَّرْعِ الزَّكَاةَ فِي مِقْدَارِ مَا يَأْكُلُونَ، كَمَا أَسْقَطَ فِي الثِّمَارِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُصُولِ " يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ، وَلَا يُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ كَالْمُشْتَرَكِ مِنَ الزَّرْعِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ، وَالْحَبُّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الثَّمَرَةَ. [يُؤْخَذُ الْعُشْرُ فِي كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ] (وَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ فِي كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ بِمَنْزِلَةِ الشُّرَكَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي كُلِّ نَوْعٍ، وَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ، بِخِلَافِ السَّائِمَةِ، فَإِنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ كُلِّ نَوْعٍ أَفْضَى إِلَى التَّشْقِيصِ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ الرَّدِيءُ عَنِ الْجَيِّدِ، وَبِالْعَكْسِ لَا يَجِبُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالْمَالِكِ (فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ أُخِذَ مِنَ الْوَسَطِ) لِانْتِفَاءِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ شَرْعًا، وَكَالسَّائِمَةِ، فَلَوْ كَانَ الْمَالُ نَوْعًا وَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُ مُطْلَقًا بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلى طَرِيقِ الْمُوَاسَاةِ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّرَكَاءِ. [الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْمَالِكِ] (وَيَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْمَالِكِ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ؛ وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلزَّرْعِ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَكَتَاجِرٍ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا، وَفِي إِيجَابِهِ عَلَى الْمَالِكِ إِجْحَافٌ يُنَافِي الْمُوَاسَاةَ؛ وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ الزَّرْعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِذَا لَمْ يَزْرَعْ، وَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، بِخِلَافِ الْخَرَاجِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 وَيَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي كُلِّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ شِرَاءُ الْأَرْضِ   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ، وَالْغَاصِبُ إِذَا حَصَدَ زَرْعَهُ يُزَكِّيهِ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ، فَإِنْ مَلَكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ زَكَّاهُ، وَكَذَا بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ إِلَى أَوَّلِ زَرْعِهِ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ إِذَنْ، وَقِيلَ: يُزَكِّيهِ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ. [يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي كُلِّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً] (وَيَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي كُلِّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً) ، وَكُلُّ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ لِلْعُمُومِ، فَالْخَرَاجُ فِي رَقَبَتِهَا، وَالْعُشْرُ فِي غَلَّتِهَا؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْخَرَاجِ التَّمْكِينُ مِنَ النَّفْعِ لِوُجُوبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ، وَسَبَبُ الْعُشْرِ الزَّرْعُ، كَأُجْرَةِ الْمَتْجَرِ مَعَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، وَلِأَنَّهَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ، فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَالْجَزَاءِ وَالْقِيمَةِ فِي الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ، وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ: " «لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» . ضَعِيفٌ جِدًّا. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى الْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ الْجِزْيَةُ (وَلَوْ كَانَ عُقُوبَةً لَمَا وَجَبَ عَلَى مُسْلِمٍ كَالْجِزْيَةِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي أَرْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ صَدَقَةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ. تَذْنِيبٌ: الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ: مَا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ تُقَسَّمْ، وَمَا جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا خَوْفًا مِنَّا، وَمَا صُولِحُوا عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا لَنَا، وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ، وَالْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ: مَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا، نَقَلَهُ حَرْبٌ كَالْمَدِينَةِ وَنَحْوِهَا، وَمَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ كَالْبَصْرَةِ، وَمَا صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَهُمْ بِخَرَاجٍ يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ كَأَرْضِ الْيَمَنِ، وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِّمَ، كَنِصْفِ خَيْبَرَ، وَمَا أَقْطَعَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنَ السَّوَادِ إِقْطَاعَ تَمْلِيكٍ. فَرْعٌ: لَا زَكَاةَ فِي قَدْرِ الْخَرَاجِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ مؤنة الْأَرْضِ كَنَفَقَةِ زَرْعِهِ، وَمَتَى لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى غَلَّةِ الْأَرْضِ، وَفِيهَا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَالْخَضْرَاوَاتِ، جَعَلَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي مُعَامَلَةِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَا يَنْقُصُ النِّصَابُ بِمُؤْنَةِ حَصَادٍ وَدِيَاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْهُ لِسَبْقِ الْوُجُوبِ، (وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ) فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 الْعُشْرِيَّةِ، وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِمْ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ. فَصْلٌ وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ، سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ أَوْ مِنْ مِلْكِهِ، وَنِصَابُهُ عَشَرَةُ أَفْرَاقٍ، كُلُّ فَرَقٍ سِتُّونَ رِطْلًا.   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَةٍ، وَقَالَهَا الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهَا مَالُ مُسْلِمٍ يَجِبُ الْحَقُّ فِيهَا لِلْفُقَرَاءِ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ بَيْعِهَا لِذِمِّيٍّ كَالسَّائِمَةِ، وَاقْتَصَرَ جَمْعٌ كَالْمُؤَلِّفِ عَلَى الْجَوَازِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُكْرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يُمْنَعُونَ مِنْ شِرَائِهَا، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ، فَعَلَيْهَا يَصِحُّ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَحَكَى أَحْمَدُ عَنِ الْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يُمْنَعُونَ مِنَ الشِّرَاءِ، فَإِنِ اشْتَرَوْا، لَمْ يَصِحَّ نَقْلُ عَدَمِ الْمَنْعِ (وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ زَكَاةٌ، فَلَا تجِبُ عَلَى ذَمِّيٍّ كَالسَّائِمَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " شَرْحِهِ " الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ غَيْرِ التَّغَلُّبِيِّ نِصْفُ الْعُشْرِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، سَوَاءٌ اتَّجَرَ بِذَلِكَ أَمْ لَمْ يَتَّجِرْ بِهِ مِنْ مَالِهِ وَثَمَرَتِهِ وَمَاشِيَتِهِ وَعَلَى الْمَنْعِ (وَعَنْهُ: عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْمُتَعَاقِدِينَ، وَدَفْعَ الضَّرَرِ الْمُؤَبَّدِ عَنِ الْفُقَرَاءِ بِوُجُوبِ الْحَقِّ فِيهِ، وَكَانَ ضِعْفَ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ، كَمَا يَجِبُ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى الْعَاشِرِ نِصْفُ الْعُشْرِ ضِعْفُ الزَّكَاةِ (يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ) ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا مُسْلِمًا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عُشْرٌ، وَيَبْقَى عُشْرُ الزَّكَاةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ؛ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالْإِسْلَامِ، لِسُقُوطِ جِزْيَةِ الرُّءُوسِ وَجِزْيَةِ الْأَرْضِ؛ وَهُوَ خَرَاجُهَا بِالْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْوُجُوبِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِمْ عُشْرٌ وَاحِدٌ، ذَكَرَهَا فِي " الْخِلَافِ " كَمَا كَانَ لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَرْضِ كَبَقَاءِ الْخَرَاجِ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: أَنَّهُ يَجُوزُ إِجَارَتُهَا مِنْهُ، لَكِنْ يُكْرَهُ لِإِفْضَائِهِ إِلَى إِسْقَاطِ عُشْرِ الْخَارِجِ مِنْهَا، وَهَذِهِ الْأَرْضُ لَا تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً بِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهَا أَرْضُ عُشْرٍ، كَمَا لَوْ كَانَ مُشْتَرِيهَا مُسْلِمًا، وَلَا يَجُوزُ بَقَاءُ أَرْضٍ بِلَا عُشْرٍ وَلَا خَرَاجٍ بِالِاتِّفَاقِ. [زَكَاةُ الْعَسَلِ] فَصْلٌ (وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ) لِمَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ «أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: " إِنَّ لِي نَحْلًا، قَالَ: فَأَدِّ الْعُشُورَ قَالَ: قُلْتُ يَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] رَسُولَ اللَّهِ، إن لي نحلا، قال: فأد العشور، قال: قلت يا رسول الله، احْمِ لِي جَبَلَهَا، قَالَ: فَحَمَى لِي جَبَلَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا سُلَيْمَانَ الْأَشْدَقَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا سَيَّارَةَ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عُمَرَ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: إِنَّهُمْ تَطَوَّعُوا بِهِ، قَالَ: لَا، بَلْ أُخِذَ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ: لَا زَكَاةَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ خَارِجٌ مِنْ حَيَوَانٍ، أَشْبَهَ اللَّبَنَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ فِي وُجُوبِ الصَّدَقَةِ حَدِيثٌ يثبت وَلَا إِجْمَاعٌ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنَ الْمُبَاحِ، وَاعْتَرَفَ الْمَجْدُ أَنَّهُ الْقِيَاسُ لَوْلَا الْأَثَرُ (سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ أَوْ مِنْ مِلْكِهِ) . قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا: أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ. تَنْبِيهٌ: مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الشَّجَرِ كَالْمَنِّ وَالزَّنْجَبِينِ وَالشِّيرَخَشَكَ وَشِبْهَهَا؛ وَمِنْهُ اللادَّنُّ؛ وَهُوَ طَلٌّ يَنْزِلُ عَلَى نَبْتٍ تَأْكُلُهُ الْمِعْزَى، فِيهِ الْعُشْرُ كَالْعَسَلِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: لَا لِعَدَمِ النَّصِّ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ (وَنِصَابُهُ عَشَرَةُ أَفَرَاقٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ عُمَرَ: فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَفَرَاقٍ فَرَقٌ. رَوَاهُ الْجُوزْجَانِيُّ، وَتَقَدَّمَ قَوْلٌ فِي نِصَابِ الزَّيْتِ خَمْسَةُ أَفَرَاقٍ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ تَخْرِيجٌ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ فِيهِ، فَاعْتُبِرَ خَمْسَةُ أَمْثَالِهِ كَالْوَسْقِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا زَكَاةَ فِي قَلِيلِهِ، بَلْ يُعْتَبَرُ نِصَابُهُ بِالْأَفْرَاقِ؛ وَهُوَ جَمْعُ فَرَقٍ، قِيلَ: بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَقِيلَ: بِفَتْحِهَا. قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ (كُلُّ فَرَقٍ سِتُّونَ رِطْلًا) عِرَاقِيَّةً فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " وَرُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ، فَيَكُونُ نِصَابُهُ سِتَّمِائَةِ رِطْلٍ، وَزْنُهَا بِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا وَثُلُثُ رِطْلٍ، وَفِي " الْخِلَافِ " سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا عِرَاقِيَّةً، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 فَصْلٌ فِي الْمَعْدِنِ وَمَنِ اسْتَخْرَجَ مِنَ مَعْدِنِ نِصَابًا مِنَ الْأَثْمَانِ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا عِرَاقِيَّةً؛ وَهُوَ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ. ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ لِخَبَرِ كَعْبٍ فِي الْفِدْيَةِ، وَحُمِلَ كَلَامُ عُمَرَ عَلَى التَّعَارُفِ بِبَلَدِهِ - وَهِيَ الْحِجَازُ - أَوْلَى، وَهَذَا ظَاهِرُ " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَقِيلَ: نِصَابُهُ أَلْفُ رِطْلٍ عِرَاقِيَّةٍ، قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: مِنْ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ، وَأَمَّا الْفَرْقُ بِسُكُونِ الرَّاءِ: مِكْيَالٌ ضَخْمٌ مِنْ مَكَايِلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَهُ الْخَلِيلُ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ: يَسَعُ مِائَةً وَعِشْرِينَ رِطْلًا. قَالَ الْمَجْدُ: وَلَا قَائِلَ بِهِ هُنَا. مَسْأَلَةٌ: مَنْ زَكَّى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمُعَشَّرَاتِ مَرَّةً، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، خِلَافًا لِلْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرْصَدٍ لِلنَّمَاءِ، فَهُوَ كَالْقِنْيَةِ، بَلْ أَوْلَى لِنَقْصِهِ بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ. فَرْعٌ: تَضْمِينُ أَمْوَالِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ بَاطِلٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَهُ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " بِأَنَّ ضَمَانَهَا بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ مَا زَادَ، وَغُرْمِ مَا نَقَصَ، وَهَذَا مُنَافٍ لِمَوْضُوعِ الْعِمَالَةِ، وَحُكْمِ الْأَمَانَةِ. [فَصْلٌ فِي الْمَعْدِنِ] فَصْلٌ فِي الْمَعْدِنِ بِكَسْرِ الدَّالِّ سُمِّيَ بِهِ لِعُدُونِ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ فِيهِ لِإِقَامَتِهِ، يُقَالُ: عَدَنَ عُدُونًا، وَالْمَعْدِنُ: الْمَكَانُ الَّذِي عُدِنَ فِيهِ الْجَوْهَرُ (وَمَنِ اسْتَخْرَجَ) إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَتَرَكَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ لِدَلَالَةِ مَا سَبَقَ (مِنْ مَعْدِنٍ) سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ مُبَاحَةٍ، وَلَوْ مِنْ دَارِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ فِي مَوَاتٍ خَرِبٍ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا، فَكَأَرْضِهِ إِنْ قُلْنَا: هُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، أَوْ كَانَ جَامِدًا، فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ حَتَّى يَصِلَ إِلَى بَلَدِهِ كَالْمَغْصُوبِ (نِصَابًا مِنَ الْأَثْمَانِ) فَلِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ (أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ) مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ بِقِيمَةِ أَحَدِهِمَا؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 الْجَوْهَرِ وَالصُّفْرِ وَالزِّئْبَقِ وَالْقَارِ وَالنِّفْطِ وَالْكُحْلِ وَالزَّرْنِيخِ وَسَائِرِ مَا يُسَمَّى مَعْدِنًا، فَفِيهِ الزَّكَاةُ فِي الْحَالِ رُبْعُ الْعُشْرِ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ مِنْ عَيْنِهَا إِنْ كَانَتْ أَثْمَانًا؛ سَوَاءٌ اسْتَخْرَجَهُ فِي دُفْعَةٍ أَوْ دُفُعَاتٍ، لَمْ يَتْرُكِ الْعَمَلَ بَيْنَهُمَا تَرْكَ إِهْمَالٍ،   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ فِيمَا دُونَ نِصَابِ الْأَثْمَانِ، ثُمَّ مَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ (مِنَ الْجَوْهَرِ، وَالصُّفْرِ، وَالزِّئْبَقِ، وَالْقَارِ، وَالنِّفْطِ، وَالْكُحْلِ، وَالزَّرْنِيخِ، وَسَائِرِ مَا يُسَمَّى مَعْدِنًا) كَالْبِلَّوْرِ، وَالْعَقِيقِ، وَالْحَدِيدِ، وَالْكِبْرِيتِ، وَالْمَغْرَةِ، وَنَحْوِهَا (فَفِيهِ الزَّكَاةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] ، وَلِمَا رَوَى رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمَعَادِنَ الْقِبْلِيَّةَ قَالَ: فَتِلْكَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَحْرُمُ عَلَى أَغْنِيَاءَ ذَوِي الْقُرْبَى، فَفِيهِ الزَّكَاةُ لَا الْخُمُسُ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِعْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا: «لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ» إِنْ صَحَّ، فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَحْجَارِ الَّتِي لَا يُرْغَبُ فِيهَا عَادَةً، فَدَلَّ أَنَّ الرُّخَامَ مَعْدِنٌ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، قَالَ الْأَصْحَابُ: الطِّينُ والماء غير مَرْغُوبٌ فِيهِ، فَلَا حَقَّ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الطِّينَ تُرَابٌ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَمْ أَسْمَعْ فِي مَعْدِنِ النَّارِ، وَالنِّفْطِ، وَالْكُحْلِ، وَالزَّرْنِيخِ شَيْئًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَظَاهِرُهُ التَّوَقُّفُ عَنْ غَيْرِ الْمُنْطَبِعِ (فِي الْحَالِ) لِأَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْأَرْضِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ حَوْلٌ كَالزَّرْعِ (رُبْعُ الْعُشْرِ) مِنْ عَيْنِ أَثْمَانٍ أَوْ (مِنْ قِيمَة) مِنْ غَيْرِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ بِظُهُورِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَ " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " وَغَيْرِهِمَا، كَالثَّمَرَةِ (سَوَاءٌ اسْتَخْرَجَهُ مِنْ دُفْعَةٍ أَوْ دُفُعَاتٍ، لَمْ يَتْرُكِ الْعَمَلَ بَيْنَهُمَا تَرْكَ إِهْمَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اعْتُبِرَ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَأَدَّى إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ اسْتِخْرَاجُ نِصَابٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا مِنْ عَيْنِهَا إِذَا كَانَتْ أَثْمَانًا إِلَّا بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ، وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِ. وَعَنْهُ: فِيهِ الزَّكَاةُ.   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ أَخَرَجَ دُونَ نِصَابٍ ثُمَّ تَرَكَ الْعَمَلَ مُهْمِلًا لَهُ، أَخَرَجَ دُونَ نِصَابٍ، فَلَا شَيْءَ فِيهِمَا، وَإِنْ بَلَغَا نِصَابًا، فَعَلَى هَذَا لَا أَثَرَ لِتَرْكِهِ لِمَرَضٍ، وَسِفْرٍ، وَصَلَاحِ آلَةٍ، وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ، كَالِاسْتِرَاحَةِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، أَوْ لِاشْتِغَالِهِ بِنَقْلِ تُرَابٍ خَرَجَ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ، أَوْ هَرَبَ عَبِيدُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَرَقٍ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ، وَحَدَّ ابْنُ الْمُنَجَّا الْإِهْمَالَ بِتَرْكِ الْعَمَلِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، وَإِنْ كَانَ فَبِزَوَالِهِ. 1 - مَسْأَلَةٌ: لَا يُضَمُّ جِنْسٌ لِآخَرَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ غَيْرَ نَقْدٍ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقِيلَ: مَعَ تَقَارُبِهِمَا كَنَارٍ وَنِفْطٍ، وَمَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ جِنْسٍ مِنْ مَعَادِنَ ضُمَّ كَالزَّرْعِ فِي مَكَانَيْنِ (وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا إِذَا كَانَتْ أَثْمَانًا إِلَّا بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ) ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إِخْرَاجُ الْوَاجِبِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْحُبُوبِ، فَلَوْ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ تُرَابِهِ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ، رَدَّهُ إِنْ كَانَ باقيا، أو قيمته إن كان تَالِفًا، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْآخِذِ فِي قَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، فَإِنْ صَفَّاهُ الْآخِذُ مَكَانَ الْوَاجِبِ أَجْزَأَ، وَإِنْ زَادَ رَدَّ الْفَاضِلَ إِلَّا أَنْ يَتْرُكَهُ الْمُخْرِجُ، وَإِنْ نَقَصَ كَمَّلَهُ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِمُؤْنَتِهِمَا فِي الْأَصَحِّ لِمُؤْنَةِ اسْتِخْرَاجِهِ، فَإِنْ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ احْتُسِبَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا يُحْتَسَبُ بِمَا أُنْفِقَ عَلَى الزَّرْعِ، وَأَطْلَقَ فِي " الْكَافِي: " لَا يُحْتَسَبُ بِهِ بِكَوْنِ الْحَصَادِ وَالزِّرَاعَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ عَنْ غَيْرِهَا قَبْلَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. 1 - مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ مَعْدِنٍ وَصَاغَةٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَعَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِمَا هُوَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْبَاقِلَاءِ فِي قِشْرَتِهِ، وَعَنْهُ: لَا كَجِنْسِهِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا فِي تُرَابِ صَاغَةٍ، وَإِنَّ غَيْرَهُ أَهْوَنُ، وَزَكَاتُهُ عَلَى الْبَائِعِ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ، كَبَيْعِ حَبٍّ بَعْدَ صَلَاحِهِ. [زَكَاةُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ] (وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ) هُوَ نَبَاتٌ حَجَرِيٌّ يَتَوَسَّطُ فِي خَلْقِهِ بَيْنَ النَّبَاتِ وَالْمَعْدِنِ، وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّ النَّظَرَ إِلَيْهِ يَشْرَحُ الصَّدْرَ وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ (وَالْعَنْبَرُ وَنَحْوُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ " الْمَذْهَبُ "، وَقَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَكْثَرُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 فَصْلٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، أَيُّ نَوْعٍ كَانَ مِنَ الْمَالِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ زَكَاةٌ، وَبَاقِيهِ   [المبدع في شرح المقنع] لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ شَيْءٌ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَّرَهُ الْبَحْرُ، وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ، رَوَاهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَلَمْ تَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ وُجُودُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، فَهُوَ كَالْمُبَاحَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْبَرِّ (وَعَنْهُ: فِيهِ الزَّكَاةُ) نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخْرَجٌ، فَوَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْمَعْدِنِ، وَقِيلَ: غَيْرُ حَيَوَانٍ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَصَيْدِ الْبَرِّ، وَنَصَّ أَحْمَدُ التَّسْوِيَةَ، وَمُثِّلَ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " بِالْمِسْكِ وَالسَّمَكِ، فَيَكُونُ الْمِسْكُ بَحْرِيًّا، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي السَّمَكِ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَافَّةً، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ بِأَنْ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي الْمِسْكِ إِذَا أَصَابَهُ صَاحِبُهُ: فِيهِ الزَّكَاةُ، شَبَّهَهُ بِالسَّمَكِ إِذَا صَادَهُ، وَصَارَ فِي يَدِهِ مِنْهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَمَا أَشْبَهَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَهُوَ أَوْلَى. [الرِّكَازُ] فَصْلٌ (وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا الْحَسَنَ فَإِنَّهُ قَالَ: فِي أَرْضِ الْحَرْبِ الْخُمُسُ، وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ الزَّكَاةُ (أَيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنَ الْمَالِ) كَالنَّقْدَيْنِ، وَالْحَدِيدِ، وَالرَّصَاصِ، وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ، فَوَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ وَالْغَنِيمَةُ (قَلَّ) ذَلِكَ الْمَوْجُودُ (أَوْ كَثُرَ) بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ وَالزَّرْعِ؛ لِكَوْنِهِمَا يَحْتَاجَانِ إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 لِوَاجِدِهِ إِنْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ أَوْ أَرْضٍ لَا يُعْلَمُ مَالِكُهَا، وَإِنْ عُلِمَ مَالِكُهَا أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] كُلْفَةٍ، وَاعْتُبِرَ لَهُمَا النِّصَابُ تَحْقِيقًا، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي مَصْرِفِهِ، فَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ (لِأَهْلِ الْفَيْءِ) اخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " لِفِعْلِ عُمَرَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَخْمُوسٌ لِخُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمَصْرِفِ الْغَنِيمَةِ، بَلِ الْفَيْءُ الْمُطْلِقُ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا (وَعَنْهُ: أَنَّهُ زَكَاةٌ) نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ صَاحِبَ الْكَنْزِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْخُمُسِ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ كَالْمَعْدِنِ، فَيُصْرَفُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ فَيْءٌ، إِلَّا إِذَا كَانَ عَبْدًا فَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ كسب مَالُهُ، كَالِاحْتِشَاشِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ زَكَاةٌ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَيَمْلِكُهُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ، وَيُخْرِجُهُ عَنْهُمَا وَلِيُهِمَّا، وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ وَجُوبَهَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مُطْلَقًا، وَيَجُوزُ لِوَاجِدِهِ تَعْرِفَتُهُ بِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ قُلْنَا إِنَّهُ زَكَاةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " لِأَنَّهُ أَدَّى الْحَقَّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ، قَدَّمَهُ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يُضْمَنُ؟ وَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدِه والْمَعْدِنِ إِمْسَاكُ الْحَقِّ لِنَفْسِهِ لِحَاجَةٍ (وَبَاقِيهِ لِوَاجِدِهِ) لِفِعْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا دَفَعَا بَاقِيَ الرِّكَازِ لِوَاجِدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ مَظْهُورٍ عَلَيْهِ، فَكَانَ لِوَاجِدِهِ بَعْدَ الْخُمُسِ كَالْغَنِيمَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا بِدَارِنَا، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ أَجِيرًا لِطَلَبِهِ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ سِوَى الْأُجْرَةِ (إِنْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ كَالصَّيْدِ مِنْهَا (أَوْ أَرْضٍ لَا يُعْلَمُ مَالِكُهَا) كَالْأَرْضِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا آثَارُ الْمِلْكِ مِنَ الْأَبْنِيَةِ الْقَدِيمَةِ، وَجُدْرَانِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقُبُورِهِمْ، وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِهَا، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " أَوْ قَرْيَةٍ خَرَابٍ أَوْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا قَالَ: «وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ، وَلَا فِي قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ، فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 كَانَتْ مُنْتَقِلَةً إِلَيْهِ، فَهُوَ لَهُ أَيْضًا، وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِمَالِكِهَا، أَوْ لِمَنِ انْتَقَلَتْ عَنْهُ إِنِ اعْتَرَفَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِأَوَّلِ مَالِكٍ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِ حَرْبِيٍّ مَلَكَهُ إِلَّا أَنْ لَا   [المبدع في شرح المقنع] الْخُمُسُ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: «وَإِنْ وَجَدَهُ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ أَوْ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ، فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» (وَإِنْ عُلِمَ مَالِكُهَا) كَمَنْ دَخَلَ دَارَ غَيْرِهِ، أَوْ اسْتَأْجَرَهَا أَوِ اسْتَعَادَهَا (أَوْ كَانَتْ مُنْتَقِلَةً إِلَيْهِ) بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ (فَهُوَ لَهُ أَيْضًا) فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، بَلْ هُوَ مُودَعٌ فِيهَا، فَهُوَ كَالصَّيْدِ وَالْكَلَأِ، يَمْلِكُهُ مَنْ ظَفِرَ بِهِ كَالْمُبَاحَاتِ كُلِّهَا، وَعَلَيْهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَهُ الْمَالِكُ أَوَ لَا، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ عَنْ أَحْمَدَ فَيَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَحْفِرَ لَهُ فِي دَارِهِ، فَأَصَابَ كَنْزًا، فَهُوَ لِلْأَجِيرِ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي (وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِمَالِكِهَا) قَطَعَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " التَّلْخِيصِ " لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَكَانَ مَا فِيهَا لَهُ كَالْقُمَاشِ (أَوْ لِمَنِ انْتَقَلَتْ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ (إِنِ اعْتَرَفَ بِهِ) كُلٌّ مِنَ الْمَالِكِ وَالْمُنْتَقِلِ عَنْهُ، فَإِنِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ مِيرَاثًا حُكِمَ بِأَنَّهُ مِيرَاثٌ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لِمُورِّثِهِمْ فَلِأَوَّلِ مَالِكٍ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا أُعْطِيَ كُلٌّ حُكْمَهُ (وَإِلَّا) فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، وَلَمْ يَدَّعِهِ (فَهُوَ لِأَوَّلِ مَالِكٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، فَكَانَ لَهُ كَحِيطَانِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، كَمَا لَوِ ادَّعَاهُ بِصِفَةٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ يَكُونُ كَالْمَالِ الضَّائِعِ حَيْثُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ فَادَّعَاهُ وَاجِدُهُ فَهُوَ لَهُ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ خِلَافُهُ، وَعَلَى الْأَوْلَى إِنِ ادَّعَاهُ الْمَالِكُ قَبِلَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا وَصْفٍ، فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مُمْكِنًا، وَكَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا، فَالظَّاهِرُ صِدْقُهُ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَعَلَيْهَا يَكُونُ لِوَاجِدِهِ، وَمَتَى دُفِعَ إِلَى مُدَّعِيهِ بَعْدَ إِخْرَاجِ خُمُسِهِ، غَرِمَ وَاجِدُهُ بَدَلَهُ إِنْ كَانَ أَخْرَجَ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا غَرِمَهُ، لَكِنْ هَلْ هُوَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ، وَعَنْهُ: مَالُهُ يَكُونُ لِلْمَالِكِ قَبْلَهُ إِنِ اعْتَرَفَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ أَوْ لم يُعَرِّفْهُ الْأَوَّلُ، فَلِوَاجِدِهِ، وَقِيلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ حَرْبِيٍّ مَلَكَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 يَقْدِرَ عَلَيْهِ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَتكُونُ غَنِيمَةً، وَالرِّكَازُ: مَا وُجِدَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ، فَهُوَ لُقَطَةٌ. بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَلَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالَا،   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ، وَقِيلَ: غَنِيمَةٌ، خَرَّجَهُ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِمَنْعِهِ (إِلَّا أَنْ لا يَقْدِرَ عَلَيْهِ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَتَكُونُ غَنِيمَةً) ؛ لِأَنَّ قُوَّتَهُمْ أَوْصَلَتْهُ إِلَيْهِ، فَكَانَ غَنِيمَةً كَالْمَأْخُوذِ بِالْحَرْبِ (وَالرِّكَازُ) اشْتِقَاقُهُ مِنْ رَكَزَ يَرْكِزُ كَغَرَزَ يَغْرِزُ: إِذَا خَفِيَ؛ وَمِنْهُ غَرَزْتُ الرُّمْحَ إِذَا أَخْفَيْتُ أَسْفَلَهُ، فَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَالُ الْمَدْفُونُ فِي الْأَرْضِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ (مَا وُجِدَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ) ؛ لِأَنَّ دِفْنَهُمْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ وَخَفِيَ مَكَانَهُ (عَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ) كَأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ مُلُوكِهِمْ؛ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِمْ: هُوَ الْمَالُ الْجَاهِلِيُّ الْمَدْفُونُ، وَحُكْمُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْكُفَّارِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَتُهُمْ، فَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " (أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رِكَازًا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ (عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ) كَاسْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ (أَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ) كَالْحُلِيِّ وَالسَّبَائِكِ وَالْآنِيَةِ (فَهُوَ لُقَطَةٌ) أَيْ: لَا مِلْكَ إِلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ لَمْ يُعْلَمْ زَوَالُهُ عَنْهُ، وَتَغْلِيبًا لِحُكْمِ دَارِ الْإِسْلَامِ، إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ فِي مِلْكٍ انْتَقَلَ إِلَيْهِ، فَيَدَّعِيهِ الْمَالِكُ قَبْلَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا صِفَةٍ، فَهَلْ يُدْفَعُ إِلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ حَكَاهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَنَقَلَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَنْهُ إِحْدَاهُمَا: لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ كَاللُّقَطَةِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمِلْكِ. [بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ] [نِصَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ] بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ (وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) فَدَلَّ أَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ لَا تُسَمَّى بِهِ، وَنَصَّ لَهُمَا خَاصَّةً، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 فَيَجِبُ فِيهِ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَلَا فِي الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَيَجِبُ فِيهِ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا الْإِجْمَاعُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الْآيَةَ. وَالسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ (وَلَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَيَجِبُ نِصْفُ مِثْقَالٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالًا نِصْفَ مِثْقَالٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، فَالْمِثْقَالُ: دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ؛ وَهُوَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةً؛ وَهُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ (وَلَا فِي الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ) وَزْنَ (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» (فَيَجِبُ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» ، وَالِاعْتِبَارُ بِالدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ الَّذِي وَزَنُهُ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، وَالْعَشَرَةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ سَوْدَاءَ، وَزْنُ الدِّرْهَمِ مِنْهَا ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ، وَطَبَرِيَّةً، الدِّرْهَمُ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ، فَجَمَعَتْهَا بَنُو أُمَيَّةَ، وَقَسَّمَتْهَا عَلَى اثْنَيْنِ، فَصَارَ الدِّرْهَمُ مِنْهَا سِتَّةَ دَوَانِيقَ، وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إِجْمَاعَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ سُئِلَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَذِيِّ عَنْ دَرَاهِمَ صِغَارٍ فَقَالَ: تُرَدُّ إِلَى الْمَثَاقِيلِ، فَالدِّرْهَمُ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَخُمُسُهُ؛ وَهُوَ خَمْسُونَ حَبَّةٍ وَخُمُسَا حَبَّةٍ، فَنِصَابُ الذَّهَبِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَقَدْرُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَسُبْعَا دِينَارٍ، وَتُسْعُهُ عَلَى التَّحْدِيدِ الَّذِي زِنَتُهُ دِرْهَمٌ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَا زَكَاةَ فِي مَغْشُوشِهِمَا حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ مَا فِيهِ نِصَابًا، فَإِنْ شَكَّ فِيهِ خُيِّرَ بَيْنَ سَبْكِهِ وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ، وَيُخْرِجُ عَنِ الْجَيِّدِ الصَّحِيحِ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] لَكِنْ قَالَ الْأَثْرَمُ: قَدِ اصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى دَرَاهِمِنَا، فَيُزَكِّي الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ دَرَاهِمِنَا هَذِهِ، فَيُعْطِي مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُوقِيَّةُ وَالدَّرَاهِمُ مَجْهُولَةً زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَهُوَ مُوجِبٌ الزَّكَاةَ فِي أَعْدَادٍ مِنْهَا، وَيَقَعُ مِنْهَا الْبِيَاعَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ؛ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً إِلَى زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَنَّهُ جَمَعَهَا بِرَأْيِ الْعُلَمَاءِ، وَجَعَلَ وَزْنَ الدِّرْهَمِ مِنْهَا سِتَّةَ دَوَانِيقَ، قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى صِفَةٍ لَا تَخْتَلِفُ، فَرَأَوْا صَرْفَهَا إِلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ، فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا، وَضَرَبُوهُ عَلَى وَزْنِهِمْ (وَلَا زَكَاةَ فِي مَغْشُوشِهِمَا حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ مَا فِيهِ) مِنَ النَّقْدِ الْخَالِصِ (نِصَابًا) لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا: إِنْ بَلَغَ مَضْرُوبُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ الْغِشُّ أَكْثَرَ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: يَقُومُ مَضْرُوبُهُ كَالْعُرُوضِ (فَإِنَّ شَكَّ فِيهِ) أَيْ فِي بُلُوغِ قَدْرِ مَا فِي الْمَغْشُوشِ مِنَ النَّقْدِ نِصَابًا (خُيِّرَ بَيْنَ سَبْكِهِ) لِيُعْلَمَ قَدْرُ مَا فِيهِ (وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ) أَيْ: يَسْتَظْهِرُ وَيُخْرِجُ لِيُسْقِطَ الْفَرْضَ بِيَقِينٍ. فَعَلَى هَذَا إِذَا سَبَكَهُ، فَظَهَرَ نِصَابًا فَأَكْثَرَ، أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِهِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ، فَلَا، وَإِنِ اسْتَظْهَرَ فَيُخْرِجُ مَا يُجْزِئُهُ بِيَقِينٍ، وَقِيلَ: لَا زَكَاةَ، وَإِنْ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ، وَشَكَّ فِي زِيَادَةٍ اسْتَظْهَرَ، فَأَلْفٌ ذَهَبٌ، وَفِضَّةٌ، سِتُّمِائَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا يُزَكِّي سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا، وَأَرْبَعَمِائَةٍ فِضَّةً، وَإِنْ لَمْ يُجْزِ ذَهَبٌ عَنْ فِضَّةٍ، زَكَّى سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا، وَسِتَّمِائَةٍ فِضَّةً، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ قَدْرَ الْعُشْرِ بِأَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ دِينَارٍ سُدُسُهُ، جَازَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُخْرِجًا لِرُبْعِ الْعُشْرِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ قَدْرُ الْعُشْرِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ، لَمْ يُجْزِئْهُ إِلَّا أَنْ يَسْتَظْهِرَ، فَيُخْرِجُ قَدْرَ الزَّكَاةَ بِيَقِينٍ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْهَا مَا لَا غَشَّ فِيهِ، فَهُوَ أَفْضَلُ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ: إِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْمَغْشُوشِ بِصَنْعَةِ الْغِشِّ، أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهِ، كَحُلِيِّ الْكِرَاءِ إِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بِصِنَاعَةٍ. فَائِدَةٌ: يُعْرَفُ قَدْرُ غِشِّهِ بِوَضْعِ ذَهَبٍ خَالِصٍ زِنَةَ مَغْشُوشٍ فِي مَاءٍ، ثُمَّ فِضَّةٍ كَذَلِكَ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 أَخْرَجَ مَكْسُورًا أَوْ بَهْرَجًا، زَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَضْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَهَلْ يُضَمُّ الذَّهَبُ إِلَى الْفِضَّةِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ أَوْ يُخْرَجُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَهِيَ أَضْخَمُ، ثُمَّ مَغْشُوشٍ، وَيُعْلَمُ عُلُوُّ الْمَاءِ، وَيُمْسَحُ بَيْنَ كُلِّ عَلَامَتَيْنِ، فَمَعَ اسْتِوَاءِ الْمَمْسُوحَيْنِ نَصِفُهُ ذَهَبٌ، وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ، وَمَعَ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ بِحِسَابِهِ. تَذْنِيبٌ: يُكْرَهُ ضَرْبُ نَقْدٍ مَغْشُوشٍ وَاتِّخَاذُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. قَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي: لَيْسَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَضْرِبُوا إِلَّا جَيِّدًا، وَيُكْرَهَ الضَّرْبُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لَا يَصْلُحُ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ إِلَّا فِي دَارِ الضَّرْبِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إِنْ رُخِّصَ لَهُمْ رَكِبُوا الْعَظَائِمَ. (وَيُخْرِجُ عَنِ الْجَيِّدِ الصَّحِيحَ مِنْ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّ إِخْرَاجَ غَيْرِ ذَلِكَ خَبِيثٌ، فَلَمْ يَجُزْ، وَكَالْمَاشِيَةِ، وَيُخْرِجُ عَنِ الرَّدِيءِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَنْوَاعًا مُتَسَاوِيَةَ الْقِيمَةِ جَازَ إِخْرَاجُهَا مَنْ أَحَدِهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْقِيمَةُ أُخِذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ، وَجَزَمَ الْمُؤَلِّفُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِنْ شَقَّ لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ، فَمِنَ الْوَسَطِ كَالْمَاشِيَةِ، وَإِنْ أَخْرَجَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنَ الْأَعْلَى كَانَ أَفْضَلَ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَنِ الْأَعْلَى مِنَ الْأَدْنَى أَوِ الْوَسَطِ، وَزَادَ قَدْرَ الْقِيمَةِ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنَ الْأَعْلَى بِقَدْرِ الْقِيمَةِ دُونَ الْمَوْزُونِ، لَمْ يَجُزْ (فَإِنْ أَخْرَجَ) أَيْ: عَنِ الصِّحَاحِ (مُكَسَّرًا أَوْ) أَخْرَجَ عَنِ الْجِيَادِ (بَهْرَجًا) أَيْ: رَدِيئًا؛ وَهُوَ الْمَغْشُوشُ، أَوْ أَخْرَجَ سَوْدَاءَ عَنْ بَعْضٍ (زَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَضْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةً وَقَدْرًا، وَكَمَا لَوْ أَخْرَجَ مِنْ عَيْنِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَجِبُ الْمِثْلُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " فِي غَيْرِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ جَيِّدٌ صَحِيحٌ، فَلَمْ يُجْزِئْ ضِدُّهُ، كَالْمَرِيضَةِ عَنِ الصِّحَاحِ، فَإِذَا تَسَاوَى الْوَاجِبُ وَالْمُخْرَجُ فِي الْقِيمَةِ وَالْوَزْنِ، جَازَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَالْقَصْدُ مِنْهَا الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهَا. [ضَمُّ الذَّهَبِ إِلَى الْفِضَّةِ مِنْ تَكْمِيلِ النِّصَابِ] (وَهَلْ يُضَمُّ الذَّهَبُ إِلَى الْفِضَّةِ مِنْ تَكْمِيلِ النِّصَابِ، أَوْ يُخْرَجُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يُكْمَلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَالْخِرَقِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 رِوَايَتَيْنِ، وَيَكُونُ الضَّمُّ بِالْأَجْزَاءِ، وَقِيلَ بِالْقِيمَةِ فِيمَا فِيهِ الْحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ، وَيُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.   [المبدع في شرح المقنع] وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَصَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ ": لِأَنَّ مَقَاصِدَهُمَا وَزَكَاتَهُمَا مُتَّفِقَةٌ، فَهُمَا كَنَوْعَيِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، فَعَلَيْهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الحاضر والدين إِذَا كَانَ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُضَمُّ. قَالَ الْمَجْدُ: يُرْوَى أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ إِلَيْهَا أَخِيرًا، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " وَ " الرِّعَايَةِ "، وَابْنُ تَمِيمٍ؛ لِقَوْلِهِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» ؛ وَلِأَنَّهُمَا مَالَانِ يَخْتَلِفُ نِصَابُهُمَا، فَلَمْ يَجُزِ الضَّمُّ كَأَجْنَاسِ الْمَاشِيَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهَذِهِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى دَلِيلًا وَأَصَحُّ تَعْلِيلًا، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخَبَرَ مَخْصُوصٌ بِعَرَضِ التِّجَارَةِ، فَيَصِحُّ الْقِيَاسُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْهُ الْوَقْفَ، فَيَكُونُ قَوْلًا ثَالِثًا (وَأَمَّا إِخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ) فَيَجُوزُ، صَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ أَحَدِهِمَا يَحْصُلُ بِإِخْرَاجِ الْآخَرِ، فَهُوَ كَأَنْوَاعِ الْجِنْسِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ، فَيَمْتَنِعُ كَسَائِرِ الْأَجْنَاسِ، وَعَلَى الْأُولَى لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ فِي مَوْضِعٍ يَلْحَقُ الْفَقِيرَ ضَرَرٌ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمَالِكُ الدَّفْعَ مَنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ، وَأَرَادَ الْفَقِيرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ لِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، لَمْ يَلْزَمِ الْمَالِكَ إِجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا فُرِضَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُكَلَّفْ سِوَاهُ، وَقِيلَ: اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ، فَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، (وَ) عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الضَّمِّ (يَكُونُ الضَّمُّ بِالْأَجْزَاءِ) عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ لَاعْتُبِرَ بِنَفْسِهِ، فَكَذَا إِذَا ضُمَّ إِلَى غَيْرِهِ كَالْمَوَاشِي؛ وَلِأَنَّ الضَّمَّ بِالْأَجْزَاءِ مُتَيَقَّنٌ، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ، فَإِنَّهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ، كَمَا لَوْ كَانَ مِلْكُهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفُ نِصَابٍ، فَمَجْمُوعُهُمَا نِصَابٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الثُّلُثُ أَوْ بَقِيَّةُ الْأَجْزَاءِ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالْبَاقِي مِنَ الْآخَرِ (وَقِيلَ: بِالْقِيمَةِ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصَابٍ ضُمَّ، فَإِنَّهُ بِالْقِيمَةِ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ (فِيمَا فِيهِ الْحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ) لأَنَّ أَصْلَ الضَّمِّ إِنَّمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 فصل وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، فَأَمَّا   [المبدع في شرح المقنع] شُرِعَ لِأَجْلِ الْحَظِّ ، فَإِذَا كَانَ لَهُ تِسْعَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَلَهُ مِائَةٌ أُخْرَى ضُمَّا، وَعَلَى الْأَجْزَاءِ: لَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَحَظُّ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْقِيمَةِ فَقَطْ، لِانْقِطَاعِهِ عَمَّا قَبْلَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إِلَيْهِمَا، فَلِهَذَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَعَنْهُ: يُكَمَّلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بِالْأَحَظِّ لِلْفُقَرَاءِ مِنَ الْأَجْزَاءِ أَوِ الْقَيِّمَةِ، ذَكَرَهَا فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ ". فَرْعٌ: يُضَمُّ جَيِّدُ كُلِّ جِنْسٍ إِلَى رَدِيئِهِ، وَمَضْرُوبِهِ إِلَى غَيْرِهِ. (وَيُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ) ؛ أَيْ: عُرُوضِ التِّجَارَةِ (إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، كَمَنْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَمَتَاعٌ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ أُخْرَى، أَوَّ لُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَمَتَاعٌ قِيمَتُهُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي قِيمَةِ الْعُرُوضِ؛ وَهِيَ تُقَوَّمُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَكَانَا مَعَ الْقِيمَةِ جِنْسًا وَاحِدًا، فَلَوْ كَانَ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعُرُوضٌ، فَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ يُضَمُّ الْجَمِيعُ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ. [الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ وَالْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ] فَصْلٌ (وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ» رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ؛ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلِأَنَّهُ مُرْصَدٌ لِلِاسْتِعْمَالِ الْمُبَاحِ، فَلَمْ تَجِبْ كَالْعَوَامِلِ، وَثِيَابِ الْقِنْيَةِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: مُعْتَادٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ لِرَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ إِنْ أُعِدَّ لِلُبْسٍ مُبَاحٍ أَوْ إِعَارَةٍ، وَلَوْ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَرَجُلٍ يَتَّخِذُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِإِعَارَتِهِنَّ، أَوِ امْرَأَةٍ تَتَّخِذُ حُلِيَّ الرِّجَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ، وَالْآنِيَةُ، وَمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ أَوِ النَّفَقَةِ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَ نِصَابًا،   [المبدع في شرح المقنع] لِإِعَارَتِهِمْ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ إِذَا لَمْ يُعرْ وَلَمْ يُلْبَسْ، قَالَهُ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ "، نَقَلَ ابْنُ هَانِي: زَكَاتُهُ عَارِيَتُهُ، وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ خَمْسَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنْهُ: مُطْلَقًا، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِامْرَأَةٍ فِي يَدِهَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ: هَلْ تُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ» ". وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ، قَالَهُ أَبُو عَبِيدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ: «وَفِي الرِّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» . وَجَوَابُهُ بِأَنَّهَا هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، قَالَ أَبُو عَبِيدٍ: لَا نَعْلَمُ هَذَا الِاسْمَ فِي الْكَلَامِ الْمَعْقُولِ عِنْدَ الْعَرَبِ إِلَّا عَلَى الدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ ذَاتِ السِّكَّةِ السَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الشُّمُولُ يَكُونُ مَخْصُوصًا بِمَا ذَكَرْنَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ إِذَا كَانَ الْحُلِيُّ لِيَتِيمٍ لَا يَلْبَسُهُ، فَلِوَلِيِّهِ إِعَارَتُهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ لَمْ يُعِرْهُ وَجَبَتْ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ (فَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، فَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ أَصْلِهِ، وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ عَلَى سَرْجٍ وَلِجَامٍ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْآنِيَةُ مِنَ النَّقْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ لَمَّا كَانَتْ لِمُحَرَّمٍ جُعِلَتْ كَالْعَدَمِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الِاتِّحَادِ جَوَازُ الصَّنْعَةِ، كَتَحْرِيمِ تَصْوِيرِ مَا يُدَاسُ مَعَ جَوَازِ اتِّخَاذِهِ (وَمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْمَدِّ فَقَطْ، فَنَصَّ عَلَى وُجُوبِهَا، سَوَاءٌ حَلَّ لَهُ لُبْسُهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مِنْ جِنْسِهِ الزَّكَاةُ، وَكَمَا لَوْ أُعِدَّ لِتِجَارَةٍ كُحْلِيِّ الصَّيَارِفِ (أَوِ النَّفَقَةِ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ) ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَقَطَتْ مِمَّا أُعِدَّ لِلِاشْتِغَالِ بِصَرْفِهِ عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَقَيَّدَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الشَّرْحِ " بِالِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 وَالِاعْتِبَارُ بِوَزْنِهِ إِلَّا مَا كَانَ مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي النِّصَابِ بِوَزْنِهِ، وَفِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ. وَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنَ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ وَقَبِيعَةُ السَّيْفِ، وَفِي حِلْيَةِ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": أَوْ لَمْ يَقْصِدْ رَبُّهُ شَيْئًا (إِذَا بَلَغَ) كُلُّ وَاحِدٍ (نِصَابًا، وَالِاعْتِبَارُ) فِي نِصَابِ الْكُلِّ (بِوَزْنِهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِعُمُومِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِوَاسِطَةِ صَنْعَةٍ مُحَرَّمَةٍ يَجِبُ إِتْلَافُهَا شَرْعًا، فَلَمْ يُعْتَبَرْ، وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ إِذَا كَانَتْ صِيَاغَتُهَا مُبَاحَةً، كَمَنْ عِنْدَهُ حُلِيٌّ لِلْكِرَاءِ وَزْنُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، قِيمَتُهُ مِائَتَانِ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا، وَحُكِيَ رِوَايَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُ، وَيَضْمَنُ صَنْعَتَهُ بِالْكَسْرِ (إِلَّا مَا كَانَ مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ) كُحُلِيِّ التِّجَارَةِ (فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي النِّصَابِ بِوَزْنِهِ، وَفِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ) هَذَا قَوْلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهِ لَوَقَعَتِ الْقِيمَةُ الْمُقَوَّمَةُ شَرْعًا لَا حَظَّ فِيهَا لِلْفُقَرَاءِ؛ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ وَزْنُهُ مِائَتَيْنِ، وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَعَلَيْهِ قَدْرُ رُبْعِ عُشْرِهِ دَنَانِيرَ، وَقِيمَتُهُ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ مُحَرَّمٍ، أَشْبَهَ زِيَادَةَ قِيمَتِهِ لِنَفَاسَةِ جَوْهَرِهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مُشَاعًا، أَوْ مِثْلَهُ وَزْنًا مِمَّا يُقَابِلُ جَوْدَتَهُ زِيَادَةُ الصَّنْعَةِ جَازَ، وَإِنْ خَبَرَ زِيَادَةَ الصَّنْعَةِ بِزِيَادَةٍ فِي الْمُخْرَجِ، فَكَمُكَسَّرَةٌ عَنْ صِحَاحٍ، فَإِنْ أَرَادَ كَسْرَهُ مُنِعَ لِبَعْضِ قِيمَةٍ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إِنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهِ بِقَدْرِهِ جَازَ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرِ الْقِيمَةَ لَمْ يُمْنَعْ مِنَ الْكَسْرِ، وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، لَكِنْ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ فِي الْإِخْرَاجِ إِنِ اعْتُبِرَتْ فِي النِّصَابِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ فِي النِّصَابِ لَمْ يَعْتَبِرْ فِي الْإِخْرَاجِ، لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، أَوْ تَكْلِيفِهِ أَجْوَدَ لِتُقَابِلَ الصَّنْعَةَ، فَإِنْ كَانَ مُعَدًّا لِلتِّجَارَةِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ كَالْعُرُوضِ. [مَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ مِنْ خَاتَمِ الْفِضَّةِ] (وَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنَ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ) : " «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 الْمِنْطَقَةِ رِوَايَتَانِ، وَعَلَى قِيَاسِهَا الْجَوْشَنُ وَالْخُوذَةُ وَالْخُفُّ وَالرَّانُّ وَالْحَمَائِلُ، وَمِنَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ: فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِقَصْدِ الزِّينَةِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْأَفْضَلُ جَعْلُ فَصِّهِ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ، وَلَهُ جَعْلُ فَصِّهِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ، وَضُعِّفَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ، وَقِيلَ: الْيَمِينُ أَفْضَلُ، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ، وَيُكَرَهُ فِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِلنَّهْيِ عَنْهُ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَالْإِبْهَامُ مِثْلُهُمَا، فَالْبِنْصِرُ مِثْلُهُ وَلَا فَرْقَ. فَائِدَةٌ: يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ دُونَ مِثْقَالٍ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْمُؤَلِّفِ: لَا بَأْسَ بِأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ لِضَعْفِ خَبَرٍ بُرَيْدَةَ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْعَادَةِ، وَإِلَّا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا ذِكْرُ اللَّهِ أَوْ غَيْرُهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَوْ رَسُولُهُ، وَفِي " الْفُرُوعِ " يَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ لَا يُكْرَهُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِلنَّصِّ الصَّرِيحِ. 1 - فَرْعٌ: لَوِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عِدَّةَ خَوَاتِيمَ، لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ فِيمَا خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ، إِلَّا أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا زَكَاةَ (وَقَبِيعَةُ السَّيْفُ) لِقَوْلِ أَنَسٍ: «كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِضَّةً» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالْقَبِيعَةُ: مَا يُجْعَلُ عَلَى طَرَفِ الْقَبْضَةِ، وَعِبَارَةُ الْخِرَقِيِّ أَعَمُّ؛ وَهِيَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي " شَرْحِهِ " قَالَ هِشَامٌ: كَانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ مُحَلًّى بِالْفِضَّةِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّهَا حِلْيَةٌ مُعْتَادَةٌ لِلرَّجُلِ، أَشْبَهَتِ الْخَاتَمَ (وَفِي حِلْيَةِ الْمِنْطَقَةِ) وَهِيَ مَا شَدَدْتَ بِهِ وَسَطَكَ. قَالَهُ الْخَلِيلُ، وَتُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ: الْحِيَاصَةَ (رِوَايَتَانِ) أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُبَاحُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّخَذُوا الْمَنَاطِقَ مُحَلَّاةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 الذَّهَبِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ، وَمَا دَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ كَالْأَنْفِ وَمَا رَبَطَ بِهِ أَسْنَانَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] بِالْفِضَّةِ؛ وَهِيَ كَالْخَاتَمِ، وَالثَّانِيَةُ: لا لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ؛ وَلِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِالتَّخَنُّثِ وَالِانْحِلَالِ، أَشْبَهَ الطَّوْقَ وَالدُّمْلُجَ (وَعَلَى قِيَاسِهَا) حِلْيَةُ (الْجَوْشَنِ) ، وَهُوَ الدِّرْعُ (وَالْخُوذَةُ) وَهِيَ الْبَيْضَةُ (وَالْخُفُّ وَالرَّانُ) وَهُوَ شَيْءٌ يُلْبَسُ تَحْتَ الْخُفِّ مَعْرُوفٌ (وَالْحَمَائِلُ) وَاحِدَتُهَا حِمَالَةٌ، قَالَهُ الْخَلِيلُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يُسَاوِي الْمِنْطَقَةَ مَعْنًى، فَوَجَبَ أَنْ يُسَاوِيَهَا حُكْمًا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَعَلَّلَهُ الْمَجْدُ بِأَنَّهُ يَسِيرُ فِضَّةٍ فِي لِبَاسِهِ، وَجَزَمَ فِي " الْكَافِي " بِإِبَاحَةِ الْكُلِّ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي الْحَمَائِلِ بِالتَّحْرِيمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ - أَيْضًا - فِي الْمِغْفَرِ وَالنَّعْلِ وَرَأْسِ الرُّمْحِ وَشُعَيْرَةِ السِّكِّينِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتِرْكَاشُ النُّشَّابِ، وَالْكَلَالِيبُ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ تَابِعٌ، وَلَا يُبَاحُ غَيْرُ ذَلِكَ كَتَحْلِيَةِ الْمَرَاكِبِ، وَلِبَاسِ الْخَيْلِ كَاللُّجُمِ، وَعُلْبَةِ الدَّوَاةِ، وَالْمِقْلَمَةِ، وَالْمِرْآةِ، وَالْكِمْرَانِ، وَالْمُشْطِ، وَالْمُكْحُلَةِ، وَالْمِيلِ، وَالْقِنْدِيلِ (وَ) يُبَاحُ لِلرَّجُلِ (مِنَ الذَّهَبِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ) لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ لَهُ سَيْفٌ وَسَبَائِكُ مِنْ ذَهَبٍ، وَعُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ كَانَ فِي سَيْفِهِ مِسْمَارٌ مِنْ ذَهَبٍ، ذَكَرَهُمَا أَحْمَدُ، وَقَيَّدَهَا بِالْيَسِيرِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ وَزْنُهَا ثَمَانِيَةَ مَثَاقِيلَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَلِكَ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْقُطَ، يَجْعَلُ فِيهِ مِسْمَارًا مَنْ ذَهَبٍ؛ قَالَ: إِنَّمَا رُخِّصَ فِي الْأَسْنَانِ (وَمَا دَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ كَالْأَنْفِ) وَإِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهُ مِنْ فِضَّةٍ؛: «لِأَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ، فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ يَسِيرُ الذَّهَبِ، وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ كُلُّ مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ؛ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ بَلَغَ أَلْفَ مِثْقَالٍ حَرُمَ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ.   [المبدع في شرح المقنع] وَالْحِكْمَةُ فِي الذَّهَبِ لَا يَصْدَأُ، بِخِلَافِ الْفِضَّةِ (وَمَا رَبَطَ بِهِ أَسْنَانَهُ) لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَأَبِي حَمْزَةَ الضُّبَعِيِّ، وَأَبِي رَافِعٍ، وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَإِسْمَاعِيلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ شَدُّوا أَسْنَانَهُمْ بِالذَّهَبِ؛ وَهِيَ ضَرُورَةٌ، فَأُبِيحَ كَالْقَبِيعَةِ بَلْ أَوْلَى، وَيَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ فِي الْأُنْمُلَةِ كَالسِّنِّ. وَظَاهِرُهُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ يَسِيرُ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا كَالْأُصْبُعِ وَالْخَاتَمِ إِجْمَاعًا، وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَتَهُ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ إِبَاحَتَهُ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ يَسِيرُ الذَّهَبِ) مُطْلَقًا، لِقَوْلِهِ: نُهِيَ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا، وَقِيلَ: يُبَاحُ فِي سِلَاحٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقِيلَ: كُلُّ مَا أُبِيحَ تَحْلِيَتُهُ بِفِضَّةٍ أُبِيحَ بِذَهَبٍ، وَكَذَا تَحْلِيَةُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ بِهِ، وَالصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ كَالْكَثِيرِ لِلْعُمُومِ، وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ؛ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَصْلُحُ مِنَ الذَّهَبِ شَيْءٌ، وَلَا خَرْبَصِيصَةَ» انْتَهَى؛ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْحُلِيِّ بِقِدْرِ عَيْنِ الْجَرَادَةِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ سَرَفًا (وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ كُلُّ مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ) كَالطَّوْقِ مِنَ الْحِلَقِ، وَالْخَلْخَالِ، وَالسُّوَارِ، وَالْقُرْطِ فِي الْأُذُنِ، وَظَاهِرُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمَا فِي الْمَخَانِقِ، وَالْمَقَالِدِ مِنْ حَرَائِرَ وَتَعَاوِيذَ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالتَّاجُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى التَّجَمُّلِ وَالتَّزَيُّنِ لِزَوْجِهَا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِلُبْسِهِ كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ، وَالنِّعَالِ الذَّهَبِ، لَا يُبَاحُ لَهُنَّ لِانْتِفَاءِ التَّجَمُّلِ، فَلَوِ اتَّخَذَتْهُ حَرُمَ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ (قَلَّ أَوْ كَثُرَ) ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَبَاحَ لَهُنَّ التَّحَلِّي مُطْلَقًا، فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالرَّأْيِ وَالتَّحَكُّمِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ بَلَغَ أَلْفَ مِثْقَالٍ حَرُمَ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ) لِمَا رَوَى أَبُو عَبِيدٍ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ أَيْضًا؛ وَلِأَنَّهُ سَرَفٌ وَخُيَلَاءُ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ في الاستعمال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": إِنْ بَلَغَ أَلْفًا فَهُوَ كَثِيرٌ، فَيَحْرُمُ لِلسَّرَفِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ عَنِ الذَّهَبِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَأَبَاحَ الْقَاضِي أَلْفَ مِثْقَالٍ فَمَا دُونَ، وَيُعْتَبَرُ مَجْمُوعُهُ لَا مُفْرَدَاتُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُبَاحُ الْمُعْتَادُ، فَإِنْ بَلَغَ الْخَلْخَالُ وَنَحْوُهُ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ، وَتَحَقَّقَ السَّرَفُ، فَلَمْ يُبَحْ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ. وَنَقَلَ الْجَوْزَجَانِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ، وَإِنْ بَلَغَ أَلْفَ مِثْقَالٍ، لِأَنَّهُ يُعَارُ وَيُلْبَسُ. 1 - فَرْعٌ: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ التَّحْلِيَةُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُعَرَّاةٍ، وَفِي مُرْسَلَةٍ فِي وَجْهٍ، وَعَلَيْهَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ. مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ التَّحَلِّي بِالْجَوْهَرِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلِاسْتِعْمَالِ كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ، فَيَقُومُ جَمِيعُهُ تَبَعًا، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: يُكَرَهُ لِلرَّجُلِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ مُرَادَهُ غَيْرُ تَخَتُّمِهِ بِذَلِكَ؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَأَمَّا تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ، وَعَكْسُهُ، فَيَحْرُمُ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِلَعْنِ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ جَزْمِهِمْ بِتَحْرِيمِ اتِّخَاذِ أَحَدِهِمَا حُلِيَّ الْآخَرِ لِيَلْبِسَهُ، وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى إِبَاحَةِ تَحَلِّي النِّسَاءِ بِالْجَوَاهِرِ وَالْيَاقُوتِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ لِلرِّجَالِ إِلَّا فِي الْخَاتَمِ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ لَهُمْ بِجَمِيعِ الْأَحْجَارِ مُبَاحٌ، وَيُسْتَحَبُّ بِالْعَقِيقِ؛ لِقَوْلِهِ: «تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ» وَضَعَّفَهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَفِي دَعْوَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ مِنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا، وَيُؤْخَذُ مِنْهَا لَا   [المبدع في شرح المقنع] الْمَوْضُوعَاتِ نَظَرٌ، وَيُكْرَهُ لَهُمَا خَاتَمُ حَدِيدٍ، وَصُفْرٍ، وَنُحَاسٍ، وَرَصَاصٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، نُقِلَ مهَنا: أَكْرَهُ خَاتَمَ الْحَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ. [بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ] [تَعْرِيفُ الْعُرُوضِ] بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ هِيَ جَمْعُ عَرْضٍ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ؛ وَهُوَ مَا عَدَا الْأَثْمَانِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالنَّبَاتِ، وَبِفَتْحِهَا فَهُوَ كَثْرَةُ الْمَالِ، وَالْمَتَاعِ، وَسُمِّيَ عَرْضًا؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ ثُمَّ يَزُولُ وَيَفْنَى، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُعْرَضُ لِيُبَاعَ وَيُشْتَرَى تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ، كَتَسْمِيَةِ الْمَعْلُومِ عِلْمًا، وَفِي اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ: هُوَ الَّذِي لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " تَبَعًا لِلْخَرْقِيِّ بِزَكَاةِ التِّجَارَةِ؛ وَهِيَ أَشْمَلُ لِدُخُولِ الْإِيجَارِ فِي النَّقْدَيْنِ، وَعَدَلَ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَرْجَمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالْعُرُوضِ (تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] ، وَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَمَالُ التِّجَارَةِ أَعَمُّ الْأَمْوَالِ، فَكَانَتْ أَوْلَى بِالدُّخُولِ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِمَّا نُعِدُّهُ لِلْبَيْعِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: جَعْفَرٌ وَحَبِيبٌ مَجْهُولَانِ، وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: إِسْنَادُهُ مُقَارِبٌ، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُمَا، وَقَالَ: إِنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عُمَرَ: قَوِّمْهَا ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهَا. وَقَالَ الْمَجْدُ: هُوَ إِجْمَاعٌ مُتَقَدِّمٌ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 مِنَ الْعُرُوضِ، وَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إِلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ بِهَا، فَإِنْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ، أَوْ مَلَكَهَا بِفِعْلِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، ثُمَّ نَوَى التِّجَارَةَ لَمْ تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا زَكَاةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ، قَالَ: وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا، وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَثْبَتَ لَهُ قَوْلًا فِي الْقَدِيمِ: لَا يَجِبُ، وَحَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْجَمَاهِيرِ، وَادَّعَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ نَامٍ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالسَّائِمَةِ، وَخَبَرُهُمُ الْمُرَادُ بِهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ لَا الْقِيمَةِ، عَلَى أَنَّ خَبَرَنَا خَاصٌّ؛ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى خَبَرِهِمُ الْعَامِّ (إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا) وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ نَامٍ، فَاعْتُبِرَ لَهُ مَا ذَكَرْنَا، كَالْمَاشِيَةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ النِّصَابِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ ثُمَّ زَادَتِ الْقِيمَةُ فَبَلَغَتْهُ ابْتُدِئَ حِينَئِذٍ، كَسَائِرِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ (وَيُؤْخَذُ مِنْهَا) أَيْ: مِنَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْوُجُوبِ كَالدَّيْنِ، رُبْعُ الْعُشْرِ، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْقِيمَةِ (لَا مِنَ الْعُرُوضِ) إِلَّا أَنْ يَقُولَ بِإِخْرَاجِ الْقِيمَةِ، فَيَجُوزُ بِقَدْرِهَا وَقْتَ الْإِخْرَاجِ، وَتَتَكَرَّرُ الزَّكَاةُ لِكُلِّ حَوْلٍ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا تَصِيرُ) الْعُرُوضُ (لِلتِّجَارَةِ إِلَّا) بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا (أَنْ يَمْلِكَهُ بِفِعْلِهِ) سَوَاءٌ كَانَ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ أَوْ لَا، كَالْهِبَةِ وَالْغَنِيمَةِ، هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ، وَأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمُعَاوَضَةُ؛ لِظَاهِرِ خَبَرِ سَمُرَةَ، وَلِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِفِعْلِهِ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُجَرَّدِ " أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْمُعَاوَضَةَ مَحْضَةً كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ أَوْ لَا، كَنِكَاحٍ، وَخُلْعٍ، وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ عُمَدٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ وَالْهِبَةَ لَيْسَتَا مِنْ جِهَاتِ التِّجَارَةِ كَالْمَوْرُوثِ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْعِوَضِ نَقْدًا، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، لِاعْتِبَارِ النِّصَابِ بِهِمَا، فَيُعْتَبَرُ أَصْلُ وُجُودِهِمَا. الثَّانِي: وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ بِهَا) عِنْدَ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ، وَالتِّجَارَةَ عَمَلُهُ، فَوَجَبَ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ؛ وَلِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ فِي الْأَصْلِ لِلِاسْتِعْمَالِ، فَلَا يَضُرُّ لِلتِّجَارَةِ إِلَّا بِنِيَّتِهَا، كَعَكْسِهِ، وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ فِي كُلِّ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ فِي جَمِيعِهِ، فَوَجَبَ كَالنِّصَابِ (فَإِنْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ) وَلَوْ نَوَاهَا (وَمَلَكَهَا بِفِعْلِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، ثُمَّ نَوَى التِّجَارَةَ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 كَانَ عِنْدَهُ عَرَضٌ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَاهُ لِلْقِنْيَةِ ثُمَّ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ، وَعَنْهُ: إنَّ الْعُرُوضَ تصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. وَتُقَوَّمُ الْعُرُوضُ عِنْدَ الْحَوْلِ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرَقٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا اشْتُرِيَتْ بِهِ، وَإِنِ اشْتَرَى عَرَضًا   [المبدع في شرح المقنع] تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ مِنْ أَصْلِهِ لَا يَصِيرُ مَحَلًّا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كَالْمَعْلُوفَةِ إِذَا نَوَى فِيهَا إِسَامَتَهَا؛ وَلِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَنْقُلُ عَنِ الْأَصْلِ؛ إِذِ الْأَصْلُ فِيهَا النِّيَّةُ (وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرَضٌ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَاهُ لِلْقِنْيَةِ، ثُمَّ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ، لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ) هَذَا ظَاهِرُ " الْمَذْهَبِ "، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِنْيَةَ هِيَ الْأَصْلُ، فَيَكْفِي فِي الرَّدِّ إِلَيْهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ نَوَى بِالْحُلِيِّ التِّجَارَةَ، وَالْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ؛ وَلِأَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فِيهَا، وَإِذَا نَوَى الْقِنْيَةَ زَالَتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ، فَفَاتَ شَرْطُ الْوُجُوبِ، بِخِلَافِ السَّائِمَةِ إِذَا نَوَى عَلَفَهَا، فَإِنَّ الشَّرْطَ الْإِسَامَةُ دُونَ نِيَّتِهَا (وَعَنْهُ: إِنَّ الْعُرُوضَ تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ) نَقَلَهَا صَالِحٌ وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " التَّبْصِرَةِ " " وَالرَّوْضَةِ " لِعُمُومِ حَدِيثِ سَمُرَةَ؛ وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْقِنْيَةَ كَافِيَةٌ بِمَجْرَدِهَا، فَكَذَا شِبْهُ التِّجَارَةِ، بَلْ أَوْلَى؛ إِذْ الْإِيجَابُ يَغْلِبُ عَلَى الْإِسْقَاطِ احْتِيَاطًا، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تُبَاعَ، وَيُسْتَقْبَلَ بِثَمَنِهَا حَوْلًا. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ عِنْدَهُ مَاشِيَةٌ لِلتِّجَارَةِ نِصْفَ حَوْلٍ، فَنَوَى بِهَا الْإِسَامَةَ، وَقَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ، انْقَطَعَ حَوْلُهَا، وَاسْتَأْنَفَ حَوْلَ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّ حَوْلَ التِّجَارَةِ انْقَطَعَ بِنِيَّةِ الِاقْتِنَاءِ، وَحَوْلَ السَّائِمَةِ لَا يَنْبَنِي عَلَى حَوْلِ التِّجَارَةِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْأَشْبَهُ بِالدَّلِيلِ أَنَّهَا مَتَى كَانَتْ سَائِمَةً فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهَا عِنْدَ تَمَامِهِ، وَرُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ. [تُقَوَّمُ الْعُرُوضُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ] (وَتُقَوَّمُ الْعُرُوضُ عِنْدَ) تَمَامِ (الْحَوْلِ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرَقٍ) لِأَنَّ تَقْوِيمَهُ لِحَظِّ الْفُقَرَاءِ، فَيُقَوَّمُ بِالْأَحَظِّ لَهُمْ، كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ بِعَرَضِ قِنْيَةٍ، وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ، إِنْ تَسَاوَيَا فِي الْغَلَّةِ يَبْلُغُ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا، بِخِلَافِ الْمُتْلَفَاتِ، وَذَكَرَ الْحُلْوَانِيُّ: يُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ فَبِالْأَحَظِّ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِنَقْدٍ قُوِّمَ بِجِنْسِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَبَتِ الزَّكَاةُ بِحَوْلِهِ، فَوَجَبَ جِنْسُهُ كَالْمَاشِيَةِ؛ وَلِأَنَّ أَصْلَهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا يُقَوَّمُ نَقْدٌ بِآخَرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِذَا تَسَاوَتْ قِيمَةُ الْعُرُوضِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 بِنِصَابٍ مِنَ الْأَثْمَانِ، أَوْ مِنَ الْعُرُوضِ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ، وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِنِصَابٍ مِنَ السَّائِمَةِ لَمْ يَبْنِ عَلَى حَوْلِهِ. وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنَ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ دُونَ السَّوْمِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ،   [المبدع في شرح المقنع] خَيْرٌ؛ لِقِيَامِ كُلٍّ مِنْهَا مَقَامَ الْآخَرِ فِي حُصُولِ الْغَرَضِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ: يُقَوَّمُ بِالْأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ كَأَصْلِ الْوُجُوبِ (وَلَا يُعْتَبَرُ مَا اشْتُرِيَتْ بِهِ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرَقٍ قَدْرًا وَلَا جِنْسًا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ؛ لِأَنَّ فِي تَقْوِيمِهَا بِمَا اشْتُرِيَتْ بِهِ إِبْطَالًا لِلتَّقْوِيمِ بِالْأَنْفَعِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا بَلَغَتْ قيمتها نصابا بِالدَّرَاهِمِ قُوِّمَتْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِالذَّهَبِ، وَكَذَا عَكْسُهُ. فَرْعٌ: تُقَوَّمُ الْمُغَنِّيَةُ سَاذَجَةً، وَالْخَصِيُّ بِصِفَتِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِقِيَمةِ آنِيَةِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيُضَمُّ بَعْضُ الْعُرُوضِ إِلَى بَعْضٍ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ قِيمَةً وَمُشْتَرًى، (وَإِنِ اشْتَرَى) أَوْ بَاعَ (عَرَضًا) لِلتِّجَارَةِ (بِنِصَابٍ مِنَ الْأَثْمَانِ، أَوْ مِنَ الْعُرُوضِ، بَنَى عَلَى حَوْلِهِ) أَيْ: حَوْلِ الْأَوَّلِ وِفَاقًا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ الْأَثْمَانُ، وَالْأَثْمَانُ يبني حَوْلُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، فَلَوْ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْعُرُوضِ بَنَى حَوْلَ النَّقْدِ عَلَى حَوْلِهَا؛ لِأَنَّ وَضْعَ التِّجَارَةِ لِلتَّقَلُّبِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِثَمَنٍ وَعَرَضٍ، فَلَوْ لَمْ يَبْنِ، بَطَلَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّقْدُ نِصَابًا فَحَوْلُهُ مُنْذُ كَمُلَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا مِنْ شِرَائِهِ (وَإِنِ اشْتَرَاهُ) أَوْ بَاعَهُ (بِنِصَابٍ مِنَ السَّائِمَةِ لَمْ يَبْنِ عَلَى حَوْلِهِ) لِاخْتِلَافِهِمَا فِي النِّصَابِ وَالْوَاجِبِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِي نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ بِمِثْلِهِ لِلْقِنْيَةِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ السَّوْمَ سَبَبٌ لِلزَّكَاةِ، قُدِّمَ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِقُوَّتِهِ، فَبِزَوَالِ الْعَارِضِ ثَبَتَ حُكْمُ السَّوْمِ لِظُهُورِهِ [إِنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنَ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ] (وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنَ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ) ؛ لِأَنَّ وَضْعَهَا عَلَى التَّقَلُّبِ، فَهِيَ تُزِيلُ سَبَبَ زَكَاةِ السَّوْمِ، وَهُوَ الِاقْتِنَاءُ لِطَلَبِ النَّمَاءِ مَعَهُ، وَاقْتَصَرَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْأَحَظِّ، فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ (دُونَ) زَكَاةِ (السَّوْمِ) ، وَقِيلَ: يَجِبُ زَكَاةُ السَّوْمِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِلْإِجْمَاعِ وَتَعَلُّقُهَا بِالْعَيْنِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْأَحَظُّ مِنْهُمَا لِلْفُقَرَاءِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، فَفِي أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَإِذَا اشْتَرَى أَرْضًا وَنَخْلًا لِلتِّجَارَةِ، فَأَثْمَرَتِ النَّخْلُ، وَزُرِعَتِ الْأَرْضُ، فَعَلَيْهِ فِيهِمَا الْعُشْرُ، وَيُزَكِّي الْأَصْلَ لِلتِّجَارَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُزَكِّي الْجَمِيعَ زَكَاةَ الْقَيِّمَةِ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] حِقَّةٌ أَوْ جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ أَوْ إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ، أَوْ مِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ أَحَظُّ لِزِيَادَتِهَا بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ وَقْصٍ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ زَكَاةُ السَّوْمِ، وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ دُونَ الْجَذَعَةِ، أَوْ خَمْسِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ حِقَّةٌ، أَوْ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ يَجِبُ الْأَحَظُّ مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ أَوِ السَّوْمِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " يُزَكِّي النِّصَابَ لِلْعَيْنِ، وَالْوَقْصَ لِلْقِيمَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا أَو لا فِي وَجْهٍ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ السَّابِقُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، لِأَنَّهُ وَجَدَ سَبَبَ زَكَاتِهِ بِلَا مُعَارِضٍ (وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ) كَمَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً، قِيمَتُهَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الزَّكَاةِ فِيهِ بِلَا مُعَارِضٍ، وَقِيلَ: يُغَلَّبُ مَا يَغْلِبُ إِذَا اجْتَمَعَ النِّصَابَانِ، وَلَوْ سَقَطَتْ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ إِنْ نَقَصَ نِصَابُ السَّوْمِ، كَمَنْ مَلَكَ أَرْبَعًا مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، فَأَمَّا إِنْ سَبَقَ جَرْيُ السَّوْمِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دُونَ نِصَابٍ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَتِمَّ الْحَوْلُ مِنْ بُلُوغِ النِّصَابِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، قَالَ الْقَاضِي: يَتَأَخَّرُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: تَجِبُ زَكَاةُ السَّوْمِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا لِوُجُودِ مُقْتَضِيهَا، إِذْ لَا يُمْكِنُ إِيجَابُ زَكَاتَيْنِ بِكَمَالِهِمَا، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى إِيجَابٍ زكاتين فِي حَوْلٍ وَاحِدٍ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَجُزْ، بِخِلَافِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، وَالْفِطْرِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (وَإِذَا اشْتَرَى أَرْضًا أَوْ نَخْلًا لِلتِّجَارَةِ، فَأَثْمَرَتِ النَّخْلُ، وَزُرِعَتِ الْأَرْضُ، فَعَلَيْهِ فِيهِمَا الْعُشْرُ) أَيْ: فِي الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ بِشَرْطِهِ (وَيُزَكِّي الْأَصْلَ) أَيِ: الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ (لِلتِّجَارَةِ) جَزَمَ بِهِ في " الْوَجِيزُ " لِأَنَّهُمَا عَيْنَانِ تَجِبُ فِي أَحَدِهِمَا زَكَاةُ الْعَيْنِ؛ وَهُوَ أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ؛ إِذِ الْعُشْرُ أَحَظُّ مِنْ رُبْعِهِ، وَفِي الْأُخْرَى زَكَاةُ الْقِيمَةِ حَالَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَحِينَئِذٍ فَمُرَادُهُ إِذَا اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَقَالَ الْقَاضِي) وَأَصْحَابُهُ (يُزَكِّي الْجَمِيعَ زَكَاةَ الْقِيمَةِ) إِذَا تَمَّ الْحَوْلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 عُشْرَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَسْبِقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ فَيُخْرِجُهُ. وَإِذَا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي إِخْرَاجِ زَكَاتِهِ، فَأَخْرَجَاهَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ ضَمِنَ الثَّانِي نَصِيبَ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ، فَوَجَبَتْ زَكَاتُهَا كَالسَّائِمَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّمَرَ وَالزَّرْعَ جُزْءُ الْخَارِجِ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَقُومَ مَعَ الْأَصْلِ، كَالسِّخَالِ، وَالرِّبْحُ الْمُتَجَدِّدُ إِذَا كَانَتِ الْأُصُولُ لِلتِّجَارَةِ (وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَاجْتَمَعَ فِي مَالٍ وَاحِدٍ زَكَاتَانِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمَالِكِ؛ وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا (إِلَّا أَنْ يَسْبِقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ فَيُخْرِجُهُ) أَيْ: فَيُخْرِجُ الْعُشْرَ لِوُجُودِ سَبَبِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ؛ وَهُوَ أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحُلَّ الْخِلَافَ فِيهَا، ثُمَّ يَذْكُرَ الْمُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ مِنَ الْجَمِيعِ زَكَاةَ الْقِيمَةِ لَمْ يُوجِبِ الْعُشْرَ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ سَبْقَ أَحَدِهِمَا، وَاعْتِرَاضُ ابْنُ الْمُنَجَّا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدَّمَ غَيْرَ الْمَذْهَبِ اعْتِبَارًا بِمَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " مِنْ إِيمَاءِ أَحْمَدَ إِلَيْهِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ إِذِ التَّقْدِيمُ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنَ الدَّلِيلِ، وَيُعَضِّدُهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: بِزَكَاةِ الْعُشُورِ هُنَا؛ لِكَثْرَةِ الْوَاجِبِ، لِعَدَمِ الْوَقْصِ، وَالْخُلْفُ فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَأْنَفُ حَوْلُ التِّجَارَةِ عَلَى زَرْعٍ وَثَمَرٍ مِنْ حَصَادٍ وَجِذَاذٍ؛ لِأَنَّ بِهِ يَنْتَهِي وُجُوبُ الْعُشْرِ الَّذِي لَوْلَاهُ لَجَرَيَا فِي حَوْلِ التِّجَارَةِ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَأْنِفُهُ إِلَّا بِثَمَنِهَا إِنْ بِيعَا كَمَالِ الْقِنْيَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ وَقْتُ الْوُجُوبِ، أَوْ وَجَدَ نِصَابَ أَحَدِهِمَا فَكَمَسْأَلَةِ سَائِمَةِ التِّجَارَةِ، وَإِنْ زَرَعَ بَذْرَ تِجَارَةٍ فِي أَرْضٍ قِنْيَةٍ، فَهَلْ يُزَكَّى الزَّرْعُ زَكَاةَ عُشْرٍ، أَوْ قِيمَةٍ؛ فِيهِ خِلَافٌ، وَفِي بَذْرِ قِنْيَةِ الْعُشْرُ أَوْ فِي أَرْضِهِ لِلتِّجَارَةِ الْقِيمَةُ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ وَالزَّرْعُ لَا زَكَاةَ فِيهِ ضَمَّ قِيمَةَ الثَّمَرِ وَالْآخَرَ إِلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ مِنَ الْحَوْلِ كَرِبْحٍ وَنِتَاجٍ، وَقِيلَ: لَا. [إِذَا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي إِخْرَاجِ زَكَاةٍ] (وَإِذَا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي إِخْرَاجِ زَكَاةٍ، فَأَخْرَجَاهَا مَعًا، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، بِإِخْرَاجِ الْمَالِكِ زَكَاةَ نَفْسِهِ، وَكَمَا لَوْ عَلِمَ ثُمَّ نَسِيَ، وَانْعَزَلَ حُكْمًا، الْعِلْمُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدٍ، فَبَاعَهُ الْمُوَكَّلِ أَوْ أَعْتَقَهُ (وَإِنْ أَخْرَجَهَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ ضَمِنَ الثَّانِي نَصِيبَ الْأَوَّلِ، عَلِمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 الْأَوَّلِ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَيَتَخَرَّجْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ. بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ نَاسِهِ، إِذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ   [المبدع في شرح المقنع] أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ الْحُكْمِيَّ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَالِكُ (وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ) بِإِخْرَاجِ صَاحِبِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا يُضْمَنُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَكَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ، فَقَضَاهُ الْمَالِكُ، ثُمَّ الْوَكِيلُ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَالِكِ، بِخِلَافِ الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَلِبُ تَطَوُّعًا، كَمَنْ دَفَعَ زَكَاةً يَعْتَقِدُهَا عَلَيْهِ، فَلَمْ تَكُنْ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْقَابِضُ مِنْهُمَا السَّاعِي، ثُمَّ عَلِمَ الْحَالَ، فَلَا ضَمَانَ؛ لِإِمْكَانِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ مَعَ بَقَائِهَا بِيَدِ السَّاعِي. فَرْعٌ: إِذَا وَكَّلَهُ فِي إِخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَأَخْرَجَهَا الْمُوَكِّلُ، ثُمَّ الْوَكِيلُ، فَالْخِلَافُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أنَّهُ أَخْرَجَهَا قَبْلَ وَكِيلِهِ، وَلَهُ الصَّدَقَةُ قَبْلَ إِخْرَاجِ زَكَاتِهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا اشْتَرَى مَا يَصْبُغُ بِهِ، وَيَبْقَى كَزَعْفَرَانٍ وَنِيلٍ، وَنَحْوِهِ فَهُوَ عَرَضُ تِجَارَةٍ يُقَوِّمُهُ عِنْدَ حَوْلِهِ لِاعْتِيَاضِهِ عَنْ صَبْغٍ قَائِمٍ بِالثَّوْبِ، فَفِيهِ مَعْنَى التِّجَارَةِ، وَكَذَا يَجِبُ فِيمَا يَشْتَرِيهِ دَبَّاغٌ لِيَدْبُغَ بِهِ، كَعَفْصٍ، وَمَا يَدْهُنُهُ بِهِ، كَسَمْنٍ وَمِلْحٍ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، كَمَا يَشْتَرِيهِ قَصَّارٌ مِنْ قَلْيٍ وَصَابُّونٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا شَيْءَ فِي آلَاتِ الصَّبَّاغِ، وَأَمْتِعَةِ التِّجَارَةِ، وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بَيْعَهَا مَعَ مَا فِيهَا، وَلَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا فِي قِيمَةِ مَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ مِنْ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ، لَكِنْ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا مِنَ الزَّكَاةِ، فَقِيلَ: يُزَكِّي قِيمَتَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا. [بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [حُكْمُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ قَوْلِكَ: أَفْطَرَ الصَّائِمُ إِفْطَارًا، وَأُضِيفَتْ إِلَى الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِهِ، فَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى سَبَبِهِ، وَالْفِطْرَةُ: الْخِلْقَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] ، وَهَذِهِ يُرَادُ بِهَا الصَّدَقَةُ عَنِ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ، وَبِضَمِّ الْفَاءِ كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِمَّا يَلْحَنُ فِيها الْعَامَّةُ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، لِاسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ لَهَا (وَهِيَ وَاجِبَةٌ) قَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ كَالإِجْمَاعٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنَّهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ. وَرُدَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تُطَهِّرُ مِنَ الشِّرْكِ، وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِهَا زَكَاةٌ وَلَا عِيدٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ، وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَدَعْوَى أَنَّ فَرَضَ بِمَعْنَى: قَدَّرَ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ كَلَامَ الرَّاوِي لَا يُحْمَلُ إِلَّا عَلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ، بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِهَا فِي " الصَّحِيحِ " - أَيْضًا - مِنْ حَدِيثِهِ، وَيُسَمَّى فَرْضًا عَلَى الْأَصَحِّ لِقَوْلِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، وَعَنْهُ: لَا، وَفِيهِ رِوَايَةُ الْمَضْمَضَةِ. وَذَهَبَ الْأَصَمُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا، وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ» إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ اسْتِصْحَابُ الْأَمْرِ السَّابِقِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَالْمُعَارِضِ، وَقَدْ فَرَضَهَا الشَّارِعُ وَأَمَرَ بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَرْضَهَا مَعَ رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) وَهُوَ شَامِلٌ لِلْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ كُلٍّ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى نَكِرَةٍ، فَيَقْتضِي عُمُومَ الْأَفْرَادِ، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ الْكَافِرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا هَلَّ شَوَّالٌ عَلَى عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ، فَالْأَظْهَرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ صَاعٌ وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا، وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُ صَاعٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ يُمَوِّنُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ   [المبدع في شرح المقنع] وَجُوبُهَا عَلَى الْكَافِرِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ مُخَاطَبٍ بِالصَّوْمِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ: تَجِبُ عَلَى مُرْتَدٍّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْبَوَادِي وَغَيْرِهِمْ (يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ نَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَدُّوا الْفِطْرَةَ عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَهُوَ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ لَا يَمُونُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِالْوُجُوبِ غَيْرَهُ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لَخَاطَبَهُ بِهِ كَسَائِرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ (إِذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ صَاعٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَهَمُّ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا مِلْكُ نِصَابٍ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ (وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا) فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَلَزِمَهُ فِطْرَتُهُ كَالْحُرِّ، لَا عَلَى سَيِّدِهِ (وَإِنْ فَضَلَ بَعْضَ صَاعٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهُ) عَنْ نَفْسِهِ؛ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَكَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ ". وَقَالَ: التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ، إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَلِأَنَّهَا طُهْرَةٌ، فَهِيَ كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ، اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَ " الْوَجِيزِ " كَالْكَفَّارَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ سَكَنٍ وَعَبْدٍ وَدَابَّةٍ وَثِيَابٍ بِذْلَةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 مَا يُؤَدِّي عَنْ جَمِيعِهِمْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِامْرَأَتِهِ، ثُمَّ بِرَقِيقِهِ ثُمَّ بِوَلَدِهِ، ثُمَّ بِأُمِّهِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ، وَجَزَمَ الْمُؤَلِّفُ: أَوْ لَهُ كَتُبٌ يَحْتَاجُهَا لِلنَّظَرِ وَالْحِفْظِ، أَوْ لِلْمَرْأَةِ حُلِيٌّ لِلُّبْسِ أو الكراء وَهِيَ تَحْتَاجُهُ. [يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ يُمَوِّنُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ] (وَ) حَيْثُ لَزِمَهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ (يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ يُمَوِّنُهُ) فَدَخَلَ فِيهِ الزَّوْجَاتُ، وَالْإِمَاءُ، وَالْأَقَارِبُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فَدَلَّ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ يُمَوِّنُهُ مِنَ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلْمُخْرَجِ عَنْهُ؛ وَهُوَ لَا يَقْبَلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَهِّرُهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَشَمَلَ مَا إِذَا كَانَ لِزَوْجَتِهِ خَادِمٌ، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَنْهُ إِنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَةٌ، وَكَذَا عَبْدُ عَبْدِهِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَالْأَشْهَرُ فِيهِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ بِالتَّمْلِيكِ أَدَّى عَنْهُ، وَإِنْ مَلَكَ فَلَا فِطْرَةَ لَهُ لِعَدَمِ مِلْكِ السَّيِّدِ الْأَعْلَى، وَمُقْتَضَى مِلْكِ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى، فَأَمَّا زَوْجَةُ عَبْدِهِ فَذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ فِطْرَتَهَا عَلَيْهَا إِنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَعَلَى سَيِّدِهَا إِنْ كَانَتْ أَمَةً، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، كَالنَّفَقَةِ، وَكَمَا لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَ قَرِيبَهُ، وَلَزِمَهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهَا، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ أَجِيرٍ، وَظِئْرٍ، اسْتَأْجَرَهُمَا بِطَعَامِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَفِي الضَّيْفِ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَجِبْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُؤَدِّي عَنْ جَمِيعِهِمْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ) وَهِيَ تُبْنَى عَلَى النَّفَقَةِ، وَنَفَقَةُ نَفْسِهِ مُقَدَّمَةٌ، فَكَذَا فِطْرَتُهُ (ثُمَّ بِامْرَأَتِهِ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْإِمَاءِ، وَقُدِّمَتْ عَلَى غَيْرِهَا لِآكَدِيَّتِهَا، وَلِأَنَّهَا مُعَارِضَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ، فَإِنْ سَلَّمَهَا لَيْلًا، فَفَطَرَتُهَا عَلَى سَيِّدِهَا لِقُوَّةِ مِلْكِ الْيَمِينِ فِي تَحَمُّلِهَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا كَالنَّفَقَةِ (ثُمَّ بِرَقِيقِهِ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ مَعَ الْإِعْسَارِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مَرْهُونًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُهُمْ عَلَى الزَّوْجَةِ لِئَلَّا تَسْقُطَ بِالْكُلِّيَّةِ (ثُمَّ بِوَلَدِهِ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقِيلَ: مَعَ صِغَرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ، وَحَمَلَ ابْنُ الْمُنَجَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 ثُمَّ بِأَبِيهِ، ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ عَنِ الْجَنِينِ، وَلَا يَجِبُ. وَمَنْ تَكَفَّلَ بِمُؤْنَةِ شَخْصٍ من شَهْرِ رَمَضَانَ لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ. وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شُرَكَاءَ، فَعَلَيْهِمْ   [المبدع في شرح المقنع] كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْوَلَدُ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَقِيلَ: الصَّغِيرُ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَعَلَى عَبْدِهِ (ثُمَّ بِأُمِّهِ) لِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْأَبِ فِي الْبِرِّ (ثُمَّ بِأَبِيهِ) لِلْخَبَرِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ عَلَيْهَا، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ، وَقِيلَ: بِتَسَاوِيهِمَا، وَقَدَّمَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " عَلَى الْوَلَدِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ آخَرُونَ، وَذَكَرَهُ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ ": ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ فِي الْمِيرَاثِ) ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، فَقُدِّمَ كَالْمِيرَاثِ. فَرْعٌ: إِذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ، وَلَمْ يَفْضُلْ غَيْرُ صَاعٍ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ: يُوَزَّعُ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ. [إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنِ الْجَنِينِ] (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ عَنِ الْجَنِينِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ أَنَّ الصَّاعَ مُجْزِئٌ مُطْلَقًا (وَلَا يَجِبُ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَوْلُ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِ قَبْلَ ظُهُورِهِ، لَتَعَلَّقَتِ الزَّكَاةُ بِأَجِنَّةِ السَّوَائِمِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ لِفِعْلِ عُثْمَانَ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَحْسَبُهُ صَارَ وَلَدًا؛ وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَبِهِ، وَيَرِثُ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْأَخْبَارِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إِلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا، وَأَمَّا أُمُّهُ، فَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَيَلْزَمُهُ فِطْرَتُهَا إِنْ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لَهَا، وَإِنْ قُلْنَا: لِلْحَمْلِ، لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَصَحِّ، بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْجَنِينِ. [مَنْ تَكَفَّلَ بِمُؤْنَةِ شَخْصٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ] (وَمَنْ تَكَفَّلَ) أَيْ: تَبَرَّعَ (بِمُؤْنَةِ شَخْصٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ عِنْدَ أَبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْخَطَّابِ) وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَحَمَلَا كَلَامَ أَحْمَدَ على الاستحباب لِعَدَمِ الدَّلِيلِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجُوبُ النَّفَقَةِ، وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ هُنَا، فَكَذَا فِطْرَتُهُ. فَعَلَى هَذَا فِطْرَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَمُنْهُ؛ إِذِ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْمُؤْنَةِ، بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى الْآبِقِ (وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عَمَّنْ تُمَوِّنُونَ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي " الشَّافِي " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِسْنَادُهُمَا ضَعِيفٌ؛ وَلِأَنَّهُ شَخْصٌ مُنْفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَزِمَتْهُ فِطْرَتُهُ كَعَبْدِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ جَمِيعُ الشَّهْرِ بِفَوْتِهِ لِنَفَقَةِ التَّبَرُّعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: تَلْزَمُهُ إِذَا مَانَهُ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ، كَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ زَوْجَةً قَبْلَ الْغُرُوبِ، فَإِنْ مَانَهُ جَمَاعَةٌ كُلَّ الشَّهْرِ أَوْ إِنْسَانٌ بَعْضَهُ. فَقَالَ فِي " الْمُغْنِي ": فِي الْأُولَى لَا أَعْلَمُ فِيهَا لِلْأَصْحَابِ قَوْلًا، وَفِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ " فِيهِ احْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا: لَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ الْمُؤْنَةُ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ، وَلَمْ تُوجَدْ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَجِبُ بِالْحِصَصِ، كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ. [إِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شُرَكَاءَ] (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شُرَكَاءَ فَعَلَيْهِمْ صَاعٌ) اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ وَهُوَ " الْمَذْهَبُ "، وَآخِرُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إِنَّمَا أَوْجَبَ عَنِ الْوَاحِدِ صَاعًا، فَأَجْزَأَهُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَكَالنَّفَقَةِ، وَمَاءِ طَهَارَتِهِ (وَعَنْهُ: عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 صَاعٌ، وَعَنْهُ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فَيَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ. وَإِنْ عَجَزَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ عَنْ فِطْرَتِهَا، فَعَلَيْهَا أَوْ عَلَى سَيِّدِهَا إِنْ كَانَت أَمَةً فِطْرَتُهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يجِبَ، وَمَنْ كَانَ لَهُ غَائِبٌ أَوْ آبِقٌ، فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ إِلَّا أَنْ يَشُكَّ فِي حَيَاتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ) قَدَّمَهُ " الْخِرَقِيُّ "، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَمْعٌ؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَكَذَا إِذَا وَرِثَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فَيَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) لِأَنَّهُ يُسَاوِي الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ مَعْنًى، فَوَجَبَ أَنْ يُسَاوِيَهُ حُكْمًا، اخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: يُلْزَمُ السَّيِّدُ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ. تَنْبِيهٌ: لَا تَدْخُلُ الْفِطْرَةُ فِي الْمُهَايَأَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ كَالصَّلَاةِ، وَالْمُهَايَأَةُ: مُعَارَضَةُ كَسَبٍ بِكَسْبٍ، وَمَنْ عَجَزَ عَمَّا عَلَيْهِ، لَمْ يَلْزَمِ الْآخَرَ قِسْطُهُ، كَشَرِيكٍ ذِمِّيٍّ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ قِسْطُهُ، فَإِنْ كَانَ يَوْمَ الْعِيدِ مُؤْنَةُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ نِصْفَهُ، اعْتُبِرَ أَنْ يَفْصِلَ عَنْ قُوتِهِ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ كَانَ مُؤْنَةَ سَيِّدِهِ، لَزِمَ الْعَبْدَ نِصْفُ صَاعٍ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ بِنَاءً عَلَى وَجْهٍ مِنْ كَسْبٍ نَادِرٍ فِيهَا كَالنَّفَقَةِ، فَلَوْ كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ مُؤْنَةَ الْعَبْدِ، وَعَجَزَ عَنْهَا، لَمْ يَلْزَمِ السَّيِّدَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، كَمُكَاتَبٍ عَجَزَ عَنْهَا. فَرْعٌ: إِذَا أَلْحَقَتِ الْقَافَةُ وَلَدًا بِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، فَالْحُكْمُ فِي فِطْرَتِهِ، كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَى، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ: يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ صَاعٌ وَجْهًا وَاحِدًا. [إِنْ عَجَزَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ عَنْ فِطْرَتِهَا] (وَإِنْ عَجَزَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ عَنْ فِطْرَتِهَا فَعَلَيْهَا) إِنْ كَانَتْ حُرَّةً (أَوْ عَلَى سَيِّدِهَا إِنْ كَانَتْ أَمَةً فِطْرَتُهَا) ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ) عَلَيْهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ عَلَى مَنْ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ لِعُسْرَتِهِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى غَيْرِهِ كفِطْرَةِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ لِوُجُوبِهَا مُطْلَقًا، فَعَلَى هَذَا تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ كَالنَّفَقَةِ أَمْ لَا كَفِطْرَةِ نَفْسِهِ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: هَلْ تَرْجِعُ الْحُرَّةُ وَالسَّيِّدُ عَلَى الزَّوْجِ كَالنَّفَقَةِ أَمْ لَا كَفِطْرَةِ الْقَرِيبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ [مَنْ كَانَ لَهُ غَائِبٌ أَوْ ضَالٌّ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ] (وَمَنْ كَانَ لَهُ غَائِبٌ أَوْ آبِقٌ) أَوْ مَغْصُوبٌ أَوْ ضَالٌّ (فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ) لِلْعُمُومِ، وَلِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ، بِدَلِيلِ رُجُوعِ مَنْ يَرُدَّ الْآبِقَ بِنَفَقَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ، وَعَلَيْهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 فَتَسْقُطُ، وَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَخْرَجَ لِمَا مَضَى. وَلَا تَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ النَّاشِزِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تَلْزَمُهُ، وَمَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ، فَأَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. و َلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ   [المبدع في شرح المقنع] يَرْجُوَ رَجَعَتْهُ أَوْ يَيْأَسَ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا، أَوْ مَحْبُوسًا، أَوْ لَا، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَعَنْهُ: رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ زَكَاةِ الْمَالِ لَا يَجِبُ، وَلَوِ ارْتَجَى عَوْدُ الْآبِقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهَا حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ يَعْلَمَ مَكَانَ الْآبِقِ (إِلَّا أَنْ يَشُكَّ فِي حَيَاتِهِ فَتَسْقُطَ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ، وَكَالنَّفَقَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ تُجْزِئْهُ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ: تَلْزَمُهُ لِئَلَّا تَسْقُطَ بِالشَّكِّ، وَالْكَفَّارَةُ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ، فَلَا يَسْقُطُ مَعَ الشَّكِّ فِي حَيَاتِهِ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (إِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَخْرَجَ لِمَا مَضَى) ؛ لِأَنَّهُ بَانَ لَهُ وُجُودُ سَبَبِ الْوُجُوبِ فِي الْمَاضِي، فَوَجَبَ الْإِخْرَاجُ، كَمَالِ غَائِبٍ بَانَتْ سَلَامَتُهُ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: عَنِ الْقَرِيبِ كَالنَّفَقَةِ. [لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ الزَّوْجَةِ النَّاشِزِ] (وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ النَّاشِزِ) فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا، فَفِطْرَتُهَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى سَيِّدِهَا، وَالْمُرَادُ إِذَا كَانَ نُشُوزُهَا فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تَلْزَمُهُ) ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ ثَابِتَةٌ عَلَيْهَا، فَلَزِمَهُ فِطْرَتُهَا كَالْمَرِيضَةِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَرِيضَةَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى نَفَقَةٍ، لَا لِخَلَلٍ فِي الْمُقْتَضِي لَهَا، وَحُكْمُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إِذَا لَمْ تُسَلَّمْ إِلَيْهِ، وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، تَجِبُ عَلَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ. [مَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ فَأَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ] (وَمَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ فَأَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ) أَيْ: بِغَيْرِ إِذْنِ مَنْ تَلْزَمُهُ، زَادَ فِي " الِانْتِصَارِ " وَنِيَّتِهِ (فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ أدى الْوَاجِبُ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ، وَهُمَا يَنْفِيَانِ هَلْ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا عَنِ الْغَيْرِ لِكَوْنِهَا طُهْرَةً لَهُ أَوْ أَصِيلًا؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِهَا؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ، فَلَوْ لَمْ يُخْرِجْ مَعَ قُدْرَتِهِ، لَمْ يَلْزَمِ الْغَيْرَ شَيْءٌ، وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْإِخْرَاجِ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 مُطَالَبًا بِهِ. وَتَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ، فَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ زَوْجَةً أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْغُرُوبِ   [المبدع في شرح المقنع] كَنَفَقَتِهِ، لَكِنْ لَوْ أَخْرَجَ الْعَبْدُ بِلَا إِذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَقِيلَ: إِنْ مَلَّكَهُ سَيِّدَهُ مَالًا، وَقُلْنَا: يَمْلِكُهُ، فَفِطْرَتُهُ عَلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ، فَعَلَى هَذَا يُخْرِجُ الْعَبْدُ عَنْ عَبْدِهِ مِنْهُ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ إِذَا أَخْرَجَ بِإِذْنِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، فَلَوْ أَخْرَجَ عَمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ بِإِذْنِهِ أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْآجُرِّيُّ: هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ. مَسْأَلَةٌ: مَنْ لَزِمَهُ فِطْرَةُ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، أَخْرَجَهَا مَكَانَهُمَا، كَمَالٍ مُزَكًّى فِي غَيْرِ بَلَدِ مَالِكِهِ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُخْرِجُهَا مَكَانَهُ لِفِطْرَةِ نَفْسِهِ. فَرْعٌ: مَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِنْفَاقٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إِيصَالُ الْمَالِ مِنْ حَقِّهِ، قَالَهُ الْقَاضِي، أَوْ لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ لَهُ مُعَيَّنٌ، كَعَبِيدِ الْغَنِيمَةِ قبل الغنيمة وَالْفَيْءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. [لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ] (وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ) لِتَأَكُّدِهَا بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى الْفَقِيرِ، وَشُمُولِهَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ قَدَرَ عَلَى إِخْرَاجِهَا، فَجَرَى مَجْرَى النَّفَقَةِ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ بِالْمِلْكِ، وَالدَّيْنُ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَالْفِطْرَةُ تَجِبُ عَلَى الْبَدَنِ، وَهُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِهِ) فَيَمْنَعُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِوُجُوبِ أَدَائِهِ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ، وَتَأَكُّدِهِ بِكَوْنِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ لَا يَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ، أَشْبَهَ مَنْ لَا فَضْلَ عِنْدَهُ، وَعَنْهُ: يَمْنَعُ مُطْلَقًا، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، كَزَكَاةِ الْمَالِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عَكْسَهُ، لِتَأَكُّدِهَا كَالنَّفَقَةِ وَالْخَرَاجِ. [وَقْتُ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ] (وَتَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. فَأَضَافَ الصَّدَقَةَ إِلَى الْفِطْرِ، فَكَانَتْ وَاجِبَةً بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ وَالسَّبَبِيَّةَ، وَأَوَّلُ فِطْرٍ يَقَعُ مِنْ جَمِيعِ رَمَضَانَ بِمَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ (فَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ: بَعْدَ الْغُرُوبِ (أَوْ مَلَكَ عَبْدًا وَزَوْجَةً، أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِعَدَمِ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَعَنْهُ: يَمْتَدُّ وَقْتُ الْوُجُوبِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَجَبَتْ، وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ إِخْرَاجُهَا يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ   [المبدع في شرح المقنع] الْفِطْرِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْهُ، وَعَنْهُ: وَيَمْتَدُّ إِلَى أَنْ يُصَلَّى الْعِيدُ (وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَتْ) لِوُجُودِ السَّبَبِ، فَالِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْوُجُوبِ، فَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ، فَلَا فِطْرَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَكْسُهُ: لَا يَسْقُطُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَلَا فِطْرَةَ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَسْقُطْ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إِجْمَاعًا فِي عِتْقِ عَبْدٍ، وَالْفِطْرَةُ فِي عَبْدٍ مَوْهُوبٍ، وَمُوصًى بِهِ عَلَى الْمَالِكِ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَكَذَا الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَفِي مِلْكِ عَبْدٍ دُونَ نَفْعِهِ أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: أَنَّهَا فِي كَسْبِهِ بِالنَّفَقَةِ (وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: كَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهَا أَوْ بَقَاءُ بَعْضِهَا إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُجْزِ بِأَكْثَرَ لِفَوَاتِ الْإِغْنَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: «أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّلَبِ هَذَا الْيَوْمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ، وَفِيهِ كَلَامٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْفِطْرَ سَبَبُهَا، أَوْ أَقْوَى جُزْأَيْ سَبَبِهَا لِمَنْعِ التَّقْدِيمِ عَلَى النِّصَابِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْإِخْرَاجِ فِي الْوَقْتِ الْخَاصِّ، خَرَجَ مِنْهُ التَّقْدِيمُ بِالْيَوْمَيْنِ، لِفِعْلِهِمْ، وَإِلَّا فَالْمَعْرُوفُ مَنْعُ التَّقْدِيمِ عَلَى السَّبَبِ الْوَاحِدِ، وَجَوَازُهُ عَلَى أَحَدِ السَّبَبَيْنِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِثَلَاثَةٍ، جَزَمَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " بِأَيَّامٍ، وَقِيلَ: بِخَمْسَةَ عَشَرَ حَوْلًا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ وَقِيلَ: بِشَهْرٍ لَا أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الصَّوْمُ، وَالْفِطْرُ مِنْهُ كَزَكَاةِ الْمَالِ (وَالْأَفْضَلُ إِخْرَاجُهَا يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) أَوْ قَدْرِهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 الصَّلَاةِ، وَتَجُوزُ فِي سَائِرِ الْيَوْمِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا عَنْهُ أَثِمَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. فَصْلٌ وَالْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ صَاعٌ مِنَ الْبُرِّ أَوِ الشَّعِيرِ، أَوْ دَقِيقِهِمَا وَسَوِيقِهِمَا، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَمِنَ الْأَقِطِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ جَمْعٌ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُخْرِجَهَا إِذَا خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، وَفِي الْكَرَاهَةِ بَعْدَهُ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: تَحْرُمُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَعَلَيْهِ تَكُونُ قَضَاءً، جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ، وَتَمَامُهُ: «فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» وَتَجُوزُ فِي سَائِرِ الْيَوْمِ لِحُصُولِ الْإِغْنَاءِ بِهَا فِيهِ، إِلَّا أَنَّهُ يُزَكِّي الْأَفْضَلَ (فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ أَثِمَ) لِتَأْخِيرِهِ الْوَاجِبَ عَنْ وَقْتِهِ؛ وَلِمُخَالَفَةِ الْأَثَرِ، (وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهَا) عِبَادَةٌ، فَلَمْ تَسْقُطْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَالصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: لَا يَأْثَمُ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْكَحَّالِ: وَإِنْ أَخَّرَهَا، قَالَ: إِذَا أَعَدَّهَا لِقَوْمٍ. [مِقْدَارُ الْوَاجِبِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ] فَصْلٌ (وَالْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ صَاعٌ) بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَهُوَ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِ الْقَامَةِ، وَحِكْمَتُهُ كِفَايَةُ الصَّاعِ لِلْفَقِيرِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ (مِنَ الْبُرِّ أَوِ الشَّعِيرِ) إِجْمَاعًا (أَوْ دَقِيقِهِمَا وَسَوِيقِهِمَا وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ) إِجْمَاعًا (وَمِنَ الْأَقِطِ) وَهِيَ شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنَ اللَّبَنِ الْمَخِيضِ، وَقِيلَ: مِنَ الْإِبِلِ فَقَطْ (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مَنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَصَرِيحُهُ إِجْزَاءُ الدَّقِيقِ؛ وَهُوَ الطَّحِينُ، وَالسَّوِيقُ؛ وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَمْحٌ أَوْ شَعِيرٌ يُقْلَى ثُمَّ يُطْحَنُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِزِيَادَةٍ انْفَرَدَ بِهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ» قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ: إِنَّ أَحَدًا لَا يَذْكُرُهُ فِيهِ، قَالَ: بَلْ هُوَ فِيهِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. قَالَ الْمَجْدُ: بَلْ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ، لِأَنَّهُ كُفِيَ مُؤْنَتَهُ، كَتَمْرٍ نُزِعَ حَبُّهُ، وَيُعْتَبَرُ صَاعُهُ بِوَزْنِ حَبِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِيُفَرِّقَ الْأَجْزَاءَ بِالطَّحْنِ، وَظَاهِرُهُ يُجْزِئُ بِلَا مَحَلٍّ، وَفِيهِ وَجْهٌ، كَمَا لَا يُكْمَلُ تَمْرٌ بِنَوَاهُ الْمَنْزُوعِ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُ فِيهِمَا، اخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْإِرْشَادِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ " فِي السَّوِيقِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ أُنْكِرَتْ عَلَى سُفْيَانَ فَتَرَكَهَا، وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدْ ذَكَرَ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ، ثم ذكرهما وَالْأَقِطَ، لَرَجَعَ الْخِلَافُ إِلَى ذَلِكَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُ الْأَقِطُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلَا يُجْزِئُ إخراجه، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ، وَخَصَّصَهُ الْخِرَقِيُّ بِأَهْلِ الْبَادِيَةِ نَظَرًا إِلَى الْغَالِبِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ؛ وَهُوَ طَرِيقُة الْأَكْثَرِ، وَفِي اللَّبَنِ غَيْرِ الْمَخِيضِ وَالْجُبْنِ أَوْجُهٌ ثَالِثُهَا: يُجْزِئُ اللَّبَنُ فَقَطْ، وَرَابِعُهَا: يُجْزِئَانِ مَعَ عَدَمِ الْأَقِطِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْجُبْنُ لَا اللَّبَنُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَ حَالَةَ الِادِّخَارِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَوْ صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ» وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 يَعْدَمَهُ، فَيُخْرِجَ مِمَّا يَقْتَاتُ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ يُخْرِجُ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ، وَلَا يُخْرِجُ حَبًّا مَعِيبًا وَلَا خُبْزًا، وَيُجْزِئُ إِخْرَاجُ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ،   [المبدع في شرح المقنع] وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِجْزَاءَ، وَأَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَيَقْتَضِيهَا، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: «صَاعٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ» وَفِيهِ مَقَالٌ، لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَابْنُ مَعِينٍ (وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ) أَيِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْصِيلِهَا كَالدِّبْسِ، وَالْمَصْلِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ كُلُّ مَكِيلٍ مَطْعُومٍ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُجْزِئُ قُوتُ بَلَدِهِ مِثْلُ الْأُرْزِ، وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ، (إِلَّا أَنْ يَعْدَمَهُ فَيُخْرِجَ مِمَّا يَقْتَاتُ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ) كَلَحْمٍ وَلَبَنٍ، وَقِيلَ: لَا يَعْدِلُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا الِاقْتِيَاتُ، وَحُصُولُ الْغِنَى عَنِ الطَّلَبِ؛ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ، (وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ الشَّيْخَانِ فِي " الْكَافِي "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، (يُخْرِجُ) صَاعًا (مِمَّا يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ) مِنْ كُلِّ حَبَّةٍ كَذُرَةٍ وَدَخَنٍ أَوْ ثَمَرٍ يُقْتَاتُ كَتِينٍ يَابِسٍ وَنَحْوِهِ، وَلِأَنَّهَا أَشْبَهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، فَكَانَتْ أَوْلَى، زَادَ بَعْضُهُمْ: بِالْبَلَدِ غَالِبًا، وَقِيلَ: يُجْزِئُ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلًا، (وَلَا يُخْرِجُ حَبًّا مَعِيبًا) كَمُسَوِّسٍ وَمَبْلُولٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وَلِأَنَّ السُّوسَ يَأْكُلُ جَوْفَهُ، وَالْبَلَلُ يَنْفُخُهُ، وَالْمُخْرَجُ بِصَاعٍ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ الْوَاجِبُ شَرْعًا، وَإِنْ خَالَطَ الْجَيِّدُ مَا يُجْزِئُ، فَإِنْ كَثُرَ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ قَلَّ زَادَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْمُصَفَّى صَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ تَنْقِيَتِهِ، قَالَ: أُحِبُّ تَنْقِيَةَ الطَّعَامِ، وَحَكَاهُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ لِيَكُونَ أَكْمَلَ (وَلَا خُبْزًا) ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنِ الْكَيْلِ وَالِادِّخَارِ، وَفِيهِ شَبَهٌ بِإِخْرَاجِ الْقِيمَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُجْزِئُ، (وَيُجْزِئُ إِخْرَاجُ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 وَأَفْضَلُ الْمُخْرَجِ التَّمْرُ، ثُمَّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ بَعْدَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَمَاعَةَ مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ، وَالْوَاحِدَ مَا يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ.   [المبدع في شرح المقنع] كُلًّا مِنْهَا يَجُوزُ مُنْفَرِدًا، وَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ لِتَفَاوُتِ مَقْصُودِهَا أَوِ اتِّحَادِهِ، وَقَاسَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " عَلَى فِطْرَةِ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ إِذَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جِنْسٍ، وَفِي " الْفُرُوعِ " يَتَوَجَّهُ: تَخْرِيجٌ فِي الْكَفَّارَةِ، لَا تُجْزِئُ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ بِالْقِيمَةِ (وَأَفْضَلُ الْمُخْرَجِ التَّمْرُ) مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ لَهُ أَبُو مِجْلَزٍ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ، وَالْبِرُّ أَفْضَلُ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ قُوتٌ وَحَلَاوَةٌ، وَأَقْرَبُ تَنَاوُلًا، وَأَقَلُّ كُلْفَةً، وَلَا عِبْرَةَ بِمَوْزُونِهِ، بَلْ يُحْتَاطُ فِي الثَّقِيلِ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ (ثُمَّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ بَعْدَهُ) إِذِ الْقَصْدُ الِاقْتِيَاتُ، وَحُصُولُ الْإِغْنَاءِ بِهِ عَنِ الطَّلَبِ، لَكِنْ جَزَمَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَ " الْوَجِيزِ " أَنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَ التَّمْرِ الْبُرُّ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا هُنَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي تَفْضِيلِ التَّمْرِ اتِّبَاعُ الصَّحَابَةِ وَسُلُوكُ طَرِيقَتِهِمْ. وَلِهَذَا قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: وَالْبُرُّ أَفْضَلُ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ فِي الِاقْتِيَاتِ، وَأَبْلَغُ فِي دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، وَقِيلَ: الزَّبِيبُ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَعَزَاهُ ابْنُ الْمُنَجَّا لِلْأَصْحَابِ؛ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الْقُوتِ وَالْحَلَاوَةِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": أَفْضَلُهَا التَّمْرُ ثُمَّ الزَّبِيبُ ثُمَّ الْبُرُّ ثُمَّ الشَّعِيرُ ثُمَّ الْأَقِطُ، وَعَنْهُ: الْأَقِطُ أَفْضَلُ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ إِنْ كَانَ قُوتَهُمْ، وَقِيلَ: مَا كَانَ أَغْلَى قِيمَةً، وَأَكْثَرَ نَفْعًا، (وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَمَاعَةَ مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إِذَا أَعْطَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الصَّدَقَةَ إِلَى مُسْتَحِقِّهَا، (وَالْوَاحِدَ مَا يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَجَازَ صَرْفُهَا إِلَى وَاحِدٍ كَالزَّكَاةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْوَاحِدُ عَنْ مُدِّ بُرٍّ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَنْهُ: الْأَفْضَلُ تَفْرِقَةُ الصَّاعِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، وَعَنْهُ: الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْوَاحِدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 بَابُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا مَعَ إِمْكَانِهِ إِلَّا لِضَرَرٍ، مِثْلُ أَنْ يَخْشَى   [المبدع في شرح المقنع] عَنْ صَاعٍ لِلْمَشَقَّةِ، وَيُصْرَفُ فِي أَصْنَافِ الزَّكَاةِ لَا فِي غَيْرِهِمْ، وَفِي " الْفُنُونِ " عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: تُدْفَعُ إِلَى مَنْ لَا يَجِدُ مَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا تُدْفَعُ إِلَّا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْكَفَّارَةَ؛ وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ لِحَاجَتِهِ، لَا فِي الْمُؤَلَّفَةِ وَالرِّقَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَرْعٌ: إِذَا دَفَعَهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا، فَرَدَّهَا إِلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ جُمِعَتْ عِنْدَ الْإِمَامِ، فَقَسَّمَهَا عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ، فَعَادَ إِلَى إِنْسَانٍ ذَلِكَ، جَازَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَادَتْ إِلَيْهِ بِمِيرَاثٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهَا لِسِوَاهَا، لِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [بَابُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ] [حُكْمُ تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا مَعَ إِمْكَانِهِ] بَابُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا مَعَ إِمْكَانِهِ، أَيْ: مَعَ الْقُدْرَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَالْمُرَادُ الزَّكَاةُ، وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْفَوْرِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُدَّخِرَ مُسْتَحِقُّ الْعِقَابِ، وَلَوْ جَازَ التَّأْخِيرُ لَكَانَ إِمَّا إِلَى غَايَةٍ؛ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْوُجُوبِ، وَإِمَّا إِلَى غَيْرِهَا، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ ربما يفضي إِلَى سُقُوطِهَا إِمَّا بِمَوْتِهِ أَوْ تَلَفِ الْمَالِ، لِيَتَضَرَّرَ الْفَقِيرُ، فَيَخْتَلُّ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِهَا؛ وَلِأَنَّهَا لِلْفَوْرِ بِطَلَبِ السَّاعِي، فَكَدَيْنٍ بِطَلَبِ اللَّهِ تَعَالَى لَعِينٍ مَغْصُوبَةٍ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " لَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ لَقُلْنَا بِهِ هُنَا؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تُكَرَّرُ، فَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا إِلَى دُخُولِ وَقْتِ مِثْلِهَا كَالصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْفَوْرِ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ كالكفارة، وَعَلَى الْأَوَّلِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 رُجُوعَ السَّاعِي عَلَيْهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا جَهْلًا، عُرِّفَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَصَرَّ كَفَرَ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ، وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلًا بِهَا،   [المبدع في شرح المقنع] تضمن إِذَا تَلِفَ الْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ لِتَعَدِّيهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِخْرَاجُ، كَمَنْ مُنِعَ مِنَ التَّصَرُّفِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ لَمْ يَجِدِ الْمُسْتَحِقَّ أَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا وَنَحْوِهِ، فَيَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ، وَكَلَامُهُ مُشْعِرٌ بِجَوَازِ تَأْخِيرِهَا عن غير وَقْتَ وُجُوبِهَا؛ وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ، (إِلَّا لِضَرَرٍ) ، فَيَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، (مِثْلُ أَنْ يَخْشَى رُجُوعَ السَّاعِي عَلَيْهِ) إِذَا أَخْرَجَهَا هُوَ بِنَفْسِهِ (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَمَا إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ، وَإِذَا جَازَ تَأْخِيرُ دَيْنِ الْآدَمِيِّ فَهِيَ أَوْلَى، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِحَاجَةِ الْمَالِكِ إِلَيْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ، وَقَيَّدَهَا جَمَاعَةٌ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ لِلْحَاجَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ وَاجِبٍ لِمَنْدُوبٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ الْمَنْعُ، وَكَذَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِقَرِيبٍ فِي الْأَشْهَرِ، وَجَارٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: لَهُ أَنْ يُعْطِيَ قَرِيبَهُ كُلَّ شَهْرٍ شَيْئًا، وَحَمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى تَعْجِيلِهَا. قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْكُلُّ مَا لَمْ يَشْتَدَّ ضَرَرُ الْحَاضِرِ. فَرْعٌ: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي تَأْخِيرُهَا عِنْدَ رَبِّهَا، لِعُذْرِ قَحْطٍ وَنَحْوِهِ، احْتَجَّ أَحْمَدُ بِفِعْلِ عُمَرَ (فَإِنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا جَهْلًا) بِهِ، وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ لِقَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، وَالنَّاشِئِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ يَخْفَى عَلَيْهِ (عُرِّفَ ذَلِكَ) أَيْ: عُرِّفَ وُجُوبَهَا لِيَرْجِعَ عَنِ الْخَطَأِ، وَلَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، (فَإِنْ أَصَرَّ) أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهِ (كَفَرَ) إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَخْرَجَهَا، (وَأُخِذَتْ مِنْهُ) لِوُجُوبِهَا قَبْلَ كُفْرِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ كَالدَّيْنِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": إِنْ كَانَ وَجَبَتْ وَلَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِيهِ (وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثًا) كَالْمُرْتَدِّ، (فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 أُخِذَتْ مِنْهُ وَعُزِّرَ، فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ أَوْ كَتَمَهُ، أَوْ قَاتَلَ دُونَهَا، وَأَمْكَنَ أَخْذُهَا، أُخِذَتْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَأْخُذُهَا وَشَطْرَ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا، اسْتُتِيبَ   [المبدع في شرح المقنع] النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» . ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، (وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلًا بِهَا) أَوْ تَهَاوُنًا (أُخِذَتْ مِنْهُ) قَهْرًا كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَكَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ؛ وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ طَلَبَهُ بِهِ، فَهُوَ كَالْخَرَاجِ، بِخِلَافِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَجِّ، وَالتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ حَتَّى يُؤَدِّيَ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ مِنَ الْمُمْتَنِعِ، (وَعُزِّرَ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ لَا حَدَّ فِيهَا، وَلَا كَفَّارَةَ، وَالْمُرَادُ: إِذَا كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مَالُهُ بَاطِنًا عَزَّرَهُ إِمَامٌ أَوْ مُحْتَسِبٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: إِنْ فَعَلَهُ لِفِسْقِ الْإِمَامِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَضَعُهَا مَوْضِعَهَا، لَمْ يُعَزِّرْهُ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، (فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ أَوْ كَتَمَهُ) ، أَيْ: غَلَّهُ (أَوْ قَاتَلَ دُونَهَا، وَأَمْكَنَ أَخْذُهَا) فَإِنْ كَانَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ (أُخِذَتْ) الزَّكَاةُ (مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ) عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ مَعَ الصَّحَابَةِ لَمَّا مَنَعَتْهُ الْعَرَبُ الزَّكَاةَ، لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ زَكَاةً عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى أَخْذِ الْحُقُوقِ مِنَ الظَّالِمِ، وَكَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَعَنْهُ: تُؤْخَذُ مِنْهُ، وَمِثْلُهَا، ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَهُ فِي " زَادِ الْمُسَافِرِ " تَغْلِيظًا عَلَيْهِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَأْخُذُهَا، وَشَطْرَ مَالِهِ) أَيْ: مَعَ نَظِيرِ مَالِهِ الزَّكَوِيِّ، وَهَذَا رِوَايَةٌ، وَقَدَّمَهَا الْحُلْوَانِيُّ، لِمَا رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «فِي كُلِّ إِبِلٍ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا، فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إِبِلِهِ، عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ: شَطْرَ مَالِهِ؛ وَهُوَ ثَابِتٌ إِلَى بَهْزٍ، وَقَدْ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، حَيْثُ كَانَتِ الْعُقُوبَاتُ فِي الْمَالِ، ثُمَّ نُسِخَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إِيجَابُ بِنْتِ لَبُونٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُطْلَقًا، وَالْمُسْتَقَرُّ عَلَيْهِ فِي النُّصُبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَأَخْرَجَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَأُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا كَفَرَ، وَإِنِ ادَّعَى مَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ مِنْ نُقْصَانِ الْحَوْلِ أَوِ النِّصَابِ، أَوِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، قُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْأَسْنَانِ حَدِيثُ الصِّدِّيقِ، وَفِيهِ: «وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلَا يُعْطِهِ» . قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ فِي الْمَانِعِ غَيْرِ الْغَالِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا) بِالتَّعْذِيبِ أَوْ غَيْرِهِ (اسْتُتِيبَ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَبَانِي الْإِسْلَامِ، فَيُسْتَتَابُ تَارِكُهَا كَالصَّلَاةِ، (فَإِنْ تَابَ وَأَخْرَجَ، وَإِلَّا قُتِلَ) إِذَا لَمْ يَتُبْ؛ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِهَا، (وَأُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُسْقِطُ دَيْنَ الْآدَمِيِّ، فَكَذَا الزَّكَاةُ، وَإِذَا قُتِلَ، فَيَكُونُ حَدًّا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَا تُسْبَى لَهُمْ ذَرِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِمُقَاتَلَةِ الْإِمَامِ لَهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَعْتَقِدُوا كُفْرَهُمْ حِينَ امْتَنَعُوا، (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا كَفَرَ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا} [التوبة: 5] الْآيَةَ وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا قَاتَلَهُمْ قَالُوا: نُؤَدِّيهَا، قَالَ: لَا أَقْبَلُهَا حَتَّى تَشْهَدُوا أَنَّ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ. وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِنْكَارُهُ، فَدَلَّ عَلَى كُفْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَمَا تَارِكُ الزَّكَاةِ بِمُسْلِمٍ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ جَحَدُوا وُجُوبَهَا، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْحُكْمِ بِالنَّارِ الْحُكْمُ بِالْكُفْرِ، بِدَلِيلِ الْعُصَاةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ سِوَى الصَّلَاةِ لِتَعَذُّرِ النِّيَابَةِ فِيهَا، وَالْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنَ الزَّكَاةِ دَفْعُ حَاجَةِ الْفَقِيرِ؛ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَدَائِهَا مَعَ الْقِتَالِ، (وَإِنْ) طُولِبَ بِالزَّكَاةِ فَادَّعَى أَدَاءَهَا (أَوِ ادَّعَى مَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ مِنْ نُقْصَانِ الْحَوْلِ أَوِ النِّصَابِ، أَوِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ) بِأَنْ قَالَ: بِعْتُهُ ثُمَّ اشْتَرَيْتُهُ (قُبِلَ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ (بِغَيْرِ يَمِينٍ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَظَاهِرُهُ: لَا يُشْرَعُ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا، وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ دَفْعُهَا إِلَى السَّاعِي،   [المبدع في شرح المقنع] نَسْأَلُ الْمُتَصَدِّقَ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا نَبْحَثُ، إِنَّمَا نَأْخُذُ مَا أَصَابَهُ مُجْتَمِعًا؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا، فَلَا يُسْتَحْلَفُ كَالصَّلَاةِ وَالْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ بِمَالٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ إِنِ اتُّهِمَ، وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " إِنْ رَأَى الْعَامِلُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ فَعَلَ، وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَكَذَا الْحُكْمُ إِنْ مَرَّ بِعَاشِرٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ عَشَرَهُ آخَرُ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ بِقَدْرِ زَكَاتِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَالِهِ صُدِّقَ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْيَمِينِ. [الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا] (وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا إِذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا تَامَّ الْمِلْكِ، وَقُوِّمَ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ فَلْيَتَّجِرْ بِهِ، وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِمَالِ الْيَتِيمِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ وَجَبَ الْعُشْرُ مِنْ زَرْعِهِ، وَجَبَ رُبْعُ الْعُشْرِ فِي رِزْقِهِ، كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ مُخْتَصَّةٌ بِالْبَدَنِ، فَإِنَّ نِيَّةَ الصَّبِيِّ ضَعِيفَةٌ، وَالْمَجْنُونُ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْهُ نِيَّتُهَا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ لِنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ، فَعَلَى هَذَا (يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا) مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَوَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَدَاؤُهُ عَنْهُمَا، كَنَفَقَةِ قَرِيبِهِ، وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْهُ فِي الْإِخْرَاجِ كَرَبِّ الْمَالِ. [لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ دَفْعُهَا إِلَى السَّاعِي] (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ) إِنْ كَانَ أَمِينًا؛ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 271] الْآيَةَ وَكَالدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الْقَابِضَ مِنْ سَيِّدٍ، قَبَضَ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلِيَكُونَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ إِيصَالِهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ إِلَى الْإِمَامِ، (وَلَهُ دَفْعُهَا إِلَى السَّاعِي) لِمَا رَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فَقُلْتُ: لِي مَالٌ، وَأُرِيدُ إِخْرَاجَ زَكَاتِهِ، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ: ادْفَعْهَا إِلَيْهِمْ، فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ مُسْتَحِقِّهَا، فَجَازَ الدَّفْعُ إِلَيْهِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَظَهَرَ أَنَّ لَهُ دَفْعَهَا إِلَى الْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا. قَالَ أَحْمَدُ: الصَّحَابَةُ يَأْمُرُونَ بِدَفْعِهَا، وَقَدْ عَلِمُوا فِيمَا يُنْفِقُونَهَا، وَفِي " الْأَحْكَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ الْعُشْرَ، وَيَتَوَلَّى تَفْرِيقَ الْبَاقِي، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: دَفْعُهَا إِلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَفْضَلُ، وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا إِلَّا بِنِيَّةٍ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا   [المبدع في شرح المقنع] السُّلْطَانِيَّةِ " يَحْرُمُ إِنْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا، وَيَجِبُ كَتْمُهَا إِذَنْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَيُجْزِئُ مُطْلَقًا؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «إِذَا أَدَّيْتَهَا إِلَى رَسُولِي، فَقَدْ بَرِئْتَ مِنْهَا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَكَ أَجْرُهَا، وَإِثْمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا» وَلِلْإِمَامِ طَلَبُهَا مِنَ الْأَمْوَالِ مُطْلَقًا إِذَا وَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا، وَقِيلَ: يَجِبُ دَفْعُهَا إِذَنْ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ دَفْعُ الْبَاطِنَةِ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَجْهًا وَاحِدًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: وَلَوْ مِنْ بَلَدٍ غَلَبَ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ، فَلَمْ يُؤَدِّ أَهْلُهُ الزَّكَاةَ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَيْسُوا تَحْتَ حِمَايَتِهِ (وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ الْعُشْرَ) لِاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ، يَتَوَلَّاهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَعَنْهُ: يَدْفَعُ إِلَى السُّلْطَانِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، وَعَنْهُ: دَفْعُ الظَّاهِرِ أَفْضَلُ (وَيَتَوَلَّى) الْمَالِكُ (تَفْرِيقَ الْبَاقِي) كَالْمَوَاشِي وَنَحْوِهِمَا، فَيَضَعُهَا مَوْضِعَهَا (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ دَفْعُهَا إِلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَفْضَلُ) وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، وَزَوَالِ التُّهْمَةِ. تَنْبِيهٌ: لِلْإِمَامِ طَلَبُ نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ فِي وَجْهٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَمَا أَخَذَهُ الْبُغَاةُ وَالْخَوَارِجُ مِنَ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ مَالِكِهَا، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّهُمْ إِذَا نَصَّبُوا إِمَامًا، وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إِلَيْهِمُ اخْتِيَارًا، وَعَنْهُ: الْوَقْفُ فِيمَا أَخَذَهُ الْخَوَارِجُ مِنَ الزَّكَاةِ. [شَرْطُ النِّيَّةِ فِي إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ] (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ: لَا يُجْزِئُ (إِخْرَاجُهَا إِلَّا بِنِيَّةٍ) لِقَوْلِهِ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، فَافْتَقَرَتْ إِلَيْهَا كَالصَّلَاةِ، وَمَصْرِفُ الْمَالِ إِلَى الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ، فَلَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِتَعْيِينٍ، فَيَنْوِي الزَّكَاةَ أَوِ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ أَوْ صَدَقَةَ الْمَالِ أَوِ الْفِطْرِ، فَلَوْ نَوَى صَدَقَةً مُطْلَقَةً لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَصَدَقَتِهِ بِغَيْرِ النِّصَابِ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْفَرْضِ، وَلَا الْمَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 الْإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تُجْزِئُهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] الْمُزَكَّى عَنْهُ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَجْهٌ: تُعْتَبَرُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ إِذَا اخْتَلَفَ الْمَالُ، كَشَاةٍ عَنْ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَأَجْزَأَ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ الْغَائِبِ، فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَعَنِ الْحَاضِرِ، أَجْزَأَ عَنْهُ إِنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِاعْتِبَارِ التَّعْيِينِ فِيهَا، وَإِنْ أَدَّى قَدْرَ زَكَاةِ أَحَدِهِمَا جَعَلَهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ لِتَعْيِينِهِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ أَجْزَأَ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ نَوَى عَنِ الْغَائِبِ فَبَانَ تَالِفًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إِلَى غَيْرِهِ، كَعِتْقٍ فِي كَفَّارَةِ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ تَكُنْ، وَإِنْ نَوَى عن الْغَائِبَ إِنْ كَانَ سَالِمًا أَوْ نَوَى وَإِلَّا فَنَفْلٌ، أَجْزَأَ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَضُرَّ التَّقْيِيدُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصِ النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ، وَالْأَوْلَى مُقَارَنَتُهَا لِلدَّفْعِ، وَلَهُ تَقْدِيمُهَا بِزَمَنٍ يَسِيرٍ كَالصَّلَاةِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " تُعْتَبَرُ عِنْدَ الدَّفْعِ، وَلَوْ حَرَّكَهَا لَمْ تَكْفِ النِّيَّةُ (إِلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا) قَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " فَإِنَّهَا تُجْزِئُ بِغَيْرِ نِيَّةِ رَبِّ الْمَالِ فِي الظَّاهِرِ بِلَا تَرَدُّدٍ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِأَدَائِهَا ثَانِيًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تُجْزِئُ فِي الْبَاطِنِ؛ وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى الْمُمْتَنِعِ، فَقَامَتْ نِيَّتُهُ مَقَامَ نِيَّةِ الْمَالِكِ، كَوَلِيِّ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ. الثَّانِي، وَقَالَهُ الْقَاضِي: إِنَّهَا تُجْزِئُ إِذَا أَخَذَهَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ كَالْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) وَابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ "، وَاخْتَارَهُ حَفِيدُهُ: (لَا تُجْزِئُهُ - أَيْضًا - مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إِمَّا وَكِيلُهُ أَوْ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ أَوْ وَكِيلُهُمَا، فَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ رَبِّ الْمَالِ، وَكَالصَّلَاةِ، فَعَلَى هَذَا يَقَعُ نَفْلًا مِنَ الطَّائِعِ وَيُطَالَبُ بِهَا، وَيُجْزِئُ لِلْمُكْرَهِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا كَالْمُصَلِّي مُكْرَهًا، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْمَالِ، وَلَا يَصِحُّ إِلْحَاقُ الزَّكَاةِ بِالْقِسْمَةِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِبَادَةً، وَلَا تُعْتَبَرُ لَهَا نِيَّةٌ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: لَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ إِذْنَهُ مِنْهُ، وَلَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ. فَرْعٌ: لَوْ غَابَ الْمَالِكُ أَوْ تَعَذَّرَ إِذْنُهُ لِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ، فَأَخَذَ السَّاعِي مِنْ مَالِهِ أَجْزَأَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةُ أَخْذِهَا إِذَنْ، وَنِيَّةُ الْمَالِكِ مُتَعَذِّرَةٌ بِمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ، كَصَرْفِ الْوَلِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وَكِيلِهِ اعْتُبِرَتِ النِّيَّةُ فِي الْمُوَكِّلِ دُونَ نِيَّةِ الْوَكِيلِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دَفْعِهَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا، وَيَقُولُ الْآخِذُ: آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ، وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إِلَى بَلَدٍ   [المبدع في شرح المقنع] زَكَاةَ مُوَلِّيهِ (فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى وَكِيلِهِ) الْمُسْلِمِ الثِّقَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، كَمَا لَوِ اسْتَنَابَ ذِمِّيًّا فِي ذَبْحِ أُضْحِيَّةٍ، وَجَزَمَ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " بِجَوَازِهِ كَالْمُسْلِمِ، وَفِي مُمَيِّزٍ وَجْهَانِ، وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ التَّوْكِيلِ فِي إِخْرَاجِهَا اتِّفَاقًا (اعْتُبِرَتِ النِّيَّةُ فِي الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، فَاعْتُبِرَتْ مِنْ جِهَتِهِ، وَظَاهِرُهُ الْإِجْزَاءُ، وَلَوْ تَطَاوَلَ زَمَنُ الْإِخْرَاجِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ (دُونَ نِيَّةِ الْوَكِيلِ) كَمَا لَوْ تَقَارَبَ الدَّفْعُ. وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ " الشَّرْحِ "، وَ " الْوَجِيزِ " بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَطَاوَلَ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ - أَيْضًا - لِئَلَّا يَخْلُوَ الْأَدَاءُ إِلَى الْمُسْتَحِقِّ عَنْ نِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ مُقَارِبَةٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ نَاوِيًا، وَلَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ حَالَ الدَّفْعِ، جَازَ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا نَوَى الْوَكِيلَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهَا، فَتَقَعُ نَفْلًا، وَلَوْ أَجَازَهَا، وَكَذَا مَنْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ زَكَاةً عَنْ حَيٍّ بِلَا إِذْنِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ أَجَازَهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الْمُتَصَدِّقِ، فَوَقَعَتْ عَنْهُ. [مَا يَقُولُهُ عِنْدَ دَفْعِ الزَّكَاةِ] (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دَفْعِهَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا، وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا أَعْطَيْتُمُ الزَّكَاةَ فَلَا تَنْسَوْا ثَوَابَهَا أَنْ تَقُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا، وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْبَخْتَرِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ، كَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مُثْمِرَةً لَا مُنَقِصَةً لَهُ؛ لِأَنَّ التَّثْمِيرَ كَالْغَنِيمَةِ، وَالتَّنْقِيصَ كَالْغَرَامَةِ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِأَدَائِهَا، (وَيَقُولُ الْآخِذُ: آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ، وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيِ: ادْعُ لَهُمْ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 تُقْصَرُ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ فَعَلَ، فَهَلْ يجْزِئُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى آلِ فُلَانٍ، فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرْ سُعَاتَهُ بِالدُّعَاءِ، وَذَهَبَتِ الظَّاهِرِيَّةُ إِلَى وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ " عَلَى " لِلْإِيجَابِ، وَيُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهَا فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: إِنْ مَنَعَهَا أَهْلُ بَلْدَةٍ اسْتُحِبَّ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ عَلِمَهُ أَهْلًا لَهَا، كُرِهَ إِعْلَامُهُ بِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " لَا بُدَّ مِنْ إِعْلَامِهِ، وَإِنْ عَلِمَهُ أَهْلًا، وَيُعْلَمُ مَنْ عَادَتُهُ لَا يَأْخُذُ زَكَاةً، وَ [إِنْ] أَعْطَاهُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. [نَقْلُ الزَّكَاةِ] (وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إِلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «أَخْبِرْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ إلى فُقَرَائِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي كِتَابِ مُعَاذٍ: «مَنْ أَخْرَجَ مِنْ مِخْلَافٍ إِلَى مِخْلَافٍ، فَإِنَّ صَدَقَتَهُ وَعُشْرَهُ تُرَدُّ إِلَى مِخْلَافِهِ» وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الْبَنَّا: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ نَقْلُهَا إِلَى الثَّغْرِ، وَعَنْهُ: وَغَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ: الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِرَحِمٍ وَشِدَّةِ حَاجَةٍ أَوْ لَا. وَالسَّاعِي وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَنَقْلُهَا إِلَى دُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ بَلَدٍ وَاحِدٍ، بِدَلِيلِ أَحْكَامِ رُخَصِ السَّفَرِ (فَإِنْ فَعَلَ فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يُجْزِئُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ، كَصَرْفِهَا فِي غَيْرِ الْأَصْنَافِ. وَالثَّانِيَةُ: وَاخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " الْإِجْزَاءُ لِلْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَبَرِئَ كَالدَّيْنِ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا فُقَرَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 فُقَرَاءَ فِيهِ، فَيُفَرِّقُهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي آخَرَ، أَخْرَجَ زَكَاةَ الْمَالِ فِي بَلَدِهِ وَفِطْرَتَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَاشِيَةٌ، اسْتُحِبَّ لَهُ وَسْمُ الْإِبِلِ فِي أَفْخَاذِهَا، وَالْغَنَمِ فِي آذَانِهَا، فَإِنْ كَانَتْ زَكَاةً،   [المبدع في شرح المقنع] فِيهِ) بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ كَانُوا وَفَضَلَ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ مُعَاذًا بَعَثَ إِلَى عُمَرَ صَدَقَةً مِنَ الْيَمَنِ، فَأَنْكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَمْ أَبْعَثْكَ جَابِيًا، وَلَكِنْ بَعَثْتُكَ لِتَأْخُذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ فَتَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ، فَقَالَ مُعَاذٌ: مَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِشَيْءٍ وَأَنَا أَجِدُ مَنْ يَأْخُذُهُ مِنِّي. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، فَيَنْقُلُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمُؤْنَةُ نَقْلِهَا عَلَى الْمَالِكِ كَالْكَيْلِ وَنَحْوِهِ (فَيُفَرِّقُهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى، وَحُكْمُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَذَلِكَ، وَلَوْ عَبَّرَ " بِمَوْضِعٍ " لَكَانَ أَشْمَلَ، وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْأَوَّلِ مَا لَوْ كَانَ نِصَابٌ مِنَ السَّائِمَةِ مُتَفَرِّقًا فِي بَلَدَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخْرَجَ فِي أَحَدِهِمَا؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى التَّشْقِيصِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَالِ؛ لِئَلَّا يَنْقُلَهَا (وَإِذَا كَانَ فِي بَلَدٍ، وَمَالُهُ فِي آخَرَ، أَخْرَجَ زَكَاةَ الْمَالِ فِي بَلَدِهِ) أَيْ: بَلَدِ الْمَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا يَنْقُلَ الصَّدَقَةَ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْمَالَ سَبَبُ الزَّكَاةِ، فَوَجَبَ إِخْرَاجُهَا حَيْثُ وُجِدَ السَّبَبُ، وَإِنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا زَكَّى كُلَّ مَالٍ حَيْثُ هُوَ. فَرْعٌ: السَّفَّارُ بِالْمَالِ يُزَكِّي مِنْ مَوْضِعٍ أَكْثَرِ إِقَامَةِ الْمَالِ فِيهِ، نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ لِتَعَلُّقِ الْأَطْمَاعِ بِهِ غَالِبًا، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ تَفْرِقَتَهُ فِي الْبُلْدَانِ الَّتِي كَانَ بِهَا فِي الْحَوْلِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُفَرِّقُ زَكَاتَهُ حَيْثُ حَالَ حَوْلُهُ لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى تَأْخِيرٍ (وَ) إِخْرَاجُ (فِطْرَتِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا، فَوَجَبَ إِخْرَاجُهَا حَيْثُ وُجِدَ السَّبَبُ. [وَسْمُ إِبِلِ الصَّدَقَةِ] (وَإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَاشِيَةٌ اسْتُحِبَّ لَهُ وَسْمُ الْإِبِلِ) وَالْبَقَرِ (فِي أَفْخَاذِهَا، وَالْغَنَمِ فِي آذَانِهَا) لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ، فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَحْمَدَ، وَابْنِ مَاجَهْ: «وَهُوَ يَسِمُ غَنَمًا فِي آذَانِهَا» ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنِ الضَّوَالِّ، وَلِتُرَدَّ إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 كُتِبَ: لِلَّهِ أَوْ زَكَاةٌ، وَإِنْ كَانَتْ جِزْيَةً كُتِبَ: " صَغَارٌ " أَوْ " جِزْيَةٌ ". فَصْلٌ وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عَنِ الْحَوْلِ إِذَا كَمُلَ النِّصَابُ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ ذَلِكَ،   [المبدع في شرح المقنع] مَوَاضِعِهَا إِذَا شَرَدَتْ، وَخُصَّ الْمَوْضِعَانِ لِخِفَّةِ الشَّعْرِ فِيهِمَا، وَلِقِلَّةِ أَلَمِ الْوَسْمِ، وَيَتَوَجَّهُ: يَحْرُمُ فِي الْوَجْهِ، (فَإِنْ كَانَتْ زَكَاةً كُتِبَ " لِلَّهِ " أَوْ " زَكَاةٌ " وَإِنْ كَانَتْ جِزْيَةً: كُتِبَ " صَغَارٌ " أَوْ " جِزْيَةٌ ") ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّ الْوَسْمَ بِحِنَّاءٍ أَوْ قِيرٍ أَفْضَلُ، وَفِيهِ شَيْءٌ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَخْرَجَ زَكَاتَهُ فَتَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْفَقِيرُ، لَزِمَهُ عِوَضُهَا كَمَا قَبْلَ الْعَزْلِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْعَوْدُ فِيهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَلَمْ يَمْلِكْهَا الْمُسْتَحِقُّ، كَمَالٍ مَعْزُولٍ لَوْ قَارَبَ الدَّيْنُ، بِخِلَافِ الْأَمَانَةِ، وَالتَّالِفُ إِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ سَقَطَ قَدْرُ زَكَاتِهِ إِنْ قُلْنَا بِالسُّقُوطِ بِالتَّلَفِ، وَفِي سُقُوطِهَا عَنِ الْبَاقِي إِنْ نَقَصَ عَنْ نِصَابٍ الْخِلَافُ، وَيُشْتَرَطُ لِمِلْكِ الْفَقِيرِ لَهَا وَإِجْزَائِهَا قَبْضُهُ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ الْفَقِيرُ: اشْتَرِ لِي بِهَا ثَوْبًا، وَلَمْ يَقْبِضْهُ، لَمْ يَجُزْ وَلَوِ اشْتَرَاهُ كَانَ لَهُ، وَلَوْ تَلِفَ، فَمِنْ ضَمَانِهِ. [تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ] فَصْلٌ (وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عَنِ الْحَوْلِ إِذَا كَمَلَ النِّصَابُ) جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ لِمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي إِسْنَادِهِ، وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ مُرْسَلًا، وَأَنَّهُ أَصَحُّ، وَلِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ أُجِّلَ لِلرِّفْقِ، فَجَازَ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ كَالدَّيْنِ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ الْأَثْرَمُ: هُوَ مِثْلُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ، فَيَصِيرُ مِنْ تَقْدِيمِ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَقَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَالْمَجْدِ أَنَّهُمَا سَبَبَانِ، فَقُدِّمَ عَلَى أَحَدِهِمَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 وَفِي تَعْجِيلِهَا لِأَكْثَرِ مِنْ حَوْلٍ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ عَجَّلَهَا عَنِ النِّصَابِ وَمَا يَسْتَفِيدُهُ أَجْزَأَ عَنِ النِّصَابِ دُونَ الزِّيَادَةِ. وَإِنْ عَجَّلَ عُشْرَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الطَّلْعِ   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ شَرْطَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ تَرْكَ التَّعْجِيلِ أَفْضَلُ، وَفِي " الْفُرُوعِ "، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ، وَلَا خِلَافَ عِنْدِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِعَامٍ وَاحِدٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلِيُّ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُهَا فِي وَجْهٍ، (وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ ذَلِكَ) ، أَيْ: قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا، فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ، كَالتَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحَلِفِ، (وَفِي تَعْجِيلِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ رِوَايَتَانِ) أَطْلَقَهُمَا تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ، إِحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ بِتَعْجِيلِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ، فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَمَّا الْعَبَّاسُ، فَهِيَ عَلَيَّ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ بِأَعْوَامٍ، لَكِنْ قَيَّدَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَالْمَجْدُ بِعَامَيْنِ، وَنَصُّ أَحْمَدَ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ نَقْلُ الْأُولَى: لَا يَجُوزُ لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ فَأَكْثَرَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِيهِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِمَا سَبَقَ، وَإِذَا قُلْنَا: تُعَجَّلُ لِعَامَيْنِ، فَعَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَيْنِ فِي غَيْرِهَا، جَازَ، وَفِيهِمَا لَا يَجُوزُ عَنْهُمَا، وَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَإِنْ عَجَّلَ وَاحِدَةً مِنْهَا، وَأُخْرَى مِنْ غَيْرِهَا، جَازَ، جَزَمَ بِهِ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ ". وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: يُجْزِئُ وَاحِدَةٌ عَنِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ. (وَإِنْ) مَلَكَ نِصَابًا (ثُمَّ عَجَّلَهَا عَنِ النِّصَابِ، وَمَا يَسْتَفِيدُهُ أَجْزَأَ عَنِ النِّصَابِ) لِمَا تَقَدَّمَ (دُونَ الزِّيَادَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَجَّلَ زَكَاةَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، فَلَمْ يُوجَدِ السَّبَبُ كَمَا فِي النِّصَابِ الْأَوَّلِ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ عَنْهَا لِوُجُودِ سَبَبِ الزَّكَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 وَالْحِصْرِمِ لَمْ تُجْزِئْهُ، وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ النِّصَابِ وَتَمَّ الْحَوْلُ وَهُوَ نَاقِصٌ قَدْرَ مَا عَجَّلَهُ جَازَ، وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ الْمِائَتَيْنِ فَنَتَجَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ سَخْلَةٌ، لَزِمَهُ شَاةٌ ثَالِثَةٌ،   [المبدع في شرح المقنع] يَتَوَجَّهُ مِنْهَا احْتِمَالُ تَخْرِيجٍ يَضُمُّهُ إِلَى الْأَصْلِ مِنْ حَوْلِ الْوُجُوبِ، فَكَذَا مِنَ التَّعْجِيلِ، وَاخْتَارَ فِي " الِانْتِصَارِ " يُجْزِئُ عَنِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ النِّصَابِ فَقَطْ، وَقِيلَ بِهِ إِنْ لَمْ يَبْلُغِ الْمُسْتَفَادُ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْوُجُوبِ وَالْحَوْلِ كَمَوْجُودٍ، وَإِذَا بَلَغَهُ اسْتَقَلَّ بِالْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ لَوْ لَمْ يُوجَدِ الْأَصْلُ، وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَعَنْ نِتَاجِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فَنَتَجَتْ مِثْلَهَا، فَالْأَشْهَرُ: لَا تُجْزِئُهُ، وَتَلْزَمُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ الْعِجْلَةَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ جَازَ فَأَخَذَهَا ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى الْفَقِيرِ، جَازَ، وَإِنِ اعْتَدَّ بِهَا قَبْلَ أَخْذِهَا فَلَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلَوْ عَجَّلَ مُسِنَّةً عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً وَنِتَاجِهَا، فَالْأَشْهَرُ: لَا تُجْزِئُهُ عَنِ الْجَمِيعِ، بَلْ عَنْ ثَلَاثِينَ، وَلَيْسَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا، وَيُخْرِجُ لِلْعُشْرِ رُبْعَ مُسِنَّةٍ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ ارْتِجَاعِ الْمُسِنَّةِ، وَيُخْرِجُهَا أَوْ غَيْرَهَا عَنِ الْجَمِيعِ، وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً، ثُمَّ أَبْدَلَهَا مِثْلَهَا أَوْ نَتَجَتْ أَرْبَعِينَ سَخْلَةً ثُمَّ مَاتَتِ الْإِنَاثُ، أَجْزَأَ الْعِجْلُ عَنِ الْبَدَلِ وَعَنِ السِّخَالِ، لِأَنَّهَا تُجْزِئُ مَعَ بَنَاتِ الْأُمَّاتِ عَنِ الْكُلِّ، فَعَنْ أَحَدِهِمَا أَوْلَى. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ وَجْهًا: لَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ كَانَ لِغَيْرِهَا (وَإِنْ عَجَّلَ عُشْرَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الطَّلْعِ وَالْحِصْرِمِ لَمْ تُجْزِئْهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لَهَا قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا عَجَّلَهَا بَعْدَ الطُّلُوعِ أَنَّهَا تُجْزِئُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ كَالنِّصَابِ، وَالْإِدْرَاكُ كَالْحَوْلِ، وَحُكْمُ الزَّرْعِ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجُوزُ بَعْدَ مِلْكِ الشَّجَرِ، وَوَضْعِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْوُجُوبِ إِلَّا مُضِيُّ الْوَقْتِ عَادَةً، كَالنِّصَابِ الْحَوْلِيِّ، وَاخْتَارَ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَ " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَدَّ الْحَبُّ، وَيَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ، (وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ النِّصَابِ، وَتَمَّ الْحَوْلُ؛ وَهُوَ نَاقِصٌ قَدْرَ مَا عَجَّلَهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ مَا عَجَّلَهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوُجُودِ فِي مِلْكِهِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا، وَلِهَذَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ، وَيُجْزِئُهُ عَنْ مَالِهِ. وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ: لَا يُجْزِئُهُ، وَيَكُونُ نَفْلًا، وَيَكُونُ كَتَالِفٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً، ثُمَّ نَتَجَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَأَخَذَهُ، لَزِمَهُ شَاةٌ أُخْرَى، وَعَلَى الثَّانِي: لَا، وَظَاهِرُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 وَإِنْ عَجَّلَهَا، فَدَفَعَهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا، فَمَاتَ أَوِ ارْتَدَّ، أَوِ اسْتَغْنَى، أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى غَنِيٍّ فَافْتَقَرَ عِنْدَ الْوُجُوبِ لَمْ تُجْزِئْهُ، وَإِنْ عَجَّلَهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمِسْكِينِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ:   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّهُ إِذَا نَقَصَ أَكْثَرُ مِمَّا عَجَّلَهُ أَنَّهُ يُخْرِجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلزَّكَاةِ، فَإِذَا زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ إِمَّا بِنِتَاجٍ، أَوْ شِرَاءِ مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ، اسْتُؤْنِفَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَهُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ الْمِائَتَيْنِ فَنَتَجَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ سَخْلَةٌ لَزِمَهُ شَاةٌ ثَالِثَةٌ) لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمُعَجَّلَ حُكْمُهُ كَالْمَوْجُودِ، فَيَكُونُ مِلْكُهُ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةً، وَفَرْضُ ذَلِكَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا أَدَّى اثْنَتَيْنِ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ، فَلَوْ نَتَجَ الْمَالُ مَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ، كَتَبِيعٍ عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً فَنَتَجَتْ عَشْرًا، فَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ لِشَيْءٍ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُهُ، وَهَلْ لَهُ ارْتِجَاعُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ عَمَّا جَعَلَهُ عَنْهُ، وَيَلْزَمُهُ لِلنِّتَاجِ رُبْعُ مُسِنَّةٍ، لِئَلَّا يَمْتَنِعَ الْمَالِكُ مِنَ التَّعْجِيلِ غَالِبًا (وَإِنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا فَمَاتَ) قَابِضُهَا (أَوِ ارْتَدَّ أَوِ اسْتَغْنَى) مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ (أَجْزَأَتْ عَنْهُ) فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوِ اسْتَغْنَى مِنْهَا، أَوْ عَدِمَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْقَبْضِ، وَلِئَلَّا يَمْتَنِعَ التَّعْجِيلُ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا بَقِيَ عَلَى صِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الْإِجْزَاءُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى (وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى غَنِيٍّ فَافْتَقَرَ عِنْدَ الْوُجُوبِ لَمْ يُجْزِئْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَفْتَقِرْ، (وَإِنْ عَجَّلَهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ) أَيِ: النِّصَابُ أَوْ بَعْضُهُ، أَوْ مَاتَ الْمَالِكُ أَوِ ارْتَدَّ (قَبْلَ الْحَوْلِ) فَقَدْ بَانَ أَنَّ الْمُخْرَجَ لَيْسَ بِزَكَاةٍ؛ لِانْقِطَاعِ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ، فَإِذَا أَرَادَ الْوَارِثُ الِاحْتِسَابَ بِهَا عَنْ زَكَاةِ حَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا: يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ عَجَّلَ عَنْ عَامَيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّعْجِيلَ وُجِدَ مِنْ نَفْسِهِ مَعَ حَوْلِ مِلْكِهِ، وَهُنَا أَخْرَجَهَا غَيْرُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ فَلَمْ يَجُزْ، (وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمِسْكِينِ) فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهَا وَقَعَتْ إِلَى مُسْتَحِقِّهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 إِنْ كَانَ الدَّافِعُ السَّاعِي أَوْ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ، رَجَعَ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَلَمْ يَمْلِكِ اسْتِرْجَاعَهَا لِوُقُوعِهَا نَفْلًا، بِدَلِيلِ مِلْكِ الْفَقِيرِ لَهَا، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ إِعْلَامِ الْآخِذِ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ أَوْ لَا، وَالثَّانِيَةُ: يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهِ، اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، كَمَا لَوْ عَجَّلَ الْأُجْرَةَ ثُمَّ تَلِفَ الْمَأْجُورُ، وَكَعِتْقِهِ عَنْ كَفَّارَةٍ لَمْ تَجِبْ، فَلَمْ تَجِبْ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ السَّاعِي عِنْدَ التَّلَفِ، وَبَيْنَ جَمَاعَةٍ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ الدَّافِعُ وَلِيَّ رَبِّ، الْمَالِ رَجَعَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ رَبَّ الْمَالِ، وَدَفَعَ إِلَى السَّاعِي مُطْلَقًا، رَجَعَ فِيهَا مَا لَمْ يَدْفَعْهَا إِلَى الْفَقِيرِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ الدَّافِعُ السَّاعِي) رَجَعَ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ: (أَوْ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ رَجَعَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْقَابِضُ مِنَ الْحَالِ الثَّانِي، وَإِذَا طَرَأَ مَا يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ، وَجَبَ رَدُّهُ، كَمَا لَوْ كَفَّرَ عَنِ الْقَتْلِ بَعْدَ الْجُرْحِ فَانْدَمَلَ، وَلَمْ يَمُتِ الْمَجْرُوحُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى رَبِّ الْمَالِ؛ وَهُوَ الَّذِي فِي " الشَّرْحِ " فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: لَوْ أَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ السَّاعِيَ بِالتَّعْجِيلِ وَدَفَعَ إِلَى الْفَقِيرِ، رَجَعَ عَلَيْهِ، أَعْلَمَ السَّاعِيَ، أَوْ لَا، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ حَامِدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى الدَّافِعِ، فَعَلَى هَذَا تَقْدِيرُهُ: إِذَا أَعْلَمَ الدَّافِعُ الْفَقِيرَ بِأَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ، رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَتَى كَانَ رَبُّ الْمَالِ صَادِقًا، فَلَهُ الرُّجُوعُ بَاطِنًا، أَعْلَمَهُ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ لَا، لَا ظَاهِرًا مَعَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالرُّجُوعِ إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ بَاقِيَةً، أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ فَقَطْ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِالْمُنْفَصِلَةِ، كَرُجُوعِ بَائِعِ الْمُفْلِسِ الْمُسْتَرِدِّ عَيْنَ مَالِهِ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً ضَمِنَ نَقْصَهَا فِي الْأَصَحِّ كَجُمْلَتِهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّعْجِيلِ، وَالْمُرَادُ مَا قَالَهُ الْمَجْدُ يَوْمَ التَّلَفِ عَلَى صِفَتِهَا يَوْمَ التَّعْجِيلِ. فَرْعٌ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ التَّعْجِيلِ، صُدِّقَ الْآخِذُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَيَحْلِفُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ مَاتَ وَادَّعَى عِلْمَ وَارِثِهِ، فَفِي يَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ الْخِلَافُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 باب ذكر أهل الزكاة وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ: الْفُقَرَاءُ: وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ. الثَّانِي: الْمَسَاكِينُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ. وَمَنْ مَلَكَ مِنْ غَيْرِ   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ] [الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ] ِ وَأَهْلُهَا هُمُ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ الشَّرْعُ مَحَلًّا لِدَفْعِهَا إِلَيْهِمْ، (وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ) الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ. قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: إِنَّمَا تُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيْ: تُثْبِتُ الْمَذْكُورَ، وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171] . قَالَ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ ": وَكَذَلِكَ تَعْرِيفُ الصَّدَقَاتِ - بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ - فَلَوْ صَارَ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَى غَيْرِ الثَّمَانِيَةِ، لَكَانَ لَهُمْ بَعْضُهَا لَا كُلُّهَا، وَهَذَا إِجْمَاعٌ. (الْفُقَرَاءُ) بَدَأَ بِهِمُ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ، وَلِشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ، وَهُمْ غَيْرُ الْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهُمَا إِذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا، وَبِالْعَكْسِ (وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ) فَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَجِدُ شَيْئًا أَصْلًا، أَوْ لَا يَجِدُ نِصْفَ كِفَايَتِهِ، كَدِرْهَمَيْنِ مِنْ عَشَرَةٍ، وَمَثَّلَهُ الْخِرَقِيُّ وَتَبِعَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى؛ لِأَنَّهُمَا غَالِبًا لَا قُدْرَةَ لَهُمَا عَلَى اكْتِسَابِ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ، أَوْ لَا قُدْرَةَ لَهُمَا عَلَى شَيْءٍ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273] (الثَّانِي: الْمَسَاكِينُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ) أَوْ نِصْفَهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ، وَلَهُمْ سَفِينَةٌ، وَقَدْ سَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْكَنَةَ، وَاسْتَعَاذَ مِنَ الْفَقْرِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ شِدَّةَ الْحَاجَةِ، وَيَسْتَعِيذَ مِنْ حَالَةٍ أَصْلَحَ مِنْهَا. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ لِكَوْنِهِ يَجِدُ مَا ذَكَرْنَا، وَعَنْهُ: أَنَّهُ فَقِيرٌ، وَالْأَوَّلُ مِسْكِينٌ، وَأَنَّ الْمِسْكِينَ أَشَدُّ حَاجَةً مِنَ الْفَقِيرِ، وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ، وَثَعْلَبُ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] وَهُوَ الْمَطْرُوحُ عَلَى التُّرَابِ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْبِيرُ عَنِ الْفَقِيرِ بِالْمِسْكِينِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ هَذَا النَّعْتَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 الْأَثْمَانِ مَا لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ، فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْأَثْمَانِ، فَكَذَلِكَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى: إِذَا مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتَهَا مِنَ الذَّهَبِ فَهُوَ غَنِيٌّ. الثَّالِثُ: الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا، وَهُمُ الْجُبَاةُ لَهَا وَالْحَافِظُونَ،   [المبدع في شرح المقنع] بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَسْكَنَةِ (وَمَنْ مَلَكَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ مَا لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ، وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ: «فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالسِّدَادُ: الْكِفَايَةُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ كَالْعَقَارِ وَنَحْوِهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: إِذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ يَسْتَغِلُّهُ أَوْ ضَيْعَةٌ يَسْتَغِلُّهَا عَشَرَةُ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرُ لَا تُقِيمُهُ يَعْنِي لَا تَكْفِيهِ، يَأْخُذُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهُوَ فَقِيرٌ يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَبَيْنَ مَا تَجِبُ فِيهِ كَالْمَوَاشِي وَالْحُبُوبِ. نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: فَقُلْتُ: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ فَقِيرٌ يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَا لَا يُغْنِيهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى كَسْبِ مَا يَكْفِيهِ، فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا كَغَيْرِهِ، وَيَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ سَنَةً، وَعَنْهُ: يَأْخُذُ نَمَاءَهَا دَائِمًا بِمَتْجَرٍ وَآلَةِ صَنْعَةٍ، وَلَا يَأْخُذُ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ كَمَنْ لَهُ مَكْسَبٌ أَوْ أُجْرَةُ عَقَارٍ، أَوْ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ غَنِيٌّ، وَيُمْنَعُ مِنْ أَخْذِهَا (وَإِنْ كَانَ مِنَ الْأَثْمَانِ) وَهُوَ لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ. قَالَ فِي " الْوَجِيزِ ": وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ (فَكَذَلِكَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) نَقَلَهُ مُهَنَّا؛ وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ عَدَمَ الْكِفَايَةِ غَايَةَ حِلِّ الْمَسْأَلَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَالْأُخْرَى إِذَا مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتَهَا مِنَ الذَّهَبِ فَهُوَ غَنِيٌّ) نَقَلَهَا وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ سَأَلَ، وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ، جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُدُوشًا أَوْ كُدُوشًا فِي وَجْهِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا غِنَاهُ؟ قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ حِسَابُهَا مِنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْعَامِلِ أَمِينًا مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى، وَلَا يُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ   [المبدع في شرح المقنع] الذَّهَبِ» رَوَاهُ الْخُمْسَةُ، وَأُجِيبُ بِضَعْفِ الْخَبَرِ، فَإِنَّهُ يَرْوِيهِ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ، وَشُعْبَةُ لَا يَرْوِي عَنْ حَكِيمٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَلَوْ سَلِمَ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَتَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ، وَلَا يَحْرُمُ الْأَخْذُ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَهُ فِي وَقْتٍ كَانَتِ الْكِفَايَةُ الْغَالِبَةُ فِيهِ بِخَمْسِينَ، وَلِذَلِكَ جَاءَ التَّقْدِيرُ عَنْهُ بِأَرْبَعِينَ، وَبِخَمْسِ أَوَاقٍ؛ وَهِيَ مِائَتَانِ، وَيُعْتَبَرُ الذَّهَبُ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَحُدُّهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَانِعُ مِنْ أَخْذِهَا مِلْكَهُ نِصَابًا أَوْ قِيمَتَهُ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ فَقَطْ، أَوْ مِلْكَهُ كِفَايَتَهُ. فَرْعٌ: عِيَالُهُ مِثْلُهُ، فَيَأْخُذُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ أَوْ قَدْرَ كِفَايَتِهِ عَلَى الْخِلَافِ. [الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا] (الثَّالِثُ: الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا) لِلنَّصِّ (وَهُمُ الْجُبَاةُ لَهَا، وَالْحَافِظُونَ) كَالْكَاتِبِ وَالْقَائِمِ وَنَحْوِهِمَا لِدُخُولِهِمْ فِي مُسَمَّى الْعَامِلِ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْعَامِلِ) مُكَلَّفًا (أَمِينًا) وَفِي " الْفُرُوعِ " وَمُرَادُهُمْ بِهَا الْعَدَالَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، (مُسْلِمًا) فِي رِوَايَةٍ؛ وَهِيَ الْمَذْهَبُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ؛ وَلِاشْتِرَاطِ الْأَمَانَةِ أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ؛ وَهِيَ تَفْتَقِرُ إِلَى الْعِلْمِ بالنصب وَمَقَادِيرِ الزَّكَاةِ وَقَبُولِ قَوْلِهِمْ مِنَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: لَا تَأْمَنُوهُمْ، وَقَدْ خَوَّنَهُمُ اللَّهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَامِلُهَا وَرَاعِيهَا وَنَحْوُهُمَا كَافِرًا (مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى) هَذَا وَجْهٌ، وَفِي ابْنِ الْمُنَجَّا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ «لِأَنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَالْمُطَّلِبَ بْنَ رَبِيعَةَ سَأَلَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُمَالَةَ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَقَالَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 وَفَقْرُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ إِسْلَامُهُ وَلَا كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى، وَإِنْ تَلِفَتِ الزَّكَاةُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، أُعْطِيَ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. الرَّابِعُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ،   [المبدع في شرح المقنع] نَصٌّ فِي التَّحْرِيمِ، فَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ إِلَّا أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ أُجْرَتُهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " (وَلَا يُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ كَالْحُرِّ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُشْتَرَطُ لِكَمَالِهِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي عُمَالَةِ تَفْوِيضٍ لَا تَنْفِيذٍ، (وَفَقْرُهُ) إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرْسَلَ عُمَرَ عَامِلًا، وَكَانَ غَنِيًّا؛ وَلِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ، (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ إِسْلَامُهُ) فِي رِوَايَةٍ، وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِحَقِّ جِبَايَتِهِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَهُ الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ بَيْعًا وَابْتِيَاعًا، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فِي زَكَاةٍ خَاصَّةٍ عُرِفَ قَدْرُهَا، (وَلَا كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى) فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَقَرَابَةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ وَالِدٍ وَوَلَدٍ، وَكَجِبَايَةِ الْخَرَاجِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ، قَالَه ابْنُ مُنَجَّا: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيلَ: إِنْ مَنَعُوا الْخُمُسَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذُكُورِيَّتُهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِالْوِلَايَةِ وَلَا فِقْهِهِ، وَاشْتَرَطَ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " إِنْ كَانَ مِنْ عُمَّالِ التَّفْوِيضِ، وَإِنْ كَانَ مُنَفِّذًا فَلَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ عَيَّنَ لَهُ مَا يَأْخُذُهُ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إِذَا كَتَبَ لَهُ مَا يَأْخُذُهُ، كَسُعَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَإِنْ تَلِفَتِ الزَّكَاةُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ) فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (أُعْطِيَ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِنْهَا، وَقِيلَ: لَا يُعْطَى شَيْئًا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ "، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَتْلَفْ أُعْطِيَ أُجْرَتَهُ مِنْهَا، وَإِنْ جَاوَزَ الثُّمْنَ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةً فِي الْمَنْصُوصِ، وَعَنْهُ: لَهُ الثُّمْنُ مِمَّا يَجْتَنِيهِ. قَالَ الْمَجْدُ: فَعَلَيْهَا إِنْ جَاوَزَتْ أُجْرَتُهُ الثُّمْنَ أُعْطِيَهُ مِنَ الْمَصَالِحِ، وَيُقَدَّمُ بِأُجْرَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَهُ الْأَخْذُ، وَإِنْ تَطَوَّعَ بِعَمَلِهِ؛ لِلْخَبَرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إِذَا جُعِلَ لَهُ جُعْلٌ عَلَى عَمَلٍ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا قَبْلَ تَعْمِيلِهِ، وَإِنْ عَقَدَ لَهُ إِجَارَةً، وَعَيَّنَ لَهُ أُجْرَةً مِمَّا يَأْخُذُهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَ تَلَفِ مَا أَخَذَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَوْ بَعَثَهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا، أُعْطِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا ادَّعَى الْمَالِكُ دَفْعَهَا إِلَى الْعَامِلِ فَأَنْكَرَ، صُدِّقَ الْمَالِكُ بِلَا يَمِينٍ، وَحَلَفَ الْعَامِلُ وَبَرِئَ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي الدَّفْعِ إِلَى الْفَقِيرِ، وَكَذَا إِقْرَارُهُ بِقَبْضِهَا، وَلَوْ عُزِلَ، وَلَا يَلْزَمُهُ رَفْعُ حِسَابِ مَا تَوَلَّاهُ إِذَا طُلِبَ مِنْهُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقِيلَ: مَعَ تُهْمَتِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ عَلَيْهِ فِي وَضْعِهَا غَيْرِ مَوْضِعِهَا لَا فِي أَخْذِهَا مِنْهُمْ، وَإِنْ شَهِدَ بِهِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَبْلَ التَّخَاصُمِ، قُبِلَ وَغَرِمَ الْعَامِلُ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ شَهِدَ أَهْلُ السُّهْمَانِ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ، لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ عَمِلَ إِمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ عَلَيْهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْهَا شَيْئًا. [الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ] (الرَّابِعُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ) لِلنَّصِّ، وَالْمَذْهَبُ بَقَاءُ حُكْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْطَى الْمُؤَلِّفَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ (وَهُمُ السَّادَةُ) الرُّؤَسَاءُ (الْمُطَاعُونَ فِي عَشَائِرِهِمْ) وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إِنَّهُ مُطَاعٌ، إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهُمْ ضَرْبَانِ: كُفَّارُ وَمُسْلِمُونَ، وَالْكُفَّارُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا (مِمَّنْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ) فَيُعْطَى مِنْهَا لِيَقْوَى بِنِيَّتِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَمِيلَ نَفْسُهُ إِلَيْهِ فَيُسْلِمَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ الْأَمَانَ، وَاسْتَنْظَرَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ، وَخَرَجَ مَعَهُ إِلَى حُنَيْنٍ، فَلَمَّا أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَطَايَا، قَالَ صَفْوَانُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 وَهُمُ السَّادَةُ الْمُطَاعُونَ فِي عَشَائِرِهِمْ مِمَّنْ يُرْجَى سَلَامُهُ، أَوْ يُخْشَى شَرُّهُ، أَوْ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إِيمَانِهِ، أَوْ إِسْلَامُ نَظِيرِهِ، أَوْ جِبَايَةُ الزَّكَاةِ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا، أَوِ الدَّفْعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَنْهُ: إنَّ حُكْمَهُمُ انْقَطَعَ. الْخَامِسُ: الرِّقَابُ وَهُمُ   [المبدع في شرح المقنع] مَا لِي؛ فَأَشَارَ إِلَى وَادٍ فِيهِ إِبِلٌ مُحَمَّلَةٌ، فَقَالَ: هَذَا لَكَ. فَقَالَ صَفْوَانُ: هَذَا عَطَاءُ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَقْرَ. وَأُجِيبُ بأَنَّهُ كَانَ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ لَا الزَّكَاةِ. الثَّانِي: مَنْ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ كَفُّ شَرِّهِ وَشَرِّ غَيْرِهِ، فَقَالَ (أَوْ يُخْشَى شَرُّهُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّ قَوْمًا كَانُوا يَأْتُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أَعْطَاهُمْ مَدَحُوا الْإِسْلَامَ، وَإِنْ مَنَعَهُمْ ذَمُّوا وَعَابُوا» وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: 1 - (أَوْ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إِيمَانِهِ) وَمُنَاصَحَتُهُ فِي الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمَّا بَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، وَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ، وَزَيْدٍ الْخَيْرِ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ قَالَ: فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِأَتَأَلَّفَهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ضَعْفِ إِسْلَامِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ. 2 - (أَوْ إِسْلَامُ نَظِيرِهِ) أَيْ: أَنَّهُمْ سَادَاتٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ نُظَرَاءُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَعْطَوُا الْمُسْلِمِينَ رَغِبَ نُظَرَاؤُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْطَى عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ، وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ مَعَ إِسْلَامِهِمَا، وَحُسْنِ نِيَّاتِهِمَا. 3 - (أَوْ جِبَايَةُ الزَّكَاةِ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا) إِلَّا أَنْ يَخَافَ. 4 - (أَوِ الدَّفْعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ) كَمَنْ هُوَ فِي طَرَفِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، إِذَا أُعْطُوا دَفَعُوا عَمَّنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَهَؤُلَاءِ يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ لِدُخُولِهِمْ فِي مُسَمَّى الْمُؤَلَّفَةِ، (وَعَنْهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 الْمُكَاتَبُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَ بِهَا أَسِيرًا مُسْلِمًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. السَّادِس ُ: الْغَارِمُونَ وَهُمُ الْمَدِينُونَ،   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّ حُكْمَهُمُ انْقَطَعَ) نَقَلَهَا حَنْبَلٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُعْطُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَأَعَلَى كَلِمَةَ الْإِيمَانِ، فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهِمْ، وَالْحُكْمُ يَزُولُ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ، وَعَنْهُ: يَنْقَطِعُ مَعَ كُفْرِهِمْ، لِقَوْلِ عُمَرَ وَقَدْ جَاءَهُ مُشْرِكٌ يَلْتَمِسُ مِنْهُ مَالًا فَلَمْ يُعْطِهِ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ أَيْ: يَسْتَمِرُّ عَلَى كُفْرِهِ، وَعَلَيْهِمَا يُرَدُّ سَهْمُهُمْ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ، أَوْ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُرَدُّ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ فَقَطْ. [الرِّقَابُ] (الْخَامِسُ: الرِّقَابُ) لِلنَّصِّ (وَهُمُ الْمُكَاتَبُونَ) وَاحِدُهُ مُكَاتَبٌ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ مِنَ الرِّقَابِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: أَعْتَقْتُ رِقَابِي، فَإِنَّهُ يَشْمَلُهُمْ، وَفِي قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] الْآيَةَ، إِشْعَارٌ بِهِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَالَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَيُصْرَفُ إِلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ، فَكَانَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا إِنْ لَمْ يَجِدْ وَفَاءً كَالْغَرِيمِ، فَإِنْ عَتَقَ بِأَدَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ، فَمَا فَضَلَ مَعَهُ، فَهَلْ هُوَ لَهُ كَمَا لَوْ فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْ لِلْمُعْطِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَيُعْطَى قَبْلَ حُلُولِهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى فَسْخِهَا، وَلَوْ مَعَ الْقُوَّةِ وَالْكَسْبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِذَا حَلَّ نَجْمٌ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَكَذَا مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ لِمَجِيءِ الْمَالِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً، وَالْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ. فَرْعٌ: لَا يُدْفَعُ إِلَى الْمُكَاتَبِ بِحُكْمِ الْفَقْرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَ بِهَا أَسِيرًا مُسْلِمًا، نَصَّ عَلَيْهِ) اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَكُّ رَقَبَةٍ مِنَ الْأَسْرِ، أَشْبَهَ الْمُكَاتَبَ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوِ الرِّدَّةَ لِحَبْسِهِ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ، فَهُوَ أَشَدُّ مِنْ حَبْسِ الْقِنِّ فِي الرِّقِّ، وَعَنْهُ: لَا، قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إِلَى فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ السُّلْطَانُ مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ (وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، جَزَمَ بِهِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 وَهُمْ ضَرْبَانِ: ضَرَبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَضَرْبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ نَفْسِهِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ؛ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، فَإِنَّ الرَّقَبَةَ إِذَا أُطْلِقَتْ تَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، فَجَازَ صَرْفُهَا فِيهِ كَالْمُكَاتَبِ، وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يُعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَكَلَامُهُ مُشْعِرٌ بِذَلِكَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: كُنْتُ أَقُولُ: يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، وَلَكِنْ أَهَابُهُ؛ لِأَنَّهُ نَجَّزَ الْوَلَاءَ؛ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَنْتَفِي الدَّفْعُ إِلَى الرِّقَابِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {و َفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] الْمُرَادُ بِهَا الدَّفْعُ إِلَى الْغُزَاةِ، وَالدَّفْعُ إِلَى الْعَبْدِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ فَكُّ الرَّقَبَةِ. وَبَالَغَ ابْنُ عَقِيلٍ فَادَّعَى أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنِ الْأُولَى لِظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ؛ لِأَنَّ مَا رَجَعَ مِنَ الْوَلَاءِ رَدٌّ فِي مِثْلِهِ، فَلَا يَنْتَفِعُ إِذًا بِإِعْتَاقِهِ مِنَ الزَّكَاةِ، وَعَنْهُ: الرِّقَابُ عَبِيدٌ يُشْتَرَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ، وَيُعْتَقُونَ خَاصَّةً، وَعَنْهُ: لَا يُعْتِقُ مِنْهَا رَقَبَةً كَامِلَةً بَلْ يُعِينُ فِي ثَمَنِهَا، فَإِنْ جَازَ، فَأَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ عَنْ زَكَاتِهِ، فَفِي الْجَوَازِ وَجْهَانِ، وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ، ثُمَّ نَوَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ الشَّرْطِ لَمْ تُجْزِئْهُ. فَرْعٌ: يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِلَا إِذْنِهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَهُوَ الْأَوْلَى، كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ رَقَّ لِعَجْزِهِ أُخِذَتْ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلَوْ بَلَغَتْ الزَّكَاةُ بِيَدِ الْمُكَاتَبِ أَجْزَأَتْ، وَلَمْ يَغْرَمْهَا، عَتَقَ أَوْ رُدَّ رَقِيقًا. [الْغَارِمُونَ] (السَّادِسُ: الْغَارِمُونَ) لِلنَّصِّ (وَهُمُ الْمَدِينُونَ) كَذَا فَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ؛ (وَهُوَ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] أَيْ: وَصْلِكُمْ، وَالْبَيْنُ: الْوَصْلُ، وَالْمَعْنَى: كُونُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَمْرٍ أُبْرِمَ، وَالْمُرَادُ: أَنْ تَقَعَ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ وَضَغَائِنُ يَتْلَفُ بِهَا نَفْسٌ أَوْ مَالٌ، فَيَتَحَمَّلُ إِنْسَانٌ حَمَالَةً بِفَتْحِ الْحَاءِ لِإِطْفَاءِ الْفِتْنَةِ وَسُكُونِ النَّارِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْقَبَائِلِ فَيَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، فَوَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَةِ الْمَسْأَلَةِ فِيهَا، وَجَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا مِنَ الصَّدَقَةِ، وَحَدِيثُ قَبِيصَةَ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْغَارِمَ يَأْخُذُ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُهُ، وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 مُبَاحٍ. السَّابِعُ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُمُ الْغُزَاةُ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ وَلَا يُعْطَى مِنْهَا فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي " الْعُمْدَةِ " وَابْنِ تَمِيمٍ وَ " الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ": مِنَ الْمُسْلِمِينَ (وَضَرْبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ نَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ) كَمَنِ اسْتَدَانَ فِي نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ أَوْ كُسْوَتِهِمْ، وَقَيَّدَهُ بِالْمُبَاحِ لِيُخْرِجَ مَا اسْتَدَانَ وَصَرَفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا، وَدَخَلَ فِيهِ مَا إِذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنَ الْكُفَّارِ، فَيُعْطَى قَدْرَهُ مَعَ فَقْرِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ فِي ذَوِي الْقُرْبَى، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ احْتِمَالًا بِالْمَنْعِ، وَكَمَا لَا يَدْفَعُ إِلَى الْغَارِمِ الْكَافِرِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَكَذَا لَا يُقْضَى مِنْهَا دَيْنُ مَيِّتٍ غَرِمَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةٍ لِقَبُولِهَا، كَمَا لَوْ كَفَّنَهُ مِنْهَا، وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْغَارِمَ لَا يُشْتَرَطُ تَمْلِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] ، وَلَمْ يَقُلْ لِلْغَارِمِينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَمَنْ تَحَمَّلَ بِسَبَبِ إِتْلَافِ مَالٍ أَوْ نَهْبِ أَحَدٍ مِنَ الزَّكَاةِ، وَكَذَا إِنْ ضَمِنَ عَنْ غَيْرِهِ مَالًا، وَهُمَا مُعْسِرَانِ، جَازَ الدَّفْعُ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا. مَسَائِلُ: مِنْهَا: إِذَا اجْتَمَعَ الْغُرْمُ وَالْفَقْرُ، أُعْطِيَ بِهِمَا، فَإِنْ أُعْطِيَ لِلْفَقِيرِ، فَلَهُ صَرْفُهُ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ أُعْطِيَ لِلْغُرْمِ، لَمْ يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِهِ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَمِنْهَا: إِذَا دَفَعَ الْمَالِكُ إِلَى الْغَرِيمِ بِلَا إِذْنِ الْفَقِيرِ، فَعَنْهُ يَصِحُّ، كَدَفْعِهَا لِلْفَقِيرِ، وَعَنْهُ: لَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْغَارِمِ، فَلَا يَصِحَّ قَضَاؤُهُ إِلَّا بِتَوْكِيلِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ دَافِعُهَا لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى وَكَالَةٍ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي إِيفَائِهِ، وَلِهَذَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ إِذَا امْتَنَعَ. وَمِنْهَا: إِذَا أَبْرَأَ رَبُّ الْمَالِ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَمْ تَسْقُطْ، نَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْرَجُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ لِقَوْلِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ فِي أَنَّهَا تَسْقُطُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ أَمْ لَا؛ وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ مِنْ زَكَاةِ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، وَلَا يَكْفِي الْحَوَالَةُ بِهَا، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، بِنَاءً عَلَى الْحَوَالَةِ وَفَاءٌ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ، وَإِلَّا كَانَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. [فِي سَبِيلِ اللَّهِ] (السَّابِعُ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لِلنَّصِّ (وَهُمُ الْغُزَاةُ) ؛ لِأَنَّ السَّبِيلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْغَزْوُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 167] ، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ، وَلَا خِلَافَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 الْحَجِّ، وَعَنْهُ: يُعْطَى الْفَقِيرُ مَا يَحُجُّ بِهِ الْفَرْضَ، أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِيهِ. الثَّامِنُ: ابْنُ   [المبدع في شرح المقنع] اسْتِحْقَاقِهِمْ وَبَقَاءِ حُكْمِهِمْ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا مُتَطَوِّعَةً، وَهَذَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ) أَيْ: لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدِّيوَانِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ رِزْقٌ رَاتِبٌ يَكْفِيهِ، فَهُوَ مُسْتَغْنٍ بِهِ، فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمْ كِفَايَةُ غَزْوِهِمْ وَعَوْدِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الزَّكَاةِ فَرَسًا يَصِيرُ حَبِيسًا فِي الْجِهَادِ، وَلَا دَارًا وَضِيعَةً لِلرِّبَاطِ أَوْ يَقِفُهَا عَلَى الْغُزَاةِ، وَلَا غَزْوُهُ عَلَى فَرَسٍ أَخْرَجَهُ مِنْ زَكَاتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لَا إِذَا اشْتَرَى الْإِمَامُ بِزَكَاةِ رَجُلٍ فَرَسًا، فَلَهُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ يَغْزُو عَلَيْهَا، كَمَا لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ زَكَاتَهُ لِفَقْرِهِ، (وَلَا يُعْطَى مِنْهَا فِي الْحَجِّ) فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا فِي " الْمُغْنِي "، وَصَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ "، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ حَيْثُ أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ إِلَى الْجِهَادِ غَالِبًا، وَالزَّكَاةُ لَا تُصْرَفُ إِلَّا لِمُحْتَاجٍ إِلَيْهَا كَالْفَقِيرِ أَوْ مَنْ يَحْتَاجُهُ الْمُسْلِمُونَ كَالْعَامِلِ، وَالْحَجُّ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَيْهِ، وَالْفَقِيرُ لَا فَرْضَ فِي ذِمَّتِهِ فَيُسْقِطُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ التَّطَوُّعَ، فَتَوْفِيرُ هَذَا الْقَدْرِ عَلَى ذَوِي الْحَاجَةِ أَوْ صَرْفِهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى، (وَعَنْهُ: يُعْطَى الْفَقِيرُ) فَهُوَ مِنَ السَّبِيلِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ: «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ نَاقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرَادَتِ امْرَأَتُهُ الْحَجَّ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْكَبِيهَا، فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَيُشْتَرَطُ لَهُ الْفَقْرُ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لَيْسَ لَهُ مَا يَحُجُّ بِهِ سِوَاهَا، وَقِيلَ: لَا؛ وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " فَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ كَوَصِيَّتِهِ بِثُلُثِهِ فِي السَّبِيلِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، (قَدْرَ مَا يَحُجُّ بِهِ الْفَرْضَ أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِيهِ) جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى إِسْقَاطِ الْفَرْضِ، وَالتَّطَوُّعُ لَهُ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْقَاضِي جَوَازَهُ فِي النَّفْلِ كَالْفَرْضِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيُّ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْفَقِيرُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْهُ كَالتَّطَوُّعِ، فَعَلَى هَذَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَا يَحُجُّ بِهِ حَجَّةً كَامِلَةً، وَمَا يُعِينُهُ فِي حَجِّهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ مِنْ زَكَاةِ نَفْسِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ بِهَا. فَرْعٌ: الْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ، نَقَلَ جَعْفَرٌ: الْعُمْرَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 السَّبِيلِ وَهُوَ الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ بِهِ دُونَ الْمُنْشِئِ لِلسَّفَرِ مِنْ بَلَدِهِ، فَيُعْطَى قَدْرَ مَا يَصِلُ بِهِ بَلَدَهُ. وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ مَا يُغْنِيهِ، وَالْعَامِلُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ، وَالْمُؤَلِّفُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ، وَالْغَارِمُ وَالْمُكَاتَبُ مَا يَقْضِيَانِ بِهِ دَيْنَهُمَا،   [المبدع في شرح المقنع] [ابْنُ السَّبِيلِ] (الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيلِ) لِلنَّصِّ، وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ، وَسُمِّيَ الْمُسَافِرُ ابْنًا لَهُ لِمُلَازَمَتِهِ كَمَا يُقَالُ: وَلَدُ اللَّيْلِ إِذَا كَانَ يُكْثِرُ الْخُرُوجَ فِيهِ (وَهُوَ الْمُسَافِرُ) سَفَرًا مُبَاحًا، وَفِي سَفَرِ النُّزْهَةِ خِلَافٌ، وَعَلَّلَهُ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُعْطَى فِي سَفَرٍ مَكْرُوهٍ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": هُوَ نَظِيرُ إِبَاحَةِ الرُّخَصِ فِيهِ، لَا سَفَرِ مَعْصِيَةٍ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ سَفَرَ طَاعَةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " الصُّغْرَى؛ وَهُوَ بِعِيدٌ (الْمُنْقَطِعُ بِهِ) أَيْ: لَيْسَ لَهُ مَا يَرْجِعُ بِهِ إِلَى بَلَدِهِ (دُونَ الْمُنْشِئِ لِلسَّفَرِ مِنْ بَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُهُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَصِيرُ ابْنُ سَبِيلٍ فِي بَاقِي الْحَالِ، فَلَا يَكُونُ مُرَادًا، وَعَنْهُ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ السَّفَرَ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ، أَشْبَهَ الْأَوَّلَ، وَيُصَدَّقُ فِي إِرَادَةِ السَّفَرِ بِلَا يَمِينٍ (فَيُعْطَى) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ (قَدْرَ مَا يَصِلُ بِهِ إِلَى بَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُجَوَّزَ لِأَحَدِهِمَا هُوَ التَّوَصُّلُ إِلَى بَلَدِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَالْفَقِيرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْطَى، وَلَوْ كَانَ ذَا يَسَارٍ فِي بَلَدِهِ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ غَيْرَ بَلَدِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ، ظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ الدَّفْعَ إِلَيْهِ لِلرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُهِمٌّ لَا غَنَاءَ لَهُ عَنْهُ، فَلَا يَجُوزُ إِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ، وَعَنْهُ وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ: يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَا يَكْفِيهِ لِمُنْتَهَى قَصْدِهِ وَعَوْدِهِ إِلَى بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِعَانَةً عَلَى بُلُوغِ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُعْطَى، وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ " الشَّرْحِ " خِلَافًا لِلْمَجْدِ، [مِقْدَارُ مَا يُعْطِيهِ لِكُلِّ صِنْفٍ] (وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ مَا يُغْنِيهِ) أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لِلْحَاجَةِ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا؛ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ، وَشَرَطَ الْخِرَقِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ إِلَى الْغِنَى؛ لِأَنَّ الْغِنَى لَوْ سَبَقَ الدَّفْعَ لَمْ يَجُزْ، فَكَذَا إِذَا قَارَبَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، (وَالْعَامِلُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ بِسَبَبِ الْعَمَلِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ بِمِقْدَارِهِ (وَالْمُؤَلَّفُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ (وَالْغَارِمُ وَالْمُكَاتَبُ مَا يَقْضِيَانِ بِهِ دَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُمَا إِنَّمَا تَنْدَفِعُ بِذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 وَالْغَازِي مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِغَزْوِهِ، وَإِنْ كَثُرَ، وَلَا يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ كَانَ ذَا عِيَالٍ أَخَذَ مَا يَكْفِيهِمْ، وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ الْغِنَى إِلَّا أَرْبَعَةٌ: الْعَامِلُ وَالْمُؤَلَّفُ وَالْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَالْغَازِي، وَإِنْ فَضَلَ مَعَ الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْغَازِي وَابْنِ السَّبِيلِ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِمْ لَزِمَهُمْ رَدُّهُ، وَالْبَاقُونَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَالْغَازِي مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِغَزْوِهِ) مِنْ سِلَاحٍ وَفَرَسٍ إِنْ كَانَ فَارِسًا وَحُمُولَتِهِ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُهُ لَهُ ولغزوه، وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ نِصَابٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الدَّفْعِ الْحَاجَةُ، (وَلَا يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لِلْحَاجَّةِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا (وَمَنْ كَانَ ذَا عِيَالٍ أَخَذَ مَا يَكْفِيهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ كَالْأَخْذِ لِنَفْسِهِ (وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ الْغِنَى) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا ذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. فَائِدَةٌ: الْمِرَّةُ: الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ، وَالسَّوِيُّ: الْمُسْتَوِي الْخَلْقِ التَّامُّ الْأَعْضَاءِ. (إِلَّا أَرْبَعَةٌ: الْعَامِلُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، (وَالْمُؤَلَّفُ) ؛ لِأَنَّ إِعْطَاءَهُمْ لِمَعْنًى يَعُمُّ نَفْعُهُ كَالْغَازِي، (وَالْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) مَا لَمْ يَكُنْ دَفَعَهَا مِنْ مَالِهِ، (وَالْغَازِي) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، إِلَّا لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ يُقَالُ: جَعَلَ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ صِنْفَيْنِ، وَعَدَّ بَعْدَهُمَا بَقِيَّةَ الْأَصْنَافِ، وَلَمْ يَشْرُطْ فِيهِمُ الْفَقْرَ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ مَعَ الْغِنَى، وَخَالَفَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْغَارِمِ، وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَاقِينَ يُشْتَرَطُ فِيهِمُ الْحَاجَةُ، وَابْنُ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِهِ، فَهُوَ الْآنَ كَالْمَعْدُومِ، (وَإِنْ فَضَلَ مَعَ الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ) حَتَّى وَلَوْ سَقَطَ مَا عَلَيْهِمَا بِبَرَاءَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَالْغَازِي وَابْنِ السَّبِيلِ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِمْ لَزِمَهُمْ رَدُّهُ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ زَالَ، فَيَجِبُ رَدُّ الْعَامِلِ لِزَوَالِ الْحَاجَةِ، فَهَؤُلَاءِ أَخْذُهُمْ مُرَاعًى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَصْرِفُوهُ فِي حَاجَتِهِمْ أَنَّهُ يُسْتَرْجَعُ مِنْهُمْ بِكُلِّيَّتِهِ لِبُطْلَانِ وُجُودِ الِاسْتِحْقَاقِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا، فَلَا يَرُدُّونَ شَيْئًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ يَأْخُذُ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا. وَإِذَا ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ عُرِفَ بِالْغِنَى، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ مُكَاتَبٌ أَوْ غَارِمٌ أَوِ ابْنُ سَبِيلٍ، لَمْ يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ صَدَّقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ، أَوِ الْغَارِمَ غَرِيمُهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْغِنَى قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنْ تَلِفَ فِي أَيْدِيهِمْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِمْ، وَعَنْهُ: لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُمْ، وَتَبْقَى لَهُمْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ وَقْتَ الْأَخْذِ، فَمَلَكُوهَا كَالْبَوَاقِي، قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": إِلَّا فِي عَجْزِ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ لِسَيِّدِهِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي (وَالْبَاقُونَ يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا فَلَا يَرُدُّونَ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا مِلْكًا مُسْتَقِرًّا، وَالْفَرْقُ أَنَّ هَؤُلَاءِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِأَخْذِهِمْ؛ وَهُوَ غِنَى الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ مَثَلًا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، (وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ يَأْخُذُ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا) أَيْ: فَلَا يَرُدُّ مَا فَضَلَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ، فَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ عِنْدَ أَخْذِهَا، فَلَمْ يَجِبْ رَدُّهَا كَمَا لَوِ اسْتَغْنَى الْفَقِيرُ، وَعَنْهُ: يَرُدُّهُ فِي الْمُكَاتَبِينَ، وَقِيلَ: لِلْمُعْطِي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي: وَلَوْ كَانَ دَفَعَهَا إِلَى سَيِّدِهِ اسْتَرْجَعَهُ الْمُعْطِي، وَقِيلَ: لَا، كَمَا لَوْ قَبَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ. [إِذَا ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ عُرِفَ بِالْغِنَى] (وَإِذَا ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ عُرِفَ بِالْغِنَى) لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خَبَرِ قَبِيصَةَ قَالَ: «لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فَلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْغِنَى، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يُقْبَلُ اثْنَانِ لِدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَأَجَابَ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ خَبَرِ قَبِيصَةَ أَنَّهُ فِي حِلِّ الْمَسْأَلَةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ (أَوْ ادَّعَى إِنْسَانٌ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ أَوْ غَارِمٌ أَوِ ابْنُ سَبِيلٍ، لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَفِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ وَجْهٌ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ (وَإِنْ صَدَّقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ أَوِ الْغَارِمَ غَرِيمُهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا يُقْبَلُ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 رَآهُ جَلْدًا، وَذَكَرَ أَنْ لَا كَسْبَ لَهُ، أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ بَعْدِ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ، وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِيَالًا قُبِلَ وَأُعْطِيَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَمَنْ غَرِمَ، أَوْ سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ، لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ، فَإِنْ تَابَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِانْتِقَالِ حَقِّهِ عَنْهُ قُبِلَ، وَالْغَرِيمُ فِي مَعْنَاهُ، وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ لِجَوَازِ تَوَاطُئِهِمَا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ وَهُوَ غَرِيبٌ (وَإِنِ ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْغِنَى قُبِلَ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ السَّابِقَةِ، وَالظَّاهِرُ صِدْقُهُ، وَلَوْ كَانَ مُتَجَمِّلًا. ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَيُخْبِرُهُ بِأَنَّهَا زَكَاةٌ (وَإِنْ رَآهُ جَلْدًا) أَيْ: شَدِيدًا قَوِيًّا (وَذَكَرَ أَنْ لَا كَسْبَ لَهُ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ) وِفَاقًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُحَلِّفْ عَلَى ذَلِكَ (بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ) عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ (أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ «أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَاهُ شَيْئًا، " فَصَعَّدَ فِيهِمَا النَّظَرَ فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيِّ مُكْتَسِبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، لَكِنْ إِذَا تَفَرَّغَ لِلْعِلْمِ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ، لَا إِنْ تَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ. فَإِنْ رَآهُ ظَاهِرَ الْمَسْكَنَةِ أَعْطَاهُ مِنْهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ، قَالَهُ أَحْمَدُ. فَرْعٌ: إِذَا سَأَلَهُ مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا، فَأَعْطَاهُ، قِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الدَّافِعِ فِي كَوْنِهَا فَرْضًا لِسُؤَالِهِ بِقَدْرِ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ لِقَوْلِهِ شَيْئًا أَنِّي فَقِيرٌ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي (وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِيَالًا قُلِّدَ وَأُعْطِيَ) قَالَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُهُ، وَيُسَنُّ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لَا سِيَّمَا عَلَى الْغَرِيبِ، وَكَمَا يُقَلَّدُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِيَالِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ، (وَمَنْ غَرِمَ) أَيْ: فِي مَعْصِيَةٍ كَشِرَاءِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ) كَقَطْعِ طَرِيقٍ (لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ) أَيْ: قَبْلَ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (فَإِنْ تَابَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهَا، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى إِنْسَانٍ وَاحِدٍ، أَجْزَأَهُ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا ثَلَاثَةٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ إِلَّا الْعَامِلُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا،   [المبدع في شرح المقنع] أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُدْفَعُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَفْرِيغَ الذِّمَّةِ مِنَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ، وَالْإِعَانَةَ عَلَيْهِ قُرْبَةٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ مَالُهُ فِي الْمَعْصِيَةِ حَتَّى افْتَقَرَ، فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إِلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ بِشَرْطِهِ، وَعَوْدُ ابْنِ السَّبِيلِ إِلَى بَلَدِهِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ إِقْلَاعًا عَنْهَا، كَالْعَاقِّ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إِلَى أَبَوَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا لِكَوْنِهِ اسْتِدَامَةً لِلْمَعْصِيَةِ، فَلَمْ تُدْفَعْ إِلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَتُبْ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي إِظْهَارِ التَّوْبَةِ لِأَجْلِ قَضَاءِ دَيْنِهِ، ثُمَّ يَعُودُ، وَكَذَا لَوْ سَافَرَ فِي مَكْرُوهٍ أَوْ نُزْهَةٍ. [اسْتِحْبَابُ صَرْفِهَا فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهَا] (وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهَا) أَيِ: الثَّمَانِيَةِ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا إِنْ وُجِدَ حَيْثُ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ، أَوْ فِيمَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ، وَتَحْصِيلًا لِلْإِجْزَاءِ يَقِينًا، (وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى إِنْسَانٍ وَاحِدٍ) مِنَ الْأَصْنَافِ (أَجْزَأَهُ) فِي قَوْلِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] الْآيَةَ، وَلِحَدِيثِ مُعَاذٍ، وَقَوْلِهِ لِقَبِيصَةَ: «أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا» ، وَأَمَرَ «بَنِي زُرَيْقٍ بِدَفْعِ صَدَقَتِهِمْ إِلَى سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ» ، وَلَوْ وَجَبَ الِاسْتِيعَابُ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهَا إِلَى وَاحِدٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إِذَا فَرَّقَهَا السَّاعِي، فَكَذَا الْمَالِكُ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْكَسْرِ؛ وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، وَالْآيَةُ إِنَّمَا سِيقَتْ لِبَيَانِ مَنْ تُصَرَفُ إِلَيْهِ، لَا لِتَعْمِيمِهِمْ، وَكَالْوَصِيَّةِ لِجَمَاعَةٍ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ، وَشَرْطُهُ إِذَا لَمْ يُوَصِّلْهُ إِلَى الْغِنَى، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، فَظَاهِرُهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ، لَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَنَصُّ الْمُؤَلِّفِ عَلَى جَوَازِ الدَّفْعِ إِلَى وَاحِدٍ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ إِلَى الصِّنْفِ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَعَنْهُ: يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَهَا إِلَيْهِمْ بِلَامِ التَّمْلِيكِ، وَشَرَّكَ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهِمْ إِلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَهْلِ الْخُمُسِ، وَعَلَيْهَا: لَا يَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ كَالصِّنْفِ الْوَاحِدِ، وَكَالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ، فَعَلَى هَذِهِ (لَا يُجْزِئُهُ إلا ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) ، لِأَنَّهُمْ أَقَلُّ الْجَمْعِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا إِلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ، وَيُفَرِّقُهَا فِيهِمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ، وَيَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إِلَى مُكَاتَبِهِ وَإِلَى غَرِيمِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَعَلَى هَذَا إِنْ دَفَعَ إِلَى اثْنَيْنِ ضَمِنَ نَصِيبَ الثَّالِثِ، وَهَلْ يَضْمَنُهُ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُسْتَحَبُّ أَوْ بِأَقَلِّ جُزْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُجْزِئُ، فِيهِ وَجْهَانِ، كَالْأُضْحِيَّةِ إِذَا أَكَلَهَا، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ وَاحِدٌ، اخْتَارَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَصَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الِاسْتِغْرَاقُ حُمِلَ عَلَى الْجِنْسِ، كَقَوْلِهِ: لَا تَزَوَّجْتُ النِّسَاءَ (إِلَّا الْعَامِلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا) وِفَاقًا، مَعَ أَنَّهُ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً، وَيَسْقُطُ سَهْمُهُ إِنْ فَرَّقَهَا رَبُّ الْمَالِ بِنَفْسِهِ، فَتَبْقَى سَبْعَةٌ. فَرْعٌ: مَنْ كَانَ فِيهِ سَبَبَانِ أُخِذَ بِهِمَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ كَالْمِيرَاثِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ، وَإِنْ أُعْطِيَ بِهِمَا، وَعُيِّنَ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرٌ، وَإِلَّا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ لَوْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ. (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْمَالِكِ (صَرْفُهَا إِلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَدَقَتُكَ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَإِذَا أَحْضَرَ رَبُّ الْمَالِ إِلَى الْعَامِلِ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِيَدْفَعَ إِلَيْهِمْ زَكَاتَهُ، دَفَعَهَا قَبْلَ خَلْطِهَا بِغَيْرِهَا، وَبَعْدَهُ هُمْ كَغَيْرِهِمْ، وَلَا يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا مَا هُمْ بِهِ أَخَصُّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، (وَيُفَرِّقُهَا فِيهِمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّهَا مُرَاعَاةٌ، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ وَالْأَحْوَجُ، فَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ أَحْوَجَ، أُعْطِيَ الْكُلَّ، وَلَمْ يُحَابَ بِهَا قَرِيبُهُ، وَالْجَارُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَالْقَرِيبُ أَوْلَى مِنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْعَالِمُ وَالدَّيِّنُ يُقَدَّمَانِ عَلَى ضِدِّهِمَا. (وَيَجُوزُ للسيد دَفْعُ زَكَاتِهِ إِلَى مُكَاتَبِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْ حِرْمَانِ أَكْثَرِ مَا بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّ الدَّفْعَ تَمْلِيكٌ؛ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ، فَإِذَا رَدَّهُ إِلَى سَيِّدِهِ بِحَكَمِ الْوَفَاءِ جَازَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى كَافِرٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا فَقِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ، وَلَا إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] كَوَفَاءِ الْغَرِيمِ، وَقَيَّدَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ حِيلَةً. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: لَا تُعْطِ مُكَاتَبًا لَكَ مِنَ الزَّكَاةِ، وَأَنَا أَرَى مِثْلَهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّهِ بِمَالِهِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَالِدِ بِمَالِ الْوَلَدِ، (وَإِلَى غَرِيمِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَارِمِينَ، وَسَوَاءٌ دَفَعَهَا إِلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ لِيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَ الْمُقْرِضِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ: إِنْ كَانَ حِيلَةً فَلَا يُعْجِبُنِي، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَجُوزُ، وَبِهِ جَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ " وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِيلَةِ أَنْ يُعْطِيَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ مِنْ ذِمَّتِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَمْلِيكًا صَحِيحًا؛ وَهُوَ مُنْتَفٍ مَعَ الشَّرْطِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ إِذَا قَصَدَ بِالدَّفْعِ إِحْيَاءَ مَالِهِ وَاسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى نَفْعِهِ. [الْأَصْنَافُ الَّتِي لَا تَأْخُذُ مِنَ الزَّكَاةِ] فَصْلٌ (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى كَافِرٍ) إِجْمَاعًا، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ نَصٌّ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَلَمْ تَجِبْ لِلْكَافِرِ كَالنَّفَقَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ إِذَا كَانَ مُؤَلَّفًا أَوْ عَامِلًا عَلَى رِوَايَةٍ، زَادَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " أَوْ غَارِمًا لِذَاتِ الْبَيْنِ أَوْ غَارِمًا (وَلَا عَبْدٍ) أَيْ: كَامِلِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَى سَيِّدِهِ، فَهُوَ غَنِيٌّ بِغِنَاهُ، وَمَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ سَيِّدُهُ، فَكَأَنَّهُ دُفِعَ إِلَيْهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا كَانَ عَامِلًا، وَظَاهِرُهُ لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ فَقِيرًا، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " فِي الْعَبْدِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَكَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ، وَمَا قَبَضَهُ مِنَ الصَّدَقَاتِ فَنِصْفُهُ يُلَاقِي نِصْفَهُ الْمُكَاتَبَ، وَمَا يُلَاقِي نِصْفَ السَّيِّدِ الْآخَرَ إِنْ كَانَ فَقِيرًا، جَازَ فِي حِصَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ عَلَوْا، وَلَا إِلَى الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا إِلَى الزَّوْجَةِ، وَلَا لِبَنِي هَاشِمٍ، وَلَا مَوَالِيهِمْ، وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَوَصَايَا   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْمَجْدُ: وَمِثْلُهُ إِذَا كَاتَبَ بَعْضَ عَبْدِهِ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا، أُخِذَ بِقَدْرِهِ بِنِسْبَتِهِ مِنْ خَمْسِينَ أَوْ مِنْ كِفَايَتِهِ عَلَى الْخِلَافِ، (وَلَا فَقِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ) لِغِنَاهَا بِذِمَّتِهَا عَلَيْهِ، وَلِوَلَدٍ صَغِيرٍ فَقِيرٍ أَبُوهُ مُوسِرٌ، بَلْ أَوْلَى لِلْمُعَاوَضَةِ، وَثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى غَنِيٍّ بِنَفَقَةٍ لَازِمَةٍ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَأَطْلَقَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهَيْنِ، وَجَوَّزَهُ فِي " الْكَافِي "؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِلنَّفَقَةِ مَشْرُوطٌ بِفَقْرِهِ، فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهَا لَهُ وُجُودُ الْفَقْرِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا تَعَذَّرَتِ النَّفَقَةُ مِنْهُ لِغَيْبَةٍ أَوِ امْتِنَاعٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْأَخْذُ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَنْ غُصِبَ مَالُهُ، أَوْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَةُ عَقَارِهِ (وَلَا إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَإِنْ عَلَوْا، وَلَا إِلَى الْوَلَدِ، وَإِنْ سَفَلَ) لِاتِّصَالِ مَنَافِعِ الْمِلْكِ بَيْنَهُمَا عَادَةً، فَيَكُونُ صَارِفًا لِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ حَتَّى وَلَدِ الْبِنْتِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَ فِي " الشَّرْحِ " مَا يَقْتَضِي اقْتِصَارَهُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَأَطْلَقَ فِي " الْوَاضِحِ " فِي جَدٍّ وَابْنِ ابْنٍ مَحْجُوبَيْنِ وَجْهَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْطِي عَمُودَيْ نَسَبِهِ لَغُرْمٍ لِنَفْسِهِ، أَوْ كِتَابَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَ جَدُّهُ فِي ابْنِ سَبِيلٍ كَذَلِكَ، وَسَبَقَ كَوْنُهُ عَامِلًا، (وَلَا إِلَى الزَّوْجَةِ) إِجْمَاعًا، لِأَنَّهَا مُسْتَغْنِيَةٌ بِنَفَقَتِهَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَقِيلَ: بَلْ مُطْلَقًا، وَلَا لَبَنِي هَاشِمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِقَوْلِهِ: «إِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَلَهُ - أَيْضًا - مَرْفُوعًا: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» "، وَسَوَاءٌ أُعْطُوا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ أَوْ لَا؛ لِعُمُومِ النُّصُوصِ؛ وَلِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مَنْعَهُمْ لِشَرَفِهِمْ؛ وَهُوَ بَاقٍ، وَقِيلَ: يَجُوزُ إِنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَالْآجُرِّيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَمْ يَكُونُوا غُزَاةً أَوْ مُؤَلَّفَةً أَوْ غَارِمِينَ لِذَاتِ الْبَيْنِ، وَسَبَقَ كَوْنُهُ عَامِلًا. أَصْلٌ: بَنُو هَاشِمٍ مَنْ كَانَ مِنْ سُلَالَتِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ فِي " الرِّعَايَةِ " بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ: هُمْ آلُ عَبَّاسٍ، وَآلُ عَلِيٍّ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، (وَلَا مَوَالِيهِمْ) جَمْعُ مَوْلًى؛ وَهُوَ مَنْ أَعْتَقَهُ هَاشِمِيٌّ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوعًا: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ؛ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فِي الْإِرْثِ، وَالْعَقْلِ، وَالنَّفَقَةِ، فَغَلَبَ الْحَظْرُ، وَأَوْمَأَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ إِلَى الْجَوَازِ، وَحَكَاهُ فِي " الشَّرْحِ " عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَكَمَوَالِي مَوَالِيهِمْ. 1 - فَرْعٌ: لَا تَحْرُمُ الزَّكَاةُ عَلَى أَزْوَاجِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْأَصْحَابِ كَمَوَالِيهِنَّ لِلْأَخْبَارِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ بِسُفْرَةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ فَرَدَّتْهَا، وَقَالَتْ: إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِنَّ، وَلَمْ يَذْكُرَا مَا يُخَالِفُهُ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ الصَّدَقَةُ، وَأَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَرَدَّهُ الْجَدُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِقَوْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 الْفُقَرَاءِ وَالنَّذْرِ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، وَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى سَائِرِ مَنْ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ إِلَى الزَّوْجِ أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» وَلِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ إِلَيْهِمْ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الِاسْتِحْبَابُ إِجْمَاعًا، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ ابْنِ حَمْدَانَ. قُلْتُ: يُسْتَحَبُّ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لِمَا اخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِهِ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْهُ: لَا لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، لِأَنَّ الطَّلَبَ كَانَ لَهَا، فَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ، (وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَالنَّذْرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الزَّكَاةِ وَالطُّهْرَةِ، وَالْوُجُوبُ فِي الْآدَمِيِّ، أَشْبَهَ الْهِبَةَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ نَقْلِ الْمَيْمُونِيِّ الْمَنْعُ، وَجَزَمَ فِي " الرَّوْضَةِ " بِتَحْرِيمِ النَّفْلِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ، (وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ) الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ، وَالثَّانِي: بَلَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَوْسَاخُ النَّاسِ، أَشْبَهَتْ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ. 1 - تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَنْ حَرُمَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ، جَازَ دَفْعُ التَّطَوُّعِ لَهُ، وَلَهُ أَخْذُهَا حَتَّى كَافِرٍ وَغَنِيٍّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْرُمِ التَّطَوُّعُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِمْ، فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَهَا كَانَ مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ لِبُخْلٍ بِهِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي كَاصْطِنَاعِ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ إِلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (وَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى سَائِرِ مَنْ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ إِلَى الزَّوْجِ أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ. الْأُولَى: ظَاهِرُ " الْمَذْهَبِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى غَيْرِ عَمُودَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] نَسَبِهِ مِمَّنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، كَالْأُخْتِ أَوِ الْأَخِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ؛ ولِأَنَّهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ لَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَكَمَا لَوْ تَعَذَّرَتِ النَّفَقَةُ، وَحُكْمُ الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ كَذَلِكَ، وَإِذَا قبلَ زَكَاةٌ، دَفَعَهَا إِلَيْهِ قَرِيبُهُ وَلَا نَفَقَةَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، وَطَالَبَ بِنَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ أُجْبِرَ، وَلَا يُجْزِئْهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ جَعْلُهَا زَكَاةً. وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَالْقَاضِي، وَذَكَرَ أَنَّها الْأَشْهَرُ لِغِنَاهُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ؛ وَلِأَنَّ نَفْعَهَا يَعُودُ إِلَى الدَّافِعِ؛ لِكَوْنِهِ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عَنْهُ كَعَبْدِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَرِيبَ إِذَا لَمْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ بِلَا رَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، فَلَوْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، كَعَمَّةٍ وَابْنِ أَخِيهَا، وَعَتِيقٍ وَمُعْتِقِهِ، وَأَخَوَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ، فَالْوَارِثُ مِنْهُمَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ الْخِلَافُ، وَعَكْسُهُ الْآخَرُ، فَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُدْفَعُ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ وَرِثُوا لِضَعْفِ قَرَابَتِهِمْ، وَفِي الْإِرْثِ بِالرَّدِّ الْخِلَافُ، وَعَلَى الْمَنْعِ يُعْطَى قَرِيبُهُ لِعُمَالَةٍ وَتَأْلِيفٍ، وَغَزْوٍ وَغُرْمٍ لِذَاتِ الْبَيْنِ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: لَوْ تَبَرَّعَ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ يَتِيمٍ، وَضَمَّهُ إِلَى عِيَالِهِ، جَازَ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ، وَاخْتَارَهُ فِي " التَّنْبِيهِ " وَ " الْإِرْشَادِ ": لَا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ يُذَمُّ عَلَى تَرْكِهِ، فَيَكُونُ قَدْ وَقَى بِهَا مَالَهُ وَعِرْضَهُ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا فِي غَيْرِ مُؤْنَتِهِ الَّتِي عَوَّدَهُ إِيَّاهَا تَبَرُّعًا، جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى الزَّوْجِ فِي رِوَايَةٍ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " «لِحَدِيثِ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُجْزِئُ عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي؟ فَقَالَ: " لَهَا أَجْرَانِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالثَّانِيَةُ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمَجْدُ وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ قِيَاسًا لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّ النَّفْعَ يَعُودُ إِلَيْهَا لِتَمَكُّنِهَا مِنْ أَخْذِ نَفَقَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، ثُمَّ عَلِمَ لَمْ يُجْزِئْهُ إِلَّا لِغَنِيٍّ ظَنَّهُ فَقِيرًا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ..   [المبدع في شرح المقنع] الْمُوسِرِينَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ أَصْلِ النَّفَقَةِ مَعَ الْعَجْزِ الْكُلِّيِّ، وَحَدِيثُ زَيْنَبَ تَأَوَّلَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسِيسٍ عَلَى غَيْرِ الزَّكَاةِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ جَمَاعَةٌ شَيْئًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي الزَّوْجَيْنِ لَغُرْمٍ لِنَفْسِهِ وَكِتَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ عَنْهُ نَفَقَةَ وَاجِبٍ كَعَمُودَيْ نَسَبِهِ. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا " الْخِرَقِيُّ "، وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمْ، لِعُمُومِ آيَةِ الصَّدَقَاتِ، خَرَجَ مِنْهُ بَنُو هَاشِمٍ بِالنَّصِّ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُمْ عَلَى الْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ فِي دَرَجَةِ بَنِي أُمَيَّةَ؛ وَهُوَ لَا يَحْرُمُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِمْ فَكَذَا هُمْ، وَأَقْرَبُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ بَنُو هَاشِمٍ، وَمُشَارَكَةُ بَنِي الْمُطَّلِبِ لَهُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا اسْتَحَقُّوهُ بِمُجَرَّدِ الْقَرَابَةِ بَلْ بِالنُّصْرَةِ، أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا، بِدَلِيلِ مَنْعِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ مَعَ مُسَاوَاتِهِمْ لَهُمْ فِي الْقَرَابَةِ، وَالثَّانِيَةُ: نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْمُنَجَّا: الْمَنْعُ، لِمَا رَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «بَنُو الْمُطَّلِبِ، وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، فَمُنِعُوا كَبَنِي هَاشِمٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُنِعُوا مِنَ الْخُمُسِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَأَتَّى الْخِلَافُ هُنَا، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِمَوَالِيهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: لَا تُعْرَفُ فِيهِ رِوَايَةٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنَّ حُكْمَهُمْ كَمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ، وَجَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ " بِالْمَنْعِ، وَسُئِلَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْ مَوْلَى قُرَيْشٍ: يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ؛ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ مَوْلَى مَوْلًى؟ قَالَ: هَذَا أَبْعَدُ فَيُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ. (وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا) كَبَنِي هَاشِمٍ وَالْعَبِيدِ (وَهُوَ لَا يَعْلَمُ) أَيْ: جَاهِلًا بِحَالِهِ (ثُمَّ عَلِمَ لَمْ يُجْزِئْهُ) رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِي " الْفُرُوعِ " فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 .. .... .... .... ..   [المبدع في شرح المقنع] الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ، وَلَا يَخْفَى حَالُهُ غَالِبًا فَلَمْ يُعْذَرْ بِجَهَالَتِهِ، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ فِي الْكُفْرِ لِتَقْصِيرِهِ لِظُهُورِهِ غَالِبًا، فَعَلَى ذَلِكَ يُسْتَرَدُّ بِزِيَادَتِهِ مُطْلَقًا، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَشَمَلَ مَا لَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ قَرِيبًا، قَالَهُ أَصْحَابُنَا، وَأَطْلَقَ فِيهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، وَفِي مَسْأَلَةِ الْغَنِيِّ رِوَايَتَيْنِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ: يُجْزِئُهُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا صَرَفَهَا وَكِيلُ الْمَالِكِ إِلَيْهِ وَهُوَ فَقِيرٌ، فَلَمْ يَعْلَمَا، لَا تُجْزِئُ لِعَدَمِ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ، (إِلَّا لِغَنِيٍّ إِذَا ظَنَّهُ فَقِيرًا) فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِلْمَشَقَّةِ، لِخَفَاءِ ذَلِكَ عَادَةً، فَلَا يَمْلِكُهَا الْآخِذُ. وَالثَّانِيَةُ وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ بَانَ كَافِرًا، وَلِحَقِّ الْآدَمِيِّ، فَيَرْجِعُ عَلَى الْغَنِيِّ بِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا إِنْ تَلِفَتْ يَوْمَ تَلَفِهَا إِذَا عَلِمَ أَنَّهَا زَكَاةٌ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَنْ مَلَكَ الرُّجُوعَ فَمَاتَ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: أَنَّهُ إِذَا دَفَعَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ إِلَى فَقِيرٍ فَبَانَ غَنِيًّا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الزَّكَاةِ إِبْرَاءُ الذِّمَّةِ، وَلَمْ تَحْصُلْ، فَمَلَكَ الرُّجُوعَ، وَفِي التَّطَوُّعِ الثَّوَابُ، وَلَمْ يَفُتْ. فَرْعٌ: إِذَا دَفَعَ الْإِمَامُ أَوِ السَّاعِي الزَّكَاةَ إِلَى مَنْ ظَنَّهُ أَهْلًا فَبَانَ غَيْرَهُ، فَرِوَايَاتٌ، ثَالِثُهَا: لَا يَضْمَنُ إِذَا بَانَ غَنِيًّا، وَيَضْمَنُ غَيْرُهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَشْهَرُ، وَجَزَمَ الْمَجْدُ: لَا يَضْمَنُ مَعَ الْغِنَى، وَفِي غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ تَمْلِيكُ الْمُعْطَى، لَكِنْ لِلْإِمَامِ قَضَاءُ دَيْنِ مَدْيُونٍ حَيٍّ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهَا سَوَاءٌ، وَالصَّغِيرُ كَالْكَبِيرِ، وَعَنْهُ: إِنْ أَكَلَ الطَّعَامَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُصْرَفُ ذَلِكَ فِي أُجْرَةِ رِضَاعِهِ وَكُسْوَتِهِ، وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيَقْبَلُ وَيَقْبِضُ لَهُ مَنْ يَلِي مَالَهُ، وَكَذَا الْهِبَةُ وَالْكَفَّارَةُ. قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: قَالَ سُفْيَانُ: لَا يَقْبِضُ لِلصَّبِيِّ إِلَّا الْأَبُ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ قَاضٍ، قَالَ أَحْمَدُ: جَيِّدٌ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ احْتِمَالًا أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْضُ مَنْ يَلِيهِ مِنْ أُمٍّ أَوْ قَرِيبٍ، وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ عَنِ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْوِلَايَةِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 فَصْلٌ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهِيَ أَفْضَلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَوْقَاتِ الْحَاجَةِ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ. وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] [صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ] فَصْلٌ (وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ مُسْتَحَبَّةٌ) فِي كُلِّ وَقْتٍ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِهَا، وَحَثَّ عَلَيْهَا، وَرَغَّبَ فِيهَا فَقَالَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كسب طَيِّبٍ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ إِلَّا طِيِّبٌ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَفْضَلُهَا أَنْ تَكُونَ سِرًّا بِطِيبِ نَفْسٍ فِي الصِّحَّةِ، لِلْأَخْبَارِ؛ (وَهِيَ أَفْضَلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: صَدَقَةُ رَمَضَانَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَرَّبَهُ، وَلِمُضَاعَفَةِ الْحَسَنَاتِ، وَفِيهِ إِعَانَةٌ عَلَى أَدَاءِ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ، وَكَذَا كُلُّ زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ فَاضِلٍ كَالْعَشْرِ، وَالْحَرَمَيْنِ، (وَأَوْقَاتِ الْحَاجَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] الْآيَةَ، وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَنْ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا جَائِعًا أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَأٍ، سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَيَبْدَأُ بِمَنْ هُوَ أَشَدُّ حَاجَةً، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ، لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَاوَتِهِ؛ لِقَوْلِهِ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْجَارُ مِثْلُهُ؛ وَهِيَ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ مِنَ الْعِتْقِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَالْعِتْقُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجَانِبِ إِلَّا زَمَنَ الْغَلَاءِ وَالْحَاجَةِ، نَقَلَهُ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَاخْتُلِفَ هَلْ حَجُّ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ مَعَ الْحَاجَةِ أَمْ مَعَهَا عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتَهُ أَثِمَ، وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ، وَالصَّبْرَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْقَرِيبِ أَمْ عَلَى القَرِيبِ مُطْلَقًا؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ أَرْبَعٌ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ أَحْمَدَ. 1 - (وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ، وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ، وَحَاجَةِ عِيَالِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَطِيبُ بِهِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَطْلَقَ الْمُؤَلَّفُ الْكِفَايَةَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ دَائِمًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ بِمَتْجَرٍ أَوْ غَلَّةِ مِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ صَنْعَةٍ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْأَخِيرَيْنِ، (وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتَهُ أَثِمَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَإِثْمُهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا إِنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَرِيمِهِ أَوْ بِكَفَالَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ إِنْ لَمْ يَضُرَّ، فَالْأَصْلُ الِاسْتِحْبَابُ، وَجَزَمَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّصَدُّقُ قَبْلَ الْوَفَاءِ وَالْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ. 1 - (وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ) وَكَانَ مُنْفَرِدًا (وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ) وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الثِّقَةِ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ، وَالْيَأْسِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، (وَالصَّبْرَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ ذَلِكَ) وَحَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِجَمِيعِ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ» فَقَالَ: اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَكَانَ هَذَا فضيلة فِي حَقِّ الصِّدِّيقِ لِقُوَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ، وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ أَنْ يُنْقِصَ نَفْسَهُ عَنِ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ.   [المبدع في شرح المقنع] يَقِينِهِ، وَكَمَالِ إِيمَانِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَابَ، وَعَنْ عُمَرَ: رَدُّ جَمِيعِ صَدَقَتِهِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الشَّامِ يَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ، وَعَنْ مَكْحُولٍ: فِي النِّصْفِ (وَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى جَابِرٌ مَرْفُوعًا قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ يُكْرَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَائِلَةٌ، وَلَهُمْ كِفَايَةٌ، أَوْ يَكْفِيهِمْ بِكَسْبِهِ، جَازَ لِقِصَّةِ الصِّدِّيقِ، (وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ) وَلَا عَادَةَ لَهُ بِهِ (أَنْ يُنْقِصَ نَفْسَهُ عَنِ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّقْتِيرَ وَالتَّضْيِيقَ مَعَ الْقُدْرَةِ شُحٌّ وَبُخْلٌ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَتَعَوَّذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ، وَفِيهِ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَقْتَرِضُ وَلَا يَتَصَدَّقُ، لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي فَقِيرٍ لِقَرِيبِهِ وَلِيمَةٌ، يَسْتَقْرِضُ وَيُهْدِي لَهُ؛ وَهُوَ مَحْمُولٌ إِذَا ظَنَّ وَفَاءً. مَسْأَلَةٌ: يَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا؛ وَهُوَ كَبِيرَةٌ. نَصُّ أَحْمَدَ فِيهَا، وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ، وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ خِلَافٌ، وَفِيه بُطْلَانِ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِحْبَاطَ لِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ، وَإِذَا أَخْرَجَ شَيْئًا يَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ وُكِّلَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، اسْتُحِبَّ أَنْ يُمْضِيَهُ وَلَا يَجِبُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ حَبِيسٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَخْرَجَ طَعَامًا لِسَائِلٍ فَلَمْ يَجِدْهُ، عَزَلَهُ حَتَّى يَجِيءَ آخَرُ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ، وَمَنْ سَأَلَ فَأُعْطِيَ فَسَخِطَهُ، لَمْ يُعْطَ لِغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 كِتَابُ الصِّيَامِ يَجِبُ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنْ لَمْ يُرَ مَعَ الصَّحْوِ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الصِّيَامِ] [تَعْرِيفُ الصوم وَحُكْمُهُ] ِ. هُوَ وَالصَّوْمُ مَصْدَرَا صَامَ. وَفِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِمْسَاكِ وَمِنْهُ {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: خَيْلٌ صِيَامٌ وخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا لِإِمْسَاكِهَا عَنِ الصَّهِيلِ فِي مَوْضِعِهِ، وَيُقَالُ: صَامَتِ الرِّيحُ: إِذَا أَمْسَكَتْ عَنِ الْهُبُوبِ. وَفِي الشَّرْعِ: إِمْسَاكٌ جَمِيعَ النَّهَارِ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ مِنْ إِنْسَانٍ مَخْصُوصٍ مَعَ النِّيَّةِ. (يَجِبُ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] إِلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» فَذَكَرَ مِنْهَا صَوْمَ رَمَضَانَ. وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِهِ، وَفُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَصَامَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تِسْعًا، وَالْمُسْتَحَبُّ قَوْلُ: شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَا صُرِّحَ بِهِ تَبَعًا لِلنَّصِّ، وَلَا يُكْرَهُ بِإِسْقَاطِ شَهْرٍ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يُكْرَهُ إِلَّا مَعَ قَرْنِهِ الشَّهْرَ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا يُكْرَهُ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ ": لَا يَجُوزُ، لِخَبَرٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ صَامُوا وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَجَبَ صِيَامُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ وَعَنْهُ: النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ صَامَ صَامُوا   [المبدع في شرح المقنع] وَقَدْ ضُعِّفَ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ مَوْضُوعٌ. وَسُمِّيَ رَمَضَانَ لِحَرِّ جَوْفِ الصَّائِمِ فِيهِ وَرَمْضِهِ، وَالرَّمْضَاءُ: شِدَّةُ الْحَرِّ، وَقِيلَ: لَمَّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عَنِ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ، فَوَافَقَ شِدَّةَ الْحَرِّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَحْرِقُ الذُّنُوبَ، وَقِيلَ: مَوْضُوعٌ لِغَيْرِ مَعْنًى، كَبَقِيَّةِ الشُّهُورِ، وَقِيلَ: فِيهَا مَعَانٍ أَيْضًا (بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» (فَإِنْ لَمْ يُرَ مَعَ الصَّحْوِ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامُوا) بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَصَلَّوُا التَّرَاوِيحَ كَمَا لَوْ رَأَوْهُ. وَيُسْتَحَبُّ تَرَاءِي الْهِلَالِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، وَحِذَارًا مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَفَّظُ فِي شَعْبَانَ مَا لَا يَتَحَفَّظُ فِي غَيْرِهِ، ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. (وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ) أَيْ مَطْلَعِهِ (غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَجَبَ صِيَامُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا، وَنُصُوصُ أَحْمَدَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتَيْ أَبِي بَكْرٍ , وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ التَّابِعِينَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى فَاقْدُرُوا لَهُ: أَيْ ضَيِّقُوا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أَيْ ضُيِّقَ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ شَعْبَانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: اقْدُرُوا زَمَانًا يطلع فِي مِثْلِهِ الْهِلَالُ، وَهَذَا الزَّمَانُ يَصِحُّ وُجُودُهُ فِيهِ، أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: فَاعْلَمُوا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَنَّهُ تَحْتَ الْغَيْمِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} [النمل: 57] أَيْ: عَلِمْنَاهَا. مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا: إِنَّ الشَّهْرَ أَصْلُهُ تِسْعٌ، وَعِشْرُونَ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ، وَعِشْرُونَ يَوْمًا بَعَثَ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ فَإِنْ رَآهُ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ، وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ، أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَاوِي الْخَبَرِ وَأَعْلَمُ بِمَعْنَاهُ، فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، كَمَا رُجِعَ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ خِيَارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْمُتَبَايِعَيْنِ يُؤَكِّدُهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ: «لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ» ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ، وَيَجِبُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَعَلَى هَذَا يَصُومُهُ حُكْمًا ظَنِّيًّا بِوُجُوبِهِ احْتِيَاطًا، وَيُجْزِئُهُ إِذَا بَانَ مِنْهُ قِيلَ لِلْقَاضِي: لَا يَصِحُّ إِلَّا بِنِيَّةٍ وَمَعَ الشَّكِّ فِيهَا لَا يُجْزَمُ بِهَا؛ فَقَالَ لَا يَمْنَعُ التَّرَدُّدُ فِيهَا لِلْحَاجَةِ كَالْأَسِيرِ، وَصَلَاةِ مَنْ خَمَّسَ. وَفِي الِانْتِصَارِ يُجْزِئُهُ إِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ نِيَّةَ التَّعْيِينِ، وَإِلَّا فَلَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُصَلَّى التَّرَاوِيحُ لَيْلَتِئِذٍ، وَاخْتَارَهُ التَّمِيمِيُّونَ اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ عَكْسَهُ قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ الْقِيَامُ قَبْلَ الصِّيَامِ، وَعَنْهُ: يَنْوِيهِ حُكْمًا جَازِمًا بِوُجُوبِهِ، وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " فَعَلَيْهِ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ إِذَنْ، وَلَا تَثْبُتُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ حُلُولِ الْآجَالِ، وَوُقُوعِ الْمُعَلَّقَاتِ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا يَثْبُتُ كَمَا يَثْبُتُ الصَّوْمُ، وَتَوَابِعُهُ مِنَ النِّيَّةِ، وَتَعْيِينِهَا وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِيهِ، وَنَحْوُهُ ذَلِكَ. (وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ) صَوْمُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ، أَوْ إِكْمَالِ شَعْبَانَ، اخْتَارَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عَنْهُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَلِأَنَّهُ يَوْمُ شَكٍّ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ صَوْمِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّهْرِ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، وَقَدْ خَالَفَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ) وَرِوَايَتُهُ أَوْلَى لِإِمَامَتِهِ، وَاشْتِهَارِ ثِقَتِهِ، وَعَدَالَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِرَأْيِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: ذِكْرُ شَعْبَانَ فِيهِ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ أَبِي إِيَاسٍ، وَلَيْسَ هُوَ بِيَوْمِ شَكٍّ كَمَا يَأْتِي. (وَعَنْهُ: النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فَإِنْ صَامَ صَامُوا) وَإِنْ فطَرَ أَفْطَرُوا وُجُوبًا، وَهُوَ قَوْلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 وَإِذَا رُئِيَ الْهِلَالُ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ وَإِنْ رَأَى الْهِلَالَ   [المبدع في شرح المقنع] الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَعْنَاهُ: أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعِظَمِ النَّاسِ وَاجِبٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ السُّلْطَانُ فِي هَذَا أَحْوَطُ، وَأَنْظَرُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَشَدُّ تَفَقُّدًا، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ فَيَتَحَرَّى فِي كَثْرَةِ كَمَالِ الشُّهُورِ قَبْلَهُ وَنَقْصِهَا، وَاخْتَارَهُ بِمَنْ لَا يُكْتَفي بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْقَرَائِنِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَعْمَلُ بِعَادَةٍ غَالِبَةٍ لِمُضِيِّ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ وَالثَّالِثُ نَاقِصٌ، وَهُوَ مَعْنَى التَّقْدِيرِ وَعَنْهُ: صَوْمُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَةَ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ شَكٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقِيلَ يُكْرَهُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ صَوْمُهُ وَجَبَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِالرُّؤْيَةِ وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهَا. فَرْعٌ: إِذَا نَوَاهُ احْتِيَاطًا بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ فَبَانَ، مِنْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي رِوَايَةٍ، وَعَنْهُ بَلَى، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ، وَلَوِ اعْتُبِرَتْ نِيَّةُ التَّعْيِينِ. وَلَا يُحْكَمُ بِطُلُوعِ الْهِلَالِ بِنُجُومٍ أَوْ حِسَابٍ، وَلَوْ كَثُرَتْ إِصَابَتُهُمَا. (وَإِذَا رُئِيَ الْهِلَالُ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو وَائِلٍ قَالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ أَنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ نَهَارًا، فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تُمْسُوا، أَوْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ عَشِيَّةً، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَعَلَى هَذَا لَا يَجِبُ بِهِ صَوْمٌ وَلَا يُبَاحُ بِهِ فِطْرٌ، وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا مُمْكِنَةٌ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ فِي الْجَوِّ يَقِلُّ بِهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ أَوْ يَكُونُ قَوِيَّ النَّظَرِ، وَعَنْهُ: بَعْدَ الزَّوَالِ لِلْمُقْبِلَةِ، وَقَبْلَهُ لِلْمَاضِيَةِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِلْقُرْبِ مِنْ كُلِّ، وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَعَنْهُ: بَعْدَ الزَّوَالِ آخِرُ الشَّهْرِ لِلْمُقْبِلَةِ احْتِيَاطًا، وَعَنْهُ: آخِرُ الشَّهْرِ لِلْمُقْبِلَةِ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: يُقَالُ من الصباح إِلَى الزَّوَالِ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ، وَبَعْدَهُ يُقَالُ: رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ. قَالَهُ ثَعْلَبٌ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ، وَمَنْعُ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَا وَجْهَ لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 أَهْلُ بَلَدٍ، لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمُ الصَّوْمُ وَيُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ قَوْلُ عَدْلٍ، وَلَا يُقْبَلُ   [المبدع في شرح المقنع] [إِذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمُ الصَّوْمُ] (وَإِنْ رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ، لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمُ الصَّوْمُ) لِلْعُمُومِ، وَلِأَنَّ الشَّهْرَ فِي الْحَقِيقَةِ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، فَكَذَا الصَّوْمُ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قُرْبِ الْمَكَانِ أَوْ بُعْدِهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ وَلَوِ اخْتَلَفَتِ الْمَطَالِعُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ الزَّوَالُ فِي الدُّنْيَا وَاحِدٌ، وَاخْتَارَ فِي " الرِّعَايَةِ " الْبُعْدُ مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَلَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ، «وَعَنْ كُرَيْبٍ قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ هِلَالُ رَمَضَانَ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى يُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ أَلَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؛ فَقَالَ لَا. هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ بِقَوْلِ كُرَيْبٍ وَخَبَرِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وُجُوبُ قَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِطْرِ إِنَّمَا هُوَ إِذَا صِيمَ بِشَهَادَتِهِ لِيَكُونَ فِطْرُهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى صَوْمِهِمْ بِشَهَادَتِهِ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لَوْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَبَعُدَ وَتَمَّ شَهْرُهُ وَلَمْ يَرَوُا الْهِلَالَ، صَامَ مَعَهُمْ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُفْطِرُ خِفْيَةً، قَالَهُ الْمَجْدُ. وَإِنْ شَهِدَ بِهِ، وَقبلَ قَوْلُهُ، أَفْطَرُوا مَعَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ سَافَرَ إِلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ، وَبَعْدُ، أَفْطَرَ مَعَهُمْ، وَقَضَى يَوْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُفْطِرْ عَلَى الثَّانِي. [يَثْبُتُ هِلَالُ رَمَضَانَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ] (وَيُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَوَّمَ النَّاسَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلِقَبُولِهِ خَبَرَ الْأَعْرَابِيِّ بِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ، وَهُوَ أَحْوَطُ، وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ، بِخِلَافِ آخِرِ الشَّهْرِ، وَلِاخْتِلَافِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 فِي سَائِرِ الشُّهُورِ إِلَّا عَدْلَانِ، وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَمْ يَرَوُا الْهِلَالَ، أَفْطَرُوا، وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ   [المبدع في شرح المقنع] حَالِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ، وَلِهَذَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، وَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ، وَلَا بَيْنَ الْمِصْرِ وَخَارِجِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ أَوْ رَآهُ فِيهِ لَا فِي جَمَاعَةٍ قُبِلَ وَاحِدٌ. وَشَذَّ فِي " الرِّعَايَةِ " فَقَالَ: وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ حَتَّى مَعَ غَيْمٍ أَوْ قَتَرٍ. وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ عَدْلَانِ كَبَقِيَّةِ الشُّهُورِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ هُوَ خَبَرٌ، فَتُقْبَلُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِحَاكِمٍ، فَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ عَدْلٍ. زَادَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ رَدَّ الْحَاكِمُ قَوْلَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ: بَلَى، فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ. وَفِي الْمَسْتُورِ وَالْمُمَيِّزِ الْخِلَافُ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لَا يُقْبَلُ صَبِيٌّ، وَإِذَا ثَبَتَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، ثَبَتَتْ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ. (وَلَا يُقْبَلُ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ إِلَّا عَدْلَانِ) حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ إِجْمَاعًا، أَيْ: رَجُلَانِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُجِيزُ عَلَى شَهَادَةِ الْإِفْطَارِ إِلَّا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ» ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، وَلَا احْتِيَاطَ فِيهِ، أَشْبَهَ الْحُدُودَ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ فِيهِ وَاحِدٌ كَأَبِي ثَوْرٍ، وَكَأَوَّلِهِ، وَقَيَّدَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " بِوَضْعٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ وَظَاهِرُهُ لَا يُقْبَلُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَلَا النِّسَاءُ الْمُفْرَدَاتُ، لِأَنَّهُ مَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّوَاتُرُ فِي الْعِيدَيْنِ مَعَ الْغَيْمِ (وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَمْ يَرَوُا الْهِلَالَ أَفْطَرُوا) وَجْهًا وَاحِدًا، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقِيلَ: لَا مَعَ صَحْوٍ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، لِأَنَّ عَدَمَ الْهِلَالِ يَقِينٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الظَّنِّ وَهِيَ الشَّهَادَةُ، (وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَقِيلَ: هُمَا رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: لَا يُفْطِرُ قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِأَنَّهُ فِطْرٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى وَاحِدٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِشَوَّالٍ، وَالثَّانِي وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ لِثُبُوتِهِ تَبَعًا، كَالنَّسَبِ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَيَثْبُتُ بِهَا الْوِلَادَةُ، وَقِيلَ: لَا فِطْرَ مَعَ الْغَيْمِ، (وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ الْغَيْمِ، لَمْ يُفْطِرُوا) وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، لِأَنَّ الصَّوْمَ إِنَّمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 الْغَيْمِ لَمْ يُفْطِرُوا وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] كَانَ احْتِيَاطًا، فَمَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ - وَهُوَ بَقَاءُ رَمَضَانَ - أَوْلَى، وَقِيلَ: بَلَى، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ " إِنْ صَامُوا جَزْمًا مَعَ الْغَيْمِ، أَفْطَرُوا، وَإِلَّا فَلَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ، فَقَدْ يَصُومُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا حَيْثُ نَقَصْنَا رَجَبًا وَشَعْبَانَ وَكَانَا كَامِلَيْنِ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ إِنْ غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ، وَأَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَا نَاقِصَيْنِ، وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. فَرْعٌ إِذَا صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ قَضَوْا يَوْمًا فَقَطْ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَلِبُعْدِ الْغَلَطِ بِيَوْمَيْنِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ) لِمَانِعٍ (لَزِمَهُ الصَّوْمُ) وَحُكْمُهُ لِلْعُمُومِ، وَكَعِلْمِ فَاسِقٍ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ، أَوْ دَيْنٍ عَلَى مَوْرُوثِهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَزِمَهُ صَوْمُهُ كَمَا تَلْزَمُ الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ، أَشْبَهَ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ، وَكَذَا قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: هَلْ يُفْطِرُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صِيَامِ النَّاسِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا وُقُوعُ طَلَاقِهِ، وَحَلُّ دَيْنِهِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِهِ (وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَقَالَهُ عُمَرُ وَعَائِشَةُ، وَلِاحْتِمَالِ خَطَئِهِ وَتُهْمَتِهِ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ، وَكَمَا لَا يُعْرَفُ، وَلَا يُضَحِّي وَحْدَهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ: وَالنِّزَاعُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْهِلَالَ هَلْ هُوَ اسْمٌ لِمَا يطلع فِي السَّمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ، وَلَمْ يَظْهَرْ أَوْ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى هِلَالًا إِلَّا بِالظُّهُورِ، وَالِاشْتِهَارِ، فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ يَتَخَرَّجُ أَنْ يُفْطِرَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ أَنْ يُفْطِرَ سِرًّا، لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُهُ يَوْمَ الْعِيدِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا رَآهُ عَدْلَانِ، وَلَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ شَهِدَ أَفْرَدَهُمَا لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِذَا اشْتَبَهَتِ الْأَشْهُرُ عَلَى الْأَسِيرِ، تَحَرَّى وَصَامَ، فَإِنْ وَافَقَ الشَّهْرَ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ. وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ إِلَّا عَلَى الْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، الْقَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا صَبِيٍّ، لَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إِذَا أَطَاقَهُ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ لِيَعْتَادَهُ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ   [المبدع في شرح المقنع] يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا، وَلَا لِمَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا الْفِطْرُ بِقَوْلِهِمَا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ رَدَّهُمَا لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَوَقُّفٌ لِعَدَمِ عِلْمِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " الْجَوَازُ، لِقَوْلِهِ: «فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. (وَإِذَا اشْتَبَهَتِ الْأَشْهُرُ عَلَى الْأَسِيرِ) وَالْمَطْمُورِ وَمَنْ بِمَغَارَةٍ، وَنَحْوِهِمْ (تَحَرَّى) وَهُوَ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ تَأْدِيَةُ فَرْضِهِ بِالِاجْتِهَادِ، فَلَزِمَهُ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ (وَصَامَ فَإِنْ وَافَقَ الشَّهْرَ أَوْ بَعْدَهُ، أَجْزَأَهُ) كَالصَّلَاةِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ الْحَالُ لِتَأْدِيَةِ فَرْضِهِ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يَضُرُّ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ فَلَوْ وَافَقَ رَمَضَانَ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ، فَقَالَ الْمَجْدُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِنِ اعْتَبَرْنَا نِيَّةَ التَّعْيِينِ، وَإِلَّا وَقَعَ عَنِ الثَّانِي، وَقَضَى الْأَوَّلَ. وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَا صَامَهُ بِقَدْرِ أَيَّامِ شَهْرِهِ الَّذِي فَاتَهُ، سَوَاءٌ وَافَقَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ أَوْ لَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". وَظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ " أَنَّهُ مَتَى وَافَقَ شَهْرًا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا وَرَمَضَانُ تَامًّا. قَالَهُ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَأَوْرَدَهُ الْمَجْدُ مَذْهَبًا كَالنَّذْرِ، وَفَرَّقَ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّ النَّذْرَ مُطْلَقٌ، فَيُحْمَلُ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ وَالْقَضَاءُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِعُذْرِ الْمَتْرُوكِ (وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَتَى بِالْعِبَادَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا، فَلَمْ يُجْزِئْهُ كَالصَّلَاةِ، فَلَوْ وَافَقَ بَعْضُهُ رَمَضَانَ، فَمَا وَافَقَهُ أَوْ بَعْدَهُ، أَجْزَأَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَلَوْ صَامَ شَعْبَانَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً، ثُمَّ عَلِمَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ شَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ كَالصَّلَاةِ، إِذَا فَاتَتْهُ، نَقَلَهُ مُهَنَّا. وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّهْرَ لَمْ يَدْخُلْ فَصَامَ، لَمْ يُجْزِئْهُ. [مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ] (وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ إِلَّا عَلَى الْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْقَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ) إِجْمَاعًا (وَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ) مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا الْإِسْلَامُ كَالصَّلَاةِ (وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا صَبِيٍّ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا، وَرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا (لَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إِذَا أَطَاقَهُ وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ لِيَعْتَادَهُ) كَذَا قَالَهُ الْأَكْثَرُ، أَيْ: يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ ذَلِكَ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَزِمتهُ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ،   [المبدع في شرح المقنع] يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا أَطَاقَهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُمَيِّزُ، وَحَدَّ ابْنُ أَبِي مُوسَى طَاقَتَهُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا أَطَاقَ الْغُلَامُ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ» رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، أَشْبَهَتِ الصَّلَاةَ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُ مَنْ بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ وَأَطَاقَهُ، قَالَ الْخِرَقِيُّ: يُؤْخَذُ بِهِ إِذَنْ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ عِنْدِي رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحَمَلَ مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَكَالْحَجِّ، وَحَدِيثُهُمْ مُرْسَلٌ، وَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ وَسَمَّاهُ وَاجِبًا تَأْكِيدًا، وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْقُدْرَةِ مِنْ شُرُوطِهِ، فَلِأَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ الشَّيْءِ لَا يُكَلَّفُ بِهِ لِلنَّصِّ. [إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَزِمَهُمُ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ] (وَإِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَزِمَهُمُ الْإِمْسَاكُ) لِتَعَذُّرِ إِمْسَاكِ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَأْتُوا بِمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ تَعَمَّدُوا الْأَكْلَ فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنْهُ، (وَالْقَضَاءُ) فَلِثُبُوتِهِ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَأْتُوا فِيهِ بِصَوْمٍ صَحِيحٍ فَلَزِمَهُمْ قَضَاؤُهُ لِلنَّصِّ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةَ: لَا يَلْزَمُ الْإِمْسَاكُ كَالْمُسَافِرِ إِذَا قَدِمَ، وَغَلِطَ الْمُؤَلِّفُ بِأَقَلِّهَا وَخَرَجَ فِي " الْمُغْنِي " عَلَى قَوْلِ عَطَاءٍ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، وَقَدْ طَلَعَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُمْسِكُ وَلَا يَقْضِي، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالرُّؤْيَةِ إِلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ فَكَذَلِكَ) أَيْ: إِذَا صَارَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ مِنْهُ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ، لَزِمَهُ إِمْسَاكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَضَاؤُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِمْسَاكِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَلِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ بِالرُّؤْيَةِ، وَلِإِدْرَاكِهِ جُزْءًا مِنْ وَقْتِهِ كَالصَّلَاةِ، (وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ) أَيْ: لَا إِمْسَاكٌ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ وَلِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُمْ فِطْرُ أَوَّلِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 فَكَذَلِكَ، وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ صَائِمًا، أَتَمَّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءٌ أَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا، فَعَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ. وَفِي الْإِمْسَاكِ رِوَايَتَانِ وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ   [المبدع في شرح المقنع] فَكَانَ لَهُمُ الِاسْتِدَامَةُ كَمَا لَوْ دَامَ الْعُذْرُ وَلَا قَضَاءٌ لِعَدَمِ إِدْرَاكِهِمْ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الْعِبَادَةَ، أَشْبَهُ مَا لَوْ زَالَ عُذْرُهُمْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ، عَصَى بِالْفِطْرِ، وَأَمْسَكَ وَقَضَى كَالْبَالِغِ، وَعَلِمَ أَنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ مِنَ الشَّهْرِ مَا عَدَا الْيَوْمَ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ قَضَاءُ مَا مَضَى [بَلَغَ الصَّبِيُّ صَائِمًا] (وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ) بِالسِّنِّ أَوِ الِاحْتِلَامِ (صَائِمًا) بِأَنْ نَوَاهُ مِنَ اللَّيْلِ (أَتَمَّ) صَوْمَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ (وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ نَوَاهُ مِنَ اللَّيْلِ فَأَجْزَأَهُ كَالْبَالِغِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ نَفْلًا، وَبَاقِيهِ فَرْضًا كَنَذْرِهِ إِتْمَامَ النَّفْلِ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " (عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) أَيْ: قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ، وَهُوَ فِي نَفْلٍ مُعْتَادٍ، وَكَبُلُوغِهِ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَجٍّ، وَلِأَنَّ مَا مَضَى مِنْهُ نَفْلٌ، فَلَمْ يُجْزِ عَنِ الْفَرْضِ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدِمِ فُلَانٍ، فَقَدِمَ، وَالنَّاذِرُ صَائِمٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَ مُفْطِرًا، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَجِبْ، فَلَا قَضَاءَ هُنَا وَجْهًا وَاحِدًا. (وَإِنْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ) أَوْ أَقَامَ (مُفْطِرًا فَعَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ) إِجْمَاعًا، وَكَمَرِيضٍ إِذَا صَحَّ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ مُفْطِرًا (وَفِي الْإِمْسَاكِ رِوَايَتَانِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا جَمَاعَةٌ وَالْأَصَحُّ لُزُومُهُ، وَكَمُقِيمٍ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ سَافَرَ، أَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ، أَوْ لَا. نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَحَنْبَلٌ، وَيُعَايَا بِهَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا إِمْسَاكَ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ ذُكِرَ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ أَوَّلَ النَّهَارِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَيَتَوَجَّهُ: لَا إِمْسَاكَ مَعَ حَيْضٍ وَمَعَ السَّفَرِ الْخِلَافُ. وَإِذَا لَمْ يَجِبِ الْإِمْسَاكُ، فَقَدِمَ مُسَافِرٌ مُفْطِرًا فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَلَوْ عَلِمَ مُسَافِرٌ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا، لَزِمَهُ الصَّوْمُ كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ، وَعَلِمَ قُدُومَهُ فِي غَدٍ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ فِي غَدٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا بَرِئَ مَرِيضٌ، أَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ، أَوْ أَقَامَ صَائِمًا، لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَأَجْزَأَ كَمُقِيمٍ صَائِمٍ مَرِضَ ثُمَّ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى عُوفِيَ، وَلَوْ وَطِئَا فِيهِ كَفَّرَا، نَصَّ عَلَيْهِ كَمُقِيمٍ وَطِئَ ثُمَّ سَافَرَ ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". [صَوْمُ الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ] (وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ) وَهُوَ الْهَمُّ وَالْهِمَّةُ (أَوْ مَرَضٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَالْمَرِيضُ إِذَا خَافَ الضَّرَرَ وَالْمُسَافِرُ اسْتُحِبَّ لَهُمَا الْفِطْرُ، وَإِنْ صَامَا، أَجْزَأَهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَا فِي   [المبدع في شرح المقنع] لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَفْطَرَ) أَيْ: لَهُ ذَلِكَ إِجْمَاعًا (وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ يُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَالْمُرَادُ بِالْإِطْعَامِ: مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ، فَلَوْ كَانَ الْكَبِيرُ مُسَافِرًا وَمَرِيضًا فَأَفْطَرَ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي " الْخِلَافِ " وَلَا قَضَاءَ لِلْعَجْزِ عَنْهُ، وَيُعَايَا بِهَا، وَإِنْ أَطْعَمَ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقَضَاءِ، فَكَمَعْضُوبٍ حُجَّ عَنْهُ ثُمَّ عُوفِيَ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْإِطْعَامُ. (وَالْمَرِيضُ إِذَا خَافَ الضَّرَرَ وَالْمُسَافِرُ) وَهُوَ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ (اسْتُحِبَّ لَهُمَا الْفِطْرُ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] أَيْ: فَأَفْطَرَ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَلِأَنَّ فِيهِ قَبُولَ الرُّخْصَةِ مَعَ التَّلَبُّسِ بِالْأَخَفِّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا خُيِّرْتُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَرْتُ أَيْسَرَهُمَا» وَيُشْتَرَطُ لَهُ أَنْ يَخَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ أَوْ بُطْءَ بُرْئِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ لَمْ يُفْطِرْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " فِي وَجَعِ رَأْسٍ وَحُمَّى، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنْ يُنْضَرَ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ؟ قَالَ: إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ قِيلَ: مِثْلُ الْحُمَّى؟ قَالَ: وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنَ الْحُمَّى. فَلَوْ خَافَ تَلَفًا بِصَوْمِهِ كُرِهَ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِي الْإِجْزَاءِ (وَإِنْ صَامَا أَجْزَأَهُمَا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الْمُسَافِرِ: لَا يُعْجِبُنِي، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ. وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ فَلَهُ الْفِطْرُ، وَإِنْ نَوَى الْحَاضِرُ صَوْمَ   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ -: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» وَعُمَرُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْمُرَانِهِ بِالْإِعَادَةِ، وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ، وَحَمْلُهَا عَلَى رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ من غير كَرَاهَةً، وَقَدْ سَأَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الصَّوْمِ فِيهِ لِمَنْ قَوِيَ فَقَالَ: لَا يَصُومُ. وَحَكَاهُ الْمَجْدُ عَنِ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ لِمَنْ قَوِيَ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. وَلَيْسَ الصَّوْمُ فِيهِ أَفْضَلَ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُخْصَةِ الْقَصْرِ أَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ، وَرُدَّ بِصَوْمِ الْمَرِيضِ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَا فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ) مِنْ قَضَاءٍ وَفِدْيَةٍ وَغَيْرِهِمَا، لِأَنَّ الْفِطْرَ أُبِيحَ تَخْفِيفًا وَرُخْصَةً، فَإِذَا لَمْ يَرُدَّهُ لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِالْأَصْلِ كَالْجُمُعَةِ، وَكَالْمُقِيمِ الصَّحِيحِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَ صَوْمًا مِنَ الْمَعْذُورِ، لَقَبِلَهُ مِنْ غَيْرِهِ كَسَائِرِ الزَّمَانِ الْمُتَضَيِّقِ لِلْعِبَادَةِ، فَلَوْ نَوَى صَوْمًا غَيْرَ رَمَضَانَ فَهَلْ يَقَعُ بَاطِلًا أَمْ يَقَعُ مَا نَوَاهُ؛ هِيَ مَسْأَلَةُ تَعْيِينِ النِّيَّةِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا خَافَ مَنْ بِهِ شَبَقٌ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ، أَوْ بِهِ مَرَضٌ يُنْتَفَعُ فِيهِ بِوَطْءٍ سَاغَ لَهُ الْوَطْءُ، وَقَضَى بِلَا كَفَّارَةٍ، نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ إِنْ لَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِغَيْرِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ لَا يُفْسِدَ صَوْمَ زَوْجَتِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ لِلضَّرُورَةِ، فَوَطْءُ صَائِمَةٍ أَوْلَى مِنْ حَائِضٍ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ لِدَوَامِ شَبَقِهِ فَكَكَبِيرٍ عَجَزَ عَنْهُ. (وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ فَلَهُ الْفِطْرُ) لِفِطْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِالْجِمَاعِ، لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَكْلُ لَهُ الْجِمَاعُ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَهُ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بِالْجِمَاعِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى السَّفَرِ، فَعَلَيْهَا إِنْ جَامَعَ كَفَّرَ، وَالْمَذْهَبُ: لَا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 يَوْمٍ، ثُمَّ سَافَرَ أَثْنَاءه فَلَهُ الْفِطْرُ وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا، وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا، وَأَطْعَمَتَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَمَنْ نَوَى قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ،   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ نَوَى الْحَاضِرُ صَوْمَ يَوْمٍ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ فَلَهُ الْفِطْرُ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَالْأَخْبَارِ الصَّرِيحَةِ مِنْهَا مَا رَوَى عُبَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: رَكِبْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ مِنَ الْفُسْطَاطِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ، فَقَالَ: اقْتَرِبْ، قُلْتُ: أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ؟ قَالَ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَأَكَلَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ السَّفَرَ يُبِيحُ الْفِطْرَ، فَأَبَاحَهُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ كَالْمَرَضِ الطَّارِئِ وَلَوْ بِفِعْلِهِ، وَالصَّلَاةُ لَا يَشُقُّ إِتْمَامُهَا، وَهِيَ آكَدُ لِأَنَّهَا مَتَى وَجَبَ إِتْمَامُهَا لَمْ يَقْصُرْ بِحَالٍ وَتَرْكُ الْفِطْرِ أَفْضَلُ سَوَاءٌ سَافَرَ طَوْعًا أَوْ كُرْهًا، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، فَيُعَايَا بِهَا. وَلَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ قَبْلَ خُرُوجِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَافِرًا (وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ) وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ تَخْتَلِفُ بِالسَّفَرِ، وَالْحَضَرِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا غَلَبَ حُكْمُ الْحَضَرِ كَالصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بِجِمَاعٍ لِآكَدِيَّتِهِ، فَعَلَى الْمَنْعِ يُكَفِّرُ مَنْ وَطِئَ، وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ كَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ ثُمَّ جَامَعَ. [صَوْمُ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ] (وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا) الضَّرَرَ (عَلَى أَنْفُسِهِمَا) كُرِهَ لَهُمَا الصَّوْمُ، وَيُجْزِئُ فَإِنْ (أَفْطَرَتَا وقَضَتَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ كَالْمَرِيضِ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَلِقُدْرَتِهِمَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ. قَالَ أَحْمَدُ: أَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَنْعِ الْقَضَاءِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا إِطْعَامَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ فِطْرٌ أُبِيحَ لِعُذْرٍ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ كَفَّارَةٌ كَالْمَرِيضِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً (وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا) لِأَنَّ خَوْفَهُمَا خَوْفٌ عَلَى آدَمِيٍّ أَشْبَهَ خَوْفَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا (وَقَضَتَا) لِعُمُومِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وَكَسَائِرِ الْمَرْضَى (وَأَطْعَمَتَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] الْآيَةَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّهُ إِفْطَارٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ، وَإِنْ أَفَاقَ جُزْءًا مِنْهُ، صَحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ، صَحَّ   [المبدع في شرح المقنع] بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ عَنِ الصَّوْمِ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ، وَيُلْحَقُ بِهَذَا: الظِّئْرُ الَّتِي تُرْضِعُ وَلَدَ غَيْرِهَا. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُبِيحَ يَسْتَوِي فِيهِ كَالسَّفَرِ لِحَاجَتِهِ، وَحَاجَةِ غَيْرِهِ وَفِي " الرِّعَايَةِ " قَوْلٌ لَا تُفْطِرُ الظِّئْرُ إِذَا خَافَتْ عَلَى رَضِيعِهَا، وَالْإِطْعَامُ عَلَى الْأُمِّ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا، وَلِهَذَا وَجَبَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ الْإِرْفَاقَ لَهُمَا. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْإِطْعَامَ عَلَى مَنْ يُمَوِّنُهُ، وَيُصْرَفُ إِلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ لِوُجُوبِهِ، وَهُوَ أَقْيَسُ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ إِنْ أَتَى بِهِ مَعَ الْقَضَاءِ جَازَ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لَهُ. تَنْبِيهٌ: لَا يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ بِالْعَجْزِ ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ كَالدَّيْنِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يَسْقُطُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ أَنَّهَا تَسْقُطُ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ، بَلْ أَوْلَى لِلْعُذْرِ هُنَا، وَلَا يَسْقُطُ عَنِ الْكَبِيرِ وَالْمَأْيُوسِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ نَفْسِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ فَكَذَا بَدَلُهُ، وَكَذَا إِطْعَامُ مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَغَيْرَهُ، غَيْرَ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ. [صَوْمُ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ] (وَمَنْ نَوَى قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ) لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِمْسَاكِ مَعَ النِّيَّةِ فَلَمْ يُوجَدِ الْإِمْسَاكُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «إِنَّهُ تَرَكَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي» فَلَمْ تُعْتَبَرِ النِّيَّةُ مُنْفَرِدَةً عَنْهُ، (وَإِنْ أَفَاقَ) أَيِ: الْمُغْمَى عَلَيْهِ (جُزْءًا مِنْهُ، صَحَّ صَوْمُهُ) لِقَصْدِهِ الْإِمْسَاكَ فِي جُزْءٍ مِنَ النَّهَارِ، فَأَجْزَأَ كَمَا لَوْ نَامَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ جُزْءٌ لِلْإِدْرَاكِ، وَلَا يُفْسِدُ قَلِيلُ الْإِغْمَاءِ الصَّوْمَ، وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ، وَقِيلَ: يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِقَلِيلِهِ كَالْحَيْضِ، بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ زَوَالُ عَقْلٍ مِنْ بَعْضِ الْيَوْمِ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتُهُ كَالْإِغْمَاءِ، وَيُفَارِقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 صَوْمُهُ. وَيَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْمَجْنُونِ. فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ وَاجِبٍ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مِنَ اللَّيْلِ مُعَيَّنًا وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ،   [المبدع في شرح المقنع] الْحَيْضَ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ، (وَإِنْ نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ، وَلَا يُزِيلُ الْإِحْسَاسَ بِالْكُلِّيَّةِ وَخَالَفَ فِيهِ الْإِصْطَخْرِيُّ، وَهُوَ شَاذٌّ، (وَيَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ) إِذَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ (الْقَضَاءُ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ وَهُوَ مُغَطٍّ عَلَى الْعَقْلِ غَيْرُ رَافِعٍ لِلتَّكْلِيفِ، وَلَا تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيَدْخُلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَعَنْهُ: لَا يَقْضِي كَالْجُنُونِ (دُونَ الْمَجْنُونِ) فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، سَوَاءٌ فَاتَ بِالْجُنُونِ الشَّهْرُ أَوْ بَعْضُهُ، وَعَنْهُ: يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يُزِيلُ الْعَقْلَ فَلَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَ الصَّوْمِ كَالْإِغْمَاءِ، وَعَنْهُ: إِنْ أَفَاقَ فِي الشَّهْرِ قَضَى مَا مَضَى، وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ، فَلَا، كَمَا لَوْ جُنَّ فِي أَثْنَائِهِ، وَكَمَا لَوْ أَفَاقَ فِي جُزْءٍ مِنَ الْيَوْمِ، لَكِنْ إِذَا جُنَّ فِي صَوْمِ قَضَاءٍ وَكَفَّارَةٍ، فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ. [وُجُوبُ تَبْيِيتِ نِيَّةِ صَوْمِ الْوَاجِبِ مِنَ اللَّيْلِ] فَصْلٌ (وَلَا يَصِحُّ صَوْمٌ وَاجِبٌ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مِنَ اللَّيْلِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَمْ يَجْمَعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ: رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَعَمْرٌو مِنَ الثِّقَاتِ، وَوَافَقَهُ عَلَى رَفْعِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَلَمْ يُثْبِتْ أَحْمَدُ رَفَعَهُ، وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ. وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِي لَفْظٍ لِلزُّهْرِيِّ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] لَا يُقَالُ: قَدْ وَرَدَ فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ، لِأَنَّ وُجُوبَهُ كَانَ نَهَارًا لِمَنْ صَامَ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَذَرَهُ، عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً ذَكَرُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنَ اللَّيْلِ نَوَى أَجْزَأَهُ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَسَوَاءٌ وُجِدَ بَعْدَهَا مَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ كَالْجِمَاعِ، وَالْأَكْلِ، أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ فَلَوْ بَطَلَتْ فَاتَ مَحَلُّهَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ إِذَا أَتَى بِالْمُنَافِي كَمَا لَوْ فَسَخَ النِّيَّةَ أَوْ نَسِيَهَا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَإِنْ نَوَتِ الْحَائِضُ صَوْمَ الْغَدِ، وَقَدْ عَرَفَتِ الطُّهْرَ لَيْلًا، فَوَجْهَانِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي نَهَارِ يَوْمٍ كَصَوْمِ غَدٍ، وَكَنِيَّتِهِ مِنَ اللَّيْلِ صَوْمَ بَعْدَ غَدٍ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مَا لَمْ يَفْسَخْهَا، وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ اسْتَصْحَبَهَا إِلَى اللَّيْلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَعْتَبِرُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِيَّةً مُفْرَدَةً؛ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ يَوْمٌ بِفَسَادِ آخَرَ، وَكَالْقَضَاءِ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّهِ، نَصَرَهَا أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. وَعَلَى قِيَاسِهِ النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَنَحْوُهُ، فَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ صِيَامُ الْبَاقِي بِتِلْكَ النِّيَّةِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ التَّتَابُعِ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (مُعَيَّنًا) أَيْ: لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ مِنْ قَضَائِهِ أَوْ نَذْرِهِ أَوْ كَفَّارَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ لِقَوْلِهِ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى» ، وَكَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، فَلَوْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ نَقْلُهُ لَيْلًا أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ بَرِئَ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ عِنْدَنَا نِيَّةٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ حِينَ يَتَعَشَّى يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ، بِدَلِيلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ مِنْ غَيْرِهَا. (وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ) لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُرَادُ لِلتَّمْيِيزِ، وَهَذَا الزَّمَانُ يَتَعَيَّنُ، وَكَالْحَجِّ فَعَلَيْهَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، وَنِيَّةِ نَفْلٍ، وَنِيَّةِ فَرْضٍ تَرَدَّدَ فِيهَا، وَاخْتَارَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ ذَلِكَ، وَلَوْ نَوَى إِنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، فَهُوَ فَرْضِيٌّ، وَإِلَّا فَهُوَ نَفْلٌ، لَمْ يُجْزِئْهُ وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ، أَفْطَرَ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمَجْدُ صِحَّتَهُ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ إِلَى غَيْرِ رَمَضَانَ، وَاخْتَارَ حَفِيدُهُ: يَصِحُّ مُطْلَقًا مَعَ الْجَهْلِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا كَمَنْ دَفَعَ وَدِيعَةَ رَجُلٍ إِلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَرُّعِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَقَّهُ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِعْطَاءٍ ثَانٍ، (وَلَا يَحْتَاجُ) مَعَ التَّعْيِينِ (إِلَى نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ إِلَّا فَرْضًا فَأَجْزَأَ التَّعْيِينُ عَنْهُ، (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ ذَلِكَ) كَالصَّلَاةِ، (وَلَوْ نَوَى إِنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِيٌّ) أَيْ: الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيَّ، (وَإِلَّا فَهُوَ نَفْلٌ، لَمْ يُجْزِئْهُ) عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنِ الصَّوْمَ مِنْ رَمَضَانَ حَزْمًا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُجْزِئُهُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: أَنَّهُ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ الْمُتَرَدِّدَةِ وَالْمُطْلَقَةِ مَعَ الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ؛ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ، فَلَوْ نَوَى إِنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَصَوْمِي عَنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ وَاجِبٍ عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، وَفِي إِجْزَائِهِ عَنْ رَمَضَانَ الرِّوَايَتَانِ إِذَا بَانَ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ، لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ نَوَى الرَّمَضَانِيَّةَ بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ، فَعَلَى الْخِلَافِ إِذَا بَانَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ أَجْزَأَهُ كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْوَقْتِ. فَرْعٌ إِذَا قَالَ: أَنَا صَائِمٌ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فَإِنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ وَالتَّرَدُّدَ فِي الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ، فَسَدَتْ نِيَّتُهُ، وَإِلَّا لَمْ تَفْسُدْ ذَكَرَهُ فِي " التَّعْلِيقِ " وَ " الْفُنُونِ "؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ أَنَّ فِعْلَهُ لِلصَّوْمِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ، وَتَيْسِيرِهِ كَمَا لَا يَفْسُدُ الْإِيمَانُ بِهِ غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فِي الْحَالِ، وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ بِأَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي نِيَّتِهَا. (وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ أَفْطَرَ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الشَّرْحِ " هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهِ النِّيَّةُ فَفَسَدَ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ كَالصَّلَاةِ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنْيَةٍ مِنَ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُ بَعْدَ الزَّوَالِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْعِبَادَةِ، لَكِنْ لَمَّا شَقَّ اعْتِبَارُ حَقِيقَتِهَا اعْتُبِرَ بِنَاءُ حُكْمِهَا، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا، فَإِذَا نَوَاهُ زَالَتْ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَبْطُلُ كَالْحَجِّ مَعَ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَجَّ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ وَمُبْهَمَةٍ، وَقَوْلُهُ: أَفْطَرَ أَيْ: صَارَ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ لَا كَمَنْ أَكَلَ. فَلَوْ كَانَ فِي نَفْلٍ يَقْطَعُهُ ثُمَّ نَوَاهُ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ فَقَطَعَ بِنِيَّتِهِ ثُمَّ نَوَى نَفْلًا جَازَ، وَلَوْ قُلْتَ: نِيَّةُ نَذْرٍ وَقَضَاءٍ إِلَى النَّفْلِ فَكَمَنِ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضِ صَلَاةٍ إِلَى نَفْلِهَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَرَدَّدَ فِي الْفِطْرِ، أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيُفْطِرُ سَاعَةً أُخْرَى، أَوْ إِنْ وَجَدْتُ طَعَامًا، أَكَلْتُ وَإِلَّا أَتْمَمْتُ، فَكَالْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ، (وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمُ الْقَاضِي فِي أَكْثَرِ تَصَانِيفِهِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَاشُورَاءَ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خُفِّفَ نَفْلُهَا عَنْ فَرْضِهَا فَكَذَا الصَّوْمُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِهِ؛ لِكَوْنِهِ يَعِنُّ لَهُ مِنَ النَّهَارِ فَعُفِيَ عَنْهُ، (وَقَالَ الْقَاضِي) فِي " الْمُجَرَّدِ " وَتَبِعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ (لَا يُجْزِئُ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِأَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّمَا هُوَ فِي الْغَدَاءِ، وَهُوَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَصْحَبِ الْعِبَادَةَ فِي مُعْظَمِهَا، أَشْبَهُ مَا لَوْ نَوَى مَعَ الْغُرُوبِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ نَوَى فِي جُزْءٍ مِنْهُ يَصِحُّ كَأَوَّلِهِ، وَجَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ الْفَرْضِ، فَكَذَا النَّهَارُ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ فَعَلَ مَا يُفْطِرُهُ قَبْلَ النِّيَّةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَخَالَفَ فِيهِ أَبُو زَيْدٍ الشَّافِعِيُّ، وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ فِي الْأَظْهَرِ، وَفِي " الْمُجَرَّدِ " وَ " الْهِدَايَةِ " مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَقَالَهُ حَمَّادٌ، وَإِسْحَاقُ إِنْ نَوَاهُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَطَوُّعُ حَائِضٍ طَهُرَتْ، وَكَافِرٍ أَسْلَمَ فِي يَوْمٍ، وَلَمْ يَأْكُلَا يَصُومَا بَقِيَّةَ الْيَوْمِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا، لِامْتِنَاعِ تَبْعِيضِ صَوْمِ الْيَوْمِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا صَوْمٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوِ اسْتَعَطَ أَوِ احْتَقَنَ، أَوْ دَاوَى الْجَائِفَةَ بِمَا يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ، أَوِ اكْتَحَلَ بِمَا يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ، أَوْ دَاوَى الْمَأْمُومَةَ، أَوْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ مَا يَصِلُ إِلَى دِمَاغِهِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ] بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. الْمُفْسِدُ لِلصَّوْمِ: كُلُّ مَا يُنَافِيهِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَنَحْوِهِمَا، (وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ) فَقَدْ أَفْطَرَ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187] الْآيَةَ، فَأَبَاحَهُمَا إِلَى غَايَةٍ، وَهِيَ تَبَيُّنُ الْفَجْرِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ عَنْهُمَا إِلَى اللَّيْلِ، لِأَنَّ حُكْمَ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا، وَقَوْلُ الله تعالى على لسان النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ إِنَّهُ تَرَكَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُغَذٍّ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (أَوِ اسْتَعَطَ) فِي أَنْفِهِ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَصَلَ إِلَى حَلْقِهِ أَوْ دِمَاغِهِ قَالَ فِي " الْكَافِي ": أَوْ خَيَاشِيمِهِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصَّائِمَ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ (أَوِ احْتَقَنَ) فِي دُبُرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ كَالْمُعْتَادِ فِي الْوَاصِلِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَوْلَى مِنَ الِاسْتِعَاطِ (أَوْ دَاوَى الْجَائِفَةَ بِمَا يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَكَلَ (أَوِ اكْتَحَلَ) بِكُحْلٍ أَوْ صَبْرٍ أَوْ ذَرُورٍ أَوْ إِثْمِدٍ مُطَيَّبٍ (بِمَا يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ هَوْذَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْفَذًا فَلَمْ يُفْطِرْ بِهِ كَمَا لَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ، وَأُجِيبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 أَدْخَلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْئًا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، أَوِ اسْتَقَاءَ أَوِ اسْتَمْنَى، أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَمْنَى،   [المبدع في شرح المقنع] بِأَنَّ الْعَيْنَ مَنْفَذٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ. وَكَالْوَاصِلِ مِنَ الْأَنْفِ (أَوْ دَاوَى الْمَأْمُومَةَ، أَوْ قَطَرَ فِي أُذُنِهِ مَا يَصِلُ إِلَى دِمَاغِهِ) لِأَنَّ الدِّمَاغَ أَحَدُ الْجَوْفَيْنِ فَالْوَاصِلُ إِلَيْهِ يُغَذِّيهِ فَأَفْسَدَ الصَّوْمَ كَالْآخَرِ (أَوْ أَدْخَلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْئًا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ) وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَهُوَ شَامِلٌ إِذَا طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ بِشَيْءٍ فِي جَوْفِهِ، فَغَابَ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ فِيهِ، أَوِ ابْتَلَعَ خَيْطًا وَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْوَاصِلِ، وَجَزَمَ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " بِأَنَّهُ يَكْفِي الظَّنُّ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُفْطِرُ بِمُدَاوَاةِ جَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ، وَلَا بِحَقْنِهِ (أَوِ اسْتَقَاءَ) أَيِ: اسْتَدْعَى الْقَيْءَ فَقَاءَ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعِ «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ كَسَائِرِ الْمُفْطِرَاتِ. وَعَنْهُ: يُفْطِرُ بِمَلْءِ الْفَمِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَيُقَدَّرُ بِمَا لَا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ مَعَهُ، وَعَنْهُ: أَوْ نِصْفِهِ كَنَقْضِ الْوُضُوءِ، وَعَنْهُ: إِنْ فَحُشَ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ الْأَشْهَرُ، وَبَالَغَ ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ: إِذَا قَاءَ بِنَظَرِهِ إِلَى مَا يَقِيئُهُ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ، كَالنَّظَرِ وَالْفِكْرِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ: لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ. (أَوِ اسْتَمْنَى) أَيِ: اسْتَدْعَى خُرُوجَ الْمَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ بِالْقُبْلَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْإِنْزَالِ فَلِأَنْ يَفْسُدُ بِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، لَكِنْ لَوِ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ، وَلَمْ يُنْزِلْ فَقَدْ أَتَى مُحَرَّمًا، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَنْزَلَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا كَالْبَوْلِ (أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَمْنَى) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ «عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي فَعَلْتُ أَمْرًا عَظِيمًا، فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ مِنْ إِنَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؛ قُلْتُ: لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: فَمَهْ» فَشَبَّهَ الْقُبْلَةَ بِالْمَضْمَضَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْفِطْرِ، فَإِنَّ الْمَضْمَضَةَ إِذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 أَوْ مَذَى، أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ أَوْ حَجَمَ أَوِ احْتَجَمَ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، فَسَدَ صَوْمُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] كَانَ مَعَهَا نُزُولٌ أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةً وَذَرِيعَةً إِلَى الْجِمَاعِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لَا يُفْطِرُ، وَقَالَهُ دَاوُدُ وَضَعَّفَ الْخَبَرَ السَّابِقَ، وَقَالَ: هُوَ رِيحٌ. (أَوْ مَذَى) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِنْزَالٌ بِمُبَاشَرَةٍ أَشْبَهَ الْمَنِيَّ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُفْطِرُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ أَظْهَرُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمَنِيِّ لَا يَصِحُّ؛ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ فَقَطْ، وَإِنِ اسْتَمْنَى فَأَمْنَى أَوْ مَذَى فَكَذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَوْلُهُ: فَأَمْنَى أَوْ مَذَى، رَاجِعٌ إِلَى الِاسْتِمْنَاءِ، وَمَا بَعْدَهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فِطْرَ بِدُونِ الْإِنْزَالِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. رُوِيَ بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، وَمَعْنَاهُ: حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرُهَا، وَقِيلَ: بِالتَّسْكِينِ الْعُضْوُ، وَبِالتَّحْرِيكِ الْحَاجَةُ. (أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ) أَيْ: مَنِيًّا؛ لِأَنَّهُ إِنْزَالٌ بِفِعْلٍ يُلْتَذُّ بِهِ، وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِاللَّمْسِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: لَا يُفْطِرُ كَالْإِنْزَالِ بِالْفِكْرِ فَلَوْ أَنْزَلَ مَذْيًا لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ بِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَقْيَسُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَاللَّمْسِ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَحْتَمِلُهُ كَالْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ بِسَبَبِ الشَّهْوَةِ كَالْمَنِيِّ، وَلِأَنَّ الضَّعِيفَ إِذَا تَكَرَّرَ قَوِيَ، كَتَكْرَارِ الضَّرْبِ بِصَغِيرٍ فِي الْقَوَدِ لَكِنْ فِي " الْكَافِي ": وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ إِنْزَالُ الْمَنِيِّ أَوِ الْمَذْيِ إِلَّا فِي تَكْرَارِ النَّظَرِ، فَلَا يُفْطِرُ إِلَّا بِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ. وَظَاهِرُهُ لَا فِطْرَ بِعَدَمِ الْإِنْزَالِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَا إِذَا لَمْ يُكَرِّرِ النَّظَرَ لِعَدَمِ إِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يُفْطِرُ بِالْمَنِيِّ لَا الْمَذْيِ، وَيُلْحَقُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي " الْإِرْشَادِ " احْتِمَالًا فِيمَنْ هَاجَتْ شَهْوَتُهُ فَأَمْنَى أَوْ مَذَى أَنَّهُ يُفْطِرُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ يُفْطِرُ بِالْمَوْتِ فَيُطْعَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ، وَبِالرِّدَّةِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فَنَافَاهَا الْكُفْرُ كَالصَّلَاةِ. (أَوْ حَجَمَ أَوِ احْتَجَمَ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَعَائِشَةَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ، وَهُوَ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا يَزِيدُ عَلَى رُتْبَةِ الْمُسْتَفِيضِ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: ثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: فِيهِ غَيْرُ حَدِيثِ ثَابِتٍ، وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ رَافِعٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادٍ، وَصَحَّحَهُمَا أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَعَنْهُ: إِنْ عَلِمَا النَّهْيَ، وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَحْتَجِمُونَ لَيْلًا، وَرَخَّصَ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ مِنَ الْبَدَنِ أَشْبَهَ الْفَصْدَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ أَحْمَدَ ضَعَّفَ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ؛ لِأَنَّ الْأَنْصَارِيَّ ذَهَبَتْ كُتُبُهُ فِي فِتْنَةٍ فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ كُتُبِ غُلَامِهِ أَبِي حَكِيمٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذِرٍ، وَيُعَضِّدُهُ مَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَيْءٍ كَانَ وَجَدَهُ» . فَهَذِهِ تُسْقِطُ الِاسْتِدْلَالَ، وَلَوْ سُلِّمَ التَّسَاوِي، فَأَحَادِيثُنَا أَكْثَرُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، لَمْ يَفْسُدْ وَإِنْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ، أَوْ غُبَارٌ، أَوْ قَطَرَ   [المبدع في شرح المقنع] وَاعْتَضَدَتْ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ سَلِمَ فَحَدِيثُهُمْ فِعْلٌ، وَتِلْكَ قَوْلٌ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ لِعَدَمِ عُمُومِ الْفِعْلِ، وَاحْتِمَالِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ، وَنَسْخُ حَدِيثِهِمْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَنَسْخُهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ نَسْخِ حَدِيثِنَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ مَرَّتَيْنِ، وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ: احْتَجَمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَجَمَ، وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ لِلْخَبَرِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ إِنْ مَصَّ الْقَارُورَةَ، وَالْحَجْمُ فِي السَّاقِ كَالْحَجْمِ فِي الْقَفَا نَصَّ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَمُعْظَمِ الْأَصْحَابِ: لَا فِطْرَ إِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَمْعٌ أَنَّهُ يُفْطِرُ. وَلَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ لَا لِلتَّدَاوِي بَدَلَ الْحِجَامَةِ لَمْ يُفْطِرْ. وَظَاهِرُهُ لَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيهِ، وَالثَّانِي بَلَى، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَعَلَى هَذَا فِي الشَّرْطِ احْتِمَالَانِ، وَلَا فِطْرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُفْطِرُ إِذَا أَخْرَجَ دَمَهُ بِرُعَافٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الرُّعَافِ. (عَامِدًا) أَيْ: قَاصِدًا لِلْفِعْلِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ فَهُوَ غافل غير مُكَلَّفٌ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ. (ذَاكِرًا) أَيْ: غَيْرَ نَاسٍ (لِصَوْمِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ) فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ إِنْ كَانَ وَاجِبًا (وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، لَمْ يَفْسُدْ) صَوْمُهُ، وَأَجْزَأَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ، وَسَقَاهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مَعْنَاهُ. وَزَادَ، «وَلَا قَضَاءَ» وَلِلْحَاكِمِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ «مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَعِيدِ، وَالْإِلْجَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ، كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى بِدَلِيلِ الْإِتْلَافِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ النَّائِمُ إِذَا فُعِلَ بِهِ شَيْءٌ، بَلْ هُوَ كَالنَّاسِي لِعَدَمِ قَصْدِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنَّهُ يُفْطِرُ بِالْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فِيهِ كَالْمَرِيضِ. وَلَوْ أَوْجَرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُعَالَجَةً لَمْ يُفْطِرْ، وَقِيلَ: بَلَى لِرِضَاهُ ظَاهِرًا فَكَأَنَّهُ قَصَدَهُ، وَكَالْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحِجَامَةِ، وَكَالْجَهْلِ بِالْوَقْتِ وَالنِّسْيَانِ يَكْثُرُ وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 فِي إِحْلِيلِهِ، أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ، أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، أَوْ أَصْبَحَ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ، أَوِ   [المبدع في شرح المقنع] " الْهِدَايَةِ " وَ " التَّبْصِرَةِ " لَا فِطْرَ لِعَدَمِ تَعَمُّدِهِ الْمُفْسِدِ كَالنَّاسِي، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي " الْكَافِي " بِعَدَمِ التَّأْثِيمِ. فَرْعٌ: مَنْ أَرَادَ الْفِطْرَ فِيهِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، وَهُوَ نَاسٍ أَوْ جَاهِلٌ، فَهَلْ يَجِبُ إِعْلَامُهُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ: قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ ثَالِثٌ: إِعْلَامُ جَاهِلٍ لَا نَاسٍ، وَفِيهِ شَيْءٌ. [مَا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ] (وَإِنْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ) لَمْ يُفْطِرْ خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ (أَوْ غُبَارٌ) مِنْ طَرِيقٍ أَوْ دَقِيقٍ أَوْ دُخَانٍ، فَكَالنَّائِمِ، وَقِيلَ: فِي حَقِّ الْمَاشِي، وَقِيلَ: فِي حَقِّ النَّخَّالِ وَالْوَقَّادِ (أَوْ قَطَرَ فِي إِحْلِيلِهِ) هُنَا، نَصَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمَنْفَذِ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْبَوْلُ رَشْحًا لِمُدَاوَاةِ جُرْحٍ عَمِيقٍ لَمْ يَنْفُذْ إِلَى الْجَوْفِ، وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ كَمَنْ وَضَعَ فِي فِيهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ نُزُولُهُ فِي حَلْقِهِ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ إِنْ وَصَلَ مَثَانَةً وَهِيَ الْعُضْوُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْبَوْلُ. (أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ» وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا إِجْمَاعَ، وَقِيَاسُهُ عَلَى تَكْرَارِ النَّظَرِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي اسْتِدْعَاءِ الشَّهْوَةِ، وَإِفْضَائِهِ إِلَى الْإِنْزَالِ، وَسَوَاءٌ أَنَزَلَ مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا، وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ يَفْسُدُ لِأَنَّ الْفِكْرَةَ تُسْتَحْضَرُ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ أَمَّا لَوْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ صُورَةٌ فِي مُبَاشَرَتِهِ نَهَارًا لَمْ يُفْطِرْ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وَطِئَ قُرْبَ الْفَجْرِ، وَيُشْبِهُهُ مَنِ اكْتَحَلَ إِذَنْ. (أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ) لِلْخَبَرِ وَلِخُرُوجِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ، أَشْبَهَ الْمُكْرَهَ، وَلَوْ عَادَ إِلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَوْ أَعَادَهُ عَمْدًا وَلَمْ يَمْلَأِ الْفَمَ أَوْ قَاءَ مَا لَا يُفْطَرُ بِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ عَمْدًا أَفْطَرَ، كَتَلَفِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنِ الْفَمِ (أَوْ أَصْبَحَ، وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلَفِظُهُ) أَيْ: رَمَاهُ لِعَدَمِ إِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَلَا يَخْلُو مِنْهُ صَائِمٌ غَالِبًا، فَإِنْ شَقَّ رَمْيُهُ فَبَلَعَهُ مَعَ رِيقِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ جَرَى رِيقُهُ بِبَقِيَّةِ طَعَامٍ تَعَذَّرَ رَمْيُهُ، أَوْ بَلَعَ رِيقَهُ عَادَةً، لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ لَفْظُهُ بِأَنْ تَمَيَّزَ عَنْ رِيقِهِ فَبَلَعَهُ عَمْدًا، أَفْطَرَ وَلَوْ دُونَ الْحِمَّصَةِ. (أَوِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 اغْتَسَلَ أَوْ تَمَضْمَضَ أَوِ اسْتَنْشَقَ، فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ بَالَغَ فِيهِمَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَلَا   [المبدع في شرح المقنع] اغْتَسَلَ) ؛ لِأَنَّهُ - «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ، وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَيَصُومُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَيَلْزَمُ جَوَازُ الْإِصْبَاحِ جُنُبًا، احْتَجَّ بِهِ رَبِيعَةُ وَالشَّافِعِيُّ، وَلَكِنْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَلِهَذَا لَمَّا أَخْبَرَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: هُمَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ، إِنَّمَا حَدَّثَنِيهِ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ فُتْيَاهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ يَوْمًا صَحَّ وَأَثِمَ، وَالْحَائِضُ كَالْجُنُبِ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لَيْلًا وَنَوَتْهُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ فِي الْحَائِضِ، تُؤَخِّرُهُ بَعْدَ الْفَجْرِ، قَالَ: يَقْضِي، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ، وَطَاوُسٍ فِي الْجُنُبِ. فَائِدَةٌ: لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ، قَالَ الْمَجْدُ: لِأَنَّ فِيهِ إِزَالَةَ الضَّجَرِ مِنَ الْعِبَادَةِ، كَالْجُلُوسِ فِي الظِّلِّ الْبَارِدِ، وَغَوْصُهُ فِي الْمَاءِ كَصَبِّهِ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يَخَفْ أَنْ يَدْخُلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ أَوْ مَسَامِعَهُ. (أَوْ تَمَضْمَضَ أَوِ اسْتَنْشَقَ) فِي الْوُضُوءِ، (فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ، أَشْبَهَ الذُّبَابَ فَإِنْ كَانَ لِنَجَاسَةٍ فَكَالْوُضُوءِ. (لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ) لِمَا ذَكَرْنَا، (وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ) فِي أَحَدِهِمَا (أَوْ بَالَغَ فِيهِمَا) فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: لَا يُفْطِرُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ وَاصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَالثَّانِي: بَلَى؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَكْرُوهًا تَعَرَّضَ بِهِ إِلَى إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى حَلْقِهِ، أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالْمُبَاشِرَةِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ يَبْطُلُ بِالْمُبَالَغَةِ لِلنَّهْيِ الْخَاصِّ، وَعَدَمِ نُدْرَةِ الْوُصُولِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُجَاوَزَةِ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي الْمُجَاوَزَةِ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِيدَ فَإِنْ تَمَضْمَضَ أَوِ اسْتَنْشَقَ عَبَثًا، أَوْ لِحَرٍّ، أَوْ عَطَشٍ، كُرِهَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ، فَبَانَ نَهَارًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.   [المبدع في شرح المقنع] نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي الْفِطْرِ بِهِ الْخِلَافُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ، وَكَذَا إِنْ غَاصَ فِي الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ مَشْرُوعٍ أَوْ إِسْرَافٍ، أَوْ كَانَ عَابِثًا، حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّاخِلِ مِنَ الْحَلْقِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَالْمُجَاوَزَةِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: إِنْ فَعَلَهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَكَالْمَضْمَضَةِ الْمَشْرُوعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبَثًا فَكَالْمُجَاوَزَةِ. (وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ) وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَالُ (فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، فَيَكُونُ زَمَانُ الشَّكِّ مِنْهُ، وَلَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَ الْفَجْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَلَوْ أَكَلَ يَظُنُّ طُلُوعَ الْفَجْرِ، فَبَانَ لَيْلًا، وَلَمْ يُجَدِّدْ نِيَّةَ صَوْمِهِ الْوَاجِبِ، قَضَى، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ (وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ) وَدَامَ شَكُّهُ أَوْ أَكَلَ فَظَنَّ بَقَاءَ النَّهَارِ (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ، فَإِنْ بَانَ لَيْلًا لَمْ يَقْضِ، وَكَذَا إِنْ أَكَلَ فَظَنَّ الْغُرُوبَ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ الْأَكْلِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ يَقِينٌ أَزَالَ الظَّنَّ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ (وَإِنْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا) أَوْ ظَانًّا (أَنَّهُ لَيْلٌ فَبَانَ نَهَارًا) فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ كَمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّمْسَ غَابَتْ وَلَمْ تَغِبْ، أَوْ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَقَدْ طَلَعَ (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) وِفَاقًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَمَرَ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ وَلَمْ يُتِمَّهُ، وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: «أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ قِيلَ: لِهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ - وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ - أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؛ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ جَهِلَ وَقْتَ الصَّوْمِ كَالْجَهْلِ بِأَوَّلِ رَمَضَانَ، وَعَنْهُ: لَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ جَامَعَ جَاهِلًا بِالْوَقْتِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ أُصُولِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، فَيَتَوَجَّهُ هُنَا مِثْلُهُ. فَرْعٌ: إِذَا أَكَلَ نَاسِيًا، وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ، فَأَكَلَ عَمْدًا فَيَتَوَجَّهُ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، فَلَوْ جَامَعَ بَعْدَهُ نَسِيَانَا، وَاعْتَقَدَ الْفِطْرَ بِهِ فَكَالنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ إِلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ، فَيُكَفِّرَ فِي الْأَشْهُرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 فَصْلٌ إِذَا جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي الْفَرْجِ قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا، وَعَنْهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] [مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ في الصيام] فَصَلٌ (وَإِذَا جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي الْفَرْجِ قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَالْكَفَّارَةُ عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا) وَفِيهِ أُمُورٌ: الْأُولَى: أَنَّ الْجِمَاعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِلَا عُذْرٍ مُفْسِدٌ لَهُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] الْآيَةَ، فَدَلَّتْ أَنَّ الصِّيَامَ الْمَأْمُورَ بِإِتْمَامِهِ تَرْكُ الْوَطْءِ وَالْأَكْلِ، فَإِذَا وُجِدَ فِيهِ الْجِمَاعُ، لَمْ يَتِمَّ فَيَكُونُ بَاطِلًا، وَالْمُكْرَهُ كَالْمُخْتَارِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بِذَكَرٍ أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا، مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ مَيِّتٍ، أَنْزَلَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَظِنَّةِ الْإِنْزَالِ؛ أَوْ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ كَالدُّبُرِ فَلَوْ أَوْلَجَ خُنْثَى مُشْكِلٌ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ أَوْ قُبُلِ امْرَأَةٍ، أَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَّا أَنْ يُنْزِلَ كَالْغُسْلِ، وَكَذَا إِذَا أَنْزَلَ مَجْبُوبٌ أَوِ امْرَأَتَانِ بِمُسَاحَقَةٍ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِثْلَهُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُجَامِعِ: «وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْأَثْرَمُ، وَكَمَا لَوْ أَفْسَدَهُ بِالْأَكْلِ. الثَّالِثَةُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ قَضَائِهَا، فَلَمْ تَجِبْ بِإِفْسَادِ أَدَائِهَا كَالصَّلَاةِ. وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْأَدَاءَ يَتَعَلَّقُ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ يَتَعَيَّنُ بِهِ، وَالْقَضَاءُ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، وَالصَّلَاةُ لَا يَدْخُلُ فِي جُبْرَانِهَا الْمَالُ بِخِلَافِهِ هُنَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ كَفَّارَةٌ مَعَ الْعُذْرِ، وَهَلْ يَلْزَمُهَا مَعَ عَدَمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: كُلُّ   [المبدع في شرح المقنع] الرَّابِعَةُ: السَّاهِي كَالْعَامِدِ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَسْتَفْصِلِ الْأَعْرَابِيَّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا، وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ لَاسْتَفْصَلَهُ، وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، وَالسُّؤَالُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ كَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا وَاقَعْتَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، فَكَفِّرْ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهَا، فَاسْتَوَى عَمْدُهُ، وَسَهْوُهُ كَالْحَجِّ. (وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ) اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ لِلْخَبَرِ فِي الْعَفْوِ عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِرَفْعِ الْإِثْمِ، وَهِيَ مُنْحَطَّةٌ عَنْهُمَا، وَعَنْهُ: وَلَا يَقْضِي، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَالْأَكْلِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا جَامَعَ يَعْتَقِدُهُ لَيْلًا، فَبَانَ نَهَارًا فَجَزَمَ الْأَكْثَرُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَعَنْهُ: عَكْسُهُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَيَأْتِي رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاخْتَارَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ. قَالَ الْمَجْدُ: وَإِنَّهُ قِيَاسُ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى النَّاسِي، وَأَوْلَى، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُكَفِّرُ، وَقَالَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَعَلَيْهَا إِنْ عَلِمَ فِي الْجِمَاعِ أَنَّهُ نَهَارٌ، وَدَامَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، فَلَوْ جَامَعَ لَيْلًا وَطَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ، وَهُوَ مَجَامِعٌ، وَاسْتَدَامَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ مَعَ أَوَّلِ طُلُوعِهِ، وَكَذَلِكَ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ يُلْتَذُّ بِهِ كَالْجِمَاعِ، وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ عَكْسَهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَقْضِي قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِي الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ. (وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ كَفَّارَةٌ مَعَ الْعُذْرِ) كَالْإِكْرَاهِ، وَالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ، وَلِعُمُومِ مَا سَبَقَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهَا إِذَا جَامَعَتْ نَاسِيَةً أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الرَّجُلِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُكَفِّرُ، وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي مِنَ الْحَجِّ، وَعَنْهُ: يُرْجَعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ الْمُلْجِئُ لَهَا إِلَى ذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ مِنَ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْمُفْطِرَاتِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، كَالْأَكْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُكْرَهَةِ، وَعَنْهُ: لَا، وَقِيلَ: يَفْسُدُ إِنْ فَعَلَتْ إِلَّا الْمَقْهُورَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ. وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ وَطِئَ   [المبدع في شرح المقنع] وَالنَّائِمَةَ، وَأَفْسَدَ ابْنُ أَبِي مُوسَى صَوْمَ غَيْرِ النَّائِمَةِ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْوَطْءِ لَهَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَفْسُدَ صَوْمُهَا مَعَ النِّسْيَانِ وَإِنْ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَكَذَا الْجَاهِلَةُ وَنَحْوُهَا. (وَهَلْ يَلْزَمُهَا مَعَ عَدَمِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " إِحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " وَهِيَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا هَتَكَتْ صَوْمَ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ، فَلَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ كَالرَّجُلِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَأْمُرْهَا بِهَا، وَكَفِطْرِهَا بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ بَعْدَ سَبْقِ جِمَاعِهَا الْمُعْتَبَرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي لَفْظِ الدَّارَقُطْنِيِّ: هَلَكَتْ وَأَهْلَكَتْ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً، وَبِأَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ وَالْخَوْفِ، وَعَنْهُ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. خَرَّجَهَا أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَجِّ، وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّدَاخُلِ. فَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ، وَقُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُطْعِمُ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَبْقَى الْعِتْقُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَيْهِ فَيَعْتِقَ عَنْهَا. فَرْعٌ: إِذَا أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ فِيهِ، دَفَعَتْهُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، وَلَوْ أَفْضَى إِلَى نَفْسِهِ كَالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. [كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ] (وَعَنْهُ: كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ) كَمَا لَوْ غَصَبَهَا نَفْسَهَا، فَجَامَعَهَا، أَوِ انْتَشَرَ ذَكَرُهُ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَدْخَلَتْهُ (فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ) نَقَلَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ، فَلَمْ يَجِبَا، كَمَا لَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ أَوْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ، (وَ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَالْأَصْحَابُ (هَذَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: الصَّحِيحُ فِي الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ إِذَا غُلِبَ عَلَيْهِمَا، لَا يُفْسِدَانِ، فَأَنَا أُخْرِجُ مِنَ الْوَطْءِ رِوَايَةً مِنَ الْأَكْلِ، وَعَكْسُهُ، وَقِيلَ: يَقْضِي مَنْ فَعَلَ، لَا مَنْ فُعِلَ بِهِ مِنْ نَائِمٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا قَضَاءَ مَعَ النَّوْمِ فَقَطْ لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ. (وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ) كَمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي فَخْذِهَا أَوْ صُرَّتِهَا عَامِدًا، وَقِيلَ: أَوْ نَاسِيًا، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ (فَأَنْزَلَ) وَفِي " الْفُرُوعِ ": فَأَمْنَى - وَهِيَ أَوْلَى - فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ بِاللَّمْسِ مَعَ الْإِنْزَالِ، فَفِي الْمُجَامَعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 بَهِيمَةً فِي الْفَرْجِ، أَفْطَرَ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ رَأَى الْهِلَالَ فِي لَيْلَتِهِ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ وَلَمْ يُكَفِّرْ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، أَوْ كَفَّارَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ جَامَعَ، ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] كَاللَّمْسِ. (أَوْ وَطِئَ بَهِيمَةً فِي الْفَرْجِ أَفْطَرَ) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي فَرْجٍ، أَشْبَهَ وَطْءَ الْآدَمِيَّةِ فِي فَرْجِهَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِنْزَالِ لِإِقَامَةِ الْمَظِنَّةِ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ، (وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ) ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي وَطْءِ الْبَهِيمَةِ بِنَاءً عَلَى الْحَدِّ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فِيهِ غُسْلٌ وَلَا فِطْرٌ وَلَا كَفَّارَةٌ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْأَكْثَرُ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ وَالنَّاسِي كَالْعَامِدِ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الرَّوْضَةِ " عَامِدًا. وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَيِّتَةِ وَالْحَيَّةِ فِي الْأَشْهَرِ. وَالثَّانِي: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ اخْتَارَهُ صَاحِبُ " النَّصِيحَةِ " وَ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ فِطْرٌ بِغَيْرِ جِمَاعٍ تَامٍّ أَشْبَهَ الْقُبْلَةَ. (وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ رَأَى الْهِلَالَ فِي لَيْلَتِهِ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ، فَلَزِمَتْهُ، كَمَا لَوْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، (وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ وَلَمْ يُكَفِّرْ فَهَلْ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، أَوْ كَفَّارَتَانِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: تُجْزِئُهُ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ "، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى كَمَا لَوْ كَانَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كَالْحُدُودِ، وَالثَّانِي: تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ بِتَعَدُّدِ الْأَيَّامِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمِ عِبَادَةٌ، وَكَيَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ وَكَالْحِجَّتَيْنِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ، كَفَّرَ عَنِ الثَّانِي، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا. قَالَ الْمَجْدُ: فَعَلَى قَوْلِنَا بِالتَّدَاخُلِ، لَوْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَنْهُ، ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْهُ، ثُمَّ اسْتُحِقَّتِ الرَّقَبَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 جَامَعَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ إِذَا جَامَعَ.   [المبدع في شرح المقنع] الْأُولَى، لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا، وَأَجْزَأَتْهُ الثَّانِيَةُ عَنْهُمَا، وَلَوِ اسْتُحِقَّتِ الثَّانِيَةُ وَحْدَهَا لَزِمَهُ بَدَلُهَا، وَلَوِ اسْتُحِقَّتَا جَمِيعًا، أَجْزَأَهُ بَدَلُهَا رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّدَاخُلِ وُجُودُ السَّبَبِ الثَّانِي قَبْلَ أَدَاءِ مُوجِبِ الْأَوَّلِ، وَنِيَّةُ التَّعْيِينِ لَا تُعْتَبَرُ فَتَلْغُو وَتَصِيرُ كُنْيَةً مُطْلَقَةً هَذَا قِيَاسُ مَذْهَبِنَا. (وَإِنْ جَامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ) فِي يَوْمِهِ (فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَالْمَيْمُونِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ تَكَرَّرَ، فَتُكَرَّرُ هِيَ كَالْحَجِّ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ لَيْلًا فَإِنَّهُ مُبَاحٌ، لَا يُقَالُ: الْوَطْءُ الأول تضمن هَتْكُ الصَّوْمِ، وَهُوَ مُؤَثِّرٌ فِي الْإِيجَابِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مُلْغًى بِمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ، وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ مَعَ عَدَمِ الْهَتْكِ لَهُ، وَذَكَرَ الْحُلْوَانِيُّ رِوَايَةً: لَا كَفَّارَةَ، وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ أَنَّ الشَّهْرَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ تَكْفِيهِ وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَفِي " الْفُرُوعِ " عَلَى الْأَصَحِّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ، وَتَدَاخَلَ مُوجِبُهُ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ " الْفُصُولِ " وَغَيْرُهُ، وَعَلَى الثَّانِي: لَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ. (وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ إِذَا جَامَعَ) أَيْ: كَذَا حُكْمُ كُلِّ مُفْطِرٍ يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ كَمَنَ لَمْ يَعْلَمْ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ، أَوْ أَكَلَ عَامِدًا، ثُمَّ جَامَعَ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ الزَّمَنِ بِهِ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُسْتَدِيمِ لِلْوَطْءِ، وَلَا صَوْمَ هُنَاكَ، فَكَذَا هُنَا، فَمُرَادُهُ بِالتَّشْبِيهِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لَا التَّكْرَارُ، لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي مُسَافِرٍ قَدِمَ مُفْطِرًا، ثُمَّ جَامَعَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ عَلَى رِوَايَةٍ: لَا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ، وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِضَعْفِ هَذَا الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَجْهٌ فِيمَنْ تَرَكَ النِّيَّةَ وَجَامَعَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا، وَاعْتَقَدَ الْفِطْرَ بِهِ ثُمَّ جَامَعَ فَكَالنَّاسِي، وَالْمُخْطِئِ إِلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ فَيُكَفِّرُ فِي الْأَشْهَرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 وَلَوْ جَامَعَ وَهُوَ صَحِيحٌ، ثُمَّ مَرِضَ أَوْ جُنَّ، أَوْ سَافَرَ، لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ وَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ، ثُمَّ جَامَعَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ. وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَلَوْ جَامَعَ وَهُوَ صَحِيحٌ، ثُمَّ مَرِضَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ سَافَرَ، لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَا إِذَا مَرِضَ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْأَعْرَابِيَّ بِالْكَفَّارَةِ. وَلَمْ يَسْأَلْهُ، وَلِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمًا وَاجِبًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ، فَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ لَمْ يَطْرَأِ الْعُذْرُ. لَا يُقَالُ: تَبَيَّنَا أَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عِنْدَ الْجِمَاعِ لِأَنَّ الصَّادِقَ لَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَيَمْرَضُ أَوْ يَمُوتُ لَمْ يَجُزِ الْفِطْرُ، وَالصَّوْمُ لَا تَتَحَرَّى صِحَّتُهُ، بَلْ لُزُومُهُ كَصَائِمٍ صَحَّ أَوْ أَقَامَ، وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ إِذَا حَاضَتْ أَوْ نُفِسَتْ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَجْهٌ يَسْقُطُ بِهِمَا لِمَنْعِهِمَا الصِّحَّةَ، وَمِثْلُهُمَا مَوْتٌ، وَكَذَا جُنُونٌ إِنْ مَنَعَ طَرَيَانَهُ الصِّحَّةُ، (وَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ) فَلَهُ الْفِطْرُ بِمَا شَاءَ لِفِطْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَكْلُ لَهُ الْجِمَاعُ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ (ثُمَّ جَامَعَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَالْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ لَا يَلْزَمُ الْمُضِيُّ فِيهِ، فَلَمْ يَجِبْ كَالتَّطَوُّعِ لَكِنْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِنِيَّتِهِ الْفِطْرَ، فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَهُ، (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) جَزَمَ بِهَا بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ، فَلَزِمَتْهُ كَالْحَاضِرِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ بِالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى السَّفَرِ، وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ، لَكِنْ لَهُ الْجِمَاعُ بَعْدَ فِطْرِهِ بِغَيْرِهِ كَفِطْرِهِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، وَنُقِلَ مِنْهَا فِي الْمَرِيضِ: يُفْطِرُ بِأَكْلٍ فَقُلْتُ: يُجَامِعُ؛ قَالَ: لَا أَدْرِي. (وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ، وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ، وَحَكَى فِي " الرِّعَايَةِ " قَوْلًا فِي قَضَائِهِ إِذَا أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي أَدَائِهَا، فَوَجَبَتْ فِي قَضَائِهَا كَالْحَجِّ. وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ جَامَعَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَالْكَفَّارَةِ، وَالْقَضَاءُ يُفَارِقُ الْأَدَاءَ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، سَقَطَتْ عَنْهُ، وَعَنْهُ: لَا تَسْقُطُ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّخْيِيرِ، فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ، أَجْزَأَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ بِزَمَانِ مُحْتَرَمٍ، فَالْجِمَاعُ فِيهِ هَتْكٌ لَهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا كَالْجِمَاعِ، وَعَنْهُ: فِي الْمُحْتَجِمِ - إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ - عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهَلْ هِيَ كَفَّارَةُ وَطْءٍ أَوْ مُرْضِعٍ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْقُبْلَةِ، وَتَكْرَارِ النَّظَرِ إِذَا أَنْزَلَ رِوَايَةٌ أَنَّهَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَحُكْمُ الِاسْتِمْنَاءِ كَالْقُبْلَةِ قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَاللَّمْسُ كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ. [كَفَّارَةُ الجماع في رمضان] (وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ) وَيَأْتِي سَلَامَتُهَا وَكَوْنُهَا مُؤْمِنَةً (فَمنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَا أَهْلَكَكَ؛ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا، فَقَالَ: عَلَى أَفْقَرِ مِنَّا، فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّرْتِيبِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالِانْتِقَالِ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ، وَكَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، لَكِنْ لَا يَحْرُمُ هُنَا الْوَطْءُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، وَلَا فِي لَيَالِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ. ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَ " التَّلْخِيصِ " كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَحَرَّمَهُ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ عُقُوبَةً، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ وَهُوَ فِي الصِّيَامِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) شَيْئًا (سَقَطَتِ) الْكَفَّارَةُ (عَنْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرِ الْأَعْرَابِيَّ بِهَا أَخِيرًا، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، زَادَ بَعْضُهُمْ بِالْمَالِ، وَقِيلَ: وَالصَّوْمُ (وَعَنْهُ: لَا تَسْقُطُ) وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِهَا الْأَعْرَابِيَّ لَمَّا جَاءَهُ الْعِرْقُ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُ بِعُسْرَتِهِ، وَلِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَمْ تَسْقُطْ بِالْعَجْزِ عَنْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 بَابُ مَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ فِعْلُهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ وَحُكْمُ الْقَضَاءِ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْلَعَهُ، وَأَنْ يَبْلَعَ النُّخَامَةَ، وَهَلْ يُفْطِرُ بِهِمَا؟   [المبدع في شرح المقنع] كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَظْهَرُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَوْ كَفَّرَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ، وَقِيلَ: أَوْ دُونَهَا فَلَهُ أَخْذُهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَطْلَقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا، أَمْ كَانَ خَاصًّا بِالْأَعْرَابِيِّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَخَصَّ لِلْأَعْرَابِيِّ لِحَاجَتِهِ، وَلَمْ تَكُنْ كَفَّارَةٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ، وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ لَا تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ الْقِيَاسُ خُولِفَ فِي رَمَضَانَ لِلْأَخْبَارِ. وَعَنْهُ: تَسْقُطُ كَرَمَضَانَ. (وَعَنْهُ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّخْيِيرِ) بَيْنَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ (فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ) لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، أَوْ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» . وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوُهُ، وَتَابَعَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ، وَفِطْرُهُ كَانَ بِجِمَاعٍ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْمُخَالَفَةِ فَكَانَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْأُولَى أَصَحُّ، فَرَوَاهُ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَالْأَوْزَاعِيُّ والليث وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُمْ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا رَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، وَذَكَرَ سَائِرَهُ» ، وَهَذَا لَفْظُ التَّرْتِيبِ، فَالْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ وَاحْتِمَالُ الْغَلَطِ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنَ احْتِمَالِهِ فِي سَائِرِ أَصْحَابِهِ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَنَا لَفْظُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَحَدِيثُهُمْ لَفْظُ الرَّاوِي، فَلَعَلَّهُ تَوَهَّمَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرَوَاهُ بِـ " أَوْ ". [بَابُ مَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ فِعْلُهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ وَحُكْمُ الْقَضَاءِ] ِ. (يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْلَعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي الْفِطْرِ بِهِ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصْدًا، وَبِأَنَّهُ إِذَا ابْتَلَعَهُ مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ، (وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَبْلَعَ النُّخَامَةَ) إِذَا حَصَلَتْ فِي فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْفِطْرِ بِهَا، (وَهَلْ يُفْطِرُ بِهِمَا؟) أَيْ: بِكُلٍّ مِنَ الرِّيقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَيُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعَامِ، وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ، وَيُكْرَهُ مَضْغُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَجْمُوعِ، وَالنُّخَامَةِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الرِّيقِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاصِلٍ مِنْ خَارِجٍ أَشْبَهَ إِذَا لَمْ يَجْمَعْهُ، وَالثَّانِي: يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَغُبَارِ الدَّقِيقِ، فَعَلَيْهَا: يَحْرُمُ فِعْلُهُ كَمَا لَوْ خَرَجَ إِلَى بَيْنِ أَصَابِعِهِ أَوْ شَفَتَيْهِ، وَفِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " ظَاهِرُ شَفَتَيْهِ ثُمَّ عَادَ فَابْتَلَعَهُ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ كَبَلْعِ رِيقِ غَيْرِهِ. لَا يُقَالُ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» لِضَعْفِ إِسْنَادِهِ، بَلْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصُّهُ في غير حَالَة الصَّوْمِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ ابْتِلَاعِ مَا عَلَيْهِ، فَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ فِيهِ حَصَاةً أَوْ دِرْهَمًا أَوْ خَيْطًا ثُمَّ أَعَادَهُ، فَإِنْ كَثُرَ مَا عَلَيْهِ، أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا، فِي الْأَصَحِّ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ انْفِصَالِهِ، وَدُخُولِهِ إِلَى حَلْقِهِ كَالْمَضْمَضَةِ، وَلَوْ أَخْرَجَ لِسَانَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّ الرِّيقَ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ مَحَلِّهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ خِلَافَهُ، (وَأَمَّا النُّخَامَةُ) فَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جَوْفِهِ أَوْ صَدْرِهِ أَوْ دِمَاغِهِ إِذَا وَصَلَتْ إِلَى فِيهِ، وَصَرَّحَ فِي " الْفُرُوعِ " بِالْفِطْرِ بِالَّتِي مِنْ جَوْفِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْفَمِ كَالْقَيْءِ، وَالثَّانِيَةُ: لا يُفْطِرُ نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ لِاعْتِيَادِهَا فِي الْفَمِ كَالرِّيقِ، وَعَلَيْهِمَا يَنْبَنِي التَّحْرِيمُ. فَرْعٌ: إِذَا تَنَجَّسَ فَمُهُ بِدَمٍ أَوْ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ، فَبَلَعَهُ، أَفْطَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ؛ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْفَمَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ يَقْتَضِي حَصْرَ الْفِطْرِ بِكُلِّ وَاصِلٍ إِلَيْهِ، لَكِنْ عُفِيَ عَنِ الرِّيقِ لِلْمَشَقَّةِ، وَإِنْ بَصَقَهُ وَبَقِيَ فَمُهُ نَجِسًا، فَابْتَلَعَ رِيقَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ جُزْءٌ مِنَ النَّجَسِ أَفْطَرَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا. (وَيُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعَامِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ إِلَى حَلْقِهِ فَيُفْطِرَهُ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 الْعِلْكِ الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ مَضْغُ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ إِلَّا أَنْ لَا يَبْلَعَ رِيقَهُ، وَمَتَى وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ، وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَالَ أَحْمَدُ: أُحِبُّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ فَإِنْ فَعَلَ، فَلَا بَأْسَ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ، وَحَكَاهُ هُوَ وَالْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ) لِأَنَّ وُجُودَ طَعْمِهِ فِي حَلْقِهِ دَلِيلٌ عَلَى وُصُولِ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَعَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْصِيَ بِالْبَصْقِ. ثُمَّ إِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، لَمْ يُفْطِرْ كَالْمَضْمَضَةِ، وَإِلَّا فَيُفْطِرُ لِتَفْرِيطِهِ. (وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ) الْقَوِيِّ الَّذِي كُلَّمَا مَضَغْتَهُ صَلُبَ، وَقَوِيَ (الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِبُ الْفَمَ، وَيَجْمَعُ الرِّيقَ، وَيُورِثُ الْعَطَشَ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَطَاءٍ، وَكَوَضْعِ الْحَصَاةِ فِي فِيهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ وَضَعَ فِي فِيهِ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُعْجِبُنِي. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الصَّائِمِ يَفْتِلُ الْخَيْطَ يُعْجِبُنِي أَنْ يَبْزُقَ، (وَلَا يَجُوزُ مَضْغُ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ) مُطْلَقًا إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لِإِيصَالِ شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ إِلَى جَوْفِهِ مَعَ الصَّوْمِ، وَهُوَ حَرَامٌ (إِلَّا أَنْ لَا يَبْلَعَ رِيقَهُ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ إِدْخَالُ ذَلِكَ إِلَى جَوْفِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَمَتَى وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، أَفْطَرَ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَهُ إِلَى جَوْفِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَعَمَّدَ أَكْلَهُ، وَهَذَا وَجْهٌ، وَالثَّانِي: لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَمُجَرَّدُ الطَّعْمِ لَا يُفْطِرُ كَمَنْ لَطَّخَ بَاطِنَ قَدَمِهِ بِحَنْظَلٍ، بِخِلَافِ الْكُحْلِ، فَإِنَّ أَجْزَاءَهُ تَصِلُ إِلَى الْحَلْقِ، وَقِيلَ فِي تَحْرِيمِ مَا لَا يَتَحَلَّلُ غَالِبًا، وَفِطْرِهِ بِوُصُولِهِ أَوْ طَعْمِهِ إِلَى حَلْقِهِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ. (وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ) لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ فَقَطْ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ، وَإِذَا مُنِعَ الْوَطْءَ، مُنِعَ دَوَاعِيهِ كَالْإِحْرَامِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ كَمَا لَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 لَا تُحَرَّكُ شَهْوَتُهُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ الْكَذِبِ، وَالْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ فَإِنْ شُتِمَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي صَائِمٌ.   [المبدع في شرح المقنع] ظَنَّ الْإِنْزَالَ مَعَهَا لِفَرْطِ شَهْوَتِهِ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الشَّرْحِ " أَيْضًا، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَدْ سَبَقَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ إِجْمَاعًا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تُحَرَّكُ شَهْوَتُهُ) كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ (عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَشَبَهَتْ لَمْسَ الْيَدِ لِحَاجَةٍ، وَالثَّانِيَةُ: تُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ، وَكَالْإِحْرَامِ، وَأَلْحَقَ فِي " الْكَافِي " بِالْقُبْلَةِ اللَّمْسَ، وَتَكْرَارَ النَّظَرِ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهَا. وَظَاهِرُهُ إِنْ لَمَسَهَا لِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَا يُكْرَهُ وِفَاقًا، كَمَا إِذَا لَمَسَ يَدَهَا لِيَعْرِفَ مَوْضِعَهَا وَنَحْوَهُ، وَكَحَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشْبَهَ لَمْسَ ثَوْبِهَا. فَرْعٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَدَعَ بَقِيَّةَ طَعَامٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ، وَشَمُّ مَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَجْذِبَهُ نَفَسُهُ إِلَى حَلْقِهِ كَسَحِيقِ مِسْكٍ، وَكَافُورٍ، وَدُهْنٍ وَنَحْوِهِ، وَقَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ. (وَيَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ الْكَذِبِ) وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِمَا لَا يُطَابِقُ الْمُخْبَرَ عَنْهُ، بِخِلَافِ الصِّدْقِ (وَالْغِيبَةِ) وَهُوَ ذِكْرُ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُ، بِهَذَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالشَّتْمُ) وَهُوَ السَّبُّ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنَ النَّمِيمَةِ وَالْفُحْشِ إِجْمَاعًا، وَفِي رَمَضَانَ وَمَكَانٍ فَاضِلٍ آكَدُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَعْنَاهُ الزَّجْرُ وَالتَّحْذِيرُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ كَانَتِ الْغِيبَةُ تُفْطِرُ مَا كَانَ لَنَا صَوْمٌ، وَذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ إِجْمَاعًا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا: يُفْطِرُ بِغَيْبَةٍ وَنَمِيمَةٍ، وَنَحْوِهِمَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ احْتِمَالٌ: يُفْطِرُ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ، وَقَالَ أَنَسٌ إِذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ، أَفْطَرَ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: الْكَذِبُ يُفْطِرُ الصَّائِمَ، وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: أَنَّ مَنْ شَاتَمَ فَسَدَ صَوْمُهُ لِظَاهِرِ النَّهْيِ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ وَأَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَةً يُفْطِرُ بِسَمَاعِ الْغِيبَةِ، وَأَسْقَطَ أَبُو الْفَرَجِ ثَوَابَهُ بِالْغِيبَةِ، وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِالِاجْتِنَابِ عَمَّا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى إِبَاحَةِ الْكَذِبِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ فِي مَوَاضِعَ، وَعَلَى إِبَاحَةِ الْغِيبَةِ كَالتَّظَلُّمِ وَالِاسْتِفْتَاءِ، وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى تَغْيِيرٍ مُنْكَرٍ، وَالتَّحْذِيرِ، وَالتَّعْرِيفِ، وَالْجَرْحِ. وَبِالْجُمْلَةِ، فَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ، وَلَا يُمَارِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَالُوا نَحْفَظُ صَوْمَنَا، وَلَا نَغْتَابُ أَحَدًا، وَلَا نَعْمَلُ عَمَلًا يَجْرَحُ بِهِ صَوْمَهُ. قَالَهُ أَحْمَدُ. وَيُسَنُّ لَهُ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَكَانَ مَالِكٌ يَتْرُكُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيُقْبِلُ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقْرَأُ سِتِّينَ خَتْمَةً. وَالذِّكْرُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: تَسْبِيحَةٌ فِي رَمَضَانَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ فِيمَا سِوَاهُ. وَالصَّدَقَةُ، لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا (فَإِنْ شُتِمَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي صَائِمٌ) لِمَا فِي " الصَّحِيحِ ": «إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمُطْلَقَ بِاللِّسَانِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَقُولُهُ مَعَ نَفْسِهِ، وَلَا يَطَّلِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ لِلرِّيَاءِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ إِنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَإِلَّا جَهَرَ بِهِ؛ لِلْأَمْنِ مِنَ الرِّيَاءِ، وَفِيهِ زَجْرٌ عَنْ مُشَاتَمَتِهِ لِأَجْلِ حُرْمَةِ الْوَقْتِ. [اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ وَالتَّتَابُعِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ] فَصْلٌ (وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ) لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْمُرَادُ: إِذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ إِجْمَاعًا، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ لِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا فِي عَهْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلِأَنَّ مَا عَلَيْهِ أَمَارَةٌ يَدْخُلُهُ الِاجْتِهَادُ، وَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ وَاحِدٍ كَالْقِبْلَةِ، خِلَافًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ   [المبدع في شرح المقنع] لِصَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " فَلَمْ يُجَوِّزْهُ إِلَّا بِالْيَقِينِ بِخِلَافِ أَوَّلِهِ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ الْأَعْلَى أَفْطَرَ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يُطْعَمْ، وَفِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ شَرْعًا فَلَا يُثَابُ عَلَى الْوِصَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَهُوَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، (وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ) مَا لَمْ يَخْشَ طُلُوعَ الْفَجْرِ الثَّانِي. قَالَهُ الْأَصْحَابُ لِأَخْبَارٍ مِنْهَا مَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ، وَالتَّحَفُّظِ مِنَ الْخَطَأِ، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ طُلُوعَهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الْآجُرِّيُّ لَوْ قَالَ لِعَالِمَيْنِ: ارْقُبَا الْفَجْرَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: طَلَعَ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَا. أَكَلَ حَتَّى يَتَّفِقَا، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَتَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَكَمَالُ فَضِيلَتِهِ بِالْأَكْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَكْلَةُ السَّحَرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِمْسَاكُ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ أَوَّلِهِ، وَآخِرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَطَعَ آخَرُونَ بِوُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْجِمَاعِ وِفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَقَوَّى بِهِ بَلْ يُكْرَهُ مَعَ الشَّكِّ بِخِلَافِ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: السَّحُورُ بِفَتْحِ السِّينِ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ، وَبِالضَّمِّ اسْمُ الْفِعْلِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ، وَالْمُرَادُ فِي كَلَامِهِ: الْفِعْلُ فَيَكُونُ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ) لِمَا رَوَى سَلْمَانُ بْنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 أَفْطَرْتُ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا يَجِبُ.   [المبدع في شرح المقنع] عَامِرٍ مَرْفُوعًا: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا الرُّطَبُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَرْفُوعِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ ابْنُ الْمَنْجَا، فَقَالَ: إِنَّ الرُّطَبَ لَا يُوجَدُ فِي بِلَادِ الشَّامِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهَا تَقْدِيمٌ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، (وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِمَا: تَقَبَّلْ مِنَّا، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ أَوْلَى، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِذَا أَفْطَرَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَالْعَمَلُ بِهَذَا الْخَبَرِ أَوْلَى. وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «وَلِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ مَا تُرَدُّ» . (وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ) وِفَاقًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يحاكِي الْأَدَاءَ، وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنَ الْخِلَافِ، وَأَنْجَزُ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَفْطَرَ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ أَوْ لَا، وَيَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": يَتَوَجَّهِ الْخِلَافُ كَالصَّلَاةِ، (وَلَا يَجِبُ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ. قَالَ: الْبُخَارِيُّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرِّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «قَضَاءُ رَمَضَانَ إِنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ» . رَوَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ آخَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ فَعَلَ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ، وَإِنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ سُفْيَانَ بْنِ بِشْرٍ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا طَعَنَ فِيهِ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ التَّتَابُعُ كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إِلَّا بِقَدْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ، وَيَقْضِي مَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَدَدَ أَيَّامِهِ مُطْلَقًا فِي اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ قَضَى شَهْرًا هِلَالِيًّا أَجْزَأَهُ مُطْلَقًا وَإِلَّا تَمَّمَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَرَدَّهُ فِي " الْمُغْنِي " بِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِعِدَّةِ مَا فَاتَهُ كَالْمَرِيضِ، وَالْمُسَافِرِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: مَنْ صَامَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ كَامِلٍ أَوْ مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَكَانَ رَمَضَانُ الْفَائِتُ نَاقِصًا أَجْزَأَهُ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ، وَعَلَى الثَّانِي يَقْضِي يَوْمًا تَكْمِيلًا لِلشَّهْرِ بِالْهِلَالِ أَوِ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ. [تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ آخَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ] فَصْلٌ (وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ آخَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَمَا لَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ الْأُولَى إِلَى الثَّانِيَةِ، فَلَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ، وَلَا يَصِحُّ، وَعَنْهُ: بَلَى إِنِ اتَّسَعَ الْوَقْتُ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: أَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ، حَرُمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ كَالصَّلَاةِ خُولِفَ فِي الْمَعْذُورِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَحِينَئِذٍ (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ) مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ (لِكُلِّ يَوْمٍ) . رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، فَهَلْ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ أَوِ اثْنَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ، فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يَلْزَمُهُ إطعام لظاهر قَوْله - تَعَالَى - {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وَكَتَأْخِيرِ أَدَاءِ رَمَضَانَ عَنْ وَقْتِهِ عَمْدًا، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ أَنَّهُ يُطْعِمُ بِلَا قَضَاءٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَجُوزُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ: الْأَفْضَلُ عِنْدَنَا تَقْدِيمُهُ مُسَارَعَةً إِلَى الْخَيْرِ، وَتَخَلُّصًا مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ، وَإِذَا تَكَرَّرَ رَمَضَانُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ فِدْيَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ التَّأْخِيرِ لَا يُزَادُ بِهَا الْوَاجِبُ كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ الْوَاجِبَ سِنِينَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ (وَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيِ: الْقَضَاءَ (لِعُذْرٍ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ عَجْزٍ عَنْهُ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَجَبَ بِالشَّرْعِ، فَسَقَطَ بِمَوْتِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ إِمْكَانِ فِعْلِهِ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَالْحَجِّ. وَفِي " التَّلْخِيصِ " رِوَايَةٌ يُطْعَمُ عَنْهُ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَقَالَهُ طَاوُسٌ وَقَتَادَةُ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، وَقَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " يُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ الصَّوْمُ عَنْهُ أَوِ التَّكْفِيرُ كَمَنْ نَذَرَ صَوْمًا، (وَإِنْ مَاتَ) أَيْ: إِذَا أَخَّرَ الْقَضَاءَ لِعُذْرٍ، ثُمَّ مَاتَ كَمَنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ لِعُذْرٍ، وَهُوَ حَيٌّ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، لَكِنَّ الْمَيِّتَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَالْحَيُّ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقَضَاءِ؛ لِإِمْكَانِهِ، فَلَوْ دَامَ عُذْرُهُ بَيْنَ الرَّمَضَانَيْنِ فَلَمْ يَقْضِ، ثُمَّ زَالَ صَامَ الشَّهْرَ الَّذِي أَدْرَكَهُ، ثُمَّ قَضَى مَا فَاتَهُ مِنْ غَيْرِ إِطْعَامٍ نَصَّ عَلَيْهِ، (وَإِنْ أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ) قَالَهُ أَكْثَرُهُمْ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَيْهِ، وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنِ الْقَضَاءِ فَقَالَتْ: " لَا بَلْ يُطْعَمُ ". رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ، (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ) فَأَكْثَرَ (فَهَلْ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ أَوِ اثْنَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا - وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ": أَنَّهُ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ؛ لِأَنَّهُ بِإِخْرَاجِ كَفَّارَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَاحِدَةٍ زَالَ تَفْرِيطُهُ بِالتَّأْخِيرِ أَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَالثَّانِي: وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيرَانِ لِاجْتِمَاعِ التَّأْخِيرِ، وَالْمَوْتِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ. تَنْبِيهٌ: الْإِطْعَامُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْصَى بِهِ أَولا، وَفِي الْقَضَاءِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَوْمٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَقْضِي مُتَعَمِّدٌ بِلَا عُذْرٍ صَوْمًا، وَلَا صَلَاةً، وَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يُخَالِفُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَإِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ كَفَّارَةً، أُطْعِمَ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ الْمُتْعَةِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الصَّوْمَ وَجَبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، فَلَوْ صَامَ عَنْ كَفَّارَةِ مَيِّتٍ، لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَقُلْنَا: الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ أُطْعِمَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ مَسَاكِينَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. [مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ] (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ) هُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْكُلِّ، وَلَوْ قَالَ: بِنَذْر كَـ " الْوَجِيزِ " لَكَانَ أَظْهَرَ (فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ) وَفِيهِ أُمُورٌ: الْأُولَى: صَوْمُ النَّذْرِ عَنِ الْمَيِّتِ هُوَ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: " نَعَمْ» ، وَلِأَنَّ النِّيَابَةَ تَدْخُلُ فِي الْعِبَادَةِ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا، وَهُوَ أَخَفُّ حُكْمًا مِنَ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِإِيجَابِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَفْعَلُهُ الْوَلِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَإِنْ صَامَ غَيْرُهُ جَازَ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَقَدْ شَبَّهَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالدَّيْنِ. وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّصِّ، وَإِنْ صَامَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ فِي يَوْمٍ، فَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يَصُومُ وَاحِدٌ، فَمَنَعَ الِاشْتِرَاكَ كَالْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ، وَعَنِ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ جَوَازَهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَكَمَا لَوْ أَوْصَى بِثَلَاثِ حِجَجٍ، جَازَ صَرْفُهَا إِلَى ثَلَاثَةٍ فِي عَامٍ يَحُجُّونَ عَنْهُ، وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ بِمَنْعِهِ؛ لِأَنَّ نَائِبَهُ مِثْلُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ فِعْلُهُ لِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَالدَّيْنِ لَا يَلْزَمُهُ إِذَا لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً، وَيَفْعَلُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ كَابْنِهِ، فَإِنْ خَلَّفَ تَرِكَةً فَإِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إِلَى مَنْ يَصُومُ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ لَا إِطْعَامَ فِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] رَمَضَانَ، وَلَا كَفَّارَةَ مَعَ الصَّوْمِ عَنْهُ، أَوِ الْإِطْعَامِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ نَذْرِهِ فَلَمْ يَصُمْهُ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ بَعْضِهِ، قَضَى عَنْهُ مَا أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ فَقَطْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ رَمَضَانَ يُعْتَبَرُ فِيهِ إِمْكَانُ الْأَدَاءِ، وَالنَّذْرُ يُحْمَلُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْفَرْضِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا مَاتَ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ مَنْذُورٌ فَعَلَ عَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ «إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ مَنْذُورٌ، فَكَانَ لِلْوَلِيِّ فِعْلُهُ كَالصَّوْمِ، وَعَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ تَمَكُّنَهُ مِنْهُ قَبْلَ موته لظاهر الْخَبَرِ، وَكَنَذْرِ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَهَلْ لِغَيْرِهِ فِعْلُهُ بِإِذْنِهِ أَوْ مُطْلَقًا؟ عَلَى الْخِلَافِ. فَرْعٌ: الْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ. الثَّالِثَةُ: إِذَا مَاتَ، وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ فُعِلَ عَنْهُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِقَوْلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: «إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقْضِهِ عَنْهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَكَالصَّوْمِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ فِيهِمَا، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فَيُخْرَجُ عَنْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ، وَلَا يَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ حَتَّى مَاتَ، فَالْخِلَافُ كَالصَّوْمِ قِيلَ: يَقْضِي، وَقِيلَ: لَا. (وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَأَفْضَلُهُ صِيَامُ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ   [المبدع في شرح المقنع] إِحْدَاهُمَا وَنَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْمَنْجَا، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ ": أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ لَا يَخْلُفُهَا مَالٌ، وَلَا تَجِبُ بِإِفْسَادِهِ، وَالثَّانِيَةُ نَقَلَهَا حَرْبٌ، وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ، وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ ": أَنَّهَا تُفْعَلُ عَنْهُ كَالصَّوْمِ، وَعَلَى هَذَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِهَا، وَحَيْثُ جَازَ فِعْلُ الصَّوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ مَعَ فِعْلِهِ، لِظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَإِلَّا أُخْرِجَ عَنْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِتَرْكِ النَّذْرِ. قَالَ الْمَجْدُ: إِنْ كَانَ قَدْ فَرَّطَ، وَإِلَّا فَفِيهَا الرِّوَايَتَانِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَصُمْهُ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ أَيَّامِ الْحَيَاةِ فِيمَا إِذَا أُطْلِقَ كَفَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ إِذَا عُيِّنَ، فَلَوْ نَذَرَ الطَّوَافَ، فَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ لَا تُفْعَلُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِجْمَاعًا أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ فَائِتَةٌ. [بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ] ِ وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ فَيَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّعْظِيمِ. «وَأَفْضَلُهُ صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» «لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: هُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ، قَالَ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يُضْعِفَ الْبَدَنَ حَتَّى يَعْجِزَ عَمَّا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَحُقُوقِ عِبَادِهِ اللَّازِمَةِ، فَإِنْ أَضْعَفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ تَرْكُهُ أَفْضَلَ، وَلِهَذَا أَشَارَ الصَّادِقُ فِي حَقِّ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: «وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى» فَمِنْ حَقِّ النَّفْسِ اللُّطْفُ بِهَا حَتَّى تُوصِلَ صَاحِبَهَا إِلَى الْمَنْزِلِ. (وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ) ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْعَلَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 أَيَّامِ الْبِيضِ وَصَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ. وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ   [المبدع في شرح المقنع] (أَيَّامَ الْبِيضِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ سُمِّيَتْ بِيضًا لِابْيِضَاضِ لَيْلِهَا كُلِّهِ بِالْقَمَرِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - تَابَ عَلَى آدَمَ، وَبَيَّضَ فِيهَا صَحِيفَتَهُ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ: الثَّانِي عَشَرَ بَدَلَ الْخَامِسَ عَشَرَ، وَقِيلَ: هِيَ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَعَاشِرُهُ وَعِشْرُونَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَصْحَابُنَا بِاسْتِحْبَابِ السُّودِ، وَهِيَ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَتَالِيَاهُ، وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِاسْتِحْبَابِهِ، (وَصَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «هُمَا يَوْمَانِ تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِيهِمَا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَسُمِّيَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ثَانِي الْأُسْبُوعِ، وَالْآخَرَ خَامِسُهُ، (وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالَ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِغَيْرِ تَاءٍ، وَالْمُرَادُ: الْأَيَّامُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ فِي التَّارِيخِ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ (كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) كَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَقَوَّاهُ آخَرُونَ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَإِلَيْهِ مَالَ أَحْمَدُ: إِنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَكَذَا مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَفِيهِ سِتَّةُ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَضْلَ حَصَلَ بِهِ بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ. لَا يُقَالُ: لَا دَلَالَةَ فِي الْخَبَرِ عَلَى فَضِيلَتِهَا لِكَوْنِهِ شَبَّهَ صِيَامَهَا بِصِيَامِ الدَّهْرِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كُرِهَ صَوْمُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ، وَالتَّشَبُّهِ بِالتَّبَتُّلِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ لِاسْتِغْرَاقِهِ الزَّمَنَ بِالْعِبَادَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ: التَّشْبِيهُ فِي حُصُولِ الْعِبَادَةِ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى وَجْهٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، كَمَا فِي أَيَّامِ الْبِيضِ، وَتَحْصُلُ فَضِيلَتُهَا بِالتَّتَابُعِ وَالتَّفَرُّقِ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ " وَغَيْرِهِ اسْتِحْبَابُ تَتَابُعِهِمَا، وَبَعْضُهُمُ اسْتَحَبَّهَا عَقِبَ الْعِيدِ، وَاسْتَحَبَّهَا جَمَاعَةٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ، وَالْأَصْحَابِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْخَيْرِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مُتَتَابِعَةً فَكَأَنَّمَا صَامَ السَّنَةَ» وَفِي " الْفُرُوعِ " احْتِمَالُ أَنَّ الْفَضِيلَةَ تَحْصُلُ بِصَوْمِهَا فِي غَيْرِ شَوَّالٍ، وَذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ: لِأَنَّ فَضِيلَتَهَا كَوْنُ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَيَكُونُ تَقْيِيدُهُ بِشَوَّالٍ لِسُهُولَةِ الصَّوْمِ فِيهِ لِاعْتِيَادِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ صِيَامُهَا إِلَّا لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَقَالَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ، لَكِنَ ذَكَرَ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّ فَضِيلَتَهَا تَحْصُلُ لِمَنْ صَامَهَا وَقَضَاءَ رَمَضَانَ وَقَدْ أَفْطَرَه لِعُذْرٍ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ، وَفِيهِ شَيْءٌ. (وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) بِالْمَدِّ فِي الْأَشْهُرِ، وَهُوَ اسْمٌ إِسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ التَّاسِعُ (كَفَّارَةُ سَنَةٍ) مَاضِيَةٍ لِلْخَبَرِ، وَيُسْتَحَبُّ مَعَهُ صَوْمُ التَّاسِعِ لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ» وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ إِنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوَّلُ الشَّهْرِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَتَيَقَّنَ صَوْمَهُمَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إِفْرَادُ الْعَاشِرِ بِالصَّوْمِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةُ، وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَجِبْ صَوْمُهُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَعَنْهُ: وَجَبَ ثُمَّ نُسِخَ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَمَالَ إِلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ، وَقَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ. فَائِدَةٌ: يَنْبَغِي فِيهِ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَالِ، سَأَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَحْمَدَ عَنْهُ قَالَ: " نَعَمْ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 سَنَتَيْنِ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَةَ، وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَفْضَلُ   [المبدع في شرح المقنع] رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرٍ الْأَحْمَرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ زَمَانِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَنْ، وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَدْ جَرَّبْنَا مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ سِتِّينَ فَمَا رَأَيْنَا إِلَّا خَيْرًا. (وَيَوْمُ عَرَفَةَ) وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سُمِّيَ بِهِ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَتَعَارُفِهِمْ فِيهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَ إِبْرَاهِيمَ الْحَجَّ، وَقِيلَ: لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا، وَقِيلَ: لِتَعَارُفِ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِهَا (كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ) لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «صِيَامُ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبَلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» ، وَقَالَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ: «إِنِّي أحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَعَلَّ مُضَاعَفَةَ التَّكْفِيرِ عَلَى عَاشُورَاءَ؛ لِأَنَّ نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُعْطِيَهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ: تَكْفِيرُ الصَّغَائِرِ. حَكَاهُ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " عَنِ الْعُلَمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَغَائِرُ، رُجِيَ التَّخْفِيفُ مِنَ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، رُفِعَتْ لَهُ دَرَجَاتٌ، (وَلَا يُسْتَحَبُّ) صَوْمُهُ (لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَةَ) لِمَا «رَوَتْ أُمُّ الْفَضْلِ أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَصُمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّهُ يُضْعِفُ عَنِ الدُّعَاءِ فَكَانَ تَرْكُهُ أَفْضَلَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ أَضْيَافُ اللَّهِ وَزُوَّارُهُ، وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِلَّا أَنْ يُضْعِفَهُ عَنِ الدُّعَاءِ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ إِمَامِنَا نَحْوَهُ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ، وَالْقَارِنِ إِذَا عَدِمَا الْهَدْيَ، وَسَيَأْتِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ. وَيُكْرَهُ إِفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ، وَإِفْرَادُ يَوْمِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ - لِأَيَّامِ الْعَشْرَةِ - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ: تِسْعَةٌ، وَإِطْلَاقُ الْعَشْرِ عَلَيْهَا تَغْلِيبًا، وَآكَدُهُ التَّاسِعُ، ثُمَّ الثَّامِنُ، وَوَهِمَ بَعْضُهُمْ فَعَكَسَ. وَظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. «وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَضَافَهُ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا كَنَاقَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُكْثِرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصَّوْمَ فِيهِ إِمَّا لِعُذْرٍ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَهُ إِلَّا أَخِيرًا، وَالْمُرَادُ: أَفْضَلُ شَهْرٍ تَطَوَّعُ بِهِ كَامِلًا بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ التَّطَوُّعِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ أَيَّامِهِ كَعَرَفَةَ، وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، فَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ أَفْضَلُهُ الْمُحَرَّمُ، كَمَا أَنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَآكَدُهُ عَاشُورَاءُ، ثُمَّ تَاسُوعَاءُ، ثُمَّ الْعَشْرُ الْأُوَلُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ قَالَهُ الْحَسَنُ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ. [مَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ مِنَ الْأَيَّامِ] (وَيُكْرَهُ إِفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِهِ، وَفِيهِ دَاوُدُ بْنُ عَطَاءٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ إِحْيَاءً لِشِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ بِتَعْظِيمِهِ، وَلِهَذَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ فِيهِ، وَيَقُولُ: كُلُوا فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَتْ تُعَظِّمُهُ الْجَاهِلِيَّةُ، فَلَوْ أَفْطَرَ مِنْهُ أَوْ صَامَ مَعَهُ غَيْرَهُ زَالَتِ الْكَرَاهَةُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إِفْرَادُ شَهْرٍ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ، وَالْمُرَادُ أَحْيَانًا، وَلَمْ يُدَاوِمْ كَامِلًا عَلَى غَيْرِ رَمَضَانَ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ صَوْمُ رَجَبٍ، وَشَعْبَانَ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ السَّبْتِ وَيَوْمِ الشَّكِّ، وَيَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمَهْرَجَانِ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] وَاسْتَحَبَّهُ فِي " الْإِرْشَادِ " (وَإِفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ وَبَعْدَهُ يَوْمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ «لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» . قَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا الْحَدِيثُ، وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ مِنْ صَوْمِهِ، وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ عَلَى صَوْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا تَعَارُضَ (وَيَوْمُ السَّبْتِ) ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ الصَّمَّاءِ «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ثَوْرٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. . . . فَذَكَرَهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ فَفِي إِفْرَادِهِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآجُرِّيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى الشُّذُوذِ، أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، (وَيَوْمُ الشَّكِّ) لِقَوْلِ عَمَّارٍ: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا، وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ، وَلَمْ يَتَرَاءَ النَّاسُ الْهِلَالَ، وَقَالَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ: أَوْ شَهِدَ بِهِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، قَالَ: أَوْ كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ، وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ صَوْمُهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَلَا يَصِحُّ اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ: لِلنَّهْيِ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ لَا يُكْرَهُ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى صَوْمِهِ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا يُكْرَهُ مَعَ عَادَةٍ أَوْصَلَتْهُ بِمَا قَبْلَ النِّصْفِ وِفَاقًا، وَبَعْدَهُ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَلَا عَنْ وَاجِبٍ لِجَوَازِ النَّفْلِ الْمُعْتَادِ فِيهِ كَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ صَوْمُهُ قَضَاءً، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، فَيَتَوَجَّهُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ لِلشَّكِّ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 يَجُوزَ صَوْمُ يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ عَنْ فَرْضٍ وَلَا تَطَوُّعٍ، وَإِنْ قَصَدَ صِيَامَهُمَا كَانَ عَاصِيًا وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ فَرْضٍ، وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَطَوُّعًا وَفِي صَوْمِهَا عَنْ فَرْضٍ   [المبدع في شرح المقنع] (وَ) يُكْرَهُ (يَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) هُمَا عِيدَانِ لِلْكُفَّارِ قَالَ: الزَّمَخْشَرِيُّ النَّيْرُوزُ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ شَهْرِ الرَّبِيعِ، وَالْمِهْرَجَانُ: الْيَوْمُ التَّاسِعُ عَشَرَ مِنَ الْخَرِيفِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْكُفَّارِ مِنْ تَعْظِيمِهِمَا، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ عَدَمَهَا لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَهُ بِالصَّوْمِ كَالْأَحَدِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يُكْرَهُ صَوْمُ كُلِّ عِيدٍ لِلْكُفَّارِ أَوْ يَوْمٍ يُفْرِدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ (إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً) هُوَ رَاجِعٌ إِلَى صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَهَا أَثَرٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُقَدِّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلًا كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مَسْأَلَةٌ: يُكْرَهُ الْوِصَالُ وَهُوَ أَنْ لَا يُفْطِرَ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ أَوِ الْأَيَّامِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُبَاحٌ لَهُ، وَلَا يُكْرَهُ إِلَى السَّحَرِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَتَرْكُهُ أَوْلَى. (وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ) إِجْمَاعًا لِلنَّهْيِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ (عَنْ فَرْضٍ وَلَا تَطَوُّعٍ) لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نهي عَنْهُ لِأَنَّهُمْ أَضْيَافُ اللَّهِ، وَقَدْ دَعَاهُمْ، فَالصَّوْمُ تَرْكُ إِجَابَةِ الدَّاعِي، وَمِثْلُهُ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ بِخِلَافِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِهِ الثَّوَابُ، فَنَافَتْهُ الْمَعْصِيَةُ، وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ النَّفْلُ فِي غَصْبٍ. وَفِي " الْوَاضِحِ " رِوَايَةٌ يَصِحُّ عَنْ نَذْرِهِ الْمُعَيَّنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «لَا يَصْلُحُ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ» (وَإِنْ قَصَدَ صِيَامَهُمَا كَانَ عَاصِيًا) ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ فِعْلَ الْحَرَامِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَعْصِي حَيْثُ فَقَدَ الْقَصْدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْمُخَالَفَةَ فَلَمْ يُوصَفْ بِهِ، (وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ فَرْضٍ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَهُوَ لَا يُجَامِعُ إِلَّا الْإِجْزَاءَ، وَحُكْمُ التَّطَوُّعِ كَذَلِكَ، (وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) تَطَوُّعًا لِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 رِوَايَتَانِ. وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ تَطَوُّعًا، اسْتُحِبَّ لَهُ إِتْمَامُهُ وَلَمْ يَجِبْ وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ مَرْفُوعًا: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْر اللَّهِ» وَلِأَحْمَدَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدٍ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ. وَمَنْ صَامَهَا أَوْ رَخَّصَ فِيهِ فَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ. قَالَ الْمَجْدُ: أَوْ تَأَوَّلَهُ عَلَى إِفْرَادِهَا كَيَوْمِ الشَّكِّ (وَفِي صَوْمِهَا عَنْ فَرْضٍ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِلْعُمُومِ، وَالثَّانِيَةُ: يَصِحُّ قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ فَيُلْحَقُ بِهِ، وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ خَاصٌّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ عَامٌّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ صَوْمُهَا عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ خَاصَّةً. ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَ " الْعُمْدَةِ " وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ نَفْلُ الصَّوْمِ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُهُ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يَصُمْهُ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ حَتَّى يَصُومَهُ» ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ جَازَ تَأْخِيرُهَا تَخْفِيفًا فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّهِ لَزِمَهُ الْأَصْلُ، وَكَالْحَجِّ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِلْعُمُومِ، وَكَذَا يَخْرُجُ فِي التَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الشَّيْخَانِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِوُجُوبِهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِفَرْضِ الصَّوْمِ قَبْلَ نَذْرٍ لَا يَخَافُ فَوْتَهُ، وَعَنْهُ: بِالنَّذْرِ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُعَيَّنًا بِوَقْتٍ يَخَافُ فَوْتَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يُكْرَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ، وَعَلَى الْجَوَازِ: يُكْرَهُ فِي رِوَايَةٍ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَا يَصِحُّ لِيَنَالَ فَضِيلَتَهُمَا، وَلَا يُكْرَهُ فِي أُخْرَى رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لِلْآيَةِ، وَكَعَشْرِ الْمُحَرَّمِ. [مَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ تَطَوُّعًا اسْتُحِبَّ لَهُ إِتْمَامُهُ] (وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ تَطَوُّعًا، اسْتُحِبَّ لَهُ إِتْمَامُهُ) ؛ لِأَنَّ بِهِ تَكْمُلُ الْعِبَادَةُ، وَذَلِكَ مَطْلُوبٌ، (وَلَمْ يَجِبْ) «لِقَوْلِ عَائِشَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: أَرِينِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 أَفْسَدَهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ،   [المبدع في شرح المقنع] فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَأَكَلَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْخَمْسَةُ، وَزَادَ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: «إِنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ التطَوِّعَاتِ كَهُوَ وَكَالْوُضُوءِ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْبَعُ الْمَقْضِيَّ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ، وَاجِبًا لَمْ يَكُنِ الْقَضَاءُ وَاجِبًا بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَقَوْلُهُ: تَطَوُّعًا. يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا إِذَا دَخَلَ فِي وَاجِبٍ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَالْمَكْتُوبَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَكَنَذْرٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، إِنْ قُلْنَا: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُمَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ خُرُوجُهُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ عهْدة الْوَاجِبِ مُتَعَيِّنٌ، وَدَخَلَتِ التَّوْسِعَةُ فِي وَقْتِهِ رِفْقًا، وَمَظِنَّةً لِلْحَاجَةِ فَإِذَا شَرَعَ تَعَيَّنَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي إِتْمَامِهَا، وَعَنْهُ: يَجِبُ إِتْمَامُ الصَّوْمِ فَإِنْ أَفْسَدَهُ، وَجَبَ الْقَضَاءُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي " لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ وَقَدْ أَفْطَرَتَا: «لَا عَلَيْكُمَا، صُومَا يَوْمًا مَكَانَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَكَالْحَجِّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ ضَعَّفُوهُ، ثُمَّ هُوَ لِلِاسْتِحْبَابِ لِقَوْلِهِ «لَا عَلَيْكُمَا» ، وَبِأَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ كَفَرْضِهِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَتَقْرِيرُ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ مَعَهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إِنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ أَعَادَ قَالَ: الْقَاضِي أَيْ: نَذَرَهُ، وَخَالَفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يُكْرَهُ خُرُوجُهُ مِنْهُ لِعُذْرٍ، وَإِلَّا كُرِهَ فِي الْأَصَحِّ، وَهَلْ يُفْطِرُ لِضَيْفِهِ؛ يَتَوَجَّهُ كَصَائِمٍ دُعِيَ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَمَالَ إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْجَوْزَجَانِيُّ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ إِحْرَامٍ وَإِحْلَالٍ كَالْحَجِّ، وَإِذَا شَرَعَ فِيهَا قَائِمًا، لَمْ يَلْزَمْهُ إِتْمَامُهَا قَائِمًا بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَاقْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ على ذكرهما كَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: الِاعْتِكَافُ كَالصَّوْمِ عَلَى الْخِلَافِ يَعْنِي إِذَا دَخَلَ فِيهِ، وَقَدْ نَوَاهُ مُدَّةً لَزِمَتْهُ، وَيَقْضِيهَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا لَا بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ خِلَافًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَفِي " الْكَافِي " سَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهِمَا كَالصَّوْمِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الطَّوَافَ كَالصَّلَاةِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ. قَالَ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ رَأَيْتُ سُفْيَانَ إِذَا كَثُرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ تَرَكَهُمْ، وَدَخَلَ فِي الطَّوَافِ، فَطَافَ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ، وَيَدَعُهُمْ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الصَّدَقَةُ وَالْقِرَاءَةُ، وَالْأَذْكَارُ بِالشُّرُوعِ وِفَاقًا. وَأَمَّا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، فَيَلْزَمُ إِتْمَامُهُمَا لِانْعِقَادِ الْإِحْرَامِ لَازِمًا فَإِنْ أَفْسَدَهُمَا أَوْ فَسَدَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ، حَكَاهَا فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الِانْتِصَارِ " وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا أَحْسَبُهَا إِلَّا سَهْوًا. فَرْعٌ: إِذَا قُطِعَ الصَّوْمُ وَنَحْوُهُ فَهَلِ انْعَقَدَ الْجُزْءُ الْمُؤَدَّى، وَحَصَلَ بِهِ قُرْبة أَمْ لَا؛ وَعَلَى الْأَوَّلِ: هَلْ يَبْطُلُ حُكْمًا أَوْ لَا يَبْطُلُ؛ اخْتَلَفَ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ بِبُطْلَانِهِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّ الْإِبْطَالَ فِي الْآيَةِ هُوَ بُطْلَانُ الثَّوَابِ قَالَ: وَلَا نُسَلِّمُ بُطْلَانَ جَمِيعِهِ، بَلْ قَدْ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِعَمَلِهِ. [الْتِمَاسُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ] (وَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ) لِشَرَفِهَا وَعِظَمِهَا وَبَرَكَتِهَا، وَسُورَتُهَا مَكِّيَّةٌ، نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الْأَكْثَرِينَ، وَقِيلَ: مَدَنِيَّةٌ، نَقَلَهُ الثَّعَالِبِيُّ عَنِ الْأَكْثَرِينَ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا أَوَّلُ سُورَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 وَلَيَالِي الْوِتْرِ آكَدُهَا وَأَرْجَاهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَيَدْعُو فِيهَا بِمَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ   [المبدع في شرح المقنع] نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ: - تَعَالَى - {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] أَيْ: قِيَامُهَا، وَالْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ خَالِيَةً مِنْهَا. وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ زَادَ أَحْمَدُ وَمَا تَأَخَّرَ» وَسُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقْضِي اللَّهُ الْأَقْضِيَةَ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَيُسَلِّمُهَا إِلَى أَرْبَابِهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِهِ لِعَظَمِ قَدْرِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَقِيلَ: لِضِيقِ الْأَرْضِ عَنِ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي تَنْزِلُ فِيهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ لِلطَّاعَاتِ فِيهَا قَدْرًا عَظِيمًا، وَهِيَ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، ذَكَرَهَا الْخَطَّابِيُّ إِجْمَاعًا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً أَنَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا تُكَرَّرُ، وَبِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا هُوَ أَفْضَلُ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ التَّمِيمِيُّ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا الْقُرْآنُ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ فَأَمَّا أَمْثَالُهَا مِنْ لَيَالِي الْقَدْرِ فَلَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ، وَأَنَّهَا لَمْ تُرْفَعْ لِلْأَخْبَارِ فِي طَلَبِهَا، وَقِيَامِهَا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فِي رَفْعِهَا (فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الْكَافِي ": تُطْلَبُ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ، «وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ فِي كُلِّ السَّنَةِ، (وَلَيَالِي الْوِتْرِ آكَدُهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ السَّلَامُ -: اطْلُبُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي ثَلَاثٍ بَقِينَ أَوْ سَبْعٍ بَقِينَ أَوْ تِسْعٍ بَقِينَ» . وَرَوَى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي الْوِتْرِ مِنْهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ وَافَقْتُهَا فَبِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: قُولِي اللَّهُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] وَاخْتَارَ الْمَجْدُ كُلُّ الْعَشْرِ سَوَاءٌ. وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بَلْ لَيَالِي الْوِتْرِ أَبْلَغُ مِنْ لَيَالِي الشَّفْعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْوِتْرُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي فَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةَ إِحْدَى، وَثَلَاثٍ إِلَى آخِرِهِ، وَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْبَاقِي، فَإِذَا كَانَ تَامًّا كَانَ ذَلِكَ لَيَالِيَ الْإِشْفَاعِ، فَلَيْلَةُ الثَّانِيَةِ تَاسِعَةٌ تَبْقَى، وَلَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَابِعَةٌ تَبْقَى، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا كَانَ التَّارِيخُ بِالْبَاقِي كَالتَّارِيخِ بِالْمَاضِي، (وَأَرْجَاهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَانَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَسْتَثْنِي وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ. قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخْبِرَكُمْ فَتَتَّكِلُوا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَيُرَجِّحُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْقَدْرِ ثَلَاثُونَ كَلِمَةً السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ مِنْهَا هِيَ. وَقَدِ اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - كَرَّرَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي سُورَتِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَحُرُوفُهَا تِسْعٌ، وَالنَّاشِئُ مِنْ ضَرْبِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ، وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ أَنَّهَا لَيْلَةٌ مُتَعَيَّنَةٌ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةِ الْعَشْرِ، وَقَعَ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَمَعَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ تَقَعُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَيْلَةَ قَوْلِهِ فِيهَا. وَحُكْمُ الْعِتْقِ، وَالْيَمِينِ كَالطَّلَاقِ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ تَخْرِيجًا. وَمَنْ نَذَرَ قِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَامَ الْعَشْرَ، وَنَذْرُهُ فِي أَثْنَائِهِ كَطَلَاقٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. فَائِدَةٌ: الْحِكْمَةُ فِي إِخْفَائِهَا لِيَجْتَهِدُوا فِي طَلَبِهَا، وَيَجِدُّوا فِي الْعِبَادَةِ طَمَعًا فِي إِدْرَاكِهَا كَمَا أَخْفَى سَاعَةَ الْإِجَابَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاسْمَهُ الْأَعْظَمَ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَرِضَاهُ فِي الْحَسَنَاتِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (وَيَدْعُو فِيهَا) فَإِنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَجَابٌ فِيهَا، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ (بِمَا «رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» .   [المبدع في شرح المقنع] وَافَقْتُهَا فبمَ أَدْعُو؟ قَالَ: قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفْوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ، وَصَحَّحَهُ، وَمَعْنَى الْعَفْوِ: التَّرْكُ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى السَّتْرِ، وَالتَّغْطِيَةِ فَمَعْنَى اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي، أَيِ: اتْرُكْ مُؤَاخَذَتِي بِجُرْمِي، وَاسْتُرْ عَلَيَّ ذَنْبِي، وَأَذْهِبْ عَنِّي عَذَابَكَ، وَاصْرِفْ عَنِّي عِقَابَكَ. وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ فَمَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ يَقِينٍ خَيْرًا مِنْ مُعَافَاةٍ» فَالشَّرُّ الْمَاضِي يَزُولُ بِالْعَفْوِ، وَالْحَاضِرُ بِالْعَافِيَةِ، وَالْمُسْتَقْبَلُ بِالْمُعَافَاةِ لِتَضَمُّنِهَا دَوَامَ الْعَافِيَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 كِتَابُ الِاعْتِكَافِ، هُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَهُوَ سُنَّةٌ إِلَّا أَنْ يَنْذُرَهُ فَيَجِبُ وَيَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الِاعْتِكَافِ] [تَعْرِيفُ الاعتكاف وَحُكْمُهُ] ِ (هُوَ) لُغَةً لُزُومُ الشَّيْءِ، وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] يُقَالُ عَكَفَ يَعْكُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا، وَقُرِئَ بِهِمَا. وَشَرْعًا (لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -) عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ - وَلَوْ مُمَيِّزًا - طَاهِرٍ مِمَّا يُوجِبُ غُسْلًا وَلَوْ سَاعَةً، فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ، وَمَجْنُونٍ، وَطِفْلٍ، كَالصَّلَاةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَلَا يَبْطُلُ بِالْإِغْمَاءِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَطَاعَةٌ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ} [الحج: 26] وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «فِي الْمُعْتَكِفِ، وَهُوَ يَعْكُفُ الذُّنُوبَ، وَيُجْرَى لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ كَعَامِلِ الْحَسَنَاتِ كُلِّهَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ تَعْرِفُ فِي فَضْلِ الِاعْتِكَافِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنَّ شَيْئًا ضَعِيفًا. (وَهُوَ سُنَّةٌ) كُلَّ وَقْتٍ إِجْمَاعًا لِمُدَاوَمَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِعْلَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ أَصْحَابَهُ، بَلْ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ» ، وَآكَدُهُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ فِي لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَلَا فِي بَعْضِ يَوْمٍ.   [المبدع في شرح المقنع] رَمَضَانَ، وَالْعَشْرُ الْأَخِيرَةُ آكَدُ لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ (إِلَّا أَنْ يَنْذُرَهُ فَيَجِبُ) الْوَفَاءُ بِهِ إِجْمَاعًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ، وَلِلْبُخَارِيِّ: فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً» . وَظَاهِرُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ. فَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ، فَلَهُ شَرْطٌ نَحْوَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ إِنْ كُنْتُ مُقِيمًا أَوْ مُعَافًى فَصَادَفَهُ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ أَوْ بِالنِّيَّةِ؟ وَقَالَهُ مَالِكٌ مَعَ الدُّخُولِ فِيهِ، فَإِنْ قَطَعَهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ، وَرَدَّهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَحَدٍ سِوَاهُ، وَلَمْ يَقَعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى لُزُومِ نَافِلَةٍ بِالشُّرُوعِ فِيهَا سِوَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَيَجِبُ تَعْيِينُ الْمَنْدُوبِ بِالنِّيَّةِ لِيَتَمَيَّزَ، فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ فَقِيلَ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ، وَقِيلَ: لَا لِتَعَلُّقِهُ بِمَكَانٍ كَالْحَجِّ. (وَيَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِحَدِيثِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَصِحُّ فِي اللَّيْلِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الصَّوْمُ كَالصَّلَاةِ. فَعَلَى هَذَا، فَلَهُ مَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا فَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَحْظَةً، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ أَقَلَّهُ سَاعَةٌ، وَلَا يَكْفِي عُبُورُهُ، وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي أَيَّامِ النَّهْيِ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا، وَلَوْ صَامَ، ثُمَّ أَفْطَرَ عَمْدًا، لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ، (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ) بِغَيْرِ صَوْمٍ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ» ، وَلِأَنَّهُ لُبْثٌ فِي مَسْجِدٍ فَلَمْ يَكُنْ بِمُجَرَّدِهِ قُرْبَةً كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ مِنَ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، وَلَا مِنَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ شَرَعَا فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنٍ فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا،   [المبدع في شرح المقنع] وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا، وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ وَهِمَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَيُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّ إِيجَابَ الصَّوْمِ حُكْمٌ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَصٌّ، وَلَا إِجْمَاعٌ، وَقِيَاسُهُمْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ لُبْثٌ فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الصَّوْمُ كَالْوُقُوفِ (فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ فِي لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَلَا فِي بَعْضِ يَوْمٍ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصَّوْمِ الْمُشْتَرَطِ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي اعْتَكَفَ بَعْضَهُ أَمْ لَا، وَقَطَعَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ بِصِحَّتِهِ لِوُجُودِ اللُّبْثِ بِشَرْطِهِ، وَأَطْلَقَ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ، وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يُقْصَدْ لَهُ، وَلَا يَصِحُّ فِي أَيَّامِ النَّهْيِ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا، وَاعْتِكَافُهَا نَذْرًا أَوْ نَفْلًا كَصَوْمِهَا نَذْرًا أَوْ نَفْلًا فَإِذَا كَانَ الِاعْتِكَافُ مُتَتَابِعًا، فَأَتَى فِي أَثْنَائِهِ يَوْمُ عِيدٍ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ اعْتِكَافِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ، وَيَجُوزَ خُرُوجُهُ إِلَى الْعِيدِ، وَلَا يَفْسُدَ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى إِنْ شَاءَ، وَإِلَى أَهْلِهِ، وَعَلَيْهِ حُرْمَةُ الْعُكُوفِ، ثُمَّ يَعُودُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي يَوْمِهِ لِتَمَامِ أَيَّامِهِ قَالَهُ الْمَجْدُ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَصُومَ لِلِاعْتِكَافِ مَا لَمْ يَنْذُرْ لَهُ الصَّوْمَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَالْخَبَرِ، وَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي رَمَضَانَ تَطَوُّعًا أَوْ يَنْذُرَ عَنْهُ بِهِ، وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ بِصَوْمٍ لَزِمَاهُ مَعًا، فَلَوْ فَرَّقَهُمَا أَوِ اعْتَكَفَ، وَصَامَ فَرْضَ رَمَضَانَ، وَنَحْوَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ فِيهِ كَالتَّتَابُعِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ لَا الْجَمْعُ فَلَهُ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا فَالْخِلَافُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَ الزَّمَانِ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً، وَيَقْرَأَ فِيهَا سُورَةً بِعَيْنِهَا لَزِمَهُ الْجَمْعُ، فَلَوْ قَرَأَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ ". [اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا] (وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ مِنَ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا) وِفَاقًا (وَلَا مِنَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ) لِتَفْوِيتِ مَنَافِعِهَا الْمَمْلُوكَةِ لِغَيْرِهِمَا (فَإِنْ شَرَعَا فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ) وَإِنْ كَانَ فَرْضًا، قَالَهُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 وَإِلَّا فَلَا، وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ بِغَيْرِ إِذْنٍ. وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ (فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إِلَّا بِإِذْنِهِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّهُ شروع غير جَائِزٌ مُتَضَمِّنٌ لِفَوَاتِ حَقِّهِمَا، فَمَلَكَا تَحْلِيلَهُمَا مِنْهُ لِيَعُودَ حَقُّهُمَا إِلَى مَا كَانَ، وَخَرَّجَ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " لَا يَمْنَعَانِ مِنَ الْمَنْذُورِ كَرِوَايَةٍ فِي الْمَرْأَةِ فِي صَوْمٍ وَحَجٍّ مَنْذُورَيْنِ، وَفِي ثَالِثٍ: مَنْعُهُمَا وَتَحْلِيلُهُمَا مِنْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي كَوَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا فِي صَوْمٍ وَحَجٍّ مَنْذُورَيْنِ، وَفِي رَابِعٍ مَنْعُهُمَا، وَتَحْلِيلُهُمَا إِلَّا مِنْ مَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَالْمِلْكِ كَوَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ إِنْ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فكَالْمَنْذُورِ فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ لَمْ يُحَلِّلَاهَا صَحَّ وَأَجْزَأَ، وَجَزَمَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا: يَقَعُ بَاطِلًا كَصَلَاةٍ فِي مَغْصُوبٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ (وَإِنْ كَانَ بِإِذْنٍ فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا) ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَذِنَ لِعَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، وَزَيْنَبَ، ثُمَّ مَنَعَهُنَّ بَعْدَ أَنْ دَخَلْنَ فِيهِ» ، وَلِأَنَّ حَقَّهُمَا وَاجِبٌ، وَالتَّطَوُّعُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، وَلَهُمَا الْمَنْعُ ابْتِدَاءً فَكَذَا دَوَامًا كَالْعَارِيَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا كَانَ مَنْذُورًا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَيَجِبُ إِتْمَامُهُ كَالْحَجِّ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَيِّنًا أَوْ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ كَنَذْرِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ مُتَتَابِعَةٍ إِذَا اخْتَارَ فِعْلَهُ مُتَتَابِعًا، وَأَذِنَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ يَجُوزُ تَحْلِيلُهُمَا مِنْهُ عِنْدَ مُنْتَهَى كُلِّ يَوْمٍ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْهُ كَالتَّطَوُّعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمُ الْمَنْعُ كَغَيْرِهِ. فَرْعٌ: الْإِذْنُ فِي عَقْدِ النَّذْرِ إِذْنٌ فِي فِعْلِهِ إِنْ نَذَرَ زَمَنًا مُعَيَّنًا بِالْإِذْنِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ زَمَنَ الشُّرُوعِ لَمْ يَقْتَضِهِ الْإِذْنُ السَّابِقُ، وَقَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ: مَنْعَ تَحْلِيلِهِمَا أَيْضًا كَالْإِذْنِ فِي الشُّرُوعِ. (وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ بِغَيْرِ إِذْنٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَسْتَحِقُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 مُهَايَأَةٌ فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ فِي نَوْبَتِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ إِلَّا الْمَرْأَةَ لَهَا الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إِلَّا مَسْجِدَ بَيْتِهَا. وَالْأَفْضَلُ   [المبدع في شرح المقنع] مَنَافِعَهُ، وَلَا يَمْلِكُ إِجْبَارَهُ عَلَى الْكَسْبِ فَهُوَ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهِ كَحُرٍّ مَدِينٍ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ حَلَّ نَجْمٌ أَوْ لَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَهُ الْحَجُّ مِنَ الْمَالِ الَّذِي جَمَعَهُ مَا لَمْ يَأْتِ نَجْمُهُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى إِذْنِهِ لَهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِإِذْنِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ: مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا، (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ إِنْ كَانَت بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ) وَهُوَ أَنْ يَتَّفِقَ هُوَ، وَمَالِكُ بَعْضِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُدَّةٌ، وَلِمَالِكِ بَعْضِهِ أُخْرَى (فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ، وَيَحُجَّ فِي نَوْبَتِهِ) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِسَيِّدِهِ بَلْ هِيَ كَالْحُرِّ، (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ؛ لِأَنَّ لَهُ مُلْكًا فِي مَنَافِعِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَتَجْوِيزُهُ يَتَضَمَّنُ إِبْطَالَ حَقِّ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ بِجَائِزٍ. [الِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ] وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ، فَلَوْ صَحَّ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَخْتَصَّ بِتَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ إِذْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّهُ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُدْخِلُ رَأْسَهُ إِلَى عَائِشَةَ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَتُرَجِّلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ (يُجْمَعُ فِيهِ) أَيْ: تُقَامُ فِيهِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ مِنْ مُعْتَكِفِينَ حِذَارًا إِمَّا مِنْ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ تَكَرُّرِ الْخُرُوجِ الْمُنَافِي لَهُ مَعَ إِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، فَإِذَا قِيلَ: بِأَنَّهَا سُنَّةٌ فَلَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَعْذُورُ وَالصَّبِيُّ، وَمَنْ هُوَ فِي قَرْيَةٍ لَا يُصَلِّي فِيهَا غَيْرُهُ، وَمَنِ اعْتِكَافُهُ فِي مدة غير وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنِ الْمَعْذُورِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدِ الْتَزَمَهُ (إِلَّا الْمَرْأَةَ لَهَا الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ) لِلْآيَةِ، وَالْجَمَاعَةُ لَا تَلْزَمُهَا، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَهِيَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَالْخِرَقِيِّ، لِمَا رَوَى حَرْبٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا فَقَالَ: بِدْعَةٌ، وَأَبْغَضُ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ الْبِدَعُ فَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلَاةُ (إِلَّا مَسْجِدَ بَيْتِهَا) وَهُوَ مَا اتَّخَذَتْهُ لِصَلَاتِهَا، وَلَوْ جَازَ لَفَعَلَتْهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ تَتَخَلَّلُهُ وَمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ أَوِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ فَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ إِلَّا الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ. وَأَفْضَلُهَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، ثُمَّ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَلَوْ مَرَّةً تَبْيِينًا لِلْجَوَازِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. وَظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ " صِحَّتُهُ فِيهِ قَالَ: وَإِنَّمَا كُرِهَ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ لَمْ يَحْتَفِظْ بِخِبَاءٍ نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيَضْرِبْنَ لَهُنَّ فِيهَا الْخِيَمَ. قُلْتُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَتِرَ الرَّجُلُ كَهِيَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ أَخْفَى لِعَمَلِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ لَا إِلَّا لِبَرْدٍ شَدِيدٍ. مَسْأَلَةٌ: رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ مِنْهُ فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَعَنْهُ: بَلَى جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْقَاضِي كَظَهْرِهِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ: إِنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ وَبَابٌ فَهِيَ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَمَنَارَتُهُ إِنْ كَانَتْ فِيهِ أَوْ بَابُهَا فِيهِ فَهِيَ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَنْعِ الْجُنُبِ، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ قَرِيبَةٌ فَخَرَجَ لِلْأَذَانِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْبَنَّا وَالْمَجْدُ خِلَافَهُ. (وَالْأَفْضَلُ الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ تَتَخَلَّلُهُ) لِئَلَّا يَحْتَاجَ إِلَى الْخُرُوجِ إِلَيْهَا فَيَتْرُكَ الِاعْتِكَافَ، مَعَ إِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَلِأَنَّهُ خرج لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فكأنه استثنى الجمعة بِلَفْظِهِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَجْهٌ يَلْزَمُ فَإِنِ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ بَطَلَ بِخُرُوجِهِ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ لَكِنْ إِنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ تَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْجُمُعَةِ، فَلَوِ اعْتَكَفَ فِيمَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ فَقَطْ لَمْ يَصِحَّ إِنْ وَجَبَتِ الْجَمَاعَةُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ إِذَا لَمْ يَتَخَلَّلِ اعْتِكَافُهُ لَمْ يَكُنِ الْجَامِعُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْخُرُوجِ، وَلَوِ اعْتَكَفَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ فِي مَسْجِدٍ لَا يُصَلّي فِيهِ بَطَلَ خُرُوجُهُ إِلَيْهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ. (وَمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ أَوِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ فَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَوْضِعًا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالنَّذْرِ، وَيَبْطُلْ بِبِقَاعِ الْحَجِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَوْ تَعَيَّنَ احْتَاجَ إِلَى شَدِّ رَحْلٍ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ إِلَّا «مَسْجِدَ قُبَاءٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا ويُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى شَدِّ رِحَالٍ فَظَاهِرُ " الِانْتِصَارِ " وَ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": يَلْزَمُ، وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ احْتِمَالًا فِي تَعْيِينِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ قَالَ الْمَجْدُ: وَنَذْرُ الِاعْتِكَافِ مِثْلُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَعْتَكِفُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي عَيَّنَهُ. وَظَاهِرُهُ لَا كَفَّارَةَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ ". وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُصَلِّي فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، وَإِنْ أَرَادَ الذَّهَابَ إِلَى مَا عَيَّنَهُ، وَاحْتَاجَ إِلَى شَدِّ رَحْلٍ فَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْقَصْرِ، وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَخَيَّرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى شَدِّ رَحْلٍ فَالْمَذْهَبُ: يُخَيَّرُ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": الْأَفْضَلُ الْوَفَاءُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهَذَا أَظْهَرُ. (إِلَّا الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ) فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ لِفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ «إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» [أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ] (وَأَفْضَلُهَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْخَطَّابِ الدِّمَشْقِيِّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي بِمِائَةِ صَلَاةٍ» ، (ثُمَّ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ) لِمَا «رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 ثُمَّ الْأَقْصَى فَإِذَا نَذَرَهُ فِي الْأَفْضَلِ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ نَذَرَهُ فِي غَيْرِهِ فَلَهُ فِعْلُهُ فِيهِ، وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ الشُّرُوعُ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِ لَيْلَتِهِ إِلَى انْقِضَائِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَجُمَعُ: الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ فَدَلَّ أَنَّ مَسْجِدَهَا أَفْضَلُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَشْهَبَ: إِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ بِدُونِ الْأَلْفِ. وَجَوَابُهُ: رِوَايَةُ أَحْمَدَ السَّابِقَةُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَوْضِعُ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ، (ثُمَّ الْأَقْصَى) لِمَا رَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا قَالَ: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْمُهَاجِرِ نَحْوُهُ فَإِذَا نَذَرَهُ فِي الْأَفْضَلِ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (لَمْ يُجْزِئْهُ) فِي (غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا احْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ، وَإِنْ نَذَرَهُ فِي غَيْرِهِ فَلَهُ فِعْلُهُ فِيهِ أَيْ: إِذَا نَذَرَهُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ أَوِ الْأَقْصَى فَلَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَفْضَلِيَّتِهِ، وَإِنْ نَذَرَهُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ لَمْ يُجْزِئْهُ غَيْرُهُ إِلَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَإِذَا عَيَّنَ الْأَقْصَى أَجْزَأَهُ الْمَسْجِدَانِ فَقَطْ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَفْضَلِيَّتِهِمَا عَلَيْهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ فَدَخَلَ فِيهِ، ثُمَّ انْهَدَمَ مُعْتَكَفُهُ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - تَعَالَى -، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْمَقَامُ فِيهِ، أَتَمَّهُ فِي غَيْرِهِ لُزُومًا، وَلَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ) تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَ (لَزِمَهُ الشُّرُوعُ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِ لَيْلَتِهِ) أَيْ: قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، نَصَّ عَلَيْهِ، إِذِ الشَّهْرُ يَدْخُلُ بِدُخُولِ اللَّيْلَةِ بِدَلِيلِ تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا لَزِمَهُ شَهْرٌ مُتَتَابِعٌ، وَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا مَعْدُودَةً فَلَهُ تَفْرِيقُهَا إِلَّا عِنْدَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُعَلَّقَةِ بِهِ مِنْ حُلُولِ الدَّيْنِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ الْمُعَلَّقِينَ بِهِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ وَاجِبٌ، وَعَنْهُ: يَدْخُلُ قَبْلَ فَجْرِهَا الثَّانِي رُوِيَ عَنِ اللَّيْثِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ «بِقَوْلِ عَائِشَةَ: كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِيهِ فَلَمْ يَجِبِ ابْتِدَاؤُهُ قَبْلَ شَرْطِهِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَدْخُلْ إِلَّا بَعْدَ الصُّبْحِ وَهُمْ يُوجِبُونَ الدُّخُولَ قَبْلَ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ اعْتِكَافَهُ كَانَ تَطَوُّعًا، وَالتَّطَوُّعُ مَتَى شَاءَ شُرِعَ. عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، والليث وَإِسْحَاقَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ تَطَوُّعًا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ، وَحُمِلَ عَلَى الْجَوَازِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ يَوْمَ الْعِشْرِينَ لِيَسْتَظْهِرَ بِبَيَاضِ يَوْمٍ زِيَادَةً، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَدْخُلُ قَبْلَ لَيْلَتِهِ الْأُولَى (إِلَى انْقِضَائِهِ) لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى نَذْرِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى الشَّهْرِ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى نَذْرِهِ لَكِنْ إِذَا اعْتَكَفَ رَمَضَانَ، أَوِ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ، اسْتُحِبَّ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي مُعْتَكَفِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى الْمُصَلَّى، نَصَّ عَلَيْهِ، لِيَصِلَ طَاعَةً بِطَاعَةٍ. (وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا، لَزِمَهُ شَهْرٌ مُتَتَابِعٌ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَصِحُّ لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِذَا أَطْلَقَهُ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ، وَكَقَوْلِهِ: لَا كَلَّمْتُ زَيْدًا شَهْرًا، وَكَمُدَّةِ الْعِدَّةِ وَالْإِيلَاءِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْكَفَّارَةِ تَأْكِيدًا، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ لِصِحَّةِ إِطْلَاقِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِالتَّتَابُعِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ وَيَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَخْرُجُ إِلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ أَيَّامِهِ، وَيَكْفِيهِ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ بِلَيَالِيهِ أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيهِنَّ، وَثَلَاثِينَ لَيْلَةً فَإِنِ ابْتَدَأَهُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ تَمَّمَهُ إِلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ فِي الْيَوْمِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ، وَكَذَلِكَ إِنِ ابْتَدَأَهُ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ تَمَّمَهُ إِلَى مَا ذَكَرْنَا إِنْ لَمْ يُعْتَبَرِ الصَّوْمُ، وَإِنِ اعْتَبَرَ فَثَلَاثِينَ لَيْلَةً صِحَاحًا بِأَيَّامِهَا الْكَامِلَةِ. (وَمَنْ نَذَرَ أَيَّامًا مَعْدُودَةً) كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ عِشْرِينَ يَوْمًا (فَلَهُ تَفْرِيقُهَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 الْقَاضِي، وَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا أَوْ لَيَالِيَ مُتَتَابِعَةً لَزِمَهُ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَالطَّهَارَةِ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ الْمُطْلَقَةَ تُؤْخَذُ بِدُونِ التَّتَابُعِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَنَذْرِ صَوْمِهَا، وَاحْتِجَاجُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِالْآيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ (إِلَّا عِنْدَ الْقَاضِي) فَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ كَلَفْظِ الشَّهْرِ، فَعَلَى هَذَا تَلْزَمُهُ اللَّيَالِي الدَّاخِلَةُ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْذُورَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّتَابُعَ أَوْ لِشَرْطِهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إِلَّا فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِلْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِ لَفْظُ الشَّهْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، (وَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا أَوْ لَيَالِيَ مُتَتَابِعَةً) بِشَرْطه أَوْ نِيَّتِهِ (لَزِمَهُ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ لَيْلٍ) إِذَا نَذَرَ الْأَيَّامَ (أَوْ نَهَارٍ) إِذَا نَذَرَ اللَّيَالِيَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ اسْمٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ وَاللَّيْلَةُ اسْمٌ لِسَوَادِ اللَّيْلِ، وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ تَكْرَارُ الْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مَا تَخَلَّلَهُ لِلُزُومِ التَّتَابُعِ ضِمْنًا، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ لَا يَلْزَمُهُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَكِيمٍ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ، وَفِي ثَالِثٍ: لَا يَلْزَمُهُ اللَّيْلُ فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ، لَزِمَهُ يَوْمَانِ وَلَيْلَةٌ بَيْنَهُمَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ مُعَيَّنًا أَوْ مُطْلَقًا دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ فَجْرِهِ الثَّانِي، وَخَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْيَوْمِ، وَلَا تَلْزَمُهُ اللَّيْلَةُ الَّتِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْيَوْمِ، وَإِذَا نَذَرَ لَيْلَةً لَزِمَتْهُ فَقَطْ، فَيَدْخُلُ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَيَخْرُجُ بَعْدَ فَجْرِهَا الثَّانِي. وَإِنِ اعْتَبَرْنَا الصَّوْمَ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُهُ بِسَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّتَابُعُ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَيَّدَهُ بِهِ، وَإِذَا قَالَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِي، تَعَيَّنَ مِنْهُ إِلَى مِثْلِهِ، وَفِي دُخُولِ اللَّيْلِ الْخِلَافُ، وَإِذَا نَذَرَ شَهْرًا مُتَفَرِّقًا فَلَهُ تَتَابُعُهُ قَالَ الْمَجْدُ: لِأَنَّهُ أَفْضَلُ، كَاعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذَا نَذَرَ غَيْرَهُ، وَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَقَدِمَ لَيْلًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ قَدِمَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ الْبَاقِي، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْهُ. [لَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ] فَصْلٌ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ) فِيمَا إِذَا عَيَّنَ مُدَّةً أَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فِي عَدَدٍ (إِلَّا لِمَا لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بُدَّ مِنْهُ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا قَالَتْ: «السُّنَّةُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) كَالْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ بَطَلَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِمَا لَمْ يَصِحَّ لِأَحَدٍ اعْتِكَافٌ وَكَنَّى بِهَا عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَحْتَاجُ إِلَى فِعْلِهِمَا، وَيُلْحَقُ بِهِمَا قَيْءٌ بَغْتَةً، وَغَسْلُ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ، وَلَهُ الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ، وَقَصْدُ مَنْزِلِهِ إِنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَلِيقُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا مِنْهُ كَسِقَايَةٍ لَا يَحْتَشِمُ مِثْلُهُ مِنْهَا، وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَلَا مُخَالَفَةَ لِعَادَتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَلْزَمُهُ قَصْدُ أَقْرَبِ مَنْزِلَيْهِ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ، وَإِنْ بَذَلَ لَهُ صَدِيقُهُ أَوْ غَيْرُهُ مَنْزِلَهُ الْقَرِيبَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِلْمَشَقَّةِ بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ وَالِاحْتِشَامِ، فَلَوْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، حَرُمَ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِفِعْلِ أَبِي وَائِلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ لِكِبَرٍ وَمَرَضٍ، وَكَذَا يَخْرُجُ لِفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ، وَفِيهِمَا احْتِمَالٌ يَجُوزُ فِي إِنَاءٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا التَّحَرُّزَ إِلَّا بِتَرْكِ الِاعْتِكَافِ، وَقِيلَ: الْجَوَازُ لِضَرُورَةٍ فَإِنْ بَالَ خَارِجًا، وَجَسَدُهُ فِيهِ لَا ذَكَرُهُ كُرِهَ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. تَنْبِيهٌ: الْحَاجَةُ إِلَى الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ فِي مَعْنَى مَا سَبَقَ، نَصَّ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ لَهُمَا فِي بَيْتِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِإِبَاحَتِهِ، وَلَا نَقْصَ فِيهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ: يَتَوَجَّهُ الْجَوَازُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَكِيمٍ لِمَا فِيهِ تَرْكُ الْمُرُوءَةِ، وَيَسْتَحْيِي أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ، وَيُرِيدَ أَنْ يُخْفِيَ جِنْسَ قُوتِهِ، وَجَوَّزَ ابْنُ حَامِدٍ الْيَسِيرَ كَلُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ لَا كُلِّ أَكْلِهِ، وَلَهُ غَسْلُ يَدِهِ فِي إِنَاءٍ مِنْ وَسَخٍ وَزَفَرِ وَنَحْوِهِمَا، (وَالطَّهَارَةُ) كَغُسْلِ جَنَابَةٍ وَوُضُوءٍ لِحَدَثٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقُدِّمَا عَلَى الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 وَالْجُمُعَةِ وَالنَّفِيرِ الْمُتَعَيَّنِ وَالشَّهَادَةِ الْوَاجِبَةِ، وَالْخَوْفِ مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ مَرَضٍ، وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدُ جِنَازَةً إِلَّا أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْجُنُبَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِيهِ، وَالْمُحْدِثُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِدُونِ وُضُوءٍ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُكْرَهُ وَضَوْءُهُ فِيهِ فَعَلَهُ بِلَا ضَرَرٍ، وَكَذَا غُسْلُ جُمُعَةٍ إِنْ وَجَبَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ، (وَالْجُمُعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِوَاجِبٍ فَلَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ كَالْمُعْتَدَّةِ، وَلَهُ التَّبْكِيرُ إِلَيْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ وَفِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " احْتِمَالٌ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَلَهُ إِطَالَةُ الْمَقَامِ بَعْدَهَا، وَلَا يُكْرَهُ لِصَلَاحِيَةِ الْمَوْضِعِ لَهُ، وَيُسْتَحَبُّ عَكْسُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: التَّبْكِيرُ أَرْجُو، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بَعْدَهَا عَادَتَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ. قَالَ: بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْأَفْضَلُ خُرُوجُهُ لِذَلِكَ، وَعَوْدُهُ فِي أَقْصَرِ طَرِيقٍ لَا سِيَّمَا فِي النُّذُورِ، وَالْأَفْضَلُ سُلُوكُ الْأَبْعَدِ إِنْ خَرَجَ لِجُمُعَةٍ وَعِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا، (وَالنَّفِيرُ الْمُتَعَيِّنُ) ؛ لِأَنَّهُ، وَاجِبٌ كَالْجُمُعَةِ، وَكَذَا إِنْ تَعَيَّنَ خُرُوجُهُ لِإِطْفَاءِ حَرِيقٍ أَوْ إِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ (وَالشَّهَادَةُ الْوَاجِبَةُ) لِظَاهِرِ الْآيَاتِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ التَّحَمُّلُ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ إِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُهَا، وَأَدَاؤُهَا خَرَجَ لَهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا لَمْ يَجُزِ الْخُرُوجُ، (وَالْخَوْفُ) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ (مِنْ فِتْنَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ عُذِرَ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَالْجُمُعَةِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى (أَوْ مَرَضٍ) يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْمُقَامُ فِيهِ، كَالْقِيَامِ الْمُتَدَارَكِ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، بِأَنْ يَحْتَاجَ إِلَى خِدْمَةٍ وَفِرَاشٍ، وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا كَالصُّدَاعِ، وَوَجَعِ الضِّرْسِ لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُبَاحَ بِهِ الْفِطْرُ فَيُفْطِرَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إِنْ قِيلَ بِاشْتِرَاطِ الصَّوْمِ، وَإِلَّا فَلَا (وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ) ؛ لِأَنَّ اللُّبْثَ مَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَحْبَةٌ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا فَإِذَا طَهُرَتْ عَادَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ رَحْبَةٌ يُمْكِنُهَا ضَرْبُ خِبَاءٍ فِيهَا بِلَا ضَرَرٍ، فَعَلَتْ ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، فَيُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى نَفْسِهَا وَلِهَذَا قِيلَ مَعَ سَلَامَةِ الزَّمَانِ فَإِذَا طَهُرَتْ دَخَلَتْهُ فَأَتَتْ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ يُسَنُّ جُلُوسُهَا فِي الرحبة غير المحوطة الْمُحَوَّطَةِ، وَإِنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ فَأَيْنَ شَاءَتْ. (وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ) فِي مَنْزِلِهَا، لِوُجُوبِهَا شَرْعًا كَالْجُمُعَةِ، وَهُوَ حَقٌّ لِلَّهِ، وَلِآدَمِيٍّ لَا يُسْتَدْرَكُ إِذَا تُرِكَ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ، وَلَا يَبْطُلُ بِهِ (وَنَحْوُهُ) كَمَا إِذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ جِنَازَةٍ خَارِجَةٍ، وَدَفْنُ مَيِّتٍ وَنَحْوُهُ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَهُ سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْخُرُوجِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى اعْتِكَافِهِ، كَمَنْ خَافَ مِنْ سُلْطَانٍ أَنْ يَأْخُذَهُ ظُلْمًا، وَإِنْ أَخْرَجَهُ لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ، بَطَلَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 يَشْتَرِطَهُ، فَيَجُوزُ، وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَلَهُ السُّؤَالُ عَنِ الْمَرِيضِ فِي طَرِيقِهِ   [المبدع في شرح المقنع] لِوَاجِبٍ، وَإِنْ خَرَجَ نَاسِيًا، لَمْ يَبْطُلْ كَالصَّوْمِ، وَفِي " الْخِلَافِ " وَ " الْفُصُولِ " تَبْطُلُ لِمُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ كَالْجِمَاعِ. (فَرْعٌ) : إِذَا زَالَ العذر رَجَعَ وَقْتَ إِمْكَانِهِ فَإِنْ أَخَّرَهُ بَطَلَ مَا مَضَى، وَلَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ تَحْتَ سَقْفِ خِلَافًا لِقَوْمٍ. (وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدُ جِنَازَةً) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُعَرِّجُ لِلسُّؤَالِ عَنِ الْمَرِيضِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَفِي مَعْنَاهُمَا كُلُّ قُرْبَةٍ لَا تَتَعَيَّنُ، كَتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا. وَلِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْهُ بُدٌّ، فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُ فَرِيضَةٍ لِفَضِيلَةٍ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ) (فَيَجُوزُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ يُصَيِّرُهُ كَالْمُسْتَثْنى. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ الْمَنْعَ لِمَا سَبَقَ، وَلَا فَرْقَ فِي الِاشْتِرَاطِ بَيْنَ مَا كَانَ قُرْبَةً كَزِيَارَةِ أَهْلِهِ وَعَالِمٍ، وَبَيْنَ مَا كَانَ مُبَاحًا وَيَحْتَاجُهُ كَالْعَشَاءِ فِي بَيْتِهِ وَالْمَبِيتِ فِيهِ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَهُوَ رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَالْوَقْفِ، وَلِتَأَكُّدِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِمَا، وَامْتِنَاعِ النِّيَابَةِ فِيهِمَا، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ؛ لِمُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ، كَشَرْطِ تَرْكِ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالنُّزْهَةِ وَالْفُرْجَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ الِاعْتِكَافَ بِخِلَافِ الْقُرْبَةِ. فَإِنْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّكَسُّبِ بِالصَّنْعَةِ لَمْ يَجُزْ. فَلَوْ قَالَ: مَتَى مَرِضْتُ أَوْ عَرَضَ لِي عَارِضٌ، خَرَجْتُ، فَلَهُ شَرْطُهُ كَالْإِحْرَامِ، وَجَعَلَ الْمَجْدُ فَائِدَةَ الشَّرْطِ هُنَا سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ (وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ) نَقَلَهَا عَنْهُ الْأَثْرَمُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْمُعْتَكِفُ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَالْجُمُعَةَ، وَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، وَلْيَأْمُرْهُمْ بِالْحَاجَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ. وَقَوْلُ ابْنِ الْمَنْجَا: إِنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ قَالَ أَحْمَدُ: عَاصِمٌ عِنْدِي حُجَّةٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيهِ إِذَا كَانَ وَاجِبًا، فَأَمَّا إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَلَهُ تَرْكُهُ رَأْسًا، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ مُقَامُهُ عَلَى اعْتِكَافِهِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَلَهُ السُّؤَالُ عَنِ الْمَرِيضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 مَا لَمْ يُعَرِّجْ للاعتكاف، وَالدُّخُولُ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ، فَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ خُرُوجًا مُعْتَادًا كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَالطَّهَارَةِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ فِي الْمُتَتَابِعِ وَتَطَاوَلَ، خُيِّرَ بَيْنَ اسْتِئْنَافِهِ وَإِتْمَامِهِ مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَإِنْ فَعَلَهُ فِي مُتَعَيِّنٍ،   [المبدع في شرح المقنع] فِي طَرِيقِهِ مَا لَمْ يُعَرِّجْ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَّةِ، وَالْمَرِيضُ فِيهِ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إِلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ لَهُ الْوُقُوفُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكًا لِلِاعْتِكَافِ، (وَ) لَهُ (الدُّخُولُ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلِاعْتِكَافِ، وَالْمَكَانُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ وَالتَّعْيِينِ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى، وَمَحَلُّهُ إِذَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى مَكَانِ حَاجَتِهِ مِنَ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ، أَوْ خَرَجَ إِلَيْهِ ابْتِدَاءً بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ لِتَرْكِهِ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا. (فَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ خُرُوجًا مُعْتَادًا كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَالطَّهَارَةِ) عَنْ حَدَثٍ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجُمُعَةِ وَكَذَا لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، (فَلَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ: لَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَهُ كَالْمُسْتَثْنِي لِكَوْنِهِ مُعْتَادًا، وَلَا كَفَّارَةَ، إِذْ لَوْ وَجَبَ فِيهِ شَيْءٌ، لَامْتَنَعَ مُعْظَمُ النَّاسِ مِنْهُ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى اعْتِكَافِهِ، وَلَمْ تَنْقَص بِهِ مُدَّتُهُ، (وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ) كَالنَّفِيرِ الْمُتَعَيِّنِ وَالشَّهَادَةِ الْوَاجِبَةِ وَنَحْوِهِمَا فَلَهُ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا: الْخُرُوجُ (فِي) الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ (الْمُتَتَابِعِ) غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ (وَتَطَاوَلَ) أَيْ: زَمَنُهُ (خُيِّرَ) إِذَا زَالَ عُذْرُهُ (بَيْنَ اسْتِئْنَافِهِ) وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَشَرَعَ ثُمَّ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ (وَإِتْمَامِهِ) أَيْ: يَبْنِي، وَيَقْضِي (مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّهَا تَجْبُرُ مَا حَصَلَ مِنْ فَوَاتِ التَّتَابُعِ، وَقَدْ نَبَّهَ الْخِرَقِيُّ عَلَى هَذَا فِي النَّذْرِ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أَنَّهُ إِذ تَرَكَ الصِّيَامَ الْمَنْذُورَ لِعُذْرٍ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ، كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ لَعُذْرٍ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُجَرَّدِ " أَنَّ كُلَّ خُرُوجٍ لِوَاجِبٍ كَشَهَادَةٍ وَجِهَادٍ مُتَعَيِّنَيْنِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ فَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ مَا كَانَ مُبَاحًا كَخَوْفٍ مِنْ فِتْنَةٍ وَنَحْوِهِ أَنَّهَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ خُرُوجًا غَيْرَ مُعْتَادٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " تَجِبُ الْكَفَّارَةَ إِلَّا لِعُذْرِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَضَعَّفَهُمَا الْمَجْدُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 قَضَى، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ فِي الْمُتَتَابِعِ، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ فِي مُتَعَيِّنٍ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَفِي الِاسْتِئْنَافِ وَجْهَانِ. وَإِنْ وَطِئَ الْمُعْتَكِفُ فِي   [المبدع في شرح المقنع] بِأَنَّا سَوَّيْنَا فِي نَذْرِ الصَّوْمِ بَيْنَ الْأَعْذَارِ، وَبِأَنَّ زَمَنَ الْحَيْضِ يَجِبُ قَضَاؤُهُ لَا زَمَنَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَظَاهِرُ " الْمُغْنِي ": لَا يَقْضِي، وَهُوَ أَظْهَرُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَطَاوَلْ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى اعْتِكَافِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْضِي صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَقْضِي، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، كَمَا لَوْ طَالَتْ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى الْحَالِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ، (وَإِنْ فَعَلَهُ فِي مُتَعَيِّنٍ) كَشَهْرِ رَمَضَانَ، وَنَحْوِهِ (قَضَى) مَا تَرَكَ لِيَأْتِيَ بِالْوَاجِبِ، (وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا يُكَفِّرُ، وَنَصَّ عَلَيْهَا أَحْمَدُ فِي الْخُرُوجِ لِفِتْنَةٍ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِيهَا، وَالْخُرُوجِ لِنَفِيرٍ، وَعِدَّةٍ لِتَرْكِهِ الْمَنْذُورَ فِي وَقْتِهِ، إِذِ النَّذْرُ كَالْيَمِينِ، وَالثَّانِي لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ. وَظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لَا يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ أَشْبَهَ الْخُرُوجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَكَرَمَضَانَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِطْرَهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا نَذَرَ أَيَّامًا مُطْلَقَةً فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ التَّتَابُعُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، فَكَالْأُولَى، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجِبُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ تَمَّمَ مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ لَكِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ لِيَكُونَ مُتَتَابِعًا. وَقَالَ الْمَجْدُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ عَلَى بَعْضِ الْيَوْمِ، وَيُكَفِّرُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ من الْمُتَتَابِعِ) الْمَنْذُورِ (لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلَ الْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا بِهِ أَشْبَهَ حَالَةَ الِابْتِدَاءِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْخُرُوجِ، وَإِنْ قَلَّ كَالْجِمَاعِ، فَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا عَامِدًا فَلَا إِشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، فَقَدْ سَبَقَ، فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ جَسَدِهِ لَمْ يَبْطُلْ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِي الْمَنْصُوصِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: إِذَا خَرَجَ فِي مُتَتَابِعٍ مُتَعَيِّنٍ، كَنَذْرِهِ شَعْبَانَ مُتَتَابِعًا اسْتَأْنَفَ كَالْقَسَمِ قَبْلَهُ وَيُكَفِّرُ. (وَإِنْ فَعَلَهُ فِي مُتَعَيِّنٍ) وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالتَّتَابُعِ كَنَذْرِهِ اعْتِكَافَ رَجَبٍ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِتَرْكِهِ الْمَنْذُورَ فِي وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ بِلَا عُذْرٍ، (وَفِي الِاسْتِئْنَافِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 الْفَرْجِ، فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إِلَّا لِتَرْكِ نَذْرِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ، وَإِنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ، فَأَنْزَلَ، فَسَدَ   [المبدع في شرح المقنع] وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ، ذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّهُ أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ لِتَضَمُّنِ نَذْرِهِ التَّتَابُعَ وَلِأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الْمُدَّةِ الْمُطْلَقَةِ. وَالثَّانِي: يَبْنِي؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ هُنَا حَصَلَ ضَرُورَةَ التَّعْيِينِ فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَأَصْلُهُمَا: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَأَفْطَرَ فِي بَعْضِهِ. (فَرْعٌ) : إِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ بِصَوْمٍ فَأَفْطَرَ يَوْمًا أَفْسَدَ تَتَابُعَهُ، وَلَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ لِتَرْكِهِ الْإِتْيَانَ بِمَا نَذَرَهُ عَلَى صِفَتِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَإِنْ وَطِئَ الْمُعْتَكِفُ فِي الْفَرْجِ) فَهُوَ حَرَامٌ لِلنَّصِّ (فَسَدَ اعْتِكَافُهُ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ. رَوَاهُ حَرْبٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَكَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَإِطْلَاقِ الْمُؤَلِّفِ يَشْمَلُ الْعَمْدَ وَغَيْرَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَكَالْحَجِّ، وَخَرَّجَ الْمَجْدُ فِي الصَّوْمِ عَدَمَ الْبُطْلَانِ مَعَ عَدَمِ النِّسْيَانِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَبْنِي (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِأَجْلِ الْوَطْءِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، إِذِ الْوُجُوبُ مِنَ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ، وَكَالصَّلَاةِ، وَالثَّانِيَةُ: وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ كَرَمَضَانَ وَكَالْحَجِّ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ (إِلَّا لِتَرْكِ نَذْرِهِ) كَذَا خَصَّ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ الْوُجُوبَ وَفِي " الْفُصُولِ " يَجِبُ فِي التَّطَوُّعِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا الْمَجْدُ، وَاخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِهَا (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةُ نَذْرٍ، وَهِيَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلِكَوْنِهِ أَفْسَدَ الْمَنْذُورَ بِالْوَطْءِ، قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (وَقَالَ الْقَاضِي) فِي " الْخِلَافِ ": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ (عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ) ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةُ وَطْءٍ أَشْبَهَ الْمُظَاهِرَ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي نَذْرٍ، وَقِيلَ: مُعَيَّنٍ، فَلِهَذَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَتَانِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ فَأَحْرَمَ، ثُمَّ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْوَطْءِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ لِلْوَطْءِ، وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ لِلنَّذْرِ (وَإِنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ، فَسَدَ اعْتِكَافُهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 اعْتِكَافُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ التَّشَاغُلُ بِفِعْلِ الْقُرَبِ وَاجْتِنَابِ مَا لَا يَعْنِيهِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إِقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمُ، وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهِ، إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ إِذَا قَصَدَ بِهِ الطَّاعَةَ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمَجْزُومِ بِهِ عند الْأَكْثَرِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَبْدُوسٍ (وَإِلَّا فَلَا) كَالصَّوْمِ، فَإِذَا فَسَدَ خَرَجَ فِي الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ: يَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ تَجِبُ بِالْإِنْزَالِ عَنْ وَطْءٍ لَا عَنْ لَمْسٍ وَقُبْلَةٍ، وَالنَّاسِي كَالْعَامِدِ فِي إِطْلَاقِ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: لَا يَبْطُلُ كَالصَّوْمِ، وَلَا تَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ بِلَا شَهْوَةٍ كَتَغْسِيلِ رَأَسِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا: تَحْرُمُ كَشَهْوَةٍ فِي الْمَنْصُوصِ. مَسْأَلَةٌ: يُسَنُّ أَنْ يُصَانَ الْمَسْجِدُ عَنِ الْجِمَاعِ فِيهِ أَوْ فَوْقَهُ ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يُكْرَهُ الْجِمَاعُ فَوْقَهُ وَالتَّمَسُّحُ بِحَائِطِهِ، وَالْبَوْلُ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": وَجَزَمَ بِهِ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. فَرْعٌ: إِذَا سَكِرَ فِي اعْتِكَافِهِ، فَسَدَ وَلَوْ سَكِرَ لَيْلًا، لِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ، كَالْحَيْضِ، وَلَا يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ، وَإِنِ ارْتَدَّ فِيهِ فَسَدَ كَالصَّوْمِ. [يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ التَّشَاغُلُ بِفِعْلِ الْقُرَبِ] (وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ التَّشَاغُلُ بِفِعْلِ الْقُرَبِ) كَالصَّلَاةِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى -، (وَاجْتِنَابِ مَا لَا يَعْنِيهِ) مِنَ الْجِدَالِ، وَالْمِرَاءِ، وَكَثْرَةِ الْكَلَامِ، وَالسِّبَابِ، وَالْفُحْشِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» وَلِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الِاعْتِكَافِ، فَفِيهِ أَوْلَى، وَلَيْسَ الصَّمْتُ مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ. وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَحْرِيمُهُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ الصَّمْتُ إِلَى اللَّيْلِ، فَإِنْ نَذَرَهُ لَمْ يَفِ بِهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ بَدَلًا مِنَ الْكَلَامِ ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ كَتَوَسُّدِ الْمُصْحَفِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَ " الرِّعَايَةِ " بِالْكَرَاهَةِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِنْ قَالَ: عِنْدَ مَا أَهَمَّهُ {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] فَحَسَنٌ (وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إِقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمُ وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ - فَإِنَّهُ كَانَ يَحْتَجِبُ فِيهِ، وَاعْتَكَفَ فِي قُبَّةٍ، وَكَالطَّوَافِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَقْرَأُ، وَلَا يَكْتُبُ الْحَدِيثَ، وَلَا يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ (إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ (إِذَا قَصَدَ بِهِ الطَّاعَةَ) لَا الْمُبَاهَاةَ، لِظَاهِرِ الْأَدِلَّةِ وَكَالصَّلَاةِ، وَالذِّكْرِ، وَلِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَتَّسِعُ لِمَقْصُودِ الْإِقْرَاءِ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فِعْلُ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الِاعْتِكَافِ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ " لِتَعَدِّي نَفْعِهِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَيُتَخَرَّجُ فِي كَرَاهَةِ الْقَضَاءِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَاءِ، فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: لَا بَأْسَ أَنْ تَزُورَهُ زَوْجَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَتَتَحَدَّثَ مَعَهُ، وَتُصْلِحَ شَأْنَهُ مَا لَمْ يَلْتَذَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَيَتَحَدَّثَ مَعَ مَنْ يَأْتِيهِ مَا لَمْ يُكْثِرْ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا يُرِيدُ خَفِيفًا بِحَيْثُ لَا يَشْغَلُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَيَشْهَدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَيُصْلِحَ بَيْنَ الْقَوْمِ، وَيَعُودَ الْمَرِيضَ، وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَيُهَنِّئَ، وَيُعَزِّيَ، وَيُؤَذِّنَ، وَيُقِيمَ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ لُبْسِ رَفِيعِ الثِّيَابِ، وَأَنْ لَا يَنَامَ إِلَّا عَنْ غَلَبَةٍ وَلَوْ مَعَ قُرْبِ الْمَاءِ، وَأَنْ يَنَامَ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا " وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي رَفِيعِ الثِّيَابِ. وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَتَرْجِيلِ شَعْرِهِ، وَكَرِهَ ابْنُ عَقِيلٍ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ صِيَانَةً لَهُ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ: يُسَنُّ، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ، وَنَقَلَ ابْنُ تَمِيمٍ عَكْسَهُ كَالتَّنْظِيفِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ. الثَّالِثَةُ: يَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِيهِ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ صَائِمًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمِنْهَاجِ " وَمَعْنَاهُ فِي " الْغُنْيَةِ " خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَفِي " الْفُصُولِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " يُكْرَهُ فَإِنْ حُرِّمَ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ، وَيُكْرَهُ إِحْضَارُ السِّلْعَةِ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالثَّانِي، وَيُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ فِيهِ الْيَسِيرُ كَالْكَثِيرِ، لَكِنْ نَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ طَعَامٌ وَغَيْرُهُ، فَأَمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] التِّجَارَةُ وَالْأَخْذُ وَالْعَطَاءُ، فَلَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَكَسَّبَ بِالصَّنْعَةِ فِيهِ كَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا، وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ، وَالْمُحْتَاجُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: التَّوَقُّفَ فِي اشْتِرَاطِهِ فَقِيلَ لَهُ: يَشْتَرِطُ أَنْ يَخِيطَ؛ قَالَ: لَا أَدْرِي. وَفِي " الرَّوْضَةِ ": لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعِبَادَةِ فَإِنِ احْتَاجَ لِلُبْسِهِ خِيَاطَةً لَا لِلتَّكَسُّبِ، فَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: لَا يَجُوزُ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، كَلَفِّ عِمَامَتِهِ وَالتَّنْظِيفِ وَلَا يَعْمَلُ الصَّنْعَةَ لِلتَّكَسُّبِ، وَلَا بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُنَافِي حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ إِبَاحَتِهِ فِي مَمَرِّهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 كِتَابُ الْمَنَاسِكِ يَجِبُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ولله على الناس حج البيت فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً.   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْمَنَاسِكِ] [تَعْرِيفُ الْمَنَاسِكِ] ِ وَاحِدُهَا مَنْسَكٌ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا فَبِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ، وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِمَوْضِعِ الْعِبَادَةِ. وَهِيَ فِي الْأَصْلِ النَّسِيكَةِ، وَهِيَ الذَّبِيحَةُ الْمُتَقَرَّبُ بِهَا، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ فَصَارَ اسْمًا لِلْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْعَابِدِ: نَاسِكٌ، وَقَدْ غَلَبَ إِطْلَاقُهَا عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ لِكَثْرَةِ أَنْوَاعِهَا، وَأُخِّرَ الْحَجُّ عَنِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِمَادُ الدِّينِ، لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا لِتَكَرُّرِهَا كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ الزَّكَاةُ لِكَوْنِهَا قَرِينَةً لَهَا فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ، وَلِشُمُولِهَا الْمُكَلَّفَ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ الصَّوْمُ لِتَكَرُّرِهِ كُلَّ سَنَةٍ، لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ قَدَّمَ رِوَايَةَ الْحَجِّ عَلَى الصَّوْمِ لِلتَّغْلِيظَاتِ الْوَارِدَةِ فِيهِ نَحْوَ {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] وَنَحْوَ «فَلْيَمُتَ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» ، وَلِعَدَمِ سُقُوطِهِ بِالْبَدَلِ بَلْ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ، إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ. [حُكْمُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] (يَجِبُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ) الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ لَا بِكَسْرِهَا فِي الْأَشْهَرِ، وَعَكْسُهُ شَهْرُ الْحِجَّةِ. وَهُوَ لُغَةً: الْقَصْدُ إِلَى مَنْ نُعَظِّمُهُ. وَشَرْعًا: قَصْدُ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ. وَالْعُمْرَةُ لُغَةً: الزِّيَارَةُ يُقَالُ: اعْتَمَرَهُ إِذَا زَارَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَشَرْعًا زِيَارَةُ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِهِ، وَسَنَدُهُ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَالسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ هُوَ نَصُّ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِقَوْلِهِ، {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] . وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ، «لِقَوْلِ عَائِشَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؛ قَالَ: نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. «وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ قَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى إِحْرَامٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ فَكَانَتْ وَاجِبَةً كَالْحَجِّ، وَعَنْهُ: هِيَ سُنَّةٌ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: زَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ فَقَالَ: " صَدَقَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَلَمْ يَذْكُرِ الْعُمْرَةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اسْمَ الْحَجِّ يَتَنَاوَلُهَا، وَفِي ثَالِثَةٍ: تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمَكِّيِّ، وَهِيَ الْمَنْصُورَةُ فِي " الْمُغْنِي " إِذْ رُكْنُ الْعُمْرَةِ وَمُعْظَمُهَا هُوَ الطَّوَافُ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى الْعُمْرَةَ وَاجِبَةً، وَيَقُولُ يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ إِنَّمَا عُمْرَتُكُمُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. (فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً) لِمَا «رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ؛ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ، فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا. وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، فَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا عَبْدٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِالْعُمْرِ أَشْبَهَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كُلَّ عَامٍ [شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ] (بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ: الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ) هُمَا شَرْطَانِ لِلصِّحَّةِ، وَالْوُجُوبِ (فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ) أَصْلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ، وَهُوَ مُنَافٍ لَهُ، (وَلَا مَجْنُونٍ) لِلْخَبَرِ، وَلِعَدَمِ صِحَّتِهِ، وَقَصْدُ الْفِعْلِ شَرْطٌ، (وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْهُمَا، لَكِنَّ الْكَافِرَ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ كَالتَّوْحِيدِ إِجْمَاعًا، وَعَنْهُ: لَا، وَهُوَ الْأَشْهَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَعَنْهُ: يُعَاقَبُ عَلَى النَّوَاهِي فَقَطْ، وَالْمُرْتَدُّ مِثْلُهُ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي رِدَّتِهِ إِذَا أَسْلَمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ كَالْأَصْلِيِّ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَلَوْ حَجَّ، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ حَجٌّ ثَانٍ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَيَبْطُلُ إِحْرَامُهُ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِرِدَّتِهِ فِيهِ كَالصَّوْمِ، وَلَا تَبْطُلُ الِاسْتِطَاعَةُ بِالْجُنُونِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْقِدَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَعْقِدَهُ لَهُ وَلِيُّهُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَيَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْجُنُونِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، وَقِيلَ: لَا، كَالْمَوْتِ فَيَصِيرُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمَعْرُوفُ لَا يَبْطُلُ بِهِ كَالسُّكْرِ. (وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ) هُمَا شَرْطَانِ لِلْوُجُوبِ، وَالْإِجْزَاءِ (فَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ) لِلْخَبَرِ، ولِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، (وَلَا عَبْدٍ) ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُمَا تَطُولُ فَلَمْ يَجِبَا عَلَيْهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ السَّيِّدِ كَالْجِهَادِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الشَّهَادَةُ، (وَيَصِحُّ مِنْهُمَا) لِمَا «رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إِلَيْهِ صَبِيًّا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؛ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ فَصَحَّا مِنْهُ كَالْحُرِّ، (وَلَا يُجْزِئُهُمَا) عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَالْعِتْقِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عُتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 يُجْزِئُهُمَا إِلَّا أَنْ يَبْلُغَ وَيُعْتَقَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ عَرَفَةَ، وَفِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوَافِهَا فَيُجْزِئُهُمَا، وَيُحْرِمُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ،   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: لَمْ يَرْفَعْهُ إِلَّا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَلِأَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ قَبْلَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمَا، فَلَمْ يُجْزِئْهُمَا إِذَا صَارَا مِنْ أَهْلِهِ كَالصَّبِيِّ يُصَلِّي ثُمَّ يَبْلُغُ فِي الْوَقْتِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا شُذُوذًا، بَلْ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا. تَنْبِيهٌ: الْمُكَاتَبُ، وَالْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ كَالْقِنِّ (إِلَّا أَنْ يَبْلُغَ) الصَّبِيُّ، (وَيُعْتَقَ) الْعَبْدُ (فِي الْحَجِّ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ عَرَفَةَ، وَفِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوَافِهَا فَيُجْزِئُهُمَا) لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِالنُّسُكِ حَالَ الْكَمَالِ فَأَجْزَأَهُمَا كَمَا لَوْ وُجِدَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَاسْتَدَلَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّتُهُ، وَإِنْ أُعْتِقَ بِجَمْعٍ لَمْ يُجْزِئْ عَنْهُ، لَكِنْ لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ عَرَفَةَ، وَالْوَقْتُ بَاقٍ، وَلَوْ أَقَلُّ جُزْءٍ عَادَ فَوَقَفَ بِهَا، أَجْزَأَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ أَحْرَمَ إِذَنْ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا يُعْتَدُّ بِإِحْرَامٍ وَوُقُوفٍ مَوْجُودَيْنِ إِذَنْ، وَمَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ لَا يَنْقَلِبُ فَرْضًا، وَقَالَ الْمَجْدُ وَآخَرُونَ: يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ مَوْقُوفًا فَإِذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ تَتَبَيَّنُ فَرِيضَتُهُ كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا فَرْقَ فِي وُجُودِ ذَلِكَ قَبْلَ السَّعْيِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقُلْنَا بِعَدَمِ رُكْنِيَّتِهِ أَوْ سَعَى وَقُلْنَا بِرُكْنِيَّتِهِ، ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِحُصُولِ الرُّكْنِ الْأَعْظَمِ، وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَتَبَعِيَّةُ غَيْرِهِ لَهُ، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ، وَفِي " الْمُجَرَّدِ ": هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لِوُقُوعِ الرُّكْنِ في غير وَقْت الْوُجُوبِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ بَلَغَ. فَعَلَى هَذَا لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ أَعَادَ السَّعْيَ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُشْرَعُ مُجَاوَزَةُ عَدَدِهِ، وَلَا تَكْرَارُهُ، وَاسْتِدَامَةُ الْوُقُوفِ مَشْرُوعٌ، وَلَا قَدْرَ لَهُ مَحْدُودٌ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ جَارٍ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا زَالَ الْمَانِعُ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِهَا لَا يُجْزِئُهُ، وَلَا أَثَرَ لِإِعَادَتِهِ، وَحَيْثُ قِيلَ بِالْإِجْزَاءِ فَلَا دَمَ لِنَقْصِهِمَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ كَاسْتِمْرَارِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا زَالَ الْمَانِعُ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ فِي وَقْتِهِ، وَأَمْكَنَ الْإِتْيَانَ لَزِمَهُ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ مَعَ الْإِمْكَانِ كَالْبَالِغِ الْحُرِّ. 1 - (وَيُحْرِمُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ) بِنَفْسِهِ (بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 وَيَفْعَلُ عَنْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ عَمَلِهِ، وَنَفَقَةِ الْحَجِّ وَكَفَّارَاتِهِ فِي مَالِ الْوَلِيِّ، وَعَنْهُ: فِي   [المبدع في شرح المقنع] يُؤَدِّي إِلَى لُزُومِ مَالٍ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِنَفْسِهِ كَالْبَيْعِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ. فَعَلَى هَذَا يُحَلِّلُهُ مِنْهُ إِنْ رَآهُ ضَرَرًا فِي الْأَصَحِّ كَعَبْدٍ. وَالْوَلِيُّ: مَنْ يَلِي مَالَهُ. وَظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَصِحُّ مِنَ الْأُمِّ أَيْضًا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي عُصْبَتِهِ كَالْعَمِّ وَابْنِهِ وَجْهَانِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُحْرِمُ عَنِ الْمُمَيِّزِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ (وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ) أَيْ: يَعْقِدُ لَهُ الْإِحْرَامَ، وَيَقَعُ لَازِمًا، وَحُكْمُهُ كَالْمُكَلَّفِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَنَا النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ فَأَحْرَمْنَا عَنِ الصِّبْيَانِ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ كَالْبَالِغِ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ فَصَحَّ عَقْدُهُ لَهُ كَالنِّكَاحِ، (وَيَفْعَلُ عَنْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ عَمَلِهِ) لِمَا «رَوَى جَابِرٌ قَالَ: لَبَّيْنَا عَنِ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الرَّمْيِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ طَافَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِرْقَةٍ. رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ. فَدَلَّ أَنَّ مَا أَمْكَنَ الصَّبِيَّ فِعْلُهُ مِنْ وُقُوفٍ وَمَبِيتٍ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ إِنَّمَا تَجُوزُ مَعَ الْعَجْزِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ عَنْهُ إِلَّا مَنْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ كَالنِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا، وَإِلَّا وَقَعَ الرَّمْيُ عَنْ نَفْسِهِ إِنَّ كَانَ مُحْرِمًا بِفَرْضِهِ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا يَقَعُ الْإِحْرَامُ بَاطِلًا هُنَاكَ فَكَذَا الرَّمْيُ هُنَا، وَإِنْ أَمْكَنَ الصَّبِيُّ أَنْ يُنَاوِلَ النَّائِبَ الْحَصَا نَاوَلَهُ، وَإِلَّا اسْتُحِبَّ أَنْ تُوضَعَ الْحَصَاةُ فِي كَفِّهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ مِنْهُ، وَيُرْمَى عَنْهُ. فَلَوْ جَعَلَ كَفَّ الصَّبِيِّ كَالْآلَةِ، وَرَمَى بِهَا عَنْهُ، فَحَسَنٌ، ثُمَّ إِنْ عَجَزَ عَنِ الطَّوَافِ، طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا أَوْ رَاكِبًا، وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنَ الطَّائِفِ بِهِ، وَكَوْنِهِ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يُعْقَدَ لَهُ الْإِحْرَامُ فَإِنْ نَوَاهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنِ الصَّبِيِّ، وَقَعَ عَنِ الصَّبِيِّ، كَالْكَبِيرِ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا لِعُذْرٍ، وَلَا فَرْقَ فِي حَامِلِهِ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا أَسْقَطَ فَرْضَ نَفْسِهِ أَوْ لَا، كَوُجُودِ الطَّوَافِ مِنَ الصَّبِيِّ فَهُوَ كَمَحْمُولٍ مَرِيضٍ. تَنْبِيهٌ: يَجْتَنِبُ فِي حَجِّهِ مَا يَجْتَنِبُهُ الْكَبِيرُ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ، وَالْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُخَاطَبُ بِخِطَابٍ تَكْلِيفِيٍّ. وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تُجَرِّدُ الصِّبْيَانَ إِذَا دَنَوْا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 مَالِ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْإِحْرَامُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا لِلْمَرْأَةِ الْإِحْرَامُ نَفْلًا إِلَّا بِإِذْنِ   [المبدع في شرح المقنع] مِنَ الْحَرَمِ، وَقَالَ عَطَاءٌ يَفْعَلُ بِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْكَبِيرُ، وَيَشْهَدُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ، فَإِنْ وَطِئَ فِيهِ فَسَدَ حَجُّهُ، وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ، وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَالْمَجْنُونِ إِذَا احْتَلَمَ، وَقِيلَ: يَصِحُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَالْبَالِغِ، وَقِيلَ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِاسْتِلْزَامِهِ وُجُوبَ عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا قَضَى بَدَأَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَهَا انْصَرَفَ إِلَيْهَا، وَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنِ الْقَضَاءِ بِفِطْرٍ، فَإِنْ كَانَ أَدْرَكَ فِي الْفَاسِدَةِ جُزْءًا مِنَ الْوُقُوفِ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِلَّا فَلَا. (وَنَفَقَةُ الْحَجِّ وَكَفَّارَتُهُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهِ، وَكَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ (وَعَنْهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ) اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ لِيَأْلَفَ الْحَجَّ، وَيَتَمَرَّنَ عَلَيْهِ، وَكَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، وَحَامِلِهِ لِشُهُودِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ يَخْتَصُّ بِمَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ خِلَافًا لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى الصَّغِيرِ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْأَوَّلَ، زَادَ الْمَجْدُ: وَمَالُهُ كَثِيرٌ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَأَمَّا سَفَرُهُ مَعَهُ لِخِدْمَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ إِلَى مَكَّةَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَهِيَ عَلَى الصَّبِيِّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْوَلِيِّ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ، وَالْمُؤَلِّفُ سَوَّى بَيْنَهُمَا كَغَيْرِهِ، وَيَخْتَصُّ الْخِلَافُ مَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ، وَيَلْزَمُ الْبَالِغَ كَفَّارَتُهُ مَعَ خَطَأٍ وَنِسْيَانٍ، قَالَ الْمَجْدُ: أَوْ فَعَلَهُ الْوَلِيُّ لِمَصْلَحَتِهِ كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ لِبَرْدٍ أَوْ تَطْبِيبِهِ لِمَرَضٍ، وَإِنْ فَعَلَهُ بِهِ الْوَلِيُّ لَا لِعُذْرٍ، فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا يَلْزَمُ الْبَالِغَ كَفَّارَتُهُ مَعَ خَطَأٍ وَنِسْيَانٍ، لَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ، فَإِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْوَلِيِّ وَدَخَلَ فِيهَا الصَّوْمُ [صَامَ عَنْهُ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً] ، كَصَوْمِهَا عَنْ نَفْسِهِ. 1 - (وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْإِحْرَامُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، (وَلَا لِلْمَرْأَةِ الْإِحْرَامُ نَفْلًا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) لِتَفْوِيتِ حَقِّهِ، وَقَيَّدَهُ بِالنَّفْلِ مِنْهَا دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَجٌّ بِحَالٍ بِخِلَافِهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَنْجَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ نَذَرَهُ لَزِمَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، وَصَحَّ نَذْرُهُ كَالْحُرِّ، لَكِنْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَذْرُهُ بِإِذْنِهِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى: لَا؛ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 زَوْجِهَا فَإِنْ فَعَلَا، فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا، وَيَكُونَانِ كَالْمُحْصَرِ، وَإِنْ أَحْرَمَا بِإِذْنِهِ لَمْ يَجُزْ   [المبدع في شرح المقنع] الْفَوْرِ لَمْ يَمْنَعْهُ (فَإِنْ فَعَلَا) انْعَقَدَ إِحْرَامُهَما؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَصَحَّتْ بِغَيْرِ إِذْنٍ كَالصَّوْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ إِحْرَامِهِ لِغَصْبِهِ نَفْسَهُ فَيَكُونُ قَدْ حَجَّ فِي بَدَنِ غَصْبٍ، فَهُوَ آكَدُ مِنَ الْحَجِّ بِمَالٍ غَصْبٍ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ فَيَكُونُ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ (فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا لَازِمٌ فَمَلَكَا إِخْرَاجَهُمَا مِنْهُ كَالِاعْتِكَافِ. وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " فِي الْعَبْدِ كَالصَّوْمِ الْمُضِرِّ بِبَدَنِهِ، وَلَا يَفُوتُ بِهِ حَقٌّ. وَالثَّانِيَةُ - وَنَقَلَهَا وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ -: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ حَلَّلَهَا فَلَمْ يَقْبَلْ، أَثِمَتْ، وَلَهُ مُبَاشَرَتُهَا، (وَيَكُونَانِ كَالْمُحْصَرِ) لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهُ، (وَإِنْ أَحْرَمَا بِإِذْنِهِ لَمْ يَجُزْ تَحْلِيلُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ، وَكَنِكَاحٍ، وَإِعَارَةٍ كَرَهْنٍ. وَعَنْهُ: لَهُ تَحْلِيلُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ مَنَافِعَ نَفْسِهِ، فَمَلَكَ الرُّجُوعَ فِيهَا كَالْمُعِيرِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ إِحْرَامٍ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَا بِنَذْرٍ أُذِنَ فِيهِ لَهُمَا أَوْ لَمْ يُأْذَنْ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ بِرُجُوعِ سَيِّدِهِ عَنْ إِذْنِهِ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ فَمُشْتَرِيهِ كَبَائِعِهِ فِي تَحْلِيلِهِ، وَلَهُ الْفَسْخُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ إِلَّا أَنْ يَمْلِكَ بَائِعُهُ تَحْلِيلَهُ فَيُحَلِّلُهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَفْسَدَ الْعَبْدُ حَجَّهُ بِالْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ كَالْحُرِّ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَيَصِحُّ فِي رِقِّهِ لِلُزُومِهِ لَهُ كَالنَّذْرِ بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ إِنْ كَانَ شُرُوعُهُ فِيمَا أَفْسَدَهُ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ إِذْنَهُ فِيهِ إِذْنٌ فِي مُوجِبِهِ، وَمِنْ مُوجِبِهِ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ فَفِي مَنْعِهِ مِنَ الْقَضَاءِ وَجْهَانِ كَالنَّذْرِ، وَفِي لُزُومِهِ الْقَضَاءُ لِفَوَاتٍ أَوْ إِحْصَارٍ الْخِلَافُ كَالْحُرِّ، وَإِنْ عُتِقَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ خَالَفَ فَكَالْحُرِّ فَإِنْ عُتِقَ فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ فِي حَالٍ يُدْرِكُ بِهِ حَجَّةَ الْفَرْضِ مَضَى فِيهَا، وَأَجْزَأَهُ عَنِ الْفَرْضِ، وَالْقَضَاءِ خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ حَيَاتِهِ كَحُرٍّ مُعْسِرٍ، وَإِنْ تَحَلَّلَ بِحَصْرٍ أَوْ حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ الصَّوْمِ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 تَحْلِيلُهُمَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ، وَلَا تَحْلِيلُهَا إِنْ أَحْرَمَتْ بِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ، وَلَمْ يَصُمْ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ. ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " وَحُكْمُ الصَّبِيِّ فِي الْقَضَاءِ لِفَوَاتٍ أَوْ إِحْصَارٍ، وَصِحَّتُهُ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْقَضَاءِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إِجْزَاؤُهُ عَنْهُ، وَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَالْعَبْدِ. (وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ) إِذَا كَمَّلَتِ الشُّرُوطَ، (وَلَا تَحْلِيلُهَا إِنْ أَحْرَمَتْ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَشْبَهَ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ أَحْرَمَتْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ قَدْرَ نَفَقَةِ الْحَضَرِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا، كَتَبَتْ إِلَيْهِ، فَإِنْ أَذِنَ، وَإِلَّا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ، وَعَنْهُ: لَهُ تَحْلِيلُهَا، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ مَنْعُهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنَ الْخُرُوجِ إِلَّا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالْإِحْرَامُ إِنْ لَمْ تُكْمِلِ الشُّرُوطَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، لَكِنْ لَوْ أَحْرَمَتْ إِذَنْ بِلَا إِذْنِهِ، لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا فِي الْأَصَحِّ كَالْمَرِيضِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ، فَحَلَفَ زَوْجُهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا تَحْجُجِ الْعَامَ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحِلَّ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُبَاحٌ فَلَيْسَ لَهَا تَرْكُ الْفَرِيضَةِ لِأَجْلِهِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ عَطَاءٌ: الطَّلَاقُ هَلَاكٌ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ. 1 - فَصْلٌ: لَا يَجُوزُ لِوَالِدٍ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ حَجٍّ وَاجِبٍ، وَلَا تَحْلِيلُهُ إِنْ أَحْرَمَ بِهِ، وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ طَاعَتُهُ فِي تَرْكِهِ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَلَهُ مَنْعُهُ كَالْجِهَادِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهُ؛ لِوُجُوبِهِ بِشُرُوعِهِ فِيهِ، فَصَارَ كَالْوَاجِبِ ابْتِدَاءً، وَكَذَا لَيْسَ لِوَلِيِّ سَفِيهٍ مَنْعُهُ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ، وَلَا تَحْلِيلُهُ مِنْهُ، وَيَدْفَعُ نَفَقَتَهُ إِلَى سَفِيهٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِهِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ، وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفَقَتِهِ الْحَضَرَ وَلَمْ يَكْتَسِبْهَا، فَالْأَصَحُّ لَهُ مَنْعُهُ وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ مَنَعَهُ وَأَحْرَمَ، فَهُوَ كَمَنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ. فَرْعٌ: حُكْمُ الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ كَالْحَجِّ الْمَفْرُوضِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَهَلْ يُلْحَقُ الْمَنْذُورُ بِهِ فَلَا يَمْلِكُ مَنْعَهَا أَوْ لَا كَالتَّطَوُّعِ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الْحُسَيْنِ. وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 فَصْلٌ الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الِاسْتِطَاعَةُ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً صَالِحَةً لِمِثْلِهِ   [المبدع في شرح المقنع] [الِاسْتِطَاعَةُ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ] فَصْلٌ (الشَّرْطُ الْخَامِسُ الِاسْتِطَاعَةُ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَلِأَنَّ الْخِطَابَ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْتَطِيعِ؛ لِأَنَّ " مَنْ " بَدَلٌ مِنَ " النَّاسِ " فَتَقْدِيرُهُ (وَلِلَّهِ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ) لِانْتِفَاءِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ شَرْعًا وَعَقْلًا، (وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؛ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ السَّبِيلِ فَقَالَ: " الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» وَكَذَا. رَوَاهُ جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ عَنْهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ شَرْطًا كَالْجِهَادِ، وَلَيْسَ هُوَ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ، وَالْإِجْزَاءِ فَإِنَّ خَلْقًا مِنَ الصَّحَابَةِ حَجُّوا، وَلَا شَيْءَ لَهُمْ، وَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْإِعَادَةِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ إِنَّمَا شُرِطَتْ لِلْوُصُولِ فَإِذَا وَصَلَ وَفَعَلَ، أَجْزَأَهُ كَالْمَرِيضِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَأَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لِمَنْ يَحْتَاجُهُمَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَقِيلَ: مَنْ قَدَرَ أَنْ يَمْشِيَ عَنْ مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، لَزِمَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ فَإِنْ كَانَ عَادَتَهُ السُّؤَالُ، وَالْعَادَةُ إِعْطَاؤُهُ فَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 بِآلَتِهَا الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ أَوْ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ   [المبدع في شرح المقنع] وَعِنْدَنَا يُكْرَهُ لِمَنْ حِرْفَتُهُ السُّؤَالُ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ يَدْخُلُ الْبَادِيَةَ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ: لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ، يَتَوَكَّلُ عَلَى أَزْوَادِ النَّاسِ. وَيُعْتَبَرُ الزَّادُ مُطْلَقًا إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَكَوْنُهُ مِلْكَهُ، فَلَوْ وَجَدَهُ فِي الْمَنَازِلِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَمْلُهُ، وَإِلَّا لَزِمَهُ سَوَاءٌ وَجَدَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ كَمَاءِ الْوُضُوءِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى وِعَاءِ الزَّادِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَأَمَّا الرَّاحِلَةُ فَلَا تُشْتَرَطُ إِلَّا مَعَ الْبُعْدِ، وَهُوَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَقَطْ، إِلَّا مَعَ عَجْزٍ كَشَيْخٍ كَبِيرٍ لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ (صَالِحَةً لِمِثْلِهِ بِآلَتِهَا الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ) عَادَةً؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الصَّلَاحِيَةُ كَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ، فَيُعْتَبَرُ فِي الزَّادِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَاصِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ وَالْأُمَرَاءِ، أَوْ مِنَ الْخَاصَّةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَفِي الرَّاحِلَةِ وَآلَتِهَا أَنْ يَكُونَ الْجَمَلُ جَيِّدًا بِمَحَارَةٍ إِنْ كَانَ كَالْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَلَا تُشْتَرَطُ الْمَحَارَةُ إِذَا أَمْكَنَهُ الرُّكُوبُ عَلَى الْقَتْبِ، وَلَا كَوْنُ الْجَمَلِ جَيِّدًا قَالَهُ ابْنُ الْمَنْجَا، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ فِي الزَّادِ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ الدَّلِيلِ وَلِئَلَّا يُفْضِي إِلَى تَرْكِ الْحَجِّ بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خِدْمَةِ نَفْسِهِ اعْتُبِرَ مَنْ يَخْدُمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " فَظَاهِرُهُ لَوْ أَمْكَنَهُ لَزِمَهُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ (أَوْ) يَمْلِكُ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ) أَيِ: الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الثَّمَنِ كَمِلْكِ الْمُثَمَّنِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّقَبَةُ فِي الْكَفَّارَةِ لِمِلْكِهَا، وَيُعْتَبَرُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ لِذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ (فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ) لِأَنَّهُمَا مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ يَقُومُ بِهَا عَلَى غُرَمَائِهِ فَهُنَا أَوْلَى، وَيَشْتَرِيهِمَا بِنَقْدٍ بِيَدِهِ، فَإِنْ فَضُلَ مِنْهُ مَا يَحُجُّ بِهِ، لَزِمَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْكَنُ وَاسِعًا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ، وَأَمْكَنَهُ بَيْعُهُ وَشِرَاءُ مَا يَكْفِيهِ وَيَفْضُلُ مَا يَحُجُّ بِهِ، لَزِمَهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي الْخَادِمِ وَالْكُتُبِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا كَهُمَا، فَإِنِ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى نُسْخَتَيْ كِتَابٍ بَاعَ الْأُخْرَى (وَقَضَاءِ دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ بِهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى بَرَاءَتِهَا. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وَخَادِمٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ؛ وَمُؤْنَتِهِ، وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ بِحَالٍ، فَمَنْ كَمُلَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ،   [المبدع في شرح المقنع] أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لِلَّهِ - تَعَالَى - أَوْ لِآدَمِيٍّ (وَمُؤْنَتِهِ) لِقَوْلِهِ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ» ، (وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ) الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْحَجِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِتَأَكُّدِ حَقِّهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. (عَلَى الدَّوَامِ) وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَكِفَايَةٌ دَائِمَةٌ لَهُ، وَلِأَهْلِهِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَصَدَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى عِيَالِهِ إِلَى أَنْ يَعُودَ وَيَبْقَى لَهُ إِذَا رَجَعَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عَائِلَتِهِ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ عَقَارٍ، أَوْ بِضَاعَةٍ، أَوْ صِنَاعَةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ، وَكَالْمُفْلِسِ، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الرَّوْضَةِ " إِلَى أَنْ يَعُودَ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُفْلِسَ مِثْلُهُ وَأَوْلَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي " الشَّرْحِ " إِلَى هَذَا وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْهُ. فَرْعٌ: إِذَا خَافَ الْعَنَتَ قَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِهِ إِذَنْ، وَلِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْحَجُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَخَفْهُ، وَلِأَنَّهُ أَهَمُّ الْوَاجِبَيْنِ، وَيُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَصَالِحِهِ بَعْدَ إِحْرَازِ الْحَجِّ. 1 - (وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ بِحَالٍ) لِمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ، وَكَالْبَذْلِ فِي الزَّكَاةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ مَا بُذِلَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، أَوِ الْمَالَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمِنَّةِ كَبَذْلِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": لَا يَمْلِكُ، وَلَا يَجِبُ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَلَا فَرْقَ فِي الْبَاذِلِ أَنْ يَكُونَ أَجْنَبِيًّا أَوْ قَرِيبًا حَتَّى الِابْنَ (فَمَنْ كَمُلَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ) وَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْخِيرُهُ، وَيَأْتِي بِهِ (عَلَى الْفَوْرِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] «تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ» ؛ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ، وَحَدِيثِ الْفَضْلِ «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ، وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ كَالصِّيَامِ إِذْ لَوْ مَاتَ مَاتَ عَاصِيًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: لَا فِي الشَّابِّ، وَكَذَا الْخِلَافُ لَهُمْ فِي صَحِيحٍ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى زَمِنَ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجْهًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ رِوَايَةً أَنَّهُ يَجِبُ مُوَسَّعًا، وَلَهُ تَأْخِيرُهُ زَادَ الْمَجْدُ: مَعَ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ وَتَخَلَّفَ بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ مُحَارِبٍ وَلَا مَشْغُولٍ بِشَيْءٍ، وَتَخَلَّفَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ» ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُ لَمْ يُسَمَّ قَضَاءً، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُورُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ بِصِفَةِ الْمُوَسَّعِ يُخْرِجُهُ عَنْ رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ لِتَأْخِيرِهِ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وَيُسَمَّى قَضَاءً فِيهِ، وَفِي الزَّكَاةِ، وَذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَجْهًا، ثُمَّ بَطَلَ بِمَا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إِلَى سَنَةٍ أُخْرَى، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ، وَإِذًا لَا يُسَمَّى قَضَاءً، وَقِيلَ: إِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُؤَخِّرْهُ؛ لِأَنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ عَشْرٍ، وَالْأَشْهَرُ: سَنَةَ تِسْعٍ فَقِيلَ أَخَّرَهُ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيلَ: لِرُؤْيَةِ الْمُشْرِكِينَ حَوْلَ الْبَيْتِ عُرَاةً، وَقِيلَ: بِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِتَكُونَ حَجَّتُهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الَّتِي اسْتَدَارَ الزَّمَانُ فِيهَا كَهَيْئَتِهِ، وَتَتَعَلَّمَ مِنْهُ أُمَّتُهُ الْمَنَاسِكَ الَّتِي اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَيْهَا، وَيُصَادِفَ وَقْفَةَ الْجُمُعَةِ، وَيُكْمِلَ اللَّهُ دِينَهُ، وَيُقَالُ: اجْتَمَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 فَإِنْ عَجَزَ عَنِ السَّعْيِ إِلَيْهِ لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرَ مِنْ بَلَدِهِ، وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَإِنْ عُوفِيَ. وَمَنْ أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إِلَيْهِ لَزِمَهُ   [المبدع في شرح المقنع] يَوْمَئِذٍ أَعْيَادُ أَهْلِ كُلِّ دِينٍ، وَلَمْ تَجْتَمِعْ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ. فَإِنْ عَجَزَ عَنِ السَّعْيِ إِلَيْهِ أَيْ: إِلَى الْحَجِّ (لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) كَزَمَانَةٍ، وَنَحْوِهَا (لَزِمَهُ) عَلَى (الْفَوْرِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «إِنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ الْحَجُّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لَوْ كَانَ نَضْوَ الْخَلْقِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ ثَقِيلَةً لَا يَقْدِرُ مِثْلُهَا يَرْكَبُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَمَاعَةٌ عَدَمَ الْقُدْرَةِ، وَيُسَمَّى: الْمَعْضُوبَ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا، فَجَازَ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ فِيهِ كَالصَّوْمِ، وَشَرْطُهُ الِاسْتِطَاعَةُ، وَسَوَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ حَالَ الْعَجْزِ أَوْ قَبْلَهُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ النَّوْعِ بَلْ تَنُوبُ امْرَأَةٌ عَنْ رَجُلٍ وَعَكْسُهُ، وَلَا كَرَاهِيَةَ فِي نِيَابَتِهَا عَنْهُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِفَوَاتِ رَمَلٍ وَحَلْقٍ وَرَفْعِ صَوْتِهِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ: لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ (مِنْ بَلَدِهِ) أَوْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَيْسَرَ فِيهِ، كَالِاسْتِنَابَةِ عَنِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ كَذَلِكَ، فَكَذَا النَّائِمُ كَقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَجِدَ مَالًا فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَافِيًا بِنَفَقَةِ رَاكِبٍ، فَإِنْ وَجَدَ نَفَقَةَ رَاجِلٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ وَجَدَ مَالًا وَلَمْ يَجِدْ نَائِبًا، فَعَلَى الْخِلَافِ فِي إِمْكَانِ الْمَسِيرِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ؛ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَسْقُطُ، وَعَلَى الثَّانِي: يَثْبُتُ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالًا يَسْتَنِيبُ بِهِ، فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، (وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ) أَيْ: عَنِ الْمَعْضُوبِ، (وَإِنْ عُوفِيَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُتِيَ بِمَا أَمَرَ بِهِ فَخَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ، وَسَوَاءٌ عُوفِيَ بَعْدَ فَرَاغِ النَّائِبِ أَوْ قَبْلَ فَرَاغِهِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِ كَالْمُتَمَتِّعِ إِذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ، وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي وَقْتِ الْمَسِيرِ وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا لَا خِفَارَةَ فِيهِ، وَيُوجَدُ فِيهِ الْمَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى الْمُعْتَادِ. وَعَنْهُ: أَنَّ إِمْكَانَ الْمَسِيرِ، وَتَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ مِنْ شَرَائِطِ   [المبدع في شرح المقنع] كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا، وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا إِذَا حَصَلَ الْبُرْءُ قَبْلَ إِحْرَامِ النَّائِبِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ اتِّفَاقًا؛ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ الْمَرْجُوَّ بُرْؤُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ كَالْمَحْبُوسِ. (وَمَنْ أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى الْوَاجِبِ مِنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ (لَزِمَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ وَاجِبٌ، كَالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ (إِذَا كَانَ فِي وَقْتِ الْمَسِيرِ) أَيْ: يَكُونُ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا لِلْخُرُوجِ إِلَيْهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسِيرَ سَيْرًا يُجَاوِزُ الْعَادَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ (وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا) ؛ لِأَنَّ فِي الْمَلْزُومِ بِدُونِهِ ضَرَرًا، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، وَسَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا، أَوْ بَعِيدًا، وَلَوْ غَيْرَ الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ بَرًّا كَانَ أَوْ بَحْرًا غَالِبُهُ السَّلَامَةُ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «وَلَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ سُلُوكُهُ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى أَشْبَهَ الْبَرَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَالِبٌ فَخِلَافٌ، وَخَرَّجَهُ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ، وَالْكَتَّانُ، أَمَّا إِذَا غَلَبَ الْهَلَاكُ، لَمْ يَلْزَمْهُ سُلُوكُهُ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إِجْمَاعًا فِي الْبَحْرِ (لَا خِفَارَةَ فِيهِ) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ يَسِيرَةً، ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ فَلَمْ يَلْزَمْ بَذْلُهَا فِي الْعِبَادَةِ، (وَيُوجَدُ فِيهِ) أَيْ: فِي الطَّرِيقِ (الْمَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى الْمُعْتَادِ) أَيْ: يَجِدُ ذَلِكَ فِي الْمَنَازِلِ الَّتِي يَنْزِلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كُلِّفَ حَمْلَ مَائِهِ، وَعَلَفِ بَهَائِمِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ إِلَى مَكَّةَ لَأَدَّى إِلَى مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَلِأَنَّهُ مُتَعَذِّرُ الْإِمْكَانِ، بِخِلَافِ زَادِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ. فَعَلَى هَذَا يَجِبُ حَمْلُ الْمَاءِ مِنْ مَنْهَلٍ إِلَى مَنْهَلٍ، وَحَمْلُ الْكَلَأِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ (وَعَنْهُ: أَنَّ إِمْكَانَ الْمَسِيرِ وَتَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ) مِنْ عُذْرٍ (مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ، وَلِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْحَجِّ مَعَهُ؛ لِعَدَمِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَظَهَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ وَسِعَةَ الْوَقْتِ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَسَّرَ السَّبِيلَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَلِأَنَّ إِمْكَانَ الْأَدَاءِ لَيْسَ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 الْوُجُوبِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَتِ الْخِفَارَةُ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهَا وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ، أُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةً وَعُمْرَةً، فَإِنْ ضَاقَ   [المبدع في شرح المقنع] الْعِبَادَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ زَالَ الْمَانِعُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يُمْكِنُ الْأَدَاءُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْأَدَاءُ دُونَ الْقَضَاءِ، كَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ، وَعَدَمُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجَمِيعُ. فَعَلَى هَذَا: هَلْ يَأْثَمُ إِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ؛ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ. (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَتِ الْخِفَارَةُ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَزِمَهُ بَذْلُهَا) ؛ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ يَقِفُ إِمْكَانُ الْحَجِّ عَلَى بَذْلِهَا، فَلَمْ يُمْنَعِ الْوُجُوبُ مَعَ إِمْكَانِ بَذْلِهَا كَثَمَنِ الْمَاءِ، وَقَيَّدَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " عَنْهُ بِالْيَسِيرَةِ، وَجَوَّزَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا فِي الدَّفْعِ عَنِ الْمُخْفَرِ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا كَمَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنَ الرَّعَايَا (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ) وَجَبَ قَضَاؤُهُ، (وَأُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ كَالدَّيْنِ، وَيَكُونُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ فَوَجَبَ مُسَاوَاتُهُ لَهُ، وَسَوَاءٌ فَرَّطَ بِالتَّأْخِيرِ أَوْ لَا. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاجِبِ، وَأَصْلِ الشَّرْعِ أَوْ بِإِيجَابِ نَفْسِهِ، وَيَخْرُجُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ كَالصَّلَاةِ، وَيُسْتَنَابُ مِنْ أَقْرَبِ، وَطَنِهِ لِيَتَخَيَّرَ الْمَنُوبَ عَنْهُ، فَإِنْ لَزِمَهُ بِخُرَاسَانَ فَمَاتَ بِبَغْدَادَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَقَالَ: أَحْمَدُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ، لَا مِنْ حَيْثُ مَوْتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِ الْمَكَانَيْنِ، وَيُجْزِئُ دُونَ الْوَاجِبِ إِذَا كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ كَحَاضِرٍ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لم يكْمل الْوَاجِبَ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ كَمَنْ أَحْرَمَ دُونَ مِيقَاتٍ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ بِحَجٍّ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِهِ، لَا مِنْ حَيْثُ وَجَبَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَقَعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أُخِذَ لِلْحَجِّ بِحِصَّتِهِ، وَحُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ. فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وُجُودُ مَحْرَمِهَا وَهُوَ زَوْجُهَا، أَوْ مَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْحَجُّ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، فَإِنْ مَاتَ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ فِي الطَّرِيقِ حَجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ فِيمَا بَقِيَ، نَصَّ عَلَيْهِ، مَسَافَةً وَفِعْلًا وَقَوْلًا، وَإِنْ صُدَّ فَعَلَ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ الْوَاجِبِ (فَإِنْ ضَاقَ مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ) بِأَنْ لَمْ يُخْلِفْ مَا يَكْفِي الْحَجَّ مِنْ بَلَدِهِ (أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ) وَتَزَاحَمُوا (أَخَذَ الْحَجُّ بِحِصَّتِهِ) كَمَا لَوْ خَلَّفَ مِائَةً، وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، وَالْحَجُّ يَكْفِيهِ مِائَةٌ فَيَطْلُعُ لَهُ خَمْسُونَ، (وَحَجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى بَعْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَعَنْهُ: يَسْقُطُ الْحَجُّ عُيِّنَ فَاعِلُهُ أَمْ لَا، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الدَّيْنُ لِتَأَكُّدِهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَوْصَى بِحَجٍّ نَفْلٍ أَوْ أُطْلِقَ جَازَ مِنَ الْمِيقَاتِ، نَصَّ عَلَيْهِ، مَا لَمْ تَمْنَعْ مِنْهُ قَرِينَةٌ، وَقِيلَ: مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ كَحَجٍّ وَاجِبٍ، فَإِنْ لَمْ يَفِ لَهُ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ حَجَّ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ أَوْ يُعَانُ بِهِ فِي الْحَجِّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: الْمُتَطَوِّعُ مَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ كَانَ. أَصْلٌ: يَلْزَمُ الْأَعْمَى أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ كَالْبَصِيرِ بِخِلَافِ الْجِهَادِ، وَيُعْتَبَرُ لَهُ قَائِدٌ كَبَصِيرٍ يَجْهَلُ الطَّرِيقَ، وَهُوَ كَالْمُحْرِمِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " يُشْتَرَطُ لِلْأَدَاءِ قَائِدٌ يُلَائِمُهُ أَيْ: يُوَافِقُهُ، وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَقِيلَ: وَزِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ، فَلَوْ تَبَرَّعَ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ لِلْمِنَّةِ. [يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وُجُودُ مَحْرَمِهَا] فَصْلٌ (وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وُجُودُ مَحْرَمِهَا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ: رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ إِذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا، وَعَنْهُ: أَنَّ   [المبدع في شرح المقنع] مَعَهَا حُرْمَةٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ «ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» ، وَلَهُ أَيْضًا " ثَلَاثًا " وَهَذَا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ، وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ خَاصٌّ، وَلِأَنَّهَا أَنْشَأَتْ سَفَرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَالزِّيَارَةِ وَالتِّجَارَةِ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَجُوزِ، وَالشَّابَّةِ، لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ لِعَوْرَتِهَا حُكْمٌ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ، وَنَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: لَا يَحِلُّ سَفَرُهَا إِلَّا لِمَحْرَمٍ قَالَ: إِذَا صَارَ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ أَوْ تِسْعٌ. قُلْتُ: هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعًا فَهِيَ امْرَأَةٌ، وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ، وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ مَعَ كُلِّ مَنْ أَمِنَتْهُ، وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَوَاعِدِ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يُخْشَى مِنْهُنَّ، وَلَا عَلَيْهِنَّ فِتْنَةٌ، وَعَنْهُ: لَا يُعْتَبَرُ إِلَّا فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي أَطْرَافِ الْبَلَدِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَحُجُّ كُلُّ امْرَأَةٍ آمِنَةً مَعَ عَدَمِ الْمَحْرَمِ، وَقَالَ: هَذَا مُتَوَجِّهٌ فِي كُلِّ سَفَرِ طَاعَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ لِاخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَسُؤَالِهِمْ، فَخَرَجَتْ جَوَابًا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمُ اعْتِبَارُ الْمَحْرَمِ لِإِمَاءِ الْمَرْأَةِ، وَعُتَقَائِهَا، لَكِنْ قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِمَاءُ الْمَرْأَةِ يُسَافِرْنَ مَعَهَا، وَلَا يَفْتَقِرْنَ إِلَى مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْرَمَ لَهُنَّ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، وَأَمَّا عُتَقَاؤُهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُنَّ كَالْإِمَاءِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مَحْرَمٌ، وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ وَمَلَكْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِالْعِتْقِ، (وَهُوَ زَوْجُهَا أَوْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [أَنْ] تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فصاعدا إِلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأُطْلِقَ عَلَى الزَّوْجِ مَحْرَمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ سَفَرِ الْمَحْرَمِ مَعَهَا صِيَانَتُهَا، وَحِفْظُهَا مَعَ الْخَلْوَةِ، وَالنَّظَرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ (بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ) كَرَضَاعٍ، وَمُصَاهَرَةٍ، وَوَطْءٍ مُبَاحٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَدَخَلَ فِيهِ رَابُّهَا، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّهَا، وَرَبِيبُهَا، وَهُوَ ابْنُ زَوْجِهَا، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَخَرَجَ مِنْهُ الزَّانِي، وَالْوَاطِئُ بِشُبْهَةٍ، فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ، وَابْنَتِهَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ مُبَاحٍ، قَالَ: فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " كَالتَّحْرِيمِ بِاللِّعَانِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " الْمَحْرَمِيَّةُ نِعْمَةٌ فَاعْتُبِرَ إِبَاحَةُ سَبَبِهَا كَسَائِرِ الرُّخَصِ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَاخْتَارَهُ فِي " الْفُصُولِ " فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ لَا الزِّنَا، لَكِنْ يُسْتَثْنَى، وَمُرَادُهُمْ بِالشُّبْهَةِ الْوَطْءُ الْحَرَامُ مَعَ الشُّبْهَةِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ فَيَرِدُ عَلَى إِطْلَاقِهِ الْمُلَاعَنَةُ فَيُزَادُ فِيهِ سَبَبٌ مُبَاحٌ لِحُرْمَتِهَا، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ " الْوَجِيزِ " وَ " الْآدَمِيِّ " فَإِنَّ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ، وَتَغْلِيظٌ لَا لِحُرْمَتِهَا، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّحْرِيمِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى اسْتِثْنَائِهِنَّ لِانْقِطَاعِ حُكْمِهِنَّ، وَظَهَرَ أَنَّ زَوْجَ الْأُخْتِ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِأُخْتِهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لَيْسَ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ أَبَدًا، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ النَّظَرِ الْمَحْرَمِيَّةُ، وَعَنْهُ: هُوَ مَحْرَمٌ، وَذَكَرَ فِي " شَرْحِ الْمَذْهَبِ " أَنَّهُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا كَذِي مَحْرَمِهَا، وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالْقَوَاعِدِ مِنَ النِّسَاءِ، وَبِغَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ (إِذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يَقُومَانِ بِأَنْفُسِهِمَا، فَكَيْفَ يَخْرُجَانِ مَعَ غَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمَحْرَمِ حِفْظُ الْمَرْأَةِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فِي " الْفُرُوعِ ": ذَكَرًا وَيُشْتَرَطُ إِسْلَامُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْحَضَانَةِ، وَكَالْمَجُوسِ لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مِثْلَهُ مُسْلِمٌ لَا يُؤْمَنُ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إِسْلَامُهُ إِنْ أُمِّرَ عَلَيْهَا، وَكَوْنُهُ بَاذِلًا لِلْخُرُوجِ مَعَهَا وَلَوْ عَبْدًا وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، فَيُعْتَبَرُ أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً لَهُمَا، وَلَوْ بَذَلَتِ النَّفَقَةَ، لَمْ يَلْزَمْهُ السَّفَرُ مَعَهَا وَكَانَتْ كَمَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا إِلَّا الْعَبْدَ إِذَا قُلْنَا: بِأَنَّهُ مَحْرَمٌ فَيَلْزَمُهُ السَّفَرُ مَعَهَا، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الزَّوْجَ بِالسَّفَرِ مَعَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ أَوْ أَمْرُ تَخْيِيرٍ فَإِنْ أَرَادَ أَجْرَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 الْمَحْرَمَ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ. وَإِنْ مَاتَ الْمَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ، مَضَتْ فِي حَجِّهَا، وَلَمْ تَصِرْ مُحْصَرَةً، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا نَذْرٌ وَلَا نَافِلَةٌ،   [المبدع في شرح المقنع] وَيَتَوَجَّهُ كَنَفَقَتِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّغْرِيبِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ لَمْ يَلْزَمْهَا لِلْمِنَّةِ، (وَعَنْهُ: أَنَّ الْمَحْرَمَ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ) كَإِمْكَانِ الْمَسِيرِ، وَتَخْلِيَةِ الطَّرِيقِ، وَلِوُجُودِ السَّبَبِ فَهُوَ كَسَلَامَتِهَا مِنْ مَرَضٍ، فَعَلَى هَذَا يَحُجُّ عَنْهَا كَمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُوصِيَ بِهِ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ دُونَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، وَسِعَةِ الْوَقْتِ، وَقَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَشَرْطُهَا فِي " الْهِدَايَةِ " لِلْوُجُوبِ قَالَ الْمَجْدُ: وَالتَّفْرِقَةُ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَيْنِ مُشْكِلَةٌ، وَالصَّحِيحُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذِهِ الشُّرُوطِ إِمَّا نَفْيًا، وَإِمَّا إِثْبَاتًا. فَرْعٌ: إِذَا حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ حَرُمَ، وَأَجْزَأَ كَمَا لَوْ تَرَكَ حَقًّا يَلْزَمُهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ، وَيَصِحُّ مِنْ مَعْضُوبٍ، وَأَجِيرِ خِدْمَةٍ بِأُجْرَةٍ أَوَّلًا، وَتَاجِرٍ وَلَا إِثْمَ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. 1 - (وَإِنْ مَاتَ الْمَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ، مَضَتْ فِي حَجِّهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِالرُّجُوعِ لِكَوْنِهِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَمَحَلُّهُ إِذَا تَبَاعَدَتْ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، وَأَمْكَنَهَا الْإِقَامَةُ بِبَلَدٍ، فَهُوَ أَوْلَى مِنَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَإِنْ مَاتَ وَهِيَ قَرِيبَةٌ رَجَعَتْ لِتَقْضِيَ الْعِدَّةَ فِي مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَلَمْ تَصِرْ مُحْصَرَةً) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِالتَّحَلُّلِ زَوَالَ مَا بِهَا كَالْمَرِيضِ، (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ) فِي الصَّحِيحِ لِحَدِيثِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلِأَنَّهُ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا (وَلَا نَذْرٌ وَلَا نَافِلَةٌ) أَيْ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِنَذْرٍ ولا نافلة من عليه حجة الإسلام (فَإِنْ فَعَلَ انْصَرَفَ إِلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا فِي اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 فَإِنْ فَعَلَ، انْصَرَفَ إِلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَعَنْهُ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ. وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ «هَذِهِ عَنْكَ وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» وَقَوْلُهُ أَوَّلًا «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ» أَيِ: اسْتَدِمْهُ، كَقَوْلِكَ لِلْمُؤْمِنِ: آمِنْ، وَلِأَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ مُلْغَاةٌ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: يَنْعَقِدُ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، ثُمَّ يَقْلِبُهُ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ أَرَادَ التَّلْبِيَةَ لِقَوْلِهِ هَذِهِ عَنْكَ، وَلَمْ يَجُزْ فَسْخُ حَجٍّ إِلَى حَجٍّ، وَعَنْهُ: يَقَعُ بَاطِلًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي " الْخِلَافِ "؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ نَفْسَهُ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ، وَغَيْرُهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْإِحْرَامِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ لارتكابه النهي، (وَعَنْهُ) : يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ، (وَيَقَعُ مَا نَوَاهُ) قَالَ الْقَاضِي: هُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا مَالَ لَهُ، أَيَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، فَجَازَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ مَنْ لَمْ يُسْقِطْ فَرْضَ نَفْسِهِ، كَالزَّكَاةِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " رِوَايَةٌ يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ بِشَرْطِ عَجْزِهِ عَنْ حَجَّةٍ لِنَفْسِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَنُوبُ مَنْ لَمْ يُسْقِطْ فَرْضَ نَفْسِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مَا قِيلَ يَنُوبُ فِي نَفْلِ عَبْدٍ، وَصَبِيٍّ، وَيَحْرُمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " وَمَتَى وَقَعَ الْحَجُّ لِلْحَاجِّ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَفِي " الْفُصُولِ " احْتِمَالٌ. فَرْعٌ: إِذَا اسْتَنَابَ عَنِ الْمَعْضُوبِ أَوْ عَنِ الْمَيِّتِ وَاحِدًا فِي فَرْضِهِ، وَآخَرَ فِي نَذْرِهِ فِي سَنَةٍ جَازَ، وَزَعَمَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ التَّأْخِيرِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَكِنْ يُحْرِمْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا أَيُّهُمَا أَحْرَمَ أَوَّلًا، فَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ الْأُخْرَى عَنِ النَّذْرِ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ (وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهَا حَجَّةٌ لَا تَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا كَالْمَعْضُوبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 فصل   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ: لَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ كَالْفَرْضِ، وَمَحَلُّهُمَا: إِذَا أَدَّى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ. أَمَّا لَوْ كَانَ قَادِرًا وَلَمْ يُؤَدِّ الْفَرْضَ، لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِنَفْسِهِ فَنَائِبُهُ أَوْلَى، وَإِذَا أَدَّى فَرْضَهُ ثُمَّ عَجَزَ جَازَتِ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ فِي الْفَرْضِ فَالنَّفْلُ أَوْلَى ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَيَكْفِي النَّائِبَ أَنْ يَنْوِيَ الْمُسْتَنِيبُ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَتُهُ لَفْظًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَهِلَ اسْمَهُ أَوْ نَسَبَهُ لَبَّى عَمَّنْ سَلَّمَ إِلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ. فَصْلٌ: فِي مُخَالَفَةِ النَّائِبِ إِذَا أَمَرَهُ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ حَجَّ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَقَعُ عَنِ الْآمِرِ، وَيَرُدُّ كُلَّ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ: إِنْ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ، فَلَا، وَمِنْ مَكَّةَ يَرُدُّ مِنَ النَّفَقَةِ مَا بَيْنَهُمَا، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِ مِيقَاتٍ، وَمَنْ أُمِرَ بِإِفْرَادٍ فَقَرَنَ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ زَادَ كَبَيْعٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى، وَقِيلَ: هَدَرٌ، وَكَذَا إِنْ تَمَتَّعَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَيْنِ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا، وَمَنْ أُمِرَ بِتَمَتُّعٍ فَقَرَنَ، لَمْ يَضْمَنْ، وَقَالَ الْقَاضِي يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ، وَعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ كَإِفْرَادِهِ، وَلَوِ اعْتَمَرَ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِهَا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَمَنْ أُمِرَ بِقِرَانٍ فَتَمَتَّعَ أَوْ أَفْرَدَ فَلِلْآمِرِ، وَيَرُدُّ نَفَقَةً قَدْرَ مَا تَرَكَهُ مِنْ إِحْرَامِ النُّسُكِ الْمَتْرُوكِ مِنَ الْمِيقَاتِ ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَفِي " الْفُصُولِ " وَغَيْرِهَا: يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ، وَأَنَّ مَنْ تَمَتَّعَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا، وَإِنِ اسْتَنَابَهُ رَجُلٌ فِي حَجٍّ، وَآخَرُ فِي عُمْرَةٍ، وَأَذِنَا فِي الْقِرَانِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ مَشْرُوعٌ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا صَحَّا لَهُ، وَضَمِنَ الْجَمِيعَ لِمَنْ أَمَرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ أَوْ عَكْسِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " يَقَعُ عَنْهُمَا فَإِنْ أَدَّى أَحَدَهُمَا رَدَّ عَلَى غَيْرِ الْآمِرِ نِصْفَ نَفَقَتِهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي صِفَتِهِ، وَإِنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَحَجَّ، ثُمَّ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 بَابُ الْمَوَاقِيتِ وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْغَرْبِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ، وَأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ، وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ   [المبدع في شرح المقنع] صَحَّ وَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَرَادُوا إِقَامَةً تَمْنَعُ الْقَصْرَ فَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ، وَإِنْ أُمِرَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتٍ فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بَلَدِهِ فَأَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ، أَوْ فِي عَامٍ، أَوْ فِي شَهْرٍ فَخَالَفَ، جَازَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِإِذْنِهِ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " لَوْ نَوَاهُ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَجَبَ رَدُّ مَا أَخَذَهُ. مَسْأَلَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ، قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ، إِنْ لَمْ يَحُجَّا، وَقِيلَ: وَغَيْرِهِمَا، وَتُقَدَّمُ أُمُّهُ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ، وَيُقَدَّمُ وَاجِبُ أَبِيهِ عَلَى نَفْلِهَا، نَصَّ عَلَيْهِمَا، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يُقَدَّمُ دَيْنُ أَبِيهِ عَلَى نَفْلِهِ لِنَفْسِهِ فَأُمُّهُ أَوْلَى وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ نَفْلٍ لَا تَحْلِيلُهُ لِلُزُومِهِ بِالشُّرُوعِ، وَيَلْزَمُهُ طَاعَتُهُمَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَيَحْرُمُ فِيهَا [بَابُ الْمَوَاقِيتِ] ِ هِيَ جَمْعُ مِيقَاتٍ، وَمَعْنَاهُ لُغَةً: الْحَدُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا: زَمَنُ الْعِبَادَةِ، وَمَكَانُهَا. (وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ، وَفَتْحِ اللَّامِ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ، [وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ] مَسِيرَةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، (وَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْغَرْبِ مِنَ الْجُحْفَةِ) بِضَمِّ الْجِيمِ، وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ اسْمُهَا " مَهْيَعَةَ " فَجَحَفَ السَّيْلُ بِأَهْلِهَا، وَهِيَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْبَحْرِ، وَثَمَانِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَثَلَاثٍ مِنْ مَكَّةَ، (وَأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ) وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى لَيْلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَالْيَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ " أَلَمْلَمُ " وَلَيْسَتْ بِمَزِيدَةٍ، (وَأَهْلِ نَجْدٍ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ، وَسُكُونِ الْجِيمِ قَالَ صَاحِبُ " الْمَطَالِعِ ": هُوَ مَا بَيْنَ جُرَشَ إِلَى سَوَادِ الْكُوفَةِ، وَكُلُّهَا مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] عَمَلِ الْيَمَامَةِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ خِلَافُ الْغَوْرِ، وَالْغَوْرُ: هُوَ تِهَامَةُ كُلُّهَا، وَكُلُّ مَا ارْتَفَعَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ فَنَجْدٌ انْتَهَى. فَنَجْدُ الْيَمَنِ وَنَجْدُ الْحِجَازِ وَالطَّائِفِ (قَرْنٌ) بِسُكُونِ الرَّاءِ فَقَطْ، وَيُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ، وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ، وَهُوَ تِلْقَاءَ مَكَّةَ عَلَى يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ مِنْهَا، (وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ) هو منزل مَعْرُوفٌ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ عِرْقًا، وَهُوَ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَقِيلَ: الْعِرْقُ الْأَرْضُ السَّبْخَةُ تُنْبِتُ الطُّرَفَاءَ، وَأَصْلُهُ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ يُرِيدُ الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمَهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ. وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَدَلَّ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ ": أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَفِيَ النَّصُّ فَوَافَقَهُ بِرَأْيِهِ فَإِنَّهُ مُوَفَّقٌ لِلصَّوَابِ، وَلَيْسَ الْأَفْضَلُ لِلْعِرَاقِيِّ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْعَقِيقِ وَهُوَ وَادٍ وَرَاءَ ذَاتِ عِرْقٍ بِمَرْحَلَةٍ أَوْ مَرْحَلَتَيْنِ يَلِي الشَّرْقَ. وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» . تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَهُوَ شِيعِيٌّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَاتُ عِرْقٍ مِيقَاتُهُمْ بِإِجْمَاعٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا، وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَمِنْ مَنْزِلِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ، فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ إِذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ، فَمِنَ الْحِلِّ وَلَوْ أَرَادُوا الْحَجَّ،   [المبدع في شرح المقنع] (وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا) كَمَا سَلَفَ (وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِمْ) كَالشَّامِيِّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، قِيلَ لَهُ: يُهِلُّ مِنْ مِيقَاتِهِ مِنَ الْجُحْفَةِ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ. وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ إِجْمَاعًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَعَطَاءً، وَأَبَا ثَوْرٍ قَالُوا: يُحْرِمُ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَيَتَوَجَّهُ إِلَى مِثْلِهِ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ يَسْكُنُهَا جَازَ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ أَيِّ: جَوَانِبِهَا شَاءَ، وَالْأَوْلَى الْأَبْعَدُ، (وَأَهْلُ مَكَّةَ إِذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ فَمِنَ الْحِلِّ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعَمِّرَ عَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ كُلَّهَا فِي الْحَرَمِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْحِلِّ لِيَجْتَمِعَ فِي إِحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى عَرَفَةَ فَيَحْصُلُ الْجَمْعُ. وَظَاهِرُهُ مِنْ أَيِّ الْحِلِّ أَحْرَمَ، جَازَ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: كُلَّمَا تَبَاعَدَ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ قِيلَ: التَّنْعِيمُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْحِلِّ إِلَى مَكَّةَ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " الْجِعْرَانَةُ لِاعْتِمَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْهَا، ثُمَّ مِنْهُ، ثُمَّ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّ مَنْ بِمَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا إِذَا أَرَادَ عُمْرَةً وَاجِبَةً فَمِنَ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ لِمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، وَأَحْرَمَ دُونَهُ، وَإِنْ أَرَادَ نَفْلًا، فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، فَلَوْ خَالَفَ فَأَحْرَمَ بِهَا مِنْ مَكَّةَ، صَحَّ، وَلَزِمَهُ دَمٌ لِمُخَالَفَةِ الْمِيقَاتِ، وَيُجْزِئُهُ إِنْ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ قَبْلَ طَوَافِهَا، وَكَذَا بَعْدَهُ، كَإِحْرَامِهِ دُونَ مِيقَاتِ الْحَجِّ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَهَا كَالْحَجِّ فَعَلَيْهِ لَا يُعْتَدُّ بِأَفْعَالِهِ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ، ثُمَّ يَأْتِي بِهَا، وَإِنْ أَتَى مَحْظُورًا فَدَى، وَبِالْوَطْءِ يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَقَضَاهَا بِعُمْرَةٍ مِنَ الْحِلِّ، وَيُجْزِئُهُ عَنْهَا، وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ. فَرْعٌ: حُكْمُ مَنْ كَانَ بِالْحَرَمِ حُكْمُ مَنْ بِمَكَّةَ فِيمَا ذَكَرْنَا. 1 - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 فَمِنْ مَكَّةَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ عَلَى مِيقَاتٍ، فَإِذَا حَاذَى أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إِلَيْهِ، أَحْرَمَ. وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ تَجَاوُزُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ إِلَّا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ، أَوْ حَاجَةٍ   [المبدع في شرح المقنع] (وَلَوْ أَرَادُوا الْحَجَّ فَمِنْ مَكَّةَ) «لِقَوْلِ جَابِرٍ أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ مِنَ الْأَبْطَحِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَظَاهِرُهُ لَا تَرْجِيحَ لِمَوْضِعٍ عَلَى آخَرَ، وَنَقَلَ حَرْبٌ عَنْهُ: فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ خِلَافَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ إِلَّا فِي " الْإِيضَاحِ " قَالَ: يُحْرِمُ بِهِ مِنَ الْمِيزَابِ، وَعَنْهُ: فِيمَنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: يُهِلُّ بِالْحَجِّ مِنَ الْمِيقَاتِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَهِيَ ضعيفة عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِسُقُوطِ دَمِ الْمُتْعَةِ عَنِ الْآفَاقِيِّ بِخُرُوجِهِ إِلَى الْمِيقَاتِ، وَعَنْهُ: إِذَا أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ عَنْ غَيْرِهِ، وَدَخَلَ مَكَّةَ فَقَضَى نُسُكَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا أَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ أَرَادَ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ إِنْسَانٍ، ثُمَّ عَنْ آخَرَ، يَخْرُجُ يُحْرِمُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَفِي " التَّرْغِيبِ ": لَا خِلَافَ فِيهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إِلَيْهِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، كَمَا لَوْ خَرَجَ إِلَى الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ، وَكَالْعُمْرَةِ، وَمَنَعُوا وُجُوبَ إِحْرَامِهِ مِنَ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ. (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ عَلَى مِيقَاتٍ) كَعَنْدَابٍ فَإِنَّهَا فِي طَرَفِ الْمَغْرِبِ (فَإِذَا حَاذَى أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إِلَيْهِ أَحْرَمَ) لِقَوْلِ عُمَرَ: انْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ قَدِيدٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ، وَالتَّقْدِيرِ فَإِذَا اشْتَبَهَ دَخَلَهُ الِاجْتِهَادُ كَالْقِبْلَةِ، وَهَذَا فِيمَنْ عَلِمَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَذْوَ الْمِيقَاتِ، أَحْرَمَ مِنْ بُعْدٍ؛ إِذِ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ جَائِزٌ، وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ حَرَامٌ فَإِنْ تَسَاوَى مِيقَاتَانِ فِي الْقُرْبِ إِلَيْهِ، أَحْرَمَ مِنْ أَبْعَدِهِمَا عَنْ مَكَّةَ، فَإِنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا، فَفِي " الرِّعَايَةِ " أَحْرَمَ بِقَدْرِ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ إِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الْمُحَاذَاةِ. 1 - (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ تَجَاوَزُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 مُكَرَّرَةٍ كَالْحَطَّابِ وَنَحْوِهِ. ثُمَّ إِنْ بَدَا لَهُ النُّسُكُ، أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَمَنْ جَاوَزَهُ   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ - وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ تَجَاوَزُوهُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ إِلَّا فِيمَا نَذْكُرُهُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا يَدْخُلْ أَحَدٌ مَكَّةَ إِلَّا بِإِحْرَامٍ» فِيهِ ضَعْفٌ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ نُسُكًا ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ ظَاهِرَةٌ، وَيَنْبَنِي عَلَى عُمُومِ الْمَفْهُومِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَحُكْمُ مَنْ أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ كَمَكَّةَ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ دُخُولَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ أَتَوْا بَدْرًا مَرَّتَيْنِ، وَكَانُوا يُسَافِرُونَ لِلْجِهَادِ فَيَمُرُّونَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَهَا لِتِجَارَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْحَجِّ، وَلِعَدَمِ تَكَرُّرِ حَاجَتِهِ، وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: لَا يَلْزَمُهُ، وَحَكَاهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَعَلَى الْأُولَى إِذَا دَخَلَ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ كُلَّ دَاخِلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ، فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ لَمْ يَلْزَمْهُمُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ. فَلَوْ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ لِمِيقَاتِهِمْ فَمِنْ مَوْضِعِهِمْ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: بَلَى لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُ مَنْ أَسْلَمَ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهُ حر بالغ عَاقِلٌ كَالْمُسْلِمِ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ زَوَالِ الْمَانِعِ. (إِلَّا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ) «لِدُخُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ» ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحْرَمَ، وَحُكْمُ الْخَوْفِ كَذَلِكَ. (أَوْ حَاجَةٍ مُكَرَّرَةٍ كَالْحَطَّابِ وَنَحْوِهِ) كَالْحَشَّاشِ لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَدْخُلَنَّ إِنْسَانٌ مَكَّةَ إِلَّا مُحْرِمًا إِلَّا الْحَمَّالِينَ، وَالْحَطَّابِينَ، وَأَصْحَابَ مَنَافِعِهَا احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَحُكْمُ الْمَكِّيُّ إِذَا تَرَدَّدَ إِلَى قَرْيَتِهِ بِالْحِلِّ كَذَلِكَ، إِذْ لَوْ وَجَبَ لَأَدَّى إِلَى ضَرَرٍ وَمَشَقَّةٍ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَكَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ قَيِّمِهِ لِلْمَشَقَّةِ. (ثُمَّ إِنْ بَدَا لَهُ) أَيْ: مَنْ لَا تَلْزَمُهُ، أَوْ لَمْ يُرِدِ الْحَرَمَ (النُّسُكُ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ دُونَ الْمِيقَاتِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ فَكَانَ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ كَأَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَلِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، رَجَعَ، فَأَحْرَمَ مِنْهُ، فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى الْمِيقَاتِ. وَالِاخْتِيَارُ أَلَّا يُحْرِمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ وَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُحْرِمٌ   [المبدع في شرح المقنع] مَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ لَوْ خَرَجَ إِلَيْهِ ثُمَّ عَادَ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ كَمَنْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ. (وَمَنْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ رَجَعَ) إِلَى الْمِيقَاتِ (فَأَحْرَمَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْوَاجِبِ لَزِمَهُ فِعْلُهُ، سَوَاءٌ تَجَاوَزَهُ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا، عَلِمَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ أَوْ جَهِلَهُ، وَشَرْطُ الرُّجُوعِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْحَجِّ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَطْلَقَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَجْهَيْنِ. (فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ) صَحَّ إِحْرَامُهُ. (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ» ، وَلِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ. (وَإِنْ رَجَعَ إِلَى الْمِيقَاتِ) بَعْدَ إِحْرَامِهِ، لَمْ يَسْقُطِ الدَّمُ عَنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِتَرْكِ إِحْرَامِهِ مِنْ مِيقَاتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ، كَمَا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ، وَعَنْهُ: يَسْقُطُ لِإِتْيَانِهِ بِالْوَاجِبِ. فَرْعٌ: إِذَا أَفْسَدَ نُسُكَهُ هَذَا، لَمْ يَسْقُطْ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَدَمٍ مَحْظُورٍ، وَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَنقلَ مهَنا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ. (وَالِاخْتِيَارُ) أَيِ: الْأَفْضَلُ (أَنْ لَا يُحْرِمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ) الْمَكَانِيِّ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا يُعْدَلُ عَنِ الْأَفْضَلِ، وَالْجَوَازُ حَصَلَ بِقَوْلِهِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: إِنْ نَوَى عَلَى ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ، وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُ بِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَا تَأَخَّرَ، أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيَّتُهُمَا. قَالَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مُحْتَجٌّ بِهِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَقَوْلُهُ فِي " الشَّرْحِ " وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ مَرْدُودٌ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ مَعْنَى أَهَلَّ، أَيْ: قَصَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَيَكُونُ إِحْرَامُهُ مِنَ الْمِيقَاتِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَجَابَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الصلاتين مِنَ الْمَسْجِدَيْنِ فِي إِحْرَامٍ وَاحِدٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَحْرَمَ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُحْرِمُ فِي غَيْرِهِ إِلَّا مِنَ الْمِيقَاتِ. (وَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعِبَادَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا لِمِيقَاتِ الْمَكَانِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: أَحْرَمَ قَبْلَ مِيقَاتِ الْمَكَانِ، وَالزَّمَانِ (فَهُوَ مُحَرَّمٌ) حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الصِّحَّةَ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى مِيقَاتِ الْمَكَانِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَبْلَ دَاوُدَ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُعْظَمُ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُحْرِمْ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ» ، وَكَذَا عَامَّةُ أَصْحَابِهِ، وَأَنْكَرَهُ عُمَرُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حِينَ أَحْرَمَ مِنْ مِصْرَ، وَعُثْمَانُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ حِينَ أَحْرَمَ مِنْ خُرَاسَانَ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ، وَلِأَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، فَكُرِهَ كَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، وَلِعَدَمِ أَمْنِهِ مِنْ مَحْظُورٍ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَالْوِصَالُ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْأَمْنُ مَعَ احْتِمَالِ مَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ، وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ صِحَّةُ الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ كَالْأَوَّلِ نَقَلَ طَالِبٌ وَسِنْدِيٌّ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ فَسْخَهُ بِعُمْرَةٍ، فَلَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ، وَعَنْهُ: يَنْعَقِدُ عُمْرَةً، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ يُكْرَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ رِوَايَةً لَا يَجُوزُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. بَابُ الْإِحْرَامِ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ، وَيَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] وَكُلُّهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ فَكَذَا لِلْحَجِّ، وَقَوْلُهُ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] أَيْ: مُعْظَمُهُ فِي أَشْهُرٍ كَقَوْلِهِ «الْحَجُّ عَرَفَةُ» أَوْ أَرَادَ حَجَّ الْمُتَمَتِّعِ، وَإِنْ أَضْمَرَ الْإِحْرَامَ، أَضْمَرْنَا الْفَضِيلَةَ، وَالْخَصْمُ يُضْمِرُ الْجَوَازَ، وَالْمُضْمَرُ لَا يَعُمُّ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. «وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) » رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَيَوْمُ النَّحْرِ مِنْهُ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَشْرَ بِإِطْلَاقِهِ لِلْأَيَّامِ كَالْعِدَّةِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ: الْعَرَبُ تُغَلِّبُ التَّأْنِيثَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً لِسَبْقِ اللَّيَالِي فَنَقُولُ: سِرْنَا عَشْرًا، وَإِنَّمَا فَاتَ الْحَجُّ بِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَقَطْ، وَالْجَمْعُ يُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَعَلَى اثْنَتَيْنِ، وَبَعْضٍ آخَرَ كَعِدَّةِ ذَاتِ الْقُرُوءِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا يَفْسُدُ فِيهَا تَوْقِيتٌ بَلْ يُفْعَلُ فِي كُلِّ السَّنَةِ، وَهِيَ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ، لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ قَالَ: حَجَّةً مَعِي» ، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ هِيَ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ، وَفِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ، وَلَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالنَّحْرِ، وَالتَّشْرِيقِ كَالطَّوَافِ الْمُجَرَّدِ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَلَا دَلِيلَ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. رَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ عَائِشَةَ. وَخَصَّهَا بَعْضُهُمْ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ. [بَابُ الْإِحْرَامِ] [مَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ] بَابُ الْإِحْرَامِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: هُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ كَأَنَّهُ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ النِّكَاحَ، وَالطِّيبَ، وَأَشْيَاءَ مِنَ اللِّبَاسِ كَمَا يُقَالُ أَشْتَى: إِذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ، وَأَرْبَعَ: إِذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ. وَشَرْعًا: هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ لَا بِنِيَّةٍ لِيَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ. (يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ) وَلَوْ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ، وَيَتَيَمَّمَ لِعَدَمٍ، وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 نَظِيفَيْنِ إِزَارًا وَرِدَاءً، وَيَتَجَرَّدَ عَنِ الْمَخِيطِ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيُحْرِمَ عَقِيبَهُمَا، وَيَنْوِيَ   [المبدع في شرح المقنع] يَضُرُّ حَدَثُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ قَبْلَ إِحْرَامِهِ، (وَيَتَنَظَّفَ) بِأَخْذِ شَعْرِهِ، وَظُفْرِهِ، وَقَطْعِ رَائِحَةٍ، لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِمْ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ فَسُنَّ فِيهِ ذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ، وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ، (وَيَتَطَيَّبَ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُرَادُهُ فِي بَدَنِهِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَأَوْرَدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ مَذْهَبًا، وَالْمَذْهَبُ يُكْرَهُ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ، وَحَرَّمَهُ الْآجُرِّيُّ فِيهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ تَبْقَى عَيْنُهُ كَالْمِسْكِ أَوْ أَثَرُهُ كَالْبَخُورِ فَإِنِ اسْتَدَامَهُ فَلَا كَفَّارَةَ لِخَبَرِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَامُ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَمَا سَبَقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ، فَإِنْ نَقَلَهُ مِنْ بَدَنِهِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ أَوْ نَقَلَهُ عَنْهُ، ثُمَّ رَدَّهُ أَوْ نَزَعَهُ، ثُمَّ لَبِسَهُ فَدَى بِخِلَافِ مَا لَوْ سَالَ بِعَرَقٍ أَوْ شَمْسٍ، (وَيَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ إِزَارًا وَرِدَاءً) وَنَعْلَيْنِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لِيُحْرِمَ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ، وَرِدَاءٍ، وَنَعْلَيْنِ» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْجَدِيدِ وَغَيْرِهِ، وَفِي " تَبْصِرَةِ " الْحُلْوَانِيِّ إِخْرَاجُ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ مِنَ الرِّدَاءِ أَوْلَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إِحْرَامُهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ. (وَيَتَجَرَّدَ) الرَّجُلُ (عَنِ الْمَخِيطِ) وَهُوَ كُلُّ مَا يُخَاطُ كَالْقَمِيصِ، وَالسَّرَاوِيلِ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى اللُّبْسِ، لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ (وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيُحْرِمَ عَقِيبِهِمَا) «لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، خَرَجَ حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ اسْتِحْبَابِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَهُ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يَرْكَعُهُمَا وَقْتَ نَهْيٍ، وَلَا مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُحْرِمُ عَقِيبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَيَشْتَرِطُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ   [المبدع في شرح المقنع] صَلَاةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاةٍ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَعَنْهُ: عَقِبَهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا رَكِبَ، وَإِذَا سَارَ سَوَاءٌ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَقِبَ فَرْضٍ إِنْ كَانَ وَقْتُهُ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ، وَقَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ إِنْ كَانَ بِالْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ اسْتُحِبَّ صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ، وَيُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عند إِحْرَامُهُ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، (وَيَنْوِي الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَفِعْلِ مَنْ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلِأَنَّ أَحْكَامَ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، فَاسْتُحِبَّ تَعَيُّنُهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ فَكَيْفَ يَنْوِي النِّيَّةَ، وَحَمَلَهُ ابْنُ الْمَنْجَا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ يَنْوِي بِنِيَّتِهِ نُسُكًا مُعَيَّنًا، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ شَرْطٌ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ كَنِيَّةِ الْوُضُوءِ، (وَلَا يَنْعَقِدُ النُّسُكُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ) لِقَوْلِهِ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ وَعِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فَافْتَقَرَ إِلَيْهَا كَالصَّلَاةِ، وَنِيَّةُ النُّسُكِ كَافِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي " الِانْتِصَارِ " رِوَايَةٌ مَعَ تَلْبِيَةٍ أَوْ سَوْقِ هَدْيٍ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَيْسَ فِي آخِرِهَا نُطْقٌ وَاجِبٌ، فَكَذَا أَوَّلُهَا كَالصَّوْمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْهَدْيُ: فَإِيجَابُ مَالٍ كَالنَّذْرِ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا لَا يَجِبُ، فَكَذَا تَابَعَهُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَهُوَ لِلنَّدْبِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تَجِبُ التَّلْبِيَةُ. فَرْعٌ: إِذَا نَطَقَ بِغَيْرِ مَا نَوَاهُ، فَالْعِبْرَةُ بِالْمَنْوِيِّ، لَا بِمَا سَبَقَ لِسَانُهُ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ. (وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَشْتَرِطَ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَتْ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، وَأَجِدُنِي وَجِعَةً فَقَالَ: حُجِّي، وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاسْتَحَبَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِلْخَائِفِ، خَاصَّةً جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي. وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي. وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ، وَأَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ   [المبدع في شرح المقنع] (فَيَقُولُ) هَذَا رَاجِعٌ إِلَى تَعْيِينِ النُّسُكِ، وَعِبَارَةُ " الْمُحَرَّرِ " أَوْلَى (اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ، فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) وَلَمْ يَذْكُرُوا مِثْلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ؛ لِقِصَرِ مُدَّتِهَا، وَتَيْسِيرِهَا عَادَةً، (وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي) لِقَوْلِ عَائِشَةَ لِعُرْوَةَ: قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةً. وَيَسْتَفِيدُ بِهِ أَنَّهُ مَتَى حُبِسَ بِمَرَضٍ أَوَ عُذْرٍ أَوْ خَطَأٍ فِي طَرِيقٍ وَغَيْرِهِ، حَلَّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَالَ: فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَلْزَمُهُ نَحْرُهُ، فَلَوْ قَالَ: فَلِي أَنْ أَحِلَّ خُيِّرَ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَحِلَّ مَتَى شَاءَ أَوْ إِنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرُهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ بِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِحْرَامِ، وَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ فَكَذَا هُوَ. فَرْعٌ: يَبْطُلُ إِحْرَامُهُ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِرِدَّتِهِ لَا بِجُنُونٍ، وَإِغْمَاءٍ، وَسُكْرٍ كَمَوْتٍ، وَلَا يَنْعَقِدُ مَعَ وُجُودِ أَحَدِهَا. [التَّخْيِيرُ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ] (وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ إِجْمَاعًا لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ. قَالَتْ: وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَهَلَّ مَعَهُ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا التَّمَتُّعُ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، النَّهْيُ عَنِ التَّمَتُّعِ، وَعَاقَبُوا مَنْ تَمَتَّعَ، وَكَرِهَ التَّمَتُّعَ عُمَرُ، عُثْمَانُ، وَمُعَاوِيَةُ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَبَعْضُهُمْ: وَالْقِرَانُ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهُ. (وَأَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ) فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَمْعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فِي رِوَايَةٍ صَالِحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ آخِرُ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يَعْمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ. قَالَ: إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ كَانَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدُّخُولَ بِعُمْرَةٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَأَحْلَلْتُ مَعَكُمْ» وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا، وَسَعَوْا أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ سَاقَ هَدْيًا، وَثَبَتَ عَلَى إِحْرَامِهِ لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ، وَتَأَسَّفَ» ، وَلَا يَنْقُلُهُمْ إِلَّا إِلَى الْأَفْضَلِ، وَلَا يَتَأَسَّفُ إِلَّا عَلَيْهِ لَا يُقَالُ: أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لَيْسَ لِفَضْلِ التَّمَتُّعِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ، ثُمَّ لَوْ كَانَ لَمْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الِاعْتِقَادِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ لَمْ يَتَأَسَّفْ لِاعْتِقَادِهِ جَوَازَهَا فِيهَا، وَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِيهِ سَوْقَ الْهَدْيِ، وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلِإِتْيَانِهِ بِأَفْعَالِهِمَا كَامِلَةً عَلَى وَجْهِ الْيُسْرِ، وَالسُّهُولَةِ مَعَ زِيَادَةِ نُسُكٍ، وَهُوَ الدَّمُ قَالَ: فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: إِذَا دَخَلَ بِعُمْرَةٍ يَكُونُ قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ عُمْرَةً وَحَجَّةً، وَمَا لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ دَمُ نُسُكٍ لَمْ يَدْخُلْهُ كَالْهَدْيِ، وَالْأُضْحِيَةِ، وَلَا يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ الْمَنَاسِكِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الصَّوْمِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ نُسُكًا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ، وَالْقُرَبُ يَدْخُلُهَا الْإِبْدَالُ كَالْقِرَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَهُوَ الرَّفَهُ بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ (فَإِنْ أَعْرَضَ) بِأَنَّ النُّسُكَ الَّذِي لَا دَمَ فِيهِ أَفْضَلُ كَإِفْرَادٍ لَا دَمَ فِيهِ (رُدَّ) تَمَتُّعُ الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ عِنْدَكَ، وَإِنَّمَا كَانَ إِفْرَادٌ لَا دَمَ فِيهِ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ فِيهِ دَمُ جَنَابَةٍ، وَإِفْرَادٌ فِيهِ دَمُ تَطَوُّعٍ أَفْضَلُ. (ثُمَّ الْإِفْرَادُ) لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ» ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ» . وَقَالَ عُمَرُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 وَعَنْهُ: إِنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ. وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَعُثْمَانُ، وَجَابِرٌ: هُوَ أَفْضَلُ الْأَنْسَاكِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِإِتْيَانِهِ بِالْحَجِّ تَامًّا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى خَبَرٍ فَكَانَ أَوْلَى، وَشَرْطُ أَفْضَلِيَّتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَعْتَمِرَ تِلْكَ السَّنَةَ، فَلَوْ أَخَّرَهَا عَنْ سَنَتِهِ فَالتَّمَتُّعُ، وَالْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْهُ لِكَرَاهَةِ تَأْخِيرِ الْعُمْرَةَ عَنْ سَنَةِ الْحَجِّ. وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنِ الْخَبَرِ أَنَّهُ أَفْرَدَ عَمَلَ الْحَجِّ عَنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِيمَا بَعْدُ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ جَابِرٍ ذَكَرَ أَصْحَابُهُ فَقَطْ. وَأَجَابَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ بِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالْمَدِينَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ فَسَخَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَتَأَسَّفَ عَلَى التَّمَتُّعِ لِأَجْلِ سَوْقِ الْهَدْيِ فَكَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى. (وَعَنْهُ: إِن ساق الْهَدْيَ فَالْقِرَانَ أَفْضَلُ، ثُمَّ التَّمَتُّعَ) لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مُسَارَعَةً إِلَى فِعْلِ الْعِبَادَتَيْنِ مَعَ زِيَادَةِ نُسُكٍ، وَهُوَ الدَّمُ فَكَانَ أَوْلَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَنَسًا سَمِعَهُ يُلَقِّنُ قَارِنًا تَلْبِيَتَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ يُلَبِّي بِهِمَا عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ سَمِعَهُ فِي وَقْتَيْنِ، أَوْ وَقْتٍ وَاحِدٍ لَمَّا أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَيْ: فَعَلَ الْحَجَّ بَعْدَهَا، وَيُسَمَّى قِرَانًا لُغَةً. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ بِهِ وَصِحَّتِهَا وَصَرَاحَتِهَا مَعَ أَنَّهُ قَوْلُهُ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِهِ لِاحْتِمَالِ اخْتِصَاصِهِ بِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا، فَرَوَى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعَ فِي حَجَّة الوداع بالعمرة إِلَى الْحَجِّ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهَا فِي عَامِهِ وَالْإِفْرَادُ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ، وَأَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِهَا، وَقَالَ: سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو الصَّحَابَةِ، وَهُوَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. [صِفَةُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ] (وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ) كَذَا أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَأَحْرَمَ آخَرُونَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَيْ: مِيقَاتِ بَلَدِهِ (مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يُهِلُّ بِهَا فِيهِ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ، لَا الشَّهْرِ الَّذِي يَحِلُّ مِنْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ بِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا كَالْمُفْرِدِ، (وَيَفْرُغَ مِنْهَا) قَالَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَمَعْنَاهُ: يَتَحَلَّلُ مِنْهَا قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنَ الْعُمْرَةِ لَكَانَ قَارِنًا، وَاجْتِمَاعُ النُّسُكَيْنِ مُمْتَنِعٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْفَرَاغَ مِنْهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْمُغْنِي " وَذَكَرَ أَنَّ صِفَتَهَا: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لِقَوْلِهِ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] أَيْ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ تَوَصُّلًا بِهَا إِلَى الْحَجِّ فَعَلَى قَوْلِهِ هُنَا الْمُرَادُ بِهِ التَّمَتُّعُ الْمُوجِبُ لِلدَّمِ، وَمِنْ هُنَا قُلْنَا إِنَّ تَمَتُّعَ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى لَا مُتْعَةَ لَهُمْ، وَحكي رِوَايَةً، وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ دَمُ مُتْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ لَهُ لَا عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ هَذَا مِنَ الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ فَلَا مُتْعَةَ عَلَيْهِمْ أَيِ: الْحَثُّ كَافِيهِمْ. (ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهَا) نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَإِنْ خَرَجَ وَرَجَعَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُنْفَرِدًا، وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ   [المبدع في شرح المقنع] فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ (فِي عَامِهِ) اتِّفَاقًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَمَنْ تَمَتَّعَ} [البقرة: 196] فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، فَلَأَنْ لَا يَكُونَ مُتَمَتِّعًا إِذَا لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ الْأَوْلَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لها غير ذَلِكَ، وَشَرَطَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ أَنْ يَنْوِيَ الْمُتَمَتِّعُ فِي ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَثْنَائِهَا؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَافْتَقَرَ إِلَى النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ الرَّفَهُ بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ بِدُونِهَا. (وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا) ثُمَّ يَعْتَمِرُ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ جَمَاعَةٌ: يُحْرِمُ بِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ زَادَ بَعْضُهُمْ وَعَنْهُ: بَلْ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " أَنْ لَا يَأْتِيَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِغَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَجْوَدُ وَفِيهِ نَظَرٌ، (وَالْقران أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْمِيقَاتِ (أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ) مِنْ مَكَّةَ أَوْ قُرْبِهَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ لِمَا «رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: أَهْلَلْنَا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلْنَا عَلَيْهَا الْحَجَّ» ، وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ أَمَرَ عَائِشَةَ بِذَلِكَ، وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ شَرَعَ فِي طَوَافِهَا فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ، لَمْ يَصِحَّ الْإِدْخَالُ، كَمَا لَوْ سَعَى إِلَّا لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَيَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ إِدْخَالِهِ الْإِحْرَامَ بِهِ فِي أَشْهُرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، لَمْ يَصِحَّ إِحْرَامُهُ بِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَثَرٌ، وَلَمْ يَسْتَفِدْ بِهِ فَائِدَةً بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ قَارِنًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْإِحْرَامِ الثَّانِي شَيْءٌ، وَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ عَمَلَ الْقَارِنِ كَالْمُفْرِدِ فِي الْإِجْزَاءِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَيسقط تَرْتِيبُ الْعُمْرَةِ وَيَصِيرُ التَّرْتِيبُ لِلْحَجِّ كَمَا يَتَأَخَّرُ الْحَلَّاقُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَوَطْؤُهُ قَبْلَ طَوَافِهِ لَا يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ. «وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَكَعُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 عَلَيْهَا الْحَجَّ. وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لَمْ يَصِحَّ إِحْرَامُهُ بِهَا. وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمُ نُسُكٍ إِذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ، وَسَعْيَانِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْأَثْرَمُ عَنْ عَلِيٍّ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَرَى إِدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ. فَعَلَيْهَا يُقَدِّمُ الْقَارِنُ فِعْلَ الْعُمْرَةِ عَلَى فِعْلِ الْحَجِّ، كَالْمُتَمَتِّعِ إِذَا ساق هَديا، فَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِهِ، وَسَعْيِهِ لَهَا فَقِيلَ: تُنْقَضُ عُمْرَتُهُ وَيَصِيرُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ يُتِمُّهُ، ثُمَّ يَعْتَمِرُ، وَقِيلَ: لَا يَنْتَقِضُ فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ طَافَ لَهَا، ثُمَّ سَعَى، ثُمَّ طَافَ ثُمَّ سَعَى. وَعَنْهُ: عَلَى الْقَارِنِ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ؛ لِعَدَمِ طَوَافِهَا، وَلِاعْتِمَارِ عَائِشَةَ. [وُجُوبُ دَمِ نُسُكٍ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ] (وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمُ نُسُكٍ) أَمَّا دَمُ التَّمَتُّعِ فَلَازِمُهُ إِجْمَاعًا، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ، وَأَمَّا دَمُ الْقِرَانِ، فَلَازِمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ لَهُ جَمَاعَةٌ بِالْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ كَالْمُتَمَتِّعِ، وَنَقَلَ بَكْرٌ: عَلَيْهِ هَدْيٌ، وَلَيْسَ كَالْمُتَمَتِّعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ هَدْيًا فِي كِتَابِهِ، وَالْقَارِنِ إِنَّمَا يُرْوَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ لِقَوْلِ دَاوُدَ، وَتَبِعَ الْمُؤَلِّفُ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ فِي كَوْنِهِ دَمَ نُسُكٍ، وَفِي " الْمُبْهِجِ " وَ " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " أَنَّهُ دَمُ جُبْرَانٍ. وَظَاهِرُهُ وُجُوبُهُ: وَلَوْ أَفْسَدَ النُّسُكَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَجَبَ فِي الْفَاسِدِ كَالطَّوَافِ، وَعَنْهُ: يَسْقُطُ لِعَدَمِ تَرَفُّهِهِ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا بِفَوَاتِهِ، فَلَوْ قَضَى الْقَارِنُ قَارِنًا لَزِمَهُ دَمَانِ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: دَمٌ لِقِرَانِهِ وَدَمٌ لِفَوَاتِهِ، وَلَوْ قَصَرَ مُفْرِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ كَالْأَدَاءِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِوَقْتِ لُزُومِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} [البقرة: 196] الْآيَةَ، وَعَنْهُ: بِإِحْرَامِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ غَايَةٌ فَكَفَى أَوَّلُهُ كَأَمْرِهِ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ إِلَى اللَّيْلِ، وَعَنْهُ: بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَعَنْهُ: بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِنِيَّتِهِ التَّمَتُّعَ إِذَنْ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ إِذَا مَاتَ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ، يُخْرَجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فَائِدَتُهُ، إِذَا تَعَذَّرَ الدَّمُ، وَأَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَى الصَّوْمِ، فَمَتَى ثَبَتَ الْمُتَعَذِّرُ فِيهِ الرِّوَايَاتُ، وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَجُوزُ إِذَا وَجَبَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ كَانَ مِنْهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَمَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَحْبَبْنَا لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنَّمَا يَجِبُ بِشُرُوطٍ نَبَّهَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى بَعْضِهَا فَقَالَ: إِذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] ثَبَتَ ذَلِكَ فِي التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانُ مِثْلُهُ لِتَرَفُّهِهِ بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ. (وَمَنْ كَانَ مِنْهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَاضِرَ الشَّيْءِ مَنْ حَلَّ فِيهِ أَوْ قَرُبَ مِنْهُ، وَجَاوَرَهُ بِدَلِيلِ رُخَصِ السَّفَرِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُ دون مسافة قَصْر، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَهَذَا الشَّرْطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ، لَيْسَ لِكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّ مُتْعَةَ الْمَكِّيِّ صَحِيحَةٌ، وَالْخِلَافُ فِيهِ سَبَقَ. ، فَلَوْ دَخَلَ الْآفَاقِيُّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا لِلْإِقَامَةِ بَعْدَ فَرَاغِ نُسُكِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ وَإِنْ اسْتَوْطَنَ أُفُقِيٌّ مَكَّةَ فَحَاضِرٌ، وَإِنِ اسْتَوْطَنَ مَكِّيٌّ الشَّامَ، ثُمَّ عَادَ مُقِيمًا مُتَمَتِّعًا فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُصُولِ " خِلَافُهُ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُ مَنْزِلَانِ قَرِيبٌ، وَبِعِيدٌ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِهِ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ، وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْقَرِيبِ، وَاعْتَبَرَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُصُولِ " إِقَامَتَهُ أَكْثَرَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِمَالِهِ، ثُمَّ بِنِيَّتِهِ، ثُمَّ بِالَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ. (الثَّانِي) : أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَسَبَقَ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ نُسُكٌ مُعْتَبَرٌ لِلْعُمْرَةِ، أَوْ فِي أَعْمَالِهَا، فَاعْتُبِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَالطَّوَافِ. (الثَّالِثُ) : أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لِمَا سَبَقَ. (الرَّابِعُ) : أَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنْ سَافَرَ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ فَإِنْ فَعَلَ فَأَحْرَمَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ مُسَافِرٌ لَمْ يَتَرَفَّهْ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ لِمَحَلِّ الْوَفَاةِ. (الْخَامِسُ) : أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ تَحَلَّلَ أَوْ لَا، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ حِلِّهِ، صَارَ قَارِنًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 أَنْ يَفْسَخَ إِذَا طَافَ وَسَعَى، وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ   [المبدع في شرح المقنع] (السَّادِسُ) : أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ ": إِنْ بَقِيَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَحْرَمَ مِنْهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، بَلْ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ إِذَا أَحْرَمَ مِنْهُ، لَزِمَهُ الدَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِمْ، وَلَمْ يَنْوِهَا بِهِ، وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ. (السَّابِعُ) : نِيَّةُ التَّمَتُّعِ فِي ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ، أَوْ أَثْنَائِهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ الْمُؤَلِّفُ بِخِلَافِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ، وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تعتبر لِكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " إِلَّا الشَّرْطَ السَّادِسَ فَإِنَّ الْمُتْعَةَ لِلْمَكِّيِّ كَغَيْرِهِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ ": أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُفْرِدَ لَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةَ قَصْرٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِنْ سَافَرَ إِلَيْهِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ فَوَجْهَانِ. 1 - (وَمَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَحْبَبْنَا لَهُ) وَكَذَا جَزَمَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ " بِالِاسْتِحْبَابِ، وَعَبَّرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَالْمَجْدُ بِالْجَوَازِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ فَسْخُهُ كَالْعُمْرَةِ (أَنْ يُفْسَخَ إِذَا طَافَ وَسَعَى، وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَقَرَنُوا أَنْ يُحِلُّوا كُلُّهُمْ وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ لِأَحْمَدَ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ إِلَّا خَلَّةً وَاحِدَةً فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَقُولُ يُفْسَخُ الْحَجُّ قَالَ: كُنْتُ أَرَى أَنَّ لَكَ عَقْلًا! عِنْدِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا صِحَاحًا جِيَادًا كُلُّهَا فِي فَسْخِ الْحَجِّ أَتْرُكُهَا لِقَوْلِكَ؛! ، وَلِأَنَّهُ قَلْبٌ لِلْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ فَاسْتُحِبَّ لِمَنْ لَحِقَهُ الْفَوَاتُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَ " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ وُجُوبَ الْفَسْخِ لَمْ يَبْعُدْ مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ. وَجَوَابُهُ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قَدِمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَصَلَّى الصُّبْحَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 قَدْ سَاقَ مَعَهُ هَدْيًا، فَيَكُونَ عَلَى إِحْرَامِهِ. وَلَوْ سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ هَدْيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْبَطْحَاءِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا» ، وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَرَدَّ بِأَنَّ الْفَسْخَ: نَقْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ لَا إِبْطَالُهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَسْأَلَتِنَا، قَالَهُ الْقَاضِي، وَمَحِلُّهُ إِذَا اعْتَقَدَ فِعْلَ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ لَا بُدَّ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ لِيَسْتَفِيدَ فضيلة التَّمَتُّعَ، وَلِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يُؤَخِّرُهُ لَوْ لَمْ يُحْرِمْ فَكَيْفَ وَقَدْ أَحْرَمَ، وَشَرَطَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " إِذَا طَافَا وَسَعَيَا، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ: يَجْعَلُهَا عُمْرَةً إِذَا طَافَ وَسَعَى، وَلَا يَجْعَلُهَا، وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي مُوسَى: طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ» فَعَلَى هَذَا يَنْوِيَانِ بِإِحْرَامِهَا ذَلِكَ عُمْرَةً مُفْرَدَةً، فَإِذَا فَرَغَا مِنْهَا، وَحَلَّا مِنْهَا أَحْرَمَا بِالْحَجِّ لِيَصِيرَا مُتِمَّيْنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ قَبْلَهُ، وَاسْتَأْنَفَ عُمْرَةً لَعَرِيَ الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ عَنْ نُسُكٍ، قَالَهُ الْقَاضِي. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَجُوزُ فَيَنْوِي إِحْرَامَهُ بِالْحَجِّ عُمْرَةً، وَخَبَرُ أَبِي مُوسَى أَرَادَ أَنَّ الْحِلَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ قَلْبِ النِّيَّةِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْمَنْجَا يُوَافِقُهُ؛ لِأَنَّ " إِذا " ظَرْفٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَحْبَبْنَا أَنْ يُفْسَخَ وَقْتَ طَوَافِهِ أَيْ: وَقْتَ جَوَازِهِ، وَصَرِيحُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ يُعَضِّدُهُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا أَتَى بِمُعْظَمِ الْعِبَادَةِ، وَأَمِنَ فَوْتَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَتَرَكَهُ الْمُؤَلِّفُ وُضُوحه (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَاقَ مَعَهُ هَدْيًا فَيَكُونَ عَلَى إِحْرَامِهِ) لِلنَّصِّ وَلِلْأَخْبَارِ، وَكَامْتِنَاعِهِ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، (وَلَوْ سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ هَدْيًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ) «لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - – بالعمرة إِلَى الْحَجِّ فَقَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِّمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ» فَعَلَى هَذَا: يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إِذَا طَافَ، وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ، فَإِذَا ذَبَحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، نَصَّ عَلَيْهِ، «وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَ فِي الْعَشْرِ، وَلَمْ يَحِلَّ» ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ يَعْتَمِرُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا، وَمَعَهُ هَدْيٌ لَهُ أَنْ يَقُصَّ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً «لِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ قَصَّرْتُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِقَصٍّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 وَالْمَرْأَةُ إِذَا دَخَلَتْ مُتَمَتِّعَةً، فَحَاضَتْ فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ، أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ وَصَارَتْ قَارِنَةً. وَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا، صَحَّ وَلَهُ صَرْفُهُ إِلَى مَا شَاءَ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ بِمِثْلِهِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ، انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " عَنْ مَالِكٍ: لَهُ التَّحَلُّلُ، وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَحَدُ نَوْعَيِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ كَالْقِرَانِ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ صَحَّ الْفَسْخُ، لَزِمَهُ دَمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ عَنِ الْقَاضِي: لَا؛ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِي ابْتِدَائِهَا أَوْ أَثْنَائِهَا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. 1 - (وَالْمَرْأَةُ إِذَا دَخَلَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ) قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ (فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ) أَوْ خَافَهُ غَيْرُهَا (أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ وَصَارَتْ قَارِنَةً) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَهِلِّي بِالْحَجِّ» ، وَلِأَنَّ إِدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ يَجُوزُ من غير خَشْيَة الْفَوَاتِ، فَمَعَهَا أَوْلَى؛ لِكَوْنِهَا مَمْنُوعَةً مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ. فَعَلَى هَذَا لَا تَقْضِي طَوَافَ الْقُدُومِ، لَكِنْ رَوَى عُرْوَةُ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، وَحَاضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ» . وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَثْبَاتَ رَوَوْهُ عَنْهَا بِغَيْرِهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَفْضُ نُسُكٍ يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ، وَيَحْتَمِلُ: دَعِي الْعُمْرَةَ، وَأَهِلِّي مَعَهَا بِالْحَجِّ، وَدَعِي أَفْعَالَهَا. (وَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا) بِأَنْ نَوَى نَفْسَ الْإِحْرَامِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا (صَحَّ) نَصَّ عَلَيْهِ، كَإِحْرَامِهِ عِنْدَ إِحْرَامِ فُلَانٍ، وَحَيْثُ صَحَّ مَعَ الْإِبْهَامِ صَحَّ مَعَ الْإِطْلَاقِ، (وَلَهُ صَرْفُهُ إِلَى مَا شَاءَ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، بِالنِّيَّةِ لَا بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ بِأَيِّهَا شَاءَ فَكَانَ لَهُ صَرْفُ الْمُطْلَقِ إِلَى ذَلِكَ فَعَلَى عِلَّةِ تَعْيِينِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ، فَإِنْ طَافَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ، لِوُجُودِهِ لَا فِي حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ في غير أَشْهُر الْحَجِّ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَالْعُمْرَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يَجْعَلُهَا عُمْرَةً كَإِحْرَامِهِ بِمِثْلِ إِحْرَامِ فُلَانٍ، (وَإِنْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ بِمِثْلِهِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ، جَعَلَهُ عُمْرَةً، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ صَرْفُهُ إِلَى مَا شَاءَ وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِمَ أَهْلَلْتَ؛ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: فَأَهْدِ، وَامْكُثْ حَرَامًا» . وَعَنْ أَبِي مُوسَى نَحْوُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ عَلِمَ انْعَقَدَ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ تَبَعًا، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَحُكْمُهُ سَبَقَ. وَظَاهِرُهُ: لَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إِلَى مَا يصرف إِلَيْهِ، وَلَا إِلَى مَا كَانَ صَرَفَهُ إِلَيْهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا احْتِمَالَيْنِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ لَا بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ جَهِلَهُ فَكَالْمَنْسِيِّ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ أَمْ لَا، وَالْأَشْهَرُ: كَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ فَيَكُونُ إِحْرَامُهُ مُطْلَقًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ إِحْرَامُهُ فَاسِدًا، فَيَتَوَجَّهُ لَنَا خِلَافٌ فِيمَا إِذَا نَذَرَ عِبَادَةً فَاسِدَةً هَلْ يَنْعَقِدُ بِصَحِيحَةٍ؛. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: إِنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ، فَأَنَا مُحْرِمٌ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ أَحْرَمْتُ يَوْمًا أَوْ بِنِصْفِ نُسُكٍ وَنَحْوِهِمَا فَيَتَوَجَّهُ خِلَافٌ. (وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا) ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ يَصْلُحُ لِأَدَاءِ وَاحِدَةٍ، فَيَصِحُّ بِهِ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ هُنَا كَأَصْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا كَبَقِيَّةِ أَفْعَالِهِمَا، وَكَنَذْرِهِمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ تَجِبُ إِحْدَاهُمَا: دُونَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا، وَكَنِيَّةِ صَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ، وَلَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ عُمْرَتَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا قَضَاؤُهَا، (وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ، وَنَسِيَهُ جَعَلَهُ عُمْرَةً) نَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ، وَلَهُ صَرْفُ الْحَجِّ، وَالْقِرَانِ إِلَيْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِمَنْعِ الْإِبْهَامِ أَوَّلًا، وَالْمُرَادُ: أَنَّ لَهُ جَعْلَهُ عُمْرَةً، لَا أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ، (وَقَالَ الْقَاضِي) وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ (لَهُ صَرْفُهُ إِلَى مَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ إِنْ صَادَفَ مَا أَحْرَمَ بِهِ فَقَدْ أَصَابَ، وَإِنْ صَرَفَهُ إِلَى عُمْرَةٍ، وَكَانَ إِحْرَامُهُ بِغَيْرِهَا جَازَ لِجَوَازِ الْفَسْخِ إِلَيْهَا، وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ صَرَفَهُ إِلَى قِرَانٍ، وَكَانَ الْمَنْسِيُّ عُمْرَةً، فَقَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا، فَقَدْ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ، وَهُوَ لَغْوٌ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ حَجِّهِ، وَإِنْ صَرَفَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 أَحْرَمَ عَنِ اثْنَيْنِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ صَرْفُهُ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ، لَبَّى تَلْبِيَةَ   [المبدع في شرح المقنع] إِلَى الْإِفْرَادِ، وَكَانَ مُتَمَتِّعًا، فَقَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَصَارَ قَارِنًا، وَلَا تَبْطُلُ الْعُمْرَةُ بِتَرْكِ نِيَّتِهَا إِذِ الشَّرْطُ وُجُودُهَا ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَكَذَلِكَ هُنَا إِذَا كَانَ قَبْلَ الطَّوَافِ، فَإِنْ كَانَ نُسُكُهُ بَعْدَهُ، تَعَيَّنَ جَعْلُهُ عُمْرَةً لِامْتِنَاعِ إِدْخَالِ الْحَجِّ، إِذَنْ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ، فَإِذَا سَعَى أَوْ حَلَقَ، فَمَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ، يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيُتِمُّهُ وَيُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْحَلْقِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، إِنْ كَانَ حَاجًّا، وَإِلَّا فَدَمُ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ جَعْلَهُ حَجًّا أَوْ قِرَانًا، تَحَلَّلَ بِفِعْلِ الْحَجِّ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَنْسِيَّ عُمْرَةٌ، فَلَا يَصِحُّ إِدْخَالُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ طَوَافِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَجٌّ، فَلَا يَصِحُّ إِدْخَالُهَا عَلَيْهِ وَلَا دَمٌ وَلَا قَضَاءٌ؛ لِلشَّكِّ فِي سَبَبِهِمَا. (وَإِنْ أَحْرَمَ عَنِ اثْنَيْنِ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُجْزِئُ عَنِ اثْنَيْنِ كَالصَّلَاةِ، وَلَا أَوْلَوِيَّةَ، وَكَإِحْرَامِهِ عَنْ زَيْدٍ وَنَفْسِهِ، وَسَبَقَ إِحْرَامُهُ بِحَجِّهِ عَنْ أَبَوَيْهِ، (وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ، (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) وَالْقَاضِي (لَهُ صَرْفُهُ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ) لِصِحَّتِهِ بِمَجْهُولٍ فَصَحَّ عَنْهُ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: هُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ، وَسِيلَةٌ إِلَى مَقْصُودٍ، وَالْمُبْهَمُ يَصْلُحُ، وَسِيلَةً بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ، فَاكْتفي بِهِ شَرْطًا. فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى طَافَ شَوْطًا أَوْ سَعَى أَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ جَعْلِهِ تَعَيَّنَ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ فَسْخٌ، وَلَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَعَنْهُ: يَبْطُلُ إِحْرَامُهُ حَكَاهَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَهُوَ غَرِيبٌ. تَنْبِيهٌ: إِذَا اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ فِي نُسُكٍ فِي عَامٍ، فَأَحْرَمَ عَنْ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ نَسِيَهُ وَتَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهُ، فَإِنْ فَرَّطَ أَعَادَ الْحَجَّ عَنْهُمَا، وَإِنْ فَرَّطَ الْمُوصى إِلَيْهِ بِذَلِكَ، غُرِّمَ، وَإِلَّا فَمِنْ تَرِكَةِ الْمُوصِيَيْنِ إِنْ كَانَ النَّائِبُ غَيْرَ مُسْتَأْجَرٍ لِذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْسَهُ صَحَّ، فَلَوْ أَحْرَمَ لِلْآخَرِ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ: وَيَضْمَنُ، وَيُؤَدَّبُ مَنْ أَخَذَ مِنَ اثْنَيْنِ حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فِي عَامٍ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا. 1 - (وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ لَبَّى) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَلَفْظُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» . وَالتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ، وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا، وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا،   [المبدع في شرح المقنع] الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ، وَأَنَسٍ أَهَلَّ أَيْ: رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ مِنْ قَوْلِهِمُ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إِذَا صَاحَ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ عَقِبَ إِحْرَامِهِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ يُلَبِّي مَتَى شَاءَ سَاعَةَ يُسَلِّمُ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَ (تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ، وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ، وَالْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ إِذَا لَزِمَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ، وَكَرَّرَهُ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا إِقَامَةً بَعْدَ إِقَامَةٍ، وَلَمْ يُرِيدُوا حَقِيقَةَ التَّلْبِيَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ التَّكْبِيرُ كَحَنَانَيْكَ، وَالْحَنَانُ: الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: إِجَابَةُ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ نَادَى بِالْحَجِّ، وَقِيلَ: مُحَمَّدٌ، وَالْأَشْهَرُ: أَنَّهُ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَكَسْرُ هَمْزَةِ " إِنَّ " أَوْلَى عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ، وَحُكِيَ الْفَتْحُ عَنْ آخَرِينَ، قَالَ: ثَعْلَبٌ مَنْ كَسَرَ فَقَدْ عَمَّ يَعْنِي: حَمْدَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَنْ فَتَحَ فَقَدْ خَصَّ أَيْ: لِأَنَّ الْحَمْدَ لَكَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، وَلَا تُكْرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي " الْإِفْصَاحِ " تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ، وَقِيلَ لَهُ: الزِّيَادَةُ بَعْدَهَا لَا فِيهَا فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ مَرِيضًا اسْتُحِبَّ أَنْ يُلَبَّى عَنْهُمَا نَقَلَهُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيُلَبَّى عَنْ مَجْنُونٍ، وَمُغْمًى عَلَيْهِ زَادَ بَعْضُهُمْ، وَنَائِمٍ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ. [حُكْمُ التَّلْبِيَةِ] (وَالتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلِأَنَّهَا ذِكْرٌ فِيهِ فَلَمْ تَجِبْ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ. (وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا) لِخَبَرِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ مَرْفُوعًا: «أَتَانِي جِبْرِيلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا، وَيُلَبِّي إِذَا عَلَا نَشَزًا، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ   [المبدع في شرح المقنع] يَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ، وَالتَّلْبِيَةِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ قَالَ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ» وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَرْبُوعٍ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ إِسَالَةُ الدِّمَاءِ بِالنَّحْرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَاجِدُ الْحِلِّ وَأَمْصَارُهُ، وَطَوَافُ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ، فَلَا يُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهُ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ: إِذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ أَنَّ إِخْفَاءَ التَّطَوُّعِ أَوْلَى خَوْفَ الرِّيَاءِ عَلَى مَنْ لَا يُشَارِكُهُ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الْبَرَارِيِّ وَعَرَفَاتٍ، وَمَكَّةَ، وَالْحَرَمِ، (وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا) لِخَبَرِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا، وَهَاهُنَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْمَدَنِيِّينَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ لِلتِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَيُسَنُّ ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا، وَذِكْرُ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ لِلْقَارِنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُسَنُّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُسَنُّ تَكْرَارُهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ أَحْمَدُ، وَاسْتَحَبَّهُ فِي " الْخِلَافِ " لِتَلَبُّسِهِ بِالْعِبَادَةِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: حَسَنٌ فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، (وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا) لِمَا رَوَى خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ، وَيَسْتَعِيذُ بِرَحْمَتِهِ مِنَ النَّارِ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ إِجَابَة الدعاء، ويصلي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهَا لِقَوْلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: كَانَ يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ " فِيهِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ قَوَّاهُ أَحْمَدُ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ يُشْرَعُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ كَصَلَاةٍ، وَأَذَانٍ (وَيُلَبِّي) أَيْ: يَتَأَكَّدُ فِي مَوَاضِعَ (إِذَا عَلَا نَشَزًا) وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ بِفَتْحِ الشِّينِ، وَسُكُونِهَا (أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَإِذَا الْتَقَتِ الرِّفَاقُ، وَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا إِلَّا بِقَدْرِ مَا تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا. بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ تِسْعَةٌ: حَلْقُ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، فَمَنْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةً، فَعَلَيْهِ دَمٌ،   [المبدع في شرح المقنع] الْمَكْتُوبَاتِ) أَيْ عند الفراغ مِنْهَا، (وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ) أَيْ: بِأَوَّلِهِمَا، (وَإِذَا الْتَقَتِ الرِّفَاقُ) لِقَوْلِ جَابِرٍ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي كَذَلِكَ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا، أَوْ عَلَا نَشَزًا، أَوْ لَقِيَ رَاكِبًا، أَوِ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. وَتُسْتَحَبُّ إِذَا أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا أَوْ رَكِبَ زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ ": أَوْ نَزَلَ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يُسْتَحَبُّ عِنْدَ تَنَقُّلِ الْأَحْوَالِ بِهِ، وَزَادَ: وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ. (وَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِهَا إِلَّا بِقَدْرِ مَا تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا) وَقَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، فَلَمْ يُشْرَعْ لَهَا الرَّفْعُ إِلَّا بِمَا ذُكِرَ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الْمُزَامَلَةُ لَهَا، لَكِنَّ السُّنَّةَ أَنَّهَا لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِهَا، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا، وَيُكْرَهُ جَهْرُهَا أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ سَمَاعِ رَفِيقَتِهَا خَوْفَ الْفِتْنَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا تَقْتَصِرُ عَلَى إِسْمَاعِ نَفْسِهَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ مُتَّجِهٌ. فَائِدَةٌ: لَا تُشْرَعُ التَّلْبِيَةُ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ إِنْ قَدَرَ كَأَذَانٍ، وَلَمْ يُجَوِّزْ أَبُو الْمَعَالِي الْأَذَانَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا لِنَفْسِهِ مَعَ الْعَجْزِ [بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ] [الْأَوَّلُ وَالثَّانِي حَلْقُ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ] بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ أَيِ: الْمَمْنُوعُ فِعْلُهُنَّ فِي الْإِحْرَامِ، (وَهِيَ تِسْعَةٌ: حَلْقُ الشَّعْرِ) إِجْمَاعًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] نَصَّ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ، وَعُدِّيَ إِلَى سَائِرِ شَعْرِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، إِذْ حَلْقُهُ مُؤْذِنٌ بِالرَّفَاهِيَةِ، وَهُوَ يُنَافِي الْإِحْرَامَ لِكَوْنِ أَنَّ الْمُحْرِمَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ، وَلَيْسَ الْحُكْمُ خَاصًّا بِالْحَلْقِ بَلْ قَطْعُهُ، وَنَتْفُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ إِلَّا فِي أَرْبَعٍ فَصَاعِدًا، وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ، وَعَنْهُ: قَبْضَةٌ، وَعَنْهُ: دِرْهَمٌ، وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِإِذْنِهِ فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا،   [المبدع في شرح المقنع] كَذَلِكَ، وَعَبَّرَ فِي " الْفُرُوعِ " بِتَرْكِهِ إِزَالَةَ الشَّعْرِ، وَهُوَ أَوْلَى، لَكِنَّ الْمُؤَلِّفَ تَبِعَ النَّصَّ، وَلِكَوْنِهِ هُوَ الْأَغْلَبُ، (وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ) ؛ لِأَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ الرَّفَاهِيَةُ أَشْبَهَ الْحَلْقَ، فَمَنْ حَلَقَ، أَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ، أَمَّا فِي حَلْقِ شَعْرِ الرَّأْسِ، فَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] الْآيَةَ، وَلِحَدِيثِ كَعْبٍ قَالَ: «حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى الْجُهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى تَجِدُ شَاةً؟ قَالَ: لَا قَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَجِبُ فِي إِزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ، فَمَا فَوْقَهَا، قَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ جَمْعٌ، وَاعْتُبِرَتْ فِي مَوَاضِعَ كَمَحَلِّ الْوِفَاقِ بِخِلَافِ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَمَا يُمَاطُ بِهِ الْأَذَى. وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الدَّمِ عَيْنًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ كَمَا يَأْتِي، وَلَعَلَّهُ وَكَّلَ التَّفْصِيلَ إِلَى بَابِهِ، وَحُكْمُ الْأَظَافِرِ كَالشَّعْرِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِلتَّرَفُّهِ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْمَعْذُورِ، فَغَيْرُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ، وَعَدَمِهِ، (وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ إِلَّا فِي أَرْبَعٍ فَصَاعِدًا) نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ كَثِيرٌ، وَلِأَنَّ الثَّالِثَ آخِرُ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ، وَآخِرُ الشَّيْءِ مِنْهُ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ كَالشَّعْرَتَيْنِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً فِي خَمْسٍ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّنْبِيهِ " قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَ " الْفُرُوعِ ": وَلَا وَجْهَ لَهَا، وَلَعَلَّهُ قَيَّدَ الْحُكْمَ بِأَطْرَافِ الْيَدِ كَامِلَةً، (وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ) أَيِ: الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ عَلَى الْخِلَافِ (فِي كُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ) أَيْ: إِطْعَامُ مِسْكِينٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا، وَجَبَ شَرْعًا فِدْيَةٌ، (وَعَنْهُ: قَبْضَةٌ) وَقَالَهُ عَطَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ، وَلِأَنَّهَا الْيَقِينُ، (وَعَنْهُ: دِرْهَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فِي الشَّعْرَتَيْنِ دِرْهَمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ إِيجَابُ جُزْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 أَوْ نَائِمًا، فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ. وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حَلَالٍ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَطْعُ الشَّعْرِ، وَنَتْفُهُ كَحَلْقِهِ، وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ، وَعَنْهُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ مُفْرَدٌ.   [المبدع في شرح المقنع] وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى الْقِيمَةِ، وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي الْوَحْدَةِ، وَعَنْهُ: دِرْهَمٌ أَوْ نِصْفُهُ، ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ، وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي مِنْ لَيَالِي مِنًى. فَرْعٌ: إِزَالَةُ بَعْضِ الشَّعْرَةِ كَهِيَ، وَكَذَا فِي الظُّفْرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِسَاحَةٍ، وَهُوَ يَجِبُ فِيهِمَا سَوَاءٌ طَالَا أَوْ قَصُرَا بَلْ كَالْمُوَضِّحَةِ يَجِبُ فِي كَبِيرِهَا، وَصَغِيرِهَا. وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا: يَجِبُ بِحِسَابِ الْمُتْلَفِ كَالْأُصْبُعِ فِي أُنْمُلَتِهَا ثُلُثُ دِيَتِهَا، (وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِإِذْنِهِ فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأَسُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُ، وَلِأَنَّهُ - تَعَالَى - أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ غَيْرَهُ يَحْلِقُهُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا، وَفِي " الْفُصُولِ " احْتِمَالُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، كَشَعْرِ الصَّيْدِ، وَفِيهِ بُعْدٌ، فَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ، فَقِيلَ عَلَى الْحَالِقِ كَإِتْلَافِهِ مَا لَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ، وَقِيلَ: عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأَسُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ (وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مَا مُنِعَ مِنْ إِزَالَتِهِ، كَحَلْقِ مُحْرِمٍ رَأَسَ نَفْسِهِ، وَقِيلَ: عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأَسُهُ، وَفِي " الْإِرْشَادِ ": وَجْهُ الْقَرَارِ عَلَى الْحَالِقِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ لَا فِدْيَةَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حَلَالٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ أَيْ: هَدْرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَعْرٌ مُبَاحُ الْإِتْلَافِ فَلَمْ يَجِبْ بِإِتْلَافِهِ جُزْءًا كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. وَفِي " الْفُصُولِ " احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِلْآدَمِيِّ كَالْحَرَمِ لِلصَّيْدِ، (وَقَطْعُ الشَّعْرِ، وَنَتْفُهُ كَحَلْقِهِ) وَكَذَا الظُّفْرُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي حُصُولِ الرَّفَاهِيَةِ، (وَشَعْرُ الرَّأْسِ، وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ) عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 وَإِنْ خَرَجَ فِي عَيْنِهِ شَعْرٌ، فَقَلَعَهُ أَوْ نَزَلَ شَعْرُهُ فَغَطَّى عَيْنَيْهِ، فَقَصَّهُ أَوِ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ، فَقَصَّهُ أَوْ قَلَعَ جِلْدًا عَلَيْهِ شَعْرٌ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَمْ يَخْتَلِفْ إِلَّا مَوْضِعُهُ، وَكَلُبْسِهِ سَرَاوِيلَ، وَقَمِيصًا، (وَعَنْهُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ مُفْرَدٌ) لِأَنَّهُمَا كَجِنْسَيْنِ لِتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِحَقِّ الرَّأْسِ فَقَطْ فَهُوَ كَحَلْقٍ، وَلُبْسٍ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ فَالرِّوَايَتَانِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وابن عقيل وَأبو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ إِتْلَافٌ فَهُوَ آكَدُ، وَالنُّسُكُ يَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ فَعَلَى الْأُولَى لَوْ قَطَعَ مِنْ بَدَنِهِ شَعْرَتَيْنِ، وَفِي رَأْسِهِ وَاحِدَةٌ، وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ خَرَجَ فِي عَيْنِهِ شَعْرٌ، فَقَلَعَهُ، أَوْ نَزَلَ شَعْرُهُ فَغَطَّى عَيْنَيْهِ فَقَصَّهُ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ آذَاهُ فَكَانَ لَهُ إِزَالَتُهُ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ كَقَتْلِ الصَّيْدِ الصَّائِلِ بِخِلَافِ مَا إِذَا حَلَقَ شَعْرَهُ لِقَمْلٍ أَوْ صُدَاعٍ، وَشِدَّةِ حَرٍّ فَإِنَّهَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ مِنْ غَيْرِ الشَّعْرِ (أَوِ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَصَّهُ) فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِيهِ بَقَاؤُهُ، وَكَذَا إِنْ، وَقَعَ بِظُفْرِهِ مَرْضٌ، فَأَزَالَهُ لَهُ، أَوْ قَلَعَ أُصْبُعًا بِظُفْرٍ فَهَدَرٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: فَقَصَّهُ أَيْ: قَصَّ مَا احْتَاجَهُ فَقَطْ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ إِنِ انْكَسَرَ فَآذَاهُ قَطَعَهُ وَفَدَى. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ مُدَاوَاةُ قُرْحِهِ إِلَّا بِقَصِّهِ قَصَّهُ، وَفَدَى (أَوْ قَلَعَ جِلْدًا عَلَيْهِ شَعْرٌ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ زَالَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ، وَالتَّابِعُ لَا يُضْمَنُ كَمَا لَوْ قَلَعَ أَشْفَارَ عَيْنٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْهُدْبَ، وَفِي " الْمُبْهِجِ " إِذَا زَالَ شَعْرُ الْأَنْفِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِعَدَمِ التَّرَفُّهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ لَا فَرْقَ. فَوَائِدُ: لِلْمُحْرِمِ تَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ، وَلَا فِدْيَةَ بِقَطْعِهِ بِلَا تَعَمُّدٍ، وَالْمَذْهَبُ إِنْ شَعَرَ أَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ مُشْطٍ أَوْ تَخْلِيلٍ فَدَى. قَالَ أَحْمَدُ إِنْ خَلَّلَهَا فَسَقَطَ إِنْ كَانَ شَعْرًا مَيِّتًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ نَفْيُ الضَّمَانِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، وَلَهُ غَسْلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 فَصْل الثَّالِثُ: تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ فَمَتَى غَطَّاهُ بِعِمَامَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ قِرْطَاسٍ فِيهِ دَوَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ عَصَبَهُ، أَوْ طَيَّنَهُ بِطِينٍ أَوْ حِنَّاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنِ اسْتَظَلَّ بِالْمَحْمَلِ،   [المبدع في شرح المقنع] رَأْسِهِ، وَبَدَنِهِ بِرِفْقٍ نَصَّ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يَقْطَعْهُ وَقِيلَ: غَيْرُ الْجُنُبِ، وَلَهُ غَسْلُهُ فِي حَمَّامٍ وَغَيْرِهِ بِلَا تَسْرِيحٍ فَإِنْ غَسَلَهُ بِسِدْرٍ أَوْ نَحْوِهِ، جَازَ، قَالَهُ الْقَاضِي وَجَمَعَ، وَجَزَمَ آخَرُونَ بِالْكَرَاهَةِ لِتَعَرُّضِهِ لِقَطْعِ الشَّعْرِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ وَيَفْدِي، وَلَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ، وَكَرِهَ الْخِرَقِيُّ، لِلْخَبَرِ، زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ: مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِيمَنِ احْتَاجَ وَقَطَعَهُ لِحِجَامَةٍ أَوْ غُسْلٍ: لَمْ يَضُرَّ. [الْفَصْلُ الثَّالِثُ: تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ] (الثَّالِثُ: تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ) إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْعَمَائِمِ» ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ: «وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي مَرْفُوعًا، وَالْأُذُنَانِ مِنْهُ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ، وَعَنْهُ: عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ: وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَدْخُلُ فِيهِ الْبَيَاضُ الَّذِي فَوْقَهُمَا دُونَ الشَّعْرِ بِدَلِيلِ الْمُوَضِّحَةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي رَأْسٍ وَوَجْهٍ، وَلَيْسَ فِي الْوَجْهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ، وَقِيلَ: لَيْسَ مِنْهُ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعًا ويدخل فِيهِ النَّزْعَتَانِ، وَالشَّعْرُ الَّذِي بَيْنَهُمَا، وَفِي الصُّدْغِ، وَالتَّحْذِيفِ خِلَافٌ (فَمَتَى غَطَّاهُ بِعِمَامَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ قِرْطَاسٍ فِيهِ دَوَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ عَصَبَهُ، أَوْ طَيَّنَهُ بِطِينٍ أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ غَيْرِهِ) جَمَعَ فِي ذِكْرِهَا بَيْنَ تَغْطِيَةٍ بِمُعْتَادٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: وَشَدِّ سَيْرٍ فِيهِ (فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا فِي الْإِحْرَامِ يَقْصِدُ بِهِ الرَّفَهَ أَشْبَهَ حَلْقَ الرَّأْسِ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَإِنِ اسْتَظَلَّ بِالْمَحْمَلِ) ضَبَطَهُ الْجَوْهَرِيُّ كَالْمَجْلِسِ، وَعَكَسَ ابْنُ مَالِكٍ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَيَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ مُحْرِمٍ عُودًا يَسْتُرُهُ مِنَ الشَّمْسِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا، أَوْ نَصَبَ حِيَالَهُ ثَوْبًا أَوِ اسْتَظَلَّ بِخَيْمَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ بَيْتٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَفِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ رِوَايَتَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَهُ بِمَا يَقْصِدُ بِهِ الرَّفَهَ كَتَغْطِيَتِهِ، وَعَنْهُ: لَا فِدْيَةَ إِنْ طَالَ زَمَنُهُ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَعَنِ الْأَوَّلِ لَوِ اسْتَظَلَّ بِثَوْبٍ رَاكِبًا وَنَازِلًا، لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ بِلَا فِدَاءٍ جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا سَبَقَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ لَا يَرَى ذَلِكَ حَرَامًا، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ بِثَوْبٍ كَمَا سَيَأْتِي. (وَإِنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا) وَكَسَتْرِهِ بِيَدِهِ، وَلَا أَثَرَ لِلْقَصْدِ، وَعَدَمِهِ فِيمَا فِيهِ فِدْيَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنْ قَصَدَ بِهِ السَّتْرَ فَدَى كَجُلُوسِهِ عِنْدَ عَطَّارٍ لِقَصْدِ شَمِّ الطِّيبِ، فَلَوْ لَبَّدَهُ بِغُسْلٍ أَوْ صَمْغٍ وَنَحْوِهِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ غُبَارٌ، وَلَا دَبِيبٌ جَازَ لِلْخَبَرِ (أَوْ نَصَبَ حِيَالَهُ ثَوْبًا) لِمَا رَوَتْ أُمُّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ «حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ بِلَالًا، وَأُسَامَةَ وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَجَابَ أَحْمَدُ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ - بِأَنَّهُ يَسِيرٌ لَا يُرَادُ لِلِاسْتِدَامَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِظْلَالِ بِالْمَحْمَلِ زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَوْ كَانَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ بِهِ عُذْرٌ وَفَدَى أَوْ لَمْ يَعْمَلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ (أَوِ اسْتَظَلَّ بِخَيْمَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ بَيْتٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضُرِبَتْ لَهُ قُبَّةٌ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الرَّفَهُ فِي الْبَدَنِ عَادَةً، بَلْ جَمْعُ الرَّحْلِ، وَحِفْظُهُ، وَفِيهِ شَيْءٌ، (وَفِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: تَجُوزُ، وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ سُنَّةُ التَّقْصِيرِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُرْمَةُ التَّخْمِيرِ كَسَائِرِ بَدَنِهِ، وَالثَّانِيَةُ - وَنَقَلَهَا الْأَكْثَرُ - لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَيَكُونُ كَالرَّأْسِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 فَصْل الرَّابِعُ: لُبْسُ الْمَخِيطِ، وَالْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ إِزَارًا فَيَلْبَسَ سَرَاوِيلَ، أَوْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ، فَيَلْبَسَ خُفَّيْنِ، وَلَا يَقْطَعَهُمَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ مِنْطَقَةً وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] [الْفَصْلُ الرَّابِعُ: لُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفَّيْنِ] فصل (الرَّابِعُ: لُبْسُ الْمَخِيطِ) فِي بَدَنِهِ أَوْ بَعْضِهِ بِمَا عَمِلَ عَلَى قَدْرِهِ إِجْمَاعًا (وَالْخُفَّيْنِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ، وَرْسٌ، وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَتَنْصِيصُهُ عَلَى الْقَمِيصِ يُلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْجُبَّةِ، وَالدُّرَّاعَةِ، وَالْعِمَامَةِ، يُلْحَقُ بِهَا كُلُّ سَاتِرٍ مُلَاصِقٍ أَوْ سَاتِرٍ مُعْتَادٍ، وَالسَّرَاوِيلُ يُلْحَقُ بِهِ التُّبَّانُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَخِيطًا أَوْ دِرْعًا مَنْسُوجًا، أَوْ لِبْدًا مَعْقُودًا. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ اللُّبْسِ وَكَثِيرِهِ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ فَاعْتُبِرَ فِيهِ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، لَكِنْ مَنْ بِهِ شَيْءٌ لَا يَجِبُ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْبَسُ وَيَفْدِي، نَصَّ عَلَيْهِ (إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ إِزَارًا فَيَلْبَسَ سَرَاوِيلَ أَوْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسَ خُفَّيْنِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ يَقُولُ: السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ، وَالْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ الْأَثْبَاتُ، وَلَيْسَ فِيهِ بِعَرَفَاتٍ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: انْفَرَدَ بِهَا شُعْبَةُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَهُ بَدَلًا، وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ، لَكِنْ مَتَى وُجِدَ الْإِزَارُ خَلَعَ السَّرَاوِيلَ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " احْتِمَالٌ يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ لِلْعَوْرَةِ فَقَطْ، (وَلَا يَقْطَعَهُمَا) أَيْ: لَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ خُفِّهِ فِي الْمَنْصُوصِ، وَالْمُخْتَارِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ حَدِيثَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ فِيهِمَا بِقَطْعٍ، وَلَوْ وَجَبَ لَبَيَّنَهُ. يُؤَيِّدُهُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ عَمِلُوا عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: قَطْعُهُمَا فَسَادٌ، وَاحْتَجَّ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ أُبِيحَ لِعَدَمِ غَيْرِهِ أَشْبَهَ السَّرَاوِيلَ، وَلِأَنَّ قَطْعَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَالَةِ الْحَظْرِ، فَإِنَّ لُبْسَ الْمَقْطُوعِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّعْلَيْنِ، كَلُبْسِ الصَّحِيحِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَقْطَعْهُمَا دُونَ كَعْبَيْهِ فَدَى، وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَهِيَ الْأَوْلَى عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَخُرُوجًا مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَأَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْقَطْعِ لَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ، وَرُوِيَ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَوْ سُلِّمَ صِحَّةُ رَفْعِهَا فَهِيَ بِالْمَدِينَةِ، وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَرَفَاتٍ، فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ، وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لِلْجَمْعِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَلَامَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعِ الْبَيَانِ وَوَقْتِ الْحَاجَةِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْإِطْلَاقُ نَاسِخًا لِلتَّقْيِيدِ دَفْعًا لِمَحْذُورِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَحُكِيَ فِي " الْمُغْنِي " عَنِ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْعَجَبُ مِنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا أَيْ: فِي قَوْلِهِ بِعَدَمِ الْقَطْعِ قَالَ: فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ سُنَّةً تَبْلُغُهُ، وَقَلَّ سُنَّةٌ لَمْ تَبْلُغْهُ، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّ أَحْمَدَ لَمْ يُخَالِفِ السُّنَّةَ، وَلَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ، قَالَ: الْمَرْوَزِيُّ احْتَجَجْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقُلْتُ: هُوَ زِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ، وَذَاكَ حَدِيثٌ فَقَدْ اطلع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا نَظَرَ نَظَرَ الْمُتَبَحِّرِينَ الَّذِينَ أَمَدَّهُمُ اللَّهُ بِعَوْنِهِ مَعَ أَنَّ خَبَرَنَا فِيهِ زِيَادَةُ حُكْمٍ، وَهُوَ جَوَازُ اللُّبْسِ بِلَا قَطْعٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَمْ يُشْرَعْ بِالسُّنَّةِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنَ ادِّعَاءِ النَّسْخِ، (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ. فَرْعٌ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إِنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ، وَجَسَدَهُ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَإِنْ غَطَّى وَجْهَهُ، وَرَأْسَهُ أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ، وَلَبِسَ الْمَخِيطَ فَدَى، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: يُغَطِّي رَأْسَهُ وَيَفْدِي، وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ ". (وَلَا يَعْقِدَ عَلَيْهِ مِنْطَقَةً، وَلَا رِدَاءً، وَلَا غَيْرَهُ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ لِمُحْرِمٍ، وَلَا تَعْقِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا ". رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَرَوَى هُوَ، وَمَالِكٌ أَنَّهُ كَانَ يُكْرَهُ لُبْسُ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ، وَلِأَنَّهُ يَتَرَفَّهُ بِذَلِكَ أَشْبَهَ اللِّبَاسَ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ رَبْطِهِ بِالْعَقْدِ أَوْ بِشَوْكَةٍ أَوْ إِبْرَةٍ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 رِدَاءً وَلَا غَيْرَهُ إِلَّا إِزَارَهُ وَهِمْيَانَهُ الَّذِي فِيهِ نَفَقَتُهُ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِالْعَقْدِ، وَإِنْ طَرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ قِبَاءً، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ، أَثِمَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَفَدَى، وَكَذَا إِنْ كَانَ مَعَهَا كَوَجَعِ ظَهْرٍ وَنَحْوِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ فِيهَا بَعْضُهُ، فَحُكْمُهَا كَالْهِمْيَانِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا كَهِمْيَانٍ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُمَا، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا النَّفَقَةُ، وَعَدَمُهَا، وَإِلَّا فَهُمَا سَوَاءٌ. فَرْعٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَّشِحَ بِالْقَمِيصِ، وَيَرْتَدِيَ بِهِ، وَبِرِدَاءٍ، وَلَا يَعْقِدُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْمَخِيطُ عَلَى قَدْرِ الْعُضْوِ (إِلَّا إِزَارَهُ) فَيَجُوزُ لَهُ عَقْدُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُهُ لِسِتْرِ عَوْرَتِهِ فَأُبِيحَ كَاللِّبَاسِ لِلْمَرْأَةِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ شَدَّ، وَسَطَهُ بِمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ، جَازَ، مَا لَمْ يَعْقِدْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: فِي مُحْرِمٍ حَزَّمَ عِمَامَةً عَلَى وَسَطِهِ، لَا يَعْقِدُهَا ويدخل بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ. قَالَ طَاوُسٌ: فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِشَدِّ، وَسَطِهِ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ لِحَاجَةٍ، وَلَا يُسَنُّ شَقُّ أَسْفَلِ إِزَارِهِ نِصْفَيْنِ بِعَقْدِ، كُلِّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ السَّرَاوِيلَ، (وَهِمْيَانَهُ الَّذِي فِيهِ نَفَقَتُهُ) فَيُبَاحُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجَازَهُ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ (إِذَا لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِالْعَقْدِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ أَوْثِقْ عَلَيْكَ نَفَقَتَكَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ مَعْنَاهُ بَلْ رَفَعَهُ بَعْضُهُمْ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى عَقْدِهِ، فَجَازَ كَعَقْدِ الْإِزَارِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِي عَقْدِهِ، لَا فِي عَقْدِ غَيْرِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ بِغَيْرِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ السُّيُورَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، لَمْ يَجُزْ عَقْدُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفَقَةٌ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " لَا يَعْقِدُ سُيُورَهُ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ احْتِيَاطًا لِلنَّفَقَةِ. مَسْأَلَةٌ: لَهُ حَمْلُ جِرَابِهِ، وَقِرْبَةِ الْمَاءِ، وَلَا يُدْخِلُهُ فِي صَدْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا (وَإِنْ طَرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ قَبَاءً فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مَرْفُوعًا أَنَّهُ «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْأَقْبِيَةِ لِلْمُحْرِمِ» ، وَرَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّهُ مَخِيطٌ، وَهُوَ عَادَةُ لُبْسِهِ كَالْقَمِيصِ، (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 فِي كُمَّيْهِ. وَيَتَقَلَّدَ بِالسَّيْفِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ. فَصْلٌ الْخَامِسُ: الطِّيبُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَطْيِيبُ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَشَمُّ الْأَدْهَانِ الْمُطَيَّبَةِ،   [المبدع في شرح المقنع] كُمَّيْهِ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا فِي " التَّرْغِيبِ " وَرَجَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِيهِمَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ فَهُوَ كَالْقَمِيصِ إِذَا ارْتَدَى بِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَدْخَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " بَلَى، (وَيَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ: «لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالِحَهُمْ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلْبَانِ السِّلَاحِ: الْقِرَابُ بِمَا فِيهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي إِبَاحَتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَأْمَنُونَ أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، عِنْدَ عَدَمِهَا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يَحْمِلُ الْمُحْرِمُ السِّلَاحَ فِي الْحَرَمِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي إِبَاحَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى اللُّبْسُ كَمَا لَوْ حَمَلَ قِرْبَةً فِي عُنُقِهِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ أَنْ يَتَقَلَّدَ بِالسَّيْفِ بِلَا حَاجَةٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ حَمْلَ السِّلَاحِ بِهَا لَا يَجُوزُ إِلَّا لِحَاجَةٍ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يُتَقَلَّدُ بِمَكَّةَ إِلَّا لِخَوْفٍ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ السِّلَاحُ بِمَكَّةَ» ، وَإِنَّمَا مَنَعَ أَحْمَدُ مِنْ تَقْلِيدِ السَّيْفِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اللُّبْسِ. [الْخَامِسُ: الطِّيبُ] فَصْلٌ (الْخَامِسُ: الطِّيبُ) فَيَحْرُمُ إِجْمَاعًا لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ بِغَسْلِهِ «وَقَالَ فِي " الْمُحْرِمِ " الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ، " وَلَا تُحَنِّطُوهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَلِمُسْلِمٍ، «وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وَالِادِّهَانُ بِهَا، وَشَمُّ الْمِسْكِ، وَالْكَافُورِ، وَالْعَنْبَرِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْوَرْسِ، وَأَكْلُ مَا فِيهِ طِيبٌ، يَظْهَرُ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَإِنْ مَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا لَا يَعْلَقُ بِيَدِهِ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. وَلَهُ شَمُّ الْعُودِ وَالْفَوَاكِهِ وَالشِّيحِ وَالْخُزَامَى، وَفِي شَمِّ الرَّيْحَانِ وَالنَّرْجِسِ وَالْوَرْدِ   [المبدع في شرح المقنع] تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ» ، وَإِذَا مُنِعَ الْمُحْرِمُ الْمَيِّتُ مِنَ الطِّيبِ مَعَ اسْتِحْبَابِهِ لَهُ فَالْمُحْرِمُ الْحَيُّ أَوْلَى (فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَطْيِيبُ بَدَنِهِ) أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَثِيَابِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ يُعَدُّ مُطَيِّبًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، (وَشَمُّ الْأَدْهَانِ الْمُطَيَّبَةِ) كَدُهْنِ الْوَرْدِ، وَالْبَنَفْسَجِ، وَنَحْوِهِمَا، (وَالِادِّهَانُ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا تُقْصَدُ رَائِحَتُهَا، وَتُتَّخَذُ لِلطِّيبِ أَشْبَهَ مَاءَ الْوَرْدِ، (وَشَمُّ الْمِسْكَ وَالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ) ؛ لِأَنَّهَا هَكَذَا تُسْتَعْمَلُ، وَكَذَا التَّبَخُّرُ بِالْعُودِ، وَالنَّدِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ، (وَأَكْلُ مَا فِيهِ طِيبٌ) كَمِسْكٍ، وَنَحْوِهِ (يَظْهَرُ طَعْمُهُ) ؛ لِأَنَّ الطَّعْمَ يَسْتَلْزِمُ الرَّائِحَةَ. وَقِيلَ: لَا فِدْيَةَ لِبَقَاءِ لَوْنِهِ، وَلَوْ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ (أَوْ رِيحُهُ) ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ طُبِخَ أَوْ مَسَّهُ نَارٌ لِبَقَاءِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالْمَأْكُولِ بَلِ الْمَشْرُوبُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُ الطِّيبِ كَالِاكْتِحَالِ، وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلطِّيبِ أَشْبَهَ شَمَّهُ، وَمَتَى فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ الْإِحْرَامُ كَاللِّبَاسِ. مَسْأَلَةٌ: لِلْمُشْتَرِي حَمْلُهُ وَتَقْلِيبُهُ إِنْ لَمْ يَمَسَّهُ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ لَوْ ظَهَرَ رِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ لِلتَّطَيُّبِ، وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ: وَلَوْ عَلِقَ بِيَدِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَلِحَاجَةِ التِّجَارَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنْ حَمَلَهُ مَعَ ظُهُورِ رِيحِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ، (وَإِنْ مَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا لَا يَعْلَقُ بِيَدِهِ) كَالْمِسْكِ غَيْرِ الْمَسْحُوقِ، وَقِطَعِ الْكَافُورِ، وَالْعَنْبَرِ (فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ لِلطِّيبِ، وَشَمُّهُ سَبَقَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا عَلِقَ بِيَدِهِ كَالْغَالِيَةِ، وَالْمِسْكِ، وَالْمَسْحُوقِ، عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلطِّيبِ (وَلَهُ شَمُّ الْعُودِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّبْخِيرُ (وَالْفَوَاكِهِ) كُلُّهَا كَالْأُتْرُجِّ، وَالتُّفَّاحِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَنَحْوِهِ، (وَالشِّيحِ وَالْخُزَامَى) مِنْ نَبَاتِ الصَّحْرَاءِ، وَكَذَا مَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ لِغَيْرِ قَصْدِ الطِّيبِ كَحِنَّاءٍ، وَعُصْفُرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ، وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ، وَلَا يُسَمَّى مُتَطَيِّبًا عَادَةً، وَكَذَا لَهُ شَمُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وَالْبَنَفْسَجِ وَالْبَرَمِ وَنَحْوِهَا، وَالِادِّهَانِ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيَّبٍ فِي رَأْسِهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ جَلَسَ   [المبدع في شرح المقنع] قَرَنْفُلٍ وَدَارَ صِينِيٍّ وَنَحْوِهِمَا، (وَفِي شَمِّ الرَّيْحَانِ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ لِقَصْدِ شَمِّهِ، وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ كَرَيْحَانٍ فَارِسِيٍّ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالشَّامِ وَمَكَّةَ وَالْعِرَاقِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَرَبِ فَالرَّيْحَانُ هُوَ الْآسُ، وَلَا فِدْيَةَ فِي شَمِّهِ قَطْعًا، (وَالنَّرْجِسِ) وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَالْبَنَفْسِجِ) وَهُوَ مُعَرَّبٌ أَيْضًا، (وَالْوَرْدِ وَالْبَرَمِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ هُوَ الْعِضَاهُ، الْوَاحِدُ بَرَمَةٌ (وَنَحْوِهَا) كَنَمَامٍ، وَمَرْزُجَوْشَ، وَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. إِحْدَاهُمَا: يُبَاحُ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا يَبِسَ ذَهَبَتْ رَائِحَتُهُ أَشْبَهَ نَبْتَ الْبَرَمَةِ. فَعَلَيْهَا: لَا فِدْيَةَ فِيهِ لِإِبَاحَتِهِ، وَالثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ لِقَوْلِ جَابِرٍ لَا يَشُمُّهُ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ قَالَهُ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّخَذُ لِلطِّيبِ كَالْوَرْدِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الْفِدْيَةُ، وَلَكِنْ مَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ تَارَةً يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ كَالْوَرْدِ، وَالْبَنَفْسَجِ، وَالْيَاسَمِينِ، وَهُوَ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الزِّئْبَقُ فَالْأَشْهَرُ: يَحْرُمُ وَيَفْدِي، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُؤَلِّفُ، وَغَيْرُهُمَا، كَمَاءِ الْوَرْدِ، وَتَارَةً لَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ، كَالرَّيْحَانِ فَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ إِبَاحَتَهُ، وَمَاءُ الرَّيْحَانِ كَهُوَ. وَفِي " الْفُصُولِ " احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ كَمَاءِ وَرْدٍ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ (وَالِادِّهَانُ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيَّبٍ) كَزَيْتٍ، وَشَيْرَجَ (فِي رَأْسِهِ رِوَايَتَانِ) أَنَصُّهُمَا: لَهُ فِعْلُهُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عندهم وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، وَالثَّانِيَةُ الْمَنْعُ، وَيَفْدِي، ذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، كَالْمُطَيَّبِ وَلِأَنَّهُمَا أَصْلُ الْأَدْهَانِ، وَلَمْ يَكْتَسِبِ الدُّهْنُ إِلَّا الرَّائِحَةَ، وَلَا أَثَرَ لَهَا مُنْفَرِدَةً، وَمَنَعَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَلِأَنَّهُ يُزِيلُ الشَّعَثَ، وَيُسْكِنُ الشَّعْرَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنَ الِادِّهَانِ بِهِ فِي بَقِيَّةِ بَدَنِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَقَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ مَنْعًا، وَحَكَى ابْنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 عِنْدَ الْعَطَّارِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ لِيَشَمَّ الطِّيبَ فَشَمَّهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِلَّا فَلَا. فصل السَّادِسُ: قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ وَاصْطِيَادُهُ وَهُوَ مَا كَانَ وَحْشِيًّا مَأْكُولًا، أَوْ مُتَوَلِّدًا مِنْهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُنْذِرِ أَنَّ عَوَامَّ أَهْلِ الْعِلْمِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَدْهِنَ بَدَنَهُ بِشَحْمٍ وَزَيْتٍ وَسَمْنٍ، وَإِنَّمَا خَصَّ الرَّأْسَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّعْرِ بِالْوَجْهِ كَذَلِكَ فَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُمَا فِي دَهْنِ شَعْرِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَ " الْكَافِي " فِيهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي دَهْنِ بَدَنِهِ، كَرَأْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ. تَنْبِيهٌ: يُقَدَّمُ غَسْلُ طِيبٍ عَلَى نَجَاسَةٍ يُتَيَمَّمُ لَهَا، وَلَا يَحْرُمُ دَلَالَةٌ عَلَى طِيبٍ وَلِبَاسٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ شِهَابٍ لِعَدَمِ ضَمَانِهِ بِالسَّبَبِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ عَلَى الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مُخْتَصٌّ، وَهُوَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ وَالْإِثْمُ (وَإِنْ جَلَسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ) كَقَصْدِ الْكَعْبَةِ حَالَ تَجْمِيرِهَا أَوْ حَمَلَ مَعَهُ عُقْدَةً فِيهَا مِسْكٌ لِيَجِدَ رِيحَهَا (لِيَشُمَّ الطِّيبَ فَشَمَّهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَمَّهُ قَاصِدًا فَحَرُمَ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُبَاحُ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِذَا جَلَسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ لِحَاجَتِهِ أَوْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ لِلتَّبَرُّكِ بِهَا، وَإِذَا اشْتَرَاهُ كَمَا سَبَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ. [السَّادِسُ: قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ] فَصْلٌ (السَّادِسُ: قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ) إِجْمَاعًا وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (وَاصْطِيَادُهُ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] (وَهُوَ) أَيِ: الصَّيْدُ الْمُحَرَّمُ عَلَى الْمُحْرِمِ مَا جَمَعَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ (مَا كَانَ وَحْشِيًّا) ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِوَحْشِيٍّ لَا يَحْرُمُ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالْخَيْلِ وَالدَّجَاجِ إِجْمَاعًا، وَالِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ الْأَصْلُ، فَلَوِ اسْتَأْنَسَ الْوَحْشِيُّ، وَجَبَ فِيهِ الْجَزَاءُ، وَعَكَسُهُ لَوْ تَوَحَّشَ الْأَهْلِيُّ لَمْ يَجِبْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، فِي بَقَرَةٍ صَارَتْ وَحْشِيَّةً؛ لَأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْإِنْسِيَّةُ، وَحَمَامٌ وَبَطٌّ وَحْشِيٌّ (مَأْكُولًا) ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَأْكُولٍ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ، وَالْمُسْتَخْبَثِ مِنَ الْحَشَرَاتِ وَالطَّيْرِ يُبَاحُ قَتْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وَمِنْ غَيْرِهِ، فَمَنْ أَتْلَفَ أَوْ أُتْلِفَ فِي يَدِهِ، أَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهُ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَيَضْمَنُ   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ: الْحَدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِهِ فَأَمَّا مَا اخْتُلِفَ فِيهِ كَالثَّعْلَبِ، وَالسِّنَّوْرِ الْوَحْشِيِّ، وَالْهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْهَرُ: أَنَّهُ يَجِبُ فِي الثَّعْلَبِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي السِّنَّوْرِ الْوَحْشِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَبُعٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا شَيَّ فِي الْأَهْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَحْشِيٍّ، وَلَا مَأْكُولٍ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَفْدِي أُمَّ حُبَيْنٍ بِجَدْيٍ، وَهِيَ دَابَّةٌ مُنْتَفِخَةُ الْبَطْنِ، وَهَذَا خِلَافُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ لَا تُؤْكَلُ، حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: كُلْ مَا دَبَّ وَدَرَجَ، إِلَّا أُمَّ حُبَيْنٍ. (أَوْ مُتَوَلِّدًا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ) كَالْمُتَوَلِّدِ مِنَ الْوَحْشِيِّ، وَالْأَهْلِيِّ، وَالْمُتَوَلِّدِ مِنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ كَالسَّمْعِ، فَفِيهِ الْجَزَاءُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ تَغْلِيبًا لِتَحْرِيمِ قَتْلِهِ كَمَا غَلَّبُوا التَّحْرِيمَ فِي أَكْلِهِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ فِيمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا حَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ، وَهَذَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ (فَمَنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ) . فِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا أَتْلَفَهُ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] . الثَّانِيَةُ: إِذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ، إِذِ الْوَاجِبُ إِمَّا إِرْسَالُهُ، أَوْ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ، فَيَضْمَنُ أَبْعَاضَهُ، كَالْآدَمِيِّ وَالْمَالِ، وَيَأْتِي حُكْمُ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ، لَكِنْ لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً، ثُمَّ أَحْرَمَ، أَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ حَفَرَ بِئْرًا بِحَقٍّ، فَتَلَفَ بِهِ صَيْدٌ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِلَّا ضَمِنَ كَالْآدَمِيِّ فِيهِمَا، وَالْمُرَادُ: إِذَا لَمْ يَتَحَيَّلْ (وَيَضْمَنُ) مَعَ التَّحْرِيمِ (مَا دَلَّ عَلَيْهِ) نَقَلَهُ ابن منصور وأبُو الْحَارِثِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ فِي " الْمُبْهِجِ " إِنْ كَانَتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 مَا دَلَّ عَلَيْهِ، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ، أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَبْحِهِ أَوْ كَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي ذَبْحِهِ؛ مِثْلَ أَنْ يُعِيرَهُ سِكِّينًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا، فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ   [المبدع في شرح المقنع] الدَّلَالَةُ مُلْجِئَةً لَزِمَ الْمُحْرِمَ الْجَزَاءُ، كَقَوْلِهِ: دَخَلَ فِي هَذِهِ الْمَغَارَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ، كَقَوْلِهِ: ذَهَبَ فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالسَّبَبِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُلْجِئًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَالدَّافِعُ دُونَ الْمُمْسِكِ وَالْحَافِرِ. وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْمُمْسِكَ غَيْرُ مُلْجِئٍ، وَيَضْمَنُ بِهَا الْمُودِعُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ دَلَّهُ فَكَذَبَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَلَوْ دَلَّ حَلَالٌ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَكَدَلَالَةِ مُحْرِمٍ مُحْرِمًا عَلَيْهِ (أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ) نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، لَكِنْ لَوْ رَأَى الصَّيْدَ قَبْلَ الدَّلَالَةِ وَالْإِشَارَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَى دَالٍّ وَمُشِيرٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سَبَبًا فِي تَلَفِهِ، كَمَا لَوْ وُجِدَ مِنَ الْمُحْرِمِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ ضَحِكٌ، أَوِ اسْتِشْرَافٌ فَفَطِنَ لَهُ غَيْرُهُ فَصَادَهُ (أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَبْحِهِ) نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ بِمُنَاوَلَتِهِ سِلَاحَهُ أَوْ سَوْطَهُ أَوْ أَمَرَهُ بِاصْطِيَادِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَوْ بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ فَرَسًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا بِهِ. (أَوْ كَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي ذَبْحِهِ مِثْلُ أَنْ يُعِيرَهُ سِكِّينًا) أَوْ نَحْوَهَا لِيَقْتُلَهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ مَا يَقْتُلُهُ بِهِ أَوْ لَا، لِمَا «رَوَى أَبُو قَتَادَةَ أَنَّهُ لَمَّا صَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا لَا، وَفِيهِ أَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا فَلَمْ يُؤْذِنُونِي، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ، وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ: لَهُمْ نَاوِلُونِي، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إِنَّا مُحْرِمُونَ فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَائِهِ فَعَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَأْكُلُوا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كُلُوهُ هُوَ حَلَالٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَفَظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْحَرَامِ فَكَانَ حَرَامًا كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ بَيْنَهُمَا) هَذَا هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي التَّحْرِيمِ فَكَذَا فِي الْجَزَاءِ، وَلِأَنَّهُ جَزَاءٌ عَنْ مَقْتُولٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ، وَيُحْتَمَلُ التَّبْعِيضُ، فَكَانَ وَاحِدًا كَقَيِّمِ الْعَبِيدِ وَعَنْهُ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ، وَعَنْهُ: جَزَاءٌ وَاحِدٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَوْمٌ تَامٌّ، وَمَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَكْلُ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَهْدَى فَبِحِصَّتِهِ، وَعَلَى الْآخَرِ صَوْمٌ تَامٌّ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ بَدَلٌ، لَا كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَطَفَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَالصَّوْمُ كَفَّارَتُهُ كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ، وَقِيلَ: لَا جَزَاءَ عَلَى مُحْرِمٍ مُمْسِكٍ مَعَ مَحْرَمٍ قَاتِلٍ، وَلَا يَلْزَمُ مُتَسَبِّبًا مَعَ مُبَاشِرٍ، وَقِيلَ: الْقَرَارُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ فِعْلَ الْمُمْسِكِ عِلَّةً. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحِلِّهِ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الِاشْتِرَاكُ فِي الْحَرَمِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ كَالْأَوَّلِ، فَلَوْ كَانَ الدَّالُّ وَالشَّرِيكُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْمُحِلِّ فِي الْحِلِّ فَالْجَزَاءُ جَمِيعُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الْأَشْهَرِ وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ فَيَحْتَمِلُ مَا قُلْنَا، وَيَحْتَمِلُ يُلْزِمُهُ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُوجِبٌ، وَسَقَطٌ فَغَلَبَ الْإِيجَابُ كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْخِلَافُ إِنْ كَانَ الشَّرِيكُ سَبُعًا، فَإِنْ سَبَقَ حَلَالٌ وَسَبُعٌ بِجُرْحِهِ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ مَجْرُوحًا، وَإِنْ سَبَقَ هُوَ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جُرْحِهِ، فَلَوْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ ضِمْنَ الْجَارِحُ نَقْصَهُ، وَالْقَاتِلُ تَتِمَّةَ الْجَزَاءِ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ) لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: كُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَكَلُ مَا ذَبَحَهُ، وَمَا صِيدَ لِأَجْلِهِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ «أَهْدَى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: إِنَّا لَمْ نَرُدُّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «لَحْمُ الصَّيْدِ لِلْمَرْءِ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ» فِيهِ الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَتَى بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 أَتْلَفَ بَيْضَ صَيْدٍ، أَوْ نَقَلَهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَفَسَدَ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] كُلُوا، فَقَالُوا: أَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ، فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّمَا صِيدَ لِأَجْلِي. رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " احْتِمَالٌ بِجَوَازِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا حُرِّمَ عَلَى الْمُحْرِمِ لِكَوْنِهِ دَلَّ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَوْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ، لَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَلَالِ أَكْلُهُ، صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ لِحَدِيثِ الصَّعْبِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْرِمٍ آخَرَ فِي الْأَشْهَرِ، (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «كُلُوهُ هُوَ حَلَالٌ» ، وَأَفْتَى بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَالَ عُمَرُ لَهُ: لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِهِ لَأَوْجَعْتُكَ. رَوَاهُ مَالِكٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: يَحْرُمُ لِخَبَرِ الصَّعْبِ، وَكَمَا لَوْ دَلَّ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَمَا سَبَقَ أَخَصُّ، وَالْجَمْعُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّمَا تَرَكَ الْأَكْلَ مِنْ حَدِيثِ الصَّعْبِ؛ لِعِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ. 1 - (وَإِنْ أَتْلَفْ بَيْضَ صَيْدٍ أَوْ نَقَلَهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَفَسَدَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي بَيْضِ النَّعَامِ ثَمَنُهُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى إِتْلَافِهِ بِالنَّقْلِ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْمُبَاشِرَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا صَحَّ، وَخَرَجَ لَا ضَمَانَ فِيهِ، لَكِنْ لَوْ بَاضَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَنَقَلَهُ بِرِفْقٍ فَفَسَدَ، فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْجَرَادِ إِذَا انْفَرَشَ فِي طَرِيقِهِ. وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الضَّمَانِ (بِقِيمَتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ، وَلِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيْضَ لَا مِثْلَ لَهُ فَتَجِبُ فِيهِ الْقَيِّمَةُ كَصِغَارِ الطَّيْرِ، وَإِطْلَاقُ الثَّمَنِ فِي الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ غَالِبُ الْأَشْيَاءِ تَعْدِلُ ثَمَنَهَا، وَهَذَا إِذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ، فَإِنْ كَانَ هَدْرًا، فَلَا شَيْءَ فِيهِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: إِلَّا بَيْضَ النَّعَامِ فَإِنَّ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَوَانٌ حَالًا أَوْ مَآلًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَحْجَارِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ كَسَرَهَا بَعْدَ أَنْ ثَبَتَتْ، وَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ أَوْ خَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ حَيٌّ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِغَيْرِ الْإِرْثِ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ بِهِ أَيْضًا، وَإِنْ أَمْسَكَ صَيْدًا حَتَّى تَحَلَّلَ، ثُمَّ تَلِفَ أَوْ ذَبَحَهُ، ضَمِنَهُ، وَكَانَ مَيْتَةً. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ أَكْلُهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ، وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ، أَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ، لَزِمَهُ إِزَالَةُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ عَنْهُ،   [المبدع في شرح المقنع] فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَضْمَنَهُ إِلَّا أَنْ يَحْفَظَهُ إِلَى أَنْ يَنْهَضَ وَيَطِيرَ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ كَمَا لَوْ أَمْسَكَ طَائِرًا أَعْرَجَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِهِ، فَفِيهِ مَا فِي صِغَارِ أَوْلَادِ الْمُتْلَفِ بَيْضُهُ، (وَلَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ) ابْتِدَاءً (بِغَيْرِ الْإِرْثِ) وِفَاقًا لِخَبَرِ الصَّعْبِ السَّابِقِ فَلَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ كَالْخَمْرِ، فَلَوْ قَبَضَهُ مُشْتَرٍ، ثُمَّ تَلِفَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَقِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " لَا شَيْءَ لِوَاهِبٍ، وَإِنْ قَبَضَهُ رِضًا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَقَطْ، وَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ، ضَمِنَهُ لِمَالِكِهِ، وَلَا جَزَاءَ، وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ، وَقِيلَ: يُرْسِلُهُ لِئَلَّا يُثْبِتَ مُدَّةَ الْمُشَاهِدَةِ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ مُتَّهِبُهُ، وَصَرِيحُهُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا فِعْلَ مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَيَمْلِكُ بِهِ الْكَافِرُ فَجَرَى مَجْرَى الِاسْتِدَامَةِ، (وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ بِهِ) أَيْضًا لِمَا قُلْنَاهُ فَهُوَ كَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ فَيَمْلِكُهُ إِذَا حَلَّ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَمْلِكُهُ بِشِرَاءٍ، وَاتِّهَابٍ. (وَإِنْ أَمْسَكَ صَيْدًا حَتَّى تَحَلَّلَ، ثُمَّ تَلِفَ أَوْ ذَبَحَهُ ضَمِنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي إِحْرَامِهِ فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ، فَمَاتَ بَعْدَ حِلِّهِ. وَلَمْ يَتَكَرَّرِ الضَّمَانُ بِأَكْلِهِ إِذَا ذَبَحَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِقَتْلِهِ لَا لِأَكْلِهِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ، فَلَا يَتَكَرَّرُ كَإِتْلَافِهِ بِغَيْرِ أَكْلِهِ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ مُحْرِمٌ آخَرُ، (وَكَانَ مَيْتَةً) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ يَلْزَمُهُ ضمانه فَلَمْ يَبُحْ بِذَبْحِهِ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ أَكَلُهُ) وَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَادَهُ بَعْدَ حِلِّهِ فَأُبِيحَ لَهُ كَغَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لَأَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ ضمانه بِخِلَافِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، (وَإِنْ أَحْرَمَ، وَفِي يَدِهِ) أَيْ: مِلْكِهِ (صَيْدٌ أَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ لَزِمَهُ إِزَالَةُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ عَنْهُ) كَمَا لَوْ كَانَ فِي رَحْلِهِ أَوْ خَيْمَتِهِ أَوْ قَفَصِهِ، وَيَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ؛ لَأَنَّ فِي عَدَمِ إِزَالَةِ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ إِمْسَاكًا لِلصَّيْدِ، فَلَمْ يَجُزْ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ بِدَلِيلِ الْيَمِينِ، وَمِلْكُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ فَرَدَّهُ مَنْ أَخَذَهُ، وَيَضْمَنُهُ مَنْ قَتَلَهُ، وَلَا يَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ (دُونَ الْحُكْمِيَّةِ) كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 دُونَ الْحُكْمِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَتَلِفَ فَعَلَيْهِ ضمانه، وَإِنْ أَرْسَلَهُ إِنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ قَهْرًا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْسِلِ. وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا صَائِلًا عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] لَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي يَدِ نَائِبٍ لَهُ في غير مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إِمْسَاكُ الصَّيْدِ فَلَمْ يُلْزَمْ بِإِزَالَتِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا. فَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُهُ، وَلَهُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ بِكُلِّ نَوْعٍ، وَمِنْ غَصَبَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: لَمْ يُزِلْ يَدَهُ الْمُشَاهَدَةُ (فَتَلِفَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَّةِ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ كَمَالِ الْآدَمِيِّ، وَجَزَمَ الْمُؤَلِّفُ: وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُصُولِ " إِنْ أَمْكَنَهُ، وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، (وَإِنْ أَرْسَلَهُ إِنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ قَهْرًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْسِلِ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِعْلُهُ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ خَاصَّةً كَالْمَغْصُوبِ، وَلِأَنَّ الْيَدَ قَدْ زَالَ حُكْمُهَا وَحُرْمَتُهَا، فَلَوْ أَمْسَكَهُ حَتَّى تَحَلَّلَ فَمِلْكُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَاعْتَبَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِعَصِيرٍ تَخَمَّرَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ قَبْلَ إِرَاقَتِهِ، وَفِي " الْكَافِي " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " يُرْسِلُهُ بَعْدَ حِلِّهِ كَمَا لَوْ صَادَهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا مَلَكَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ، وَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ لَزِمَهُ رَفْعُ يَدِهِ، وَإِرْسَالُهُ فَإِنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ كَصَيْدِ الْحِلِّ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ، وَلَهُ ذَبْحُهُ، وَنَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إِنَّمَا نَهَى عَنْ تَنْفِيرِ صَيْدِ مَكَّةَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِعْلَ هَذَا الْحُكْمِ الْخَفِيِّ مَعَ كَثْرَةِ، وُقُوعِهِ، وَالصَّحَابَةُ مُخْتَلِفُونَ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْإِحْرَامِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ، وَكَذَا إِنْ أَمْسَكَ صَيْدَ حَرَمٍ، وَخَرَجَ بِهِ إِلَى الْحِلِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ، وَلَوْ تَلِفَ ضَمِنَهُ، كَالْمُحْرِمِ إِذَا أَمْسَكَهُ حَتَّى تَحَلَّلَ. 1 - (وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا صَائِلًا عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) لَمْ يَضْمَنْهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَآدَمِيٍّ، وَكَجَمَلٍ صَائِلٍ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ أَذِنَ فِي قَتْلِ الْفَوَاسِقِ لِدَفْعِ أَذًى مُتَوَهَّمٍ فَالْمُتَحَقَّقُ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ خَشِيَ مِنْهُ تَلَفًا أَوْ مَضَرَّةً أَوْ عَلَى بَعْضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 بِتَخْلِيصِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ شَبَكَةٍ لِيُطْلِقَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَقِيلَ: يَضْمَنْهُ فِيهِمَا، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَرَمِ وَلَا لِلْإِحْرَامِ فِي تَحْرِيمِ حَيَوَانٍ إِنْسِيٍّ، وَلَا مُحَرَّمِ الْأَكْلِ إِلَّا الْقَمْلَ فِي رِوَايَةٍ، وَأَيُّ شَيْءٍ تُصُدِّقَ بِهِ كَانَ خَيْرًا مِنْهُ، وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُ الْبَحْرِ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] مَاله (أَوْ بِتَخْلِيصِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ شَبَكَةٍ) أَوْ أَخَذَهُ لِيُخَلِّصَ مِنْ رِجْلِهِ خَيْطًا وَنَحْوِهِ (لِيُطْلِقَهُ) فَتَلِفَ قَبْلَ إِرْسَالِهِ (لَمْ يَضْمَنْهُ) عَلَى الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ أُبِيحَ لِحَاجَةِ الْحَيَوَانِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَمُدَاوَاةِ الْوَلِيِّ مُوَلِّيهِ، (وَقِيلَ: يَضْمَنْهُ فِيهِمَا) أَمَّا أَوَّلًا فَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ فَهُوَ كَقَتْلِهِ لِحَاجَةِ أَكْلِهِ فِي الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَأَمَا ثَانِيًا فَلِعُمُومِ الْآيَةِ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ عُدِمَ فِيهِ الْقَصْدُ أَشْبَهَ قَتْلَ الْخَطَأِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَخَذَهُ لِيُدَاوِيَهِ، فَوَدِيعَةٌ، فَلَوْ تَأَكَّلَتْ يَدُهُ، فَلَهُ إِزَالَتُهَا، وَإِنْ أَزْمَنَهُ فَجَزَاؤُهُ، وَلِأَنَّهُ كَتَالِفٍ، وَكَجُرْحٍ تَيَقَّنَ بِهِ مَوْتَهُ، وَقِيلَ: مَا نَقَصَ (وَلَا تَأْثِيرَ لِلْمُحْرِمِ، وَلَا لِلْإِحْرَامِ فِي تَحْرِيمِ حَيَوَانٍ إِنْسِيٍّ) أَيْ: أَهْلِيٍّ مُبَاحٍ إِجْمَاعًا كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ، وَالْمُحَرَّمُ إِنَّمَا هُوَ الصَّيْدُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ بِذَبْحِ ذَلِكَ فِي إِحْرَامِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» (وَلَا مُحَرَّمِ الْأَكْلِ) إِلَّا الْمُتَوَلِّدَ كَالْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ الَّتِي أَبَاحَ الشَّارِعُ قَتْلَهَا مُطْلَقًا، وَصَرَّحَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَتْلُ كُلُّ مُؤْذٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَطَيْرٍ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَبَاحَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ غُرَابُ الْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ، وَيَعْدُو عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ. وَظَاهِرُ " الْمُسْتَوْعِبِ " لَا، فَإِنَّهُ مُثِّلَ بِالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ فَقَطْ لِلْخَبَرِ الْخَاصِّ فِيهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ غَيْرَهُ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ وَيَدْخُلُ فِي الْإِبَاحَةِ الْبَازِي وَالصَّقْرُ وَالذُّبَابُ وَالْبَعُوضُ وَالْبَقُّ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، فَأَمَّا مَا لَا يُؤْذِي بِطَبْعِهِ كَالرَّخَمِ، فَكَذَلِكَ، وَلِإِحْرَامِهِ وَيَجُوزُ قَتْلُهُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَلِأَصْحَابِنَا فِي النَّمْلِ وَجْهَانِ نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الذَّرِّ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: يَقْتُلُ النَّمْلَةَ إِذَا عَضَّتْهُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِيهَا لُقْمَةٌ أَوْ تَمْرَةٌ إِذَا لَمْ تُؤْذِهِ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَيَتَخَرَّجُ فِي النَّحْلَةِ كَذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ فِي ضِفْدَعٍ، وَجَعَلَ فِيهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى حُكُومَةً، وَلَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا أَبَاحَهُ الشَّارِعُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ كَمَا أَنَّ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ مُبَاحٌ قَتْلُهُ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ (إِلَّا الْقَمْلَ) عَلَى الْمُحْرِمِ (فِي رِوَايَةٍ) فَإِنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَفَّهُ بِإِزَالَتِهِ فَحَرُمَ كَقَطْعِ الشَّعْرِ، (وَأَيُّ شَيْءٍ تُصُدِّقَ بِهِ كَانَ خَيْرًا مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَثَرٌ، وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ فِيهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 الْمُحْرِمِ، وَفِي إِبَاحَتِهِ فِي الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ. وَيَضْمَنُ الْجَرَادَ بِقِيمَتِهِ، فَإِنِ انْفَرَشَ فِي طَرِيقِهِ، فَقَتَلَهُ بِالْمَشْيِ عَلَيْهِ، فَفِي الْجَزَاءِ وَجْهَانِ، وَعَنْهُ: لَا ضَمَانَ فِي الْجَرَادِ.   [المبدع في شرح المقنع] لِخَبَرِ كَعْبٍ، وَلِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ كَسَائِرِ الْمُحَرَّمِ الْمُؤْذِي. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ، وَيُؤْذِي أَشْبَهُ الْبَرَاغِيثِ. وَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ يُبَاحُ فِي الْحَرَمِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ قَتْلُهُ، وَهُوَ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حُرِّمَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّرَفُّهِ فَأُبِيحَ فِيهِ لِغَيْرِهِ. تَكْمِلَةٌ: الصِّئْبَانُ كَالْقَمْلِ؛ لِأَنَّهُ بَيْضُهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَتْلِهِ، وَرَمْيِهِ لِحُصُولِ الرَّفَهِ بِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: الرِّوَايَتَانِ فِيمَا أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ وَبَدَنِهِ، وَبَاطِنِ ثَوْبِهِ، وَيَجُوزُ فِي ظَاهِرِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُمَا فِيمَا أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْبَرَاغِيثَ كَالْقَمْلِ، وَلَهُ قَتْلُ الْقَرَادِ عَنْ بَعِيرِهِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ كَسَائِرِ الْمُؤْذِي، (وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُ الْبَحْرِ عَلَى الْمُحْرِمِ) إِجْمَاعًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] وَالْبَحْرُ الْمِلْحُ، وَالْعَذْبُ، وَالْأَنْهَارُ، وَالْعُيُونُ سَوَاءٌ، وَصَيْدُهُ مَا يَعِيشُ فِيهِ كَالسَّمَكِ فَإِنْ كَانَ يَعِيشُ فِيهِمَا كَسُلَحْفَاةٍ، وَسَرَطَانٍ فَكَذَلِكَ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيهِ الْجَزَاءَ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ لَهُ حُكْمُهُ، وَمَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ لَهُ حُكْمُهُ كَالْبَقَرِ أَهْلِيٌّ وَوَحْشِيٌّ، فَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ فَبَرِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ يُفْرِخُ، وَيَبِيضُ فِيهِ، (وَفِي إِبَاحَتِهِ فِي الْحَرَمِ) كَصَيْدِهِ مِنْ آبَارِ الْحَرَمِ (رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: الْمَنْعُ صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَمِيٌّ أَشَبَهَ صَيْدَ الْحَرَمِ، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّيْدِ لِلْمَكَانِ فَلَا فَرْقَ، وَالثَّانِيَةُ، وَهِيَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ ": يَحِلُّ لِإِطْلَاقِ حِلِّهِ فِي الْآيَةِ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُحَرِّمُهُ كَحَيَوَانٍ أَهْلِيٍ وَسَبُعٍ (وَيَضْمَنُ الْجَرَادَ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ طَيْرٌ فِي الْبَرِّ يُتْلِفُهُ الْمَاءُ كَالْعَصَافِيرِ (بِقِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتْلَفٌ غَيْرُ مِثْلِيٍّ، وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ عَنْ جَرَادَةٍ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (فَإِنِ انْفَرَشَ فِي طَرِيقِهِ فَقَتَلَهُ) أَوْ أَتْلَفَ بَيْضَ طَيْرٍ (بِالْمَشْيِ عَلَيْهِ فَفِي الْجَزَاءِ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا: فِيهِ الْجَزَاءُ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِمَنْفَعَتِهِ أَشْبَهُ مَا لَوِ اضْطُرَّ إِلَى أَكْلِهِ، وَالثَّانِي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى أَكْلِ الصَّيْدِ، أَوِ احْتَاجَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ، فَلَهُ فِعْلُهُ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. فصل السَّابِعُ: عَقْدُ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَفِي الرَّجْعَةِ رِوَايَتَانِ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا.   [المبدع في شرح المقنع] لَا؛ لِأَنَّهُ اضْطَرَّهُ إِلَى إِتْلَافِهِ كَصَائِلٍ، (وَعَنْهُ: لَا ضَمَانَ فِي الْجَرَادِ) رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ لِأَنَّ كَعْبًا أَفْتَى بِأَخْذِهِ وَأَكْلِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا حَمَلَكَ أَنْ تُفْتِيَهُمْ بِهِ؛ قَالَ: هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؛ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ هُوَ إِلَّا نَثْرَةُ حُوتٍ تُنْثَرُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ. رَوَاهُ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، وَقَالَ: الْحَدِيثَانِ وَهْمٌ. (وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى أَكْلِ الصَّيْدِ) أُبِيحَ لَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] فَإِذَا ذَبَحَهُ كَانَ مَيْتَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ: كَلُّ مَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ قَتَلَهُ فَإِنَّمَا هُوَ قَتْلٌ قَتَلَهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ حِلُّهُ لِحِلِّ فِعْلِهِ (أَوِ احْتَاجَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ فَلَهُ فِعْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) ؛ لِأَنَّ كَعْبًا لَمَّا احْتَاجَ إِلَى الْحَلْقِ أَبَاحَهُ الشَّارِعُ لَهُ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ، وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ أَكْلَ الصَّيْدِ إِتْلَافٌ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوِ اضْطُرَّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ. [السَّابِعُ: عَقْدُ النِّكَاحِ] فَصْلٌ (السَّابِعُ: عَقْدُ النِّكَاحِ) فَإِنَّهُ مَحْظُورٌ إِلَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا يَصِحُّ مِنْهُ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ» وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] كَانَ يَقُولُ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحُ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى غَيْرِهِ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَرَفَعَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يُزَوِّجَ مُحْرِمَةً أَوْ يَكُونَ وَكِيلًا أَوْ وَلِيًّا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَسَوَاءٌ تَعَمَّدَ أَوْ لَا، وَأَجَازَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِرِوَايَتِهِ أَنَّهُ - «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ: وَهُمَا مُحْرِمَانِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ مَلَكَ بِهِ الِاسْتِمْتَاعَ فَلَمْ يُحَرِّمْهُ الْإِحْرَامُ كَشِرَاءِ الْإِمَاءِ. وَجَوَابُهُ: مَا رَوَى يَزِيدُ عَنْ مَيْمُونَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَبَنَى بِهَا حَلَالًا، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ» إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ يَزِيدَ بن الأصم عَنْ مَيْمُونَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَكَانَتْ خَالَتِي، وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ» . وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا، وَبَنَى بِهَا حَلَالًا، وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا» إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: وَهَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَهِمَ، رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ. وَبِالْجُمْلَةِ فَقِصَّةُ مَيْمُونَةَ مُخْتَلِفَةٌ، وَرِوَايَةُ الْحِلِّ أَكْثَرُ، وَفِيهَا صَاحِبُ الْقِصَّةِ، وَالسَّفِيرُ فِيهَا، وَلَا مَطْعَنَ فِيهَا مَعَ مُوَافَقَتِهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهَا زِيَادَةٌ مَعَ صِغَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَنْ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: وَهُوَ مُحْرِمٌ أَيْ: فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَوِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ كَقَوْلِهِمْ: قُتِلَ عُثْمَانُ مُحْرِمًا، أَوْ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَظَهَرَ تَزْوِيجُهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ. ثُمَّ لَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فَحَدِيثُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ فِعْلُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ يُخَالِفُ شِرَاءَ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِالْعِدَّةِ، وَالرِّدَّةِ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ، وَكَوْنِ الْمَنْكُوحَةِ أُخْتًا لَهُ مِنَ الرِّضَاعِ، وَالنِّكَاحُ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ غَالِبًا، بِخِلَافِ شِرَاءِ الْأَمَةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَافْتَرَقَا، وَعَنْهُ: إِنْ زَوَّجَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِبَاحَةِ مَحْظُورٍ لِحَلَالٍ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ الْإِحْرَامُ كَحَلْقِهِ رَأْسَ حَلَالٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَفْسَخْهُ، [وَهُوَ] مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْعَقْدِ، فَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا فِيهِ فَعَقَدَهُ بَعْدَ حِلِّهِ صَحَّ فِي الْأَشْهَرِ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ وَلَوْ وَكَّلَ، ثُمَّ أَحْرَمَ، لَمْ يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ عَقْدُهُ إِذَا حَلَّ، فَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مِثْلَهُ فَعَقَدَهُ، فَأَحْرَمَ الْمُوَكَّلُ، وَاخْتَلَفَا، فَقَالَتْ: عَقَدَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ هُوَ: قَبْلَهُ، قُبِلَ قَوْلُهُ، وَكَذَا فِي عَكْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَ الْعَقْدِ، فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَيَصِحُّ مَعَ جَهْلِهِمَا وُقُوعَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّتُهُ. تَتِمَّةٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنَ التَّزْوِيجِ لِنَفْسِهِ، وَسَائِرِ أَقَارِبِهِ، وَهَلْ يُمْنَعُ أَنْ يُزَوِّجَ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ وَاخْتَارَ الْجَوَازَ لِحِلِّهِ حَالَ وِلَايَتِهِ، وَالِاسْتِدَامَةُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَبْطُلُ بِفِسْقٍ طَرَأَ، وَفِي " التَّعْلِيقِ " لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَوِّجَ وَيُزَوِّجَ خُلَفَاؤُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِوِلَايَةِ الْحُكْمِ مَا لَا يَجُوزُ بِوِلَايَةِ النَّسَبِ بِدَلِيلِ تَزْوِيجِ الْكَافِرَةِ، وَإِنْ أَحْرَمَ نَائِبُهُ فَكَهُوَ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. (وَفِي الرَّجْعَةِ رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ [إحداهما] " الْمَنْعُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ وَضْعٍ لِإِبَاحَةِ الْبُضْعِ، أَشْبَهَ النِّكَاحَ. وَالثَّانِيَةُ: الْإِبَاحَةُ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهَا إِمْسَاكٌ، وَلِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ قَبْلَ الرَّجْعَةِ فَلَا إِحْلَالَ، وَلَوْ قُلْنَا بأنها محرمة لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ رَجَعَتْهَا، كَالتَّكْفِيرِ لِلْمَظَاهِرِ وَتَعَقَّبَهُ الْقَاضِي، (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 فَصْلٌ الثَّامِنُ: الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ نُسُكُهُ عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا، وَعَلَيْهِمَا الْمُضِيُّ فِي   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَسَدَ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ فِدْيَةٌ كَشِرَاءِ الصَّيْدِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". مَسْأَلَةٌ: يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ الْخِطْبَةُ كَخِطْبَةِ الْعَقْدِ وَشُهُودِهِ، وَحَرَّمَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، كَتَحْرِيمِ دَوَاعِي الْجِمَاعِ، وَتُكْرَهُ شَهَادَتُهُ فِيهِ، وَحَرَّمَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهَا الْقَاضِي، وَاحْتَجَّ بِنَقْلِ حَنْبَلٍ: لَا يَخْطُبُ. قَالَ: مَعْنَاهُ: لَا يَشْهَدُ النِّكَاحَ، وَمَا رُوِيَ فِيهِ: " وَلَا تَشْهَدْ " فَلَا يَصِحُّ. [الثَّامِنُ: الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ] فَصْلٌ (الثَّامِنُ: الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْجِمَاعُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] يَعْنِي الْجِمَاعَ، وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَفْسُدُ النُّسُكُ بِهِ، وَفِي " الْمُوَطَّأِ ": بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالُوا: يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجٌّ مِنْ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ: إِذَا كَانَ أَصْلِيًّا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " (قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ) لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالْغُسْلِ، وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ: لَا يَفْسُدُ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ مِنْ عَدَمِ الْحَدِّ، أَشْبَهَ الْوَطْءَ دُونَ الْفَرْجِ، وَأَطْلَقَ الْحُلْوَانِيُّ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، لَا يَفْسُدُ، وَعَلَيْهِ شَاةٌ (فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ نُسُكُهُ) لِمَا قُلْنَا. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مُطْلَقٌ، وَلِأَنَّهُ جِمَاعٌ صَادَفَ إِحْرَامًا تَامًّا كَقَبْلَ الْوُقُوفِ. وَقَوْلُهُ «الْحَجُّ عَرَفَةُ» أَيْ: مُعْظَمُهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْنِ الْفَوَاتِ أَمْنُ الْفَسَادِ، بِدَلِيلِ الْعُمْرَةِ، وَإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنَ الْجُمُعَةِ (عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَا أَوَّلًا، وَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْقَضَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] الصَّحَابَةِ قَضَوْا بِفَسَادِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا، وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحَالُ لَوَجَبَ الْبَيَانُ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَاسْتَوَيَا كَالْفَوَاتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ تَرْكُ رُكْنٍ فَأُفْسِدَ، وَالْوَطْءُ فِعْلٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالْجَاهِلُ بِالتَّحْرِيمِ، وَالْمُكْرَهُ كَالنَّاسِي. وَفِي " الْفُصُولِ " رِوَايَةٌ " لَا يُفْسِدُ " اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُطَاوِعَةَ كَالرَّجُلِ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ مِنْهُمَا، بِدَلِيلِ الْحَدِّ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ، وَعَنْهُ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وَطْءَ مِنْهَا، ذَكَرَ جَمَاعَةٌ كَالصَّوْمِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مُكْرَهَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَالصَّوْمِ (وَعَلَيْهِمَا الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ) وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحُكْمُهُ كَإِحْرَامٍ صَحِيحٍ نَقَلَهُ الْجُمْهُورُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ أَمَرَ الْمُجَامِعَ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ مَعْنَى يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ فَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْهُ كَالْفَوَاتِ، وَنَقَلَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَعْتَمِرُ مِنَ التَّنْعِيمِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْحَجَّ عُمْرَةً، (وَ) يَلْزَمُهُمَا (الْقَضَاءُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمَا: أَتِمَّا حَجَّكُمَا ثُمَّ ارْجِعَا وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى قَابِلَ حَتَّى إِذَا كُنْتُمَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتَهَا فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا وَلَا يُؤَاكِلْ وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ أَتِمَّا مَنَاسِكَكُمَا وَأَهْدِيَا» وَرِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ صَحِيحَةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَهَذَا مِنْهَا، وَرَوَى سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ، وَلَا فَرْقَ فِي الَّذِي أَفْسَدَهَا أَنْ تَكُونَ فَرْضًا بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَوِ النَّذْرِ أَوْ قَضَاءً، لَكِنْ إِذَا أَفْسَدَهُ، فَإِنَّهُ يَقْضِي الْوَاجِبَ، لَا الْقَضَاءَ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ النَّفْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَعَنْهُ: لَا قَضَاءَ فِيهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ هُوَ (عَلَى الْفَوْرِ) لِتَعَيُّنِهِ بِالدُّخُولِ فِيهِ (مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَا أَوَّلًا) أَيْ: يَلْزَمُ الْإِحْرَامُ بِالْقَضَاءِ مِنْ أَبْعَدِ الْمَوْضِعَيْنِ الْمِيقَاتِ أَوْ إِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمِيقَاتُ أَبْعَدَ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَجَاوُزُهُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ إِحْرَامِهِ أَبْعَدَ لَزِمَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَإِلَّا لَزِمَهُمَا مِنَ الْمِيقَاتِ نصا، (وَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهَا إِنْ طَاوَعَتْ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 عَلَيْهَا إِنْ طَاوَعَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَعَلَى الزَّوْجِ، وَيَتَفَرَّقَانِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ إِلَى أَنْ يُحِلَّا. وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَيَمْضِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَيُحْرِمُ   [المبدع في شرح المقنع] وَأَهْدِيَا هَدْيًا أَضَافَ الْفِعْلَ إِلَيْهِمَا، وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَهْدِ نَاقَةً، وَلْتَهْدِ نَاقَةً. وَلِأَنَّهَا بِمُطَاوَعَتِهَا أَفْسَدَتْ نُسُكَهَا فَكَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا كَالرَّجُلِ، (وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَعَلَى الزَّوْجِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُفْسِدُ لِنُسُكِهَا فَكَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا كَنَفَقَةِ نُسُكِهِ (وَيَتَفَرَّقَانِ) فِي الْقَضَاءِ (مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا سَلَفَ، وَعَنْهُ: مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا (إِلَى أَنْ يُحِلَّا) ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ خَوْفُ الْمَحْظُورِ فَجَمِيعُ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ، وَمُرَادُهُ بِالتَّفْرِيقِ: أَنْ لَا يَرْكَبَ مَعَهَا فِي مَحْمَلٍ، وَلَا يَنْزِلُ مَعَهَا فِي فُسْطَاطٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفِ: أَنَّهُ يَكُونُ بِقُرْبِهَا يُرَاعِي حَالَهَا؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمُهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَحْرَمُهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَحْرَمٌ غَيْرُهُ، (وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ) الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ذَكَرَ إِذَا بَلَغَ الْمَوْضِعَ فَسَوَّقَ نَفْسَهُ فَوَاقَعَ الْمَحْذُورَ وَهَذَا وَهْمٌ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلَمْ يَتَفَرَّقَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إِذَا أَفْسَدَاهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَبْلَغُ فِي مَنْعِ الدَّاعِي لِمَنْعِهِ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، وَالطِّيبِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ حُكْمًا لِلْمُجَامِعِ فَكَانَ، وَاجِبًا كَالْقَضَاءِ. تَنْبِيهٌ: الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ النُّسُكَيْنِ كَالْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا، أَوْ مُجَاوِرًا بِهَا، أَحْرَمَ لِلْقَضَاءِ مِنَ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ مِيقَاتُهَا سَوَاءٌ أَحَرَمَ بِهَا مِنْهُ، أَوْ مِنَ الْحَرَمِ، وَإِنْ أَفَسَدَ الْمُتَمَتِّعُ عُمْرَتَهُ، وَمَضَى فِيهَا فَأَتَمَّهَا قَالَ أَحْمَدُ: يَخْرُجُ مِنَ الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْمِيقَاتَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ، أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ الَّتِي أَفْسَدَهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ؛ لِمَا أَفْسَدَ مِنْ عُمْرَتِهِ. (وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ) أَيْ: بَعْدَ زَمَنِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ) فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 لِيَطُوفَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَوْمَ النَّحْرِ: يَنْحَرَانِ جَزُورًا بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا تَحَلُّلَانِ، فَوُجُودُ الْمُفْسِدِ بَعْدَ أَوَّلِهِمَا لَا يُفْسِدُهَا، كَمَا بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مِنَ الصَّلَاةِ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يَفْسُدُ كَالْأَوَّلِ إِنْ بَقِيَ إِحْرَامُهُ، وَفَسَدَ بِوَطْئِهِ، وَقَوْلِهِ فِي " التَّنْبِيهِ ": مَنْ وَطِئَ مِنَ الْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ، فَسَدَ حَجُّهُ، مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ، فَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ، وَلَمْ يَرْمِ، فَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " وَقَدَّمَهُ غَيْرُهُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْحَجَّ قَدْ تَمَّتْ أَرْكَانُهُ كُلُّهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ خِلَافُهُ، لِوُجُودِهِ قَبْلَ مَا يَتِمُّ بِهِ التَّحَلُّلُ، (وَيَمْضِي إِلَى التَّنْعِيمِ) وَهُوَ مِنَ الْحِلِّ بَيْنَ مَكَّةَ، وَسَرِفَ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَسُمِّي بِهِ؛ لِأَنَّ جَبَلًا عَنْ يَمِينِهِ اسْمُهُ نُعَيْمٌ، وَآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ اسْمُهُ نَاعِمٌ، وَالْوَادِي نَعْمَانُ بِفَتْحِ النُّونِ (فَيُحْرِمَ لِيَطُوفَ) ؛ لِأَنَّ إِحْرَامَهُ قَدْ فَسَدَ بِالْوَطْءِ فَلَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْحِلِّ؛ لِيَقَعَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ فِي إِحْرَامٍ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ الْإِحْرَامُ مِنَ التَّنْعِيمِ شَرْطًا فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْحِلِّ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَامِ، وَلَكِنَّ الْمُؤَلِّفَ تَبِعَ الْخِرَقِيَّ، وَهُوَ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْحِلِّ إِلَى مَكَّةَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الطَّوَافِ إِذَا كَانَ قَدْ سَعَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعي طَافَ لِلزِّيَارَةِ وَسَعَى وَتَحَلَّلَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ إِنَّمَا وَجَبَ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ مِنَ الْحَجِّ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ الْخِرَقِيُّ فَقَوْلُ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ: إِنَّهُ يَعْتَمِرُ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا هَذَا وَسَمَّوْهُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالُهَا، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا عُمْرَةً حَقِيقةً فَيَلْزَمُهُ سَعْيٌ وَيُقَصِّرُ وَعَلَى هَذَا نُصُوصُ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، لِمَا سَبَقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ إِحْرَامٌ مُسْتَأْنَفٌ فَكَانَ فِيهِ طَوَافٌ، وَسَعْيٌ، وَتَقْصِيرٌ كَالْعُمْرَةِ تَجْرِي مَجْرَى الْحَجِّ، بِدَلِيلِ الْقِرَانِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ أَيْ: أَنَّهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مُحْرِمٌ، وَذَكَرَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 فَصْلٌ التَّاسِعُ: الْمُبَاشِرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ، فَأَنْزَلَ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ،   [المبدع في شرح المقنع] الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا، لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُنَافِي وَجُودُهُ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ، وَفِي " فُنُونِ " ابْنِ عَقِيلٍ: يَبْطُلُ إِحْرَامُهُ عَلَى احْتِمَالٍ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي مَسْأَلَةِ مَا يُبَاحُ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ يَنْفِي أَنَّهُ مُحْرِمٌ، وَإِنَّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْإِحْرَامِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَالْمَيْمُونِيُّ: مَنْ وَطِئَ بَعْدَ الرَّمْيِ يَنْتَقِضُ إِحْرَامُهُ، وَيَعْتَمِرُ مِنَ التَّنْعِيمِ فَيَكُونُ إِحْرَامٌ مَكَانَ إِحْرَامٍ، فَهَذَا الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ فَسَادُ مَا بَقِيَ مِنْهُ لَا مَا مَضَى، إِذْ لَوْ فَسَدَ كُلُّهُ لَوَقَعَ الْوُقُوفُ في غير إِحْرَامٌ. (وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ، أَوْ شَاةٌ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرِّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ شَاةً، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِعَدَمِ إِفْسَادِهِ لِلْحَجِّ، كَوَطْءٍ دُونَ الْفَرْجِ بِلَا إِنْزَالٍ، وَلِخِفَّةِ الْجَنَايَةُ فِيهِ، وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاخْتَارَهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي الْحَجِّ فَأَوْجَبَهَا كَمَا قَبْلَ الرَّمْيِ. فَرْعٌ: الْقَارِنُ كَالْمُفْرِدِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لِلْحَجِّ لَا لِلْعُمْرَةِ، بِدَلِيلِ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ. تَنْبِيهٌ: الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ وَطِئَ قبل الفراغ مِنَ الطَّوَافِ فَسَدَتْ، وَكَذَا قَبْلَ سَعْيِهَا، إِنْ قُلْنَا هُوَ رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " إِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ، خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَوْنِهِ رُكْنًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا تَفْسُدُ قَبْلَ الْحَلْقِ إِنْ لَمْ يَجِبْ، وَكَذَا إِنْ وَجَبَ، وَيُلْزِمُهُ دَمٌ، وَقَدَّمَ فِي " التَّرْغِيبِ " تَفْسُدُ، وَيَجِبُ بِإِفْسَادِهَا شَاةٌ نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِنَقْصِهَا عَنِ الْحَجِّ، وَفِي " الْمُوجَزِ " لِلْحُلْوَانِيِّ الْأَشْبَهُ بَدَنَةٌ كَالْحَجِّ. [التَّاسِعُ: الْمُبَاشِرَةُ] فَصْلٌ (التَّاسِعُ: الْمُبَاشِرَةُ) أَيِ: الْوَطْءُ (فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ) وَكَذَا إِنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْوَطْءِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَكَانَ حَرَامًا (فَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 وَهَلْ يَفْسُدُ نُسُكُهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، لَمْ يَفْسُدْ. فَصْلٌ وَالْمَرْأَةُ إِحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ إِلَّا فِي   [المبدع في شرح المقنع] فَعَلَ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ أُقْرِنَ بِهَا الْإِنْزَالُ فَأَوْجَبَتْهَا كَالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ، وَعَنْهُ: شَاةٌ ذَكَرَهَا الْقَاضِي إِنْ لَمْ تَفْسُدْ وأطلقها الحلواني كَمَا لَوْ لَمْ يُنْزِلْ، وَفِي الْقِيَاسَيْنِ نَظَرٌ. (وَهَلْ يَفْسُدُ نُسُكُهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". إِحْدَاهُمَا: يَفْسُدُ، نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْوَطْءِ دُونَهُ (وَأَنْزَلَ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْإِنْزَالُ، فَأَفْسَدَهَا الْإِنْزَالُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ كَالصَّوْمِ. وَالثَّانِيَةُ لَا يَفْسُدُ صَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ لَمْ يَجِبْ بِنَوْعِهِ الْحَدُّ، فَلَمْ يُفْسِدْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يُنْزِلْ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَالْأَوْلَى أَنَّ الصَّوْمَ يُفْسِدُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ، وَالْحَجُّ بِالْجِمَاعِ فَقَطْ، وَالرَّفَثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَمْ نَقُلْ بِجَمِيعِهِ، مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْفُسُوقِ، وَالْجِدَالِ، وَعَنْهُ ثَالِثَةٌ: إِنْ أَمْنَى بِالْمُبَاشِرَةِ فَسَدَ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ عَرِيَتْ عَنْ إِنْزَالٍ فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِ كَاللَّمْسِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحُلْوَانِيِّ أَنَّ لَنَا فِيهِ خِلَافًا، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لِرَجُلٍ قَبَّلَ زَوْجَتَهُ أَفْسَدْتَ حَجَّكَ، وَنَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنْزَالِ، وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ، فَأَمْنَى لَمْ يَفْسُدْ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، وَكَالْإِنْزَالِ بِالْفِكْرِ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ فِي الْمَنْصُوصِ، وَسَيَأْتِي. 1 - فَصْلٌ (وَالْمَرْأَةُ إِحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا) فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَغْطِيَتُهُ بِبُرْقُعٍ أَوْ نِقَابٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 اللِّبَاسِ، وَتَظْلِيلِ الْمَحْمَلِ، وَلَا تَلْبِسُ الْقُفَّازَيْنِ، وَلَا الْخَلْخَالَ وَنَحْوَهُ وَلَا تَكْتَحِلُ   [المبدع في شرح المقنع] رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا، وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَغْطِيَةُ رَأْسِهَا كُلِّهِ، وَلَا يُمْكِنُهَا إِلَّا بِجُزْءٍ مِنَ الْوَجْهِ، وَلَا يُمْكِنُهَا كَشْفُ جَمِيعِ الْوَجْهِ إِلَّا بِجُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى سَتْرِ الرَّأْسِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ آكَدُ لِوُجُوبِ سَتْرِهُ مُطْلَقًا، وَأَلْحَقَ أَبُو الْفَرَجِ بِهِ الْكَفَّيْنِ، وَحَكَاهُ فِي " الْمُبْهِجِ " رِوَايَةً، فَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى سَتْرِ وَجْهِهَا لِمُرُورِ الرِّجَالِ قَرِيبًا مِنْهَا، جَازَ أَنْ تُسْدِلَ الثَّوْبَ فَوْقَ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا لِفِعْلِ عَائِشَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا، وَشَرْطُ الْقَاضِي فِي السَّاتِرِ أَنْ لَا يُصِيبَ بَشَرَتَهَا فَإِنْ أَصَابَهَا، ثُمَّ ارْتَفَعَ بِسُرْعَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَدَتْ لِاسْتِدَامَةِ السَّتْرِ، وَرَدَّهُ الْمُؤَلَّفِ بِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ عَنْ أَحْمَدَ وَلَا هُوَ مِنَ الْخَبَرِ بَلِ الظَّاهِرُ مِنْهُ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ الْمَسْدُولُ مِنْ إِصَابَةِ الْبَشْرَةِ، فَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَيَّنَ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ) مِنْ قَطْعِ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ، وَنَحْوِهَا (إِلَّا فِي اللِّبَاسِ، وَتَظْلِيلِ الْمَحْمَلِ) لِحَاجَتِهَا إِلَى السَّتْرِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا، وَكَعَقْدِ الْإِزَارِ لِلرَّجُلِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا السُّكَّ وَالْمُطَيَّبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُنْكِرُهُ عَلَيْهَا» . وَإِنَّمَا كُرِهَ فِي الْجُمُعَةِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ لِقُرْبِهَا مِنَ الرِّجَالِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ، (وَلَا تَلْبَسُ) أَيْ: يَحْرُمُ عَلَيْهَا لُبْسُ (الْقُفَّازَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ، وَكَالرَّجُلِ، وَهُمَا شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ كَمَا يُعْمَلُ لِلْبُزَاةِ، وَفِي لُبْسِهِمَا الْفِدْيَةُ كَالنِّقَابِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَغْطِيَتِهِمَا بِكُمِّهَا لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ جَوَازُهُ بِهِمَا بِدَلِيلِ تَغْطِيَةِ الرَّجُلِ قَدَمَيْهِ بِإِزَارِهِ لَا بِخُفٍّ، وَإِنَّمَا جَازَ تَغْطِيَةُ قَدَمَيْهَا بِكُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَمِثْلُهُمَا إِنْ لَفَّتْ عَلَى يَدَيْهَا خِرْقَةً أَوْ خِرَقًا، وَشَدَّتْهَا عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 بِالْإِثْمِدِ وَيَجُوزُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْكُحْلِيِّ، وَالْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ لَهُمَا جَمِيعًا.   [المبدع في شرح المقنع] حِنَّاءٍ أَولا، كَشَدِّهِ عَلَى جَسَدِهِ شَيْئًا، وَذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " عَنْ أَحْمَدَ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ لَا يَحْرُمُ، وَإِنْ لَفَّتْهَا بِلَا شَدٍّ فَلَا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اللُّبْسُ لَا التَّغْطِيَةُ كَبَدَنِ الرَّجُلِ، (وَلَا الْخَلْخَالَ، وَنَحْوَهُ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَحَمَلَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الزِّينَةِ كَالْكُحْلِ، وَلَا فِدْيَةَ، فِيهِ بِخِلَافِ الْقُفَّازَيْنِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهَا لُبْسَ الْحَلْيِ كَالسِّوَارِ، وَالدُّمْلُجِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. قَالَ نَافِعٌ: كُنَّ نِسَاءُ ابْنِ عُمَرَ يَلْبَسْنَ الْحَلْيَ، وَالْمُعَصْفَرَ، وَهُنَّ مُحْرِمَاتٌ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَفِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ: وَتَلْبَسُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ، وَلَا دَلِيلَ لِلْمَنْعِ، وَلَا يَحْرُمُ لِبَاسُ زِينَةٍ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يُكْرَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: الْمُحْرِمَةُ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَتْرُكَانِ الطِّيبَ، وَالزِّينَةَ، وَلَهُمَا سِوَى ذَلِكَ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " يَحْرُمُ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالِ كَحَلْيٍ، (وَلَا تَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ) نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ لَا تَكْتَحِلُ بِالْأَسْوَدِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ لِامْرَأَةٍ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا وهي محرمة: اكْتَحِلِي بِأَيِّ كُحْلٍ شِئْتِ غَيْرِ الْإِثْمِدِ وَالْأَسْوَدِ، وَلِأَنَّهُ يُرَادُ لِلزِّينَةِ، وَيَجِبُ الْفِدْيَةُ بِهِ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هُوَ كَاللِّبَاسِ، وَالطِّيبِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ إِلَّا لِزِينَةٍ فَيُكْرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، لَكِنْ إِنَّمَا خُصَّتِ الْمَرْأَةُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الزِّينَةِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي حَقِّهَا أَكْثَرُ، وَتَقْيِيدِهِمْ بِالْإِثْمِدِ وَالْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الزِّينَةُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ بِزِينَةٍ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ، كَالَّذِي يُتَدَاوَى بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ، وَلِهَذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ لَا يَرَى بِالدُّرُورِ الْأَحْمَرِ بَأْسًا، (وَيَجُوزُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ، وَالْكُحْلِيُّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمَةِ: «وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوَحَلْيٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ: أَنَّهُمَا كَانَا يُحْرِمَانِ فِي الْمُعَصْفَرَاتِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فَلَمْ يُكْرَهِ الْمَصْبُوغُ بِهِ كَالسَّوَادِ فَإِنْ كَانَ مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ، فَلَا؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ، وَأَمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْمَصْبُوغُ بِالرَّيَاحِينِ، فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا، لَكِنْ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ لِكَرَاهَتِهِ لَهُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ (وَالْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ) لِمَا رَوَى عِكْرِمَةُ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْتَضِبْنَ بِالْحِنَّاءِ، وَهُنَّ حُرُمٌ. رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ كَالْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ فَإِذَا اخْتَضَبَتْ وَشَدَّتْ يَدَيْهَا بِخِرْقَةٍ فَدَتْ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ لَوْنُهُ لَا رِيحُهُ عَادَةً كَخِضَابٍ بِسَوَادٍ، وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلرَّجُلِ فِيمَا لَا يَتَشَبَّهُ فِيهِ بِالنِّسَاءِ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَلَا دَلِيلَ لِلْمَنْعِ. وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ فِي الْحِنَّاءِ، وَأَطْلَقَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لَهُ الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَرِهَهُ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هُوَ بِلَا حَاجَةٍ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ، وَاحْتَجَّ بِلَعْنِ الْمُتَشَبِّهِينَ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ فَأَمَّا خِضَابُهَا بِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَمُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ فَاسْتُحِبَّ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَالطِّيبِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُزَوَّجَةِ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّينَةِ، وَالتَّحَبُّبِ لِلزَّوْجِ كَالطِّيبِ، وَيُكْرَهُ لِلْأَيِّمِ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، مَعَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا، وَقَدْ رَوَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «يَا مَعَاشِرَ النِّسَاءِ اخْتَضِبْنَ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَخْتَضِبُ لِزَوْجِهَا، وَإِنَّ الْأَيِّمَ تَخْتَضِبُ تَعَرَّضُ لِلرِّزْقِ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -» (وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ لَهُمَا جَمِيعًا) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ فِي الْمِرْآةِ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْهُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ إِزَالَةَ شَعَثٍ أَوْ تَسْوِيَةَ شَعْرٍ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الزِّينَةِ، كُرِهَ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَدَبٌ، وَفِي قَوْلٍ: يَحْرُمُ، وَقَوْلُهُ: (لَهُمَا) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ متعلق بالنظر لِقُرْبِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِـ " يَجُوزُ " وَهُوَ الظَّاهِرُ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَّجِرَ، وَيَصْنَعَ الصَّنَائِعَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ: وَيَلْبَسُ الْخَاتَمَ، لَكِنْ يُكْرَهُ إِنْ كَانَ لِزِينَةٍ كَحَلْيٍ وَنَظَرٍ فِي مِرْآةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 بَابُ الْفِدْيَةِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ، أَحَدُهَا: مَا هُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: يُخَيَّرُ بَيْنَ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ ذَبْحُ شَاةٍ، وَهِيَ فِدْيَةُ حَلْقِ الرَّأْسِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظَّافِرِ، وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَعَنْهُ: يَجِبُ الدَّمُ إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ لِعُذْرٍ   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ الْفِدْيَةِ] [أَنْوَاعُ الفدية في الحج] ِ قَالَ: الْجَوْهَرِيُّ فَدَاهُ، وَفَادَاهُ: إِذَا أَعْطَى فَدَاءَهُ، وَفَدَاهُ بِنَفْسِهِ، وَفَدَّاهُ: إِذَا قَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ. انْتَهَى. وَهِيَ مَا تَجِبُ بِسَبَبِ نُسُكٍ أَوْ حُرُمٍ، (وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَضْرُبٍ) مِنْهَا مَا وَرَدَ النَّصُّ بِالتَّخْيِيرِ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا وَرَدَ بِالتَّرْتِيبِ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَخْيِيرٌ، وَلَا تَرْتِيبٌ كَفِدْيَةِ الْفَوَاتِ (أَحَدُهَا مَا هُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَهُوَ نَوْعَانِ) ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ فِدْيَةَ الْأَذَى وَنَحْوِهِ، وَتَارَةً جَزَاءُ صَيْدٍ فَأَشَارَ إِلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (أَحَدُهُمَا: يُخَيَّرُ بَيْنَ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ ذَبْحُ شَاةٍ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 184] وَلِحَدِيثِ كَعْبٍ السَّابِقِ، وَفِي لَفْظِ «احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ شَاةً» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَقَدْ دَلَّا عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى صِفَةِ التَّخْيِيرِ مِنَ الصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةُ، وَالذَّبْحُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] أَيْ: فَأَفْطَرَ (وَهِيَ فِدْيَةُ حَلْقِ الرَّأْسِ) الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ، وَقِسْنَا الْبَاقِي عَلَيْهِ، (وَ) هُوَ (تَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ، وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ، وَاللُّبْسُ وَالطِّيبُ) لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي كَوْنِهِ حُرِّمَ فِي الْإِحْرَامِ لِأَجْلِ التَّرَفُّهِ، فَالصَّوْمُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْإِطْعَامِ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، وَهُوَ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ مِنْ غَيْرِهِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَعَنْهُ: نِصْفُ صَاعٍ كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَيَعْتَبِرُ بِالتَّمْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 فَيُخَيَّرُ. الثَّانِي: جَزَاءُ الصَّيْدِ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْمِثْلِ أَوْ يَقُوِّمُهُ بِدَرَاهِمَ، فَيَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا، أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ   [المبدع في شرح المقنع] وَالزَّبِيبِ الْمَنْصُوصِ كَالشَّعِيرِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ مِثْلُهُ فِي التَّخْيِيرِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَعْذُورِ، وَالتَّبَعُ لَا يُخَالِفُ أَصْلَهُ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ فِيهَا مَعَ الْعُذْرِ ثَبَتَ مَعَ عَدَمِهِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ. وَالشَّرْطُ لِجَوَازِ الْحَلْقِ لَا للتَّخْيِيرِ، (وَعَنْهُ: يَجِبُ الدَّمُ) عَيْنًا، فَإِنْ عَدِمَهُ، أَطْعَمَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ صَامَ (إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ لِعُذْرٍ فَيُخَيَّرُ) جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ يَتَعَلَّقُ بِمَحْظُورٍ يَخْتَصُّ الْإِحْرَامَ كَدَمٍ يَجِبُ بِتَرْكِ رَمْيٍ، وَمُجَاوَزَةِ مِيقَاتٍ. (الثَّانِي جَزَاءُ الصَّيْدِ يُخَيَّرُ فِيهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] فَعَطَفَ هَذِهِ الْخِصَالَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِـ " أَوْ " الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْيِيرِ كَفِدْيَةِ الْأَذَى وَالْيَمِينِ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَهَدْيِ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةُ إِتْلَافٍ مُنِعَ مِنْهُ لِلْإِحْرَامِ أَوْ فِيهَا أَجْنَاسٌ كَالْحَلْقِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الطَّعَامَ فِيهَا لِلْمَسَاكِينِ فَكَانَ مِنْ خِصَالِهَا كَغَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا يُخَيَّرُ فِيهِ (بَيْنَ الْمِثْلِ) وَسَيَأْتِي فَإِنِ اخْتَارَهُ ذَبَحَهُ، وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَلَهُ ذَبْحُهُ مَتَى شَاءَ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ حَيًّا (أَوْ يَقُوِّمَهُ) أَيِ: الْمِثْلَ (بِدَرَاهِمَ فَيَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُتْلَفٍ وَجَبَ مِثْلُهُ إِذَا قُوِّمَ، وَجَبَ قِيمَةُ مِثْلِهِ كَالْمِثْلِيِّ فِي مَالِ الْآدَمِيِّ، فَعَلَى هَذَا يَقَوِّمُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَتْلَفَهُ فِيهِ وَبِقُرْبِهِ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ آخَرُونَ يَقَوِّمُ بِالْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ ذَبْحِهِ، وَعَنْهُ: يَقَوِّمُ مَكَانَ إِتْلَافِهِ أَوْ بِقِرْبِهِ لَا الْمِثْلُ عَمَّا لَا مِثْلَ لَهُ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ لَهُ الصَّدَقَةُ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا، وَالْقِيمَةُ لَيْسَتْ مِمَّا خَيَّرَ اللَّهُ فِيهِ، وَالطَّعَامُ الْمُخْرَجُ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَالْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ، وَقِيلَ: يُجْزِئِ كُلُّ مَا يُسَمَّى طَعَامًا، جَزَمَ بِهِ فِي " الْخِلَافِ " وَذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " احْتِمَالًا لِإِطْلَاقِ لَفْظِهِ (فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا) أَيْ: مِنَ الْبُرِّ، وَمِنْ غَيْرِهِ مُدَّانِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْمُؤَلِّفُ أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ كَالْخِرَقِيِّ (أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 لَهُ، خُيِّرَ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ وَعَنْهُ: أنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَيَجِبُ الْمِثْلُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَزِمَهُ الْإِطْعَامُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ صَامَ. فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي عَلَى التَّرْتِيبِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، أَحَدُهَا: دَمُ الْمُتْعَةِ   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَحَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي " رِوَايَةً؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ دَخَلَهَا الصَّوْمُ وَالْإِطْعَامُ مَكَانَ الْيَوْمِ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ، كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَعَنْهُ: يَصُومُ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا، وَحَمَلَ الْقَاضِي الْأُولَى عَلَى الْحِنْطَةِ، وَالثَّانِيَةَ عَلَى التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، إِذِ الصِّيَامُ مُقَابِلُ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَغَيْرِهَا فَكَذَا هُنَا. وَبِالْجُمْلَةِ فَيُعْتَبَرُ كُلُّ مَذْهَبٍ عَلَى أَصْلِهِ فَعِنْدَنَا مِنَ الْبُرِّ مُدٌّ، وَمِنْ غَيْرِهِ مُدَّانِ. فَرْعٌ: إِذَا بَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ مَا لَا يَعْدِلُ يَوْمًا، صَامَ يَوْمًا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْ بَعْضِ الْجَزَاءِ، وَيُطْعِمَ عَنْ بَعْضِهِ، كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ، (وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ خُيِّرَ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا عَدِمَ أَحَدَهَا، بَقِيَ التَّخْيِيرُ ثابتا بَيْنَ التَّالِيَيْنِ، فَإِذَا اخْتَارَ الْإِطْعَامَ يَوْمَ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ متلف غير مِثْل فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ كَمَالِ الْآدَمِيِّ فَيَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا فَيُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ، وَإِذَا اخْتَارَ الصِّيَامَ، فَعَلَى مَا سَبَقَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي ظَاهِرِ نَقْلِ حَنْبَلٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَالَّذِي لَهُ مِثْلٌ، وَقِيلَ: بَلَى، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَطَاءٍ (وَعَنْهُ: أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ) نَقَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالثَّوْرِيِّ كَالْمُتْعَةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ (فَيَجِبُ الْمِثْلُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَزِمَهُ الْإِطْعَامُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ صَامَ) كَمَا ذَكَرْنَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا إِطْعَامَ فِيهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ لِيَعَدِلَ بِهِ الصِّيَامَ؛ لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِطْعَامِ، قَدَرَ عَلَى الذَّبْحِ، وَكَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. [دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ] فَصْلٌ (الضَّرْبُ الثَّانِي: عَلَى التَّرْتِيبِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وَالْقِرَانِ، فَيَجِبُ الْهَدْيُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَإِنْ صَامَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَجْزَأَ،   [المبدع في شرح المقنع] فَيَجِبُ الْهَدْيُ) فِي الْمُتْعَةِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وَفِي الْقِرَانِ قِيَاسًا عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدِ) الْهَدْيَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ وَجَدَهُ بِبَلَدِهِ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ مُؤَقَّتٌ، فَاعْتُبِرَتْ لَهُ الْقُدْرَةُ فِي مَوْضِعِهِ، كَمَاءِ الْوُضُوءِ، بِخِلَافِ رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) لِمَا سَبَقَ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِيُكُونَ إِثْبَاتُهَا أَوْ بَعْضُهَا بَعْدَ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، وَاسْتَحَبَّا صَوْمَ عَرَفَةَ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ عَدَمَ اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ يَخْتَصُّ بِالنَّقْلِ، وَعَلَيْهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِيُصُومَهَا فِي الْحَجِّ، وَعَنْهُ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَفِي " الْمُجَرَّدِ " أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ لَهُ، وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ مِنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يُلْزِمُ نَفْسَهُ الْمُخَالَفَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَوَقْتُ جَوَازِهَا إِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَالنِّصَابِ وَالْحَوْلِ، وَعَنْهُ: بِالْحَلِّ مِنْهَا، وَعَنْهُ: وَقَبْلَ إِحْرَامِهَا، وَأَنْكَرَهَا جَمَاعَةٌ، وَالْمُرَادُ: فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نِسُكَيِ التَّمَتُّعِ، فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ كَالْحَجِّ، وَأَمَّا وَقْتُ وُجُوبِهَا، فَوَقْتُ وُجُوبِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ، (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ) الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْأَهْلِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَرْفُوعُ: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. شَاهِدٌ بِذَلِكَ، وَلِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ (فَإِنْ صَامَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَجْزَأَ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ صَوْمٍ وَاجِبٍ جَازَ فِي وَطَنِ فَاعِلِهِ، جَازَ فِي غَيْرِهِ كَسَائِرِ الْفُرُوضِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّهُ إِذَا كَانَ طَافَ لِلزِّيَارَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ إِذَا رَجَعْتُمْ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ، وَمُعْتَبَرٌ لِجَوَازِ الصَّوْمِ، وَتَأْخِيرُهَا إِنَّمَا كَانَ رُخْصَةً، وَتَخْفِيفًا كَتَأْخِيرِ رَمَضَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 وَإِنْ لَمْ يَصُمْ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، صَامَ أَيَّامَ مِنًى، وَعَنْهُ: لَا يُصُومُهَا، وَيَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنْهُ: إِنْ تَرَكَ الصَّوْمَ لِعُذْرٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا قَضَاؤُهُ، وَإِنْ تَرْكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ مَعَ فِعْلِهِ دَمٌ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ أَخَّرَ الْهَدْيَ وَالصَّوْمَ لِعُذْرٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا قَضَاؤُهُ، وَإِنْ أَخَّرَ الْهَدْيَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَعَ الصَّوْمِ دَمٌ بِحَالٍ. وَلَا يَجِبُ   [المبدع في شرح المقنع] لِسَفَرٍ وَمَرَضٍ، وَلِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُهُ (وَإِنْ لَمْ يَصُمْ) الثَّلَاثَةَ (قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ صَامَ أَيَّامَ مِنًى، وَعَنْهُ: لَا يُصُومُهَا) وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلَفٌ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَالسَّبْعَةُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِبَقَاءِ أَعْمَالٍ مِنَ الْحَجِّ (وَيَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ) لِوُجُوبِ قَضَائِهَا بِفَوَاتِهِ كَرَمَضَانَ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِعَدَمِ جَوَازِ صَوْمِهَا أَوْ بِجَوَازِهِ، وَلَمْ يَصُمْهَا (وَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْوَاجِبَ عَنْ وَقْتِهِ فَلَزِمَهُ كَرَمْيِ الْجِمَارِ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤَخَّرِ لِلْعُذْرِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ، وَعَلَّلَهُ فِي " الْخِلَافِ " بِأَنَّهُ نُسُكٌ أَخَّرَهُ فِي وَقْتِ جَوَازِ فِعْلِهِ كَالْوُقُوفِ إِلَى اللَّيْلِ، وَفِيهِ شَيْءٌ. (وَعَنْهُ: إِنْ تَرَكَ الصَّوْمَ لِعُذْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا قَضَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي هُوَ الْمُبْدَلُ لَوْ أَخَّرَهُ لَعُذْرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ، وَالْبَدَلُ أَوْلَى، (وَإِنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ مَعَ فِعْلِهِ دَمٌ) فَعَلَى أَنَّهُ إِنْ صَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ ": بِتَأْخِيرِ الصَّوْمِ عَنْ أَيَّامِ الْحَجِّ، (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ إِنْ أَخَّرَ الْهَدْيَ) الْوَاجِبَ لِعُذْرٍ مِثْلِ إنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ (أَوِ الصَّوْمَ لِعُذْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا قَضَاؤُهُ) كَسَائِرِ الْهَدَايَا الْوَاجِبَةِ، (وَإِنْ أَخَّرَ الْهَدْيَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ زَائِدٌ كَالْهَدَايَا الْوَاجِبَةِ، وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ دَمٌ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: أَحْمَدُ مَنْ تَمَتَّعَ فَلَمْ يَهْدِ إِلَى قَابِلٍ يَهْدِي هَدْيَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ فِي الْمُتْعَةِ نُسُكٌ مُؤَقَّتٌ فَلَزِمَ الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ، كَتَأْخِيرِ رَمْيِ الْجِمَارِ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَعَ الصَّوْمِ دَمٌ بِحَالٍ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ، وَاجِبٌ يَجِبُ الْقَضَاءُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 التَّتَابُعُ فِي الصِّيَامِ وَمَتَى وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَشَرَعَ فِيهِ، قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ، وَإِنْ وَجَبَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. النَّوْعُ   [المبدع في شرح المقنع] بِفَوَاتِهِ، فَلَمْ يَجِبْ بِفَوَاتِهِ دَمٌ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، (وَلَا يَجُبِ التَّتَابُعُ) وَلَا التَّفْرِيقُ (فِي الصِّيَامِ) لَا فِي الثَّلَاثَةِ وَلَا السَّبْعَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وِفَاقًا لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي جَمْعًا، وَلَا تَفْرِيقًا، وَيَشْمَلُ مَا إِذَا قَضَاهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ التَّفْرِيقُ كَسَائِرِ الصَّوْمِ، وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَتَبِعَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّ وُجُوبَ التَّفْرِيقِ فِي الْأَدَاءِ إِذَا صَامَ أَيَّامَ مِنًى، وَأَتْبَعَهَا السَّبْعَةَ، ثُمَّ إِنَّمَا كَانَ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ كَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الصلاتين بِخِلَافِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلِ فَلَمْ يَسْقُطْ. فَرْعٌ: إِذَا مَاتَ، وَلَمْ يَصُمْ فَكَصَوْمِ رَمَضَانَ، نَصَّ عَلَيْهِ، تَمَكَّنَ مِنْهُ أَمْ لَا. (وَمَتَى وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَشَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ) وَأَجْزَأَهُ الصَّوْمُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الرَّقَبَةَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ الِانْتِقَالَ إِلَى الْهَدْيِ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ، وَفِي " الْفُصُولِ " تَخْرِيجٌ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ اعْتِبَارًا بِالْأَغْلَظِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُظَاهِرَ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا فَنَاسَبَهُ الْمُعَاقَبَةُ، بِخِلَافِ الْحَاجِّ، فَإِنَّهُ فِي طَاعَةٍ، فَنَاسَبَهُ التَّخْفِيفُ، وَقِيلَ: إِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ أَنْ مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ، أَجْزَأَهُ الصِّيَامُ؛ لِكَوْنِهِ قَدَرَ عَلَى الْمُبْدَلِ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ الْبَدَلُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَصُمْ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ فَفَرْقٌ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ إِنْ قُلْنَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْمُبْدَلِ هُنَاكَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْبَدَلِ مِنْ أَصْلِهِ، وَيُبْطِلُ مَا مَضَى منها، وَهُنَا صَوْمُهُ صَحِيحٌ يُثَابُ عَلَيْهِ (وَإِنْ وَجَبَ، وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ، نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ حَالَ وُجُودِ السَّبَبِ الْمُتَّصِلِ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ عَدَمُ الْهَدْيِ. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، نَقَلَهَا يَعْقُوبُ، وَهِيَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 الثَّانِي: الْمَحْصَرُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ حَلَّ. الثَّالِثُ: فِدْيَةُ الْوَطْءِ يَجِبُ بِهِ بَدَنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ: ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ كَدَمِ الْمُتْعَةِ، لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ بِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ لَمْ يَجِدِ الْبَدَنَةَ، أَخْرَجَ بَقَرَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَسَبْعًا مِنَ الْغَنَمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَخْرَجَ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ، فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ   [المبدع في شرح المقنع] [النَّوْعُ الثَّانِي الْمُحْصَرُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ] (النَّوْعُ الثَّانِي: الْمَحْصَرُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ) ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ وَاجِبٌ، فَكَانَ ذَلِكَ بَدَلَهُ كَدَمِ الْمُتْعَةِ، (ثُمَّ حَلَّ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبْلَ ذَلِكَ، وَفِيهِ خِلَافٌ يُذْكَرُ، وَأَنَّهُ لَا إِطْعَامَ فِيهِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَعَنْهُ: بَلَى قَالَ الْآجُرِّيُّ: إِنْ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ قَوَّمَهُ طَعَامًا، وَصَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَحَلَّ. [فِدْيَةُ الْوَطْءِ يَجِبُ بِهِ بَدَنَةٌ] (الثَّالِثُ: فِدْيَةُ الْوَطْءِ يَجِبُ بِهِ بَدَنَةٌ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ، وَكَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ كَدَمِ الْمُتْعَةِ؛ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ بِهِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ الْعَبَادِلَةَ أَفْتَوْا بِهِ، (وَقَالَ الْقَاضِي إِنْ لَمْ يَجِدِ الْبَدَنَةَ أَخْرَجَ بَقَرَةً) ؛ لِأَنَّهَا تُشَارِكُهُ فِي الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ، وَقَدْ رَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ فَقِيلَ لَهُ: وَالْبَقَرَةُ فَقَالَ: وَهَلْ هِيَ إِلَّا مِنَ الْبُدْنِ؛ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسَبْعًا مِنَ الْغَنَمِ) لِقِيَامِهَا مَقَامَهَا فِي الْأَضَاحِي، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَخْرَجَ بِقِيمَتِهَا أَيْ: قِيمَةِ الْبَدَنَةِ (طَعَامًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا) كَجَزَاءِ الصَّيْدِ فِي أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إِلَى الْإِطْعَامِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ، وَلَا إِلَى الصِّيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهَا، وَمَا تَقَدَّمَ صَرِيحٌ فِي التَّرْتِيبِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إِلَى خَصْلَةٍ إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الَّتِي قَبْلَهَا. (وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ تَجِبُ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ فَكَانَ مُخَيَّرًا فِيهَا كَفِدْيَةِ الْأَذَى، وَعَلَّلَه ابْنُ الْمُنَجَّا فَقَالَ: بَعْضُهَا قَرِيبٌ مِنْ بَعْضٍ، وَذَكَرَ فِي " النِّهَايَةِ " أَنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ بَيْنَ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي أَنَّ الْوَطْءَ هَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكَاتِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 وَيَجِبُ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ بَدَنَةٌ إِنْ كَانَ فِي الْحَجِّ، وَشَاةٌ إِنْ كَانَ فِي الْعُمْرَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِثْلُ ذَلِكَ إِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً، فَلَا فِدْيَةَ   [المبدع في شرح المقنع] كَالطِّيبِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَقَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ عَلَى التَّرْتِيبِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَقَدْ عُورِضَ الْمُؤَلِّفُ فِيمَا نَقَلَهُ عَنِ الْخِرَقِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي " مُخْتَصَرِهِ " إِلَّا بِإِجْزَاءِ سَبْعٍ مِنَ الْغَنَمِ مَعَ وُجُودِ الْبَدَنَةِ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي غَيْرِ كِتَابِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ: مِنْ الِانْتِقَالِ إِلَى الصَّوْمِ إِذَا عَدِمَ الْبَدَنَةَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَقَالَ: لَمْ يَجِدْه قَوْلًا لِأَحْمَدَ وَلَا لِأَحَدٍ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " فِي الْمُحْرِمِ إِذَا جَامَعَ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ حَجُّهُمَا وَعَلَيْهِ بدنة وَعَلَى الْمُجَامِعِ أُخْرَى، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ، وَبَأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنِ الْعَبَادِلَةِ إِنَّمَا هُوَ إِذَا عَدِمَ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ عَدِمَ الْبَدَنَةَ: عَدِمَ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً أَوْ شَاةً، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْبَدَنَةِ تَبَعًا لِلْمَرْوِيِّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَبِأَنَّ الْبَقَرَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَهَا، وَالسَّبُعُ مِنَ الْغَنَمِ كَذَلِكَ (وَيَجِبُ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ بدنة إَنْ كَانَ فِي الْحَجِّ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، (وَشَاةٌ إِنْ كَانَ فِي الْعُمْرَةِ) ؛ لِأَنَّهَا أحد النُّسُكَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ بِالْوَطْءِ فِيهَا شَيْءٌ كَالْآخَرِ، وَإِنَّمَا كَانَ شَاةً؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعُمْرَةِ أَخَفُّ، (وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِثْلُ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ مَا عَلَى الرَّجُلِ (إِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَعَ، لِوُجُودِ الْجِمَاعِ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ الْحَدِّ، وَلِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ كَمَا لَوْ قَتَلَا رَجُلًا، وَكَنَفَقَةِ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ آكَدُ مِنَ الصَّوْمِ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ، وَعَنْهُ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا، ذَكَرَهَا وَصَحَّحَهَا جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وَطْءَ مِنْهَا وَكَالصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، وَلِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 عَلَيْهَا، وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ يَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ عَنْهَا. فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّالِثُ: الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ لِلْفَوَاتِ، أَوْ لِتَرْكِ وَاجِبٍ، أَوِ الْمُبَاشَرَةِ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ، فَمَا أَوْجَبَ مِنْهُ بَدَنَةً، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ وَمَا عَدَاهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: مَا وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ مُلْحَقٌ بِدَمِ الْمُتْعَةِ، وَمَا وَجَبَ   [المبدع في شرح المقنع] الْفِعْلُ وَكَالصَّوْمِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهَا كَالْمُطَاوِعَةِ، (وَقِيلَ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ) لِحُصُولِ الْوَطْءِ (يَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ عَنْهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِفْسَادَ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَإِفْسَادِ حَجِّهِ، وَكَنَفَقَةِ الْقَضَاءِ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ عَلَى الزَّوْجِ حَمْلُهَا، وَلَوْ طُلِّقَتْ، وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ، وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى أَنْ يَدَعَهَا، وَأَغْرَبَ فِي " الرَّوْضَةِ " فَقَالَ: الْمُكْرَهَةُ يَفْسُدُ صَوْمُهَا، وَلَا يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ، وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهَا، وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ. [الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ لِلْفَوَاتِ] فَصْلٌ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ: الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ لِلْفَوَاتِ) أَيْ فَوَاتِ الْحَجِّ، وَتَجِبُ بِهِ بَدَنَةٌ فِي الْأَصَحِّ (أَوْ لِتَرْكِ وَاجِبٍ) كَالْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إِلَى اللَّيْلِ، وَنَحْوِهَا (أَوِ الْمُبَاشِرَةِ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ) كَمَا يَأْتِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ بِغَيْرِ النَّذْرِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ، مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِدْيَةُ الْأَذَى، وَجَزَاءُ الصَّيْدِ، وَدَمُ الْإِحْصَارِ، وَالْمُتْعَةُ، وَالْبَدَنَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مَقِيسٌ فَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ: (فَمَا أَوْجَبَ مِنْهُ بدنة) كَالْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْمُبَاشِرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ أَيْ هِيَ مَقِيسَةٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبٍ فِي إِحْرَامِهِ، أَشْبَهَتِ الْبَدَنَةَ الْوَاجِبَةَ بِالْوَطْءِ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا، انْتَقَلَ إِلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يَجِبُ الْبَدَنَةُ، ثُمَّ بَقَرَةٌ، ثُمَّ سَبْعٌ مِنَ الْغَنَمِ، ثُمَّ قِيمَةُ الْبَدَنَةِ طَعَامًا، ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ يُخَيَّرُ فِيهَا، (وَمَا عَدَاهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: مَا وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ) كَالْمَبِيتِ بِمِنًى، وَمُزْدَلِفَةَ، وَطَوَافِ الْوَدَاعِ (مُلْحَقٌ بِدَمِ الْمُتْعَةِ) ؛ لِأَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ وَجَبَ لِتَرَفُّهِهِ بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ دَمٍ وَاجِبٍ لِتَرْكِ وَاجِبٍ (وَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 لِلْمُبَاشَرَةِ مُلْحَقٌ بِفِدْيَةِ الْأَذَى، وَمَتَى أَنْزَلَ بِالْمُبَاشِرَةِ دُونَ الْفَرْجِ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَعَنْهُ: بَدَنَةٌ، وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ، فَأَنْزَلَ، أَوِ اسْتَمْنَى، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهَلْ هُوَ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ فَدَى بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَإِنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَجَبَ لِلْمُبَاشَرَةِ) كَالْقُبْلَةِ، وَاللَّمْسِ، وَالْوَطْءِ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَفَى الْحَجِّ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (مُلْحَقٌ بِفِدْيَةِ الْأَذَى) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الشَّاةُ الْوَاجِبَةُ فَيُخَيَّرُ فِيهَا كَمَا يُخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى لِلتَّرَفُّهِ، (وَمَتَى أَنْزَلَ بِالْمُبَاشِرَةِ دُونَ الْفَرْجِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ، (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) جَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْهُمُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ هَتَكَ إِحْرَامَهُ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ كَالطِّيبِ، (وَعَنْهُ: بَدَنَةٌ) نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ كَالْوَطْءِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَسَوَاءٌ مَذَى أَوْ لَمْ يُمْذِ، وَاللَّمْسُ لِشَهْوَةٍ كَالْقُبْلَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِكَوْنِهِ اسْتِمْتَاعًا يُلْتَذُّ بِهِ. (وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ) أَيْ: أَمْنَى (أَوِ اسْتَمْنَى فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ هَتَكَ إِحْرَامَهُ بِذَلِكَ، أَشْبَهُ مَا لَوْ أَنْزَلَ بِالْمُبَاشِرَةِ، (وَهَلْ هُوَ بَدَنَةٌ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَنَصَّ عَلَيْهِ، فِيمَا إِذَا أَمْنَى بِتَكْرَارِ النَّظَرِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ كَالْقُبْلَةِ، (أَوْ شَاةٌ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ إِنْزَالٌ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ فَوَجَبَتْ كَالْإِنْزَالِ بِاللَّمْسِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) هُمَا قَوْلَانِ لِابْنِ عَبَّاسٍ، (وَإِنْ مَذَى بِذَلِكَ) أَيْ: بِتَكْرَارِ النَّظَرِ أَوِ الِاسْتِمْنَاءِ (فَعَلَيْهِ شَاةٌ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَالْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمَنِيِّ لِكَوْنِهِ خَارِجًا بِسَبَبِ الشَّهْوَةِ، وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِهِ لَذَّةٌ فَهُوَ كَاللَّمْسِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " أَوْ مَذَى بِنَظْرَةٍ فَكَذَلِكَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ خِلَافُهُ، وَفِي " الْكَافِي ": لَا فِدْيَةَ بِمَذْيٍ بِتَكْرَارِ نَظَرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ تَخْرِيجٌ، وَلَا هَدْيَ بِغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ إِنْ مَذَى بِاسْتِمْتَاعِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً: يَفْدِي بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ أَنْزَلَ أَوْ لَا، وَمُرَادُهُ: إِنْ كَرَّرَهُ، وَأَخَذَهَا مِنْ نَقْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 فَصْلٌ وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ مِثْلَ أَنْ حَلَقَ ثُمَّ حَلَقَ، أَوْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنِ الْأَوَّلِ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ، لَزِمَهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ، وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ   [المبدع في شرح المقنع] الْأَثْرَمِ فِيمَنْ جَرَّدَ امْرَأَتَهُ، وَلَمْ يَكُنِ مِنْهُ غَيْرُ التَّجْرِيدِ: عَلَيْهِ شَاةٌ، وَحَمَلَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " عَلَى أَنَّهُ لَمْسٌ، فَإِنَّ التَّجْرِيدَ لَا يَخْلُو عَنْ لَمْسِ ظَاهِرٍ أَوْ أَنَّهُ أَمْنَى أَوْ أَمْذَى إِذْ مُجَرَّدُهُ لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَنْظُرُ إِلَى نِسَائِهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ، (وَإِنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ يَعْرِضُ لِلْمَرْءِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةٍ وَلَا اخْتِيَارٍ؛ لِأَنَّهُ دُونَ النَّظَرِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ: حُكْمُهُ حُكْمُ تَكْرَارِ النَّظَرِ إِذَا اقْتَرَنَ بِهِ الْإِنْزَالُ لِقُدْرَتِهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ هُنَا لِذِكْرِ النِّسْيَانِ، وَذَكَرَهُ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ، وَالْمَذْهَبُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِدِ، وَالنَّاسِي، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ نِسْيَانٌ غَالِبًا، وَيُفْسِدُ الْعِبَادَةَ أَيْ: الصَّوْمَ بِمُجَرَّدِهِ، وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ كَالنَّاسِي، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ مَعَ سَهْوِهِ. [حُكْمُ تَكَرُّرِ الْمَحْظُورِ مَنْ جِنْسٍ] فَصْلٌ (وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ مِثْلَ أَنْ حَلَقَ، ثُمَّ حَلَقَ، أَوْ وَطِئَ، ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنِ الْأَوَّلِ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ سَوَاءٌ تَابَعَهُ أَوْ فَرَّقَ أَوْ وَطِئَهَا أَوْ غَيْرَهَا. فَظَاهِرُهُ لَوْ قَلَّمَ خَمْسَةَ أَظْفَارٍ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ لَزِمَهُ دَمٌ قَالَهُ الْقَاضِي، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا بُنِيَتِ الْجُمْلَةُ فِيهِ عَلَى الْجُمْلَةِ فِي تَدَاخُلِ الْفِدْيَةِ كَذَا الْوَاحِدُ عَلَى الْوَاحِدِ فِي تَكْمِيلِ الدَّمِ، وَلِأَنَّ مَا تَدَاخَلَ مُتَتَابِعًا تَدَاخَلَ مُتَفَرِّقًا كَالْأَحْدَاثِ وَالْحُدُودِ، وَلِأَنَّهُ - تَعَالَى - أَوَجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِدْيَةً، وَلَمْ يُفَرِّقْ، (وَإِنْ كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ إِحْرَامًا فَوَجَبَتْ كَالْأَوَّلِ، وَيُعْتَبَرُ بِالْحُدُودِ، وَالْأَيْمَانِ، وَعَنْهُ: لِكُلِّ وَطْءٍ كَفَّارَةٌ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 صَيْدٍ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُمَا، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَإِنْ فَعَلَ مَحْظُورًا مِنْ أَجْنَاسٍ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِدَاءٌ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ أَوْ وَطِئَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَامِدًا أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهَا، كَالْأَوَّلِ فَيَطَّرِدُ فِي غَيْرِهِ، وعَنْهُ. وَإِنْ تَعَدَّدَ سَبَبُ الْمَحْظُورِ فَلَبِسَ لِلْحَرِّ، ثُمَّ لِلْبَرْدِ، ثُمَّ لِلْمَرَضِ فَكَفَّارَاتٌ، وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إِذَا لَبِسَ وَغَطَّى رَأْسَهُ مُتَفَرِّقًا، فَكَفَّارَتَانِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَرِوَايَتَانِ. (وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُمَا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ صَيْدًا لَزِمَهُ مِثْلُهُ، وَمَنْ قَتَلَ أَكْثَرَ، لَزِمَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صُيُودًا مَعًا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ، فَكَذَا مُتَفَرِّقًا، بَلْ أَوْلَى، وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ كَقَتْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ بَدَلُ مُتْلَفٍ كَبَدَلِ مَالِ الْآدَمِيِّ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] وَلَمْ يُوجِبْ جَزَاءً ثَانِيًا، وَلِأَنَّهُ مَحْظُورٌ أَشْبَهَ غَيْرَهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا تَتَعَدَّدُ إِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنِ الْأَوَّلِ، وَنَقَلَ أَيْضًا: إِنْ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ ثَانِيًا فَلَا جَزَاءَ، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعُقُوبَةِ فِي الثَّانِي لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ لِقَوْلِهِ {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] وَلِلْعَامِدِ مَا سَلَفَ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، بَلْ وَقِيَاسُهُ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ مُقَدَّرٌ بِهِ، وَيَخْتَلِفُ بِكِبَرِهِ وَصِغَرِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. (وَإِنْ فَعَلَ مَحْظُورًا مِنْ أَجْنَاسٍ) كَحَلَقَ وَلَبِسَ وَطَيَّبَ (فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِدَاءٌ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ مَحْظُورٍ فَلَمْ يَتَعَدَّدْ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَتْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَمُوجِبَاتُهَا مُخْتَلِفَةٌ كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَقِيلَ: إِنْ قَرُبَ الْوَقْتُ لَمْ يَتَعَدَّدِ الْفِدَاءُ، وَإِلَّا تَعَدَّدَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْمَحْظُورَاتُ تَتَّحِدُ كَفَّارَتُهَا فَإِنْ تَعَدَّدَتْ فَلَا تَدَاخُلَ. (وَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ أَوْ، وَطِئَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَامِدًا أَوْ مُخْطِئًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) نَصَّ عَلَيْهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 مُخْطِئًا، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَعَنْهُ فِي الصَّيْدِ: لَا كَفَّارَةَ إِلَّا فِي الْعَمْدِ وَيَتَخَرَّجُ فِي الْحَلْقِ مِثْلُهُ. وَإِنْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ نَاسِيًا، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ فَاسْتَوَى عَمْدُهُ، وَسَهْوُهُ كَإِتْلَافِ مَالِ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ حَلَقَ لِأَذًى بِهِ، وَهُوَ مَعْذُورٌ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى مَعْذُورٍ بِنَوْعٍ آخَرَ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَجِبُ الْفِدْيَةُ عَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا بِالْكِتَابِ، وَمُخْطِئًا بِالسُّنَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْبَأَنَا سَعِيدٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: فَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَيَغْرَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ يُعَظِّمُ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَمَضَتْ بِهِ السُّنَنُ. وَقَالَ عُمَرُ: لِيَحْكُمْ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ، وَالْعَمْدِ. رَوَاهُ النَّجَّادُ. (وَعَنْهُ: فِي الصَّيْدِ: لَا كَفَّارَةَ إِلَّا فِي الْعَمْدِ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا يَشْغَلُهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْجَبَ فِيهِ الْجَزَاءَ، وَفِي بَيْضِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ. وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّهَا حُجَّةٌ لَنَا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَسِيَ الْإِحْرَامَ فَقَتَلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا، لَزِمَهُ الْجَزَاءُ، وَعِنْدَهُمْ لَا يَلْزَمُهُ، وَخَصَّ الْعَمْدَ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ الْوَعِيدِ فِي آخِرِهَا، وَلِأَنَّ مَا سَبَقَ أَخَصُّ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ، وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ دُونَ الْعَمْدِ، وَهُوَ غَرِيبٌ. (وَيَتَخَرَّجُ فِي الْحَلْقِ مِثْلُهُ) هَذَا وَجْهٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ، أَيْ: لَا تَجُبِ الْكَفَّارَةُ إِلَّا فِي الْعَمْدِ لِعُمُومِ " إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ "، وَلِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِسَبَبٍ فِي إِحْرَامِهِ أَشْبَهَ الصَّيْدَ، وَقَصَرَ الْمُؤَلِّفُ التَّخْرِيجَ فِي الْحَلْقِ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الثَّانِي مِثْلُهُ. فَرْعٌ: الْمُكْرَهُ عِنْدَنَا كَالْمُخْطِئِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، (وَإِنْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ نَاسِيًا) أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا، (فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ: عَبْدُ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيُّ رَوَيْتُهُ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. . . . . . وَذَكَرَهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وَمَنْ رَفَضَ إِحْرَامَهُ، ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا، فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ. وَمِنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ فِي بَدَنِهِ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ فِي إِحْرَامِهِ. وَلَيْسَ لَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ، وَإِنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ فَأَمَرَهُ بِخَلْعِهَا وَغَسْلِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِفِدْيَةٍ» ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ جَرِيمَةَ الْإِحْرَامِ فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْحَالِقَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لَا يُمْكِنُ تَلَافِي مَا فَعَلَهُ بِخِلَافِ اللَّابِسِ، وَالْمُتَطَيِّبِ، وَالْمُغَطِّي رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِإِزَالَتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَمْدَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، لَكِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ خَطَأٌ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ، (وَمَنْ رَفَضَ إِحْرَامَهُ) أَيْ: قَطَعَ مِنْهُ النُّسُكَ، (ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا) فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالرَّفْضِ وِفَاقًا، لِكَوْنِ أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ. فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ مَا فَعَلَهُ فِي الْمَحْظُورِ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ الْإِحْرَامَ كَفِعْلِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الرَّفْضِ، وَعَنْهُ: كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ". وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَفْضِهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ لَمْ تُفِدْ شَيْئًا، وَفِي التَّرْغِيبِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": يَلْزَمُهُ دَمٌ لِرَفْضِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِالْجُنُونِ، وَالْإِغْمَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهَيْنِ، وَفِي مُفْرَدَاتِهِ مَبْنَاهُ عَلَى التَّوْسِعَةِ، وَسُرْعَةُ الْحُصُولِ فَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا انْعَقَدَ، وَحُكْمُهُ كَالصَّحِيحِ، (وَمَنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ فِي بَدَنِهِ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ فِي إِحْرَامِهِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتَدَامَتُهُ، لَكِنْ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِنْ طَيَّبَ ثَوْبَهُ لَهُ لُبْسُهُ مَا لَمْ يَنْزِعْهُ عَنْهُ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنِ ابْتِدَاءِ الطِّيبِ دُونَ اسْتَدَامَتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ اسْتِدَامَةِ لُبْسِ الْمُطَيَّبِ، (وَلَيْسَ لَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ) أَيْ: بَعْدَ إِحْرَامِهِ؛ لِقَوْلِهِ: «لَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانُ» (وَإِنْ أَحْرَمَ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ) أَوْ سَرَاوِيلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 قَمِيصٌ، خَلَعَهُ وَلَمْ يَشُقُّهُ فَإِنِ اسْتَدَامَ لُبْسُهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا كَانَ مُطَيَّبًا، وَانْقَطَعَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ إِذَا رَشَّ فِيهِ مَاءً، هَاجَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.   [المبدع في شرح المقنع] أَوْ جُبَّةٌ، وَلَوْ عَبَرَ بِالْمَخِيطِ لَعَمَّ (خَلَعَهُ وَلَمْ يَشُقُّهُ) لِحَدِيثِ يَعْلَى، وَلَوْ وَجَبَ شَقُّهَا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ لَأَمَرَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَلِمَا فِي الشَّقِّ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا (فَإِنِ اسْتَدَامَ لُبْسُهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) ؛ لِأَنَّ خَلْعَهُ وَاجِبٌ، لِلْأَمْرِ بِهِ فَوَجَبَتِ الْفِدْيَةُ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَلِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ تُسَمَّى لُبْسًا لِقَوْلِهِمْ لَبَسْتُ شَهْرًا. لَا يُقَالُ قَدْ أَمَرَهُ بِغَسْلِ الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ، وَرَدَ مَا يَقْتَضِي اسْتِدَامَةَ الطِّيبِ دُونَ لُبْسِهِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ رَاجِعٌ عَلَى حَدِيثِ صَاحِبِ الْجُبَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ عَلَيْهِ جُبَّةٌ بِهَا أَثَرُ الْخَلُوقِ، وَفِي بَعْضِهَا، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ، وَفِي بَعْضِهَا «عَلَيْهِ رَدَعٌ مِنْ زَعْفَرَانَ» فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطِّيبَ كَانَ مِنْ زَعْفَرَانَ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ فَفِيهِ أَوْلَى؛ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ، الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ عَامَ الْجِعْرَانَةِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ سَنَةَ عَشْرٍ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ، وَالْحُكْمُ لَهُ. (وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا كَانَ مُطَيَّبًا، وَانْقَطَعَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ إِذَا رَشَّ فِيهِ مَاءً هَاجَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) ؛ لِأَنَّهُ مُطَيَّبٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ رَائِحَتَهُ تَظْهَرُ عند رَشَّ الْمَاءَ، والماء لَا رَائِحَةَ لَهُ أَشْبَهُ مَا لَوْ ظَهَرَ بِنَفْسِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ رِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ الْآنَ، أَشْبَهَ الَّذِي لَمْ يَتَطَيَّبْ أَصْلًا. تَنْبِيهٌ: الْقَارِنُ كَغَيْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَنَّهُمَا حُرْمَتَانِ كَحُرْمَةِ الْحَرَمِ، وَحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ إِحْرَامَانِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ، وَحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ النُّسُكِ، وَنِيَّةَ الْحَجِّ غَيْرُ نِيَّةِ الْعُمْرَةِ، وَاخْتَارَ جَمْعٌ أَنَّهُ إِحْرَامٌ وَاحِدٌ كَبَيْعِ دَارٍ وَعَبْدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ بِفِعْلِ الْمَحْظُورِ جَزَاءَانِ ذَكَرَهَا فِي " الْوَاضِحِ " وَذَكَرَ الْقَاضِي تَخْرِيجًا إِنْ لَزِمَهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ، وَخَصَّهَا ابْنُ عَقِيلٍ بِالصَّيْدِ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِإِحْرَامٍ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَكَمَا لَوْ وَطِئَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 فَصْلٌ وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إِطْعَامٍ، فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ إِنْ قَدَرَ عَلَى إِيصَالِهِ إِلَيْهِمْ إِلَّا فِدْيَةَ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَنَحْوِهَا إِذَا وُجِدَ سَبَبُهَا فِي الْحِلِّ، فَيُفَرِّقُهَا حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهَا. وَدَمُ   [المبدع في شرح المقنع] [كُلُّ هَدْيٍ أَوْ إِطْعَامٍ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ] فَصْلٌ (وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إِطْعَامٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْحَرَمِ أَوِ الْإِحْرَامِ (فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ إِنْ قَدَرَ عَلَى إِيصَالِهِ إِلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَقَوْلِهِ {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَيَجِبُ نَحْرُهُ بِالْحَرَمِ، وَيُجْزِئُ جَمِيعُهُ قَالَ: أَحْمَدُ: مَكَّةُ وَمِنًى وَاحِدٌ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فِي رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ الَّتِي عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «كُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ» وَفِي " الْفُرُوعِ " تَوْجِيهٌ: لَا يُنْحَرُ فِي الْحَجِّ إِلَّا بِمِنًى، وَلَا فِي الْعُمْرَةِ إِلَّا بِمَكَّةَ، وَيَجِبُ تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ بِالْحَرَمِ أَوْ إِطْلَاقُهُ لِمَسَاكِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ كَالذَّبْحِ، وَالتَّوْسِعَةُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَةٌ، فَلَوْ سَلَّمَهُ لِلْفُقَرَاءِ سَلِيمًا فَذَبَحُوهُ أَجْزَأَ، وَإِلَّا اسْتَرَدَّهُ، وَنَحَرَهُ، فَإِنْ أَبَى أَوْ عَجَزَ ضَمِنَهُ، وَالطَّعَامُ كَالْهَدْيِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " الْهَدْيُ وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ، وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إِلَى الْمَسَاكِينِ فَاخْتُصَّ بِهِمْ كَالْهَدْيِ، وَمَسَاكِينُ الْحَرَمِ مَنْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُجْتَازًا مِنَ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ بَانَ بَعْدَ الدَّفْعِ غِنَاهُ فَكَالزَّكَاةِ، وَمَا جَازَ تَفْرِيقُهُ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ إِلَى فُقَرَاءِ الذِّمَّةِ كَالْحَرْبِيِّ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُغَدِّيَ الْمَسَاكِينَ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ إِنْ جَازَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ فِيهِ احْتِمَالَانِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إِيصَالُهُ إِلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ، وَتَفْرِيقُهُ فِي غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] (إِلَّا فِدْيَةَ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَنَحْوِهَا) كَالتَّقْلِيمِ، وَالطِّيبِ (إِذَا وُجِدَ سَبَبُهَا فِي الْحِلِّ فَيُفَرِّقُهَا حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهَا) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ كَعْبًا بِهَا بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَهِيَ فِي الْحِلِّ، وَاشْتَكَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَأْسَهُ فَحَلَقَهُ عَلِيٌّ، وَنَحَرَ عَنْهُ جَزُورًا بِالسُّقْيَا. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْحَرَمِ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ: فِي غَيْرِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ خُولِفَ فِيهِ لِمَا سَبَقَ، وَاعْتَبَرَ فِي " الْمُجَرَّدِ " وَ " الْفُصُولِ " الْعُذْرَ فِي الْمَحْظُورِ، وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمَعْذُورِ كَسَائِرِ الْهَدْيِ، وَعَنْهُ: فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ حَيْثُ قَتَلَهُ كَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ لِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ. فَرْعٌ: وَقْتُ ذَبْحِهِ حِينَ فِعْلِهِ، وَلَهُ الذَّبْحُ قَبْلَهُ لِعُذْرٍ كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ. (وَدَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 الْإِحْصَارِ يُخْرِجُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ، وَأَمَّا الصِّيَامُ، فَيُجْزِئُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ وَكُلُّ دَمٍ ذَكَرْنَاهُ يُجْزِئُ فِيهِ شَاةٌ أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ. وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ.   [المبدع في شرح المقنع] الْإِحْصَارِ يُخْرِجُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ) مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أُحْصِرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ نَحَرُوا هَدْيَهُمْ، وَحَلُّوا، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ فَكَانَ مَوْضِعَ ذَبْحِهِ كَالْحَرَمِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَطْرَافِ الْحَرَمِ فَوَجْهَانِ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لِلْمُحْصَرِ نَحْرُ هَدْيِهِ إِلَّا فِي الْحَرَمِ فَيَبْعَثُهُ إِلَى الْحَرَمِ، وَيُوَاطِئُ رَجُلًا عَلَى نَحْرِهِ فِي وَقْتِ تَحَلُّلِهِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ النَّحْرُ فِي الْحَرَمِ أَشْبَهُ مَا لَوْ حُصِرَ فِيهِ، وَحَمَلَهُ فِي " الْمُغْنِي " عَلَى مَا إِذَا كَانَ حَصْرُهُ خَاصًّا، وَأَمَّا الْحَصْرُ الْعَامُّ فَلَا، وَقَوْلُهُ {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَقَوْلُهُ {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] فِي حق غير الْمُحْصَرِ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَحَلُّلَ الْمَحْصَرِ مِنَ الْحِلِّ، وَتَحَلُّلَ غَيْرِهِ مِنَ الْحَرَمِ فَكَلٌّ يَنْحَرُ فِي مَوْضِعِ تَحَلُّلِهِ. (وَأَمَّا الصِّيَامُ) وَالْحَلْقُ وَهَدْيُ تَطَوُّعٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَمَا سُمِّيَ نُسُكًا (فَيُجْزِئُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الصَّوْمُ حَيْثُ شَاءَ لِعَدَمِ تَعَدِّي نَفْعِهِ، وَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ بِمَكَانٍ بِخِلَافِ الْهَدْيِ. (وَكُلُّ دَمٍ ذَكَرْنَاهُ يُجْزِئُ فِيهِ شَاةٌ أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، وَفَسَّرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النُّسُكَ فِي خَبَرِ كَعْبٍ بِذَبْحِ شَاةٍ، وَالْبَاقِي مَقِيسٌ، فَإِنِ اخْتَارَ ذَبْحَ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَرُ لَحْمًا، وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ، وَيَلْزَمُهُ كُلُّهَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَمَا لَوِ اخْتَارَ الْأَعْلَى مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَقِيلَ: سُبُعُهَا، وَالْبَاقِي لَهُ أَكْلُهُ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَذَبْحِ سَبْعِ شِيَاهٍ، وَهُوَ كَالْأُضْحِيَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَلَا يُجْزِئُ مَا لَا يُضَحَّى بِهِ. [تُجْزِئُ الْبَقَرَةُ مَكَانَ الْبَدَنَةِ] (وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ فَقِيلَ لَهُ: وَالْبَقَرَةُ؟ فَقَالَ: وَهَلْ هِيَ إِلَّا مِنَ الْبُدْنِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَبِعَكْسِهَا. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ مَنْذُورَةً، وَنَصَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَرِوَايَتَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَهُوَ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا: مَالَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ، فَيَجِبُ فِيهِ مِثْلُهُ، وَهُوَ نَوْعَانِ:   [المبدع في شرح المقنع] إِحْدَاهُمَا: يُجْزِئُهُ بَقَرَةٌ، وَالثَّانِيَةُ: يُجْزِئُهُ مَعَ عَدَمِ الْبَدَنَةِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَإِنْ كَانَتْ جَزَاءَ صَيْدٍ أَجْزَأَتْ أَيْضًا، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُشْبِهُ النَّعَامَةَ، وَيُجْزِئُ عَنْهَا سَبْعُ شِيَاهٍ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُولَةٌ بِسُبُعٍ بدنة، وَهِيَ دَمٌ كَامِلٌ، وَأَطْيَبُ لَحْمًا، وَعَنْهُ: ثُمَّ عَدِمَهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُ إِلَّا عَشْرُ شِيَاهٍ لِقَوْلِ رَافِعٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْعَلُ فِي قَسْمِ الْغَنَمِ عَشْرًا مِنَ الشِّيَاهِ بِبَعِيرٍ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ: الْخَلَّالُ، وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَمَنْ لَزِمَهُ سَبْعُ شِيَاهٍ أَجْزَأَهُ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " لِإِجْزَائِهِمَا عَنْ سَبْعَةٍ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إِلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَفِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ أَطْيَبُ، وَالْبَقَرَةُ كَالْبَدَنَةِ فِي إِجْزَاءِ سَبْعِ شِيَاهٍ عَنْهَا [بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ] [مَا قَضَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ في جزاء الصيد] بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَهُوَ وَاجِبٌ، لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَجَزَاءٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ، وَمَنْ نَوَّنَ " جَزَاءٌ " - وَقُرِئَ بِهِ فِي السَّبْعَةِ - فَـ " مِثْلُ " صِفَةٌ، " و {مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] " صِفَةٌ أُخْرَى لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " مِثْلُ " بَدَلًا، وَقُرِئَ شَاذًّا بِنَصْبِ " مِثْلُ " أَيْ: يُخْرِجُ مِثْلَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ، وَقُرِئَ بِإِضَافَةِ الْجَزَاءِ إِلَى " مِثْلِ " فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الزَّائِدِ كَقَوْلِهِمْ: مِثْلُكَ لَا يَبْخَلُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ " {مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] " بِقَوْلِهِ " فَجَزَاءٌ " إِنْ نَصَبْتَ " مِثْلًا " لِعَمَلِهِ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ صِلَتِهِ لَا إِنْ رَفَعْتَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ صِلَتِهِ، وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ بِصِفَةٍ أَوْ بَدَلٍ، وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِهِ إِنْ أَضَفْتَهُ، وَيَجُوزُ جَعْلُهُ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ " قَتَلَ "؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ يَكُونُ مِنَ النَّعَمِ، " و {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] " صِفَةٌ لِجَزَاءٍ إِذَا نَوَّنْتَهُ، وَإِذَا أَضَفْتَهُ فَفِي مَوْضِعِ حَالٍ عَامِلُهَا مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ الْمُقَدَّرِ فِي الْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ. (وَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَالَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةَ الْمُمَاثَلَةِ فَإِنَّهَا لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 أَحَدُهُمَا قَضَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ، فَفِيهِ مَا قَضَتْ فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرَتِهِ وَالْإِيَّلِ وَالثَّيْتَلِ وَالْوَعْلِ بَقَرَةٌ، وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ وَفِي الْغَزَالِ وَالثَّعْلَبِ عَنْزٌ،   [المبدع في شرح المقنع] تَتَحَقَّقُ بَيْنَ الْأَنْعَامِ وَالصَّيْدِ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهَا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ (فَيَجِبُ فِيهِ مِثْلُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، (وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: قَضَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ كُلَّهُمْ (فَفِيهِ: مَا قَضَتْ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» وَلِقَوْلِهِ «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: «اقْتَدَوْا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ» ، وَلِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَأَعْرَفُ بِمَوَاقِعِ الْخِطَابِ، فَكَانَ حُكْمُهُمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ كَالْعَالِمِ مَعَ الْعَامِّيِّ، فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ حَكَمَ بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْبَعِيرَ فِي خَلْقِهِ، فَكَانَ مِثْلًا لَهَا، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ، وَجَعَلَهَا الْخِرَقِيُّ مِنْ أَقْسَامِ الطَّيْرِ؛ لِأَنَّ لَهَا جَنَاحَيْنِ فَيُعَايَا بِهَا، فَيُقَالُ: طَائِرٌ تَجِبُ فِيهِ بَدَنَةٌ، (وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ) بَقَرَةٌ، قَضَى بِهِ عُمَرُ، وَقَالَهُ عُرْوَةُ، وَمُجَاهِدٌ؛ لِأَنَّهَا شَبِيهٌ بِهِ، وَعَنْهُ: بَدَنَةٌ، وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، (وَبَقَرَتِهِ) أَيْ: فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ قَضَى بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ، وَعَنْهُ: لَا جْزَاءَ لِبَقَرَةِ وَحْشٍ، كَجَامُوسٍ، (وَالْإِيَّلِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ مُشَدَّدَةً: الذَّكَرُ مِنَ الْأَوْعَالِ فِيهِ بَقَرَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، (وَالثَّيْتَلِ) هُوَ الْوَعِلُ الْمُسِنُّ، (وَالْوَعْلِ) هُوَ تَيْسُ الْجَبَلِ وَجَمْعُهُ: وُعُولٌ (بَقَرَةٌ) قَالَ الْأَصْحَابُ: كَالْإِيَّلِ، وَعَنْهُ: فِي كُلٍّ مِنْهَا بَدَنَةٌ، ذَكَرَهَا فِي " الْوَاضِحِ " وَفِي " صِحَاحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 وَفِي الْوَبْرِ وَالضَّبِّ جَدْيٌ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ،   [المبدع في شرح المقنع] الْجَوْهَرِيِّ " وَالْوَعْلُ هِيَ: الْأَرْوَى، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: فِيهَا بَقَرَةٌ، وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ الْبَقَرة: مَا بَلَغَ أَنْ يُقْبَضَ عَلَى قَرْنِهِ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ ثَوْرًا، (وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ «عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلَتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الضَّبُعِ، فَقَالَ: هُوَ صَيْدٌ وَفِيهِ كَبْشٌ إِذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ، وَنَحْوِهِ مَرْفُوعًا، وَقَضَى بِهِ عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ الْعُلَمَاءُ بِالشَّامِ يَعُدُّونَهَا مِنَ السِّبَاعِ، وَيَكْرَهُونَ أَكْلَهَا، قَالَ: فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَهُوَ الْقِيَاسُ إِلَّا أَنَّ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ، وَالْآثَارِ أَوْلَى، (وَفِي الْغَزَالِ) عَنْزٌ قَضَى بِهِ عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَبَهًا بِالْعَنْزِ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَدُ الشَّعْرِ مُتَقَلِّصُ الذَّنَبِ، (وَالثَّعْلَبِ عَنْزٌ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَزَالِ، وَسَبَقَ أَنَّ الْأَشْهَرَ يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ حَرَّمْنَا أَكْلَهُ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، كَمَا وَجَبَ الْجَزَاءُ فِي الْمُتَوَلَّدِ مِنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: فِيهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنَ الْغَزَالِ إِذَا قُلْنَا بِإِبَاحَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، (وَفِي الْوَبْرِ) بِسُكُونِ الْبَاءِ دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ مِنَ السِّنَّوْرِ طَحْلَاءُ، وَلَا ذَنَبَ لَهَا، (وَالضَّبُّ) حَيَوَانٌ صَغِيرٌ لَهُ ذَنَبٌ شَبِيهٌ بِالْحِرْذَوْنِ (جَدْيٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الضَّبِّ، وَعَنْهُ: شَاةٌ، وَقَالَهُ جَابِرٌ وَعَطَاءٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَدْيَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الشَّاةِ، وَأَمَّا الْوَبْرُ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الضَّبِّ، وَفِي " الْمُغْنِي ": فِيهِ شَاةٌ، وَحَكَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ جَفْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْبَرَ مِنْهَا (وَفِي الْيَرْبُوعِ) قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: هُوَ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ، وَقِيلَ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْفَأْرِ (جَفْرَةٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٌ، وَهِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ (لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: هِيَ الَّتِي فُطِمَتْ، وَرَعَتْ (وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْهُ، وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - – الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 وَفِي الْحَمَامِ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ شَاةٌ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُلُّ مُطَوَّقٍ حَمَامٌ. النَّوْعُ الثَّانِي: مَا لَمْ تَقْضِ فِيهِ الصَّحَابَةُ، فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَهُمَا، وَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحِ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ: فِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْعَنَاقُ: الْأُنْثَى مَنْ وَلَدِ الْمَعْزِ أَصْغَرُ مِنَ الْجَفْرَةِ (وَفِي الْحَمَامِ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ شَاةٌ) حَكَمَ بِهِ عُمَرُ، وَابْنُهُ، وَعُثْمَانُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ الْأَصْحَابُ: هُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ لِمَا سَبَقَ وَلِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالسِّعْرِ وَصِفَةِ الْمُتْلَفِ وَلَمْ يُوصَفْ، وَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْهُ، مَعَ أَنَّ مَالِكًا، وَافَقَ فِي حَمَامِ الْحَرَمِ دُونَ الْإِحْرَامِ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي الْقِيمَةَ فِي كُلِّ طَيْرٍ تَرَكْنَاهُ فِي حَمَامِ الْحَرَمِ لِمَا تَقَدَّمَ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ قُلْنَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَضَى فِي حَمَامَةٍ حَالَ الْإِحْرَامِ بِشَاةٍ؛ لِأَنَّهَا حَمَامَةٌ مَضْمُونَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ فَضُمِّنَتْ بِشَاةٍ كَحَمَامَةِ الْحَرَمِ، وَقَوْلُهُ: كُلُّ مَا عَبَّ. بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: وَضَعَ مِنْقَارَهُ فِي الْمَاءِ فَيَكْرَعُ كَمَا تَكْرَعُ الشَّاةُ، وَلَا يَأْخُذُ قَطْرَةً قَطْرَةً كَالدَّجَاجِ وَالْعَصَافِيرِ. وَهَدَرَ أَيْ صَوَّتَ، وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا فِيهِ شَاةً لِشَبَهِهِ فِي كَرْعِ الْمَاءِ، وَلَا يَشْرَبُ كَبَقِيَّةِ الطُّيُورِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَنَدِي: كُلُّ طَيْرٍ يَعُبُّ الْمَاءَ كَالْحَمَامِ فِيهِ شَاةٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْفَوَاخِتُ، وَالْقَمَرِيُّ، وَالْقَطَا، وَنَحْوُهَا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّيهَا حَمَامًا، (وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُلُّ مُطَوَّقٍ حَمَامٌ) فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَجَلُ مِنَ الْحَمَامِ؛ لِأَنَّهُ مُطَوَّقٌ. [مَا لَمْ تَقْضِ فِيهِ الصَّحَابَةُ في جزاء الصيد] (النَّوْعُ الثَّانِي: مَا لَمْ تَقْضِ فِيهِ الصَّحَابَةُ) بِشَيْءٍ (فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] . وَظَاهِرُهُ لَا يَكْفِي وَاحِدٌ، (مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْحُكْمِ بِالْمِثْلِ إِلَّا بِهَا، وَلِاعْتِبَارِهَا بِكُلِّ مَا يُحْكَمُ بِهِ فَيَعْتَبِرَانِ الشَّبَهَ خِلْقَةً لَا قِيمَةً لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَهُمَا) نَصَّ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْجَرَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ صَادَهُمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَتَقْوِيمِهِ عَرْضَ التِّجَارَةِ لِإِخْرَاجِهَا، وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا الْقَاتِلَيْنِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِمَا إِذَا قَتَلَهُ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ يُنَافِي الْعَدَالَةَ أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ لِعَدَمِ فِسْقِهِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَعَلَى قِيَاسِهِ قَتَلَهُ لِحَاجَةِ أَكْلِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 وَالْمَعِيبِ مِثْلُهُ إِلَّا الْمَاخِضَ تُفْدَى بِقِيمَةِ مِثْلِهَا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ فِيهَا مِثْلُهَا وَيَجُوزُ فِدَاءُ أَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ بِأَعْوَرَ مِنْ أُخْرَى، وَفِدَاءُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى، وَفِي فِدَائِهَا بِهِ وَجْهَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ) وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحَائِلِ (مِثْلُهُ) لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْيَدِ، وَالْجِنَايَةِ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ كَالْبَهِيمَةِ، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي الزَّكَاةِ يَضَمَنُ مَعِيبًا بِصَحِيحٍ، ذَكَرَهُ الْحُلْوَانِيُّ، وَخَرَّجَهُ فِي " الْفُصُولِ " احْتِمَالًا مِنَ الرِّوَايَةِ هُنَاكَ، وَفِيهَا يَتَعَيَّنُ الْكَبِيرُ أَيْضًا فَمِثْلُهُ هُنَا. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْهَدْيَ فِي الْآيَةِ مُقَيِّدٌ بِالْمَثَلِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى إِيجَابِ مَا لَا يَصْلُحُ هَدْيًا كَالْجَفْرَةِ، وَالْعَنَاقِ، وَلَا يَجْرِي مَجْرَى الضَّمَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ فِي أَبْعَاضِهِ، لَكِنْ إِنْ فَدَى الْمَعِيبَ بِصَحِيحٍ فَهُوَ أَفْضَلُ بِلَا نِزَاعٍ (إِلَّا الْمَاخِضَ) أَيِ: الْحَامِلَ الَّتِي دَنَا وَقْتُهَا، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ بَلِ الْعِبْرَةُ بِالْحَمْلِ (تُفْدَى بِقِيمَةِ مِثْلِهَا) قَالَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ لَحْمِهَا، (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ فِيهَا مِثْلُهَا) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّ إِيجَابَ الْقِيمَةِ عُدُولٌ عَنِ الْمِثْلِ مَعَ إِمْكَانِهِ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: يُفْدِي بِحَائِلٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لَا تَزِيدُ فِي لَحْمِهَا كَلَوْنِهَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا جَنَى عَلَى مَاخِضٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا ضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ فَقَطْ، كَمَا لَوْ جَرَحَهَا؛ لَأَنَّ الْحَمْلَ مِنَ الْبَهَائِمِ زِيَادَةٌ، وَفِي " الْمُبْهِجِ " إِذَا صَادَ حَامِلًا فَإِنْ تَلِفَ حَمْلُهَا ضَمِنَهُ، وَفِي " الْفُصُولِ " يَضْمَنُهُ إِنْ تَهَيَّأَ لِنَفْخِ الرُّوحِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَصِيرُ حَيَوَانًا كَمَا يَضْمَنُ جَنِينَ امْرَأَةٍ بِغُرَّةٍ، وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ جَزَاؤُهُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَمِثْلُهُ يَعِيشُ، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ إِلَى أَنْ يَطِيرَ؛ لأنه مضمون وَلَيْسَ بِمُمْتَنَعٍ. (وَيَجُوزُ فِدَاءُ أَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ بِأَعْوَرَ مِنْ أُخْرَى) ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ يَسِيرٌ، وَنَوْعُ الْعَيْبِ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ مَحَلُّهُ، وَمِثْلُهُ أَعْرَجُ مِنْ قَائِمَةٍ بِأَعْرَجَ مِنْ أُخْرَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِدَاءُ أَعْوَرَ بِأَعْرَجَ، وَعَكْسِهِ، لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، (وَفِدَاءُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى) ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَهُوَ سَائِرُ الطَّيْرِ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ إِلَّا مَا كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْحَمَامِ، فَهَلْ تَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَتْلَفْ جُزْءًا مِنْ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ قِيمَةِ مَثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا. وَإِنْ نَفَّرَ صَيْدًا فَتَلِفَ بِشَيْءٍ ضَمِنَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] وَأَرْطَبُ قَالَ: جَمَاعَةٌ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ، (وَفِي فِدَائِهَا بِهِ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الشَّرْحِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَرُ، وَهِيَ أَطْيَبُ فَيَتَسَاوَيَانِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ لَيْسَتْ مَنْ جِنْسِ زِيَادَتِهَا، أَشْبَهَ فِدَاءَ الْمَعِيبِ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ، وَكَالزَّكَاةِ. [مَا لَا مِثْلَ لَهُ] فَصْلٌ (الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا مِثْلَ لَهُ، وَهُوَ سَائِرُ الطَّيْرِ) إِذَا كَانَ دُونَ الْحَمَامِ (فَفِيهِ قِيمَتُهُ) لِمَا رَوَى النَّجَّادُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا أُصِيبَ مِنَ الطَّيْرِ دُونَ الْحَمَامِ فَفِيهِ الدِّيَةُ أَيْ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي أَتْلَفَهُ فِيهِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ (إِلَّا مَا كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْحَمَامِ) كَالْكُرْكِيِّ، وَالْأوزِّ، وَالْحُبَارَى (فَهَلْ تَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الشَّرْحِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ تَرَكْنَاهُ فِي الْحَمَامِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ، وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ، بَلْ طَعَامًا، وَقِيلَ: بَلَى، وَالثَّانِي: يَجِبُ شَاةٌ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَكَالْحَمَامِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، (وَإِنْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ صَيْدٍ) أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ (فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ) إِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّ مَا ضُمِنَتْ جُمْلَتُهُ؛ ضُمِنَتْ أَبْعَاضُهُ كَالْآدَمِيِّ فَيَقَوَّمُ الصَّيْدُ سَلِيمًا، ثُمَّ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ، فَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَوَّلًا عَشَرَةً، وَثَانِيًا ثَمَانِيَةً، فَالْوَاجِبُ دِرْهَمَانِ (أَوْ قِيمَةُ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا) هَذَا هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ عند الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ يَشُقُّ إِخْرَاجُهُ فَيَمْتَنِعُ إِيجَابُهُ، وَلِهَذَا عَدَلَ الشَّارِعُ فِي خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ إِلَى الشَّاةِ، فَيُقَوِّمُ الْمِثْلَ سَلِيمًا بِعَشَرَةٍ مَثَلًا، وَمَعِيبًا بِسِتَّةٍ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ سِتَّةً، وَظَهَرَ بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّقْوِيمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ قَدْ يَنْقُصُ شَيْئًا لَا يَنْقُصُ الصَّيْدُ بِقَدْرِهِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى نَعَامَةٍ، قِيمَتُهَا صَحِيحَةٌ عِشْرُونَ، وَمَقْطُوعَةٌ يَدُهَا عَشْرٌ، فَالنُّقْصَانُ الرُّبْعُ، وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى مِثْلِهَا وَهِيَ الْبَدَنَةُ، فَقِيمَتُهَا مَثَلًا سَلِيمَةً مِائَةٌ، وَمَقْطُوعَةٌ يَدُهَا خَمْسُونَ فَالنُّقْصَانُ النِّصْفُ، فَلَوِ اعْتَبَرَ نَفْسَ الصَّيْدِ كَانَ الْوَاجِبُ خَمْسَةً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وَإِنْ جَرَحَهُ، فَغَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ خَبَرَهُ، فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ بِجِنَايَتِهِ. وَإِنِ انْدَمَلَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ، وَإِنْ نَتَفَ رِيشَهُ فَعَادَ، فَلَا   [المبدع في شرح المقنع] وَلَوِ اعْتَبَرَ الْمِثْلَ كَانَ الْوَاجِبُ خَمْسِينَ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ ضَمَانُ جُمْلَتِهِ بِالْمِثْلِ، وَجَبَ فِي بَعْضِ مِثْلِهِ كَالْمَكِيلَاتِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ هنا غير ثَابِتَةٌ لِوُجُودِ الْخِيَرَةِ لَهُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْمِثْلِ إِلَى عِدْلِهِ مِنَ الطَّعَامِ أَوِ الصِّيَامِ فَيَنْتَفِي الْمَانِعُ. (وَإِنْ نَفَّرَ صَيْدًا فَتَلِفَ بِشَيْءٍ ضَمِنَهُ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ فَعَلَّقَ رِدَاءَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهِ الْحَمَامُ، فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ، فَسَأَلَ مَنْ مَعَهُ فَحَكَمَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ بِشَاةٍ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَا إِنْ جَرَحَهُ فَتَحَامَلَ فَوَقَعَ فِي شَيْءٍ تَلِفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِهِ أَمَّا إِنْ نَفَّرَهُ إِلَى مَكَانٍ فَسَكَنَ بِهِ، ثُمَّ تَلِفَ فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَشْهَرِ (وَإِنْ جَرَحَهُ فَغَابَ، وَلَمْ يَعْلَمْ خَبَرَهُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ) إِذَا كَانَ الْجُرْحُ غَيْرَ مُوحٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ حُصُولَ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ فَنُقَوَّمَهُ صَحِيحًا، وَجَرِيحًا جِرَاحَةً غَيْرَ مُنْدَمِلَةٍ، فَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ سُدْسَهُ، وَهُوَ مِثْلِيٌّ فَقِيلَ: يَجِبُ سدس مِثْلُهُ، وَقِيلَ: قِيمَةُ سُدْسِ مِثْلِهِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ كُلَّهُ، فَلَوْ كَانَ مُوحِيًا وَغَابَ غَيْرَ مُنْدَمِلٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ كَقَتْلِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ: إِذَا جَرَحَهُ وَغَابَ وَجَهِلَ خَبَرَهُ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ (وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا، وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ بِجِنَايَتِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ: يَضْمَنُ كُلَّهُ إِحَالَةً لِلْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ الْمَعْلُومِ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ، فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا بِهَا، وَهَذَا أَقْيَسُ كَنَظَائِرِهِ، (وَإِنِ انْدَمَلَ) أَيْ: صَلُحَ (غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَطَّلَهُ فَصَارَ كَتَالِفٍ وَكَجُرْحٍ تَيَقَّنَ بِهِ مَوْتَهُ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ مَا نَقَصَ؛ لِئَلَّا يَجِبَ جَزَاءَانِ لَوْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ، فَلَوْ جَرْحَهُ جُرْحًا غَيْرَ مُوحٍ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ، أَوْ تَرَدَّى فَمَاتَ ضَمِنَهُ كُلَّهُ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الصَّيْدَ يُضْمَنُ مِمَّا يَضْمَنُ بِهِ الْآدَمِيُّ مِنْ مُبَاشَرَةٍ، أَوْ سَبَبٍ (وَإِنْ نَتَفَ رِيشَهُ) أَوْ شَعْرَهُ أَوْ وَبَرَهُ (فَعَادَ) بِأَنْ حَفِظَهُ وَأَطْعَمَهُ، وَسَقَاهُ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ زَالَ، أَشْبَهُ مَا لَوِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الرِّيشِ، وَكُلَّمَا قَتَلَ صَيْدًا حُكِمَ عَلَيْهِ، وَإِنِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، وَعَنْهُ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ، وَعَنْهُ: إِنْ كَفَّرُوا بِالْمَالِ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَفَّرُوا بِالصِّيَامِ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ.   [المبدع في شرح المقنع] انْدَمَلَ الْجُرْحُ (وَقِيلَ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الرِّيشِ) ؛ لِأَنَّ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ فَإِنْ صَارَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ بِنَتْفِ الرِّيشِ فَهُوَ كَالْجُرْحِ، وَإِنْ غَابَ فَفِيهِ مَا نَقَصَ لَا كُلُّ الْجَزَاءِ، (وَكُلَّمَا قَتَلَ صَيْدًا حُكِمَ عَلَيْهِ) بِجَزَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَدَّدَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالضَّمَانِ بِتَعَدُّدِ الْإِتْلَافِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِهِ هُنَا عَلَى مَا إِذَا تَعَدَّدَ قَتْلُ الصَّيْدِ، وَكَانَ الْجَزَاءُ مُخْتَلِفًا كَالْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْكَبْشِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَدَاخُلُهُ كَالْحُدُودِ، وَخَوْفًا لَهُ مِنَ التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ. فَرْعٌ: يَجُوزُ إِخْرَاجُ جَزَاءِ الصَّيْدِ بَعْدَ جُرْحِهِ، وَقَبْلَ مَوْتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ، فَجَازَ تَقْدِيمُهَا، كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ (وَإِنِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - أَوْجَبَ الْمِثْلَ بِقَتْلِهِ فَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ، وَالْقَتْلُ هُوَ الْفِعْلُ الْمُؤَدِّي إِلَى خُرُوجِ الرُّوحِ، وَهُوَ فِعْلُ الْجَمَاعَةِ، لَا كُلِّ وَاحِدٍ، كَقَوْلِهِ: مَنْ جَاءَ بِعَبْدِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، فَجَاءَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ فِي الضَّبُعِ كَبْشًا، وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يُعَرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّهُ جَزَاءٌ عَنْ مَقْتُولٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ، وَيُحْتَمَلُ التَّبْعِيضُ فَكَانَ وَاحِدًا كَقِيَمِ الْمَتْلَفَاتِ، وَكَذَا الدِّيَةُ لَا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَمَتَى ثَبَتَ اتِّحَادُ الْجَزَاءِ فِي الْهَدْيِ ثَبَتَ فِي الصَّوْمِ لِلنَّصِّ (وَعَنْهُ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، أَشْبَهَ كَفَّارَةَ قَتْلِ الْآدَمِيِّ، (وَعَنْهُ: إِنْ كَفَّرُوا بِالْمَالِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِكَفَّارَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلُ مُتْلَفٍ فَلَمْ يُكَمَّلْ كَالدِّيَةِ، (وَإِنْ كَفَّرُوا بِالصِّيَامِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ) نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ، وَنَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وذكرها الحلواني عَنِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ كَفَّارَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكَمُلَ فِي حَقِّ الْفَاعِلِ، كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ - تَعَالَى - عَطَفَ عَلَى الْبَدَلِ الْكَفَّارَةَ، وَقِيلَ: لَا جَزَاءَ عَلَى مُحْرِمٍ مُمْسِكٍ مَعَ مُحْرِمٍ قَاتِلٍ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ لُزُومِ الْمُتَسَبِّبِ مَعَ الْمُبَاشِرِ. وَقِيلَ: الْقَرَارُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ فِعْلَ الْمُمْسِكِ عِلَّةً. قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 بَابُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ، فَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ صَيْدِهِ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْرِمِ فِي مِثْلِهِ، وَإِنْ رَمَى الْحَلَالُ مِنَ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَرْسَلَ   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الْفُرُوعِ ": وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ عَلَى الْمُمْسِكِ، لِتَأَكُّدِهِ، وَإِنَّ عَكْسَهُ الْمَالُ، وَفِيهِ نَظَرٌ. [بَابُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ] [حُكْمُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ] بَابُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ (وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعَضَّدُ شَوْكُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لَقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ فَقَالَ: إِلَّا الْإِذْخِرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيَحْرُمُ عَلَى دَالٍّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَكَّةَ كَانَتْ حَرَامًا قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا حُرِّمَتْ بِسُؤَالِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَهَا أَيْ: أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا، وَبَيَّنَهُ. (فَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ صَيْدِهِ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْرِمِ فِي مِثْلِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَصَيْدِ الْإِحْرَامِ، وَلِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْجَزَاءِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الصَّيْدُ مِثْلِيًّا، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ، وَإِلَّا بِقِيمَتِهِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يُضْمَنُ مِنَ الْإِحْرَامِ يُضْمَنُ فِي الْحَرَمِ إِلَّا الْقَمْلَ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ فِي الْحَرَمِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ حُرِّمَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لِأَجْلِ الرَّفَهِ، وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الْحَرَمِ كَالطِّيبِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَلَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ جَزَاءَانِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى. فَرْعٌ: إِذَا دَلَّ مُحِلٌّ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ، فَقَتَلَهُ، ضَمِنَاهُ بِجَزَاءٍ وَاحِدٍ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 كَلْبَهُ عَلَيْهِ، أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحَرَمِ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ، أَوْ أَمْسَكَ طَائِرًا فِيهِ، فَهَلَكَ فِرَاخُهُ فِي الْحَرَمِ، ضَمِنَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَتَلَ مِنَ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ بِسَهْمِهِ أَوْ كَلْبِهِ أَوْ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَمْسَكَ حَمَامَةً فِي الْحَرَمِ، فَهَلَكَ فِرَاخُهَا فِي الْحِلِّ، لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ مِنَ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، فَقَتَلَ صَيْدًا   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ رَمَى الْحَلَالُ مِنَ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَيْهِ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحَرَمِ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ، أَوْ أَمْسَكَ طَائِرًا فِيهِ فَهَلَكَ فِرَاخُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ «لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَهَذَا مِنْ صَيْدِهِ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ صَيْدًا حَرَمِيًّا فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَرَمِ، وَلِأَنَّ صَيْدَهُ مَعْصُومٌ مَحَلُّهُ بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ، فَلَا يَخْتَصُّ مَنْ فِي الْحَرَمِ، وَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الْفِرَاخَ دُونَ أُمِّهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ. وَالثَّانِيَةُ: لَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ إِذِ الْقَاتِلُ حَلَالٌ مِنَ الْحِلِّ، (وَإِنْ قَتَلَ مِنَ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ بِسَهْمِهِ أَوْ كَلْبِهِ أَوْ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ أَمْسَكَ حَمَامَةً فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ فِرَاخُهَا فِي الْحِلِّ لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) لِلْعُمُومِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَلَيْسَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَيْسَ بِمَعْصُومٍ. وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُهُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا اعْتِبَارًا بِالْقَاتِلِ، وَلِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنَ الْحَرَمِ، وَالْغُصْنُ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ، فَوَجَبَ الْجَزَاءُ احْتِيَاطًا، وَقَدَّمَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": يَجِبُ ضَمَانُ الْفَرْخِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ تَلَفِهِ، وَإِنْ فَرَّخَ فِي مَكَانٍ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلِهِ عَنْهُ بِالْخِلَافِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا وَقَفَ صَيْدٌ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحِلِّ، وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ، حُرِّمَ تَغْلِيبًا، وَعَنْهُ: لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ فَقَطْ فِيهِ، فَخَرَّجَهُ الْقَاضِي عَلَى رِوَايَتَيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 فِي الْحَرَمِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَهْمِهِ، ضَمِنَهُ فَصْلٌ وَيَحْرُمُ قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ إِلَّا الْيَابِسَ وَالْإِذْخِرَ وَمَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ،   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ مِنَ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، فَقَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ بَلْ دَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ أَشْبَهُ مَا لَوِ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ صَيْدًا حَرَمِيًّا بِإِرْسَالِ طَيْرٍ عَلَيْهِ، أَشْبَهُ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِسَهْمٍ، وَحَكَى صَالِحٌ عَنْ أَحْمَدَ: إِنْ كَانَ الصَّيْدُ قَرِيبًا مِنَ الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ لِتَفْرِيطِهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". فَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ صَيْدًا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ عَلَيْهِ كَاسْتِرْسَالِهِ، وَعَنْهُ: بَلَى لِتَفْرِيطِهِ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَهْمِهِ ضَمِنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ صَيْدًا حَرَمِيًّا أَشْبَهُ مَا لَوْ رَمَى حجرا، فأصاب صَيْدًا، إِذِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَاحِدٌ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَهَذَا لَا يَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَبِهِ فَارَقَ الْكَلْبُ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا وَقَصْدًا، وَفِي " الْفُرُوعِ ": إِنْ قَتَلَ السَّهْمُ صَيْدًا غَيْرَ الَّذِي قَصَدَهُ فَكَالْكَلْبِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ الرَّامِي. فَصْلٌ (وَيَحْرُمُ قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ الْبَرِّيِّ) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ «وَلَا يُعَضَّدُ شَجَرُهَا» فَدَخَلَ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَالشَّوْكِ، وَالْعَوْسَجِ قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ بِطَبْعِهِ كَالسِّبَاعِ، (وَحَشِيشِهِ) لِقَوْلِهِ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» قَالَ: أَحْمَدُ لِلْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ لَا يُحْتَشُّ مِنْ حَشِيشِ الْحَرَمِ، وَيَعُمُّ الْأَرَاكَ، وَالْوَرَقَ (إِلَّا الْيَابِسَ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَكَذَا مَا انْكَسَرَ، وَلَمْ يُبْنَ فَإِنَّهُ كَظُفْرٍ مُنْكَسِرٍ، وَلَا بِأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 وَفِي جَوَازِ الرَّعْيِ وَجْهَانِ، وَمَنْ قَلَعَهُ ضَمِنَ الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ بِبَقَرَةٍ، وَالْحَشِيشَ   [المبدع في شرح المقنع] زَالَ بِغَيْرِ فِعْلٍ آدَمِيٍّ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ فِي الْقَطْعِ، (وَالْإِذْخِرَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْعَبَّاسِ «إِلَّا الْإِذْخِرَ» وَيُلْحَقُ بِهِ الْكَمْأَةُ، وَالثَّمَرَةُ، (وَمَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ) ؛ لِأَنَّ فِي تَحْرِيمِهِ ضَرَرًا عَلَى مَنْ زَرَعَهُ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرَعًا فَيَحْتَمِلُ اخْتِصَاصُهُ بِالزَّرْعِ مِنَ الْبَقْلِ وَالرَّيَاحِينِ وَالزَّرْعِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إِطْلَاقِ الزَّرْعِ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَنْعُ فِيمَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ مِنَ الشَّجَرِ، وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ عَلَى إِبَاحَتِهِ. فَعَلَى هَذَا لَا يُبَاحُ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ مِنَ الْأَشْجَارِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْبَنَّا فِي " خِصَالِهِ " بِالْجَزَاءِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَطْعِ شَجَرِهَا، وَكَمَا لَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ أَنْبَتَهُ فِي الْحَرَمِ أَوَّلًا فَفِيهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ أَنْبَتَهُ فِي الْحِلِّ، ثُمَّ غَرَسَهُ فِي الْحَرَمِ فَلَا، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": إِنَّ مَا أَنْبَتَهُ مِنْ جِنْسِ شَجَرِهِمْ لَا يَحْرُمُ كَجَوْزٍ، وَنَخْلٍ كَالزَّرْعِ، وَالْآهِلُ مِنَ الْحَيَوَانِ، فإنا إِنَّمَا أَخْرَجْنَا مِنَ الصَّيْدِ مَا كَانَ أَصْلُهُ إِنْسِيًّا دُونَ مَا تَأْنَسُ مِنَ الْوَحْشِ، كَذَا هُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَحْتَمِلُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ فَيَعُمُّ الْأَشْجَارَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَأَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ، وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكُ الْأَصْلِ كَالْأَنْعَامِ، وَالْجَوَابُ عَنِ النَّهْيِ بِأَنَّ شَجَرَ الْحَرَمِ هُوَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ، وَهَذَا مُضَافٌ إِلَى مَالِكِهِ فَلَا يَعُمُّهُ الْخَبَرُ. (وَفِي جَوَازِ الرَّعْيِ) أَيْ: رَعْيِ حَشِيشِهِ (وَجْهَانِ) وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ: إحداهما: الْمَنْعُ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُهُ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ مَا حَرُمَ إِتْلَافُهُ بِنَفْسِهِ حَرُمَ أَنْ يُرْسَلَ عَلَيْهِ مَا يُتْلِفُهُ كَالصَّيْدِ، وَعَكْسُهُ الْإِذْخِرُ. وَالثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفَصٍ الْعُكْبَرِيُّ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تَدْخُلُ الْحَرَمَ فَتَكْثُرُ فِيهِ فَلَمْ يُنْقَلْ شَدُّ أَفْوَاهِهَا، وَلِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ كَالْإِذْخِرِ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْخِلَافُ إِنْ أَدْخَلَهَا لِلرَّعْيِ، فَإِنْ أَدْخَلَهَا لِحَاجَتِهِ، فَلَا ضَمَانَ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " إِنِ احْتَشَّهُ لَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 بِقِيمَتِهِ، وَالْغُصْنَ بِمَا نَقَصَ، فَإِنِ اسْتَخْلَفَ سَقَطَ الضَّمَانُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] فَكَرَعْيِهِ (وَمَنْ قَلَعَهُ) أَيْ: شَجَرَ الْحَرَمِ وَحَشِيشَهُ (ضَمِنَ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ (الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ بِبَقَرَةٍ) جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي الدَّوْحَةِ بَقَرَةٌ، وَفِي الْجَزْلَةِ شَاةٌ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَالدَّوْحَةُ الشَّجَرَةُ الْعَظِيمَةُ، وَالْجَزْلَةُ: الصَّغِيرَةُ وَكَالْمُتَوَسِّطَةِ، وَعَنْهُ: فِي الْكَبِيرَةِ بَدَنَةٌ (وَالْحَشِيشَ) وَالْوَرَقَ (بِقِيمَتِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ تَرَكَ فِيمَا تَقَدَّمَ لَفْظَ الصَّحَابَةِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، (وَالْغُصْنُ مَا نَقَصَ) كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ، وَلِأَنَّهُ نَقَصَ بِفِعْلِهِ فَوَجَبَ فِيهِ بمَا نَقَصَهُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَالِ آدَمِيٍّ فَنَقَصَ، وَعَنْهُ: فِي الْغُصْنِ الْكَبِيرِ شَاةٌ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِقِيمَتِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرِّرِ ". فَعَلَى هَذَا إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمِثْلَ قَوَّمَهُ، ثُمَّ صَامَ، نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " يُخَيَّرُ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ تَقْوِيمِهَا، وَيَفْعَلُ بِثَمَنِهَا كَجَزَاءِ صَيْدٍ، وَفِي " الْفُصُولِ " مَنْ لَمْ يَجِدْ، قَوَّمَ الْجَزَاءَ طَعَامًا كَصَيْدٍ (فَإِنِ اسْتَخَلَفَ سَقَطَ الضَّمَانُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا لَوْ قَطَعَ شَعْرَ آدَمِيٍّ، ثُمَّ نَبَتَ، وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ شَعْرًا ثُمَّ عَادَ، وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَقْطُوعِ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَالصَّيْدِ، وَقِيلَ: يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُ قَاطِعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ فَهُوَ كَقَلْعِ الرِّيحِ لَهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَلَعَ شَجَرَةً مِنَ الْحَرَمِ فَغَرَسَهَا فِيهِ فَنَبَتَتْ، فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهَا، وَلَمْ يُزِلْ حُرْمَتَهَا، فَإِنْ نَقَصَتْ، ضَمِنَ نَقْصَهَا أَوْ يَبِسَتْ، ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا، وَإِنْ غَرَسَهَا فِي الْحِلِّ فَنَبَتَتْ، رَدَّهَا لِإِزَالَةِ حُرْمَتِهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَوْ يَبِسَتْ ضَمِنَهَا، وَإِنْ قَلَعَهَا غَيْرُهُ فِي الْحِلِّ فَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِخِلَافِ مَنْ نَفَّرَ صَيْدًا، فَخَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ لَا قَاتِلُهُ؛ لِتَفْوِيتِهِ حُرْمَتَهُ بِإِخْرَاجِهِ، وَيُحْتَمَلُ فِيمَنْ قَلَعَهُ أَنَّهُ كَدَالٍّ مَعَ قَاتِلٍ، فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رُدَّ إِلَى الْحَرَمِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 قَطَعَ غُصْنًا فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ، وَإِنْ قَطَعَهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَصْلُهُ فِي الْحِلِّ، لَمْ يَضْمَنْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَمَنْ قَطَعَ غُصْنًا فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْأَصْلِ مِنَ الْحَرَمِ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ كَالصَّيْدِ، (وَإِنْ قَطَعَهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَصْلُهُ فِي الْحِلِّ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ، وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". فَائِدَةٌ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ حَدَّ الْحَرَمِ، وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ بُيُوتِ السُّقْيَا، وَمِنَ الْيَمَنِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ إِضَاءَةِ لِينٍ، وَمِنَ الْعِرَاقِ كَذَلِكَ عَلَى ثَنِيَّةِ زُحَلَ جَبَلٍ بِالْمُنْقَطِعِ، وَمِنَ الطَّائِفِ وَعَرَفَاتٍ وَبَطْنِ نَمِرَةَ كَذَلِكَ عِنْدَ طَرَفِ عُرَنَةَ، وَمِنَ الْجِعْرَانَةُ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ، وَمِنْ جُدَّةَ عَشَرَةُ أَمْيَالٍ عند مُنْقَطِعُ الْأَعْشَاشِ، وَمِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ أَحَدَ عَشَرَ مِيلًا. مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُخْرِجُ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ، وَلَا يُدْخِلُ مِنَ الْحِلِّ كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا يُخْرِجُ مِنْ حِجَارَةِ مَكَّةَ إِلَى الْحِلِّ، وَالْخُرُوجُ أَشَدُّ وَاقْتَصَرَ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى الْكَرَاهَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُكْرَهُ إِخْرَاجُهُ إِلَى الْحِلِّ، وَفِي إِدْخَالِهِ فِي الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ، وَفِي " الْفُصُولِ ": لَا يَجُوزُ فِي تُرَابِ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهَا يُكْرَهُ أَيْضًا فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ، كَتُرَابِ الْحَرَمِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يَحْرُمُ لِأَنَّ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ انْتِفَاعًا بِالْمَوْقوفِ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْفِيَ بِطِيبِ الْكَعْبَةِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَيُلْزِقُ عَلَيْهَا طِيبًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ، فَأَمَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَلَا يُكْرَهُ إِخْرَاجُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: أَخْرَجَهُ كَعْبٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَتُخْبِرُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْمِلُهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ كَالثَّمَرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 فَصْلٌ وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا إِلَّا مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ شَجَرِهَا لِلرَّحْلِ وَالْعَارِضَةِ وَالْقَائِمَةِ وَمِنْ حَشِيشِهَا لِلْعَلَفِ، وَمَنْ أَدْخَلَ إِلَيْهَا صَيْدًا، فَلَهُ إِمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] [يَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا] فَصْلٌ (وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ (وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا) لِمَا رَوَى أَنَسٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَعَنْ سَعْدٍ مَرْفُوعًا: «إِنِّي أُحْرِمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَحْرِيمُ صَيْدِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ فَلِعَدَمِ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فِي زَوَالِ مِلْكِ الصَّيْدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الصِّحَّةِ احْتِمَالَيْنِ (إِلَّا مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ شَجَرِهَا لِلرَّحْلِ) أَيْ: رَحْلِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنَ الْقَتْبِ، (وَالْعَارِضَةِ) أَيْ: مَا يُسْقَفُ بِهِ الْمَحْمَلُ، (وَالْقَائِمَةِ) إِحْدَى قَائِمَتَيِ الرَّحْلِ اللَّتَيْنِ فِي مُقَدَّمِهِ، وَمُؤَخَّرِهِ، لِقَوْلِ جَابِرٍ: «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَرَّمَ الْمَدِينَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أَصْحَابُ عَمَلٍ وَأَصْحَابُ نَضْحٍ، وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَرْضًا غَيْرَ أَرْضِنَا فَرَخِّصْ لَنَا، فَقَالَ: " الْقَائِمَتَانِ وَالْوِسَادَةُ وَالْعَارِضَةُ وَالْمَسَدُ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يُعَضَّدُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.» الْمَسَدُ: هُوَ عُودُ الْبَكَرَةِ فَاسْتَثْنَى الشَّارِعُ ذَلِكَ، وَجَعَلَهُ مُبَاحًا كَاسْتِثْنَاءِ الْإِذْخِرِ بِمَكَّةَ، (وَمِنْ حَشِيشِهَا لِلْعَلَفِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تُقْطَعَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ بِقُرْبِهَا فَالْمَنْعُ مِنْهُ ضَرَرٌ بِخِلَافِ مَكَّةَ، (وَمَنْ أَدْخَلَ إِلَيْهَا صَيْدًا فَلَهُ إِمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، «لِقَوْلِ أَنَسٍ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ: أَحْسَبُهُ فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النَّغِيرُ لِنُغَرٍ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ» . مُتَّفَقٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 وَلَا جَزَاءَ فِي صَيْدِ الْمَدِينَةِ، وَعَنْهُ: جَزَاؤُهُ سَلَبُ الْقَاتِلِ لِمَنْ أَخَذَهُ وَحَدُّ حَرَمِهَا مَا   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ. وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: حُكْمُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ حُكْمُ حَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا سَبَقَ، إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَلَا جَزَاءَ فِي صَيْدِ الْمَدِينَةِ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ حَكَمُوا فِيهِ بِجَزَاءٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، أَوْ لَا يَصْلُحُ لِأَدَاءِ النُّسُكِ أَوْ لِذَبْحِ الْهَدَايَا، وَكَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ وَكَصَيْدِ وَجٍّ وَشَجَرِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْحُرْمَةِ الضَّمَانُ، وَلَا مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُهُ (وَعَنْهُ: جَزَاؤُهُ سَلَبُ الْقَاتِلِ لِمَنْ أَخَذَهُ) نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ، وَالْمَيْمُونِيُّ، وَهِيَ الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ مِنْ كُتِبِ الْخِلَافِ لِمَا سَبَقَ مِنْ تَحْرِيمِهَا كَمَكَّةَ، وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إِلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا، أَوْ يَخْبِطُهُ، فَسَلَبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِحُرْمَةِ ذَلِكَ كَحَرَمِ مَكَّةَ وَالْإِحْرَامِ، وَسَلَبُهُ: ثِيَابُهُ قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالسَّرَاوِيلُ، زَادَ جَمَاعَةٌ: وَزِينَةٌ كَمِنْطَقَةٍ وَسِوَارٍ وَخَاتَمٍ وَآلَةِ اصْطِيَادٍ؛ لِأَنَّهَا آلَة لفِعْل الْمَحْظُورِ، وَلَيْسَتِ الدَّابَّةُ مِنْهُ، بِخِلَافِ قَاتِلِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا عَلَى الْأَشْهَرِ لِئَلَّا يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى الْحَرْبِ، فَعَلَيْهَا إِنْ لَمْ يَسْلُبْهُ أَحَدٌ لَزِمَهُ التَّوْبَةُ فَقَطْ، (وَحَدُّ حَرَمِهَا) مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. اللَّابَةُ: الْحَرَّةُ، وَهِيَ أَرْضٌ بِهَا حِجَارَةٌ سُودٌ قَالَ أَحْمَدُ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ، وَكَذَا فَسَّرَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَهَذَا حَدُّهَا مِنْ جِهَتِيِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَمَنْ رَوَى «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا» فَالْمُرَادُ بِهِ مِنْ جِهَتِيِ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 بَيْنَ ثَوْرٍ إِلَى عَيْرٍ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حِمًى.   [المبدع في شرح المقنع] وَالْمُؤَلِّفُ نَفْسُهُ يَقُولُهُ. (مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إِلَى عَيْرٍ) لِمَا رَوَى عَلَيٌّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حَرَمُ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إِلَى عَيْرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ عِيَاضٌ: أَكْثَرُ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ ذَكَرُوا عَيْرًا، فَأَمَّا ثَوْرٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَنَّى عَنْهُ بِكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ مَكَانَهُ بَيَاضًا، لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا ذِكْرَ ثَوْرٍ خَطَأً قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَصْلُ الْحَدِيثِ «مِنْ عَيْرٍ إِلَى أُحُدٍ» وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ، حَرَمُ الْمَدِينَةِ قَدْرُ مَا بَيْنَ ثَوْرٍ وَعَيْرٍ مِنْ مَكَّةَ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَمَنَعَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَجُودَهُمَا بِالْمَدِينَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عَيْرًا جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِهَا وَكَذَا ثَوْرٌ، وَهُوَ جَبَلٌ خَلْفَ أُحُدٍ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الثِّقَاتُ، يُؤَيِّدُهُ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ ( «وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حِمًى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. تَذْنِيبٌ: مَكَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَدِينَةِ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي سُوقِ مَكَّةَ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَلِمُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ. وَعَنْهُ: الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، قَالَ: فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: وَسُئِلَ عَنِ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: بِالْمَدِينَةِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُهَاجَرُ الْمُسْلِمِينَ. وَعَنْ رَافِعٍ مَرْفُوعًا: «الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ» وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى وَقْتِ كَوْنِ مَكَّةَ دَارَ حَرْبٍ، أَوْ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهَا، وَالشَّرْعُ يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَكَذَا لَا يُعْرَفُ «اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِقَاعِ إِلَيَّ فَأَسْكِنِّي فِي أَحَبِّ الْبِقَاعِ إِلَيْكَ» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 بَابُ ذِكْرِ دُخُولِ مَكَّةَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ أَعْلَاهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ: بَعْدَ مَكَّةَ، وَمَا رُوِيَ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى تَفْضِيلِهَا لَا أَفْضَلِيَّتُهَا، وَكَوْنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خُلِقَ مِنْهَا، وَهُوَ خَيْرُ الْبَشَرِ فَتَرْبَتُهُ خَيْرُ التُّرَبِ. وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ فَضْلَ الْخِلْقَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ التُّرْبَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَدُلَّ أَنَّ تُرْبَتَهُ أَفْضَلُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْحُجْرَةِ فَأَمَّا مَنْ هُوَ فِيهَا، فَلَا وَاللَّهِ وَلَا الْعَرْشُ وَحَمْلَتُهُ وَالْجَنَّةُ؛ لِأَنَّ بِالْحُجْرَةِ جَسَدًا لَوْ وُزِنَ بِهِ لَرَجَحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَجَزَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَالْمُجَاوَرَةُ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ، وَتَضَاعُفُ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ فَاضِلٌ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ الْحَسَنَاتِ تُضَاعَفُ، وَلَمْ يَذْكُرِ السَّيِّئَاتِ. [بَابُ ذِكْرِ دُخُولِ مَكَّةَ] [مَا يَقُولُ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ] بَابُ ذِكْرِ دُخُولِ مَكَّةَ وَهِيَ عَلَمٌ عَلَى جَمِيعِ الْبَلْدَةِ الْمُعَظَّمَةِ الْمَحْجُوجَةِ غَيْرُ مُنْصَرِفَةٍ، وَسُمِّيَتْ بِهِ لِقِلَّةِ مَائِهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تَمُكُّ مَنْ ظَلَمَ فِيهَا أَيْ: تُهْلِكُهُ، وَيُزَادُ فِيهَا بَكَّةُ فِي قَوْلِ الضَّحَّاكِ، وَقِيلَ: بِالْبَاءِ اسْمٌ لِبُقْعَةِ الْبَيْتِ، وَبِالْمِيمِ: مَا حَوْلَهُ، وَقِيلَ: بَكَّةُ اسْمٌ لِلْمَسْجِدِ، وَالْبَيْتِ، وَمَكَّةُ لِلْحَرَمِ كُلِّهِ، وَلَهَا أَسْمَاءٌ. (يَسْتَحَبُّ) لِلْمُحْرِمِ (أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ أَعْلَاهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ، وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى، وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَظَاهِرُهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الشَّرْحِ "؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخْلَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " نَهَارًا، وَإِنَّمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 بَنِي شَيْبَةَ، فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ، رَفَعَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، حَيِّنًا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ، اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا، وَزِدْ مِنْ شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا كَمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَكَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلَالِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ   [المبدع في شرح المقنع] كَرِهَهُ مِنَ السُّرَّاقِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِخُرُوجِهِ مِنْهَا، وَيُسْتَحَبُّ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى كُدَيٍّ بِضَمِّ الْكَافِ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَالْأَوَّلُ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَالدَّالِّ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ مُتَصَرِّفٌ، وَغَيْرُ مُتَصَرِّفٍ، وَالثَّنِيَّةُ فِي الْأَصْلِ: الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، (ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) «لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ ارْتِفَاعَ الضُّحَى، وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ عِنْدَ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، ثُمَّ دَخَلَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيَقُولُ حِينَ دُخُولِهِ: «بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَمِنَ اللَّهِ وَإِلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ» . ذَكَرَهُ " فِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ ". (فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ» ، وَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ (وَكَبَّرَ) وَذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ فَعَلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ، وَحَكَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا كَالتَّهْلِيلِ، (وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ حَيِّنًا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ» ؛ لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ. وَمَعْنَى السَّلَامِ الْأَوَّلِ: اسْمُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالثَّانِي: مَنْ أَكْرَمْتَهُ بِالسَّلَامِ فَقَدْ سَلِمَ، وَالثَّالِثُ: سَلِّمْنَا بِتَحِيَّتِكَ إِيَّانَا مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ. ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ «اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَعْظِيمًا» أَيْ: تَبْجِيلًا (وَتَشْرِيفًا) أَيْ: رِفْعَةً وَإِعْلَاءً (وَتَكْرِيمًا) أَيْ: تَفْضِيلًا (وَمَهَابَةً) أَيْ: تَوْقِيرًا وَإِجْلَالًا (وَبِرًّا) بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ ( «وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ، وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا كَمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَكَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 الَّذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ، وَرَآنِي لِذَلِكَ أَهْلًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ دَعَوْتَ إِلَى حَجِّ بَيْتِكَ الْحَرَامِ، وَقَدْ جِئْتُكَ لِذَلِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي، وَاعْفُ عَنِّي، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنَيْ كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ. ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إِنَّ كَانَ مُعْتَمِرًا، أَوْ طَوَافِ الْقُدُومِ إِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارَنًا، وَيَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ فَيَجْعَلُ وَسَطَهُ   [المبدع في شرح المقنع] يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلَالِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ، وَرَآنِي لِذَلِكَ أَهْلًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ اللَّهُمَّ إِنَّكَ دَعَوْتَ إِلَى حَجِّ بَيْتِكَ الْحَرَامِ» سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ انْتَشَرَتْ، وَأُرِيدَ بِتَحْرِيمِ الْبَيْتِ سَائِرُ الْحَرَمِ، قَالَهُ الْعُلَمَاءُ، «وَقَدْ جِئْتُكَ لِذَلِكَ اللَّهُمَّ تَقَبُّلَ مِنِّي، وَاعْفُ عَنِّي، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنَيْ كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» ذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " كَالْمُقْنِعِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَدَعَا وَقَالَ: وَمِنْهُ وَلَمْ يَذْكِرِ الْأَخِيرَ، وَمَهْمَا زَادَ مِنَ الدُّعَاءِ فَحَسَنٌ (يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فَاسْتُحِبَّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ، وَحَكَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا. [أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ عند زيارة البيت الطَوَاف] (ثُمَّ يَبْتَدِئُ) بِالطَّوَافِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ إِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ تَحِيَّةٌ، فَاسْتُحِبَّ كَتَحِيَّةِ غَيْرِهِ بِالرَّكْعَتَيْنِ، وَمَحَلُّهُ: مَا لَمْ يَذْكُرْ صَلَاةَ فَرْضٍ أَوْ فَائِتَةٍ، أَوْ تُقَامُ الْمَكْتُوبَةُ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا إِنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَتِيِ الْفَجْرِ أَوِ الْوَتْرِ، أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ (بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا) ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِفَسْخِ نُسُكِهِمْ إِلَيْهَا أَمْرَهُمْ أَنْ يَطُوفُوا لِلْعُمْرَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْحِلِّ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى طَوَافِ قُدُومٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّحِيَّةُ، وَقَدْ حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ (أَوْ طَوَافُ الْقُدُومِ) وَيُسَمَّى الْوُرُودَ (إِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا) لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا كَذَلِكَ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي " الْفُصُولِ " وَ " التَّرْغِيبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: يُرَى لِمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفَ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَهِيَ بَعْدَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ: الطَّوَافُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَيُحَاذِيهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، ثُمَّ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ، وَإِنْ شَاءَ،   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَقْدِيمِ حَقِّ اللَّهِ عَلَى حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا. (وَيَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ) فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ مُضْطَبِعًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَكَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " رِوَايَةٌ فِي رَمْلِهِ «فَيَجْعَلُ وَسَطَهُ تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ» لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الْجِعْرَانَةَ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمُ الْيُسْرَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ سَوَّى رِدَاءَهُ؛ لِأَنَّ الِاضْطِبَاعَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ الْأَثْرَمُ: يُزِيلُهُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الرَّمَلِ (ثُمَّ يَبْتَدِئُ) أَيْ: بِالطَّوَافِ (مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَدَأَ بِهِ (فَيُحَاذِيهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ) لِيَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ الْبَيْتِ بِالطَّوَافِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا حَاذَاهُ بِبَعْضِهِ، أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ مَا لَزِمَ اسْتِقْبَالُهُ لَزِمَهُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ كَالْقِبْلَةِ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَدَنِ فَأَجْزَأَ بَعْضُهُ كَالْحَدِّ. فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَيَصِيرُ الثَّانِي أَوَّلَهُ (ثُمَّ يَسْتَلِمُهُ) أَيْ: يَمْسَحُهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ افْتِعَالٌ مِنَ السَّلَامِ، وَهُوَ التَّحِيَّةُ، وَلِذَلِكَ يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْيَمَنِ: الْمُحَيَّا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُحَيُّونَهُ، (وَيُقَبِّلُهُ) «لِمَا رَوَى عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ، وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلًا فَقَالَ: يَا عُمَرُ هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ أَسْلَمَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَبَّلَ الْحَجَرَ، وَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ يَسْجُدُ عَلَيْهِ، وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ (وَإِنْ شَاءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 أَشَارَ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: بِاسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، إِيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ كُلَّمَا اسْتَلَمَهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ عَلَى يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ   [المبدع في شرح المقنع] اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ الْيَدِ فَظَاهِرُهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَالَهُ الْقَاضِي، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": هَلْ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَهُ؛ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، (وَإِنْ شَاءَ أَشَارَ إِلَيْهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ فَلَمَّا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ، وَكَبَّرَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْإِشَارَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا. وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الْمُسْتَحَبُّ أَوَّلًا: تَقْبِيلُهُ فَإِنْ شَقَّ اسْتَلَمَهُ بِشَيْءٍ، وَقَبَّلَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَشَارَ إِلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَزَادَا: مَعَ اسْتِقْبَالِهِ بِوَجْهِهِ. قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هُوَ السُّنَّةُ، وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ، قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ: «إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» . وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي وَجْهٍ. فَائِدَةٌ: قَوْلُ الْخِرَقِيِّ: ثُمَّ أَتَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إِنْ كَانَ؛ لِأَنَّ فِي زَمَنِهِ أَخَذَتْهُ الْقَرَامِطَةُ، وَاسْتَمَرَّ بِأَيْدِيهِمْ مُدَّةً، ثُمَّ فَتَحَ اللَّهُ بِعَوْدِهِ، فَلَوْ قُدِّرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - عَدَمُهُ فِي مَحَلِّهِ وَقَفَ مُقَابِلًا لِمَكَانِهِ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَنْتَقِلُ النُّسُكُ مَعَهُ كَمَا فِي الْقِرَانِ. (وَيَقُولُ: «بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ إِيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ كُلَّمَا اسْتَلَمَهُ» لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 يَسَارِهِ، فَإِذَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ اسْتَلَمَهُ، وَقَبَّلَ يَدَهُ. وَيَطُوفُ سَبْعًا، يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْهَا، وَهُوَ إِسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا، وَلَا يَثِبُ وَثْبًا وَيَمْشِي   [المبدع في شرح المقنع] اسْتِلَامِهِ (ثُمَّ يَأْخُذُ عَلَى يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَافَ كَذَلِكَ، وَقَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَيُقَرِّبُ جَانِبَهُ الْأَيْسَرُ إِلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّ الْحَرَكَةَ الدَّوْرِيَّةَ تَعْتَمِدُ فِيهَا الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا كَانَ الْإِكْرَامُ فِي ذَلِكَ لِلْخَارِجِ، جَعَلَ لِلْيُمْنَى، فَأَوَّلُ رُكْنٍ بِهِ يُسَمَّى الشَّامِيَّ، وَالْعِرَاقِيَّ وَهُوَ جِهَةُ الشَّامِ، ثُمَّ يَلِيهِ الرُّكْنُ الْغَرْبِيُّ وَالشَّامِيُّ، وَهُوَ جِهَةُ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ الْيَمَانِيُّ جِهَةَ الْيَمَنِ، وَهُوَ آخِرُ مَا يمر عَلَيْهِ مِنَ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَهُوَ قِبْلَةُ أَهْلِ خُرَاسَانَ. (فَإِذَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ اسْتَلَمَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا تَرَكَتُ اسْتِلَامَهُمَا مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُمَا فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَسَنَّ اسْتِلَامَهُ كَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، (وَقَبَّلَ يَدَهُ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " قَوْلًا كَمَا يَفْعَلُ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهُ، وَجَزَمَ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ " الْإِرْشَادِ " بِخِلَافِهِ لِمَا رَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اسْتَلَمَهُ قَبَّلَهُ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا التَّقْبِيلُ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتِمَّا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. 1 - (وَيَطُوفُ سَبْعًا يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْهَا) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي سُنِّيَّتِهِ؛ «لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 أَرْبَعًا، وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُمَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِمَا، وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَبَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] ، وَفِي سَائِرِ الطَّوَافِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ   [المبدع في شرح المقنع] - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَافَ سَبْعًا رَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَمَشَى أَرْبَعًا» . رَوَاهُ جَابِرٌ وَابْنَا عَبَّاسٍ وَعُمَرُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهما، وَهَذَا كَانَ لِسَبَبٍ زَالَ، وَبَقِيَ الْمُسَبَّبُ، وَيَكُونُ الرَّمَلُ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ (وَهُوَ إِسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا وَلَا يَثِبُ وَثْبًا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَشْيٍ فَإِذَا فَعَلَهُ لَمْ يَكُنْ إِتْيَانًا بِالرَّمَلِ الْمَشْرُوعِ فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ لِلِازْدِحَامِ كَانَ أَوْلَى مِنَ الدُّنُوِّ مِنَ الْبَيْتِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ أَوْ يَخْتَلِطُ بِالنِّسَاءِ فَالدُّنُوُّ أَوْلَى مِنَ التَّأْخِيرِ، وَفِي " الْفُصُولِ ": لَا يَنْتَظِرُ لِلرَّمَلِ كَمَا لَا يَتْرُكُ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لِتَعَذُّرِ التَّجَافِي فِي الصَّلَاةِ، وَبِالْجُمْلَةِ يَطُوفُ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَسَوَاءٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ قُبَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا، فَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ لَمْ يَقْضِهِ، وَلَا بَعْضَهُ فِي غَيْرِهَا بَلْ إِنْ تَرَكَهُ فِي شَوْطٍ أَتَى بِهِ فِي الِاثْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، وَفِي اثْنَيْنِ أَتَى بِهِ فِي الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا فَسَقَطَ كَالْجَهْرِ فِي الصَّلَاةِ، (وَيَمْشِي أَرْبَعًا) لِمَا سَبَقَ، (وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ) وَنَصَّ عَلَيْهِ، فِي " الْمُحَرَّرِ " فِي رَمْلِهِ كَبَّرَ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَهَلَّلَ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: وَرَفَعَ يَدَيْهِ (وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُمَا) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَالْحَجَرَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. (أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِمَا) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا شَقَّ عَلَيْهِ اسْتِلَامُهُمَا أَشَارَ إِلَيْهِمَا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ (وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَلَا فَاسْتَقْبِلْ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ (وَبَيْنَ الرُّكْنَيْنِ) أَيِ: الْيَمَانِيِّ وَالْأَسْوَدِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ. وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ،   [المبدع في شرح المقنع] لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إِنَّ اللَّهَ، وَكَّلَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ لِمَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالُوا آمِينَ» (وَفِي سَائِرِ الطَّوَافِ «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوُزْ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ» ؛ لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْمَحَلِّ فَاسْتُحِبَّ ذِكْرُهُ كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ اللَّائِقَةِ بِمِحَالِّهَا الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَفِي " الْفُرُوعِ ": «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاهْدِنِي السَّبِيلَ الْأَقْوَمَ» وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِي سَعْيِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ خِلَافًا " لِلْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ وَفِيهِ يَقِفُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، عِنْدَ الْمِيزَابِ وَالْمُلْتَزَمِ وَكُلِّ رُكْنٍ (وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) مِنَ الْحَوَائِجِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: رَبِّ قِنِي شُحَّ نَفْسِي. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ؛ لِتَغْلِيطِهِ الْمُصَلِّينَ، وَالْمَذْهَبُ لَهُ الْقِرَاءَةُ، فَيُسْتَحَبُّ، قَالَهُ الْآجُرِّيُّ، وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَاسْتَحَبَّهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِلَا جَهْرٍ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَفِيهَا قِرَاءَةٌ وَدُعَاءٌ، فَيَجِبُ كَوْنُهَا مِثْلَهَا. (وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ، وَلَا أَهْلِ مَكَّةَ) وَلَا حَامِلٍ مَعْذُورٍ، نَصَّ عَلَيْهِ (رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا فِي النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شُرِعَ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ، وَلَيْسَ مَطْلُوبًا مِنْهُنَّ، بَلْ إِنَّمَا يُقْصَدُ فِيهِنَّ السَّتْرَ، وَكَذَا أَهْلُ مَكَّةَ لَا رَمَلَ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ إِظْهَارَ الْجَلَدِ مَعْدُومٌ فِي حَقِّهِمْ، وَحُكْمُ مَنْ أَحْرَمَ مِنْهَا حُكْمُ أَهْلِهَا، وَلَوْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَلَوْ عَبَّرَ بُقُولِهِ: وَلَا مُحْرِمَ فِي مَكَّةَ لَعَمَّ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يُشْرَعُ لَهُ الرَّمَلُ لَا يُشْرَعُ لَهُ الِاضْطِبَاعُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 وَلَيْسَ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ، وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا، أَجَزْأَهُ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَلَا يُجْزِئُ عَنِ الْحَامِلِ وَإِنْ طَافَ مُنَكَّسًا، أَوْ عَلَى جِدَارِ   [المبدع في شرح المقنع] وَكَذَا إِنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا لِعُذْرٍ، فَلَا رَمَلَ فِيهِ، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ يَرْمُلُ بِالْمَحْمُولِ (وَلَيْسَ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": إِذَا تَرَكَهُمَا بِهِ، أَوْ لَمْ يَسْعَ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَتَى بِهِمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَنَّ الرَّمَلَ وَالِاضْطِبَاعَ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَنَفَاهُمَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ (وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَجْزَأَهُ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا لِعُذْرٍ) أَمَّا مَعَ الْعُذْرِ فَيُجْزِئُ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ» . وَعَنْ أَمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «شَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أَشْتَكِي، قَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَجْزَأَ فِي رِوَايَةٍ قَدَّمَهَا الْمُؤَلِّفُ وَجَزَمَ بِهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الرَّاكِبِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَمَرَ بِالطَّوَافِ مُطْلَقًا، وَلِطَوَافِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَاكِبًا، لَكِنَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ فِي الْمَحْمُولِ بِنِيَّتِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الطَّوَافَ رَاجِلًا أَفْضَلُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَالثَّانِيَةُ: عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَهِيَ الْأَشْهَرُ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَخِيرًا، وَالشَّرِيفُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَفْعَلُ كَذَلِكَ إِلَّا لِعُذْرٍ فَكَذَا هُوَ، وَأَجَابُوا عَنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ كَانَ لِعُذْرٍ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، أَوْ لِيَرَاهُ النَّاسُ. قَالَهُ أَحْمَدُ أَوْ لِيَشْرُفَ لِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشَوْهُ، وَأَخَذَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لِيَرَاهُ الْجُهَّالُ، وَعَنْهُ: يَجْبُرُهُ بِدَمٍ حَكَاهَا الْمُؤَلِّفُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ. وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ. (وَلَا يُجْزِئُ عَنِ الْحَامِلِ) ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ أُدِّيَ بِهِ فَرْضُ غَيْرِه فَلَمْ يَقَعْ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 الْحَجَرِ، أَوْ شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ، أَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الطَّوَافِ، وَإِنْ قَلَّ، أَوْ لَمْ يَنْوِهْ، لَمْ يُجْزِئْهُ. وَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا أَوْ عُرْيَانًا، لَمْ يُجْزِئْهُ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْضِهِ، كَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الْحَامِلَ آلَةٌ لِلْمَحْمُولِ فَكَانَ كَالرَّاكِبِ بِخِلَافِ حَمْلِهِ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْكَوْنُ فِيهَا، وَهُوَ حَاصِلٌ لَهُمَا، وَلَهُ أَحْوَالٌ: مِنْهَا أَنْ يَنْوِيَا جَمِيعًا عَنِ الْمَحْمُولِ، أَوْ يَنْوِيَ هُوَ دُونَ الْحَامِلِ، فَيُجْزِئُ عَنِ الْمَحْمُولِ لَا الْحَامِلِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَنْوِيَا جَمِيعًا عَنِ الْحَامِلِ، أَوْ يَنْوِيَ هُوَ فَقَطْ فَيَصِحُّ لَهُ وَحْدَهُ. وَمِنْهَا أَنْ يَنْوِيَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ نَفْسِهِ فَيَصِحُّ الْمَحْمُولُ دُونَ حَامِلِهِ جَعْلًا لَهُ كَالْآلَةِ، وَحَسَّنَ الْمُؤَلَّفُ صِحَّتَهُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَائِفٌ بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، كَالْعَمَلِ بِعَرَفَاتٍ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ ذَلِكَ احْتِمَالًا، وَفِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: لَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ، وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يَقَعُ عَنِ اثْنَيْنِ، وَمِنْهَا لَمْ يَنْوِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَوْ نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، فَلَا يَصْحُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا سَعَى رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا، أَجْزَأَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَ الطَّوَافَ غَيْرُ مَوْجُودٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الدَّوَابِّ لِضَرُورَةٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " حُكْمُهُ كَالطَّوَافِ (وَإِنْ طَافَ مُنَكَّسًا) يَجُوزُ فِيهِ كَسْرُ الْكَافِ، وَفَتْحُهَا فَعَلَيْهِ يَكُونُ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: طَافَ طَوَافًا مُنَكَّسًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ " طَافَ " وَالْمُرَادُ بِهِ: جَعْلُ الْبَيْتِ عَلَى يَمِينِهِ (أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ) وَهُوَ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ وَإِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَسُكُونِ الْجِيمِ لا غير (أَوْ شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ) هُوَ الْقَدْرُ الْخَارِجُ عَنْ عَرْضِ الْجِدَارِ مُرْتَفِعًا عَنِ الْأَرْضِ قَدْرُ ثُلْثَيْ ذِرَاعٍ (أَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الطَّوَافِ، وَإِنْ قَلَّ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ) أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَعَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] وَمِثْلُهُ يَتَعَيَّنُ، وَلِقَوْلِهِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَكَانَ، وَاجِبًا كَالصَّلَاةِ، وَأَمَا ثَانِيًا فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْبَيْتِ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ قَالَ: صَلِّ فِي الْحِجْرِ فَإِنَّ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ فَإِذَا لَمْ يَطُفْ بِهِ لَمْ يَطُفْ بِكُلِّ الْبَيْتِ، وَالْحَالُ أَنَّ الطَّوَافَ بِجَمِيعِهِ، وَاجِبٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ، «وَطَافَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِجَمِيعِهِ، وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الشَّاذَرْوَانُ لَيْسَ هُوَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا جُعِلَ عِمَادًا لِلْبَيْتِ. وَأَمَا ثَالِثًا، فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَأَمَا رَابِعًا، فَلِقَوْلِهِ «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَلَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ، فَاشْتَرَطَ لَهُ النِّيَّةَ كَالصَّلَاةِ، وَنَوَّهَ كَلَامَهُ أَنَّهُ إِذَا طَافَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِخِلَافِهِ، وَإِنْ طَافَ عَلَى سَطْحِهِ تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ لِصِلَاتِهِ إِلَيْهَا، وَكَذَا إِنْ قَصَدَ فِي طَوَافِهِ غَرِيمًا، وَقَصَدَ مَعَهُ طَوَافًا بِنِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ لَا حُكْمِيَّةٍ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَعَاطِسٍ قَصَدَ بِحَمْدِهِ قِرَاءَةً، وَفِي الْإِجْزَاءِ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ. [طَوَافُ الْمُحْدِثِ] (وَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا أَوْ عُرْيَانًا لَمْ يُجْزِئْهُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِمَا تَقَدَّمَ، «وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي بَكْرٍ حين بعثه فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَرَهُ فِيهَا " وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ فَكَانَتِ الطَّهَارَةُ، وَالسُّتْرَةُ شَرْطًا فِيهَا كَالصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْوُقُوفِ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: الطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إِلَّا فِي إِبَاحَةِ النُّطْقِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 وَيَجْبُرُهُ بِدَمٍ وَإِنْ أَحْدَثَ فِي بَعْضِ طَوَافِهِ، أَوْ قَطَعَهُ بِفَصْلٍ طَوِيلٍ ابْتَدَأَهُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، أَوْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ، صَلَّى وَبَنَى وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ) ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الِاسْتِقْبَالُ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا ذَلِكَ كَالسَّعْيِ، (وَيَجْبُرُهُ بِدَمٍ) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فَهُو وَاجِبٌ، وَتَرْكُهُ يُوجِبُهُ. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الطَّوَافُ بَعْدَ طَوَافِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمْ لَا، (وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ) وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِنْ نَاسٍ وَمَعْذُورٍ فَقَطْ. وَعَنْهُ: يَجْبُرُهُ دَمٌ. وَظَاهَرُهُ صِحَّتُهُ مِنْ حَائِضٍ بِدَمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَا دَمَ لِعُذْرٍ، وَيَلْزَمُ النَّاسَ فِي الْأَصَحِّ انْتِظَارُهَا لِأَجْلِهِ إِنْ أَمْكَنَ. فَرْعٌ: إِذَا طَافَ فِيمَا لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ صَحَّ، وَفَدَى ذَكَرَهُ الْآجُرُّيُّ. (وَإِنْ أَحْدَثَ فِي بَعْضِ طَوَافِهِ أَوْ قَطَعَهُ بِفَصْلٍ طَوِيلٍ ابْتَدَأَ) أَمَّا أَوَّلًا، فَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ، فَأَبْطَلَهُ الْحَدَثُ كَالصَّلَاةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعَمْدِ، فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ تَطَهَّرَ، وَابْتَدَأَ فِي رِوَايَةٍ، وَجَزَمَ بِهَا الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ رِوَايَاتُ الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَمَحَلُّهُ - كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ " الشَّرْحِ " - فِي طَوَافِ الْفَرْضِ، فَأَمَّا النَّفْلُ فَلَا تَجِبُ إِعَادَتُهُ كَالصَّلَاةِ، وَأَمَا ثَانِيًا، فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالَى بَيْنَ طَوَافِهِ، وَقَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَعُلِمَ أَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ فِيهِ فَمَتَى قَطَعَهُ بفصل طويل ابْتَدَأَهُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهَوًا، مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ شَوْطًا مِنْهُ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ، وَالْمَرْجِعُ فِي طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ إِلَى الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ، وَالْقَبْضِ (وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا) بَنَى؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ لِمَا فِي الِاتِّصَالِ مِنَ الْمَشَقَّةِ فَعُفِيَ عَنْهُ: (أَوْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ صَلَّى) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» ، وَالطَّوَافُ صَلَاةٌ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَالِمٍ وَعَطَاءٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْجِنَازَةَ صَلَاةٌ تَفُوتُ بِالتَّشَاغُلِ بِالطَّوَافِ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ قَطْعِهِ لَهَا بِالْمَكْتُوبَةِ لِعَدَمِ فَوَاتِهَا بِهِ، (وَبَنَى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 سُنَّةٌ. ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ خَلْفَ الْمَقَامِ يَقْرَأُ فِيهِمَا: " {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] "   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ إِلَّا الْحَسَنَ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَسْتَأْنِفُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ مَشْرُوعٌ فَلَمْ يَقْطَعْهُ كَالْيَسِيرِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنَ الْحَجَرِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، (وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ سُنَّةً) ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ غُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ أَتَمَّهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَيْسَ بِشَرْطٍ مَعَ الْعُذْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: إِذَا شَكَّ فِي عَدَدِهِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ يَعْمَلُ بِظَنِّهِ، وَيَأْخُذُ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا لَمْ يَتَيَقَّنْ صَوَابَ نَفْسِهِ. وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " يَكْفِي ثِقَةٌ فَإِنْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، وَهُوَ فِيهِ بَطَلَ لَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ. فَرْعٌ: إِذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فِي أَحَدِ طَوَافَيْهِ وَجَهِلَهُ لَزِمَهُ الْأَشَدُّ وَهُوَ مِنَ الْحَجِّ، فَيَلْزَمُهُ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ وَدَمٌ، وَإِنْ كَانَ وَطِئَ بَعْدَ حِلِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ، لَمْ يَصِحَّا؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ حَجًّا عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ، وَتَحَلَّلَ بِطَوَافِهِ الَّذِي نَوَاهُ لِحَجِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْحَلْقِ، وَدَمٌ لِلْوَطْءِ فِي عُمْرَتِهِ. [صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ] (ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَكَعَهُمَا وَفِي " أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ " أَنَّهُ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ قَبْلَهُمَا، (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ خَلْفَ الْمَقَامِ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] . وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُ الْمَقَامِ، وَلَا مَسْحُهُ إِجْمَاعًا فَسَائِرُ الْمَقَامَاتِ أَوْلَى، وَنَقَلَ الْفَضْلُ عَنْهُ: كَرَاهَةَ مَسِّهِ، وَفِي " مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ ": فَإِذَا بَلَغَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ فَلْيَمَسَ الصَّخْرَةَ بِيَدِهِ، وَلِيُمَكِّنُ مِنْهَا كَفَّهُ، وَيَدْعُوَ (يَقْرَأُ فِيهِمَا) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » وَظَاهِرُهُ جَوَازُ فِعْلِهِمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَيَقْرَأُ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 و " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] " ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الرُّكْنِ، فَيَسْتَلِمُهُ. ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّفَا مِنْ بَابِهِ، وَيَسْعَى سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا، فَيَرْقَى عَلَيْهِ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ، فَيَسْتَقْبِلُهُ، وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ عُمَرَ رَكَعَهُمَا بِذِي طُوًى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْفَرْضِ، فَالنَّفْلُ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلنُّصُوصِ. وَعَنْهُ: وُجُوبُهُمَا، وَهِيَ أَظْهَرُ، فَلَوْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا كَرَكْعَتِيِ الْإِحْرَامِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَهُوَ أَقْيَسُ كَرَكْعَتِيِ الْفَجْرِ. تَنْبِيهٌ: لَهُ جَمْعُ أَسَابِيعَ، ثُمَّ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِفَصْلِهِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ، بِخِلَافِ تَكْبِيرِ تَشْرِيقٍ عَنْ فَرْضٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى إِسْقَاطِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِيَ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ قَطْعُهُ عَلَى شَفْعٍ، فَيُكْرَهُ الْجَمْعُ إِذَنْ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْهُ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْإِخْلَالُ بِالْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَهُ تَأْخِيرُ السَّعْيِ عَنِ الطَّوَافِ بِطَوَافٍ وَغَيْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الرُّكْنِ) وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ (فَيَسْتَلِمُهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. [السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ] (ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّفَا) بِالْقَصْرِ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْحِجَارَةُ الصُّلْبَةُ، وَالْآنَ ثُمَّ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ (مِنْ بَابِهِ وَيَسْعَى سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا فَيَرْقَى عَلَيْهِ) وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ فَيَسْتَقْبِلَهُ، وَيُكَبِّرَ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَيْسَ فِيهِ «يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ» وَزَادَ «وَيَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا» ، «لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ رَقَى عَلَى الصَّفَا وَقَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا» وَالْأَحْزَابُ: هُمُ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهُمْ قُرَيْشٌ، وَغَطَفَانُ، وَالْيَهُودُ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 يُلَبِّي وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ، ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ الصَّفَا وَيَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ الْعَلَمَ، فَيَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا إِلَى الْعَلَمِ، ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ، فَيَفْعَلُ عَلَيْهَا مِثْلَ مَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ، وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعًا يَحْتَسِبُ بِالذَّهَابِ سَعْيَةً، وَبِالرُّجُوعِ سَعْيَةً يَفْتَتِحُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ، فَإِنْ بَدَأَ   [المبدع في شرح المقنع] مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَزِيدُهُ عَلَى مَا سَبَقَ. رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ (ثُمَّ يُلَبِّي) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُلَبِّي عَلَى الصَّفَا لِعَدَمِ فِعْلِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُهَا إِذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ كَمَا يَأْتِي، وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ تُرْجَى فِيهِ الْإِجَابَةُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَالظَّاهِرُ بَلَى، لِلْخَبَرِ (ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ الصَّفَا وَيَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ الْعَلَمَ) وَهُوَ الْمَيْلُ الْأَخْضَرُ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ: إِذَا كَانَ مِنْهُ نَحْوُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ (فَيَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا إِلَى الْعَلَمِ) وَهُوَ الْمَيْلُ الْأَخْضَرُ بفناء المسجد حِذَاءَ دَارِ الْعَبَّاسِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْمَلُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ كَالْمُؤَلِّفِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: بَلَى لِوُرُودِهِ فِي الْخَبَرِ (ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ) وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْحِجَارَةُ الْبِيضُ الْبَرَّاقَةُ الَّتِي يُقْدَحُ مِنْهَا النَّارَ، وَالْآنَ هُوَ الْمَكَانُ الْمَعْرُوفُ بِطَرَفِ السَّعْيِ (فَيَفْعَلُ عَلَيْهَا مِثْلَ مَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) مِنَ الِاسْتِقْبَالِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالدُّعَاءِ «ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ، وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ يفعلِ ذَلِكَ سَبْعًا يَحْتَسِبُ بِالذَّهَابِ سَعْيَةً، وَبِالرُّجُوعِ سَعْيَةً» لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَيُكْثِرُ الدُّعَاءَ، وَالذِّكْرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 بِالْمَرْوَةِ، لَمْ يَحْتَسِبْ بِذَلِكَ الشَّوْطِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْعَى طَاهِرًا مُسْتَتِرًا مُتَوَالِيًا، وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِهِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْقَاهُ وَلَا تَرَمَلَ. وَإِذَا فَرَغَ مِنَ السَّعْيِ، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا: «إِنَّمَا جُعِلَ السَّعْيُ بَيْنَهُمَا لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى» وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ مَا بَيْنَهُمَا فَيُلْصِقُ عَقِبَهُ بِأَصْلِهِمَا، فَلَوْ تَرَكَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، وَلَوْ ذِرَاعًا لَمْ يُجْزِئْهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْقَى كَمَا مَرَّ (يَفْتَتِحُ بِالصَّفَا) لِقَوْلِهِ «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ الْآيَةَ، وَقَالَ: نَبْدَأُ بِالصَّفَا اتَّبِعُوا الْقُرْآنَ فَمَا بَدَأَ بِهِ الْقُرْآنُ فَابْدَءُوا بِهِ وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ لِقَوْلِ جَابِرٍ: فَلَمَّا كَانَ آخِرَ طَوَافِهِ قَالَ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْبُدَاءَةِ بِهِ الْخَتْمُ بِهَا (فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ، لَمْ يَحْتَسِبْ بِذَلِكَ الشَّوْطِ) لِمُخَالَفَةِ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرِهِ. فَعَلَى هَذَا إِذَا صَارَ إِلَى الصَّفَا اعْتَدَّ بِمَا يَأْتِي بَعْدَهُ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْعَى طَاهِرًا) مِنَ الْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ كَبَقِيَّةِ الْمَنَاسِكِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (مُسْتَتِرًا) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ الطَّهَارَةَ مَعَ آكَدِيَّتِهَا فَغَيْرُهَا أَوْلَى (مُتَوَالِيًا) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْتِ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الْمُوَالَاةَ كَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ، (وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِهِ) وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ أَحَدُ الطَّوَافَيْنِ فَاشْتَرَطَ فِيهِ ذَلِكَ كَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّ السَّعْيَ بَعْدَ الطَّوَافِ، فَلَوْ عَكَسَ لَمْ يُجْزِئْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: بَلَى سَهْوًا وَجَهْلًا، وَعَنْهُ: مُطْلَقًا، وَعَنْهُ: مَعَ دَمٍ، وَفِي شَرْطِ النِّيَّةِ قَالَهُ فِي " الْمَذْهَبِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَزَادَ: وَأَنْ لَا يُقَدِّمَهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ خِلَافُهُمَا، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَنْعُهُ عَنْ أَحْمَدَ. (وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْقَاهُ) لِئَلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 كَانَ مُعْتَمِرًا قَصَّرَ مِنْ شَعْرِهِ وَتَحَلَّلَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَمَتِّعُ قَدْ سَاقَ هَدْيًا فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحُجَّ. وَمَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ.   [المبدع في شرح المقنع] تُزَاحِمَ الرِّجَالَ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، (وَلَا تَرْمُلُ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ لَهَا السَّتْرَ، وَفِيمَا ذُكِرَ انْكِشَافٌ لَهَا، وَكَذَا لَا تَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ، وَلَا يُسَنُّ فِيهِ اضْطِبَاعٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَإِذَا فَرَغَ مِنَ السَّعْيِ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا، قَصَّرَ مِنْ شَعْرِهِ، وَتَحَلَّلَ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرٍ سِوَى عُمْرَتِهِ الَّتِي مَعَ حَجِّهِ، وَكَانَ يُحِلُّ إِذَا سَعَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّقْصِيرَ لَهُ أَفْضَلُ مِنَ الْحَلْقِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِلْأَمْرِ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِيَتَوَفَّرَ الْحَلْقُ لِلْحَجِّ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّرْغِيبِ " حَلْقُهُ، وَفِي كَلَامِهِ إِشْعَارٌ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ فِي اسْتِحْبَابِهِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ التَّقْصِيرِ، وَقُلْنَا: هُوَ نُسُكٌ صَارَ قَارِنًا، فَإِنْ تَرَكَهُمَا، فَعَلَيْهِ دَمٌ، إِنْ قُلْنَا هُمَا نُسُكٌ، فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَمَتِّعُ قَدْ سَاقَ هَدْيًا فَلَا يُحِلُّ حَتَّى يَحُجَّ) بَلْ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ وَيُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ بَعْدَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لَهَا، ثُمَّ لَا يُحِلُّ حَتَّى يُحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا يَوْمَ النَّحْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَعَنْهُ: مَنْ لَبَّدَ رَأَسَهُ أَوْ صَفَّرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " هُوَ بِمَنْزِلَةٍ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، لِحَدِيثِ حَفْصَةَ، وَقِيلَ: يُحِلُّ كَمَنْ لَمْ يَهْدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، وَعَنْهُ: إِنْ قَدِمَ فِي الْعَشْرِ، لَمْ يَنْحَرِ الْهَدْيَ حَتَّى يَنْحَرَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ نَحَرَ الْهَدْيَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ، حَلَّ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ لَمْ يُحِلَّ، وَاسْتِثْنَاءُ الْمُتَمَتِّعِ من المعتمر دَلِيلُ عُمُومِهِ (وَمَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ) وَالْمُرَادُ: إِذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ الَّذِي حَلَّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُحِلِّينَ بِمَكَّةَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ جَازَ ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُمْسِكُ عَنِ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إِذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. أَيْ: شَرَعَ فِي الطَّوَافِ، وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ إِجَابَةٌ إِلَى الْعِبَادَةِ وَشِعَارُ الْإِقَامَةِ عَلَيْهَا، وَالْأَخْذُ فِي التَّحَلُّلِ يُنَافِيهَا، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ فَإِذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ فَقَدْ أَخَذَ فِي التَّحَلُّلِ فَيَقْطَعُهَا كَمَا يَقْطَعُ الْحَاجُّ التَّلْبِيَةَ إِذَا شَرَعَ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ بِهِ. وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ الْقَطْعِ بِالْمُتَمَتِّعِ كَالْخِرَقِيِّ، وَ " الْوَجِيزِ " وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُتَمَتِّعُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُعْتَمِرِينَ. [بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ] [صِفَةُ الْحَجِّ] بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ أَصْلُهُ حَدِيثِ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ الَّذِي حَلَّ) مِنْ عُمْرَتِهِ (وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُحِلِّينَ بِمَكَّةَ) سَوَاءٌ كَانَ مُقِيمًا بِهَا مَنْ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ (الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إِذَا تَوَجَّهْنَا إِلَى مِنًى فَأَهْلَلْنَا مِنَ الْأَبْطَحِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ جَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْهُ: الْمَكِّيُّ يُهِلُّ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ، لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَهْلِ مَكَّةَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ جَاوَزَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ لَزِمَهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ مَعَ دَمِ التَّمَتُّعِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَفِي " الرِّعَايَةِ ": يُحْرِمُ يَوْمَ تَرْوِيَةٍ أَوْ عَرَفَةَ، فَإِنْ غَيَّرَهُ، فَدَمٌ، وَلَا يَطُوفُ بَعْدَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ: لَا يَخْرُجُ حَتَّى يُوَدِّعَهُ، وَطَوَافُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى لِلْحَجِّ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَاضِحِ " وَ " الْكَافِي " فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ أَتَى بِهِ، وَسَعَى بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ، (وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَرَوُّونَ فِيهِ الْمَاءَ لِمَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ: لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَصْبَحَ يَتَرَوَّى فِي أَمْرِ الرُّؤْيَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (مِنْ مَكَّةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 يَخْرُجُ إِلَى مِنًى، فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ، وَيَبِيتُ بِهَا، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، سَارَ إِلَى عَرَفَةَ، وَأَقَامَ بِنَمِرَةَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا الْوُقُوفَ وَوَقْتَهُ وَالدَّفْعَ مِنْهُ، وَالْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، ثُمَّ يَرُوحُ إِلَى الْمَوْقِفِ. وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ   [المبدع في شرح المقنع] يُهِلُّونَ مِنْهَا» وَكَانَ عَطَاءٌ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ مُهِلًّا بِالْحَجِّ، وَالْأَفْضَلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَفِي " الْمُبْهِجِ " وَ " الْإِيضَاحِ " مِنْ تَحْتِ الْمِيزَابِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي إِحْرَامِهِ مَا يَفْعَلُهُ فِي إِحْرَامِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ، مِنْ غُسْلٍ وَغَيْرِهِ، وَيَطُوفُ سَبْعًا وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ مِنَ الْحَرَمِ جَازَ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ؛ لِأَنَّ الْأَبْطَحَ خَارِجٌ مِنَ الْبَلَدِ دَاخِلٌ فِي الْحَرَمِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ بِهِ كَجَمْعِهِ فِي نُسُكِهِ بَيْنَ الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ (ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى مِنًى) قَبْلَ الزَّوَالِ (فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ) مَعَ الْإِمَامِ إِنْ أَمْكَنَهُ، وَبَقِيَّةَ الصَّلَوَاتِ إِلَى الْفَجْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَيَبِيتُ بِهَا) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَحَلُّوا بِالْحَجِّ فَرَكِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ» . وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَبِيتَ بِهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى الْمُسْتَحَبَّاتِ، فَلَوْ صَادَفَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا، كَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَأَقَامَ حَتَّى زَالَتِ الشَّمْسُ، وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ (فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ سَارَ إِلَى عَرَفَةَ) هِيَ اسْمٌ لِمَوْضِعِ الْوُقُوفِ، (وَأَقَامَ بِنَمِرَةَ) هِيَ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ. وَظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ. قَالَ الْأَزْرُقِيُّ: هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنْصَابُ الْحَرَمِ عَنْ يَمِينِكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ مَأْزَمَيْ عَرَفَةَ (حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ» ، (ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خِطْبَةً) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «ثُمَّ أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ» ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِمَا، وَيُسَنُّ تَقْصِيرُهَا (يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا الْوُقُوفَ، وَوَقْتَهُ، وَالدَّفْعَ مِنْهُ، وَالْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ) يَتَذَكَّرُ الْعَالِمُ، وَيَتَعَلَّمُ الْجَاهِلُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِمَكَّةَ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ بَلَى يُعَلِّمُهُمْ مَا يَفْعَلُونَهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ (ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 عُرَنَةَ وَهُوَ مِنَ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى عُرَنَةَ مِنَ الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ إِلَى مَا يَلِي حَوَائِطَ بَنِي عَامِرٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ رَاكِبًا وَقِيلَ: الرَّاجِلُ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِقَامَتَيْنِ) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُؤَذِّنُ إِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ، فَإِذَا فَرَغَ، قَامَ فَخَطَبَ وَقِيلَ: يُؤَذِّنُ فِي آخِرِ خُطْبَةِ الْإِمَامِ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَكَيْفَمَا فَعَلَ فَحَسَنٌ، فَإِنْ لَمْ يُؤَذِّنْ فَلَا بَأْسَ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَ " الْخِرَقِيُّ "؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رَوَى عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ كُلَّ وَاقِفٍ بِعَرَفَةَ مِنْ مَكِّيٍّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ صَلَّى مَعَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَرْكِ الْجَمْعِ كَمَا أَمَرَهُمْ بِتَرْكِ الْقَصْرِ، فَقَالَ: «أَتِمُّوا فَإِنَّا سَفْرٌ» ، وَلَوْ حُرِّمَ لِبَيَّنَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَبِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ اتَّخَذَ بِمَكَّةَ أَهْلًا، وَلَمْ يَتْرُكِ الْجَمْعَ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ خِلَافُهُ، وَشَرَطَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ السَّفَرُ الطَّوِيلُ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ كَالْقَصْرِ، وَالْقَصْرُ مُخْتَصٌّ بِمَنْ ذَكَرْنَا فَكَذَا الْجَمْعُ، وَقَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ: يَجُوزُ لَهُمُ الْقَصْرُ كَالْجَمْعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يُسَنُّ أَنْ يُعَجِّلَ، فَإِنْ فَاتَهُ الْجَمْعُ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ فِي رَحْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، (ثُمَّ يَرُوحُ إِلَى الْمَوْقِفِ) لِقَوْلِ جَابِرٍ: «ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ» . [عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ] (وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ فَلَمْ تُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ وَقَفَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ، (وَهُوَ) أَيْ: حَدُّ عُرَنَةَ (مِنَ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى عَرَفَةَ إِلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لَهَا إِلَى مَا يَلِي حَوَائِطَ بَنِي عَامِرٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ فَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ» (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 أَفْضَلُ. وَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَمِنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ اجْعَلْ   [المبدع في شرح المقنع] الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ) وَاسْمُهُ " إِلَالٌ " عَلَى وَزْنِ هِلَالٌ (رَاكِبًا) مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ «لِقَوْلِ جَابِرٍ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءَ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» . وَلِأَنَّ الرُّكُوبَ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَلَا يَشْرُعُ صُعُودُهُ إِجْمَاعًا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَقِيلَ: الرَّاجِلُ أَفْضَلُ) ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كَانُوا يَدْخُلُونَ الْحَرَمَ مُشَاةً، وَيَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَيَقْضُونَ الْمَنَاسِكَ مُشَاةً، وَرُوِيَ أَنَّ آدَمَ حَجَّ أَرْبَعِينَ مَرَّةً مِنَ الْهِنْدِ عَلَى رِجْلَيْهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ لَهُ: وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ: بِكُلِّ حَسَنَةٍ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ» وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَكَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ وَالْعِبَادَاتِ، وَرُكُوبُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِيَعَلِّمَهُمُ الْمَنَاسِكَ وَيَرَوْهُ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ. وَقِيلَ: سَوَاءٌ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَةَ: يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ النَّاسِ. (وَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ) رَافِعًا يَدَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمٌ تُرْجَى فِيهِ الْإِجَابَةٌ، (وَ) يُكْثِرُ (مِنْ قَوْلِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» لِمَا رَوَى عَلَيٌّ مَرْفُوعًا: «أَكْثَرُ دُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي وَدُعَائِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَذَكَرَهُ إِلَّا قَوْلَهُ: «بِيَدِهِ الْخَيْرُ» ، وَعَنْ عَمْرُو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ فَمَنْ حَصَّلَ بِعَرَفَةَ فِي شَيْءٍ   [المبدع في شرح المقنع] بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَسُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، قِيلَ: لَهُ هَذَا ثَنَاءٌ، وَلَيْسَ بِدُعَاءٍ، فَقَالَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ أَأُذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... حَيَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مَنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي» رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي " الْمُحَرَّرِ " كَ " الْمُقْنِعِ " وَفِي " الْفُرُوعِ " الِاقْتِصَارُ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَفِي " الْوَجِيزِ ": يَدْعُو بِمَا وَرَدَ، فَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ دَعَا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَرَى مَكَانِي، وَتَسْمَعُ كَلَامِي، وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي، أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ الْوَجِلُ الْمُشْفِقُ الْمُقِرُّ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ، وَأَبْتَهِلُ إِلَيْكَ ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ مَنْ خَشَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ، وَذَلَّ لَكَ جَسَدُهُ، وَفَاضَتْ لَكَ عَيْنُهُ، وَرَغِمَ لَكَ أَنْفُهُ» . (وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ) لِمَا رَوَى عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ الطَّائِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ ووقف معنا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» ، وَقَضَى تَفَثُهُ. رَوَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 مِنْ هَذَا الْوَقْتِ وَلَوْ لَحْظَةً وَهُوَ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ، فَاتَهُ الْحَجُّ. وَمَنْ وَقَفَ بِهَا نَهَارًا وَدَفَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ وَافَاهَا   [المبدع في شرح المقنع] الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفَظُهُ لَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ كَافَّةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَكَانَ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ كَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَتَرْكُ الْوُقُوفِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ وَقْتًا كَمَا بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ وَقْتُ الْفَضِيلَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو حَفَصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ: أَوَّلُهُ مِنَ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْقُرْطُبِيُّ إِجْمَاعًا، وَفِيهِ نَظَرٌ. (فَمَنْ حَصَّلَ بِعَرَفَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ، وَلَوْ لَحْظَةً، وَهُوَ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ) سَوَاءٌ كَانَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا، وَلَوْ نَائِمًا، صَحَّحَهُ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " وَجَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، أَوْ مَارًّا مُجْتَازًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عَرَفَةُ فِي الْأَصَحِّ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ سَكْرَانِ، وَمُغْمًى عَلَيْهِ فِي الْمَنْصُوصِ بِخِلَافِ إِحْرَامٍ وَطَوَافٍ. وَيَتَوَجَّهُ: فِي سَعْيٍ مِثْلُهُ، وَلَا مَجْنُونٍ بِخِلَافِ رَمْيِ جِمَارٍ وَمَبِيتٍ (وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَاتَهُ الْحَجُّ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحَجُّ عَرَفَةُ فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ رَكَنٌ لِلْعِبَادَةِ فَلَمْ يَتِمُّ بِدُونِهِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْقِفِ مِقْدَارُ صَلَاةٍ، صَلَّاهَا صَلَاةَ خَائِفٍ فِي الْأَظْهَرِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، (وَمَنْ وَقَفَ بِهَا) أَيْ: بِعَرَفَةَ نَهَارًا، (وَوَقَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) أَيْ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ بِهَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي ذَلِكَ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ بِهَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ حَجِّهِ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا حَجَّ لَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 لَيْلًا، فَوَقَفَ بِهَا، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ، وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً، أَسْرَعَ، فَإِذَا وَصَلَ مُزْدَلِفَةَ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ حَطِّ الرِّحَالِ. فَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ، تَرَكَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَهُ، وَمَنْ فَاتَتْهُ   [المبدع في شرح المقنع] مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِقَوْلِهِ، وَمِمَّنْ أَوْجَبَ الدَّمَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَيُجْزِئُهُ شَاةٌ، وَمَحَلُّهُ إِذَا لَمْ يَعُدْ قَبْلَ الْغُرُوبِ إِلَيْهَا، وَفِي " الْإِيضَاحِ ": قَبْلَ الْفَجْرِ، وَقِيلَ: إِنْ عَادَ مُطْلَقًا، وَفِي " الْوَاضِحِ ": وَلَا عُذْرَ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِوَاقِفٍ لَيْلًا، وَعَنْهُ: يَلْزَمُ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ (وَإِنْ وَافَاهَا لَيْلًا فَوَقَفَ بِهَا، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ) وَحَجُّهُ تَامٌّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا مِنَ النَّهَارِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ [الدَّفْعُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ] (ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ) سُمِّيَتْ بِهِ مِنَ الزَّلَفِ، وَهُوَ التَّقَرُّبُ؛ لِأَنَّ الْحجاجَّ إِذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ ازْدَلَفُوا إِلَيْهَا أَيْ: تَقَرَّبُوا، وَمَضَوْا إِلَيْهَا، وَتُسَمَّى جَمْعًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا، (وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ) قَالَ: أَبُو حَكِيمٍ مُسْتَغْفِرًا، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَكُونُ فِي طَرِيقِهِ مُلَبِّيًا، وَيَذْكُرُ اللَّهَ - تَعَالَى - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، «وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ بِالزِّمَامِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، وَفِيهِ أَرْدَفَ الْفَضْلُ، وَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» (فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً أَسْرَعَ) لِقَوْلِ أُسَامَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ أَيْ: أَسْرَعَ» قَالَ: هِشَامٌ النَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَإِذَا وَصَلَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ حَطِّ الرِّحَالِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. رَوَاهُ جَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ، وَأُسَامَةُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِإِقَامَتَيْنِ فَقَطْ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ بِعَرَفَةَ، جَمَعَ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَبِيتُ بِهَا، فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ دَفَعَ بَعْدَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَافَاهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَلَا   [المبدع في شرح المقنع] إِقَامَةٍ لِلْأُولَى فَلَا بَأْسَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَمَعَ بَيْنِهِمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَإِنْ أَذَّنَ لِلْأُولَى، وَأَقَامَ لِلثَّانِيَةِ، فَحَسَنٌ قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " فَإِنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ جَابِرٍ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِزِيَادَةِ، وَكَسَائِرِ الْفَوَائِتِ، وَالْمَجْمُوعَاتِ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَاخْتَارَ الْخِرَقِيُّ الْأَوَّلُ، وَفِيهِ شَيْءٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ أُسَامَةَ أَعْلَمُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَدِيفَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِلْأُولَى؛ لِأَنَّهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا بِخِلَافِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِعَرَفَةَ، وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَتَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ (فَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ تَرَكَ السُّنَّةَ) الْمَأْثُورَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، (وَأَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاتَيْنِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جَازَ التَّفْرِيقُ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، (وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ بِعَرَفَةَ جَمَعَ وَحْدَهُ) لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ فِي الْأُولَى إِجْمَاعٌ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا تُصَلَّى فِي وَقْتِهَا، وَلِأَنَّ كُلَّ جَمْعٍ جَازَ مَعَ الْإِمَامِ جَازَ مُنْفَرِدًا كَالْجَمْعِ فِي السَّفَرِ، (ثُمَّ يَبِيتُ بِهَا) وَهُوَ، وَاجِبٌ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَاتَ بِهَا، وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَسَمَّاهَا مَوْقِفًا (فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّ مَبِيتَ كُلِّ اللَّيْلِ أَوْ أَكْثَرِهِ بِهَا وَاجِبٌ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَيَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ فَيَجِبُ الدَّمُ إِذَا لَمْ يَعُدْ لَيْلًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُبْ كَرُعَاةٍ وَسُقَاةٍ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالسَّاهِي، وَالْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ لِتَرْكِهِ النُّسُكَ. (وَإِنْ دَفَعَ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتِ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ فَاتَ مُعْظَمُ اللَّيْلِ، وَالْمُعْظَمُ كَالْكُلِّ فَلَمْ يَكُنْ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ (وَإِنْ وَافَاهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَلَا شَيْءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَحَدُّ الْمُزْدَلِفَةِ: مَا بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ، وَوَادِي مُحَسِّرٍ، فَإِذَا أَصْبَحَ، صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَيَرْقَى عَلَيْهِ، أَوْ يَقِفُ عِنْدَهُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُ وَيَدْعُو، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ كَمَا وَقَفْتَنَا فِيهِ، وَأَرَيْتَنَا إِيَّاهُ، فَوُفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِكَ وقولك الحق {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198] {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] إِلَى أَنْ يُسْفِرَ ثُمَّ يَدْفَعُ قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّرًا أَسْرَعَ قَدْرَ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا مِنَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ، كَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ لَيْلًا، (وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ) أَيْ: طُلُوعِهِ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ، وَهُوَ الْمَبِيتُ بِهَا، وَلَا بَأْسَ بِتَقْدِيمِ الضَّعَفَةِ وَالنِّسَاءِ لِقَوْلِ «ابْنِ عَبَّاسٍ: كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّفْقِ بِهِمْ، وَدَفْعِ الْمَشَقَّةِ عَنْهُمْ (وَحَدُّ الْمُزْدَلِفَةِ: مَا بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ) أَيْ: مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ، وَهُمَا جَبَلَانِ، (وَوَادِي مُحَسِّرٍ) وَمَا عَلَى يَمِينِ ذَلِكَ، وَشِمَالِهِ مِنَ الشِّعَابِ، وَنَبَّهَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى ذَلِكَ لِيُعَلِّمَكَ أَنَّ أَيَّ مَوْضِعٍ وَقَفَ مِنْهَا، أَجْزَأَهُ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَفَ بِجَمْعٍ، وَقَالَ: ارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ» (فَإِذَا أَصْبَحَ صَلَّى الصُّبْحَ) بِأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ (بِغَلَسٍ) «لِقَوْلِ جَابِرٍ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الصُّبْحَ بِهَا حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ» ، وَلِيَتَتَبَّعَ وَقْتَ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. 1 - (ثُمَّ يَأْتِي الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَجِّ (فَيَرْقَى عَلَيْهِ) إِنْ أَمْكَنَهُ (أَوْ يَقِفُ عِنْدَهُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198] وَفِي «حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ: النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَرَقِيَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَهُ وَكَبَّرَهُ» ، (وَيَدْعُو فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ كَمَا وَقَفْتَنَا فِيهِ، وَأَرَيْتَنَا إِيَّاهُ، فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِكَ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ» {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198] {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ (إِلَى أَنْ يُسْفِرَ) «لِحَدِيثِ جَابِرٍ: فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا» (ثُمَّ يَدْفَعُ) مِنْ مُزْدَلِفَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 رَمْيَةِ حَجَرٍ. ثُمَّ يَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ طَرِيقِهِ، أَوْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَمِنْ حَيْثُ أَخَذَهُ، جَازَ، وَيَكُونُ أَكْبَرَ مِنَ الْحِمَّصِ وَدُونَ الْبُنْدُقِ، وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً، فَإِذَا وَصَلَ إِلَى مِنًى، وَحْدَهَا مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ إِلَى الْعَقَبَةِ بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ   [المبدع في شرح المقنع] (قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهِ، لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَقَالَ عُمَرُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالَفَهُمْ فَأَفَاضَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّرًا) وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْسَرُ سَالِكَهُ (أَسْرَعَ) إِنْ كَانَ رَاجِلًا أَوْ حَرَّكَ مَرْكُوبَهُ إِنْ كَانَ رَاكِبًا «لِقَوْلِ جَابِرٍ: فَلَمَّا أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ حَرَّكَ قَلِيلًا» . قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي " الْإِمْلَاءِ ": لَعَلَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِسِعَةِ الْمَوْضِعِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ (قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ) قَالَ الْأَصْحَابُ: وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَيُلَبِّي مَعَ ذَلِكَ. (وَيَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ طَرِيقِهِ، أَوْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ) لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عِنْدَ قُدُومِهِ إِلَى مِنًى بِغَيْرِ الرَّمْيِ، فَإِنَّهُ تَحِيَّةُ مِنًى، كَمَا أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْبَيْتُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُهُ مَنْ جَمْعٍ، وَفَعَلَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَلِأَنَّهُ إِذَا أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ مِنًى كَانَ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ رُمِيَ بِهِ (وَمِنْ حَيْثُ أَخَذَهُ جَازٌ) قَالَهُ أَحْمَدُ، وَلَا خِلَافَ فِي الْإِجْزَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِابْنِ عَبَّاسٍ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ «الْقُطْ لِي حَصًا فَلَقَطْتُ لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مِنْ حَصَا الْخَذَفِ، فَجَعَلَ يُنَفُضْهُنَّ فِي كَفِّهِ، وَيَقُولُ: مِثْلِ هَذَا فَارْمُوا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَيُكْرَهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَتَكْسِيرِهِ، وَكَذَا مِنَ الْحَشِّ قَالَهُ فِي " الْفُصُولِ " (وَيَكُونُ أَكْبَرَ مِنَ الْحِمَّصِ وَدُونَ الْبُنْدُقِ) كَحَصَى الْخَذَفِ لِقَوْلِ جَابِرٍ: كُلُّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلُ حَصَى الْخَذَفِ، (وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً) ؛ لِأَنَّهُ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ بِسَبْعٍ، وَبَاقِيهَا فِي أَيَّامِ مِنًى كُلَّ يَوْمٍ بِإِحْدَى وَعِشْرِينَ، كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعٍ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ مَا ذَكَرَهُ. 1 - (فَإِذَا وَصَلَ إِلَى مِنًى) سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قُدِّرَ فِيهَا مَوْتُ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا (وَحَدُّهَا مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ إِلَى الْعَقَبَةِ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنَ مِنًى؛ لِأَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ، وَيُسْتَحَبُّ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْوُسْطَى الَّتِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 حَصَيَاتٍ، وَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَرْفَعُ يَدَهُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطِهِ   [المبدع في شرح المقنع] يَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) هِيَ آخِرُ الْجَمَرَاتِ مِمَّا يَلِي مِنًى وَأَوَّلُهَا مِمَّا يَلِي مَكَّةَ، وَهِيَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ وَبِهَا سُمِّيَتْ فَصَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَدَأَ بِهَا، وَلِأَنَّهَا تَحِيَّةٌ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْهَا شَيْءٌ كَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ (فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) رَاكِبًا إِنْ كَانَ، وَالْأَكْثَرُ مَاشِيًا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: يَرْمِي ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا» ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَابْنَ عُمَرَ كَانَا يَقُولَانِ ذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا وَضَعَهَا مِنْ غَيْرِ رَمْيٍ لَا يُجْزِئُهُ لِعَدَمِ الرَّمْيِ بَلْ لَوْ طَرَحَهَا أَجْزَأَتْ. وَظَاهِرُ " الْفُصُولِ " لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ، فَلَوْ رَمَاهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْها وَيُؤَدَّبُ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، فَيُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدَةٍ، وَيُكَمِّلُ السَّبْعَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُهَا، وَاسْتَحَبَّهُ " الْخِرَقِيُّ " فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي حَجَرٍ كَبِيرٍ وَجْهَانِ، وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِي، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيَرْمِي عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ، لِفِعْلِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَهُ الرَّمْيُ مِنْ فَوْقِهَا لِفِعْلِ عُمَرَ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، (وَيَرْفَعُ يَدَهُ) قَالَ: جَمَاعَةٌ يُمْنَاهُ (حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى الرَّمْيِ، وَأَمْكَنُ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ حُصُولِهَا فِي الْمَرْمَى، فَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ فِي غَيْرِ الْمَرْمَى فَتَدَحْرَجَتْ حَصَاةٌ بِسَبَبِهَا، فَوَقَعَتْ فِيهِ أَوِ الْتَقَطَهَا طَائِرٌ بَعْدَ رَمْيِهَا قَبْلَ وُصُولِهَا، لَمْ يُجْزِئْهُ فَلَوْ وَقَعَتْ فِي مَكَانٍ صُلْبٍ، ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ إِلَيْهِ أَوْ وَقَعَتْ عَلَى ثَوْبِ إِنْسَانٍ فَنَفَضَهَا مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُجْزِئُهُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ انْقَطَعَ، فَلَوْ رَمَاهَا وَشَكَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا. وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ، فَإِنْ رَمَى بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِ الْحَصَى أَوْ حَجَرٍ رَمَى بِهِ مَرَّةً لَمْ يُجْزِئْهُ، وَيَرْمِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنْ رَمَى بَعْدَ   [المبدع في شرح المقنع] فِي وُقُوعِهَا فِيهِ، لَمْ يَسْقُطْ. وَعَنْهُ: بَلَى، ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَقِيلَ: يَكْفِي الظَّنُّ بِوُقُوعِهَا فِيهِ. فَرْعٌ: إِذَا عَجَزَ عَنِ الرَّمْيِ جَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ، فَإِذَا رَمَى، ثُمَّ تَرَكَ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ سَقَطَ عَنْهُ (وَلَا) يُسَنُّ أَنْ (يَقِفُ عِنْدَهَا) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ انْصَرَفَ، وَلَمْ يَقِفْ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مَعْنَاهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِضِيقِ الْمَكَانِ (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَلِأَنَّهُ كَانَ رَدِيفَهُ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِهِ، وَفِي لَفْظٍ: قَطَعَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ. رَوَاهُ حَنْبَلٌ فِي " الْمَنَاسِكِ " وَلِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِهِ فَشَرَعَ قَطْعَهَا فِي ابْتِدَائِهِ، كَالْمُعْتَمِرِ يَقْطَعُهَا بِالشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ (فَلَوْ رَمَى بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَرْمِ إِلَّا بِالْحَصَى، وَهُوَ تَعَبُّدِيٌّ، وَعَنْهُ: بَلَى، فَإِنْ رَمَى بِخَاتَمٍ فَصُّهُ حَصَاةٌ، فَوَجْهَانِ (أَوْ غَيْرُ الْحَصَى) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ نَحْوَ الْكُحْلِ، وَالرُّخَامِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ شُرَطَهُ الْحَجَرِيَّةُ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْجَوَاهِرُ الْمُنْطَبِعَةُ، وَالزَّبَرْدَجُ، وَالْيَاقُوتُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَعَنْهُ: تُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَعَنْهُ: تُجْزِئُ مَعَ الْجَهْلِ لَا الْقَصْدِ، لَكِنَّ الرُّخَامَ وَالْكِدَانَ صَرَّحَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِالْإِجْزَاءِ، فِيهِ فَدَلَّ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْأَحْجَارِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْحَجَرَ الْكَبِيرَ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِوُجُودِ الْحَجَرِيَّةِ، وَكَذَا الْقَوْلَانِ فِي الصَّغِيرِ قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " (أَوْ حَجَرٍ رمى بِهِ مَرَّةً لَمْ يُجْزِئْهُ) فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 نِصْفِ اللَّيْلِ، أَجْزَأَهُ. ثُمَّ يَنْحَرُ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ. وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ اسْتُعْمِلَ فِي عِبَادَةٍ فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ ثَانِيًا كَمَاءِ الْوُضُوءِ، وَلِأَخْذِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ الْمَرْمى، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَمَا احْتِيجَ إِلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ مَكَانِهِ، (وَيَرْمِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا لِقَوْلِ جَابِرٍ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى الْجَمْرَةَ ضُحَى يَوْمِ النَّحْرِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يُسَنُّ بَعْدَ الزَّوَالِ (فَإِنْ رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) أَيْ: لَيْلَةَ الْأَضْحَى (أَجْزَأَهُ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ، وَأَفَاضَتْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: نَصُّهُ لِلرِّعَاءِ خَاصَّةً الرَّمْيَ لَيْلًا، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فَكَانَ وَقْتًا لِلرَّمْيِ كَبَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالْأَخْبَارُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْاسْتِحْبَابِ فَإِنْ أَخَّرَهُ إِلَى آخَرِ النَّهَارِ جَازَ، فَإِنْ غَرَبَتْ قَبْلَهُ فَمِنْ غَدٍ بَعْدَ الزَّوَالِ. [نَحْرُ الْهَدْيِ] (ثُمَّ يَنْحَرُ هَدْيًا) وَاجِبًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا (إِنَّ كَانَ مَعَهُ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ أَيْ: بَقِيَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ» ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَاجِبٌ، اشْتَرَاهُ، وَنَحَرَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ أَحَبَّ الْأُضْحِيَةَ اشْتَرَى مَا يُضَحِّي بِهِ. قَوْلُهُ " ثُمَّ يَنْحَرُ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِبِلِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ، فَيُذْبَحُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ أَنَّ الْأَوْلَى فِي الْهَدْيِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِبِلِ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا إِشْكَالَ فِي مَسْنُونِيَّتِهِ وَسَوْقِهِ وَوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ؛ لِيَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَسَيَأْتِي. [حَلْقُ الشَّعْرِ] (وَيَحْلِقُ) بَعْدَ النَّحْرِ فَالْوَاوُ: بِمَعْنَى ثُمَّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِنًى فَدَعَا بِذِبْحٍ فَذَبَحَ ثم دَعَا بِالْحَلَّاقِ فَأَخَذَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ فَجَعَلَ يُقَسِّمُهُ بَيْنَ مَنْ يَلِيهِ، ثُمَّ حَلَقَ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، فَمِنْ ثَمَّ تُسْتَحَبُّ الْبِدَاءَةُ بِأَيْمَنِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْلُغَ الْعَظْمَ الَّذِي عِنْدَ مُنْقَطَعِ الصُّدْغِ مِنَ الْوَجْهِ، وَيَسْتَقْبِلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 شِعْرِهِ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ بَعْضُهُ كَالْمَسْحِ، وَالْمَرْأَةُ تَقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ، ثُمَّ قَدْ   [المبدع في شرح المقنع] الْقِبْلَةَ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: وَيَدْعُو، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": يِكَبِّرُ وَقْتَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ، قَالَ أَبُو حَكِيمٍ: وَلَا يُشَارِطُهُ عَلَى أُجْرَةٍ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِدُعَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُحَلِّقِينَ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ. وَظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ حَلَقَ، وَبَعْضَهُمْ قَصَّرَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَلَكِنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ بِلَا تَرَدُّدٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعِبَادَةِ، وَأَدَلُّ عَلَى صِدْقِ النِّيَّةِ، وَيَكُونُ التَّقْصِيرُ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الْحَلْقِ فَاقْتَضَى التَّعْمِيمَ لِلْأَمْرِ بِالتَّأَسِّي قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِعَيْنِهَا قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيَكُونُ مِقْدَارُ الْأُنْمُلَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ (وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ بَعْضُهُ كَالْمَسْحِ) قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيُجْزِئُ مَا نَزَلْ عَنْ رَأْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَعْرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَأْسًا ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ " وَ " الْخِلَافِ " قَالَ: وَلَا يُجْزِئُ شَعْرُ الْأُذُنِ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُجْزِئْ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَقْصِيرُ جَمِيعِهِ. فَائِدَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَالْأَكْثَرِ أَنَّ مَنْ لَبَّدَ أَوْ ضَفَّرَ أَوْ عَقَصَ، فَكَغَيْرِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيَحْلِقْ أَيْ: وَجَبَ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّقْصِيرُ مِنْ كُلِّهِ لِاجْتِمَاعِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ إِمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى النَّدْبِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَلَّمَ أَظْفَارَهُ بَعْدَ حَلْقِ رَأَسِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: وَلِحْيَتِهِ، فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ اسْتَحَبَّ أَنْ يُمِرَّ الْمُوسَى، وَقَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي خِتَانٍ. (وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَيْسَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ، وَعَنْهُ: إِلَّا الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ، وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] النِّسَاءِ حَلْقٌ، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ الْحَلْقَ فِي حَقِّهِنَّ مُثْلَةٌ، فَعَلَى هَذَا تُقَصِّرُ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: تَجْمَعُ شَعْرَهَا إِلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ مِنْ أَطْرَافِهِ قَدْرَهَا، وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: يَجِبُ أُنْمُلَةٌ، وَالْأَشْهَرُ يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفِ لِحُكْمِ الْعَبْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي " الْوَجِيزِ " بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمَرْأَةِ، وَأَنَّهُ يُقَصِّرُ، وَلَا يَحْلَقُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ، (ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ) بَعْدَ الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ (كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِأَحْمَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَعْنَاهُ. فَعَلَى هَذَا لَا يُبَاحُ لَهُ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ مِنْهُنَّ مِنَ الْقُبْلَةِ، وَاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ. قَالَ الْقَاضِي وَابْنُهُ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَعَقْدُ النِّكَاحِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ حِلُّهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ عَنْ أَحْمَدَ. (وَعَنْهُ) : يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ (إِلَّا الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ) ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمَرْأَةِ ظَاهِرٌ فِي وَطْئِهَا، وَلِأَنَّهُ أَغْلَظُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَيُفْسِدُ النُّسُكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِي الْمُتَمَتِّعِ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، حَلَّ لَهُ بِدُخُولِهِ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ. رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْوَطْءِ أَشْبَهَ الْقُبْلَةَ (وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ) مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] فَوَصَفَهُمْ وَامْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَدَلَّ أَنَّهُ مِنَ الْعِبَادَةِ مَعَ قَوْلِهِ {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْحَلْقُ، وَقِيلَ: بَقَايَا أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنَ الرَّمْيِ وَنَحْوِهِ، وَلِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «فَلْيُقَصِّرْ أَوْ لِيُحَلِّلْ» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا لَمْ يَتَوَقَّفِ الْحِلُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ وَلِلْمُقَصِّرِينَ، وَفَاضَلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى، فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهِ. وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ، فَإِنْ قَدَّمَ الْحَلَقَ عَلَى الرَّمْيِ أَوِ النَّحْرِ   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَهُمْ فَلَوْلَا أَنَّهُ نُسُكٌ لَمَا اسْتَحَقُّوا لِأَجْلِهِ الدُّعَاءَ، وَلَمَا وَقَعَ التَّفَاضُلُ فِيهِ، إِذْ لَا مُفَاضَلَةَ فِي الْمُبَاحِ. فَعَلَى هَذَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُذَمُّ بِتَرْكِهِ (إِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامٍ مِنًى فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا دَمَ عَلَيْهِ قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَبَيَّنَ أَوَّلَ وَقْتِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ آخِرَهُ فَمَتَى أَتَى بِهِ أَجْزَأَ كَالطَّوَافِ، وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ دَمٌ قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ النُّسُكَ فِي وَقْتِهِ أَشْبَهَ تَأْخِيرَ الرَّمْيِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ تَأْخِيرَهُ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ تَأْخِيرُ النَّحْرِ الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ فَتَأْخِيرُهُ أَوْلَى، وَلَكِنَّ عِبَارَةَ " الشَّرْحِ " أَخَصُّ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي مُوسَى حِينَ قَالَ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَعْنَاهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَأَمَرَ بِالْحِلِّ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ وَلَا تَقْصِيرٍ، وَلَوْ كَانَ نُسُكًا، لَمَا أَمَرَ بِهِ إِلَّا بَعْدَهُ فَهُوَ كَاللِّبَاسِ، وَالطِّيبِ (لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهِ) وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِدُونِهِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ فِي أَيَّامِ مِنًى، وَبَيْنَ تَأْخِيرِهِ وَتَرْكِهِ، وَالْأَخْذُ مِنْ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَغَيْرِهِ. [يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ] (وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ) يُحْتَمَلُ أَنْ هَذَا تَكْمِلَةُ الرِّوَايَةِ، فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ، لِأَمْرِهِ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَطُوفَ وَيُقَصِّرَ ثُمَّ يُحِلَّ.» وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ، صَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " لِقَوْلِهِ: «إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ، حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» وَتَحْقِيقُهُ أَنْ يُقَالَ هَلِ الْأَنْسَاكُ ثَلَاثَةٌ أَمِ اثْنَانِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَلِيهِ رَمْيٌ وَحَلْقٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَهُ عَالِمًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا النَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ. ثُمَّ يُفِيضُ إِلَى مَكَّةَ،   [المبدع في شرح المقنع] وَطَوَافٌ، وَالثَّانِيَةُ: هُمَا نُسُكَانِ رَمْيٌ وَطَوَافٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَيَحْصُلُ الثَّانِي: بِفِعْلِ الثَّالِثِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَحْصُلُ الْأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالثَّانِي بِالثَّانِي فَعَلَيْهَا الْحَلْقُ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ، وَفِي " التَّعْلِيقِ " نُسُكٌ كَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَرَمْيِ يَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ نُسُكٌ، وَيُحِلُّ قَبْلَهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ. «وَالسُّنَّةُ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَرْمِيَ ثُمَّ يَنْحَرُ ثُمَّ يَحْلِقُ ثُمَّ يَطُوفُ، يُرَتِّبُهَا كَذَلِكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ (وَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ أَوِ النَّحْرِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ، وَقَالَ آخَرُ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَعْنَاهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِ فَالنَّاسِي مِثْلُهُ، وَكَذَا إِذَا زَارَ أَوْ نَحَرَ قَبْلَ رَمْيِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَإِنْ فَعَلَهُ عَالِمًا) عَامِدًا (فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَإِسْحَاقَ لِإِطْلَاقِ مَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِيَةُ نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ: يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَتَّبَهَا وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ حَالَةُ الْجَهْلِ، وَالنِّسْيَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " لَمْ أَشْعُرْ " فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ. وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَيْمُونِيِّ: يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الْإِخْلَالَ بِالتَّرْتِيبِ لَا يُخْرِجُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ عَنِ الْإِجْزَاءِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، (ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَةً) بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ جَمَاعَةٌ: بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِمَا رَوَى رَافِعُ بْنُ عَمْرٍو الْمُزْنِيُّ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ، وَعَلَيٌّ يُعَبِّرُ عَنْهُ وَالنَّاسُ بَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 وَيَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ، وَيُعَيِّنُهُ بِالنِّيَّةِ، وَهُوَ الطَّوَافُ الْوَاجِبُ الَّذِي بِهِ تَمَامُ الْحَجِّ، وَأَوَّلُ   [المبدع في شرح المقنع] قَائِمٍ وَقَاعِدٍ، وَيَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ» قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا النَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ) لِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ: «خَطَبْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْجِمَارَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَخْطُبُ يَوْمَئِذٍ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهَا تُسَنُّ فِي الْيَوْمِ قَبْلَهُ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ. [الْإِفَاضَةُ مِنْ مِنًى إِلَى مَكَّةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ] (ثُمَّ يُفِيضُ إِلَى مَكَّةَ) «لِقَوْلِ عَائِشَةَ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ! قَالَ: اخْرُجُوا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ) هَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ مِنًى فَيَزُورُ الْبَيْتَ، وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ، بَلْ يَعُودُ إِلَى مِنًى، وَيُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ عِنْدَ إِفَاضَتِهِ مِنْ مِنًى إِلَى مَكَّةَ، وَيُسَمَّى: طَوَافَ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ يُصَدَرُ إِلَيْهِ مِنْ مِنًى، وَقِيلَ: طَوَافُ الصَّدْرِ هُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ إِذِ الصَّدْرُ رُجُوعُ الْمُسَافِرِ مِنْ مَقْصِدِهِ، (وَيُعَيِّنُهُ بِالنِّيَّةِ) لِخَبَرِ «الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ» ، وَلِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ (وَهُوَ الطَّوَافُ الْوَاجِبُ الَّذِي بِهِ تَمَامُ الْحَجِّ) إِجْمَاعًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدُ الْبَرِّ، لِقَوْلِهِ {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَقَوْلِهِ: أَحَابِسَتُنَا؟ فَدَلَّ أَنَّ هَذَا الطَّوَافَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَأَنَّهُ حَابِسٌ لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ، وَوَصَفَهُ بِالتَّمَامِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ سِوَاهُ فَإِذَا أَتَى بِهِ حَصَلَ تَمَامُ الْحَجِّ. لَا يُقَالُ: النَّصُّ الْوَارِدُ فِي عَرَفَةَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الطَّوَافُ، وَإِنَّ الْحَجَّ يَتِمُّ بِالْوُقُوفِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يَبْقَ حَجُّهُ مُتَعَرِّضًا لِلْفَوَاتِ، وَالطَّوَافُ رَكَنٌ فِيهِ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ فَرَضِيَّتَهُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يَطُوفُ لِلْقُدُومِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَطُوفُ لِلْقُدُومِ كَعُمْرَتِهِ بِلَا رَمَلٍ، ثُمَّ لِلزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ عند دُخُولُهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ قَبْلَ فِعْلِهِ الرُّجُوعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 وَقْتِهِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ وَعَنْ أَيَّامِ مِنًى جَازَ، ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ سَعَى مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى، لَمْ يَسْعَ، ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ   [المبدع في شرح المقنع] فَيَفْعَلُهُ عَقِبَ الْإِحْرَامِ، وَمَنَعَ فِي " الْمُغْنِي " مَسْنُونِيَّةَ هَذَا الطَّوَافِ، وَقَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَى هَذَا الطَّوَافِ، بَلِ الْمَشْرُوعُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِلزِّيَارَةِ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَأُقِيمَتِ الْمَكْتُوبَةُ، فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا قَالَتْ: طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا، وَهَذَا هُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ طَوَافَ الْقُدُومِ لَأَخَلَّتْ بِذِكْرِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ، وَحُكْمُ الْمَكِّيِّ إِذَا أَحْرَمَ مِنْهَا وَالْمُنْفَرِدِ وَالْقَارِنِ إِذَا لَمْ يَأْتِيَا مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ كَالْمُتَمَتِّعِ. (وَأَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ) ؛ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَمَتْ، ثُمَّ طَافَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَوَافَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخَانِ، وَعَنْهُ: أَوَّلُ وَقْتِهِ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَوَّلِ وَقْتِ الرَّمْيِ (وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ) بَعْدَ الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ، لِقَوْلِ جَابِرٍ: «ثُمَّ أَفَاضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ» ، وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ (فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: طَوَافَ الزِّيَارَةِ (عَنْهُ) أَيْ: يَوْمَ النَّحْرِ (وَعَنْ أَيَّامِ مِنًى جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: أُمِرَ بِالطَّوَافِ مُطْلَقًا، فَمَتَى أَتَى بِهِ، صَحَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَاخْتَارَ فِي " الْوَاضِحِ " وُجُوبَهُ بِلَا عُذْرٍ، وَلَا عَنْ أَيَّامِ مِنًى كَالسَّعْيِ، وَخرج الْقَاضِي وَغَيْرُهُ رِوَايَةً مِنَ الْحَلْقِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي سَعْيٍ. (ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا) ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ أَوَّلًا لِعُمْرَتِهِ فَيَشْرَعُ أَنْ يَسْعَى لِلْحَجِّ (أَوْ لَمْ يَكُنْ سَعَى مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ) وَهُوَ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ، فَيَسْعَى؛ لِأَنَّهُ إِمَّا رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ طَوَافٍ، لِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمُتَابَعَتِهِ (وَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى) مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ (لَمْ يَسْعَ) لِقَوْلِ جَابِرٍ: لَمْ يَطُفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 فَيَشْرَبُ مِنْهَا لِمَا أَحَبَّ، وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْمًا نَافِعًا،   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافُهُ الْأَوَّلُ. وَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّطَوُّعُ بِالسَّعْيِ كَسَائِرِ الْأَنْسَاكِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ صَلَاةٌ (ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلِّ شَيْءٍ) «لِقَوْلِ عُمَرَ لَمْ يُحِلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَيْءِ حَرِمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَتَمَّ هَدْيُهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَفَاضَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرِمَ مِنْهُ» ، وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحِلَّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى السَّعْيِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِرُكْنِيَّتِهِ، وَكَذَا إِنْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " وَصَاحِبُ " الْمُغْنِي " وَحَكَاهُ فِي " التَّلْخِيصِ " رِوَايَةً، وَإِنْ قُلْنَا بِسُنِّيَّتِهِ، فَفِي حِلِّهِ قَبْلَهُ وَجْهَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي " احْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَالثَّانِي: لَا، وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ "؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَيَأْتِي بِهِ فِي إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ (ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْهَا) «لِقَوْلِ جَابِرٍ: ثُمَّ أَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ، فَنَاوَلُوهُ، فَشَرِبَ مِنْهُ» ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " وَيَرُشُّ عَلَى بَدَنِهِ، وَثَوْبِهِ (لِمَا أَحَبَّ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي ذَرٍّ «إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» أَيْ: تُشْبِعُ شَارِبَهَا كَالطَّعَامِ (وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ) لِقَوْلِ ابْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَرِيًّا وَشِبَعًا، وَشِفَاءً مَنْ كُلِّ دَاءٍ، وَاغْسِلْ بِهِ قَلْبِي، وَامْلَأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ. فَصْلٌ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مِنًى، وَلَا يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى، وَيَرْمِي الْجَمَرَاتِ بِهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ، كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَيَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى، وَهِيَ أَبْعَدُهُنَّ مِنْ مَكَّةَ وَتَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَسَارِهِ وَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ   [المبدع في شرح المقنع] عَبَّاسٍ لِرَجُلٍ: تَضَلَّعْ مِنْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا شَرِبْتَ مِنْهَا فَاسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، (وَيَقُولُ: «بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَرِيًّا وَشِبَعًا وَشِفَاءً مَنْ كُلِّ دَاءٍ، وَاغْسِلْ بِهِ قَلْبِي وَامْلَأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ» ؛ لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِهِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِخَيْرِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ " فَيُرْجَى لَهُ حُصُولُهُ، وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا شَرِبَ مِنْهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ. قَالَ: الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إِنْ سَلِمَ مِنَ الْجَارُودِيِّ. [الرُّجُوعُ إِلَى مِنًى وَالْبَيْتُوتَةُ فِيهَا] فَصْلٌ (ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مِنًى) فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ يَوْمَ النَّحْرِ نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «أَفَاضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى) بَلْ يَبِيتُ بِمِنًى ثَلَاثَ لَيَالٍ (وَيَرْمِي الْجَمَرَاتِ بِهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " بِطُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَّا ثَالِثَ يَوْمٍ (كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَيَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَبْعَدُهُنَّ مِنْ مَكَّةَ، وَتَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَسَارِهِ، وَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ قَلِيلًا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 قَلِيلًا فَيَقِفُ يَدْعُو اللَّهَ - تَعَالَى - وَيُطِيلُ، ثُمَّ يَأْتِي الْوُسْطَى، فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ، وَيَرْمِيهَا بِسَبْعٍ وَيَقِفُ عِنْدَهَا فَيَدْعُو، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعٍ وَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي الْجَمَرَاتِ كُلِّهَا، وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي الرَّمْيِ، وَفِي عَدَدِ الْحَصَى رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: سَبْعٌ، وَالْأُخْرَى: يُجْزِئُهُ   [المبدع في شرح المقنع] إِلَى مَكَانٍ لَا يُصِيبُهُ الْحَصَى (فَيَقِفُ يَدْعُو اللَّهَ - تَعَالَى - وَيُطِيلُ، ثُمَّ يَأْتِي الْوُسْطَى فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ، وَيَرْمِيهَا بِسَبْعٍ، وَيَقِفُ عِنْدَهَا فَيَدْعُو) وَقَيَّدَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعٍ، وَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ، وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِيَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي الْجَمَرَاتِ كُلِّهَا) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَيُطِيلُ الْمَقَامَ، وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْأَوْلَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ قِيَامًا طَوِيلًا، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ قِيَامًا طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ، وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» ، فَلَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ عِنْدَهَا، وَالدُّعَاءَ بَعْدُ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُطْعِمُ شَيْئًا، وَإِنْ أَرَاقَ دَمًا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَعْنَاهُ. (وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي الرَّمْيِ) يَعْنِي يَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الْأَوْلَى، ثُمَّ بِالَّتِي تَلِيهَا؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ يَتَكَرَّرُ فَكَانَ التَّرْتِيبُ شَرْطًا فِيهِ كَالسَّعْيِ، فَلَوْ نَكَّسَ فَبَدَأَ بِجَمْرَةٍ العقبة، ثُمَّ الثَّانِيَةِ ثُمَّ الْأَوْلَى، أَوْ بَدَأَ بِالْوُسْطَى، لَمْ يُجْزِئْهُ إِلَّا الْأُولَى، وَأَعَادَ الْوُسْطَى وَالْقُصْوَى، نَصَّ عَلَيْهِ (وَفِي عَدَدِ الْحَصَى رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: سَبْعٌ) وَهِيَ الْمَذْهَبُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 خَمْسٌ فَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ وَاجِبَةٍ مِنَ الْأُولَى، لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ الْجَمَرَاتِ تَرَكَهَا، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ. وَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ، فَرَمَاهُ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَجْزَأَهُ، وَيُرَتِّبُهُ بِنْيَتِهِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى مِنْ لَيَالِيَهَا، فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِي حَصَاةٍ أَوْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مَا فِي حَلْقِ شَعْرَةٍ، وَلَيْسَ   [المبدع في شرح المقنع] ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ، وَفِعْلُهُ خَرَجَ بَيَانًا لِصِفَةِ الرَّمْيِ الْمَشْرُوعِ (وَالْأُخْرَى: يُجْزِئُهُ خَمْسٌ) إِذِ الْأَكْثَرُ يُعْطَى حُكْمَ الْكُلِّ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ الصَّحَابَةِ التَّسَاهُلُ فِي الْبَعْضِ. وَعَنْهُ: سِتٌّ، لِمَا رَوَى سَعْدٌ قَالَ: «رَجَعْنَا مِنَ الْحَجَّةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضُنَا يَقُولُ: رَمَيْتُ بِسِتٍّ، وَبَعْضٌ يَقُولُ: رَمَيْتُ بِسَبْعٍ فَلَمْ يَعِبْ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَعْنَاهُ (فَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ وَاجِبَةٍ مِنَ الْأُولَى، لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ) لِإِخْلَالِهِ بِالتَّرْتِيبِ الْمُشْتَرَطِ، فَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لَمْ يُؤَثِّرْ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ الْجَمَرَاتِ تَرَكَهَا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) لِيَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا (وَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ) وَمِنْ جُمْلَتِهِ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ (فَرَمَاهُ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الرَّمْيِ فَإِذَا أَخَّرَهُ إِلَى آخِرِ وَقْتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ إِلَى آخِرِ وَقْتِهِ، لَكِنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَيَكُونُ أَدَاءً؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: قَضَاءٌ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْفِعْلِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] ، فَلَوْ أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إِلَى الْغَدِ رَمَى رَمْيَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَيرتبهُ بِنِيَّتِهِ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَنْوِي الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِبَادَاتٌ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِيهَا مَعَ فِعْلِهَا فِي أَيَّامِهَا، فَوَجَبَ تَرْتِيبُهَا كَالْمَجْمُوعَتَيْنِ وَالْفَوَاتِ فِي الصَّلَوَاتِ. (وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) فَعَلَيْهِ دَمٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ تَرَكَ نُسُكًا وَاجِبًا كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْإِحْرَامَ عَنِ الْمِيقَاتِ، وَلَا يَأْتِي بِهِ كَالْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى (أَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى مِنْ لَيَالِيَهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِوُجُوبِهِ، وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَمْ يُرَخِّصِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدٍ يَبِيتُ بِمَكَّةَ إِلَّا الْعَبَّاسَ مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا رَمَيْتَ الْجَمْرَةَ فَبِتْ حَيْثُ شِئْتَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مِنْ حَجِّهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَبِيتُ بِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ. (وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، قَالَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 عَلَى أَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَالرِّعَاءِ مَبِيتٌ بِمِنًى. فَإِنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَهُمْ بِمِنًى، لَزِمَ الرِّعَاءُ الْمَبِيتُ دُونَ أَهْلِ السِّقَايَةِ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ   [المبدع في شرح المقنع] الْقَاضِي، (وَفِي حَصَاةٍ أَوْ) مَبِيتِ (لَيْلَةٍ مَا فِي حَلْقِ شَعْرَةٍ) عَلَى الْخِلَافِ أَمَّا أَوَّلًا فَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ قَالَهُ الْقَاضِي، وَعَنْهُ: عَمْدًا، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ دَمٌ، قَطَعَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ الْجَمَاعَةِ، وَالْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: فِي ثِنْتَيْنِ كَثَلَاثٍ فِي الْمَنْصُوصِ. وَعَنْهُ: وَاحِدَةُ هَدَرٌ، وَعَنْهُ: وَثِنْتَانِ، وَأَمَّا ثَانِيًا، فَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَعَنْهُ: كَشَعْرَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نُسُكًا بِمُفْرَدِهَا، بِخِلَافِ مُزْدَلِفَةَ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ. (وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ، وَالرِّعَاءِ مَبِيتٌ بِمِنًى) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ الْعَبَّاسَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَبُو الْبَدَّاحِ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَرْمُونَهُ فِي أَحَدِهِمَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّهُمَا يَشْتَغِلُونَ بِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ، وَالرَّعْيِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا لَهُمُ الرَّمْيُ بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. فَائِدَةٌ: أَهْلُ السِّقَايَةِ هُمُ الَّذِينَ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، وَالرِّعَاءُ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَهَاءٍ فِي آخِرِهِ، وَبِكَسْرِ الرَّاءِ مَمْدُودًا بِلَا هَاءٍ، وَهِيَ لُغَةُ الْقُرْآنِ. (فَإِنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَهُمْ بِمِنًى، لَزِمَ الرِّعَاءَ الْمَبِيتُ) ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَبِيتِ بِهَا إِنَّمَا كَانَ لِلْحَاجَةِ فَإِذَا غَرَبَتْ زَالَتْ حَاجَةُ الرِّعَاءِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ النَّهَارُ، وَصَارَ كَالْمَرِيضِ الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ حُضُورُ الْجُمْعَةِ لِمَرَضِهِ، فَإِذَا حَضَرَهَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ (دُونَ أَهْلِ السِّقَايَةِ) لِأَنَّهُمْ يَسْقُونَ لَيْلًا وَنَهَارًا. فَرْعٌ: مَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ أَوْ مَوْتَ مَرِيضٍ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَكَذَا عُذْرُ خَوْفٍ أَوْ مَرِضٍ كَالرِّعَاءِ فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ لِلْمَعْنَى (وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةً) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ قَالَا: «رَأَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ بَيْنَ أَوْسَطَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 التَّشْرِيقِ خُطْبَةٌ يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا حُكْمَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ وَتَوْدِيعِهِمْ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، خَرَجَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَإِنْ غَرَبَتْ وَهُوَ بِهَا، لَزِمَهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ مِنَ الْغَدِ. فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ، لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ إِذَا فَرَغَ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَنَحْنُ عِنْدَ رَاحِلَتِهِ (يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا حُكْمَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ وَتَوْدِيعَهُمْ) » ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ لِيُذَكِّرَ الْعَالِمَ، وَيُعَلِّمَ الْجَاهِلَ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: يَزُورُ الْبَيْتَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى، وَمِنْهُمُ من يختار الْإِقَامَةُ بِمِنًى، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُفِيضُ كُلَّ لَيْلَةٍ» (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) أَيْ: يُعَجِّلُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ (خَرَجَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وَالتَّخْيِيرُ هُنَا لِجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ أَفْضَلَ. وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ مُرِيدَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَغَيْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْهُ: لَا يُعْجِبُنِي لِمَنْ نَفَرَ الْأَوَّلَ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ لِقَوْلِ عُمَرَ، وَحَمَلَهُ فِي " الْمُغْنِي " عَلَى الاستحباب محافظة على الْعُمُومِ، فَلَوْ عَادَ فَلَا يَضُرُّ رجوعه لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَيَدْفِنُ بَقِيَّةَ الْحَصَا فِي الْأَشْهَرِ. زَادَ بَعْضُهُمْ: فِي الْمَرْمَى، وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: يَرْمِي بِهِنَّ كَفِعْلِهِ فِي اللَّوَاتِي قَبْلَهُ (فَإِنْ غَرَبَتْ وَهُوَ بِهَا لَزِمَهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ مِنَ الْغَدِ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ التَّعْجِيلَ فِي الْيَوْمِ، وَهُوَ اسْمٌ لِتَأَخُّرِ النَّهَارِ، فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَوْمِ فَهُوَ مِمَّنْ تَأَخَّرَ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ غَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ بِمِنًى، فَلَا يَنْفِرْ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنَ الْغَدِ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَيَكُونُ الرَّمْيُ بَعْدَ الزَّوَالِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيِّ: إِنَّهَا رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ فِيهِ بَعْدُ. وَعَنْهُ: أَوْ قَبْلَهُ، وَهُوَ النَّفْرُ الثَّانِي، لَكِنْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ الْمُقِيمِ لِلْمَنَاسِكِ التَّعْجِيلُ لِأَجْلِ مَنْ يَتَأَخَّرُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ نَفَرَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ، وَهُوَ الْأَبْطَحُ، وَحْدَهُ: مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ، فَيُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَهْجَعُ يَسِيرًا، ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 جَمِيعِ أُمُورِهِ، فَإِنْ وَدَّعَ، ثُمَّ اشْتَغَلَ فِي تِجَارَةٍ أَوْ أَقَامَ، أَعَادَ الْوَدَاعَ وَمَنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ، أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ، فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ   [المبدع في شرح المقنع] وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً، وَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ» ، قَالَ: التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ. [طَوَافُ الْوَدَاعِ] (فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ إِذَا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ أُمُورِهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْخُرُوجِ، وَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ، لَا وَدَاعَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ النَّفْرِ أَوْ بَعْدَهُ. وَمَنْ مَنْزِلُهُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ كَالْمَكِّيِّ، وَذُكِرَ فِي " التَّعْلِيقِ " وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَيْسَ مِنَ الْحَجِّ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِيمَنْ وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ. ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُقَبِّلُ الْحَجَرَ قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " كُلَّمَا دَخَلَ (فَإِنْ وَدَّعَ ثُمَّ اشْتَغَلَ فِي تِجَارَةٍ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَوْ شِرَاءِ حَاجَةٍ بِطَرِيقِهِ (أَوْ أَقَامَ) بَعْدَ الْوَدَاعِ لِغَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ، نَصَّ عَلَيْهِ (أَعَادَ الْوَدَاعَ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: وَدَّعَ ثُمَّ نَفَرَ يَشْتَرِي طَعَامًا يَأْكُلُهُ؟ قَالَ: لَا يَقُولُونَ حَتَّى يَجْعَلَ الرَّدْمَ، وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: لَا يَلْتَفِتُ فَإِنِ الْتَفَتَ، وَدَّعَ قَدَّمَهُ فِي " التَّعْلِيقِ " وَغَيْرِهِ، وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى النَّدْبِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُوَلِّي ظَهْرَهُ حَتَّى يَغِيبَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، وَقَطَعَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ إِنْ قَضَى حَاجَةً فِي طَرِيقِهِ أَوِ اشْتَرَى زَادًا أَوْ شَيْئًا لِنَفْسِهِ فِي طَرِيقِهِ لَمْ يُعِدْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِقَامَةٍ. (وَمَنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، وَقَدْ فَعَلَهُ، وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ يُجْزِئُ عَنْهُ الْوَاجِبُ مِنْ حَقِّهِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتِيِ الطَّوَافِ وَالْإِحْرَامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 الْوَدَاعِ، رَجَعَ إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ إِلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِمَا. فَصْلٌ وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْوَدَاعِ، وَقَفَ فِي الْمُلْتَزَمِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا   [المبدع في شرح المقنع] تُجْزِئُ عَنْهُمَا الْمَفْرُوضَةُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِاخْتِلَافِهِمَا كَالصَّلَاتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ، وَكَمَا لَوْ نَوَى بِطَوَافِهِ الْوَدَاعَ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ فَإِذَا تَرَكَهُ، وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ رَجَعَ حَرَامًا عَنِ النِّسَاءِ إِنْ كَانَ قَدْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَإِلَّا فَحَرَامًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ. (فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الْوَدَاعِ رَجَعَ إِلَيْهِ) مَعَ إِمْكَانِهِ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ أَوْ بُعْدِهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ خَوْفٌ عَلَى نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، وَلَا فَوَاتِ رُفْقَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ، فَإِنْ رَجَعَ الْقَرِيبُ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِحْرَامٌ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ لِإِتْمَامِ نُسُكٍ مَأْمُورٍ بِهِ، كَرُجُوعِهِ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَالْبَعِيدُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ، وَيَأْتِي بِهَا، ثُمَّ يَطُوفُ لِوَدَاعِهِ، وَلَا يُجَاوِزُ الْمِيقَاتَ إِنْ كَانَ إِلَّا مُحْرِمًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ، وَفِي سُقُوطِ الدَّمِ عَنْهُ خِلَافٌ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) الرُّجُوعُ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ فِي الْحَجِّ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَلَ إِلَى بَلْده (إِلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِمَا) وَلَا فِدْيَةَ لِذَلِكَ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِلنَّصِّ السَّابِقِ فِي الْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءُ مِثْلُهَا فِيمَا يَجِبُ وَيَسْقُطُ، لَكِنْ يُسَنُّ أَنْ تَقِفَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَتَدْعُو فَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ اغْتَسَلَتْ، وَوَدَّعَتْ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ فَمَضَتْ أَوْ مَضَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهَا دَمٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهَا الرُّجُوعُ لِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ الْحَضَرِ. فَرْعٌ: إِذَا وَدَّعَ ثُمَّ أَقَامَ بِمِنًى، وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ، جَازَ، وَإِنْ خَرَجَ غَيْرَ حَاجٍّ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يُوَدِّعُ. [الْوُقُوفُ فِي الْمُلْتَزَمِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ] فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ، فَيُكَبِّرُ فِي نَوَاحِيهِ، وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَيَدْعُو اللَّهَ - تَعَالَى - لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْحِجْرُ مِنْهُ. مُتَجَرِّدًا مِنَ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَالسِّلَاحِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّظَرُ إِلَيْهِ عِبَادَةٌ، وَإِذَا نُزِعَتْ ثِيَابُهَا تُصُدِّقَ بِهَا قَالَهُ أَحْمَدُ، (وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْوَدَاعِ وَقَفَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 بَيْتُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ، وَسَيَّرْتَنِي فِي بِلَادِكَ حَتَّى بَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ لِي بَيْتَكَ، وَأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي، فَازْدَدْ عَلَيَّ رِضًا، وَإِلَّا فَمُنَّ الْآنَ قَبْلَ أَنْ يَنْأَى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، فَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إِنْ أَذِنَتْ لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ، وَلَا بِبَيْتِكَ، وَلَا رَاغِبٍ عَنْكَ، وَلَا عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَكَ مَا أَبْقَيْتَنِي، وَأَجْمِعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْمُلْتَزَمِ) وَذَرْعُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ (بَيْنَ الرُّكْنِ) وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، (وَالْبَابِ) أَيْ: بَابِ الْكَعْبَةِ، فَيَلْتَزِمُهُ، وَيُلْصِقُ بِهِ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ، وَجَمِيعَهُ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا جَاءَ دُبُرَ الْكَعْبَةِ قُلْتُ: أَلَا تَتَعَوَّذْ؛ قَالَ: نُعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، فَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا، وَبَسْطَهُمَا بَسْطًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَأْتِي الْحَطِيمَ، وَهُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ، فَيَدْعُو. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْهَا، وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَنْصَرِفُ. رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ فَقَالَ فِي الْتِزَامِهِ: (اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُكَ وَأَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ، وَسَيَّرْتَنِي فِي بِلَادِكَ حَتَّى بَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ إِلَى بَيْتِكَ، وَأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فَازْدَدْ عَلَيَّ رِضًا وَإِلَّا فَمُنَّ الْآنَ) الْوَجْهُ فِيهِ ضَمُّ الْمِيمِ، وَتَشْدِيدُ النُّونِ عَلَى أَنَّهُ صِيغَةُ أَمْرٍ مِنْ مَنَّ: يَمُنُّ، وَيَجُوزُ فِيهِ كَسْرُ الْمِيمِ، وَفَتْحُ النُّونِ عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ جَرٍّ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالْآنَ: الْوَقْتُ الْحَاضِرُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ (قَبْلَ أَنْ يَنْأَى) أَيْ: يَبْعُدُ (عَنْ بَيْتِكَ دَارِي فَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إِنْ أَذِنْتَ لِي غَيْرَ مُسْتَبْدَلٍ بِكَ وَلَا بِبَيْتِكَ، وَلَا رَاغِبٍ عَنْكَ، وَلَا عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَكَ مَا أَبْقَيْتَنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وَهَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَحَكَاهُ فِي " الشَّرْحِ " عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ لَائِقٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا لَمْ تَدْخُلِ الْمَسْجِدَ وَوَقَفَتْ عِنْدَ بَابِهِ وَدَعَتْ. وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ اسْتُحِبَّ لَهُ زِيَارَةُ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْمَحَلِّ (وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) وَأَيُّ شَيْءٍ دَعَا بِهِ فَحَسَنٌ (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ لَا يُرَدُّ حَيْثُ اقْتُرِنَ بِهَا (إِلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا لَمْ تَدْخُلِ الْمَسْجِدَ) ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ دُخُولِهِ، (وَوَقَفَتْ عِنْدَ بَابِهِ وَدَعَتْ) بِذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِهِ إِذْ لَا مَحْذُورَ مِنْ ذَلِكَ، وَلِمُسَاوَاتِهَا الرَّجُلَ فِيهِ. [اسْتِحْبَابُ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ اسْتُحِبَّ لَهُ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طُرُقٍ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مِنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» وَفِي رِوَايَةٍ وَصَحِبَنِي، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ مُطْلَقًا، لَكِنْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ إِذَا حَجَّ لِلْفَرْضِ لَمْ يَمُرَّ بِالْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ كَانَ فِي سَبِيلِ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَدَأَ بِالْمَدِينَةِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» . وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ تَحْصُلُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي» فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُقْتَضَاهَا التَّخْصِيصُ، وَرُوِيَ عَنِ الْعُتْبِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] وَقَدْ جِئْتُكَ مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِكَ إِلَى رَبِّي. ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ: يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ بِالْقَاعِ أَعْظُمُهُ ... فَطَابَ مَنْ طيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ نَفْسِي الْفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ ... فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزِيَارَةُ قَبْرِ صَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْعُمْرَةِ مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ، خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ، فَأَحْرَمُ مِنْهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] ثُمَّ انْصَرَفَ الْأَعْرَابِيُّ فَغَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا عُتْبِيُّ الْحَقِ الْأَعْرَابِيَّ، وَبشِّرْهُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ وَيَكُونُ فِي سَلَامِهِ مُسْتَقْبِلًا لَهُ لَا لِلْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُهَا، وَيَجْعَلُ الْحُجْرَةَ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَدْعُو، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُهُ، وَيَدْعُو. وَظَاهِرُهُ قَرُبَ مِنَ الْحُجْرَةِ أَوْ بَعُدَ مِنْهَا، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَمَسُّحَهُ بِحَائِطِ الْقَبْرِ، نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: يَدْنُو مِنْهُ، وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ يَقُومُ حِذَاءَهُ، فَيُسَلِّمُ، لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَرَخَّصَ فِي الْمِنْبَرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرْتَقِي عَلَيْهِ (وَزِيَارَةُ قَبْرِ صَاحِبَيْهِ) أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السَّلَامِ عَلَى سَيِّدِ الْبَشَرِ، يَتَقَدَّمُ قَلِيلًا فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عُمَرُ الْفَارُوقُ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا يَا صَاحِبَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَجِيعَيْهِ وَوَزِيرَيْهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَبَرَكَاتُهُ، اللَّهُمَّ اجْزِهِمَا عَنْ نَبِيِّهِمَا، وَعَنِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنَعِمَ عُقْبَى الدَّارِ، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ قَبْرِ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْ مَسْجِدِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أَصْلٌ: لَا تُرْفَعُ الْأَصْوَاتُ عِنْدَ حُجْرَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا لَا يُرْفَعُ فَوْقَ صَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّوْقِيرِ، وَالْحُرْمَةِ كَحَيَاتِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ هَذَا أَدَبٌ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ. [فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْعُمْرَةِ] ِ. مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ، خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ فَأَحْرَمَ مِنْهُ) وَكَانَ مِيقَاتًا لَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمَكِّيَّ كُلَّمَا تَبَاعَدَ فِيهَا، فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ. (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ التَّنْعِيمِ) ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 التَّنْعِيمِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنَ الْحَرَمِ، لَمْ يُجْزِ، وَيَنْعَقِدُ وَعَلَيْهِ دَمٌ، ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى، ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَقَدْ حَلَّ، وَهَلْ يُحِلُّ قَبْلَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فصل وَتُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ وَالْعُمْرَةُ مِنَ التَّنْعِيمِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] » ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: «بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ مَكَّةَ التَّنْعِيمَ» ، وَهُوَ أَدْنَى الْحِلِّ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ الْجَمْعُ فِي النُّسُكِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَأَفْعَالُ الْعُمْرَةِ كُلُّهَا فِي الْحَرَمِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْحَجِّ، لِافْتِقَارِهِ إِلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَهِيَ مِنَ الْحِلِّ، ثُمَّ الْجِعْرَانَةَ، ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةَ (فَإِنْ أَحْرَمُ بِهَا مِنَ الْحَرَمِ لَمْ يُجْزِ) لِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَيَنْعَقِدُ) إِحْرَامُهُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ أَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبِ، فَلَوْ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ قَبْلَ الطَّوَافِ، ثُمَّ عَادَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِأَرْكَانِهَا، وَإِنَّمَا أَخَلَّ بِالْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتِهَا، وَقَدْ جَبَرَهُ (ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَقَدْ حَلَّ) ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَيُحِلُّ بِفِعْلِ مَا ذُكِرَ كَحِلِّهِ مِنَ الْحَجِّ بِأَفْعَالِهِ، (وَهَلْ يُحِلُّ) مِنْهَا بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (قَبْلَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصْلُهُمَا هَلِ الْحِلَاقُ أَوِ التَّقْصِيرُ نُسُكٌ فِي الْعُمْرَةِ كَالْحَجِّ، أَمْ لَا؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ نُسُكٌ، لَمْ يُحِلَّ قَبْلَهُ كَالطَّوَافِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ بِنُسُكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ حَلَّ قَبْلَهُ كَالطِّيبِ. 1 - فَصْلٌ لَا يُكْرَهُ الِاعْتِمَارُ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَيُكْرَهُ الْإِكْثَارُ، وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ قَالَ أَحْمَدُ: إِنْ شَاءَ كُلَّ شَهْرٍ، وَقَالَ لَا بُدَّ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ، وَاسْتَحَبَّهُ جَمَاعَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ تَكْرَارَهَا فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهَا تَعْدِلُ حَجَّةً، وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ لِعُمْرَةِ تَطَوُّعٍ، وَإِنَّهُ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا صَحَابِيٌّ عَلَى عَهْدِهِ سِوَى عَائِشَةَ، لَا فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ اتِّفَاقًا، وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَتُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ وَالْعُمْرَةُ مِنَ التَّنْعِيمِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) أَمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 فَصْلٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ: الْوُقُوفُ   [المبدع في شرح المقنع] عُمْرَةُ الْمُتَمَتِّعِ فَتُجْزِئُ عَنْهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَأَمَّا عُمْرَةُ الْقَارِنِ - وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ - لَا تُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَإِتْمَامُهَمَا: الْإِتْيَانُ بِأَفْعَالِهِمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَائِشَةَ أَنْ تَعْتَمِرَ مِنَ التَّنْعِيمِ، وَلَوْ كَانَتْ عُمْرَتُهَا فِي قِرَانِهَا أَجْزَأَتْهَا لَمَا أَعْمَرَهَا بَعْدَهَا، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَامِلَةً، إِذْ لَا طَوَافَ فِيهَا، وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ الْأَصَحُّ -: أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَائِشَةَ لَمَّا قَرَنَتْ، وَطَافَتْ: «قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ أَتَى بِهَا صَحِيحَةً فَأَجْزَأَتْ كَعُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ، وَلِأَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ لِلْقَارِنِ، فَأَجْزَأَتْ كَالْحَجِّ، وَأَمَّا عُمْرَةُ عَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ فَإِنَّمَا كَانَتْ لِتَطْيِيبِ قَلْبِهَا، وَإِجَابَةِ مَسْأَلَتِهَا، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً، لِأَمَرَهَا هُوَ بِهَا قَبْلَ سُؤَالِهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعُمْرَةَ الْمُفْرَدَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ تُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلِأَنَّ الْحَجَّ يُجْزِئُ مِنْ مَكَّةَ، فَالْعُمْرَةُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ فِي حَقِّ الْمُفْرِدِ أَوْلَى. وَالثَّانِيَةُ: لَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَحْرَمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَرُوِيَ: مِنْ الْجِعْرَانَةَ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ " فِي غَيْرِ سَنَةِ الْقَضَاءِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ مَرَّ بِهَا، أَوْ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ. [فَصْلٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ] ِّ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَةَ، فَجَاءَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الْحَجُّ؟ قَالَ: الْحَجُّ عَرَفَةُ فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 وَالطَّوَافُ وَالْإِحْرَامُ وَالسَّعْيُ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ، وَأَنَّ السَّعْيَ سُنَّةٌ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنِ، وَوَاجِبَاتِهِ سَبْعَةٌ: الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَالْوُقُوفُ   [المبدع في شرح المقنع] أَرَى لِلثَّوْرِيِّ حَدِيثًا أَشْرَفَ مِنْهُ (وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَلِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ فِي شَأْنِ صَفِيَّةَ، وَأَنَّ الطَّوَافَ حَابِسٌ لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ رَجَعَ مُعْتَمِرًا، نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ. (وَعَنْهُ: أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ: الْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ) وَقَدْ تَقَدَّمَا (والإحرام) لِحَدِيثِ «الْأَعْمَالِ» وَلِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ فَلَمْ يَتِمَّ إِلَّا بِهِ، كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ، هَلْ هُوَ رُكْنٌ؟ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْمُحَرَّرِ ": أَوْ شَرْطٌ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: لَا نَعْرِفُ أَحَدًا مِنَ الْأَصْحَابِ قَالَ بِهِ، وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مَا ظَاهِرُهُ رِوَايَةٌ بِجَوَازِ تَرْكِهِ، وَفِي " الْإِرْشَادِ " سُنَّةٌ، وَفِيهِ بُعْدٌ (وَالسَّعْيُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تَجْرَاةَ أحد نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ فِي الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ فَكَانَ رُكْنًا فِيهِمَا كَالطَّوَافِ، (وَعَنْهُ: أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ وَأَنَّ السَّعْيَ مِنْهُ) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] وَنَفْيُ الْحَرَجِ عَنْ فَاعِلِهِ دَلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِهِ، وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ " فَلَا جَنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا " وَهَذَا - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا - فَلَا يَنْحَطُّ عَنْ رُتْبَةِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ ذُو عَدَدٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ، فَلَمْ يَكُنْ رُكْنًا كَالرَّمْيِ (وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَكَانَ، وَاجِبًا كَطَوَافِ الْوَدَاعِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ تَرَكَهُ أَجْبَرَهُ بِدَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالثَّوْرِيِّ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": قَوْلُ الْقَاضِي أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَفِي " الشَّرْحِ " وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ دَلِيلَ مَنْ أَوْجَبَهُ دَلَّ عَلَى مُطْلَقِ الْوُجُوبِ، لَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ، وَحَدِيثُ حَبِيبَةَ يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمِّلِ، وَفِيهِ كَلَامٌ، ثُمَّ هُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 بِعَرَفَةَ إِلَى اللَّيْلِ، وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ إِلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَالْمَبِيتُ بِمِنًى، وَالرَّمْيُ وَالْحِلَاقُ، وَطَوَافُ الْوَدَاعِ وَمَا عَدَا هَذَا سُنَنٌ. وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ: الطَّوَافُ وَفِي الْإِحْرَامِ وَالسَّعْيِ رِوَايَتَانِ، وَوَاجِبُهَا الْحِلَاقُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] مَكْتُوبٌ، وَالْوَاجِبُ كَذَلِكَ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ؛ لِأَنَّ نَاسًا تَحَرَّجُوا مِنَ السَّعْيِ لِأَجْلِ صَنَمَيْنِ كَانَا بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، كَذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ. (وَوَاجِبَاتُهُ سَبْعَةٌ: الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ) الْمُعْتَبَرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذِكَرَ الْمَوَاقِيتَ، وَقَالَ: «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهِنَّ» ، (وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إِلَى اللَّيْلِ) ؛ لِأَنَّهُ مَنْ أَدْرَكَهَا نَهَارًا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ جُزْءٍ مِنَ النَّهَارِ، وَجُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَلَوْ غَلَبَهُ نَوْمٌ بِعَرَفَةَ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، (وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ) عَلَى الْأَصَحِّ (إِلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ) ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مُزْدَلِفَةَ أَوَّلَ اللَّيْلِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَبِيتُ بِهَا مُعْظَمَ اللَّيْلَةِ، (وَالْمَبِيتُ بِمِنًى) لِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي " الْوَاضِحِ " فِي مَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ، وَمِنًى، وَلَا عُذْرَ إِلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ، (وَالرَّمْيُ وَالْحِلَاقُ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ، (وَطَوَافُ الْوَدَاعِ) فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ الصَّدْرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ، قَالَ الْآجُرِّيُّ: يَطُوفُهُ مَتَى أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنًى أَوْ مِنْ نَفْرٍ آخَرَ، قَالَ: فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْحَاجِّ، وَكَذَا التَّرْتِيبُ، وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ، (وَمَا عَدَا هَذَا سُنَنٌ) كَالِاغْتِسَالِ، وَطَوَافِ الْقُدُومِ، وَالدَّفْعِ مَعَ الْإِمَامِ، وَفِيهِمَا رِوَايَةٌ، وَالْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهَا اسْتِرَاحَةٌ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَاجِبٌ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " يَجِبُ الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إِذَا نَسِيَ الرَّمَلَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ، وَتَقْبِيلُ الْحَجَرِ، وَالْأَذْكَارُ، وَالْأَدْعِيَةُ، وَالصُّعُودُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ [أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ] (وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ: الطَّوَافُ) كَالْحَجِّ، (وَفِي الْإِحْرَامِ) بِهَا، وَإِحْرَامِهَا مِنْ مِيقَاتِهَا، (وَالسَّعْيِ رِوَايَتَانِ) جَزَمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " بِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِهَا رُكْنٌ، وَفِي " الْفُصُولِ " السَّعْيُ فِيهَا رُكْنٌ، بِخِلَافِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِرُكْنَيْنِ كَالْحَجِّ، (وَوَاجِبُهَا الْحِلَاقُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 يَتِمَّ نُسُكُهُ إِلَّا بِهِ، وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فصل بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ   [المبدع في شرح المقنع] إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَجِّ، وَسُنَنُهَا الْغُسْلُ، وَالذِّكْرُ، وَالدُّعَاءُ. (فَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا) أَوِ النِّيَّةَ (لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ) أَيْ: لَمْ يَصِحَّ نُسُكُهُ، (وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا) وَلَوْ سَهْوًا (فَعَلَيْهِ دَمٌ) فَإِنْ عَدِمَهُ فَكَصَوْمِ الْمُتْعَةِ وَالْإِطْعَامِ عَنْهُ. وَفِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: الْحِلَاقُ، وَالتَّقْصِيرُ لَا يَنُوبُ عَنْهُ: وَلَا يُحَلَّلُ إِلَّا بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، (وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ: هَدَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً، فَلَمْ يَجِبْ جَبْرُهَا كَسُنَنِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَذَكَرَ فِي " الْفُصُولِ " وَغَيْرِهِ: وَلَمْ يُشْرَعِ الدَّمُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ جُبْرَانَ الصَّلَاةِ أَدْخَلُ فَيَتَعَدَّى إِلَى صَلَاتِهِ مِنْ صَلَاةِ غَيْرِهِ. 1 - فَصْلٌ يُعْتَبَرُ فِي أَمِيرِ الْحَاجِّ كَوْنُهُ مُطَاعًا، ذَا رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ وَهِدَايَةٍ، وَعَلَيْهِ جَمْعُهُمْ وَتَرْتِيبُهُمْ وَحِرَاسَتُهُمْ فِي الْمَسِيرِ وَالنُّزُولِ، وَالرِّفْقُ بِهِمْ، وَالنُّصْحُ لَهُمْ، وَيَلْزَمُهُمْ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَيُصْلِحُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَلَا يَحْكُمُ إِلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إِلَيْهِ، فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ يَلْزَمُهُ عِلْمُ خُطَبِ الْحَجِّ، وَالْعَمَلُ بِهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ جُرِّدَ مَعَهُمْ، وَجُمِعَ لَهُ مِنَ الْمُقْطَعِينَ مَا يُعِينُهُ عَلَى كُلْفَةِ الطَّرِيقِ أُبِيحَ لَهُ، وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ، وَلَهُ أَجْرُ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ، وَهَذَا كَأَخْذِ بَعْضِ الْإِقْطَاعِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْمَصَالِحِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ، وَيَلْزَمُ الْمُعْطِي بَذْلُ مَا أُمِرَ بِهِ، وَشَهْرُ السِّلَاحِ عِنْدَ تَبُوكَ بِدْعَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجَمَّالِينَ، خِلَافًا لِلْأَعْمَشِ، وَحَمَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى الْفَسَقَةِ. [بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ] ِ، الْفَوَاتُ: مَصْدَرُ فَاتَ يَفُوتُ فَوْتًا وَفَوَاتًا، إِذَا سَبَقَ وَلَمْ يُدْرَكْ، وَالْإِحْصَارُ مَصْدَرُ أَحْصَرَهُ مَرَضًا كَانَ أَوْ عَدُوًّا، وَحَصَرَهُ أَيْضًا، حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَيَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ، وَعَنْهُ: يَنْقَلِبُ إِحْرَامُهُ لِعُمْرَةٍ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا،   [المبدع في شرح المقنع] وَأَصْلُ الْحَصْرِ: الْمَنْعُ، يُقَالُ: حَصَرَهُ فَهُوَ مَحْصُورٌ، وَأَحْصَرَهُ الْمَرَضُ فَهُوَ مُحْصَرٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْمَشْهُورُ. (وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ) لِعُذْرِ حَصْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ (فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) لَا خِلَافَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْوُقُوفِ آخِرُ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ لِقَوْلِ جَابِرٍ: «لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يطلع الْفَجْر مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ. قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَقُلْتُ لَهُ: أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. (وَيَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ) صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " زَادَ: وَحَلْقٍ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ عُمْرَةً؛ لِأَنَّ إِحْرَامَهُ انْعَقَدَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَلَمْ يَنْقَلِبْ إِلَى الْآخَرِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ. وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أَنَّهُ يَمْضِي فِي حَجٍّ فَاسِدٍ، وَيَقْضِيهِ، فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ مَا فَاتَ وَقْتُهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ مَا لَمْ يَفُتْ (وَعَنْهُ: يَنْقَلِبُ إِحْرَامُهُ لِعُمْرَةٍ) قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي أَيُّوبَ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ: اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ فَإِنْ أَدْرَكَتَ الْحَجَّ قَابِلًا فَحُجَّ، وَاهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَرَوَى النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ فَوَاتٍ، فَمَعَهُ أَوْلَى، وَهَذَا إِنْ لَمْ يَخْتَرِ الْبَقَاءَ عَلَى إِحْرَامِهِ لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَارِنَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ لَا تَلْزَمُهُ أَفْعَالُهَا، وَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْصُوصِ، لِوُجُوبِهَا كَمَنْذُورَةٍ. وَعَنْهُ: لَا يَنْقَلِبُ، وَيَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ، فَيُدْخِلُ إِحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى الْأَوَّلَةِ فَقَطْ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُدْخِلُ إِحْرَامَ الْعُمْرَةِ وَيَصِيرُ قَارِنًا (وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) إِذَا كَانَ نَفْلًا؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: عَلَيْهِ هَدْيٌ يَذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ إِنْ قُلْنَا عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَإِلَّا ذَبَحَهُ فِي عَامِهِ. وَإِنْ أَخْطَأَ   [المبدع في شرح المقنع] الْحَجَّ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَوْ وَجَبَ قَضَاءُ النَّافِلَةِ، كَانَ الْحَجُّ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَلِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ فَلَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا) فَيَجِبُ قَضَاؤُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَتِهِ، وَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْمَذْهَبُ لُزُومُ قَضَاءِ النَّفْلِ كَالْإِفْسَادِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، فَيَصِيرُ كَالْمَنْذُورِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْحَجِّ مَرَّةً فَذَاكَ الْوَاجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ. 1 - (وَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: عَلَيْهِ هَدْيٌ) صَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ " وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّا أَنَّهَا الْمَذْهَبُ لِحَدِيثِ عَطَاءٍ: «مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ دَمٌ» قِيلَ: مَعَ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي عَامِهِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنْ (يَذْبَحَهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ إِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ قَضَاءٌ) لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حَجَّ مِنَ الشَّامِ فَقَدِمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: انْطَلِقْ إِلَى الْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ سَبْعًا، وَإِنْ كَانَ مَعَكَ هَدْيٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ إِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ فَاحْجُجْ، فَإِنْ وَجَدْتَ سَعَةً فَاهْدِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعْتَ فَعَلَى هَذَا يَذْبَحُهُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنَ الْقَضَاءِ كَدَمِ التَّمَتُّعِ. ومَحَلُّهُ: مَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَوَّلًا، فَإِنِ اشْتَرَطَ فَلَا جَزْمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَإِلَّا ذَبَحَهُ فِي عَامِهِ) إِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، إِذْ لَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ سَاقَ هَدْيًا أَمْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْهَدْيُ: مَا اسْتَيْسَرَ كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " بَدَنَةٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، فَهُوَ كَالْمُعْسِرِ، وَيَجِبُ الصَّوْمُ، فَإِنْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ هَدْيًا، وَأَذِنَ لَهُ فِي ذَبْحِهِ، خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا هَدْيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ ذَلِكَ لَزِمَهُ هَدْيَانِ: هَدْيٌ لِلْإِحْصَارِ، وَهَدْيٌ لِلْفَوَاتِ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَوْ كَانَ قَارِنًا، وَحَلَّ بِمَا قُلْنَا كَانَ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا أَهَلَّ بِهِ مِنْ قَابِلٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُجْزِئُهُ مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 النَّاسُ، فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَجْزَأَهُمْ وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ. وَمَنْ أَحْرَمَ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى الْحَجِّ، ذَبَحَ هَدْيًا فِي مَوْضِعِهِ وَحَلَّ   [المبدع في شرح المقنع] فَعَلَهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا قَضَاءُ الْحَجِّ فَقَطْ، وَيَلْزَمُهُ هَدْيَانِ لِقِرَانِهِ وَفَوَاتِهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ هَدْيٌ ثَالِثٌ لِلْقَضَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْفَوَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَأْمُرُوهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَدْيٍ وَاحِدٍ. (وَإِنْ أَخْطَأَ النَّاسُ فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ) كَالثَّامِنِ وَالْعَاشِرِ (أَجْزَأَهُمْ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ الَّذِي يُعْرِفُ النَّاسُ فِيهِ» ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ خِلَافًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، هَلْ هو يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ اسْمٌ لِمَا يطلع فِي السَّمَاءِ، أَوْ لِمَا يَرَاهُ النَّاسُ وَيَعْلَمُونَهُ؟ وَالثَّانِي الصَّوَابُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ أَخْطَئُوا لِغَلَطٍ فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ، وَنَحْوِهِ فَوَقَفُوا الْعَاشِرَ، لَمْ يُجْزِئْهُمْ إِجْمَاعًا، وَذَكَرَ أَنَّ الْوُقُوفَ مَرَّتَيْنِ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ، فَلَوْ رَآهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لَمْ يَنْفَرِدُوا بِالْوُقُوفِ، بَلِ الْوُقُوفُ مَعَ الْجُمْهُورِ، وَاخْتَارَ فِي " الْفُرُوعِ " يَقِفُ مَرَّتَيْنِ إِنْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ لَا سِيَّمَا مَنْ رَآهُ (وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) وَفِي " الِانْتِصَارِ " عَدَدٌ يَسِيرٌ، وَفِي " التَّعْلِيقِ " الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " نَفَرٌ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقَالُ: إِنَّ النَّفَرَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ لِهَبَّارٍ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَلَمْ يَعْذُرْهُ بِذَلِكَ. (وَمَنْ أَحْرَمَ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى الْحَجِّ ذَبَحَ هَدْيًا فِي مَوْضِعِهِ وَحَلَّ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَسَنَدُهُ {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَصْرِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعَنِ الْمِسْوَرِ بن مخرمة، وَمَرْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الْحِلِّ لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ شَرْعًا، وَلَا فَرْقَ فِي الْإِحْصَارِ بَيْنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ حَلُّوا فِي الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَتْ عُمْرَةً، وَفِي كَلَامِهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْعُمْرَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْإِرْشَادِ " وَ " الْمُبْهِجِ " وَ " الْفُصُولِ "؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى الْحِلِّ " فَلَا إِشْكَالَ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَلَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ: بَلْ يَكُونُ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ الْأَوَّلِ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ لِلتَّحَلُّلِ. فَمِنْهَا: أَنْ لَا يَجِدَ طَرِيقًا آخَرَ آمِنًا، فَإِنْ وَجَدَهُ لَزِمَهُ سُلُوكُهُ، وَإِنْ بَعُدَ، وَخَافَ الْفَوَاتَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَحْصُرْهُ أَحَدٌ. وَمِنْهَا: أَنْ يَحْصُرَهُ ظُلْمًا، فَيَشْمَلُ مَا إِذَا أَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ، فَهُوَ كَالْمَرَضِ، وَشَمَلَ الْحَصْرَ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ، كَمَا لَوْ حُصِرَ مُنْفَرِدًا بِأَنْ أَخَذَتْهُ اللُّصُوصُ أَوْ حُبِسَ وَحْدَهُ، فَلَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ يَلْزَمُهُ، وَيُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَشَمَلَ الْعَدُوَّ الْكَافِرَ وَالْمُسْلِمَ، وَالتَّحَلُّلُ مُبَاحٌ لِحَاجَتِهِ فِي الدَّفْعِ إِلَى قِتَالٍ، أَوْ بَذْلِ مَالٍ كَثِيرٍ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، وَالْعَدُوُّ مُسْلِمٌ، فَفِي وُجُوبِ الْبَذْلِ وَجْهَانِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ بَذْلِهِ كَالزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَمَعَ كُفْرِ الْعَدُوِّ يُسْتَحَبُّ قِتَالُهُ إِنْ قَوِيَ الْمُسْلِمُونَ، وَإِلَّا فَتَرْكُهُ أَوْلَى. وَمِنْهَا: أَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا فِي مَوْضِعِهِ إِنْ أَمْكَنَهُ أَوْ بَدَلَهُ إِنَّ عَجَزَ عَنْهُ: وَهُوَ الصِّيَامُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَكَذَا فَعَلَ، وَأَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ، فَيَنْحَرُهُ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ بِهِ وُجُوبًا فَكَأَنَّهُ كَالْحَلْقِ، يَجُوزُ لَهُ فَقَطْ فِي الْحِلِّ، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَذَكَرَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ لَهُ، وَلِغَيْرِهِ فِي الْحِلِّ، وَعَنْهُ: يَنْحَرُهُ فِي الْحَرَمِ، فَيُوَاطِئُ رَجُلًا عَلَى نَحْرِهِ فِي وَقْتٍ يَتَحَلَّلُ فِيهِ، رُوِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ حَلَّ. وَلَوْ نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يُحِلَّ. وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُحْصَرِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ دُونَ   [المبدع في شرح المقنع] عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَحَمَلَهُ فِي " الْمُغْنِي " عَلَى مَنْ حَصْرُهُ خَاصٌّ، أَمَّا فِي الْعَامِّ، فَلَا، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَعَذُّرِ الْحَلِّ بِتَعَذُّرِ وُصُولِ الْهَدْيِ إِلَى مَحِلِّهِ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ الذَّبْحُ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَقْتُ ذَبْحِهِ، وَقَيَّدَهَا فِي " الْكَافِي " مَا إِذَا سَاقَ هَدْيًا، وَفِي " الْفُرُوعِ " بِالْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَلْقُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَيْسَ بِنُسُكٍ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْإِحْرَامِ كَالرَّمْيِ، وَعَنْهُ: بَلَى، اخْتَارَهَا فِي " التَّعْلِيقِ " وَبَنَاهُمَا فِي " الْكَافِي " عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ أَوْ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ، وَاشْتُرِطَتِ النِّيَّةُ هُنَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَنْ أَتَى بِأَفْعَالِ النُّسُكِ فَقَدْ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ، فَيُحِلُّ مِنْهَا بِإِكْمَالِهَا، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى نِيَّةٍ، بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنَ الْعِبَادَةِ قَبْلَ إِتْمَامِهَا، فَافْتَقَرَ إِلَيْهَا، فَإِنَّ الذَّبْحَ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِ التَّحَلُّلِ، فَلَمْ يَتَخَصَّصْ إِلَّا بِقَصْدِهِ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ (فَإِنْ لَمْ يَجْدِ هَدْيًا) أَيْ: لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ) بِالنِّيَّةِ كَالْهَدْيِ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ وَاجِبٌ لِلْإِحْرَامِ، فَكَانَ لَهُ بَدَلٌ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ (ثُمَّ حَلَّ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُحِلُّ إِلَّا بَعْدَ الصِّيَامِ، كَمَا لَا يُحِلُّ إِلَّا بَعْدَ نَحْرِ الْهَدْيِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا إِطْعَامَ فِيهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: إِنَّ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ، قَوَّمَهُ طَعَامًا، وَصَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، (وَلَوْ نَوَى التَّحَلُّلُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ الذَّبْحِ أَوِ الصَّوْمِ (لَمْ يُحِلَّ) وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا، لِأَنَّهُمَا أُقِيمَا مَقَامَ أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَلَمْ يُحِلَّ قَبْلَهُمَا كَمَا لَا يَتَحَلَّلُ الْقَادِرُ عَلَيْهَا قَبْلَهَا، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتُحَلُّلِهُ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": لَا، لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي الْعِبَادَةِ، لَكِنْ إِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَحْظُورَاتِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ، (وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 الْبَيْتِ، تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ   [المبدع في شرح المقنع] أَيْ: قَضَاءِ النَّفْلِ (عَلَى الْمُحْصَرِ رِوَايَتَانِ) نَقَلَ الْجَمَاعَةُ: أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الَّذِينَ صُدُّوا كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعِمِائَةً، وَالَّذِينَ اعْتَمَرُوا مَعَهُ مِنْ قَابِلٍ كَانُوا يَسِيرًا، وَلَمْ يُنْقَلُ أَنَّهُ أَمَرَ الْبَاقِينَ بِالْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ جَازَ التَّحَلُّلُ مِنْهُ مَعَ صَلَاحِ الزَّمَانِ لَهُ، فَلَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ كَالصَّوْمِ، وَالثَّانِيَةُ نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ وَأَبُو طَالِبٍ: يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا تَحَلَّلُ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ قَضَى مِنْ قَابِلٍ، وَسُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ قَبْلَ إِتْمَامِهِ، فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، كَمَا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَتَسْمِيَتُهَا عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، إِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا الْقَضِيَّةُ الَّتِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، وَلَوْ أَرَادُوا غَيْرَ ذَلِكَ لَقَالُوا: عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، وَتُفَارِقُ الْفَوَاتَ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَلَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَعَلَى الْخِلَافِ، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَخَرَّجَ مِنْهَا فِي " الْوَاضِحِ " مِثْلَهُ فِي مَنْذُورَةٍ، وَفِي كِتَابِ " الْهَدْيِ ": لَا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ هَدْيٌ، وَلَا قَضَاءٌ، لِعَدَمِ أَمْرِ الشَّارِعِ بِهِمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ 1 - (فَإِنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ دُونَ الْبَيْتِ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فَسْخُ نِيَّةِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، فَمَعَهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، فَعَلَى هَذَا يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ، وَعَنْهُ: حُكْمُهُ كَمَنْ مُنِعَ الْبَيْتَ، وَعَنْهُ: يَبْقَى مُحْرِمًا إِلَى أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ فَيَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ إِذَنْ (وَمَنْ حُصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا حَصْرَ إِلَّا حَصْرَ الْعَدُوِّ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ يُبِيحُ التَّحَلُّلَ، لَمْ يَأْمُرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ضُبَاعَةَ بِالِاشْتِرَاطِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ الِانْتِقَالَ مِنْ حَالِهِ، وَلَا التَّخَلُّصَ مِنَ الْأَذَى الَّذِي بِهِ، بِخِلَافِ حَصْرِ الْعَدُوِّ، فَعَلَى هَذَا يَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْبَيْتِ (وَإِنْ فَاتَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 كَمَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ. وَمِنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَكَغَيْرِ الْمَرِيضِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ بَعَثَ بِهِ لِيُذْبَحَ بِالْحَرَمِ نَصَّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمُحْصَرِ لِكَوْنِهِ يَذْبَحُهُ فِي مَوْضِعِهِ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ التَّحَلُّلُ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهَا أَظْهَرُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] وَلِمَا رَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» قَالَ عِكْرِمَةُ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ فَسَأَلَتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَمَّا قَالَ فَصَدَّقَاهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُ الْإِحْصَارِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَرَضِ، يُقَالُ: أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ إِحْصَارًا، فَهُوَ مَحْصُورٌ، وَزَعَمَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّهُ كَلَامُ الْعَرَبِ، وَاسْتُفِيدَ حَصْرُ الْعَدُوِّ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ (كَمَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ) عَلَى مَا مَضَى، يَنْحَرُ الْهَدْيَ أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ، ثُمَّ يُحِلُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ سَائِغٌ؛ لِأَنَّ مَنْ أُبِيحُ لَهُ التَّحَلُّلُ فَقَدْ حَلَّ، وَيَقْضِي عَبْدٌ كَحُرٍّ، وَصَغِيرٌ كَبَالِغٍ. مَسْأَلَةٌ: مَثَلُهُ حَائِضٌ تَعَذَّرَ مُقَامُهَا، وَحَرُمَ طَوَافُهَا، أَوْ رَجَعَتْ وَلَمْ تَطُفْ لِجَهْلِهَا بِوُجُوبِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، أَوْ لِعَجْزِهَا عَنْهُ، أَوْ لِذَهَابِ الرُّفْقَةِ، وَكَذَا مَنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَفِي " التَّعْلِيقِ " لَا يَتَحَلَّلُ (وَمَنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ ضُبَاعَةَ، وَلِأَنَّ لِلشَّرْطِ تَأْثِيرًا فِي الْعِبَادَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، صُمْتُ شَهْرًا، فَيَلْزَمُ بِوُجُودِهِ، وَيَعْدَمُ بِعَدَمِهِ، (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لَا هَدْيَ، وَلَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكْمَلَ أَفْعَالَ الْحَجِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 فصل بَابُ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا الْإِبِلُ، ثُمَّ الْبَقَرُ، ثُمَّ الْغَنَمُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ وَلَا يُجْزِئُ   [المبدع في شرح المقنع] فَصْلٌ إِذَا تَحَلَّلَ الْمُحْصَرَ مِنَ الْحَجِّ، ثُمَّ أَمْكَنَهُ الْحَجُّ، لَزِمَهُ إِنْ كَانَ وَاجِبًا، أَوْ قُلْنَا: يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَتَحَلَّلَ مِنْهُ، قَضَاهُ فِي عَامِهِ إِنْ أَمْكَنَهُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ: وَلَا يَتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهَا، وَقِيلَ لِلْقَاضِي: لَوْ صَارَ طَوَافُهُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ يَصِحُّ إِذَنْ حَجَّتَيْنِ فِي عَامٍ، وَلَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَرْمِي، وَيَطُوفُ وَيَسْعَى فِيهِ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجَّةٍ أُخْرَى، وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَيَمْضِي فِيهَا، وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِهِ إِذَا تَحَلَّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ، فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ مِنْهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُقِيمَ بِمِنًى لِلرَّمْيِ لَا يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ، لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ امْتِنَاعُ حَجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ. [بَابُ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ] [مَا يُجْزِئُ فِي الهدي والأضحية] بَابُ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ الْهَدْيُ: مَا أُهْدِيَ إِلَى الْحَرَمِ مِنَ النَّعَمِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: هُوَ مَا يُذْبَحُ بِمِنًى، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُهْدي إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى -. وَالْأَضَاحِيُّ: جَمْعُ أُضْحِيَةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا، وَالضَّحَايَا جَمْعُ ضَحِيَّةٍ، وَالْأَضَاحِيُّ جَمْعُ أَضْحَاةٍ كَأَرْطَاةٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِهِ الْأُضْحِيَةُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى، وَذَكَرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 إِلَّا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ، وَهُوَ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالثَّنِيُّ مِمَّا سِوَاهُ، وَثَنِيُّ الْإِبِلِ: مَا كَمُلَ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَمِنَ الْبَقَرِ: مَا لَهُ سَنَتَانِ، وَمِنَ الْمَعْزِ: مَا لَهُ سَنَةٌ، وَتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْأَمْلَحُ: هُوَ الْأَبْيَضُ النَّقِيُّ قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، أَوِ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ، وَبَيَاضُهُ أَكْثَرُ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو زَيْدٍ. (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا الْإِبِلُ، ثُمَّ الْبَقَرُ، ثُمَّ الْغَنَمُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ فِي الرَّوَاحِ إِلَى الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَتَّبَهَا عَلَى قَدْرِ الْفَضِيلَةِ، وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ ابْنَ عَبَّاسٍ أَيُّ: النُّسُكِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتِ فَنَاقَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ. قَالَتْ أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: انْحَرِي نَاقَةً، وَلِأَنَّ الْبَدَنَةَ أَكْثَرُ لَحْمًا وَثَمَنًا، وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ فَكَانَتْ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بِكُلٍّ مِنْهَا، وَهُوَ فِي الْغَنَمِ إِجْمَاعًا وَالْإِبِلِ وَالْبَقْرِ وِفَاقًا، لَا مِنْ غَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، وَحْشِيًّا، لَمْ يَجُزْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ بِطَائِرٍ، وَهُوَ وِفَاقٌ (وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ) لِلْعُمُومِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا اللَّحْمُ، وَلَحْمُ الذَّكَرِ أَوْفَرُ وَلَحْمُ الْأُنْثَى أَرْطَبُ فَيَتَسَاوَيَانِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَفْضَلُ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُصُولِ " هِيَ وَالْأَسْمَنَ، ثُمَّ الْأَغْلَى ثَمَنًا، ثُمَّ الْأَمْلَحَ، ثُمَّ الْأَصْفَرَ، ثُمَّ الْأَسْوَدَ. قَالَ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي الْبَيَاضُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَكْرَهُ السَّوَادَ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ: أَنَّ الْكَبْشَ مِنَ الْأُضْحِيَةِ أَفْضَلُ الْغَنَمِ، وَجَذَعُ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ ثَنِيِّ الْمَعْزِ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لَحْمًا، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ احْتِمَالًا عَكْسَهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ، وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ. (وَلَا يُجْزِئُ إِلَّا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ) لِمَا رَوَتْ أُمُّ بِلَالٍ بِنْتُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِيهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ أُضْحِيَةً» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْهَدْيُ مِثْلُهُ، (وَهُوَ مَالَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْخِرَقِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَأَلَتْ بَعْضَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَيْفَ يَعْرِفُونَ الضَّأْنَ إِذَا أَجْذَعَ؟ قَالُوا: لَا تَزَالُ الصُّوفَةُ قَائِمَةُ عَلَى ظَهْرِهِ مَا دَامَ حَمْلًا، فَإِذَا نَامَتِ الصُّوفَةُ عَلَى ظَهْرِهِ، عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَجْذَعَ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَهُ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى (وَالثَّنِيُّ مِمَّا سِوَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَذْبَحُونَ لَهُمَا، (وَثَنِيُّ الْإِبِلِ: مَا كَمُلَ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ) وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 وَاحِدٍ، وَالْبَدَنَةُ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، سَوَاءٌ أَرَادَ جَمِيعُهُمُ الْقُرْبَةَ، أَوْ بَعْضُهُمْ، وَالْبَاقُونَ اللَّحْمَ. وَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَهِيَ الَّتِي انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُلْقِي ثَنِيَّتَهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَا كَمُلَ لَهُ سِتٌّ (وَمِنَ الْبَقَرِ مَا لَهُ سَنَتَانِ) قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَا كَمُلَ لَهُ ثَلَاثُ سِنِينَ (وَمِنَ الْمَعْزِ: مَا لَهُ سَنَةٌ) وَقَدْ سَبَقَ فِي الزَّكَاةِ، فَلَوْ كَانَ أَعْلَى سِنًّا أَجْزَأَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يُجْزِئُ جَذَعُ إِبِلٍ، وَبَقَرٍ عَنْ وَاحِدٍ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَسَأَلَهُ حَرْبٌ أَيُجْزِئُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؟ قَالَ: يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ، وَكَأَنَّهُ سَهَّلَ فِيهِ. (وَتُجِزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ) لِحُصُولِ الْوَفَاءِ بِهِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَالْمَنْصُوصِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَعِيَالِهِ، لِقَوْلِ أَبِي أَيُّوبَ (وَالْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «نَحَرْنَا بِالْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» ، وَفِي لَفْظٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا» ، وَفِي لَفْظٍ: «فَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ نَشْتَرِكُ فِيهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ ذَبْحُهَا عَنْهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ (سَوَاءٌ أَرَادَ جَمِيعُهُمُ الْقُرْبَةَ أَوْ بَعْضُهُمْ وَالْبَاقُونَ اللَّحْمَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْمُجْزِئَ لَا يَنْقُصُ بِإِرَادَةِ الشَّرِيكِ غَيْرَ الْقُرْبَةِ فَجَازَ كَمَا لَوِ اخْتَلَفت جهات القرب فَأَرَادَ بَعْضُهُمُ الْمُتْعَةَ، وَالْآخَرُ الْقِرَانَ، وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ أَيْضًا إِفْرَازٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْآخَرِ: بَيْعٌ فَيُمْتَنَعُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ ذِمِّيًّا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ قَالَهُ الْقَاضِي، فَلَوْ كَانُوا بَعْدَ الذَّبْحِ ثَمَانِيَةً ذَبَحُوا شَاةً، وَأَجْزَأَهُمْ، نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: يُجْزِئُ سَبْعَةً، وَيُرْضُونَ الثَّامِنَ، وَيُضَحِّي. فَرْعٌ: زِيَادَةُ الْعَدَدِ فِي جِنْسِ أَفْضَلُ كَالْعِتْقِ، وَقِيلَ: الْمُغَالَاةُ فِي الثَّمَنِ، وَقِيلَ: سَوَاءٌ، وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ بَدَنَتَانِ سَمِينَتَانِ بِتِسْعَةٍ، وَبَدَنَةٌ بِعَشَرَةٍ؛ قَالَ: بَدَنَتَانِ أَعْجَبُ إِلَيَّ. 1 - (وَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْهَدْيِ، وَالْأَضَاحِيِّ (الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَهِيَ الَّتِي انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا، وَلَا الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي، وَهِيَ الْهَزِيلَةُ الَّتِي لَا مُخَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي، وَهِيَ الْهَزِيلَةُ الَّتِي لَا مُخَّ فِيهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، فَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَ الْغَنَمِ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَضْبَاءُ وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ   [المبدع في شرح المقنع] فِيهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا فَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَ الْغَنَمِ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا) لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَمَا فُسِّرَ بِهِ الْعَوْرَاءُ هُوَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ، إِذِ الْعَيْنُ عُضْوٌ مُسْتَطَابٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ بِهَا بَيَاضٌ لَا يَمْنَعُ النَّظَرَ، تُجْزِئُ، وَكَذَا إِنْ أَذْهَبْهُ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي، وَهِيَ الَّتِي لَا مُخَّ فِي عِظَامِهَا لِهُزَالِهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا بِفَتْحِ اللَّامِ، وَسُكُونِهَا أَيْ: بِهَا عَرَجٌ فَاحِشٌ يَمْنَعُهَا مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ لَحْمُهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ عَرَجُهَا لَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ، أَجْزَأَتْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " هِيَ الَّتِي لَا تُطِيقُ أَنْ تَبْلُغَ النُّسُكَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْكَسِيرَةَ لَا تُجْزِئُ، وَذَكَرَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَيُنْقِصُهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنًا أَنَّهَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنَ الصَّحِيحَةِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: هِيَ الَّتِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا، وَلَحْمَهَا، وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا: هِيَ الْجَرْبَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ. وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ يُنَاطُ الْحُكْمُ بِفَسَادِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ، وَلَعَلَّ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ ذَكَرُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لَا الْحَصْرِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَمْيَاءَ لَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الْعَوْرَاءِ، لِمَنْعِهَا مَعَ الْمَشْيِ مَعَ جِنْسِهَا، وَمُشَارَكَتِهَا لَهُنَّ فِي الْمَرْعَى، وَفِي قَائِمَةِ الْعَيْنَيْنِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا جَافَّةُ الضَّرْعِ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِنَقْصِ الْخَلْقِ، (وَ) لَا تُجْزِئُ (الْعَضْبَاءُ) لِمَا رَوَى عَلِيٌّ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْأُذُنِ وَالْقَرْنِ» قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: الْعَضَبُ: النِّصْفُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 أُذُنِهَا، أَوْ قَرْنِهَا. وَتُكْرَهُ الْمَعِيبَةُ الْأُذُنِ بِخَرْقٍ أَوْ شَقٍّ أَوْ قَطْعٍ لِأَقَلِّ مِنَ النِّصْفِ   [المبدع في شرح المقنع] وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ، وَالْفَسَادُ، وَبِهِ يَتَخَصَّصُ مَفْهُومُ مَا سَبَقَ إِنْ سَلِمَ الْمَفْهُومُ، وَإِنَّ لَهُ عُمُومًا، (وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أَوْ قَرْنِهَا) نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ النِّصْفُ فَأَكْثَرَ، ذَكَرَ الْخَلَّالُ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ لِلْخَبَرِ، وَعَنْهُ: الْمَانِعُ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ كَبِيرٌ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِمَا فَوْقَ الثُّلُثِ، وَاخْتَارَ فِي " الْفُرُوعِ " الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ الْخَبَرِ نَظَرًا فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ كُلَيْبٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يُؤْكَلُ، وَالْأُذُنُ لَا يُقْصَدُ أَكْلُهَا غَالِبًا، ثُمَّ هِيَ كَقَطْعِ الذَّنَبِ، وَأَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ. (وَتُكْرَهُ الْمَعِيبَةُ الْأُذُنِ بِخَرْقٍ أَوْ شَقٍّ أَوْ قَطْعٍ لِأَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ، وَالْأُذُنَ، وَأَنْ لَا نُضَحِّي بِمُقَابِلَةٍ، وَلَا مُدَابِرَةٍ، وَلَا خَرْقَاءَ، وَلَا شَرَفَاءَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَحُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ لَحْمُهَا، وَلَا يُوجَدُ سَالِمٌ مِنْهَا، وَفِي " الْإِرْشَادِ ": لَا يُجْزِئُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِلْمَشَقَّةِ، وَالْقَرْنُ كَالْأُذُنِ. تَنْبِيهٌ: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ يُجْزِئُ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ فَمِنْهَا الْهَتْمَاءُ، وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَتْ ثَنَيَاهَا مِنْ أَصْلِهَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ الَّتِي سَقَطَ بَعْضُ أَسْنَانِهَا تُجْزِئُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَا لَا تُجْزِئُ عَصْمَاءُ، وَهِيَ الَّتِي انْكَسَرَ غِلَافُ قَرْنِهَا قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّلْخِيصُ " وَنَقَلَ جَعْفَرٌ فِي الَّذِي يُقْطَعُ مِنْ أَلْيَتِهِ دُونَ الثُّلْثِ: لَا بَأْسَ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 وَتُجْزِئُ الْجَمَّاءُ، وَالْبَتْرَاءُ، وَالْخَصِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ: لَا تُجْزِئُ الْجَمَاءُ، وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدُهَا الْيُسْرَى، فَيَطْعَنُهَا بِالْحَرْبَةِ فِي الْوَهْدَةِ الَّتِي بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَتُجْزِئُ الْجَمَّاءُ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ لَهَا قَرْنٌ لِعَدَمِ النَّهْيِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا، (وَالْبَتْرَاءُ) الَّتِي لَا ذَنَبَ لَهَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُضَحَّى بِهَا، وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ "، فَلَوْ كَانَ وَقُطِعَ، فَوَجْهَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّ الَّذِي قُطِعَ مِنْهَا عُضْوٌ كَالْأَلْيَةِ: لَا تُجْزِئُ، (وَالْخَصِيَّ) بِلَا جَبٍّ ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» ، وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْمَوْجُوءُ: الْمَرْضُوضُ الْخُصْيَتَانِ سَوَاءٌ قُطِعَتَا أَوْ سُلِتَا، وَلِأَنَّهُ إِذْهَاب عضو غير مُسْتَطَاب بَلْ يَطِيبُ اللَّحْمُ بِزَوَالِهِ وَيَسْمَنُ، بِخِلَافِ شَحْمَةِ الْعَيْنِ، وَفَسَّرَ ابْنُ الْبَنَّا الْخَصِيَّ بِمَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ، وَلَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ، وَنَصُّهُ: لَا يُجْزِئُ خَصِيٌّ مَجْبُوبٌ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تُجْزِئُ الْجَمَّاءُ) كَالَّتِي ذهب أَكْثَرُ قَرْنِهَا، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. (وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ) لِلنَّصِّ، وَلِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدُهَا الْيُسْرَى) قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَةً لِيَنْحَرَهَا، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] دَالٌّ عَلَيْهِ مَعَ مَا حَكَاهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] أَيْ: قِيَامًا، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا خَشِيَ عَلَيْهَا، أَنَاخَهَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: كَيْفَ شَاءَ بَارِكَةً، وَقَائِمَةً (فَيَطْعَنُهَا بِالْحَرْبَةِ فِي الْوَهْدَةِ) بِسُكُونِ الْهَاءِ، وَهُوَ الْمُطْمَئِنُّ (الَّتِي بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ) وَلِأَنَّ عُنُقَ الْبَعِيرِ طَوِيلَةٌ، فَلَوْ طَعَنَ بِالْقُرْبِ مِنْ رَأْسِهِ لَحَصَلَ لَهُ تَعْذِيبٌ، عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ. 1 - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 وَالصَّدْرِ. وَتُذْبَحُ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ. وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهَا إِلَّا مُسْلِمٌ، فَإِنْ ذَبْحَهَا بِيَدِهِ، كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنْ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَتُذْبَحُ الْبَقَرُ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] (وَالْغَنَمُ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذَبَحَ كَبْشَيْنِ» . وَظَاهِرُهُ: لَوْ نَحَرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ عَكَسَ جَازَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُوقِفُ فِي أَكْلِ الْبَعِيرِ إِذَا ذُبِحَ، وَلَمْ يُنْحَرْ (وَيَقُولُ) بَعْدَ تَوْجِيهِ الذَّبِيحَةِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ (عِنْدَ ذَلِكَ) قَالَ أَحْمَدُ: حِينَ يُحَرِّكُ يَدَهُ بِالذَّبْحِ (بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ، وَاخْتِيرَ التَّكْبِيرُ هُنَا اقْتِدَاءً بِأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُتِيَ بِفِدَاءِ إِسْمَاعِيلَ (اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَبَحَ يَوْمَ الْعِيدِ كَبْشَيْنِ، ثُمَّ قَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ، وَلَكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ أَوْ مِنْ فُلَانٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يَقْرَأُ وَقْتَ الذَّبْحِ (وَجَّهَتُ وَجْهِيَ) إِلَى قَوْلِ (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الذَّبْحِ عَمَّنْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تُجْزِئُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": بِغَيْرِ خِلَافٍ. (وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهَا إِلَّا مُسْلِمٌ) ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ فَلَا يَلِيهَا غَيْرُ أَهْلِ الْقُرْبِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَهَا غَيْرُهُ مِمَّنْ يُبَاحُ ذَبْحُهُ، جَازَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُ غَيْرُ الْأُضْحِيَةِ، فَكَذَا هِيَ كَالْمُسْلِمِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْكَافِرَ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى مَا هُوَ قُرْبَةٌ لِلْمُسْلِمِ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ، لِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمَرْفُوعِ: «وَلَا يَذْبَحُ ضَحَايَاكُمْ إِلَّا طَاهِرٌ» وَلِتَحْرِيمِ الشُّحُومِ عَلَيْنَا فِي رِوَايَةٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ إِتْلَافِهِ. وَعَنْهُ: فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً، وَجَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّ الشُّحُومِ. فَإِنْ قُلْنَا بِتَحْرِيمِهَا، فَلَا يَلِي الْكِتَابِيُّ بِلَا نِزَاعٍ، وَأَجَابَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّا لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 يَفْعَلْ، اسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا. وَوَقْتُ الذَّبْحِ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَدْرِهَا إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] نُسَلِّمُ تَحْرِيمَ الشُّحُومِ عَلَيْنَا بِذَبْحِهِمْ، وَحَدِيثُ الْمَنْعِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُسْلِمِ إِذَنْ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمْ يُشْتَرَطْ نَظَرًا لِلتَّعْيِينِ لَا تَسْمِيَة الْمُضَحَّى عَنْهُ (فَإِنْ ذَبَحَهَا بِيَدِهِ كَانَ أَفْضَلَ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَحَرَ هَدِيَهُ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، وَضَحَّى بِكَبْشَيْنِ ذَبْحَهُمَا بِيَدِهِ» ؛ ولِأَنَّ فِعْلَ الْقُرَبِ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِنَابَةِ فِيهَا (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلِ اسْتُحِبَّ أَنْ يَشْهَدَهَا) ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لِفَاطِمَةَ احْضُرِي أُضْحِيَتَكِ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا» ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ، (وَ) أَوَّلُ (وَقْتِ الذَّبْحِ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ) أَيْ: صَلَاةِ الْعِيدِ (أَوْ قَدْرِهَا) فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا مَضَى أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، دَخَلَ وَقْتَ الذَّبْحِ إِذَا مَضَى قَدْرُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ سَبَقَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَالْقُرَى مِمَّنْ يُصَلِّي الْعِيدَ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَتَعَلَّقُ أَجْرُهَا بِالْوَقْتِ فَتَعَلَّقُ أَوَّلُهَا بِهِ كَالصَّوْمِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَ قَدْرِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: قَدْرَ الْخُطْبَةِ، أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ مُضِيِّ الْخُطْبَةِ أَوْ قَدْرِهَا؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي الْمُصْرِ لَا يُضَحِّي حَتَّى يُصَلِّيَ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ مِنْهُمُ الْقَاضِي، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ، لِمَا رَوَى جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى» فَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ نَفْسِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِلشَّرْحِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّقَ الْمَنْعَ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ مَعَهَا الْفَرَاغُ مِنَ الْخُطْبَةِ، وَهِيَ اخْتِيَارُهُ فِي " الْكَافِي " وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهَا كَالْجُزْءِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ ذَبْحُ الْإِمَامِ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ، يَنْحَرُ آخَرَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَاعْتَبَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 آخِرِ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَا تُجْزِئُ فِي لَيْلَتِهِمَا فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ:   [المبدع في شرح المقنع] الْخِرَقِيُّ أَنْ يَمْضِيَ مِنْهُ مِقْدَارُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتُهُ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ، وَقَدْ يَفْعَلُ، وَقَدْ لَا يَفْعَلُ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهِ، وَأَمَّا الْمُقِيمُ بِمَوْضِعٍ لَا يَلْزَمُهُ قَدْرُ ذَلِكَ، فَعَلَى الْخِلَافِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " هُوَ كَغَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَاعْتَبَرَ فِي " الْمُغْنِي " أَنْ يَكُونَ قَدْرَ صَلَاةٍ وَخُطْبَةٍ بِآيَتَيْنِ، وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ احْتِمَالًا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِمُتَوَسِّطِي النَّاسِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَيَجُوزُ فِي أَوَّلِهِمَا لِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِذَا اعْتُبِرَ كَصَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِذَا صَلَّى فِي الْمُصَلَّى، وَاسْتَخْلَفَ مَنْ صَلَّى بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَسْبَقِ، فَإِنْ فَاتَ الْعِيدُ بِالزَّوَالِ، ضَحَّى إِذَنْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَتْبَعُ الصَّلَاةَ قَضَاءً كَمَا يَتْبَعُهُ أَدَاءً مَا لَمْ يُؤَخَّرْ عَنْ أَيَّامِ الذَّبْحِ، فَيَتْبَعُ الْوَقْتَ ضَرُورَةً. فَرْعٌ: إِذَا ذَبَحَ قَبْلَ وَقْتِهِ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ، وَقِيلَ: حَكْمُهُ كَأُضْحِيَةٍ (إِلَى آخَرِ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) قَالَ أَحْمَدُ: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنِ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ» ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُبَاحَ ذَبْحُهَا إِلَى وَقْتٍ يَحْرُمُ أَكْلُهَا فِيهِ، وَنَسْخُ أَحَدُ الْحِلَّيْنِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ رَفْعُ الْآخَرِ، وَفِي " الْإِيضَاحِ ": وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: آخِرُهُ آخَرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَأَفْضَلُهُ أَوَّلُ يَوْمٍ، ثُمَّ مَا يَلِيهِ» ، وَخَصَّهَا ابْنُ سِيرِينَ يَوْمَ النَّحْرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا وَظِيفَةُ عِيدٍ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ فِي أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهَا تَجُوزُ إِلَى الْمُحَرَّمِ. (وَلَا تُجْزِئُ فِي لَيْلَتِهِمَا فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 تُجْزِئُ، فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ، ذَبَحَ الْوَاجِبَ قَضَاءً، وَسَقَطَ التَّطَوُّعُ. وَيَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ بِقَوْلِهِ: هَذَا هَدْيٌ، أَوْ تَقْلِيدِهِ، أَوْ إِشْعَارِهِ مَعَ النِّيَّةِ، وَالْأُضْحِيَةُ بِقَوْلِهِ: هَذِهِ أُضْحِيَةٌ. وَلَوْ نَوَى حَالَ الشِّرَاءِ، لَمْ يَتَعَيَّنْ بِذَلِكَ، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، وَلَا هِبَتُهَا إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنِ الذَّبْحِ لَيْلًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، لَكِنَّ فِيهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، (وَقَالَ غَيْرُهُ) مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " (تُجْزِئُ) نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ يَصِحُّ بِهِ الرَّمْيُ، وَدَاخِلٌ فِي مُدَّةِ الذَّبْحِ، فَجَازَ فِيهِ كَالْأَيَّامِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ ذَبَحَ لَيْلًا لَمْ يُجْزِئْهُ، لَكِنْ فِي الْوَاجِبِ يَلْزَمُهُ الْبَدَلُ، وَفِي التَّطَوُّعِ مَا سَبَقَ، وَعَلَى الثَّانِي: يُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ يَتَعَذَّرُ فِيهِ تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ، فَتَذْهَبُ طَرَاوَتُهُ فَيَفُوتُ بَعْضُ الْمَقْصُودِ (فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ ذَبَحَ الْوَاجِبَ قَضَاءً) وَصَنَعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَذْبُوحِ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَضَاءِ كَالْأَدَاءِ، وَلَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ أَحَدُ مَقْصُودَيِ الْأُضْحِيَةِ، فَلَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَهَا، وَلَمْ يُفَرِّقْهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ، (وَسَقَطَ التَّطَوُّعُ) ؛ لَأَنَّ الْمُحَصِّلَ لِلْفَضِيلَةِ الزَّمَانُ، وَقَدْ فَاتَ، فَلَوْ ذَبَحَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ، كَانَ لَحْمًا تَصَدَّقَ بِهِ لَا أُضْحِيَةً فِي الْأَصَحِّ، قَالَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ ". [يَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ بِقَوْلِهِ هَذَا هَدْيٌ أَوْ تَقْلِيدِهِ أَوْ إِشْعَارِهِ مَعَ النِّيَّةِ] كـ (وَيَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ بِقَوْلِهِ: هَذَا هَدْيٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ (أَوْ تَقْلِيدِهِ أَوْ إِشْعَارِهِ مَعَ النِّيَّةِ) وَبِهِ قَالَ: النَّوَوِيُّ وَإِسْحَاقُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَعَ النِّيَّةِ كَاللَّفْظِ إِذَا كَانَ الْفِعْلُ دَالًّا عَلَى الْمَقْصُودِ، كَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا، وَأَذَّنَ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي " الْكَافِي " النِّيَّةَ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِالْقَوْلِ (وَالْأُضْحِيَةُ بِقَوْلِهِ: هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ) كَالْهَدْيِ وَكَالْعِتْقِ، وَكَذَا يَتَعَيَّنُ بِقَوْلِهِ هَذَا لِلَّهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَيْهِ (وَلَوْ نَوَى حَالَ الشِّرَاءِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 أَنْ يُبْدِلَهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ أَيْضًا. وَلَهُ رُكُوبُهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ   [المبدع في شرح المقنع] إِزَالَةٌ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ النِّيَّةُ الْمُقَارِنَةُ لِلشِّرَاءِ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَصِيرُ أُضْحِيَةً إِذَا اشْتَرَاهَا بِنِيَّتِهَا كَمَا يَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ بِالْإِشْعَارِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُ هَذِهِ الشَّاةِ، ثُمَّ أَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا لِبَقَاءِ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا، وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ، ثُمَّ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ، وَقَدْ هَلَكَ. (وَإِذَا تَعَيَّنَتْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يُعْطَى الْجَازِرُ شَيْئًا مِنْهَا» ، فَلَأَنْ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهَا مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ لِلَّهِ - تَعَالَى - أَشْبَهَ الْعِتْقَ وَالْوَقْتَ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ: أَنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ، وَشِرَاءُ خَيْرٍ مِنْه، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَشْرَكَ عَلِيًّا فِي هَدْيِهِ» ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ الْإِبْدَالُ فَكَذَا الْبَيْعُ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا، وَأَجَابُوا بِأَنَّهَا تَعَيَّنَ ذَبْحُهَا، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَهَا بِعَيْنِهَا، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إِبْدَالُ الْمُصْحَفِ دُونَ بَيْعِهِ، وَعَنِ الْحَدِيثِ، بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشْرَكَهُ فِيهِ قَبْلَ إِيجَابِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَاءَ بِبُدْنٍ فَاشْتَرَكَا فِي الْجَمِيعِ، أَوْ أَشْرَكَهُ فِي ثَوَابِهَا. (إِلَّا أَنْ يُبْدِلَهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْمُؤَلِّفُ وَصَاحِبُ " الْمُنْتَخَبِ " نَظَرًا لِمَصْلَحَةِ الْفُقَرَاءِ ، وَلِأَنَّهُ بِلَا رَيْبٍ عَدَلَ عَنِ الْمُعَيَّنِ إِلَى خَيْرٍ مِنْهُ فِي حَقِّهِ، فَجَازَ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ حِقَّةً عَنْ بِنْتِ لَبُوْنٍ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِدُونِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حُرْمَتِهَا، وَلَا بِمِثْلِهَا، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَمْ يَنْقُصْ، وَحَيْثُ جَازَ بَيْعُهَا، فَهَلْ ذَلِكَ لِمَنْ يُضَحِّي كَمَا قَالَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " أَوْ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي؛ فِيهِ قَوْلَانِ، وَعَلَيْهِمَا يَشْتَرِي خَيْرًا مِنْهَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَحَكَى الْمُؤَلِّفُ عَنِ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ مِثْلِهَا (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ أَيْضًا) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «أَهْدَى عُمَرُ نَجِيبًا فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنِّي أَهْدَيْتُ نَجِيبًا فَأَبِيعُهَا وَأَشْتَرِي بِثَمَنِهَا بُدْنًا؟ قَالَ: لَا انْحَرْهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَصَرُّفٍ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْبَيْعِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَوْجَبَ أُضْحِيَةً، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا، فَإِنْ وَلَدَتْ، ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا، وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَزُولُ فَعَلَى هَذَا لَوْ عَيَّنَهُ، ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ لَمْ يَمْلِكِ الرَّدَّ، وَيَمْلِكُهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِمَا إِنْ أَخَذَ أَرْشَهُ، فَهَلْ هُوَ لَهُ أَوْ لِزَائِدٍ عَلَى الْقِيمَةِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. وَلَوْ بَانَ مُسْتَحِقًّا بَعْدَ تَعْيِينِهِ، لَزِمَهُ بَدَلُهُ، نَقَلَهُ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ كَأَرْشِ. فَرْعٌ: إِذَا عَيَّنَهَا، ثُمَّ مَاتَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا فِيهِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ. (وَلَهُ رُكُوبُهَا) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، فَقَالَ: ارْكَبْهَا " فِي الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (عِنْدَ الْحَاجَةِ) إِلَى ظَهْرِهَا؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَرْكَبُهَا إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ مُطْلَقًا قَطَعَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ (مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ضَرَرِ الْفُقَرَاءِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، فَإِنْ نَقَصَهَا الرُّكُوبُ ضَمِنَ النَّقْصَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ إِنْ رَكِبَهَا بَعْدَ الضَّرُورَةِ وَنَقَصَ، ضَمِنَ (فَإِنْ وَلَدَتْ) الْمُعَيَّنَةُ (ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا) سَوَاءٌ عَيَّنَهَا حَامِلًا أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي اشْتَرَيْتُ هَذِهِ الْبَقَرَةَ لِأُضَحِّيَ بِهَا، وَإِنَّهَا وَضَعَتْ هَذَا الْعِجْلَ فَقَالَ: لَا تَحْلُبْهَا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَضْحَى فَاذْبَحْهَا وَوَلَدَهَا عَنْ سَبْعَةٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّهُ صَارَ أُضْحِيَةً عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِأُمِّهِ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْ بِهِ، وَلَمْ يَتَأَخَّرْ كَأُمِّهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا كَانَ هَدْيًا، وَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ وَسَوْقُهُ فَكَهَدْيٍ عَطِبَ (وَلَا يَشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا) لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ شُرْبَ الْفَاضِلِ لَا يَضُرُّ بِهَا، وَلَا بِوَلَدِهَا فَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 وَلَدِهَا، وَيَجِزُّ صُوفَهَا وَوَبَرَهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ إِنْ كَانَ أَنْفَعَ لَهَا. وَلَا يُعْطِي الْجَازِرَ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا، وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِلْدِهَا وَجُلِّهَا، وَلَا يَبِيعَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهَا، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] كَالرُّكُوبِ، بِخِلَافِ شُرْبِ غَيْرِ الْفَاضِلِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِلضَّرَرِ، وَيَتَعَذَّرُ بِهِ فَإِنْ شَرِبَهُ، ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهِ (وَيَجِزُّ صُوفَهَا وَوَبَرَهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ إِنْ كَانَ أَنْفَعَ لَهَا) مِثْلَ كَوْنِهِ فِي زَمَنِ الرَّبِيعِ فَإِنَّهُ تَخِفُّ بِجَزِّهِ، وَتَسْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا بَعْدَ الذَّبْحِ، زَادَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " نَدْبًا، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": يَتَصَدَّقُ بِهِ إِنْ كَانَتْ نَذْرًا. وَظَاهِرُهُ إِذَا كَانَ بَقَاؤُهُ أَنْفَعَ لَهَا لِكَوْنِهِ يَقِيهَا الْبَرْدَ أَوِ الْحَرَّ أَوْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِهِمَا لِقُرْبِ مُدَّةِ الذَّبْحِ، لَمْ يَجُزْ كَأَخْذِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا. [الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ] (وَلَا يُعْطَى الْجَازِرُ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا) قَالَهُ الْأَصْحَابُ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقُومَ عَلَى بدنة، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلُحُومِهَا، وَجُلُودِهَا، وَأَجِلَّتِهَا، وَلَا أُعْطِيَ الْجَازِرَ شَيْئًا مِنْهَا. وَقَالَ: " نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ فِيهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ مِنْهَا لَا عَلَى سَبِيلِ الْأُجْرَةِ كَالْهَدِيَّةِ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِي غَيْرَهُ، وَزَادَ عَلَيْهِ: بِمُبَاشَرَتِهِ لَهَا، وَتَتُوقُ نَفْسُهُ إِلَيْهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهَذَا الْمَعْنَى يَتَخَصَّصُ عُمُومُ الْحَدِيثِ، وَلَوْ قِيلَ بِعُمُومِهِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَانَ حَسَنًا، وَفِيهِ شَيْءٌ. (وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِلْدِهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ كَلَحْمِهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوقٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَدْبُغَانِ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِمَا، وَيُصَلِّيَانِ عَلَيْهِ (وَجُلُّهَا) لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِالْجِلْدِ، فَهُوَ أَوْلَى، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِمَا لِقَوْلِهِ: (وَلَا يَبِيعُهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهَا) هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنَ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ «وَلَا تَبِيعُوا لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ، وَالْهَدْيِ، وَتَصَدَّقُوا، وَاسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِهَا» قَالَ أَحْمَدُ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يَبِيعُهَا، وَقَدْ جَعَلَهَا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟ . وَسَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالذَّبْحِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ بَيْعُ الْجِلْدِ، وَالتَّصَدُّقُ بِثَمَنِهِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: وَيَشْتَرِي أُضْحِيَّةً، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ، وَيَشْتَرِي بِهِ آلَةَ الْبَيْتِ كَالْغِرْبَالِ وَنَحْوِهِ، لَا مَأْكُولًا. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ بَيْعُ جِلْدِ شَاةٍ فَقَطْ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى أَثَرٍ، وَنَقَلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 ذَبَحَهَا، فَسُرِقَتْ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ذَبَحَهَا ذَابِحٌ فِي وَقْتِهَا بِغَيْرِ إِذَنٍ، أَجْزَأَتْ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى ذَابِحِهَا، وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَإِنْ أَتْلَفَهَا صَاحِبُهَا، ضَمِنَهَا بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ مِثْلِهَا، فَإِنْ ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا وَأَخْرَجَ فَضْلَ الْقِيمَةِ جَازَ،   [المبدع في شرح المقنع] جَمَاعَةٌ: لَا يَنْتَفِعُ بِمَا كَانَ وَاجِبًا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيَتَصَدَّقُ به، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ، وَحَنْبَلٌ بِثَمَنِهِ. وَاسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ الْجُلَّ (وَإِنْ ذَبَحَهَا فَسُرِقَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) مَا لَمْ يُفَرِّطْ. نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فلم تضمن بِالسَّرِقَةِ، كَالْوَدِيعَةِ، وَإِنْ فَرَّطَ، ضَمِنَ الْقِيمَةَ، يَوْمَ التَّلَفِ يصرف فِي مِثْلِهِ كَمَا يَأْتِي (وَإِنْ ذَبَحَهَا ذَابِحٌ فِي وَقْتِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، أَجْزَأَتْ) لِأَنَّ الذَّبْحَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ فَإِذَا فَعَلَهُ الْآخَرُ أَجْزَأَ كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ. وَسَوَاءٌ نَوَى عَنِ النَّاذِرِ أَوْ أَطْلَقَ، وَإِنْ نَوَاهَا عَنْ نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا أُضْحِيَّةُ الْغَيْرِ، لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِلَّا أَجَزَأَتْ إِنْ لَمْ يُفَرِّقِ الذَّابِحُ لَحْمَهَا (وَلَا ضَمَانَ عَلَى ذَابِحِهَا) لِأَنَّهَا وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، كَمَا لَوْ أَذِنَ صَاحِبُهَا، وَلِإِذْنِهِ عُرْفًا أَوْ إِذْنُ الشَّرْعِ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ لَمْ تُجْزِئْ ضَمِنَ الذَّابِحُ مَا بَيْنَ كَوْنِهَا حَيَّةً إِلَى مَذْبُوحَةٍ. ذَكَرَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " بِخِلَافِ مَنْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ، فَذَبَحَ عَنْهُ مِنْ غَنَمِهِ، لَا تُجْزِئُ، وَعَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ يَعُودُ مِلْكًا. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ عَلَى رِوَايَةِ الْإِجْزَاءِ أَنْ يَلِيَ رَبُّهَا تَفْرِقَتَهَا، وَإِلَّا ضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ قِيمَةَ لَحْمٍ. (وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) لِأَنَّهَا مِنَ الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ التَّلَفِ (وَإِنْ أَتْلَفَهَا صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ مِثْلِهَا) هَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ فِي ذَبْحِهَا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ مِنَ الْإِيجَابِ إِلَى التَّلَفِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ التَّلَفِ خَمْسَةً، فَغَلَتِ الْغَنَمُ، فَلَمْ يُحَصِّلْ مِثْلَهَا إِلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لَزِمَهُ مِثْلُهَا، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا عَشْرَةً، رَخُصَتْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِدُونِهِ، لَزِمَتْهُ الْعَشْرَةُ، وَالْوَجْهُ إِسْقَاطُ هَمْزَةِ " أَوْ " فَإِنْ صَحَّ ثُبُوتُهَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ مِنَ الْإِيجَابِ إِلَى النَّحْرِ، وَقِيلَ: مِنَ التَّلَفِ إِلَى وُجُوبِ النَّحْرِ. جَزَمَ بِهِ الْحُلْوَانِيُّ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ يَوْمَ التَّلَفِ تُصْرَفُ فِي مِثْلِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَكَسَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ، فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (فَإِنْ ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا وَأَخْرَجَ فَضْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 وَيَشْتَرِي بِهِ شَاةً، أَوْ سُبْعَ بَدَنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ، اشْتَرَى بِهِ لَحْمًا، وَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، فَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، لَمْ يَضْمَنْهَا. وَإِنْ عَطَبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ نَحَرَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَصَبَغَ نَعْلَهُ الَّتِي فِي عُنُقِهِ فِي دَمِهِ، وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَتَهُ لِيَعْرِفَهُ الْفُقَرَاءُ فَيَأْخُذُوهُ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ. وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْقِيمَةِ، جَازَ، وَيَشْتَرِي بِهِ شَاةً) إِنْ أَمْكَنَ (أَوْ سُبْعَ بَدَنَةٍ) لِأَنَّ الذَّبْحَ مَقْصُودٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ لَزِمَهُ (فَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ اشْتَرَى بِهِ لَحْمًا وَتَصَدَّقَ بِهِ) هَذَا وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَتَفْرِقَةَ اللَّحْمِ مَقْصُودَانِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا، تَعَيَّنَ الْآخَرُ (أَوْ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ) قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ التَّقَرُّبُ بِالْإِرَاقَةِ كَانَ اللَّحْمُ، وَعَنْهُ: سَوَاءٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُحَصِّلٌ لِلْمَقْصُودِ (فَإِنْ تَلَفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ لَمْ يَضْمَنْهَا) صَاحِبُهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهَا أَمَانَةً فِي يَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ. فَرْعٌ: اثْنَانِ ضَحَّى كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ بِأُضْحِيَّةِ الْآخَرِ غَلَطًا، أَجْزَأَتْهُمَا، وَلَا ضَمَانَ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ ضِدُّهُمَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (وَإِنْ عَطَبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ) قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ خَافَ عَطَبَهُ لَزِمَهُ (نَحْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَ) يُسْتَحَبُّ (صَبْغُ نَعْلِهِ الَّتِي فِي عُنُقِهِ فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَتَهُ) أَيْ: صَفْحَةَ سَنَامِهَا (لِيَعْرِفَهُ الْفُقَرَاءُ فَيَأْخُذُوهُ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّ أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ: إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا، فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهُ، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَإِنَّمَا مَنَعَ السَّائِقَ وَرُفْقَتَهُ مِنْ أَكْلِهَا لِئَلَّا يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهَا، فَيُعْطِبَهَا لِيَتَنَاوَلَ هُوَ وَرُفْقَتُهُ مِنْهَا. زَادَ فِي " الرَّوْضَةِ " وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ نَفَرِهِ، وَأَبَاحَهُ لَهُ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَبَاحَهُ مَالِكٌ لِرُفْقَتِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 تَعَيَّبَتْ ذَبَحَهَا، وَأَجْزَأَتْهُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ التَّعْيِينِ، كَالْفِدْيَةِ وَالْمَنْذُورِ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهَا. وَهَلْ لَهُ اسْتِرْجَاعُ هَذَا الْعَاطِبِ وَالْمَعِيبِ؟   [المبدع في شرح المقنع] وَلِسَائِرِ النَّاسِ، لِحَدِيثِ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ صَاحِبِ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: «ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ» فَدَلَّ عَلَى تَسْوِيَةِ الرُّفْقَةِ بِالْأَجَانِبِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنًى خاص يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى عُمُومِ مَا يُخَالِفُهُ، وَالتَّسْوِيَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُشْفِقُ عَلَى رُفْقَتِهِ، وَيُحِبُّ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُوَسِّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ مُؤْنَتِهِ. وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ قَدْ خَالَفَا فِي ذَلِكَ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَطْعَمَ غَنِيًّا أَوْ رُفْقَتَهُ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، أَوْ أَطْعَمَ مِنْهَا فَقِيرًا. فَرْعٌ: هَدْيُ التَّطَوُّعِ دُونَ مَحِلِّهِ إِنْ دَامَتْ نِيَّتُهُ فِيهِ قَبْلَ ذَبْحِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ فَسَخَهَا قَبْلَ ذَبْحِهِ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ كَبَقِيَّةِ مَالِهِ (وَإِنْ) أَوْجَبَ أُضْحِيَّةً سَلِيمَةً، ثُمَّ (تَعَيَّبَتْ) عِنْدَهُ (ذَبَحَهَا وَأَجْزَأَتْهُ) . نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ جَرَّ بَقَرَةً إِلَى الْمَنْحَرِ بِقَرْنِهَا فَانْقَلَعَ كَتَعْيِينِهِ مَعِيبًا فَبَرِأَ، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: «ابْتَعْنَا كَبْشًا نُضَحِّي بِهِ فَأَصَابَهُ الذِّئْبُ مِنْ أَلْيَتِهِ فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَنَا أَنْ نُضَحِّيَ بِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ بِهَا فَلَمْ يَمْنَعِ الْإِجْزَاءَ؛ كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ بِمُعَالَجَةِ الذَّبْحِ، فَلَوْ تَعَيَّبَتْ بِفِعْلِهِ، لَزِمَهُ بَدَلُهَا (إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ التَّعْيِينِ، كَالْفِدْيَةِ) مِنَ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي النُّسُكِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ (وَالْمَنْذُورُ فِي الذِّمَّةِ) فَشَمِلَ قِسْمَيْنِ: مَا وَجَبَ بِغَيْرِهِ، وَمَا وَجَبَ بِالنَّذْرِ (فَإِنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهَا) لِأَنَّ عَلَيْهِ دَمًا سَلِيمًا، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، وَكَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ مَكِيلًا فَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَعَادَ الدَّيْنُ إِلَى ذِمَّتِهِ، وَيَلْزَمُهُ أَفْضَلُ مِمَّا فِي الذِّمَّةِ إِنْ كَانَ تَلَفُهُ بِتَفْرِيطِهِ، فَلَوْ وَلَدَتْ فَهَلْ يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ كَمَا تَبِعَهَا ابْتِدَاءً فَيَبْطُلُ التَّعْيِينُ فِيهِ أَوْ لَا، لِأَنَّ الْبُطْلَانَ فِي الْأُمِّ لِمَعْنًى اخْتَصَّ بِهَا؛ فِيهِ وَجْهَانِ. (وَهَلْ لَهُ اسْتِرْجَاعُ هَذَا الْعَاطِبِ، وَالْمَعِيبِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ إِنْ ضَلَّتْ، فَذَبَحَ بَدَلَهَا، ثُمَّ وَجَدَهَا. فَصْلٌ. سَوْقُ الْهَدْيِ مَسْنُونٌ لَا يَجِبُ إِلَّا بِالنَّذْرِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ، وَيَجْمَعَ   [المبدع في شرح المقنع] أَصَحُّهُمَا: لَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ ذَلِكَ إِلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ بِتَعْيِينِهِ فَلَزِمَهُ ذَبْحُهُ، كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ بِنَذْرِهِ ابْتِدَاءً. وَالثَّانِيَةُ: لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ إِلَى مُلْكِهِ، فَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ إِنَّمَا عَيَّنَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَنْهُ، عَادَ إِلَى صَاحِبِهِ، كَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةً، فَبَانَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ (وَكَذَلِكَ إِنْ ضَلَّتْ فَذَبَحَ بَدَلَهَا، ثُمَّ وَجَدَهَا) أَيْ: فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ لِلْمُسَاوَاةِ، وَالْمَذْهَبُ ذَبْحُهُ مَعَ ذَبْحِ الْوَاجِبِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَهَدَتْ هَدْيَيْنِ وَأَضَلَّتْهُمَا فَبَعَثَ إِلَيْهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ هَدْيَيْنِ فَنَحَرَتْهُمَا، ثُمَّ عَادَ الضَّالَّانِ، فَنَحَرَتْهُمَا، وَقَالَتْ: هَذِهِ سُنَّةُ الْهَدْيِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. تَنْبِيهٌ: إِذَا ذَبَحَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَسُرِقَ، سَقَطَ الْوَاجِبُ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ؛ لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ لَا تَلْزَمُهُ بِدَلِيلِ تَخْلِيَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا عَطِبَتْ شَاةٌ فَذَبَحَهَا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، لَمْ تُجْزِئْهُ وَإِنْ رَضِيَ مَالِكُهَا، سَوَاءٌ عَوَّضَهُ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُعَوِّضْهُ. مَسْأَلَةٌ: لَا يَبْرَأُ فِي الْهَدْيِ إِلَّا بِذَبْحِهِ أَوْ نَحْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَكَّلَ، فَإِنْ ذَبَحَهُ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ؛ فَلَوْ دَفَعَهُ إِلَى الْفُقَرَاءِ سَلِيمًا، فَذَبَحُوهُ، جَازَ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَرُوهُ، اسْتَرَدَّهُ مِنْهُمْ وَنَحَرَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ بِتَفْرِيطِهِ. فَإِنْ ذَبَحَهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ لِلْفُقَرَاءِ، جَازَ لَهُمُ الْأَخْذُ مِنْهُ إِمَّا بِالْإِذْنِ نُطْقًا كَقَوْلِهِ: مَنِ اقْتَطَعَ. أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، كَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ. [فَصْلٌ سَوْقُ الْهَدْيِ مَسْنُونٌ] ٌ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «تَمَتَّعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ. وَيُسَنُّ إِشْعَارُ الْبَدَنَةِ، وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ صَفْحَةَ سَنَامِهَا حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ وَيُقَلِّدَهَا، وَيُقَلِّدَ الْغَنَمَ النَّعْلَ، وَآذَانَ الْقِرَبِ، وَالْعُرَى. وَإِنْ نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا، فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُهُ شَاةٌ أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ، وَإِنْ نَذَرَ بَدَنَةً   [المبدع في شرح المقنع] فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (لَا يَجِبُ إِلَّا بِالنَّذْرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ، وَلِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَطَاعَةٌ، فَوَجَبَ بِهِ كَسَائِرِ نُذُرِ الطَّاعَاتِ، وَيَصِيرُ لِلْحَرَمِ، وَكَذَا إِنْ نَذَرَ سَوْقَ أُضْحِيَّةٍ إِلَى مَكَّةَ، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ بِهَا، وَإِنْ جَعَلَ دَرَاهِمَ فَلِلْحَرَمِ. نَقَلَهُ الْمَرْوَذِيُّ، وَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا لِغَيْرِ الْحَرَمِ، وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ تَعَيَّنَ بِهِ ذَبْحًا، وَتَفْرِيقًا لِفُقَرَائِهِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ، وَيَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِرَاقَةُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى الْهَدْيَ إِلَّا مَا عُرِفَ بِهِ، وَنَحْوُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. (وَيُسَنُّ إِشْعَارُ الْبَدَنَةِ، وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ صَفْحَةَ سَنَامِهَا حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ وَيُقَلِّدَهَا) . هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُشْعَرُ الْبَقَرُ؛ لِأَنَّهَا مِنَ الْبُدْنِ، وَلِأَنَّهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، فَهُوَ كَالْكَيِّ. وَفَائِدَتُهُ أَنَّهَا تُعْرَفُ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ، وَيَتَوَقَّاهَا اللِّصُّ، بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ، فَإِنَّهُ يُنْقَلُ، أَوْ عُرْوَةٍ فَيَنْحَلُّ وَيُذْهَبُ. وَالْمُرَادُ بِصَفْحَةِ السَّنَامِ: الْيُمْنَى عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ مَحِلُّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ، وَعَنْهُ: الْيُسْرَى، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْعَرُ غَيْرُ السَّنَامِ، وَفِي " الْفُصُولِ " عَنْ أَحْمَدَ خِلَافُهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسُوقَ حَتَّى يُشْعِرَهُ، وَيُجَلِّلَهُ بِثَوْبٍ أَبْيَضَ (وَيُقَلِّدَ الْغَنَمَ النَّعْلَ وَآذَانَ الْقِرَبِ وَالْعُرَى) لِقَوْلِ عَائِشَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهَا هَدْيٌ فَسُنَّ تَقْلِيدُهَا كَالْإِبِلِ بَلْ أَوْلَى إِذْ لَيْسَ لَهَا مَا يُعْرَفُ بِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُشْعَرُ لِعَدَمِ نَقْلِهِ، وَلِأَنَّهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ، فَإِنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ، أَجْزَأَهُ مَا عَيَّنَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ إِيصَالُهُ إِلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ إِلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ بِمَوْضِعٍ سِوَاهُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] ضَعِيفَةٌ، وَالشَّعَرُ يَسْتُرُ مَوْضِعَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: الْبُدْنُ تُشَعَّرُ وَالْغَنَمُ تُقَلَّدُ. [نَذْرُ الْهَدْيِ الْمُطْلَقِ] (وَإِنْ نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا) كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ - تَعَالَى - عَلَيَّ هَدْيٌ (فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُهُ شَاةٌ أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ فِي النَّذْرِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ، وَالْهَدْيُ الْوَاجِبُ فِي الشَّرْعِ مِنَ النِّعَمِ مَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (وَإِنْ نَذَرَ بَدَنَةً أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ) لِإِجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ، وَلِمُوَافَقَتِهَا لَهَا اشْتِقَاقًا وَفِعْلًا. (فَإِنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ) بِأَنْ قَالَ: هَذَا لِلَّهِ عَلَيَّ (أَجْزَأَهُ مَا عَيَّنَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا) سَلِيمًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَهُ، فَيَبْرَأُ بِصَرْفِهِ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ (مِنَ الْحَيَوَانِ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. فَلَوْ نَذَرَ جَذَعَةً، وَأَخْرَجَ ثَنِيَّةً فَقَدْ أَحْسَنَ (وَغَيْرُهُ) سَوَاءٌ كَانَ مَنْقُولًا، أَوْ غَيْرُهُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً» (وَعَلَيْهِ إِيصَالُهُ إِلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ) لِأَنَّهُ سَمَّاهُ هَدْيًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَشْرُوعِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْمُطْلَقِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمَنْقُولِ، نَقَلَ الْمَرْوَذِيُّ فِيمَنْ جَعَلَ دَرَاهِمَ هَدْيًا، فَلِلْحَرَمِ. وَفِي " التَّعْلِيقِ " وَ " الْمُفْرَدَاتِ " وَهُوَ ظَاهِرُ " الرِّعَايَةِ " لَهُ: يَبْعَثُ عَنِ الْمَنْقُولِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَوْ يُقَوِّمُهُ وَيَبْعَثُ الْقِيمَةَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَنْقُولِ كَالْعَقَارِ وَنَحْوِهِ، بَاعَهُ وَبَعَثَ بِثَمَنِهِ إِلَيْهِمْ لِتَعَذُّرِ إِهْدَائِهِ بِعَيْنِهِ، فَانْصَرَفَ إِلَى بَدَلِهِ، يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنِ امْرَأَةٍ نَذَرَتْ أَنْ تُهْدِيَ دَارًا، فَقَالَ: تَبِيعُهَا، وَتَصَّدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ (إِلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ بِمَوْضِعٍ سِوَاهُ) إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَذْبَحَ بِالْأَبْوَاءِ. قَالَ: بِهَا صَنَمٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ» ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ نَفْعَ أَهْلِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ إِيصَالُهُ إِلَيْهِمْ كَأَهْلِ مَكَّةَ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ بِهِ ذَبْحًا، وَيُفَرِّقُهُ لِفُقَرَائِهِ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ هَدْيِهِ) التَّطَوُّعِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 يَأْكُلَ مِنْ هَدْيِهِ، وَلَا يَأْكُلَ مِنْ وَاجِبٍ إِلَّا مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَكَلَ مِنْ بُدْنِهِ. وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لَا فَرْقَ فِي الْهَدْيِ بَيْنَ مَا أَوْجَبَهُ بِالتَّعْيِينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ، وَبَيْنَ مَا ذَبَحَهُ تَطَوُّعًا، لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي أَصْلِ التَّطَوُّعِ، فَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا ضَمِنَ الْمَشْرُوعَ لِلصَّدَقَةِ، كَالْأُضْحِيَّةِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ فِي الْأَكْلِ وَالتَّفْرِقَةِ، كَالْأُضْحِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا، فَحَسَنٌ، وَأَوْجَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَكْلَ مِنْهُ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ. (وَلَا يَأْكُلُ مِنْ وَاجِبٍ) لِأَنَّهُ وَجَبَ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ، أَشْبَهَ جَزَاءَ الصَّيْدِ، لَكِنِ اخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالْمُؤَلِّفُ: الْأَكْلَ مِنْ أُضْحِيَّةِ النَّذْرِ كَالْأُضْحِيَّةِ عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِهَا فِي الْأَصَحِّ (إِلَّا مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) . نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِمَا صَحَّ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعْنَ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَدْخَلَتْ عَائِشَةُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ حِينَ حَاضَتْ، فَصَارَتْ قَارِنَةً، ثُمَّ ذَبَحَ عَنْهُنَّ الْبَقَرَ، فَأَكَلْنَ مِنْ لَحْمِهَا. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَأَكَلَ هُوَ وَعَلِيٌّ مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُمَا دَمُ نُسُكٍ أَشْبَهَا التَّطَوُّعَ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ لَا يَأْكُلُ مِنْ قِرَانٍ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ التَّمَتُّعِ عَنْهُ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: وَلَا مِنْ دَمِ مُتْعَةٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَعَنْهُ: يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ نَذْرٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِلَّهِ، وَجَزَاءُ الصَّيْدِ بَدَلُ مُتْلَفٍ، وَزَادَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَكَفَّارَةٌ. فَرْعٌ: مَا مَلَكَ أَكْلَهُ فَلَهُ هَدْيُهُ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ كَبَيْعِهِ وَإِتْلَافِهِ، وَيَضْمَنُهُ أَجْنَبِيٌّ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ مَنَعَ الْفُقَرَاءَ مِنْهُ حَتَّى أَنْتَنَ، فَفِي " الْفُصُولِ ": عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَإِتْلَافِهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": يَتَوَجَّهُ: يَضْمَنُ نَقْصَهُ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ كُلَّ مَا ذُبِحَ بِمَكَّةَ سُمِّيَ هَدْيًا، وَمَا ذُبِحَ بِمِنًى. وَقَدْ سِيقَ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ هَدْيٌ وَأُضْحِيَّةٌ، وَمَا اشْتَرَاهُ بِعَرَفَاتٍ، وَسَاقَهُ إِلَى مِنًى فَهُوَ هَدْيٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَا مَا اشْتَرَاهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى التَّنْعِيمِ، وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِمِنًى، وَذَبَحَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 فَصْلٌ. وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَا تَجِبُ إِلَّا بِالنَّذْرِ، وَذَبْحُهَا هِيَ وَالْعَقِيقَةُ أَفْضَلُ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] بِهَا. نَصَّ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ بِهَدْيٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ: وَمَا ذُبِحَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْحِلِّ أُضْحِيَّةٌ لَا هَدْيٌ. [حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ] فَصْلٌ (وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَهَا، وَحَثَّ عَلَيْهَا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «ثَلَاثٌ كُتِبْنَ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرِ، وَالنَّحْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ» . فَعَلَّقَهُ عَلَى الْإِرَادَةِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا. وَفِيهِ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ: «مَنْ أَرَادَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» . وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ لَمْ يَجِبْ تَفْرِيقُ لَحْمِهَا؛ فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً كَالْعَقِيقَةِ. وَعَنْهُ: وَاجِبَةٌ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» ، وَعَنْهُ: يَجِبُ عَلَى حَاضِرٍ. وَعَنْهُ فِي الْمُقِيمِ: يُضَحِّي، وَعَنْهُ: وَلِيُّهُ إِذَا كَانَ مُوسِرًا. فَأَخَذَ مِنْهَا أَبُو الْخَطَّابِ الْوُجُوبَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْسِعَةِ لَا الْإِيجَابِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَهَا، وَيَهْدِيَ ثُلُثَهَا، وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا، فَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ جَازَ، وَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا ضَمِنَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ الصَّدَقَةَ مِنْهَا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَصْلٌ: الْمُضَحِّي مُسْلِمٌ تَامٌّ مِلْكُهُ، وَلَوْ مُكَاتَبًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ بِمَنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، إِنْ مَلَكَهَا بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، فَلَهُ أَنْ يُضَحِّيَ مُطْلَقًا إِلَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ عَلَيْهِ وَاجِبَةً. (وَلَا تَجِبُ إِلَّا بِالنَّذْرِ) كَالْهَدْيِ، وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ مَنْعُهُ مِنْهُ كَالْهَدْيِ الْمَنْذُورِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ (وَذَبْحُهَا هِيَ وَالْعَقِيقَةُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ وَاظَبُوا عَلَيْهَا، وَعَدَلُوا عَنِ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا، وَهُمْ لَا يُوَاظِبُونَ إِلَّا عَلَى الْأَفْضَلِ، وَهِيَ عَنْ مَيِّتٍ أَفْضَلُ، وَيُعْمَلُ بِهَا كَأُضْحِيَّةِ الْحَيِّ. (وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَهَا، وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا، وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا ثُلُثٌ لَكَ وَثُلُثٌ لِأَهْلِكَ وَثُلُثٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] فَالْقَانِعُ: السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرُّ بِكَ أَيْ: يَتَعَرَّضُ لَكَ لِتُطْعِمَهُ وَلَا يَسْأَلُ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ: الْقَانِعُ: الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ الْمُتَعَفِّفُ يَقْنَعُ بِمَا يُعْطَى، وَلَا يَسْأَلُ، وَالْمُعْتَرُّ: السَّائِلُ. وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. فَيُقَسَّمُ أَثْلَاثًا، وَأَوْجَبَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَالْمَشْرُوعُ أَنْ يَأْكُلَ الثُّلُثَ، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهَا وَأَنْ يُهْدِيَ الثُّلُثَ، وَلَوْ لِكَافِرٍ إِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا، وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا مَا لَمْ يَكُنْ لِيَتِيمٍ وَمُكَاتَبٍ. (فَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ جَازَ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا أُوقِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَكْلِ وَالْإِطْعَامِ مُطْلَقٌ، فَيَخْرُجُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِصَدَقَةِ الْأَقَلِّ (وَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا، ضَمِنَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ مِنَ الصَّدَقَةِ مِنْهَا) لِلْأَمْرِ بِالْإِطْعَامِ مِنْهَا. فَعَلَى هَذَا يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا، وَهُوَ الْأُوقِيَّةُ، وَقِيلَ: الْعَادَةُ، وَقِيلَ: الثُّلُثُ، وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ مَنْصُوصَ أَحْمَدَ، وَيَتَوَجَّهُ: لَا يَكْفِي التَّصَدُّقُ بِالْجِلْدِ وَالْقَرْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 يُضَحِّيَ وَدَخَلَ الْعَشْرُ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرَتِهِ شَيْئًا. وَهَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: يُعْتَبَرُ تَمْلِيكُ الْفَقِيرِ، فَلَا يَكْفِي إِطْعَامُهُ، وَيَجُوزُ ادِّخَارُ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ. وَتَحْرِيمُهُ مَنْسُوخٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ: لَا فِي مَجَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الِادِّخَارِ. (وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ) أَوْ يُضَحَّى عَنْهُ (وَدَخَلَ الْعَشْرُ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرَتِهِ) وَظُفْرِهِ (شَيْئًا) لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَدَخَلَ الْعَشْرُ، فَلَا يَأْخُذْ مَنْ شَعَرِهِ وَبَشْرَتِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» ، وَفِي لَفْظٍ «وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ. (وَهَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَإِسْحَاقُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ، وَلِلتَّشَبُّهِ بِالْمُحْرِمِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَزِلُ النِّسَاءَ، وَلَا يَتْرُكُ الطِّيبَ وَاللِّبَاسَ، وَالْأَوْلَى فِيهِ أَنْ يَبْقَى كَامِلَ الْأَجْزَاءِ لِيُعْتَقَ مِنَ النَّارِ. وَالثَّانِي: يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِقَوْلِ عَائِشَةَ: كُنْتُ أَفْتِلُ. . . . الْخَبَرَ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُضَحِّيَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، إِذْ لَا حُكْمَ لِلْقِيَاسِ مَعَهُ، وَحَدِيثُنَا خَاصٌّ، فَيُقَدَّمُ، وَلَعَلَّهَا إِمَّا أَرَادَتْ مَا يَتَكَرَّرُ كَاللِّبَاسِ، وَهُوَ قَوْلٌ يَتَقَدَّمُ عَنِ الْفِعْلِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ إِنْ فَعَلَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ - تَعَالَى - وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَيُسْتَحَبُّ الْحَلْقُ بَعْدَ الذَّبْحِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ ذَبَائِحُ. قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 فَصْلٌ. وَالْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَالْمَشْرُوعُ أَنْ يُذْبَحَ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ   [المبدع في شرح المقنع] أَحْمَدُ: عَلَى مَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ تَعْظِيمًا لِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا قَبْلَهُ، فَاسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ كَالْمُحْرِمِ، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ] [تَعْرِيفُ العقيقة] فَصْلٌ (وَالْعَقِيقَةُ) فِي الْأَصْلِ: شَعَرُ كُلِّ مَوْلُودٍ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ الَّذِي يُولَدُ وَهُوَ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَنَقَلَ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْأَصْمَعِيَّ قَالَ: هِيَ الشَّعَرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ، وَسُمِّيَتِ الشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ عَقِيقَةً عَلَى عَادَتِهِمْ، ومِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ. ثُمَّ اشْتُهِرَ ذَلِكَ، فَلَا يُفْهَمُ مِنْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ غَيْرُهَا، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ هَذَا التَّفْسِيرَ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفَسَّرَهَا إِمَامُنَا بِأَنَّهَا الذَّبْحُ نَفْسُهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقِّ الْقَطْعُ، وَمِنْهُ عَقَّ وَالِدَيْهِ أَيْ: قَطَعَهُمَا، وَالذَّبْحُ: قَطْعُ الْحُلْقُومِ، وَالْمَرِّيُّ، وَهُوَ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. قَالَ أَحْمَدُ: الْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَنَقَلَهُ أَصْحَابُهُ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ، فَكَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ، وَقَالَ: مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسِكَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ.» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَعَنْهُ: وَاجِبَةٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ وَأَبُو الْوَفَاءِ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ، وَدَاوُدُ، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٍ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ: لَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْهُ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ، بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِالتَّسْمِيَةِ وَالْحَلْقِ، وَهِيَ سُنَّةٌ عَلَى الْأَبِ غَنِيًّا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ فَقِيرًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 شَاةٌ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِهِ فِضَّةً.   [المبدع في شرح المقنع] [الْمَشْرُوعُ فِي العقيقة] (وَالْمَشْرُوعُ أَنْ يَذْبَحَ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ) لِمَا رَوَتْ أُمُّ كَرْزٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. مُتَكَافِئَتَانِ: مُتَقَارِبَتَانِ فِي السَّنِّ وَالشَّبَهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ عُدِمَ، فَوَاحِدَةٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ شَاةً شَاةً» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَوْ لِتَبْيِينِ الْجَوَازِ (وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) لِحَدِيثِ أُمِّ كَرْزٍ، وَلِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَحْكَامِ الذَّكَرِ، فَإِنْ عَدِمَ، اقْتَرَضَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا كَانَ لَهُ وَفَاءٌ (يَوْمَ سَابِعِهِ) قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ ": فِي مِيلَادِ الْوَلَدِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: ضَحْوَةً، وَيَنْوِيهَا عَقِيقَةً. وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْعَقِيقَةِ تُذْبَحُ يَوْمَ السَّابِعِ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: يَذْبَحُ إِحْدَى الشَّاتَيْنِ يَوْمَ وِلَادَتِهِ، وَالْأُخْرَى يَوْمَ السَّابِعِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَيُسَمَّى فِيهِ. وَفِي " الشَّرْحِ ": وَإِنْ سَمَّاهُ قَبْلَهُ، فَحَسَنٌ. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْمَوْلُودَ إِذَا مَضَتْ لَهُ سَبْعُ لَيَالٍ فَقَدِ اسْتَحَقَّ التَّسْمِيَةَ فَقَوْمٌ قَالُوا: حِينَئِذٍ، وَقَوْمٌ قَالُوا: حَالَ وِلَادَتِهِ. (وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ) أَيْ: رَأْسُ الْغُلَامِ. قَالَ فِي " النِّهَايَةِ ": وَرَأْسُهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالذَّكَرِ، وَيُكْرَهُ لَطْخُهُ بِدَمٍ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ «تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُدْمَى» ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ: يُسَمَّى، وَقَالَ هَمَّامٌ: " يُدْمَى " مَا أَرَاهُ إِلَّا خَطَأً، وَقِيلَ: هُوَ تَصْحِيفٌ مِنَ الرَّاوِي، يُعَضِّدُهُ أَنَّ مُهَنَّا ذَكَرَ لِأَحْمَدَ حَدِيثَ يَزِيدَ الْمُزْنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُعَقُّ عَنِ الْغُلَامِ وَلَا يُمَسُّ رَأْسُهُ بِدَمٍ» فَقَالَ: مَا أَظْرَفَهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَطْخُهُ بِغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ (وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِهِ فِضَّةً) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ لَمَّا وَلَدَتِ الْحَسَنَ «احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعَرِهِ فِضَّةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 فصل   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى الْمَسَاكِينِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ ": لَيْسَ فِي حَلْقِ رَأْسِهِ، وَوَزْنِ شَعَرِهِ سُنَّةٌ وَكِيدَةٌ، وَإِنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ، وَالْعَقِيقَةُ هِيَ السُّنَّةُ. فَرْعٌ: يُؤَذَّنُ فِي أُذُنِهِ حِينَ يُولَدُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحُسَيْنِ حِينَ وُلِدَ بِالصَّلَاةِ» ، صَحَّحَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": وَيُقِيمُ فِي الْيُسْرَى، وَيُحَنِّكُهُ بِتَمْرٍ، وَهُوَ أَنْ يَمْضُغَهُ، وَيَدُلِّكَ بِهِ حَنَكَهُ، لِلْخَبَرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرٌ فَشَيْءٌ حُلْوٌ. 1 - فَصْلٌ «أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيَسْتَحَبُّ أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ: مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِيهِمُ اسْمُ مُحَمَّدٍ إِلَّا رُزِقُوا وَرُزِقَ خَيْرًا. وَلَا يُكْرَهُ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا يُكْرَهُ بِجِبْرِيلَ، وَيَاسِينَ، وَيُكْرَهُ حَرْبٌ وَمُرَّةُ، وَبَرَّةُ، وَنَافِعٌ، وَيَسَارٌ، وَأَفْلَحُ، وَنَجِيحٌ، وَبَرَكَةُ، وَيَعْلَى، وَمُقْبِلٌ، وَرَافِعٌ، وَرَبَاحٌ. قَالَ الْقَاضِي: وَكُلُّ اسْمٍ فِيهِ تَفْخِيمٌ، وَتَعْظِيمٌ كَالْمَلِكِ بِخِلَافِ حَاكِمِ الْحُكَّامِ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ، لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ، وَبِخِلَافِ الْأَوْحَدِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلِأَنَّ الْمَلِكَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمُلْكِ، وَحَقِيقَتُهُ، إِمَّا التَّصَرُّفُ التَّامُّ، أَوِ التَّصَرُّفُ الدَّائِمُ، وَلَا يَصِحَّانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 فَإِنْ فَاتَ، فَفِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَإِنْ فَاتَ، فَفِي إحدى وَعِشْرِينَ   [المبدع في شرح المقنع] إِلَّا لِلَّهِ - تَعَالَى - وَلِأَحْمَدَ «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ تَسَمَّى بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ، لَا مَلِكَ إِلَّا اللَّهُ» وَأَفْتَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ الْحَنَفِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ الْحَنْبَلِيُّ بِالْجَوَازِ، وَالْمَاوَرْدِيُّ بِعَدَمِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَيَحْرُمُ عَبْدُ الْعُزَّى، وَعَبْدُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ الْكَعْبَةِ، وَمَا أَشْبَهَهُ حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ اتِّفَاقًا، وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّرَ الِاسْمَ إِلَى آخَرَ فَسَمَّى حَرْبًا سِلْمًا، وَالْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ، وَشِهَابًا هِشَامًا. وَأَمَّا اللَّقَبُ فَكَمَالُ الدِّينِ، وَشَرَفُ الدِّينِ فَلَهُ تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ أَنَّ الدِّينَ أَكْمَلَهُ وَشَرَّفَهُ لا العكس قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ. وَبِالْجُمْلَةِ مَنْ لُقِّبَ بِمَا يُصَدِّقُهُ فِعْلُهُ، جَازَ، وَيَحْرُمُ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى مَخْرَجٍ صَحِيحٍ، وَيَجُوزُ التَّكَنِّي، وَأَنْ يُكَنَّى الْإِنْسَانُ بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ، وَيُكْرَهُ بِأَبِي عِيسَى احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: وَبِأَبِي يَحْيَى، وَهَلْ يُكْرَهُ بِأَبِي الْقَاسِمِ، أَمْ لَا أَمْ يُكْرَهُ لِمَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَقَطْ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ، وَلَا يَحْرُمُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُكَنَّى بِهِ، وَاحْتَجَّ بِالنَّهْيِ، فَظَاهِرُهُ يَحْرُمُ، وَيَجُوزُ تَكْنِيَتُهُ أَبَا فُلَانٍ، وَأَبَا فُلَانَةٍ، وَتَكْنِيَتُهَا أُمَّ فُلَانٍ، وَأُمَّ فُلَانَةٍ، وَتَكْنِيَةُ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعًا، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمُرَخَّمَ وَالْمُصَغَّرَ، وَهُوَ فِي الْأَخْبَارِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَا عَائِشُ يَا فَاطِمُ، «وَلِقَوْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ خُوَيْدِمُكَ أُنَيْسٌ ادْعُ اللَّهَ لَهُ» . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ الْجَوَازُ، لَكِنْ مَعَ عَدَمِ الْأَوْلَى. وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ وَالْفَتَى وَالْفَتَاةِ يُطْلَقُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ، وَلَا تَقُلْ: عَبْدِي وَأَمَتِي. كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَإِمَاءُ اللَّهِ، وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ: رَبِّي، وَفِي مُسْلِمٍ: وَلَا مَوْلَايَ؛ فَإِنَّ مَوْلَاكُمُ اللَّهُ. وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ. وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ. (فَإِنْ فَاتَ) أَيِ: الذَّبْحُ فِي السَّابِعِ (فَفِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَإِنْ فَاتَ، فَفِي إِحْدَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وَيَنْزِعُهَا أَعْضَاءً، وَلَا يَكْسِرُ عَظْمَهَا. وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا تُسَنُّ   [المبدع في شرح المقنع] وَعِشْرِينَ) نَقَلَهُ صَالِحٌ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَقُولُهُ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، فَلَوْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ أَجَزَأَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ هُوَ السُّنَّةُ فَإِنْ تَجَاوَزَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ سَابِعٍ، فَيُذْبَحُ فِي ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ فِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي - وَهُوَ الْأَشْهَرُ - أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْأَسَابِيعُ بَعْدَ الثَّلَاثِ، بَلْ يُفْعَلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ لِأَنَّ هَذَا قَضَاءٌ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ بِالصِّغَرِ، فَإِنْ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ أَصْلًا حَتَّى بَلَغَ وَكَسَبَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: ذَلِكَ عَلَى الْوَالِدِ، يَعْنِي لَا يَعُقُّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ " وَ " الرَّوْضَةِ " أَنَّهُ يَعُقُّ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا يُشْرَعُ لَهُ فِكَاكُ نَفْسِهِ. (وَيَنْزِعُهَا أَعْضَاءً) أَيْ: يَقْطَعُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ مِفْصَلِهِ تَفَاؤُلًا بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْمَوْلُودِ (وَلَا يَكْسِرُ عَظْمَهَا) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ: عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْعَقِيقَةِ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ابْعَثُوا إِلَى أَهْلِ بَيْتِ الْقَابِلَةِ بِرِجْلٍ وَكُلُوا وَأَطْعِمُوا وَلَا تَكْسِرُوا مِنْهَا عَظْمًا» ، وَفِي " التَّنْبِيهِ " تُعْطَى الْقَابِلَةُ مِنْهَا فَخْذًا، وَطَبْخُهَا أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَيَدْعُو إِلَيْهَا إِخْوَانَهُ فَيَأْكُلُوا، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَمِنْهُ طَبْخٌ حُلْوٌ تَفَاؤُلًا. [حُكْمُ الْعَقِيقَةِ] (وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ) فِي سَنِّهَا، وَمَا يُجْزِئُ مِنْهَا، وَمَا لَا يُجْزِئُ، وَمَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا مِنَ الصِّفَةِ، وَمَا يُكْرَهُ، وَفِي الْأَكْلِ، وَالْهَدِيَّةِ، وَالصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهَا نَسِيكَةٌ مَشْرُوعَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، أَشْبَهَتِ الْأُضْحِيَّةَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا شِرْكٌ فِي دَمٍ، وَلَا يُجْزِئُ إِلَّا بَدَنَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ كَامِلَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي " النِّهَايَةِ ": أَفْضَلُهُ شَاةٌ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": يَتَوَجَّهُ: مِثْلُهُ أُضْحِيَّةً، وَفِي إِجْزَاءِ الْأُضْحِيَّةِ عَنْهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْهَا شَيْءٌ. وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 الْفَرَعَةُ وَهِيَ ذَبْحُ أَوَّلِ وَلَدِ النَّاقَةِ، وَلَا الْعَتِيرَةُ وَهِيَ ذَبِيحَةُ رَجَبٍ.   [المبدع في شرح المقنع] بَيْعِ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ وَالسَّوَاقِطِ، وَالصَّدَقَةِ بِثَمَنِهِ خِلَافَ نَصِّهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَدْخَلُ مِنْهَا فِي التَّعَبُّدِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُحْتَمَلُ نَقْلُ حُكْمِ كُلِّ وَاحِدَةٍ إِلَى الْأُخْرَى، فَيَكُونُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ ذَبِيحَةٌ شُرِعَتْ يَوْمَ النَّحْرِ أَشْبَهَتِ الْهَدْيَ، وَالْعَقِيقَةُ شُرِعَتْ لِأَجْلِ سُرُورٍ حَادِثٍ، وَتَجَدُّدِ نِعْمَةٍ، أَشْبَهَ الذَّبْحَ فِي الْوَلِيمَةِ، وَلِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَكَانَ لَهُ الْبَيْعُ مِنْهَا، وَالصَّدَقَةُ بِثَمَنِهِ إِذِ الْفَضِيلَةُ حَاصِلَةٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. (وَلَا تُسَنُّ الْفَرَعَةُ) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ (وَهِيَ ذَبْحُ أَوَّلِ وَلَدِ النَّاقَةِ) كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ، وَقِيلَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا تَمَّتْ إِبِلُهُ مِائَةً قَدَّمَ بِكْرًا فَذَبَحَهُ لِصَنَمِهِ (وَلَا الْعَتِيرَةُ وَهِيَ ذَبِيحَةُ رَجَبٍ) وَقَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ وَأَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمْ أَمْرًا نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ مِنْ غَنَمِهِ شَاةً، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي " الرِّعَايَةِ " يُكْرَهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ: يُسْتَحَبُّ الْعَتِيرَةُ، وَحَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ أَضْحَاةٌ، وَعَتِيرَةٌ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَرَعَةِ مِنْ خَمْسِينَ وَاحِدَةً» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا سَبَقَ لِأَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَالثَّانِي: أَنَّ فِعْلَهُمَا كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِسْلَامِ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إِلَى حِينِ النَّسْخِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا، لَزِمَ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، بِخِلَافِ تَأَخُّرِ النَّهْيِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ سُنِّيَّتِهَا تَحْرِيمُ فِعْلِهَا وَلَا كَرَاهَتُهُ، فَلَوْ ذَبَحَ فِي رَجَبٍ أَوْ أَوَّلَ وَلَدِ النَّاقَةِ لِحَاجَتِهِ إِلَى ذَلِكَ، أَوِ الصَّدَقَةِ بِهِ، أَوْ إِطْعَامِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَكْرُوهًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 كِتَابُ الْجِهَادِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ مُسْتَطِيعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْجِهَادِ] [تَعْرِيفُ الجهاد وَحُكْمُهُ] ِ وَهُوَ مَصْدَرُ جَاهَدَ جِهَادًا، وَمُجَاهَدَةً. وَمُجَاهِدٌ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَجْهَدَ: إِذَا بَالَغَ فِي قتلِ عَدُوِّهِ حَسَبَ الطَّاقَةِ وَالْوُسْعِ. وَشَرْعًا: عِبَارَةٌ عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ خَاصَّةً. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41] . وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَاعِدَ بِلَا ضَرَرٍ غَيْرُ آثِمٍ مَعَ جِهَادِ غَيْرِهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي، سَقَطَ عَنِ الْكُلِّ، فَيَجْعَلُ فِعْلَ الْبَعْضِ كَافِيًا فِي السُّقُوطِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ مَنْ يَكْفِي، أَثِمَ الْكُلُّ كَفَرْضِ الْأَعْيَانِ، فَيَشْتَرِكَانِ فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا، وَيَفْتَرِقَانِ فِيمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَرْضُ عَيْنٍ، لِعُمُومِ الْآيَاتِ، وَالْقَاعِدُونَ كَانُوا حُرَّاسًا لِلْمَدِينَةِ، وَهُوَ نَوْعُ جِهَادٍ، وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَاهُ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ إِلَى النَّوَاحِي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَيُقِيمُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْأَوَامِرُ الْمُطْلَقَةُ. وَالْفَرْضُ فِي ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْغَيْرَ يَقُومُ بِهِ، كَجُنْدٍ لَهُمْ دِيوَانٌ، وَفِيهِمْ كِفَايَةٌ، أَوْ قَوْمٍ أَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ لِذَلِكَ وَفِيهِمْ مَنَعَةٌ؛ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ. فَرْعٌ: إِذَا قَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ طَائِفَةٌ بَعْدَ أُخْرَى فَهَلْ تُوصَفُ الثَّانِيَةُ بِالْفَرْضِيَّةِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ يَقْتَضِي أَنَّ فَرْضِيَّتَهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ مُحْتَمَلٌ (وَلَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ) لِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؛ قَالَ: جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِضَعْفِهَا وَخَوْفِهَا، وَلِذَلِكَ لَا يُسْهَمُ لَهَا. وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَهِيَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فَلَا يَجِبُ مَعَ الشَّكِّ فِي شَرْطِهِ (حُرٌّ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبَايِعُ الْحُرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ، وَالْعَبْدَ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الْجِهَادِ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْعَبْدِ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَلْزَمُ رَقِيقًا. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُبَعَّضًا وَمُكَاتَبًا، رِعَايَةً لِحَقِّ السَّيِّدِ، وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ أَمْ لَا. (مُكَلَّفٌ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُمَا، وَالْكَافِرُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْجِهَادِ (مُسْتَطِيعٌ) بِنَفْسِهِ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَطِيعِ عَاجِزٌ، وَالْعَجْزُ يَنْفِي الْوُجُوبَ. ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي بَدَنِهِ) مِنَ الْمَرَضِ، وَالْعَمَى، وَالْعَرَجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ تَمْنَعُهُ مِنَ الْجِهَادِ، فَفِي الْعَمَى ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْعَرَجُ فَالْمَانِعُ مِنْهُ الْفَاحِشُ الَّذِي يَمْنَعُ الْمَشْيَ الْجَيِّدَ، وَالرُّكُوبَ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَمْنَعُهُ الْمَشْيَ فَصَرَّحَ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، وَذَكَرَهُ فِي " الْمَذْهَبِ " قَوْلًا، وَفِي " الْبُلْغَةِ ": يَلْزَمُ أَعْرَجَ يَسِيرًا. وَكَذَا حُكْمُ الْمَرَضِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ خَفِيفًا كَوَجَعِ الضِّرْسِ، وَالصُّدَاعِ، فَلَا، كَالْعَوَرِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُ عَاجِزًا بِبَدَنِهِ فِي مَالِهِ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَحَجِّ مَعْضُوبٍ وَأَوْلَى (الْوَاجِدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 الْوَاجِدُ لِزَادِهِ وَمَا يَحْمِلُهُ إِذَا كَانَ بَعِيدًا. وَأَقَلُّ مَا يُفْعَلُ مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إِلَى تَأْخِيرِهِ، وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ أَوْ حَصَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. و َأَفْضَلُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ الْجِهَادُ، وَغَزْوُ الْبَحْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَزْوِ الْبَرِّ،   [المبدع في شرح المقنع] لِزَادِهِ) أَيْ: الْقَادِرُ عَلَى النَّفَقَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91] وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِآلَةٍ، فَاعْتُبِرَتِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا، وَسَوَاءٌ وُجِدَ ذَلِكَ، أَوْ بِبَذْلٍ مِنَ الْإِمَامِ، قَالَهُ الْمَجْدُ (وَمَا يَحْمِلُهُ إِذَا كَانَ بَعِيدًا) أَيْ: يُعْتَبَرُ مَعَ الْبُعْدِ - وَهُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ - مَرْكُوبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} [التوبة: 92] الْآيَةَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ، وَإِنَّمَا الْمُشْتَرَطُ أَنْ يَجِدَ الزَّادَ، وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ فِي مُدَّةِ غَيْبَتِهِ، وَسِلَاحٌ يُقَاتِلُ بِهِ فَاضِلًا عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَأُجْرَةِ مَسْكَنِهِ، عَلَى مَا مَرَّ فِي الْحَجِّ. [أَقَلُّ مَا يُفْعَلُ مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ] (وَأَقَلُّ مَا يُفْعَلُ مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَرَّةً فِي الْعَامِ، وَهِيَ بَدَلٌ عَنِ النُّصْرَةِ، فَكَذَا مُبْدَلُهَا فَإِنْ مَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَجَبَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ (إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إِلَى تَأْخِيرِهِ) كَضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَدَدٍ أَوْ عُدَّةٍ، أَوْ يَنْتَظِرُ الْإِمَامُ عَدَدًا يَسْتَعِينُ بِهِمْ، أَوْ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ إِلَيْهِمْ مَانِعٌ، أَوْ رَجَاءَ إِسْلَامِهِمْ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ قُرَيْشًا عَشْرَ سِنِينَ، وَأَخَّرَ قِتَالَهُمْ حَتَّى نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَأَخَّرَ قِتَالَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ بِغَيْرِ هُدْنَةٍ. وَظَاهِرُهُ بِهُدْنَةٍ، وَبِغَيْرِهَا. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ مَعَ الْقُوَّةِ وَالِاسْتِظْهَارِ لِمَصْلَحَةِ رَجَاءِ إِسْلَامِ الْعَدُوِّ، وَهَذَا رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَلَا يُعْتَبَرُ أَمْنُ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ وَضْعَهُ عَلَى الْخَوْفِ. (وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ مَنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ، أَوْ حَصَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) وَكَذَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْبُلْغَةِ " فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ، وَتَقَابَلَ الصَّفَّانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] الْآيَةَ. الثَّانِي: إِذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ بِبَلَدٍ، تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهِ قِتَالُهُمْ، وَدَفْعُهُمْ، كَحَاضِرِي الصَّفِّ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] الْآيَةَ زَادَ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ " ثَالِثًا، وَهُوَ إِذَا اسْتَنْفَرَهُ مِنْ لَهُ اسْتِنْفَارُهُ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} [التوبة: 38] . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ عَبْدًا. وَاسْتَثْنَى فِي " الْبُلْغَةِ " مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ السَّابِقَيْنِ إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مَنْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى تَخَلُّفِهِ لِحِفْظِ الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْمَكَانِ، وَالْآخَرُ مَنْ يَمْنَعُهُ الْإِمَامُ مِنَ الْخُرُوجِ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ: مَا لَمْ يَحْدُثْ لَهُ مَرَضٌ أَوْ عَمًى وَنَحْوُهُمَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِتَالُ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". فَرْعٌ: إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالنَّفِيرِ، صَلَّى ثُمَّ نَفَرَ مَعَ الْبُعْدِ، وَمَعَ قُرْبِ الْعَدُوِّ يَنْفِرُ وَيُصَلِّي رَاكِبًا أَفْضَلُ، وَلَا يَنْفِرُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. [أَفْضَلُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ الْجِهَادُ] (وَأَفْضَلُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ الْجِهَادُ) قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ. وَالْأَحَادِيثُ مُتَضَافِرَةٌ فِي ذَلِكَ فَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؛ قَالَ: مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَغَزْوُ الْبَحْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَزْوِ الْبَرِّ) لِحَدِيثِ أُمِّ حَرَامٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ عِنْدَهَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ. أَوْ: مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ مَرْفُوعًا: «شَهِيدُ الْبَحْرِ مِثْلُ شَهِيدَيِ الْبَرِّ، وَالْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ كَالْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ فِي الْبَرِّ، وَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - وَكَّلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ إِلَّا شُهَدَاءَ الْبَحْرِ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَتَوَلَّى قَبْضَ أَرْوَاحِهِمْ، وَشَهِيدُ الْبَرِّ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْنَ، وَشَهِيدُ الْبَحْرِ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 وَيَغْزُو مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَيُقَاتِلُ كُلُّ قَوْمٍ مَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْعَدْوِ. وَتَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَهُوَ لُزُومُ الثَّغْرِ لِلْجِهَادِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ نَقْلُ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، وَقَالَ رَسُولُ   [المبدع في شرح المقنع] وَالِدَيْنُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ خَطَرًا وَمَشَقَّةً لِكَوْنِهِ بَيْنَ خَطَرِ الْعَدُوِّ وَالْغَرَقِ إِلَّا مَعَ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: تُكَفِّرُ الشَّهَادَةُ كُلَّ الذُّنُوبِ غَيْرَ الدَّيْنِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَغَيْرَ مَظَالِمِ الْعِبَادِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ خَبَرَ أَبِي أُمَامَةَ: هَذَا فِي حَقِّ مَنْ تَهَاوَنَ بِقَضَائِهِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ قَضَاؤُهُ، وَكَانَ أَنْفَقَهُ فِي وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْضِيهِ عَنْهُ مَاتَ أَوْ قُتِلَ، وَكَذَا الْأَعْمَالُ الصِّغَارُ فَقَطْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَكَذَا الحَجُّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَرَمَضَانَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَنَقَلَ الْمَرْوَذِيُّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ. (وَيَغْزُو مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ تَرْكَهُ مَعَ الْفَاجِرِ يُفْضِي إِلَى قَطْعِهِ، وَظُهُورِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِئْصَالِهِمْ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ. وَشَرْطُهُ أَنْ يَحْفَظَ الْمُسْلِمِينَ لَا مُخَذِّلَ وَنَحْوَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا «إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» ، وَيُقَدَّمُ الْقَوِيُّ مِنْهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَيُقَاتِلُ كُلُّ قَوْمٍ مَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْعَدُوِّ) أَيْ: يَتَعَيَّنُ جِهَادُ الْمُجَاوِرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ الْأَقْرَبَ أَعْظَمُ ضَرَرًا. إِلَّا لِحَاجَةٍ مِثْلَ كَوْنِ الْأَبْعَدِ أَخْوَفَ، وَالْأَقْرَبِ مُهَادِنًا، وَمَعَ التَّسَاوِي فَجِهَادُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينٍ. قَالَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَاسْتَبْعَدَهُ أَحْمَدُ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالْجِهَادِ، وَالْكِفَايَةُ حَاصِلَةٌ بِغَيْرِهِ. [الرِّبَاطُ وَأَحْكَامُهُ] (وَتَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) قَالَهُ أَحْمَدُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ لِمَا رَوَى أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ مَرْفُوعًا «تَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا» ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ» .   [المبدع في شرح المقنع] «مَنْ رَابَطَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الرِّبَاطَ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَإِنْ زَادَ فَلَهُ أَجْرُهُ، وَأَمَّا أَقَلُّهُ فَقَالَ الْمَجْدُ، وَالْآجُرِّيُّ: سَاعَةٌ. وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَقَالَ أَيْضًا يَوْمٌ رِبَاطٌ، وَلَيْلَةٌ رِبَاطٌ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِجْمَاعًا، وَالصَّلَاةُ بِهَا أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِذَا اخْتُلِفَ فِي شَيْءٍ فَانْظُرْ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الثَّغْرِ فَإِنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ، وَهَلِ الْجِهَادُ أَفْضَلُ مِنَ الرِّبَاطِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ (وَهُوَ لُزُومُ الثَّغْرِ) وَكُلُّ مَكَانٍ يَخَافُ أَهْلُهُ مِنَ الْعَدُوِّ. مَأْخُوذٌ مِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ (لِلْجِهَادِ) وَأَفْضَلُهُ أَشَدُّهُ خَوْفًا؛ لِأَنَّهُمْ أَحْوَجُ، وَمَقَامُهُمْ بِهِ أَنْفَعُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ نَقْلُ أَهْلِهِ) أَيِ: الْأَبْنَاءُ، وَالذُّرِّيَّةُ (إِلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَخُوفٌ. وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ ظَفَرِ الْعَدُوِّ بِمَنْ فِيهِ، وَاسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَى الْأَهْلِ فَتَحْصُلُ بِهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَحْمَدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «جُزْءٌ مِنْ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ يُقَامُ لَيْلُهَا، وَيُصَامُ نَهَارُهَا» . تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ أَنَّ أَفْضَلَ الرِّبَاطِ الْمُقَامُ بِأَشَدِّ الثُّغُورِ خَوْفًا. قِيلَ لِأَحْمَدَ: أَيْنَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ يَنْزِلَ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ؟ قَالَ: مَدِينَةٌ تَكُونُ مَعْقِلًا لِلْمُسْلِمِينَ كَأَنْطَاكِيَةَ، وَالرَّمْلَةِ، وَدِمَشْقَ، وَقَالَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الشَّامُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ، وَدِمَشْقُ مَوْضِعٌ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ النَّاسُ إِذَا غَلَبَتِ الرُّومُ. قُلْتُ لَهُ: فَالْأَحَادِيثُ «أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ» فَقَالَ: مَا أَكْثَرُ مَا جَاءَ فِيهِ. قِيلَ لَهُ: إِنَّ هَذَا فِي الثُّغُورِ، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ» هُمْ أَهْلُ الشَّامِ. وَيُسَمَّى الشَّامُ مَغْرِبًا بِاعْتِبَارِ الْعِرَاقِ، كَمَا يُسَمَّى الْعِرَاقُ مَشْرِقًا، وَفِيهِ حَدِيثُ مَالِكِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إِظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدَرَ   [المبدع في شرح المقنع] بْنِ عَامِرٍ عَنْ مُعَاذٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا قَالَ: «فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [الْهِجْرَةُ وَأَحْكَامُهَا] (وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ يَعْجَزُ عَنْ إِظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَهِيَ مَا يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْكُفْرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] الْآيَاتِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلِمَ؟ قَالَ: لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَمَعْنَاهُ: لَا يَكُونُ بِمَوْضِعٍ يَرَى نَارَهُمْ، وَيَرَوْنَ نَارَهُ إِذَا أُوقِدَتْ. وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِأَمْرِ الدِّينِ وَاجِبٌ عَلَى الْقَادِرِ، وَالْهِجْرَةَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاجِبِ وَتَتِمَّتُهُ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَشَرْطُهُ أَنْ يُطِيقَ ذَلِكَ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الْفُرُوعِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 98] الْآيَةَ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ دَارَ الْبُغَاةِ، وَالْبِدْعَةِ كَرَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَوْ فِي الْعُدَّةِ، بِلَا رَاحِلَةٍ وَلَا مَحْرَمٍ. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " إِنْ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنَ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهَا، لَمْ تُهَاجِرْ إِلَّا بِمَحْرَمٍ، كَالْحَجِّ، وَمَعْنَاهُ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ " وَزَادَ: إِنْ أَمْكَنَهَا إِظْهَارُ دِينِهَا، وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إِشْعَارٌ بِبَقَاءِ حُكْمِ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاهِيرِ إِذْ حُكْمُهَا مُسْتَمِرٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» ، «وَقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ» أَيْ: لَا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ فَتْحِهَا؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ إِلَيْهِ، لَا مِنْهُ. (وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ جِهَادِهِمْ، وَيُكَثِّرُ الْمُسْلِمِينَ، وَيُعِينُهُمْ، وَيَتَخَلَّصَ مِنْ تَكْثِيرِ عَدُوِّهِمْ، الِاخْتِلَاطِ بِهِمْ، وَقَضِيَّةُ نُعَيْمٍ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: تَجِبُ. وَأَطْلَقَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": لَا يُسَنُّ لِامْرَأَةٍ بِلَا رُفْقَةٍ، مَنْ صَلَّى لَزِمَتْهُ الْهِجْرَةُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 عَلَيْهِ. وَلَا يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ، وَلَا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ إِلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ   [المبدع في شرح المقنع] وَأَمَّا الْعَاجِزُ عَنْهَا، فَلا توصف باسْتِحْبَاب، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". فَرْعٌ: لَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي، لَكِنْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العنكبوت: 56] أَنَّ الْمَعْنَى إِذَا عُمِلَ بِالْمَعَاصِي فِي أَرْضٍ فَاخْرُجُوا مِنْهَا، قَالَهُ عَطَاءٌ، وَيَرُدُّهُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ. . . .» الْحَدِيثُ. [لَا يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ إِلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ وَأَبِيهِ] (وَلَا يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) لِآدَمِيٍّ لَا وَفَاءَ لَهُ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّيْنِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ يُقْصَدُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ، وَبِهَا تَفُوتُ النَّفْسُ فَيَفُوتُ الْحَقُّ بِفَوَاتِهَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَجْهٌ: لَا يَسْتَأْذِنُ مَعَ تَأْجِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الطَّلَبُ إِلَّا بَعْدَ حُلُولِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ وَفَاءٌ، فَلَهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَرَامٍ وَالِدُ جَابِرٍ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ فَاسْتُشْهِدَ، وَقَضَى عَنْهُ ابْنُهُ مَعَ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَفِي مَعْنَاهُ إِقَامَةُ الْكَفِيلِ أَوْ تَوَثُّقُهُ بِرَهْنٍ، لِعَدَمِ ضَيَاعِ حَقِّ الْغَرِيمِ بِتَقْدِيرِ قَتْلِهِ (وَلَا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُجَاهِدُ؟ فَقَالَ: لَكَ أَبَوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَكَ أَبَوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ارْجِعْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 وَأَبِيهِ، إِلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ فَرِيضَةٍ. وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ الْفِرَارُ مِنْ ضَعْفِهِمْ إِلَّا مُتَحَرِّفِينَ إِلَى الْقِتَالِ، أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إِلَى فِئَةٍ وَإِنْ زَادَ   [المبدع في شرح المقنع] فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وَإِلَّا فَبِرُّهُمَا» ، وَلِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالْأَوَّلُ مُقَدَّمٌ. وَظَاهِرُهُ لَا تُشْتَرَطُ حُرِّيَّةُ الْآذِنِ، وَهُوَ وَجْهٌ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَالْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُهُ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ. قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ لَهُ أُمٌّ: أَتَظُنُّ سُرُورَهَا؛ فَإِذَا أَذِنَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِهَا، وَإِلَّا فَلَا تَغْزُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُمَا إِذَا كَانَا كَافِرَيْنِ، أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِإِذْنِهِمَا كَالْمَجْنُونَيْنِ، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَغَيْرَهُ كَانُوا يُجَاهِدُونَ بِدُونِ إِذْنِ آبَائِهِمْ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ صَرِيحٌ إِلَّا فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَفِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي الْجِدِّ لِأَبٍ، فَلَوْ أَذِنَا لَهُ فِيهِ، وَشَرَطَا عَلَيْهِ عَدَمَ الْقِتَالِ وَحَضَرَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِتَالُ، وَسَقَطَ حُكْمُ الشَّرْطِ (إِلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ) كَرِضَاهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، وَيَتَوَجَّهُ لَوِ اسْتَنَابَ مَنْ يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ. (وَأَبِيهِ) خَصَّ الْأَبَ وَحْدَهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْأُمَّ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْأَبِ، وَيُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُهُ بِهِ، وَهُوَ كَلَامُ الْأَكْثَرِ (إِلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ) فَإِنَّهُ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ وَتَرْكُهُ مَعْصِيَةً، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْمَدِينِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِمَظَانِّ الْقَتْلِ مِنَ الْمُبَارَزَةِ وَالْوُقُوفِ فِي أَوَّلِ الْمُقَاتِلَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِفَوَاتِ الْحَقِّ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ فَرِيضَةٍ) لِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ مُتَعَيِّنَةٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إِذْنُ أَحَدٍ، كَفُرُوضِ الْأَعْيَانِ. وَأَمَّا السَّفَرُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ فَقَالَ أَحْمَدُ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ، قِيلَ لَهُ: فَكُلُّ الْعِلْمِ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ؛ قَالَ: الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهَذَا خَاصَّةً يَطْلُبُهُ بِلَا إِذْنٍ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": مَنْ لَزِمَهُ التَّعَلُّمُ، وَقِيلَ: أَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ: أَوْ نَفْلًا، وَلَا يَحْصُلُ بِبَلَدِهِ، فَلَهُ السَّفَرُ لِطَلَبِهِ بِلَا إِذْنِ أَبَوَيْهِ. [لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ الْفِرَارُ] (وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ) وَلَوْ ظَنُّوا التَّلَفَ (الْفِرَارُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 الْكُفَّارُ، فَلَهُمُ الْفِرَارُ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِمُ الظَّفَرُ. وَإِنْ أُلْقِيَ فِي مَرْكَبِهِمْ نَارٌ، فَعَلُوا   [المبدع في شرح المقنع] {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّ الْفِرَارَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (مِنْ ضَعْفِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ فَرَّ مِنِ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَمَا فَرَّ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ ": لَا يَلْزَمُ ثَبَاتُ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ، وَكَلَامُ الْأَكْثَرِ بِخِلَافِهِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَأَبُو طَالِبٍ إِلَّا مُتَحَرِّفِينَ إِلَى قِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إِلَى فِئَةٍ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] وَمَعْنَى التَّحَرُّفُ لِلْقِتَالِ: أَنْ يَنْحَازَ إِلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ الْقِتَالُ فِيهِ أَمْكَنَ كَمَنْ كَانَ فِي وَجْهِ الشَّمْسِ وَالرِّيحِ، أَوْ فِي مَكَانٍ يَنْكَشِفُ فِيهِ، فَيَنْحَرِفُ وَاحِدَةً، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ. قَالَ: عُمَرُ يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ. فَانْحَازُوا إِلَيْهِ وَانْتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَمَعْنَى التَّحَيُّزِ إِلَى فِئَةٍ: هُوَ أَنْ يَصِيرَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ مَعَهُمْ، فَيَقْوَى بِهِمْ عَلَى الْعَدُوِّ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ، كَخُرَاسَانَ، وَالْحِجَازِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنِّي فِئَةٌ لَكُمْ» وَكَانُوا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْهُ، وَقَالَ عُمَرُ: أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَجُيُوشُهُ بِالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. (وَإِنْ زَادَ الْكُفَّارُ) عَلَى مِثْلَيْهِمْ (فَلَهُمُ الْفِرَارُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] . شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ التَّخْفِيفُ فَقَالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] الْآيَةَ فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْعَدَدِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ مِنَ الْعَدَدِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمُ الْفِرَارُ مِنْ أَدْنَى زِيَادَةٍ، وَهُوَ أَوْلَى مَعَ ظَنِّ التَّلَفِ بِتَرْكِهِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ اسْتِحْبَابَ الثَّبَاتِ لِلزَّائِدِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ (إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِمْ) أَيْ ظَنِّ الْمُسْلِمِينَ (الظَّفَرُ) فَيَلْزَمُهُمُ الْمُقَامُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُمُ الْفِرَارُ لِيَنَالُوا دَرَجَةَ الشُّهَدَاءِ الْمُقْبِلِينَ عَلَى الْقِتَالِ مُحْتَسِبِينَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 مَا يَرَوْنَ السَّلَامَةَ فِيهِ، وَإِنْ شَكُّوا، فَعَلُوا مَا شَاءُوا مِنَ الْمَقَامِ أَوْ إِلْقَاءِ نُفُوسِهِمْ فِي الْمَاءِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُمُ الْمُقَامُ.   [المبدع في شرح المقنع] فَيَكُونُوا أَفْضَلَ مِنَ الْمُوَلِّينَ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَوْلَى، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَحَمَلَ ابْنُ الْمُنَجَّا كَلَامَهُ هُنَا عَلَى الْأَوْلَى، جَمْعًا بَيْنَ نَقْلِهِ وَمُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمُ الْهَلَاكُ فَالْأَوْلَى الثَّبَاتُ وَالْقِتَالُ. وَعَنْهُ: لُزُومًا، قَالَ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَسْتَأْسِرَ. وَقَالَ: فَلْيُقَاتِلْ أَحَبُّ إِلَيَّ إِلَّا لِأَمْرٍ شَدِيدٍ. وَقَالَ عَمَّارٌ: مَنِ اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، فَلِهَذَا قَالَ الْآجُرِّيُّ: يَأْثَمُ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِنِ اسْتَأْسَرُوا جَازَ. قَالَهُ فِي " الْبُلْغَةِ ". تَنْبِيهٌ: إِذَا نَزَلَ الْعَدُوُّ بِبَلَدٍ فَلِأَهْلِهِ التَّحَصُّنُ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِمْ لِيَلْحَقَهُمْ مَدَدٌ وَقُوَّةٌ، وَلَا يَكُونُ تَوَلِّيًا، وَلَا فِرَارًا (وَإِنْ أُلْقِيَ فِي مَرْكَبِهِمْ نَارٌ) وَاشْتَعَلَ بِهِمْ (فَعَلُوا مَا يَرَوْنَ السَّلَامَةَ فِيهِ) لِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ وَاجِبٌ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، فَهُنَا كَذَلِكَ (وَإِنْ شَكُّوا فَعَلُوا مَا شَاءُوا مِنَ الْمُقَامِ، أَوْ إِلْقَاءِ نُفُوسِهِمْ فِي الْمَاءِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُمُ ابْتُلُوا بِأَمْرَيْنِ، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَظَنِّ السَّلَامَةِ فِي الْمَقَامِ، وَالْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ ظَنًّا مُتَسَاوِيًا؛ لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُمَا مَرْتَبَتَانِ فَاخْتَرْ أَيْسَرَهُمَا. (وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُمُ الْمُقَامُ) نَصَرَهُمَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، لِأَنَّهُمْ إِذَا أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ كَانَ مَوْتُهُمْ بِفِعْلِهِمْ، وَإِنْ أَقَامُوا فَمَوْتُهُمْ بِفِعْلِ غَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهَا، وَصَحَّحَ فِي " النِّهَايَةِ " الْأُولَى، وقَالَ: لِأَنَّهُمْ مُلْجَأُونَ إِلَى الْإِلْقَاءِ، فَلَا يُنْسَبُ إِلَيْهِمُ الْفِعْلُ بِوَجْهٍ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يُخَلِّصُهُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 فَصْلُ وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ، وَرَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَقَطْعُ الْمِيَاهِ عَنْهُمْ، وَهَدْمُ حُصُونِهِمْ وَلَا يَجُوزُ إِحْرَاقُ نَحْلٍ وَلَا تَغْرِيقُهُ، وَلَا عَقْرُ دَابَّةٍ وَلَا شَاةٍ إِلَّا لِأَكْلٍ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] [يَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ وَرَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَقَطْعُ الْمِيَاهِ عَنْهُمْ وَهَدْمُ حُصُونِهِمْ] فَصْلٌ وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ لِمَا رَوَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ، قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ عَنْ دِيَارِ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ؛ فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى تَبْيِيتِهِمْ: كَبْسُهُمْ لَيْلًا وَقَتْلُهُمْ، وَهُمْ غَارُّونَ. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ قَتَلَ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ إِذَا لَمْ يَقْصِدْهُ (وَرَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا، وَنَصَبَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَلِأَنَّ الرَّمْيَ بِهِ مُعْتَادٌ كَالسِّهَامِ. وَظَاهِرُهُ مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا. وَفِي " الْمُغْنِي " هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ. (وَقَطْعُ الْمِيَاهِ عَنْهُمْ) وَكَذَا السَّابِلَةُ. (وَهَدْمُ حُصُونِهِمْ) وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ " هَدْمُ عَامِرِهِمْ، وَهُوَ أَعَمُّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إِضْعَافُهُمْ وَإِرْهَابُهُمْ، لِيُجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ. وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي يُلْقَى فِي نَهْرِهِمْ سُمٌّ لَعَلَّهُ يَشْرَبُ مِنْهُ مُسْلِمٌ، وَلَا يَجُوزُ إِحْرَاقُ نَحْلِ بِالْمُهْمَلَةِ (وَلَا تَغْرِيقُهُ) فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى مَكْحُولٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْصَى أَبَا هُرَيْرَةَ بِأَشْيَاءَ. قَالَ: «إِذَا غَزَوْتَ فَلَا تُحْرِقْ نَحْلًا، وَلَا تُغْرِقْهُ» ، وَرَوَى مَالِكٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ نَحْوَهُ، وَلِأَنَّ قَتْلَهُ فَسَادٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ} [البقرة: 205] الْآيَةَ وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو رُوحٍ فَلَا يَجُوزُ إِهْلَاكُهُ لِغَيْظِهِمْ كَنِسَائِهِمْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعَسَلِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَفِي أَخْذِ كُلِّ شَهْدِهِ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ شَيْءٌ رِوَايَتَانِ (وَلَا عَقْرُ دَابَّةٍ وَلَا شَاةٍ إِلَّا لِأَكْلٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ) أَمَّا عَقْرُ دَوَابِّهِمْ لِغَيْرِ الْأَكْلِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْحَرْبِ أَوْ فِي غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، إِذْ قَتْلُ بَهَائِمِهِمْ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى قَتْلِهِمْ وَهَزِيمَتِهِمْ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، لَمْ يَجُزْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 وَفِي إِحْرَاقِ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعِهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ إِنْ لَمْ يَضُرَّ   [المبدع في شرح المقنع] لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ صَبْرًا. وَاخْتَارَ فِي " الْمُغْنِي " جَوَازَ ذَلِكَ. مِمَّا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْقِتَالِ كَالْخَيْلِ، وَذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " بِشَرْطِ عَجْزِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ سِيَاقِهِ وَأَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ إِيصَالُهُ إِلَى الْكُفَّارِ لِلْبَيْعِ، فَتَرْكُهُ لَهُمْ بِلَا عِوَضٍ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، وَعَكْسُهُ أَشْهَرُ. وَفِي " الْبُلْغَةِ " يَجُوزُ قَتْلُ مَا قَاتَلُوا عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَأَمَّا عَقْرُهَا لِلْأَكْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذَلِكَ، فَيُبَاحُ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تُبِيحُ مَالَ الْمَعْصُومِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إِلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ لَا يُرَادُ إِلَّا لِلْأَكْلِ كَالدَّجَاجِ وَسَائِرِ الطَّيْرِ؛ فَحُكْمُهُ كَالطَّعَامِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْقِتَالِ، كَالْخَيْلِ، لَمْ يُبَحْ ذَبْحُهُ لِلْأَكْلِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، لَكِنْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: أَخْتَارُ عَقْرَهَا لِغَيْرِ الْأَكْلِ بِشَرْطِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، لَمْ يُبَحْ فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ إِبَاحَتُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ كَالطَّعَامِ، وَاسْتَثْنَى فِي الْمُغْنِي مِنْ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: إِذَا أَذِنَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ ". فَرْعٌ: إِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُ مَتَاعٍ فَتُرِكَ، وَلَمْ يُشْتَرَ، فَلِلْإِمَامِ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ، وَإِحْرَاقُهُ، نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَإِلَّا حَرُمَ إِذَا جَازَ اغْتِنَامُهُ حَرُمَ إِتْلَافُهُ، وَإِلَّا جَازَ إِتْلَافُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَإِذَا قَالَ الْأَمِيرُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ نَقْلِهِ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، أَخَذَهُ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَقُلْ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَيَجِبُ إِتْلَافُ كُتُبِهِمُ الْمُبَدَّلَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْبُلْغَةِ ". (وَفِي إِحْرَاقِ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعِهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ) . قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " قال الزركشي وَهُوَ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} [الحشر: 5] الْآيَةَ وَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَطَعَ، وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْآيَةَ» ، وَفِيهِ يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 بِالْمُسْلِمِينَ، وَالْأُخْرَى: لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ لَا يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِهِ، أَوْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ بِنَا، وَكَذَلِكَ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ، وَفَتْحُ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ. وَإِذَا ظَفِرَ بِهِمْ لَمْ يَقْتُلْ صَبِيّ وَلَا امْرَأَة وَلَا رَاهِب،   [المبدع في شرح المقنع] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (إِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَزَادَ: وَلَا نَفَعَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا يَتَضَرَّرُ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ لِكَوْنِهِ يَنْتَفِعُونَ بِهِ بِبَقَائِهِ لِعُلُوفِهِمْ أَوْ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ أَوْ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِهِ، لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا (وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ) لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ فِيهِ إِتْلَافًا مَحْضًا، فَلَمْ يَجُزْ كَعَقْرِ الْحَيَوَانِ (إِلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِهِ) كَالَّذِي يَقْرُبُ مِنْ حُصُونِهِمْ، وَيَمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِمْ، وَيَسْتَتِرُونَ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَزَادَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَوْ يُحْتَاجُ إِلَى قَطْعِهِ لِتَوْسِعَةِ الطَّرِيقِ، أَوْ يُمَكِّنُ مِنْ قِتَالٍ، أَوْ سَدِّ شَقٍّ، أَوْ سِتَارَةِ مَنْجَنِيقٍ. (أَوْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ بِنَا) فَنَفْعَلُهُ بِهِمْ، قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُمْ يُكَافَئُونَ عَلَى فِعْلِهِمْ. وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " (وَكَذَلِكَ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ وَفَتْحُ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ) أَيْ فِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ؛ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مُكَافَأَتُهُمْ، وَإِقَامَةُ كَلِمَةِ الْحَقِّ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إِلَيْهِ جَازَ كَالْقَتْلِ، لَكِنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ تَحْرِيقُهُمْ بِالنَّارِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَعِنْدَ الْعَجْزِ: يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي فَتْحِ الثُّقُوبِ لِتَغْرِقهِمْ. وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ؛ أَمَّا النَّارُ فَلَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ - تَعَالَى - وَأَمَّا الْمَاءُ فَلِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهِ يَعُمُّ النِّسَاءَ، وَالذُّرِّيَّةَ مَعَ أَنَّ عَنْهُ وَجْهًا، لَكِنْ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِهِ، أَوْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِنَا، جَازَ. (وَإِذَا ظَفِرَ بِهِمْ لَمْ يَقْتُلْ صَبِيًّا) لَمْ يَبْلُغْ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ؛ فَفِي قَتْلِهِ إِتْلَافُ الْمَالِ فَإِنْ شَكَّ فِي بُلُوغِهِ عَوَّلَ عَلَى شَعَرِ عَانَتِهِ. قَالَهُ فِي " الْبُلْغَةِ ". (وَلَا امْرَأَةً) لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْخُنْثَى كَهِيَ. (وَلَا رَاهِب) فِي صَوْمَعَتِهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَا يُخَالِطُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وَلَا شَيْخ فَان وَلَا زَمِن وَلَا أَعْمَى إِلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا؛ فَإِنْ تَتَرَّسُوا بِهِمْ جَازَ رَمْيُهُمْ،   [المبدع في شرح المقنع] النَّاسَ لِقَوْلِ عُمَرَ: سَتَمُرُّونَ عَلَى قَوْمٍ فِي صَوَامِعَ لَهُمُ، احْتَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا، فَدَعُوهُمْ حَتَّى يُمِيتَهُمُ اللَّهُ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ. (وَلَا شَيْخ فَان) فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190] : لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ. وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْرِفُ حُجَّةً فِي تَرْكِ قَتْلِ الشُّيُوخِ يُسْتَثْنَى بِهَا عُمُومُ قَوْلِهِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا نَفْعَ فِيهِ، فَيُقْتَلُ كَالشَّابِّ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ، وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ قَتْلِ الْمُقَاتِلَةِ الَّذِينَ فِيهِمْ قُوَّةٌ مَعَ أَنَّهُ عَامٌّ، وَخَبَرُنَا خَاصٌّ بِالْهَرِمِ فَيُقَدَّمُ. (وَلَا زَمِن وَلَا أَعْمَى) كَالشَّيْخِ الْفَانِي لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي عَدَمِ النِّكَايَةِ. زَادَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَعَبْدٌ وَفَلَّاحٌ. وَفِي " الْإِرْشَادِ ": وَخبْرٌ، لَا رَأْيَ لَهُمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ ذَا رَأْيٍ، وَخَصَّهُ فِي " الشَّرْحِ " بِالرِّجَالِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، جَازَ؛ لِأَنَّ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهُوَ شَيْخٌ لَا قِتَالَ فِيهِ لِأَجْلِ اسْتِعَانَتِهِمْ بِرَأْيِهِ، فَلَمْ يُنْكِرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتْلَهُ، وَلِأَنَّ الرَّأْيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَعُونَةِ عَلَى الْحَرْبِ، وَرُبَّمَا كَانَ أَبْلَغَ فِي الْقِتَالِ. قَالَ الْمُتَنَبِّي: الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ ... هُوَ أَوَّلٌ، وَهِيَ الْمَحَلُّ الثَّانِي فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ حُرَّةٍ ... بَلَغَتْ مِنَ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانٍ (إِلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ امْرَأَةً أَلْقَتْ رَحًى عَلَى مَحْمُودِ بْنِ سَلَمَةَ» ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ هَذِهِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، نَازَعَتْنِي قَائِمَ سَيْفِي، فَسَكَتَ» . وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَأَدَّى إِلَى تَلَفِ قَاتِلِهِ، زَادَ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ: أَوْ يُحَرِّضُوا عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا انْكَشَفَتْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَشَتَمَتْهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 وَيَقْصِدُ الْمُقَاتِلَةَ. وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ إِلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَيَرْمِيهِمْ وَيَقْصِدُ الْكُفَّارَ. وَمِنْ أَسَرَ أَسِيرًا لَمْ يَجُزْ لَهُ قَتْلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ إِلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ الْمَسِيرِ مَعَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ إِكْرَاهُهُ. وَيُخَيَّرُ الْأَمِيرُ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ   [المبدع في شرح المقنع] رُمِيَتْ قَصْدًا. وَظَاهِرُ نَصِّ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ خِلَافُهُ. وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ حُكْمَ غَيْرِهَا مِمَّنْ مَنَعْنَا قَتْلَهُ كَهِيَ. (فَإِنْ تَتَرَّسُوا بِهِمْ) أَيْ: بِمَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ (جَازَ رَمْيُهُمْ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَاهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَفِيهِمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، وَلِأَنَّ كَفَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ حِينَئِذٍ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً أَوْ لَا (وَيَقْصِدُ الْمُقَاتِلَةَ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ. (وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ) كَأَنْ تَكُونَ الْحَرْبُ غَيْرَ قَائِمَةٍ، أَوْ لِإِمْكَانِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ، أَوْ لِلْأَمْنِ مِنْ شَرِّهِمْ (إِلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) مِثْلَ كَوْنِ الْحَرْبِ قَائِمَةً أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِالرَّمْيِ (فَيَرْمِيهِمْ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِلضَّرُورَةِ. (وَيَقْصِدُ الْكُفَّارَ) بِالرَّمْيِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، فَلَوْ لَمْ يَخَفْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِالرَّمْيِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا يَجُوزُ رَمْيُهُمْ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ والليث لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} [الفتح: 25] الْآيَةَ قَالَ اللَّيْثُ: تَرْكُ فَتْحِ حِصْنٍ يَقْدِرُ عَلَى فَتْحِهِ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي حَالَ قِيَامِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ رِوَايَتَانِ. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": يَجِبُ الرَّمْيُ وَيُكَفِّرُ وَلَا دِيَةَ. فَرْعٌ: إِذَا نَازَلَ الْمُسْلِمُونَ الْعَدُوَّ، فَقَالُوا: ارْحَلُوا عَنَّا وَإِلَّا قَتَلْنَا أَسْرَاكُمْ، قَالَ أَحْمَدُ: فَيَرْحَلُوا عَنْهُمْ. (وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا لَمْ يَجُزْ لَهُ قَتْلُهُ) عَلَى الْأَصَحِّ (حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ) فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَرَةَ فِي أَمْرِ الْأَسِيرِ إِلَيْهِ. وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ (إِلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ الْمَسِيرِ مَعَهُ) فَلَهُ إِكْرَاهُهُ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُمْكِنُهُ إِكْرَاهُهُ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَهُ قَتْلُهُ، فَإِنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] امْتَنَعَ مِنَ الِانْقِيَادِ مَعَهُ لِجُرْحٍ أَوْ مَرَضٍ، فَلَهُ قَتْلُهُ. وَعَنِ الْوَقْفِ فِي الْمَرِيضِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ حَيًّا ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُخَلِّيهِ وَلَا يَقْتُلُهُ. وَيَحْرُمُ قَتْلُ أَسِيرِ غَيْرِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ جَوَازَ قَتْلِهِ لِمَصْلَحَةٍ كَقَتْلِ بِلَالٍ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ أَسِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ خَالَفَ، وَفَعَلَ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ رَجُلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً، أَوْ صَبِيًّا، عَاقَبَهُ الْأَمِيرُ، وَغَرَمَ ثَمَنَهُ غَنِيمَةً؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ. [حُكْمُ الْأَسْرَى] (وَيُخَيَّرُ الْأَمِيرُ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ رِجَالَ قُرَيْظَةَ، وَهُمْ بَيْنَ السِّتِّمِائَةٍ وَالسَّبْعِمِائَةٍ، وَقَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَفِيهِ تَقُولُ أُخْتُهُ: مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ، وَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ سَمِعْتُهُ مَا قَتَلْتُهُ» . وَالِاسْتِرْقَاقُ «لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ، وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا قَالَ: وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إِقْرَارُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِالْجِزْيَةِ فَبِالرِّقِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي صَغَارِهِمْ. فَرْعٌ: لَا يُبْطِلُ الِاسْتِرْقَاقُ حَقًّا لِمُسْلِمٍ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَفِي " الِانْتِصَارِ " لَا يُسْقِطُ حَقَّ قَوْدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ. وَفِي سُقُوطِ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ لِضَعْفِهَا بِرِقِّهِ كَذِمَّةِ مَرِيضٍ احْتِمَالَانِ. وَفِي " الْبُلْغَةِ ": يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ إِلَّا أَنْ يَغْنَمَ بَعْدَ إِرْقَاقِهِ فَيَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ فَيَكُونُ رِقُّهُ كَمَوْتِهِ؛ وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ حُلُولُهُ بِرِقِّهِ، وَإِنْ غُنِمَا مَعًا فَهُمَا لِلْغَانِمِ، وَدَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ. (وَالْمَنُّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] وَلِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جِبَالِ التَّنْعِيمِ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لِيَقْتُلُوهُمْ فَأَخَذَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} [الفتح: 24] الْآيَةَ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ بِمُسْلِمٍ أَوْ مَالٍ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بِمَالٍ إِلَّا غَيْرُ الْكِتَابِيِّ، فَفِي اسْتِرْقَاقِهِ   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعَمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَّ عَلَى أَبِي عُرْوَةَ الشَّاعِرِ، وَعَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَعَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ (وَالْفِدَاءُ) لِلْآيَةِ، وَلِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَهُوَ جَائِزٌ (بِمُسْلِمٍ) بِلَا نِزَاعٍ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَغَيْرِهِ (أَوْ بِمَالٍ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَادَى أَهْلَ بَدْرٍ بِالْمَالِ بِلَا رَيْبٍ. (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ) بِالْمَالِ. وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَجْهًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] إِلَى قَوْلِهِ {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمُ السِّلَاحَ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْوِيَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَبَيْعُ أَنْفُسِهِمْ أَوْلَى، وَهَذَا التَّخْيِيرُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُقَاتِلَةِ الْأَحْرَارِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، فَإِنْ كَانُوا أَرِقَّاءَ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ قَتْلِهِمْ، وَتَرْكِهِمْ غَنِيمَةً كَالْبَهَائِمِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ، وَالذُّرِّيَّةُ فَيَصِيرُونَ أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ السَّبْيِ؛ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِهِمْ، وَكَانَ يَسْتَرِقُّهُمْ إِذَا سَبَاهُمْ. وَمَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ كَالزَّمِنِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالْأَعْمَى، فَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ لِتَحْرِيمِ قَتْلِهِمْ، وَعَدَمِ النَّفْعِ فِي اقْتِنَائِهِمْ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي " الْمُغْنِي ": يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الشَّيْخِ وَالزَّمِنِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، فَقَالَ: كُلُّ مَنْ لَا يُقْتَلُ كَأَعْمَى وَغَيْرِهِ، يَرِقُّ بِنَفْسِ السَّبْيِ، وَتَوَسَّطَ الْمَجْدُ فَجَعَلَ مَنْ فِيهِ نَفْعٌ مِنْ هَؤُلَاءِ حُكْمَهُ حُكْمَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، إِذِ الزَّمِنُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَاطُورًا، وَالْأَعْمَى يَنْفُخُ فِي كِيرِ الْحَدَّادِ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ النَّفْعُ الْمُطْلَقُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ قَبْلَ أَسْرِهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَخْيِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 رِوَايَتَانِ. وَلَا يَجُوزُ إِلَّا الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَسْلَمُوا، رَقُّوا فِي الْحَالِ. وَمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَمُسْلِمٍ أَصْلِيٍّ فِي قَوْدٍ وِدْيَةٍ، لَكِنْ لَا قَوْدَ مَعَ شُبْهَةِ التَّأْوِيلِ، وَفِي الدِّيَةِ الْخِلَافُ كَبَاغٍ. وَالتَّخْيِيرُ السَّابِقُ ثَابِتٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَنْ يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ، فَأَمَّا غَيْرُهُ، فَقَالَ فِيهِ: (إِلَّا غَيْرَ الْكِتَابِيِّ فَفِي اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، وَإِلَيْهَا مَيْلُ الْمُؤَلِّفِ وَهِيَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " كَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِيَةُ: لَا، اخْتَارَهَا الشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهَا فِي " الْبُلْغَةِ ". قَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ السَّيْفُ، وَفِي " الْوَاضِحِ " يَدُلُّ هَذَا عَلَى مُفَادَاتٍ وَمَنٍّ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ فَلَمْ يُسْتَرَقَّ كَالْمُرْتَدِّ، وَالْمُؤَلِّفُ تَبِعَ أَبَا الْخَطَّابِ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْمَجْدُ جَعَلَ مَنَاطَ الْحُكْمِ فِيمَنْ لَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ. فَعَلَى قَوْلِهِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يَجْرِي فِيهِمُ الْخِلَافُ، لِعَدَمِ أَخْذِهَا مِنْهُمْ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ مَوْلَى مُسْلِمٍ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ؛ لِأَنَّ فِي اسْتِرْقَاقِهِ تَفْوِيتَ وَلَاءِ الْمُسْلِمِ الْمَعْصُومِ بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْحَرْبِيِّ لِبَقَاءِ نَسَبِهِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِذِمِّيٍّ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ فَجَازَ اسْتِرْقَاقُهُ كَغَيْرِهِ. (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ إِلَّا الْأَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ هَذَا تَخْيِيرُ مَصْلَحَةٍ وَاجْتِهَادٌ لَا تَشَهٍّ؛ فَمَتَى رَأَى مَصْلَحَةً فِي خَصْلَةٍ لَزِمَهُ فِعْلُهَا. وَفِي " الرَّوْضَةِ " يُنْدَبُ، وَلِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ النَّظَرِ لَهُمْ، فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُ مَا فِيهِ الْأَصْلَحُ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ. وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَسْرَى؛ فَالْقَوِيُّ قَتْلُهُ أَصْلَحُ، وَلَا يُمَثَّلُ بِهِ، وَعَنْهُ: بَلَى إِنْ فَعَلَوْهُ، وَالضَّعِيفُ الَّذِي لَهُ مَالٌ فِدَاؤُهُ أَصْلَحُ، وَمَنْ لَهُ رَأْيٌ حَسَنٌ يُرْجَى إِسْلَامُهُ، فَالْمَنُّ عَلَيْهِ أَصْلَحُ، وَمَنْ يُنْتَفَعُ بِخِدْمَتِهِ، فَاسْتِرْقَاقُهُ أَصْلَحُ، وَإِنْ تَرَدَّدَ نَظَرُهُ، فَقَتْلُهُ أَوْلَى. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِلْإِمَامِ عَمَلَ الْمَصْلَحَةِ فِي مَالٍ وَغَيْرِهِ، لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَهْلِ مَكَّةَ. فَرْعٌ: مَنِ اسْتُرِقَّ أَوْ فُودِيَ بِمَالٍ، كَانَ لِلْغَانِمِينَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. (فَإِنْ أَسْلَمُوا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 سُبِيَ مِنْ أَطْفَالِهِمْ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ فَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا، وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِاسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْنِ. وَإِنْ سُبِيَتِ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا انْفَسَخَ   [المبدع في شرح المقنع] رَقُّوا فِي الْحَالِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَرُمَ قَتْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» وَهَذَا مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ أَسِيرٌ يَحْرُمُ قَتْلُهُ، فَصَارَ رَقِيقًا، كَالْمَرْأَةِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ قَتْلُهُ. وَيُتَخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ ذَلِكَ حَالَ كُفْرِهِمْ فَفِي حَالِ إِسْلَامِهِمْ أَوْلَى، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَزُولُ حُكْمُ التَّخْيِيرِ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إِلَى الْكُفَّارِ. وَزَادَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": إِلَّا أَنْ تَمْنَعَهُ عَشِيرَةٌ، وَنَحْوُهَا. 1 - (وَمَنْ سُبِيَ مِنْ أَطْفَالِهِمْ) وَلَوْ مُمَيِّزًا (مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ) لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ انْقَطَعَتْ فَيَصِيرُ تَابِعًا لِسَابِيهِ فِي دِينِهِ، وَعَنْهُ: كَافِرٌ كَمَا لَوْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ مَعَ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَى عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَجَعَلَ التَّبَعِيَّةَ لِأَبَوَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ انْقَطَعَتِ التَّبَعِيَّةُ، وَوَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى حُكْمِ الْفِطْرَةِ. وَعَنْهُ: يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي النَّسَبِ، فَكَذَا فِي الدِّينِ. وَعَنْهُ: يَتْبَعُ الْمَسْبِيَّ مَعَهُ مِنْهُمَا. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. (وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ، فَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ بَاقِيَةٌ. وَعَنْهُ: لَا؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ دَارِهِمَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَتَبِعَ سَابِيَهُ الْمُسْلِمَ. فَرْعٌ: يَتْبَعُ الطِّفْلُ سَابِيًا ذِمِّيًّا كَمُسْلِمٍ، وَقِيلَ: إِنْ سُبِيَ مُفْرَدًا فَمُسْلِمٌ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ، وَالْفَضْلُ: يَتْبَعُ مَالِكًا مُسْلِمًا كَسَبْيٍ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 نِكَاحُهَا، وَحَلَّتْ لِسَابِيهَا. وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ مَنِ اسْتُرِقَّ مِنْهُمْ لِلْمُشْرِكِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَلَا يُفَرَّقُ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ ذَوِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ إِلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِذَا حَصَرَ   [المبدع في شرح المقنع] بِاسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْنِ) وَبِسَبْيِهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ مَعْنًى لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ، فَلَمْ يَقْطَعِ اسْتِدَامَتَهُ كَالْعِتْقِ. وَعَنْهُ: يَنْفَسِخُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ: الْمُزَوَّجَاتُ {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] بِالسَّبْيِ، وَهَذَا إِذَا تَعَدَّدَ سَابِيهَا. قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْبِيَهَا رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. (وَإِنْ سُبِيَتِ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَعَنْهُ: لَا يَنْفَسِخُ، قَدَّمَهَا فِي " التَّبْصِرَةِ " كَزَوْجَةِ ذِمِّيٍّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ (وَحَلَّتْ لِسَابِيهَا) لِلْآيَةِ، وَلِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ، وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] الْآيَةَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا سُبِيَ مُنْفَرِدًا أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَمْ يُفَرَّقْ. (وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ مَنِ اسْتُرِقَّ مِنْهُمْ لِلْمُشْرِكِينَ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . أَظْهَرُهُمَا: لَا يَصِحُّ. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَشْتَرُوا مِمَّا سَبَى الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ يَنْهَى أُمَرَاءَ الْأَمْصَارِ عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِلْإِسْلَامِ، فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُمْ إِلَى الْكُفْرِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمُوا. وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ إِثْبَاتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنِ ابْتِدَائِهِ كَالْمُسْلِمِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ فِي الْبَالِغِ دُونَ الصِّغَارِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ، وَكَذَا الْخِلَافُ بِمُفَادَاتِهِ بِمَالٍ. (وَلَا يُفَرَّقُ فِي الْبَيْعِ) وَلَا فِي الْقِسْمَةِ (بَيْنَ ذَوِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ) قَبْلَ الْبُلُوغِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 الْإِمَامُ حِصْنًا، لَزِمَهُ مُصَابَرَتُهُ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا، أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ   [المبدع في شرح المقنع] أَمَّا فِي الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، فَلِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْبَابِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ رَضِيَتِ الْأُمُّ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِمَا فِيهِ ضَرَرُهَا، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ قَلْبُهَا فَتَنْدَمُ، وَحُكْمُ الْأَبِ مَعَ وَلَدِهِ كَالْأُمِّ وَالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ كَهُمَا لِقِيَامِهمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالْحَضَانَةِ، فَقَامَا مَقَامَهُمَا فِي تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ، وَكَذَا يَحْرُمُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَعُمُومُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، كَالْعَمَّةِ، وَابْنِ أَخِيهَا. جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْأَوْلَى جَوَازُ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ حِلُّ الْبَيْعِ وَالتَّفْرِيقِ، وَلَا يَصِحُّ إِلْحَاقُهُمْ بِمَنْ سَبَقَ (إِلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) هِيَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا. قِيلَ: إِلَى مَتَى؟ قَالَ: حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ، وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ» ، وَلِأَنَّ الْأَحْرَارَ يَتَفَرَّقُونَ بِالتَّزْوِيجِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَالْعَبِيدُ أَوْلَى. وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ، لِعُمُومِ مَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَةَ تَتَضَرَّرُ بِمُفَارَقَةِ وَلَدِهَا، وَلِهَذَا حَرُمَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَعَلَى الْمَنْعِ فَيُسْتَثْنَى التَّفْرِيقُ بِالْعِتْقِ، وَافْتِدَاءُ الْأَسْرَى، وَسَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ إِذَا مَلَكَ أُخْتَيْنِ. 1 - (وَإِذَا حَصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا، لَزِمَ مُصَابَرَتُهُ) مَهْمَا أَمْكَنَ (إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهَا) لِأَنَّ عَلَيْهِ فِعْلَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الِانْصِرَافِ جَازَ. صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ لِانْصِرَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حِصْنِ الطَّائِفِ قَبْلَ فَتْحِهِ، وَبِهِ يَزُولُ اللُّزُومُ. وَبِالْإِسْلَامِ، وَبِبَذْلِ الْمَالِ عَلَى الْمُوَادَعَةِ، سَوَاءٌ أَعْطَوْهُ جُمْلَةً، أَوْ جَعَلُوهُ خَرَاجًا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كُلَّ عَامٍ، وَبِالْفَتْحِ، وَبِالنُّزُولِ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَبِالْهُدْنَةِ بِشَرْطِهَا. (فَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ. وَإِنْ سَأَلُوهُ الْمُوَادَعَةَ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، جَازَ إِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ، وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، جَازَ إِذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. وَلَا يَحْكُمْ إِلَّا بِمَا فِيهِ الْأَحَظُّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ   [المبدع في شرح المقنع] أَسْلَمُوا) أَيْ: أَهْلُ الْحِصْنِ (أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ) فَكَمُسْلِمٍ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» . . . . الْخَبَرَ، وَالْمُرَادُ بِالْمَالِ حَيْثُ كَانَ، وَمَنْفَعَةُ إِجَارَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ (وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ) لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَوْ كَانُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَحَمْلُ امْرَأَتِهِ مَعَ كَوْنِهِ حُرًّا مُسْلِمًا، وَالْمَجْنُونُ كَصَغِيرٍ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَعْصِمُ أَوْلَادَهُ الْكِبَارَ، لِأَنَّهُمْ لَا يَتْبَعُونَهُ، وَلَا زَوْجَتَهُ كَذَلِكَ. (وَإِنْ سَأَلُوهُ الْمُوَادَعَةَ) وَهِيَ الْمُصَالَحَةُ، وَالْمُسَالَمَةُ (بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، جَازَ إِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ إِعْلَاءُ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَصَغَارُ الْكَفَرَةِ؛ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْمُوَادَعَةِ، فَيَجِبُ كَالْمَنِّ عَلَيْهِمْ، وَشَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي عَقْدِهَا بِغَيْرِ مَالٍ عَجْزَ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِضْرَارَهُمْ بِالْمُقَامِ لِيَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الِانْصِرَافِ. (وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ جَازَ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ، نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ إِذَا نَزَلُوا لَزِمَهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ، وَخُيِّرَ كَأَسْرَى. وَالْكَلَامُ فِي مَقَامَيْنِ فِي صِفَةِ الْحَاكِمِ، فَقَالَ: (إِذَا كَانَ حُرًّا مسلما بالغا عَاقِلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ) لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أَشْبَهَ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْبُلْغَةِ " وَ " الْوَجِيزِ " بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِيَعْرِفَ الْمُدَّعِيَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالشَّاهِدَ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا مُجْتَهِدًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا فِي الْجِهَادِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِمَا، وَتَرَكَ قَيْدَ الذُّكُورِيَّةِ وَالْعَدَالَةِ لِوُضُوحِهِمَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلَيْنِ فَأَكْثَرَ، جَازَ، وَالْحُكَمُ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ؛ فَلَوْ جَعَلُوا الْحُكْمَ عَلَى رَجُلٍ يُعَيِّنُهُ الْإِمَامُ، صَحَّ؛ فَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، أَوْ جَعَلُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 وَالْفِدَاءِ فَإِنْ حَكَمَ بِالْمَنِّ، لَزِمَ قَبُولُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ حَكَمَ بِقَتْلٍ أَوْ سَبْيٍ، فَأَسْلَمُوا، عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ. وَفِي اسْتِرْقَاقِهِمْ وَجْهَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] التَّعْيِينَ إِلَيْهِمْ، لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا اخْتَارُوا غَيْر الْأَصْلَحِ. ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ. الثَّانِي: فِي صِفَةِ الْحُكْمِ فَقَالَ: (وَلَا يَحْكُمُ إِلَّا بِمَا فِيهِ الْأَحَظُّ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ نَائِبُ الْإِمَامِ فَقَامَ مَقَامَهُ فِي اخْتِيَارِ الْأَحَظِّ فِي الْأَسْرَى؛ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَحُكْمُهُ لَازِمٌ. (مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ) لِأَنَّ سَعْدًا حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِقَتْلِهِمْ، وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ أَرْقِعَةٍ» . (وَالْفِدَاءِ) لِمَا سَبَقَ فِي الْإِمَامِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، لَمْ يَلْزَمْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَاشْتُرِطَ فِيهِ التَّرَاضِي. وَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ إِجْبَارَ الْأَسِيرِ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ (فَإِنْ حَكَمَ بِالْمَنِّ لَزِمَهُ قَبُولُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْإِمَامِ فَكَانَ لَهُ الْمَنُّ، كَهُوَ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَبَاهُ الْإِمَامُ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهِ، وَمَحَلُّهُ إِذَا لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ. قَالَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَقِيلَ: فِي الْمُقَاتِلَةِ دُونَ النِّسَاءِ، وَالذُّرِّيَّةِ لِأَنَّهُمَا غَنِيمَةٌ، فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ تَرْكُهَا مَجَّانًا، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الْبُلْغَةِ ": لَوْ حَكَمَ بِأَسْرٍ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ بِإِطْلَاقِهِمْ إِلَّا بِرِضَا الْغَانِمِينَ (وَإِنْ حَكَمَ بِقَتْلٍ أَوْ سَبْيٍ، فَأَسْلَمُوا) بَعْدَ الْحُكْمِ (عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ) لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يَعْصِمُونَ أَمْوَالَهُمْ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ، وَكَذَا سَبْيُهُمْ، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ ". (وَفِي اسْتِرْقَاقِهِمْ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الْبُلْغَةِ " وَفِي " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 بَابُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ يَلْزَمُ الْإِمَامَ عِنْدَ مَسِيرِ الْجَيْشِ تَعَاهُدُ الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ، فَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ يَمْنَعُهُ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] وَغَيْرِهِمَا رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ. قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا قَبْلَ اسْتِرْقَاقِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالًا، لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَوُجُوبِ قَتْلِهِمْ، كَالْأَسِيرِ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ قَتْلَهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَالُ عَلَى مَا حُكِمَ فِيهِ، فَإِنَّ حُكِمَ بِأَنَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، كَانَ غَنِيمَةً، لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ بِالْقَهْرِ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ تَغْيِيرُ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ مِمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهِ، فَلَا يَقْتُلُ مَنْ حَكَمَ بِرِقِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ مِنَ الرِّقِّ، وَفِيهِ إِتْلَافُ الْغَنِيمَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْغَانِمِينَ، وَلَا رِقُّ مَنْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُدْخِلُ الضّرر عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِبَقَائِهِمْ، وَلَا رِقُّ وَلَا قَتْلُ مَنْ حَكَمَ بِفِدَائِهِ لِأَنَّهُمَا أَشَدُّ مِنَ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بَعْدَ لُزُومِهِ، وَلَهُ الْمَنُّ إِلَّا أَنَّهُ أَخَفُّ مِمَّا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ فَإِذَا رَآهُ الْإِمَامُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَتَمُّ نَظَرًا، وَكَالِابْتِدَاءِ، وَقَبُولِ الْفِدَاءِ مِمَّنْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ أَوْ رِقِّهِ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بِرِضَا الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ حَقُّهُ، فَإِذَا رَضِيَ بِشِرْكِهِ، جَازَ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. [بَابُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ] َ. يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ إِخْلَاصُ النِّيَّةَ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي الطَّاعَاتِ، وَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ سِرًّا بِحُضُورِ قَلْبٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَابُ مَا يُدْعَى عِنْدَ اللِّقَاءِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا غَزَا قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي، وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أُصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ» وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقُولُهُ عِنْدَ قَصْدِ مَجْلِسِ عِلْمٍ. (يَلْزَمُ الْإِمَامَ) وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ (عِنْدَ مَسِيرِ الْجَيْشِ تَعَاهُدُ الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْجَيْشِ فَلَزِمَهُ فِعْلُهُ كَبَقِيَّةِ الْمَصَالِحِ، فَيَخْتَارُ مِنَ الرِّجَالِ مَا فِيهِ غِنًى، وَمَنْفَعَةٌ لِلْحَرْبِ، وَمُنَاصَحَةٌ، وَمِنَ الْخَيْلِ مَا فِيهِ قُوَّةٌ، وَصَبْرٌ عَلَى الْحَرْبِ، وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الرُّكُوبِ وَحَمْلِ الْأَثْقَالِ. (فَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ) كَالْفَرَسِ إِذَا كَانَ حَطِمًا، وَهُوَ الْكَسِيرُ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 الدُّخُولِ وَيَمْنَعُ الْمُخَذِّلَ وَالْمُرْجِفَ وَالنِّسَاءَ إِلَّا طَاعِنَةً فِي السِّنِّ لِسَقْيِ الْمَاءِ وَمُعَالَجَةِ   [المبدع في شرح المقنع] قَحِمًا، وَهُوَ الْكَبِيرُ، أَوْ ضَرِعًا وَهُوَ الصَّغِيرُ أَوْ هَزِيلًا. وَكَالرَّجُلِ إِذَا كَانَ زَمِنًا أَوْ أَشَلَّ أَوْ مَرِيضًا. (يَمْنَعُهُ مِنَ الدُّخُولِ) لِئَلَّا يَنْقَطِعَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّهُ يَكُونُ كَلًّا عَلَى الْجَيْشِ، وَمُضَيِّقًا عَلَيْهِمْ، وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلْهَزِيمَةِ. (وَيَمْنَعُ الْمُخَذِّلَ) وَهُوَ الَّذِي يُفَنِّدُ النَّاسَ عَنِ الْغَزْوِ، وَيُزَهِّدُهُمْ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهِ (وَالْمُرْجِفُ) وَهُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ بِقُوَّةِ الْكُفَّارِ وَضَعْفِنَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46] {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ} [التوبة: 47] الْآيَةَ وَكَذَا يُمْنَعُ مُكَاتِبٌ بِأَخْبَارِنَا، وَرَامٍ بَيْنَنَا بِالْفِتَنِ، وَمَعْرُوفٌ بِنِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مَضَرَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَزِمَ الْإِمَامَ مَنْعُهُمْ، إِزَالَةً لِلضَّرَرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِمْ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا يُمْنَعُ صَبِيٌّ. وَعِبَارَةُ " الْمُغْنِي " وَ " الْكَافِي " وَ " الْبُلْغَةِ " طِفْلٌ. وَفِي " الشَّرْحِ " يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لِمَنِ اشْتَدَّ مِنَ الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْفَعَةً، وَمَعُونَةً (وَالنِّسَاءِ) لِلِافْتِتَانِ بِهِنَّ مَعَ أَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، لِاسْتِيلَاءِ الْخَوْفِ وَالْجُبْنِ عَلَيْهِنَّ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ ظَفَرُ الْعَدُوِّ بِهِنَّ، فَيُحِلُّونَ مِنْهُنَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمُ امْرَأَةَ أَمِيرِ الْجَيْشِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِلَّا طَاعِنَةً فِي السِّنِّ) أَيْ: عَجُوزًا (لِسَقْيِ الْمَاءِ وَمُعَالَجَةِ الْجَرْحَى) أَيْ: لِلْمَصْلَحَةِ لِقَوْلِ «الرَّبِيعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسْتقِي الْمَاءَ، وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ أَنَسٍ مَعْنَاهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ يَشْتَغِلُونَ بِالْحَرْبِ عَنْ ذَلِكَ، فَيَكُونُ مَعُونَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَتَوْفِيرًا لِلْمُقَاتِلَةِ. وَنَهْيُ النِّسَاءِ عَنْ ذَلِكَ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ " الْخِرَقِيِّ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَصَرَّحَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِالْكَرَاهَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 الْجَرْحَى. وَلَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَيَرْفُقُ بِهِمْ فِي الْمَسِيرِ، وَيُعِدُّ لَهُمُ الزَّادَ، وَيُقَوِّي نُفُوسَهُمْ بِمَا يُخَيِّلُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ، وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَلَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُ: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمِنُ مكْره، وَغَائِلَتُهُ لِخُبْثِ طَوِيَّتِهِ، وَالْحَرْبُ تَقْتَضِي الْمُنَاصَحَةَ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا إِلَّا (عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ) كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي حَرْبِهِ.» رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَيُرْوَى أَيْضًا أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبِهَذَا حَصَلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، مِثْلَ كَوْنِ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ عَدَدًا وَيَخَافُ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ حُسْنِ رَأْيٍ فِي الْمُسْلِمِينَ. جَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَزَادَ آخَرُونَ: وَقَوَّتُهُ بِهِمْ بِالْعَدِّ. وَفِي " الْوَاضِحِ " رِوَايَتَانِ: الْجَوَازُ، وَعَدَمُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَبَنَاهُمَا عَلَى الْإِسْهَامِ لَهُ، وَرَدَّهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَلِفُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ، وَلَا يُعَاوِنُونَ. وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعَانَةِ تَحْرِيمَهَا فِي الْعِمَالَةِ وَالْكِتَابَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": يُكْرَهُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ. فَرْعٌ: تَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ أَعْظَمُ ضَرَرًا لِكَوْنِهِمْ دُعَاةً بِخِلَافِ الْيَهُودِ والنصارى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ (وَيَرْفُقُ بِهِمْ فِي الْمَسِيرِ) فَيَسِيرُ بِهِمْ سَيْرَ أَضْعَفِهِمْ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمِيرُ الْقَوْمِ أَفْطَفُهُمْ» أَيْ: أَقَلُّهُمْ سَيْرًا، وَلِئَلَّا يَنْقَطِعَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، أَوْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْجِدِّ فِيهِ، جَازَ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَكْرَهُ السَّيْرَ الشَّدِيدَ إِلَّا لِأَمْرٍ يَحْدُثُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَدَّ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: 8] . لِيَشْغَلَ النَّاسَ عَنِ الْخَوْضِ فِيهِ. (وَيُعِدُّ لَهُمُ الزَّادَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَبِهِ قِوَامُهُمْ، وَرُبَّمَا طَالَ سَفَرُهُمْ فَيَهْلَكُونَ حَيْثُ لَا زَادَ لَهُمْ. (وَيُقَوِّي نُفُوسَهُمْ بِمَا يُخَيِّلُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ) فَيَقُولُ: أَنْتُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَشَدُّ أَبْدَانًا، وَأَقْوَى قُلُوبًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَعِينُ بِهِ النُّفُوسُ عَلَى الْمُصَابَرَةِ، وَيَبْعَثُهَا عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 الْعُرَفَاءَ، وَيَعْقِدُ لَهُمُ الْأَلْوِيَةَ، وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ، وَيَتَخَيَّرُ لَهُمُ الْمَنَازِلَ وَيَتَتَبَّعُ مَكَامِنَهَا، فَيَحْفَظُهَا، وَيَبُثُّ الْعُيُونَ عَلَى الْعَدُوِّ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ، وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنَ الْفَسَادِ وَالْمَعَاصِي، وَيَعِدُ ذَا الصَّبْرِ بِالْأَجْرِ   [المبدع في شرح المقنع] الْقِتَالِ لِطَمَعِهَا فِي الْعَدُوِّ (وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمُ الْعُرْفَاءَ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّفَ عَامَ خَيْبَرَ عَلَى كُلِّ عَشْرَةٍ عَرِيفًا، وَلِأَنَّهُ يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ، وَيَتَفَقَّدُهُمْ، وَهُوَ أَقْرَبُ أَيْضًا لِجَمْعِهِمْ وَقَدْ وَرَدَ «الْعِرَافَةُ حَقٌّ» ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةَ النَّاسِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: «الْعُرَفَاءُ فِي النَّارِ» فَتَحْذِيرٌ لِلتَّعَرُّضِ لِلرِّيَاسَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهَا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ (وَيَعْقِدُ لَهُمُ الْأَلْوِيَةَ) وَهِيَ الْمَطَارِفُ الْبِيضُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ اللِّوَاءُ: رَايَةٌ لَا يَحْمِلُهَا إِلَّا صَاحِبُ جَيْشِ الْعَرَبِ، أَوْ صَاحِبُ دَعْوَةِ الْجَيْشِ. وَهِيَ أَعْلَامٌ مُرَبَّعَةٌ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ حِينَ أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ احْتَبِسْهُ عَلَى الْوَادِي حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا، قَالَ: فَحَبَسْتُهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا» . وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ؛ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بِهَا، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَكُونُ بِأَيِّ لَوْنٍ شَاءَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " يُسْتَحَبُّ أَلْوِيَةٌ بِيضٌ، وَفِي " الشَّرْحِ " كَالْمُحَرَّرِ، وَزَادَ: يُغَايِرُ أَلْوَانَهَا، لِيَعْرِفَ كُلُّ قَوْمٍ رَايَتَهُمْ. (وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ بِهِ) عِنْدَ الْحَرْبِ لِمَا رَوَى سَلَمَةُ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ شِعَارُنَا: أَمُتْ أَمُتْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا «حم لَا يُنْصَرُونَ» وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى نُصْرَةِ صَاحِبِهِ، وَرُبَّمَا يَهْتَدِي بِهَا إِذَا ضَلَّ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " أَوْ لِئَلَّا يَقَعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. (وَلْيَتَخَيَّرْ لَهُمُ الْمَنَازِلَ) أَيْ: أَصْلَحَهَا كَالْخِصْبَةِ؛ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِهِمْ، وَهُوَ مِنْ مَصْلَحَتِهِمْ (وَيَتَتَبَّعْ مَكَامِنَهَا) وَهِيَ جَمْعُ مَكْمَنٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَخْتَفِي بِهِ الْعَدُوُّ (فَيَحْفَظُهَا) لِيَأْمَنَ هُجُومَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ. (وَيَبُثُّ الْعُيُونَ عَلَى الْعَدُوِّ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ الزُّبَيْرَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فِي غَزَاةِ الْخَنْدَقِ فِي أُخْرَى. وَقَدْ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إِلَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ. (حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ) فَيَتَحَرَّزُ مِنْهُمْ وَيَتَمَكَّنُ مِنَ الْفُرْصَةِ فِيهِمْ. (وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنْ الْفَسَادِ وَالْمَعَاصِي) ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا سَبَبُ الْخِذْلَانِ، وَتَرْكَهَا دَاعٍ لِلنَّصْرِ، وَسَبَبُ الظَّفَرِ، وَكَذَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ التِّجَارَةِ الْمَانِعَةِ لَهُمْ مِنَ الْقِتَالِ. (وَيَعِدُ ذَا الصَّبْرِ بِالْأَجْرِ وَالنَّفْلِ) لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى بَذْلِ جُهْدِهِ، وَزِيَادَةِ صَبْرِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 وَالنَّفْلِ، وَيُشَاوِرُ ذَوِي الرَّأْيِ، وَيَصَفُّ جَيْشَهُ، وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنَبَةٍ كُفْئًا، وَلَا يَمِيلُ مَعَ قَرِيبِهِ وَذِي مَذْهَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْذُلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ أَوْ قَلْعَةٍ أَوْ مَاءٍ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ؛   [المبدع في شرح المقنع] (وَيُشَاوِرُ ذَوِي الرَّأْيِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ النَّاسِ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، وَلِأَنَّ فِيهَا اجْتِمَاعَ الرَّأْيِ فِي تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، وَيُخْفِي مِنْ أَمْرِهِ مَا أَمْكَنَ إِخْفَاؤُهُ لِئَلَّا يَعْلَمَ بِهِ الْعَدُوُّ. وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً، وَرَّى بِغَيْرِهَا (وَيَصُفُّ جَيْشَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4] قَالَ: الْوَاقِدِيُّ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَوِّي الصُّفُوفَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلِأَنَّ فِيهِ رَبْطَ الْجَيْشِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَسَدَّ الثُّغُورِ فَيَصِيرُونَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَيَتَرَاصُّونَ، لِقَوْلِهِ {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] (وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنَبَةٍ كُفْئًا) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ خَالِدًا عَلَى إِحْدَى الْجَنَبَتَيْنِ، وَالزُّبَيْرَ عَلَى الْأُخْرَى، وَأَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى السَّاقَةِ» . وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْحَرْبِ، وَأَبْلَغُ فِي إِرْهَابِ الْعَدُوِّ. (وَلَا يَمِيلُ مَعَ قَرِيبِهِ وَذِي مَذْهَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ) لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُ مَنْ يَمِيلُ عَنْهُ، فَيَخْذُلُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْقُلُوبَ، وَيُشَتِّتُ الْكَلِمَةَ. فَرْعٌ: إِذَا وَجَدَ رَجُلٌ آخَرَ أُصِيبَ فَرَسُهُ، وَمَعَهُ فَضْلٌ اسْتَحَبَّ لَهُ حَمْلُهُ، وَلَا يَجِبُ. نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ كَمَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ فَضْلِ طَعَامِهِ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ، وَتَخْلِيصُهُ مِنْ عَدُوٍّ. ذَكَرِهِ فِي " الشَّرْحِ ". [جَوَازُ بَذْلِ الْإِمَامِ الْجُعْلَ لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ أَوْ قَلْعَةٍ أَوْ مَاءٍ] (وَيَجُوزُ لَهُ) أَيْ: لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (أَنْ يَبْذُلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ أَوْ قَلْعَةٍ) يَفْتَحُهَا (أَوْ مَاءٍ) فِي مَفَازَةٍ، أَوْ مَالٍ يَأْخُذُهُ، أَوْ ثَغْرَةٍ يَدْخُلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ اسْتَأْجَرَا فِي الْهِجْرَةِ مَنْ يَدُلُّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلِأَنَّهُ مِنَ الْمَصَالِحِ أَشْبَهَ أُجْرَةَ الْوَكِيلِ، وَيَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ بِفِعْلِ مَا جُعِلَ فِيهِ، سَوَاءٌ له كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا مِنَ الْجَيْشِ أَوْ غَيْرِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزُ ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَهُ إِعْطَاءُ دَالٍّ، وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ. (وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا) إِذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ جُعْلٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، كَالْجُعْلِ فِي الْمُسَابَقَةِ، وَرَدِّ الضَّالَّةِ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا، فَإِنْ جَعَلَ لَهُ جَارِيَةً مِنْهُمْ، فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ، فَلَهُ قِيمَتُهَا، وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ أَوْ قَبْلَهُ، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، فَلَهُ قِيمَتُهَا، وَإِنْ فُتِحَتْ صُلْحًا - وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الْجَارِيَةَ - فَلَهُ قِيمَتُهَا؛ فَإِنْ أَبَى إِلَّا الْجَارِيَةَ، وَامْتَنَعُوا مِنْ بَذْلِهَا، فُسِخَ الصُّلْحُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إِلَّا قِيمَتُهَا.   [المبدع في شرح المقنع] مَجْهُولًا) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلسَّرِيَّةِ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ مِمَّا غَنِمُوا، وَسَلَبَ الْمَقْتُولِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ كُلَّهَا مَجْهُولَةٌ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَّةُ (فَإِنْ جَعَلَ لَهُ جَارِيَةً مِنْهُمْ) نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِطَ بِنْتَ فُلَانٍ مِنْ أَهْلِ الْقَلْعَةِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، حَتَّى تُفْتَحَ الْقَلْعَةُ فَإِنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً سُلِّمَتْ إِلَيْهِ (فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ) أَوْ بَعْدَهُ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنٍ، فَيَسْقُطُ بِتَلَفِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ كَالْوَدِيعَةِ. (وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ) وَهِيَ حُرَّةٌ (فَلَهُ قِيمَتُهَا) لِأَنَّهَا عَصَمَتْ نَفْسَهَا بِإِسْلَامِهَا، فَتَعَذَّرَ دَفْعُهَا إِلَيْهِ (وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ أَوْ قَبْلَهُ) وَهِيَ أَمَةٌ (سُلِّمَتْ إِلَيْهِ) إِذَا كَانَ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْوَفَاءُ بِمَا شُرِطَ، فَكَانَ وَاجِبًا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْأَسْرِ، فَكَانَتْ رَقِيقَةً (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) الْمُشْتَرِطُ (كَافِرًا فَلَهُ قِيمَتُهَا) لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْمِلْكَ عَلَى مُسْلِمٍ، ثُمَّ إِنْ أَسْلَمَ، فَفِي أَخْذِهَا احْتِمَالَانِ (فَإِنْ فُتِحَتْ صُلْحًا وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الْجَارِيَةَ فَلَهُ قِيمَتُهَا) أَيْ: إِنْ رَضِيَ بِهَا؛ لِأَنَّ رَدَّ عَيْنِهَا مُتَعَذِّرٌ، لِكَوْنِهَا دَخَلَتْ تَحْتَ الصُّلْحِ، وَحِينَئِذٍ تَعَيَّنَ رَدُّ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شُرِطَ فِي الصُّلْحِ تَسْلِيمُ عَيْنِهَا لَزِمَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ (فَإِنْ أَبَى إِلَّا الْجَارِيَةَ وَامْتَنَعُوا مِنْ بَذْلِهَا) (فُسِخَ الصُّلْحُ) لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ إِمْضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الْجُعْلِ سَابِقٌ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَعَلَى هَذَا لِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ أَنْ يُحَصِّلَهَا مِثْلَ مَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ أَنَّهَا لَهُ لِسَبْقِ حَقِّهِ، وَلِرَبِّ الْحِصْنِ الْقِيمَةُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إِلَّا قِيمَتُهَا) وَيَمْضِي الصُّلْحُ. حَكَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " قَوْلًا وَصَحَّحَهُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهَا مَعَ بَقَائِهَا، فَبَقِيَتِ الْقِيمَةُ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَإِنْ بَذَلُوهَا مَجَّانًا أَوْ بِالْقِيمَةِ، لَزِمَ أَخْذُهَا، وَدَفْعُهَا إِلَيْهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إِيصَالُ حَقِّهِ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ: وَعِنْدِي يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَمَةِ، فَأَمَّا حُرَّةُ الْأَصْلِ، فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهَا وَدَفْعُهَا إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 وَلَهُ أَنْ يَنْفُلَ فِي الْبُدَاءَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ الْجَيْشُ بَعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ، وَإِذَا رَجَعَ بَعَثَ أُخْرَى، فَمَا أَتَتْ بِهِ أَخْرَجَ خُمُسَهُ، وَأَعْطَى السَّرِيَّةَ مَا جَعَلَ لَهَا، وَقَسَمَ الْبَاقِيَ بَيْنَ السَّرِيَّةِ وَالْجَيْشِ مَعًا.   [المبدع في شرح المقنع] بِجُعْلٍ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ مَالٌ، وَيَأْخُذُهَا كَمَا لَوْ شَرَطَهَا دَابَّةً أَوْ مَتَاعًا فَأَمَّا حُرَّةُ الْأَصْلِ، فَهِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ جَرَى عَلَيْهَا فَلَا تُمْلَكُ كَالذِّمِّيَّةِ، وَلَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُهَا كَالْمُسْلِمَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَوْلَا عَقْدُ الصُّلْحِ جَرَى عَلَيْهَا، لَكَانَتْ أَمَةً، وَجَازَ تَسْلِيمُهَا لَهُ، فَإِذَا رَضِيَ أَهْلُ الْحِصْنِ بِإِخْرَاجِهَا مِنَ الصُّلْحِ، وَتَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ فَتَكُونُ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَتَصِيرُ رَقِيقَةً. فَرْعٌ: حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ، وَلَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنَ الْغَنِيمَةِ، أُعْطِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَصَالِحِ. [لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ زِيَادَةً عَلَى السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ] (وَلَهُ أَنْ يَنْفُلَ) النَّفْلُ: الزِّيَادَةُ عَلَى السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ، وَمِنْهُ نَفْلُ الصَّلَاةِ (فِي الْبُدَاءَةِ) أَيْ: ابْتِدَاءُ دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ (الرُّبُعَ) فَأَقَلَّ (بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ) فَأَقَلَّ (بَعْدَهُ) لِمَا رَوَى حَبِيبُ بْنُ سَلَمَةَ الْفِهْرِيُّ قَالَ: «شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ الرُّبُعَ فِي الْبُدَاءَةِ، وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا يَزِيدُ فِي الرَّجْعَةِ عَلَى الْبُدَاءَةِ لِمَشَقَّةِ الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ الْجَيْشَ فِي الْبُدَاءَةِ رَدَءَ عَنِ السَّرِيَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُمْ يَشْتَاقُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ، فَهَذَا أَكْثَرُ مَشَقَّةً. وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضَ إِلَى رَأْيِهِ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا شَرْطٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ الْجَيْشُ بَعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ، وَإِذَا رَجَعَ بَعَثَ أُخْرَى، فَمَا أَتَتْ بِهِ، أَخْرَجَ خُمُسَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَلِمَا رَوَى حَبِيبُ بْنُ سَلَمَةَ الْفِهْرِيُّ. فَيُخَمَّسُ كَالْجَيْشِ (وَأَعْطَى السَّرِيَّةَ مَا جُعِلَ لَهَا) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنَفِّلَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ بَعْدَ الْخُمُسِ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَقَسَّمَ الْبَاقِيَ بَيْنَ السَّرِيَّةِ وَالْجَيْشِ مَعًا) لِأَنَّ الْجَيْشَ يُشَارِكُ سَرَايَاهُ فِيمَا غَنِمَتْ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي السِّرِيَّةِ إِذَا نُفِّلَتْ أَنَّهَا تُرَدُّ عَلَى مَنْ مَعَهَا، قَالَهُ الْخِرَقِيُّ، إِذْ بِقُوَّتِهِمْ صَارَ إِلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 فَصْلٌ. وَيَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَةُ الْأَمِيرِ، وَالنُّصْحُ لَهُ، وَالصَّبْرُ مَعَهُ. وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّفَ، وَلَا يَحْتَطِبَ، وَلَا يُبَارِزَ، وَلَا يَخْرُجَ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَلَا يُحْدِثَ حَدَثًا إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] [لُزُومُ الْجَيْشِ طَاعَة الْأَمِيرِ] فَصْلٌ. (وَيَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَةُ الْأَمِيرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، فَلَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَقْتَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ فَأَبَوْا، عَصَوْا. قَالَ الْآجُرِّيُّ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ قَالَ: مَنْ عِنْدَهُ مِنْ رَقِيقِ الرُّومِ، فَلْيَأْتِ بِهِ السَّبْيَ، يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَهُوا إِلَى مَا أَمَرَهُمْ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْخِلَافُ شَرٌّ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَا خَيْرَ مَعَ الْخِلَافِ، وَلَا شَرَّ مَعَ الِائْتِلَافِ، وَنَقَلَ الْمَرْوَذِيُّ: إِذَا خَالَفُوهُ تَشَعَّثَ أَمْرُهُمْ، فَلَوْ قَالَ: سِيرُوا وَقْتَ كَذَا، دَفَعُوا مَعَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: السَّاقَةُ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْأَجْرُ إِنَّمَا يَخْرُجُ فِيهِمْ أَهْلُ قُوَّةٍ وَثَبَاتٍ (وَالنُّصْحُ لَهُ) لِأَنَّ نُصْحَهُ نُصْحُ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُمْ، فَإِذَا نَصَحُوهُ، كَثُرَ دَفْعُهُ، وَفِي الْأَثَرِ: «إِنَّ اللَّهَ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ» ، وَمَعْنَاهُ: يَكُفُّ. (وَالصَّبْرُ مَعَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران: 200] وَلِأَنَّهُ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ. (وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّفَ) وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَلَفِ لِلدَّوَابِّ (وَلَا يَحْتَطِبَ) وَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَطَبِ (وَلَا يُبَارِزَ) عِلْجًا. (وَلَا يَخْرُجَ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَلَا يُحْدِثَ حَدَثًا إِلَّا بِإِذْنِهِ) لِأَنَّ الْأَمِيرَ أَعْرَفُ بِحَالِ النَّاسِ وَحَالِ الْعَدُوِّ، وَمَكَامِنِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، فَإِذَا خَرَجَ إِنْسَانٌ أَوْ بَارَزَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُصَادِفَهُ كَمِينٌ لِلْعَدُوِّ فَيَأْخُذُوهُ، أَوْ يَرْحَلَ الْمُسْلِمُونَ، وَيَتْرُكُوهُ فَيَهْلَكَ، أَوْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يَقْوَى عَلَى الْمُبَارَزَةِ فَيَظْفَرَ بِهِ الْعَدُوُّ، فَتَنْكَسِرَ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَذِنَ، فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ انْتِفَاءِ الْمَفَاسِدِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي النَّصِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 بِإِذْنِهِ. فَإِنْ دَعَا كَافِرٌ إِلَى الْبِرَازِ، اسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ، فَإِنْ شَرَطَ الْكَافِرُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ الْخَارِجِ إِلَيْهِ، فَلَهُ شَرْطُهُ، فَإِنِ انْهَزَمَ   [المبدع في شرح المقنع] لَكِنْ نُصَّ إِذَا كَانَ مَوْضِعًا مَخُوفًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ حَرَامٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " الْكَرَاهَةُ. وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَمَحَلُّهُ: مَا لَمْ يَفْجَأْهُمُ الْعَدُوُّ. قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ ". [حُكْمُ الْمُبَارِزَةِ] (فَإِنْ دَعَا كَافِرٌ) وَفِي " الْبُلْغَةِ " مُطْلَقًا (إِلَى الْبِرَازِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ: عِبَارَةٌ عَنْ مُخَاصَمَةِ الْعَدُوِّ، وَبِفَتْحِهَا: اسْمٌ لِلْفَضَاءِ الْوَاسِعِ. (اسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ) لِمُبَارَزَةِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُ. قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادَةَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا فِي قَوْله تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةَ، وَعَلِيٍّ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مُبَارَزَتِنَا يَوْمَ بَدْرٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبَارَزَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مَرْزُبَانَ الدَّارَةَ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ، فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَلِأَنَّ فِي الْإِجَابَةِ إِلَيْهَا إِظْهَارًا لِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَلَدِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ. وَظَاهِرُهُ إِذَا لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ لِمَا فِيهِ مَنْ كَسْرِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلِهِ ظَاهِرًا، وَلَوْ طَلَبَهَا الشُّجَاعُ ابْتِدَاءً، فَاحْتِمَالَانِ، فِي " الْفُصُولِ " (فَإِنْ شَرَطَ الْكفارُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ الْخَارِجِ إِلَيْهِ) أَوْ كَانَ هُوَ الْعَادَةَ (فَلَهُ شَرْطُهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَالْعَادَةُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ. وَيَجُوزُ رَمْيُهُ وَقَتْلُهُ قَبْلَ الْمُبَارَزَةِ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا عَهْدَ لَهُ، وَلَا أَمَانَ فَأُبِيحَ قَتْلُهُ كَغَيْرِهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 الْمُسْلِمُ، أَوْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ، جَازَ الدَّفْعُ عَنْهُ وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُ، فَلَهُ سَلَبُهُ، وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ غَيْرَ مَخْمُوسٍ إِذَا قَتَلَهُ حَالَ الْحَرْبِ مُنْهَمِكًا عَلَى الْقِتَالِ   [المبدع في شرح المقنع] جَارِيَةً بَيْنَهُمْ أَنَّ مَنْ خَرَجَ يَطْلُبُ الْمُبَارَزَةَ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ، فَيَعْمَلُ بِهَا (؛ فَإِنِ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ) تَارِكًا لِلْقِتَالِ (أَوْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ، جَازَ) لِكُلِّ مُسْلِمٍ (الدَّفْعُ عَنْهُ) وَيَقْتُلُ الْكَافِرَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا صَارَ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَقَدِ انْقَضَى قِتَالُهُ، وَالْأَمَانُ زَالَ بِزَوَالِ الْقِتَالِ؛ لِأَنَّ حَمْزَةَ، وَعَلِيًّا أَعَانَا عُبَيْدَةَ فِي قَتْلِ شَيْبَةَ حِينَ أُثْخِنَ عُبَيْدَةُ، وَإِنْ أَعَانَ الْكُفَّارُ صَاحِبَهُمْ، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ، وَيُقَاتِلُوا مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ، إِلَّا الْمُبَارَزَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ. فَائِدَةٌ: كَرِهَ أَحْمَدُ التَّلَثُّمَ فِي الْقِتَالِ، وَعَلَى أَنْفِهِ، وَلَهُ لُبْسُ عَلَامَةٍ كَرِيشِ نَعَامٍ،. وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ لِلشُّجَاعِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ ". (وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُ، فَلَهُ سَلَبُهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَهُ سَلَبُ الْمَقْتُولِ (وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ، وَسَمُرَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّلَبَ لِكُلِّ قَاتِلٍ، سَوَاءٌ كَانَ يَسْتَحِقُّ سَهْمًا أَوْ رَضْخًا، كَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُشْرِكِ، وَهُوَ وَجْهٌ. وَخَصَّهُ فِي " الْوَجِيزِ " بِالْقَاتِلِ الْمُسْلِمِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ السَّهْمَ آكَدُ مِنْهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَالسَّلَبُ أَوْلَى، وَفِي " الْإِرْشَادِ " أَنَّ مَنْ بَارَزَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ. وَقَطَعَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا بَارَزَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ، وَكَذَا كُلُّ عَاصٍ، كَمَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْأَمِيرِ، وَعَنْهُ فِيمَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمُسُ، وَبَاقِيهِ لَهُ، كَالْغَنِيمَةِ، وَيُخْرِجُ فِي الْعَبْدِ مِثْلَهُ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحَقِّ بِالْغَنِيمَةِ آكَدُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 غَيْرَ مُثْخَنٍ وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا مَنْ شُرِطَ لَهُ، فَإِنْ قَطَّعَ أَرْبَعَتَهُ   [المبدع في شرح المقنع] لِلْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ السَّلَبِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهُ كَالنَّفْلِ، لَا يُسْتَحَقُّ إِلَّا بِالشَّرْطِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مِمَّنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ كَالْمُرْجِفِ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِي السَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ. (غَيْرَ مَخْمُوسٍ) لِمَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ احْتُسِبَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ كَسَهْمِ الْفَارِسِ. (إِذَا قَتَلَهُ حَالَ الْحَرْبِ) فَلَوْ قَتَلَهُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، فَلَا سَلَبَ لَهُ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَقَفَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ، وَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ، فَإِنْ كَانَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً، فَانْهَزَمَ أَحَدُهُمْ، فَقَتَلَهُ إِنْسَانٌ فَلَهُ سَلَبُهُ؛ لِأَنَّهَا كَرٌّ وَفَرٌّ، «لِأَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَتَلَ طَلِيعَةَ الْكُفَّارِ، وَهُوَ مُنْهَزِمٌ، فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَلَبِهِ لَهُ أَجْمَعَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلَوْ أَثْخَنَهُ بِالْجِرَاحِ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَقْتُولِ (مُنْهَمِكًا عَلَى الْقِتَالِ) أَيْ: مُقْبِلًا عَلَى الْقِتَالِ، فَإِنْ كَانَ مُنْهَزِمًا فَلَا سَلَبَ لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرِّرْ بنفسه فِي قَتْلِهِ. وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَ " الْبُلْغَةِ " إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّمَا سَمِعْنَا: لَهُ سَلَبُهُ فِي الْمُبَارَزَةِ وَإِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ. وَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ صَبِيًّا أَوِ امْرَأَةً، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِجَوَازِ قَتْلِهِمْ إِذًا، وَفِي الْآخَرِ: لَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَأَطْلَقَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ كَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ، مِمَّنْ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ قَاتِلُهُ سَلَبَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. (غَيْرَ مُثْخَنٍ) أَيْ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ فِيهِ مَنَعَةٌ، فَلَوْ كَانَ مُثْخَنًا بِالْجِرَاحِ، وَقَتَلَهُ آخَرُ فَلَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِعَدَمِ التَّغْرِيرِ (وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ) أَيْ: بِأَنْ يَقْتُلَهُ حَالَ الْمُبَارَزَةِ، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ. فَلَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ مِنْ جَانِبٍ أَوْ أَغْرَى بِهِ كَلْبًا عَقُورًا، فَقُتِلَ، فَلَا سَلَبَ، وَيَكُونُ غَنِيمَةً. وَظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 وَقَتَلَهُ آخَرُ، فَسَلَبُهُ لِلْقَاطِعِ، وَإِنْ قَتَلَهُ اثْنَانِ، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ لَهُمَا، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهُمَا شَرْطٌ. وَقَوَّى الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ كُلَّهَا تَرْجِعُ إِلَى التَّغْرِيرِ، وَأَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ، قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ، وَصَرَّحَ بِهِ " الْخِرَقِيُّ " وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ (وَعَنْهُ: لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا مَنْ شُرِطَ لَهُ) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي " الِانْتِصَارِ " وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَأَخَذَهَا الْقَاضِي مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَنَالَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ عَوْفًا قَالَ لِخَالِدٍ: «أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذا مِنْ قَضَايَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَامَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَأَنَّهُ حُكْمٌ مُسْتَمِرٌّ لِكُلِّ قَاتِلٍ. (فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَتَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ، فَسَلَبُهُ لِلْقَاطِعِ) وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ، وَلَمْ يُعْطِهِ ابْنَ مَسْعُودٍ مَعَ أَنَّهُ تَمَّمَ قَتْلَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ هُوَ الَّذِي كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ. (وَإِنْ قَتَلَهُ اثْنَانِ؛ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُشْرِكْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي سَلَبٍ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالتَّغْرِيرِ فِي قَتْلِهِ، وَلَا يَحْصُلُ بِالِاشْتِرَاكِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ غَنِيمَةً، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ (وَقَالَ الْقَاضِي) وَالْآجُرِّيُّ: (هُوَ لَهُمَا) أَيْ: يَشْتَرِكَانِ فِي سَلَبِهِ، لِعُمُومِ مَنْ «قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَلِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي السَّبَبِ، فَيَشْتَرِكَانِ فِي السَّلَبِ. فَلَوِ اشْتَرَكَا فِي ضَرْبِهِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَبْلَغَ فِي قَتْلِهِ مِنَ الْآخَرِ، فَلَهُ سَلَبُهُ (وَإِنْ أَسَرَهُ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ) أَوْ غَيْرُهُ (فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) لِأَنَّ الَّذِي أَسَرَهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَالْغَيْرُ لَمْ يُغَرِّرْ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ. وَكَذَا لَوِ اسْتَحْيَاهُ الْإِمَامُ فَرِقِّيَّتُهُ إِنْ رَقَّ، وَفِدَاؤُهُ إِنْ فُدِيَ غَنِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ أَسْرَى، فَقَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ وَاسْتَبْقَى، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 أَسَرَهُ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ؛ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ، وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ لِمَنْ أَسَرَهُ، وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ. وَقِيلَ: هُوَ لِلْقَاتِلِ. وَالسَّلَبُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَسِلَاحٍ وَالدَّابَّةُ بِآلَتِهَا. وَعَنْهُ: أَنَّ الدَّابَّةَ لَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ. وَنَفَقَتُهُ وَخَيْمَتُهُ وَرَحْلُهُ غَنِيمَةٌ.   [المبدع في شرح المقنع] أَعْطَى أَحَدًا مِمَّنْ أَسَرَهُمْ سَلَبًا، وَلَا فِدَاءً (وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ لِمَنْ أَسَرَهُ) لِأَنَّ الْأَسْرَ أَصْعَبُ مِنَ الْقَتْلِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ السَّلَبَ بِهِ كَانَ تَنْبِيهًا عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ بِالْأَسْرِ. (وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِقَتْلِهِ، وَلَمْ يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ مُثْخَنٌ بِالْجِرَاحِ (وَقِيلَ: هُوَ لِلْقَاتِلِ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَقِيلَ: هُوَ لِلْقَاطِعِ؛ لِأَنَّهُ عَطَّلَهُ كَقَتَلَهُ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ، فَالْحُكْمُ عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ. فَرْعٌ: إِذَا قَطَعَ مِنْهُ يَدًا أَوْ رِجْلًا، ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ، فَسَلَبُهُ لِلْقَاتِلِ، كَمَا لَوْ عَانَقَهُ فَقَتَلَهُ، أَوْ كَانَ الْكَافِرُ مُقْبِلًا عَلَى مُسْلِمٍ، فَقَتَلَهُ آخَرُ مَنْ وَرَائِهِ، وَقِيلَ: غَنِيمَةٌ لِعَدَمِ الِانْفِرَادِ بِقَتْلِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْقَتْلِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُعْطَى السَّلَبُ لِمَنْ قَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبِلَ قَوْلَ أَبِي قَتَادَةَ، وَجَوَابُهُ الْخَبَرُ الْآخَرُ، وَبِأَنَّ خَصْمَهُ أَقَرَّ لَهُ، فَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَحَكَى فِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالًا: يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبِلَ قَوْلَ الَّذِي شَهِدَ لِأَبِي قَتَادَةَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ الْبَيِّنَةَ، وَإِطْلَاقُهَا يَنْصَرِفُ إِلَى شَاهِدَيْنِ، وَكَقَتْلِ الْعَمْدِ. (وَالسَّلَبُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ) وَعِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَدِرْعٍ. (وَحُلِيٍّ) كَسِوَارٍ، وَمِنْطَقَةٍ ذَهَبٍ وَرَانٍ وَتَاجٍ. (وَسِلَاحٍ) كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَقَوْسٍ وَلْتٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهَا فِي حَرْبِهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ مِنَ الثِّيَابِ، وَعَنْهُ فِي السَّيْفِ: لَا أَدْرِي. (وَالدَّابَّةُ بِآلَتِهَا) أَيْ: مِنَ السَّلْبِ لِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ يُسْتَعَانُ بِهَا فِي الْحَرْبِ كَالسِّلَاحِ، وَآلَتُهَا كَلِجَامٍ، وَسَرْجٍ، وَلَوْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا كَانَ مَحْمُولًا عَلَيْهَا مِنْ دَرَاهِمَ، وَنَحْوِهِ لَا يَدْخُلُ (وَعَنْهُ: أَنَّ الدَّابَّةَ لَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ الْغَزْوُ إِلَّا بِإِذْنِ الْأَمِيرِ إِلَّا أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخَافُونَ كَلَبَهُ فَإِنْ دَخَلَ   [المبدع في شرح المقنع] اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ السَّلَبَ مَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ، وَهِيَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. وَذَكَرَ أَحْمَدُ خَبَرَ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ فَأَخَذَ سُوَارَيْهِ وَمِنْطَقَتَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الدَّابَّةَ. فَعَلَى هَذَا، هِيَ وَمَا عَلَيْهَا غَنِيمَةٌ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ قَاتَلَ عَلَيْهَا رَاكِبًا، فَلَوْ صُدَّ عَنْهَا، ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ نُزُولِهِ عَنْهَا فَهِيَ مِنَ السَّلَبِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا، كَسِلَاحِهِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ مُمْسِكًا بِعِنَانِهَا فَالْخِلَافُ. (وَنَفَقَتُهُ) عَلَى الْأَصَحِّ (وَخَيْمَتُهُ وَرَحْلُهُ) وَجَنِيبُهُ الَّذِي فِي يَدِهِ (غَنِيمَةٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمَلْبُوسِ، وَلَا مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْحَرْبِ أَشْبَهَ بَقِيَّةَ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ؛ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ الْجَنِيبُ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ رُكُوبُهُمَا مَعًا. أَلْحَقَ فِي " التَّبْصِرَةِ " حِلْيَةَ الدَّابَّةِ بِذَلِكَ، وَفِيهِ شَيْءٌ. 1 - فَصْلٌ. يَجُوزُ سَلْبُ الْقَتْلَى وَتَرْكُهُمْ عُرَاةً، وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ عَوْرَاتِهِمْ، وَيُكْرَهُ نَقْلُ رُءُوسِهِمْ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ، وَالْمُثْلَةُ بِقَتْلَاهُمْ، وَيكره رَمْيُهَا بِمَنْجَنِيقٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَوَّلُ مَنْ حُمِلَتْ إِلَيْهِ الرُّءُوسُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبُوهُ، وَعَنْهُ: إِنْ مَثَّلُوا مُثِّلَ بِهِمْ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمُثْلَةُ حَقٌّ لَهُمْ، فَلَهُمْ فِعْلُهَا لِلِاسْتِيفَاءِ وَأَخَذِ الثَّأْرِ، وَلَهُمْ تَرْكُهَا، وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ. [لَا يَجُوزُ الْغَزْوُ إِلَّا بِإِذْنِ الْأَمِيرِ] (وَلَا يَجُوزُ الْغَزْوُ إِلَّا بِإِذْنِ الْأَمِيرِ) لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْحَرْبِ، وَأَمْرُهُ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تَجُزِ الْمُبَارَزَةُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَالْغَزْوُ أَوْلَى (إِلَّا أَنْ يَفْجَأَهُمْ) أَيْ: يَطْلُعَ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً (عَدُوٌّ يَخَافُونَ كَلَبَهُ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ أَيْ: شَرَّهُ وَأَذَاهُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّةَ تَدْعُو إِلَيْهِ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنَ الضَّرَرِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لأحد التَّخَلُّفُ إِلَّا مَنْ يُحْتَاجُ إِلَى تَخَلُّفِهِ لِحِفْظِ الْمَكَانِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ، وَمَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ عَلَى الْخُرُوجِ وَمَنْ يَمْنَعُهُ الْإِمَامُ (فَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 قَوْمٌ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَغَنِمُوا، فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٌ، وَعَنْهُ: هِيَ لَهُمْ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَعَنْهُ: هِيَ لَهُمْ لَا خُمُسَ فِيهَا، وَمَنْ أَخَذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ طَعَامًا أَوْ عَلَفًا، فَلَهُ   [المبدع في شرح المقنع] هُوَ بِفَتْحِ الْأَحْرُفِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ النُّونُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْقُوَّةُ وَالدَّفْعُ. (دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ) أَيْ: إِذْنِ الْمُعْتَبَرِ إِذْنُهُ، وَهُوَ إِمَامُ الْحَقِّ، غَيْرُ الْمُتَغَلِّبِ (فَغَنِمُوا، فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ بِفِعْلِهِمْ، وَافْتِئَاتِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ لِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ، فَنَاسَبَ حِرْمَانَهُمْ كَقَتْلِ الْموروثِ (وَعَنْهُ: هِيَ لَهُمْ بَعْدَ الْخُمُسِ) وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " هِيَ الْأَوْلَى، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 249] (وَعَنْهُ: هِيَ لَهُمْ لَا خُمُسَ فِيهَا) لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ جِهَادٍ، أَشْبَهَ الِاحْتِطَابَ، أَوْ يُقَالُ: أَخَذُوهُ لَا بِقُوَّةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقُوهُ. فَرْعٌ: حُكْمُ الْوَاحِدِ وَلَوْ عَبْدًا إِذَا دَخَلَ الْحَرْبَ وَغَنِمَ، الْخِلَافُ، وَكَذَا مَا سُرِقَ مِنْهَا أَوِ اخْتُلِسَ. ذَكَرَهُ فِي " الْبُلْغَةِ " وَمَعْنَاهُ فِي " الرَّوْضَةِ ". (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ طَعَامًا أَوْ عَلَفًا) لَا غَيْرَهَا مِنْ ثِيَابٍ وَحَنُوطٍ (فَلَهُ أَكْلُهُ وَعَلَفُ دَابَّتِهِ) أَوْ دَوَابِّهِ (بِغَيْرِ إِذْنٍ) فِي قَوْلِ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْهُ: «أَنَّ جَيْشًا غَنِمُوا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا وَعَسَلًا فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمُ الْخُمُسُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ، إِذِ الْحَمْلُ فِيهِ مَشَقَّةٌ، فَأُبِيحَ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ، وَلَهُ إِطْعَامُ سَبْيٍ اشْتَرَاهُ، بِخِلَافِ فَهْدٍ وَكَلْبِ صَيْدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُرَادُ لِلتَّفَرُّجِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فِي الْغَزْوِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ مَا لَمْ يُجِزْهُ الْإِمَامُ وَيُوكِلْ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ، فَلَا يَجُوزُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَتَمَّ مِلْكُهُمْ عَلَيْهَا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " مَا دَامُوا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لَا يَتِمُّ الْمِلْكُ عَلَيْهَا إِلَّا بِإِحْرَازِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 أَكْلُهُ، وَعَلَفُ دَابَّتِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ؛ فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ فِي الْمَغْنَمِ وَإِنْ فَضَلَ مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَأَدْخَلَهُ الْبَلَدَ، رَدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا فَلَهُ أَكْلُهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَمَنْ أَخَذَ سِلَاحًا فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِهِ حَتَّى   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: حُكْمُ السُّكَّرِ وَالْمَعَاجِينِ وَنَحْوِهَا كَالطَّعَامِ، وَفِي الْعَقَاقِيرِ وَجْهَانِ. الثَّانِي: يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ الدُّهْنُ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ كَالْبُرِّ، وَلَهُ لِحَاجَةِ دُهْنِ بَدَنِهِ، وَدَابَّتِهِ، وَشُرْبِ شَرَابٍ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: دُهْنُهُ بِزَيْتٍ لِلتَّزَيُّنِ لَا يُعْجِبُنِي. الثَّالِثُ: لَيْسَ لَهُ غَسْلُ ثَوْبِهِ بِالصَّابُونِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ، فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ قِيمَتَهُ فِي الْمَغْنَمِ. (وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَأْكَلِ (فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ فِي الْمَغْنَمِ) قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ: أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: مَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَفِيهِ خُمُسُ اللَّهِ، وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَانِمِينَ، وَفِي رَدِّ الثَّمَنِ تَحْصِيلٌ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا فَصَحَّ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا. وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي " إِنْ بَاعَهُ لِغَيْرِ غَازٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ كَبَيْعِهِ الْغَنِيمَةَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ إِنْ كَانَ بَاقِيًا أَوْ قِيمَتَهُ أَوْ ثَمَنَهُ إِنْ كَانَ تَالِفًا؛ وَإِنْ بَاعَهُ لِغَازٍ؛ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَبِيعَهُ بِمَا يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَلَيْسَ بَيْعًا فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا دَفَعَ إِلَيْهِ مُبَاحًا، وَأَخَذَ بِمِثْلِهِ، وَيَبْقَى أَحَقَّ بِهِ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، وَيَتَعَيَّنُ رَدُّهُ إِلَيْهِ. وَظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى رَدِّ الثَّمَنِ فَقَطْ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ أَيْضًا قِيمَةُ أَكْلِهِ. (وَإِنْ فَضَلَ مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَدْخَلَهُ الْبَلَدَ) وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ الْأَكْثَرُ. (رَدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ) أَيْ: إِذَا كَانَ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَمَا بَقِيَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُهُ، فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، فَلَهُ أَكْلُهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي الطَّبْخَةِ، وَالطَّبْخَتَيْنِ مِنَ اللَّحْمِ، وَالْعَلِيفَةِ وَالْعَلِيفَتَيْنِ، مِنَ الشَّعِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ الْمُسَامَحَةُ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَقْدَمُونَ بِالْقَدِيدِ فَيَهْدِيهِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَلَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ، ثُمَّ يَرُدَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ رُكُوبُ الْفَرَسِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ رَدُّهُ. نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَاخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " خِلَافِهِمَا " وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَدُّوُا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ» . وَلِأَنَّهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَلَمْ يُقَسَّمْ فَلَمْ يُبَحْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْكَبِيرِ. (وَمَنْ أَخَذَ سِلَاحًا لَهُمْ، فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبَ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ فَوَقَعَ سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ أَعْظَمُ مِنَ الطَّعَامِ، وَضَرَرُ اسْتِعْمَالِهِ أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِ أَكْلِ الطَّعَامِ لِعَدَمِ زَوَالِ عَيْنِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ (ثُمَّ يَرُدُّهُ) بَعْدَ الْحَرْبِ لِزَوَالِ الْحَاجَةِ. (وَلَيْسَ لَهُ رُكُوبُ الْفَرَسِ) فِي الْجِهَادِ. (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " وَرَجَّحَهَا ابْنُ الْمُنَجَّا لِمَا رَوَى رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّهَا تَتَعَرَّضُ لِلْعَطَبِ غَالِبًا، وَقِيمَتُها كَبِيرَةٌ بِخِلَافِ السِّلَاحِ. وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ. قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " كَالسِّلَاحِ، وَنَقَلَ الْمَرْوَذِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ مِنَ الْفَيْءِ، وَلَا يُعْجِفَهَا، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَفِي قِتَالِهِ بِفَرَسٍ وَثَوْبٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ الْغَنِيمَةُ كُلُّ مَالٍ أُخِذَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَهْرًا بِالْقِتَالِ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْهُمْ مَالُ مُسْلِمٍ، فَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ قَسْمِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَقْسُومًا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَتَانِ، وَنَقَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ: لَا يَرْكَبُهُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ [بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ] الْغَنَائِمُ: جَمْعُ غَنِيمَةٍ، وَيُرَادِفُهَا الْمَغْنَمُ، يُقَالُ: غَنِمَ فُلَانٌ الْغَنِيمَةَ يَغْنَمُهَا، وَاشْتِقَاقُهَا مِنَ الْغَنْمِ، وَأَصْلُهَا الرِّبْحُ وَالْفَضْلُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْلُهُ، تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَقَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] وَقَدِ اشْتُهِرَ، وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَسَّمَ الْغَنَائِمَ. وَلَمْ تَكُنْ تَحِلُّ لِمَنْ مَضَى، وَكَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] الْآيَةَ، ثُمَّ صَارَتْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ، وَخُمُسُهَا لِغَيْرِهِمْ. (الْغَنِيمَةُ كُلُّ مَالٍ أُخِذَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَهْرًا بِالْقِتَالِ) . قَوْلُهُ: (كُلُّ مَالٍ) يَدْخُلُ فِيهِ مَا يُتَمَوَّلُ كَالصَّلِيبِ، وَيُكْسَرُ، وَيُقْتَلُ الْخِنْزِيرُ. قَالَهُ أَحْمَدُ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: يَصُبُّ الْخَمْرَ، وَلَا يَكْسِرُ الْإِنَاءَ. وَأَمَّا الْكَلْبُ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَيَخُصُّ الْإِمَامُ بِهِ مَنْ شَاءَ. قَوْلُهُ (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ: الْمُحَارِبِينَ، وَقَوْلُهُ: (قَهْرًا بِالْقِتَالِ) هَذَا فَصْلٌ يَخْرُجُ بِهِ الْفَيْءُ. (وَإِنْ أُخِذَ مِنْهُمْ مَالُ مُسْلِمٍ) بِأَنْ أَخَذَ الْكُفَّارُ مَالَ مُسْلِمٍ، ثُمَّ أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَهْرًا (فَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ) وَهُوَ الْمُسْلِمُ (قَبْلَ قَسْمِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) بِغَيْرِ شَيْءٍ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: «أَنَّ غُلَامًا لَهُ أَبَقَ إِلَى الْعَدُوِّ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ، وَذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ، فَأَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: لَا يُرَدُّ إِلَيْهِ، وَهُوَ لِلْجَيْشِ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 بِثَمَنِهِ، وَعَنْهُ: لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ بَعْضُ الرَّعِيَّةِ بِثَمَنٍ، فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ، وَإِنْ أُخِذَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ   [المبدع في شرح المقنع] الْكُفَّارَ مَلَكُوهُ بِاسْتِيلَائِهِمْ، فَصَارَ غَنِيمَةً كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ. وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ. وَكَذَا حُكْمُ مَا إِذَا أُخِذَ مَالُ مُعَاهِدٍ، وَقُلْنَا: يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا. فَإِنْ كَانَ أُمَّ وَلَدٍ، لَزِمَ السَّيِّدَ أَخْذُهَا، لَكِنْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِالثَّمَنِ، وَيُخَيَّرُ فِي الْبَاقِي (وَإِنْ أَدْرَكَهُ) صَاحِبُهُ (مَقْسُومًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ بَعِيرًا لَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابُوهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنْ أَصَبْتَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَكَ وَإِنْ أَصَبْتَهُ بَعْدَ مَا قُسِّمَ أَخَذْتَهُ بِالْقِيمَةِ» . وَإِنَّمَا امْتَنَعَ أَخْذُهُ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى حِرْمَانِ أَخْذِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ لَأَدَّى إِلَى ضَيَاعِ حَقِّهِ. فَالرُّجُوعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ بِثَمَنِهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ (وَعَنْهُ: لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَضَعَّفَ الْأَوَّلَ، وَقَالَ: هُوَ عَنْ مُجَاهِدٍ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ مَا قُسِّمَ فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ» . وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى السَّائِبِ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَصَابَ رَقِيقَهُ أَوْ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ فِي أَيْدِي التُّجَّارِ بَعْدَمَا قُسِّمَ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ. وَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ نَحْوُهُ. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. وَكَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي أَيْدِي الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ، وَقَدْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ أَوْ أَسْلَمَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّهُ لِصَاحِبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعَصْرِ إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلَيْنِ فِي حُكْمٍ لَمْ يَجُزْ إِحْدَاثُ ثَالِثٍ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ صَاحِبَهُ إِذَا وَجَدَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَوْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا (وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ بَعْضُ الرَّعِيَّةِ بِثَمَنٍ، فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ) كَمَا لَوْ أَخَذَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْمَغْنَمِ بِحَقِّهِ. وَالثَّمَنُ هَاهُنَا كَالْقِيمَةِ هُنَاكَ (وَإِنْ أُخِذَ بِغَيْرِ عِوَضٍ) كَهِبَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ) لِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّ قَوْمًا أَغَارُوا عَلَى سَرْحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذُوا نَاقَتَهُ وَجَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَقَامَتْ عِنْدَهُمْ أَيَّامًا، ثُمَّ خَرَجَتْ فَرَكِبَتِ النَّاقَةَ، وَنَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَتَهُ فَأَخْبَرَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَذْرِهَا فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ بِعِوَضٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ مِنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 بِالْقَهْرِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا.   [المبدع في شرح المقنع] الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ عَلَى الْخِلَافِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي "، فَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ. (وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمُ مَالَ الْكَافِرِ، فَكَذَا عَكْسُهُ، كَالْبَيْعِ. وَلَا يَمْلِكُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَسَوَاءٌ اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَهُ أَوْ لَا. ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ حَبْسٍ وَوَقْفٍ. قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ": لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ فِيهِمَا، فَلَمْ يُمْلَكَا بِالِاسْتِيلَاءِ كَالْحُرِّ، وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ رِوَايَتَانِ: الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهَا كَوَقْفٍ. وَعَنْهُ: يَمْلِكُونَهُ إِنْ حَازُوهُ بِدَارِهِمْ، نَصَّ عَلَيْهِ، فِيمَا بَلَغَ بِهِ قُبْرُسَ رُدَّ إِلَى أَصْحَابِهِ لَيْسَ غَنِيمَةً، وَلَا يُؤْكَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحُوزُوهُ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَلَا إِلَى أَرْضٍ هُمْ أَغْلَبُ عَلَيْهَا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، أَثْبَتَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا) حَيْثُ قَالَ: إِذَا أَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَنَصَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ رَقِيقًا بِرِضَانَا بِالْبَيْعِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَكَأَخْذِ مُسْتَأْمَنٍ لَهُ بِدَارِنَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ غَصْبٍ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ الْقَصْوَاءِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَ نَاقَتَهُ، وَالْمُسْلِمُ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ قَبْلَ تَمَلُّكِ الْكُفَّارِ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَا. وَلِأَنَّهُ وَجَدَهَا غَيْرَ مَقْسُومَةٍ، وَلَا مُشْتَرَاةٍ، فَعَلَى هَذَا لِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ مَقْسُومًا، وَفِي الْعَدُوِّ إِذَا أَسْلَمَ. وَلَوْ أَحْرَزَهُ بِدَارِهِمْ، وَإِنْ جُهِلَ رَبُّهُ وُقِفَ كَاللُّقَطَةِ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " أَنَّهُ أَحَقُّ بِمَا لَمْ يَمْلِكُوهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِثَمَنِهِ لِئَلَّا يَنْتَقِضَ حُكْمُ الْقَاسِمِ. تَذْنِيبٌ: لَا يَمْلِكُ الْكُفَّارُ ذِمِّيًّا كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَيَلْزَمُ فِدَاؤُهُ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 وَمَا أُخِذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ رِكَازٍ أَوْ مُبَاحٍ لَهُ قِيمَةٌ فَهُوَ غَنِيمَةٌ. وَتُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَنْصُوصِ بِثَمَنِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ. وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ، فَوَجْهَانِ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: لَا يَرْجِعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَادَةُ الْأَسْرَى وَأَهْلُ الثَّغْرِ ذَلِكَ. فَيَشْتَرِيهِمْ لِيُخَلِّصَهُمْ، وَيَأْخُذُ مَا وُزِنَ لَا زِيَادَةَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: إِذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ عَادَ بَعْدَ حَوْلٍ أَوْ أَحْوَالٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا زَكَاةَ لِمَا مَضَى قَوْلًا وَاحِدًا، وَعَلَى الثَّانِي: فِيهِ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى الْمَالِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ. وَمِنْهَا: إِذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ أُخْتَانِ أَمَتَانِ، وَأَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا فَلَهُ وَطْءُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عن أختها. وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ حَتَّى تَحْرُمَ الْآبِقَةُ بِعِتْقٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَمِنْهَا: إِذَا أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكُفَّارُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأُولَى بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. وَمِنْهَا: إِذَا سَبَى الْكُفَّارُ أَمَةً مُزَوَّجَةً لِمُسْلِمٍ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُونَهَا، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ رَقَبَتَهَا وَمَنَافِعَهَا؛ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْفَعَةُ بُضْعِهَا؛ فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْكَافِرَةِ الْمَسْبِيَّةِ. وَمَنَعَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنِ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِالسَّبْيِ مُطْلَقًا. فَأَمَّا الْحُرَّةُ فَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِالسَّبْيِ، لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لَهَا بِهِ، فَلَا يَمْلِكُونَ بُضْعَهَا. وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مَا أَبَقَ أَوْ شَرَدَ إِلَيْهِمْ. وَعَلَى الثَّانِي: لِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ مَجَّانًا. [مَا أُخِذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ رِكَازٍ أَوْ مُبَاحٍ لَهُ قِيمَةٌ فَهُوَ غَنِيمَةٌ] (وَمَا أُخِذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ رِكَازٍ أَوْ مُبَاحٍ لَهُ قِيمَةٌ فَهُوَ غَنِيمَةٌ) لِأَنَّهُ مَالٌ حَصَلَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ قَهْرًا، فَكَانَ غَنِيمَةً كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ. وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا قَدَرَ عَلَى الرِّكَازِ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِقُوَّتِهِمْ بِخِلَافِ مَا إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ لَهُ بَعْدَ الْخُمُسِ. صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". وَقَوْلُهُ: مُبَاحٌ لَهُ قِيمَةٌ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، كَالصُّيُودِ وَالْخَشَبِ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى أَكْلِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ كَطَعَامِهِمْ، وَلَا يَرُدُّهُ. فَإِنْ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَيَجُوزُ قَسْمُهَا فِيهَا، وَهِيَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُبَاحُ لَا قِيمَةَ لَهُ فِي أَرْضِهِمْ كَالْمِسَنِّ وَالْأَقْلَامِ، فَلَهُ أَخْذُهُ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ. فَرْعٌ: إِذَا وَجَدَ لُقَطَةً فِي دَارِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ فَهِيَ غَنِيمَةٌ، وَإِنِ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ، عَرَّفَهَا حَوْلًا فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ جَعَلَهَا فِي الْغَنِيمَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. (وَتُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ) لِأَنَّهَا مَالٌ مُبَاحٌ فَمُلِكَتْ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ. يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُمْ فِي رَقِيقِهِمُ الَّذِينَ حَصَلُوا فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ وَلَحِقَ بِجَيْشِ الْمُسْلِمِينَ صَارَ حُرًّا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَ " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " بِاسْتِيلَاءٍ تَامٍّ لَا فِي فَوْرِ الْهَزِيمَةِ لِلَبْسِ الْأَمْرِ، هَلْ هُوَ حِيلَةٌ أَوْ ضَعْفٌ، وَفِي " الْبُلْغَةِ " كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِيلَاءِ وَإِزَالَةِ أَيْدِي الْكُفَّارِ عَنْهَا كَافٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " خِلَافِهِ ": لَا يُمْلَكُ بِدُونِ اخْتِيَارِ التَّمْلِيكَ. وَتَرَدَّدَ فِي الْمِلْكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ هَلْ هُوَ بَاقٍ لِلْكُفَّارِ، أَوْ أَنَّهُ انْقَطَعَ؛ وَلَهُ فَوَائِدُ. مِنْهَا: جَرَيَانُهُ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ، فَإِنْ كَانَتِ الْغَنِيمَةُ أَجْنَاسًا، لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهَا حَوْلٌ بِدُونِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا، فَوَجْهَانِ. وَمِنْهَا: لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الْغَانِمِينَ رَقِيقًا مِنَ الْمَغْنَمِ بَعْدَ ثُبُوتِ رِقِّهِ، أَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، عَتَقَ إِنْ كَانَ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ، فَكَمَنَ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي عَبْدٍ. وَمِنْهَا: لَوْ أَسْقَطَ الْغَانِمُ حَقَّهُ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَبَعْضُهُمْ بَنَاهُ عَلَى الْخِلَافِ، فَإِنْ قُلْنَا: تَمَلَّكُوهَا. لَمْ يَسْقُطْ، وَإِلَّا سَقَطَ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ " التَّرْغِيبِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُ يَسْقُطُ مُطْلَقًا لِضَعْفِ الْمِلْكِ، زَادَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَوْ مُفْلِسًا، وَفِي سَفِيهٍ وَجْهَانِ، وَيُرَدُّ عَلَى مَنْ بَقِيَ، وَإِنْ أَسْقَطَ الْكُلُّ حَقَّهُمْ صَارَتْ فَيْئًا. وَمِنْهَا: لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الْغَانِمِينَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: مَلَكُوهُ، لَمْ تُقْبَلْ، وَإِلَّا قُبِلَتْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي قَبُولِهَا نَظَرٌ. وَإِنْ قُلْنَا: لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 أَهْلِ الْقِتَالِ، قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ مَنْ تُجَّارِ الْعَسْكَرِ وَأُجَرَائِهِمُ الَّذِينَ يَسْتَعِدُّونَ لِلْقِتَالِ.   [المبدع في شرح المقنع] يَمْلِكُوا؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ تَجُرُّ نَفْعًا (وَيَجُوزُ قَسْمُهَا فِيهَا) فِي الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِمَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: «هَلْ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مِنَ الْغَنَائِمِ فِي الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ، وَقَسَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَنَائِمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَغَنَائِمَ حُنَيْنٍ بِأَوْطَاسَ» ، وَلِأَنَّهُمْ تَمَلَّكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ، فَجَازَ قَسْمُهَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ التَّامَّ هُوَ إِحْرَازُهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ. فَرْعٌ: إِذَا وَكَّلَ الْأَمِيرُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا لِنَفْسِهِ، فَإِنْ جَهِلَ وَكِيلُهُ، صَحَّ، وَإِلَّا حَرُمَ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ أَنَّ عُمَرَ رَدَّ مَا اشْتَرَاهُ ابْنُ عُمَرَ فِي قِصَّةِ جَلُولَاءَ لِلْمُحَابَاةِ (وَهِيَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ: حَدَّثَنَا الثِّقَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ. قَالَ: الْخَطِيبُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعُكَلِيُّ: الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُسَمِّهِ الشَّافِعِيُّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا (مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ) حَتَّى مَنْ مُنِعَ مِنْهُ لِرِيبَةٍ، أَوْ مَنَعَهُ الْأَبُ، وَمَنْ بَعَثَهُ الْأَمِيرُ لِمَصْلَحَةٍ كَرَسُولٍ، وَجَاسُوسٍ، وَمَنْ خَلَّفَهُ الْأَمِيرُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ، وَلَوْ لِمَرَضٍ، وَغَزَا، وَلَمْ يَمُرَّ بِهِمْ فَرَجَعُوا، نَصَّ عَلَيْهِ. (قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ مَنْ تُجَّارِ الْعَسْكَرِ) وَيَدْخُلُ فِيهِ الْخَيَّاطُ، وَالْخَبَّازُ، وَالْبَيْطَارُ، وَنَحْوُهُمْ (وَأُجَرَاؤُهُمُ الَّذِينَ يَسْتَعِدُّونَ لِلْقِتَالِ) وَمَعَهُمُ السِّلَاحُ، وَلِأَنَّهُ رِدْءٌ لِلْمُقَاتِلِ بِاسْتِعْدَادِهِ، أَشْبَهَ الْمُقَاتِلَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلْقِتَالِ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُمْ، إِذْ لَا نَفْعَ فِي حُضُورِهِمْ كَالْمُخَذِّلِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُسْهِمُ لِأَمِيرِ الْخِدْمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إِذَا قَصَدَ الْجِهَادَ. وَحَمَلَ الْمَجْدُ «إِسْهَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَلَمَةَ، وَكَانَ أَجِيرًا لِطَلْحَةَ» . - رَوَاهُ مُسْلِمٌ - عَلَى أَجِيرٍ قَصَدَ مَعَ الْخِدْمَةِ الْجِهَادَ. وَفِي " الْمُوجَزِ " هَلْ يُسْهِمُ لِتُجَّارِ عَسْكَرٍ وَأَهْلِ سُوقِهِ وَمُسْتَأْجَرٍ مَعَ جُنْدِيٍّ كَرِكَابِيٍّ، وَسَائِسٍ أَمْ يَرْضَخُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 فَأَمَّا الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنِ الْقِتَالِ، وَالْمُخَذِّلُ وَالْمُرْجِفُ، وَالْفَرَسُ الضَّعِيفُ الْعَجِيفُ فَلَا حَقَّ لَهُ وَإِذَا لَحِقَ مَدَدٌ، أَوْ هَرَبَ أَسِيرٌ، فَأَدْرَكُوا الْحَرْبَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا، أَسْهَمَ لَهُمْ، وَإِنْ جَاءُوا بَعْدَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ. وَإِذَا أَرَادَ الْقِسْمَةَ، بَدَأَ   [المبدع في شرح المقنع] (فَأَمَّا الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنِ الْقِتَالِ) أَيْ: لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ كَالْعَبْدِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَرَضَ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْقِتَالِ، كَالْحُمَّى وَالصُّدَاعِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ سَهْمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، وَيُعِينُ بِرَأْيِهِ وَتَكْثِيرِهِ وَدُعَائِهِ. (وَالْمُخَذِّلُ وَالْمُرْجِفُ) وَلَوْ قَاتَلَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا. (وَالْفَرَسُ الضَّعِيفُ الْعَجِيفُ فَلَا حَقَّ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الْوَقْعَةَ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَمْلِكُ مَنْعَهُ، فَلَمْ يُسْهِمْ لَهُ كَالْمُخَذِّلِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُسْهِمُ لَهُ كَالْمَرِيضِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، وَحُكْمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ إِذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا. وَمَنْهِيٌّ عَنْ حُضُورِهِ كَذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ: أَوْ بِلَا إِذْنِهِ، وَلَا يَرْضَخُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ، وَكَذَا مَنْ هَرَبَ مِنِ اثْنَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " بِخِلَافِ غَرِيمٍ. (وَإِذَا لَحِقَ مَدَدٌ) هُوَ مَا أَمْدَدْتَ بِهِ قَوْمًا فِي الْحَرْبِ (أَوْ هَرَبَ أَسِيرٌ) أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ، أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ (فَأَدْرَكُوا الْحَرْبَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا أَسْهَمَ لَهُمْ) لِقَوْلِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُمْ شَارَكُوا الْغَانِمِينَ فِي السَّبَبِ، فَشَارَكُوهُمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَرْبِ، وَكَذَا إِذَا صَارَ رَجُلٌ فَارِسًا، وَعَكْسُهُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسْهِمُ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا (وَإِنْ جَاءُوا بَعْدَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) قَالَ الْخِرَقِيُّ: لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ تَمَامُ الِاسْتِيلَاءِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَمْلِكُ الْغَنِيمَةَ بِانْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَإِنْ لَمْ يُحْرِزْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَأَصْحَابَهُ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ فَتَحَهَا فَقَالَ أَبَانُ: اقْسِمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: اجْلِسْ يَا أَبَانُ، وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا الْوَقْعَةَ، كَمَا لَوْ أَدْرَكُوا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَلَوْ لَحِقَهُمْ عَدُوٌّ، وَقَاتَلَ الْمَدَدُ مَعَهُمْ حَتَّى سَلَّمُوا الْغَنِيمَةَ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا قَاتَلُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 بِالْأَسْلَابِ، فَدَفَعَهَا إِلَى أَهْلِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَ أُجْرَةَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنِيمَةَ، وَحَمَلُوهَا وَحَفِظُوهَا، ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِيَ، فَيَقْسِمُ خُمُسَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ. وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو   [المبدع في شرح المقنع] عَنْ أَصْحَابِهَا؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَحَوْزَهَا. نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. [كَيْفَ يُقَسِّمُ الْإِمَامُ الْأَسْلَابَ] (وَإِذَا أَرَادَ الْقِسْمَةَ، بَدَأَ بِالْأَسْلَابِ، فَدَفَعَهَا إِلَى أَهْلِهَا) لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّهَا غَيْرَ مَخْمُوسَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَالٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، دُفِعَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَيِّنٌ. (ثُمَّ أَخْرَجَ) مِنَ الْبَاقِي (أُجْرَةَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنِيمَةَ وَحَمَلُوهَا وَحَفِظُوهَا) . قَالَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْغَنِيمَةِ، وَإِعْطَاءُ جُعْلِ مَنْ دَلَّهُ عَلَى مَصْلَحَةٍ كَطَرِيقٍ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِيَ) . هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِحُضُورِ الْوَقْعَةِ، أَشْبَهَ سِهَامَ الْغَانِمِينَ. وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الرَّضْخَ عَلَيْهِ (فَيُقَسِّمُ خُمُسُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَمُقْتَضَاهَا أَنْ يُقَسَّمَ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ سَهْمَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَرَسُولَهُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] وَأَنَّ الْجِهَةَ جِهَةُ مَصْلَحَةٍ (سَهْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى) وَذَكَرَ اسْمَهُ لِلتَّبَرُّكِ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ لَهُ (وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ لِي مِنَ الْفَيْءِ إِلَّا الْخُمُسُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلَا يَكُونُ مَرْدُودًا عَلَيْنَا إِلَّا إِذَا صُرِفَ فِي مَصَالِحِنَا. وَفِي " الِانْتِصَارِ ": هُوَ لِمَنْ يَلِي الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ، وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو الطُّفَيْلِ قَالَ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً فَهِيَ لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنْهُ: فِي أَهْلِ الدِّيوَانِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَحَقَّهُ لِحُصُولِ النُّصْرَةِ، فَيَكُونُ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهَا، وَعَنْهُ: فِي الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعَنْهُ: سَقَطَ بِمَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَيُرَدُّ عَلَى الْأَنْصِبَاءِ الْبَاقِيَةِ مِنَ الْخُمُسِ، لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ، وَقِيلَ: يُرَدُّ عَلَى الْغَانِمِينَ كَالتَّرِكَةِ إِذَا أُخْرِجَ مِنْهَا وَصِيَّةٌ ثُمَّ بَطَلَتْ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 الْمُطَّلِبِ حَيْثُ كَانُوا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، وَسَهْمٌ   [المبدع في شرح المقنع] التَّرِكَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاقٍ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَصْنَعُ بِهَذَا السَّهْمِ مَا شَاءَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي ". فَائِدَةٌ: كَانَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنَ الْمَغْنَمِ الصَّفِيُّ، وَهُوَ شَيْءٌ يَخْتَارُهُ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَجَارِيَةٍ وَعَبْدٍ وَثَوْبٍ، وَسَيْفٍ، وَنَحْوِهِ، وَانْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ بَاقٍ لِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ، وَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ سَهْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى) لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ سَهْمَهُمْ فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَهُوَ ثَابِتٌ بَعْدَ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَنْقَطِعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَاسِخٌ وَلَا مُغَيِّرٌ (وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) ابْنَا عَبْدِ مَنَافٍ، لِمَا رَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ: «قَسَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَقَالَ: إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ «لَمْ يُفَارِقُوا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ. فَرَعَى لَهُمْ نُصْرَتَهُمْ وَمُوَافَقَتَهُمْ لِبَنِي هَاشِمٍ. وَلَا يَسْتَحِقُّ مَنْ كَانَتْ أُمُّهُ معهُمْ، وَأَبُوهُ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَدْفَعْ إِلَى أَقَارِبِ أُمِّهِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، وَلَا إِلَى بَنِي عَمَّاتِهِ كَالزُّبَيْرِ. وَيُفَرَّقُ عَلَيْهِمْ (حَيْثُ كَانُوا) لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ لَهُمْ حَيْثُ كَانُوا حَسَبَ الْإِمْكَانِ كَالتَّرِكَةِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] هَذه رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ مَالٌ اسْتُحِقَّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ، فَفُضِّلَ فِيهِ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى كَالْمِيرَاثِ. وَعَنْهُ: يُسَاوِي بَيْنَهُمَا. قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُمْ أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ فَاسْتَوَوْا فِيهِ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَةِ فُلَانٍ، وَأَطْلَقَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ، وَيُسَوِّي بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ بِلَا خِلَافٍ. (غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 لِلْيَتَامَى الْفُقَرَاءِ، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ يُعْطِي النَّفْلَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَرْضَخُ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ وَهُمُ الْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ،   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَخُصَّ فُقَرَاءَ قَرَابَتِهِ، بَلْ أَعْطَى الْغَنِيَّ، كَالْعَبَّاسِ وَغَيْرَهُ، مَعَ أَنَّ شَرْطَ الْفَقْرِ يُنَافِي ظَاهِرَ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْقَرَابَةِ، فَاسْتَوَيَا فِيهِ كَالْمِيرَاثِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: يَخْتَصُّ بِفُقَرَائِهِمْ كَبَقِيَّةِ السِّهَامِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ عُثْمَانَ وَجُبَيْرًا لَمَّا سَأَلَاهُ سَهْمَهُمَا بِيَسَارِهِمَا وَانْتِفَاءِ فَقْرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ صُرِفَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، لِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَظَاهِرُهُ لَا شَيْءَ لِمَوَالِيهِمْ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْهُمْ. (وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى) وَهُمْ مَنْ لَا أَبَ لَهُ، وَلَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ، لِقَوْلِهِ: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» . (الْفُقَرَاءِ) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْيُتْمِ فِي الْعُرْفِ الرَّحْمَة، وَمَنْ أُعْطِيَ لِذَلِكَ، اعْتُبِرَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ، مَعَ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَالَ: لَا أَعْلَمُ هَذَا نَصًّا عَنْ أَحَدٍ. وَقِيلَ: وَالْغَنِيُّ أَيْضًا لِعُمُومِ الْآيَةِ. (وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ) وَهُمْ أَهْلُ الْحَاجَةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِمُ الْفُقَرَاءُ لِأَنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ. (وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قُيِّدَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ عَطِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ فَلَمْ يَكُنْ لِكَافِرٍ فِيهَا حَقٌّ كَالزَّكَاةِ، وَيُعْطَى هَؤُلَاءِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ. وَفِي " الْوَاضِحِ " يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعُمُّ بِسِهَامِ مَنْ ذُكِرَ جَمِيعَ الْبِلَادِ، فَيَبْعَثُ الْإِمَامُ عُمَّالَهُ فِي الْأَقَالِيمِ. وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ. فَعَلَى هَذَا يُفَرِّقُهُ كُلُّ سُلْطَانٍ فِيمَا أَمْكَنَ مِنْ بِلَادِهِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": يَكْفِي وَاحِدٌ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، وَذَوِي الْقُرْبَى إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِعْطَاءَ الْإِمَامِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ لِلْمَصْلَحَةِ كَزَكَاةٍ. وَأَنَّ الْخُمُسَ وَالْفَيْءَ وَاحِدٌ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ (ثُمَّ يُعْطَى النَّفْلُ) وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى السَّهْمِ لِلْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَنْفَرِدُ بِهِ بَعْضُ الْغَانِمِينَ، فَقُدِّمَ عَلَى الْقِسْمَةِ كَالْأَسْلَابِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ: بَعْدَ الْخُمُسِ، لِمَا رَوَى مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ مَرْفُوعًا «لَا نَفْلَ إِلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ اسْتُحِقَّ بِالتَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ، فَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 وَفِي الْكَافِرِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَرْضَخُ لَهُ، وَالْأُخْرَى: يُسْهِمُ لَهُ وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ. (وَيَرْضَخُ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِحُضُورِ الْوَقْعَةِ، فَكَانَ بَعْدَ الْخُمُسِ كَسِهَامِ الْغَانِمِينَ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ لِلْمُعَاوَنَةِ فِي تَحْصِيلِ الْغَنِيمَةِ، أَشْبَهَ أُجْرَةَ الْحَمْلِ، وَقِيلَ: مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ (وَهُمُ الْعَبِيدُ) لِمَا رَوَى عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِي اللَّحْمَ قَالَ: «شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي، فَكَلَّمُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيَّ، فَأُخْبِرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ، فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنَ الْمَتَاعِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَلِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْقِتَالِ كَالصَّبِيِّ. فَرْعٌ: الْمُدَبَّرُ وَالْمَكَاتَبُ كَالْقِنِّ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، فَبِحِسَابِهِ (وَالنِّسَاءُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْمَرْأَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّاوِيَ سَمَّى الرَّضْخَ سَهْمًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهَا فِي شَيْءٍ خَاصٍّ لَا مُطْلَقًا، وَالْخُنْثَى كَامْرَأَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْسَمَ لَهُ نِصْفُ سَهْمٍ، وَنِصْفُ رَضْخٍ، كَالْمِيرَاثِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " (وَالصِّبْيَانُ) لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ الصِّبْيَانُ يُحْذَوْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ إِذَا حَضَرُوا الْغَزْوَ، وَالْمُرَادُ: إِذَا كَانَ مُمَيِّزًا، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ كَالْعَبْدِ، وَقِيلَ: مُرَاهِقًا. (وَفِي الْكَافِرِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَرْضَخُ لَهُ) قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، فَرَضَخَ لَهُ كَالْعَبْدِ. (وَالْأُخْرَى: يُسْهَمُ لَهُ) كَمُسْلِمٍ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَالْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " وَنَصَرَهَا فِي " الْمُغْنِي " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 لِلرَّاجِلِ سَهْمَ رَاجِلٍ، وَلَا لِلْفَارِسِ سَهْمَ فَارِسٍ، فَإِنَّ تَغَيَّرَ حَالُهُمْ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ أَسْهَمَ لَهُمْ، وَإِذَا غَزَا الْعَبْدُ عَلَى فَرَسٍ لِسَيِّدِهِ، قَسَمَ لِلْفَرَسِ، وَرَضَخَ لِلْعَبْدِ. ثُمَّ يُقَسِّمُ بَاقِيَ الْغَنِيمَةِ لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَرَسُهُ هَجِينًا، أَوْ بِرْذَوْنًا، فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ، وَعَنْهُ: لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الشَّرْحِ " (وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلرَّاجِلِ سَهْمَ رَاجِلٍ، وَلَا لِلْفَارِسِ سَهْمَ فَارِسٍ) لِأَنَّ السَّهْمَ أَكْمَلُ مِنَ الرَّضْخِ فَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ إِلَيْهِ كَمَا لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ الْحَدَّ، وَلَا بِالْحُكُومَةِ دِيَةَ الْعُضْوِ، وَيُقَسِّمُ الْإِمَامُ الرَّضْخَ عَلَى مَا يَرَاهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ مِنْ تَفْضِيلٍ، وَتَسْوِيَةٍ، وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِيهِ كَأَهْلِ السُّهْمَانِ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، غَيْرَ مَوْكُولٍ إِلَى الجِهَادِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ كَالْحُدُودِ بِخِلَافِ الرَّضْخِ. (فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُمْ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ) بِأَنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ. (أَسْهَمَ لَهُمْ) لِقَوْلِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُمْ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، فَأَسْهَمَ لَهُمْ كَغَيْرِهِمْ (وَإِنْ غَزَا الْعَبْدُ عَلَى فَرَسٍ لِسَيِّدِهِ، قَسَمَ لِلْفَرَسِ) سَهْمَانِ كَفَرَسِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ فَرَسٌ حَضَرَ الْوَقْعَةَ، وَقُوتِلَ عَلَيْهِ، فَأَسْهَمَ لَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ السَّيِّدُ رَاكِبَهُ. وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ سَيِّدِهِ فَرَسَانِ. (وَرَضَخَ لِلْعَبْدِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُمَا لِمَالِكِهِمَا، وَيُعَايَا بِهَا، فَيُقَالُ: يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ وَالرَّضْخَ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْقِتَالَ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا غَزَا عَلَى فَرَسٍ، أَوِ الْمَرْأَةَ، أَوِ الْكَافِرَ. وَقُلْنَا: لَا سَهْمَ لَهُ، لَمْ يُسْهِمْ لِلْفَرَسِ، بَلْ يَرْضَخُ لَهُ وَلِفَرَسِهِ مَا لَا يَبْلُغُ سَهْمَ الْفَارِسِ، بِخِلَافِ الْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ إِذَا غَزَا عَلَى فَرَسٍ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا لِفَرَسِهِ. . [نَصِيبُ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ] (ثُمَّ يُقَسِّمُ بَاقِيَ الْغَنِيمَةِ) لِأَنَّهُ يُقَالُ: لَمَّا جَعَلَ لِنَفْسِهِ الْخُمُسَ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ أَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِلْغَانِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهَا إِلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْأَبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَدَّمَ أَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ عَلَى قَسْمِ الْخُمُسِ، لِأَنَّهُمْ حَاضِرُوهُ، وَلِأَنَّ رُجُوعَ الْغَانِمِينَ إِلَى أَوْطَانِهِمْ يَقِفُ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَأَهْلُ الْخُمُسِ فِي أَوْطَانِهِمْ. (لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْفَارِسُ مِنَ الْكُلْفَةِ (وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ) فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٌ لَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» (إِلَّا أَنْ تَكُونَ فَرَسُهُ هَجِينًا) وَهُوَ مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 سَهْمَانِ كَالْعَرَبِيِّ وَلَا يُسْهِمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ، وَلَا يُسْهِمُ لِغَيْرِ الْخَيْلِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ قُسِمَ لَهُ وَلِبَعِيرِهِ سَهْمَانِ وَمَنْ دَخَلَ   [المبدع في شرح المقنع] أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ، وَعَكَسَهُ الْمُقْرِفُ (أَوْ بِرْذَوْنًا) وَيُسَمَّى الْعَتِيقَ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نَبَطِيَّانِ عَكْسَ الْعَرَبِيِّ (فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ) قَالَ الْخَلَّالُ: تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِمَا رَوَى مَكْحُولٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْفَرَسَ العربي سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى لِلْهَجِينِ سَهْمًا» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي " الْمَرَاسِيلِ " وَرُوِيَ مَوْصُولًا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ، وَلِأَنَّ نَفْعَ الْعُرَابِ وَأَثَرَهُ فِي الْحَرْبِ أَفْضَلُ، فَيَكُونُ سَهْمُهُ أَرْجَحَ كَتَفَاضُلِ مَنْ يَرْضَخُ لَهُ. (وَعَنْهُ: لَهُ سَهْمَانِ كَالْعَرَبِيِّ) اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ فَرَسٍ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو سَهْمٍ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْعَرَبِيُّ وَغَيْرُهُ كَالْآدَمِيِّ، وَعَنْهُ: إِنْ أَدْرَكَتْ إِدْرَاكَ الْعُرَابِ أَسْهَمَ لَهَا كَالْعَرَبِيِّ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَعَنْهُ: لَا يُسْهِمُ لَهَا، حَكَاهَا الْقَاضِي، وَقَالَهُ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ لَهَا عَلَى الْعُرَابِ، أَشْبَهَتِ الْبِغَالَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا - وَإِنْ دَخَلَتْ فِي مُسَمَّى الْخَيْلِ - فَهِيَ تَتَفَاضَلُ فِي أَنْفُسِهَا، فَكَذَا فِي سُهْمَانِهَا، وَقَوْلُهُ: أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ. قَضِيَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا، مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ لَيْسَ فِيهَا بِرْذَوْنٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِقِلَّتِهَا عِنْدَ الْعَرَبِ. (وَلَا يُسْهِمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ، وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِلرَّجُلِ فَوْقَ فَرَسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَفْرَاسٍ» . وَلِأَنَّ بِهِ حَاجَةً إِلَى الثَّانِي، بِخِلَافِ الثَّالِثِ، فَإِنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ. وَفِي " التَّبْصِرَةِ " يُسْهِمُ لِثَلَاثَةٍ (وَلَا يُسْهِمُ لِغَيْرِ الْخَيْلِ) مِنَ الْبِغَالِ وَالْفِيلِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ غَيْرَ الْخَيْلِ لَا يَلْحَقُ بِهَا فِي التَّأْثِيرِ فِي الْحَرْبِ، وَلَا تَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ، فَلَمْ يَلْحَقْ بِهَا فِي السَّهْمِ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ، قُسِمَ لَهُ وَلِبَعِيرِهِ سَهْمَانِ) نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلْبَعِيرِ مَعَ إِمْكَانِ الْغَزْوِ عَلَى فَرَسٍ. وَلَكِنْ نَصَّ فِي رِوَايَةٍ مهَنا أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 دَارَ الْحَرْبِ رَاجِلًا، ثُمَّ مَلَكَ فَرَسًا أَوِ اسْتَعَارَهُ، أَوِ اسْتَأْجَرَهُ وَشَهِدَ بِهِ الْوَقْعَةَ، فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ. وَإِنْ دَخَلَ فَارِسًا، فَنَفَقَ فَرَسُهُ، أَوْ شَرَدَ حَتَّى تَقَضَّى الْحَرْبُ، فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ، وَمَنْ غَصَبَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ، فَسَهْمُ الْفَرَسِ لِمَالِكِهِ وَإِذَا   [المبدع في شرح المقنع] يُسْهَمُ لِلْبَعِيرِ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ سَابَقَ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ، فَجَازَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ، كَالْخَيْلِ. فَعَلَى هَذَا: يُسْهَمُ لَهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِي الْخَيْلَ قَطْعًا فَاقْتَضَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ كَفَرَسٍ. وَبِهِ قَطَعَ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ". وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلْحَمْلِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " لِلْفِيلِ سَهْمُ الْهَجِينِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي قَدْرِهِ. وَغَلَّطَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِغَيْرِ الْخَيْلِ» ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ سَبْعُونَ بَعِيرًا، وَلَمْ تَخْلُ غَزْوَةٌ مِنْهَا، وَلَوْ أَسْهَمَ لَهَا لَنُقِلَ. فَرْعٌ: إِذَا غَزَا عَلَى فَرَسٍ لَهُمَا هَذَا عَقَبَةٌ، وَهَذَا عَقَبَةٌ، وَالسَّهْمُ لَهُمَا، فَلَا بَأْسَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ غَزَا عَلَى فَرَسٍ حَبِيسٍ، اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ رَاجِلًا، ثُمَّ مَلَكَ فَرَسًا، أَوِ اسْتَعَارَهُ، أَوِ اسْتَأْجَرَهُ، وَشَهِدَ بِهِ الْوَقْعَةَ، فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِاسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْفَرَسِ أَنْ يَشْهَدَ به الْوَقْعَةَ، لَا حَالَةَ دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّ الْفَرَسَ حَيَوَانٌ يُسْهَمُ لَهُ، فَاعْتُبِرَ وُجُودُهُ حَالَةَ الْقِتَالِ كَالْآدَمِيِّ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مِلْكُ الْفَرَسِ؛ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ مِلْكُ مَنْفَعَتِهَا؛ لِأَنَّ السَّهْمَ لِنَفْعِ الْفَرَسِ لَا لِذَاتِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلضَّعِيفِ وَالزَّمِنِ وَنَحْوِهِ. وَسَهْمُ الْفَرَسِ فِي الْإِجَارَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِنَفْعِهِ اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا أَشْبَهَ الْمَالِكَ، وَكَذَا هُوَ لِلْمُسْتَعِيرِ، وَعَنْهُ: هُوَ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهِ أَشْبَهَ وَلَدَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ مِمَّنْ لَا يُسْهَمُ لَهُ، إِمَّا لِكَوْنِهِ لَا شَيْءَ لَهُ كَالْمُخَذِّلِ أَوْ مِمَّنْ يُرْضَخُ لَهُ كَالصَّبِيِّ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ فَرَسِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". (وَإِنْ دَخَلَ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ) أَيْ: مَاتَ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا. (أَوْ شَرَدَ حَتَّى تَقَضَّى الْحَرْبُ، فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ) كَمَا ذَكَرْنَا (وَمَنْ غَصَبَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ فَسَهْمُ الْفَرَسِ لِمَالِكِهِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ، لَمْ يَجُزْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَيَجُوزُ فِي الْأُخْرَى. وَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِلْجِهَادِ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْأُجْرَةُ. وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ سَهْمِ الْفَرَسِ مُرَتَّبٌ عَلَى نَفْعِهِ، وَهُوَ لِمَالِكِهِ، فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مِمَّنْ لَا سَهْمَ لَهُ، إِمَّا مُطْلَقًا كَالْمُرْجِفِ أَوْ يُرْضَخُ لَهُ كَالْعَبْدِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْفَرَسِ حُكْمَهُ؛ لِأَنَّ الْفَرَسَ يَتْبَعُ الْفَارِسَ فِي حُكْمِهِ فَيَتْبَعُهُ إِذَا كَانَ مَغْصُوبًا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَهْمُ الْفَرَسِ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ رَاكِبِهِ فَيَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِهِ. ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". (وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ؛ لَمْ يَجُزْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا يُقَسِّمُونَ الْغَنَائِمَ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى اشْتِغَالِهِمْ بِالنَّهْبِ عَنِ الْقِتَالِ، وَظَفَرِ الْعَدُوِّ بِهِمْ، وَلِأَنَّ الْغُزَاةَ اشْتَرَكُوا فِي الْغَنِيمَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّسْوِيَةِ، فَيَجِبُ كَسَائِرِ الشُّرَكَاءِ؛ وَحِينَئِذٍ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ أَخَذَهُ. (وَيَجُوزُ فِي الْأُخْرَى) أَمَّا أَوَّلًا، فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يوم بَدْرٍ: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» وَرُدَّ بِأَنَّ قَضِيَّةَ بَدْرٍ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِيهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] الْآيَةَ، وَأَمَا ثَانِيًا - وَهِيَ الْأَصَحُّ -: إِذَا كَانَ التَّفْضِيلُ لِمَعْنًى فِيهِ، فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ وَيُعْطِيَ السَّلَبَ، فَجَازَ لَهُ التَّفْضِيلُ قِيَاسًا عَلَيْهِمَا. [مَنِ اسْتُؤْجِرَ لِلْجِهَادِ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْأُجْرَةُ] (وَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِلْجِهَادِ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْأُجْرَةُ) . وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ غَزْوَهُ بِعِوَضٍ فَكَأَنَّهُ وَاقِعٌ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَ مَا ذُكِرَ. وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ إِجَارَتِهِمْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ بِحُضُورِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ، فَصَحَّتْ كَغَيْرِهِ مِنَ الْعَمَلِ، وَالْأَشْهُرِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ كَالصَّلَاةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ يَلْزَمُهُ كَالرَّجُلِ الْحُرِّ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ عَلَيْهِ كَالْحَجِّ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَلَى صِحَّتِهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 الْحَرْبِ فَسَهْمُهُ لِوَارِثِهِ، وَيُشَارِكُ الْجَيْشُ سَرَايَاهُ فِيمَا غَنِمَتْ، وَيُشَارِكُونَهُ فِيمَا   [المبدع في شرح المقنع] قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، لِمَا رَوَى جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَثَلُ الَّذِينَ يَغْزُونَ مِنْ أُمَّتِي وَيَأْخُذُونَ الْجُعْلَ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، مَثَلُ أُمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَتَأْخُذُ أَجْرَهُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ، بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنَ الْكَافِرِ، فَصَحَّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، كَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَمُقْتَضَى اخْتِيَارِ الشَّيْخَيْنِ صِحَّةُ الِاسْتِئْجَارِ، وَإِنْ لَزِمَهُ إِلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ، فَلَا يَصِحُّ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْمُؤَلِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ، فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ السَّهْمَ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهَا، فَهَلْ يُسْهَمُ لَهُ؛ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا - وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ -: لَا سَهْمَ لَهُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَجِيرِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ مَا أَجِدُ لَهُ فِي غَزْوَتِهِ هَذِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا دَنَانِيرَهُ الَّتِي سَمَّى.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ - أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَ الْوَقْعَةَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، فَيُسْهَمُ لَهُ، كَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا اسْتُؤْجِرَ بَعْدَ أَنْ غَنِمُوا عَلَى حِفْظِهَا فَلَهُ الْأُجْرَةُ مَعَ سَهْمِهِ، وَلَا يَرْكَبُ مِنْهَا دَابَّةً إِلَّا بِشَرْطٍ، وَمِثْلُهُ الْغُزَاةُ الَّذِينَ يُدْفَعُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْفَيْءِ أَيْ: لَهُمُ السَّهْمُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ، لَا أَنَّهُ عِوَضٌ عَنِ الْغَزْوِ، فَكَذَا مَنْ يُعْطَى لَهُ مِنْ صَدَقَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُعْطَاهُ مَعُونَةً، لَا عِوَضًا أَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ مَا يُعِينُهُ بِهِ، فَلَزِمَهُ الثَّوَابُ. [مَنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَسَهْمُهُ لِوَارِثِهِ] (وَمَنْ مَاتَ) أَوْ ذَهَبَ (بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، فَسَهْمُهُ لِوَارِثِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ مُلِكَتْ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، فَكَانَ سَهْمُهُ لِوَارِثِهِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» وَتَقَدَّمَ قَوْلُ: إِنَّهَا لَا تُمْلَكُ إِلَّا بِالْحِيَازَةِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ التَّغْيِيرُ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. (وَيُشَارِكُ الْجَيْشُ سَرَايَاهُ فِيمَا غَنِمَتْ وَيُشَارِكُونَهُ فِيمَا غَنِمَ) أَيُّهُمَا غَنِمَ شَارَكَ الْآخَرَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 غَنِمَ، وَإِذَا قُسِّمَتِ الْغَنِيمَةُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَتَبَايَعُوهَا، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ، فَهِيَ مِنْ مَالَ الْمُشْتَرِي فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحَبُهُ، وَالْأُخْرَى مَنْ مَالِ الْبَائِعِ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ. وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنَ الْمَغْنَمِ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ لِوَلَدِهِ؛ أُدِّبَ، وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ الْحَدَّ، وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا إِلَّا أَنْ تَلِدَ مِنْهُ،   [المبدع في شرح المقنع] نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا غَزَا هَوَازِنَ بَعَثَ سَرِيَّةً مِنَ الْجَيْشِ قِبَلَ أَوْطَاسَ، فَغَنِمَتْ، فَشَارَكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجَيْشِ» ، وَلِأَنَّ الْجَمِيعَ جَيْشٌ وَاحِدٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا رِدْءٌ لِصَاحِبِهِ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بَعْضُهُمْ بِالْغَنِيمَةِ كَأَحَدِ جَانِبَيِ الْجَيْشِ، وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ بَعْدَ النَّفْلِ، فَلَوْ كَانَ الْأَمِيرُ مُقِيمًا بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ، وَبَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا، انْفَرَدَتْ بِغَنِيمَتِهَا لِانْفِرَادِهَا بِالْغَزْوِ، وَالْمُقِيمُ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِمُجَاهِدٍ. (وَإِذَا قُسِّمَتْ الغنيمة فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَتَبَايَعُوهَا، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ، فَهِيَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ (اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ) وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " وَهِيَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْبُوضٌ أُبِيحَ لِمُشْتَرِيهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ، فَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ، وَأَحْرَزَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ (وَالْأُخْرَى مِنْ مَالِ الْبَائِعِ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ) لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ قَبْضَهُ، لِكَوْنِهِ فِي خَطَرِ قَهْرِ الْعَدُوِّ، كَالثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ إِذَا بَلَغَتْ قَبْلَ الْجِذَاذِ؛ فَعَلَيْهَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَيُرَدُّ الثَّمَنُ إِلَى الْمُشْتَرِي مِنَ الْغَنِيمَةِ إِنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ، أَوْ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ؛ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنَ الْمُشْتَرِي، سَقَطَ عَنْهُ. وَمَحِلُّهُ إِذَا لَمْ يُفَرِّطِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ لِتَفْرِيطٍ حَصَلَ مِنْهُ، كَخُرُوجِهِ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَنَحْوِهِ فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْغَانِمِينَ بَيْعُ مَا حَصَلَ لَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ. وَفِي " الْبُلْغَةِ " رِوَايَةٌ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهَا فيها، وَأَمَّا الْأَمِيرُ فَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِلْغَانِمِينَ، وَلِغَيْرِهِمْ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ ثَابِتَةٌ لَهُ عَلَيْهَا. [إِذَا وَطِئَ جَارِيَةً مِنَ الْمَغْنَمِ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ أُدِّبَ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ] (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنَ الْمَغْنَمِ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ لِوَلَدِهِ، أُدِّبَ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ، لِكَوْنِهِ فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ. (وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ الْحَدَّ) لِأَنَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ مِلْكًا أَوْ شُبْهَةَ مِلْكٍ فَيُدْرَأُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَتَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ. وَمَنْ أَعْتَقَ مِنْهُمْ عَبْدًا، عَتَقَ عَلَيْهِ قَدْرُ حَقِّهِ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ. وَالْغَالُّ مِنَ الْغَنِيمَةِ يُحْرَقُ رَحْلُهُ كُلُّهُ إِلَّا السِّلَاحَ وَالْمُصْحَفَ وَالْحَيَوَانَ؛   [المبدع في شرح المقنع] عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ (وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ، أَشْبَهَ وَطْءَ أَمَةِ الْغَيْرِ؛ وَحِينَئِذٍ فَيُطْرَحُ فِي الْمَغْنَمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَسْقُطُ عَنْهُ مِنَ الْمَهْرِ قَدْرَ حِصَّتِهِ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِقْدَارُ حَقِّهِ يَعْسُرُ الْعِلْمُ بِهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِوَضْعِ الْمَهْرِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَيَعُودُ إِلَيْهِ حَقُّهُ. لَمْ يُعْتَبَرِ الْإِسْقَاطُ (إِلَّا أَنْ تَلِدَ مِنْهُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا) لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَى الْغَانِمِينَ؛ فَلَزِمَهُ قِيمَتُهَا كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا، وَحِينَئِذٍ تُطْرَحُ فِي الْغَنِيمَةِ. فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَسَبُ قَدْرُ حِصَّتِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَبَاقِيهَا رَقِيقٌ لِلْغَانِمِينَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالسِّرَايَةِ إِلَى مُلْكِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَسْرِ فِي حَقِّ الْمُعْسِرِ كَالْإِعْتَاقِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ اسْتِيلَادٌ صَيَّرَ بَعْضَهَا أُمَّ وَلَدٍ، فَيَجْعَلُ جَمِيعَهَا كَذَلِكَ، كَاسْتِيلَادِ جَارِيَةِ ابْنِهِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الْعِتْقِ، لِكَوْنِهِ فِعْلًا، وَيَنْفُذُ مِنَ الْمَجْنُونِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا حِينَ عَلِقَتْ فَلَمْ يَثْبُتْ لِلْغَانِمِينَ فِيهِ مُلْكٌ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ حِينَ وَضْعِهِ تُطْرَحُ فِي الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ، أَشْبَهَ وَلَدَ الْمَغْرُورِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا صَارَ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ يَكُونُ الْوَلَدُ كُلُّهُ حُرًّا، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِهِ. (وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، كَجَارِيَةِ ابْنِهِ (وَالْوَلَدُ حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ فِي مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ (ثَابِتُ النَّسَبِ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ فَيَلْحَقُ فِيهِ النَّسَبُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ هَلْ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ، أَوْ بِالنَّزْعِ، وَهُوَ تَمَامُهُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَمَّ وَهِيَ مِلْكٌ لَهُ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. (وَمَنْ أَعْتَقَ مِنْهُمْ عَبْدًا، عَتَقَ عَلَيْهِ قَدْرُ حَقِّهِ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْغَانِمَ إِذَا أَعْتَقَ رَقِيقًا مِنَ الْمَغْنَمِ، أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، عَتَقَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ عَلَيْهِ فِي شِرْكَةِ الْغَانِمِينَ بِاسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْهِ. أَشْبَهَ الْمَمْلُوكَ بِالْإِرْثِ، فَيُعْتَقُ جَمِيعُهُ إِنْ كَانَ حَقُّهُ مِنْهَا لَا يَنْقُصُ، أَوْ بِقَدْرِ حَقِّهِ إِنْ نَقَصَ، ثُمَّ الزَّائِدُ عَلَى حَقِّهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ وَضَمِنَهُ؛ وَإِلَّا بَقِيَ رَقِيقًا بِحَالِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ غَيْرُهُ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَعِنْدِي إِنْ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا، فَكَالْمَنْصُوصِ، وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا فَكَقَوْلِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَصِيرُ كَالْحُرِّ الْمُشَاعِ، وَفِي الْأَجْنَاسِ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَقُّهُ فِي شَيْءٍ بَعِيدٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْغَانِمِينَ مُشَاعٌ فِي كُلِّ جِنْسٍ، فَالْعِتْقُ يُصَادِفُهُ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَالْبَاقِي بِالسِّرَايَةِ. وَفِي " الْبُلْغَةِ " فِيمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ رِوَايَاتٌ، الثَّالِثَةُ: مَوْقُوفٌ، إِنْ تَعَيَّنَ سَهْمُهُ فِي الرَّقِيقِ عَتَقَ، وَإِلَّا فَلَا. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُعْتَقِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، أَوْ صَبِيًّا. وَصَرَّحَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّ الْغَانِمَ إِذَا أَعْتَقَ رَجُلًا مِنْهَا لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ كَالنِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ. [الْغُلُولُ مِنَ الْغَنِيمَةِ] (وَالْغَالُّ مِنَ الْغَنِيمَةِ) وَهُوَ مَنْ كَتَمَ مَا غَنِمَهُ، أَوْ بَعْضَهُ، فَيَجِبُ أَنْ (يُحْرَقَ رَحْلُهُ كُلُّهُ) قَالَهُ الْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ حَرَّقُوا مَتَاعَ الْغَالِّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ لَا الْحَدَّ الْوَاجِبَ، فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ. فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَخْتَصُّ التَّحْرِيقُ بِالْمَتَاعِ الَّذِي غُلَّ، وَهُوَ مَعَهُ، فَلَوِ اسْتَحْدَثَ مَتَاعًا، أَوْ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ وَلَهُ فِيهِ مَتَاعٌ، لَمْ يُحْرَقْ، وَكَمَا لَوِ انْتَقَلَ عَنْهُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ فِي الْأَشْهَرِ. وَهَذَا إِذَا كَانَ حَيًّا حُرًّا مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا. جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ " الْوَجِيزِ " وَ " الْآدَمِيُّ " الْبَغْدَادِيَّانِ، وَلَوْ أُنْثَى أَوْ ذِمِّيًّا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا ينْفي، نَصَّ عَلَيْهِ، بَلْ يُضْرَبُ لِلْخَبَرِ، وَفِي السَّارِقِ: لَا يُحْرَقُ مَتَاعُهُ، وَقِيلَ: بَلَى، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ ". (إِلَّا السِّلَاحَ) لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْقِتَالِ (وَالْمُصْحَفَ) لِحُرْمَتِهِ. وَشَمِلَ الْجِلْدَ، وَالْكِيسَ، وَمَا هُوَ تَابِعٌ لَهُ، وَقِيلَ: يُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ؛ لِقَوْلِ سَالِمٍ: بِعْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وَمَا أُخِذَ مِنَ الْفِدْيَةِ أَوْ أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ بَعْضِ قُوَّادِهِ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ.   [المبدع في شرح المقنع] وَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ. وَالْأَصَحُّ: وَكُتُبُ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْقَصْدُ الْإِضْرَارَ بِهِ فِي دِينِهِ، بَلْ فِي بَعْضِ دُنْيَاهُ. (وَالْحَيَوَانَ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّهَا، وَعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الْمَتَاعِ الْمَأْمُورِ بِإِحْرَاقِهِ، وَكَذَا آلَتُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا، وَكَذَا نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْرَقُ عَادَةً، وَكَسَهْمِهِ وَثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ، لِئَلَّا يُتْرَكَ عُرْيَانًا، وَقِيلَ: سَاتِرُ عَوْرَتِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْرَمُ سَهْمَهُ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَعَنْهُ: بَلَى، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ إِلَّا الْمُصْحَفَ وَالدَّابَّةَ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ. فَرْعٌ: مَا أَبْقَتِ النَّارُ مِنْ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ لَهُ، فَإِذَا تَابَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، رَدَّ مَا أَخَذَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَبَعْدَهَا يُعْطِي الْإِمَامَ خُمُسَهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْرِفُ لِلصَّدَقَةِ وَجْهًا. قَالَ الْآجُرِّيُّ: يَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ فَيُقَسِّمُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى الْغَالِّ وَأَخَذَ مَا أُهْدِيَ لَهُ مِنْهَا، أَوْ بَاعَهُ إِمَامٌ، أَوْ حَابَاهُ، فَهُوَ غَالٌّ. (وَمَا أُخِذَ مِنَ الْفِدْيَةِ) أَيْ: مِنْ فِدْيَةِ الْأُسَارَى، فَهُوَ غَنِيمَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَسَّمَ فِدَاءَ أُسَارَى بَدْرٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ حَصَلَ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ أَشْبَهَ السِّلَاحَ (أَوْ أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ) أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ بَعْضِ قُوَّادِهِ) جَمْعُ قَائِدٍ؛ وَهُوَ نَائِبُهُ (فَهُوَ غَنِيمَةٌ) أَيْ: لِلْجَيْشِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ الْجَيْشِ، فَيَكُونُ غَنِيمَةً كَمَا لَوْ أَخَذَهُ بِغَيْرِهَا. وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَعَنْهُ: هُوَ لِلْمُهْدَى لَهُ، وَقِيلَ: فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَلَوْ كَانَتْ بِدَارِنَا، فَهِيَ لِمَنْ أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبِلَ هَدِيَّةَ الْمُقَوْقِسِ، وَاخْتُصَّ بِهَا، وَقِيلَ: فَيْءٌ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْهَدِيَّةَ لِأَحَدِ الرَّعِيَّةِ فِي دَارِهِمْ يُخْتَصُّ بِهَا، كَمَا لَوْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ غَنِيمَةٌ، وَفِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالٌ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَادَاةٌ قَبْلَ ذَلِكَ، فَهِيَ لَهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ كَهَدِيَّةِ الْقَاضِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَهِيَ مَا أُجْلِيَ عَنْهَا أَهْلُهَا بِالسَّيْفِ، فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيَضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ يَكُونُ أَجْرُهُ لَهَا، وَعَنْهُ: تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ،   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ] ِ. (وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ، أَحَدُهَا: مَا فُتِحَ عَنْوَةً) أَيْ: قَهْرًا، وَغَلَبَةً، وَهُوَ مِنْ عَنَا يَعْنُو: إِذَا ذَلَّ وَخَضَعَ، وَشَرْعًا (هِيَ مَا أُجْلِيَ عَنْهَا أَهْلُهَا بِالسَّيْفِ) وَهُوَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: مَا اسْتَأْنَفَ الْمُسْلِمُونَ فَتْحَهُ عَنْوَةً (فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا) عَلَى الْغَانِمِينَ كَالْمَنْقُولِ (وَوَقْفِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) أَيْ: عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا وَرَدَ فِيهِ خَبَرٌ، «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ نِصْفَ خَيْبَرَ، وَوَقَفَ نِصْفَهَا لِنَوَائِبِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ. وَوَقَفَ عُمَرُ الشَّامَ، وَمِصْرَ، وَالْعِرَاقَ، وَسَائِرَ مَا فَتَحَهُ، وَأَقَرَّهُ الصَّحَابَةُ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بِبَّانًا لَا شَيْءَ لَهُمْ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَّمْتُهَا كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ فِعْلُ الْأَصْلَحِ كَالتَّخْيِيرِ فِي الْأُسَارَى فَإِنْ قَسَمَهَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى لَفْظٍ، وَلَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهَا خَرَاجًا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ أَرْبَابِهَا، وَتَصِيرُ أَرْضَ عُشْرٍ. وَإِنْ وَقَفَهَا اعْتُبِرَ بِلَفْظِهِ بِهِ. وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": لَا يَحْتَاجُ إِلَى النُّطْقِ بِهِ بَلْ لَوْ تَرَكَهَا لِلْمُسْلِمِينَ صَارَ كَالْقِسْمَةِ (وَ) حِينَئِذٍ (يَضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ) فِي كُلِّ عَامٍ لِقَوْلِ عُمَرَ (مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ يَكُونُ أَجْرُهُ لَهَا) أَيْ: مِمَّنْ تُقَرُّ مَعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَالْأُجْرَةِ. وَلَا يَسْقُطُ خَرَاجُهَا بِإِسْلَامِ أَرْبَابِهَا، وَلَا بِانْتِقَالِهَا إِلَى مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُجْرَتِهَا، وَفِي " الْمُجَرَّدِ ": أَوْ يُمَلِّكُهَا لِأَهْلِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ بِخَرَاجٍ فَدَلَّ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهَا بِغَيْرِ خَرَاجٍ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّهَا مَسْجِدٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْبُلْدَانِ. (وَعَنْهُ: تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ " الْأَمْوَالِ " عَنِ الْمَاجِشُونَ قَالَ بِلَالٌ لِعُمَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 وَعَنْهُ: تُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ. الثَّانِي: مَا جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا خَوْفًا، فَتَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الظُّهُورِ عَلَيْهَا، وَعَنْهُ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْعُنْوَةِ. الثَّالِثُ: مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ وَهُوَ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَنَا وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ، فَهَذِهِ تَصِيرُ وَقْفًا   [المبدع في شرح المقنع] بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْقُرَى الَّتِي افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً: اقْسِمْهَا بَيْنَنَا، وَخُذْ خُمُسَهَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَا، وَلَكِنِّي أَحْبِسُهَا فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ: اقْسِمْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَذَوِيهِ. فَمَا حَالَ الْحَوْلُ وَفِيهِمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ قَالَ الْقَاضِي: وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ أَنَّهُ قَسَّمَ أَرْضًا أُخِذَتْ عَنْوَةً إِلَّا خَيْبَرَ. وَلِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَتَكُونُ أَرْضَ عُشْرٍ. (وَعَنْهُ: تُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَهُ. وَفِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ. يُؤَيِّدُهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ. فَأَضَافَ الْغَنِيمَةَ إِلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ جِنْسِ الْمَالِ؛ فَدَلَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ بِالْمَنْقُولِ. تَنْبِيهٌ: مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ وَقْفٍ وَقِسْمَةٍ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَيَأْتِي حُكْمُ الْبَيْعِ. (الثَّانِي: مَا جَلَا عَنْهَا خَوْفًا) وَفَزَعًا مِنَّا (فَتَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الظُّهُورِ عَلَيْهَا) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ غَنِيمَةً فَتُقَسَّمُ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْفَيْءِ، أَيْ: لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ (وَعَنْهُ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَنْوَةِ) لِأَنَّهُ مَالٌ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِقُوَّتِهِمْ، فَلَا يَكُونُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ، كَالْمَنْقُولِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَجْرِي فِيهَا الرِّوَايَاتُ السَّابِقَةُ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، لَكِنْ لَا تَصِيرُ وَقْفًا إِلَّا بِوَقْفِ الْإِمَامِ لَهَا، صَرَّحَ بِهِ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ. فَعَلَى هَذَا حُكْمُهَا قَبْلَ وَقْفِ الْإِمَامِ كَالْمَنْقُولِ، يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَالْمُعَاوَضَةُ بِهَا، وَعَلَى الْأُولَى يَمْتَنِعُ. (الثَّالِثُ: مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَنَا، وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ، فَهَذِهِ تَصِيرُ وَقْفًا أَيْضًا) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَتَحَ خَيْبَرَ، وَصَالَحَ أَهْلَهَا أَنْ يُعَمِّرُوا أَرْضَهَا، وَلَهُمْ نِصْفُ ثَمَرَتِهَا، فَكَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَهُمْ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَهُوَ شَبِيهٌ بِفِعْلِ عُمَرَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ فَيَكُونُ حُكْمُ هَذِهِ كَالَّتِي قَبْلَهَا، وَهَلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 أَيْضًا. الثَّانِي: أَنْ نُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ، وَلَنَا الْخَرَاجُ عَلَيْهَا، فَهَذِهِ مِلْكٌ لَهُمْ خَرَاجُهَا كَالْجِزْيَةِ، إِنْ أَسْلَمُوا سَقَطَ عَنْهُمْ، وَإِنِ انْتَقَلَتْ إِلَى مُسْلِمٍ، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ وَيُقَرُّونَ فِيهَا بِغَيْرِ جِزْيَةٍ لِأَنَّهُمْ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَالْمَرْجِعُ فِي الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الصُّلْحِ، أَمْ بِوَقْفِ الْإِمَامِ مَعَ الْفَوَائِدِ؟ وَهُمَا دَارَا إِسْلَامٍ يَجِبُ [عَلَى سَاكِنِهِمَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ] الْجِزْيَةُ وَنَحْوُهَا. (الثَّانِي: أَنْ نُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ، وَلَنَا الْخَرَاجُ عَلَيْهَا) فَهُوَ صُلْحٌ صَحِيحٌ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ (فَهَذِهِ مِلْكٌ لَهُمْ) أَيْ: لِأَرْبَابِهَا، وَتَصِيرُ دَارَ عَهْدٍ (خَرَاجُهَا كَالْجِزْيَةِ) الَّتِي تُؤْخَذُ عَلَى رُءُوسِهِمْ مَا دَامَتْ بِأَيْدِيهِمْ (إِنْ أَسْلَمُوا سَقَطَ عَنْهُمْ) لِأَنَّ الْخَرَاجَ الَّذِي ضُرِبَ عَلَيْهَا إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ كُفْرِهِمْ، فَيَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ كَالْجِزْيَةِ، وَتَبْقَى الْأَرْضُ مِلْكًا لَهُمْ بِغَيْرِ خَرَاجٍ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا كَيْفَ شَاءُوا (وَإِنِ انْتَقَلَتْ إِلَى مُسْلِمٍ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قُصِدَ بِوَضْعِهِ الصَّغَارُ، فَوَجَبَ سُقُوطُهُ بِالْإِسْلَامِ، كَالْجِزْيَةِ، فَإِنْ صَارَتْ لِذِمِّيٍّ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ -: لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ رَضِيَ بِدُخُولِهِ فِيمَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ بِالْحَقِّ فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَهُ. وَالثَّانِي: يَسْقُطُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ بِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَسْقُطُ خَرَاجُهَا بِإِسْلَامٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ، فَهُوَ كَالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ، وَكَذَا فِي " التَّرْغِيبِ " وَذَكَرَ فِيمَا صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَنَا، وَنُقِرُّهُ مَعَهُمْ بِخَرَاجٍ: لَا يَسْقُطُ خَرَاجُهُ بِإِسْلَامٍ، وَعَنْهُ: بَلَى كَجِزْيَةٍ (وَيُقَرُّونَ فِيهَا) أَيْ: فِي الْأَرْضِ الَّتِي صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ (بِغَيْرِ جِزْيَةٍ لِأَنَّهُمْ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا) أَيْ: لَا يُقَرُّونَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا لَنَا إِلَّا بِجِزْيَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إِسْلَامٍ، فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنِ الْتِزَامِ الْجِزْيَةِ. [الْمَرْجِعُ فِي الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ] (وَالْمَرْجِعُ فِي الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ) . قَالَ الْخَلَّالُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ؛ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا، لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ فِي الْمَصَالِحِ، فَكَانَ مُفَوَّضًا إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. (عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ) فَيَضْرِبُ عَلَى كُلِّ أَرْضٍ وَإِنْسَانٍ مَا يُطِيقُهُ وَيَحْتَمِلُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 يَرْجِعُ إِلَى مَا ضَرَبَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ، وَعَنْهُ: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ دُونَ النَّقْصِ. قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: أَصَحُّ وَأَعْلَى حَدِيثٍ فِي أَرْضِ السَّوَادِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ يَعْنِي أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا وَقَدْرُ الْقَفِيزِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْمَكِّيِّ، فَيَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ، وَالْجَرِيبُ: عَشْرُ قَصَبَاتٍ فِي عَشْرِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَعَنْهُ: يَرْجِعُ إِلَى مَا ضَرَبَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ) لِأَنَّ اجْتِهَادَ عُمَرَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ، كَيْفَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعَ شُهْرَتِهِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (وَعَنْهُ: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ) فِي الْخَرَاجِ (دُونَ النَّقْصِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ حَنِيفٍ: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: وَاللَّهِ لَوْ زِدْتُ عَلَيْهِمْ لَأَجْهَدْتُهُمْ، فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ الزِّيَادَةِ مَا لَمْ يُجْهِدْهُمْ، وَلِأَنَّهُ نَاظِرٌ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً، فَجَازَ فِيهِ دُونَ النُّقْصَانِ، وَعَنْهُ: جَوَازُهَا فِي الْخَرَاجِ دُونَ الْجِزْيَةِ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي، وَقَالَ: نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ، بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْإِذْلَالُ، فَهِيَ فِي مَعْنَى الْعُقُوبَةُ، فَلَمْ تَتَغَيَّرْ كَالْحُدُودِ، وَعَنْهُ: جَوَازُهَا فِيهِمَا إِلَّا جِزْيَةَ أَهْلِ الْيَمَنِ، لَا يَخْرُجُ عَنِ الدِّينَارِ فِيهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَرَّرَهَا عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ. (قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ) الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ (أَصَحُّ وَأَعْلَى حَدِيثٍ فِي أَرْضِ السَّوَادِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ يَعْنِي أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا) أَيْ: عَلَى جَرِيبِ الزَّرْعِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامِهِ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الرُّطْبَةِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، هَذَا هُوَ الَّذِي وَظَّفَهُ عُمَرُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ لِمِسَاحَةِ أَرْضِ السَّوَادِ، فَضَرَبَ عَلَى جَرِيبِ الزَّيْتُونِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الرُّطْبَةِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْحِنْطَةِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَيْنِ، وَالرِّوَايَاتُ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَلِكَ، فَالْأَخْذُ بِالْأَعْلَى وَالْأَصَحِّ أَوْلَى. (وَقَدْرُ الْقَفِيزِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْمَكِّيِّ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الرِّطْلَ الْعِرَاقِيَّ لَمْ يَكُنْ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَكِّيُّ، وَهُوَ رِطْلَانِ (فَيَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 قَصَبَاتٍ، وَالْقَصَبَةُ: سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَهُوَ ذِرَاعٌ وَسَطٌ وَقَبْضَةٌ وَإِبْهَامٌ قَائِمِه. وَمَا لَا يَنَالُهُ الْمَاءُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ زَرْعُهُ، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ زَرَعُهُ عَامًا بَعْدَ عَامٍ، وَجَبَ نِصْفُ خَرَاجِهِ فِي كُلِّ عَامٍ. وَالْخَرَاجُ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ، وَهُوَ كَالدَّيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ قِيلَ: قَدْرُهُ ثَلَاثُونَ رِطْلًا، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَنَّ الْقَفِيزَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالِ صَاعِ عُمَرَ؛ فَغَيَّرَهُ الْحَجَّاجُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَفِيزُ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعِرَاقِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَفِيزِ الْحَجَّاجِيِّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ " (وَالْجَرِيبِ عَشْرُ قَصَبَاتٍ فِي عَشْرِ قَصَبَاتٍ) أَيْ: مِائَةُ قَصَبَةٍ مُكَسَّرَةٍ، وَمَعْنَى الْكَسْرِ: ضَرْبُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ فِي الْآخَرِ، فَيَصِيرُ أَحَدُهُمَا كَسْرًا لِلْآخَرِ. وَالْقَصَبَةُ: هِيَ الْمِقْدَارُ الْمَعْلُومُ الَّذِي يُمْسَحُ بِهِ الْمَزَارِعُ، كَالذِّرَاعِ لِلْبَزِّ، وَاخْتِيرَ الْقَصَبُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطُولُ وَلَا يَقْصُرُ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنَ الْخَشَبِ. (وَالْقَصَبَةُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ) بِالذِّرَاعِ الْعُمَرِيَّةِ أَيْ: بِذِرَاعِ عُمَرَ، وَهُوَ ذِرَاعٌ وَسَطٌ، وَالْمَعْرُوفُ بِالذِّرَاعِ الْهَاشِمِيَّةِ، سَمَّاهُ الْمَنْصُورُ بِهِ (وَهُوَ ذِرَاعٌ وَسَطٌ) أَيْ: بِيَدِ الرَّجُلِ الْمُتَوَسِّطِ الطُّولِ. (وَقَبْضَةٌ وَإِبْهَامٌ قَائِمه) وَهُوَ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ. (وَمَا لَا يَنَالُهُ الْمَاءُ) أَيْ: مَاءُ السَّقْيِ (مِمَّا لَا يُمْكِنُ زَرْعُهُ، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا أَجْرَ لَهُ، وَعَنْهُ: يَجِبُ عَلَى مَا أَمْكَنَ زَرْعُهُ بِمَاءِ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَطَرَ يُرَبِّي زَرْعَهَا فِي الْعَادَةِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَكَذَا إِذَا أَمْكَنَ سَقْيُهَا بِالدَّوَالِيبِ، وَإِنْ أَمْكَنَ إِحْيَاؤُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ - وَقِيلَ: أَوْ زَرَعَ مَا لَا مَاءَ لَهُ؛ فَرِوَايَتَانِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " رِوَايَتَانِ فِيمَا لَا يُنْتَفُعُ بِهِ مُطْلَقًا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى مَا يُسْقَى وَإِنْ لَمْ يُزْرَعْ. (فَإِنْ أَمْكَنَ زَرْعُهُ عَامًا بَعْدَ عَامٍ وَجَبَ نِصْفُ خَرَاجِهِ فِي كُلِّ عَامٍ) لِأَنَّ نَفْعَ الْأَرْضِ عَلَى النِّصْفِ فَكَذَا الْخَرَاجُ فِي مُقَابَلَةِ النَّفْعِ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ ": مَا زُرِعَ عَامًا، وَأُرِيحَ آخَرَ عَادَةً، وَفِي " التَّرْغِيبِ " " كَالْمُحَرَّرِ " وَفِيهِ: يُؤْخَذُ خَرَاجُ مَا لَمْ يُزْرَعْ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 يُحْبَسُ بِهِ الْمُوسِرُ، وَيُنْظَرُ بِهِ الْمُعْسِرُ. وَمَنْ عَجَزَ عَنْ عِمَارَةِ أَرْضِهِ، أُجْبِرَ عَلَى إِجَارَتِهَا، أَوْ رَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ وَيُهْدِيَ لَهُ لِيَدْفَعَ عَنْهُ الظُّلْمَ فِي خَرَاجِهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِيَدَعَ لَهُ مِنْهُ شَيْئًا. وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي إِسْقَاطِ الْخَرَاجِ عَنْ إِنْسَانٍ، جَازَ.   [المبدع في شرح المقنع] أَقَلِّ مَا يُزْرَعُ، وَإِنَّ الْبَيَاضَ بَيْنَ النَّخْلِ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا خَرَاجُهَا، فَإِنْ ظُلِمَ فِي خَرَاجِهِ، لَمْ يَحْتَسِبْهُ مِنَ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ ظُلِمَ، وَعَنْهُ: بَلَى؛ لِأَنَّ الْآخِذَ لَهُمَا وَاحِدٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَرْعٌ: إِذَا يَبِسَ الْكَرْمُ بِجَرَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَقَطَ مِنَ الْخَرَاجِ حَسْبَمَا تَعَطَّلَ مِنَ النَّفْعِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنِ النَّفْعُ بِهِ بِبَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، لَمْ تَجُزِ الْمُطَالَبَةُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [الْخَرَاجُ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ] (وَالْخَرَاجُ) يَجِبُ (عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ) لِأَنَّهُ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَهِيَ لِلْمَالِكِ، كَفِطْرَةِ الْعَبْدِ، وَعَنْهُ: عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَالْعُشْرِ (وَهُوَ كَالدَّيْنِ) قَالَ أَحْمَدُ: يُؤَدِّيهِ، ثُمَّ يُزَكِّي مَا بَقِيَ (يُحْبَسُ بِهِ الْمُوسِرُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ أَشْبَهَ أُجْرَةَ السَّاكِنِ (وَيُنْظَرُ بِهِ الْمُعْسِرُ) لِلنَّصِّ. (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ عِمَارَةِ أَرْضِهِ أُجْبِرَ عَلَى إِجَارَتِهَا أَوْ رَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا) فَيَدْفَعُهَا إِلَى مَنْ يُعَمِّرُهَا وَيَقُومُ بِخَرَاجِهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهَا عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَصِّلٌ لِلْغَرَضِ، فَلَا مَعْنًى لِلتَّعْيِينِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالْخَرَاجِ، كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَتُنْقَلُ إِلَى وَارِثِهِ كَذَلِكَ، فَلَوِ آثَرَ بِهَا أَحَدًا، صَارَ الْبَانِي أَحَقَّ بِهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خَرَاجَ عَلَى الْمَسَاكِنِ. وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمَزَارِعِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَحْمَدُ يَمْسَحُ دَارَهُ وَيُخْرِجُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ أَرْضَ بَغْدَادَ حِينَ فُتِحَتْ كَانَتْ مَزَارِعَ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ بِأَرْضِ الْخَرَاجِ يَوْمَ وَقْفِهَا شَجَرٌ فَثَمَرُهُ الْمُسْتَقْبَلُ لِمَنْ يَقِرُّ فِي يَدِهِ، وَفِيهِ عُشْرُ الزَّكَاةِ كَالْمُتَجَدِّدِ فِيهَا، وَقِيلَ: هُوَ لِلْمَسَاكِينِ بِلَا عُشْرٍ. جَزَمَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ " وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ لَا يَتْبَعُ الْأَرْضَ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَا هُنَا، فَيَبْقَى مِلْكَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا عُشْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. (يَجُوزُ لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْأَرْضِ (أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ وَيُهْدِيَ لَهُ لِيَدْفَعَ عَنْهُ الظُّلْمَ فِي خَرَاجِهِ) لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ: فَالرِّشْوَةُ مَا أَعْطَاهُ بَعْدَ طَلَبِهِ، وَالْهَدِيَّةُ ابْتِدَاءٌ. قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " (وَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِيَدَعَ لَهُ مِنْهُ شَيْئًا) لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 بَابُ الْفَيْءِ وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ، وَمَا تَرَكُوهُ فَزَعًا، وَخُمُسِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَمَالُ مَنْ مَاتَ لَا وَارِثَ لَهُ، فَيُصْرَفُ فِي   [المبدع في شرح المقنع] الْحَقِّ فَحَرُمَ عَلَى الْآخِذِ وَالْمُعْطِي، كَرِشْوَةِ الْحَاكِمِ. [إِسْقَاطُ الْخَرَاجِ] (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي إِسْقَاطِ الْخَرَاجِ عَنْ إِنْسَانٍ، جَازَ) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْمَصْلَحَةِ أَشْبَهَ الْمَنَّ عَلَى الْعَدُوِّ. وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " لِلْإِمَامِ وَضْعُهُ عَمَّنْ لَهُ دَفْعُهُ إِلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَدَعُ خَرَاجًا، وَلَوْ تَرَكَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ هَذَا، فَأَمَّا مَنْ دُونَهُ، فَلَا. فَرْعٌ: مَصْرِفُ الْخَرَاجِ كَفَيْءٍ، وَمَا تَرَكَهُ مِنَ الْعُشْرِ، أَوْ تَرَكَهُ الْخَارِصُ تُصُدِّقَ بِقَدْرِهِ. [بَابُ الْفَيْءِ] ِ. أَصْلُهُ مِنَ الرُّجُوعِ يُقَالُ: فَاءَ الظِّلُّ: إِذَا رَجَعَ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَسُمِّيَ الْمَالُ الْحَاصِلُ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهِمْ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] الْآيَتَيْنِ. (وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ) يَحْتَرِزُ بِهِ عَنِ الْغَنِيمَةِ (كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ، وَمَا تَرَكُوهُ فَزَعًا) مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (وَخُمُسُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَمَالُ مَنْ مَاتَ لَا وَارِثَ لَهُ) مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْمُرْتَدُّ إِذَا هَلَكَ (فَيُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ) أَيْ: مَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ لِلْآيَتَيْنِ، وَلِهَذَا لَمَّا قَرَأَ عُمَرُ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] الْآيَةَ قَالَ: هَذِهِ اسْتَوْعَبَتِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ أَيْضًا: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ إِلَّا الْعَبِيدَ. وَذَكَرَ أَحْمَدُ الْفَيْءَ فَقَالَ: فِيهِ حَقٌّ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَلِأَنَّ الْمَصَالِحَ نَفْعُهَا عَامٌّ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى فِعْلِهَا تَحْصِيلًا لَهَا، وَاخْتَارَ أَبُو حَكِيمٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا حَقَّ فِيهِ لِرَافِضَةٍ. وَذَكَرَهُ فِي " الْهَدْيِ " عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالْمُقَاتِلَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ لِحُصُولِ النُّصْرَةِ؛ فَلَمَّا مَاتَ صَارَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 الْمَصَالِحِ، وَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ سَدِّ الثُّغُورِ وَكِفَايَةِ أَهْلِهَا وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ يَدْفَعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ مِنْ سَدِّ الْبُثُوقِ، وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ، وَعَمَلِ الْقَنَاطِرِ، وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُخَمَّسُ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُخَمَّسُ فَيُصْرَفُ خُمُسُهُ إِلَى أَهْلِ الْخُمُسِ، وَبَاقِيهِ لِلْمَصَالِحِ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ، قُسِّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَبْدَأُ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْجُنْدِ، وَمَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. (وَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ) مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِأَهْلِ الدَّارِ الَّتِي بِهَا حِفْظُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمْنُهُمْ مِنَ الْعَدُوِّ. (مِنْ سَدِّ الثُّغُورِ) بِأَهْلِ الْقُوَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالسِّلَاحِ (وَكِفَايَةِ أَهْلِهَا) أَيِ: الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمْ (وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ) مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الثُّغُورِ. (مَنْ يَدْفَعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، وَدَفْعُ الْكُفَّارِ هُوَ الْمَقْصُودُ، فَلِذَلِكَ قُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ (ثُمَّ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ مِنْ سَدِّ الْبُثُوقِ) جَمْعُ بَثْقٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُنْفَتِحُ فِي جَانِبَيِ النَّهْرِ. (وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ) أَيْ: تَعْزِيلُهَا. (وَعَمَلُ الْقَنَاطِرَ) . وَهِيَ الْجُسُورُ (وَأَرْزَاقُ الْقُضَاةِ) الْعُلَمَاءِ (وَغَيْرُ ذَلِكَ) كَالْفُقَهَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَنَحْوِهِمْ، مِمَّا لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ نَفْعٌ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ أَشْبَهَ الْأَوَّلَ (وَلَا يُخَمَّسُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَضَافَهُ إِلَى أَهْلِ الْخُمُسِ، كَمَا أَضَافَ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ، فَإِيجَابُ الْخُمُسِ فِيهِ لِأَهْلِهِ دُونَ بَاقِيهِ مَنْعٌ لِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُمْ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَوْ أُرِيدَ الْخُمُسُ مِنْهُ لَذَكَرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - كَمَا ذَكَرَهُ فِي خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ ظَهَرَ إِرَادَةُ الِاسْتِيعَابِ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ يُخَمَّسُ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7] الْآيَةَ لِأَنَّهَا اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْخُمُسِ، وَالْآيَةُ السَّابِقَةُ، وَمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاكِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ، فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّنَاقُضِ، وَالتَّعَارُضِ، وَفِي إِيجَابِ الْخُمُسِ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، فَإِنَّ خُمُسَهُ لِمَنْ ذُكِرَ، وَسَائِرَهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ تَخْمِيسُهُ كَالْغَنِيمَةِ (فَيُصْرَفُ خُمُسُهُ إِلَى أَهْلِ الْخُمُسِ وَبَاقِيهِ لِلْمَصَالِحِ) لِمَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَجِدْ لِمَا قَالَ الْخِرَقِيُّ نَصًّا فَأَحْكِيَهِ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَخْمُوسٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 بِالْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَلْ يُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ سَهْمًا، فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، ثُمَّ خُمُسُ الْخُمُسِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا فِي الْمَصَالِحِ، وَبَقِيَّةُ خُمُسِ الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " مُسْنَدِ عُمَرَ " كَانَ مَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. (وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ، قُسِّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِمْ، فَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ لِذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغَنِيِّ كَالْفَقِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ اسْتَحَقُّوهُ بِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ فَاسْتَوَوْا فِيهِ كَالْمِيرَاثِ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْمُحْتَاجُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ أَصَحُّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - لِلْفُقَرَاءِ، وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي حَقِّهِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ مِنَ الْعَدُوِّ بِالْعُدَّةِ، وَلَا بِالْهَرَبِ لِفَقْرِهِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْعَبِيدُ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمْ مِنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا حَظَّ لَهُمْ فِيهِ كَالْبَهَائِمِ، وَأَعْطَى الصِّدِّيقُ الْعَبِيدَ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ. فَرْعٌ: لَيْسَ لِوُلَاةِ الْفَيْءِ أَنْ يَسْتَأْثِرُوا مِنْهُ فَوْقَ الْحَاجَةِ كَالْإِقْطَاعِ يَصْرِفُونَهُ فِيمَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى مَنْ يَهْوَوْنَهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَبْدَأَ بِالْمُهَاجِرِينَ) جَمْعُ مُهَاجِرٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ هَاجَرَ بِمَعْنَى: هَجَرَ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أُخْرَى، وَتُطْلَقُ الْهِجْرَةُ، بِأَنْ يَتْرُكَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَيَنْقَطِعَ بِنَفْسِهِ إِلَى مُهَاجِرِهِ، وَلَا يَرْجِعَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ. وَهِجْرَةُ الْأَعْرَابِ: وَهُوَ أَنْ يَدَعَ الْبَادِيَةَ، وَيَغْزُوَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْأَجْرِ، وَالْمُرَادُ هُنَا: أَوْلَادُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا أَوْطَانَهُمْ، وَخَرَجُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ جَمَاعَةٌ مَخْصُوصُونَ (ثُمَّ الْأَنْصَارُ) وَهُمُ الْحَيَّانِ: الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ. وَقُدِّمُوا عَلَى غَيْرِهِمْ، لِسَابِقَتِهِمْ وَآثَارِهِمُ الْجَمِيلَةِ. (ثُمَّ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ) لِيَحْصُلَ التَّعْمِيمُ بِالدَّفْعِ، وَصَرَّحَ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّ الْعَرَبَ تُقَدَّمَ عَلَى الْعَجَمِ وَالْمَوَالِي. (وَهَلْ يُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ) بِالسَّابِقَةِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يُسَوِّي بَيْنَهُمْ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " وَهِيَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ (وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ وَقْتِ الْعَطَاءِ، دَفَعَ إِلَى وَرَثَتِهِ حَقَّهُ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ، دَفَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ كِفَايَتَهُمْ، فَإِذَا بَلَغَ ذُكُورُهُمْ، فَاخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا فِي الْمُقَاتِلَةِ، فَرَضَ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَارُوا، تُرِكُوا.   [المبدع في شرح المقنع] عَنْهُمَا - لِأَنَّ الْغَنَائِمَ تُقَسَّمُ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ بِالسَّوِيَّةِ، فَكَذَا الْفَيْءُ. لَكِنْ أَبُو بَكْرٍ أَعْطَى الْعَبِيدَ، وَمَنَعَهُمْ عَلِيٌّ. وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمْ، وَهِيَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ عُمَرُ: لَا أَجْعَلُ مَنْ قَاتَلَ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَنْ قُوتِلَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَسَّمَ النَّفْلَ بَيْنَ أَهْلِهِ مُتَفَاضِلًا عَلَى قَدْرِ غَنَائِهِمْ، وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ فَرَضَ عُمَرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَمِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَالْعَطَاءُ الْوَاجِبُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِبَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ بَصِيرٍ صَحِيحٍ، يُطِيقُ الْقِتَالَ، فَإِنْ حَدَثَ بِهِ مَرَضٌ غَيْرُ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ كَزَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا " فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْأَصَحِّ. (وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ وَقْتِ الْعَطَاءِ، دَفَعَ إِلَى وَرَثَتِهِ حَقَّهُ) لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَانْتَقَلَ حَقُّهُ إِلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ الْمَوْرُوثَاتِ. (وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ، دَفَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ كِفَايَتَهُمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْيِيبِ قُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ، لِأَنَّهُمْ إِذَا عَلِمُوا أَنَّ عِيَالَهُمْ يُكْفَوْنَ الْمَئُونَةَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، تَوَفَّرُوا عَلَى الْجِهَادِ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ. فَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ، أَوْ وَاحِدَةٌ مِنَ الْبَنَاتِ، سَقَطَ فَرْضُهَا؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ عِيَالِ الْمَيِّتِ (فَإِذَا بَلَغَ ذُكُورُهُمْ) وَكَانُوا أَهْلًا لِلْقِتَالِ (فَاخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا فِي الْمُقَاتِلَةِ فَرَضَ لَهُمْ) لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِذَلِكَ، فَفَرَضَ لَهُمْ كَآبَائِهِمْ. وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " مَعَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِمْ (وَإِنْ لَمْ يَخْتَارُوا تُرِكُوا) لِأَنَّ الْبَالِغَ لَا يُجْبَرُ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِ إِلَّا لِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ دُخُولَهُمْ فِي دِيوَانِ الْمُقَاتِلَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. تَنْبِيهٌ: بَيْتُ الْمَالِ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ، وَيَحْرُمُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 بَابُ الْأَمَانِ يَصِحُّ أَمَانُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُطْلَقًا، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] الْإِمَامِ، ذَكَرَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَ " الِانْتِصَارِ "، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُهُ أَنَّ الْمَالِكَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " كَالْأَوَّلِ، وَلِلْإِمَامِ تَعْيِينُ مَصَارِفِهِ، وَتَرْتِيبُهَا فَافْتَقَرَ إِلَى إِذْنِهِ. [بَابُ الْأَمَانِ] الْأَمَانُ ضِدُّ الْخَوْفِ، وَهُوَ مَصْدَرُ: أَمِنَ أَمْنًا، وَأَمَانًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَإِذَا أُعْطُوا الْأَمَانَ حَرُمَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ وَالتَّعَرُّضُ إِلَيْهِمْ. (يَصِحُّ أَمَانُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ) أَيِ: الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ كَالْحَرْبِيِّ، وَلَا مِنْ طِفْلٍ، وَمَجْنُونٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ، وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ إِغْمَاءٍ هُوَ كَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ مِنْ غَيْرِهَا (ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى) نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَجَارَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَأَجَارَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حُرًّا) اتِّفَاقًا (أَوْ عَبْدًا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِ عُمَرَ: الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ أَمَانُهُ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَصَحَّ أَمَانُهُ بِالْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَدْنَى مِنْهُ، فَيَصِحُّ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ، فَصَحَّ مِنْهُ كَالْحُرِّ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ أَوْ لَا (أَوْ أَسِيرًا) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَلِلْعُمُومِ، وَبَعْضُهُمْ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 أَسِيرًا. وَفِي أَمَانِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ رِوَايَتَانِ، وَيَصِحُّ أَمَانُ الْإِمَامِ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَانُ الْأَمِيرِ لِمَنْ جُعِلَ بِإِزَائِهِ، وَأَمَانُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ لِلْوَاحِدِ وَالْعَشْرَةِ، وَالْقَافِلَةِ. وَمَنْ قَالَ لِكَافِرٍ: أَنْتَ آمِنٌ، أَوْ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ، أَوْ: أَجَرْتُكَ، أَوْ: قِفْ، أَوْ: أَلْقِ سِلَاحَكَ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] الْحُرَّ الْمُطْلَقَ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْأَمَانِ، لَمْ يَصِحَّ، فَلَا حَاجَةَ لِاخْتِصَاصِ الْأَسِيرِ بِهِ. (وَفِي أَمَانِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ رِوَايَتَانِ) ؛ إِحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، كَالْمَجْنُونِ، وَالثَّانِيَةُ: تَصِحُّ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ، فَصَحَّ مِنْهُ كَالْبَالِغِ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ مُنَجَّزًا، وَمُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا. وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَفِي جَوَازِ إِقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا هَذِهِ الْمُدَّةَ بِلَا جِزْيَةٍ، وَجْهَانِ. وَشَرَطَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لِصِحَّتِهِ مَعْرِفَةَ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِي الْمَرْأَةِ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ (وَيَصِحُّ أَمَانُ الْإِمَامِ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ) لِأَنَّ وَلَايَتَهُ عَامَّةٌ (وَأَمَانُ الْأَمِيرِ لِمَنْ جُعِلَ بِإِزَائِهِ) أَيْ: بِحِذَائِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ الْوَلَايَةَ عَلَيْهِمْ فَقَطْ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَآحَادِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ (وَأَمَانُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ) قَالَ: الْجَوْهَرِيُّ الرَّعِيَّةُ: الْعَامَّةُ. (لِلْوَاحِدِ وَالْعَشْرَةِ وَالْقَافِلَةِ) كَذَا ذَكَرَهُ مُعْظَمُهُمْ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ فَقِيلَ: لِقَافِلَةٍ صَغِيرَةٍ، وَحِصْنٍ صَغِيرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجَازَ أَمَانَ الْعَبْدِ لِأَهْلِ الْحِصْنِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ كَبِيرَةٍ، وَلَا رُسْتَاقَ وَجَمْعٍ كَبِيرٍ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ، وَالِافْتِئَاتِ عَلَى الْإِمَامِ، وَأُطْلِقَ فِي " الرَّوْضَةِ " كَحِصْنٍ أَوْ بَلَدٍ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُجَارَ عَلَى الْأَمِيرِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَقِيلَ: لِمِائَةٍ. فَرْعٌ: يَصِحُّ أَمَانُ غَيْرِ الْإِمَامِ لِلْأَسِيرِ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، فَيَعْصِمُهُ مِنَ الْقَتْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقِصَّةِ زَيْنَبَ فِي أَمَانِهَا لِزَوْجِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجرد ": لَا يَصِحُّ إِلَّا مِنَ الْإِمَامَ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْأَسِيرِ إِلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ الِافْتِئَاتُ عَلَيْهِ. (وَمَنْ قَالَ لِكَافِرٍ: أَنْتَ آمِنٌ) فَقَدْ أَمَّنَهُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «مَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 مَتَرْسٌ، فَقَدْ أَمَّنَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِمُشْرِكٍ فَادَّعَى أَنَّهُ أَمَّنَهُ، فَأَنْكَرَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» كَقَوْلِهِ: لَا خَوْفَ عَلَيْكَ وَلَا تَذْهَلْ. وَكَمَا لَوْ أَمَّنَ يَدَهُ أَوْ بَعْضَهُ. (أَوْ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ) لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا قَالَ لِلْهُرْمُزَانِ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ، قَالَتْ لَهُ الصَّحَابَةُ: قَدْ أَمَّنْتَهُ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. (أَوْ: أَجَرْتُكَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» (أَوْ: قِفْ) كَقُمْ (أَوْ أَلْقِ سِلَاحَكَ) لِأَنَّ الْكَافِرَ يَعْتَقِدُهُ أَمَانًا أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ. (أَوْ مَتَرْسٌ) وَمَعْنَاهُ: لَا تَخَفْ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَالتَّاءِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ، وَيَجُوزُ سُكُونُ التَّاءِ، وَفَتْحُ الرَّاءِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ. (فَقَدْ أَمَّنَهُ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كُلَّ لِسَانٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَعْجَمِيًّا فَقَالَ: (مَتَرْسٌ) فَقَدْ أَمَّنَهُ. وَالْإِشَارَةُ كَالْقَوْلِ قَالَ عُمَرُ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى السَّمَاءِ إِلَى مُشْرِكٍ فَنَزَلَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ، لَقَتَلْتُهُ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْأَمَانِ، فَظَنَّهُ أَمَانًا، فَهُوَ أَمَانٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَرَى الْعِلْجُ أَنَّهُ أَمَانٌ، فَهُوَ أَمَانٌ، وَقَالَ: إِذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْتُلَهُ فَلَا يَقْتُلْهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اشْتَرَاهُ فَقَدْ أَمَّنَهُ. فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَصِحُّ الْأَمَانُ بِالْإِشَارَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ؟ . قُلْتُ: تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ عَدَمُ فَهْمِ كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ كَالْعَكْسِ. وَشَرْطُ انْعِقَادِ الْأَمَانِ أَنْ لَا يَرُدَّهُ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ إِيجَابُ حَقٍّ فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الرَّدِّ كَالْبَيْعِ. وَإِنْ قَتَلَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ، انْتَقَضَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهِ كَالرِّقِّ. فَرْعٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ: إِنِّي أَمَّنْتُهُ فِي الْأَصَحِّ كَإِخْبَارِهِمَا أَنَّهُمَا أَمَّنَاهُ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِهَا، وَإِذَا أَمَّنَهُ سَرَى إِلَى مَا مَعَهُ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: أَمَّنْتُكَ نَفْسَكَ فَقَطْ. (وَمَنْ جَاءَ بِمُشْرِكٍ: فَادَّعَى أَنَّهُ أَمَّنَهُ، فَأَنْكَرَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: قَوْلُ الْمُنْكِرِ الْمُسْلِمِ. هَذَا هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إِبَاحَةُ دَمِ الْحَرْبِيِّ، وَعَدَمُ الْأَمَانِ (وَعَنْهُ: قَوْلُ الْأَسِيرِ) ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ صِدْقَهُ مُحْتَمَلٌ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ شُبْهَةً فِي حَقْنِ دَمِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 قَوْلُ الْأَسِيرِ، وَعَنْهُ: قَوْلُ مَنْ يَدُلُّ الْحَالُ عَلَى صِدْقِهِ. وَمَنْ أُعْطِيَ أَمَانًا لِيَفْتَحَ حِصْنًا، فَفَتَحَهُ وَاشْتَبَهَ عَلَيْنَا، حَرُمَ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَخْرُجُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَعَنْهُ: قَوْلُ مَنْ يَدُلُّ الْحَالُ عَلَى صِدْقِهِ) لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْكَافِرُ ذَا قُوَّةٍ، وَمَعَهُ سِلَاحُهُ، فَالظَّاهِرُ صِدْقُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا مَسْلُوبًا سِلَاحُهُ، فَالظَّاهِرُ كَذِبُهُ؛ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَنَازَعَ الْحُكْمَ أَصْلَانِ أَحَدُهُمَا: مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ لِلدَّعْوَى الْمُوجِبَةِ، وَالثَّانِي: احْتِمَالُ الصِّدْقِ فِي الدَّعْوَى الْمَانِعَةِ، فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِالْقَرِينَةِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ أَعْلَاجٌ اسْتَقْبَلُوا سَرِيَّةً دَخَلَتْ بَلَدَ الرُّومِ، فَقَالُوا: جِئْنَا مُسْتَأْمِنِينَ، قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: إِنِ اسْتُدِلَّ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ. قُلْتُ: إِنْ هُمْ وَقَفُوا فَلَمْ يَبْرَحُوا وَلَمْ يُجَرِّدُوا سِلَاحًا؟ فَرَأَى لَهُمُ الْأَمَانَ. فَرْعٌ: إِذَا طَلَبَ الْكَافِرُ الْأَمَانَ لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ، وَيَعْرِفَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَزِمَ إِجَابَتُهُ، ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى مَأْمَنِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِلنَّصِّ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (وَمَنْ أُعْطِيَ أَمَانًا لِيَفْتَحَ حِصْنًا فَفَتَحَهُ) أَوْ أَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (وَاشْتَبَهَ عَلَيْنَا حَرُمَ قَتْلُهُمْ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْتَمَلُ صِدْقُهُ، وَاشْتَبَهَ الْمُبَاحُ بِالْمُحَرَّمِ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ، فَوَجَبَ تَغْلِيبُ التَّحْرِيمِ، كَمَا لَوِ اشْتَبَهَ زَانٍ مُحْصَنٌ بِمَعْصُومِينَ (وَاسْتِرْقَاقُهُمْ) لِأَنَّ اسْتِرْقَاقَ مَنْ لَا يَحِلُّ اسْتِرْقَاقُهُ مُحَرَّمٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا حَاصَرُوا حِصْنًا فَطَلَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْأَمَانَ لِيَفْتَحَهُ لَهُمْ، جَازَ أَنْ يُعْطُوهُ أَمَانًا، لِقَوْلِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) وَصَاحِبُ " التَّبْصِرَةِ " (يُخْرَجُ وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ) لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَيَخْرُجُ صَاحِبُ الْأَمَانِ بِهَا. (وَيُسْتَرَقُّ الْبَاقُونَ) كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ، ثُمَّ أَشْكَلَ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ، فَإِنَّهُ يُدْرَأُ بِهَا لِشُبْهَةٍ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ لَوْ نَسِيَ أَوِ اشْتَبَهَ مَنْ لَزِمَهُ قَوْدٌ، فَلَا قَوْدَ. وَفِي الدِّيَةِ بِقُرْعَةٍ الْخِلَافُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 وَاحِدٌ بِالْقَرْعَةِ، وَيُسْتَرَقُّ الْبَاقُونَ. . وَيَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَانِ لِلرَّسُولِ وَالْمُسْتَأْمَنِ، وَيُقِيمُونَ مُدَّةَ الْهُدْنَةِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُقِيمُونَ سَنَةً إِلَّا بِجِزْيَةٍ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ، فَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ، أَوْ تَاجِرٌ، وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ جَاسُوسًا، خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، أَوْ حَمَلَتْهُ   [المبدع في شرح المقنع] [جَوَازُ عَقْدِ الْأَمَانِ لِلرَّسُولِ وَالْمُسْتَأْمَنِ] (وَيَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَانِ لِلرَّسُولِ وَالْمُسْتَأْمَنِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُؤَمِّنُ رُسُلُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمَّا «جَاءَهُ رُسُلُ مُسَيْلِمَةَ قَالَ: لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمْ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ ، إِذْ لَوْ قُتِلَ، لَفَاتَتْ مَصْلَحَةُ الْمُرَاسَلَةِ. وَظَاهِرُهُ جَوَازُ عَقْدِ الْأَمَانِ لِكُلٍّ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَمُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَطَوِيلَةٍ بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ إِلَّا مُقَيَّدَةً؛ لِأَنَّ فِي جَوَازِهَا مُطْلَقًا تَرْكًا لِلْجِهَادِ. (وَيُقِيمُونَ مُدَّةَ الْهُدْنَةِ) أَيِ: الْأَمَانَ (بِغَيْرِ جِزْيَةٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أُبِيحَ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي دَارِنَا مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ جِزْيَةٍ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَالنِّسَاءِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُقِيمُونَ سَنَةً إِلَّا بِجِزْيَةٍ) . وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ، أَيْ: يَلْتَزِمُونَهَا، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْإِعْطَاءِ، وَلِأَنَّهَا تَخَصَّصَتْ بِمَا دُونَ الْحَوْلِ اتِّفَاقًا، فَيُقَاسُ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ. (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ قُبِلَ مِنْهُ) لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُمْكِنٌ، فَيَكُونُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقَتْلِ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ إِلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. أَمَّا الرَّسُولُ فَلِمَا سَبَقَ، وَأَمَّا التَّاجِرُ، فَلِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ بِمَالِهِ، وَلَا سِلَاحَ مَعَهُ، دَلَّ عَلَى قَصْدِهِ الْأَمَانَ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمُؤَلِّفُ هُنَا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِهِ، وَالْمَذْهَبُ اشْتَرَطَهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ مَجْرَى الشَّرْطِ. فَإِذَا انْتَفَتْ، وَدَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ، وَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْعِصْمَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تِجَارَةٌ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِذَا قَالَ: جِئْتُ مُسْتَأْمَنًا، لِأَنَّهُ غَيْرُ صَادِقٍ. (وَإِنْ كَانَ جَاسُوسًا) وَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ، وَعَكْسُهُ النَّامُوسُ (خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ قَصَدَ نِكَايَةَ الْمُسْلِمِينَ، فَخُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ أَوْ حَمَلَتْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 الرِّيحُ فِي مَرْكَبٍ إِلَيْنَا، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. وَعَنْهُ: يَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَأْمَنُ مَالَهُ مُسْلِمًا، أَوْ أَقْرَضَهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، بَقِيَ الْأَمَانُ فِي مَالِهِ   [المبدع في شرح المقنع] الرِّيحُ فِي مَرْكَبٍ إِلَيْنَا، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ ظَهَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قِتَالٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ لِآخِذِهِ كَالصَّيْدِ، وَكَذَا لَوْ شَرَدَ إِلَيْنَا دَابَّةٌ مِنْ دَوَابِّهِمْ أَوْ أَبَقَ رَقِيقٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لِآخِذِهِ غَيْرُ مَخْمُوسٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " (وَعَنْهُ: يَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ مَالُ مُشْرِكٍ ظَهَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قِتَالٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكُوهُ فَزَعًا، وَعَنْهُ: إِنْ دَخَلَ قَرْيَةً وَأَخَذُوهُ، فَهُوَ لِأَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَمَكَّنَ بِأَخْذِهِ بِقُوَّتِهِمْ. تَنْبِيهٌ: يَحْرُمُ دُخُولُهُ إِلَيْنَا بِلَا إِذْنٍ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ رَسُولًا وَتَاجِرًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " دُخُولُهُ لِسِفَارَةٍ، أَوْ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ، أُمِّنَ بِلَا عَقْدٍ، لَا لِتِجَارَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهَا بِلَا عَادَةٍ، فَإِذَا دَخَلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَجَارَ، انْتَقَضَ أَمَانُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَدْرٌ، وَلَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا، وَلَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ بِأَمَانِهِمْ فخيانتهم محرمة عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَدُلُّ. (وَإِذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَأْمِنُ مَالَهُ مُسْلِمًا، أَوْ أَقْرَضَهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ) مُقِيمًا أَوْ نَقَضَ ذِمِّيٌّ عَهْدَهُ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوْ لَمْ يَلْحَقْ (بَقِيَ الْأَمَانُ فِي مَالِهِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ، ثَبَتَ لِمَالِهِ، فَإِذَا بَطَلَ فِي نَفْسِهِ بِدُخُولِهِ إِلَيْهَا، بَقِيَ فِي مَالِهِ الَّذِي لَمْ يَدْخُلِ الِاخْتِصَاصَ الْمُبْطِلَ بِنَفْسِهِ. لَا يُقَالُ: إِذَا بَطَلَ فِي الْمَتْبُوعِ، فَالتَّابِعُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَبَعًا، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِيهِمَا جَمِيعًا، فَإِذَا بَطَلَ فِي إِحْدَاهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَجُوزُ بَقَاءُ حُكْمِ التَّبَعِ، وَإِنْ زَالَ فِي الْمَتْبُوعِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ ثَبَتَ لِوَلَدِهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَاءِ تَبَعًا لَهَا، وَيَبْقَى حُكْمُهُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَقِيلَ: يَنْتَقِضُ فِيهِ، وَيَصِيرُ فَيْئًا، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ قُدِرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَرْبٍ، فَيَكُونُ فَيْئًا، كَمَالِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ مِنْهُمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ فِي مَالِ الذِّمِّيِّ دُونَ الْحَرْبِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ ثَبَتَ فِي مَالِ الْحَرْبِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ إِنْ طَلَبَهُ، فَإِنْ مَاتَ، فَهُوَ لِوَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَهُوَ فَيْءٌ، وَإِنْ أَسَرَ الْكُفَّارُ مُسْلِمًا، فَأَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَشْرُطُوا شَيْئًا، أَوْ شَرَطُوا كَوْنَهُ رَقِيقًا، فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَيَسْرِقَ وَيَهْرُبَ، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ   [المبدع في شرح المقنع] بِدُخُولِهِ مَعَهُ، فَالْأَمَانُ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْأَصَالَةِ كَمَا لَوْ بَعَثَهُ مَعَ وَكِيلٍ أَوْ مُضَارِبٍ، بِخِلَافِ مَالِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ مُكْتَسَبٌ بَعْدَ عَقْدِ ذِمَّةٍ. وَقَوْلُنَا: " مُقِيمًا " يَخْرُجُ بِهِ مَا لَوْ خَرَجَ إِلَيْهَا لِتِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ، فَإِنَّ أَمَانَهُ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ. (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يُبْعَثُ إِلَيْهِ إِنْ طَلَبَهُ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ، صَحَّ (فَإِنْ مَاتَ) بِدَارِ الْحَرْبِ (فَهُوَ لِوَارِثِهِ) لِأَنَّ الْأَمَانَ لَمْ يَبْطُلْ فِيهِ، وَيَنْتَقِلُ إِلَيْهِ عَلَى صِفَتِهِ مِنْ تَأْجِيلٍ وَرَهْنٍ، فَكَذَا هُنَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَهُوَ فَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، فَصَارَ فَيْئًا، كَمَا لَوْ مَاتَ فِي دَارِنَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَرِثْهُ، لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ، فَلَوْ لَمْ يَمُتْ حَتَّى أُسِرَ وَاسْتُرِقَّ، فَقِيلَ: يَصِيرُ فَيْئًا، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُوقَفُ، فَإِنْ عَتَقَ، أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لِمَالِكٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ سَبَبُ الِانْتِقَالِ، فَيُتَوَقَّفُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ السَّبَبُ، وَإِنْ مَاتَ قَنًّا، فَفَيْءٌ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ، وَقِيلَ: لِوَارِثِهِ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ عَلَى الرِّقِّ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ مِلْكِهِ مِنْ حِينِ اسْتِرْقَاقِهِ، فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ. (وَإِنْ أَسَرَ الْكُفَّارُ مُسْلِمًا فَأَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً) أَوْ أَبَدًا قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " (لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» فَعَلَيْهِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ، وَقِيلَ: بَلَى (وَإِنْ) أَطْلَقُوهُ وَ (لَمْ يَشْرُطُوا شَيْئًا أَوْ شَرَطُوا كَوْنَهُ رَقِيقًا) وَلَمْ يَأْمَنُوهُ (لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَيَسْرِقَ وَيَهْرُبَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَمَانُ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مِنَ الْوِثَاقِ لَا يَكُونُ أَمَانًا، وَمَعَ الرِّقِّ يَنْتَفِي الْأَمَانُ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أَطْلَقُوهُ فَقَدْ أَمَّنُوهُ، فَلَوْ أَحْلَفُوهُ مُكْرَهًا، لَمْ يَنْعَقِدْ. وَفِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالٌ: لَا يَلْزَمُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 بِشَرْطِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَالًا وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ عَادَ إِلَيْهِمْ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، فَلَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ أَيْضًا.   [المبدع في شرح المقنع] الْإِقَامَةُ، فَإِنْ أَطْلَقُوهُ وَأَمَّنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ لَا الْخِيَانَةُ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِأَمَانِهِ فِي أَمَانٍ مِنْهُ، فَإِذَا خَالَفَ فَهُوَ غَادِرٌ (وَإِنْ أَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَالًا) بِاخْتِيَارِهِ، لَزِمَهُ إِنْفَاذُ الْمَالِ إِلَيْهِمْ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَاهَدَهُمْ عَلَى أَدَاءِ مَالٍ، فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ كَثَمَنِ الْبَيْعِ. (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ، عَادَ إِلَيْهِمْ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ) نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَلِأَنَّ فِي الْوَفَاءِ مَصْلَحَةً لِلْأُسَارَى، وَفِي الْغَدْرِ مَفْسَدَةً فِي حَقِّهِمْ، لِكَوْنِهِمْ لَا يَأْمَنُونَ بَعْدَهُ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَلِأَنَّ فِي رُجُوعِهَا تَسْلِيطًا لَهُمْ عَلَى وَطْئِهَا حَرَامًا (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ أَيْضًا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إِلَيْهِمْ، وَالْبَقَاءَ فِي أَيْدِيهِمْ مَعْصِيَةٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ بِالشَّرْطِ كَالْمَرْأَةِ، وَكَمَا لَوْ شَرَطَ قَتْلَ مُسْلِمٍ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا عَاهَدَ قُرَيْشًا عَلَى رَدِّ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا، فَرَدَّ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلٍ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إِلَّا رَدَّهُ. فَإِنْ تَعَارَضَ فِدَاءُ عَالِمٍ، وَجَاهِلٍ بُدِئَ بِالْجَاهِلِ، لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بِالْعَالِمِ لِشَرَفِهِ، وَحَاجَتِنَا إِلَيْهِ، وَكَثْرَةِ الضَّرَرِ بِفِتْنَتِهِ. وَلَوْ جَاءَ الْعِلْجُ بِأَسِيرٍ عَلَى أَنْ يُفَادِيَ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجِدْ قَالَ أَحْمَدُ: يَفْدِيهِ الْمُسْلِمُونَ إِنْ لَمْ يُفْدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يُرَدُّ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ، لَزِمَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَنَائِبِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَالْمُرَادُ: مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، قُدِّمَ قَوْلُ الْأَسِيرِ بِالْأَصْلِ، وَيَجِبُ فِدَاءُ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْإِمْكَانِ؛ لِقَوْلِهِ: وَفُكُّوا الْعَانِيَ، وَكَذَا شِرَاءُ أَسْرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، لِأَنَّا قَدِ الْتَزَمْنَا حِفْظَهُمْ بِأَخْذِ جِزْيَتِهِمْ، فَلَزِمَنَا الدَّفْعُ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجِبُ إِلَّا إِذَا اسْتَعَانَ بِهِمُ الْإِمَامُ فِي قِتَالِهِمْ، فَيَبْدَأُ بِفِدَاءِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ لِحُرْمَتِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 بَابُ الْهُدْنَةِ. وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْهُدْنَةِ وَالذِّمَّةِ إِلَّا مِنَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، فَمَتَى رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ، جَازَ لَهُ عَقْدُهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً وَإِنْ طَالَتْ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ فِي أَكْثَرِ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ الْهُدْنَةِ] [لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْهُدْنَةِ وَالذِّمَّةِ إِلَّا مِنَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ] وَأَصْلُهَا السُّكُونُ، وَشَرْعًا: هِيَ عَقْدُ إِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَازِمَةً، وَيُسَمَّى مُهَادَنَةً، وَمُوَادَعَةً، وَمُعَاهَدَةً، وَمُسَالَمَةً، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1] {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] وَالسُّنَّةُ مَا رَوَى مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى وَضْعِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ» ، وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ، فَيُهَادِنُهُمْ حَتَّى يَقْوَوْا. (وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْهُدْنَةِ وَالذِّمَّةِ إِلَّا مِنَ الْإِمَامِ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (أَوْ نَائِبِهِ) لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ، وَمُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهُ، وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِنَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا مَحَلًّا لِذَلِكَ، لِعَدَمِ وَلَايَتِهِمْ، وَلَوْ جُوِّزَ ذَلِكَ لِلْآحَادِ، لَزِمَ تَعْطِيلُ الْجِهَادِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " لِآحَادِ الْوُلَاةِ عَقْدُهُ مَعَ أَهْلِ قَرْيَةٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ هَادَنَهُمْ غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لَمْ يَصِحَّ، فَلَوْ دَخَلَ بَعْضُهُمْ بِهَذَا الصُّلْحِ دَارَ الْإِسْلَامِ، كَانَ أَمْنًا لِاعْتِقَادِهِ، وَلَا يُقَرُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، بَلْ يُرَدُّ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَوْ مَاتَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ عُزِلَ، لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ، وَعَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُ إِمْضَاؤُهُ لِئَلَّا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ، وَيَسْتَمِرُّ مَا لَمْ يَنْقُضْهُ الْكُفَّارُ بِقِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَمَتَى رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ) إِمَّا لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْقِتَالِ، وَإِمَّا بِإِعْطَاءِ مَالٍ مَنًّا ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِيَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ (جَازَ لَهُ عَقْدُهَا) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَادَنَ قُرَيْشًا (مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَإِنْ طَالَتْ) لِأَنَّ مَا وَجَبَ تَقْدِيرُهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 عَشْرِ سِنِينَ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَشْرِ، بَطَلَ فِي الزِّيَادَةِ، وَفِي الْعَشْرِ رِوَايَتَانِ. وَإِنْ هَادَنَهُمْ مُطْلَقًا، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا، كَنَقْضِهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ رَدِّ النِّسَاءَ   [المبدع في شرح المقنع] مَعْلُومًا، كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَفِيهِ وَجْهٌ كَالْخِيَارِ، إِذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الطَّوِيلَةِ كَالْقَصِيرَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا تَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فَجَازَتْ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا كَمُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ عَقْدُهَا لِلْمَصْلَحَةِ ، فَحَيْثُ وُجِدَتْ جَازَتْ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ. (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ) قَالَ الْقَاضِي: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] الْآيَةَ، خُصَّ مِنْهُ الْعَشْرُ، لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ (فَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَشْرِ، بَطَلَ فِي الزِّيَادَةِ) لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهَا. (وَفِي الْعَشْرِ رِوَايَتَانِ) مَبْنِيَّتَانِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْبُطْلَانِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا عَقَدَهَا مَجَّانًا مَعَ قُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِظْهَارِهِمْ، لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَصْلَحَةِ رَجَاءِ إِسْلَامِهِمْ، فَيَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ بَلْ لِمَصْلَحَةِ تَرْكِ قِتَالِهِمْ فِي الْحَرَمِ تَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ اللَّهِ. وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْقِتَالِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَلَا بَدَلٍ، وَفِي " الْإِرْشَادِ " وَ " الْمُبْهِجِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " عَلَى الْمَنْعِ: يَجُوزُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] وَفِيمَا فَوْقَهَا، وَدُونَ الْحَوْلِ وَجْهَانِ، فَأَمَّا الْحَوْلُ، فَلَا يَجُوزُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَجْهًا وَاحِدًا. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا بِمَالٍ مَنًّا إِلَّا لِضَرُورَةٍ شَدِيدَةٍ مِثْلَ أَنْ يُحَاطَ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي " الْفُنُونِ " لِضَعْفِنَا مَعَ الْمَصْلَحَةِ . وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: لِحَاجَةٍ، وَكَذَا قَالَهُ أَبُو يَعْلَى فِي " الْخِلَافِ " فِي الْمُؤَلَّفَةِ، وَاحْتَجَّ لِعَزْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى بَذْلِ شَطْرِ نَخْلِ الْمَدِينَةِ. (وَإِنْ هَادَنَهُمْ مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ إِطْلَاقَ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ؛ وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. [الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فِي الْهُدْنَةِ] (وَإِنْ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا كَنَقْضِهَا مَتَى شَاءَ) لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، إِذْ هُوَ عَقْدٌ مُؤَقَّتٌ، فَكَانَ تَعْلِيقُهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ بَاطِلًا كَالْإِجَارَةِ. وَكَذَا إِنْ قَالَ: هَادَنْتُكُمْ مَا شِئْنَا أَوْ شَاءَ فُلَانٌ. لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ؛ لِقَوْلِهِ «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 إِلَيْهِمْ، أَوْ صَدَاقِهِنَّ أَوْ سِلَاحِهِمْ، أَوْ إِدْخَالِهِمُ الْحَرَمَ، بَطَلَ الشَّرْطُ. وَفِي الْعَقْدِ وَجْهَانِ. . وَإِنْ شَرَطَ رَدَّ مَنْ جَاءَ مِنَ الرِّجَالِ مُسْلِمًا، جَازَ، وَلَا يَمْنَعُهُمْ أَخْذَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] اللَّهُ» . وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ صِحَّتَهُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ، وَيَعْمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ. وَأَخَذَ صَاحِبُ " الْهَدْيِ " مِنْ قَوْلِهِ «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ» جَوَازَ إِجْلَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إِذَا اسْتُغْنِيَ عَنْهُمْ، وَقَدْ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ (أَوْ رَدِّ النِّسَاءِ) الْمُسْلِمَاتِ (إِلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إِنَّ اللَّهَ قَدْ مَنَعَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ» ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا، وَلَا يُمْكِنَهَا أَنْ تَغْزُوَ، وَكَذَا شَرْطُ رَدِّ صَبِيٍّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهَا فِي ضَعْفِ الْعَقْلِ، وَالْعَجْزِ عَنِ التَّخَلُّصِ وَالْهَرَبِ بِخِلَافِ الطِّفْلِ الَّذِي لَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ، فَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّنَا (أَوْ صَدَاقِهِنَّ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ بُضْعَ الْمَرْأَةِ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ، وَالثَّانِيَةُ: يَصِحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَدَّ الْمَهْرَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءِ، وَكَانَ شَرْطًا صَحِيحًا، ثُمَّ نُسِخَ فَوَجَبَ رَدُّ الْبَدَلِ لِصِحَّةِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ حُكْمِ مَنْ بَعْدَهُ؛ فَإِنَّ رَدَّ النِّسَاءِ نُسِخَ فَلَمْ يَبْقَ صَحِيحًا، وَنَصَرَ فِي " الْمُبْهِجِ " الْأُولَى كَمَا لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ. وَفِي لُزُومِ مُسْلِمٍ تَزَوَّجَهَا رَدُّ مَهْرِهَا الَّذِي كَانَ دَفَعَهُ إِلَيْهَا زَوْجٌ كَافِرٌ إِلَيْهِ رِوَايَتَانِ. وَقَدَّمَ فِي " الِانْتِصَارِ " رَدَّ الْمَهْرِ مُطْلَقًا إِنْ جَاءَ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَإِلَّا رُدَّتْ إِلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَى نَسْخَهُ؛ وَإِنْ نَصَّ أَحْمَدُ لَا يَرُدُّهُ (أَوْ) رَدِّ (سِلَاحِهِمْ) وَكَذَا إِعْطَاؤُهُمْ شَيْئًا مِنْ سِلَاحِنَا أَوْ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ (أَوْ إِدْخَالِهِمُ الْحَرَمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] (بَطَلَ الشَّرْطُ) فِي الْكُلِّ. (وَفِي الْعَقْدِ وَجْهَانِ) مَبْنِيَّانِ عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، لَكِنْ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِذَا شَرَطَ أَنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ نَقْضُهَا مَتَى شَاءَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ طَائِفَةَ الْكُفَّارِ يَبْنُونَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَلَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنَ الْجِهَتَيْنِ، فَيَفُوتُ مَعْنَى الْهُدْنَةِ. [الشُّرُوطُ الصَّحِيحَةُ فِي الْهُدْنَةِ] (وَإِنْ شَرَطَ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الشَّرْطِ الصَّحِيحِ، وَقَدَّمَ الْفَاسِدَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقِتَالِهِمْ وَالْفِرَارِ مِنْهُمْ، وَعَلَى الْإِمَامِ حِمَايَةُ مَنْ هَادَنَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ سَبَاهُمْ كُفَّارٌ آخَرُونَ، لَمْ يَجُزْ لَنَا   [المبدع في شرح المقنع] الْعَدَمِ (رَدَّ مَنْ جَاءَ مِنَ الرِّجَالِ مُسْلِمًا جَازَ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ، وَمَحَلُّهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ. صَرَّحَ بِهِ الْجَمَاعَةُ فَأَمَّا مَعَ اسْتِظْهَارِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّتِهِمْ، فَلَا. (وَلَا يَمْنَعُهُمْ أَخْذَهُ) لِأَنَّ «أَبَا بَصِيرٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فَجَاءُوا فِي طَلَبِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا. فَرَجَعَ مَعَ الرَّجُلَيْنِ، فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا، وَرَجَعَ فَلَمْ يَلُمْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . (وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُجْبِرْ أَبَا بَصِيرٍ، وَلِأَنَّ فِي إِجْبَارِهِ عَلَى الْمُضِيِّ مَعَهُمْ إِجْبَارًا لَهُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ. (وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ) سِرًّا (بِقِتَالِهِمْ وَالْفِرَارِ مِنْهُمْ) لِأَنَّهُ رُجُوعٌ إِلَى بَاطِلٍ، فَكَانَ لَهُ الْأَمْرُ بِعَدَمِهِ، كَالْمَرْأَةِ إِذَا سَمِعَتْ طَلَاقَهَا. وَفِي " التَّرْغِيبِ " يَعْرِضُ لَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ. (وَعَلَى الْإِمَامِ حِمَايَةُ مَنْ هَادَنَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ أَمَّنَهُ مِمَّنْ هُوَ فِي قَبْضَتِهِ، وَتَحْتَ يَدِهِ، وَكَذَا يَلْزَمُهُ حِمَايَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. صَرَّحَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَتَرَكَهُ الْمُؤَلِّفُ لِظُهُورِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَتْ حِمَايَتُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَأَنْ يَجِبَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَعَلَى هَذَا لَوْ أَتْلَفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِمْ شَيْئًا. فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ. (دُونَ غَيْرِهِمْ) أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهِ حِمَايَتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَا حِمَايَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ الْتِزَامُ الْكَفِّ عَنْهُمْ فَقَطْ؛ (وَإِنْ سَبَاهُمْ كُفَّارٌ آخَرُونَ) بِأَنْ أَغَارُوا عَلَيْهِمْ أَوْ سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ (لَمْ يَجُزْ لَنَا شِرَاؤُهُمْ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ يَقْتَضِي رَفْعَ الْأَذَى عَنْهُمْ، وَفِي اسْتِرْقَاقِهِمْ أَذًى لَهُمْ بِالْإِذْلَالِ بِالرِّقِّ؛ فَلَمْ يَجُزْ كَسْبُهُمْ. وَالْوَاحِدُ كَالْكُلِّ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ اسْتِنْقَاذُهُمْ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً مَنْصُوصَةً: لَنَا شِرَاؤُهُمْ مِنْ سَابِيهِمْ، وَذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ عَنْهُمْ؛ فَلَا يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقُهُمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا: لَوْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الَّذِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 شِرَاؤُهُمْ، وَإِنْ خَافَ نَقْضَ الْعَهْدِ مِنْهُمْ؛ نَبَذَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ. بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا إِلَّا لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَمَنْ يُوَافِقُهُمْ   [المبدع في شرح المقنع] أَسَرُوهُمْ، وَأَخَذُوا مَالَهُمْ، وَاسْتَنْقَذُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ، لَمْ يَلْزَمْهُ رَدٌّ، عَلَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ. وَيَجُوزُ لَنَا شِرَاءُ وَلَدِهِمْ وَأَهْلِهِمْ مِنْهُ إِذَا بَاعَهُ كَحَرْبِيٍّ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ كَذِمَّةٍ؛ وَلِأَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ مِنَّا، وَكَمَا لَوْ سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَبَاعَهُ مِنَّا بِخِلَافِ مَا إِذَا سَبَى بَعْضُهُمْ وَلَدَ بَعْضٍ، وَبَاعَهُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ. (وَإِنْ خَافَ نَقْضَ الْعَهْدِ مِنْهُمْ، نَبَذَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: قَدْ نَبَذْتُ عَهْدَكُمْ، وَعُدْتُمْ حَرْبًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] . يَعْنِي: أَعْلَمَهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ حَتَّى تَصِيرَ أَنْتَ وَهُمْ سَوَاءً فِي الْعِلْمِ، وَيَجِبُ إِعْلَامُهُمْ قَبْلَ الْإِغَارَةِ. وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِنْ صَدَرَ مِنْهُمْ خِيَانَةٌ، فَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهَا خِيَانَةٌ أَغَظْنَاهُمْ؛ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ: فَلَوْ نَقَضَهُ وَفِي دَارِنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَجَبَ رَدُّهُ إِلَى مَأْمَنِهِ، لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ حَقٌّ اسْتُوفِيَ؛ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَاءٍ وَذُرِّيَّةٍ تَبَعًا لَهُمْ. وَفِي جَوَازِ قَتْلِ رَهَائِنِهِمْ بِقَتْلِهِمْ رَهَائِنَنَا رِوَايَتَانِ. [بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ] [حُكْمُ عقد الذمة] بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ. قَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ: الذِّمَّةُ: الْأَمَانُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» وَالذِّمَّةُ: الضَّمَانُ وَالْعَهْدُ، مِنْ: أَذَمَّهُ يَذُمُّهُ: إِذَا جَعَلَ لَهُ عَهْدًا. وَمَعْنَى عَقْدِ الذِّمَّةِ: إِقْرَارُ بَعْضِ الْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِ بِشَرْطِ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ. (لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا إِلَّا) مِنَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَقْدُهَا إِذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهَا مَا لَمْ يَخَفْ غَائِلَةً مِنْهُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 فِي التَّدَيُّنِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، كَالسَّامِرَةِ وَالْفِرِنْجِ وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَالْمَجُوسِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ عَقْدُهَا لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلَّا عَبْدَةَ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ. فَأَمَّا الصَّابِئُ، فَيُنْظَرُ فِيهِ؛   [المبدع في شرح المقنع] وَصِفَةُ عَقْدِهَا: أَقْرَرْتُكُمْ بِجِزْيَةٍ، أَوْ يَبْذُلُونَهَا؛ فَيَقُولُ: أَقْرَرْتُكُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَالْجِزْيَةُ: مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ كُلَّ عَامٍ بَدَلًا عَنْ قَتْلِهِمْ وَإِقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا (لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمُ الْيَهُودُ) وَاحِدُهُمْ يَهُودِيٌّ حَذَفُوا يَاءَ النِّسْبَةِ فِي الْجَمْعِ كَزِنْجٍ، وَزِنْجِيٍّ. وَفِي تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ هَادُوا عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ أَيْ: تَابُوا، أَوْ لِأَنَّهُمْ مَالُوا عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، أَوْ أَنَّهُمْ يَهُودُونَ عِنْدَ قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ، أَيْ: يَتَحَرَّكُونَ أَوْ لِنَسَبِهِمْ إِلَى يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ بِالْمُعْجَمَةِ، ثُمَّ عُرِّبَتْ بِالْمُهْمَلَةِ. (وَالنَّصَارَى) وَاحِدُهُمْ نَصْرَانِيٌّ، وَالْأُنْثَى نَصْرَانِيَّةٌ نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ بِالشَّامِ يُقَالُ لَهَا: نَصْرَانُ، وَنَاصِرَةٌ (وَمَنْ يُوَافِقُهُمْ فِي التَّدَيُّنِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ كَالسَّامِرَةِ) وَهِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ نُسِبَ إِلَيْهِمُ السَّامِرِيُّ، وَيُقَالُ لَهُمْ فِي زَمَنِنَا: سَمَرَةٌ بِوَزْنِ سَحَرَةٍ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ يَتَشَدَّدُونَ فِي دِينِهِمْ، وَيُخَالِفُونَهُمْ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ. (وَالْفِرِنْجُ) وَهُمُ الرُّومُ، وَيُقَالُ لَهُمْ: بَنُو الْأَصْفَرِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا مُوَلَّدَةٌ نِسْبَةً إِلَى فَرَنْجَةَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَسُكُونِ ثَالِثِهِ، وَهِيَ جَزِيرَةٌ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا فِرِنْجِيٌّ، ثُمَّ حُذِفَتْ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إِلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] «وَقَوْلُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ لِعَامِلِ كِسْرَى: أَمَرَنَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِمَّنْ بَذَلَهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ. وَإِقْرَارُهُمْ بِذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. (وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَالْمَجُوسِ) لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُمْ حَتَّى شَهِدَ عِنْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَإِنَّمَا قِيلَ: لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ، فَرُفِعَ، فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ أَوْجَبَتْ حَقْنَ دِمَائِهِمْ، وَأَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. وَلَمْ يَنْتَهِضْ فِي إِبَاحَةِ نِسَائِهِمْ، وَحِلِّ ذَبَائِحِهِمْ. (وَعَنْهُ: يَجُوزُ عَقْدُهَا لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلَّا عَبْدَةَ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ) لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 فَإِنِ انْتَسَبَ إِلَى أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَمَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] «أَنَّ النَّبِيَّ صَالَحَ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ عَلَى الْجِزْيَةِ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ» . وَفِي " الْفُنُونِ " لَمْ أَجِدْ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا أَنَّ الْوَثَنِيَّ يُقَرُّ بِجِزْيَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ رِوَايَةً بِخَطِّ أَبِي سَعْدٍ الْبَرْدَانِيِّ أَنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ يُقَرُّونَ بِجِزْيَةٍ؛ فَيُعْطِي هَذَا أَنَّهُمْ يُقَرُّونَ بِجِزْيَةٍ عَلَى عَمَلِ أَصْنَامٍ يَعْبُدُونَهَا فِي بُيُوتِهِمْ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِذَلِكَ فِي سِيرَةٍ مِنْ سِيَرِ السَّلَفِ وَبَعْدِهَا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَخْذَهَا مِنَ الْكُلِّ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّ عَبْدَةَ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ، لِكَوْنِهِمْ مِنْ رَهْطِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرُفُوا بِهِ، فَلَا يُقَرُّونَ عَلَى غَيْرِ دِينِهِ، وَغَيْرُهُمْ يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرِقُّ بِالِاسْتِرْقَاقِ كَالْمَجُوسِ. (فَأَمَّا الصَّابِئُ فَيُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنِ انْتَسَبَ إِلَى أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ) وَقَالَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُشَارِكًا لِأَهْلِهِ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَإِنْ سُمُّوا بِاسْمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ فِي الدِّينِ تُوجِبُ الْمُوَافَقَةَ فِي الْحُكْمِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ جِنْسٌ مِنَ النَّصَارَى، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُمْ يَسْبِتُونَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِنْ لَمْ يُنْسَبْ إِلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفَلَكَ حَيٌّ نَاطِقٌ، وَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ؛ وَحِينَئِذٍ فَهُمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ. (وَمَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ) أَوْ تَمَجَّسَ (بَعْدَ بَعْثِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ كَالْأَصْلِيِّ فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقْبَلُهَا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ. وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ لَسَأَلَ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ، وَعَنْهُ: لَا نَقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ الْقَتْلَ؛ لِأَنَّهُ بِتَرْكِهِ الدِّينَ الْأَوَّلَ هُوَ مُقِرٌّ بِبُطْلَانِهِ، فَلَا يُقَرُّ عَلَى دِينٍ بَاطِلٍ غَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُقَرُّ عَلَى غَيْرِ الْمَجُوسِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّمَجُّسَ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الِانْتِقَالَ إِلَيْهَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ يَكُونُ مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَتَى وَهُوَ عَلَى أَصْلِ الدِّينِ. وَفِي " الْمَذْهَبِ " وَ " التَّرْغِيبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ: قَبْلَ الْبَعْثَةِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ كَبَعْدِ الْبِعْثَةِ. وَقَدَّمَ فِي " التَّبْصِرَةِ " وَلَوْ قَبْلَ التَّبْدِيلِ (أَوْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا) كَوَلَدِ الْوَثَنِيِّ مِنْ كِتَابِيَّةٍ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ؛ أَصَحُّهُمَا: أَنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ إِذَا اخْتَارَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِثْلَيْ مَا تُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ، وَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ   [المبدع في شرح المقنع] دِينَ الْآخَرِ، لِعُمُومِ النَّصِّ فِيهِمْ، وَلِأَنَّهُ اخْتَارَ أَفْضَلَ الدِّينَيْنِ، وَأَقَلَّهُمَا كُفْرًا. وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ سِوَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ الْقَبُولُ وَعَدَمُهُ، فَرَجَعَ إِلَى الْأَصْلِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا اخْتَارَ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ (وَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ) ابْنِ وَائِلٍ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ فَإِنَّهُمُ انْتَقَلُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ، فَدَعَاهُمْ عُمَرُ إِلَى بَذْلِ الْجِزْيَةِ؛ فَأَبَوْا وَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا آخُذُ مِنْ مُشْرِكٍ صَدَقَةً، فَلَحِقَ بَعْضُهُمْ بِالرُّومِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْقَوْمَ لَهُمْ بَأْسٌ وَشِدَّةٌ، وَهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنَ الْجِزْيَةِ، فَلَا تُعِنْ عَلَيْكَ عَدُوَّكَ بِهِمْ، وَخُذْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ، فَبَعَثَ عُمَرُ فِي طَلَبِهِمْ فَرَدَّهُمْ. (وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِثْلَيْ مَا تُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ تَمَامَ حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ ضَعَّفَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاتَانِ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعَانِ، وَفِي كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْخُمُسُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دُولَابٍ الْعُشْرُ. وَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَتُؤْخَذُ عِوَضَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ مِثْلَا زَكَاةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ) وَكَذَا مَكَافِيفُهُمْ، وَشُيُوخُهُمْ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالْأَنْفُسِ سَقَطَ، وَانْتَقَلَ إِلَى الْأَمْوَالِ بِتَقْرِيرِهِمْ، فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالٍ زَكَوِيٍّ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ نِسَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ صِينُوا عَنِ السَّبْيِ بِهَذَا الصُّلْحِ، وَدَخَلُوا فِي حُكْمِهِ، فَجَازَ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْوَاجِبِ بِهِ، كَالرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ؛ فَعَلَى هَذَا مَنْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الزَّكَاةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَحِينَئِذٍ يَتَقَيَّدُ بِالنِّصَابِ. (وَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْجِزْيَةِ) فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُشْرِكٍ فَكَانَ جِزْيَةً، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ جِزْيَةٌ مُسَمَّاةٌ بِالصَّدَقَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 الْجِزْيَةِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَصْرِفُ الزَّكَاةِ وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِيٍّ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ. وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] هَؤُلَاءِ حَمْقَى رَضُوا بِالْمَعْنَى، وَأَبَوْا الِاسْمَ. (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَصْرِفُ الزَّكَاةِ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ مُسَمًّى بِالصَّدَقَةِ، فَكَانَ مَصْرِفُهُ مَصْرِفَهَا. وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَخَصُّ مِنَ الِاسْمِ، وَلَوْ كَانَ صَدَقَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ لَجَازَ دَفْعُهَا إِلَى فُقَرَاءِ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُمْ، كَصَدَقَةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِيٍّ غَيْرِهِمْ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] «وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» ، وَهُمْ عَرَبٌ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ أَهْلُ نَجْرَانَ، وَكَانُوا نَصَارَى، وَأَخَذَهَا مِنْ أُكَيْدِرِ دَوْمَةَ وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَحُكْمُهَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ كِتَابِيٍّ، عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، إِلَّا مَا خُصَّ بِهِ بَنُو تَغْلِبَ لِمُصَالَحَةِ عُمَرَ إِيَّاهُمْ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُمْ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ. وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ لِأَوْجُهٍ. (وَقَالَ الْقَاضِي: تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ) لِأَنَّهُمْ مِنَ الْعَرَبِ، أَشْبَهُوا بَنِي تَغْلِبَ، وَذَكَرَ هُوَ وَأَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ حُكْمَ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخٍ، وَتَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ، وَتَمَجَّسَ مِنْ تَمِيمٍ حُكْمُ بَنِي تَغْلِبَ سَوَاءٌ. وَقِيلَ: لَا، وَاخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَحَكَاهُ نَصُّ أَحْمَدَ. فَرْعٌ: لِلْإِمَامِ مُصَالَحَةُ مِثْلِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ إِذَا خَشِيَ ضَرَرَهُ بِقُوَّةِ شَوْكَةٍ، وَأَبَاهَا إِلَّا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةً، نَصَّ عَلَيْهِ. [مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ] (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ) لِأَنَّ مِثْلَهُمْ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى – {قَاتِلُوا} وَالْمُقَاتَلَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مِنِ اثْنَيْنِ، وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: أَنِ اضْرِبُوا الْجِزْيَةَ، وَلَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. (وَلَا امْرَأَةٍ) لِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ بَذَلَتْهَا أُخْبِرَتْ بِأَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا، فَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِهَا، قُبِلَتْ، وَتَكُونُ هِبَةً تَلْزَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 مَجْنُونٍ، وَلَا زَمِنٍ وَلَا أَعْمَى، وَلَا عَبْدٍ، وَلَا فَقِيرٍ يَعْجَزُ عَنْهَا وَمَنْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ، أَوِ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْقَبْضِ؛ فَإِنْ شَرَطَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَلَهَا ذَلِكَ، فَإِنْ بَذَلَتْهَا لِدُخُولِ دَارِنَا، مَكَثَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَلْتَزِمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَتُعْقَدَ لَهَا الذِّمَّةُ. وَفِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَجْهَانِ؛ جَزَمَ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّهَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ رَجُلًا؛ فَإِنْ بَانَ رَجُلًا فَلِلْمُسْتَقْبَلِ، وَيَتَوَجَّهُ وَلِلْمَاضِي. (وَلَا مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّبِيِّ. (وَلَا زَمِنٍ وَلَا أَعْمَى) وَلَا شَيْخٍ فَانٍ، وَلَا مَنْ هُوَ فِي مَعْنَاهُمْ، كَمَنْ بِهِ دَاءٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِتَالَ مَعَهُ، وَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِحَقْنِ الدَّمِ، وَهَؤُلَاءِ دِمَاؤُهُمْ مَحْقُونَةٌ بِدُونِهَا كَالنِّسَاءِ. (وَلَا عَبْدٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا جِزْيَةَ عَلَى عَبْدٍ» وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ إِيجَابَهَا عَلَيْهِ يُؤَدِّي إِلَى إِيجَابِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي عَنْهُ، أَوْ لِكَافِرٍ؛ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ، وَتَسْقُطُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُكَاتِبًا قَالَ أَحْمَدُ: الْمَكَاتِبُ عَبْدٌ. فَرْعٌ: إِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ لَزِمَتْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ، سَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا. وَعَنْهُ: يُقَرُّ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، وَضَعَّفَهَا الْخَلَّالُ. وَعَنْهُ: لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 اسْتَغْنَى فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ، وَمَنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ، لُفِّقَتْ إِفَاقَتُهُ، فَإِذَا بَلَغَتْ حَوْلًا، أُخِذَتْ مِنْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ إِفَاقَتِهِ مِنْهُ، وَتُقَسَّمُ الْجِزْيَةُ بَيْنَهُمْ، فَيُجْعَلُ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ   [المبدع في شرح المقنع] مُعْتِقُهُ مُسْلِمًا لِوَلَايَتِهِ عَلَيْهِ، كَالرِّقِّ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَقًا بَعْضُهُ فَيَلْزَمُهُ بِقَدْرِ جِزْيَتِهِ كَالْإِرْثِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. (وَلَا فَقِيرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلِأَنَّهَا مَالٌ يَجِبُ بِحُلُولِ الْحَوْلِ، فَلَمْ يَلْزَمِ الْفَقِيرَ كَالزَّكَاةِ (يَعْجِزُ عَنْهَا) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ خَرَاجُ الرُّءُوسِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ بِقَدْرِ الْغَلَّةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ، لَمْ يَجِبْ كَالْأَرْضِ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يَعْجِزُ عَنْهَا وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَغْنِيَاءِ، وَفِي الْفَقِيرِ الْعَاجِزِ عَنْهَا احْتِمَالٌ بِالْوُجُوبِ كَالْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ عَلَى الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ: لَا تَلْزَمُ رَاهِبًا بِصَوْمَعَةٍ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " بِهَا. وَفِيهِ وَجْهٌ: تَجِبُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَرَضَهَا عَلَى الرُّهْبَانِ، عَلَى كُلِّ رَاهِبٍ دِينَارًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَبْقَى فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ إِلَّا بُلْغَتُهُ. وَفِي اتِّجَارِهِ أَوْ زِرَاعَتِهِ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهُمْ فَيَلْزَمُهُ إِجْمَاعًا. (وَمَنْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ أَوِ اسْتَغْنَى) أَوْ عَتَقَ (فَهُوَ مِنْ أَهْلُهَا) أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ (بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ) وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ تَجْدِيدُهُ لِمَنْ ذَكَرَ، لِكَوْنِ أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ مَعَ سَادَتِهِمْ، فَيَدْخُلُ فِيهِ سَائِرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُخَيَّرُ بَيْنَ الْتِزَامِ الْعَقْدِ، وَبَيْنَ أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ، فَيُجَابُ إِلَى مَا يَخْتَارُ؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ (تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِلسَّنَةِ (بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ) فَعَلَيْهِ، إِنْ صَارَ أَهْلًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ أُخِذَتْ مِنْهُ فِي آخِرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي نِصْفِهِ، فَنِصْفُهَا عَلَى هَذَا الْحِسَابِ. وَلَا يُتْرَكُ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلًا مِنْ حِينِ وُجِدَ سَبَبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى إِفْرَادِهِ بِحَوْلٍ، وَضَبْطُ كُلِّ إِنْسَانٍ بِحَوْلٍ يَشُقُّ وَيَتَعَذَّرُ. (وَمَنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ لُفِّقَتْ إِفَاقَتُهُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ. (فَإِذَا بَلَغَتْ) إِقَامَتُهُ (حَوْلًا أُخِذَتْ مِنْهُ) لِأَنَّ حَوْلَهُ لَا يَكْمُلُ إِلَّا حِينَئِذٍ (وَيُحْتَمَلُ) هَذَا قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ (أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ إِفَاقَتِهِ مِنْهُ) لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي كُلِّ حَوْلٍ، فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِحِسَابِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ، وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ، لَزِمَ قَبُولُهُ وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ. وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ، سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ،   [المبدع في شرح المقنع] كَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ. وَقِيلَ فِيمَنْ لَا يَنْضَبِطُ أَمْرُهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ. 1 - (وَتُقَسَّمُ الْجِزْيَةُ بَيْنَهُمْ) أَيْ: بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ؛ (فَيُجْعَلُ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) وَهِيَ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ (وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) وَهِيَ دِينَارَانِ (وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ) وَهِيَ دِينَارٌ لِفِعْلِ عُمَرَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، وَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُعَاذٍ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» بِأَنَّ الْفَقْرَ كَانَ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ أَغْلَبَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ، قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ، وَبِأَنَّ الْجِزْيَةَ يُرْجَعُ فِيهَا إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ التَّقْدِيرُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صَغَارًا وَعُقُوبَةً، وَاخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِهِمْ، وَلَيْسَتْ عِوَضًا عَنْ سُكْنَى الدَّارِ، وَإِلَّا لَوَجَبَتْ عَلَى النِّسَاءِ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُنَّ. فَرْعٌ: يَجُوزُ أَخْذُ الْقِيمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ عَدْلِهِ مَعَافِرٌ، وَلِتَغْلِيبِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِيهَا، وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَنِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهِمْ كَثِيَابِهِمْ. (وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَا تَوْقِيفَ هُنَا، فَوَجَبَ رَدُّهُ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ، وَقِيلَ: مَنْ مَلَكَ نِصَابًا - وَحُكِيَ رِوَايَةً - فَهُوَ غَنِيٌّ كَالْمُسْلِمِ، وَعَنْهُ: مَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَهُوَ غَنِيٌّ. (وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ، لَزِمَ قَبُولُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُعَاذٍ «ادْعُهُمْ إِلَى الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ» (وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ) لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَعَلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 وَإِنْ مَاتَ، أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ. وَإِنِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا. وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ، وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا، وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ، وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ غَايَةً لِقِتَالِهِمْ، وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ إِلَيْهِمْ بِأَخْذِ الْمَالِ (وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ جِزْيَةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ سَبَّبَهَا الْكُفْرُ فَسَقَطَتْ بِالْإِسْلَامِ، وَفِي " الْإِيضَاحِ " لَا تَسْقُطُ بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: تَجِبُ بِقِسْطِهِ (وَإِنْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ فَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَكَمَا لَوْ طَرَأَ مَانِعٌ فِي الْأَصَحِّ (وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ) لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ فَسَقَطَتْ بِهِ كَالْحَدِّ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ إِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ بِالْمَوْتِ، وَتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ. (وَإِنِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ، اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا) وَلَمْ يَتَدَاخَلْ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّهَا حَقُّ مَالٍ يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ، فَلَمْ يَتَدَاخَلْ كَالدِّيَةِ (وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ) لِأَنَّهَا مَالٌ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ، فَلَمْ تُؤْخَذْ قَبْلَهُ كَالزَّكَاةِ، وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهِ، وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ نَقْضَ أَمَانِهِ، فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنَ الْعِوَضِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَصِحُّ، وَيَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ (وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا) مِنْهُمْ. (وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُسْتَحَقَّةٌ، فَلَا يُقْبَلُ إِرْسَالُهَا، لِزَوَالِ الصَّغَارِ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَفْرِقَتُهَا بِنَفْسِهِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا، وَقِيلَ: مُسْتَحَبَّةٌ، فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: الصَّغَارُ: الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ، وَجَرَيَانُ أَحْكَامِنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 الْمُسْلِمِينَ، وَتُبَيَّنُ أَيَّامُ الضِّيَافَةِ وَقَدْرُ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْعَلَفِ، وَعَدَدُ مَنْ يُضَافُ، وَلَا تَجِبُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَقِيلَ: تَجِبُ. فَإِذَا تَوَلَّى إِمَامٌ، فَعَرَفَ قَدْرَ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِمْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يُعَذَّبُونَ فِي أَخْذِهَا، وَلَا يُشْتَطُّ عَلَيْهِمْ. صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ. (وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ضَرَبَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ نَفْسٍ، وَأَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَلَفَ دَوَابِّهِمْ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ، وَلِأَنَّ فِي هَذَا ضَرْبًا مِنَ الْمَصْلَحَةِ. (وَتُبَيَّنُ أَيَّامُ الضِّيَافَةِ وَقَدْرُ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْعَلَفِ وَعَدَدُ مَنْ يُضَافُ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ فِي " الْوَجِيزِ " عَلَى الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّ الضِّيَافَةَ حَقٌّ وَجَبَ فِعْلُهُ، فَوَجَبَ بَيَانُهُ كَالْجِزْيَةِ. فَلَوْ شَرَطَ الضِّيَافَةِ وَأَطْلَقَ جَازَ. ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ كَالْمُسْلِمِينَ. وَلَا يُكَلَّفُونَ إِلَّا مِنْ طَعَامِهِمْ وَإِدَامِهِمْ؛ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي: لَا يَلْزَمُهُمُ الشَّعِيرُ مَعَ الْإِطْلَاقِ. وَالظَّاهِرُ: بَلَى لِلْخَيْلِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ، فَهُوَ كَالْخُبْزِ لِلرَّجُلِ. مَسْأَلَةٌ: تُقَسَّمُ الضِّيَافَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ جِزْيَتِهِمْ فَإِنْ جَعَلَ الضِّيَافَةَ مَكَانَ الْجِزْيَةِ جَازَ؛ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَبْلُغَ قَدْرُهَا أَصْلَ الْجِزْيَةِ إِذَا قُلْنَا: هِيَ مُقَدَّرَةٌ؛ لِئَلَّا يَنْقُصَ خَرَاجُهُ عَنْ أَقَلِّهَا. (وَلَا تَجِبُ) الضِّيَافَةُ (مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا أَدَاءُ مَالٍ، فَلَا يَلْزَمُهُمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ كَالْجِزْيَةِ (وَقِيلَ: تَجِبُ) بِغَيْرِ شَرْطٍ لِوُجُوبِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَالْكَافِرِ. فَعَلَى هَذَا تَجِبُ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَإِنْ شَرَطَهَا عَلَيْهِمْ، فَامْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِهَا لَمْ تُعْقَدْ لَهُمُ الذِّمَّةُ، فَلَوْ قَبِلُوا، وَامْتَنَعَ الْبَعْضُ مِنَ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ كَمَا لَوِ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا بِالْقِتَالِ، قُوتِلُوا فَإِنْ قَاتَلُوا، انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 جِزْيَتِهِمْ وَمَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ، رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ، فَإِنْ بَانَ لَهُ كَذِبُهُمْ، رَجَعَ عَلَيْهِمْ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ مَعَهُمْ. وَإِذَا عَقَدَ الذِّمَّةَ، كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ، وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَحُلَاهُمْ، وَدِينَهُمْ، وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا يَكْشِفُ حَالَ مَنْ بَلَغَ أَوِ اسْتَغْنَى أَوْ أَسْلَمَ، أَوْ سَافَرَ، أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ، أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ.   [المبدع في شرح المقنع] (فَإِذَا تَوَلَّى إِمَامٌ فَعَرَفَ قَدْرَ جِزْيَتِهِمْ وَمَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ أَقَرُّوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُجَدِّدُوا لِمَنْ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ عَقْدًا، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ، وَعَقْدٌ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يُنْقَضُ قَوْلُهُ؛ فَعُرِفَ إِمَّا بِمُبَاشَرَتِهِ مِنْ قَبْلُ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ ظَهَرَ، وَاعْتَبَرَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " ثُبُوتَهُ. (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) ذَلِكَ (رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ) فِي وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَالظَّاهِرُ صِدْقُهُمْ، فَإِنِ اتَّهَمَهُمْ، فَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ (فَإِنْ بَانَ) أَوْ ظَهَرَ (لَهُ كَذِبُهُمْ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ (رَجَعَ عَلَيْهِمْ) بِالنَّقْصِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَكَانَ لِلْإِمَامِ الْمُتَجَدِّدِ أَخْذُهُ كَالْأَوَّلِ. (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ مَعَهُمْ) لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَلَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ، وَلَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِمْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، فَوَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْعَقْدِ بِاجْتِهَادِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَقْدٌ سَابِقٌ. وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". (وَإِذَا عَقَدَ الذِّمَّةَ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ) فَيَقُولُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ. (وَحِلَاهُمْ) جَمْعُ حِلْيَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْحِلْيَةُ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ مِنْ طُولٍ وَقِصَرٍ، وَسُمْرَةٍ وَبَيَاضٍ؛ أَدْعَجَ الْعَيْنِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ، وَنَحْوِهَا. (وَدِينَهُمْ) أَيْ: يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا (وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا) وَهُوَ الْقَيِّمُ بِأُمُورِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ (يَكْشِفُ حَالَ مَنْ بَلَغَ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تُجَدَّدَ بِهِ (أَوِ اسْتَغْنَى أَوْ أَسْلَمَ) لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِهِ (أَوْ سَافَرَ) لِتَعَذُّرِ أَخْذِهَا مَعَ السَّفَرِ (أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ) أَيْ: الذِّمَّةَ الْمَعْقُودَةَ لَهُ، (أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ) لِيَفْعَلْ فِيهِ الْإِمَامُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ. خَاتِمَةٌ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ تَغْيِيرُ عَقْدِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُؤَبَّدٌ، وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ مَعَهُمْ كَذَلِكَ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ جَوَازَهُ لِاخْتِلَافِ الْمَصْلَحَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ، وَجَعَلَهُ جَمَاعَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِأَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ فِيمَا دُونَ مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ. وَيَلْزَمُهُمُ التَّمَيُّزُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي شُعُورِهِمْ بِحَذْفِ مَقَادِمِ رُءُوسِهِمْ، وَتَرْكِ الْفَرْقِ، وَكُنَاهُمْ، فَلَا   [المبدع في شرح المقنع] كَتَغْيِيرِ خَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَقْتَضِي الْفَرْقَ، وَسَبَقَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ، لِتَكُونَ حُجَّةً لَهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهَا. [بَابُ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ] [مَا يُمْنَعُ مِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ] بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ. وَأَحْكَامُهُمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَجِبُ لَهُمْ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ عَقْدُهَا لَهُمْ (يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِأَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ) ، فَلَوْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ طَرَفًا أُخِذَ بِهِ كَالْمُسْلِمِ (وَالْمَالِ) فَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا لِغَيْرِهِ، ضَمِنَهُ (وَالْعِرْضِ) وَسَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ نَسَخَ كُلَّ حُكْمٍ يُخَالِفُهُ (وَ) يَلْزَمُهُ (إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ) كَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ الْيَهُودِ زَنَيَا، فَرَجَمَهُمَا» ، وَلِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي دِينِهِمْ، وَقَدِ الْتَزَمُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِ. وَعَنْهُ: إِنْ شَاءَ لَمْ يُقِمْ حَدَّ زِنَا بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَمِثْلُهُ قَطْعُ سَرِقَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ (دُونَ مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لِلْمَجُوسِ، لِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَلِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَلَأَنْ يُقَرُّوا عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى إِلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إِظْهَارِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَتَأَذَّوْنَ بِهِ. (وَيَلْزَمُهُمُ التَّمَيُّزُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ) فِي أُمُورٍ. مِنْهَا (فِي شُعُورِهِمْ بِحَذْفِ مَقَادِمِ رُءُوسِهِمْ، وَتَرْكِ الْفَراقِ) أَيْ: يَحْلِقُونَ مَقَادِمَ رُءُوسِهِمْ، وَلَا يَفْرُقُونَ شَعْرَ الرَّأْسِ فِرْقَتَيْنِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَشْرَافُ. (وَكُنَاهُمْ فَلَا يَتَكَنَّوْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 يَتَكَنَّوْنَ بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ كَأَبِي الْقَاسِمِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَرُكُوبِهِمْ بِتَرْكِ الرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ، وَرُكُوبِهِمْ عَرْضًا عَلَى الْأُكُفِ، وَلِبَاسِهِمْ، فَيَلْبَسُونَ ثَوْبًا يُخَالِفُ ثِيَابَهُمْ، كَالْعَسَلِيِّ وَالْأَدْكَنِ، وَشَدِّ الْخِرَقِ فِي قَلَانِسِهِمْ وَعَمَائِمِهِمْ، وَيُؤْمَرُ النَّصَارَى بِشَدِّ الزُّنَّارِ فَوْقَ ثِيَابِهِمْ، وَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمْ خَوَاتِيمُ الرَّصَاصِ، أَوْ جُلْجُلٌ يَدْخُلُ مَعَهُمُ الْحَمَّامَ.   [المبدع في شرح المقنع] بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ، كَأَبِي الْقَاسِمِ) ؛ فَإِنَّهَا كُنْيَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ) فَإِنَّهَا كُنْيَةُ كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ، وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا، كَأَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي الْحَسَنِ، مِمَّا هُوَ فِي الْغَالِبِ فِي الْمُسْلِمِينَ. وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنَ التَّكَنِّي مُطْلَقًا قَالَ أَحْمَدُ لِطَبِيبٍ نَصْرَانِيٍّ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِ عُمَرَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأُسْقُفِ نَجْرَانَ: يَا أَبَا الْحَارِثِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ» . وَعُمَرُ قَالَ: يَا أَبَا حَسَّانَ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يَجُوزُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: يُمْنَعُونَ مِنَ اللَّقَبِ كَعِزِّ الدِّينِ، وَنَحْوِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَرُكُوبِهِمْ) فَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ؛ لِأَنَّهَا عِزٌّ، وَهِيَ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ، وَأَفْضَلُ الْمَرَاكِبِ. وَلَهُمْ رُكُوبُ غَيْرِهَا (بِتَرْكِ الرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ) . وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ عَلَى حِمَارٍ. (وَرُكُوبِهِمْ عَرْضًا) رِجْلَاهُ إِلَى جَانِبٍ، وَظَهْرُهُ إِلَى آخَرَ. (عَلَى الْأُكُفِ) جَمْعُ إِكَافٍ، وَهِيَ الْبَرَادِعُ، لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ قَرُبَتِ الْمَسَافَةُ، أَوْ بَعُدَتْ. (وَلِبَاسُهُمْ فَيَلْبَسُونَ ثَوْبًا يُخَالِفُ) سَائِرَ (ثِيَابِهِمْ كَالْعَسَلِيِّ) لِلْيَهُودِ، (وَالْأَدْكَنِ) هُوَ لِبَاسٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إِلَى السَّوَادِ، كَالْفَاخِتِيِّ لِلنَّصَارَى (وَشَدِّ الْخِرَقِ فِي قَلَانِسِهِمْ وَعَمَائِمِهِمْ) وَتَكُونُ الْخِرْقَةُ مُخَالِفَةً لَهُمَا، لِيَتَمَيَّزَ مَعَ الثَّوْبِ الْمُخَالِفِ. (وَيُؤْمَرُ النَّصَارَى بِشَدِّ الزُّنَّارِ فَوْقَ ثِيَابِهِمْ) لِأَنَّهُمْ إِذَا شَدُّوهُ مِنْ دَاخِلٍ لَمْ يُرَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ: لَكِنَّ الْمَرْأَةَ تَشُدُّهُ فَوْقَ ثِيَابِهَا تَحْتَ الْإِزَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شُدَّ فَوْقَهُ لَمْ يَثْبُتْ. وَغِيَارُهَا فِي الْخُفَّيْنِ بِاخْتِلَافِ لَوْنِهِمَا، فَإِنْ أَبَوُا الْغِيَارَ، لَمْ يُجْبَرُوا، وَنُغَيِّرُهُ نَحْنُ. (وَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمْ خَوَاتِيمُ الرَّصَاصِ أَوْ جُلْجُلٌ) وَهُوَ الْجَرَسُ الصَّغِيرُ (يَدْخُلُ مَعَهُمُ الْحَمَّامَ) لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ. وَظَاهِرُهُ جَوَازُ دُخُولِهَا الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ، وَسَيَأْتِي. وَاقْتَضَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 وَلَا يَجُوزُ تَصْدِيرُهُمْ فِي الْمَجَالِسِ وَلَا بُدَاءَتُهُمْ بِالسَّلَامِ وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمْ، قِيلَ لَهُ: وَعَلَيْكُمْ، وَفِي تَهْنِئَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ رِوَايَتَانِ. وَيُمْنَعُونَ تَعْلِيَةَ الْبُنْيَانِ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ لُبْسَ الطَّيَالِسَةِ، وَهُوَ الْمُذَهَّبُ، لِأَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ فَاخِرِ الثِّيَابِ، وَالتَّمْيِيزُ حَصَلَ بِالْغِيَارِ، وَالزُّنَّارِ. وَعَنْهُ: الْمَنْعُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لُبْسُ مَا فِيهِ الذِّلَّةُ وَالِانْكِسَارُ، لَا ضِدُّهُ. أَصْلٌ: يَلْزَمُ تَمْيِيزُ قُبُورِهِمُ عَنْ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ تَمْيِيزًا ظَاهِرًا كَالْحَيَاةِ وَأَوْلَى. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلَا يَجُوزُ تَصْدِيرُهُمْ فِي الْمَجَالِسِ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُمْ، وَفِي مَعْنَاهُ الْقِيَامُ لَهُمْ. (وَلَا بُدَاءَتُهُمْ بِالسَّلَامِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ عَزَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ إِلَى التِّرْمِذِيِّ فَقَطْ، وَفِي الْحَاجَةِ احْتِمَالٌ. وَمِثْلُهُ: كَيْفَ أَنْتَ؟ أَوْ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ أَوْ كَيْفَ حَالُكَ؟ نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَوَّزَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَيَتَوَجَّهُ بِالنِّيَّةِ كَمَا قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيِّ: نَقُولُ لَهُ: أَكْرَمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ سَلَّمَ، ثُمَّ عُلِمَ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ، اسْتُحِبَّ قَوْلُهُ لَهُ: رُدَّه عَلَيَّ سَلَامِي (وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمْ قِيلَ لَهُ: وَعَلَيْكُمْ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ مَرْفُوعًا «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَحْمَدَ بِغَيْرِ وَاوٍ. وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِثْبَاتِهَا وَحَذْفِهَا، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَوْلَى. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ تُرَدُّ تَحِيَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ: أَهْلًا وَسَهْلًا، فَإِنْ عَطَسَ لَمْ يُشَمِّتْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُكْرَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَابْنِ عَقِيلٍ فَإِنْ شَمَّتَهُ كَافِرٌ، أَجَابَهُ (وُفِي) جَوَازِ (تَهْنِئَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَالْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يحصلُ الْمُوَالَاة وَتَثْبُتُ الْمَوَدَّةُ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِلنَّصِّ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 الْمُسْلِمِينَ، وَفِي مُسَاوَاتِهِمْ وَجْهَانِ. وَإِنْ مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً مِنْ مُسْلِمٍ، لَمْ يَجِبْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ يَهُودِيًّا، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَالثَّالِثَةُ: يَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، كَرَجَاءِ إِسْلَامِهِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ الْآجُرِّيُّ: وَأَنَّهُ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ: يُعَادُ، وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، وَعَلَى الْجَوَازِ يُدْعَى لَهُ بِالْبَقَاءِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، زَادَ جَمَاعَةٌ قَاصِدًا كَثْرَةَ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ تَكْثِيرَ أَعْدَاءِ الْمُسْلِمِينَ. فَائِدَةٌ: كَرِهَ أَحْمَدُ الدُّعَاءَ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالْبَقَاءِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فُرِغَ مِنْهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَيَسْتَعْمِلُهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُنَا، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا لِأَنَسٍ بِطُولِ الْعُمْرِ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ «لَا يَرُدُّ الْقَدْرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ» إِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. (وَيُمْنَعُونَ تَعْلِيَةَ الْبُنْيَانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَرَفُّعًا عَلَيْهِمْ، فَمُنِعُوا مِنْهُ كَالتَّصْدِيرِ فِي الْمَجَالِسِ. وَالْمَنْعُ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُجَاوِرِ لَهُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ بِهِ سَوَاءٌ لَاصَقَهُ أَوْ لَا. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ رَضِيَ الْجَارُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ - تَعَالَى - زَادَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يَدُومُ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ، وَرِضَاهُ يُسْقِطُ حَقَّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ لِمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ إِلَّا بِاجْتِنَابِهِ مُحَرَّمٌ، فَلَوْ كَانَتْ دَارُهُ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ، حَيْثُ لَا جَارَ، أَوْ كَانَ لَهُمْ مَحِلَّةٌ مُفْرَدَةٌ، فَلَا مَعْنَى لِلْمُطَاوَلَةِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنَ التَّعْلِيَةِ، قَالَهُ فِي " الْبُلْغَةِ " وَغَيْرِهَا. (وَفِي مُسَاوَاتِهِمْ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 نَقْضُهَا وَيُمْنَعُونَ مِنْ إِحْدَاثِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ. وَلَا يُمْنَعُونَ رَمَّ شَعَثِهَا، وَفِي بِنَاءِ مَا   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ؛ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إِلَى عُلُوِّ الْكُفْرِ، وَلَا إِلَى اطِّلَاعِهِمْ إِلَى عَوْرَاتِنَا. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُسَاوَاتُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي اللِّبَاسِ فَكَذَا فِي الْبُنْيَانِ. (وَإِنْ مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً مِنْ مُسْلِمٍ) بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَمْ يَجِبْ نَقْضُهَا) لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَمْ يُعْلُوا شَيْئًا، وَفِيهِ وَجْهٌ لِقَوْلِهِ: " وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا مُلِكَتْ مِنْ كَافِرٍ أَنَّهُ يَجِبُ نَقْضُهَا، لِمَا ذَكَرْنَا، فَلَوْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ دَارٌ عَالِيَةٌ، فَمَلَكَ الْمُسْلِمُ دَارًا إِلَى جَانِبِهَا، أَوْ بَنَى الْمُسْلِمُ إِلَى جَنْبِ دَارِهِ دَارًا دُونَهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ هَدْمُهَا فِي الْأَصَحِّ. فَرْعٌ: إِذَا انْهَدَمَتِ الْعَالِيَةُ، لَمْ تُعَدْ عَالِيَةً، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ": إِلَّا إِذَا قُلْنَا: تُعَادُ الْبِيعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِحْدَاثٍ، وَالْمُنْهَدِمُ مِنْهَا ظُلْمًا كَهَدْمِهِ بِنَفْسِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: تُعَادُ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَوْلَى، فَلَوْ سَقَطَ هَذَا الْبِنَاءُ الَّذِي تَجِبُ إِزَالَتُهُ عَلَى شَيْءٍ أَتْلَفَهُ، فَيَتَوَجَّهُ الضَّمَانُ، وَأَنَّهُ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ. (وَيُمْنَعُونَ مِنْ إِحْدَاثِ الْكَنَائِسِ) وَاحِدُهَا كَنِيسَةٌ، وَهِيَ مَعْبَدُ النَّصَارَى. (وَالْبِيَعُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ لِلنَّصَارَى فَهُمَا حِينَئِذٍ يَتَرَادَفَانِ، وَقِيلَ: الْكَنَائِسُ لِلْيَهُودِ، وَالْبِيَعُ لِلنَّصَارَى، فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، وَهُوَ الْأَصْلُ، أَيْ: يُمْنَعُونَ مِنْ إِحْدَاثِهِمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إِجْمَاعًا لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بَيْعَةً ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ. زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ": إِلَّا فِيمَا شَرَطُوهُ فِيمَا منِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّهُ لَنَا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ اسْتَحَقُّوهُ بِالشَّرْطِ، فَجَازَ لَهُمْ فِعْلُهُ، كَسَائِرِ الشُّرُوطِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 اسْتُهْدِمَ مِنْهَا رِوَايَتَانِ. وَيُمْنَعُونَ إِظْهَارَ الْمُنْكَرِ، وَضَرْبَ النَّاقُوسِ، وَالْجَهْرَ بِكِتَابِهِمْ.   [المبدع في شرح المقنع] وَبِالْجُمْلَةِ فَأَمْصَارُ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: مَا مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ، كَالْبَصْرَةِ، وَبَغْدَادَ، وَوَاسِطَ، فَلَا يَجُوزُ إِحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ صُولِحُوا عَلَيْهِ. الثَّانِي: مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَفَى وُجُوبِ هَدْمِ الْمَوْجُودِ وَجْهَانِ؛ وَالْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ إِقْرَارُهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمَا فِي " التَّرْغِيبِ " إِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ أَحَدٌ بِجِزْيَةٍ، وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْ. الثَّالِثُ: مَا فَتَحُوهُ صُلْحًا، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهَا: أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ، وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا، فَلَهُمْ إِحْدَاثُ مَا شَاءُوا. والثَّانِي: أَنْ نُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ فَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ. (وَلَا يُمْنَعُونَ رَمَّ شَعَثِهَا) لِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى بَقَائِهَا، وَالْمَنْعُ فِي ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى خَرَابِهَا بِالْكُلِّيَّةِ؛ إِذِ الْبِنَاءُ لَا مُقَامَ لَهُ عَلَى الدَّوَامِ فَجَرَى مَجْرَى هَدْمِهَا، أَشْبَهَ تَطْيِينَ أَسْطِحَتِهَا (وَفِي بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا رِوَايَتَانِ) . إِحْدَاهُمَا: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَمُنِعُوا مِنْهُ كَابْتِدَاءِ بِنَائِهَا. وَالثَّانِيَةُ: تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَرَمِّ الشَّعَثِ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " جَوَازَ رَمِّ شَعَثِهَا دُونَ بِنَائِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ ". وَعَنْهُ: مَنْعُهُمَا، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ كَمَنْعِ الزِّيَادَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ فِي الْكَيْفِيَّةِ، لَا أَعْلَى وَلَا أَوْسَعَ، اتِّفَاقًا، وَقِيلَ: إِنْ جَازَ بِنَاؤُهَا، جَازَ بِنَاءُ بَيْعَةٍ مُنْهَدِمَةٍ بِبَلَدٍ فَتَحْنَاهُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا فَتَحَ بَلَدًا فِيهِ بَيْعَةٌ خَرَابٌ، لَمْ يَجُزْ بِنَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ إِحْدَاثٌ لَهَا فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ. (وَيُمْنَعُونَ) وُجُوبًا (إِظْهَارَ الْمُنْكِرِ) كَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ فَإِنْ فَعَلُوا أَتْلَفْنَاهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِظْهَارَ عِيدٍ وَصَلِيبٍ وَنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ (وَضَرْبَ النَّاقُوسِ) . وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُمْ لَا يَضْرِبُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 وَإِنْ صُولِحُوا على بِلَادِهِمْ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَيُمْنَعُونَ دُخُولَ الْحَرَمِ فَإِنْ قَدِمَ رَسُولٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَاءِ الْإِمَامِ؛ خَرَجَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ دَخَلَ، عُزِّرَ وَهُدِّدَ، فَإِنْ مَرِضَ بِالْحَرَمِ أَوْ مَاتَ، أُخْرِجَ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] بِنَاقُوسٍ، وَمُرَادُهُ: إِظْهَارُهُ؛ لِأَنَّ فِي الشُّرُوطِ: أَنْ لَا نَضْرِبَ بِنَوَاقِيسِنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا. (وَالْجَهْرَ بِكِتَابِهِمْ) أَيْ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ فِي الْكَنَائِسِ، وَكَذَا رَفْعُ أَصْوَاتِهِمْ عَلَى مَوْتَاهُمْ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمِثْلُهُ إِظْهَارُ أَكْلٍ فِي رَمَضَانَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ، وَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِظْهَارُ شَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَا وَقْتَ الِاسْتِسْقَاءِ، وَلَا لِقَاءَ الْمُلُوكِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَإِنْ صُولِحُوا عَلَى بِلَادِهِمْ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ) أَوِ الْخَرَاجِ (لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ بَلَدَهُمْ لَيْسَ بِبَلَدِ إِسْلَامٍ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِمْ فِيهِ كَمَنَازِلِهِمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَمُنِعُوا مِنْهُ. (وَيُمْنَعُونَ دُخُولَ الْحَرَمِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَالْمُرَادُ: حَرَمُ مَكَّةَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] يُرِيدُ ضَرَرًا بِتَأْخِيرِ الْجَلْبِ عَنِ الْحَرَمِ، دُونَ الْمَسْجِدِ؛ يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] أَيْ: مِنَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ مَنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ لَا مِنْ نَفْسِ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ دُونَ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَمَاكِنِ الْعِبَادَاتِ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَعْظَمُهَا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النُّسُكِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ. وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا أَيْ: سَوَاءٌ أُذِنَ لَهُ أَوْ لَا، لِإِقَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِضَرُورَةٍ، وَقِيلَ: لَهُمْ دُخُولُهُ أَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ كَحَرَمِ الْمَدِينَةِ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يُمْنَعُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا الْحَرَمِ. لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِذَا أَرَادَ دُخُولَهُ لِيُسْلِمَ فِيهِ أَوْ لِتِجَارَةٍ مَعَهُ لِبَيْعِهَا، مُنِعَ مِنْهُ. (فَإِنْ قَدِمَ رَسُولٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَاءِ الْإِمَامِ، خَرَجَ إِلَيْهِ) لِأَنَّ الْكَافِرَ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ، فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الِاجْتِمَاعِ (وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ) فِي دُخُولِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ لِقَائِهِ، بَعَثَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامَهُ (فَإِنْ دَخَلَ عُزِّرَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 دُفِنَ، نُبِشَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ. وَيُمْنَعُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ بِالْحِجَازِ، كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَخَيْبَرَ، فَإِنْ دَخَلُوا لِتِجَارَةٍ، لَمْ يُقِيمُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] لِهَتْكِهِ الْحَرَمَ بِدُخُولِهِ، وَمَحَلُّهِ مَا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْمَنْعِ؛ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا (هُدِّدَ) وَأُخْرِجَ (فَإِنْ مَرِضَ بِالْحَرَمِ أَوْ مَاتَ أُخْرِجَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُ فِي حَيَاتِهِ، فَفِي مَرَضِهِ وَمَمَاتِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ أَعْظَمُ مِنْهُ (وَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى إِخْرَاجِ الْمَيِّتِ الْكَافِرِ مِنَ الْحَرَمِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُدْفَنْ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ) لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ؛ لِأَنَّ جِيفَتَهُ حَصَلَتْ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَتُرِكَ لِلْمَشَقَّةِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي " التَّرْغِيبِ ". فَرْعٌ: إِذَا صَالَحَهُمُ الْإِمَامُ بِعِوَضٍ عَلَى الدُّخُولِ إِلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ، فَإِنِ اسْتَوْفَاهُ أَوْ بَعْضَهُ مَلَكَهُ، وَقِيلَ: يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَوْفَوْهُ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَالْعَقْدُ لَمْ يُوجِبِ الْعِوَضَ لِبُطْلَانِهِ. [يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنَ الْإِقَامَةِ بِالْحِجَازِ] (وَيُمْنَعُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ بِالْحِجَازِ) قِيلَ: هُوَ مَا بَيْنَ الْيَمَامَةِ وَالْعُرُوضِ، وَبَيْنَ الْيَمَنِ وَنَجْدٍ، وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ (كَالْمَدِينَةِ) وَقِيلَ: نِصْفُهَا تِهَامِيٌّ، وَنِصْفُهَا حِجَازِيٌّ (وَالْيَمَامَةِ) وَسُمِّيَ الْعُرُوضَ، وَكَانَ اسْمُهَا حُجْرًا، فَسُمِّيَتِ الْيَمَامَةَ بَاسِمِ امْرَأَةٍ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْيَمَامَةُ: الصَّقْعُ الْمَعْرُوفُ شَرْقِيَّ الْحِجَازِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ مِنَ الْحِجَازِ، وَفِيهِ تَكَلُّفٌ (وَخَيْبَرَ) شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنَ الْحِجَازِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إِلَّا مُسْلِمًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْمُرَادُ: الْحِجَازُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ أَخْرَجَ أَحَدًا مِنَ الْيَمَنِ، وَتَيْمَاءَ، قَالَ أَحْمَدُ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ، وَمَا وَالَاهَا، وَكَذَا الْيَنْبُعُ وَفَدَكُ، وَمَخَالِيفُهَا مَعْرُوفٌ بِالْيَمَنِ تُسَمَّى بِهَا الْقُرَى الْمُجْتَمِعَةُ كَالرُّسْتَاقِ فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَبُوكُ وَنَحْوُهَا، وَمَا دُونَ الْمُنْحَنَى، وَهُوَ عَقَبَةُ الصَّوَّانِ مِنَ الشَّامِ كَمَعَانٍ. وَلَهُمْ دُخُولُهُ، وَالْأَصَحُّ: بِإِذْنِ إِمَامٍ لِتِجَارَةٍ (فَإِنْ دَخَلُوا لِتِجَارَةٍ لَمْ يُقِيمُوا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 مَرِضَ لَمْ يُخْرَجْ حَتَّى يَبْرَأَ، وَإِنْ مَاتَ دُفِنَ بِهِ. وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ تَيْمَاءَ وَفَيْدٍ وَنَحْوِهِمَا. وَهَلْ لَهُمْ دُخُولُ الْمَسَاجِدِ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) . قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ حَدٌّ يُتِمُّ بِهِ الْمُسَافِرُ، فَصَارَ كَالْمُقِيمِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ لَا يُقِيمُونَ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لِمَنْ دَخَلَ تَاجِرًا إِقَامَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَدَلَّ عَلَى الْمَنْعِ فِي الزَّائِدِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ، أُجْبِرَ غَرِيمُهُ عَلَى وَفَائِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ، جَازَتِ الْإِقَامَةُ لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا، لَمْ يُمَكَّنْ، وَيُوَكِّلُ. (وَإِنْ مَرِضَ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يَبْرَأَ) لِأَنَّ الِانْتِقَالَ يَشُقُّ عَلَى الْمَرِيضِ فَهُوَ يُقِيمُ ضَرُورَةً. (وَإِنْ مَاتَ دُفِنَ بِهِ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ: كَالْحَرَمِ. (وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ تَيْمَاءَ وَفَيْدَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيَاءٍ مُثَنَّاةٍ بَعْدَهَا دَالٌ، وَهِيَ مِنْ بِلَادِ طَيْءٍ. (وَنَحْوِهِمَا) لِمَا مَرَّ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ لَمْ يُخْرِجْ أَحَدًا مِنْ ذَلِكَ. (وَهَلْ لَهُمْ دُخُولُ الْمَسَاجِدِ) أَيْ: مَسَاجِدِ الْحِلِّ (بِإِذْنِ مُسْلِمٍ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: وَهِيَ الْمَذْهَبُ: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا بَصُرَ بِمَجُوسِيٍّ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَزَلَ وَضَرَبَهُ وَأَخْرَجَهُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَلِأَنَّ حَدَثَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ يَمْنَعُ، فَالشِّرْكُ أَوْلَى. وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ، صَحَّحَهَا فِي " الْكَافِي " وُ " الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ «أَنَّ، وَفْدَ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَهُمُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ، لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ» ، وَكَاسْتِئْجَارِهِ لِبِنَائِهِ، وَلَا سِيَّمَا لِمَصْلَحَةٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: يَجُوزُ لِيَسْمَعُوا الذِّكْرَ، فَتَرِقَّ قُلُوبُهُمْ وَيُرْجَى إِسْلَامُهُمْ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إِنْ شَرَطَ الْمَنْعَ فِي عَقْدِ ذِمَّتِهِمْ مُنِعُوا، وَإِنْ كَانَ جُنُبًا، فَوَجْهَانِ، فَلَوْ قَصَدُوهَا بِأَكْلٍ وَنَوْمٍ؛ مُنِعُوا. ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَقَدْ رُوِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِ. تَذْنِيبٌ: يَجُوزُ عِمَارَةُ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُسْوَتُهُ وَإِشْعَالُهُ بِمَالِ كُلِّ كَافِرٍ، وَأَنْ يَبْنِيَهُ بِيَدِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 فَصْلٌ. وَإِنِ اتَّجَرَ ذِمِّيٌّ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، ثُمَّ عَادَ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَإِنْ اتَّجَرَ حَرْبِيٌّ   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي وَقْفِهِ عَلَيْهِ وَوَصِيَّتُهُ لَهُ؛ فَتَكُونُ عَلَى هَذَا الْعِمَارَةُ فِي الْآيَةِ دُخُولَهُ وَجُلُوسَهُ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: 18] الْآيَةَ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَفِي " الْفُنُونِ ": وَارِدَةٌ عَلَى سَبَبٍ، وَهِيَ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ فِيهِ فَقَطْ لِشَرَفِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ بِنَائِهِ وَإِصْلَاحِهِ، وَلَمْ يَخُصَّ مَسْجِدًا، بَلْ أَطْلَقَ، وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ. [تِجَارَةُ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ] فَصْلٌ (وَإِنِ اتَّجَرَ ذَمِّيٌّ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ) لِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ (ثُمَّ عَادَ فَعَلَيْهِ) فِي تِجَارَتِهِ (نِصْفُ الْعُشْرِ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْمُسْلِمِ رُبُعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمُ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ فِيهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَهَذَا كَانَ بِالْعِرَاقِ وَاشْتُهِرَ، وَعُمِلَ بِهِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُمُ الْعُشْرُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَاضِحِ ". وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتِ امْرَأَةً، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ فَاسْتَوَيَا فِيهِ كَالزَّكَاةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا عُشْرَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَحْقُونَةُ الدَّمِ، لَهَا الْمُقَامُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، فَلَمْ يُعَشَّرْ تِجَارَتُهَا، كَالْمُسْلِمِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَتُهَا بِالْحِجَازِ، فَتُعَشَّرُ كَالرَّجُلِ، وَرَدَّهُ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُ التَّغْلِبِيَّ، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ " وَتُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفَ مَا تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعُشْرِ وَجَبَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِالشَّرْطِ فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 إِلَيْنَا، أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَقَلِّ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَيُؤْخَذُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ مِنَ الْحَرْبِيِّ كُلَّمَا دَخَلَ إِلَيْنَا. وَعَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ، وَالْمَنْعُ   [المبدع في شرح المقنع] تُؤْخَذُ مَرَّةً أُخْرَى كَسَائِرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ، فَلَوْ مَرَّ بِالْعَاشِرِ مِنْهُمْ مُنْتَقِلٌ مَعَهُ أَمْوَالُهُ وَسَائِمَتُهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَاشِيَةُ لِلتِّجَارَةِ فَتُؤْخَذُ مِنْهَا. (وَإِنِ اتَّجَرَ حَرْبِيٌّ إِلَيْنَا، أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ) لِأَنَّ عُمَرَ أَخَذَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ، وَاشْتُهِرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ، وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: نِصْفُهُ، وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَأْمَنِ إِذَا اتَّجَرَ إِلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ. (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُعْظَمِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ فِيهِ حَقٌّ بِالشَّرْعِ، فَاعْتُبِرَ لَهُ النِّصَابُ كَزَكَاةِ الزَّرْعِ، ثُمَّ بَيَّنَ مِقْدَارَهُ وَهُوَ عَشْرَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ يَبْلُغُ وَاجِبُهُ نِصْفَ دِينَارٍ، فَوَجَبَ كَالْعُشْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَعَنْهُ: نِصَابُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الذِّمِّيِّ شَيْءٌ كَالْيَسِيرِ. وَقِيلَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: الْعِشْرُونَ لِلذِّمِّيِّ، وَالْعَشْرَةُ لِلْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلًا أَقَلُّ مَالٍ لَهُ نِصْفُ عُشْرٍ صَحِيحٌ، وَثَانِيًا أَقَلُّ مَالٍ لَهُ عُشْرٌ صَحِيحٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْهُمَا كَالْجِزْيَةِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: يُعْتَبَرُ لِلذِّمِّيِّ عَشْرَةٌ، وَلِلْحَرْبِيِّ خَمْسَةٌ. فَرْعٌ: يَمْنَعُ الدَّيْنُ أَخْذَهُ كَالزَّكَاةِ إِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، وَفِي تَصْدِيقِهِ بِجَارِيَةٍ مَرَّ بِهَا بِأَنَّهَا بِنْتُهُ أَوْ أَهْلُهُ رِوَايَتَانِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " لَا عُشْرَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَسُرِّيَّتِهِ. (وَيُؤْخَذُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ نَصْرَانِيًّا جَاءَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنْ عَامِلَكَ عَشَّرَنِي فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ. قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ. فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ: أَنْ لَا يُعَشِّرَ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَالزَّكَاةَ إِنَّمَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً، فَكَذَا هَذَا، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْهُ: مَا لَمْ يَشْرُطْ أَكْثَرَ. وَفِي " الْوَاضِحِ ": الْخُمْسُ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفِ: لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ) وَالْآمِدِيُّ (يُؤْخَذُ مِنَ الْحَرْبِيِّ كُلَّمَا دَخَلَ إِلَيْنَا) لِأَنَّ سَبَبَهُ الدُّخُولُ إِلَيْنَا، وَالشَّيْءُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 مِنْ أَذَاهُمْ، وَاسْتِنْقَاذُ مِنْ أُسِرَ مِنْهُمْ وَإِنْ تَحَاكَمُوا إِلَى الْحَاكِمِ مَعَ مُسْلِمٍ، لَزِمَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ تَحَاكَمَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، أَوِ اسْتَعْدَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، خُيِّرَ بَيْنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ تَرْكِهِمْ، وَلَا يَحْكُمُ إِلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ تَبَايَعُوا بُيُوعًا   [المبدع في شرح المقنع] يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ مِيرَةِ مُحْتَاجٍ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِي دُخُولِهِمْ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ ثَمَنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ عُشْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّنَا. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: بَلَى. جَزَمَ بِهِ فِي " الرَّوْضَةِ " وَ " الْغُنْيَةِ " وَأَن يُؤْخَذ عُشْرُ ثَمَنِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَجَوَّدَ أَحْمَدُ إِسْنَادَهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَيَتَخَرَّجُ تَعْشِيرُ ثَمَنِ الْخَمْرِ دُونَ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَةَ مُبَاحَةٌ فِي سَائِرِ الشَّرَائِعِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ: الذِّمِّيُّ غَيْرُ التَّغْلِبِيِّ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَفَى غَيْرِهَا رِوَايَتَانِ. إِحْدَاهُمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ غَيْرُهَا، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهِمْ نِصْفُ الْعُشْرِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَعَلَى ذَلِكَ هَلْ تُخْتَصُّ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي يَتَّجِرُونَ فِيهَا إِلَى غَيْرِ بَلَدِنَا؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: تَخْتَصُّ بِهَا. وَالثَّانِيَةُ: تَجِبُ فِي ذَلِكَ، وَفِيمَا لَمْ يَتَّجِرُوا بِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَثِمَارِهِمْ، وَمَوَاشِيهِمْ. قَالَ: وَأَهْلُ الْحَرْبِ إِذَا دَخَلُوا إِلَيْنَا بِأَمَانٍ تجارا أُخِذَ مِنْهُمُ الْعُشْرُ دُفْعَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ عَشَّرُوا أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا دَخَلَتْ إِلَيْهِمْ أَمْ لَا. وَعَنْهُ: إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ، فُعِلَ بِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا. [حِفْظُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمَنْعُ مِنْ أَذَاهُمْ] (وَعَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ وَالْمَنْعُ مِنْ أَذَاهُمْ) لِأَنَّهُمْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ عَلَى ذَلِكَ (وَاسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ) لِأَنَّهُ جَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَتَأَبَّدَ عَهْدُهُمْ، فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي مَعُونَتِنَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنَّمَا يَجِبُ فِدَاؤُهُمْ إِذَا اسْتَعَانَ بِهِمُ الْإِمَامُ فِي قِتَالٍ فَسُبُوا. وَبِكُلِّ حَالٍ يَبْدَأُ بِفِدَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ؛ لِأَنَّ جِزْيَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ. (وَإِنْ تَحَاكَمُوا إِلَى الْحَاكِمِ مَعَ مُسْلِمٍ لَزِمَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ إِنْصَافِ الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ رَدِّهِ عَنْ ظُلْمِهِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ، وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ إِلَيْهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ. (وَإِنْ تَحَاكَمَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، أَوِ اسْتَعْدَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، خُيِّرَ بَيْنَ الْحُكْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 فَاسِدَةً، وَتَقَابَضُوا لَمْ يُنْقَضْ فِعْلَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوا فَسَخَهُ الْحَاكِمُ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَاكِمُهُمْ أَمْ لَا. وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ، لَمْ يُقَرَّ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ تَرْكِهِمْ) فِي الْأَشْهَرِ عَنْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] ، وَلِأَنَّهُمَا كَافِرَانِ فَلَمْ يَجِبِ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا كَالْمُسْتَأْمَنِينَ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ وَالْإِعْدَاءُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] . وَرَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهُمْ وَاجِبٌ، وَطَرِيقُهُ الْحُكْمُ. وَعَنْهُ: مَعَ اخْتِلَافِ مِلَّتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِنْصَافُ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ بِدُونِ الْحُكْمِ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ إِلَّا أَنْ يَتَظَالَمَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ رَفْعَ الظُّلْمِ عَنْهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ، وَمَتَى خَيَّرْنَاهُ، جَازَ أَنْ يُعَدِّيَ وَيَحْكُمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا كَالْمُسْتَأْمَنِينَ. (وَلَا يَحْكُمُ إِلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] فَإِذَا حَكَمَ، لَزِمَهُمْ حُكْمُنَا لَا شَرِيعَتُنَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْنَا، فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتْبَعَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِمْ، وَلَا يُدْعَوْنَ إِلَى حُكْمِنَا، نَصَّ عَلَى الْكُلُّ. فَرْعٌ: لَا يُحْضِرُ يَهُودِيًّا يَوْمَ سَبْتٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَوْ مُطْلَقًا، لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِ سَبْتِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ أَنَّ السَّبْتَ مُسْتَثْنًى مَنْ عَمِلَ فِي إِجَارَةٍ. (وَإِنْ تَبَايَعُوا بُيُوعًا) أَوْ تَعَاقَدُوا عُقُودًا (فَاسِدَةً) كَخَمْرٍ وَنَحْوِهِ (وَتَقَابَضُوا) مِنَ الطَّرَفَيْنِ، ثُمَّ أَسْلَمُوا، أَوْ أَتَوْنَا (لَمْ يُنْقَضْ فِعْلُهُمْ) لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِالتَّقَابُضِ، وَلِأَنَّهُ فِيهِ مَشَقَّةٌ، وَتَنْفِيرا مِنَ الْإِسْلَامِ بِتَقْدِيرِ إِرَادَتِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوا) سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (فَسَخَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ فَيُنْقَضَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ. (سَوَاءٌ كَانَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَاكِمُهُمْ أَمْ لَا) أَيْ: لَوْ تَرَافَعُوا إِلَى حَاكِمِهِمْ فَأَلْزَمَهُمْ بِالتَّقَابُضِ، لَا يَلْزَمُ إِمْضَاءُ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَغْوٌ، لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ. وَقِيلَ: إِنِ ارْتَفَعُوا بَعْدَ أَنْ أَلْزَمَهُمْ حَاكِمُهُمْ بِالْقَبْضِ، نُفِّذَ، وَهَذَا لِالْتِزَامِهِمْ بِحُكْمِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يُقْبَلَ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَبَى هُدِّدَ وَحُبِسَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْتَلَ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقَرُّ، وَإِنِ انْتَقَلَ إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] لَا لُزُومِهُ لَهُمْ. وَعَنْهُ: لَا يُنْقَضُ فِي الْخَمْرِ خَاصَّةً إِذَا قُبِضَتْ دُونَ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهَا مَالٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ، فَيَصِحُّ بَيْعُهَا كَالْأَمْتِعَةِ، فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ دَفْعُهُ إِلَى الْبَائِعِ، أَوْ وَارِثِهِ، بِخِلَافِ خِنْزِيرٍ لِحُرْمَةِ عَيْنِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْوَارِثُ، فَلَهُ الثَّمَنُ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ، لِثُبُوتِهِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ. وَنَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا كَانَ لِذِمِّيٍّ عَلَى مِثْلِهِ خَمْرٌ بِقَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ، فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ فَلَا شَيْءَ لَهُ بِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ رَبَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهَا لأنها محرمة عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ، سَقَطَتْ مِنْ ذِمَّتِهِ، لِعَدَمِ مَالِيَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْلِمِ، وَقِيلَ: إِذَا لَمْ يُسْلِمْ رَبُّهَا، فَلَهُ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مَالٌ كَانَ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَلَا يَسْقُطُ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنَ الدُّيُونِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّهَا إِلَّا رَأْسُ مَالِهِ. أُخْرَى: إِذَا تَبَايَعُوا بِرِبًا فِي أَسْوَاقِنَا مُنِعُوا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ بِفَسَادِ نَقْدِنَا؛ وَكَذَا إِنْ أَظْهَرُوا بَيْعَ مَأْكُولٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، كَشِرَاءٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّمُوا الرَّمْيَ. (وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ، لَمْ يُقَرَّ، وَلَا يُقْبَلْ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ) هَذَا إِحْدَى الرِّوَايَاتِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ حَقٌّ، وَالدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ دِينٌ صُولِحَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ غَيْرُهُمَا؛ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ مَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ دِينٌ بَاطِلٌ، فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ انْتَقَلَ إِلَى الْمَجُوسِيَّةِ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ) هَذَا رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّ الدِّينَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَدِ اعْتَرَفَ بِبُطْلَانِهِ، وَالدِّينُ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ كَانَ مُعْتَرِفًا بِبُطْلَانِهِ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الْإِسْلَامِ، فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ (فَإِنْ أَبَى) مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ (هُدِّدَ وَحُبِسَ) وَلَمْ يُقْتَلْ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَمْ يُقْتَلْ كَالْبَاقِي عَلَى دِينِهِ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْتَلَ) هَذَا رِوَايَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ الْمُسْلِمَ إِذَا ارْتَدَّ. وَفَى اسْتِتَابَتِهِ وَجْهَانِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقَرُّ) هَذَا ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوِ انْتَقَلَ الْمَجُوسِيُّ إِلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، لَمْ يُقَرَّ، وَأُمِرَ أَنْ يُسْلِمَ، فَإِنْ أَبَى قُتِلَ. وَإِنِ انْتَقَلَ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ إِلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أُقِرَّ، وَيُحْتَمَلُ أَن لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ، وَإِنْ تَمَجَّسَ الْوَثَنِيُّ، فَهَلْ يُقَرُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأُقِرَّ عَلَيْهِ كَأَهْلِهِ. فَرْعٌ: إِذَا كَذَّبَ نَصْرَانِيٌّ بِمُوسَى، خَرَجَ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، لِتَكْذِيبِهِ عِيسَى. وَلَمْ يُقَرَّ، وَلَا يَهُودِيٌّ بِعِيسَى، وَإِنْ تَزَنْدَقَ الذِّمِّيُّ، لَمْ يُقْتَلْ لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ، نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ (وَإِنِ انْتَقَلَ الْكِتَابِيُّ إِلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوِ انْتَقَلَ الْمَجُوسِيُّ إِلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، لَمْ يُقَرَّ) لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ (وَأُمِرَ أَنْ يُسْلِمَ) لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ، لَا سِيَّمَا مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ، وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ، وَالْمَنْصُوصُ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَدْيَانٌ بَاطِلَةٌ فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهَا، كَالْمُرْتَدِّ. (فَإِنْ أَبَى قُتِلَ) لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى أَدْنَى مِنْ دِينِهِ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ، أَوِ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُقِرَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى خَيْرٍ مِنْهُ، فَنُقِرُّهُ إِنْ رَجَعَ إِلَيْهِ. وَفَى ثَالِثَةٍ: أَوْ دِينِ أَهْلِ كِتَابٍ؛ لِأَنَّهُ دِينٌ يُقَرُّ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ. (وَإِنِ انْتَقَلَ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ) كَالْمَجُوسِيِّ (إِلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ) أُقِرَّ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى وَأَكْمَلُ مِنْ دِينِهِ لِكَوْنِهِ يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ، وَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ) هَذَا رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبُطْلَانِ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُقِرًّا بِبُطْلَانِ مَا سِوَاهُ. وَفَى ثَالِثَةٍ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ تَمَجَّسَ الْوَثَنِيُّ، فَهَلْ يُقَرُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: يُقَرُّ، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهَا الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى دِينٍ أَفْضَلَ مِنْ دِينِهِ، أَشْبَهَ الْوَثَنِيَّ إِذَا تَهَوَّدَ. والثَّانِيَةُ: لَا يُقَرُّ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى دِينٍ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ، وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ، أَشْبَهَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 فَصْلٌ. فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَإِذَا امْتَنَعَ الذِّمِّيُّ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، أَوِ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ، انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] مَا لَوِ انْتَقَلَ إِلَى عِبَادَةِ الشَّمْسِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: مَنْ جُهِلَ حَالُهُ، وَادَّعَى أَحَدَ الْكِتَابَيْنِ، أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فِي الْأَصَحِّ. وَعَنْهُ: وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَذَبِيحَتُهُ، كَمَنْ أَقَرَّ بِتَهَوُّدٍ أَوْ تَنَصُّرٍ مُتَجَدِّدٌ. [فَصْلٌ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ] ِ: وَإِذَا امْتَنَعَ الذِّمِّيُّ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ) أَوِ الصَّغَارِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (أَوِ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ، انْتَقَضَ عَهْدُهُ) لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَيَلْتَزِمُوا أَحْكَامَ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا نَسَخَتْ كُلَّ حُكْمٍ يُخَالِفُهَا، فَلَا يَجُوزُ بَقَاءُ الْعَهْدِ مَعَ الِامْتِنَاعِ، زَادَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": إِذَا حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ، وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِهِمَا، وَسَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ لَا، وَكَذَا إِذَا قَاتَلَنَا. وَالْأَشْهَرُ: أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَرْبًا لَنَا، لِدُخُولِهِ فِي جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ. (وَإِنْ تَعَدَّى عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ) وَقَيَّدَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي " خِلَافِهِ الصَّغِيرِ " بِالْعَمْدِ (أَوْ قَذْفٍ أَوْ زِنًا) بِمُسْلِمَةٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ، بَلِ اشْتُهِرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ شَيْءٌ. (أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ، أَوْ تَجَسُّسٍ، أَوْ إِيوَاءِ جَاسُوسٍ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ - تَعَالَى -، أَوْ كِتَابَهُ، أَوْ رسلَهُ بِسُوءٍ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: يَنْتَقِضُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " فِي غَيْرِ الْقَذْفِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رُفِعَ إِلَيْهِ ذِمِّيٌّ أَرَادَ اسْتِكْرَاهَ مُسْلِمَةٍ عَلَى الزِّنَا، فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا صَالَحْنَاكُمْ، وَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ رَاهِبًا يَشْتُمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَقَالَ: لَوْ سَمِعْتُهُ لَقَتَلْتُهُ، إِنَّا لَمْ نُعْطِ الْأَمَانَ عَلَى هَذَا، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَشْبَهَ الِامْتِنَاعَ مِنَ الصَّغَارِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَنْتَقِضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَرْكُهُ فَلَمْ يَنْتَقِضْ بِفِعْلِهِ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَعَلَى هَذَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيمَا يُوجِبُهُ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِيمَا يُوجِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 تَعَدَّى عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ زِنًا، أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ تَجَسُّسٍ أَوْ إِيوَاءِ جَاسُوسٍ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْ كِتَابَهُ أَوْ رَسُولَهُ بِسُوءٍ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَظْهَرَ مُنْكَرًا أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ وَنَحْوِهِ، لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ إِنْ كَانَ مَشْرُوطًا عَلَيْهِمْ، وَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ وَإِذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ، خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ، كَالْأَسِيرِ الْحَرْبِيِّ وَمَالُهُ فَيْءٌ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْقِصَاصَ، وَيُعَزَّرُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَهْدُ بَاقٍ، وَنَصُّهُ فِيمَنْ قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ آذَاهُ بِسِحْرٍ فِي تَصَرُّفَاتِهِ كَإِبْطَالِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ، أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَطَمَهُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّ فِيهِ غَضَاضَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ، خُصُوصًا بِسَبِّ اللَّهِ وَدِينِهِ وَرَسُولِهِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ، أَوْ أَصَابَ الْمُسْلِمَةَ بِاسْمِ نِكَاحٍ: أَنَّهُ يُنْتَقَضُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ الْخِلَافَ السَّابِقَ مَعَ الشَّرْطِ. (وَإِنْ أَظْهَرَ مُنْكَرًا أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ) أَوْ رَكِبَ الْخَيْلَ (لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ) لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِيهِ، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ الْمُحَرَّمَ فِي نَفْسِهِ. (وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ) . وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " (أَنَّهُ يُنْتَقَضُ إِنْ كَانَ مَشْرُوطًا عَلَيْهِمْ) لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ بِشَرْطٍ، فَزَالَ بِزَوَالِهِ، كَمَا لَوِ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ. (وَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ) نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. لِأَنَّ النَّقْضَ وُجِدَ مِنْهُ دُونَهُمْ، فَاخْتُصَّ حُكْمُهُ بِهِ. وَظَاهِرُهُ: لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا، وَفَى " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " بَلَى؛ كَحَادِثٍ بَعْدَ نَقْضِهِ بِدَارِ حَرْبٍ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي " الْفُصُولِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " بِهَا، وَفَى " الْعُمْدَةِ " يَنْتَقِضُ فِي ذُرِّيَّتِهِ إِنْ أَلْحَقَهُمْ بِدَارِ حَرْبٍ، وَكَمَنَ عَلِمَ مِنْهُمْ بِنَقْضِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ. فَلَوْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ وَوَلَدَتْهُ بَعْدَ النَّقْضِ فَإِنَّهُ يُسْتَرَقُّ وَيُسْبَى لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأَمَانِ لَهُ، وَمَنِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ فِي نَفْسِهِ، انْتَقَضَ عَهْدُهُ فِي مَالِهِ، وَسَيَأْتِي. (وَإِذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ؛ خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ الْحَرْبِيِّ) لِفِعْلِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ، أَشْبَهَ الْأَسِيرَ، وَكَمَا لَوْ دَخَلَ مُتَلَصِّصًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ نَقَضَهُ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَمَنْ نَقَضَهُ بِغَيْرِهِ، فَنَصُّهُ: يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يُوجِبُهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا، وَكَذَا فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا، فَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِ، وَعَلَى ذَلِكَ تُشْرَعُ اسْتِتَابَتُهُ بِالْعَوْدِ إِلَى الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] إِقْرَارَهُ بِهَا جَائِزٌ بَعْدَ هَذَا، لَكِنْ لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَمَنْ أَسْلَمَ، حَرُمَ قَتْلُهُ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": وَرِقُّهُ، وَإِنْ رَقَّ ثُمَّ أَسْلَمَ، بَقِيَ رِقُّهُ، وَقِيلَ: مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ بِغَيْرِ قِتَالِنَا، أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ، وَقَوْلُنَا: حَرُمَ قَتْلُهُ، وَهَذَا فِي غَيْرِ السَّابِّ، فَإِنَّ ابْنَ أَبِي مُوسَى، وَابْنَ الْبَنَّا وَالسَّامِرِيَّ، وَالشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ قَالُوا بِأَنَّ سَابَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْتَلُ وَلَوْ أَسْلَمَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِمَيِّتٍ، فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. (وَمَالُهُ فَيْءٌ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ لِأَنَّ الْمَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ إِنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِمَالِكِهِ حَقِيقَةً، وَقَدِ انْتَقَضَ عَهْدُ الْمَالِكِ فِي نَفْسِهِ فَكَذَا فِي مَالِهِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ مَالَهُ كَانَ مَعْصُومًا فَلَا تَزُولُ عِصْمَتُهُ بِنَقْضِهِ الْعَهْدَ، كَذُرِّيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَهُوَ فَيْءٌ. انْتَهَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْبَيْعِ ؛ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ. وَلَهُ صُورَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: الْإِيجَابُ   [المبدع في شرح المقنع] كِتَابُ الْبَيْعِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] أَيْ: فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَمِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ رِفَاعَةُ «أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُصَلَّى، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ فَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنْ بَرَّ وَصَدَقَ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ تَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَلَا يَبْذُلُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ غَالِبًا، فَفِي تَجْوِيزِ الْبَيْعِ طَرِيقٌ إِلَى وُصُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى غَرَضِهِ، وَدَفْعِ حَاجَتِهِ. وَهُوَ مَصْدَرُ: بَاعَ يَبِيعُ، بِمَعْنَى: مَلِكَ، وَبِمَعْنَى اشْتَرَى، وَكَذَا شَرَى يَكُونُ لِلْمَعْنَيَيْنِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ، وَغَيْرُهُ: بَاعَ وَأَبَاعَ بِمَعْنًى، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْبَاعِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَمُدُّ بَاعَهُ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَهِيَ غَيْرُ مُشْتَقَّةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. فَإِنْ أُجِيبَ بِالْتِزَامِ مَذْهَبِ الْكُوفِيِّ بِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفِعْلِ، رُدَّ بِأَنَّهُ الْفِعْلُ الَّذِي مِنْهُ الْمَصْدَرُ لَا فِعْلَ مَصْدَرٍ آخَرَ، وَبِأَنَّ " الْبَاعَ " عَيْنُهُ وَاوٌ بِخِلَافِ " الْبَيْعِ "، فَإِنَّ عَيْنَهُ يَاءٌ، وَشَرْطُ الِاشْتِقَاقِ مُوَافَقَةُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا مِنَ الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ الَّذِي يُلْحَظُ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 وَالْقَبُولُ، فَيَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ، أَوْ مَلَّكْتُكَ وَنَحْوُهُمَا. . . وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: ابْتَعْتُ، أَوْ قَبِلْتُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ جَازَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَعْنَى فَقَطْ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [الشعراء: 168] مِنَ الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّ " قَالَ " مِنَ " الْقَوْلِ "، وَالْقَالِينَ مِنْ " الْقِلَى " فَالْحُرُوفُ لَمْ تَتَّفِقْ وَالْمَعْنَى لَمْ يَتَّحِدْ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِالْبَيْعِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِانْتِفَاءِ مَدِّ الْبَاعِ فِيهِ. (وَهُوَ) فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ شَيْءٍ وَإِعْطَاءُ شَيْءٍ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ (مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ) فَدَخَلَ فِيهِ الْمُعَاطَاةُ وَالْقَرْضُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ قَصَدَ فِيهِ التَّمَلُّكَ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ فِيهِ الْإِرْفَاقُ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ الْإِجَارَةُ، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ الرِّبَا، وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إِذَا تَضَمَّنَ عَيْنَيْنِ لِلتَّمَلُّكِ، وَأَبْدَلَ السَّامِرِيُّ عَيْنَيْنِ بِمَالَيْنِ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَيْسَ بِجَامِعٍ لِخُرُوجِ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ مِنْهُ، وَلَا مَانِعَ لِدُخُولِ الرِّبَا فِيهِ. وَالْأَوْلَى فِيهِ: تَمْلِيكُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ غَيْرِ رِبًا وَلَا قَرْضٍ، ثُمَّ لِبَيْعِ الْعَيْنِ أَقْسَامٌ، وَلِصِحَّتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْكَانِ: الْعَاقِدُ، وَصِيغَةُ الْعَقْدِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ. (وَلَهُ صُورَتَانِ) أَيْ: يَنْعَقِدُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (إِحْدَاهُمَا: الْإِيجَابُ) وَهُوَ الصَّادِرُ مِنْ قِبَلِ الْبَائِعِ (وَالْقَبُولُ) بِفَتْحِ الْقَافِ، وَحَكَى فِي اللُّبَابِ الضَّمَّ، وَهُوَ الصَّادِرُ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي (فَيَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ أَوْ مَلَّكْتُكَ وَنَحْوُهُمَا) كَوَلَّيْتُكَ، أَوْ أَشْرَكْتُكَ، أَوْ أَعْطَيْتُكَ (وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: ابْتَعْتُ، أَوْ قَبِلْتُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا) كَأَخَذْتُهُ أَوِ اشْتَرَيْتُهُ أَوْ تَمَلَّكْتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ صَرِيحَانِ فِيهِ، فَانْعَقَدَ بِهِمَا كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ، وَعَنْهُ يَتَعَيَّنُ بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ فَقَطْ لِصَرَاحَتِهِمَا كَالنِّكَاحِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْقَبُولَ يَعْقُبُ الْإِيجَابَ (فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ جَازَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) جَزَمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنِ الْإِيجَابِ صَحَّ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ   [المبدع في شرح المقنع] بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى حَاصِلٌ بِهِ فَجَازَ كَمَا لَوْ تَأَخَّرَ، وَهَذَا إِذَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْعِ، فَلَوْ قَالَ: قَبِلْتُ ابْتِدَاءً، ثُمَّ قَالَ: بِعْتُكَ لَمْ يَنْعَقِدْ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ رُتْبَتَهُ التَّأَخُّرُ وَكَنِكَاحٍ، نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِ رِوَايَةً، وَعَلَى الْأُولَى فِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْفُرُوعِ "، إِذَا تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الْمَاضِي كَابْتَعْتُ مِنْكَ، فَيَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ أَوِ الطَّلَبِ كَبِعْنِي بِكَذَا، فَيَقُولُ: بِعْتُكَ، فَالْأَشْهَرُ الصِّحَّةُ، وَعَنْهُ لَا يَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ وِفِاقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَبُولٍ وَلَا اسْتِدْعَاءٍ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَبُولًا. (وَإِنْ تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنِ الْإِيجَابِ، صَحَّ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) عُرْفًا؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يكتفي بِالْقَبْضِ فِيهِ لِمَا يَشْتَرِطُ قَبْضَهُ (وَإِلَّا فَلَا) يَصِحُّ فِيمَا إِذَا تَرَاخَى عَنِ الْإِيجَابِ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا يَتِمُّ بِالْقَبُولِ، فَلَمْ يَتِمَّ مَعَ تَبَاعُدِهِ عَنْهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَكَذَا إِذَا تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ، لِأَنَّهُمَا صَارَا مُعْرِضَيْنِ عَنِ الْبَيْعِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالرَّدِّ. (وَالثَّانِيَةُ الْمُعَاطَاةُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ أَحْكَامًا، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ لَفْظًا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 وَإِلَّا فَلَا. . . . . وَالثَّانِيَةُ: الْمُعَاطَاةُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّينَارِ خُبْزًا فَيُعْطِيَهُ مَا يُرْضِيهِ، أَوْ يَقُولَ الْبَائِعُ: خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ فَيَأْخُذَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ هَذَا إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَوَجَبَ رَدُّهُ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ، وَلَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَبَيَاعَاتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتِعْمَالُ إِيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي بَيْعِهِمْ، وَلَوِ اسْتُعْمِلَ لَنُقِلَ نَقْلًا شَائِعًا وَلَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ، وَلَمْ يُخْفِ حُكْمَهُ (مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّينَارِ خُبْزًا فَيُعْطِيَهُ مَا يُرْضِيهِ، أَوْ يَقُولَ الْبَائِعُ: خُذْ هَذَا بِدِرْهَمٍ فَيَأْخُذَهُ) لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ إِنَّمَا يُرَادَانِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّرَاضِي، فَإِذَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُعَاطَاةِ قَامَ مَقَامَهُمَا، وَأَجْزَأَ عَنْهُمَا لِعَدَمِ التَّعَبُّدِ فِيهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الرِّضَى أَمْرٌ خَفِيُّ، فَأُنِيطَ بِالصِّيغَةِ وَكَالنِّكَاحِ، وَلَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْبَيْعُ الضَّمِينُ، كَمَا إِذَا قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَلَى كَذَا (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ هَذَا إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ) أَيْ: فِي الْمُحَقَّرَاتِ خَاصَّةً، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ فِي الْيَسِيرِ يَشُقُّ، فَيَسْقُطُ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] هَلِ الْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الرِّضَى، فَلَا بُدَّ مِنْ صَرِيحِ الْقَوْلِ، أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فيكتفي بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَمِثْلُهُ وَضْعُ ثَمَنِهِ عَادَةً وَأَخْذُهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَالِكُ حَاضِرًا. أَصْلٌ: حُكْمُ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ كَذَلِكَ فَتَجْهِيزُ بِنْتِهِ بِجِهَازٍ إِلَى زَوْجٍ تَمْلِيكٌ فِي الْأَصَحِّ. [شُرُوطُ صِحَّةِ الْبَيْعِ] [الْأَوَّلُ التَّرَاضِي] فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِذَوْقِهِ حَالَ الشِّرَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَقَالَ سُفْيَانُ: الْعِفَّةُ أَحَبُّ. نَقَلَ حَرْبٌ: لَا أَدْرِي إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ. 1 - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ؛ أَحَدُهَا: التَّرَاضِي بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَا بِهِ اخْتِيَارًا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا؛ لَمْ يَصِحَّ إِلَّا أَنْ يُكْرَهَ بِحَقٍّ، كَالَّذِي يُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ. فَصْلٌ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ، وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ إِلَّا الصَّبِيَّ   [المبدع في شرح المقنع] فَصْلٌ (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ؛ أَحَدُهَا: التَّرَاضِي بِهِ) لِلْآيَةِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ (وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَا بِهِ اخْتِيَارًا) لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ، فَلَمْ يَجُزْ إِزَالَةُ مِلْكِهِ عَنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْعَ تَلْجِئَةٍ وَأَمَانَةٍ، أَوْ مِنْ هَازِلٍ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا لَمْ يَصِحَّ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ (إِلَّا أَنْ يُكْرَهَ بِحَقٍّ كَالَّذِي يُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ) فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حَمَلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَصَحَّ مِنْهُ كَإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ، وَالْمُشْتَرِي كَالْبَائِعِ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ مَالٍ فَبَاعَ مِلْكَهُ كُرِهَ الشِّرَاءُ، وَصَحَّ؛ نَصَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْإِكْرَاهِ فِيهِ، وَهُوَ بَيْعُ الْمُضْطَرِّ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ تَمِيمٍ وَهُمَا لَا يُعْرَفَانِ، وَفَسَّرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ بِأَنْ يَجِيئَكَ مُحْتَاجٌ فَتَبِيعَهُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِعِشْرِينَ. [الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ] فَصْلٌ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يُشْتَرَطُ لَهُ الرِّضَى فَاشْتُرِطَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 الْمُمَيّزَ وَالسَّفِيهَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا، وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ.   [المبدع في شرح المقنع] عَاقِدِهِ جَوَازُ التَّصَرُّفِ كَالْإِقْرَارِ (وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ) وَالْمُرَادُ بِهِ: الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الرَّشِيدُ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ طِفْلٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا سَكْرَانَ وَلَا نَائِمٍ وَلَا مُبَرْسَمٍ، وَلَا شِرَاؤُهُ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ، سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ أَمْ لَا (إِلَّا الصَّبِيَّ الْمُمَيَّزَ وَالسَّفِيهَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أَيِ: اخْتَبِرُوهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِتَفْوِيضِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إِلَيْهِ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ، وَالسَّفِيهُ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّهُ إِذَا صَحَّ فِي الصَّبِيِّ بِمَا ذَكَرْنَا فَالسَّفِيهُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ إِلَّا فِي عَدَمِ وَقْفِهِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ جَوَازَ الْإِذْنِ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ لِمَصْلَحَةٍ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَشْبَهَ غَيْرَ الْمُمَيَّزِ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى فَضَبَطَهُ الشَّارِعُ بِحَدٍّ، وَهُوَ الْبُلُوغُ، وَالسَّفِيهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِسُوءِ تَصَرُّفِهِ وَتَبْذِيرِهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فَقَدْ أَذِنَ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ (وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا (إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ) لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِمَا خَوْفُ ضَيَاعِ مَا لَهُمَا بِتَصَرُّفِهِمَا وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْيَسِيرِ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ اشْتَرَى مِنْ صَبِيٍّ عُصْفُورًا وَأَطْلَقَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِ مُمَيَّزٍ وَنُفُوذِهِ بِلَا إِذْنِ وَلِيِّهِ وَإِبْرَائِهِ وَإِعْتَاقِهِ وَطَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ، وَفِي قَبُولِهِمْ هِبَةً وَوَصِيَّةً بِلَا إِذْنٍ أَوْجُهٌ. ثَالِثُهَا: يَجُوزُ مِنْ عَبْدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ صِحَّةُ تَصَرُّفِ مُمَيَّزٍ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ وَلِيِّهِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: إِنْ تَزَوَّجَ الصَّغِيرُ فَبَلَغَ أَبَاهُ فَأَجَازَهُ جَازَ، قَالَ جَمَاعَةٌ: ولو أجازه بَعْدَ رُشْدِهِ لَمْ يَجُزْ، وَعَنْهُ: لَا يَقِفُ، ذَكَرَهَا الْفَخْرُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 فَصْلٌ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا، وَهُوَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَدُودِ الْقَزِّ وَبِزْره وَالنَّحْلِ مُنْفَرِدًا، وَفِي كِوَارَاتِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُ   [المبدع في شرح المقنع] [الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا] فَصْلٌ (الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا) لِأَنَّهُ يُقَابِلُ بِالْمَالِ إِذْ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ (وَهُوَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) أُخْرِجَ بِالْأَوَّلِ: مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَالْحَشَرَاتِ، وَبِالثَّانِي: مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ، وَبِالثَّالِثِ: مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِلضَّرُورَةِ كَالْكَلْبِ، وَلَوْ عَبَّرَ: بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَـ " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ " لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلَا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا وَفِي " الشَّرْحِ " يَحْتَرِزُ بِقَوْلِهِ: لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي تُبَاحُ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ، وَالْخَمْرُ تُبَاحُ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا (فَيَجُوزُ بَيْعُ) الْعَقَارِ (وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ) لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ ": لَا إِنْ نَجِسَا، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ (وَدُودِ الْقَزِّ) لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْبَهَائِمَ، وَحَرَّمَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " كَالْحَشَرَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ (وَبِزْره) لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْمَآلِ أَشْبَهَ وَلَدَ الْفَرَسِ وَفِيهِ وَجْهٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " كَبَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا فَرْقَ فِي بَيْعِهِ مُفْرَدًا أَوْ مَعَ الدُّودِ (وَالنَّحْلِ مُنْفَرِدًا) لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهِ شَرَابٌ فِيهِ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ، فَجَازَ بَيْعُهُ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (وَفِي كِوَارَاتِهِ) لِإِمْكَانِ مُشَاهَدَتِهِ بِفَتْحِ رَأْسِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فِيهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا غَيْرُ مَرْئِيٍّ، وَهُوَ أَمِيرُهَا، وَأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ عَسَلٍ يَكُونُ مَبِيعًا، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ خَفَاءَ الْبَعْضِ لَا يَمْنَعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 الْهِرِّ وَالْفِيلِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِلَّا الْكَلْبَ،   [المبدع في شرح المقنع] الصِّحَّةَ كَالصُّبْرَةِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي وِعَاءٍ لَا يُشَاهَدُ إِلَّا ظَاهِرُهُ، وَالْعَسَلُ يَدْخُلُ تَبَعًا كَأَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ، فَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ مُشَاهَدَةُ النَّحْلِ لِكَوْنِهِ مَسْتُورًا بِالْأَقْرَاصِ، وَلَمْ يَعْرِفْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِجَهَالَتِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرِّ وَالْفِيلِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ) كَالْفَهْدِ وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهِمَا (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتِ النَّارَ فِي هِرَّةٍ لَهَا حَبَسَتْهَا» وَالْأَصْلُ فِي اللَّامِ الْمِلْكُ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُبَاحٌ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ مُطْلَقًا أَشْبَهَ الْبَغْلَ، وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَا وَعِيدَ فِي جِنْسِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ، وَعَلَى هَذَا فِي جَوَازِ بَيْعِ فَرْخِهِ وَبَيْضِهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ: يَصْلُحُ لِلصَّيْدِ يُحْتَمَلُ حَالًا أَيْ: تَكُونُ مُعَلَّمَةً، وَبِهِ صَرَّحَ الْخِرَقِيُّ فَظَاهِرُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا قَبْلَ التَّعْلِيمِ، وَيَحْتَمِلُ مَآلًا؛ أَيْ: يَقْبَلُهُ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْفِيلُ التَّعْلِيمَ لَمْ يَجُزْ كَأَسَدٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ (إِلَّا الْكَلْبَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ - رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ - وَكَذَا آلَةُ لَهْوٍ وَخَمْرٍ، وَلَوْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ (اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ) وَالْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " (وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ) وَابْنُ أَبِي مُوسَى. أَمَّا الْهِرُّ فَلِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ثَمَنِهِ فَقَالَ زَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ مِنْهَا، أَوْ عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ، أَوْ عَلَى الْمُتَوَحِّشِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا كَانَ مَحْكُومًا بِنَجَاسَتِهَا، ثُمَّ لَمَّا حَكَمَ بِطَهَارَةِ سُؤْرِهِ حَلَّ ثَمَنُهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكُلُّهَا مَحَامِلُ وَدَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَالْمَرِيضِ، وَفِي بَيْعِ الْجَانِي وَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَلَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ وَجْهَانِ، وَفِي   [المبدع في شرح المقنع] وَأَمَّا الْفِيلُ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ فَلِأَنَّهَا نَجِسَةٌ كَالْكَلْبِ، وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْكَلْبِ، فَإِنَّ جَوَازَهُ مُخْتَصٌّ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ مَعَ أَنَّ اقْتِنَاءَهُ لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " كَـ " الْمُحَرَّرِ ". 1 - (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ) لِحُصُولِ النَّفْعِ بِهِ إِلَى وَقْتِ قَتْلِهِ وَرُبَّمَا رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَيَحْصُلُ كَمَالُ النَّفْعِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إِزَالَةُ الْمَانِعِ بِخِلَافِ الْجَانِي (وَالْمَرِيضِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَقِيلَ: غَيْرُ مَأْيُوسٍ، وَالْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ خَشْيَةَ الْهَلَاكِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَالْمُرْتَدِّ (وَفِي بَيْعِ الْجَانِي وَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَلَبَنِ الْآدِمِيَّاتِ وَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْجَانِي، لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِغَيْرِ رِضَى سَيِّدِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ بَيْعُهُ كَالدَّيْنِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ فَمَنَعَ جَوَازَ بَيْعِهِ كَالرَّهْنِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فِي الْجَانِي يَمْلِكُ أَدَاءَهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الْبَيْعَ كَالزَّكَاةِ، وَفَارَقَ الرَّهْنَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ حَقٌّ مُتَعَيَّنٌ فِيهِ لَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ إِبْدَالَهُ ثَبَتَ الْحَقُّ فِيهِ بِرِضَاهُ وَثِيقَةٌ لِلدَّيْنِ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِ، وَلَوِ اشْتَرَاهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: الْقَاتِلُ فِي الْمُحَارَبَةِ فَإِنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْحَرْبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ حَتَّى قُدِرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: وَفِي الْمُتَحَتِّمِ قَتْلُهُ؛ وَجْهَانِ كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 جَوَازِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَكَرَاهَةِ شِرَائِهِ وَإِبْدَالِهِ رِوَايَتَانِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ   [المبدع في شرح المقنع] وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ إِلَى حِينِ قَتْلِهِ وَيُعْتِقُهُ فَيَجْرِ وَلَاءُ وَلَدِهِ فَجَازَ كَالْمَرِيضِ، وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي لَا لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُتَحَتِّمَ الْقَتْلِ أَشْبَهَ الْمَيْتَاتِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَصْلًا بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ زَوَالُ مَا ثَبَتَ مِنَ الرُّجُوعِ عَنِ الْإِقْرَارِ، أَوِ الرُّجُوعِ مِنَ الشُّهُودِ. الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ الْمُنْفَصِلِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ كَلَبَنِ الشَّاةِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي إِجَارَةِ الظِّئْرِ أَشْبَهَ الْمَنَافِعَ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ خَرَجَ مِنْ آدَمِيَّةٍ كَالْعَرَقِ أَوْ لِأَنَّهُ مِنَ الْآدَمِيِّ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعَرَقَ لَا نَفْعَ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ عَرَقُ الشَّاةِ وَيُبَاعُ لَبَنُهَا، وَحَرُمَ بَيْعُ الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ، لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ وَقِيلَ يَجُوزُ مِنَ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا جَائِزٌ، فَكَذَا لَبَنُهَا كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا دُونَ الْحُرَّةِ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ بَيْعُ لَبَنِهَا، وَاحْتَجَّ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَضَوْا فِيمَنْ غَرَّ بِأَمَةٍ بِضَمَانِ الْأَوْلَادِ، وَلَوْ كَانَ لِلَّبَنِ قِيمَةٌ لَذَكَرُوهُ. فَرْعٌ: الْمَنْذُورُ عِتْقُهُ - قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: - نَذْرُ تَبَرُّرٍ - الْأَشْهَرُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ وَجَبَ بِالنَّذْرِ، فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُهُ بِبَيْعِهِ كَالْهَدِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ. 1 - (وَفِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَكَرَاهَةِ شِرَائِهِ وَإِبْدَالِهِ رِوَايَتَانِ) أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ أَحْمَدُ: لَا نَعْلَمُ فِي بَيْعِ الْمُصْحَفِ رُخْصَةً، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَدِدْتُ أَنَّ الْأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِهَا، وَلِأَنَّ تَعْظِيمَهُ وَاجِبٌ وَفِي بَيْعِهِ ابْتِذَالٌ لَهُ وَتَرْكٌ لِتَعْظِيمِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ، لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ. أَشْبَهَ كُتُبَ الْعِلْمِ، وَفِي ثَالِثَةٍ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا مُوسَى كَرِهُوا بَيْعَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 وَالْمَيْتَةِ وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا سِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ وَلَا الْكَلْبِ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَعَلَى الْأُولَى: يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ، وَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنٍ، وَلَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُ بَذْلُهُ لِحَاجَةٍ فِي الْأَشْهَرِ، وَيُكْرَهُ شِرَاؤُهُ، وَإِبْدَالُهُ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْبَيْعِ الْمُتَضَمِّنِ إِذْلَالُ الْمُصْحَفِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي أُخْرَى قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ اسْتِنْقَاذٌ لَهُ كَاسْتِنْقَاذِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ إِخْرَاجٌ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي " النِّهَايَةِ " لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُصْحَفِ وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا إِبْدَالُهُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ إِذْلَالٌ، وَالْمُصْحَفُ مُحْتَرَمٌ، فَتَنَافَيَا، وَفَارَقَ الشِّرَاءُ هُنَا شِرَاءَ الْأَسِيرِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ، وَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِكَافِرٍ، لِأَنَّهُ إِذَا نُهِيَ عَنِ الْمُسَافَرَةِ بِهِ إِلَى أَرْضِهِمْ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ فَهَذَا أَوْلَى، وَحُكْمُ إِجَارَتِهِ كَبَيْعِهِ، لِأَنَّهَا بَيْعُ مَنْفَعَتِهِ وَيَجُوزُ وَقْفُهُ وَهِبَتُهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَاحْتَجَّ بِنُصُوصِ أَحْمَدَ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ بَيْعِ كُتُبِ الْعِلْمِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا تُبَاعُ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: يَجُوزُ نَسْخُهُ بِأُجْرَةٍ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِيهِ لِمُحْدِثٍ بِلَا حَمْلٍ وَلَا مَسٍّ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا كَافِرٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْمَصَاحِفَ تَكْتُبُهَا النَّصَارَى عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ منْ كتبهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي " النِّهَايَةِ " يُمْنَعُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ شِرَاءُ كُتُبِ زَنْدَقَةٍ وَنَحْوِهَا لِيُتْلِفَهَا لَا خَمْرَ لِيُرِيقَهَا؛ لِأَنَّ فِي الْكُتُبِ مَالِيَّةَ الْوَرَقِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَبْطُلُ بِآلَةِ اللَّهْوِ، وَسَقَطَ حُكْمُ مَالِيَّةِ الْخَشَبِ. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ بَيْعُ طَيْرٍ لِقَصْدِ صَوْتِهِ فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ. زَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِنْ جَازَ حَبْسُهُ، وَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَفِي " الْمُوجَزِ " لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ مَا قُصِدَ صَوْتُهُ كَدِيكٍ وَقُمْرِيٍّ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ) لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَقٌ لِمَصِّ دَمٍ وَدِيدَانٍ لِصَيْدِ سَمَكٍ، وَمَا يُصَادُ عَلَيْهِ كَبُومَةٍ شَبَاشَا فِي الْأَشْهَرِ (وَالْمَيْتَةِ) لِقَوْلِ جَابِرٍ «سَمِعْتُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 السِّرْجِينِ النَّجِسِ وَلَا الْأَدْهَانِ النَّجِسَةِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بَيْعُهَا لِكَافِرٍ يَعْلَمُ نَجَاسَتَهَا.   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْأَصْنَامِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا الْحُوتُ وَالْجَرَادُ (وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا) لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ كَالْخَمْرِ (وَلَا سِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ) كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا كَالْحَشَرَاتِ (وَلَا الْكَلْبِ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ» وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ نُهِيَ عَنِ اقْتِنَائِهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، أَوْ نَجَسُ الْعَيْنِ كَالْخِنْزِيرِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ مُعَلَّمًا، صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَجَازَ بَيْعَهُ وَمَالَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ " إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ وَأُجِيبَ " بِضَعْفِهِ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ (وَلَا السِّرْجِينِ النَّجِسِ) لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْمَيْتَةِ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ دُهْنٍ نَجِسٍ، قَالَ مِنْهَا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ السَّلَفِ فِي الْبَعْرِ وَالسِّرْجِينِ قَالَ: لَا بَأْسَ. وَأَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ فِي بَيْعِ نَجَاسَةٍ قَوْلَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الطَّاهِرِ مِنْهَا (وَلَا الْأَدْهَانِ النَّجِسَةِ) أَيِ: الْمُتَنَجِّسَةُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ لِلْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» وَلِأَنَّهَا نَجِسَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا كَشَحْمِ الْمَيْتَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ يَجُوزُ بَيْعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهَا رِوَايَتَانِ، وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ بَيْعِهَا.   [المبدع في شرح المقنع] مَا يَطْهُرُ مِنْهَا بِالْغَسْلِ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الدُّهْنِ غَالِبًا هُوَ الْأَكْلُ، وَقَدْ زَالَ وَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ بِتَطْهِيرِهِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ النَّجِسِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَلَا تَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ بِتَطْهِيرِهِ، وَالْأَوْلَى أَنَّ فِيهِ نَهْيًا خَاصًّا فَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْعًا (وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِكَافِرٍ يَعْلَمُ نَجَاسَتَهَا) لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّ ذَلِكَ وَيَسْتَبِيحُ أَكْلَهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَاشْتَرَطَ الْكُفْرَ لِأَجْلِ الِاعْتِقَادِ الْمُجَوِّزِ، وَالْعِلْمُ بِنَجَاسَتِهَا الْمُرَادُ بِهِ اعْتِقَادُ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي بَيْعِ الثَّوْبِ النَّجِسِ، فَكَذَا هُنَا وَفِيهِ شَيْءٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " يَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ إِلَى كَافِرٍ فِي فِكَاكِ مُسْلِمٍ وَيُعْلَمُ بِنَجَاسَتِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِنْقَاذُ الْمُسْلِمِ بِهِ (وَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهَا رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: لَا؛ وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ قُرْبَانِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الِاسْتِصْبَاحُ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ دِهْنٌ نَجِسٌ، فَلَمْ يَجُزِ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ كَشَحْمِ الْمَيْتَةِ، وَالثَّانِيَةُ: يُبَاحُ؛ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ الِانْتِفَاعَ بِالْجِلْدِ الْيَابِسِ، فَعَلَى هَذَا يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَنْجِيسِهَا لَا نَجِسَ الْعَيْنِ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ (وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ بَيْعِهَا) كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُنْتَفَعًا بِهِ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ سُمٍّ قَاتِلٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْأَفَاعِي أَوِ النَّبَاتِ، وَقِيلَ يَقْتُلُ بِهِ مُسْلِمًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 فَصْلٌ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي بَيْعِهِ، فَإِنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ   [المبدع في شرح المقنع] [الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ] فَصْلٌ (الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ) حَتَّى الْأَسِيرَ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالتَّامِّ لِيَخْرُجَ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ. فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَسَيَأْتِي (أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي بَيْعِهِ) وَقْتَ إِيجَابِهِ وَقَبُولِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَبِيعِ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْمَأْذُونِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ نَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ نَفْسِهِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى التَّوْكِيلِ لِكَوْنِ الْمُوَكِّلِ غَائِبًا، أَوْ مَحْبُوسًا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ حُضُورُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَوْ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ لَأَدَّى إِلَى الْحَرَجِ، وَالْمَشَقَّةِ وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ شَرْعًا. لَا يُقَالُ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ جَوَابًا حِينَ سَأَلَهُ أَنَّهُ يَبِيعُ الشَّيْءَ وَيَمْضِي وَيَشْتَرِيهِ وَيُسَلِّمُهُ (فَإِنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ) أَوْ طَلَّقَ زَوْجَةَ غَيْرِهِ، أَوْ نَحْوَهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ (لَمْ يَصِحَّ) اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ، وَالشَّيْءُ يَفُوتُ بِفَوَاتِ شَرْطِهِ (وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْملكِ) لِمَا رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الْجَعْدِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا: بِدِينَارٍ، ثُمَّ جَاءَهُ بِالدِّينَارِ وَالشَّاةِ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ عَقَدَ لَهُ مَجِيزٌ فِي حَالِ وُقُوعِهِ فَوَقَفَ عَلَى إِجَازَتِهِ كَالْوَصِيَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ وَاشْتَرَطَتْ إِجَازَةُ الْمَالِكِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَجِيزٌ فِي الْحَالِ، وَعَنْهُ صِحَّةُ تَصَرُّفٍ غَاصِبٍ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عُرْوَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ مُطْلَقٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ سَلَّمَ وَتَسَلَّمَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ، وَالْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ بِاتِّفَاقٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 الْمَالِكِ. وَإِنِ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، صَحَّ، فَإِنْ أَجَازَهُ مَنِ اشْتَرَى لَهُ مَلِكَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ مَنِ اشْتَرَاهُ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ لِيَمْضِيَ وَيَشْتَرِيَهُ وَيُسَلِّمَهُ، وَلَا يَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا بِيعَ مِلْكُهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ، فَهُوَ كَمَا بَاعَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى، لِأَنَّ سُكُوتَهُ إِقْرَارٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى، كَالْبِكْرِ فِي النِّكَاحِ، وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ فَإِنَّ سُكُوتَهَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَيَاءِ الْمَانِعِ مِنَ الْكَلَامِ فِي حَقِّهَا بِخِلَافِهِ هُنَا. (وَإِنِ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ صَحَّ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي ذِمَّتِهِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِلتَّصَرُّفِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ سَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ، أَوْ لَا، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَصِحُّ إِذَا لَمْ يُسَمِّهِ (فَإِنْ أَجَازَهُ مَنِ اشْتَرَى لَهُ مَلِكَهُ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِأَجْلِهِ وَنَزَلَ الْمُشْتَرِي نَفْسُهُ مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِ فَمَلَّكَهُ مَنِ اشْتَرَى لَهُ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَقَبْلِ الْإِجَازَةِ (وَإِلَّا لَزِمَ مَنِ اشْتَرَاهُ) أَيْ: إِذَا لَمْ يُجِزْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ لِلْمُشْتَرِي، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": إِنْ سَمَّاهُ فَأَجَازَهُ لَزِمَهُ، وَإِلَّا بَطَلَ وَيُحْتَمَلُ إِذْنٌ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " إِلْغَاءً لِلْإِضَافَةِ، وَإِنْ قَالَ: بِعْتُهُ مِنْ زَيْدٍ، فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ لَهُ بَطَلَ، وَيُحْتَمَلُ: يَلْزَمُ إِنْ أَجَازَهُ، وَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ إِجَازَتِهِ، صَحَّ فِي الْحُكْمِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَيَتَوَجَّهُ كَالْإِجَازَةِ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". تَنْبِيهٌ: لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِعَيْنِ مَالِهِ مَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ وُقُوفَهُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَمِثْلُهُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ، وَإِنْ بَاعَ مَا يَظُنُّهُ لِغَيْرِهِ فَبَانَ وَارِثًا، أَوْ وَكِيلًا فَرِوَايَتَانِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَجْهَانِ. وَبَنَاهُمَا فِي شَرْحِهِ عَلَى عَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ. 1 - (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ: لَا يَصِحُّ (بَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ لِيَمْضِيَ وَيَشْتَرِيَهُ وَيُسَلِّمَهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِحَدِيثِ حَكِيمٍ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ أَشْبَهَ الطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ، بَلْ مَوْصُوفٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بِشَرْطِ قَبْضِهِ أَوْ قَبْضِ ثَمَنِهِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ كَسَلَمٍ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يُقَسَّمْ كَأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَنَحْوِهَا) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَمْ يَزَلْ أَئِمَّةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 بَيْعُ مَا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يُقَسَّمْ كَأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَنَحْوِهَا إِلَّا الْمَسَاكِنَ وَأَرْضًا مِنَ الْعِرَاقِ فُتِحَتْ صُلْحًا، وَهِيَ الْحِيرَةُ وَأُلَّيْسُ وَبَانِقْيَا وَأَرْضُ بَنِي صَلُوبَا؛   [المبدع في شرح المقنع] الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ شِرَاءِ أَرْضِ الْجِزْيَةِ، وَيَكْرَهُهُ عُلَمَاؤُهُمْ قَالَ الشَّعْبِيُّ: اشْتَرَى عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ أَرْضًا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ لِيَتَّخِذَ فِيهَا قَصَبًا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مِمَّنِ اشْتَرَيْتَهَا قَالَ: مِنْ أَرْبَابِهَا، فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَرْبَابُهَا، قَالَ: ارْدُدْهَا عَلَى مَنِ اشْتَرَيْتَهَا مِنْهُ وَخُذْ مَالَكَ. فَقَالَهُ بِمَحْضَرِ سَادَةِ الصَّحَابَةِ وَأَئِمَّتِهِمْ، وَلَمْ يُنْكَرْ. فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى وُجُودِ إِجْمَاعٍ أَقْوَى مِنْهُ لِتَعَذُّرِهِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ خَالَفَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ اشْتَرَى مِنْ دِهْقَانٍ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ جِزْيَتَهَا، قُلْنَا لَا نَسْلَمُ الْمُخَالَفَةَ، وَاشْتَرَى بِمَعْنَى اكْتَرَى قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، بِدَلِيلٍ " عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ جِزْيَتَهَا "، وَلَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا لَهَا وَجِزْيَتُهَا عَلَى غَيْرِهِ (إِلَّا الْمَسَاكِنَ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اقْتَطَعُوا الْخُطَطَ فِي الْكُوفَةِ، وَالْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَبَنَوْهَا مَسَاكِنَ وَتَبَايَعُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ الْفَتْحِ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بِنَاءٍ لَيْسَ مِنْهَا وَغَرْسٍ مُحْدَثٍ فِيهَا. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَيَعْقُوبُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّهُ نَبْعٌ، وَهُوَ ذَرِيعَةٌ، وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ بَيْعَ الْغَرْسِ، وَفِي الْبِنَاءِ رِوَايَتَانِ (وَأَرْضًا مِنَ الْعِرَاقِ) سُمِّيَ عِرَاقًا لِامْتِدَادِ أَرْضِهِ وَخُلُوِّهَا مِنْ جِبَالٍ مُرْتَفِعَةٍ وَأَوْدِيَةٍ مُنْخَفِضَةٍ قَالَهُ السَّامِرِيُّ (فُتِحَتْ صُلْحًا وَهِيَ الْحِيرَةُ) مَدِينَةٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا حِيرِيٌّ وَحَارَيٌّ على غير قياس، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، (وَأُلَّيْسَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ، وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ مَدِينَةٌ بِالْجَزِيرَةِ (وَبَانِقْيَا) بِزِيَادَةِ أَلِفٍ بَيْنَ الْبَاءِ وَالنُّونِ وَهِيَ مَكْسُورَةٌ بَعْدَهَا قَافٌ سَاكِنَةٌ تَلِيهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ: نَاحِيَةٌ بِالنَّجَفِ دُونَ الْكُوفَةِ. قَالَ ثَعْلَبٌ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَلُوطًا نَزَلَاهَا وَكَانَتْ تُزَلْزِلُ، فَلَمْ تُزَلْزِلْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَاشْتَرَاهَا بِغُنَيْمَاتٍ يُقَالُ لَهَا نَقِيَا، وَكَانَ شِرَاؤُهَا مِنْ أَهْلِ بَانِقْيَا (وَأَرْضُ بَنِي صَلُوبَا) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللَّامِ بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ تَلِيهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، فَهَذِهِ الْأَمَاكِنُ فُتِحَتْ صُلْحًا لَا عَنْوَةً فَجَازَ بَيْعُهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْأَرْضُ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا كَأَرْضِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا مِلْكُ أَرْبَابِهَا قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ الْمَنْعِ فَقَالَ: (لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَّفَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ تُقَدَّرْ مُدَّتُهَا لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا وَتَجُوزُ   [المبدع في شرح المقنع] عَنْهُ وَقَّفَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِتَكُونَ مَادَّةً لَهُمْ لِقِتَالِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَشُهْرَةُ ذَلِكَ تُغْنِي عَنْ نَقْلِهِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ قُسِّمَتْ لَكَانَتْ لِلَّذِينِ افْتَتَحُوهَا، ثُمَّ لِوَرَثَتِهِمْ، أَوْ لِمَنِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ عَنْهُمْ، وَلَمْ تَكُنْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ جَازَ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا، لَكَانَ مَنِ افْتَتَحَهَا أَحَقَّ بِهَا (وَأَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ) عَنِ الْأَرْضِ (وَلَمْ تُقَدَّرْ مُدَّتُهَا لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، تَقْدِيرُهُ: إِنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ أُجْرَةٌ، فَيَجِبُ تَقْدِيرُ مُدَّتِهَا كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ، فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ عُمُومَ الْمَصْلَحَةِ مَوْجُودٌ هُنَا بِخِلَافِ مَا إِذَا أُجِّرَ مِلْكُهُ لِإِنْسَانٍ، أَوْ يُقَالُ: إِنَّهَا لَا تَصِحُّ، مَجْهُولَةٌ فِي أَمْلَاكِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا فِي أَمْلَاكِ الْكُفَّارِ أَوْ فِي حُكْمِ أَمْلَاكِهِمْ فَجَائِزٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمِيرَ لَوْ قَالَ: مَنْ دَلَّنَا عَلَى الْقَلْعَةِ الْفُلَانِيَّةِ فَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ صَحَّ، وَإِنْ كَانَتْ بِجَعْلٍ مَجْهُولٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ أُجْرَةً لَمْ تُؤْخَذْ عَنِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ لِعَدَمِ صِحَّةِ إِجَارَةِ ذَلِكَ، وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَأْخُوذَ هُنَاكَ عَنِ الْأَرْضِ إِلَّا أَنَّ الْأُجْرَةَ اخْتَلَفَتْ لِاخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ، فَالْمَنْفَعَةُ بِالْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا النَّخْلُ أَكْثَرُ، وَإِنَّمَا كَرِهَ أَحْمَدُ الدُّخُولَ فِيهَا لِمَا شَاهَدَهُ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ كَانَ يَأْخُذُ زِيَادَةً عَلَى مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ وَيَضْرِبُ وَيَحْبِسُ وَيَصْرِفُهُ إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: جَوَّزَ أَحْمَدُ إِصْدَاقَهَا، وَقَالَهُ جَدُّهُ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى نَفْعِهَا (وَتَجُوزُ إِجَارَتُهَا) لِأَنَّهَا مُؤَجَّرَةٌ فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا، وَإِجَارَةُ الْمُؤَجَّرِ جَائِزَةٌ، وَعَنْهُ: لَا، ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كَالْبَيْعِ (وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَهَا) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: يَبِيعُ مِنْهُ وَيَحُجُّ؛ قَالَ: لَا أَدْرِي فَدَلَّ عَلَى التَّوَقُّفِ (وَأَجَازَ شِرَاءَهَا) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِنْقَاذِ. وَعَنْهُ: لِحَاجَتِهِ وَعِيَالِهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَمْقُتُ السَّوَادَ، وَالْمَقَامُ فِيهِ كَالْمُضْطَرِّ يَأْكُلُ مِنَ الْمَيْتَةِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعَلَى الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا كَانَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 إِجَارَتُهَا، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَهَا، وَأَجَازَ شِرَاءَهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِ مَكَّةَ وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] وَيَكُونُ الشِّرَاءُ بِمَعْنَى نَقْلِ الْعَيْنِ مِنْ يَدٍ إِلَى أُخْرَى بِعِوَضٍ إِلَّا مَا كَانَ قَبْلَ سَنَةِ مِائَةٍ، أَوْ مِنْ إِقْطَاعِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. أَصْلٌ: إِذَا أَعْطَى الْإِمَامُ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ وَقَفَهَا فَقِيلَ: يَصِحُّ، وَفِي " النَّوَادِرِ " لَا، وَاحْتَجَّ بِنَقْلِ حَنْبَلٍ مثل السواد. كَمَنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى رَجُلٍ، أَوْ عَلَى وَلَدِهِ لَا يَحِلُّ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا عَلَى مَا وَقَفَ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ حَاكِمٌ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِيهِ كَبَقِيَّةِ الْمُخْتَلِفَاتِ مَعَ أَنَّهُمَا ذَكَرَا أَنَّ لِلْإِمَامِ الْبَيْعَ لِمَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِ مَكَّةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رِبْعٍ، وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَدَارُ الْإِقَامَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الصَّحِيحِ «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» (وَلَا إِجَارَتُهَا) لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مَرْفُوعًا «مَكَّةُ حَرَامٌ بَيْعُهَا حَرَامٌ إِجَارَتُهَا» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: «مَكَّةُ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا تُكْرَى بُيُوتُهَا» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِقَتْلِ أَرْبَعَةٍ فَقَتَلَ مِنْهُمُ ابْنَ خَطَلٍ وَمَقِيسَ بْنَ صَبَابَةَ، وَلَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُ أَهْلِهَا، وَلَمْ تُقَسَّمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَصَارَتْ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِ فَيُحْرِمَانِ كَبِقَاعِ الْمَنَاسِكِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 إِجَارَتُهَا، وَعَنْهُ: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَاءِ عِدٍّ كَمِيَاهِ الْعُيُونِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] (وَعَنْهُ: يَجُوزُ ذَلِكَ) اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ» وَإِذَا فُتِحَتْ صُلْحًا كَانَتْ مِلْكًا لِأَهْلِهَا فَجَازَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْبَيْعِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْهَدْيِ " فِيهِ، لِأَنَّ عُمَرَ اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَاشْتَرَى مُعَاوِيَةُ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ دَارَيْنِ بِمَكَّةَ إِحْدَاهُمَا: بِسِتِّينَ أَلْفًا، وَالْأُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِنْقَاذِ مَعَ أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَى ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ وَجَعَلَهُ سِجْنًا. يُؤَيِّدُهُ فِعْلُهُ ذَلِكَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ، وَعَلَى الْمَنْعِ إِنْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَأْثَمُ بِدَفْعِهَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَعَنْهُ: بَلَى قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ سَاقِطَةٌ يَحْرُمُ بَذْلُهَا، وروى أَنَّ سُفْيَانَ سَكَنَ بَعْضَ رِبَاعِ مَكَّةَ وَهَرَبَ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ أُجْرَةً فَأَدْرَكُوهُ فَأَخَذُوهَا مِنْهُ، وَذُكِرَ ذَلِكَ لِأَحْمَدَ فَتَبَسَّمَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَعْجَبَهُ. مَسْأَلَةٌ: الْحُرُمُ كَمَكَّةَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَزَارِعِهَا؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةُ الْأَرْضِ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَاءِ عِدٍّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ (كَمِيَاهِ الْعُيُونِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يُبَاعَ الْمَاءُ» ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 مَا فِي الْمَعَادِنِ الْجَارِيَةِ كَالْمِلْحِ وَالْقَارِ وَالنِّفْطِ، وَلَا مَا نَبَتَ فِي أَرْضِهِ مِنَ الْكَلَأِ وَالشَّوْكِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا مَلَكَهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ. فَصْلٌ: الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ وَلَا الشَّارِدِ   [المبدع في شرح المقنع] لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِتْلَافُهُ إِذِ الْإِجَارَةُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا إِتْلَافُ الْأَعْيَانِ، بَلْ مُشْتَرٍ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ، وَعَنْهُ: يَمْلِكُهُ وَيَجُوزُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ أَرْضِهِ كَالنِّتَاجِ، قَوْلُهُ: وَنَقْعِ الْبِئْرِ؛ أَيِ: الْمَاءِ الْمُنْتَقِعِ فِيهَا (وَلَا مَا فِي الْمَعَادِنِ الْجَارِيَةِ كَالْمِلْحِ وَالْقَارِ وَالنِّفْطِ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُمُّ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْمَاءِ (وَلَا مَا نَبَتَ فِي أَرْضِهِ مِنَ الْكَلَإِ وَالشَّوْكِ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا مَلِكَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُبَاحِ فَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ، كَمَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ عَدَمَهُ وَخَرَّجَهُ رِوَايَةً مِنْ أَنَّ النَّهْيَ يَمْنَعُ التَّمْلِيكَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ تَعَدِّيَهُ لَا يَمْنَعُ تَمَلُّكَهُ، كَمَا لَوْ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ طَائِرٌ، أَوْ دَخَلَ فِيهَا صَيْدٌ، أَوْ نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ سَمَكٍ فَدَخَلَ إِلَيْهِ وَأَخَذَهُ. (إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، كَمَا لَوْ دَخَلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَهُ الدُّخُولُ لِرَعْيِ كَلَأٍ وَأَخْذِهِ وَنَحْوِهِ مَا لَمْ يَحُطَّ عَلَيْهَا بِلَا ضَرَرٍ. قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَكَرِهَهُ فِي " التَّعْلِيقِ " وَ " الْوَسِيلَةِ " وَ " التَّبْصِرَةِ " (وَعَنْهُ: يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ، فَجَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الْخَارِجِ مِنْهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: الْمَنْعُ مِنْهُ قَبْلَ حِيَازَتِهِ فَأَمَّا بَعْدُهَا فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ إِلَّا مَا حَمَلَ مِنْهُ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ، وَعَلَى ذَلِكَ مَضَتِ الْعَادَةُ فِي الْأَمْصَارِ بِبَيْعِ الْمَاءِ فِي الرَّوَايَا وَالْحَطَبِ وَالْكَلَإِ الْمُحَازَّيْنِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ. [الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ] فَصْلٌ (الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ) لِأَنَّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَبِيهٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 وَلَا الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَلَا السَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَلَا الْمَغْصُوبِ إِلَّا مِنْ غَاصِبِهِ، أَوْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] بِالْمَعْدُومِ، وَالْمَعْدُومُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، فَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ، وَلَا الشَّارِدِ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَظْهَرَ، وَالْآبِقُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحُصُولِ وَعَدَمِهِ مَعَ أَنَّ فِيهِ نَهْيًا خَاصًّا، رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ» وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ خَبَرَهُ أَمْ لَا (وَلَا الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) لِأَنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ يُأْلَفُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ فِي " الْفُنُونِ "، وَأَنَّهُ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ، وَأَنْكَرَهُ مَنْ لَمْ يُحَقِّقْ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُ وَبَابُهُ مُغْلَقٌ جَازَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِنَاطَةٌ بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَشَرَطَ الْقَاضِي مَعَ ذَلِكَ أَخْذَهُ بِسُهُولَةٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا بِتَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ لَمْ يَجُزْ لِعَجْزِهِ فِي الْحَالِ، وَالْجَهْلِ بِوَقْتِ تَسْلِيمِهِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْغَائِبُ الْبَعِيدُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إِحْضَارُهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبَعِيدَ تُعْلَمُ الْكُلْفَةُ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي إِحْضَارِهِ بِالْعَادَةِ، وَتَأْخِيرُ تَسْلِيمِهِ مُدَّتُهُ مَعْلُومَةٌ (وَلَا السَّمَكِ فِي الْمَاءِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِيهِ انْقِطَاعٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 فَصْلٌ السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ تَحْصُلُ بِهَا مَعْرِفَتُهُ. فَإِنِ اشْتَرَى   [المبدع في شرح المقنع] وَالْمُرَادُ بِهِ إِذَا كَانَ فِي الْآجَامِ فَلَوْ كَانَ فِي بِرْكَةٍ مُعِدًّا لِلصَّيْدِ وَعُرِفَ بِرُؤْيَةٍ لِصَفَاءِ الْمَاءِ فِيهَا وَأَمْكَنَ اصْطِيَادُهُ، صَحَّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مُمْكِنٌ تَسْلِيمُهُ، أَشْبَهَ الْمَوْضُوعَ فِي طَسْتٍ، نَعَمْ؛ إِنْ كَانَ فِي أَخْذِهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ خَرَجَ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّ الْبِرْكَةَ إِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَتَطَاوَلَتِ الْمُدَّةُ فِي أَخْذِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلْجَهْلِ بِوَقْتِ إِمْكَانِ التَّسْلِيمِ (وَلَا الْمَغْصُوبِ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ (إِلَّا مِنْ غاصِبِهِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ مَعْدُومٌ هُنَا، وَعَلَى الْأَصَحِّ (أَوْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ) لِعَدَمِ الْغَرَرِ وَلِإِمْكَانِ قَبْضِهِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ بَيْعُ آبِقٍ لِقَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ، وَالْأَشْهَرُ الْمَنْعُ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ اسْتِنْقَاذِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا صَحَّ لِظَنِّ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّحْصِيلِ. [السَّادِسُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ] [جَهَالَةُ الْمَبِيعِ غَرَرٌ] فَصْلٌ (السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا) عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ غَرَرٌ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ، فَلَا يَصِحُّ لِذَلِكَ، وَمَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ تَحْصُلُ (بِرُؤْيَةٍ) مُقَارِنَةٍ لَهُ، أَوْ لِبَعْضِهِ إِنْ دَلَّتْ عَلَى بَقِيَّتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. فَرُؤْيَةُ أَحَدِ وَجْهَيْ ثَوْبٍ خَامٍ يَكْفِي لَا مَنْقُوشٍ، وَلِأَنَّ الرُّؤْيَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تُحَصِّلُ الْعِلْمَ بِحَقِيقَةِ الْمَبِيعِ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا عُرِفَ بِلَمْسِهِ أَوْ شَمِّهِ أَوْ ذَوْقِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: وَيَعْرِفُ صِفَةَ الْمَبِيعِ تَقْرِيبًا، فَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ غَيْرِ جَوْهَرِيٍّ جَوْهَرَةً (أَوْ صِفَةٍ تَحْصُلُ بِهَا مَعْرِفَتُهُ) عَلَى الْأَصَحِّ كَالصِّفَةِ الَّتِي تَكْفِي فِي السَّلَمِ، لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ، وَالْبَيْعُ يَتَمَيَّزُ بِمَا يَصِفُهُ الْعَاقِدُ، وَالشَّرْعُ قَاضٍ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ، بِدَلِيلِ قَبُولِ قَوْلِهِ: إِنَّهُ مِلْكُهُ، وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَعْلُومٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَصَحَّ كَالْحَاضِرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ بِالصِّفَةِ مَخْصُوصٌ بِمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ لَا غَيْرُهُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 مَا لَمْ يَرَهْ، وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ، أَوْ رَآهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ، أَوْ ذَكَرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا لَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْوَجِيزِ " فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ بَيْعُ أَعْمًى وَشِرَاؤُهُ كَتَوْكِيلِهِ. فَرْعٌ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأُنْمُوذَجِ بِأَنْ يُرِيَهُ صَاعًا، وَيَبِيعَهُ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسِهِ، وَقِيلَ: ضَبْطُ الْأُنْمُوذَجِ كَذِكْرِ الصِّفَاتِ، نَقَلَ جَعْفَرٌ فِيمَنْ يَفْتَحُ جِرَابًا، وَيَقُولُ: الْبَاقِي بِصِفَتِهِ إِذَا جَاءَهُ عَلَى صِفَتِهِ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ. [حُكْمُ شِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهْ] (فَإِنِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ، أَوْ رَآهُ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ، أَوْ ذُكِرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا لَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ (وَعَنْهُ: يَصِحُّ) اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَلِأَنَّ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ تَبَايَعَا دَارَيْهِمَا بِالْكُوفَةِ وَالْمَدِينَةِ فَتَحَاكَمَا إِلَى جُبَيْرٍ فَجَعَلَ الْخِيَارَ لِطَلْحَةَ، وَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَصِحُّ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ كَالنِّكَاحِ، وَهَذَا إِذَا ذُكِرَ جِنْسُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهَا (لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ» وَالْخِيَارُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي بَيْعٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ لِلْخَبَرِ، وَقِيلَ: يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ كَخِيَارِهِ وَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْعَقْدِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا، كَمَا لَوِ اخْتَارَ إِمْضَاءَ الْعَقْدِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيِّ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَتَرْكِهِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا اشْتَرَاهُ بِالصِّفَةِ، ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا، وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ، فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ النَّوَى فِي التَّمْرِ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. فَرْعٌ: لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ. (وَإِنْ ذُكِرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ) صَحَّ الْبَيْعُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا قُلْنَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 ذَكَرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ أَوْ رَآهُ، ثُمَّ عَقَدَا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ ظَاهِرًا، صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، ثُمَّ إِنْ وَجَدَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تُحَصِّلُ الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِهَا كَالدَّيْنِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ (أَوْ رَآهُ، ثُمَّ عَقَدَا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ ظَاهِرًا، صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمَا أَشْبَهَ مَا لَوْ شَاهَدَاهُ حَالَ الْعَقْدِ، إِذِ الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ كَالْمُقَارَنَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَرَاهَا حَالَةَ الْعَقْدِ، إِذِ الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ كَالْمُقَارَنَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَرَاهَا حَالَةَ الْعَقْدِ، رُوِيَ عَنِ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا اعْتُبِرَ وُجُودُهُ حَالَةَ الْعَقْدِ كَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهَا تُرَادُ لِتَحَمُّلِ الْعَقْدِ، وَالِاسْتِيثَاقِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَقَفَا فِي بَيْتٍ مِنَ الدَّارِ، أَوْ طَرَفِ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ، صَحَّ بِلَا خِلَافٍ مَعَ عَدَمِ مُشَاهَدَةِ الْكُلِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الزَّمَنُ يَتَغَيَّرُ فِيهِ الْمَبِيعُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُهُمَا وَلَيْسَ الظَّاهِرُ تَغَيُّرَهُ صَحَّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامُ (ثُمَّ إِنْ وَجَدَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَلَا خِيَارَ لَهُ) وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَقَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ، وَإِسْحَاقُ، لِأَنَّهُ تَسَلَّمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ كَالسَّلَمِ (وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا، فَلَهُ الْفَسْخُ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي إِلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنْ سَوْمٍ وَنَحْوِهِ لَا بِرُكُوبِهِ الدَّابَّةَ فِي طَرِيقِ الرَّدِّ، وَعَنْهُ: عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنَ الرَّدِّ، فَلَا أَرْشَ فِي الْأَصَحِّ (وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي التَّغَيُّرِ، وَالصِّفَةِ (قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنَ الثَّمَنِ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الْمَجْدُ: قَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ بِعُمُومِ كَلَامِهِ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْمَبِيعِ هَلْ يَتَحَالَفَانِ، أَوْ قَوْلُ الْبَائِعِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. 1 - تَنْبِيهٌ: الْبَيْعُ بِالصِّفَةِ نَوْعَانِ: بَيْعُ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ، كَبِعْتُكَ عَبْدِي التُّرْكِيَّ، وَيَذْكُرُ صِفَاتِهِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ وَتَلَفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا، وَبَيْعُ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَبِعْتُكَ عَبْدًا تُرْكِيًّا وَيَسْتَقْصِي صِفَاتَ السَّلَمِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي وَجْهٍ اعْتِبَارًا بِلَفْظِهِ، وَفِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْفَسْخُ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُشْتَرِينَ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمَلِ فِي الْبَطْنِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالْمِسْكِ فِي الْفَأْرِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ،   [المبدع في شرح المقنع] آخَرَ: لَا، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ أَحْمَدَ كَالسَّلَمِ الْحَالِ، وَفِي ثَالِثٍ: يَصِحُّ إِنْ كَانَ مِلْكَهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ حُكْمُهُ حُكْمُ السَّلَمِ يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ، أَوْ ثَمَنُهُ فِي الْمَجْلِسِ فِي وَجْهٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ التَّفَرُّقُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ حَالٍ أَشْبَهَ بَيْعَ الْمُعَيَّنِ، فَظَاهِرُهُ لَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ ثَمَنِهِ وَظَاهِرُ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ يُعْتَبَرُ، وَهُوَ أَوْلَى لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَيْعَ الصِّفَةِ وَالسَّلَمِ حَالًا إِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمَلِ فِي الْبَطْنِ) لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ» . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَضَامِينُ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ، وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي الْبُطُونِ وَهِيَ الْأَجِنَّةُ، وَلِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا تُعْلَمُ صِفَتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْمَعْدُومِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ، فَإِنْ بِيعَ مَعَ أُمِّهِ دَخَلَ تَبِعًا كَأَسِّ الْحَائِطِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ بَيْعَ حَبَلِ الْحَبَلَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُبَاعَ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ أَشْبَهَ الْحَمَلَ، وَلِأَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ لَمْ تُخْلَقْ، فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ مَا تَحْمِلُ هَذِهِ النَّاقَةُ، وَالْعَادَةُ فِيهِ تَخْتَلِفُ، وَأَمَّا لَبَنُ الظِّئْرِ فَإِنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ بَاعَهُ لَبَنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ وَاشْتَرَطَ كَوْنَهُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ أَوِ الْبَقَرَةِ جَازَ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ فِي عشرة أوسق منْ تمر هَذَا الْحَائِطَ (وَالْمِسْكِ فِي الْفَأْرِ) وَهُوَ الْوِعَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ مَسْتُورًا كَالدُّرِّ فِي الصُّدَفِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وِعَاءٌ لَهُ يَصُونُهُ وَيَحْفَظُهُ، وَاخْتَارَهُ فِي " الْهَدْيِ "، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ فَتَحَ وَشَاهَدَ مَا فِيهِ جَازَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 وَلَا الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِشَرْطِ جَزِّهِ فِي الْحَالِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ ثَوْبِي هَذَا عَلَى أَنَّكَ مَتَى لَمَسْتَهُ فَهُوَ عَلَيْكَ   [المبدع في شرح المقنع] بَيْعُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ (وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، وَمِثْلُهُ الْبَيْضُ فِي الدَّجَاجِ قَالَ فِي " الشَّرْحِ " لَا نَعْلَمُ فِيهِمَا اخْتِلَافًا لِلْجَهَالَةِ وَكَالْفِجْلِ قَبْلَ الْقَلْعِ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ «نَهَى أَنْ يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، أَوْ سَمْنٍ فِي لَبَنٍ» وَلِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْحَيَوَانِ، فَلَمْ يَجُزْ إِفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ كَأَعْضَائِهِ (وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِشَرْطِ جُزْءٍ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ أَشْبَهَ الرَّطْبَةَ فِي الْأَرْضِ، وَفَارَقَ الْأَعْضَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا مَعَ سَلَامَةِ الْحَيَوَانِ فَعَلَيْهَا لَوِ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْجَزِّ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى طَالَ فَحُكْمُ الرَّطْبَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. مَسْأَلَةٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَسْبِ الْفَحْلِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ ضِرَابُهُ وَكَذَا إِجَارَتُهُ وَلِابْنِ عَقِيلٍ احْتِمَالٌ بِجَوَازِهَا، لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَالْغَالِبُ حُصُولُ النَّزْوِ فَيَكُونُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، وَمَنَعَ أَحْمَدُ أَنْ يُعْطَى شَيْئًا عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ وَحَمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَلَى الْوَرَعِ، وَجَوَّزَ دَفْعَ الْأُجْرَةِ دُونَ أَخْذِهَا، وَكَذَا الدَّفْعُ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ. [الْبُيُوعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا] (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ: لَا يَصِحُّ (بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ ثَوْبِي هَذَا عَلَى أَنَّكَ مَتَى لَمَسْتَهُ فَهُوَ عَلَيْكَ بِكَذَا، أَوْ يَقُولُ: أَيُّ ثَوْبٍ لَمَسْتَهُ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا) كَذَا فَسَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ، وَلَا بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ لِلْخَبَرِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَيُّ ثَوْبٍ نَبَذْتَهُ أَيْ: طَرَحْتَهُ إِلَيَّ فَهُوَ عَلَيَّ بِكَذَا لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ» وَالْمُلَامَسَةُ: لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ، وَلَا يُقَلِّبُهُ، وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إِلَى الْآخَرِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَقْلِيبٍ، فَتَفْسِيرُ أَبِي سَعِيدٍ لِلْمُنَابَذَةِ نَظَرًا إِلَى اللَّفْظِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 بِكَذَا، أَوْ يَقُولُ: أَيُّ ثَوْبٍ لَمَسْتَهُ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا، وَلَا بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَيُّ ثَوْبٍ نَبَذْتَهُ إِلَيَّ فَهُوَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلَا بَيْعُ الْحَصَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: ارْمِ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا، أَوْ يَقُولُ: بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ قَدْرَ مَا تَبْلُغُ هَذِهِ الْحَصَاةُ إِذَا رَمَيْتَهَا بِكَذَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدٍ، وَلَا شَاةً مِنْ قَطِيعٍ، وَلَا شَجَرَةً مِنْ بُسْتَانٍ، وَلَا هَؤُلَاءِ الْعَبِيدَ إِلَّا وَاحِدًا غَيْرَ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِذَلِكَ جَعَلَ النَّبْذَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى الْمُنَابَذَةُ: طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إِلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ أَوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَالْمُلَامَسَةُ: لَمْسُ الثَّوْبِ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ، وَفِي بَعْضِهَا يَجْتَمِعُ مُفْسِدَانِ: الْجَهَالَةُ، وَالتَّعْلِيقُ عَلَى شَرْطٍ فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ مَا قُلْتَهُ، أَوْ مَا أَنْبِذُهُ إِلَيْكَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَا مَوْصُوفٍ (وَلَا بَيْعُ الْحَصَاةِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ» وَهَلْ هُوَ فِي الْأَرْضِ، أَوِ الثِّيَابِ؟ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُؤَلِّفُ (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: ارْمِ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا، أَوْ يَقُولَ: بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ قَدْرَ مَا تَبْلُغُ هَذِهِ الْحَصَاةُ إِذَا رَمَيْتَهَا بِكَذَا) وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ. فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْدِنِ وَحِجَارَتِهِ، وَالسَّلَفُ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، لِأَنَّهُ غَرَرٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ وَلِلْجَهَالَةِ، وَلَا عَبْدًا (مِنْ عَبِيدٍ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فَيُفْضِي إِلَى التَّنَازُعِ وَسَوَاءٌ قَلُّوا، أَوْ كَثُرُوا وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ يَصِحُّ إِنْ تَسَاوَتِ الْقِيمَةُ، وَفِي مُفْرَدَاتِ أَبِي الْوَفَاءِ يَصِحُّ عَبْدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ (وَلَا شَاةً مِنْ قَطِيعٍ، وَلَا شَجَرَةً مِنْ بُسْتَانٍ) لِلْجَهَالَةِ (وَلَا هَؤُلَاءِ الْعَبِيدَ إِلَّا وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَلَا هَذَا الْقَطِيعَ إِلَّا شَاةً) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ وَيُفْضِي إِلَى التَّنَازُعِ وَكَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ شَاةً مِنَ الْقَطِيعِ تَخْتَارُهَا وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُفْرَدًا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ بَيْعُ السَّوَاقِطِ لِلْأَثَرِ (وَإِنِ اسْتَثْنَى مُعَيَّنًا مِنْ ذَلِكَ) كَقَوْلِهِ: إِلَّا هَذَا الْعَبْدَ، أَوْ إِلَّا فُلَانًا وَهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 مُعَيَّنٍ، وَلَا هَذَا الْقَطِيعَ إِلَّا شَاةً، إِنِ اسْتَثْنَى مُعَيَّنًا مِنْ ذَلِكَ جَازَ، إِنْ بَاعَهُ قَفِيزًا   [المبدع في شرح المقنع] يَعْرِفَانِهِ (جَازَ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنِ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ لِكَوْنِ الْمُسْتَثْنَى مَعْلُومًا فَيَنْتَفِي الْمُفْسِدُ (وَإِنْ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، صَحَّ) وَكَذَا فِي " الْفُرُوعِ " وَزَادَ إِنْ عَلِمَا زِيَادَتَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُرَادٌ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مُقَدَّرٌ مَعْلُومٌ مِنْ جُمْلَةٍ، فَصَحَّ بَيْعُهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ مِنْهَا جُزْءًا مُشَاعًا، وَشَرَطَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " إِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةَ الْأَجْزَاءِ يَحْتَرِزُ بِهِ مِنْ صُبْرَةِ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهَا مُخْتَلِفَةً، وَقِيلَ: بَلَى فَلَوْ تَلِفَتِ الصُّبْرَةُ إِلَّا قَفِيزًا فَهُوَ الْمَبِيعُ، وَلَوْ فَرَّقَ الْقَفْزَانِ فَبَاعَهُ أَحَدُهُمَا مُبْهَمًا؛ فَاحْتِمَالَانِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الصُّبْرَةُ الْكَوْمَةُ الْمَجْمُوعَةُ مِنَ الطَّعَامِ سُمِّيَتْ صُبْرَةً لِإِفْرَاغِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّحَابِ فَوْقَ السَّحَابِ: صَبِيرٌ وَيُقَالُ: صَبَّرْتُ الْمَتَاعَ إِذَا جَمَعْتَهُ وَضَمَمْتَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ. (وَإِنْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ إِلَّا قَفِيزًا، أَوْ ثَمَرَةَ الشَّجَرَةِ إِلَّا صَاعًا) أَوْ ثَمَرَةَ الْبُسْتَانِ إِلَّا صَاعًا (لَمْ يَصِحَّ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مَعْلُومًا بِالْمُشَاهَدَةِ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَدَلِيلُهُ الْخَبَرُ (وَعَنْهُ: يَصِحُّ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنِ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ» وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْوَفَاءِ الْمَذْهَبَ فِي رَطْلٍ مِنَ اللَّحْمِ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي آصُعٍ مِنْ بُسْتَانٍ كَاسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مُشَاعٍ، وَلَوْ فَوْقَ ثُلُثِهَا وَكَمَبِيعِ صُبْرَةٍ بِأَلْفٍ إِلَّا بِقَدْرِ رُبْعِهِ لَا مَا يُسَاوِيهِ لِجَهَالَتِهِ. فَرْعٌ: إِذَا اسْتَثْنَى مِنَ الْحَائِطِ شَجَرَةً مُعَيَّنَةً، صَحَّ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ (وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، صَحَّ. وَإِنْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ إِلَّا قَفِيزًا، أَوْ ثَمَرَةَ الشَّجَرَةِ إِلَّا صَاعًا لَمْ يَصِحَّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَإِنْ بَاعَهُ أَرْضًا إِلَّا جَرِيبًا، أَوْ جَرِيبًا مِنْ أَرْضٍ يَعْلَمَانِ جُرْبَانها، صَحَّ وَكَانَ مُشَاعًا فِيهَا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ بَاعَهُ حَيَوَانًا مَأْكُولًا إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] بَاعَهُ أَرْضًا إِلَّا جَرِيبًا، أَوْ) بَاعَهُ (جَرِيبًا مِنْ أَرْضٍ يَعْلَمَانِ جُرْبَانَهَا، صَحَّ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إِذَا كَانَتْ عَشَرَةَ أَجْرِبَةٍ فَفِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ: بِعْتُكَ تِسْعَةَ أَعْشَارِ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ كَأَنَّهُ قَالَ: بِعْتُكَ عُشْرَهَا (وَكَانَ مُشَاعًا فِيهَا) لِإِشَاعَةِ الْجُزْءِ الْمُبَاعِ (وَإِلَّا) إِذَا لَمْ يَعْلَمَا جُرْبَانَ الْأَرْضِ (لَمْ يَصِحَّ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْأَرْضِ تَخْتَلِفُ، فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَتِهِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمُ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَيَّنًا، وَلَا مُشَاعًا، وَفِي بَيْعِ خَشَبَةٍ مِنْ سَقْفٍ وَفَصٍّ مِنْ خَاتَمٍ، الْخِلَافُ. فَرْعٌ: حُكْمُ الثَّوْبِ كَالْأَرْضِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ نَقَصَهُ الْقَطْعُ فَلَا، لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى التَّسْلِيمِ إِلَّا بِضَرَرٍ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنَ الْحَيَوَانِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعَ الرِّضَى بِخِلَافِ مَا سَبَقَ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْهَا، وَعَيَّنَ الِابْتِدَاءَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الِانْتِهَاءَ لَمْ يَصِحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ بِعْتُكَ نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي تَلِينِي قَالَهُ الْمَجْدُ، وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ نَصِيبِي أَوْ سَهْمِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. (وَإِنْ بَاعَهُ حَيَوَانًا مَأْكُولًا إِلَّا رَأْسَهُ وَجِلْدَهُ وَأَطْرَافَهُ، صَحَّ) فِي الْمَنْصُوصِ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ فَمَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ فَاشْتَرَيَا مِنْهُ شَاةً، وَشَرَطَا لَهُ سَلَبَهَا» رَوَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعْلُومَانِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ بَاعَ حَائِطًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ نَخْلَةً مُعَيَّنَةً، وَكَوْنُهُ لَا يَجُوزُ إِفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ اسْتِثْنَائِهِ كَالثَّمَرَةِ قَبْلَ تَأْبِيرِهَا، فَإِنِ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ ذَبْحِهَا لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 رَأْسَهُ وَجِلْدَهُ وَأَطْرَافَهُ، صَحَّ. وَإِنِ اسْتَثْنَى حَمْلَهُ أَوْ شَحْمَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا   [المبدع في شرح المقنع] يُجْبَرْ وَيَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ عَلَى التَّقْرِيبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّهُ إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ الذَّبْحَ، فَإِنِ اشْتَرَطَهُ لَزِمَهُ وَدَفَعَ الْمُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّسْلِيمُ عَلَيْهِ مُسْتَحَقٌّ وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ بِعَيْبٍ يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمُسْتَثْنَى، ذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ " قَالَ فِي " الْفُرُوعِ "، وَيَتَوَجَّهُ لَا فسخ له، وَأنَّهُ إِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ. [اسْتِثْنَاءُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الصَّفْقَةِ] (وَإِنِ اسْتَثْنَى حَمْلَهُ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أُمِّهِ، أَوْ حَيَوَانٍ (أَوْ شَحْمَهُ لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ وَقَدْ نُهِيَ عَنِ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ كَيَدِهَا، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ صِحَّتَهُ فِي الْحَمْلِ لِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ بَاعَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْعِتْقِ، فَكَذَا هُنَا، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى حَمْلَهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الصِّحَّةِ فِي الْعِتْقِ الصِّحَّةَ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَمْنَعُهُ الْجَهَالَةُ وَلَا الْعَجْزُ عَنِ التَّسْلِيمِ. فَرْعٌ: إِذَا بَاعَ أَمَةً حَامِلَةً بِحُرٍّ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مُسْتَثْنًى، وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ، وَجَهَالَةُ الْحَمْلِ لَا تَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَثْنَى بِالشَّرْعِ مَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بِاللَّفْظِ، كَمَا لَوْ بَاعَ أَمَةً مُزَوَّجَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَمَنْفَعَةُ الْبُضْعِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالشَّرْعِ. مَسْأَلَةٌ: يَصِحُّ بَيْعُ حَيَوَانٍ مَذْبُوحٍ أَوْ لَحْمِهِ أَوْ جِلْدِهِ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " لَا يَصِحُّ بَيْعُ لَحْمٍ فِي جِلْدٍ، أَوْ مَعَهُ اكْتِفَاءً بِرُؤْيَةِ الْجِلْدِ بَلْ مَعَ رُءُوسٍ وَسُمُوطٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي حَيَوَانٍ مَذْبُوحٍ: يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ جِلْدِهِ، كَمَا قَبْلَ الذَّبْحِ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَجَوَّزَ بَيْعَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا. مَسْأَلَةٌ: بَاعَ سِمْسِمًا وَاسْتَثْنَى الْكَسْبَ، أَوِ الشَّيْرَجَ لَمْ يَصِحَّ (وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ) كَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ وَلِكَوْنِهِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ وَبَيْعُ الْبَاقِلَاءِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَتِهِ، وَالْحَبُّ الْمُشْتَدُّ فِي سُنْبُلِهِ. فَصْلٌ السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا، فَإِنْ بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا، أَوْ بِأَلْفٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً، أَوْ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ، أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ، أَوْ بِدِينَارٍ   [المبدع في شرح المقنع] مَصْلَحَتِهِ وَيَفْسُدُ بِإِزَالَتِهِ (وَبَيْعُ الْبَاقِلَاءِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ) وَالْفُسْتُقِ (فِي قِشْرَتِهِ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» . فَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَسْتُورَةً بِغَيْرِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُبَاعُ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِحَائِلٍ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ أَشْبَهَ الرُّمَّانَ (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (الْحَبِّ الْمُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ الِاشْتِدَادَ غَايَةً لِلْبَيْعِ» وَمَا بَعْدَه الْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا، فَوَجَبَ زَوَالُ الْمَنْعِ. [السَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا] فَصْلٌ (السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فَاشْتَرَطَ الْعِلْمَ بِهِ كَالْمَبِيعِ وَكَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ يُحْتَمَلُ رَدُّهُ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ مَعْلُومًا لَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِهِ (فَإِنْ بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا) هُوَ بِمَعْنَى الْمَرْقُومِ؛ أَيِ: الْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا وَهُمَا يَجْهَلَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ (أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً) لِأَنَّ مِقْدَارَ كَلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَلْفِ مَجْهُولٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِمِائَةٍ بَعْضُهَا ذَهَبٌ، وَبَنَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى إِسْلَامِ ثَمَنٍ فِي جِنْسَيْنِ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ إِقْرَارَهُ بِذَلِكَ مُنَاصَفَةً، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ هُنَا مِثْلُهُ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمِائَةٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي قَدْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا (أَوْ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ) أَيْ: بِمَا يَقِفُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ (أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ) هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِ الْمُحَدِّثِ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِيهِنَّ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 مُطْلَقٍ، وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ، لَمْ يَصِحَّ. . . فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْدٌ وَاحِدٌ انْصَرَفَ إِلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ بِعَشَرَةٍ صِحَاحًا، أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ مُكَسَّرَةً، أَوْ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ كَنِكَاحٍ (أَوْ بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ، وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَعْلُومٍ حَالَ الْعَقْدِ، وَالْعِلْمُ بِهِ شَرْطٌ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْدٌ غَالِبٌ، فَإِنْ كَانَ انْصَرَفَ إِلَيْهِ، وَصَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مُطْلَقًا وَلَهُ الْوَسَطُ، وَعَنْهُ: الْأَدْنَى (فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْدٌ وَاحِدٌ انْصَرَفَ إِلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِانْفِرَادِهِ وَعَدَمِ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ كَالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ. فَرْعٌ: يَصِحُّ بِوَزْنِ صَنْجَةٍ لَا يَعْلَمَانِ وَزْنَهَا وَبِصُبْرَةٍ ثَمَنًا فِي الْأَصَحِّ، وَمِثْلُهُ مَا يَسَعُ هَذَا الْكَيْلَ وَنَصُّهُ: يَصِحُّ بِمَوْضِعٍ فِيهِ كَيْلٌ مَعْرُوفٌ وَبِنَفَقَةِ عَبْدِهِ شَهْرًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَلَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ عِنْدَ تَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ (وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ بِعَشَرَةٍ صِحَاحًا، أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ مُكَسَّرَةً، أَوْ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا، أَوْ عِشْرِينَ نَسِيئَةً لَمْ يَصِحَّ) فِي الْمَنْصُوصِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَمَا فَسَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا عَلَى أَحَدِهِمَا، ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ " (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ) هَذَا تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ مِنْ رِوَايَةِ: إِنْ خِطْتَ هَذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَيَلْحَقُ بِهِ الْبَيْعُ فَيَكُونُ وَجْهًا فِي الصِّحَّةِ وَتَرَدَّدَ الْمُؤَلِّفُ فِيهِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَقْدَ، ثُمَّ يُمْكِنُ صِحَّتُهُ لِكَوْنِهِ جَعَالَةً يُحْتَمَلُ فِيهَا الْجَهَالَةُ، وَأَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأُجْرَةَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَقَعَ عَلَى إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ فَتَعَيَّنَ الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ عِوَضًا لَهُ فلا يفضي إِلَى التَّنَازُعِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِمَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِوَضِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 عِشْرِينَ نَسِيئَةً، لَمْ يَصِحَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، إِنْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ، كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَالْقَطِيعَ كُلُّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ، وَالثَّوْبَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ؛ صَحَّ، وإِنْ بَاعَهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْجَعَالَةِ شَرْطٌ، كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ، وَالْقَبُولَ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ إِلَّا عَلَى إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ فَيُعَيَّنُ مَا سُمِّيَ لَهَا، وَفِيهِ شَيْءٌ، إِذِ الْعِلْمُ بِهِ فِي الْجَعَالَةِ لَيْسَ شَرْطًا مُطْلَقًا بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَالَ: مَنْ دَلَّنِي عَلَى قَلْعَةِ كَذَا فَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ (وَإِنْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَالْقَطِيعَ كُلُّ شَاةٍ بِدِرْهَمِ، وَالثَّوْبَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، صَحَّ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ لِإِشَارَتِهِ إِلَى مَا يُعْرَفُ مَبْلَغُهُ بِجِهَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْعَدَدُ وَالذرعُ، وَظَاهِرُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ الصُّبْرَةِ وَالْقَطِيعِ وَالثَّوْبِ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَا رَأْسُ مَالِهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مُرَابَحَةً لِكُلِّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْحِسَابِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ فِي الْحَالِ (وَإِنْ بَاعَهُ مِنَ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ) وَكَذَا مَعْطُوفَيْهِ (لَمْ يَصِحَّ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ " وَكَلَّ " لِلْعَدَدِ فَيَكُونُ مَجْهُولًا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ الْكُلُّ لَا الْبَعْضُ فَانْتَفَتِ الْجَهَالَةُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ الْأَشْبَهُ، كَمَا إِذَا أَجَّرَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ: " إِذَا بَاعَهُ مِنَ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، صَحَّ لِتَسَاوِي أَجْزَائِهَا، بِخِلَافِ مِنَ الدَّارِ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ لِاخْتِلَافِ أَجْزَائِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ إِذَا بَاعَهُ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ كُلَّهَا، وَلَا قَدْرًا مَعْلُومًا بِخِلَافِ: أَجَّرْتُكَ دَارِي كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَقَطْ لِلْعِلْمِ بِهِ وَبِقِسْطِهِ مِنَ الْأُجْرَةِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ قَفِيزًا أَوْ أَنْقُصَكَهُ لَمْ يَصِحَّ فَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ وَوَصَفَهُ بِصِفَةٍ يُعْلَمُ بِهَا، صَحَّ كَأَنَّهُ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَقَفِيزًا مِنَ الْأُخْرَى بِعَشَرَةٍ، فَإِنْ عَلِمَا جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 مِنَ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ؛ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ بَاعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَّا دِينَارًا؛ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] صَحَّ فَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنْ أَنْقُصَكَ مِنْهَا قَفِيزًا صَحَّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَصِحُّ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ جُزَافًا مَعَ جَهْلِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِقَدْرِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ رُؤْيَةِ بَاطِنِهَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَصِحُّ بَيْعُهَا إِذَا تَسَاوَى مَوْضِعُهَا، فَإِنِ اخْتَلَفَتْ لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا يَتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ، وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ بَلْ إِنْ ظَهَرَ تَحْتَهَا رَبْوَةٌ، أَوْ فِيهَا حَجَرٌ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فِي مِثْلِهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ، كَمَا لَوْ وَجَدَ بَاطِنَهَا رَدِيئًا؛ نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِابْنِ عَقِيلٍ: احْتِمَالٌ يَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا فَاتَ إِذَا أَمْكَنَ، فَإِنْ بَانَ بَاطِنُهَا خَيْرًا مِنْ ظَاهِرِهَا، فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْبَائِعِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَإِذَا عَلِمَ الْبَائِعُ قَدْرَهَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا جُزَافًا عَلَى الْأَصَحِّ. فَرْعٌ: يَصِحُّ بَيْعُ دُهْنٍ وَنَحْوِهِ فِي ظَرْفٍ مَعَهُ مُوَازَنَةُ كُلِّ رِطْلٍ بِكَذَا مَعَ عِلْمِهَا بِمَبْلَغِهِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ إِنْ عَلِمَا زِنَةَ الظَّرْفِ، وَإِنْ بَاعَهُ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يَزِنَ الظَّرْفَ فَيَحْسِبُ بِوَزْنِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مَبِيعًا، فَيَصِحُّ إِنْ عَلِمَا مَبْلَغَهُ، وَإِلَّا فَلَا لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، وَإِنْ بَاعَهُ جُزَافًا بِظَرْفِهِ، أَوْ دُونَهُ صَحَّ، أَوْ بَاعَهُ فِي ظَرْفِهِ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يَطْرَحَ مِنْهُ وَزْنَ الظَّرْفِ، صَحَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. فَرْعٌ: اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ زَيْتًا فِي ظَرْفٍ فَوَجَدَ فِيهِ رُبًّا، صَحَّ فِي الْبَاقِي بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُ الرُّبِّ، وَأَلْزَمَهُ شُرَيْحٌ بِقَدْرِهِ سَمْنًا، وَإِنْ بَاعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَّا دِينَارًا لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) وَمِثْلَهُ بِدِينَارٍ إِلَّا دِرْهَمًا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولَةٌ، وَيَلْزَمُ مِنَ الْجَهْلِ بِهَا الْجَهْلُ بِالثَّمَنِ، وَالْعِلْمُ بِهِ شَرْطٌ (وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) مِنَ الْإِقْرَارِ إِذَا اسْتَثْنَى عَيْنًا مِنْ وَرَقٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ (أَنَّهُ يَصِحُّ) فِي الْبَيْعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 يَصِحَّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ. فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَهُوَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ: أَحَدُهَا: بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا؛ فَلَا يَصِحُّ. الثَّانِيَةُ: بَاعَ مُشَاعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا،   [المبدع في شرح المقنع] كَسَائِرِ الِاسْتِثْنَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ، فَعَلَى هَذَا تُحْذَفُ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كُلَّهُ فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَمْ يَصِحَّ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاء من غير الجنس الْجِنْسِ، وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الْمُنَجَّا تَخْرِيجَ صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنَ الْإِقْرَارِ قَالَ: لِأَنَّ الْأَصْحَابَ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ فَقِيلَ: بِاتِّحَادِ النَّقْدَيْنِ وَكَوْنِهِمَا قِيَمَ الْأَشْيَاءِ وَأُرُوشَ الْجِنَايَاتِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ قِيمَةَ الذَّهَبِ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا اسْتُثْنِيَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ لَمْ يُؤَدِّ الْجَهَالَةَ غَالِبًا، وَعَلَى كِلَيْهِمَا لَا يَجِيءُ صِحَّةُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لَهُ الْجَهْلُ فِي حَالِ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ حَالَ الْعَقْدِ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَهُ بِالثَّمَنِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَفِيهِ شَيْءٌ. فَرْعٌ: إِذَا أَسَرَّا ثَمَنًا بِلَا عَقْدٍ، ثُمَّ عَقَدَاهُ بِآخَرَ فَالْأَوَّلُ هُوَ الثَّمَنُ، وَلَوْ عَقَدَاهُ سِرًّا بِثَمَنٍ وَعَلَانِيَةً بِأَكْثَرَ فَكَنِكَاحٍ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. [فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ] ِ الصَّفْقَةُ: الْمَرَّةُ مِنْ صَفَقَ لَهُ بِالْبَيْعَةِ، وَالْبَيْعُ: ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِهِ وَهِيَ عَقْدُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ، وَمَعْنَى تَفْرِيقِهَا أَيْ: تَفْرِيقُ مَا اشْتَرَاهُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ (وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ؛ أَحَدُهَا: بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا) يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ (فَلَا يَصِحُّ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ مَا بَعْضُهُ مَجْهُولًا يَكُونُ كُلُّهُ كَذَلِكَ، إِذِ الثَّمَنُ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْقِيمَةِ، وَالْمَجْهُولُ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ، فَلَا طَرِيقَ إِلَى مَعْرِفَةِ ثَمَنِ الْمَعْلُومِ، فَلَوْ قَالَ: كُلٌّ مِنْهُمَا بِكَذَا فَوَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ اتِّحَادُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 أَوْ مَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ كَقَفِيزَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ لَهُمَا، فَيَصِحُّ فِي نَصِيبِهِ بِقِسْطِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا. الثَّالِثَةُ: بَاعَ عَبْدَهُ   [المبدع في شرح المقنع] الصَّفْقَةِ، أَوْ جَهَالَةُ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ قُلْتُ: وَكَذَا إِذَا بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَرِطْلِ خَمْرٍ فَسَدَ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي حَقِّنَا اتِّفَاقًا، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ بَلْ يَبْقَى الْعَقْدُ بِالْمِائَةِ وَيَبْقَى الرِّطْلُ شَرْطًا فَاسِدًا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " يَتَخَرَّجُ صِحَّةُ الْعَقْدِ فَقَطْ عَلَى رِوَايَةِ (الثَّانِيَةِ: بَاعَ مُشَاعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَعَبْدٍ مُشْتَرِكٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ مَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ كَقَفِيزَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ لَهُمَا، فَيَصِحُّ فِي نَصِيبِهِ بِقِسْطِهِ) مِنَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَهَالَةً فِي الثَّمَنِ لِانْقِسَامِهِ هُنَا عَلَى الْأَجْزَاءِ (فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِكَوْنِ الثَّمَنِ مَعْلُومًا وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصُّورَةِ الْأُولَى. وَالثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ حَرَامًا وَحَلَالًا فَغَلَبَ الْحَرَامُ، وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُمَا فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ بَطَلَتْ فِي الْكُلِّ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حُكْمٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَفِي " الشَّرْحِ: " هُمَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ هَلْ يَفْسُدُ فِيهِمَا، أَوْ يَصِحُّ فِي الْحُرَّةِ؛؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا مَنْصُوصَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ هُنَا، كَمَا نَقَلَهُ الْمُعَظِّمُ (وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ) بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْسَاكِ (إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ وَلِهَذَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الْمَبِيعِ خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَفِي " الْمُغْنِي " لَهُ الْأَرْشُ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَأَمْسَكَ فِيمَا يَنْقُصُ بِالتَّفْرِيقِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ إِقْدَامَهُ عَلَيْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَى، وَلَا لِلْبَائِعِ أَيْضًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِقِسْطِهِ (الثَّالِثَةُ: بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ عَبْدًا وَحُرًّا، أَوْ خَلًّا وَخَمْرًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) وَكَذَا فِي " الْكَافِي " (أُولَاهُمَا لَا تَصِحُّ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ عَبْدًا وَحُرًّا، أَوْ خَلًّا وَخَمْرًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: أُولَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَالْأُخْرَى: يَصِحُّ فِي عَبْدِهِ وَفِي الْخَلِّ بِقِسْطِهِ، وَإِنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، إِنْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ وَصَرْفٍ؛   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا فَغَلَبَ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ لِكَوْنِهِ إِنَّمَا يُعْلَمُ بِالتَّقْسِيطِ عَلَى الْقِيمَةِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ فِي الْحَالِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالرَّقْمِ الْمَجْهُولِ (وَالْأُخْرَى: يَصِحُّ فِي عَبْدِهِ، وَفِي الْخَلِّ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حُكْمٌ مُفْرَدٌ، فَإِذَا اجْتَمَعَا بَقِيَا عَلَى حُكْمِهِمَا، كَمَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا (بِقِسْطِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُقَابِلُهُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ بِالثَّمَنِ، وَالْأَشْهَرُ الْأَوَّلُ، وَالْخَمْرُ قِيلَ: تُقَدَّرُ خَلًّا كَالْحُرِّ عَبْدًا، وَقِيلَ: تعتبر قِيمَتُهَا عِنْدَ مَنْ لَهَا قِيمَةٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ صَاحِبِ " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ: إِنْ عَلِمَا بِالْخَمْرِ لَمْ يَصِحَّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِمُشْتَرِ الْخِيَارِ (وَإِنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ تُقَابِلُ جُمْلَةَ الثَّمَنِ من غير تَقْسِيط، وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرِكُ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ فَلَا جَهَالَةَ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ فَصَحَّ، كَمَا لَوْ كَانَا لِوَاحِدٍ فَعَلَيْهِ يُقَسِّطُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ، وَمِثْلُهُ بَيْعُ عَبْدَيْهِ لِاثْنَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدًا وَاشْتَرَاهُمَا مِنْهُمَا، وَفِيهَا فِي " الْمُنْتَخَبِ " وَجْهٌ عَلَى عَدَدِهِمَا فَيَتَوَجَّهُ فِي غَيْرِهَا، وَمِثْلُهَا فِي الْإِجَارَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَإِنْ جَمَعَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 صَحَّ فِيهِمَا وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ كِتَابَةٍ وَبَيْعٍ فَكَاتَبَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ شَيْئًا صَفْقَةً وَاحِدَةً؛ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَفِي الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] بِعِوَضٍ وَاحِدٍ (بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ وَصَرْفٍ، صَحَّ فِيهِمَا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُمَا عَيْنَانِ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ، فَجَازَ أَخْذُهُ عَنْهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ كَالْعَبْدَيْنِ، وَاخْتِلَافُ حُكْمِهِمَا لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَا فِيهِ شُفْعَةٌ، وَمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ (وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا مُخْتَلِفٌ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَيَبْطُلُ فِيهِمَا، فَإِنَّ الْمَبِيعَ فِيهِ خِيَارٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَلَفِ الْبَيْعِ، وَالصَّرْفُ بِخِلَافِهِ، فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَخُلْعٍ؛ صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِذَا جَمَعَ بَيْنَ نِكَاحٍ وَبَيْعٍ، فَيَصِحُّ النِّكَاحُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ. وَفِي الْبَيْعِ وَجْهَانِ (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ كِتَابَةٍ وَبَيْعٍ، فَكَاتَبَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ شَيْئًا صَفْقَةً وَاحِدَةً بَطَلَ الْبَيْعُ) فِي الْأَصَحِّ، وَذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَالَهُ لِعَبْدِهِ الْقِنِّ؛ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ من غير كتابة (وَفِي الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ فِي بَعْضِهِ فَبَطَلَ فِي كُلِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ وُجِدَ فِي الْبَيْعِ فَاخْتُصَّ بِهِ، وَقِيلَ: نَصُّهُ صِحَّةُ الْبَيْعِ، وَالْكِتَابَةُ وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ عَلَى قِيمَتِهِمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بَعْدَ نِدَائِهَا، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] [الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بَعْدَ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] فَصْلٌ (وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ) وَالشِّرَاءُ (مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ) وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ وُجِدَ الْقَبُولُ (بَعْدَ نِدَائِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] فَنَهَى عَنِ الْبَيْعِ بَعْدَ النِّدَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ عَنِ الصَّلَاةِ، وَيَكُونُ ذَرِيعَةً إِلَى فَوَاتِهَا، أَوْ فَوَاتِ بَعْضِهَا وَكِلَاهُمَا مُحَرَّمٌ، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ نُهِيَ عَنْهُ لِأَجْلِ عِبَادَةٍ، فَكَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ كَالنِّكَاحِ الْمُحَرَّمِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيِ الْمِنْبَرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ، وَعَنْهُ: بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ الَّذِي زَادَهُ عُثْمَانُ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَعَنْهُ: أَوِ الْوَقْتِ قَدَّمَهُ فِي " الْمُنْتَخَبِ " وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَ " التَّرْغِيبِ " بِالْوَقْتِ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِكُلِّ أَنْوَاعِهِ حَتَّى الْإِقَالَةِ إِنْ قِيلَ: هِيَ بَيْعٌ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنَّهُ يَعُمُّ الْقَلِيلَ حَتَّى شُرْبَ الْمَاءِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ كَمُضْطَرٍّ إِلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ وَعُرْيَانٍ يَجِدُ سُتْرَةً، وَكَفَنِ مَيِّتٍ وَتَجْهِيزِهِ إِذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ، وَشِرَاءِ أَبِيهِ لِيُعْتِقَ عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ، وَمَرْكُوبٍ لِعَاجِزٍ أَوْ ضَرِيرٍ لَا يَجِدُ قَائِدًا عَلَى احْتِمَالٍ لِابْنِ عَقِيلٍ فِيهِ وَقَوْلُهُ: مِمَّنْ تَلْزَمُهُ يَحْتَرِزُ بِهِ عَنِ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ فِي قَرْيَةٍ لَا جُمْعَةَ عَلَيْهِمُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُخَاطَبِ بِالسَّعْيِ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً: (بَلَى) لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ نِدَاءِ غَيْرِهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: لَا كَهِيَ، وَإِنْ تَضَيَّقَ وَقْتُهَا فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا فِيهِ، وَيَحْرُمُ ارْتِكَابُهُ كَمُسَاوَمَةٍ وَمُفَادَاةٍ بَعْدَ نِدَائِهَا. (وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ) كَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ وَاخْتِيَارِ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ (فِي أَصَحِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، وَلَا بَيْعُ سلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ، وَلَا لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ مَعَ التَّحْرِيمِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَقِلُّ وُقُوعُهُ، فَلَا تَكُونُ إِبَاحَتُهُ ذَرِيعَةً إِلَى مَا ذَكَرَ فِي الْبَيْعِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ لَا يُسَاوِيهِ، فَلَمْ يَصِحَّ الْإِلْحَاقُ. [بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا] (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا) قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَهَذَا مَعُونَةٌ عَلَى الْإِثْمِ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا؛ وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَيْنٍ يُقْصَدُ بِهَا الْمَعْصِيَةُ أَشَبَهَ إِجَارَةَ الْأَمَةِ لِلزِّنَى أَوْ لِلْغِنَاءِ، وَالْمَذْهَبُ إِذَا عُلِمَ؛ أَيْ: تَحَقَّقَ، وَقِيلَ: أَوْ ظَنَّ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ وَشِرَاءَهُ بَاطِلٌ إِجْمَاعًا، وَلَوْ مِنْ وَكِيلٍ لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (وَلَا بَيْعَ سِلَاحٍ فِي الْفِتْنَةِ) أَيْ: بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْهُ قَالَهُ أَحْمَدُ قَالَ: وَقَدْ يَقْتُلُ بِهِ وَلَا يَقْتُلُ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ذَرِيعَةٌ لَهُ (وَلَا لِأَهْلِ الْحَرْبِ) أَوْ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ) فِي الْجَمِيعِ (مَعَ التَّحْرِيمِ) كَمَا لَوْ دَلَّسَ الْعَيْبَ وَقَاسَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا عَلَى الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ إِذْ قِيلَ بِصِحَّتِهَا. فَرْعٌ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَأْكُولٍ وَمَشْمُومٍ لِمَنْ يَشْرَبُ عَلَيْهِمَا الْمُسْكِرَ، وَأَقْدَاحٍ لِمَنْ يَشْرَبُ بِهَا، وَجَوْزٍ وَبَيْضٍ لِقِمَارٍ وَأَمَةٍ وَأَمْرَدَ لِوَطْءِ دُبُرٍ أَوْ غِنَاءٍ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ جَارِيَةً مُغَنِّيَةً وَصَغِيرًا وَقَدِ احْتَاجَ إِلَى بَيْعِهَا فَقَالَ: يَبِيعُهَا عَلَى أَنَّهَا سَاذِجَةٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِنَقْصِ قِيمَتِهَا. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنِ اسْتِدَامَةِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ صَغَارًا، فَمَنَعَ ابْتِدَاؤُهُ كَالنِّكَاحِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَعَنْهُ: يُؤْمَرُ بِبَيْعِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ، فَإِنْ وَكِلَهُ مُسْلِمٌ فَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ، وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْآخَرُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَاسِطَةٌ، وَفِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 لِكَافِرٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَيَصِحُّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ أُجْبِرَ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ كِتَابَتُهُ. . . وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ. وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] ثَالِثٍ: إِنْ سمى الْمُوَكِّل فِي الْعَقْدِ صَحَّ، وَفِي الْوَاضِحِ إِنْ كَفَرَ بِعِتْقٍ وُكِلَ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ وَيُعْتِقُهُ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ) بِالشِّرَاءِ (فَيَصِحُّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى تَحْصِيلِ حُرِّيَّةِ الْمُسْلِمِ، وَالْأُخْرَى لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ ثُبُوتُ مِلْكٍ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ؛ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ لَمْ يُعْتِقْ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَعِبَارَتُهُ شَامِلَةٌ لِمَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشِرَائِهِ، وَفِي شُمُولِهَا لِمَنِ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ نَظَرٌ (وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ) سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ، أَوْ بِيَدِ مُشْتَرِيهِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ (أُجْبِرَ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ) بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِأَنَّ فِي إِبْقَائِهِ فِي مِلْكِهِ صَغَارًا لِلْمُسْلِمِ (وَلَيْسَ لَهُ كِتَابَتُهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُزِيلُ مِلْكَ السَّيِّدِ عَنْهُ بَلْ يَبْقَى إِلَى الْأَدَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَقَالَ الْقَاضِي) : وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِعِتْقِهِ، وَلِأَنَّهُ يُزِيلُ يَدَهُ عَنْهُ أَشْبَهَ إِعْتَاقَهُ لَهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ لِآخَرَ اشْتَرِنِي مِنْ فُلَانٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ فَاشْتَرَاهُ فَبَانَ حُرًّا، لَمْ يَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ حَضَرَ الْبَائِعُ أَوْ غَابَ، كَقَوْلِهِ: اشْتَرِ مِنْهُ عَبْدَهُ هَذَا وَيُؤَدَّبُ هُوَ وَبَائِعُهُ، لَكِنْ مَا أَخَذَهُ الْمُقِرُّ غَرِمَهُ؛ نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَسَأَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ رَجُلٍ يُقِرُّ بِالْعُبُودِيَّةِ حَتَّى يُبَاعَ قَالَ: يُؤْخَذُ الْبَائِعُ وَالْمُقِرُّ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ غَابَ أَخَذَ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَإِنْ كَانَ الْغَارُ أُنْثَى حُدَّتْ وَلَا مَهْرَ؛ نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَرَهِنَهُ فَيَتَوَجَّهُ كَبَيْعٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 يَجُوزُ بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سلعة بِعَشَرَةٍ: أَنَا أُعْطِيكَ مِثْلَهَا بِتِسْعَةٍ، وَلَا شِرَاؤُهُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ بَاعَ سلعة بِتِسْعَةٍ: عِنْدِي فِيهَا عَشَرَةٌ؛ لِيَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَعْقِدَ مَعَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] [بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ] (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِ وَإِفْسَادِ بَيْعِهِ، فَحَرُمَ كَشَتْمِهِ (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: لِمَنِ اشْتَرَى سلعة بِعَشَرَةٍ أَنَا أُعْطِيكَ مِثْلَهَا بِتِسْعَةٍ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ (وَلَا) يَجُوزُ (شِرَاؤُهُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ أَيْضًا فِي مَعْنَى الْخَاطِبِ، وَالْبَيْعُ يَقَعُ عَلَى الشِّرَاءِ وَيُسَمَّى الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي بَيِّعَيْنِ (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ بَاعَ سلعة بِتِسْعَةٍ عِنْدِي فِيهَا عَشَرَةٌ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلشِّرَاءِ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ (لِيَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَعْقِدَ مَعَهُ) وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ؛ أَيْ: فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ، فَإِذَا انْبَرَمَ، فَلَا (فَإِنْ فَعَلَ) مَا نُهِيَ عَنْهُ (فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ) الثَّانِي؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَفِي " الْبُلْغَةِ " رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِمَا رَوَى سَمُرَةُ مَرْفُوعًا قَالَ: «أَيَّمَا رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَهُوَ عَامٌ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَبَعْدَهُ، وَالْآخَرُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْبَيْعِ أَشْبَهَ بَيْعَ النَّجْشِ، وَإِنْ رَدَّهُ أَوْ بَذَلَ لِمُشْتَرٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا فَوَجْهَانِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِلْمُشْتَرِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 وَجْهَيْنِ. وَفِي بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِالسِّلْعَةِ وَأَخْذِ الزِّيَادَةِ أَوْ عِوَضِهَا. فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ سَوْمُهُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ الرِّضَى صَرِيحًا، وَقِيلَ: أَوْ ظَاهِرًا، وَقِيلَ: أَوْ تَسَاوَى الْأَمْرَانِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " السَّوْمُ كَالْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَكَذَا سَوْمُ إِجَارَةٍ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا اسْتِئْجَارُهُ عَلَى إِجَارَةِ أَخِيهِ فَكَذَلِكَ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي] (وَفِي بَيْعِ الْحَاضِرِ) وَهُوَ الْمُقِيمُ فِي الْمُدُنِ وَالْقُرَى (لِلْبَادِي) وَهُوَ الْمُقِيمُ فِي الْبَادِيَةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ يَدْخُلُ الْبَلَدَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، سَوَاءٌ كَانَ بَدَوِيًّا أَوْ قَرَوِيًّا قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " (رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْبُلْغَةِ " لَا رَيْبَ أَنَّهُ بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْقَادِمَ يَبِيعُ سِلْعَتَهُ اشْتَرَاهَا النَّاسُ مِنْهُ بِرُخْصٍ، فَإِذَا تَوَلَّى الْحَاضِرُ بَيْعَهَا فَلَا يَبِيعُهَا إِلَّا بِغَلَاءٍ. فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ عَلَى أَهْلِ الْمُدُنِ (إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ) لِأَنَّ النَّهْيَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَوَجَبَ زَوَالُهُ، أَوْ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنَى في غير الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ (وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَعَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَنْ يَحْضُرَ الْبَادِي لِبَيْعِ سِلْعَتِهِ بِسِعْرِ يَوْمِهَا جَاهِلًا بِسِعْرِهَا، وَيَقْصِدُهُ الْحَاضِرُ، وَيَكُونُ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إِلَيْهَا، فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَأَمَّا   [المبدع في شرح المقنع] الْأَصْحَابُ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ ثَبَتَ فِي حَقِّنَا مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِمْ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى زَوَالِ النَّهْيِ، أَوْ بَقَائِهِ، وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُمَا مُسْتَمِرَّانِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبَقَاءِ (أَنْ يَحْضُرَ الْبَادِي) لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَقْدُمْ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ بَادِيًا (لِبَيْعِ سِلْعَتِهِ) لِأَنَّهُ إِذَا حَضَرَ لِخَزْنِهَا فَقَصَدَهُ الْحَاضِرُ وَحَضَّهُ عَلَى بَيْعِهَا كَانَ ذَلِكَ تَوْسِعَةً لَا تَضْيِيقًا (بِسِعْرِ يَوْمِهَا) لِأَنَّهُ إِذَا قَصَدَ بَيْعَهَا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ الْحَاضِرِ زَادَ بَعْضُهُمْ؛ أَيْ: يَقْصِدُ بَيْعَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا حَالًا لَا نَسِيئَةً (جَاهِلًا بِسِعْرِهَا) لِأَنَّهُ إِذَا عَرَفَهُ لَمْ يَزِدْهُ الْحَاضِرُ عَلَى مَا عِنْدَهُ (وَيَقْصِدُهُ الْحَاضِرُ) لِأَنَّهُ إِذَا قَصَدَهُ الْبَادِي لَمْ يَكُنْ لِلْحَاضِرِ أَثَرٌ فِي عَدَمِ التَّوْسِعَةِ (وَيَكُونُ بِالنَّاسِ) وَفِي ابْنِ الْمُنَجَّا بِالْمُسْلِمِينَ (حَاجَةٌ إِلَيْهَا) لَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ هَذَا الشَّرْطَ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ لَمْ يُوجَدِ الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى الشَّرْعُ لِأَجْلِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ رَضُوا بِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَأَبْطَلَهُ الْخِرَقِيُّ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ الْحَاضِرُ قَصَدَ الْبَادِي وَقَدْ جَلَبَ السِّلْعَةَ لِلْبَيْعِ فَيُعَرِّفُهُ السِّعْرَ، وَزَادَ الْقَاضِي الشَّرْطَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَتَبِعَهُ جُلُّ الْأَصْحَابِ، وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً بِالْبُطْلَانِ، وَإِنْ عَرَفَ الْبَادِي السِّعْرَ وَعَنْهُ أَوْ جَهِلَهُ الْحَاضِرُ، وَعَنْهُ: إِنْ قَصَدَهُ الْحَاضِرُ، أَوْ وَجَّهَ بِهِ إِلَيْهِ لِيَبِيعَهُ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنَّةً، جَزَمَ بِهَا الْخَلَّالُ. (فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنَ الْخَمْسَةِ (صَحَّ الْبَيْعُ) وَزَالَ النَّهْيُ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى شُرُوطٍ يَزُولُ بِزَوَالِ أَحَدِهَا. فَرْعٌ: إِذَا أَشَارَ حَاضِرٌ عَلَى بَادٍ، وَلَمْ يَتَوَلَّ لَهُ بَيْعًا لَمْ يُكْرَهْ، وَيُتَوَجَّهْ إِنِ اسْتَشَارَهُ، وَهُوَ جَاهِلٌ بِالسِّعْرِ لَزِمَهُ بَيَانُهُ لِوُجُوبِ النُّصْحِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْهُ فَفِي وُجُوبِ إِعْلَامِهِ إِنِ اعْتَقَدَ جَهْلَهُ بِهِ نَظَرٌ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ النُّصْحِ عَلَى اسْتِنْصَاحِهِ وَيَتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ لَا يُخَالِفُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَأَمَّا شِرَاؤُهُ لَهُ، فَيَصِحُّ؛ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَرَدَ عَنِ الْبَيْعِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ، وَهُوَ الرِّفْقُ بِأَهْلِ الْحَضَرِ وهذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] غير مَوْجُودٌ فِي الشِّرَاءِ لِلْبَادِي، إِذِ الْخَلْقُ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ سَوَاءٌ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ لَا يَشْتَرِي لَهُ كَالْبَيْعِ، وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمُ اللَّيْثُ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: يَحْرُمُ التَّسْعِيرُ عَلَى النَّاسِ بَلْ يَبِيعُونَ أَمْوَالَهُمْ عَلَى مَا يَخْتَارُونَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ، وَيُكْرَهُ الشِّرَاءُ بِهِ، وَإِنْ هَدَّدَ مَنْ خَالَفَهُ حَرُمَ وَبَطَلَ فِي الْأَصَحِّ وَيَحْرُمُ: بِعْ كَالنَّاسِ فِي الْأَشْهَرِ، وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِلْزَامَهُمُ الْمُعَاوَضَةَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ، وَهُوَ شِرَاءُ الطَّعَامِ مُحْتَكِرًا لَهُ لِلتِّجَارَةِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَيَضِيقُ عَلَيْهِمْ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي قُوتٍ آدَمِيٍّ وَعَنْهُ: وَمَا يَأْكُلُهُ النَّاسُ وَعَنْهُ: أَوْ يَضُرُّهُمُ ادِّخَارُهُ بِشِرَائِهِ فِي ضِيقٍ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " مِنْ بَلَدِهِ لَا جَالِبًا، وَالْأَوَّلُ نَقَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَيَصِحُّ شِرَاءُ مُحْتَكِرٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " احْتِمَالٌ، وَيُجْبَرُ الْمُحْتَكِرُ عَلَى بَيْعِهِ كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ، فَإِنْ أَبَى وَخِيفَ التَّلَفُ فَرَّقَهُ الْإِمَامُ وَيَرُدُّونَ مِثْلَهُ، وَقِيلَ قِيمَتَهُ، وَكَذَا سِلَاحٌ لِحَاجَةٍ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: وَمَنْ ضَمِنَ مَكَانًا لِيَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَحْدَهُ كَرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ بِلَا حَاجَةٍ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ زِيَادَةٍ بِلَا حَقٍّ قَالَ أَحْمَدُ: اسْتَغْنِ عَنِ النَّاسِ، لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، الْغِنَى مِنَ الْعَافِيَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 شِرَاؤُهُ لَهُ فَيَصِحُّ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَمَنْ بَاعَ سلعة بِنَسِيئَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا نَقْدًا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهَا، وَإِنِ اشْتَرَاهَا أَبُوهُ، أَوِ ابْنُهُ جَازَ وَإِنْ بَاعَ   [المبدع في شرح المقنع] الثَّالِثَةُ: لَا يُكْرَهُ ادِّخَارُ قُوتِ أَهْلِهِ وَدَوَابِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ، وَلَا يَنْوِي التِّجَارَةَ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَضِيقَ. [مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا نَقْدًا] (وَمَنْ بَاعَ سلعة بِنَسِيئَةٍ) أَوْ بِثَمَنٍ لَمْ يَقْبِضْهُ، ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا نَقْدًا) وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِمَا رَوَى غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ امْرَأَتِهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ: دَخَلْتُ أَنَا وَأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: إِنِّي بِعْتُ غُلَامًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَى الْعَطَاءِ، ثُمَّ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا فَقَالَتْ لَهَا: بِئْسَمَا اشْتَرَيْتِ وَبِئْسَمَا شَرَيْتِ، أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَطَلَ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيدٌ، وَلَا تَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ إِلَّا تَوْقِيفًا، وَلِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا لِيَسْتَبِيحَ بَيْعَ أَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ إِلَى أَجَلٍ، وَالذَّرَائِعُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الشَّرْعِ بِدَلِيلِ مَنْعِ الْقَاتِلِ مِنَ الْإِرْثِ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى عَتَبَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ التَّحَيُّلَ فِي ارْتِكَابِ مَا نُهُوا عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ حَلِّ أَجَلِهِ. نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ، وَقَيَّدَ الشِّرَاءَ بِالنَّقْدِ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَاهَا بِعَرْضٍ، أَوْ كَانَ بَيْعُهَا الْأَوَّلِ بِعَرْضٍ فَاشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ جَازَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا رِبًا بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْعُرُوضِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِذَا اخْتَلَفَ النَّقْدُ، صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، لِأَنَّهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَى الثَّمَنِيَّةِ، وَقَالَ الْأَصْحَابُ يَجُوزُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوِ اشْتَرَاهَا مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِيهِ، وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ كَتَوْكِيلِهِ وَسُمِّيَتْ عِينَةً؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ إِلَى أَجَلٍ يَأْخُذُ بَدَلَهَا عِينًا؛ أَيْ: نَقْدًا حَاضِرًا مِنْ فَوْرِهِ، وَرُوِيَ أَنَّ التَّبَايُعَ بِهَا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهَا) كَعَبْدٍ مَرِضَ، أَوْ ثَوْبٍ انْقَطَعَ؛ لِأَنَّ نَقْصَ الثَّمَنِ لِنَقْصِ الْمَبِيعِ لَا لِلتَّوَسُّلِ إِلَى الرِّبَا وَتَوَقَّفَ فِي رِوَايَةِ مُثَنَّى فِيمَا إِذَا نَقَصَ مِنْ نَفْسِهِ وَحَمْلِهِ فِي الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ نَقْصَهُ أَقَلُّ مِنَ النَّقْصِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ فَتَكُونُ عِلَّةُ الْمَنْعِ بَاقِيَةً، وَكَذَا يَجُوزُ بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ " (وَإِنِ اشْتَرَاهَا أَبُوهُ أَوِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا نَسِيئَةً، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بِثَمَنِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ نَسِيئَةً؛ لَمْ يَجُزْ.   [المبدع في شرح المقنع] ابْنُهُ) أَوْ غُلَامُهُ وَنَحْوُهُ (جَازَ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْأَجْنَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشِّرَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً. فَرْعٌ: إِذَا بَاعَ سلعة بِنَقْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ نَسِيئَةً فَهِيَ عَكْسُ الْعِينَةِ، وَهِيَ مِثْلُهَا نَقَلَهُ حَرْبٌ إِلَّا أَنْ تَتَغَيَّرَ صِفَتُهَا، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ يَجُوزُ بِلَا حِيلَةٍ، فَلَوِ احْتَاجَ إِلَى نَقْدٍ فَاشْتَرَى مَا يُسَاوِي مِائَةً بِثَمَانِينَ فَلَا بَأْسَ، نَصَّ عَلَيْهِ وَهِيَ مِثْلُ التَّوَرُّقِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَحَرَّمَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ إِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ بَيْعَ الْمَتَاعِ الَّذِي يَشْتَرِي مِنْكَ هُوَ أَهْوَنُ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ بَيْعَهُ فَهِيَ الْعِينَةُ، وَإِنْ بَاعَهُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ، وَهِيَ الْعِينَةُ نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ بَاعَ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا نَسِيئَةً) كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَطْعُومِ (ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بِثَمَنِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ جِنْسِهِ) كَمَا لَوْ بَاعَهُ غَرَارَةَ قَمْحٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا حَلَّ اشْتَرَى بِهَا غَرَارَةَ قَمْحٍ (أَوْ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ نَسِيئَةً) كَمَا لَوِ اشْتَرَى بِثَمَنِ الْقَمْحِ غَرَارَةَ شَعِيرٍ (لَمْ يَجُزِ) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَطَاوُسٍ، لِأَنَّ بَيْعَ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إِلَى بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِالرِّبَوِيِّ نَسِيئَةً، وَيَكُونُ الثَّمَنُ الْمُعَوَّضُ عَنْهُ بَيْنَهُمَا كَالْمَعْدُومِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَجَوَّزَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِحَاجَّةٍ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالَّذِي يَقْوَى عِنْدِي جَوَازُهُ إِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ حِيلَةً، وَلَا قَصَدَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ بن الْحُسَيْنِ وَكَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ الْأَوَّلُ حَيَوَانًا أَوْ ثِيَابًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى مِنَ الْمُشْتَرِي طَعَامًا بِدَرَاهِمَ وَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ وَفَاءً، أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَيْهِ، لَكِنْ قَاصَّهُ جَازَ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَهِيَ ضَرْبَانِ: صَحِيحٌ؛ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: شَرْطُ مُقْتَضَى الْبَيْعِ كَالتَّقَابُضِ، وَحُلُولِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ. الثَّانِي: شَرْطٌ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِ صِفَةٍ فِي الثَّمَنِ كَتَأْجِيلِهِ أَوِ الرَّهْنِ أَوِ الضَّمِينِ بِهِ أَوْ صِفَةٍ فِي الْمَبِيعِ نَحْوَ كَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ صَانِعًا أَوْ مُسْلِمًا، وَالْأَمَةِ بِكْرًا، وَالدَّابَّةِ هَمْلَاجَةً، وَالْفَهْدِ   [المبدع في شرح المقنع] مَسْأَلَةٌ: يُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، إِذِ الْأَمْرُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ قَوْمٌ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ وَاجِبٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَكَالنِّكَاحِ، وَجَوَابُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: صَارَ إِلَى الْأَمَانَةِ، وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُفَسِّرُهُ. [بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ] [الشُّرُوطُ الصَّحِيحَةُ فِي الْبَيْعِ] [الْأَوَّلُ شَرْطُ مُقْتَضَى الْبَيْعِ] بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَهِيَ جَمْعُ شَرْطٍ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا هُنَا بِمَا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، وَالْأَوْلَى: هُوَ إِلْزَامُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْآخَرَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ مَا لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ. (وَهِيَ ضَرْبَانِ: صَحِيحٌ) وَهُوَ مَا يُوَافِقُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَفَاسِدٌ وَهُوَ مَا يُنَافِيهِ، وَقُدِّمَ الْكَلَامُ عَلَى الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ لِسَلَامَةِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ ذَاكَ أَقْرَبَ إِلَى الْعَدَمِ. (وَهُوَ) أَيِ: الصَّحِيحُ (ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: شَرْطُ مُقْتَضَى الْبَيْعِ) أَيْ: مَطْلُوبِهِ (كَالتَّقَابُضِ وَحُلُولِ الثَّمَنِ) فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ وَتَأْكِيدٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَنَحْوِهِ) مِثْلَ أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يَتَصَرَّفَ، أَوْ يَسْقِيَ الثَّمَرَةَ إِلَى الْجِدَادِ. قَالَهُ فِي " الْبُلْغَةِ ". [الثَّانِي شَرْطٌ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ] (الثَّانِي: شَرْطٌ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِ صِفَةٍ فِي الثَّمَنِ كَتَأْجِيلِهِ) أَوْ بَعْضِهِ قَالَهُ أَحْمَدُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَالْخِيَارِ (أَوِ الرَّهْنِ أَوِ الضَّمِينِ بِهِ) وَالْمُرَادُ إِذَا كَانَا مُعَيَّنَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ لِمَصْلَحَةٍ، وَيَلْزَمُ بِتَسْلِيمِ رَهْنِ الْمُعَيَّنِ إِنْ قِيلَ بِلُزُومٍ بِالْعَقْدِ (أَوْ صِفَةٍ فِي الْمَبِيعِ) مَقْصُودَةٍ (نَحْوَ كَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ صَانِعًا) أَوْ فَحْلًا قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ " (أَوْ مُسْلِمًا، وَالْأَمَةِ بِكْرًا) أَوْ حَائِضًا نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ، فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَلَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا إِنْ لَمْ تَحِضْ طَبْعًا فَفَقْدُهُ يَمْنَعُ النَّسْلَ، وَإِنْ كَانَ لِكِبَرٍ فَعَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ الثَّمَنَ (وَالدَّابَّةِ هَمْلَاجَةً) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 صَيُودًا؛ فَيَصِحُّ، فَإِنْ وَفَى بِهِ وَإِلَّا فَلِصَاحِبِهِ الْفَسْخُ، وَإِنْ شَرَطَهَا ثَيِّبًا كَافِرَةً فَبَانَتْ بِكْرًا مُسْلِمَةً، فَلَا فَسْخَ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ قَصْدًا، وَإِنْ شَرَطَ   [المبدع في شرح المقنع] أَيْ: مَاشِيَةً، إِذِ الْهَمْلَجَةُ مِشْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَالْفَهْدِ صَيُودًا) وَالْأَرْضُ خَرَاجُهَا كَذَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي (فَيَصِحُّ) اشْتِرَاطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لَفَاتَتِ الْحِكْمَةُ الَّتِي شُرِّعَ لِأَجْلِهَا الْبَيْعُ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ لِقَوْلِهِ: (فَإِنْ وَفَى بِهِ، وَإِلَّا فَلِصَاحِبِهِ) وَهُوَ الْمُشْتَرِي (الْفَسْخُ) لِأَنَّهُ شَرَطَ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ، فَصَارَ مُسْتَحِقًّا، كَمَا لَوْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا، فَإِذَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لَهُ مَعَ الْإِمْسَاكِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُ إِلْحَاقًا لَهُ بِالتَّدْلِيسِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي مُحَرِّرِهِ وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ فَلَهُ أَرْشُ فَقْدِ الصِّفَةِ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْعَيْبِ، وَقِيلَ: مَعَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ " هَلْ يَبْطُلُ بَيْعٌ بِبُطْلَانِ رَهْنٍ فِيهِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ أَمْ لَا كَمَهْرٍ فِي نِكَاحٍ فِيهِ احْتِمَالَانِ (وَإِنْ شَرَطَهَا ثَيِّبًا كَافِرَةً فَبَانَتْ بِكْرًا مُسْلِمَةً فَلَا فَسْخَ لَهُ) لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، كَمَا لَوْ شَرَطَ الْغُلَامُ كَاتِبًا، فَإِذَا هُوَ أَيْضًا عَالِمٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ اجْتِمَاعَ الْوَصْفَيْنِ، بَلْ مَتَى شَرَطَ أَحَدُهُمَا: فَبَانَ بِخِلَافِهِ كَفَى (وَيُحْتَمَلُ) هَذَا قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ (أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ قَصْدًا) صَحِيحًا، إِذِ الْمُشْتَرِي قَدْ لَا يُطِيقُ وَطْءَ الْبِكْرِ، وَطَالَبَ الْكَافِرَةَ أَكْثَرَ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَلِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَكْلِيفِهَا بِالْعِبَادَاتِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا شَرَطَهُ كَافِرًا، فَلَمْ يَكُنْ، فَلَا فَسْخَ كَاشْتِرَاطِ الْحُمْقِ وَنَحْوِهِ، فَلَوْ كَانَتْ الصفة غير مَقْصُودَةً، كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْأَمَةِ سَبْطَةً فَبَانَتْ جَعْدَةً، أَوْ جَاهِلَةً فَبَانَتْ عَالِمَةً، فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا شَرَطَهَا جَعْدَةً فَبَانَتْ سَبْطَةً أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ، وَقَالَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لِأَنَّهُ عَيْبٌ. تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ شَرْطُ كَوْنِ الشَّاةِ لَبَوْنًا، أَوْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ لَا أَنَّهَا تَحْلِبُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 الطَّائِرَ مُصَوِّتًا، أَوْ أَنَّهُ يَجِيءُ من مسافة مَعْلُومَةً صَحَّ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ. الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ نَفْعًا مَعْلُومًا فِي الْمَبِيعِ كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا، أَوْ حِمْلَانِ   [المبدع في شرح المقنع] مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، وَكَذَا يَصِحُّ شَرْطُهَا حَامِلًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ كَالصِّنَاعَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَصِحُّ، فَلَوْ شَرَطَهَا حَائِلًا فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ فَسَخَ فِي الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ لَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ، وَقِيلَ: وَيُفْسَخُ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُهَا لِسَفَرٍ، أَوْ لِحَمْلِ شَيْءٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مَعَ الْحَمْلِ، فَلَوْ شَرَطَ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ فَهُوَ فَاسِدٌ. (وَإِنْ شَرَطَ الطَّائِرَ مُصَوِّتًا) أَوْ يَبِيضَ أَوِ الدِّيكَ يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ (أَوْ أَنَّهُ يَجِيءُ من مسافة مَعْلُومَةً) كَمِصْرَ، وَالشَّامِ (صَحَّ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ فِي تَصْوِيتِهِ قَصْدًا صَحِيحًا، وَهُوَ عَادَةٌ فِيهِ كَالْهَمَلَاجَةِ، وَكَذَا مَجِيئُهُ لِنَقْلِ الْأَخْبَارِ وَحَمْلِ الْكُتُبِ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَصَارَ كَالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ، وَلِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ الْكَبْشُ مُنَاطِحًا، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الطَّائِرِ إِذَا شَرَطَهُ مُصَوِّتًا، وَفِي " الشَّرْحِ " لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الدِّيكِ يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَرْعٌ: لَوْ أَخْبَرَهُ الْبَائِعُ بِالصِّفَةِ وَصَدَّقَهُ بِلَا شَرْطٍ، فَلَا خِيَارَ لَهُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْمُصَرَّاةِ، وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". [الثَّالِثُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ نَفْعًا مَعْلُومًا فِي الْمَبِيعِ] (الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ نَفْعًا مَعْلُومًا فِي الْمَبِيعِ) عَلَى الْأَصَحِّ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْوَطْءُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ بِلَا خِلَافٍ وَيَأْتِي وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ (كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا، أَوْ حِمْلَانِ الْبَعِيرِ إِلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ) لِمَا «رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ قَدْ أَعْيَا فَضَرَبَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 الْبَعِيرِ إِلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ، أَوْ يَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي نَفْعَ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَتَكْسِيرِهِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَتَفْصِيلِهِ، وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ فِي جَزِّ الرَّطْبَةِ إِنْ شَرَطَهُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسْرِ مِثْلَهُ، فَقَالَ: بِعْنِيهِ فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حِمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنِ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ» ، وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ بِتَأَخُّرِ التَّسْلِيمِ فِيهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَصَحَّ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ أَمَةً مُزَوَّجَةً، أَوْ دَارًا مُؤَجَّرَةً وَنَحْوَهُمَا، وَقِيلَ: يَلْزَمُ تَسْلِيمُهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُ لِبَائِعِهِ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاحْتَجَّ فِي " التَّعْلِيقِ " وَ " الِانْتِصَارِ "، وَغَيْرِهِمَا بِشِرَاءِ عُثْمَانَ مِنْ صُهَيْبٍ أَرْضًا، وَشَرَطَ وَقْفَهَا عَلَيْهِ وَعَلَى عَقِبِهِ، وَكَحَبْسِهِ عَلَى ثَمَنِهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ؛ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ أَحْمَدَ أَنْكَرَ الْخَبَرَ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْوِيًّا فِي مُسْنَدٍ، فَعَلَى الْأُولَى لَا يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَشْهَرِ، وَلِلْبَائِعِ إِجَارَةُ مَا اسْتَثْنَاهُ وَإِعَارَتُهُ كَعَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ، ثُمَّ إِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ تَفْرِيطِهِ، كَمَا اخْتَارَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " ضَمَّنَهَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِ ضمانه مُطْلَقًا وَأَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ إِذَا تَلِفَتِ الْعَيْنُ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي، صَحَّ كَالْمُؤَجَّرَةِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا (أَوْ يَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي نَفْعَ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَتَكْسِيرِهِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَتَفْصِيلِهِ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ اشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ جِرْزَةَ حَطَبٍ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَهَا وَغَايَتُهُ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْعًا وَإِجَارَةً، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا لَا هُمَا. صَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " فَتَكُونُ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. فَرْعٌ: إِذَا تَرَاضَيَا بِعِوَضِ النَّفْعِ جَازَ فِي الْأَشْهَرِ، وَهُوَ كَأَجِيرٍ مُشْتَرِكٍ فَإِنْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ أَوِ اسْتَحَقَّ، فَلِلْمُشْتَرِي عِوَضُ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 الْبَائِعِ، لَمْ يَصِحَّ فَيَخْرُجُ هَا هُنَا مِثْلَهُ، وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ شَرْطَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ فِي جَزِّ الرَّطْبَةِ إِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ وَأَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى مَذْهَبًا؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ الْعَمَلَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ مِلْكِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبَ زَيْدٍ إِذَا مَلَكَهُ (فَيَخْرُجُ هَا هُنَا مِثْلَهُ) كَذَا خَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا مِثْلُهُ فَيُعْطَى حُكْمَهُ، وَكَذَا قَالَهُ الْمَجْدُ تَبَعًا لِصَاحِبِ " التَّلْخِيصِ "، وَذَكَرَاهُ رِوَايَةً، وَقَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَجِدْ بِمَا قَالَ الْخِرَقِيُّ رِوَايَةً فِي الْمَذْهَبِ وَتَرَدَّدَ فِي " الْمُغْنِي " فِي التَّخْرِيجِ فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ مَا أَشْبَهَهُ مِنِ اشْتِرَاطِ نَفْعِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ الْبُطْلَانُ بِمَا ذَكَرَهُ لِإِفْضَائِهِ إِلَى التَّنَازُعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يُرِيدُ قَطْعَهَا مِنْ أَعْلَاهَا لِيَبْقَى لَهُ مِنْهَا بَقِيَّةٌ، وَالْمُشْتَرِيَ يُرِيدُ اسْتِقْصَاءَهَا لِيَزِيدَ لَهُ مَا يَأْخُذُهُ، وَهُوَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ: وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَلِيُوَافِقَ الْمَذْهَبَ. (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ شَرْطَيْنِ لَمْ يَصِحَّ) عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " سَوَاءٌ كَانَا صَحِيحَيْنِ أَوْ فَاسِدَيْنِ زَاعِمًا أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَمُعْتَمِدًا عَلَى إِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَبَعْدُ فِي " الشَّرْحِ " كَلَامُهُ، وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ فَسَّرَهُمَا بِشَرْطَيْنِ صَحِيحَيْنِ لَيْسَا مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ حُزْمَةَ حَطَبٍ وَيِشْترِطَ عَلَى الْبَائِعِ حَمْلَهَا وَتَكْسِيرَهَا لَا مَا كَانَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ كَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ، وَلَا مَا كَانَ مِنْ مُقْتَضَاهُ، وَلَا الشَّرْطَيْنِ الْفَاسِدَيْنِ، إِذِ الْوَاحِدُ كَافٍ فِي بُطْلَانِهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخَيْنِ وَصَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " وَ " الشَّرْحِ " تَبَعًا لِلْقَاضِي فِي شَرْحِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْفُرُوعِ " إِنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي: فَاسِدٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ كَسَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ صَرْفٍ لِلثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ، فَهَذَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبْطِلَ الشَّرْطَ وَحْدَهُ. الثَّانِي: شَرْطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ نَحْوَ أَنْ يُشْرَطَ أَنْ لَا خَسَارَةَ عَلَيْهِ، أَوْ مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعُ وَإِلَّا رَدَّهُ، أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يُعْتِقَ، أَوْ إِنْ أَعْتَقَ فَالْوَلَاءُ لَهُ، أَوْ يَشْرُطَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَهَذَا   [المبدع في شرح المقنع] مَا كَانَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ فَسَّرَهُمَا بِشَرْطَيْنِ فَاسِدَيْنِ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَضَعَّفَهُ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، فَإِنَّ الْوَاحِدَ مُؤَثِّرٌ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّعَدُّدِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِيهِ بِخِلَافِ الشَّرْطَيْنِ. [الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فِي الْبَيْعِ] [الْأَوَّلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ] فَصْلٌ (الضَّرْبُ الثَّانِي: فَاسِدٌ) يَحْرُمُ اشْتِرَاطُهُ (وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ؛ أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ كَسَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ صَرْفٍ لِلثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ فَهَذَا) الشَّرْطُ (يُبْطِلُ الْبَيْعَ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، وَكَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ إِلَيْهِ الْمَبِيعَ، نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ إِذَا اشْتَرَاهُ بِكَذَا إِلَى شَهْرِ كُلِّ جُمُعَةٍ دِرْهَمَانِ قَالَ: هَذَا بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ عَقْدًا فِي آخَرَ، فَلَمْ يَصِحَّ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ، وَحِكْمَتُهُ إِذَا فَسَدَ الشَّرْطُ وَجَبَ رَدُّ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُبْطِلَ الشَّرْطَ وَحْدَهُ) هَذَا رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «اشْتَرِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَصَحَّحَ الشِّرَاءَ مَعَ إِبْطَالِ الشَّرْطِ وَأَطْلَقَ فِي " الْمُحَرَّرِ " الرِّوَايَتَيْنِ. [الثَّانِي شَرْطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ] (الثَّانِي: شَرْطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ نَحْوَ أَنْ يَشْرُطَ أَنْ لَا خَسَارَةَ عَلَيْهِ، أَوْ مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعُ وَإِلَّا رَدَّهُ، أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يُعْتِقَ، أَوْ إِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ، وَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. إِلَّا إِذَا شَرَطَ الْعِتْقَ، فَفِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إِنْ أَبَاهُ، وَعَنْهُ: فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً، وَشَرَطَ   [المبدع في شرح المقنع] أَعْتَقَ فَالْوَلَاءُ لَهُ، أَوْ يَشْرُطَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَهَذَا) شَرْطٌ (بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ إِطْلَاقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ عَلَى اخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَذَلَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ يَقْتَضِي إِطْلَاقَ التَّصَرُّفِ، فَالْمَنْعُ مِنْهُ يُؤَدِّي إِلَى تَفْوِيتِ الْغَرَضِ فَيَكُونُ الشَّرْطُ بَاطِلًا (وَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْبُلْغَةِ " أَنَصُّهُمَا لَا يَبْطُلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاخْتَارَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ ثَابِتٌ، وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا يُعَارِضُهُ، وَالْقَوْلُ بِهِ يَجِبُ، لَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ؛ أَيْ: عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ لَهَا بِالْإِعْتَاقِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى اشْتِرَاطِهِ، وَلِأَنَّهُمُ امْتَنَعُوا مِنَ الْبَيْعِ إِلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ لَهُمُ الْوَلَاءُ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهَا بِمَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَهُ مِنْهَا، وَصِيغَةُ الْأَمْرِ هُنَا لِلتَّسْوِيَةِ نَحْوَ: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور: 16] وَلِعَوْدِ الشَّرْطِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ نَحْوَ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهِ فُلَانٌ - يَعْنِي غَيْرَ الْمُشْتَرِي - ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِيَةُ: يَبْطُلُ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَأَفْسَدَ الْعَقْدَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عَقْدًا آخَرَ، وَكَجَهَالَةِ الثَّمَنِ، فَلَوْ أَسْقَطَ الْفَاسِدَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَعَلَى الصِّحَّةِ لِلْفَائِتِ غَرَضُهُ، وَقِيلَ: لِلْجَاهِلِ - فَسَادُ الشَّرْطِ - الْفَسْخُ، أَوْ أَرْشُ نَقْصِ الثَّمَنِ بِإِلْغَائِهِ، وَقِيلَ: لَا أَرْشَ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (إِلَّا إِذَا شَرَطَ الْعِتْقَ فَفِي صِحَّتِهِ) أَيْ: صِحَّةِ الشَّرْطِ (رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " (إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ) صَحَّحَهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 عَلَى الْمُشْتَرِي إِنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَمَعْنَاهُ، - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ جَائِزٌ مَعَ فَسَادِ الشَّروطِ، وَإِنْ شَرَطَ رَهْنًا فَاسِدًا وَنَحْوَهُ فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] " الْبُلْغَةِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " وَهِيَ الْمَذْهَبُ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ (وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إِنْ أَبَاهُ) لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ لِكَوْنِهِ قُرْبَةً الْتَزَمَهُ الْمُشْتَرِي فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَالنَّذْرِ، وَقِيلَ: هُوَ حَقٌّ لِلْبَائِعِ فَيُفْسَخُ، فَإِنْ أَمْضَى، فَلَا أَرْشَ فِي الْأَصَحِّ، وَهَلْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَإِسْقَاطُهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يُوجِبُ فِعْلَ الْمَشْرُوطِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ الرَّهْنَ، أَوِ الضَّمِينَ فَعَلَيْهِ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ لَهُ بِشَرْطِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ، وَقِيلَ: شَرْطُ الْوَقْفِ كَالْعِتْقِ (وَعَنْهُ: فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً، وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي إِنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَمَعْنَاهُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ جَائِزٌ مَعَ فَسَادِ الشُّرُوطِ) . رَوَى الْمَرُّوذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مَعْنَى حَدِيثِ النَّهْيِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، يَعْنِي أَنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ إِيَّاهُ، وَشَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَهُمَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، لَكِنْ نَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ عَنْهُ جَوَازَ الْبَيْعِ وَالشَّرْطَيْنِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ فِي صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ وَلُزُومِهِ رِوَايَتَيْنِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَنْهُ نَحْوَ عِشْرِينَ نَصًّا عَلَى صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ الْوَطْءُ لِنَقْصِ الْمِلْكِ، وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَمَّنِ اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا لَا لِلْخِدْمَةِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ لَا يَقْرَبُهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَعِنْدِي أَنَّهُ إِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ لِمَكَانِ الْخِلَافِ فِي الْعَقْدِ (وَإِنْ شَرَطَ رَهْنًا فَاسِدًا) كَالْخَمْرِ فَسَدَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ، عند الِاسْتِيفَاء إِذَا لَمْ يُمْكِنْ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ بَيْعِهِ، فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ (وَنَحْوَهُ) كَخِيَارٍ أَوْ أَجَلٍ مَجْهُولَيْنِ (فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 وَجْهَيْنِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ شَرْطًا يُعَلِّقُ الْبَيْعَ كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا، أَوْ إِنْ رَضِيَ فُلَانٌ، أَوْ يَقُولُ لِلْمُرْتَهِنِ: إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكِ فِي مَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلَا الشَّرْطُ فِي الرَّهْنِ إِلَّا بَيْعَ الْعُرْبُونِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا وَيُعْطِيَ الْبَائِعَ دِرْهَمًا، وَيَقُولَ: إِنْ أَخَذْتُهُ، وَإِلَّا فَالدِّرْهَمُ لَكَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عُمَرَ   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَالْمَنْصُوصُ صِحَّتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. [الثَّالِثُ أَنْ يَشْتَرِطَ شَرْطًا يُعَلِّقُ الْبَيْعَ] (الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ شَرْطًا يُعَلِّقُ الْبَيْعَ كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا، أَوْ إِنْ رَضِيَ فُلَانٌ) فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ نَقْلُ الْمِلْكِ حَالَ التَّبَايُعِ، وَالشَّرْطُ هُنَا يَمْنَعُهُ، وَعَنْهُ: صِحَّةُ عَقْدِهِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَعَنْهُ: صِحَّتُهُمَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي كُلِّ الْعُقُودِ الَّتِي لَمْ تُخَالِفِ الشَّرْعَ؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْمُنْجَزَ وَالْمُعَلَّقَ وَالصَّرِيحَ وَالْكِنَايَةَ كَالنَّذْرِ، وَيُسْتَثْنَى عَلَى الْأَوَّلِ: بِعْتُ، أَوْ قَبِلْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ يَقُولُ لِلْمُرْتَهِنِ: إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ فِي مَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا الشَّرْطُ فِي الرَّهْنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَفَسَّرَهُ أَحْمَدُ بِذَلِكَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ كَالْأُولَى، وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ (إِلَّا بَيْعَ الْعُرْبُونِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا) بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ (وَيُعْطِيَ الْبَائِعَ دِرْهَمًا) أَوْ أَكْثَرَ (وَيَقُولَ: إِنْ أَخَذْتُهُ) احْتَسَبَ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ آخُذْهُ (فَالدِّرْهَمُ لَكَ فَقَالَ أَحْمَدُ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عُمَرَ فَعَلَهُ) لِمَا رَوَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ اشْتَرَى لِعُمَرَ دَارَ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ، وَإِلَّا لَهُ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ دِرْهَمًا قَبِلَ الْبَيْعَ، وَقَالَ: لَا تَبِعْهُ لِغَيْرِي، وَإِنْ لَمْ أَشْتَرِهَا مِنْكَ فَهُوَ لَكَ، ثُمَّ عَقَدَ وَحَسَبَ مِنَ الثَّمَنِ جَازَ، وَحَمَلَ فِي " الشَّرْحِ " فِعْلَ عُمَرَ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ فِعْلِهِ وَالْخَبَرِ وَمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ لَا يَصِحُّ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِهِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 فَعَلَهُ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إِلَى ثَلَاثٍ، وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَاعَهُ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ   [المبدع في شرح المقنع] لِلْبَائِعِ شَيْئًا بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخِيَارِ الْمَجْهُولِ، وَفِي " الْمُغْنِي " هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: حُكْمُ إِجَارَتِهِ كَالْبَيْعِ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ ". الثَّانِيَةُ: تعتبر مُقَارَنَةُ الشَّرْطِ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ. الثَّالِثَةُ: يَصِحُّ تَعْلِيقُ فَسْخٍ بِشَرْطٍ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُؤَلِّفُ: لَا. قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": فِيمَا إِذَا آجَرَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ إِذَا مَضَى شَهْرٌ، فَقَدْ فَسَخْتُهَا أَنَّهُ يَصِحُّ كَتَعْلِيقِ الْخَلْعِ، وَهُوَ فَسْخٌ عَلَى الْأَصَحِّ. الرَّابِعَةُ: إِذَا صَحَّحْنَا الْعَقْدَ دُونَ الشَّرْطِ فَلِمَنْ فَاتَ غَرَضُهُ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: لِلْجَاهِلِ - فَسَادَ الشَّرْطِ - الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ، أَوْ أَرْشُ نَقْصِ الثَّمَنِ بِإِلْغَائِهِ كَالْمَعِيبِ، وَقِيلَ: لَا أَرْشَ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إِلَى ثَلَاثٍ) زَادَ فِي " الشَّرْحِ " أَوْ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ (وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ وَخَصَّهُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ رَفْعَ الْعَقْدِ بِأَمْرٍ يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَجَازَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ بَيْعٍ، فَجَازَ أَنْ يَفْسَخَ بِتَأَخُّرِ الْقَبْضِ كَالصَّرْفِ، فَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ بِفَوَاتِهِ. (وَإِنْ بَاعَهُ، وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ) أَوْ مِنْ عَيْبِ كَذَا إِنْ كَانَ بِهِ (لَمْ يَبْرَأْ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ يَثْبُتُ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَلَا يَسْقُطُ قَبْلَهُ كَالشُّفْعَةِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمْعٌ، أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَرْتَفِقُ بِهِ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ كَالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 عَيْبٍ لَمْ يَبْرَأْ، وَعَنْهُ: يَبْرَأُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ عَلِمَ الْعَيْبَ فَكَتَمَهُ. فَصْلٌ وَإِنْ بَاعَهُ دَارًا عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] (وَعَنْهُ: يَبْرَأُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ عَلِمَ الْعَيْبَ فَكَتَمَهُ) وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَبْرَأُ مَعَ الْجَهْلِ لَا الْعِلْمَ بِهِ، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ عَبْدًا مِنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ، فَأَصَابَ بِهِ زَيْدٌ عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَتَرَافَعَا إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ أَتَحْلِفُ أَنَّكَ لَمْ تَعْلَمْ بِهَذَا الْعَيْبِ؟ فَقَالَ لَا، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَاعَهُ ابْنُ عُمَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اشْتُهِرَتْ، وَلَمْ تُنْكَرْ فَكَانَتْ كَالْإِجْمَاعِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إِنْ عَيَّنَهُ صَحَّ، وَمَعْنَاهُ نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: لَا يَبْرَأُ إِلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْعُيُوبِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ مُرْفَقٌ فِي الْبَيْعِ كَالْخِيَارِ، وَعَنْهُ: يَبْرَأُ مُطْلَقًا قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ ": وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِنَا كَبَرَاءَةٍ مِنْ مَجْهُولٍ، وَحَيْثُ قِيلَ بِفَسَادِ الشَّرْطِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ. فَإِنْ سَمَّى الْعَيْبَ وَأَبْرَأَهُ مِنْهُ؛ صَحَّ. [الحكم لو بَاعَهُ أَرْضًا عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَبَانَتْ أَنَّهَا أَحَدَ عَشَرَ] فَصْلٌ (وَإِنْ بَاعَهُ دَارًا) وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَرْضًا، وَهُوَ أَحْسَنُ، أَوْ ثَوْبًا (عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَاعَهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، وَلَا الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَى الْكُلَّ، وَعَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي الشَّرِكَةِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ صَحِيحٌ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ، وإن اتفقا عَلَى إِمْضَائِهِ جَازَ، وَإِنْ بَانَتْ تِسْعَةً فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَالنَّقْصُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَأَخْذِ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى تَعْوِيضِهِ عَنْهُ جَازَ.   [المبدع في شرح المقنع] وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " (وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهَا (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ مَا لَمْ يُعْطِهِ الزَّائِدَ مَجَّانًا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، وَإِنْ أَبَى ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْأَخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَقِسْطِ الزَّائِدِ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْأَخْذِ، وَالْبَائِعُ شَرِيكٌ لَهُ بِالزَّائِدِ، فَهَلْ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي الْمُشَارَكَةِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِبَيْعِ الْجَمِيعِ بِهَذَا الثَّمَنِ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ جُزْءٍ لَهُ فِيهِ كَانَ زِيَادَةً (وإن اتفقا عَلَى إِمْضَائِهِ جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ (وَإِنْ بَانَتْ تِسْعَةً فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ صَحِيحٌ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ (وَالنَّقْصُ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْبَيْعِ وَلَا خِيَارَ لَهُ؛ إِذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ) لِنَقْصِهِ (وَأَخَذَ الْمَبِيعَ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ يُقَسِّطُ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ، فَإِذَا فَاتَ جُزْءٌ اسْتَحَقَّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَخَذَهُ بِقِسْطِهِ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ الرِّضَا وَالْفَسْخِ، فَإِنْ بَذَلَ الْمُشْتَرِي كُلَّ الثَّمَنِ لَمْ يَمْلُكِ الْفَسْخَ أَشْبَهَ الْمَبِيعَ إِذَا كَانَ مَعِيبًا فَرَضِيَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (وإن اتفقا عَلَى تَعْوِيضِهِ عَنْهُ جَازَ) لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّرَاضِيَ مِنْهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا: خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَيَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ، وَالصُّلْحُ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا بَاعَهُ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ فَبَانَتْ سِتَّةً رَدَّ الزَّائِدَ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ إِذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي رَدِّ الزَّائِدِ، وَإِنْ بَانَتْ أَقَلَّ أَخَذَهَا بِقِسْطِهَا مِنَ الثَّمَنِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْقَدْرِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْبَاقِي مِنَ الْمَكِيلِ، وَقِيلَ: بَلَى لِنُقْصَانِهَا وَكَغَيْرِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ] [أَقْسَامُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ] [الْأَوَّلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ] بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارُ: اسْمُ مَصْدَرٍ مِنِ اخْتَارَ يَخْتَارُ اخْتِيَارًا، وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إِمْضَائِهِ أَوِ الْفَسْخِ. (وَهُوَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ) وَسَيَأْتِي (أَحَدُهَا: خِيَارُ الْمَجْلِسِ) وَهُوَ - بِكَسْرِ اللَّامِ - مَوْضِعُ الْجُلُوسِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَكَانُ التَّبَايُعِ (وَيَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَدْ أَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَالِكٍ مُخَالَفَتَهُ لِلْحَدِيثِ مَعَ رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَدْرِي هَلْ مَالِكٌ اتَّهَمَ نَفْسَهُ، أَوْ نَافِعًا وَأُعْظِمُ أَنْ أَقُولَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ انْتَهَى. وَاعْتِرَاضُ الْمَالِكِيِّ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَدْفُوعٌ بِمُخَالَفَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَإِنْ قِيلَ: هُوَ خَبَرُ آحَادٍ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، فَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ مُسْتَفِيضٌ فَإِنَّهُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَجَابِرٍ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِهِ كَالنِّكَاحِ، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفَرُّقِ فِي الْخَبَرِ التَّفَرُّقُ بِالْأَقْوَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 بِمَعْنَاهُ، وَالْإِجَارَةِ وَيَثْبُتُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَعَنْهُ: لَا يَثْبُتُ فِيهِمَا، وَلَا يَثْبُتُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ إِلَّا فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْحَوَالَةِ وَالسَّبَقِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَلِكُلِّ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي» الْخَبَرَ، فَالْجَوَابُ بِأَنَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْقَسِمُ إِلَى بَيْعِ شَرْطٍ فِيهِ الْخِيَارُ، وَبَيْعٍ لَمْ يَشْرُطْ فِيهِ وَسَمَّاهُ صَفْقَةً لِقِصَرِ مُدَّةِ الْخِيَارِ مَعَ أَنَّ الْجُوزَجَانِيَّ رَوَى عَنْهُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ سَلِمَ فَقَدْ خَالَفَهُ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَالْقِيَاسُ مَدْفُوعٌ، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَقَعُ إِلَّا بَعْدَ تَرَوٍّ وَنَظَرٍ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِذْهَابِ حُرْمَةِ الْمَرْأَةِ وَرَدِّهَا وَإِلْحَاقِهَا بِالسِّلَعِ الْمَبِيعَةِ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَفَرُّقٌ بِقَوْلٍ وَلَا اعْتِقَادٍ، وَلِأَنَّهُ تَبْطُلُ فَائِدَةُ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُمَا الْخِيَارَ بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا، وَفَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ بِأَنَّهُ كَانَ يَمْشِي خُطُوَاتٍ لِيَلْزَمَ الْبَيْعُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ، وَالْهِبَةُ بِعِوَضٍ؛ إِذِ الْمُغَلَّبُ فِيهَا حُكْمُ الْبَيْعِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَالْقِسْمَةُ إِنْ قِيلَ هِيَ بَيْعٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْكِتَابَةُ، وَمَا تَوَلَّاهُ وَاحِدٌ كَالْأَبِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا فِي شِرَاءِ مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ فِي الْأَشْهَرِ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهُ، وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رِوَايَةٌ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ مَجْلِسٍ فِي بَيْعٍ وَعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ (وَالصُّلْحُ بِمَعْنَاهُ) أَيْ: بِمَعْنَى الْبَيْعِ، كَمَا إِذَا أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ (وَالْإِجَارَةِ) لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَثْبُتُ فِيهَا كَالْبَيْعِ، وَقِيلَ: لَا تَلِي مُدَّتُهَا الْعَقْدَ (وَيَثْبُتُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ الْقَبْضُ، وَهُوَ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ (وَعَنْهُ: لَا يَثْبُتُ فِيهِمَا) كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبْضِ فِي الْحَالِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ يُنَافِيهِ (وَلَا يَثْبُتُ فِي سَائِرِ) أَيْ: بَاقِي (الْعُقُودِ) سَوَاءٌ كَانَ لَازِمًا مِنَ الطَّرَفَيْنِ كَالنِّكَاحِ وَالْخَلْعِ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ مِنْهُ الْفِرْقَةَ كَالطَّلَاقِ، وَكَذَا الْقَرْضُ وَالْوَقْفُ وَالضَّمَانُ وَالْهِبَةُ الْخَالِيَةُ عَنْ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ دَخَلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْحَظَّ لِغَيْرِهِ، أَوْ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ فِيهِ لَبَقِيَ الْحَقُّ بِلَا رَهْنٍ فَيَضُرُّ بِالْمُرْتَهِنِ، أَوْ جَائِزًا مِنَ الطَّرَفَيْنِ كَالْوِكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْجَعَالَةِ، وَأَمَّا الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ الْجَوَازِ وَاللُّزُومِ فَقَالَ (إِلَّا فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْحَوَالَةِ وَالسَّبَقِ فِي أَحَدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فِي أَبْدَانِهِمَا إِلَّا أَنْ يَتَبَايَعَا عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَجْهَيْنِ) إِذِ الْمُسَاقَاةُ وَالسَّبَقُ إِجَارَةٌ فِي وَجْهٍ، وَالْحَوَالَةُ بَيْعٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ عَقْدٌ جَائِزٌ، وَالْحَوَالَةُ إِمَّا إِسْقَاطٌ، أَوْ عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ، وَالسَّبَقُ جَعَالَةٌ. وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا) عُرْفًا، وَلَوْ طَالَ الْمَجْلِسُ بِنَوْمٍ، أَوْ تَسَاوَقَا بِالْمَشْيِ، أَوْ فِي سَفِينَةٍ، وَلِهَذَا لَوْ أَقْبَضَهُ فِي الصَّرْفِ، وَقَالَ أَمْشِي مَعَكَ حَتَّى أُعْطِيَكَ، وَلَمْ يَفْتَرِقَا جَازَ، نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَهُوَ شَامِلٌ إِذَا حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ بِهَرَبٍ كَفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَحْرُمُ الْفُرْقَةُ خَشْيَةَ الاستقالة لظاهر خَبَرِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَهُ أَحْمَدُ، أَوْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ جَهْلٍ، وَكَذَا بِإِكْرَاهٍ فِي وَجْهٍ، إِذِ الرِّضَى فِي مُعْتَبَرٍ، كَمَا لَا يُعْتَبَرُ الرِّضَى فِي الْفَسْخِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَأَوْرَدَهُ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": مَذْهَبًا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ خِيَارُ الْمُكْرَهِ، فَيَكُونُ الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي زَالَ عَنْهُ الْإِكْرَاهُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى كَلَامٍ يَقْطَعُ بِهِ خِيَارَهُ انْقَطَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَخَصَّ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " الْخِلَافَ بِمَا إِذَا أُكْرِهَ أَحَدُهُمَا، فَلَوْ أُكْرِهَا زَالَ خِيَارُهُمَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَبْقَى خِيَارُهُمَا وَجَعَلَ مِنْهُمَا مَا إِذَا رَأَيَا سَبْعًا، أَوْ ظَالِمًا يُؤْذِيهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَبْطُلُ خِيَارُهُمَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا: لِأَنَّهَا أَعْظَمُ الْفِرْقَتَيْنِ لَا الْجُنُونُ، وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إِذَا أَفَاقَ، وَفِي " الشَّرْحِ " إِنْ خُرِسَ وَلَمْ تُفْهَمْ إِشَارَتُهُ، أَوْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ. بَيَانٌ: الْمَرْجِعُ فِي التَّفَرُّقِ إِلَى الْعُرْفِ لِعَدَمِ بَيَانِهِ فِي الشَّرْعِ، فَإِنْ كَانَا فِي فَضَاءٍ مَشَى أَحَدُهُمَا مُسْتَدْبِرًا لِصَاحِبِهِ خُطُوَاتٍ قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: يَبْعُدُ مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ كَلَامُهُ الْمُعْتَادُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 بَيْنَهُمَا، أَوْ يُسْقِطَا الْخِيَارَ بَعْدَهُ فَيَسْقُطُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَسْقَطَهُ أَحَدُهُمَا بَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] " الْكَافِي "، وَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ وَاسِعَةٍ فَمِنْ بَيْتٍ إِلَى آخَرَ، أَوْ مَجْلِسٍ، أَوْ صِفَةٍ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُفَارِقًا، وَفِي صَغِيرَةٍ يَصْعَدُ أَحَدُهُمَا السَّطْحَ، أَوْ يَخْرُجُ مِنْهَا كَسَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ، وأما الكبيرة فَيَصْعَدُ أَحَدُهُمَا أَعْلَاهَا وَيَنْزِلُ الْآخَرُ أَسْفَلَهَا. فَائِدَةٌ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: سُئِلَ ثَعْلَبٌ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّفَرُّقِ وَالِافْتِرَاقِ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ: يُقَالُ فَرَقْتَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ - مُخَفَّفًا - فَافْتَرَقَا، وَفَرَّقْتَ بَيْنَ اثْنَيْنِ - مُشَدَّدًا - فَتَفَرَّقَا، فَجَعَلَ الِافْتِرَاقَ فِي الْأَقْوَالِ، وَالتَّفَرُّقَ فِي الْأَبْدَانِ (إِلَّا أَنْ يَتَبَايَعَا عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُسْقِطَا الْخِيَارَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْبَيْعِ (فَيَسْقُطُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) اخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» أَيْ: لَزِمَ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» وَالثَّانِيَةُ: لَا يَسْقُطُ فِيهِمَا وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، وَابْنِ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ» من غير زِيَادَةٌ، وَقَوْلَ الْأَكْثَرِ ذَوِي الضَّبْطِ مُقَدَّمٌ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْفَرِدِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَخْذَ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الزِّيَادَةُ أَوْلَى (وَإِنْ أَسْقَطَهُ أَحَدُهُمَا بَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ خِيَارٌ فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ مَنْ لَمْ يُسْقِطْهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُ الْقَائِلِ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 فَصْلٌ الثَّانِي: خِيَارُ الشَّرْطِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَا فِي الْعَقْدِ خِيَارُ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَيَثْبُتُ فِيهَا، وَإِنْ طَالَتْ، وَلَا يَجُوزُ مَجْهُولًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ وَهُمَا عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] [الثَّانِي خِيَارُ الشَّرْطِ] فَصْلٌ (الثَّانِي: خِيَارُ الشَّرْطِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَا فِي الْعَقْدِ) وَظَاهِرُهُ لَوِ اتَّفَقَا قَبْلَهُ لَمْ يَلْزَمِ الْوَفَاءُ بِهِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَبَعْدَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارَيْنِ (خِيَارُ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَيَثْبُتُ فِيهَا، وَإِنْ طَالَتْ) وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مُقَدَّرٌ يَعْتَمِدُ الشَّرْطَ فَيَرْجِعُ فِي تَقْدِيرِهِ إِلَى مُشْتَرِطِهِ كَالْأَجَلِ، أَوْ مُدَّةٍ مُلْحَقَةٍ بِالْعَقْدِ فَجَازَ ما اتفقا عَلَيْهِ كَالْأَجَلِ، وَمَا رُوِيَ «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ - بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَنَّ جَدَّهُ كَانَ يَغْبِنُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: «لَا خِلَابَةَ» وَمُسْلِمٌ: " لَا خِيَانَةَ " قِيلَ: هُوَ تَصْحِيفٌ، وَهُوَ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمِلْكَ وَاللُّزُومَ، وَإِطْلَاقَ التَّصَرُّفِ، فَجَازَ فِي الثَّلَاثَةِ لِلْحَاجَةِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِحَبَّانَ، لِأَنَّهُ كَانَ أَصَابَهُ آمَةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ، وَكَانَ يَغْبِنُ وَيَرُدُّ السِّلَعَ عَلَى التُّجَّارِ، وَيَقُولُ: الرَّسُولُ جَعَلَ لِي الْخِيَارَ ثَلَاثًا، وَعَاشَ إِلَى زَمَنِ عُثْمَانَ وَتَقْدِيرُهَا بِالْحَاجَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ الْحُكْمِ بِهَا لِخَفَائِهَا، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ لَا يَبْقَى إِلَى مُضِيِّهَا، كَطَعَامٍ رَطْبٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُحْفَظُ ثَمَنُهُ إِلَى الْمُدَّةِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرَ فِي الرَّهْنِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً، فَإِنْ فَعَلَهُ حِيلَةً لِيَرْبَحَ فِيمَا أَقْرَضَهُ لَمْ يَجُزْ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا يَجُوزُ مَجْهُولًا) كَقُدُومِ زَيْدٍ، أَوْ مَجِيءِ الْمَطَرِ أَوِ الْأَبَدِ (فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ، فَلَمْ تَجُزْ مَعَ الْجَهَالَةِ مَعَ أَنَّ شَرْطَ الْأَبَدِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 خِيَارِهِمَا إِلَى أَنْ يَقْطَعَاهُ، أَوْ تَنْتَهِيَ مُدَّتُهُ، وَلَا يَثْبُتَ إِلَّا فِي الْبَيْعِ، وَالصُّلْحُ بِمَعْنَاهُ، وَالْإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ عَلَى مُدَّةٍ لَا تَلِي الْعَقْدَ، وَإِنْ شَرَطَاهُ إِلَى الْغَدِ لَمْ يَدْخُلْ   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ (وَعَنْهُ: يَجُوزُ) وَقَالَهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ لِلْخَبَرِ، فَعَلَى هَذِهِ (هُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا إِلَى أَنْ يَقْطَعَاهُ، أَوْ تَنْتَهِيَ مُدَّتُهُ) إِنْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِمَا تَنْتَهِي بِهِ. (وَلَا يَثْبُتُ إِلَّا فِي الْبَيْعِ) لِمَا مَرَّ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ لِصِحَّتِهِ كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (وَالصُّلْحُ بِمَعْنَاهُ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِلَفْظِ الصُّلْحِ، وَقِسْمَةٌ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنْ كَانَ رَدَّ، وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ دُخُولَهُ فِي سِلْمٍ - رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ - لِعَدَمِ اعْتِبَارِ قَبْضِهِمَا (وَالْإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ) كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ، فَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ لِلْغَبْنِ، فَوَجَبَ ثُبُوتُهُ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ (أَوْ عَلَى مُدَّةٍ لَا تَلِي الْعَقْدَ) كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ سَنَةَ خَمْسٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ تَلِي الْعَقْدَ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لأنه يفضي إِلَى فَوَاتِ ببَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، أَوْ إِلَى اسْتِيفَائِهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؟ وكلاهما غير جَائِزٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَصَرَّفُ الْمُسْتَأْجِرُ، فَإِنْ فَسَخَ الْعَقْدَ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ في غير مَا ذُكِرَ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَثْبُتُ فِي ضَمَانٍ وَكَفَالَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ صَاحِبُ " الرَّوْضَةِ " يَثْبُتُ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ فِي كُلِّ الْعُقُودِ (وَإِنْ شَرَطَاهُ إِلَى الْغَدِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْمُدَّةِ) لِأَنَّ " إِلَى " لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، وَمَا بَعْدَهَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَكَنَظَائِرِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ (وَعَنْهُ: تَدْخُلُ) لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى " مَعَ " فَعَلَيْهَا لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ إِلَّا بِآخِرِ الْغَدِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا، وَحَمْلُهَا عَلَى الْمَعِيَّةِ إِمَّا لِدَلِيلٍ أَوْ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهَا عَلَى مَوْضُوعِهَا الْأَصْلِيِّ، وَإِلَى الظُّهْرِ إِلَى الزَّوَالِ كَالْغَدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 فِي الْمُدَّةِ، وَعَنْهُ: يَدْخُلُ وَإِنْ شَرَطَاهُ مُدَّةً، فَابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ، وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ جَازَ، وَكَانَ تَوْكِيلًا لَهُ فِيهِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْعَشِيِّ وَالْعَشِيَّةِ مِنَ الزَّوَالِ، وَذَكَرَهُمَا الْجَوْهَرِيُّ مِنَ الْغُرُوبِ إِلَى الْعَتْمَةِ كَالْعِشَاءِ، وَإِنَّ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّ الْعِشَاءَ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالْمَسَاءَ وَالْغَبُوقَ مِنَ الْغُرُوبِ وَالْغَدْوَةِ وَالْغَدَاةِ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَالصَّبُوحِ، وَالْآصَالِ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ. فَائِدَةٌ: يُقَالُ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الزَّوَالِ: أَصْبَحَ عِنْدَكَ فُلَانٌ، وَمِنَ الزَّوَالِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ: أَمْسَى عِنْدَكَ، وَالصَّبَاحُ خِلَافُ الْمَسَاءِ، وَالْإِصْبَاحُ نَقِيضُ الْإِمْسَاءِ (وَإِنْ شَرَطَاهُ مُدَّةً فَابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ، فَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ كَالْأَجَلِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ) وَهُوَ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ فِي الْمَجْلِسِ حُكْمًا، فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهِ بِالشَّرْطِ، وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ لَهُمَا فيه الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وصحح فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ سَبَبُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ حُكْمُهُ كَالْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ مَعَ أَنَّهَا لَوْ جُعِلَتْ مِنَ التَّفَرُّقِ لَأَدَّى إِلَى جَهَالَتِهَا، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ بشيئين غير مُمْتَنِعٌ كَالْوَطْءِ يَحْرُمُ بِالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ. فَرْعٌ: إِذَا شَرَطَاهُ سَنَةً فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ اسْتَوْفَى شَهْرٌ بِالْعَدَدِ وَبَاقِيهَا بِالْأَهِلَّةِ، وَعَنْهُ: يسْتَوْفي الْكُلُّ بِالْعَدَدِ، كَمَا يَأْتِي فِيمَا إِذَا عَلَّقَ بِالْأَشْهُرِ مِنْ إِجَارَةٍ وَعِدَّةٍ وَصَوْمِ كَفَّارَةٍ، وَإِنْ شَرَطَاهُ شَهْرًا يَوْمًا يَثْبُتُ، وَيَوْمًا لَا، فَثَالِثُهَا كَابْنِ عَقِيلٍ: يَصِحُّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، لِإِمْكَانِهِ وَيَبْطُلُ فِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَزِمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي: لَمْ يَعُدْ إِلَى الْجَوَازِ. 1 - (وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ) وَلَهُ (جَازَ وَكَانَ تَوْكِيلًا لَهُ فِيهِ) لِأَنَّ تَصْحِيحَ الِاشْتِرَاطِ مُمْكِنٌ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ صِيَانَةً لِكَلَامِ الْمُكَلَّفِ عَنِ الْإِلْغَاءِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، وَإِنْ شَرَطَهُ لِزَيْدٍ وَأَطْلَقَ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 شَرَطَا الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ جَازَ، وَلِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْفَسْخُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ وَلَا رِضَاهُ، وَإِنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَفْسَخَا بَطَلَ خِيَارُهُمَا وَيَنْتَقِلِ الْمِلْكُ   [المبدع في شرح المقنع] دُونِي لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ شَرَّعَ لِتَحْصِيلِ الْحَظِّ لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِنَظَرِهِ، فَلَا يَكُونُ لِمَنْ لَا حَظَّ لَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَاخْتَارَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَيَكُونُ تَوْكِيلًا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ فَعَلَيْهِ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ، وَقِيلَ: لِلْمُوَكِّلِ إِنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ وَجَعَلَهُ وَكِيلًا. (وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا) : أَيْ: أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (دُونَ صَاحِبِهِ جَازَ) لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ اشْتِرَاطُهُ لَهُمَا، فَلِأَنْ يَجُوزَ لِأَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَول، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِجَهَالَتِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى أَحَدٌ عَبْدَيْهِ وَكَمَا لَوْ جَعَلَ الْخِيَارَ فِي إِحْدَى السِّلْعَتَيْنِ لَا بِعَيْنِهَا بِخِلَافِ مَا لَوِ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ، وَشَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا: بِعَيْنِهِ دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَبِيعًا بِقِسْطِهِ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ عِنْدَ الرَّدِّ (وَلِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْفَسْخُ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ (مِنْ غَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ وَلَا رِضَاهُ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ جُعِلَ إِلَيْهِ، فَجَازَ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَسَخَطِهِ كَالطَّلَاقِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَرُدُّ الثَّمَنَ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَالشَّفِيعِ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " يَتَخَرَّجُ مَنْ عَزَلَ الْوَكِيلَ لَا فَسْخَ فِي غَيْبَتِهِ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فِي الْمُدَّةِ (وَإِنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَفْسَخَا بَطَلَ خِيَارُهُمَا) وَلَزِمَ الْعَقْدُ، هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ فَبَطَلَتْ بِانْقِضَائِهَا كَالْأَجَلِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ لَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْزَمْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ كَمُضِيِّ الْأَجَلِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحُكْمَ ببَقَائها يفضي إلى بقاء الْخِيَارِ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّتِهِ الْمُشْتَرَطَةِ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْطِ، إِذِ الْبَيْعُ سَبَبُ اللُّزُومِ، لَكِنْ تَخَلَّفَ مُوجِبُهُ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا زَالَتْ مُدَّتُهُ لَزِمَ الْعَقْدُ بِمُوجِبِهِ لِخُلُوِّهِ عَنِ الْمُعَارِضِ، قَوْلُهُ: " وَلَمْ يَفْسَخَا " لَيْسَ قَيْدًا فِيهِ بَلْ لَوْ لَمْ يَفْسَخْ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْخِيَارُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 إِلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، فَمَا حَصَلَ مِنْ كَسْبٍ، أَوْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ، فَهُوَ لَهُ، أَمْضَيَا الْعَقْدَ أَوْ فَسَخَاهُ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الشَّرْحِ "، إِذْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا: لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا فَسَخَا، وَلَمْ يَحْتَرِزْ عَنْهُ لِظُهُورِ الْمُرَادِ. (وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ) مُدَّةَ الْخِيَارَيْنِ (إِلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ) هِيَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» وَوُجِّهَ أَنَّهُ جُعِلَ الْمَالُ لِلْمُبْتَاعِ بِاشْتِرَاطِهِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ بَيْعٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ بَيْعُ الْخِيَارِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إِلَّا بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ قَاصِرٌ لَا يُفِيدُ التَّصَرُّفَ وَلَا يَلْزَمُ، أَشْبَهَ الْهِبَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْأُولَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ فَنُقِلَ الْمِلْكُ عَقِيبَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ بِقَوْلِهِ: مَلَّكْتُكَ، فَيَثْبُتُ فِيهِ كَالْمُطْلَقِ، وَدَعْوَى الْقُصُورِ فِيهِ مَمْنُوعَةٌ، وَجَوَازُ فَسْخِهِ لَا يُوجِبُ قُصُورَهُ، وَلَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهِ كَالْمَعِيبِ وَامْتِنَاعِ التَّصَرُّفِ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ كَالْمَرْهُونِ، فَعَلَى هَذَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ قَرِيبُهُ وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ وَيَخْرُجُ فِطْرَتُهُ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ: وَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا. صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " (فَمَا حَصَلَ مِنْ كَسْبٍ، أَوْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ فَهُوَ لَهُ أَمْضَيَا الْعَقْدَ، أَوْ فَسَخَاهُ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ الدَّاخِلِ فِي ضَمَانِهِ بِقَوْلِهِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَاحْتَرِزْ بِالْمُنْفَصِلِ عَنِ النَّمَاءِ الْمُتَّصِلِ، كَالسَّمْنِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْعَيْنَ مَعَ الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ انْفِصَالِهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَلَا بُدَّ أَنْ يَلْحَظَ فِي كَوْنِ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ لِلْمُشْتَرِي، وَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ لِلْبَائِعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَنْهُ: إِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا: فَالنَّمَاءُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إِلَّا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ تَجْرِبَةُ الْمَبِيعِ، وَإِنْ تَصَرَّفَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا ولَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُمَا، وَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ، وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي إِسْقَاطًا لِخِيَارِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ الْبَيْعُ وَالْخِيَارُ بِحَالِهِمَا، وَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُنْفَصِلُ، وَعَنْهُ: وَكَسْبُهُ لِلْبَائِعِ كَرِوَايَةِ الْمَلِكِ لَهُ. فَرْعٌ: الْحَمْلُ وَقْتُ الْعَقْدِ مَبِيعٌ، وَعَنْهُ: نَمَاءٌ، فَتُرَدُّ الْأُمُّ بِعَيْبٍ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَسِيلَةِ "، فَعَلَى الْأَوَّلِ: هَلْ هُوَ كَأَحَدِ عَيْنَيْنِ، أَوْ تَبَعٌ لِلْأُمِّ لَا حُكْمَ لَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. (وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْبَائِعِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَلَا انْقَطَعَتْ عَنْهُ عَلَقَةٌ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا يُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْعِوَضِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الرِّعَايَةِ "، وَالزَّرْكَشِيُّ حِذَارًا مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ (إِلَّا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ تَجْرِبَةُ الْمَبِيعِ) كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِيَنْظُرَ سَيْرَهَا، وَحَلْبِ الشَّاةِ لِيَعْلَمَ قَدْرَ لَبَنِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَقْصُودَ مِنَ الْخِيَارِ، وَهُوَ اخْتِبَارُ الْمَبِيعِ (فَإِنْ تَصَرَّفَا) أَوْ أَحَدُهُمَا: (بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا) مِمَّا يَنْقِلُ الْمِلْكَ، أَوْ يُثْبِتُ النَّقْلَ فِي الْعُقُودِ كَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَهُوَ حَرَامٌ (وَلَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُمَا) كَذَا أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ، وَالْمُشْتَرِي يَقْتَضِي تَصَرُّفُهُ إِلَى إِسْقَاطِ حَقِّ الْبَائِعِ مِنَ الْخِيَارِ، وَاسْتِرْجَاعِ الْمَبِيعِ، وَقِيلَ: يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ إِذَا قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ وَالْخِيَارُ لَهُ، وَفِي " الْمُغْنِي " أَوَّلُهُمَا، وَعَنْهُ: يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي، كَمَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: مَوْقُوفٌ. (وَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي إِسْقَاطًا لِخِيَارِهِ) أَيْ: رَضِيَ بِهِ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّصْرِيحِ فَحَصَلَ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ كَالْمُعْتَقَةِ، فَإِنَّ خِيَارَهَا يَسْقُطُ بِتَمْكِينِهَا الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي وَسَوْمَهُ وَوَطْأَهُ وَلَمْسَهُ بِشَهْوَةٍ إِمْضَاءٌ، قَالَ أَحْمَدُ: وَجَبَ عَلَيْهِ حِينَ عَرَضَهُ (وَفِي الْآخَرِ الْبَيْعُ وَالْخِيَارُ بِحَالِهِمَا) أَيْ: لَيْسَ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ، نَصَّ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 اسْتَخْدَمَ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ إِنْ قَبِلَتْهُ الْجَارِيَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ إِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَطَلَ خِيَارُهُمَا،   [المبدع في شرح المقنع] وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ عَنْهُ، فَلَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُ فَسْخًا وَاسْتِرْجَاعًا، كَمَا لَوْ وَجَدَ مَالَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ، وَكَمَا لَوْ أَنْكَرَ شَرْطَ الْخِيَارِ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ إِلَّا بِالْعِتْقِ وَسَيَأْتِي، وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ إِلَّا بِالتَّصْرِيحِ، فَالتَّصَرُّفُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَهُ التَّصَرُّفُ، وَيَكُونُ رَضِيَ بِلُزُومِهِ وَإِنْ سَلِمَ، فَلِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْهُ، قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْمِلْكِ لَهُ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الثَّمَنِ إِلَى الْبَائِعِ، وَقَالَهُ غَيْرُهُ، فَإِنْ تَصَرَّفَ مَعَ الْبَائِعِ، فَرِوَايَتَانِ: بِنَاءً عَلَى دَلَالَةِ التَّصَرُّفِ عَلَى الرِّضَى. فَرْعٌ: إِذَا تَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، أَوْ تَصَرَّفَ وَكِيلُهُمَا فَهُوَ نَافِذٌ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَانْقَطَعَ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَرَاضِيهِمَا بِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ، كَمَا لَوْ تَخَايَرَا (وَإِنِ اسْتَخْدَمَ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) لِأَنَّ الْخِدْمَةَ لَا تَخْتَصُّ الْمِلْكَ، فَلَمْ تَبْطُلْ بِهِ كَالنَّظَرِ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَقَيَّدَهُ فِي " الْوَجِيزِ " بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلِاسْتِعْلَامِ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَالثَّانِيَةُ: تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ إِحْدَى الْمَنْفَعَتَيْنِ فَأَبْطَلَتِ الْخِيَارَ كَالْوَطْءِ، أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". (وَكَذَلِكَ إِنْ قَبِلَتْهُ الْجَارِيَةُ) وَلَمْ يَمْنَعْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إِبْطَالٍ، وَلِأَنَّ الْخِيَارَ لَهُ لَا لَهَا، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ بِفِعْلِهَا لَأَلْزَمْنَاهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا قَبِلَهَا، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ إِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا) لِأَنَّ سُكُوتَهُ اسْتِمْتَاعٌ بِهَا وَدَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ، أَشْبَهَ الْمُعْتَقَةَ تَحْتَ عَبْدٍ إِذَا وَطِئَهَا، هِيَ سَاكِتَةٌ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ الْخِلَافُ بِالشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لِغَيْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 وَكَذَلِكَ إِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ، وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ وَلَهُ الْفَسْخُ، وَالرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ وَحُكْمُ الْوَقْفِ حُكْمُ الْبَيْعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعِتْقِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] شَهْوَةٍ لَا يَبْطُلُ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ التَّقْبِيلَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَيْسَ بِاسْتِمْتَاعٍ بِوَجْهٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا ذَكَرَهُ هُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عِتْقُهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ مَالِكٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ تَامِّ الْمِلْكِ فَنَفَذَ، كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَ مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» دَالٌّ عَلَى نُفُوذِهِ فِي الْمِلْكِ، وَمِلْكُ الْبَائِعِ الْفَسْخُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، كَمَا لَوْ وَهَبَ ابْنَهُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مَعَ مِلْكِ الْأَبِ اسْتِرْجَاعَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ عِتْقَ الْبَائِعِ لَا يَنْفُذُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (وَبَطَلَ خِيَارُهُمَا) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَصَرَّفَ بِمَا يَقْتَضِي اللُّزُومُ، وَهُوَ الْعِتْقُ (وَكَذَلِكَ إِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ) أَيْ: بَعْدَ قَبْضِهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ لَا يَتَأَتَّى عَلَيْهِ الْفَسْخُ، وَلِأَنَّهُ خِيَارُ فَسْخٍ فَبَطَلَ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ. وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ (وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ) أَمَّا فِي الْعِتْقِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى، وَتَعْذُّرُ الرُّجُوعِ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِكَوْنِهِ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، فَإِذَا فَسَخَ مَلَكَ الرُّجُوعَ فِي قِيمَتِهِ، وَأَمَّا فِي التَّلَفِ فَقِيلَ: هِيَ أَنَصُّهُمَا، وَاخْتَارَهَا الشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَحَكَاهُ فِي مَوْضِعٍ عَنِ الْأَصْحَابِ لِعُمُومِ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ» ، وَلِأَنَّهُ خِيَارُ فَسْخٍ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِآخَرَ فَتَلَفَ أَحَدُهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ، فَكَذَا هُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَانَ مَحَلُّ التَّرَدُّدِ هَلِ النَّظَرُ إِلَى حَالِ الْعَقْدِ، أَوْ إِلَى الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ (وَ) عَلَيْهَا (لَهُ الْفَسْخُ) لِأَنَّ خِيَارَهُ لَمْ يَبْطُلْ (وَالرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّهَا بَدَلُ مَا لَا مِثْلَ لَهُ، أَوْ بِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا. (وَحُكْمُ الْوَقْفِ حُكْمُ الْبَيْعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ فَأَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ، وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ، فَكَذَلِكَ إِنْ قُلْنَا: الْبَيْعُ يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ إِلَّا إِذَا قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ، وَلَا حَدَّ عليهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِبْطَالَ حَقِّ غَيْرِهِ، أَشْبَهَ وَقْفَ الْمَرْهُونِ (وَفِي الْآخَرِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعِتْقِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ فَنَفَذَ كَالْعِتْقِ، وَأَجَابَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْعِتْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسَّرَايَةِ، وَيَصِحُّ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَقْفَ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ. 1 - (وَإِنْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ) زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ فَهُوَ حَرَامٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا، أَوْ لِلْبَائِعِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ بِهَا كَالْمَرْهُونَةِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْرَأُ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ فَحَقِيقَتُهُ أَوْلَى، وَلَا مَهْرَ لَهَا، لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، فَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (فَأَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ صَادَفَ مَحِلَّهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَحْبَلَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ) لِأَنَّهُ مِنْ مَمْلُوكَتِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ رَجَعَ بِقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فِيهَا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فَكَذَلِكَ إِنْ قُلْنَا: الْبَيْعُ يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ) أَيْ: فَهُوَ كَالْمُشْتَرِي (وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ، فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ (إِلَّا إِذَا قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ) عَلَى رِوَايَةٍ، فَلَا يَتَرَتَّبُ مَا ذَكَرَهُ، وَحِينَئِذٍ وَلَدُهُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَلَا مَهْرٌ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ، لَكِنْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَحِقَهُ نَسَبُهُ وَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ إِمَّا أَنْ يُصَادِفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا عَلِمَ زَوَالَ مِلْكِهِ، وَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِالْوَطْءِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ، وَلَمْ يُوَرَّثْ، وَيَتَخَرَّجُ وَيُوَرَّثُ كَالْأَجَلِ. فَصْلٌ الثَّالِثُ: خِيَارُ الْغَبْنِ وَيَثْبُتُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ إِحْدَاهَا: إِذَا تَلَّقَى   [المبدع في شرح المقنع] مِلْكًا، أَوْ شُبْهَةً، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ مِلْكِهِ، وَإِبَاحَةِ وَطْئِهِ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا) وَعَزَاهُ فِي " الشَّرْحِ " إِلَى بَعْضِهِمْ (عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا عَلِمَ زَوَالَ مِلْكِهِ، وَأنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِالْوَطْءِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ) عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ (وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ، وَلَمْ يُوَرَّثْ) عَلَى الْمَذْهَبِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، لِأَنَّهُ حَقٌّ فُسِخَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، فَلَمْ يُوَرَّثْ كَخِيَارِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْطُلُ إِلَّا أَنْ يُطَالِبَ بِهِ الْمَيِّتُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْخِيَارِ تَخَيُّرُهُ بَيْنَ فَسْخٍ وَإِمْضَاءٍ، وَهُوَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ كَالِاخْتِيَارِ، فَلَمْ يُوَرَّثْ كَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ (وَيَتَخَرَّجُ) أَنْ لَا يَبْطُلَ (وَيُوَرَّثُ كَالْأَجَلِ) حَكَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ: " رِوَايَةً؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ فُسِخَ، فَيَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ كَالْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ وَكَخِيَارِ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ لَهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا عَلِقَ عِتْقُ عَبْدِهِ بِبَيْعٍ فَبَاعَهُ، وَلَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عُتِقَ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَالتَّدْبِيرِ وَلَمْ يَنْقُلِ الْمِلْكَ، وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِ الْمَسْأَلَةِ تَعْلِيقُ طَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ لِسَبَبٍ يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنِ الزَّوْجِيَّةِ، وَقِيلَ: يُعْتِقُ فِي مَوْضِعٍ يُحْكَمُ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقِيلَ: يُعْتِقُ إِلَّا إِذَا نَفَيَا الْخِيَارَ فِي الْعَقْدِ، وَصَحَّحْنَا نَفْيَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتِقُ. [الثَّالِثُ خِيَارُ الْغَبْنِ وَصُوَرُهُ] [الْأُولَى تَلَقِّي الرُّكْبَانِ] فَصْلٌ (الثَّالِثُ: خِيَارُ الْغَبْنِ) وَهُوَ - بِسُكُونِ الْبَاءِ - مَصْدَرُ غَبَنَهُ - بِفَتْحِ الْبَاءِ - يَغْبِنُهُ - بِكَسْرِهَا -: إِذَا نَقَصَهُ، وَيُقَالُ غَبِنَ رَأْيَهُ - بِكَسْرِهَا - أَيْ: ضَعُفَ غَبَنًا - بِالتَّحْرِيكِ - (وَيَثْبُتُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ؛ إحداهَا: إِذَا تَلَقَّى الرُّكْبَانُ) جَمْعُ رَاكِبٍ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ رَاكِبُ الْبَعِيرِ، ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 الرُّكْبَانَ، فَاشْتَرَى مِنْهُمْ وَبَاعَ لَهُمْ، فَلَهُمُ الْخِيَارُ إِذَا هَبَطُوا السُّوقَ وَعَلِمُوا   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى كُلِّ رَاكِبٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْقَادِمُونَ مِنَ السَّفَرِ، وَإِنْ كَانُوا مُشَاةً (فَاشْتَرَى مِنْهُمْ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَ " الْمُحَرَّرِ " فَيُحْتَمَلُ قَصْرُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا لَا فَرْقَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (وَبَاعَ لَهُمْ فَلَهُمُ الْخِيَارُ إِذَا هَبَطُوا السُّوقَ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ غُبِنُوا غَبْنًا يَخْرُجُ عَنِ الْعَادَةِ) هَذَا بَيْعٌ مَكْرُوهٌ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَلَقُّوا الْجَلَبَ فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي صَحِيحٍ، وَالنَّهْيُ لَا يَرْجِعُ لِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا يَعُودُ لِضَرْبٍ مِنَ الْخَدِيعَةِ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ بِالْخِيَارِ أَشْبَهَ الْمُصَرَّاةَ، وَقُوَّةُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِقَصْدِ التَّلَقِّي، فَلَوْ خَرَجَ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَوَافَاهُمْ وَاشْتَرَى مِنْهُمْ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، وَذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " الْمَنْصُوصِ، وَذَكَرَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ النَّصَّ عَنْ أَحْمَدَ إِنَّمَا هُوَ فِي البائع، لظاهر الْأَخْبَارِ فَعَلَيْهِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ مَعَ الْغَبْنِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْبَائِعِ، وَلَا ضَرَرَ مَعَ الْغَبْنِ، وَعَنْهُ: يَثْبُتُ لَهُمُ الْخِيَارُ مَعَ عَدَمِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَقَدْرُهُ بِمَا يَخْرُجُ عَنِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِتَحْدِيدِهِ فَيَرْجِعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ يَثْبُتُ فِيهِ وَإِنْ قَلَّ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَسَامَعُ بِهِ عَادَةً، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى يقدر بالثلث لِأَنَّهُ كَثِيرٌ، وَقِيلَ: بِالسُّدُسِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 أَنَّهُمْ غُبِنُوا غَبْنًا يَخْرُجُ عَنِ الْعَادَةِ. وَالثَّانِيَةُ: فِي النَّجْشِ، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيُغِرَّ الْمُشْتَرِيَ فَلَهُ الْخِيَارُ إِذَا غُبِنَ. وَالثَّالِثَةُ:   [المبدع في شرح المقنع] لَوْ ثَبَتَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَأَدَّى إِلَى بُطْلَانِ كَثِيرٍ مِنَ الْعُقُودِ. فَائِدَةٌ: مُقْتَضَى النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ إِمَّا أَنْ يَكْذِبَ فِي سِعْرِ الْبَلَدِ فَيَكُونُ غَارًّا غَاشًّا، أَوْ يَسْكُتَ فَيَكُونُ مُدَلِّسًا خَادِعًا، فَلَوْ صَدَقَ فِي السِّعْرِ فَهَلْ يَثْبُتُ لِلرُّكْبَانِ الْخِيَارُ لِعُمُومِ النَّهْيِ، أَوْ لَا لِانْتِفَاءِ الْخَدِيعَةِ؛ فِيهِ احْتِمَالَانِ. [الثَّانِيَةُ فِي النَّجْشِ] (وَالثَّانِيَةُ: فِي النَّجْشِ) وَهُوَ بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ثم فسره بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيُغِرَّ الْمُشْتَرِيَ) قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: هُوَ خِدَاعٌ حَرَامٌ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَذْقِ الَّذِي زَادَ فِيهَا؛ لِأَنَّ تَغْرِيرَ الْمُشْتَرِي لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا، فَلَوْ كَانَ عَارِفًا وَاغْتَرَّ بِذَلِكَ، فَلَا خِيَارَ لَهُ لِعَجَلَتِهِ وَعَدَمِ تَأَمُّلِهِ (فَلَهُ الْخِيَارُ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَعُودُ إِلَى النَّاجِشِ لَا إِلَى الْعَاقِدِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ كَبَيْعِ الْمُدَلِّسِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَظَاهِرُهُ يَثْبُتُ سَوَاءً كَانَ مُوَاطَأَةً مِنَ الْبَائِعِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ إِلَّا إِذَا كَانَ مُوَاطَأَةً مِنَ الْبَائِعِ، وَعَنْهُ: يَقَعُ لَازِمًا، فَلَا فَسْخَ مِنْ غَيْرِ رِضًى، ذَكَرَهَا فِي " الِانْتِصَارِ "، وَلَوْ أَخْبَرَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ بَانَ كَاذِبًا ثَبَتَ الْخِيَارُ، وَفِي الْإِيضَاحِ يَبْطُلُ مَعَ عِلْمِهِ (إِذَا غُبِنَ) كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، إِذْ أَصْلُ النَّجْشِ الِاسْتِتَارُ وَالِاسْتِخْرَاجُ، وَمِنْهُ سُمِّي الصَّائِدُ نَاجِشًا لِاسْتِخْرَاجِهِ الصَّيْدَ مِنْ مَكَانِهِ، فَالزَّائِدُ فِيهَا اسْتُخْرِجَ مِنَ الْمُسْتَامِ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ مَا لَا يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ، وَقِيلَ: أَصْلُهُ: مَدْحُ الشَّيْءِ وَإِطْرَاؤُهُ، فَالنَّاجِشُ يَغُرُّ الْمُشْتَرِيَ بِمَدْحِهِ لِيَزِيدَ فِي الثَّمَنِ. [الثَّالِثَةُ الْمُسْتَرْسِلُ] (الثَّالِثَةُ: الْمُسْتَرْسِلُ) وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنِ اسْتَرْسَلَ إِذَا اطْمَأَنَّ وَاسْتَأْنَسَ لُغَةً، وَفَسَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُمَاكِسُ، وَذَكَرَ الشَّيْخَانِ وَالْجَدُّ: هُوَ الْجَاهِلُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ، زَادَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَلَا يُحْسِنُ الْمُبَايَعَةَ (إِذَا غَبِنَ الْغَبْنَ الْمَذْكُورَ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لِجَهْلِهِ بِالْبَيْعِ فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، كَمَا سَبَقَ، وَقِيلَ: يَقَعُ لَازِمًا؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 الْمُسْتَرْسِلُ إِذَا غَبِنَ الْغَبْنَ الْمَذْكُورَ وَعَنْهُ: أَنَّ النَّجْشَ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ بَاطِلَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ النُّقْصَانَ لَا يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ كَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَرْسِلِ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِالْغَبْنِ كَالْعَالِمِ بِالْعَيْبِ وَكَالْمُسْتَعْجِلِ، وَفِي الْمَذْهَبِ يَثْبُتُ إِذَا جَهِلَهَا، وَعَنْهُ: وَلِمُسْتَرْسِلٍ مَعَ الْبَائِعِ لَمْ يُمَاكِسْهُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ الْمَذْهَبُ. قَالَ أَحْمَدُ: اشْتَرِ وَمَاكِسْ قَالَ: وَالْمُسَاوَمَةُ أَسْهَلُ مِنَ الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، وَلَا يَأْمَنُ الْهَوَى. فَرْعٌ: حُكْمُ الْإِجَارَةِ كَالْبَيْعِ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ " الْهِدَايَةِ " عَنِ الْقَاضِي، فَإِنْ فَسَخَ فِي أَثْنَائِهَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْقِسْطِ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا مِنَ الْمُسَمَّى، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ إِذَا دَلَّسَ مُسْتَأْجِرٌ عَلَى مُؤَجِّرٍ وَغَرَّهُ حَتَّى اسْتَأْجَرَهُ بِدُونِ الْقِيمَةِ، فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ قَالَ: وَيَحْرُمُ تَغْرِيرُ مُشْتَرٍ بِأَنْ يَسُومَهُ كَثِيرًا لِيَبْذُلَ قَرِيبَهُ. مَسْأَلَةٌ: خِيَارُ الْغَبْنِ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْفَوْرِيَّةِ وَعَدِمَهَا هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ، وَهَلْ لِلْإِمَامِ جَعْلُ عَلَامَةٍ تَنْفِي الْغَبْنَ عَمَّنْ يَغْبِنُ كَثِيرًا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَمَنْ قَالَ عِنْدَ الْعَقْدِ: لَا خِلَابَةَ فَلَهُ الْخِيَارُ إِذَا خَلَبَ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَا. (وَعَنْهُ: أَنَّ النَّجْشَ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ بَاطِلَانِ) أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ النَّجْشِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَنَاجَشُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ خَدِيعَةٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ» وَإِذَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 فَصْلٌ الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيسِ: مَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنُ كَتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَتَحْمِيرِ   [المبدع في شرح المقنع] بَاطِلًا تَغْلِيبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي النَّهْيِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَصَرَّحَ فِي التَّنْبِيهِ: بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: إِنَّ نَجَشَ الْبَائِعُ أَوْ وَاطَأَ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي إِبْطَالِ الْبَيْعِ بِتَدْلِيسِ الْعَيْبِ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ أَحَدُ رُكْنَيِ الْعَقْدِ فَارْتِكَابُهُ النَّهْيَ يُفْسِدُ الْبَيْعَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَا ثَانِيًا فَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ كَبَيْعِ الْحَاضِرِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ بَيْعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ التَّلَقِّي، فَإِنَّ الضَّرَرَ عَلَيْهِمْ فَأَمْكَنَ تَدَارُكُهُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُمْ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِبْطَالِ. [الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيسِ] فَصْلٌ (الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيسِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ كِتْمَانُ الْعَيْبِ فِي السِّلْعَةِ عَنِ الْمُشْتَرِي، وَالْمُرَادُ هُنَا (مَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنُ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا (كَتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) التَّصْرِيَةُ: مَصْدَرُ صَرِيَ يَصْرَى كَعَلِيَ يَعْلَى، وَصَرَى يَصْرِي كَرَمَى يَرْمِي، وَأَصْلُهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَنْ يُجْمَعَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يَعْظُمَ، فَيَظُنُّ الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ. وَإِذَنْ هِيَ الْمُصَرَّاةُ، وَالْمَحْفَلَةُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ يُقَالُ صَرَيْتُ الْمَاءَ، وَاخْتَلَفَ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ أَنْ يَرْبُطَ أَخْلَافَ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَيَزِيدُهُ الْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِهَا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ النَّاقَةُ أَوِ الْبَقَرَةُ أَوِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 وَجْهِ الْجَارِيَةِ وَتَسْوِيدِ شَعْرِهَا وَتَجْعِيدِهِ، وَجَمْعِ مَاءِ الرَّحَى وَإِرْسَالِهِ عِنْدَ عَرْضِهَا، فَهَذَا يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ، وَيَرُدُّ مَعَ الْمُصَرَّاةِ عِوَضَ اللَّبَنِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ فَقِيمَتُهُ فِي مَوْضِعِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً، فَإِنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] الشَّاةُ يُصْرَى اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا أَيْ: يُجْمَعُ وَيُحْبَسُ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ مِنَ الرَّبْطِ لَقِيلَ فِيهَا: مَصْرُورَةٌ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ مُصْرَاةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ حَسَنٌ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ (وَتَحْمِيرِ وَجْهِ الْجَارِيَةِ وَتَسْوِيدِ شَعْرِهَا وَتَجْعِيدِهِ) يُقَالُ شَعْرٌ جَعْدٌ أَيْ: بَيِّنُ الْجُعُودَةِ، وَهُوَ ضِدُّ السِّبْطِ (وَجَمْعِ مَاءِ الرَّحَى وَإِرْسَالِهِ عِنْدَ عَرْضِهَا فَهَذَا يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ) أَوِ الْإِمْسَاكِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال: «لَا تَصْرُوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ، فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ كَالنَّجْشِ، وَالْأَصَحُّ وَلَوْ حَصَلَ بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَظَاهِرُهُ: إِنْ دَلَّسَهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ كَتَبْيِيضِ الشَّعْرِ وَتَسْبِيطِهِ وَتَسْوِيدِ كَفِّ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبِهِ وَعَلَفِ شَاةٍ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: كَالْأَوَّلِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا أَرْشَ مَعَ الْإِمْسَاكِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ فِيهَا أَرْشًا بَلْ خَيَّرَهُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ مَعَ صَاعِ تَمْرٍ، وَفِي " التَّنْبِيهِ " وَ " الْمُبْهِجِ "، وَ " التَّرْغِيبِ " وَمَالَ إِلَيْهِ صَاحِبُ " الرَّوْضَةِ ": لَهُ الْإِمْسَاكُ مَعَ الْأَرْشِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ وَغَيْرُهُ كَالْعَيْبِ (وَيَرُدُّ مَعَ الْمُصَرَّاةِ عِوَضَ اللَّبَنِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) سَلِيمٍ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَوْ قَمْحٍ لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، وَهَذَا إِنْ حَلَبَهَا، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ قَبْلَ الْحَلْبِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِلْبَدَلِ مَعَ وُجُودِ الْمُبْدَلِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ فَقِيمَتُهُ) أَيِ: التَّمْرُ؛ لِأَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَعَجَزَ عَنْهُ رَجَعَ إِلَى بَدَلِهِ، وَبَدَلُ الْمِثْلِ عِنْدَ إِعْوَازِهِ هُوَ الْقِيمَةُ (فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ: مَوْضِعِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ أَتْلَفَهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " (سَوَاءٌ كَانَتْ) الْمُصَرَّاةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 اللَّبَنُ بِحَاله لَمْ يَتَغَيَّرْ رَدَّهُ وَأَجْزَأَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ إِلَّا التَّمْرُ، وَمَتَّى عَلِمَ   [المبدع في شرح المقنع] (نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً) لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ دَاوُدُ: لَا تَثْبُتُ فِي مُصَرَّاةِ الْبَقَرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ فِيهَا بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا أَغْزَرُ وَأَكْثَرُ. فَرْعٌ: لَوِ اشْتَرَى مُصَرَّاتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ فِي عَقْدٍ فَرَدَّهُنَّ رَدَّ مَعَ كُلِّ مُصَرَّاةٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ: لَا يَتَعَدَّدُ بَلْ فِي الْجَمِيعِ صَاعٌ. (فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ رَدَّهُ وَأَجْزَأَهُ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ التَّمْرَ إِنَّمَا وَجَبَ عِوَضًا عَنِ اللَّبَنِ، فَإِذَا رَدَّ الْأَصْلَ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ كَسَائِرِ الْأُصُولِ مَعَ إِبْدَالِهَا، وَكَمَا لَوْ رَدَّهَا بِهِ قَبْلَ الْحَلْبِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ إِلَّا التَّمْرُ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ أَحْفَظُ لَهُ، أَمَّا إِذَا تَغَيَّرَ، فَلَا يُجْزِئُهُ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي يَدِهِ بِالْحُمُوضَةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ، وَإِنْ تَغَيَّرَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْبَدَلَ إِيجَابُهُ مَنُوطٌ بِعَدَمِ الْمُبْدَلِ، وَالْمُبْدَلُ مَوْجُودٌ، وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ فَتَدْلِيسٌ مِنَ الْبَائِعِ، وَصَرَّحَ فِي " الْكَافِي " بِأَنَّ الْخِلَافَ مَعَ التَّغَيُّرِ. فَرْعٌ: إِذَا رَضِيَ بِهَا فَأَمْسَكَهَا، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَدَّهَا بِهِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِعَيْبٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِعَيْبٍ آخَرَ (وَمَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ فَلَهُ الرَّدُّ) وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 التَّصْرِيَةَ فَلَهُ الرَّدُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَإِنْ صَارَ لَبَنُهَا عَادَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً مُتَزَوِّجَةً وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ يَمْلِكِ الرَّدَّ، وَإِنْ كَانَتِ التَّصْرِيَةُ في غير بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ فَلَا رَدَّ لَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: لَهُ الرَّدُّ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ اللَّبَنِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ تَدْلِيسُ سِلْعَتِهِ، وَلَا كِتْمَانُ   [المبدع في شرح المقنع] عَلِمَ بِسَبَبِ الرَّدِّ، فَكَانَ لَهُ حِينَئِذٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ) أَيْ: ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَتَغَيُّرِ الْعَلَفِ، فَإِذَا مَضَتِ الثَّلَاثَةُ بَانَتِ التَّصْرِيَةُ وَثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ، فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا قَبْلَ مُضِيِّهَا، وَلَا إِمْسَاكُهَا بَعْدَهَا، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَرْضَ كَبَقِيَّةِ التَّدْلِيسِ، وَقَدَّرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمَجْدُ وَالْجَدُّ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» فَعَلَى هَذَا لَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَى انْقِضَائِهَا عَكْسَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ بِتَبَيُّنِ التَّصْرِيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَكَلَامُهُ فِي " الْكَافِي " مُوهِمٌ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي مُوسَى مِنْ حِينِ الْبَيْعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي. (وَإِنْ صَارَ لَبَنُهَا عَادَةً) أَوْ زَالَ الْعَيْبُ (لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ) لِأَنَّ الْخِيَارَ حصل لدفع الضَّرَر بِالْعَيْبِ، وَقَدْ زَالَ الْحُكْمُ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ (فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ) أَيْ: قَوْلِ الْإِمَامِ (وَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ يَمْلِكِ) الْمُشْتَرِي (الرَّدَّ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ فِي " الْفُصُولِ ": لَا رَجْعِيًّا، وَإِنَّ فِي طَلَاقِ بَائِنٍ فِيهِ عِدَّةٌ، احْتِمَالَيْنِ (وَإِنْ كَانَتِ التَّصْرِيَةُ في غير بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ) كَالْأَمَةِ وَالْأَتَانِ (فَلَا رَدَّ لَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْتَاضُ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يَقْصِدُ قَصْدَ لَبَنِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (وَفِي الْآخَرِ لَهُ الرَّدُّ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْمَرْأَةِ يُرَادُ لِلِارْتِضَاعِ وَيَرْغَبُ فِيهَا ظِئْرًا، وَكَذَلِكَ لَوِ اشْتَرَطَ كَثْرَةَ لَبَنِهَا مَلَكَ الْفَسْخَ إِذَا بَانَتْ بِخِلَافِهِ، وَلَبَنُ الْأَتَانِ يُرَادُ لِوَلَدِهَا (وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ اللَّبَنِ) عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُعْتَاضُ عَنْهُ عَادَةً (وَلَا يَحِلُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 عَيْبِهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ دَلَّسَ الْعَيْبَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، قِيلَ لَهُ: فَمَا تَقُولُ فِي التَّصْرِيَةِ؟ فَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابًا.   [المبدع في شرح المقنع] لِلْبَائِعِ تَدْلِيسُ سِلْعَتِهِ، وَلَا كِتْمَانُ عَيْبِهَا) ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَنَهَى عَنِ التَّصْرِيَةِ، وَقَوْلُهُ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا إِلَّا بَيَّنَهُ» وَقَالَ: «مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتٍ مِنَ اللَّهِ، وَلَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ» رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي " الصَّحِيحِ «فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَّبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ يُكْرَهُ كِتْمَانُ الْعَيْبِ وَحَكَاهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " نصا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: (فَإِنْ فَعَلَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَحَّحَهُ مَعَ نَهْيِهِ عَنْهُ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ دَلَّسَ الْعَيْبَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ عَنِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَكَذَا لَوْ أَعْلَمَهُ بِهِ، وَلَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ غِشِّهِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ عِقَابُهُ بِإِتْلَافِهِ، وَالتَّصَدُّقِ بِهِ، وَقَالَ: أَفْتَى بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا (قِيلَ لَهُ) أَيْ: لِأَبِي بَكْرٍ (فَمَا تَقُولُ فِي التَّصْرِيَةِ؟ فَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابًا) لِأَنَّ التَّصْرِيَةَ إِلْزَامٌ صَحِيحٌ لَيْسَ عَنْهُ جَوَابٌ، فَدَلَّ عَلَى رُجُوعِهِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 فَصْلٌ الْخَامِسُ: خِيَارُ الْعَيْبِ، وَهُوَ النَّقْصُ كَالْمَرَضِ وَذَهَابِ جَارِحَةٍ أَوْ سِنٍّ أَوْ زِيَادَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعُيُوبُ الرَّقِيقِ مِنْ فِعْلِهِ كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَالْبَوْلِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: لَمْ يَقُلْ أَبُو حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ، إِذِ الْأَصْلُ أَنَّ ضَمَانَ الْمِثْلِيَّاتِ بِالْمِثْلِ، وَالْمُتَقَوِّمَاتِ بِالْقِيمَةِ، وَالتَّمْرُ لَيْسَ بِمِثْلٍ، وَلَا قِيمَةٍ لِلَّبَنِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ بِقَدْرِ الضَّمَانِ بِقِيمَةِ التَّالِفِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ وَهُنَا قَدْرٌ بِالصَّاعِ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُزْءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنَ الرَّدِّ، وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلَا يَضْمَنُهُ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا، فَمَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ مُنِعَ الرَّدُّ، وَمَا كَانَ حَادِثًا لَمْ يَجِبْ ضمانه، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْقَوْلِ بِظَاهِرِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّمَنِ، وَالْمُثَمَّنِ لِلْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَجَوَابُ الْأَوَّلِ: أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ، فَإِنَّ الْحُرَّ يَضْمَنُ بِالْإِبِلِ وَلَيْسَتْ بِمِثْلٍ وَلَا قِيمَةٍ، وَالْجَنِينَ بِالْغُرَّةِ، وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَتَقَدَّرُ بِذَلِكَ كَالْمُوَضَّحَةِ، فَإِنَّ أَرْشَهَا مُقَدَّرٌ مَعَ اخْتِلَافِهَا بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ، فَلَا يَمْنَعُ، وَعَنِ الرَّابِعِ: بِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى الْعَادَةِ، وَالْعَادَةُ؛ لَا تُبَاعُ شَاةٌ بِصَاعٍ، وَالْأَوْلَى أَنَّ التَّمْرَ بَدَلُ اللَّبَنِ لَا الشَّاةِ، فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ. [الْخَامِسُ: خِيَارُ الْعَيْبِ] فَصْلٌ (الْخَامِسُ: خِيَارُ الْعَيْبِ، وَهُوَ النَّقْصُ) أَيْ: مَا نَقَصَ ذَاتُ الْمَبِيعِ أَوْ قِيمَتُهُ عَادَةً، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ: نَقِيصَةً يَقْتَضِي الْعُرْفُ سلامة الْمَبِيعَ عَنْهَا غَائِبًا، ثُمَّ شَرَعَ فِي تَعْدَادِ مَا يُنْقِصُ الثَّمَنَ، وَلَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ (كَالْمَرَضِ) عَلَى جَمِيعِ حَالَاتِهِ (وَذَهَابِ جَارِحَةٍ أَوْ سِنٍّ أَوْ زِيَادَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعُيُوبُ الرَّقِيقِ مِنْ فِعْلِهِ كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ إِذَا كَانَ مِنْ مُمَيَّزٍ) وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ الزِّنَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 الْفِرَاشِ إِذَا كَانَ مِنْ مُمَيَّزٍ، فَمَنِ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ   [المبدع في شرح المقنع] يُنْقِصُ قِيمَتَهُ وَيُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ فِيهِ. وَقَوْلُهُمْ: وَتَعَرُّضُهُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ كَالزِّنَى، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْبَاقِي عُيُوبٌ فِيمَنْ جَاوَزَ الْعَشْرَ، فَكَذَا مَا دُونَهَا، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ ": أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ بَلَغَ عَشْرًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ تَكَرَّرَ مِنْهُ أَوْ لَا، وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ لَا يَكُونُ عَيْبًا إِلَّا إِذَا تَكَرَّرَ، وَقِيلَ: بَوْلٌ كَبِيرٌ إِذَا تَكَرَّرَ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": بَالِغٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ وَجُودَهَا يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانِ عقله، وَضَعْفِ بِنْيَتِهِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خُبْثِ طَوِيَّتِهِ، وَالْبَوْلُ عَلَى دَاءٍ فِي بَطْنِهِ. أَصْلٌ: الْعُيُوبُ مِنْهَا مَا هُوَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ غَيْرِهَا فَالْأَوَّلُ: كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْعَمَى وَالْعَوَرِ وَالْعَرَجِ وَالْقَرْعِ وَالصَّمَمِ وَالطَّرَشِ وَالْخَرَسِ وَالْبَخْرِ وَالْحَوَلِ وَالتَّخَنُّثِ وَكَوْنِهِ خُنْثَى وَالْخَصْيِ وَالتَّزْوِيجِ فِي الْأَمَةِ وَتَحْرِيمٍ عَامٍّ كَالْمَجُوسِيَّةِ، وَحَمْلِ الْأَمَةِ دُونَ الْبَهِيمَةِ، وَعَدَمِ خِتَانٍ فِي كَبِيرٍ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لَيْسَ مِنْ بَلَدِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَتِنُونَ وَحُمْقٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ مِنَ الْكَبِيرِ ارْتِكَابُ الْجَهْلِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَحُمْقٌ شَدِيدٌ وَاسْتِطَالَةٌ عَلَى النَّاسِ، وَلَيْسَ عُجْمَةُ اللِّسَانِ وَفَأْفَاءٌ وَتِمْتَامٌ وَقُرَابَةُ وَارِثٍ، وَأَلْثَغُ وَعَدَمُ حَيْضٍ فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِ عَيْبًا، وَمِثْلُهُ عَقِيمٌ، وَفِي الثَّيُّوبَةِ وَمَعْرِفَةِ الْغِنَاءِ، وَالْكُفْرِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: وَفِسْقٌ بِاعْتِقَادٍ، أَوْ فِعْلٌ وَتَغْفِيلٌ وَالثَّانِي: كَوْنُ الدَّارِ يَنْزِلُهَا الْجُنْدُ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ، وَعِبَارَةُ الْقَاضِي قَدْ نَزَلَهَا الْجُنْدُ قَالَا: أَوِ اشْتَرَى قَرْيَةً وَجَدَ فِيهَا سَبْعًا أَوْ حَيَّةً عَظِيمَةً تُنْقِصُ الثَّمَنَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَبَقٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَفَزَعٌ شَدِيدٌ مِنْ كَبِيرٍ، وَكَوْنُهُ أَعْسَرَ، وَالْمُرَادُ لَا يَعْمَلُ بِالْيَمِينِ عَمَلَهَا الْمُعْتَادَ، وَإِلَّا فَزِيَادَةُ خَيْرٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لَيْسَ بِعَيْبٍ لِعَمَلِهِ بِإِحْدَى يَدَيْهِ، وَكَانَ شُرَيْحٌ يَرُدُّ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْجَارُ السُّوءُ عَيْبٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. 1 - (فَمَنِ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ) ثُمَّ عَلِمَ (فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ) وَأَخْذِ الثَّمَنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ، وَهُوَ قِسْطٌ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ مِنَ الثَّمَنِ، وَمَا   [المبدع في شرح المقنع] (وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ مَعَ أَنَّهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لَمْ يَذْكُرَا خِلَافًا أَمَّا الرَّدُّ، فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، إِذْ مُطْلَقُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ بِدَلِيلِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مَمْلُوكًا فَكَتَبَ: هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنَ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا خِبَثَةَ وَلَا غَائِلَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ» وَإِذًا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِظُهُورِ الْمَبِيعِ مَعِيبًا اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَهُ، وَإِزَالَةً لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الضَّرَرِ فِي بَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ نَاقِصًا عَنْ حَقِّهِ، وَأَمَّا الْإِمْسَاكُ مَعَ الْأَرْشِ فَلِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَرَاضَيَا عَلَى أَنَّ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُعَوَّضِ، فَكُلُّ جُزْءٍ مِنَ الْعِوَضِ يُقَابِلُهُ جُزْءٌ مِنَ الْمُعَوَّضِ وَمَعَ الْعَيْبِ فَاتَ جُزْءٌ مِنْهُ فَيَرْجِعُ بِبَدَلِهِ، وَهُوَ الْأَرْشُ، وَعَنْهُ: لَا أَرْشَ لِمُمْسِكٍ لَهُ الرَّدُّ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ حِذَارًا مِنْ أَنْ يَلْزَمَ الْبَائِعُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِإِخْرَاجِ مِلْكِهِ إِلَّا بِهَذَا الْعِوَضِ، فَإِلْزَامُهُ بِالْأَرْشِ إِلْزَامٌ لَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَلْزَمْهُ، يُحَقِّقُهُ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُصَرَّاةَ لَيْسَ فِيهَا عَيْبٌ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَإِنَّمَا مَلَكَ الْخِيَارَ فِيهَا بِالتَّدْلِيسِ لَا لِفَوَاتِ جُزْءٍ، فَلِذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ أَرْشًا بِخِلَافِ الْمَعِيبِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ، فَلَمْ يَصِحَّ الْإِلْحَاقُ وَهَلْ يَأْخُذُ الْأَرْشُ مِنْ عَيِنِ الثَّمَنِ، أَوْ حَيْثُ شَاءَ الْبَائِعُ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَيْبِ الْيَسِيرِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَغَيْرِهَا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَمُفْرَدَاتِ أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ: لَا فَسْخَ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ كَصُدَاعٍ وَحُمَّى يَسِيرَةٍ وَآيَاتٍ فِي الْمُصْحَفِ لِلْعَادَةِ كَغَبَنٍ يَسِيرٍ، وَلَوْ مِنْ وَلِيٍّ، وَكَذَا قَالَهُ أَبُو الْوَفَاءِ، وَالْقَاضِي فِي جَامِعِهِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عَادَةً مِنْ ذَلِكَ كَيَسِيرِ التُّرَابِ وَالْعَقْدِ فِي الْبُرِّ وَمَحَلِّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الرِّبَا لِشِرَاءِ فِضَّةٍ بِزِنَتِهَا دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا مَعِيبَةً، أَوْ قَفِيزًا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 كَسَبَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ نَمَاؤُهُ الْمُنْفَصِلُ، وَعَنْهُ: لَا يَرُدُّهُ إِلَّا مَعَ نَمَائِهِ، وَوَطْءُ   [المبدع في شرح المقنع] بِمِثْلِهِ فَلَهُ الرَّدُّ، أَوِ الْإِمْسَاكُ مَجَّانًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ لَا خِيَارَ لَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " إِذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ، وَلَمْ يَرْضَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ (وَهُوَ) أَيِ: الْأَرْشُ (قِسْطٌ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصَّحِيحِ، وَالْمَعِيبِ مِنَ الثَّمَنِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَقَالَ: يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمَعِيبِ مِنَ الثَّمَنِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ، قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ، فَعَلَى هَذَا يَقُومُ الْمَبِيعُ صَحِيحًا، ثُمَّ مَعِيبًا فَيُؤْخَذُ قِسْطُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الثَّمَنِ، كَمَا إِذَا قَوَّمَ صَحِيحًا بِعَشَرَةٍ وَمَعِيبًا بِثَمَانِيَةٍ، وَالثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا، فَقَدْ نَقَصَهُ الْعَيْبُ خمسة فَيَرْجِعُ بِخُمُسِ الثَّمَنِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ، فَفَوَاتُ جُزْءٍ مِنْهُ يُسْقِطُ عَنْهُ ضَمَانَ مَا قَابَلَهُ مِنَ الثَّمَنِ، وَلِأَنَّا لَوْ ضَمِنَّاهُ نَقْصَ الْقِيمَةِ لَأَفْضَى إِلَى اجْتِمَاعِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ لِلْمُشْتَرِي فِي صُورَةِ مَا إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ، فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يَنْقُصُهُ النِّصْفُ فَأَخَذَهَا، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ. (وَمَا كَسَبَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ نَمَاؤُهُ الْمُنْفَصِلُ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ رَدَّ الْمَعِيبِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَالِهِ أَوْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً كَالسَّمْنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، وَالْحَمْلِ وَالثَّمَرَةِ قَبْلَ ظُهُورِهَا فَيَرُدُّهَا بِنَمَائِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَلِعَدَمِ تَصَوُّرِ رَدِّهَا بِدُونِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعُ قِيمَتُهَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَلْتَزِمْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْقِيَاسُ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِهِ وَكَالصَّدَاقِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَفِي الْقِيَاسِ نَظَرٌ. والثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُنْفَصِلَةً وَهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ كَالْكَسْبِ وَالْأُجْرَةِ وَمَا يُوهَبُ لَهُ، أَوْ يُوصَى لَهُ بِهِ فَهَذَا لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ كَانَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَحَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ، ذَكَرَهَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْفُرُوعِ ". والثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ الْمَجْذُوذَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 الثَّيِّبِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَعَنْهُ: يَمْنَعُ وَإِنْ وَطِئَ الْبِكْرَ أَوْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ فَلَهُ الْأَرْشُ،   [المبدع في شرح المقنع] وَاللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ، فَالْمَذْهَبُ الْمَعْمُولُ بِهِ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا وَيَرُدُّ الْأَصْلَ بِدُونِهَا لِقَوْلِهِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» (وَعَنْهُ: لَا يَرُدُّهُ إِلَّا مَعَ نَمَائِهِ) الْمُنْفَصِلِ حَكَاهَا الْقَاضِي وَالشَّيْخَانِ جَعَلَا لِلنَّمَاءِ كَالْجُزْءِ مِنَ الْأَصْلِ، أَوْ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْفَسْخَ رُفِعَ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ حُكْمًا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْكَسْبَ وَنَحْوَهُ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَنَاقَشَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقَاضِيَ وَغَيْرَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَفِي الْأَخْذِ نَظَرٌ، فَلَوْ حَدَثَ الْعَقْدُ وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ رَدَّهَا رَدَّ وَلَدَهَا مَعَهَا صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ، وَالْوِلَادَةُ هُنَا نَمَاءٌ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فَمُرَادُهُمْ بِالْوَلَدِ هُنَا وَلَدُ الْبَهِيمَةِ لَا الْأَمَةِ، فَإِنْ تَلِفَ الْوَلَدُ فَهُوَ كَتَعَيُّبِ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ إِمْسَاكُ الْوَلَدِ وَرَدُّ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، كَمَا لَوْ وَلَدَتْ حُرًّا فَبَاعَهَا دُونَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ بِأَخْذِ الْأَرْشِ أَوْرَدَهُمَا مَعًا، وَأَمَّا النَّقْصُ فَسَيَأْتِي. 1 - (وَوَطْءُ الثَّيِّبِ) إِذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا (لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ نَقْصُ جُزْءٍ وَلَا صِفَةٍ، وَلَمْ يَتَضَمَّنِ الرِّضَى بِالْعَيْبِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الرَّدَّ كَالِاسْتِخْدَامِ وَكَمَا لَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ، فَعَلَى هَذَا يَرُدُّهَا مَجَّانًا وَلِهَذَا لَهُ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً بِلَا إِجْبَارٍ، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَعَنْهُ: يَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، لِأَنَّهُ إِذَا فَسَخَ صَارَ وَاطِئًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ (وَعَنْهُ: يَمْنَعُ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ كَالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ عُقُوبَةٍ أَوْ مَالٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الرَّدَّ كَالْبِكْرِ (وَإِنْ وَطِئَ الْبِكْرَ أَوْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ) كَقَطْعِ الثَّوْبِ (فَلَهُ الْأَرْشُ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَذَكَرَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 وَعَنْهُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَرْشِ وَبَيْنَ رَدِّهِ، وَأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ. قَالَ الْخِرَقِيُّ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ قَدْ دَلَّسَ الْعَيْبَ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الثَّمَنِ كَامِلًا، قَالَ   [المبدع في شرح المقنع] " الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى السَّلَامَةَ، فَإِذَا فَاتَ مِنْهُ شَيْءٌ وَجَبَ الرُّجُوعُ فِيمَا قَابَلَهُ مِنَ الثَّمَنِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، وَفِي الرَّدِّ ضَرَرٌ عَلَى الْبَائِعِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، إِذْ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي يُخَيَّرُ بِالْأَرْشِ فَتَعَيَّنَ، وَلِأَنَّ وَطْأَهَا يَعِيبُهَا عُرْفًا وَيَنْقُصُهَا حِسًّا لِكَوْنِهِ يُذْهِبُ جُزْءًا مِنْهَا (وَعَنْهُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَرْشِ وَبَيْنَ رَدِّهِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ) وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ، وَالْمُؤَلِّفُ قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَعَلَيْهَا الْأَصْحَابُ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ مَعَ ذَهَابِ جُزْءٍ مِنَ الْمَبِيعِ، وَهُوَ اللَّبَنُ وَجَعَلَ التَّمْرَ بَدَلًا لَهُ، وَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى ثَوْبًا وَلَبِسَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَرَدَّهُ، وَمَا نَقَصَ فَأَجَازَ الرَّدَّ مَعَ النُّقْصَانِ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهُ عَيْبُ حَدَثٍ عِنْدَ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الْخِيَارُ الْمَذْكُورُ كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَمْكَنَ عَوْدُهُ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ كَزَوَالِهِ قَبْلَ رَدِّهِ، وَإِنْ زَالَ بَعْدَهُ فَفِي رُجُوعِ مُشْتَرٍ عَلَى بَائِعٍ بِمَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ احْتِمَالَانِ فَعَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكَ وَأَخَذَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ رَدَّهُ رَدَّ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ كَالْآخَرِ، فَإِذَا كَانَتْ بِكْرًا قِيمَتُهَا مِائَةً وَثَيِّبًا ثَمَانِينَ رَدَّ مَعَهَا عِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ بِفَسْخِ الْعَقْدِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ بِخِلَافِ أَرْشِ الْعَيْبِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي، وَعَنْهُ: الْوَاجِبُ فِي وَطْءِ الْبِكْرِ الْمَهْرُ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ (قَالَ الْخِرَقِيُّ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ قَدْ دَلَّسَ الْعَيْبَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الثَّمَنِ كَامِلًا) أَيْ: إِذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ أَيْ: كَتَمَهُ وَأَخْفَاهُ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ بِلَا أَرْشٍ وَيَلْزَمُ الْبَائِعُ رَدَّ الثَّمَنِ بِكَمَالِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَبَالَغَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: لَهُ الرَّدُّ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا عَقْدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَّطَ الْمُشْتَرِيَ وَغَرَّهُ فَصَارَ كَالْغَارِّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَوَطْءِ الْبِكْرِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، أَوْ بِفِعْلِ الْعَبْدِ كَالْإِبَاقِ، وَالسَّرِقَةِ، أَوْ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَرَضِ وَسَوَاءٌ كَانَ نَاقِصًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 الْقَاضِي: وَلَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ الْعَيْبَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ عِوَضُ الْعَيْنِ إِذَا تَلِفَتْ، وَأَرْشُ الْبِكْرِ إِذَا وَطِئَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَكَمَا يَجِبُ عِوَضُ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ   [المبدع في شرح المقنع] لِلْمَبِيعِ، أَوْ مُذْهِبًا لِجَمِيعِهِ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ الْعَيْبَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ) وَابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ الْإِمَامَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبَقَ مِنْ يَدِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ إِبَاقَهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْبَائِعِ: يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَيَتَّبِعُ الْبَائِعُ عَبْدَهُ حَيْثُ كَانَ، وَيُحْكَى عَنِ الْحَكَمِ وَمَالِكٍ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ عِوَضُ الْعَيْنِ إِذَا تَلِفَتْ، وَأَرْشُ الْبِكْرِ إِذَا وَطِئَهَا) حَكَاهُ الْمَجْدُ رِوَايَةً، وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُخَلَّدِ بْنِ خُفَافٍ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِمَا (وَكَمَا يَجِبُ عِوَضُ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى الْمُشْتَرِي) مَعَ كَوْنِهِ قَدْ نُهِيَ عَنْهَا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي عِوَضَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ تُعُيِّبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهِ فَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُدَلِّسْهُ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَلَا نَعْلَمُ لَهُ أَصْلًا، وَلَا يُشْبِهُ التَّغْرِيرَ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَيِّدَهَا وَهَاهُنَا لَوْ كَانَ التَّدْلِيسُ مِنْ وَكِيلِ الْبَائِعِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. تَنْبِيهٌ: قَدْ شَمِلَ مَا ذَكَرْنَا كُلَّ مَبِيعٍ كَانَ مَعِيبًا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ، ثُمَّ حَدَّثَ بِهِ آخَرُ كَزِنَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 عَلَى الْمشرِي وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ رَجَعَ بِأَرْشِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ باعه غير   [المبدع في شرح المقنع] الْأَمَةِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُرِفَ مِنْهَا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَنِسْيَانُ صَنْعَةٍ وَكِتَابَةٍ، وَعَنْهُ: يَرُدُّهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْصٍ فِي الْعَيْنِ وَيُمْكِنُ عَوْدُهُ بِالتَّذْكِيرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ سَمِينًا فَهَزَلَ، وَالْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي كَالْعَيْبِ قَبْلَهُ فِيمَا ضَمَانُهُ عَلَى الْبَائِعِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَا أَرْشَ إِلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ فَيَأْخُذَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي غَرَّمَهُ كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، وَعَنْهُ: عُهْدَةُ الْحَيَوَانِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَعَنْهُ: سَنَةٌ. قَالَ فِي " الْمُبْهِجِ ": وَبَعْدَهَا قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ فِي الْعُهْدَةِ حَدِيثٌ، وَالْحَسَنُ لَمْ يَلْقَ عُقْبَةُ، وَإِجْمَاعُ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. (وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ) ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ (رَجَعَ بِأَرْشِهِ) أَيْ: إِذَا ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ بَعْدَ أَنْ تَلِفَتْ تَلَفًا مَعْنَوِيًّا كَالْإِعْتَاقِ وَنَحْوِهِ كَالْوَقْفِ، وَالِاسْتِيلَادِ، أَوْ حِسِّيًّا كَالْمَوْتِ وَتَلَفِ الثَّوْبِ فَلَهُ الْأَرْشُ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ الْبَقَاءُ، إِذِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَقْتَضِي تَعْيِينَ أَحَدِهِمَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْآخَرِ، وَخَرَجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ أَنْ يَفْسَخَ وَيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ. وَفَرَّقَ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " بِأَنَّ هَذَا يَعْتَمِدُ الرَّدَّ وَلَا مَرْدُودَ، ثُمَّ يَعْتَمِدُ الْفَسْخَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَرْشَ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ فِي الرِّقَابِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، إِذِ الْعِتْقُ إِنَّمَا صَادَفَ الرَّقَبَةَ لَا الْجُزْءَ الْفَائِتَ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الرَّقَبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى ظَانًّا سَلَامَتَهَا فَاقْتَضَى خُرُوجَهُ عَنْ هَذَا الْجُزْءِ، وَحَمَلَهَا الْمُؤَلِّفُ على الاستحباب وَالْقَاضِي عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْعِتْقُ فِي وَاجِبٍ، فَأَمَّا التَّبَرُّعُ، فَلَا أَرْشَ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا (وَكَذَلِكَ إِنْ بَاعَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَعْرِفْ مَا أَوْجَبَ لَهُ الْعَقْدُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَى بِهِ نَاقِصًا فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ (وَكَذَلِكَ إِنْ وَهَبَهُ) فَلَهُ أَرْشُهُ جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ ظَلَامَتَهُ أَشْبَهَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 عَالَمَ بِعَيْبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ وَهَبَهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى فِيمَنْ بَاعَهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ الرَّدُّ أَوِ الْأَرْشُ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ فَلَهُ أَرْشُ الْبَاقِي، وَفِي أَرْشِ الْبيعِ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَقْفَ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ إِمْكَانِ الرَّدِّ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِ الْمَوْهُوبِ إِلَيْهِ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ إِمْكَانَ الرَّدِّ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ أَخْذِ الْأَرْشِ، كَمَا قَبِلَ الْهِبَةَ. فَرْعٌ: إِذَا زَالَ مِلْكُهُ عِنْدَ غَيْرِ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ وَقُلْنَا: لَهُ الْأَرْشُ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي قِيمَتِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُنْتَخَبِ " (وَإِنْ فَعَلَهُ) فِي الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ (عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ) عَلَى الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ نَاقِصًا فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الْأَرْشِ كَالرَّدِّ بِلَا نِزَاعٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْإِمْسَاكِ مَعَ الْعِلْمِ، إِذِ الْأَرْشُ عِوَضُ الْجُزْءِ الْفَائِتِ (وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى فِيمَنْ بَاعَهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ) أَيْ: لَا أَرْشَ لَهُ مُطْلَقًا، وَهَذَا ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ كَانَ بِفِعْلِهِ، وَقَدِ اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ بِبَيْعِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ (إِلَّا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ، فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ الرَّدُّ أَوِ الْأَرْشُ) لِأَنَّهُ إِذَا عَادَ مِلْكُهُ ثَبَتَتِ الْخِيَرَةُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَبِعْهُ. فَرْعٌ: لَوْ بَاعَهُ مُشْتَرٍ لِبَائِعِهِ فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي، ثُمَّ لِلثَّانِي رَدُّهُ عَلَيْهِ وَفَائِدَتُهُ اخْتِلَافُ الثَّمَنَيْنِ. (وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ فَلَهُ أَرْشُ الْبَاقِي) فِي مِلْكِهِ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي يَدِهِ فَاتَ مِنْهُ جُزْءٌ اقْتَضَى الْعَقْدُ سَلَامَتَهُ، فَكَانَ لَهُ عِوَضُهُ، وَيَكُونُ بِالْحِسَابِ، فَإِذَا بَاعَ النِّصْفَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْأَرْشِ، أَوِ الرُّبْعَ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالْبَيْعِ بَلْ إِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ بَعْضِهِ، فَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْبَيْعِ لِكَثْرَتِهِ (وَفِي أَرْشِ الْبَيْعِ الرِّوَايَتَانِ) فِيمَا إِذَا بَاعَ الْجَمِيعُ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مَعَ تَدْلِيسِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 الرِّوَايَتَانِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَهُ رَدُّ مِلْكِهِ مِنْهُ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَأَرْشُ الْعَيْبِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَإِنْ صَبَغَهُ، أَوْ نَسَجَهُ فَلَهُ الْأَرْشُ، وَعَنْهُ: لَهُ الرَّدُّ، وَيَكُونُ شَرِيكًا بِصَبْغِهِ وَنَسْجِهِ، وَإِنِ اشْتَرَى مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] أَحْمَدَ (لَهُ رَدُّ مِلْكِهِ مِنْهُ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ مَبِيعٌ ظَهَرَ عَلَى عَيْبِهِ وَأَمْكَنَهُ الرَّدُّ فَمَلَكَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ جَمِيعُهُ بَاقِيًا (وَأَرْشُ الْعَيْبِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ الْقَاضِي: سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ عَيْنَيْنِ. وَخَصَّ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " الْخِلَافَ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيينِ، وَلَمْ يَنْقُصْهُمَا التَّفْرِيقُ كَالْعَبْدَيْنِ، وَالثَّوْبَيْنِ، فَإِذَا نَقَصَهُمَا التَّفْرِيقُ كَزَوْجَيْ خُفٍّ، أَوْ كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ دَفْعًا لِضَرَرِ الْبَائِعِ لِنَقْصِهِمَا بِالتَّفْرِيقِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَنْدَفِعُ بِرَدِّ أَرْشِ النَّقْصِ وَحَمَلَا قَوْلَ الْخِرَقِيِّ عَلَى مَا إِذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ، فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ نَقْصَ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ لَا أَثَرَ لَهُ مَعَ التَّدْلِيسِ كَمَا مَرَّ. (وَإِنْ صَبَغَهُ أَوْ نَسَجَهُ فَلَهُ الْأَرْشُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِدْرَاكَ ظَلَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْبَائِعِ، فَتَعَيَّنَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ الْمَبِيعَ بِمِلْكِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَكَمَا لَوْ فَصَلَهُ (وَعَنْهُ: لَهُ الرَّدُّ، وَيَكُونُ) الْمُشْتَرِي (شَرِيكًا بِصَبْغِهِ وَنَسْجِهِ) أَيْ: يَكُونُ شَرِيكًا بِقِيمَةِ الزِّيَادَةِ كَالْغَاصِبِ، وَبَعْدَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى بَذْلِ عِوَضِ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهِ فِي الْأَصَحِّ. (وَإِنِ اشْتَرَى مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةً كَبَيْضِ الدَّجَاجِ) وَالْجَوْزِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ (رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا فَسَادَ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لِكَوْنِهِ وَقَعَ عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَبَيْعِ الْحَشَرَاتِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَاسِدًا رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَبِيعِ إِلَى بَائِعِهِ لعدم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 مَكْسُورًا قِيمَةً كَبَيْضِ الدَّجَاجِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةً كَبَيْضِ النَّعَامِ وَجَوْزِ الْهِنْدِ فَلَهُ أَرْشُهُ، وَعَنْهُ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَرْشِهِ، وَبَيْنَ رَدِّهِ وَرَدِّ مَا نَقَصَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ رَدٌّ وَلَا أَرْشٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَمَنْ عَلِمَ الْعَيْبَ فَأَخَّرَ   [المبدع في شرح المقنع] الفائدة فِيهِ (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةً كَبَيْضِ النَّعَامِ، وَجَوْزِ الْهِنْدِ) وَالْبِطِّيخِ الَّذِي فِيهِ نَفْعٌ (فَلَهُ أَرْشُهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِكَسْرِهِ فَتَعَيَّنَ الْأَرْشُ (وَعَنْهُ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَرْشِهِ وَبَيْنَ رَدِّهِ وَرَدِّ مَا نَقَصَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ مَعَ رَدِّ بَدَلِ الْمُتْلِفِ بِيَدِهِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَهُوَ اللَّبَنُ مَعَ تَدْلِيسِ الْبَائِعِ وَغَرَرِهِ فَهُنَا أَوْلَى. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِعْلَامُ إِلَّا بِهِ فَلَهُ رَدُّهُ اسْتِدْرَاكًا لِظَلَامَتِهِ، وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ حَصَلَ ضَرُورَةَ الِاسْتِعْلَامِ، وَالْبَائِعُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا يُمْكِنُ الِاسْتِعْلَامُ بِدُونِهِ فَيُبْنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إِذَا تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّ أَرْشِ الْكَسْرِ الْمُسْتَعْلَمِ بِهِ، وَالرَّدُّ إِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الِاسْتِعْلَامِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ (وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ رَدٌّ وَلَا أَرْشٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَدْلِيسٌ وَلَا تَفْرِيطٌ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِعَيْبِهِ. زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " إِلَّا مَعَ شَرْطِ سَلَامَتِهِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى رِبَوِيًّا بجنسه فبان مَعِيبًا فَلَهُ الْفَسْخُ لِلضَّرُورَةِ دُونَ الْأَرْشِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى التَّفَاضُلِ، وَعَنْهُ: لَهُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْفَائِتِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: من غير جِنْسه قِيَاسًا عَلَى مَدِّ عَجْوَةٍ، فَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ، عند الْمُشْتَرِي، فَرِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَرُدُّهُ وَيَرُدُّ أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ. وَالْأُخْرَى: يَفْسَخُ الْحَاكِمُ الْبَيْعَ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَيُطَالِبُ بِقِيمَةِ الْحُلِيِّ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ إِهْمَالُ الْعَيْبِ، وَلَا أَخْذُ الْأَرْشِ. 1 - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 الرَّدَّ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنَ التَّصَرُّفِ وَنَحْوِهِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يَفْتَقِرُ الرَّدُّ إِلَى رِضًى وَلَا قَضَاءٍ وَلَا حُضُورِ صَاحِبِهِ، وَإِنِ اشْتَرَى   [المبدع في شرح المقنع] (وَمَنْ عَلِمَ الْعَيْبَ فَأَخَّرَ الرَّدَّ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ) لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقَّقٍ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِالتَّأْخِيرِ الْخَالِي عَنِ الرِّضَى بِهِ كَخِيَارِ الْقِصَاصِ (إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنَ التَّصَرُّفِ وَنَحْوِهِ) كَالْوَطْءِ وَالسَّوْمِ وَالِاسْتِغْلَالِ، ذَكَرَهُ مُعْظَمُهُمْ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الرِّضَى مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِهِ، لَكِنْ لَوِ احْتَلَبَ الْمَبِيعُ وَنَحْوُهُ لَمْ يَمْنَعِ الرَّدَّ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ فَيُسْتَثْنَى. قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": أَوْ رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ عَلَفَهَا. وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِنِ اسْتُخْدِمَ لَا لِلِاخْتِبَارِ بَطَلَ رَدُّهُ بِالْكَثِيرِ، وَإِلَّا فَلَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّهُ لَا أَرْشَ أَيْضًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ: لَهُ الْأَرْشُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى الرِّضَى فَمَعَ الْأَرْشِ كَإِمْسَاكِهِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ. قَالَ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " قَالَ فِي " التَّنْبِيهِ ": وَالِاسْتِخْدَامُ، وَالرُّكُوبُ لَا يَمْنَعُ أَرْشَ الْعَيْبِ إِذَا ظَهَرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ إِنَّمَا نَصَّ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْأَرْشَ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ) لِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمَالِ أَشْبَهَ الشُّفْعَةَ، فَعَلَى هَذَا مَتَى عَلِمَ الْعَيْبَ وَأَخَّرَ الرَّدَّ مَعَ إِمْكَانِهِ بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى كَالتَّصَرُّفِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَت لِدَفْعِ ضَرَرٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. (وَلَا يَفْتَقِرُ الرَّدُّ إِلَى رِضًى وَلَا قَضَاءٍ وَلَا حُضُورِ صَاحِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ جُعِلَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ ذَلِكَ كَالطَّلَاقِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، (وَإِنِ اشْتَرَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 اثْنَانِ شَيْئًا، وَشَرَطَا الْخِيَارَ، أَوْ وَجَدَاهُ مَعِيبًا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا، فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ مَعِيبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا رَدُّهُمَا أَوْ إِمْسَاكَهُمَا، فَإِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا: فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِقِسْطِهِ، وَالْقَوْلُ فِي قِيمَةِ   [المبدع في شرح المقنع] اثْنَانِ شَيْئًا، وَشَرَطَا الْخِيَارَ، أَوْ وَجَدَاهُ مَعِيبًا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ، فِي نَصِيبِهِ) فِي الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ، فَجَازَ لَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ تَارَةً وَبِالشَّرْطِ أُخْرَى، وَكَشِرَاءِ وَاحِدٍ مِنِ اثْنَيْنِ، وَعَلَّلَهُ فِي " الْمُغْنِي " بِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مُفْرَدًا فَرَدَّ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ مَا بَاعَهُ إِيَّاهُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مُشَقَّصَةً (وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا رَدَّ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ رَدَّهُ مُشْتَرِكًا مُشَقِّصًا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَمَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ، أَوْ وَرِثَاهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمَعِيبِ. وَاقْتَصَرَ فِي " الْمُحَرَّرِ " عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا، فَعَلَى هَذَا لَهُ الْأَرْشُ وَقِيَاسُ الْأَوَّلِ لِلْحَاضِرِ مِنْهُمَا نَقْدُ نِصْفِ ثَمَنِهِ وقبض نِصْفَهُ، وَإِنْ نَقَدَ كُلَّهُ قَبَضَ نِصْفَهُ، وَفِي رُجُوعِهِ الرِّوَايَتَانِ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَسِيلَةِ " وَغَيْرِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ: بِعْتُكُمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَبِلْتُ، جَازَ. 1 - (وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ مَعِيبَيْنِ) أَوْ طَعَامًا فِي وِعَاءَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ (صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا رَدُّهُمَا أَوْ إِمْسَاكُهُمَا) . قَالَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ فِي رَدِّ أَحَدِهِمَا تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ إِمْكَانِ أَنْ لَا يُفَرِّقَهَا أَشْبَهَ رَدَّ بَعْضِ الْمَعِيبِ الْوَاحِدِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا أَمْسَكَ فَلَهُ الْأَرْشُ، وَعَنْهُ: لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا، وَعَنْهُ: يَتَعَيَّنُ (فَإِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِقِسْطِهِ) مِنَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْمَعِيبِ عَلَى وَجْهٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ رَدَّ الْجَمِيعَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 التَّالِفِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ إِلَّا رَدُّهُمَا أَوْ إِمْسَاكُهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقُصُهُ التَّفْرِيقُ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ أو زَوْجَيْ خُفٍّ، أَوْ مَنْ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا كَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا، فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا. وَإِنِ اخْتَلَفَا بِالْعَيْبِ، هَلْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَفِي   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي " الْمُغْنِي " أَنَّ الرَّدَّ هُنَا مَبْنِيٌّ فِي رَدِّ أَحَدِهِمَا، فَعَلَى هَذَا إِنْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي إِذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا (وَالْقَوْلُ فِي قِيمَةِ التَّالِفِ قَوْلُهُ) أَيْ: قَوْلُ الْمُشْتَرِي (مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ مِنْ زِيَادَةِ قِيمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَارِمِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا) وَأَبَى أَخْذَ الْأَرْشِ (فَلَهُ رَدُّهُ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْمَبِيعِ الْمَعِيبِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْبَائِعِ، كَمَا سَبَقَ (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ إِلَّا رَدُّهُمَا أَوْ إِمْسَاكُهُمَا) لِأَنَّ فِي رَدِّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ تَبْعِيضًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقُصُ بِالتَّفْرِيقِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي " الْفُرُوعِ " شَيْئًا، (وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقُصُهُ التَّفْرِيقُ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ، أَوْ زَوْجَيْ خُفٍّ، أَوْ مِمَّنْ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا كَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا) رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ بَلْ يَتَعَيَّنُ إِمَّا رَدُّهُمَا، أَوْ إِمْسَاكُهُمَا لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَالنَّهْيِ الْخَاصِّ عَنِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ محرم كَذَلِكَ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ "، وَمِثْلُهُ بَيْعُ جَانٍّ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ يُبَاعَانِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ لِمَوْلَاهُ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْبِ هَلْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) وَكَانَ مُحْتَمِلًا لِقَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَالْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ (فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ رِوَايَتَانِ) . وَكَذَا فِي " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ رِوَايَتَانِ. إِلَّا أَنْ لا يَحْتَمِلَ إِلَّا قَوْلَ أَحَدِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ   [المبدع في شرح المقنع] يَنْفِيهِ، كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ وَيَمِينِهِ عَلَى الْبَتِّ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ الْعَيْبُ، أَوْ أَنَّهُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ. وَالثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَهِيَ أَنَصُّهُمَا. وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ وَعَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ، وَيَمِينُهُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ، فَإِنْ أَجَابَ أَنَّ الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَجَابَ أَنَّهُ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الرَّدِّ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كُلَّهَا عَلَى الْبَتِّ إِلَّا عَلَى النَّفْيِ فِي فِعْلِ الْغَيْرِ، وَعَنْهُ: عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَفِي الْإِيضَاحِ يَتَحَالَفَانِ (إِلَّا أَنْ لا يَحْتَمِلَ إِلَّا قَوْلَ أَحَدِهِمَا) كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَالْجُرْحِ الْمُنْدَمِلِ عَقِيبَ الْعَقْدِ، وَالْجُرْحِ الطَّرِيِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا (فَالْقَوْلُ قَوْلُ) مَنْ يَدَّعِيهِ (بِغَيْرِ يَمِينٍ) لِلْعِلْمِ بِصِدْقِهِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى اسْتِحْلَافِهِ، وَقِيلَ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ. فَرْعٌ: إِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي بَكَارَتَهَا أُرِيَتِ الثِّقَاتِ، وَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ وَطِئَهَا، وَقَالَ: مَا وَجَدْتُهَا بِكْرًا، فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: إِذَا وَكَّلَ فِي الْبَيْعِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكَّلِ، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ فَأَقَرَّ بِهِ الْوَكِيلُ، وَأَنْكَرَ مُوَكَّلُهُ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى مُوَكَّلِهِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الرَّدَّ، فَقُبِلَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَصَحَّحَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ، فَلَمْ يُقْبَلْ كَالْأَجْنَبِيِّ فَعَلَيْهِ لَوْ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَمْلِكْ رَدَّهُ عَلَى الْمُوَكَّلِ، لِأَنَّ رَدَّهُ بِإِقْرَارِهِ وهو غير مقبول عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَهُ الْوَكِيلُ وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَنَكَلَ عَنْهَا، فَرُدَّ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكَّلِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 يَمِينٍ، وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا تَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ غَيْرِهِ يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَهُ الرَّدُّ أَوِ الْأَرْشُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قُتِلَ فَلَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ، وَالسَّيِّدُ مُعْسِرٌ قَدَّمَ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِذِمَّتِهِ، وَالْبَيْعُ لَازِمٌ.   [المبدع في شرح المقنع] الثَّانِي: إِذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنَّهَا سِلْعَتُهُ، قُبِلَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ بِخِيَارِ شَرْطٍ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، نَصَّ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ فَسْخِ الْعَقْدِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ إِلَى يَدِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ نَقَلَهُ مُهَنَّا. (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا تَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ غَيْرِهِ يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا أَشْبَهَ سَائِرَ الْمَعِيبَاتِ (وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَلَهُ الرَّدُّ) وَأَخَذَ الثَّمَنَ (أَوِ) الْإِمْسَاكُ مَعَ (الْأَرْشُ) لِأَنَّهُ عَيْبٌ فَمَلَكَ بِهِ الْخِيَرَةَ كَبَقِيَّةِ الْعُيُوبِ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قُتِلَ فَلَهُ الْأَرْشُ) لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ، وَهُوَ قِسْطٌ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ جَانِيًا، وَغَيْرَ جَانٍ، فَيُقَالُ: ثمنه غير جَان بِمِائَةٍ وَجَان بِخَمْسِينَ، فَمَا بَيْنَهُمَا النِّصْفُ، فَالْأَرْشُ إِذَنْ نِصْفُ الثَّمَنِ، فَإِنْ قَطَعَ فَهَلْ يَمْنَعُ مَنْ رَدِّهِ قِيمَتَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. (وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ) أَوِ الْقِصَاصِ فَعُفِيَ عَنْهُ إِلَى مَالٍ (وَالسَّيِّدُ) أَيِ: الْبَائِعُ (مُعْسِرٌ قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ سَابِقٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا تَعَذَّرَ إِمْضَاؤُهُمَا قُدِّمَ حَقُّ السَّابِقِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا) لِأَنَّ تَمَكُّنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنِ انْتِزَاعِهِ عَيْبٌ فَمَلَكَ بِهِ الْخِيَارَ كَغَيْرِهِ، فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ مُسْتَوْعِبَةً لِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَأَخَذَ بِهَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَرْشَ مِثْلِ ذَلِكَ جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَوْعِبَةً رَجَعَ بِقَدْرِ أَرْشِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِعَيْبِهِ لَا خِيَارَ لَهُ (وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِذِمَّتِهِ) لِأَنَّ الْخِيَرَةَ لَهُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ فِي الْجِنَايَةِ وَفِدَائِهِ، فَإِذَا بَاعَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِدَاؤُهُ لِإِخْرَاجِ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ عَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ الْأَرْشُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ (وَالْبَيْعُ لَازِمٌ) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِرُجُوعِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 فَصْلٌ السَّادِسُ: خِيَارٌ يَثْبُتُ فِي التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُرَابَحَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ، وَلَا بُدَّ فِي جَمِيعِهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُشْتَرِي رَأْسَ الْمَالِ، وَمَعْنَى التَّوْلِيَةِ: الْبَيْعُ بِرَأْسِ الْمَالِ فَيَقُولُ: وَلَّيْتُكَهُ أَوْ بِعْتُكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ، بِمَا اشْتَرَيْتُهُ، أَوْ بِرَقْمِهِ، وَالشَّرِكَةُ: بَيْعُ بَعْضِهِ   [المبدع في شرح المقنع] [السَّادِسُ خِيَارٌ يَثْبُتُ فِي التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُرَابَحَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ] فَصْلٌ (السَّادِسُ: خِيَارٌ يَثْبُتُ فِي التَّوْلِيَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُرَابَحَةِ، وَالْمُوَاضَعَةِ) هَذِهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْبَيْعِ، وَاخْتُصَّتْ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ كَاخْتِصَاصِ السَّلَمِ، وَالْمُشْتَرِي قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي الشِّرَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْقَعَهُ لِكَوْنِهِ حَالِفًا أَوْ وَصِيًّا فِي الشِّرَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُشْتَرِي رَأْسَ الْمَالِ) لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الثَّمَنِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، وَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ شَرْطٌ، فَمَتَى فَاتَ لَمْ يَصِحَّ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَخَصَّ الْمُشْتَرِي بِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَمَتَى جَهِلَاهُ، أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ، فَلَوْ نَسِيَ الْبَائِعُ رَأْسَ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً بَلْ مُسَاوَمَةً؛ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ عَالِمًا أَوْ ظَانًّا بِذَلِكَ كَانَ كَاذِبًا (وَمَعْنَى التَّوْلِيَةِ) فِي الْأَصْلِ تَقْلِيدُ الْعَمَلِ يُقَالُ: وَلِيَ فُلَانٌ الْقَضَاءَ، وَالْعَمَلَ الْفُلَانِيَّ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ هُنَا فِي (الْبَيْعِ بِرَأْسِ الْمَالِ فَيَقُولُ: وَلَّيْتُكَهُ، أَوْ بِعْتُكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ) وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ عَلَى أَنَّ لِلتَّوْلِيَةِ لَفْظَيْنِ: أَحَدُهُمَا: صَرِيحُ لَفْظِهَا. وَالثَّانِي: لَفْظُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي مَعْنَاهُ فَإِذَا قَالَ: بِعْتُكَ (بِمَا اشْتَرَيْتُهُ، أَوْ بِرَقْمِهِ) الْمَعْلُومِ، صَحَّ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَيَّنَ الثَّمَنَ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الرَّقْمِ، وَهُوَ الثَّمَنُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا لَهُمَا حَالَ الْعَقْدِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ دَفَعَ ثِيَابًا إِلَى قِصَارٍ، وَأَمَرَهُ بِرَقْمِهَا فَرَقَمَ ثَمَنَهَا عَلَيْهَا، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يَرْقُمَهَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا فَعَلَ الْقَصَّارُ، (وَالشَّرِكَةُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ وَيَصِحُّ بِقَوْلِهِ: أَشْرَكْتُكَ فِي نِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ) لِأَنَّهُ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ لِلشَّرِكَةِ حَقِيقَةً، فَصَحَّ بِهِ فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ نِصْفَهُ بِنِصْفِ رَأْسِ مَالِهِ، صَحَّ لِإِفَادَتِهِ الْمَقْصُودَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَيَصِحُّ بِقَوْلِهِ: أَشْرَكْتُكَ فِي نِصْفِهِ، أَوْ ثُلُثِهِ، وَالْمُرَابَحَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ بِرِبْحٍ فَيَقُولُ: رَأْسُ مَالِي فِيهِ مِائَةٌ بِعْتُكَهُ بِهَا وَرِبْحٌ عَشَرَةٌ، أَوْ عَلي أَنْ أَرْبَحَ فِي كُلِّ   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَقَالَ آخَرُ أَشْرِكْنِي انْصَرَفَ إِلَى النِّصْفِ، لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بِإِطْلَاقِهَا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ قَالَهُ الْآخَرُ عَالِمًا بِشَرِكَةِ الْأَوَّلِ فَلَهُ نِصْفُ نَصِيبِهِ، وَهُوَ الرُّبُعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالْأَصَحُّ يَصِحُّ فَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّ طَلَبَ مِنْهُ نِصْفَ الْمَبِيعِ فَأَجَابَ إِلَيْهِ كَالْبَيْعِ. وَقِيلَ: نِصْفُ نَصِيبِهِ، وَهُوَ الرُّبُعُ. وَقِيلَ: وَنِصْفُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ إِنْ أُجِيزَ عَلَى رِوَايَةٍ، وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ لِطَالِبِ الشَّرِكَةِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا طَلَبَ النِّصْفَ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ بِوُقُوفِهِ عَلَى الْإِجَازَةِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الشَّرِكَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي نِصْفَ هَذَا الْعَبْدِ فَقَالَ: بِعْتُكَ رُبُعَهُ وَلَوْ قَالَ: أَشْرِكَانِي فَأَشْرَكَاهُ مَعًا، فَفِي أَخْذِ نِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ - صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالَانِ، وَإِنْ شَرَكَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مُنْفَرِدًا كَانَ لَهُ النِّصْفُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّبُعُ، وَإِنْ شَرَكَهُ أَحَدُهُمَا فَنِصْفُ نَصِيبِهِ، أَوْ ثُلُثُهُ. 1 - (وَالْمُرَابَحَةُ أَنْ يَبِيعَهُ بِرِبْحٍ فَيَقُولُ: رَأْسُ مَالِي مِائَةٌ بِعْتُكَهُ بِهَا وَرِبْحٌ عَشَرَةٌ) فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَالرِّبْحَ مَعْلُومَانِ (أَوْ عَلَي أَنْ أَرْبَحَ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا) فَيُكْرَهُ وَيَصِحُّ، نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِكَرَاهَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ نَقَلَ أَبُو النَّصْرِ هُوَ الرِّبَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " زَادِ الْمُسَافِرِ ". وَنَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ كَأَنَّهُ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ لَا يَصِحُّ. وَفِي " الرِّعَايَةِ " إِنْ جَهِلَ مُشْتَرٍ ثَمَنَهُ عِنْدَ عَقْدٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَالَ: دَهْ يَازْدَهْ، أَوْ دَهْ دَوَازْدَهْ؛ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَالَهُ أَحْمَدُ، لِأَنَّهُ بَيْعُ الْأَعَاجِمِ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ لَا يُعْلَمُ فِي الْحَالِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 عَشَرَةٍ دِرْهَمًا، وَالْمُوَاضَعَةُ: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَهُ بِهَا، وَوَضِيعَةُ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ،   [المبدع في شرح المقنع] وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: الْمُسَاوَمَةُ أَسْهَلُ عِنْدِي مِنَ الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الصِّدْقِ وَاجْتِنَابِ الرِّيبَةِ. مَسَائِلُ: إِذَا بَاعَهُ السِّلْعَةَ مُرَابَحَةً فَأَخْبَرَهُ أَنَّ ثَمَنَهَا مِائَةٌ بِرِبْحِ عَشَرَةٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ تِسْعُونَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالزِّيَادَةِ، وَهُوَ عَشَرَةٌ وَحَظُّهَا مِنَ الرِّبْحِ، وَهُوَ دِرْهَمٌ فَيَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْمَبِيعِ بِرَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنَ الرِّبْحِ وَبَيْنَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْخِيَانَةَ فِي هَذَا الثَّمَنِ أَيْضًا وَرُبَّمَا كَانَ حَالِفًا أَوْ وَكِيلًا. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِمِائَةٍ وعشرة يرضى بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ، فَلَوْ أَخْبَرَ الْبَائِعَ أَنَّ ثَمَنَهَا أَكْثَرُ، وَأَنَّهُ غَلِطَ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَعَهُ فِي الْمُرَابَحَةِ، فَقَدِ ائْتَمَنَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ، وَلَهُ تَحْلِيفُ بَائِعٍ إِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ بَيْعِهَا أَكْثَرُ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ، فَإِنْ نَكَلَ أَوْ أَقَرَّ قُضِيَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا يُسْمَعُ مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ ". وَعَنْهُ: يُقْبَلُ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ لِتَرَجُّحِهِ إِذَنْ. وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً لِتَكْذِيبِهِ لَهَا ظَاهِرًا إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَحْلِفُ مُشْتَرٍ بِدَعْوَى بَائِعٍ عَلَيْهِ عَلِمَ الْغَلَطَ، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " خِلَافَهُ، وَبِكُلِّ حَالٍ إِذَا صَدَّقَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أُخِذَ بِهِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَذَّبَهُ حَلَّفَهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأُمَنَاءِ، وَإِنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِهَا عَالِمًا، لَزِمَهُ. 1 - (وَالْمُوَاضَعَةُ) : الْمُتَارَكَةُ فِي الْبَيْعِ وَسُمِّيَ بِالْمُوَاضَعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِدُونِ رَأْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْمُرَابَحَةِ، وَيُكْرَهُ فِيهَا مَا يُكْرَهُ فِيهَا، وَهِيَ (أَنْ يَقُولَ) الْبَائِعُ: (بِعْتُكَهُ بِهَا) أَيْ: بِرَأْسِ مَالِهِ (وَوَضِيعَةُ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ) لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُحَصَّلٌ لِمَقْصُودِ الْبَيْعِ بِدُونِ رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا بِهِ وَأَضَعُ لَكَ عَشَرَةً (فَيَلْزَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تِسْعُونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ قَالَ: وَوَضِيعَةُ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعُونَ، وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ، وَمَتَى اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ حِيلَةً، أَوْ بَاعَ بَعْضَ الصَّفْقَةِ بِقِسْطِهَا مِنَ الثَّمَنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فِي تَخْبِيرِهِ بِالثَّمَنِ، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُشْتَرِيَ تِسْعُونَ دِرْهَمًا) إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةً، لِأَنَّهَا عَشْرُ عَشَرَاتٍ، فَإِذَا سَقَطَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمٌ بَقِيَ تِسْعُونَ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ تِسْعُونَ وَتِسْعَةُ أَعْشَارِ دِرْهَمٍ وَحَكَاهُ الْأَزَجِيُّ رِوَايَةً. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ كَالثَّانِيَةِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حَطًّا مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ وهو غير مَا قَالَهُ (وَإِنْ قَالَ: وَوَضِيعَةُ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعُونَ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ) لِأَنَّهُ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ مِنْ غَيْرِ الْعَشَرَةِ، فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ تِسْعَةٌ وَمِنْ دِرْهَمٍ جُزْءٌ، فَيَبْقَى مَا ذُكِرَ، كَعَنْ كُلٍّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الْحَطُّ هُنَا عَشَرَةٌ كَالْأُولَى، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ الْمَوْجُودَةُ حِينَئِذٍ، لِأَنَّهَا تَزُولُ بِالْحِسَابِ. (وَمَتَى اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ حِيلَةً، أَوْ بَاعَ بَعْضَ الصَّفْقَةِ بِقِسْطِهَا مِنَ الثَّمَنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فِي تَخْبِيرِهِ بِالثَّمَنِ، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ) وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لِلْمُشْتَرِي فِي تَخْبِيرِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ اسْتِدْرَاكًا لِظَلَامَتِهِ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ حَالًا أَوْ يَفْسَخُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ الْمُسَاوِيَةِ كَبِرَ وَنَحْوَهُ. وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا خُيِّرَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَأَخْذِهِ بِالثَّمَنِ مُؤَجَّلًا، لِأَنَّهُ الثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْبَائِعُ، وَالتَّأْجِيلُ صِفَةٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا حَبَسَ الثَّمَنَ بِقَدْرِ الْأَجَلِ، وَقَالَهُ شُرَيْحٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 وَمَا يُزَادُ فِي الثَّمَنِ، أَوْ يَحُطُّ مِنْهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ يُؤْخَذُ أَرْشًا لِعَيْبٍ أَوْ جِنَايَةً   [المبدع في شرح المقنع] وَالْمَذْهَبُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ إِذَا بَانَ مُؤَجَّلًا أَخَذَ بِهِ مُؤَجَّلًا، وَلَا خِيَارَ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا اشْتَرَاهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَأَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِمْ لِكَوْنِهِ يُحَابِيهِمْ وَيَسْمَحُ لَهُمْ وَكَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ مِنْ مُكَاتِبِهِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ حِيلَةً، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لِلْمُشْتَرِي فِي تَخْبِيرِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ فَذَلِكَ تَدْلِيسٌ، وَهُوَ حَرَامٌ كَتَدْلِيسِ الْعَيْبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ أَشْبَهَ غَيْرَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا بَاعَ غُلَامٌ دُكَّانَهُ سلعة، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ أَمْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ كَمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ. الرَّابِعَةُ: إِذَا بَاعَ بَعْضَ الصَّفْقَةِ بِقِسْطِهَا مِنَ الثَّمَنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فِي تَخْبِيرِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الثَّمَنِ عَلَى ذَلِكَ تَخْمِينٌ وَاحْتِمَالُ الْخَطَأِ فِيهِ كَثِيرٌ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ مُرَابَحَةً مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَنُهُ فَهُوَ صَادِقٌ. وَعَنْهُ: عَكْسُهُ، بَلْ مُسَاوَمَةٌ، وَهَذَا فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ الَّتِي لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ الَّتِي يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ كَأَكْثَرِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ مُرَابَحَةً بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (وَمَا يُزَادُ فِي الثَّمَنِ) أَوِ الْمُثَمَّنِ (أَوْ يَحُطُّ مِنْهُ) أَيْ: يَنْقُصُ (فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ) يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ، وَيُخْبَرُ بِهِ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الثَّمَنِ، فَوَجَبَ إِلْحَاقُهُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَالْإِخْبَارُ بِهِ كَأَصْلِهِ، وَمِثْلُهُ خِيَارٌ وَأَجَلٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 عَلَيْهِ يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَيُخْبَرُ بِهِ، وَإِنْ جَنَى فَفَدَاهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ زِيدَ فِي الثَّمَنِ، أَوْ حَطَّ مِنْهُ بَعْدَ لُزُومِهِ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ، وَإِنِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَقَصَّرَهُ بِعَشَرَةٍ أَخْبَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنْ قَالَ: تَحْصُلُ عَلَيَّ بِعِشْرِينَ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارَيْنِ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَلَا خِيَارَ. قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. وَقَالَ: لَوْ حَطَّ الْكُلَّ هَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ أَوْ يَصِحُّ، أَوْ يَكُونُ هِبَةً؟ فِيهِ أَوْجُهٍ. فَرْعٌ: إِذَا وَهَبَ مُشْتَرٍ لِوَكِيلٍ بَاعَهُ فَهُوَ كَالزِّيَادَةِ، وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ، فَإِنْ تَغَيَّرَ سِعْرُ السِّلْعَةِ وَهِيَ بِحَالِهَا، فَإِنْ غَلَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِيهَا، وَكَذَا إِنْ رَخُصَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِدُونِ الْإِخْبَارِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِدُونِ ثَمَنِهَا، وَلَمْ يُبَيِّنِ الْحَالَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ (أَوْ يُؤْخَذُ أَرْشًا لِعَيْبٍ، أَوْ جِنَايَةً عَلَيْهِ يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ يُخْبَرُ بِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي أَرْشِ الْعَيْبِ، فَعَلَى هَذَا يَحُطُّ أَرْشُ الْعَيْبِ مِنَ الثَّمَنِ وَيُخْبَرُ بِالْبَاقِي، وَقَالَ الْقَاضِي: يُخْبَرُ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَذَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْهُمَا فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنَ الْبَيْعِ وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي " الْفُرُوعِ " فِيهِمَا. وَقِيلَ: لَا يَحُطُّ أَرْشُ الْجِنَايَةِ. فَرْعٌ: إِذَا أَخَذَ نَمَاءً، أَوْ وَطِئَ، أَوِ اسْتَخْدَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ بَيَانُهُ، وَعَنْهُ: بَلَى لِنَقْصِهِ (وَإِنْ جَنَى فَفَدَاهُ الْمُشْتَرِي) لَمْ يَلْحَقْ بِالثَّمَنِ، وَلَا يُخْبَرْ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ بِهِ الْمَبِيعُ قِيمَةً وَلَا ذَاتًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُزِيلٌ لِنَقْصِهِ بِالْجِنَايَةِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْأَدْوِيَةُ وَالْمُؤْنَةُ وَالْكِسْوَةُ، وَذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَجْهًا وَاحِدًا (أَوْ زِيدَ فِي الثَّمَنِ، أَوْ حَطَّ مِنْهُ بَعْدَ لُزُومِهِ) أَيْ: لُزُومِ الْعَقْدِ (لَمْ يَلْحَقْ بِهِ) أَيْ: بِرَأْسِ الْمَالِ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، فَلَا يَكُونُ عِوَضًا. (وَإِنِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَقَصَّرَهُ بِعَشَرَةٍ أَخْبَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّ ذَلِكَ إِلَى الثَّمَنِ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ كَانَ كَذِبًا وَتَغْرِيرًا بِالْمُشْتَرِي (فَإِنْ قَالَ: تَحْصُلُ عَلَيَّ بِعِشْرِينَ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَلْبِيسًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 عَمِلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ عَمَلًا يُسَاوِي عَشَرَةً، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ أُخْبِرَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ، وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِعَشَرَةٍ، جَازَ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَحُطُّ الرِّبْحَ مِنَ الثَّمَنِ الثَّانِي، وَيُخْبَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ.   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَمِثْلُهُ أُجْرَةُ مَتَاعِهِ وَكَيْلُهُ وَوَزْنُهُ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ ". قَالَ الْأَزَجِيُّ وَعَلَفُ الدَّابَّةِ، وَخَالَفَهُ الْمُؤَلِّفُ. قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا بَيَّنَ فَلَا بَأْسَ، وَلَا يُقَوِّمُهُ، ثُمَّ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً، وَبَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ أَسْهَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ. (وَإِنْ عَمِلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ عَمَلًا يُسَاوِي عَشَرَةً لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَجْهًا وَاحِدًا) لِأَنَّهُ كَاذِبٌ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ لَمْ يَغْرُمْ بِسَبَبِهِ شَيْئًا، كَمَا لَوْ عَمِلَ لَهُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْبَيْعَ مُرَابَحَةً، وَالسِّلْعَةُ بِحَالِهَا أَخْبَرَ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَتَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَزِيدَ أَثْمَانُهَا كَالسَّمْنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، أَوْ يَحْدُثَ مِنْهَا نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ، فَإِذَا بَاعَهَا مُرَابَحَةً أَخْبَرَ بِالثَّمَنِ من غير زِيَادَةً؛ لِأَنَّهُ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ، وَلَوْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ، كَمَا سَبَقَ. الثَّانِي: أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا عَمَلًا كَقِصَرِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ، سَوَاءٌ قَصَّرَهُ بِنَفْسِهِ أَوِ اسْتَأْجَرَ مَنْ عَمِلَهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، فَإِنْ قَالَ: تَحْصُلُ عَلَيَّ بِكَذَا فَالْخِلَافُ. الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَغَيَّرَ بِنَقْصٍ كَالْمَرَضِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، أَوْ تَلَفِ بَعْضِهِ، أَوِ اسْتِغْلَالِهِ كَأَخْذِ صُوفِهِ وَلَبَنِهِ، فَإِنَّهُ يُخْبِرُ بِالْحَالِ قَوْلًا وَاحِدًا. (وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ، وَأَبْلَغُ فِي الصِّدْقِ (وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِعَشَرَةٍ جَازَ) صَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تُهْمَةٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَرْبَحْ فِيهِ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَحُطُّ الرِّبْحَ مِنَ الثَّمَنِ الثَّانِي، وَيُخَبرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 فَصْلٌ السَّابِعُ: خِيَارٌ يَثْبُتُ لِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَمَتَى اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، وَأَعْجَبَ أَحْمَدَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ أَحَدُ نَوْعَيِ النَّمَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يُخْبَرَ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ كَالنَّمَاءِ مِنْ نَفْسِ الْبَيْعِ كَالثَّمَرَةِ وَنَحْوِهَا، وَحِينَئِذٍ فَيُخْبِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ؛ لِأَنَّهُ حَطَّ الرِّبْحَ مِنَ الثَّمَنِ الثَّانِي، لَكِنْ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: يَقُومُ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ، وَلَا يَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ، فَإِنَّهُ كَذِبٌ، كَمَا لَوْ ضَمَّ إِلَيْهِ أُجْرَةَ الْقِصَارَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ أَخْبَرَ بِالْحَالِ كَمَنِ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِعِشْرِينَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " فَإِنِ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ، بينه وَلَمْ يَضُمَّ خَسَارَةً إِلَى ثَمَنٍ ثَانٍ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا اشْتَرَى نِصْفَ سِلْعَةٍ بِعَشَرَةٍ وَاشْتَرَى آخَرُ بَاقِيهَا بِعِشْرِينَ، ثُمَّ بَاعَهَا مُرَابَحَةً زَادَ فِي " الشَّرْحِ " أَوْ مُوَاضَعَةً أَوْ تَوْلِيَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: عَلَى قَدْرِ رُؤُوسِ أَمْوَالِهِمَا، وَصَحَّحَهَا السَّامِرِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَعَنْهُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ رَأْسُ مَالِهِ، وَالرِّبْحُ نِصْفَانِ، فَإِنْ بَاعَه مُسَاوَمَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. فَرْعٌ: إِذَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ لِرَغْبَةٍ تَخُصُّهُ لَزِمَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِالْحَالِ، وَيَصِيرُ كَالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ غَالٍ لِأَجْلِ الْمَوْسِمِ الَّذِي كَانَ حَالَ الشِّرَاءِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ ". [السَّابِعُ خِيَارٌ يَثْبُتُ لِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ] فَصْلٌ (السَّابِعُ: خِيَارٌ يَثْبُتُ لِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ) وَهُوَ صُوَرٌ (فَمَتَى اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ) بِأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ بِمِائَةٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: اشْتَرَيْتُ بِثَمَانِينَ، وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا (تَحَالَفَا) نَقَلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 تَحَالَفَا، فَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ فَيَحْلِفُ مَا بِعْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا بِعْتُهُ بِكَذَا، ثُمَّ يَحْلِفُ   [المبدع في شرح المقنع] الْجَمَاعَةُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ صُورَةً، وَكَذَا حُكْمًا لِسَمَاعِ بَيِّنَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا. قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": لَا تُسْمَعُ إِلَّا بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِاتِّفَاقِنَا وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ، وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا تَحَالَفَا» . وَعَنْهُ: «يُقْبَلُ قَوْلُ بَائِعٍ مَعَ يَمِينِهِ» ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " الْمَنْصُوصِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعَانِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ، أَنْ يَتَرَادَّانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَكَاخْتِلَافِهِمَا بَعْدَ قَبْضِهِ وَفَسْخِ الْعَقْدِ بِعَيْبٍ، أَوْ إِقَالَةٍ فِي الْمَنْصُوصِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، لَكِنْ قَدْ تَعَدَّدَتِ طرقه، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ مَحْفُوظٌ مَشْهُورٌ، وَقَدِ اشْتُهِرَ بِالْحِجَازِ، وَالْعِرَاقِ شُهْرَةً يَسْتَغْنِي عَنِ الْإِسْنَادِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ مَعَ يَمِينِهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ لَهُ، ثُمَّ الْبَائِعُ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِوَضًا، وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ بَعْضَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، أَوْ يَتَرَدَّانِ. قِيلَ: فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قَالَ: كَذَلِكَ (فَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ أَقْوَى جَنَبَةً مِنَ الْمُشْتَرِي؛ لِكَوْنِ الْمَبِيعِ يُرَدُّ إِلَيْهِ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ، فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ (فَيَحْلِفُ: مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا، فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ مَا قَالَ صَاحِبُهُ، وَإِنْ تَحَالَفَا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ صَاحِبِهِ أَقَرَّ الْعَقْدَ، وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ   [المبدع في شرح المقنع] بِعْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا بِعْتُهُ بِكَذَا، ثُمَّ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي: مَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ، يَذْكُرُ كُلٌّ مِنْهُمَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، الْإِثْبَاتُ لِدَعْوَاهُ، وَالنَّفْيُ لِمَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ فَيَبْدَأُ بِالنَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْيَمِينِ أَنَّهَا لِلنَّفْيِ. وَعَنْهُ: يَبْدَأُ بِالْإِثْبَاتِ، وَظَاهِرُهُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى فَصْلِ الْقَضَاءِ (فَإِن نكل أَحَدَهُمَا) سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعَ، أَوِ الْمُشْتَرِيَ (لَزِمَهُ مَا قَالَ صَاحِبُهُ) لِقَضَاءِ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّ النُّكُولَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ أَنَّهُ بَدَّلَ شِقَّيِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ نَاكِلًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا بِالْمَجْمُوعِ. (وَإِنْ تَحَالَفَا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ صَاحِبِهِ أَقَرَّ الْعَقْدَ) لِأَنَّ الرَّاضِيَ إِنْ كَانَ الْبَائِعَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مَا ادَّعَاهُ، وَكَذَا إِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي (وَإِلَّا) أَيْ: إِذَا لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ (فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِاخْتِلَافِهِمَا وَتَعَارُضِهِمَا فِي الْحُجَّةِ، كَمَا لَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً. وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ. وَزَعَمَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ التَّحَالُفِ رَفْعُ الْعَقْدِ فَاعْتماد ذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْأَخْذِ بِقَوْلِ صَاحِبِهِ انْفَسَخَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ. وَقِيلَ: بَلَى وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ، كَالْمَرْأَةِ إِذَا زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ فُسِخَ لِاسْتِدْرَاكِ الظَّلَامَةِ، أَشْبَهَ رَدَّ الْمَعِيبِ، وَلَا يُشْبِهُ النِّكَاحَ لِاسْتِقْلَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 مِنْهُمَا الْفَسْخُ، وَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ تَالِفَةً، ورَجَعَا إِلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يمينه، وَعَنْهُ: لَا يَتَحَالَفَانِ إِذَا كَانَتْ تَالِفَةً، وَالْقَوْلُ   [المبدع في شرح المقنع] كُلٍّ مِنْهُمَا بِالطَّلَاقِ (وَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ تَالِفَةً) تَحَالَفَا (وَرَجَعَا إِلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، فَيَغْرُمُ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِيهَا، نَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ. وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أنَّ القِيمَةَ السِّلْعَةِ إِنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لِلثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لعدم الفائدة فِي يَمِينِ الْبَائِعِ، وَفُسِخَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَاحْتِمَالَانِ، أَحَدُهُمَا: كَمَا ذَكَرْنَا، وَالْآخَرُ: يَشْرَعُ التَّحَالُفُ لحصول الفائدة لِلْمُشْتَرِي. (فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الصِّفَةُ عَيْبًا كَالْبَرَصِ وَخَرْقِ الثَّوْبِ، أَوْ لَا كَالسَّمْنِ، وَالْكِتَابَةِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ بَائِعٍ فِي نَفْيِ الْعَيْبِ قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَغَايَتُهُ تَعَارَضَ أَصْلَانِ فَخَرَجَ قَوْلَانِ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَشَارَكَ الْقِيمَةَ، وَكَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَعَارَضَا وَتَسَاقَطَا، وَإِلَّا سَقَطَ الْأَقَلُّ، وَمِثْلُهُ مِنَ الْأَكْثَرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ أَو الْقِيمَةَ إِنْ زَادَتْ عَلَى الثَّمَنِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ، وَقَرَّرَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا عَلَى وَجْهٍ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ (وَعَنْهُ: لَا يَتَحَالَفَانِ إِذَا كَانَتْ تَالِفَةً) لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ ". فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ عِنْدَ عَدَمِهَا (وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ) لأنهما اتفقا عَلَى نَقْلِ السِّلْعَةِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرٍ زَائِدٍ يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ وَيُنْكِرُهُ الْمُشْتَرِي، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ: " وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ " إِلَّا يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، وَقَدْ أَخْطَأَ، رَوَاهُ الْخَلْقُ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ بِغَيْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي " الْفُرُوعِ " شَيْئًا (وَإِنْ مَاتَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ مَاتَا فَوَرَثَتُهُمَا بِمَنْزِلَتِهِمَا. وَمَتَى فَسَخَ الْمَظْلُومُ مِنْهُمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِنْ فَسَخَ الظَّالِمُ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّهِ بَاطِنًا وَعَلَيْهِ إِثْمُ الْغَاصِبِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ مَعْلُومٌ، فَيَرْجِعُ   [المبدع في شرح المقنع] فَوَرَثَتُهُمَا بِمَنْزِلَتِهِمَا) لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي أَخْذِ مَالِهِ وَإِرْثِ حُقُوقِهِ، فَكَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ، وَكَذَا إِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا. (وَمَتَى فَسَخَ الْمَظْلُومُ مِنْهُمَا) سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ، أَوِ الْمُشْتَرِي (انْفَسَخَ الْعَقْدُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ (وَإِنْ فَسَخَ الظَّالِمُ) أَيِ: الْكَاذِبُ عَالِمًا بِكَذِبِهِ (لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّهِ بَاطِنًا) لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفَسْخُ، فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ لَا عُذْرَ لَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَاحِبِهِ، فَيُبَاحُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا رَجَعَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إِلَيْهِ بِحُكْم من غير عُدْوَانٍ مِنْهُ (وَعَلَيْهِ) أَيِ: الظَّالِمِ (إِثْمُ الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ غَاصِبٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: لَمْ أَجِدْ مِمَّا قَالَ الْمُؤَلِّفُ نَقْلًا صَرِيحًا يُوَافِقُهُ، وَلَا دَلِيلًا يقتضيه، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُ هُنَا. وَنَقَلَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الْكَافِي " تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ: إِنْ كَانَ الْبَائِعُ ظَالِمًا لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إِمْضَاءُ الْعَقْدِ وَاسْتِيفَاءُ حَقِّهِ، فَلَا يَنْفَسِخُ بَاطِنًا، وَلَا يُبَاحُ لَهُ بالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي ظَالِمًا انْفَسَخَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ فُسِخَ لِاسْتِدْرَاكِ ظَلَامَتِهِ، أَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ. (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا) أَيْ: إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ، لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا، فَوَجَبَ التَّحَالُفُ، كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ مَعْلُومٌ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْعَقْدِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نُقُودٌ وَأَحَدُهَا غَالِبٌ أُخِذَ بِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، فَإِنْ تَسَاوَتْ فَأَوْسَطُهَا. وَعَنْهُ: الْأَقَلُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَحَالَفَانِ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي أَجَلٍ أَوْ شَرْطٍ) صَحِيحٍ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 إِلَيْهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي أَجَلٍ أَوْ شَرْطٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ، وَعَنْهُ: يَتَحَالَفَانِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فَاسِدًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ، وَإِنْ قَالَ: بِعْتَنِي هَذَيْنِ، قَالَ: بَلْ   [المبدع في شرح المقنع] يَنْفِيهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَكَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ قَوْلَ الْآخَرِ مُحْتَمَلٌ (وَعَنْهُ: يَتَحَالَفَانِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْعَقْدِ، فَوَجَبَ تَحَالُفُهُمَا كَالِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ، وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ، وَفِي قَدْرِ مَا وَقَعَا بِهِ، وَفِي قَدْرِ الْأَجَلِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فَاسِدًا) كَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: وَقَعَ بِخَمْرٍ، أَوْ خِيَارٍ مَجْهُولٍ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسَلِّمِ أَنَّهُ لَا يَتَعَاطَى إِلَّا عَقْدًا صَحِيحًا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْبَلُ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ دُونَ فَسَادِهِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ وَأَنَا صَبِيٌّ أو غير مَأْذُون لِي فِي التِّجَارَةِ، وَأَنْكَرَهُ الْمُشْتَرِي قَدَّمَ قَوْلَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. وَفِي " الِانْتِصَارِ ": لَوِ اخْتَلَفَا فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ قُبِلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مُدَّعِي فَسَادِهِ انْتَهَى. فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي. وَقِيلَ: يَسْقُطَانِ (وَإِنْ قَالَ: بِعْتَنِي هَذَيْنِ) بِمِائَةٍ (قَالَ: بَلْ أَحَدَهُمَا) بِخَمْسِينَ، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ قَالَ: بَلْ هُوَ، وَالْعَبْدُ الْآخَرُ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ) مَعَ يَمِينِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يُنْكِرُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ فَاخْتَصَّتِ الْيَمِينُ بِهِ، كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ. وَعَنْهُ: يَتَحَالَفَانِ، صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ كَثَمَنِهِ، وَقَدَّمَهَا فِي " التَّبْصِرَةِ " وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ أَقْيَسُ وَأَوْلَى (وَإِنْ قَالَ: بِعْتَنِي هَذَا. قَالَ: بَلْ هَذَا. حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا أَنْكَرَهُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا عَلَى مَبِيعٍ يُنْكِرُهُ الْآخَرُ، فَيَحْلِفُ عَلَى مَا أَنْكَرَهُ (وَلَمْ يَثْبُتْ بَيْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي أَنْكَرَهُ الْبَائِعُ وَحَلَفَ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَالَّذِي أَقَرَّهُ الْبَائِعُ لَا يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: " يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، ثُمَّ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ مَبِيعًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 أَحَدَهُمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَإِنْ قَالَ: بِعْتَنِي هَذَا. قَالَ: بَلْ هَذَا. حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَا أَنْكَرَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ بَيْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَالثَّمَنُ عَيْنٌ، جُعِلَ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] إِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَفِي " الْمُنْتَخَبِ " لَا يَرُدُّ إِلَيْهِ. وَفِي " الْمُغْنِي " يَرُدُّ، كَمَا لَمْ يَدَّعِهِ قَالَ: وَلَا يَطْلُبُهُ إِنْ بَذَلَ ثَمَنَهُ، وَإِلَّا فَسَخَ، فَإِنْ كَانَ أَمَةً وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي بَيْعَهَا لَمْ يَطَأْهَا الْبَائِعُ هِيَ مِلْكٌ لِذَلِكَ، نَقَلَهُ جَعْفَرٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِجُحُودِهِ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ثَبَتَ الْعَقْدَانِ لِعَدَمِ تَنَافِيهِمَا، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً ثَبَتَ وَيَحْلِفُ الْمُنْكِرُ لِلْآخَرِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ. (وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَالثَّمَنُ عَيْنٌ) . وَفِي " الشَّرْحِ " أَوْ عَرَضٌ، وَفِيهِ شَيْءٌ (جُعِلَ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِمَا) الْوَاوُ بِمَعْنَى " ثُمَّ " وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي تَعَلُّقِ حَقِّهِمَا بِعَيْنِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ نَصْبُ عَدْلٍ يَفْعَلُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمُتَسَاوِيَاتِ، فَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ أَوَّلًا، ثُمَّ الثَّمَنَ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". وَقِيلَ: يُسَلِّمُهُمَا مَعًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ لِتَسَاوِيهِمَا. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَمَنْ أَمْكَنَهُ مِنْهُمَا التَّسْلِيمُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، فَأَبَاهُ، ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ كَغَاصِبٍ، وَأَيُّهُمَا بَدَأَ بِالتَّسْلِيمِ أَجْبَرَ الْآخَرَ، وَأَيُّهُمَا يَلْزَمُهُ الْبِدَاءَةُ؛ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَعَنْهُ: يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَّلًا (وَإِنْ كَانَ دَيْنًا) أَيْ: وَقَعَ الثَّمَنُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ (أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ حَبْسَ الْمَبِيعِ عَلَى قَبْضِ ثَمَنِهِ حَالًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 التَّسْلِيمِ، ثُمَّ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا معه، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا بَعِيدًا أَوِ الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ حَجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مَالِهِ كُلِّهِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ قَرِيبًا احْتَمَلَ أَنْ يَثْبُتَ   [المبدع في شرح المقنع] أَوْ مُؤَجَّلًا وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ، وَقَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " خِلَافَهُ؛ لِأَنَّ فِي تَسْلِيمِهِ بِدُونِ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيْهِ (ثُمَّ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا مَعَهُ) لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ، وَحَقُّ الْبَائِعِ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ كَتَقْدِيمِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. فَإِنْ كَانَ عَرَضًا بِعَرَضٍ لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُ الْبَائِعِ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ (وَإِنْ كَانَ) الثَّمَنُ (غَائِبًا بَعِيدًا) أَيْ: فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ (أَوِ الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوْ مُمَاطِلًا (فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ) ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي تَأْخِيرِ الثَّمَنِ فَكَانَ لَهُ الْفَسْخُ، وَالرُّجُوعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ كَمُفْلِسٍ وَكَمَبِيعٍ. نَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ لَا يَكُونُ مُفْلِسًا إِلَّا أَنْ يُفَلِّسَهُ الْقَاضِي، أَوْ يُبَيِّنَ أَمْرَهُ فِي النَّاسِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " إِنْ قَارَنَ الْإِفْلَاسُ الْعَقْدَ، وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَبَضَهُ، ثُمَّ أَفْلَسَ فَلَهُ الْفَسْخُ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ) أَوْ بَيْنَهُ (حَجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مَالِهِ كُلِّهِ) وَمِنْ جُمْلَتِهِ الْمَبِيعُ (حَتَّى يُسَلِّمَهُ) لِئَلَّا يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ تَصَرُّفًا يَضُرُّ بِالْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا بَقِيَ الْحَجْرُ فِيهِ إِلَى أَجَلِهِ، قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ ". وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُبَاعَ الْمَبِيعُ. وَقِيلَ: وَغَيْرُهُ مِنْ مَالِهِ فِي وَفَاءِ ثَمَنِهِ إِذَا تَعَذَّرَ لِإِعْسَارٍ أَوْ بُعْدٍ (وَإِنْ كَانَ) الثَّمَنُ (غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ قَرِيبًا) أَيْ: دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (احْتَمَلَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ ضَرَرًا عَلَيْهِ (وَاحْتَمَلَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى الْمُشْتَرِي) حَتَّى يُسَلِّمَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ. وَحَكَاهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَالْفَسْخُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ ثَمَنِهِ بِخِلَافِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَحْضَرَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثُهُ أَوْ وَكِيلُهُ نِصْفَ الثَّمَنِ، فَهَلْ يَأْخُذُ نِصْفَ الْمَبِيعِ أَوْ كُلَّهُ أَوْ لَا يَقْبِضُ شَيْئًا حَتَّى يَزِنَ الْبَاقِي، أَوْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَرُدَّ مَا أَخَذَهُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَيَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْخُلْفِ فِي الصِّفَةِ وَتَغَيُّرِ مَا تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. فَصْلٌ وَمَنِ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: لَا يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ بِثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ مَعَ خِيَارِ شَرْطٍ، وَمِثْلُهُ الْمُؤَجَّرُ بِالنَّقْدِ فِي الْحَالِ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ " (وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْخُلْفِ فِي الصِّفَةِ) وَفِيهِ صُورَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَثْبُتُ الْخِيَارُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ مُسْلِمًا أَوْ بِكْرًا، فَبَانَ بِخِلَافِهِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْأَدْنَى فَيَظْهَرَ الْأَعْلَى كَالْكُفْرِ، وَالثَّيُّوبَةِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِذَا بَانَ بِخِلَافِهِ فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا (وَتَغَيَّرَ مَا تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ) أَيْ: إِذَا رَأَيَا الْمَبِيعَ، ثُمَّ عَقَدَا عَلَيْهِ، ثُمَّ وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي مُتَغَيِّرًا (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) أَيِ: الْخُلْفَ فِي الصِّفَةِ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ، وَتَغَيُّرُ الرُّؤْيَةِ مَذْكُورٌ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنَ الْبَيْعِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ. [بَيْعُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ حَتَّى يَقْبِضَهُ] فَصْلٌ (وَمَنِ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا) وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، أَوْ مَعْدُودًا، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْأَشْهَرُ، أَوْ مَذْرُوعًا، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَيْ: إِذَا اشْتَرَاهُ بِمَا ذَكَرَ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِجْمَاعًا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " رِوَايَةٌ: لَا. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: مِلْكُ الْبَائِعِ فِيهِ قَائِمٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُ الْمُشْتَرِي، وَفِي " الرَّوْضَةِ " يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِكَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ. وَلِهَذَا قَالَ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْآخَرِ مَا لَمْ يَكِيلَا أَوْ يَزِنَا، وَلَمْ يَرْتَضِهِ فِي " الْفُرُوعِ ". ثُمَّ قَالَ: فَيَتَّجِهُ إِذَنْ فِي نَقْلِ الْمِلْكِ؛ رِوَايَتَا الْخِيَارِ (لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 قَبْضِهِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ، فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَأَيْتُ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مُجَازَفَةً يَضْرِبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَانَ الطَّعَامُ مُسْتَعْمَلًا يَوْمَئِذٍ غَالِبًا فِيمَا يُؤْكَلُ بِوَزْنٍ، وَالْإِجَارَةُ وَالْهِبَةُ وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ، وَالرَّهْنُ وَلَوْ قَبَضَ ثَمَنَهُ، وَالْحَوَالَةُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ، فَلَوْ تَقَابَضَاهُ جُزَافًا لِعِلْمِهِمَا قَدْرَهُ، صَحَّ مُطْلَقًا وَيَصِحُّ عِتْقُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: وَالْوَصِيَّةُ بِهِ، وَالْخَلْعُ عَلَيْهِ (وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ) وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، فَهَذَا يَنْفَسِخُ فِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» ، وَالْمُرَادُ بِهِ رِبْحُ مَا بِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ رِبْحَ مَا بِيعَ بَعْدَهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وِفَاقًا. والثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (إِلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ) وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ (وَبَيْنَ إِمْضَائِهِ وَمُطَالَبَةِ مُتْلِفِهِ بِبَدَلِهِ) أَيْ: بِمِثْلِهِ، إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ كَالْعَيْبِ، وَقَدْ حَصَلَ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُ الْبَائِعَ ضمانه، فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ كَالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ. وَقَالَ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ: الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ. فَقِيلَ: مُرَادُهُمْ مَا تَقَدَّمَ، وَأَرَادُوا بِالْقِيمَةِ الْبَدَلَ الشَّرْعِيَّ، وَنَصَرَ الْقَاضِي مُوَفِّقُ الدِّينِ الْقِيمَةَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمَجْدِ؛ إِذْ هُوَ فِي كَلَامِهِ أَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَعِلَلِهِ بِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا اسْتَقَرَّ عَلَى الْمَالِيَّةِ، فَلِذَلِكَ وَجَبَتِ الْقِيمَةُ وَالْمِثْلِيَّةُ، لَمْ يَسْتَقِرَّ الْمِلْكُ عَلَيْهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ إِتْلَافَ الْبَائِعِ. وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لَا غَيْرَ، كَمَا لَوْ تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مُقْتَضَى الضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَتْلَفَهُ، فَإِنَّ إِتْلَافَهُ يَقْتَضِي الضَّمَانَ بِالْمِثْلِ، وَحُكْمَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الضَّمَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 إِمْضَائِهِ وَمُطَالَبَةِ مُتْلِفِهِ بِمِثْلِهِ، وَعَنْهُ: فِي الصُّبْرَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ: إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ فَهو مَال الْمُشْتَرِي، وَمَا عَدَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ   [المبدع في شرح المقنع] بِالثَّمَنِ، فَكَانَتِ الْخِيَرَةُ إِلَى الْمُشْتَرِي فِي التَّضْمِينِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْقَبْضِ وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، فَلَوْ أَتْلَفَ بَعْضَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ فِي قَدْرِهِ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي بَاقِيهِ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ "، هَلْ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي بَاقِيهِ، أَوْ يَنْفَسِخُ؟ فِيهِ رِوَايَتَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فَرْعٌ: إِذَا بَاعَ شَاةً بِشَعِيرٍ فَأَكَلَتْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ انْفَسَخَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَمْرٍ لَا يَنْتَسِبُ إِلَى آدَمِيٍّ، فَهُوَ كَتَلَفِهِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَعَنْهُ: فِي الصُّبْرَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ: إِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ فَهُوَ مَالُ الْمُشْتَرِي) نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ، وَالْجَوْزَجَانِيُّ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " هِيَ الْمَشْهُورَةُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ مَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ كَالْقَبْضِ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَعَنْهُ: أَوْ مُشَاعًا كَنِصْفِهِ، أَوْ ثُلُثِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَأَخْذِهِ بِشُفْعَةٍ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ مُبْهَمًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَرِطْلٍ مِنْ هَذِهِ الزُّبْرَةِ، فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبْضِ عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ (وَمَا عَدَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ) وَكَذَا الْمَعْدُودُ وَالْمَذْرُوعُ (يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ «لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّرَاهِمِ فَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّنَانِيرَ، وَبِالْعَكْسِ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ بِسِعْرِهَا يَوْمَهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَةً   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَسِمَاكٍ، وَفِيهِمَا كَلَامٌ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لا نعرفه مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَهَذَا تَصْرُّفٌ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ، وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، فَصَحَّ بَيْعُهُ كَالْمَالِ فِي يَدِ الْمُودِعِ، وَالْمُضَارِبِ (وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَهَذَا الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْبَائِعُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ حَتَّى تَلِفَ ضَمِنَهُ ضَمَانَ غَصْبٍ لَا عَقْدٍ، وَلَيْسَ اللُّزُومُ مِنْ أَحْكَامِ الْقَبْضِ عَلَى الْأَعْرَفِ، وَسَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ أَوْ لَا، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ". وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ. وَقَالَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الفَرق بَيْنَ مَا تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ وَغَيْرِهِ لَيْسَ هُوَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ وَغَيْرِهِ، وَفِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ مَا يُخَالِفُهُ (وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ) أَيِ: " الِانْتِصَارِ " (رِوَايَةً أُخْرَى) وَاخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ (أَنَّهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي ذَلِكَ) أَيْ: لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَأَخَذَهَا أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: إِنَّ الصُّبْرَ لَا تُبَاعُ حَتَّى تُنْقَلَ، قَالَ: وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، لَكِنَّ رِوَايَةَ مُهَنَّا فِي الصَّدَاقِ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى غُلَامٍ بِعَيْنِهِ فَفَقِئَتْ عَيْنَ الْغُلَامِ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا تَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ. وَعَنْهُ: أَنَّ مَا كَانَ مَطْعُومًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عَنْ أَحْمَدَ. وَفِي " الْكَافِي ": إِنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ. وَعَنْهُ: إِذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. تَنْبِيهٌ: الْمَبِيعُ بِصِفَةٍ، أَوْ رُؤْيَةٍ سَابِقَة حكم مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، أَيْ: أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ بَائِعِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ مُشْتَرٍ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا، وَثَمَنٌ لَيْسَ فِي ذِمَّةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 أُخْرَى أَنَّهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي ذَلِكَ، وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِيمَا بِيعَ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ   [المبدع في شرح المقنع] كَمُثَمَّنٍ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَهُ أَخْذُ بَدَلِهِ لِاسْتِقْرَارِهِ، وَكُلُّ عِوَضٍ يُمْلَكُ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَهُ. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ التَّصَرُّفَ فِيهِ لِعَدَمِ قَصْدِ الرِّبْحِ، وَمَا لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَهُ كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ وَعِتْقٍ عَلَى مَالٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلتَّصَرُّفِ الْمِلْكُ، وَقَدْ وُجِدَ. وَقِيلَ: كَبَيْعٍ فَيَجِبُ بِتَلَفِهِ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَلَا فَسْخَ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَهُمَا فَسْخَ النِّكَاحِ لِفَوْتِ بَعْضِ الْمَقْصُودِ كَعَيْبِ مَبِيعٍ وَلَوْ تَعَيَّنَ مِلْكُهُ فِي مَوْرُوثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ غَنِيمَةٍ لَمْ يُعْتَبَرْ قَبْضُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِعَدَمِ ضَمَانِهِ بِعَقْدِ مُعَاوَضه كَمَبِيعٍ مَقْبُوضٍ وَكَوَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا، بِخِلَافِ مَا قَبَضَهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ عَقْدِهِ كَصَرْفٍ وَسَلَمٍ. 1 - (وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِيمَا بِيعَ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِكَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ) لِمَا رَوَى عُثْمَانُ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا بِعْتَ فَكِلْ وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا، فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَبَضَ مَا يُعَدُّ وَيَذْرَعُ بِعَدِّهِ وَذَرَعَهُ نَظَرًا لِلْعُرْفِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ نَقْلَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَشَرْطُهُ حُضُورُ مُسْتَحِقٍّ أَوْ نَائِبِهِ، فَلَوِ اشْتَرَى مِنْهُ مَكِيلًا بِعَيْنِهِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ الْوِعَاءَ، وَقَالَ: كِلْهُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَقْبُوضًا. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَفِيهِ نَظَرٌ. وَتَصِحُّ اسْتِنَابَةُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِلْمُسْتَحِقِّ. وَقِيلَ: لَا، وَنَصُّهُ أَنَّ طَرَفَهُ كَيْدُهُ بِدَلِيلِ تَنَازُعِهِمَا فِيهِ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ قَبْضُ وَكِيلٍ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَهَلْ يكْتَفي بِعِلْمِ كَيْلِ ذَلِكَ قَبْلَ شِرَائِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَخَصَّهُمَا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 بِكَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ، وَفِي الصُّبْرَةِ، وَفِيمَا يُنْقَلُ بِالنَّقْلِ، وَفِيمَا يُتَنَاوَلُ بِالتَّنَاوُلِ، وَفِيمَا عَدَا   [المبدع في شرح المقنع] " التَّلْخِيصِ " بِالْمَجْلِسِ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي الْمِكْيَالِ فَفَرَّغَهُ مِنْهُ وَكَالَهُ فَهُوَ قَبْضٌ، وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِكَيْلِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ بِهِ لَمْ يَجُزْ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَكَذَا جُزَافًا. قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَإِنْ قَبَضَهُ جُزَافًا لِعِلْمِهِ قَدْرَهُ جَازَ، وَفِي الْمَكِيلِ رِوَايَتَانِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَبَضَهُ مُشْتَرٍ فَوَجَدَهُ زَائِدًا مَا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ أَعْلَمَهُ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يَرُدُّهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ مُصَدِّقًا لِبَائِعِهِ فِي كَيْلِهِ، أَوْ وَزْنِهِ بَرِئَ عَنْ عُهْدَتِهِ، وَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ حَقِّهِ؛ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي قَدْرِهِ، وَمُؤْنَةِ كَيَّالٍ وَوَزَّانٍ وَعَدَّادٍ وَنَحْوِهِ عَلَى بَاذِلِهِ مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ، وَفِي " النِّهَايَةِ " أُجْرَةُ نَقْلِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ لَهُ عَلَيْهِ، وَمُؤْنَةُ الْمُتَعَيِّنِ عَلَى الْمُشْتَرِي إِنْ قُلْنَا كَمَقْبُوضٍ، وَأَطْلَقَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَضْمَنُ نَاقِدٌ حَاذِقٌ خَطَأً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِتْلَافُ مُشْتَرٍ وَمُتَّهِبٍ بِإِذْنِهِ قَبْضٌ لَا غَصْبُهُ وَغَصْبُ بَائِعٍ ثَمَنًا، أَوْ أَخَذَهُ بِلَا إِذْنِهِ لَيْسَ قَبْضًا إِلَّا مَعَ الْمُقَاصَّةِ وَيَصِحُّ قَبْضُهُ مُشْتَرٍ بِغَيْرِ رِضَى الْبَائِعِ. (وَفِي الصُّبْرَةِ، وَفِيمَا يُنْقَلُ) كَالثِّيَابِ، وَالْحَيَوَانِ (بِالنَّقْلِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ جُزَافًا فَنَهَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَا بِيعَ بِهِمَا لَا مَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فِي نَفْسِهِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَقَبْضُهُ بِمَشْيِهِ مِنْ مَكَانِهِ (وَفِيمَا يُتَنَاوَلُ) كَالْجَوَاهِرِ وَالْأَثْمَانِ (بِالتَّنَاوُلِ) إِذِ الْعُرْفُ فِيهِ ذَلِكَ (وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ) كَالْعَقَارِ وَالثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرِ (بِالتَّخْلِيَةِ) إِذِ الْقَبْضُ مُطْلَقٌ فِي الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ وَالتَّفَرُّقِ. قَالَ الْخِرَقِيُّ: مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَكَذَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " التَّرْغِيبِ " وَمَعْنَاهُ أَنْ يَفْتَحَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 ذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ، وَعَنْهُ: إنَّ قَبْضَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ التَّمْيِيزِ وَالْإِقَالَةِ فَسْخٌ   [المبدع في شرح المقنع] بَابَ الدَّارِ، أَوْ يُسَلِّمَهُ مِفْتَاحَهَا وَنَحْوَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَتَاعٌ لِلْبَائِعِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَعَنْهُ: إِنْ قَبَضَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ التَّمْيِيزِ) نَصَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ خَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ، فَكَانَ قَبْضًا لَهُ كَالْعَقَارِ. أَصْلٌ: يُحْرَمُ تَعَاطِيهِمَا بَيْعًا فَاسِدًا، فَلَا يَمْلِكُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَخَرَجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ مِنْ طَلَاقٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَهُوَ كَمَغْصُوبٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: كَمَقْبُوضٍ لِلسَّوْمِ، وَمِنْهُ خَرَجَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: لَا يَضْمَنُهُ وَيَضْمَنُهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِقِيمَتِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّهُمْ تَرَاضَوْا بِالْبَدَلِ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ، كَمَا تَرَاضَوْا فِي مَهْرِ الْمِثْلِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: يَضْمَنُهُ بِالْمُسَمَّى لَا الْقِيمَةِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ، وَفِي " الْفُصُولِ " يَضْمَنُهُ بِالثَّمَنِ، وَالْأَصَحُّ بِقِيمَتِهِ كَمَغْصُوبٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " التَّرْغِيبِ "، أَوْ مِثْلِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ، وَفِي ضَمَانِ زِيَادَةٍ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أَمَانَةٌ أَوَّلًا، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " التَّرْغِيبِ ": إِنْ سَقَطَ الجنين مَيِّتًا فَهَدَرٌ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: يَضْمَنُهُ وَيَضْمَنُهُ ضَارِبُهُ وَمَتَى ضَرَبَهُ أَجْنَبِيٌّ، فَلِلْبَائِعِ مِنَ الْغُرَّةِ قِيمَةُ الْوَلَدِ، وَالْبَقِيَّةُ لِوَرَثَتِهِ، وَسَوْمُ إِجَارَةٍ كَبَيْعٍ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَوَلَدُهُ كَهَؤُلَاءِ وَلَدُ جَانِيَةٍ وَضَامِنَةٍ. 1 - (وَالْإِقَالَةُ) مُسْتَحَبَّةٌ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهِيَ (فَسْخٌ) فِي الْأَصَحِّ، إِذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 يَجُوزُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَا شُفْعَةً، وَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] يُقَالُ: أَقَالَكَ اللَّهُ عَثْرَتَكَ؛ أَيْ: أَزَالَهَا، فَكَانَتْ فَسْخًا لِلْعَقْدِ بِدَلِيلِ جَوَازِهَا فِي السَّلَمِ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، مَعَ أَنَّهُ يَأْتِي إِذَا قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ (يَجُوزُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ: فِيمَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ، وَالْفَسْخُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَا شُفْعَةً) لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَهَا هُوَ الْبَيْعُ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ) الْأَوَّلِ قَدْرًا وَنَوْعًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا ارْتَفَعَ رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا كَانَ لَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِبْرَاءٍ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَجُوزُ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ إِعَادَةُ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَيْلٍ ثَانٍ إِقَامَةً لِلْفَسْخِ مَقَامَ الْبَيْعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مِنْ تَمَامِ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا بَيْعٌ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، مَعَ أَنَّهُ حَكَى فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ اخْتَارَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَادَ إِلَى بَائِعِهِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهَا فَكَانَتْ بَيْعًا كَالْأَوَّلِ، (فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ) أَيْ: تَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ السَّابِقَةُ (إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ "، وَصَحَّحَهُ السَّامِرِيُّ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِقَالَةِ رَدُّ الْأَمْرِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَاخْتَصَّتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ كَالتَّوْلِيَةِ، كَمَا اخْتَصَّتِ الْمُرَابَحَةُ بِالرِّبْحِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَوْنُهَا بَيْعًا. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَصَحَّحَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ بَيْعًا كَانَتْ أَوْ فَسْخًا، فَإِنْ أَقَالَ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ، وَكَانَ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّمَاثُلُ فَيَبْطُلُ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: أَنَّ الْإِقَالَةَ تَصِحُّ بِلَفْظِهَا وَبِلَفْظِ الْمُصَالَحَةِ إِنْ قِيلَ: هِيَ فَسْخٌ، وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ، فَلَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ مَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ لَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ، وَمَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ لَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 أَنَّهَا بَيْعٌ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ انْعِقَادُهَا بِذَلِكَ، وَتَكُونُ مُعَاطَاةً. وَمِنْهَا: إِنْ قُلْنَا: هِيَ فَسْخٌ لَمْ يُشْتَرَطْ لَهَا شُرُوطُ الْبَيْعِ، وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ، فَلَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي ". وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: أَقِلْنِي، ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ فَأَقَالَهُ عَلَى الْفَوْرِ، صَحَّ إِنْ قِيلَ: هِيَ فَسْخٌ لَا بَيْعٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي تَعْلِيقِهِمَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُشْتَرَطُ لَهُ حُضُورُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَمَا نَقَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ فِي صِحَّةِ قَبُولِ الزَّوْجِ لِلنِّكَاحِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ يَخْتَلِفُ فِي تَأْوِيلِهِ. وَمِنْهَا النَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ إِنْ قِيلَ: هِيَ بَيْعٌ لَمْ يُتَّبَعْ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ قِيلَ: هِيَ فَسْخٌ. فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ " لِلْبَائِعِ مع ذكرهما إِنَّ نَمَاءَ الْمَعِيبِ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي " تَعْلِيقِ " الْقَاضِي وَ " الْمُغْنِي " أَنَّهَا فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": هُوَ أَظْهَرُ. وَمِنْهَا: لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ إِنْ قِيلَ: هِيَ فَسْخٌ، وَإِنْ قِيلَ: بَيْعٌ فَذَكَرَ فِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهَا كَسَائِرِ الْبُيُوعَاتِ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا بَيْعَ فَأَقَالَ، انْبَنَى عَلَى الْخِلَافِ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا عَلَى الْبَيْعِ. وَمِنْهَا: هَلْ يَصِحُّ مَعَ تَلَفِ الْمَبِيعِ، فَفِيهِ طَرِيقَانِ إِحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ عَلَيْهِمَا، وَالثَّانِي: إِنْ قُلْنَا: هِيَ فَسْخٌ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَتَصِحُّ مَعَ تَلَفِ الثَّمَنِ مُطْلَقًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ. وَهُوَ نَوْعَانِ: رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسِيئَةِ. فَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَيَحْرُمُ فِي الْجِنْسِ   [المبدع في شرح المقنع] وَمِنْهَا: لَوْ تَقَايَلَا فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ وَنُفُوذِهِ، إِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ فَحُكْمُهُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ، وَقَدْ تَأَكَّدَ بِتَرْتِيبِ عَقْدٍ آخَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قِيلَ: هِيَ فَسْخٌ لَمْ يَنْفُذْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَفَعَ بِالْإِقَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفُذَ وَتُلْغَى الْإِقَالَةُ، لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ قَبْلَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ، فَلَمْ يَنْفُذْ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ شَيْئًا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَمِنْهَا: هَلْ يَصِحُّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّ خِيَارَ الْإِقَالَةِ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَصِحُّ، وَبَنَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى الْخِلَافِ إِنْ قِيلَ: هِيَ بَيْعٌ صَحَتْ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: فَسْخٌ، فَوَجْهَانِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَهِيَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ، وَفِي " التَّعْلِيقِ " يَضْمَنُهُ، فيلزمه مؤنة الرَّدّ. [بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ] [تَعْرِيفُ الرِّبَا وَحُكْمُهُ] بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ الرِّبَا مَقْصُورٌ، وَهُوَ لُغَةٌ: الزِّيَادَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] أَيْ: عَلَتْ وَارْتَفَعَتْ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: 92] أَيْ: أَكْثَرُ عَدَدًا، وَشَرْعًا: زِيَادَةٌ فِي شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» وَذَكَرَ مِنْهَا أَكْلَ الرِّبَا؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 الْوَاحِدِ مِنْ كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ وَحَبَّةٍ بِحَبَّتَيْنِ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ «لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنَجَّا: إِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَالصَّرْفُ بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ. قِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لِصَرِيفِهَا، وَهُوَ تَصْوِيتُهَا فِي الْمِيزَانِ. وَقِيلَ: لِانْصِرَافِهِمَا عَنْ مُقْتَضَى الْبِيَاعَاتِ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَحْوِهِ. [أَنْوَاعُ الرِّبَا] (وَهُوَ نَوْعَانِ رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسِيئَةِ) وَكِلَاهُمَا مُحَرَّمٌ، إِنْ قِيلَ: الْآيَةُ لَا إِجْمَالَ فِيهَا؛ إِذِ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا النَّسِيئَةِ وَعَامَّتِهِمْ كَذَلِكَ فِي رِبَا الْفَضْلِ، لَكِنْ وَقَعَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ: اشْتُهِرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ «لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ» وَعُورِضَ الْقَائِلُ بِهِ وَرَجَعَ إِلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ فَصَارَ إِجْمَاعًا، لَكِنِ اخْتَلَفَ فِي رُجُوعِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ أُسَامَةَ لَا يُقَاوِمُ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَدِلَّةِ لِصَرَاحَتِهَا، لِأَنَّهَا تَدُلُّ بِالْمَنْطُوقِ، وَتَحْمِلُ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ جَوَابًا بِالسُّؤَالِ عَلَى الْجِنْسَيْنِ، أَوْ مُطْلَقًا. فَقَالَ: لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ؛ أَيِ: الْمَسْؤُولُ عَنْهُ، وَهُوَ الْجِنْسَانِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ نَفِيُ الْأَغْلَظِ الَّذِي وَرَدَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ لِلْغَرِيمِ إِذَا حَلَّ الدَّيْنُ: إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ الدَّيْنَ؛ أَيْ: تَزِيدَ، وَهُوَ الَّذِي نَسَخَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ. وَقَالَ: «أَلَا كُلُّ رِبًا مَوْضُوعٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا عَبَّاسٍ» وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: إِنَّمَا الْمَالُ الْإِبِلُ، وَإِنَّمَا الشُّجَاعُ عَلِيٌّ. [رِبَا الْفَضْلِ] (فَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَيَحْرُمُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ وَحَبَّةٍ بِحَبَّتَيْنِ) لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الذَّهَبُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَرَيَانِ الرِّبَا فِي الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا: هَلْ هُوَ لِمَعْنًى فِيهَا، أَوْ لِأَعْيَانِهَا؟ وَهَلْ عُرِفَ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَمْ لَا؟ فَعَنِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي الْمَعْنَى، وَلَمْ يُعَدِّهَا إلى غير السِّتَّةَ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ فِي الْمَعْنَى. وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ وَتَعَدِّيهَا إلى غير السِّتَّةَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، وَالْأَشْهَرُ عَنْ إِمَامِنَا وَمُخْتَارِ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ كَوْنُهُ مَوْزُونَ جِنْسٍ، وَفِي الْأَعْيَانِ الْبَاقِيَةِ كَوْنُهُ مَكِيلَ جِنْسٍ، فَعَلَيْهِ يَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ مَطْعُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَالْحُبُوبِ وَالْأُشْنَانِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا صُورَةً، وَالْجِنْسَ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا مَعْنًى فَكَانَا عِلَّةً، وَلَا يَجْرِي فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالْمَعْدُودَاتِ، فَعَلَى هَذَا تُبَاعُ بَيْضَةٌ وَخِيَارَةٌ وَبِطِّيخَةٌ وَرُمَّانَةٌ بِمِثْلِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَكِيلًا، وَلَا مَوْزُونًا، لَكِنْ نَقَلَ مُهَنَّا أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ بَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ. وَقَالَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجُوزُ إِسْلَامُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الْمَوْزُونِ وَبِهِ أُبْطِلَتِ الْعِلَّةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ شَمَلَهُمَا إِحْدَى عِلَّتَيْ رِبَا الْفَضْلِ يَحْرُمُ النَّسَاءُ فِيهِمَا وَلِهَذَا جَزَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ سَلَّمَ فَلِلْحَاجَةِ. وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَنْعُ، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْمَشَقَّةِ، وَلَهَا تَأْثِيرٌ لِاخْتِلَافِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 لَا يَحْرُمُ إِلَّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكُلِّ مَطْعُومٍ، وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ   [المبدع في شرح المقنع] مَعَانِيهَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا ثَمَنٌ، وَالْآخَرَ مُثَمَّنٌ وَلِلتَّسَامُحِ بِهَذَا دُونَ ذَاكَ، فَحَصَلَا فِي حُكْمِ الْجِنْسَيْنِ قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ أَيْ: مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا، وَإِنْ لَمْ يتأت فِيهِ ذَلِكَ كَالْحَبَّةِ بِالْحَبَّتَيْنِ، وَالْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ، أَوْ لِكَثْرَتِهِ كَالزُّبْرَةِ الْعَظِيمَةِ وَهَلْ يَعُمُّ كَمَعْمُولٍ مِنَ الْمَوْزُونِ بِأَصْلِهِ، أَوْ بِحَالِهِ بَعْدَ الْعَمَلِ؛ فَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ فَلْسٌ بِفَلْسَيْنِ، وَلَا سِكِّينٌ بِسِكِّينَيْنِ، وَلَا إِبْرَةٌ بِإِبْرَتَيْنِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْوَزْنُ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يُبَاعُ ثَوْبٌ بِثَوْبَيْنِ، وَكِسَاءٌ بِكِسَاءَيْنِ، فَنَقَلَ فِي " الْمُجَرَّدِ " حُكْمَ كُلٍّ إِلَى الْأُخْرَى، فَجَعَلَ فِيهِمَا جَمِيعًا رِوَايَتَيْنِ. اخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ الْمَنْعَ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ الْجَوَازَ نَظَرًا لِلْحَالِ، وَظَاهِرُ التَّعْلِيقِ وَالْجَامِعِ حَمْلُ النَّصِّ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ. (وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ إِلَّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكُلِّ مَطْعُومٍ) لِلْآدَمِيِّ نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ لِمَا رَوَى يَعْلَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَعَلَيْهَا وَعَلَى الثَّالِثَةِ الْعِلَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ الثَّمَنِيَّةُ، وَفِي غَيْرِهِمَا كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ فَيَخْتَصُّ بِالْمَطْعُومَاتِ؛ لِأَنَّ الطُّعْمَ وَصْفُ شَرَفٍ، إِذْ بِهِ قِوَامُ الْأَبْدَانِ، وَالثَّمَنِيَّةَ وَصْفُ شَرَفٍ، إِذْ بِهِ قِوَامُ الْأَمْوَالِ فَاقْتَضَى التَّعْلِيلُ ذَلِكَ، إِذْ لَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ الْوَزْنَ لَمَا جَازَ إِسْلَامُهَا فِي الْمَوْزُونَاتِ فَعَلَيْهَا يَجْرِي فِي كُلِّ مَطْعُومٍ قُوتًا كَانَ، أَوْ أُدْمًا، أَوْ فَاكِهَةً، أَوْ دَوَاءً وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَاءُ عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ لِإِبَاحَتِهِ فِي الْأَصْلِ وَبِأَنَّهُ لَا يُتَمَوَّلُ عَادَةً، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إِذِ الْعِلَّةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ هِيَ الْمَالِيَّةَ (وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ إِلَّا فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا) ، اخْتَارَهَا المؤلف والشيخ تَقِيُّ الدِّينِ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 إِلَّا فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَلَا يُبَاعُ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُسَيَّبِ مَرْفُوعًا «لَا رِبَا إِلَّا فِيمَا كِيلَ، أَوْ وُزِنَ مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدٍ وَمَنْ رَفَعَهُ، فَقَدْ وَهِمَ، وَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ، إِذِ الطُّعْمُ بِمُجَرَّدِهِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ بِهِ وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الصَّاعِ بِالصَّاعَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَطْعُومِ، لَكِنْ يَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ: بِأَنَّ الطَّعَامَ بَعْضُ أَفْرَادِ الصَّاعِ، وَيُجَابُ بِمُخَالَفَتِهِ لَهُ فِي الْمَفْهُومِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الثَّمَنِّيَةُ فِيهِمَا عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهَا فِي اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ وَنُقِضَتْ طَرْدًا بِالْفُلُوسِ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ، وَعَكْسًا بِالْحُلِيِّ، وَأُجِيبَ لِعَدَمِ النَّقْدِيَّةِ الْغَالِبَةِ. قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ ": يَجِبُ أَنْ يَقُولُوا إِذَا نَفَقَتْ حَتَّى لَا يُتَعَامَلَ إِلَّا بِهَا أنَّ فِيهَا الرِّبَا لِكَوْنِهَا ثَمَنًا غَالِبًا، فَعَلَيْهَا لَا يَجْرِي فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ كَالرُّمَّانِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالْأُتْرُجِّ، وَلَا فِي غَيْرِ مَطْعُومٍ كَالْأُشْنَانِ، وَالْحَدِيدِ وَيَجْرِي فِي النَّقْدَيْنِ تِبْرُهُمَا وَمَضْرُوبُهُمَا وَجَيِّدُهُمَا وَرَدِيئُهُمَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ كَيْفَمَا كَانَا. وَعَنْهُ: لَا يُبَاعُ صِحَاحٌ بِمُكَسَّرَةٍ لِزِيَادَتِهِ بِالصِّنَاعَةِ، وَلَا عَمَلَ عَلَيْهَا لِظَوَاهِرِ الْأَخْبَارِ. (وَلَا يُبَاعُ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا، وَلَا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ كَيْلًا) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا «الْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ فَمَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى» . فَاعْتَبَرَ الشَّارِعُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَوْزُونَاتِ بِالْوَزْنِ، وَفِي الْمَكِيلَاتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 وَزْنًا، وَلَا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ كَيْلًا، فَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا وَوَزْنًا وَجُزَافًا، وَالْجِنْسُ: مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْكَيْلِ، فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ خَرَجَ عَنِ الْمَشْرُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ، إِذِ الْمُسَاوَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ هِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي مِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ، وَلِأَنَّهُ مَتَى بَاعَ رِطْلًا مِنَ الْمَكِيلِ بِرِطْلٍ حَصَّلَ فِي الرِّطْلِ الْخَفِيفِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحَصِّلُ مِنَ الثَّقِيلِ فَيَخْتَلِفَانِ فِي الْكَيْلِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقِ التَّفَاضُلُ، إِذِ الْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ وَكَمَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ جُزَافًا إِلَّا إِذَا عَلِمَ مُسَاوَاتَهُ فِي مِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ حَالَةَ الْعَقْدِ. فَرْعٌ: إِذَا بَاعَ صُبْرَةً بِأُخْرَى مِنْ جِنْسِهَا، وَقَدْ عَلِمَا كَيْلَهُمَا، أَوْ تَسَاوِيَهُمَا، صَحَّ لِوُجُودِ التَّمَاثُلِ الْمُشْتَرَطِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ بِهَذِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَكِيلَتَا فَكَانَتْ سَوَاءً صَحَّ، فَإِنْ زَادَتْ إِحْدَاهُمَا: فَرَضِيَ صَاحِبُ النَّاقِصَةِ بِهَا، أَوْ رَضِيَ صَاحِبُ الزَّائِدَةِ بِرَدِّ الْفَضْلِ جَازَ، فَإِنِ امْتَنَعَا فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (فَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا وَوَزْنًا وَجُزَافًا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَجَازَ جُزَافًا كَالْمَكِيلِ بِالْمَوْزُونِ وَنَصُّهُ: لَا، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خَبَرِ جَابِرٍ عَنْ بَيْعِ الصُّبَرِ مِنَ الطَّعَامِ لَا يَدْرِي مَا كَيْلُ هَذَا، وَمَا كَيْلُ هَذَا، أَيْ: مُجَازَفَةً وَقِيَاسًا عَلَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَيُحْمَلُ الْخَبَرُ عَلَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، ثُمَّ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَاسِدٌ لِاشْتِرَاطِ التَّمَاثُلِ فِيهِ بِخِلَافِ الْجِنْسَيْنِ (وَالْجِنْسُ مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا) فَالْجِنْسُ هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْوَاعِهَا، وَالنَّوْعُ هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَشْخَاصِهَا، وَقَدْ يَكُونُ النَّوْعُ جِنْسًا وَبِالْعَكْسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْجِنْسُ الْأَخَصُّ، وَالنَّوْعُ الْأَخَصُّ فَكُلُّ نَوْعَيْنِ اجْتَمَعَا فِي اسْمٍ خَاصٍّ فَهُوَ جِنْسٌ، ثُمَّ مَثَّلَهُ. فَقَالَ: (كَالذَّهَبِ) ، وَأَنْوَاعُهُ: الْمِصْرِيُّ، وَالْأَشْرَفِيُّ (وَالْفِضَّةِ) ، وَأَنْوَاعُهَا: الْكَامِلُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ، وَفُرُوعُ الْأَجْنَاسِ أَجْنَاسٌ كَالْأَدِقَّةِ وَالْأَخْبَازِ وَالْأَدْهَانِ وَاللَّحْمِ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ، وَعَنْهُ: جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ، وَعَنْهُ: فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَالظَّاهِرِيُّ، (وَالْبُرِّ) ، وَأَنْوَاعُهُ: الْحَوْرَانِيُّ، وَالْبَقَاعِيُّ (وَالشَّعِيرِ) وَأَنْوَاعُهُ: الْعَرَبِيُّ، وَالرُّومِيُّ -. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِلنُّصُوصِ. وَعَنْهُ: جِنْسٌ وَاحِدٌ لِحَدِيثِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَلَيْهِمَا بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ - (وَالتَّمْرِ) وَأَنْوَاعُهُ: الْبَرْنِيُّ، وَالْمَعْقِلِيُّ، (وَالْمِلْحِ) ، وَأَنْوَاعُهُ: الْبَيْرُوتِيُّ، وَالْحَوْرَانِيُّ. قَالَهُ فِي " الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ "، وَالْأَبَازِيرُ جِنْسٌ (وَفُرُوعُ الْأَجْنَاسِ أَجْنَاسٌ كَالْأَدِقَّةِ، وَالْأَخْبَازِ، وَالْأَدْهَانِ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ يَتْبَعُ الْأَصْلَ فَلَمَّا كَانَتْ أُصُولُ هَذِهِ أَجْنَاسًا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ أَجْنَاسًا إِلْحَاقًا لِلْفُرُوعِ بِأُصُولِهَا، فَعَلَى هَذَا دَقِيقُ الْحِنْطَةِ جِنْسٌ وَدَقِيقُ الذُّرَةِ جِنْسٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَكَذَا الْبَوَاقِي، وَذَكَرَ فِي " النِّهَايَةِ " تَخْرِيجًا أَنَّ الْأَدْهَانَ الْمَائِعَةَ جِنْسٌ، وَأَنَّ الْفَاكِهَةَ كَتُفَّاحٍ وَسَفَرْجَلٍ جِنْسٌ، وَحُكْمُ الْخُلُولِ كَالْأَدْهَانِ. وَعَنْهُ: أَنَّ خَلَّ التَّمْرِ وَخَلَّ الْعِنَبِ جِنْسٌ، وَالْأَدْهَانُ إِنِ اخْتَلَفَتْ مَقَاصِدُهُمَا كَدُهْنِ الْوِرْدِ، وَالْبَنَفْسَجِ، وَالزَّنْبَقِ، وَالْيَاسَمِينِ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهَا شَيْرَجٌ، وَإِنَّمَا طُيِّبَتْ بِهَذِهِ الرَّيَاحِينِ فَنُسِبَتْ إِلَيْهَا (وَاللَّحْمُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ) ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهَا فُرُوعُ أُصُولٍ هِيَ أَجْنَاسٌ فَكَانَتْ أَجْنَاسًا كَالْأَخْبَازِ، فَعَلَى هَذَا الضَّأْنُ وَالْمَعَزُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " احْتِمَالُ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ (وَعَنْهُ: جِنْسٌ وَاحِدٌ) ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، لِأَنَّهُ يَشْمَلُهُ اسْمٌ وَاحِدٌ فَكَانَ جِنْسًا كَالطَّلْعِ وَيُرَجِّحُهُ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ. وَهِيَ كُلُّهَا طَعَامٌ، وَيَنْتَقِضُ بِعَسَلِ النَّحْلِ، وَالْقَصَبِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا اتَّفَقَ الْجِنْسُ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 اللَّحْمِ أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ؛ لَحْمِ الْأَنْعَامِ وَلَحْمِ الْوَحْشِ وَلَحْمِ الطَّيْرِ وَلَحْمِ دَوَابِّ الْمَاءِ. وَاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ، وَالْكَبِدِ أَجْنَاسٌ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ، وَفِي   [المبدع في شرح المقنع] (وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ) ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَبَنُ الْبَقَرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْوَحْشِيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ شَمَلَهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُمَا جِنْسَانِ، فَكَذَا لَبَنُهُمَا (وَعَنْهُ: فِي اللَّحْمِ أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ لَحْمُ الْأَنْعَامِ وَلَحْمُ الْوَحْشِ وَلَحْمُ الطَّيْرِ وَلَحْمُ دَوَابِّ الْمَاءِ) ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ وَحَمَلَ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ لَحْمَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ تَخْتَلِفُ الْمَنْفَعَةُ بِهَا، وَالْقَصْدُ إِلَى أَكْلِهَا، فَكَانَتْ أَجْنَاسًا، وَضَعَّفَهُ فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا أَجْنَاسًا لَا يُوجِبُ حَصْرَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَجْنَاسٍ لَا نَظِيرَ لَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَجْرِي فِي اللَّبَنِ، وَزَادَ فِي " الْفُرُوعِ " رَابِعَةً بِأَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ لَحْمُ أَنْعَامٍ وَطَيْرٍ وَدَوَابِّ الْمَاءِ، لَكِنْ فِي " الْكَافِي " أَنَّ الرِّوَايَاتِ ثلَاث " كَالْمُقْنِعِ ". ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْأَلْبَانِ مِنَ الْقَوْلِ مِثْلُ مَا فِي اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ يَتَّفِقُ اسْمُهَا، أَشْبَهَتِ اللَّحْمَ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْأَلْبَانَ يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ اللَّحْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهُوَ أَظْهَرُ لِاتِّحَادِهَا فِي الْمَعْنَى، وَفِيهِ شَيْءٌ لِامْتِنَاعِهِ فِي بَعْضِهَا. تَنْبِيهٌ: الدُّهْنُ، وَاللَّبَنُ مَكِيلَانِ. وَقِيلَ: اللَّبَنُ مَوْزُونٌ، وَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ بِاللِّبَأِ وَجْهَانِ، وَخَصَّهُمَا الْقَاضِي بِمَا إِذَا مَسَّتِ النَّارُ أَحَدَهُمَا، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ وَالسَّامَرِّيُّ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَمَاثِلًا لَا مُتَفَاضِلًا، وَلَا بُدَّ أَنْ تَمَسَّ النَّارُ أَحَدَهُمَا. (وَاللَّحْمُ، وَالشَّحْمُ، وَالْكَبِدُ) ، وَالْقَلْبُ، وَالْأَلْيَةُ (أَجْنَاسٌ) ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ، فَكَانَتْ أَجْنَاسًا كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ جِنْسٍ بِآخَرَ مُتَفَاضِلًا. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالشَّحْمِ مُطْلَقًا إِلَّا أَنْ يَتَمَاثَلَا، وَالْمَذْهَبُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 بَيْعِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَجْهَانِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيقِهِ، وَلَا بسَوِيقِهِ فِي أَصَحِّ   [المبدع في شرح المقنع] الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ كَالنَّقْدَيْنِ، فَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ لِكَوْنِ اللَّحْمِ لَا يَخْلُو مِنْ شَحْمٍ لَمْ يَصِحَّ لِكَوْنِهِ لَا يَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مَقْصُودٌ، وَقِيلَ: الشَّحْمُ، وَالْأَلْيَةُ جِنْسٌ وَأُطْلِقَ فِي " الْفُرُوعِ " الْخِلَافُ فِيهِمَا. مَسْأَلَةٌ: اللَّحْمُ الْأَبْيَضُ - كَسَمِينِ الظَّهْرِ - وَاللَّحْمُ الْأَحْمَرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى الْأَشْهَرِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ الْبَنَّا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ. وَفِي " الْمُغْنِي " أنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِقَوْلِهِ: اللَّحْمُ لَا يَخْلُو مِنْ شَحْمٍ قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا شَحْمًا، لَمْ يَخْتَلِطْ لَحْمٌ بِشَحْمٍ، وَفَرَّعَ هُوَ وَصَاحِبُ " الشَّرْحِ " عَلَى قَوْلِهِ: كُلُّ أَبْيَضٍ مِنَ الْحَيَوَانِ يَذُوبُ بِالْإِذَابَةِ وَيَصِيرُ دُهْنًا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] فَاسْتَثْنَى مَا حَمَلَتِ الظُّهُورُ مِنَ الشَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُهُ فِي لَوْنِهِ وَذَوْبِهِ وَمَقْصِدِهِ فَكَانَ شَحْمًا كَالَّذِي فِي الْبَطْنِ وَهَلْ لَحْمُ رَأْسٍ جِنْسٌ بِرَأْسِهِ كَالطِّحَالِ، أَوْ نَوْعٌ مِنْ لَحْمِ جِنْسِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. [بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ مِنْ جَنْسِهِ] (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ: لَا يَصِحُّ (بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ) لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثَابِتٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَعَنْ سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيِّ بِالْمَيِّتِ» . ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ رِبَوِيٌّ بِيعَ بِمَا فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ جَهَالَةِ الْمِقْدَارِ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نِيئِهِ بِمَطْبُوخِهِ، وَلَا أَصْلِهِ بِعَصِيرِهِ وَلَا خَالَصِهِ بِمَشُوبِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا كَانَ مَقْصُودُهُ بِالْحَيَوَانِ اللَّحْمَ (وَفِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ والأكثر لظاهر مَا سَبَقَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ فَقَالَ: أَعْطُونِي جُزْءًا بِهَذَا الْعَنَاقِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصْلُحُ هَذَا. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا لِأَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، وَالثَّانِي: الْجَوَازُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مَالٌ رِبَوِيٌّ بِيعَ بِغَيْرِ أَصْلِهِ، وَلَا جِنْسِهِ فَجَازَ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ وَبَنَاهُمَا فِي " الشَّرْحِ " عَلَى الْخِلَافِ فِي اللَّحْمِ هَلْ هُوَ جِنْسٌ، أَوْ أَجْنَاسٌ، وَعَلَى الْجَوَازِ يَحْرُمُ بَيْعُهُ نَسِيئَةً عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَلَحْمِ بَقَرٍ بِإِبِلٍ فَأَمَّا غَيْرُهُ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا الْجَوَازُ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَالْمَنْعُ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي " التَّذْكِرَةِ " مَذْهَبًا، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي " الْفُصُولِ "، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ كَقَوْلِ الْأَكْثَرِ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيقِهِ، وَلَا بِسَوِيقِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكِيلٌ وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَكِيلِ بِجِنْسِهِ التَّسَاوِي، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْحَبِّ تَنْتَشِرُ بِالطَّحْنِ، وَالنَّارَ قَدْ أَخَذَتْ مِنَ السَّوِيقِ. وَالثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ نَفْسُ الْحَبِّ، وَإِنَّمَا تَكَسَّرَتْ أَجْزَاؤُهُ فَجَازَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ كَالْحَبِّ الْمُكَسَّرِ بِالصِّحَاحِ فَعَلَيْهِ تعتبر الْمُسَاوَاةُ وَزْنًا، إِذِ التَّسَاوِي لَا يَحْصُلُ بِالْكَيْلِ وَعَلَّلَ أَحْمَدُ الْمَنْعَ، فَإِنَّ أَصْلَهُ كَيْلٌ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيُتَوَجَّهُ مِنْهُ بَيْعُ مَكِيلٍ وَزْنًا وَمَوْزُونٍ كَيْلًا، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَعَلَى الْمَنْعِ مَا إِذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ جَازَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 وَلَا رَطْبِهِ بِيَابِسِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُ دَقِيقِهِ بِدَقِيقِهِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي النُّعُومَةِ وَمَطْبُوخِهِ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجُوزُ بَيْعُ سَوِيقِ الشَّعِيرِ بِالْبُرِّ فِي رِوَايَةٍ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نِيئِهِ بِمَطْبُوخِهِ) كَالْحِنْطَةِ بِالْهَرِيسَةِ، أَوِ الْخُبْزِ وَالنَّشَاءِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ النَّارَ تَعْقِدُ أَجْزَاءَ الْمَطْبُوخِ وَتَنْفُخُهَا، فَلَا يَحْصُلُ التَّسَاوِي. فَرْعٌ: فَرْعُ الْحِنْطَةِ إِذَا جَمَعَ غَيْرَهُ كَالْهَرِيسَةِ، وَالْحَرِيرَةِ، وَالْفَالُوذَجِ، وَالسَّنَبُوسَكُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَلَا نَوْعٍ بِنَوْعٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ مَقْصُودٌ كَاللَّحْمِ فِي الْهَرِيسَةِ، وَالْعَسَلِ فِي الْفَالُوذَجِ، وَالْمَاءِ وَالدُّهْنِ فِي الْحَرِيرَةِ، فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ فَأَمَّا بَيْعُ الْحِنْطَةِ، وَمَا صُنِعَ مِنْهَا بِغَيْرِهَا مِنَ الْحُبُوبِ فَجَائِزٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا (وَلَا أَصْلِهِ بِعَصِيرِهِ) كَزَيْتُونٍ بِزَيْتٍ - وَفِيهِ نَقَلَ مُهَنَّا يُكْرَهُ - وَسِمْسِمٍ بِشَيْرَجٍ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ بِأُصُولِهَا وَالْعَصِيرِ بِأَصْلِهِ كَعَصِيرِ الْعِنَبِ، وَالرُّمَّانِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ رِبًا بِيعَ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ كَبَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ (وَلَا خَالَصِهِ بِمَشُوبِهِ) كَحِنْطَةٍ فِيهَا شَعِيرٌ بِخَالِصَةٍ، أَوْ لَبَنٍ مَشُوبٍ بِخَالِصٍ لِانْتِفَاءِ التَّسَاوِي الْمُشْتَرَطِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ يَسِيرًا كَحَبَّاتٍ وَيَسِيرِ التُّرَابِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالتَّمَاثُلِ، وَكَذَا بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْكَشْكِ، وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ إِذَا كَانَ اللَّبَنُ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي فِي الْكَشْكِ بِنَاءً عَلَى مُدِّ عَجْوَةٍ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَشُوبِ بِالْمَشُوبِ كَمَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ (وَلَا رَطْبِهِ بِيَابِسِهِ) كَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ لِمَا رَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ قَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» . رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَفِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ قَالَ: «فَلَا إِذَنْ» . نَهَى وَعَلَّلَ بِالنُّقْصَانِ إِذَا يَبِسَ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ رَطْبٍ بِيعَ بِيَابِسِهِ، وَلِأَنَّهُ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ عَلَى وَجْهٍ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنُّقْصَانِ، فَلَمْ يَجُزْ كَبَيْعِ الْمَقْلِيَّةِ بِالنِّيئَةِ، وَلَا يَلْزَمُ بَيْعُ الْجَدِيدِ بِالْعَتِيقِ، لِأَنَّ التَّفَاوُتَ يَسِيرٌ، لَكِنْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 بِمَطْبُوخِهِ وَخُبْزِهِ بِخُبْزِهِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي النُّشَافِ وَعَصِيرِهِ بِعَصِيرِهِ وَرَطْبِهِ بِرَطْبِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ سَعْدٍ، فَإِنَّ فِيهِ أَبَا عَيَّاشَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَالِكًا ذَكَرَهُ فِي مُوَطَّئِهِ، وَهُوَ لَا يَرْوِي عَنْ مَتْرُوكِ الْحَدِيثِ. (وَيَجُوزُ بَيْعُ دَقِيقِهِ بِدَقِيقِهِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي النُّعُومَةِ) لِتُسَاوِيهِمَا فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنُّقْصَانِ فِي ثَانِيهِ أَشْبَهَ بَيْعَ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَقَدَّمَ فِي " التَّبْصِرَةِ " خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ تَسَاوِيهِمَا حَالَةَ الْكَمَالِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالطَّحْنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَيْلًا؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مَكِيلَةٌ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَزْنًا لِأَنَّهُ أَضْبَطُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ سَلَّمَهُ فِي السَّوِيقِ، وَالدَّقِيقُ مِثْلُهُ، وَشَرْطُهُ التَّسَاوِي فِي النُّعُومَةِ؛ لِأَنَّهُمَا إِذَا تَفَاوَتَا فِيهَا فِي الْحَالِ تَفَاوَتَا فِي ثَانِيهِ فَيَصِيرُ كَبَيْعِ الْحَبِّ بِالدَّقِيقِ (وَمَطْبُوخِهِ بِمَطْبُوخِهِ) كَاللِّبَأِ، وَالْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ، وَالسَّمْنِ بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا. وَقِيلَ: إِنِ اسْتَوَيَا فِي عَمَلِ النَّارِ فَأَمَّا الْأَقِطُ بِالْأَقِطِ فَيُعْتَبَرُ تَسَاوِيهمَا بِالْكَيْلِ، وَالْجُبْنِ وَنَحْوِهِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ، وَفِيهِ احْتِمَالُ يُبَاعُ السَّمْنُ بِالْكَيْلِ كَالشَّيْرَجِ (وَخُبْزِهِ بِخُبْزِهِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي النُّشَافِ) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ رُطُوبَةً مِنَ الْآخَرِ لَا يَحْصُلُ التَّسَاوِي الْمُشْتَرَطُ، وَالِاسْتِوَاءُ فِي النُّشَافِ رَاجِعٌ إِلَى الْمَطْبُوخِ، وَالْخَبْزُ إِذَا بِيعَ بِمِثْلِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحَيْنِ "، فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي في الخبز وَزْنًا كَالنَّشَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ بِهِ عَادَةً، وَلَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ، لَكِنْ إِنْ يَبِسَ وَدُقَّ وَصَارَ فَتِيتًا بِيعَ بِمِثْلِهِ كَيْلًا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ كَيْلُهُ فَرُدَّ إِلَى أَصْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِيهِ وَجْهٌ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَيْهِ (وَعَصِيرِهِ بِعَصِيرِهِ) ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنَّقْصِ وَيُعْتَبَرُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْكَيْلِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ بِهِ عَادَةً، فَلَوْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ، فَلَوْ بَاعَ عَصِيرَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِثُفْلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنَ الْمُسْتَخْرَجِ كَشَيْرَجٍ بِكُسْبٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجُزْ إِلَّا عَلَى مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ شَيْءٌ جَازَ مُطْلَقًا (وَرَطْبِهِ بِرَطْبِهِ) كَالرُّطَبِ، وَالْعِنَبِ بِمِثْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ، وَهِيَ بَيْعُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ بِجِنْسِهِ، وَفِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: الْمَنْعُ حَكَاهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ شِهَابٍ، وَأَبُو حَفْصٍ وَحَمَلَ عَلَيْهِ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ لِنَصِّهِ عَلَيْهِ فِي اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّلَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ بِالنَّقْصِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الرَّطْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْقُصَانِ، إِذِ الْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي هُنَا كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالرَّطْبَانِ قَدِ اسْتَوَيَا فِي الْمِثْلِيَّةِ، فَدَخَلَا فِي عُمُومِ الْمُسْتَثْنَى، وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنَّقْصِ، أَشْبَهَ اللَّبَنَ بِمِثْلِهِ، وَخَرَجَ مِنْهُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَظَاهَرَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّسَاوِي فِي الْحَالِ، وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُشْتَرَطُ حَالًّا وَمَآلًا وَيُسْتَثْنَى عَلَيْهَا بَيْعُ رُطَبٍ لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ، أَوْ عِنَبٌ لَا يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ قَبْلَ جَفَافِهِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ كَمَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ، وَفَسَادَهُ فِي حَالِ جَفَافِهِ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ ". تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ رَطْبًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ مِنْهُ الْخِرَقِيُّ رَطْبًا، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ وَيُعْتَبَرُ نَزْعُ عَظْمِهِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِيَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ وَكَتَصْفِيَةِ الْعَسَلِ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ خِلَافَهُ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، لِأَنَّ الْعَظْمَ تَابِعٌ لِلَّحْمِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، أَشْبَهَ النَّوَى فِي التَّمْرِ، بِخِلَافِ الشَّمْعِ فِي الْعَسَلِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ فِعْلِ النَّحْلِ لَا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَعَلَّلَ فِي " الْفُرُوعِ " بِأَنْ قَالَ: الشَّمْعُ مَقْصُودٌ، وَإِلَّا فَمُدُّ عَجْوَةٍ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، فَهُوَ كَخُبْزٍ بِخُبْزٍ، وَخَلٍّ بِخَلٍّ، وَإِنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِلْحٌ وَمَاءٌ. [بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ] (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ) لِقَوْلِ أَنَسٍ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَالْفَسَادَ (وَهِيَ بَيْعُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ بِجِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 وَجْهَانِ، وَلَا الْمُزَابَنَةِ، وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ. إِلَّا فِي الْعَرَايَا،   [المبدع في شرح المقنع] الْحَبَّ إِذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ بِالْكَيْلِ، وَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، وَقَيَّدَ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ الْحَبَّ بِالْمُشْتَدِّ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ آخَرُونَ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ: الْمُحَاقَلَةُ: الْمُفَاعَلَةُ مِنَ الْحَقْلِ، وَهُوَ الزَّرْعُ إِذَا تَشَعَّبَ قَبْلَ أَنْ يَغْلُظَ سُوقُهُ (وَفِي بَيْعِهِ) بِمَكِيلٍ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لَا يَجُوزُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ بَيْعَ زَرْعِ الْحِنْطَةِ بِهَا إِنَّمَا سُمِّيَ مُحَاقَلَةً لِكَوْنِهِ فِي الْحَقْلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأَزْهَرِيِّ: الْحَقْلُ الْقَرَاحُ الْمَزْرُوعُ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِخَوْفِ التَّفَاضُلِ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْجِنْسَيْنِ (وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الْمُزَابَنَةِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمُزَابَنَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الزَّبْنِ، وَهُوَ الدَّفْعُ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَنْهُمَا يَزْبِنُ صَاحِبَهُ عَنْ حَقِّهِ بِمَا يَزْدَادُ مِنْهُ (وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ) ، وَقَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ «نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ» ، وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا. وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هِيَ وَالزَّبْنُ بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، إِذِ الزَّبْنُ فِي اللُّغَةِ الدَّفْعُ الشَّدِيدُ، وَمِنْهُ وُصِفَتِ الْحَرْبُ بِالزَّبُونِ لِشِدَّةِ الدَّفْعِ فِيهَا، وَمِنْهُ سُمِّيَ الشُّرَطِيُّ زَبِينًا؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّاسَ بِشِدَّةٍ، وَعُنْفٍ. [جَوَازُ بَيْعِ الْعَرَايَا] (إِلَّا فِي الْعَرَايَا) ، فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» ، وَكَذَا رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَسَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ، وَالْقِيَاسُ لَا يَعْمَلُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَالرُّخْصَةُ اسْتِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْحَاضِرِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ خَرْصًا بِمِثْلِهِ مِنَ التَّمْرِ كَيْلًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ   [المبدع في شرح المقنع] فَقِيلَ: هِيَ نَوْعٌ مِنَ الْعَطِيَّةِ خُصَّتْ بِاسْمٍ لَا بَيْعٍ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا رَجُلًا مُحْتَاجًا فَيَجْعَلُ ثَمَرَهَا لَهُ عَامًا. فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا أُفْرِدَ عَنْ جُمْلَةٍ سَوَاءٌ كَانَ لِلْهِبَةِ، أَوْ لِلْبَيْعِ، أَوْ لِلْأَكْلِ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَعْرِيَّةٌ مِنَ الْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ أَيْ: مُخْرَجَةٌ مِنْهُ (وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُؤوسِ النَّخْلِ) فَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَالرُّخْصَةُ وَرَدَتْ فِي بَيْعِهِ عَلَى أُصُولِهِ لِحُكْمِ الْأَخْذِ شَيْئًا فَشَيْئًا لِحَاجَةِ التَّفَكُّهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: «قُلْتُ لِزَيْدٍ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ؛ فَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي، وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا، وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنَ التَّمْرِ فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهُ رُطَبًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (خَرْصًا) لَا أَقَلَّ، وَلَا أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ الْخَرْصَ مَقَامَ الْكَيْلِ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ، كَمَا لَا يُعْدَلُ عَنِ الْكَيْلِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَيْلُ (بِمِثْلِهِ مِنَ التَّمْرِ) ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِخَرْصِهَا رُطَبًا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ التَّمْرِ مِثْلَ مَا حَصَلَ بِهِ الْخَرْصُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدٍ «أَنَّهُ أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا» (كَيْلًا) أَيْ: يَكُونُ التَّمْرُ الْمُشْتَرَى بِهِ كَيْلًا لَا جُزَافًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إِنَّهُ رُخِّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ سَقَطَ فِي أَحَدِهِمَا، وَأُقِيمَ الْخَرْصُ مَقَامَهُ لِلْحَاجَةِ فَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، شَكَّ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ أَحَدُ رُوَاتِهِ، وَهَذَا يَخُصُّ مَا سَبَقَ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِيهَا. وَعَنْهُ: بَلَى نَظَرًا لِعُمُومِ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَيْهَا فَالْمَعْرُوفُ الْمَجْزُومُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً (لِمَنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ) ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 أَوْسُقٍ لِمَنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ، وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ وَيُعْطِيهِ مِنَ التَّمْرِ مِثْلَ مَا   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ مَا أُبِيحُ لِلْحَاجَةِ لَمْ يُبَحْ مَعَ عَدَمِهَا كَالزَّكَاةِ لِلْمَسَاكِينِ، وَالرُّخَصِ فِي السَّفَرِ (وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ) أَيْ: مَعَ الْمُشْتَرِي. لِقَوْلِهِ: وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ حَاجَةُ الْبَائِعِ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى أَكْلِ التَّمْرِ، وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ إِلَّا الرُّطَبُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمَجْدُ بِجَوَازِهِ، وَهُوَ بِطْرِيقِ التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ لِحَاجَةِ التَّفَكُّهِ فَلِحَاجَةِ الِاقْتِيَاتِ أَوْلَى؛ إِذِ الْقِيَاسُ عَلَى الرُّخْصَةِ جَائِزٌ إِذَا فُهِمَتِ الْعِلَّةُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مِنْ صُوَرِ الْحَاجَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي " الْوَجِيزِ ": إِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْأَوْسُقُ إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْوَاهِبَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ دُخُولُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَخُرُوجُهُ فِي بُسْتَانِهِ، أَوْ كَرِهَ الْمَوْهُوبُ لَهُ دُخُولَ بُسْتَانِ غَيْرِهِ، وَهَذَا غَرِيبٌ. وَنَقَلَ الْمُؤَلِّفُ عَنِ الْقَاضِي، وَأَبِي بَكْرٍ اشْتِرَاطَ الْحَاجَةِ مِنَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي، وَالَّذِي قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ أنَّهُ يكْتَفي بِالْحَاجَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِهَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَرِيَّتَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ فِيهِمَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، فَإِنْ شَرَطْنَا الْحَاجَةَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَمَنِ اكْتَفَى بِهَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَلْغَى جَانِبَ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ إِلَّا الْمُشْتَرِيَ فَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ خَمْسِينَ وَسْقًا فِي عُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِشَرْطٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَلَوْ فِي صَفْقَتَيْنِ. (وَيُعْطِيهِ مِنْ التمر مِثْلِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ مَا فِي النَّخْلِ عِنْدَ الْجَفَافِ) هَذَا فِي مَعْنَى الْخَرْصِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَنْظُرَ: كَمْ يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ فَيَبِيعَهَا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُخْرَصُ فِي الزَّكَاةِ كَذَلِكَ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ، وَهُوَ الْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي دُونَ أَعْظَمِهِمَا، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالتَّفَاضُلِ (وَعَنْهُ: يُعْطِيهِ مِثْلَ رُطَبِهِ) لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْمُمَاثلَةِ فِي الْحَالِ بِالْكَيْلِ، فَإِذَا امْتَنَعَ فِي أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ الْحُلُولُ وَالْقَبْضُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ تَمْرٍ بِتَمْرٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ جَمِيعُ شُرُوطِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 يَؤُولُ إِلَيْهِ فِي النَّخْلِ عِنْدَ الْجَفَافِ، وَعَنْهُ: يُعْطِيهِ مِثْلَ رُطَبِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جِنْسٍ فِيهِ الرِّبَا بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَمَعَ أَحَدِهِمَا   [المبدع في شرح المقنع] إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ، وَيَخْتَلِفُ الْقَبْضُ فِيهِمَا، فَمَا عَلَى النَّخْلَةِ بِالتَّخْلِيَةِ، وَفِي التَّمْرِ بِاكْتِيَالِهِ، فَإِنْ سُلِّمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ مَشَيَا وَتَسَلَّمَ الْآخَرُ جَازَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مَوْهُوبَةً لِبَائِعِهَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَاخْتَارَ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " تَخْصِيصَهَا بِالْهِبَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ سِنْدِيٍّ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يَهِبَ الرَّجُلُ لِلْجَارِ، أَوِ ابْنِ الْعَمِّ النَّخْلَةَ، وَالنَّخْلَتَيْنِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا لِلرِّفْقِ (وَلَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَغَيْرُهَا لَا يُسَاوِيهَا فِي الْحَاجَةِ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعٍ وَسَهْلٍ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إِلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ، وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ» . وَالثَّانِي: يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ حَاجَةَ النَّاسِ إِلَى رُطَبِ هَذِهِ الثِّمَارِ كَحَاجَتِهِمْ إِلَى الرُّطَبِ فَجَازَ كَالنَّخْلِ وَأَطْلَقَهَا فِي " الْفُرُوعِ ". قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ، وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ فِي كَثْرَةِ الِاقْتِيَاتِ بِهِ وَسُهُولَةِ خَرْصِهِ فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي الْعِنَبِ لِقُوَّةِ شَبَهِهِ بِالرُّطَبِ، وَالِاقْتِيَاتِ، وَالتَّفَكُّهِ، وَغَيْرُهُمَا مُتَفَرِّقَةٌ مَسْتُورَةٌ بِالْوَرَقِ، فَلَا يَتَأَتَّى خَرْصُهَا بِخِلَافِ الرُّطَبِ، وَالْعِنَبِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَجَوَّزَهَا شَيْخُنَا فِي الزَّرْعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَخَرَّجَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَلَى ذَلِكَ بَيْعَ الْخُبْزِ الطَّرِيِّ بِالْيَابِسِ فِي بَرِيَّةِ الْحِجَازِ وَنَحْوِهَا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ بِالْمَغْشُوشَةِ نَظَرًا لِلْحَاجَةِ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جِنْسٍ فِيهِ الرِّبَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَمَعَ أَحَدِهِمَا، أَوْ مَعَهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمَا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ، أَوْ دِرْهَمَيْنِ، أَوْ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 أَوْ مَعَهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمَا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ، أَوْ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ، أَوْ يَكُونُ مَعَ كُلِّ   [المبدع في شرح المقنع] أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ وَتُسَمَّى مَسْأَلَةَ مُدِّ عَجْوَةٍ لِمَا رَوَى فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ بِسَبْعَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا حَتَّى يُمَيَّزَ مَا بَيْنَهُمَا قَالَ: فَرَدَّهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ. وَلِأَنَّ الصَّفْقَةَ إِذَا جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْقِيمَةِ انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا، كَمَا لَوِ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِقِسْطِهِ مِنْهُ، وَهَذَا يُؤَدِّي هُنَا إِمَّا إِلَى الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، أَوْ إِلَى الْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي وَكَلَاهُمَا مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ، فَإِنَّهُ إِذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَمُدًّا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ بِمُدَّيْنِ يُسَاوِيَانِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الدِّرْهَمُ فِي مُقَابَلَةِ ثُلْثَيْ مُدٍّ وَيَبْقَى مُدٌّ فِي مُقَابَلَةِ مُدٍّ وثلث، وَذَلِكَ رِبًا، فَلَوْ فُرِضَ التَّسَاوِي كَمُدٍّ يُسَاوِي دِرْهَمًا، وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ يُسَاوِي دِرْهَمًا، وَدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ، فَإِنَّ التَّقْوِيمَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ، فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ الْمُسَاوَاةُ، وَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، فَلَوْ كَانَا مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ زَرْعٍ وَاحِدٍ وَنَقْدٍ وَاحِدٍ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِجَوَازِ أَنْ يَتَغَيَّرَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ فَتَنْقُصَ قِيمَتُهُ وَحْدَهُ. وَصَحَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ هَذَا الْوَجْهَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّا لَا نُقَابِلُ مُدًّا بِمُدٍّ وَدِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ بَلْ نُقَابِلُ مُدًّا بِنِصْفِ مُدٍّ وَنِصْفَ دِرْهَمٍ، بِدَلِيلِ لَوْ خَرَجَ مُسْتَحِقًّا لَاسْتَرَدَّ ذَلِكَ، وَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي مَوْجُودٌ، وَهَذِهِ هِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ. وَضَعَّفَهَا الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ فَقَالَ: لِأَنَّ الْمُنْقَسِمَ هُوَ قِيمَةُ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ الْمُثَمَّنِ، لَا أَجْزَاءُ أَحَدِهِمَا عَلَى قِيمَةِ الْآخَرِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى الْمَنْعِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الرِّبَا، فَإِنَّ اتِّخَاذَ ذَلِكَ حِيلَةً عَلَى الرِّبَا الصَّرِيحِ، كَبَيْعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ بِمِائَتَيْنِ جَعْلًا لِلْمِائَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْكِيسِ، وَقَدْ لَا يُسَاوِي دِرْهَمًا (وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ) كَمُدَّيْنِ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ (أَوْ يَكُونُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) كَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ جَعْلًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 وَاحِدٍ مِنْهُمَا من غير جِنْسُهُ، وَإِنْ بَاعَ نَوْعَيْ جِنْسٍ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ كَدِينَارٍ قُرَاضَةٍ وَصَحِيحٍ بِصَحِيحَيْنِ، جَازَ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعِنْدَ الْقَاضِي هِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى بِمَا نَوَاهُ فِيهِ، وَفِي بَيْعِ النَّوَى بِتَمْرٍ فِيهِ النَّوَى،   [المبدع في شرح المقنع] لِغَيْرِ الْجِنْسِ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنْسِ، أَوْ فِي مُقَابَلَةِ الزِّيَادَةِ، وَشَرَطَ السَّامَرِّيُّ وَغَيْرُهُ فِيهَا التَّسَاوِيَ جَعْلًا لِكُلِّ جِنْسٍ فِي مُقَابَلَةِ جِنْسِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْجِنْسِ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْقِيمَةِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً عَلَى الرِّبَا وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُحَلَّى بِجِنْسِ حِلْيَتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِي بَيْعِهِ بِنَقْدٍ آخَرَ رِوَايَتَانِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَرْضٍ رِوَايَةً وَاحِدَةً فَأَمَّا مَا لَا يُقْصَدُ عَادَةً، وَلَا يُبَاعُ مُفْرَدًا كَتَزْوِيقِ الدَّارِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنَ الْبَيْعِ بِجِنْسِهِ اتِّفَاقًا. (وَإِنْ بَاعَ نَوْعَيْ جِنْسٍ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ كَدِينَارٍ قُرَاضَةٍ) أَيْ: قِطَعِ الذَّهَبِ (وَصَحِيحٍ بِصَحِيحَيْنِ جَازَ، أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ) ، اخْتَارَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " التَّرْغِيبِ "، وَ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ الْمِثْلِيَّةَ فِي ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ عِنْدَهَا وَهِيَ فِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا، وَفِي الْمَكِيلِ كَيْلًا، وَالْجَوْدَةُ سَاقِطَةٌ هُنَا، أَشْبَهَ مَا لَوِ اتَّفَقَ النَّوْعُ (وَعِنْدَ الْقَاضِي) ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " (هِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا) أَيْ: كَمَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى عِوَضِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِ فِي قِيمَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ إِذِ الثَّمَنُ إِنَّمَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ فِيمَا يَشْتَمِلُ عَلَى جِنْسَيْنِ، أَوْ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ بَاعَ بِنَوْعٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي " الْفُرُوعِ " شَيْئًا، وَعَنْهُ: يُمْنَعُ فِي النَّقْدِ وَيَجُوزُ فِي الثَّمَنِ. نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ فِي غَيْرِ الْأَثْمَانِ يَكْثُرُ اخْتِلَاطُهَا وَيَشُقُّ تَمْيِيزُهَا فَعُفِيَ عَنْهَا بِخِلَافِ الْأَثْمَانِ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى بِمَا نَوَاهُ فِيهِ) لِاشْتِمَالِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، وَكَذَا لَوْ نَزَعَ النَّوَى، ثُمَّ بَاعَ النَّوَى وَالتَّمْرَ بِنَوًى وَتَمْرٍ، لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ قَدْ زَالَتْ فَصَارَ كَمُدِّ عَجْوَةٍ، فَلَوْ كَانَا مَنْزُوعَيِ النَّوَى جَازَ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَاةٌ (وَفِي بَيْعِ النَّوَى بِتَمْرٍ فِيهِ النَّوَى، وَاللَّبَنِ بِشَاةٍ ذَاتِ لَبَنٍ، وَالصُّوفِ بِنَعْجَةٍ عَلَيْهَا صُوفٌ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 وَاللَّبَنِ بِشَاةٍ ذَاتِ لَبَنٍ، وَالصُّوفِ بِنَعْجَةٍ عَلَيْهَا صُوفٌ رِوَايَتَانِ وَالْمَرْجِعُ فِي الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ إِلَى عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا لَا عُرْفَ لَهُ بِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ النَّوَى فِي التَّمْرِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا مُمَوَّهٌ سَقْفُهَا بِذَهَبٍ. وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ نَقَلَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُهَنَّا؛ لِأَنَّ النَّوَى مَكِيلٌ فَيَصِيرُ كَمُدِّ عَجْوَةٍ، وَالصُّوفُ، وَاللَّبَنُ كَذَلِكَ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي " الْفُرُوعِ " شَيْئًا، وَزَادَ إِذَا بَاعَهُ دِرْهَمًا فِيهِ نُحَاسٌ بِنُحَاسٍ، أَوْ بِمِثْلِهِ. وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " الْجَوَازَ فِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ عَنِ ابْنِ حَامِدٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الشَّاةُ حَيَّةً، أَوْ مُذَكَّاةً، ثُمَّ عَلَّلَ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِأَصْلِهِ فِيهِ مِنْهُ، أَشْبَهَ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّحْمَ فِي الْحَيَوَانِ مَقْصُودٌ بِخِلَافِ اللَّبَنِ، وَالصُّوفِ، فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ لَبَنِ الشَّاةِ جَازَ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ إِذَا قُلْنَا: جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَلَوْ كَانَتِ الشَّاةُ مَحْلُوبَةَ اللَّبَنِ جَازَ بَيْعُهَا بِمِثْلِهَا وَبِاللَّبَنِ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ، أَشْبَهَ الْمِلْحَ فِي الشَّيْرَجِ وَحَبَّاتِ الشَّعِيرِ فِي الْحِنْطَةِ، لَكِنْ لَوْ بَاعَ بُرًّا بِشَعِيرٍ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ يَقْصِدُ تَحْصِيلَهُ مُنِعَ عَلَى الْأَصَحِّ. فَرْعٌ: إِذَا بَاعَ نَخْلَةً عَلَيْهَا تَمْرٌ بِتَمْرٍ، أَوْ بِنَخْلَةٍ عَلَيْهَا تَمْرٌ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْقَاضِي، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ خِلَافَهُ. (وَالْمَرْجِعُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إِلَى عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ، وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ مَكَّةَ» وَقَوْلُهُ يُحْمَلُ عَلَى تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ، فَمَا كَانَ مَكِيلًا فِي زَمَنِهِ انْصَرَفَ التَّحْرِيمُ بِتَفَاضُلِ الْكَيْلِ إِلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ، وَكَذَا الْمَوْزُونُ (وَمَا لَا عُرْفَ لَهُ بِهِ) أَيْ: بِالْحِجَازِ (فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْآخَرُ يُرَدُّ إِلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ. فَصْلٌ وَأَمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ فَكُلُّ شَيْئَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرْفٌ فِي الشَّرْعِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ، وَالْحِرْزِ، فَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْبِلَادُ اعْتُبِرَ الْغَالِبُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَيَّنَ الْوَجْهُ الْآخَرُ (وَالْآخَرُ يُرَدُّ إِلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ بِالْحِجَازِ) ؛ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تُرَدُّ إِلَى الْأَشْبَهِ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ: " هُوَ الْقِيَاسُ. فَائِدَةٌ: لَوْ اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ كَيْلًا وَبِالْعَكْسِ جَازَ إِنْ قُلْنَا هِيَ إِفْرَازُ حَقٍّ، وَإِلَّا بَطَلَ، وَيَجُوزُ التَّعَامُلُ بِكَيْلٍ لَمْ يُعْهَدْ. قَالَهُ فِي " النِّهَايَةِ "، وَ " التَّرْغِيبِ ". [رِبَا النَّسِيئَةِ] فَصْلٌ (وَأَمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ) فَقَالَ: النَّسَاءُ بِالْمَدِّ هُوَ التَّأْخِيرُ، يُقَالُ: نَسَأْتُ الشَّيْءَ، وَأَنْسَأْتُهُ أَخَّرْتُهُ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى مَعْنَاهُ الْخَاصِّ هُنَا، فَقَالَ: (فَكُلُّ شَيْئَيْنِ) أَيْ: جِنْسَيْنِ (لَيْسَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا) يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مِنَ الْأَثْمَانِ وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ النَّسَاءُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَرْخَصَ فِي السَّلَمِ، وَالْأَصْلُ فِي رَأْسِ مَالِهِ النَّقْدَانِ، فَلَوْ حُرِّمَ النَّسَاءُ فِيهِ لَانْسَدَّ بَابُ السَّلَمِ فِي الْمَوْزُونَاتِ غَالِبًا إِلَّا صَرْفَ فَلَوْسٍ نَافِقَةٍ بِنَقْدٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُلُولُ، وَالْقَبْضُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا بِنَقْدٍ مَقْبُوضٍ وَجْهَانِ (عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ كَالْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَمَنْ جَعَلَ الْعِلَّةَ الثَّمَنِيَّةَ وَالطُّعْمَ، فَيُمَثِّلُ بِالطُّعْمِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى قَوْلِهِ: لَيْسَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَا تَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَمَنْ جَعَلَهَا الْوَزْنَ وَالطُّعْمَ، أَوْ هُوَ وَالْكَيْلَ، فَيُمَثِّلُ بِالتَّمْرِ وَنَحْوِهِ (لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 كَالْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ، لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنْ بَاعَ مَكِيلًا بِمَوْزُونٍ جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِي النَّسَاءِ رِوَايَتَانِ. وَمَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ كَالثِّيَابِ، وَالْحَيَوَانِ يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا،   [المبدع في شرح المقنع] إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» إِلَى آخِرِهِ وَمَعْنَاهَا عَلَى اخْتِلَافِ لُغَاتِهَا: خُذْ وَهَاتِ فِي الْحَالِ كَـ " يَدًا بِيَدٍ " (وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ الْعَقْدُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» . وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَبْضُ، وَلِأَنَّهُمَا مَالَانِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا عِلَّتُهُمَا مُتَّفِقَةٌ فَحُرِّمَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالصَّرْفِ (وَإِنْ بَاعَ مَكِيلًا) كَالْبُرِّ (بِمَوْزُونٍ) كَاللَّحْمِ (جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ) رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّ عِلَّتَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَلَمْ يُشْتَرَطِ الْقَبْضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ كَالثَّمَنِ بِالثَّمَنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وُجُوبُ التَّقَابُضِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَلَى رِوَايَةِ مَنْعِ النَّسَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ عُبَادَةَ (وَفِي النَّسَاءِ رِوَايَتَانِ) ، وَكَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا لَيْسَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا فَحُرِّمَ النَّسَاءُ فِيهِمَا كَالْمَكِيلِ بِمِثْلِهِ. وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي أَحَدِ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ أَشْبَهَ الثِّيَابَ بِالْحَيَوَانِ، وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ فِيمَا إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعِلَّةِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ رِبَوِيٍّ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَعِنْدَ مَنْ يُعَلِّلُ بِالطُّعْمِ لَا يُجِيزُهُ هُنَا وَجْهًا وَاحِدًا. [مَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِ] (وَمَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ كَالثِّيَابِ، وَالْحَيَوَانِ يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا) عَلَى الْمَذْهَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ وَيَجُوزُ   [المبدع في شرح المقنع] «لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَإِذَا جَازَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَفِي الْجِنْسَيْنِ أَوْلَى. قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ ": فَإِنْ قِيلَ: لَعَلَّهُ ابْتَاعَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لَا فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، قُلْنَا: إِنَّمَا ابْتَاعَ فِي ذِمَّتِهِ وَلِلْإِمَامِ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ وَيَقْضِيهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَا أَجَابَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا فِي الذِّمَمِ وَمَتَى أُطْلِقَتِ الْأَعْوَاضُ تَعَلَّقَتْ بِهَا، وَلَوْ عُيِّنَتِ الدُّيُونُ فِي أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ لَمْ يَصِحَّ فَكَيْفَ إِذَا أُطْلِقَتْ، فَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْجِنْسُ شَرْطٌ مَحْضٌ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ قِيَاسًا عَلَى كُلِّ شَرْطٍ كَالْإِحْصَانِ مَعَ الزِّنَى (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ) ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو بَكْرٍ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالْجِنْسَيْنِ، وَلِأَنَّهُ بَيْعُ عَرْضٍ بِعَرْضٍ فَحُرِّمَ النَّسَاءُ فِيهِمَا كَالْجِنْسَيْنِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ عِلَّةُ النَّسَاءِ الْمَالِيَّةَ، وَضُعِّفَ فِي " الْمُغْنِي " وَأَقَرَّهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ إِثْبَاتُ حُكْمٍ يُخَالِفُ الْأَصْلَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ لَا يُصَحِّحُ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ. قَالَهُ الْأَثْرَمُ. (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ وَيَجُوزُ فِي الْجِنْسَيْنِ كَالثِّيَابِ بِالْحَيَوَانِ) لِحَدِيثِ سَمُرَةَ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِمَنْطُوقِهِ، وَعَلَى الْجَوَازِ فِي الْجِنْسَيْنِ بِمَفْهُومِهِ، وَلِأَنَّ الْجِنْسَ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ فَمُنِعَ النَّسَاءُ كَالْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ شَرْطٌ لِجَرَيَانِ رِبَا الْفَضْلِ، أَوْ مَحَلٌّ فِي ذَلِكَ لَا وَصْفٌ فِي الْعِلَّةِ، وَفِيهِ رَابِعَةٌ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إِلَّا فِيمَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، اخْتَارَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 فِي الْجِنْسَيْنِ كَالثِّيَابِ بِالْحَيَوَانِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. فَصْلٌ وَمَتَى افْتَرَقَ الْمُتَصَارِفَانِ قَبْلَ التَّقَابُضِ، أَوِ افْتَرَقَا عَنْ مَجْلِسِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ   [المبدع في شرح المقنع] الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَصْلُحُ الْحَيَوَانُ بِالْحَيَوَانِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ نَسِيئَةً، وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ الْوَاحِدِ بِالْوَاحِدِ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ لِمُوَافَقَتِهَا الْأَصْلَ، وَالْأَحَادِيثُ الْمُخَالِفَةُ لَهَا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا. قَالَهُ أَحْمَدُ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ حُرِّمَ، فَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِ الْعَرْضَيْنِ نَقْدٌ، فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ مُؤَجَّلًا جَازَ، إِذْ لَا نَسَاءَ بَيْنَ الثَّمَنِ، وَالْمُثَمَّنِ، وَلَوْ كَانَ النَّقْدُ حَالًّا وَالْعَرْضَانِ وَأَحَدُهُمَا نَسِيئَةً لَمْ يَجُزْ، نَصَّ عَلَيْهِ حِذَارًا مِنَ النَّسِيئَةِ فِي الْعُرُوضِ. [بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ] (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ) بِالْهَمْزِ فِيهِمَا وَبَعْضُ الرُّوَاةِ يَتْرُكُهُ تَخْفِيفًا (وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا لِقَوْلِهِ: نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» . رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ، وَهُوَ بَيْعُ مَا فِي الذِّمَّةِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ. [إِذَا افْتَرَقَ الْمُتَصَارِفَانِ قَبْلَ التَّقَابُضِ] فَصْلٌ (وَمَتَّى افْتَرَقَ الْمُتَصَارِفَانِ قَبْلَ التَّقَابُضِ، أَوِ افْتَرَقَا عَنْ مَجْلِسِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ مَالِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّرْفَ بَيْعُ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَالْقَبْضُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» . وَالْمَجْلِسُ هُنَا كَمَجْلِسِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، فَلَا يَضُرُّ طُولُهُ مَعَ تَلَازُمِهِمَا، فَلَوْ مَشَيَا إِلَى مَنْزِلِ أَحَدِهِمَا مُصْطَحِبَيْنِ صَحَّ، وَقَبْضُ الْوَكِيلِ كَقَبْضِ مُوَكِّلِهِ بِشَرْطِ قَبْضِهِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مُوَكِّلِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 رَأْسِ مَالِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ، ثُمَّ افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَبْطُلُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ، وَإِنْ تَقَابَضَا ثُمَّ افْتَرَقَا فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا مَا قَبَضَهُ رَدِيئًا فَرَدَّهُ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى إِنْ قَبَضَ عِوَضَهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَجْلِسَ، كَتَعَلُّقِهِ بِعَيْنِهِ، فَلَوْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ فَسَدَ الصَّرْفُ، وَإِنْ قَبَضَ الْوَكِيلُ فِي الْمَجْلِسِ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ لِعَدَمِ تَمَامِ الْعَقْدِ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ بَطَلَ الْعَقْدُ يُوهِمُ وُجُودَ عَقْدٍ، ثُمَّ بُطْلَانَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الْقَبْضُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ إِلَّا بِهِ. وَلِهَذَا قَالَ الْخِرَقِيُّ: فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا قَبْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَسَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ (وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ) فِي الْمَجْلِسِ (ثُمَّ افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَبْطُلُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ) فَقَطْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا صَرْفَ بَيْنَهُمَا فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَمَا قَبَضَ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَالْمَذْهَبُ هُنَا الْبُطْلَانُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، فَلَوْ صَارَفَ رَجُلًا دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةٌ لَمْ يَجُزْ تَفَرُّقُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ الْعَشَرَةِ، فَإِنْ قَبَضَ الْخَمْسَةَ، ثُمَّ افْتَرَقَا، فَعَلَى مَا سَبَقَ، فَإِنْ أَرَادَ صِحَّةَ الْعَقْدِ، فَسَخَا الصَّرْفَ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ عِوَضُهُ، أَوْ يَفْسَخَانِ الْعَقْدَ كُلَّهُ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ نِصْفَ الدِّينَارِ بِخَمْسَةٍ وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الدِّينَارَ كُلَّهُ فَيَكُونُ نِصْفُهُ لَهُ، وَالْبَاقِي أَمَانَةً فِي يَدِهِ، ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ. فَرْعٌ: إِذَا تَخَايَرَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَبْطُلِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ إِنْ قِيلَ بِلُزُومِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَبْقَ فِيهِ خِيَارٌ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْفُرْقَةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الشَّرْطَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَقَدْ وُجِدَ (وَإِنْ تَقَابَضَا، ثُمَّ افْتَرَقَا فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا مَا قَبَضَهُ رَدِيئًا فَرَدَّهُ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَمْعٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَ مَالِ الصَّرْفِ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ، وَلَمْ يُوجَدْ لِتَفَرُّقِهِمَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالسَّوَادِ فِي الْفِضَّةِ، وَالْوُضُوحِ فِي الذَّهَبِ، وَمَا إِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالرَّصَاصِ فِي الْفِضَّةِ وَنَحْوِهِ، وَالْمَذْهَبُ فِيهِ الْبُطْلَانُ وَحَمَلَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى الْأَخِيرِ، وَشَرَطَ فِي " الْمُغْنِي " كَوْنَ الْعَيْبِ مِنَ الْجِنْسِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ لَمْ يَبْطُلْ، وَإِنْ رَدَّ بَعْضَهُ، وَقُلْنَا: يَبْطُلُ فِي الْمَرْدُودِ فَهَلْ يَبْطُلُ فِي غَيْرِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: يَجِبُ حَمْلُ لَفْظِهِ هُنَا عَلَى ذَلِكَ إِذَا قُلْنَا: قَبْضُ الْبَدَلِ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِهِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَقُومُ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ (وَالْأُخْرَى: إِنْ قَبَضَ عِوَضَهُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ لَمْ يَبْطُلْ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ عِوَضِهِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِهِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ (وَإِنْ رَدَّ بَعْضَهُ وَقُلْنَا: يَبْطُلُ فِي الْمَرْدُودِ، فَهَلْ يَبْطُلُ فِي غَيْرِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الصَّرْفَ يَقَعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَلَوْ بِوَزْنٍ مُتَقَدِّمٍ، أَوْ خَبَرِ صَاحِبِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ دِينَارًا مِصْرِيًّا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ نَاصِرِيَّةٍ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُعَيَّنًا دُونَ الْآخَرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ إِذَا تَقَابَضَا، ثُمَّ وَجَدَ أَحَدُهُمَا عَيْبًا فِيمَا قَبَضَهُ فَيَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَالصَّرْفُ فِيهِ بَاطِلٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَهَذَا هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مُتَعَذِّرٌ لِتَعَلُّقِ الْبَيْعِ بِالْعَيْنِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذَا الْبَغْلَ، فَإِذَا هُوَ حِمَارٌ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَلَهُ رَدُّهُ، وَأَخْذُ الْبَدَلِ، وَعَنْهُ: يَقَعُ لَازِمًا، فَلَا رَدَّ، وَلَا بَدَلَ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: إِنْ ظَهَرَ الْبَعْضُ مَعِيبًا بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَهَلْ يَبْطُلُ فِي غَيْرِهِ؟ فِيهِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ فَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ وَجَعْفَرٌ بُطْلَانَ الْعَقْدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ، وَالْإِمْسَاكِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنِ اخْتَارَ الرَّدَّ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ الْبَدَلِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَرَضًا، لِأَنَّ الْمَبِيعَ تَعَلُّقٌ بِعَيْنِهِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهِ، وَإِنِ اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ فَلَهُ ذَلِكَ. وَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ، كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "؛ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأَرْشِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ وَمَنَعَ أَبُو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْخَطَّابِ مِنْ أَخْذِ الْأَرْشِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، سَنَدُهُ امْتِنَاعُ أَخْذِ الْأَرْشِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ عَلَى رِوَايَةٍ، فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَرْشِ مِنِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا لِفَوَاتِ الْمُمَاثَلَةِ الْمُشْتَرَطَةِ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا بِالْجَوَازِ فِي الْمَجْلِسِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ طَرَأَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ صَرَّحَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْجِنْسُ، وَالْجِنْسَانِ، وَفِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ. وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَوْلًا فِي صُورَةِ تَلَفِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَيَجُوزُ فِي الْجِنْسَيْنِ مُطْلَقًا أَعْنِي فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ عَلَى ظَاهِرِ إِطْلَاقِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ عِوَضٌ عَنِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ فِي الثَّمَنِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الْفُرُوعِ " لَهُ أَخْذُ أَرْشِ الْعَيْبِ فِي الْمَجْلِسِ، وَكَذَا بَعْدَهُ إِنْ جَعَلَا أَرْشَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ فِيهِ كَبَيْعِ بُرٍّ بِشَعِيرٍ فَيَجِدُ أَحَدُهُمَا عَيْبًا فَيَأْخُذُ أَرْشَهُ دِرْهَمًا بَعْدَ التَّفَرُّقِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: لَهُ رَدُّهُ وَبَدَلُهُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْعَيْبِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ عَيْنِهِ، وَهُوَ الصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ، فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ كَحَالَةِ الْعَقْدِ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَهُ عَيْبًا فَلَهُ بَدَلُهُ وَلَهُ الْإِمْسَاكُ إِذْ قُصَارَاهُ الرِّضَى بِدُونِ حَقِّهِ، وَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْجِنْسَيْنِ لَا الْجِنْسِ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا، وَالْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَوْ غَيْرِهِ، فَعَنْهُ لَهُ بَدَلُهُ وَأَخْذُ الْأَرْشِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ بَدَلُهُ فَيَفْسَخُ أَوْ يُمْسِكُ الْجَمِيعَ، وَلَا أَرْشَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَيُعْتَبَرُ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ إِنْ وُجِدَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَاخْتَارَ الرَّدَّ، فَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ؟ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ لِوُجُودِ التَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ لَا يَبْطُلُ وَلَهُ الْبَدَلُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي اخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ، وَالْخَلَّالِ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَقَعَ صَحِيحًا، إِذْ بَدَلُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَفِيهِ ثَالِثَةٌ أَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ لَازِمًا، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إِلْزَامُ الْعَاقِدِ بِمَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، فَعَلَى الْأُولَى: إِنْ وَجَدَ الْبَعْضَ رَدِيئًا فَرَدَّهُ بَطَلَ فِيهِ، وَفِي الْبَاقِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَهُ بَدَلُ الْمَرْدُودِ فِي مَجْلِسِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 فَلَا يَجُوزُ إِبْدَالُهَا، وَإِنْ وَجَدَهَا مَعِيبَةً خُيِّرَ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ، وَالْفَسْخِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الرَّدِّ وَلَهُ الْإِمْسَاكُ، لَكِنْ إِنْ طَلَبَ مَعَهُ أَخْذَ الْأَرْشِ فَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " لَهُ ذَلِكَ عَلَى الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى، وَأَمَّا عَلَى الْمُحَقَّقِ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْجِنْسَيْنِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ (وَالدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِوَضٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ فِي الْعَقْدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ كَسَائِرِ الْأَعْوَاضِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ كَالْآخَرِ، وَلِأَنَّ مَا تَعَيَّنَ فِي الْغَصْبِ وَالْوَدِيعَةِ تَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ كَالْعَرْضِ، وَمَعْنَى تَعْيِينِهِ فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ إِذَا طُولِبَ بِهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ، وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ عُبَادَةَ " عَيْنًا بِعَيْنٍ " فَيُسْتَدَلُّ بِهِ، إِذْ لَوْ كَانَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَكُنْ عَيْنًا بِعَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ بِهَذَا الْوَصْفِ إِذَا مُلِكَتْ عَيْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَفِيهِ شَيْءٌ، إِذْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يُبَاعَ الذَّهَبُ بِمِثْلِهِ إِلَّا عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ (فَلَا يَجُوزُ إِبْدَالُهَا) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاقِعٌ عَلَى عَيْنِهَا. (وَإِنْ وَجَدَهَا مَعِيبَةً خُيِّرَ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ، وَالْفَسْخِ) كَالْعِوَضِ الْآخَرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا أَرْشَ مَعَ الْإِمْسَاكِ، وَهُوَ كَذَلِكَ (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُمْسِكَ وَيُطَالِبَ بِالْأَرْشِ) ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ أَشْبَهَ سَائِرَ الْمَبِيعَاتِ هَذَا إِذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِ النُّقُودِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا بَطَلَ الْعَقْدُ إِذَا كَانَ فِي جَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا بَطَلَ فِيهِ، وَفِي الْبَاقِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَغَيْرُهُ، وَفِي " الْمُغْنِي " لَا أَرْشَ لَهُ مَعَ الْإِمْسَاكِ إِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَثَلِهِ كَالدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأَرْشِ يُفْضِي إِلَى التَّفَاضُلِ الْمُحَرَّمِ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا بِجَوَازِهِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ طَرَأَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَرَدَّهُ الْمُؤَلِّفُ، وَإِنْ وَقَعَ على غير مِثْله كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ حُصُولُ زِيَادَةٍ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَلَا يُمْنَعُ ذَلِكَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 يُمْسِكَ وَيُطَالِبَ بِالْأَرْشِ، وَإِنْ خَرَجَتْ مَغْصُوبَةً بَطَلَ الْعَقْدُ، وَالْأُخْرَى: لَا تَتَعَيَّنُ،   [المبدع في شرح المقنع] الْجِنْسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَجُزْ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ الْمُعْتَبَرِ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: فَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ هُنَا عَلَى مَا قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " لِيُطَابَقَ، وَفِيهِ شَيْءٌ. (وَإِنْ خَرَجَتْ مَغْصُوبَةً بَطَلَ الْعَقْدُ) كَالْمَبِيعِ إِذَا ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا وَإِذَا تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَلِفَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ الْمُتَعَيَّنَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى قَبْضٍ. (وَالْأُخْرَى لَا تَتَعَيَّنُ) وَهِيَ ظَاهِرُ نَقْلِ أَبِي دَاوُدَ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي، وَأَبَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إِطْلَاقُهَا فِي الْعَقْدِ، وَلَا غَرَضَ فِي أَعْيَانِهَا، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ فِي مِقْدَارِهَا، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِهِ كَالْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَكَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَلَهُ زَرْعُ مَا هُوَ مِثْلُهَا يُؤَكِّدُهُ قَوْلُ الْفَرَّاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] الْآيَةَ: أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَمَنْ قَالَ بِالتَّعْيِينِ لَمْ يَجْعَلْهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ ثَمَنٌ قَطْعًا (فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ) أَيْ: فَلَهُ إِبْدَالُهَا مَعَ عَيْبٍ وَغَصْبٍ، وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا فَهِيَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي. مَسَائِلُ: مِنْهَا إِذَا نَذَرَ صَدَقَةً بِدِرْهَمٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَحَفِيدُهُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " يَتَعَيَّنُ، فَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ بِلَا أَمْرِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَيَضْمَنُهُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ اقْتِضَاءُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الْآخَرِ عَلَى الْأَصَحِّ إِنْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا وَالْآخِرُ فِي الذِّمَّةِ مُسْتَقِرٌّ بِسِعْرِ يَوْمِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ فِي بَيْعِ الْإِبِلِ بِالْبَقِيعِ، وَيَكُونُ صَرْفًا بِعَيْنٍ وَذِمَّةٍ وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمْعٌ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ حُلُولُهُ؟ فِيهَا وَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَا فِي ذِمَّتَيْهِمَا فَاصْطَرَفَا، فَنَصُّهُ لَا يَصِحُّ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَهُ. وَمِنْهَا: إِذَا كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَنَانِيرُ فَقَضَاهُ دَرَاهِمَ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِنْ كَانَ يُعْطِيهِ كُلَّ دِرْهَمٍ بِحِسَابِهِ مِنَ الدِّينَارِ، صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَحَاسَبَا بَعْدُ، فَصَارَفَهُ بِهَا وَقْتَ الْمُحَاسَبَةِ، لَمْ يَجُزْ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ دَيْنٍ بَدَيْنٍ، وَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ مَالَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ صَارَفَهُ بِعَيْنٍ وَذِمَّةٍ، صَحَّ، فَلَوْ أَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ. وَيَحْرُمُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْحَرْبِيِّ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَمْ يَقْضِهِ إِيَّاهَا وَقْتَ دَفْعِهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ أَحْضَرَهَا وَقَوَّمَاهَا، فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ ذَلِكَ مِنْهَا يَوْمَ الْقَضَاءِ لَا يَوْمَ دَفَعَهَا إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ فِي يَدِهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ، أَوْ نَقَصَتْ كَانَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَ صَيْرَفِيٍّ دَنَانِيرُ فَأَخَذَ مِنْهُ دَرَاهِمَ إِدْرَارًا لِيَكُونَ هَذِهِ بِهَذِهِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ أَرَادَا الْمُصَارَفَةَ أَحْضَرَ أَحَدَهُمَا، وَاصْطَرَفَا بِعَيْنٍ وَذِمَّةٍ. وَمِنْهَا: الْمَقْبُوضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَالْمَقْبُوضِ فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ. [حُرْمَةُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ] (وَيَحْرُمُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْحَرْبِيِّ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا يَحْرُمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى» . وَهُوَ عَامٌّ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ مُحَرَّمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ مُحَرَّمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَدَارِ الْبَغْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِمَا، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": الْبَاغِي مَعَ الْعَادِلِ كَالْمُسْلِمِ مَعَ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَضْمَنُ مَالَ صَاحِبِهِ بِالْإِتْلَافِ فَهِيَ كَدَارِ حَرْبٍ وَرَدَّهُ فِي " الْفُرُوعِ ". وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ إِلَّا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ بَيْنَهُمَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "، وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ذَكَرَهَا فِي " الْمُوجَزِ " وَأَقَرَّهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى ظَاهِرِهَا لِمَا رَوَى مَكْحُول مَرْفُوعًا: «لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ» ، وَلِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مُبَاحَةٌ، وَإِنَّمَا حَظَرَهَا الْأَمَانُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ وَبِأَنَّهُ خَبَرٌ مَجْهُولٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ بِهِ تَحْرِيمُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 الْحَرْبِ، كَمَا يَحْرُمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَمَنْ بَاعَ دَارًا تَنَاوَلَ الْبَيْعُ أَرْضَهَا وَبِنَاءَهَا، وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا لِمَصْلَحَتِهَا كَالسَّلَالِيمِ، وَالرُّفُوفِ الْمُسَمَّرَةِ، وَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ، وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةِ، وَالرَّحَا الْمَنْصُوبَةِ، وَلَا يَدْخُلُ مَا هُوَ مُودَعٌ فِيهَا مِنَ الْكَنْزِ، وَالْأَحْجَارِ الْمَدْفُونَةِ، وَلَا الْمُنْفَصِلُ مِنْهَا كَالْحَبْلِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ مُحَرَّمٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَقِيقِهِ، وَلَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ أُمَّ ولَدٍ مُطْلَقًا، أَوْ مُكَاتَبًا فِي مَالِ الْكِتَابَةِ. [بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ] الْأُصُولُ: جَمْعُ أَصْلٍ، وَهُوَ مَا يَتَفَرَّعُ عَنْهُ غَيْرُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْأَرْضُونَ وَالْأَشْجَارُ، وَالثِّمَارُ: جَمْعُ ثَمَرٍ كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ وَوَاحِدُ الثَّمَرِ ثَمَرَةٌ، وَجَمْعُ الثِّمَارِ ثَمَرٌ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَجَمْعُ ثَمَرٍ أَثْمَارٌ كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ فَهُوَ رَابِعُ جَمْعٍ. (وَمَنْ بَاعَ دَارًا تَنَاوَلَ الْبَيْعُ أَرْضَهَا) أَيْ: إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ يَصِحُّ بَيْعُهَا، فَإِنْ لَمْ يَجُزْ كَسَوَادِ الْعِرَاقِ، فَلَا (وَبِنَاءَهَا) ؛ لِأَنَّهُمَا دَاخِلَانِ فِي مُسَمَّى الدَّارِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْأَصْحَابُ لِذِكْرِ حَرِيمِهَا (وَ) تَنَاوَلَ (مَا يَتَّصِلُ بِهَا لِمَصْلَحَتِهَا كَالسَّلَالِيمِ) وَاحِدُهَا: سُلَّمٌ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهُوَ الْمَرْقَاةُ وَالدَّرَجَةُ، وَلَفْظُهُ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّلَامَةِ (وَالرُّفُوفِ الْمُسَمَّرَةِ) ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي السَّلَمِ وَحُذِفَ مِنْهُ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ (وَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ) وَحَلَقِهَا (وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةِ، وَالرَّحَا الْمَنْصُوبَةِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِمَصْلَحَتِهَا أَشْبَهَ الْحِيطَانَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْخَوَابِيَ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَدْفُونَةً، وَحَجَرَ الرَّحَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوبًا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا أَشْبَهَ الطَّعَامَ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهَا الْمَعْدِنُ الْجَامِدُ، وَعَنْهُ: وَالْجَارِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا فَهُوَ كَأَحْجَارِهَا، لَكِنْ لَا يُبَاعُ مَعْدِنُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَيُبَاعُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْ بِهِ الْبَائِعُ فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا هَذَا إِذَا مَلَكَ الْأَرْضَ بِإِحْيَاءٍ أَوْ إِقْطَاعٍ، وَإِنْ كَانَ بِبَيْعٍ فَوَجْهَانِ (وَلَا يَدْخُلُ مَا هُوَ مُودَعٌ فِيهَا مِنَ الْكَنْزِ) ، وَهُوَ الْمَالُ الْمَدْفُونُ (وَالْأَحْجَارُ الْمَدْفُونَةُ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُودَعٌ فِيهَا كَالْفَرْشِ، وَالسُّتُورِ (وَلَا الْمُنْفَصِلُ مِنْهَا كَالْحَبْلِ، وَالدَّلْوِ، وَالْبَكَرَةِ، وَالْقُفْلِ، وَالْفَرْشِ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَشْمَلُهُ، وَلَا هُوَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 وَالدَّلْوِ، وَالْبَكَرَةِ، وَالْقُفْلِ، وَالْفَرْشِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ مَصَالِحِهَا كَالْمِفْتَاحِ وَحَجَرِ الرَّحَا الْفَوْقَانِيِّ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ بَاعَ أَرْضًا بِحُقُوقِهَا دَخَلَ غِرَاسُهَا وَبِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ،   [المبدع في شرح المقنع] أَشْبَهَ الْمُودَعَ فِيهَا، وَكَذَا حُكْمُ الرَّفِّ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْوَتَدِ مِنْ غَيْرِ سَمْرٍ، وَلَا غَرْزٍ فِي الْحَائِطِ (فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ مَصَالِحِهَا) ، وَهُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا (كَالْمِفْتَاحِ وَحَجَرِ الرَّحَا الْفَوْقَانِيِّ) إِذَا كَانَ السُّفْلَانِيُّ مَنْصُوبًا (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَشْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُهُ، وَلَا هُوَ مُتَّصِلٌ لِمَصْلَحَتِهَا أَشْبَهَ الْقُفْلَ، وَالثَّانِي: بَلَى؛ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهَا أَشْبَهَ الْمَنْصُوبَ فِيهَا، وَفِي الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ الْمَغْرُوسِ فِيهَا احْتِمَالَانِ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ فِيهَا بِئْرٌ، أَوْ عَيْنٌ مُسْتَنْبَطَةٌ فَنَفْسُ الْبِئْرِ وَأَرْضُ الْعَيْنِ مَمْلُوكَةٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَالْمَاءُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِنْ بَاعَ أَرْضًا بِحُقُوقِهَا دَخَلَ غِرَاسُهَا وَبِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ وَيَتْبَعَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يُتَّخَذُ لِلْبَقَاءِ فِيهَا، وَلَيْسَ لِانْتِهَائِهِ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ، وَالرَّهْنُ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا: يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِهَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِيهَا بِالْإِطْلَاقِ كَطُرُقِهَا وَمَنَافِعِهَا، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنَ الْأَرْضِ، فَلَمْ يَدْخُلَا كَالثَّمَرَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهَا تُرَادُ لِلنَّقْلِ وَلَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِهَا بِخِلَافِ الشَّجَرِ، وَالْبِنَاءِ، وَعَلَى هَذَا لِلْبَائِعِ تَبْقِيَتُهُ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " هَلْ يَتْبَعُهَا فِي الرَّهْنِ كَالْبَيْعِ إِذَا قُلْنَا يَدْخُلُ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ لِضَعْفِهِ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ، وَالْوَقْفُ وَنَحْوُهُمَا. فَرْعٌ: إِذَا بَاعَهُ قَرْيَةً لَمْ يَدْخُلْ مَزَارِعَهَا إِلَّا بِذِكْرِهَا، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": أَوْ قرينه. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَوْلَى كَالْمُسَاوَمَةِ عَلَى أَرْضِهَا، وَلَا يَدْخُلُ زَرْعٌ، وَلَا بَذْرٌ وَحُكْمُ الْغَرْسِ فِي بُنْيَانِهَا حُكْمُ الْغَرْسِ فِي الْأَرْضِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا بَاعَهُ بُسْتَانًا دَخَلَ فِيهِ الشَّجَرُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْأَرْضِ، وَالشَّجَرِ، وَالْحَائِطِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَرْضَ الْمَكْشُوفَةَ لَا تُسَمَّى بِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْبِنَاءُ كَالشَّجَرِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ يُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالرَّطْبَةِ، وَالْبُقُولِ، أَوْ تُكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ كَالْقِثَّاءِ، وَالْبَاذِنْجَانِ فَالْأُصُولُ لِلْمُشْتَرِي، وَالْجِزَّةُ الظَّاهِرَةُ، وَاللَّقْطَةُ الظَّاهِرَةُ مِنِ الْقِثَّاءِ، وَالْبَاذِنْجَانِ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: لَا لِعَدَمِ الِافْتِقَارِ إِلَيْهِ، فَإِنْ بَاعَهُ شَجَرًا لَمْ تَدْخُلِ الْأَرْضُ، ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا، لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُهَا، وَلَا هِيَ تَبَعٌ لِلْمَبِيعِ، فَإِنْ بَاعَهُ شَجَرَةً فَلَهُ تَبْقِيَتُهَا فِي أَرْضِ الْبَائِعِ كَالثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَبْقَى بِالْأُجْرَةِ، إِذْ مَغْرِسُهَا لِلْبَائِعِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ: وَيَثْبُتُ حَقُّ الِاخْتِيَارِ وَلَهُ الدُّخُولُ لِمَصَالِحِهَا (وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ يُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالرَّطْبَةِ) وَهِيَ الْغَضَّةُ، فَإِذَا يَبِسَتْ فَيُقَالُ لَهَا: قَتٌّ. قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ (وَالْبُقُولِ) ، وَهُوَ مَا يَأْكُلُهُ النَّاسُ (أَوْ تَكَرَّرَتْ ثَمَرَتُهُ كَالْقِثَّاءِ، وَالْبَاذِنْجَانِ فَالْأُصُولُ لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ أَشْبَهَ الشَّجَرَ (وَالْجِزَّةُ الظَّاهِرَةُ، وَاللَّقْطَةُ الظَّاهِرَةُ مِنِ الْقِثَّاءِ، وَالْبَاذِنْجَانِ لِلْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ تُؤْخَذُ ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ أَشْبَهَ ثَمَرَةَ الشَّجَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يَبْقَى سَنَةً كَهِنْدَبَا، أَوْ أَكْثَرَ كَرَطْبَةٍ، لَكِنْ عَلَى الْبَائِعِ قَطْعُ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُ فِي الْحَالِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ فَيَطُولُ زَمَنُهُ مَا كَانَ ظَاهِرًا (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى شَجَرًا عَلَيْهِ ثَمَرٌ أُبِّرَ وَاشْتَرَطَهُ كَانَ لَهُ، فَكَذَا هُنَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْخَذُ زَهْرُهُ وَتَبْقَى عُرُوقُهُ فِي الْأَرْضِ كَالْبَنَفْسَجِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَالرَّطْبَةِ وَكَذَلِكَ وَرَقُهُ وَأَغْصَانُهُ، فَأَمَّا زَهْرَتُهُ، فَإِنْ تَفَتَّحَتْ فَهِيَ لِلْبَائِعِ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْبَائِعَ إِنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا دَخَلَ فِيهَا، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَالشَّجَرِ (وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لَا يُحْصَدُ إِلَّا مَرَّةً كَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ) ، وَالْجَزَرِ، وَالْفُجْلِ، وَالْفُومِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ (فَهُوَ لِلْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ كَالْكَنْزِ وَالْقُمَاشِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (مَبْقِيٌّ إِلَى الْحَصَادِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعُرْفُ فِي نَقْلِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ كَالثَّمَرَةِ تُبَاعُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَبْقَى بِغَيْرِ أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّه الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ مُسْتَثْنَاةً، وَعَلَيْهِ حَصَادُهُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ أَخْذِهِ حَسَبَ الْعَادَةِ زَادَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَلَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لَا يُحْصَدُ إِلَّا مَرَّةً كَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ مَبْقِيٌّ إِلَى الْحَصَادِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ. فَصْلٌ وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا، وَهُوَ مَا تَشَقَّقَ طَلْعُهُ فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ مَتْرُوكًا فِي رُءُوسِ   [المبدع في شرح المقنع] أَنْفَعَ لَهُ، وَقِيلَ: عَادَتُهُ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ الَّتِي قَدْ أُبِّرَتْ، فَعَلَى هَذَا هُوَ لَهُ قَصِيلًا كَانَ، أَوْ حَبًّا مُسْتَتِرًا، أَوْ ظَاهِرًا مَعْلُومًا، أَوْ مَجْهُولًا لِكَوْنِهِ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، فَلَمْ يَضُرَّ جَهْلُهُ وَعَدَمُ كَمَالِهِ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يُقْطَعُ فِيهِ إِلَّا أَنَّ الْعُرُوقَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا تُتْرَكُ فِي الْأَرْضِ لِلْبَقَاءِ فِيهَا، وَالْقَصَبُ كَالثَّمَرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَقَصَبُ السُّكَّرِ كَالزَّرْعِ، وَقِيلَ: كَالْفَارِسِيِّ، فَإِنْ حَصَدَهُ قَبْلَ أَوَانِ حَصَادِهِ لِيَنْتَفِعَ بِالْأَرْضِ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا حَصَلَتْ مُسْتَثْنَاةً، وَعَلَى الْبَائِعِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِصْلَاحٌ لِمُلْكِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا دَابَّةٌ كَبِيرَةٌ لَا تَخْرُجُ إِلَّا بِهَدْمِ الْبَابِ فَهَدَمَهُ كَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. أَصْلٌ: مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ مِنْ زَرْعٍ وَحَجَرٍ وَنَحْوِهِ يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ، وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ، وَإِنْ أَبَى النَّقْلَ فَلِلْمُشْتَرِي إِجْبَارُهُ عَلَى تَفْرِيغِ مُلْكِهِ وَتَسْوِيَتِهِ إِذَا ضَرَّ عِرْقُهُ بِالْأَرْضِ كَقُطْنٍ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَضُرَّ وَيَنْقُلُهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، فَلَا يَلْزَمُهُ لَيْلًا، وَلَا جَمْعُ الْحَمَّالِينَ لَهُ، فَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ نَقْلِهِ فَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَعَيْبٌ يُثْبِتُ لَهُ الْخِيَارَ بَيْنَ الْفَسْخِ، وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ، وَلَا أُجْرَةَ مُدَّةَ نَقْلِهِ، وَقِيلَ: مَعَ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَإِنْ لَمْ يَنْضَرَّ مُشْتَرٍ بِبَقَائِهِ فَفِي إِجْبَارِهِ وَجْهَانِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا بَاعَ بَيْتًا مَنْ دَارٍ، وَقَالَ: بِحُقُوقِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ سَمَّى الطَّرِيقَ وَعَيَّنَهُ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إِنْ أَطْلَقَ الطَّرِيقَ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، صَحَّ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْتِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. [حُكْمُ بَيْعِ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ] فَصْلٌ (وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا، وَهُوَ مَا تَشَقَّقَ طَلْعُهُ فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ مَتْرُوكًا فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 النَّخْلِ إِلَى الْجَدَادِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ إِذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ بَادٍ كَالْعِنَبِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْجَدَادِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) كَذَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَصْلُ التَّأْبِيرِ: التَّلْقِيحُ، وَهُوَ وَضْعُ الذَّكَرِ في الأنثى، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، ولهذا فسره بِالتَّشَقُّقِ، إِذِ الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُلَقَّحْ لِصَيْرُورَتِهِ فِي حُكْمِ عَيْنٍ أُخْرَى، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى التَّأْبِيرِ لِمُلَازَمَتِهِ التَّشَقُّقَ غَالِبًا، فَعَلَى هَذَا إِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى نَخْلٍ مُثْمِرٍ، وَلَمْ يُشْتَرَطِ الثَّمَرَةُ وَكَانَتْ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَعَنْهُ: الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِالتَّأْبِيرِ لَا بِالتَّشْقِيقِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، فَبَعْدَهُ لِلْبَائِعِ، وَقَبْلَهُ لِلْمُشْتَرِي، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَنَصَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لِلْبَائِعِ لَا يَلْزَمُهُ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ، إِذِ التَّفْرِيعُ جَارٍ عَلَى الْعُرْفِ فَيُتْرَكُ إِلَى تَنَاهِي حَلَاوَتِهِ إِلَّا أَنْ تَجْرِيَ الْعَادَةُ بِأَخْذِهِ بُسْرًا، أَوْ يَكُونُ بُسْرُهُ خَيْرًا مِنْ رُطَبِهِ، فَإِنَّهُ يَجِدُهُ حِينَ اسْتِحْكَامِ حَلَاوَةِ بُسْرِهِ، وَلَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ خَيْرًا لَهُ، كَمَا سَلَفَ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ قَطْعُ الثَّمَرَةِ لِتَضَرُّرِ الْأَصْلِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَشْرُطْهُ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ شَرَطَهُ دَخَلَ بِخِلَافِ وَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ تَدْخُلُ فِيهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ كَفَسْخٍ بِعَيْبٍ وَمُقَايَلَةٍ فِي بَيْعِ وَرُجُوعِ أَبٍ فِي هِبَةٍ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِبَيَانِ تَأْبِيرِ الْبَعْضِ، وَالنَّخْلَةُ الْوَاحِدَةُ إِذَا أَبَّرَ بَعْضَهَا، فَإِنَّ الْجَمِيعَ لِلْبَائِعِ اتِّفَاقًا. فَرْعٌ: كُلُّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ يَجْرِي مَجْرَى الْبَيْعِ فِي أَنَّ الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ تَكُونُ لِمَنِ انْتَقَلَ عَنْهُ الْأَصْلُ، وَغَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ لِمَنِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ، وَإِنِ انْتَقَلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِنَّهُ فِي الْفَسْخِ يَتْبَعُ الْأَصْلَ سَوَاءٌ أُبِّرَ أَوْ لَا، وَفِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ يَتْبَعُ قَبْلَ التَّأْبِيرِ دُونَ مَا بَعْدَهُ. فَائِدَتَانِ: الْأُولَى: طَلْعُ الْفُحَّالِ يُرَادُ لِلتَّلْقِيحِ كَطَلْعِ الْإِنَاثِ، وَقِيلَ: لِلْبَائِعِ سَوَاءٌ تَشَقَّقَ طَلْعُهُ أَمْ لَا. الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ شَرْطُ بَائِعٍ مَا لِمُشْتَرٍ، وَلَوْ قَبْلَ تَأْبِيرٍ وَلِبَعْضِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ (وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ إِذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ بَادٍ) أَيْ: ظَاهِرٌ (كَالْعِنَبِ، وَالتِّينِ، وَالتُّوتِ، وَالرُّمَّانِ، وَالْجَوْزِ) ؛ لِأَنَّ بُدُوَّ ذَلِكَ مِنْ شَجَرِهِ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ الرُّطَبِ مِنْ طَلْعِهِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا قُدِّمَ قَوْلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 وَالتِّينِ، وَالتُّوتِ، وَالرُّمَّانِ، وَالْجَوْزِ، وَمَا ظَهَرَ مِنْ نَوْرِهِ كَالْمِشْمِشِ وَالتُّفَّاحِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَاللَّوْزِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ كَالْوَرْدِ، وَالْقُطْنِ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَالْوَرَقُ لِلْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ، وَيُحْتَمَلُ فِي وَرَقِ التُّوتِ، والْمَقْصُودُ أَخْذُهُ أَنَّهُ، إِنْ تَفَتَّحَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ حَبًّا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ فَهُو   [المبدع في شرح المقنع] بَائِعٍ: إِنَّهُ بَدَا وَظَهَرَ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ مِنْ وَاهِبٍ ادَّعَى شَرْطَ ثَوَابٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ قِشْرَيْنِ كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ إِنْ تَشَقَّقَ الْأَعْلَى فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي. (وَمَا ظَهَرَ مِنْ نَوْرِهِ) أَيْ: زَهْرِهِ عَلَى أَيِّ لَوْنٍ كَانَ (كَالْمِشْمِشِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى (وَالتُّفَّاحِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَاللَّوْزِ) ، وَالْإِجَّاصِ، وَالْخَوْخِ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا يَتَنَاثَرُ نَوْرُهُ كَتُفَّاحٍ، وَفِي " الْمُغْنِي ": وَعِنَبٍ يَمْتَنِعُ دُخُولُهُ بِتَنَاثُرِ نَوْرِهِ أَيْ: لِلْبَائِعِ بِظُهُورِ نَوْرِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلْعَ إِذَا تَشَقَّقَ كَانَ كَنَوْرِ الشَّجَرِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا فِي الطَّلْعِ هُوَ عَيْنٌ بِخِلَافِ النَّوْرِ، فَإِنَّهُ يَتَسَاقَطُ، وَالثَّمَرُ غَيْرُهُ (وَمَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ) وَاحِدُهُ كُمٌّ، وَهُوَ الْغِلَافُ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي وِعَاءِ الطَّلْعِ (كَالْوَرْدِ، وَالْقُطْنِ) ، وَالْبَنَفْسَجِ، وَالْيَاسَمِينِ أَيْ: هُوَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ أَكْمَامِهِ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ مِنَ الطَّلْعِ (وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتْبَعُ الْأَصْلَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي كَالْأَصْلِ (وَالْوَرَقُ لِلْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ) كَالْأَغْصَانِ (وَيُحْتَمَلُ فِي وَرَقِ التُّوتِ) ، وَهُوَ الْفِرْصَادِ. قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ، وَقِيلَ: الْفِرْصَادُ اسْمٌ لِلثَّمَرَةِ، وَالتُّوتُ اسْمٌ لِلشَّجَرَةِ (وَالْمَقْصُودُ أَخْذُهُ أَنَّهُ إِنْ تَفَتَّحَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ) كَالثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ لِتَرْبِيَةِ الْقَزِّ (وَإِنْ كَانَ حَبًّا) أَيْ: لَمْ يَتَفَتَّحْ (فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي) هَذَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي عَادَتُهُمْ أَخْذُ الْوَرَقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَادَةٌ كَانَ لِلْمُشْتَرِي كَسَائِرِ الْوَرَقِ (وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ) ، أَوْ تَشَقَّقَ طَلْعُ بَعْضِ النَّخْلِ (فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى أَنَّ الْمُؤَبَّرَ لِلْبَائِعِ وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ الْكُلُّ لِلْبَائِعِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 َ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْكُلُّ لِلْبَائِعِ، وَإِنِ احْتَاجَ الزَّرْعُ أَوِ الثَّمَرَةُ إِلَى سَقْيٍ لَمْ يَلْزَمِ الْمُشْتَرِيَ، وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَ الْبَائِعِ مِنْهُ. فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَلَا الزَّرْعِ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ إِلَّا بِشَرْطِ   [المبدع في شرح المقنع] وَحَكَاهُ فِي " الِانْتِصَارِ " رِوَايَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ لَأَدَّى إِلَى الْإِضْرَارِ بِسُوءِ الْمُشَارَكَةِ، إِذِ الْبَاطِنُ يَتْبَعُ الظَّاهِرَ كَأَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ وَكَشَجَرَةٍ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَتَفَاوَتُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَبُو الْخَطَّابِ بَيْنَ النَّوْعِ، وَالْجِنْسِ، فَلَوْ أَبَّرَ الْكُلَّ إِلَّا نَخْلَةً فَأَفْرَدَهَا بِالْبَيْعِ فَفِي أَيِّهِمَا لَهُ، وَجْهَانِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " مَا لَمْ يَبْدُ مِنْ ثَمَرِهِ شَجَرَةٌ لِمُشْتَرٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ كَحُدُوثِ طَلْعٍ بَعْدَ تَأْبِيرِهَا، أَوْ بَعْضِهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ: لَا فَرْقَ. فَرْعٌ: بَاعَ حَائِطَيْنِ أَبَّرَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ حُكْمَ نَفْسِهِ. (وَإِنِ احْتَاجَ الزَّرْعُ) الْمبقي (أَوِ الثَّمَرَةُ) الْمُبْقَاةُ (إِلَى سَقْيٍ لَمْ يَلْزَمِ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ ذَلِكَ إِلَيْهِ لِكَوْنِ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَمْلِكْهَا مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَصْلِ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ السَّقْيُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إِلَيْهِ (وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَ الْبَائِعِ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَبْقَى فَلَزِمَهُ تَمْكِينُهُ مِنْهُ كَتَرْكِهِ عَلَى الْأُصُولِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ أَضَرَّ بِصَاحِبِهِ، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ سَقْيَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ سَقْيَهُ يَتَضَمَّنُ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ: الْمَنْعُ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ السَّقْيَ مِنْ مَالِهِ لِمَصْلَحَةٍ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ رُجِعَ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ. [بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا] فَصْلٌ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا) أَيْ: بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ إِجْمَاعًا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا نَهَى الْبَائِعَ، وَالْمُبْتَاعَ» . مُتَّفَقٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 الْقَطْعِ فِي الْحَالِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّطْبَةِ وَالْبُقُولِ إِلَّا بِشَرْطِ جَزِّهِ، وَلَا الْقِثَّاءِ وَنَحْوِهِ إِلَّا لَقْطَةً لَقْطَةً إِلَّا أَنْ يَبِيعَ أَصْلَهُ. وَالْحَصَادُ، وَاللِّقَاطُ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ بَاعَهُ مُطْلَقًا أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ (وَلَا الزَّرْعِ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ» . وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ. وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ) ، فَيَصِحُّ إِجْمَاعًا لِزَوَالِ مَعْنَى النَّهْيِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِعًا بِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْكُمَّثْرَى، وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى الْقَطْعِ. فَرْعٌ: إِذَا اشْتَرَى نِصْفَ ثَمَرَةٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، أَوْ نِصْفَ زَرْعٍ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ مُشَاعًا لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكَثُرَ، شَرَطَ الْقَطْعَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قَطْعُهُ إِلَّا بِقَطْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّطْبَةِ) وَهِيَ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ يُقِيمُ فِي الْأَرْضِ سِنِينَ وَهِيَ الْقَضْبُ أَيْضًا، وَتُسَمَّى الْفِصْفِصَةَ بِفَاءَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ وَصَادَيْنِ مُهْملَتَيْنِ (وَالْبُقُولِ) كَالنَّعْنَاعِ، وَالْهِنْدَبَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مَسْتُورٌ مُغَيَّبٌ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ مَعْدُومٌ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالَّذِي يَحْدُثُ مِنَ الثَّمَرَةِ (إِلَّا بِشَرْطِ جَزِّهِ) أَيْ: بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ مَبِيعٌ مَعْلُومٌ لَا جَهَالَةَ فِيهِ وَلَا غَرَرَ، أَشْبَهَ مَا جَازَ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا الْقِثَّاءِ وَنَحْوِهِ) كَالْخِيَارِ، وَالْبَاذِنْجَانِ (إِلَّا لَقْطَةً لَقْطَةً) ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى اللَّقْطَةِ ثَمَرٌ لَمْ يُخْلَقْ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ (إِلَّا أَنْ يَبِيعَ أَصْلَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إِذن تَبِعَ لِلْأَصْلِ أَشْبَهَ الْحَمْلَ مَعَ أُمِّهِ، وَأُسَّ الْحَائِطِ مَعَهُ، وَالْأَوْلَى رَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا يَعُودُ إِلَى كُلِّهَا خُصُوصًا مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ وَمُطَابَقَتِهِ، فَعَلَيْهِ يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا إِذَا بِيعَتْ مَعَ الشَّجَرِ، وَالزَّرْعِ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ إِذَا بِيعَ مَعَ الْأَرْضِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَصْلِ صِغَارًا، أَوْ كِبَارًا، مُثْمِرًا أَوْ غَيْرَ مُثْمِرٍ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ يَتَكَرَّرُ فِيهِ الثَّمَرَةُ أَشْبَهَ الشَّجَرَ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا لمالك الْأَصْلَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ لَمْ يَصِحَّ، فَإِنِ اشْتَرَطَ الْقَطْعَ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ لَا مَتْبُوعَ، فَلَا تَابِعَ، فَلَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ صَحَّ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّه لا الْأَصْلَ لَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَطْعِ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّامَرِّيِّ وَصَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " فِيهِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْأَصْلُ وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَاهُمَا مَعًا. تَنْبِيهٌ: الْقُطْنُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا لَهُ أَصْلٌ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَعْوَامًا فَحُكْمُهُ كَالشَّجَرِ. الثَّانِي: مَا يَتَكَرَّرُ زَرْعُهُ كُلَّ عَامٍ فَحُكْمُهُ كَالزَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ جَوْزُهُ ضَعِيفًا رَطْبًا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالزَّرْعِ، وَإِنْ قَوِيَ وَاشْتَدَّ جَازَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، وَإِنْ بِيعَتِ الْأَرْضُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ. [الْحَصَادُ وَاللِّقَاطُ وَالْجَدَادُ عَلَى الْمُشْتَرِي] (وَالْحَصَادُ، وَاللِّقَاطُ) ، وَالْجِدَادُ (عَلَى الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ من مؤنة نَقْلُهَا كَنَقْلِ الطَّعَامِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْكَيَّالِ، وَالْوَزَّانِ، فَإِنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا من مؤنة تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، وَهُنَا حَصَلَ التَّسْلِيمُ بِالتَّخْلِيَةِ بِدُونِ الْقَطْعِ بِدَلِيلِ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْبَائِعِ، صَحَّ خِلَافًا لِلْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ " لَيْسَ لِقَوْلِهِ وَجْهٌ، وَفِي الْإِرْشَادِ فِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ بَطَلَ فَفِي الْعَقْدِ رِوَايَتَانِ (فَإِنْ بَاعَهُ مُطْلَقًا) أَيْ: لَمْ يَشْتَرِطْ تَبْقِيَةً، وَلَا قَطْعًا، وَقِيلَ: إِطْلَاقُهُ كَشَرْطِهِ قَدَّمَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ "؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ فَحُمِلَ عَلَيْهِ (أَوْ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ لَمْ يَصِحَّ) إِجْمَاعًا فِي الثَّانِيَةِ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ فِي شَرْطِ جَزِّ الْمَبِيعِ لَقْطَةً لَقْطَةً (فَإِنِ اشْتَرَطَ الْقَطْعَ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ) بَطَلَ الْعَقْدُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا» وَاسْتَثْنَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 طَالَتِ الْجِزَّةُ، أَوْ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى، فَلَمْ تَتَمَيَّزْ، أَوِ اشْتَرَى عَرِيَّةَ لِيَأْكُلَهَا رُطَبًا فَأَثْمَرَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ وَيَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ، وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقَانِ بِهَا   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهُ مَا إِذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَقُطِعَ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ، وَلِأَنَّ التَّبْقِيَةَ مَعْنًى حَرَّمَ الشَّرْعُ اشْتِرَاطَهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَأَبْطَلَ الْعَقْدَ وُجُودُهُ كَتَأْخِيرِ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَالصَّرْفِ، وَلِأَنَّ صِحَّةَ ذَلِكَ تَجْعَلُ ذَرِيعَةً إِلَى الْحَرَامِ وَوَسَائِلُ الْحَرَامِ حَرَامٌ كَبَيْعِ الْعِينَةِ، وَقَدْ عَاقَبَ اللَّهُ أَصْحَابَ السَّبْتِ بِصَنِيعِهِمْ (أَوْ طَالَتِ الْجِزَّةُ) أَيْ: إِذَا اشْتَرَى رَطْبَةً بِشَرْطِ الْقَطْعِ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى طَالَتِ الْجِزَّةُ، أَوْ زَرْعًا أَخْضَرَ، ثُمَّ اشْتَدَّ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثَّمَرَةِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهَذَا لَمْ يَقْصِدْ وَقْتَ الشِّرَاءِ تَأْخِيرَهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ شِرَاءَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ حِيلَةً، فَإِنْ قَصَدَهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ حِيلَةٌ مُحَرَّمَةٌ (أَوْ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى، فَلَمْ تَتَمَيَّزْ) ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا إِذَا تَمَيَّزَتْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ، فَعَلَى هَذَا لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَرَتُهُ (أَوْ اشْتَرَى عَرِيَّةً لِيَأْكُلَهَا رَطْبًا فَأَثْمَرَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رَطْبًا» . وَلِأَنَّ شِرَاءَهَا إِنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ، فَإِذَا أَثْمَرَ تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْحَاجَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْكِهِ لِغِنَاهُ عَنْهَا، أَوْ لَا، لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَوْ أَخَذَ بَعْضًا رُطَبًا وَتَرَكَ بَاقِيَهَا حَتَّى أَثْمَرَ فَهَلْ يَبْطُلُ فِيمَا أَثْمَرَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَخَذَهَا رُطَبًا فَتَرَكَهَا عِنْدَهُ حَتَّى أَثْمَرَتْ، أَوْ شَمَّسَهَا حَتَّى صَارَتْ تَمْرًا أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَهَا. وَعَنْهُ: يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِيهِ إِنْ أَخَّرَهُ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ، وَعَنْهُ: يَفْسُدُ لِقَصْدِ حِيلَةٍ وَمَتَى حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ، فَالثَّمَرَةُ مَعَ الزِّيَادَةِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ الْبَيْعُ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً، فَانْهَالَتْ عَلَيْهَا أُخْرَى، وَفِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ " فِيمَا إِذَا حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى، فَلَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرَةِ جَازَ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، وَلِلْمُشْتَرِي تَبْقِيَتُهُ إِلَى الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ سَقْيُهُ إِنِ احْتَاجَ إلى ذَلِكَ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] تَتَمَيَّزَا: أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَيَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي مِلْكِهِمَا، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي، وَالْأَصْلُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَهُمَا سَبَبُ الزِّيَادَةِ فَتُقَوَّمُ الثَّمَرَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْأَخْذِ، فَالزِّيَادَةُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ لِلْمُشْتَرِي كَالْعَبْدِ إِذَا سَمِنَ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ بِالِاشْتِرَاكِ فِيهَا على الاستحباب (وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقَانِ بِهَا) عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ فِيهَا وُجُوبًا، وَفِي " الْمُغْنِي " يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْبَابًا، فَإِنْ أَبَيَا الصَّدَقَةَ بِهَا اشْتَرَكَا فِيهَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ زَكَّاهُ الْبَائِعُ وَحَيْثُ صَحَّ، فإن اتفقا عَلَى التَّبْقِيَةِ جَازَ وَزَكَّاهُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ قُلْنَا: الزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا، فَعَلَيْهِمَا إِنْ بَلَغَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابًا، وَإِلَّا انْبَنَى عَلَى الْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى الْقَطْعِ، أَوْ طَلَبَهُ الْبَائِعُ فَسَخْنَا الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ إِلْزَامَ الْبَائِعِ بِالتَّبْقِيَةِ يَضُرُّ بِنَخْلِهِ، وَتَمَكُّنَ الْمُشْتَرِي مِنَ الْقَطْعِ يَضُرُّ بِالْفُقَرَاءِ وَيَعُودُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ وَيُزَكِّيهِ، وَفِي إِلْزَامِ الْمُشْتَرِي بِالتَّبْقِيَةِ إِنْ بَذَلَهَا الْبَائِعُ وَجْهَانِ، وَهَذَا إِذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ فِيمَا يُقْطَعُ قَبْلَ كَمَالِهِ لِحَاجَةٍ عُشْرُهُ رُطَبًا، فَإِنْ قُلْنَا: يَخْرُجُ يَابِسًا، فَلَا يُفْسَخُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ ". فَرْعٌ: إِذَا اشْتَرَى خَشَبًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَتَرَكَهُ حَتَّى زَادَ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَيَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: هِيَ لِلْبَائِعِ، وَقِيلَ: الْكُلُّ، وَقِيلَ: لِلْمُشْتَرِي، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. (وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرَةِ) أَيْ: طَابَ أَكْلُهُ وَظَهَرَ نُضْجُهُ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " بِظُهُورِ مُبَادِي الْحَلَاوَةِ (جَازَ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَالِاشْتِدَادِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّلَ الْأَصْلَ خَوْفَ التَّلَفِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا (وَلِلْمُشْتَرِي تَبْقِيَتُهُ إِلَى الْحَصَادِ، وَالْجِدَادِ) ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِيهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لَهُ تَعْجِيلَ قَطْعِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَغَيْرِهِ (وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ سَقْيُهُ إِنِ احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 تَضَرَّرَ الْأَصْلُ، وَإِنْ تَلَفَتْ بِجَائِحَةٍ مِنَ السَّمَاءِ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ، وَعَنْهُ: إِنْ أُتْلِفَتِ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ تَسْلِيمُ ذَلِكَ كَامِلًا، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا بَاعَ الْأَصْلَ، وَعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ سَقْيُهَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَمْلِكْهَا مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِلْكُهُ عَلَيْهَا (وَإِنْ تَضَرَّرَ الْأَصْلُ) ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ سُقُوطُهُ عِنْدَ ذَلِكَ (وَإِنْ تَلَفَتْ بِجَائِحَةٍ مِنَ السَّمَاءِ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ) الْجَائِحَةُ كُلُّ آفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا صُنْعَ لِلْآدَمِيِّ فِيهَا كَالرِّيحِ، وَالْحَرِّ، وَالْبَرَدِ، وَالْعَطَشِ فَكُلُّ مَا تُهْلِكُهُ مِنْ عَلَى أُصُولِهِ قَبْلَ أَوَانِ جَدِّهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» ، وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ !» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ أَعْدُهُ، وَلَوْ كُنْتُ قَائِلًا بِوَضْعِهَا لَوَضَعْتُهَا فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ قُلْنَا: الْحَدِيثُ ثَابِتٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلِأَبِي دَاوُدَ مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الشَّجَرِ لَيْسَ بِقَبْضٍ تَامٍّ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقْبِضْ، وَلِأَنَّ الثَّمَرَةَ عَلَى الشَّجَرِ كَالْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ يُؤْخَذُ شَيْئًا فَشَيْئًا، ثُمَّ لَوْ تَلِفَتِ الْمَنَافِعُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا كَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْآجِرِ، كَذَا هُنَا وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتَ أَخْذِهَا، فَلَوْ بَلَغَتْ جَدَّهَا، فَلَمْ يَجِدَّهَا حَتَّى تَلِفَتْ، فَقَالَ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ " لَا يُوضَعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْتَرِهِ مَعَ أَصْلِهِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ أَرْضٍ. قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَ " الْفُرُوعُ "، أَوْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَتَلِفَتْ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا إِذَا تَلِفَتْ قَبْلَ إِمْكَانِ قَطْعِهَا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهَا بِالنَّخْلِ، فَقَالَ: إِنَّمَا الْجَوَائِحُ فِي النَّخْلِ بِأَمْرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 الثُّلْثُ فَصَاعِدًا ضَمَنَهُ الْبَائِعُ، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَتْلَفَهُ آدَمِيٌّ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ   [المبدع في شرح المقنع] سَمَاوِيٍّ، وَفِي نَهْبِ عَسْكَرٍ وَإِحْرَاقِ لِصٍّ وَنَحْوِهِ وَجْهٌ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْجَائِحَةِ وَكَثِيرِهَا إِلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَنْضَبِطُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ (وَعَنْهُ: إِنْ أُتْلِفَتِ الثُّلْثُ ضَمَنَهُ الْبَائِعُ، وَإِلَّا فَلَا) جَزَمَ بِهِ فِي " الرَّوْضَةِ "؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهَا وَتَنْثُرُ الرِّيحُ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ضَابِطٍ، وَالثُّلْثُ قَدِ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي الْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا. قَالَ الْأَثْرَمُ: قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ الثُّلْثَ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، وَلِأَنَّ الثُّلْثَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَمَا دُونَهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّصُّ فَعَلَيْهَا يُعْتَبَرُ ثُلْثُ الثَّمَرَةِ قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: ثُلْثُ الْقِيمَةِ، وَقِيلَ: ثُلْثُ الثَّمَنِ، فَإِنْ تَلِفَ الثُّلْثُ فَمَا زَادَ رَجَعَ بِقِسْطِهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَعَلَى الْأُولَى إِنْ تَلِفَ بِشَيْءٍ خَارِجٍ عَنِ الْعَادَةِ وُضِعَ مِنَ الثَّمَنِ بِقَدْرِ الذَّاهِبِ، وَإِنْ تَلِفَ الْكُلُّ بِهَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ تَعَيَّبَ خُيِّرَ بَيْنَ إِمْضَاءٍ مَعَ الْأَرْشِ وَبَيْنَ رَدٍّ وَأَخْذِ الثَّمَنِ كَامِلًا، وَمَا لَهُ أَصْلٌ يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ كَقِثَّاءٍ وَنَحْوِهِ فَكَشَجَرٍ وَثَمَرُهُ كَثَمَرِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ لَا يُؤَخِّرُ الْبَائِعُ اللَّقْطَةَ الظَّاهِرَةَ، ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا تُبَاعُ إِلَّا لَقْطَةً لَقْطَةً كَثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَوَّزَهُ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا بَدَا كَثَمَرٍ. لَوَاحِقُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الزَّرْعِ إِذَا تَلِفَ، وَفِي " الْكَافِي "، وَ " الْمُحَرَّرِ " بَلَى كَالثَّمَرَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ إِلَّا بَعْدَ تَتِمَّةِ صَلَاحِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فَإِذَا تَرَكَهُ فَرَّطَ، يَضْمَنُهُ فِي أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَفِي " الرَّوْضَةِ "، وَغَيْرِهَا: إِنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَهُوَ اشْتِدَادُ حَبِّهِ فَلَهُ تَرْكُهُ إِلَى حِينِ حَصَادِهِ. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": إِذَا تَلِفَ الْبَاقِلَاءُ، وَالْحِنْطَةُ فَوَجْهَانِ الْأَقْوَى يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ، فَلَوِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ فَزَرَعَهَا فَتَلِفَ، فَلَا جَائِحَةَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَمْ يَبِعْهُ إِيَّاهُ، وَلِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَرْضِ بَاقِيَةٌ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ثُبُوتَهَا فِي زَرْعٍ مُسْتَأْجَرٍ وَحَانُوتٍ نَقَصَ نَفْعُهُ عَنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 وَالْإِمْضَاءِ وَمُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ، وَصَلَاحُ بَعْضِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ صَلَاحٌ لِجَمِيعِهَا، وَهَلْ يَكُونُ صَلَاحًا لِسائر النَّوْعِ الَّذِي فِي الْبُسْتَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي ثَمَرِ   [المبدع في شرح المقنع] الْعَادَةِ وَحَكَمَ بِهِ الْقَاضِيَ تَقِيُّ الدِّينِ سُلَيْمَانُ بْنُ حَمْزَةَ فِي حَمَّامٍ. (وَإِنْ أَتْلَفَهُ آدَمِيٌّ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ) وَمُطَالَبَةِ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ (وَالْإِمْضَاءِ) أَيِ: الْبَقَاءِ عَلَيْهِ (وَمُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ) بِالْقِيمَةِ كَالْمَكِيلِ إِذَا أَتْلَفَهُ آدَمِيٌّ قَبْلَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ بِخِلَافِ التَّالِفِ بِالْجَائِحَةِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": إِلَّا أَنَّ فِي إِحْرَاقِ اللُّصُوصِ وَنَهْبِ الْعَسَاكِرِ، وَالْحَرَامِيَّةِ وَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ فِي " الرَّوْضَةِ " بِأَنَّهُ هُنَا مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتْبَعَ الْآدَمِيَّ بِالْغُرْمِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْمَسْأَلَةُ أَخَذَتْ شَبَهًا مِنَ الْمُتَمَيِّزِ وَغَيْرِهِ فَعَلِمْنَا بِهَا فَضَمِنَهَا الْبَائِعُ بِالْجَائِحَةِ، وَالْمُشْتَرِي إِذَا أَتْلَفَهَا آدَمِيٌّ (وَصَلَاحُ بَعْضِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ صَلَاحٌ لِجَمِيعِهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ، فيباع جميعها، إِذْ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَأَدَّى بَيْعُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ إِلَى الضَّرَرِ، وَالْمَشَقَّةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ (وَهَلْ يَكُونُ صَلَاحًا لِسَائِرِ النَّوْعِ الَّذِي فِي الْبُسْتَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": أَنَّهُ يَكُونُ صَلَاحًا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الصَّلَاحِ فِي الْجَمِيعِ يَشُقُّ، وَكَالشَّجَرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَعَنْهُ: وَكَذَا مَا قَارَبَهُ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَكُونُ صَلَاحًا كَالَّذِي فِي الْبُسْتَانِ الْآخَرِ وَأَطْلَقَ فِي " الرَّوْضَةِ " فِي الْبُسْتَانَيْنِ رِوَايَتَيْنِ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْأُولَى أَيْ: فِي النَّوْعِ كَالْبَرْنِيِّ هَلْ يَكُونُ صَلَاحًا لِسَائِرِ الْجِنْسِ الَّذِي فِي الْقَرَاحِ؟ فَقَالَ الْقَاضِي: وَالْأَكْثَرُ لَا يَكُونُ صَلَاحًا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فِي إِكْمَالِ النِّصَابِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 النَّخْلِ أَنْ يَحْمَرَّ، أَوْ يَصْفَرَّ، وَفِي الْعِنَبِ أَنْ يَتَمَوَّهَ، وَفِي سَائِرِ الثِّمَارِ أَنْ يَبْدُوَ فِيهِ النُّضْجُ وَيَطِيبَ أَكْلُهُ.   [المبدع في شرح المقنع] فَيَتْبَعُهُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّوْعَيْنِ قَدْ يَتَبَاعَدُ إِدْرَاكُهُمَا وَكَالْجِنْسَيْنِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي بُسْتَانٍ يُبَاعُ إِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ الْبُلُوغَ فَقَضَى الْقَاضِي، وَأَبُو حَكِيمٍ، وَالْمَجْدُ الْحُكْمُ عَلَى الْغَلَبَةِ بِهَذَا النَّصِّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُمَا سَوَّوْا بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ (وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ أَنْ يَحْمَرَّ، أَوْ يَصْفَرَّ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهُوَ. قِيلَ لِأَنَسٍ: وَمَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ» ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «نَهَى أَنْ تُبَاعَ حَتَّى تُشَقِّحَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِلْأَكْلِ (وَفِي الْعِنَبِ أَنْ يَتَمَوَّهَ) لِقَوْلِ أَنَسٍ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَمَعْنَى يَتَمَوَّهُ أَنْ يَبْدُوَ فِيهِ الْمَاءُ الْحُلْوُ وَيَلِينَ وَيَصْفَرَّ لَوْنُهُ (وَفِي سَائِرِ الثِّمَارِ) كَالتُّفَّاحِ، وَالْبِطِّيخِ (أَنْ يَبْدُوَ فِيهِ النُّضْجُ وَيَطِيبَ أَكْلُهُ) وَاعْتَبَرَهُ الْمَجْدُ فِي جَمِيعِ الثِّمَارِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطِيبَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " كَالْمُقْنِعِ تَبَعًا لِلْخِرَقِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا يُؤْكَلُ كِبَارًا وَصِغَارًا كَالْقِثَّاءِ وَنَحْوِهِ فَالْمَذْهَبُ أَكْلُهُ عَادَةً. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: صَلَاحُهُ تَنَاهِي عِظَمِه. وَقَالَ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": صَلَاحُهُ الْتِقَاطُهُ عُرْفًا، وَإِنْ طَابَ أَكْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَلَاحُ الْحَبِّ أَنْ يَشْتَدَّ، أَوْ يَبْيَضَّ. 1 - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 فَصْلٌ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ   [المبدع في شرح المقنع] فَصْلٌ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ لِلْبَائِعِ، فَإِذَا بَاعَ الْعَبْدَ اخْتُصَّ بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ سَوَاءٌ قُلْنَا: الْعَبْدُ يُمْلَكُ بِالتَّمْلِيكِ، أَوْ لَا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِ (فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْمَالَ اشْتُرِطَ عِلْمُهُ) أَيْ: الْعِلْمُ بِالْمَالِ (وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَقْصُودٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَمَّ إِلَيْهِ عَيْنًا أُخْرَى (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْمَالَ لَمْ يُشْتَرَطْ) أَيْ: لَمْ يُشْتَرَطْ عِلْمُهُ بِهِ وَيَصِحُّ شَرْطُهُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ دَخَلَ تَبَعًا أَشْبَهَ أَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ، وَالتَّمْوِيهِ بِالذَّهَبِ فِي السُّقُوفِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ الثمر، أَوْ دُونَهُ، أَوْ فَوْقَهُ وَحَكَاهُ فِي " الْمُنْتَخَبِ " عَنِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ أَنَاطُوا الْحُكْمَ بِالْقَصْدِ وَعَدِمِهِ. قَالَ: صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حُكْمُ التَّبَعِيَّةِ، وَيَصِيرُ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَمَالًا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ مُطْلَقٌ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ ": إِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ فَاشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي صَارَ مَالُهُ مَبِيعًا مَعَهُ وَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ احْتُمِلَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَغَيْرُهَا، فَيَدْخُلُ تَبَعًا كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَزَادَ: إِلَّا إِذَا كَانَ قَصْدُهُ الْعَبْدَ لَا الْمَالَ، فَلَا يُشْتَرَطُ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ هُنَا، وَإِنَّمَا اسْتَبْقَاهُ الْمُشْتَرِي عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ لَا يَزُولُ عَنْهُ إِلَى الْبَائِعِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. فَرْعٌ: لَوْ شَرَطَ مَالَ الْعَبْدِ، ثُمَّ رَدَّهُ بِإِقَالَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا رَدَّ مَالَهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ أَخَذَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 الْمَالَ اشْتُرِطَ عِلْمُهُ وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْمَالَ لَمْ يُشْتَرَطْ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ لِلْجَمَالِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَمَا كَانَ لِلُّبْسِ الْمُعْتَادِ، فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي. بَابُ السَّلَمِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبَيْعِ يَصِحُّ بِأَلْفَاظِهِ وَبِلَفْظِ السَّلَمِ، وَالسَّلَفِ. وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُشْتَرِيَ بِهِ فَيَرُدُّهُ بِالْفَسْخِ كَالْعَبْدِ، لَكِنْ لَوْ تَلِفَ مَالُهُ فَأَرَادَ رَدَّهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ هَلْ يُمْنَعُ الرَّدُّ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ قُلْنَا بِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَلَهُ الْفَسْخُ بِعَيْبِ مَالِهِ كَهُوَ فِي الْأَشْهُرِ (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ لِلْجَمَالِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى الْعَادَةِ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا حَاجَةُ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يُلْبِسُهُ إِيَّاهَا لِيُنْفِقَهُ بِهَا فَهِيَ حَاجَةُ السَّيِّدِ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهَا فَجَرَتْ مَجْرَى السُّتُورِ فِي الدَّارِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ (وَمَا كَانَ لِلَّبْسِ الْمُعْتَادِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ جَرَتِ الْعَادَةُ بِبَيْعِهَا مَعَهُ وَتَتَعَلَّقُ بِهَا مَصْلَحَتُهُ وَحَاجَتُهُ، إِذْ لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا فَجَرَتْ مَجْرَى مَفَاتِيحِ الدَّارِ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُغْنِي ": إنَّهُ إِذَا اشْتَرَى أَمَةً مِنْ غَنِيمَةٍ يَتْبَعُهَا مَا عَلَيْهَا مَعَ عِلْمِهَا بِهِ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ خِلَافَهُ. فَرْعٌ: يَدْخُلُ مِقْوَدُ دَابَّةٍ وَنَعْلُهَا وَنَحْوُهُمَا فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ كَثِيَابِ الْعَبْدِ. قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": وَأَوْلَى. [بَابُ السَّلَمِ] [تَعْرِيفُ السلم وَحُكْمُهُ] بَابُ السَّلَمِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: السَّلَمُ، وَالسَّلَفُ وَاحِدٌ فِي قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ إِلَّا أَنَّ السَّلَفَ يَكُونُ قَرْضًا، لَكِنَّ السَّلَمَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالسَّلَفَ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسُمِّيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 سَبْعَةٍ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَاتِهِ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَذْرُوعِ فَأَمَّا   [المبدع في شرح المقنع] سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِهِ، وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ أَنْ يُسَلِّمَ عَيْنًا حَاضِرَةً فِي عِوَضٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ إِلَى أَجَلٍ، وَفِي " الْوَجِيزِ ": هُوَ بَيْعُ مَعْدُومٍ خَاصٍّ لَيْسَ نَفْعًا إِلَى أَجَلٍ بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِمَا بِأَنَّ قَبْضَ الثَّمَنِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهِ لَا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَتِهِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ بَيْعٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ إِلَى أَجَلٍ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَسَنَدُهُ الْكِتَابُ، وَهُوَ آيَةُ الدَّيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَأَذِنَ فِيهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالسُّنَّةُ فَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ، وَالسَّنَتَيْنِ، فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَرْبَابَ الزُّرُوعِ، وَالثِّمَارِ يَحْتَاجُونَ إِلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهَا لِتَكْمُلَ فَجَوَّزَ لَهُمُ السَّلَمَ لِيَرْتَفِقُوا وَلِيَرْتَفِقَ الْمُسْلِمُ بِالِاسْتِرْخَاصِ. (وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ إِلَى أَجَلٍ فَشَمِلَهُ النَّصُّ (يَصِحُّ بِأَلْفَاظِهِ) أَيْ: بِأَلْفَاظِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقَةً (وَبِلَفْظِ السَّلَمِ، وَالسَّلَفِ) ؛ لِأَنَّهُمَا حَقِيقَةٌ فِيهِ، إِذْ هُمَا لِلْبَيْعِ الَّذِي عُجِّلَ ثَمَنُهُ وَأُجِّلَ مُثَمَّنُهُ. [شُرُوطُ صِحَّةِ السَّلَمِ] [الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَاتِهِ] (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ) وَجَعَلَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " أَرْبَعَةً زَائِدًا عَلَى شُرُوطِ الْبَيْعِ، فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَرْطًا، لَكِنْ ذكر الحلواني مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ السَّلَمِ أَنْ يُوجَدَ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ (أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَاتِهِ) أَيْ: الَّتِي يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَاتِهِ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا فَيُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالْمُشَاقَّةِ الْمَطْلُوبِ عَدَمُهَا (كَالْمَكِيلِ) فِي الْحُبُوبِ، وَغَيْرِهَا، وَهُوَ إِجْمَاعٌ فِي الطَّعَامِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ (وَالْمَوْزُونِ) كَالْقُطْنِ، وَالْإِبْرِيسَمِ، وَالصُّوفِ، وَالنُّحَاسِ، وَالطِّيبِ، وَالْعِنَبِ، وَالْأَدْهَانِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 الْمَعْدُودُ، وَالْمُخْتَلِفُ كَالْحَيَوَانِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْبُقُولِ، وَالْجُلُودِ، وَالرُّؤُوسِ وَنَحْوِهَا فَفِيهِ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْخُلُولِ (وَالْمَذْرُوعِ) عَلَى الْمَذْهَبِ كَالثِّيَابِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالْبَاقِيَ بِالْقِيَاسِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ. " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَكَى فِي التَّنْبِيهِ أَنَّ لِأَحْمَدَ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إِلَّا فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ لِتَأْتِيَ الصِّفَةُ عَلَيْهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا سَلَمَ فِي أَرْضٍ وَشَجَرٍ وَنَخِيلٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " لِعَدَمِ تَأَتِّي الصِّفَةِ فِيهِ (فَأَمَّا الْمَعْدُودُ، وَالْمُخْتَلِفُ كَالْحَيَوَانِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْبُقُولِ، وَالْجُلُودِ، وَالرُّءُوسِ وَنَحْوِهَا) كَالْبَيْضِ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) ، وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحَيَوَانِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ آدَمِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَتَابِعِيهِمْ لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ صَدَاقًا فَيَثْبُتُ فِي السَّلَمِ كَالثِّيَابِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مِنَ الرِّبَا أَبْوَابًا لَا تَخْفَى، وَإِنَّ مِنْهَا السَّلَمَ فِي السِّنِّ؛ وَلِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا مُبَايِنًا، وَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ، وَلَوِ اسْتَقْصَى صِفَاتِهِ؛ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ وَلِنُدْرَةِ وَجُودِهِ عَلَيْهَا وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ، وَلَوْ سَلَّمَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَشْرُطُونَ مِنْ ضِرَابِ فَحْلِ بَنِي فُلَانٍ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ عَلَيٍّ، وَعُلِمَ مِنْهُ جَوَازُهُ فِي شَحْمٍ وَلَحْمٍ نِيءٍ، وَلَوْ مَعَ عَظْمِهِ إِنْ عُيِّنَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنْهُ وَأُطْلِقَ فِي " الْكَافِي "، وَ " الْفُرُوعِ " الْخِلَافُ فِي الْبَوَاقِي، الْأَشْهَرُ - وَبِهِ جَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ " - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. نَقَلَ عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَرَى السَّلَمَ إِلَّا فِيمَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ، أَوْ يُوقَفُ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 رِوَايَتَانِ، وَفِي الْأَوَانِي الْمُخْتَلِفَةِ الرُّؤُوسِ، وَالْأَوْسَاطِ كَالْقَمَاقِمِ، وَالْأَسْطَالِ والضَّيِّقَةِ الرُّؤُوسِ، وَمَا يَجْمَعُ أَخِلَاطًا مُتَمَيِّزَةً كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ وَجْهَانِ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَعْنَاهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِحَدٍّ مَعْلُومٍ لَا يَخْتَلِفُ كَالزَّرْعِ، فَأَمَّا الرُّمَّانُ، وَالْبَيْضُ، فَلَا أَرَى السَّلَمَ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْفَوَاكِهَ تَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ، وَالْبُقُولَ تَخْتَلِفُ، وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهَا بِالْحَزْمِ فَتَكُونُ كَالْجَوَاهِرِ، وَالثَّانِيَةُ: نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ: جَوَازُ السَّلَمِ فِيهَا؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ وَيُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ وَبَعْضُهُ بِالْوَزْنِ كَالْبُقُولِ، وَأَمَّا الْجُلُودُ، فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فَالْوِرْكُ قَوِيٌّ، وَالصَّدْرُ ثَخِينٌ رَخْوٌ، وَالْبَطْنُ رَقِيقٌ ضَعِيفٌ، وَالظَّهْرُ أَقْوَى فَيَحْتَاجُ إِلَى وَصْفِ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ، وَلَا يُمْكِنُ ذَرْعُهُ لِاخْتِلَافِ أَطْرَافِهِ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، نَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ مَعْلُومٌ، فَلَمْ يَمْنَعِ الصِّحَّةَ كَالْحَيَوَانِ، وَفِي الْأَطْرَافِ الْخِلَافُ كَالْرُؤُوسِ إِحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ فِيهِ قَلِيلٌ، وَلَيْسَ بِمَوْزُونٍ عَكْسَ اللَّحْمِ. وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ فِيهِ عَظْمٌ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ فَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ كَبَقِيَّةِ اللَّحْمِ، وَعَلَيْهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مَطْبُوخًا، أَوْ مَشْوِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ (وَفِي الْأَوَانِي الْمُخْتَلِفَةِ الرُّؤُوسِ، وَالْأَوْسَاطِ كَالْقَمَاقِمِ) وَاحِدُهُ قُمْقُمٌ بِضَمِّ الْقَافَيْنِ يَكُونُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ، وَهُوَ مَا يُسَخَّنُ فِيهِ مِنْ نُحَاسٍ (وَالْأَسْطَالِ) وَاحِدُهَا: سَطْلٌ، وَهُوَ عَلَى هَيْئَةِ التَّوْرِ، لَهُ عُرْوَةٌ (وَالضَّيِّقَةِ الرُّؤُوسِ) فِيهِمَا (وَمَا يَجْمَعُ أَخْلَاطًا) وَاحِدُهَا: خِلْطٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ (مُتَمَيِّزَةً كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ وَجْهَانِ) ، وَكَذَا فِي " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ فِي الْأَوَّلَيْنَ قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَأْتِي عَلَيْهَا، وَالثَّانِي: بَلَى؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ، وَيُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِارْتِفَاعِ حَائِطِهَا وَدَوْرِ أَسْفَلِهَا وَسِعَةِ رَأْسِهَا، وَعَلَى الْأُولَى يَصِحُّ فِيمَا لَا يُخْتَلَفُ كَالْهَاوُنِ، وَالسَّطْلِ الْمُرَبَّعِ لِإِمْكَانِ ضَبْطِهِ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ كَالْكَتَّانِ، وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ ضَبْطَهَا مُمْكِنٌ، وَفِي مَعْنَاهُ النُّشَّابُ، وَالنَّبْلُ الْمَرِيشِينَ وَخِفَافٌ وَرِمَاحٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ كَالْجَوَاهِرِ كُلِّهَا، وَالْحَوَامِلِ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَالْمَغْشُوشِ مِنَ الْأَثْمَانِ، وَغَيْرِهَا، وَمَا يَجْمَعُ أَخْلَاطًا غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَالْغَالِيَةِ، وَالنَّدِّ، وَالْمَعَاجِينِ وَيَصِحُّ فِيمَا يُتْرَكُ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِمَصْلَحَتِهِ كَالْجُبْنِ وَخَلِّ التَّمْرِ، وَالسَّكَنْجَبِينِ وَغَيْرِهَا.   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ كَالْمَعَاجِينِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ (وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ كَالْجَوَاهِرِ كُلِّهَا) كَاللُّؤْلُؤِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَالْبَلُّورِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا بِالْكِبَرِ، وَالصِّغَرِ وَحُسْنِ التَّدْوِيرِ وَزِيَادَةِ ضَوْئِهِمَا، وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهَا بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، وَفِي الْعَقِيقِ وَجْهَانِ (وَالْحَوَامِلِ مِنَ الْحَيَوَانِ) ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَأْتِي عَلَى ذَلِكَ، وَالْوَلَدُ مَجْهُولٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا حُكْمَ لَهُ مَعَ الْأُمِّ بِدَلِيلِ الْبَيْعِ، وَلَا يَصِحُّ فِي أَمَةٍ وَوَلَدِهَا لِنُدْرَةِ جَمْعِهِمَا الصِّفَةَ (وَالْمَغْشُوشِ مِنَ الْأَثْمَانِ) ؛ لِأَنَّ غِشَّهُ يَمْنَعُ الْعِلْمَ بِالْقَدْرِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، وَظَاهِرُهُ يَصِحُّ فِيهَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ مَغْشُوشَةً، وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَهَا (وَغَيْرِهَا) كَاللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ، وَالْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالزُّوَانِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ (وَمَا يَجْمَعُ أَخِلَاطًا غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَالْغَالِيَةِ، وَالنَّدِّ، وَالْمَعَاجِينِ) لِعَدَمِ ضَبْطِهَا بِالصِّفَةِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْقِسِّيُّ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْخَشَبِ، وَالْقَرْنُ، وَالْعَرَاءُ، وَالتَّوْرُ لِلْعَجْزِ عَنْ ضَبْطِ مَقَادِيرِ ذَلِكَ وَتَمْيِيزِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يَصِحُّ كَالثِّيَابِ، وَفِي شَهْدٍ وَكَتَّانٍ وَقِنَّبٍ يَقْضِيَانِهِ وَجْهَانِ (وَيَصِحُّ فِيمَا يُتْرَكُ فِيهِ شيء غير مَقْصُودٌ لِمَصْلَحَتِهِ كَالْجُبْنِ) ، فَإِنَّ فِيهِ أنْفَحَةً (وَالْعَجِينِ) ، فَإِنَّ فِيهِ مِلْحًا (وَخَلِّ التَّمْرِ) ، فَإِنَّ فِيهِ مَاءً (وَالسَّكَنْجَبِينِ) فَإِنَّ فِيهِ خَلًّا (وَغَيْرِهَا) كَالْخُبْزِ وَلَبَنٍ فِيهِ مَاءٌ يَسِيرٌ وَدُهْنِ وِرْدٍ وَبَنَفْسَجٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِمَصْلَحَتِهِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ. فَرْعٌ: يَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللِّبَأِ، وَالْخُبْزِ، وَمَا أَمْكَنَ ضَبْطُهُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ السَّلَمَ فِي كُلِّ مَعْمُولٍ بِالنَّارِ وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ أَرْبَعَةً: السُّكَرَ، وَالْفَانِيدَ، وَاللِّبَأَ، وَالدِّبْسَ، وَالْأَشْهُرُ جَوَازُهُ فِي اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ، وَالْمَطْبُوخِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ كَثِيرًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 فَصْلٌ الثَّانِي: أَنْ يَصِفَهُ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ ظَاهِرًا فَيَذْكُرُ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ، وَقَدْرَهُ وَبَلَدَهُ وَحَدَاثَتَهُ وقدمه وَجَوْدَتَهُ وَرَدَاءَتَهُ، وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهِ   [المبدع في شرح المقنع] [الثَّانِي أَنْ يَصِفَهُ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ ظَاهِرًا] فَصْلٌ (الثَّانِي: أَنْ يَصِفَهُ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ ظَاهِرًا) ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ عِوَضٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَاشْتَرَطَ الْعِلْمَ بِهِ كَالْمُثَمَّنِ وَطَرِيقة الرُّؤْيَةُ، أَوِ الصِّفَةُ، وَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ فَتَعَيَّنَ الْوَصْفُ (فَـ) عَلَى هَذَا (يَذْكُرُ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ، وَقَدْرَهُ وَبَلَدَهُ وَحَدَاثَتَهُ، وَقِدَمَهُ وَجَوْدَتَهُ وَرَدَاءَتَهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ، كَغَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَيَكُونُ ذِكْرُهَا شَرْطًا كَالْأَوَّلِ. ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَلَا يَجِبُ اسْتِقْصَاءُ كُلِّ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ بِلُغَةٍ يَفْهَمُهَا عَدْلَانِ لِيُرْجَعَ إِلَيْهِمَا عِنْدَ التَّنَازُعِ (وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهِ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِفُ التَّمْرَ بِالنَّوْعِ كَبَرْنِيٍّ، أَوْ مَعْقِلِيٍّ وَبِالْجَوْدَةِ أَوْ عَكْسِهَا، وَبِالْقَدْرِ نَحْوَ كِبَارٍ أَوْ صِغَارٍ، وَبِالْبَلَدِ نَحْوَ بَغْدَادِيٍّ؛ لِأَنَّهُ أَحْلَا وَأَقَلُّ بَقَاءً لِعُذُوبَةِ مَائِهِ أَوْ بَصْرِيٍّ، وَهُوَ بِخِلَافِهِ وَبِالْحَدَاثَةِ، أَوْ عَكْسِهَا، فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَتِيقَ أَجْزَأَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعِيبًا وَإِنْ شَرَطَ عَتِيقَ عَامٍ، أَوْ عَامَيْنِ فَلَهُ شَرْطُهُ، وَأَمَّا اللَّوْنُ، فَإِنْ كَانَ يَخْتَلِفُ ذَكَرَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالرُّطَبُ كَالتَّمْرِ فِيمَا ذَكَرْنَا إِلَّا الْحَدَاثَةَ وَضِدَّهَا، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الرُّطَبِ إِلَّا مَا أَرْطَبَ كُلُّهُ. وَيَصِفُ الْحِنْطَةَ بِالنَّوْعِ كَسَلَمُونِيٍّ، وَبِالْبَلَدِ كَحَوْرَانِيٍّ، وَبِالْقَدْرِ كَصِغَارِ الْحَبِّ، أَوْ كِبَارِهِ، وَبِالْحَدَاثَةِ وَضِدِّهَا، وَاللَّوْنِ، كَمَا ذَكَرْنَا، وَالشَّعِيرُ كَالْبُرِّ. وَيَصِفُ الْعَسَلَ بِالْبَلَدِ كَفَيْجِيٍّ وَيُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ النَّوْعِ، وَبِالزَّمَانِ كَخَرِيفِيٍّ، وَبِاللَّوْنِ كَأَبْيَضَ. وَيَصِفُ السَّمْنَ بِالنَّوْعِ كَسَمْنِ ضَأْنٍ وَبِاللَّوْنِ كَأَبْيَضَ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَذْكُرُ الْمَرْعَى، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْحَدَاثَةِ وَضِدِّهَا؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يَقْتَضِي الْحَدِيثَ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي عَتِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَلَا يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ يَنْضَبِطُ بِهِ، وَالزُّبْدُ كَالسَّمْنِ وَيَزِيدُ زُبْدُ يَوْمِهِ، أَوْ أَمْسِهِ. وَيَصِفُ اللَّبَنَ بِالنَّوْعِ، وَالْمَرْعَى، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اللَّوْنِ، وَلَا حَلْبُ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَيَصِفُ الْجُبْنَ بِالنَّوْعِ وَالْمَرْعَى، وَرَطْبٌ أَوْ يَابِسٌ، وَاللِّبَأُ كَاللَّبَنِ وَيَزِيدُ اللَّوْنُ، وَالطَّبْخُ، أَوْ عَدَمُهُ. وَيَصِفُ الْحَيَوَانَ بِالنَّوْعِ، وَالسِّنِّ، وَالذُّكُورَةِ وَضِدِّهَا، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا ذَكَرَ نَوْعَهُ كَتُرْكِيٍّ وَسِنَّهُ، وَيُرْجَعُ فِي سِنِّ الْغُلَامِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ بَالِغًا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ سَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ رُجِعَ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَالطُّولَ بِالشِّبْرِ مُعْتَبَرٌ فِيهِ. قَالَ أَحْمَدُ: يَقُولُ خُمَاسِيٌّ، أَوْ سُدَاسِيٌّ أَسْوَدُ، أَوْ أَبْيَضُ أَعْجَمِيٌّ، أَوْ فَصِيحٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ "، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا ذَكَرَ طَوِيلًا، أَوْ رَبْعًا، أَوْ قَصِيرًا، وَفِي ذِكْرِ الْكُحْلِ، وَالدَّعَجِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالثِّيُوبَةِ وَنَحْوِهَا وَجْهَانِ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ، وَفِي اشْتِرَاطِ ثُقْلِ الْأَرْدَافِ وَوَضَاءَةِ الْوَجْهِ وَكَوْنِ الْحَاجِبَيْنِ مَقْرُونَيْنِ، وَكَذَا الشَّعْرِ سِبْطًا، أَوْ جَعْدًا، أَوْ أَشْقَرَ، أَوْ أَسْوَدَ، وَالْعَيْنِ زَرْقَاءَ، وَالْأَنْفِ أَقْنَى وَجْهَانِ. وَيَصِفُ الْإِبِلَ بِالنِّتَاجِ فَيَقُولُ: مِنْ نِتَاجِ بَنِي فُلَانٍ، مَكَانُ النَّوْعِ إِنِ اخْتَلَفَ نِتَاجُهَا وَبِاللَّوْنِ كَأَبْيَضَ، وَالْخَيْلُ كَالْإِبِلِ فَأَمَّا الْبِغَالُ، فَلَا نِتَاجَ لَهَا، وَالْحَمِيرُ، فَلَا يُقْصَدُ نِتَاجُهَا فَيُجْعَلُ مَكَانَ ذَلِكَ نِسْبَتُهَا إِلَى بَلَدِهَا كَرُومِيٍّ فِي الْبِغَالِ وَمِصْرِيٍّ فِي الْحَمِيرِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ إِنْ عُرِفَ لَهَا نِتَاجٌ فَكَالْإِبِلِ، وَإِلَّا فَكَالْحَمِيرِ. وَيَصِفُ اللَّحْمَ بِالسِّنِّ، وَالذُّكُورَةِ، وَالْعَلْفِ وَضِدِّهَا، وَبِالنَّوْعِ، وَمَوْضِعِ اللَّحْمِ فِي الْحَيَوَانِ وَيَزِيدُ فِي الذَّكَرِ فَحْلًا، أَوْ خَصِيًّا، وَإِنْ كَانَ لَحْمُ صَيْدٍ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ الْعَلَفِ، وَالْخِصَاءِ، لَكِنْ يَذْكُرُ الْآلَةَ أُحْبُولَةً، أَوْ كَلْبًا، أَوْ فَهْدًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الرَّقِيقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] ذِكْرُ سِمَنٍ وَهُزَالٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَبَايَنُ بِهِ الثَّمَنُ، فَهَذَا أَوْلَى، وَيَلْزَمُهُ قَبُولُ اللَّحْمِ بِعِظَامِهِ أَيْ: حَيْثُ أُطْلِقَ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ كَذَلِكَ فَهُوَ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي لَحْمِ الطَّيْرِ إِلَى ذِكْرِ الْأُنُوثَةِ وَالذُّكُورَةِ، إِلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ بِذَلِكَ كَلَحْمِ الدَّجَاجِ، وَلَا إِلَى مَوْضِعِ اللَّحْمِ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا يَأْخُذُ مِنْهُ بَعْضَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الرَّأْسِ، وَالسَّاقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا لَحْمَ عَلَيْهِمَا، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْوَزْنِ فِي الطَّيْرِ كَالْكُرْكِيِّ، وَالْبَطِّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ لَحْمُهُ. وَيَصِفُ السَّمَكَ بِالنَّوْعِ كَبَرْدِيٍّ، وَالْكِبَرِ، وَالسِّمَنِ وَضِدِّهِمَا، وَالطَّرِيِّ، أَوِ الْمِلْحِ، وَلَا يُقْبَلُ الرَّأْسُ، وَالذَّنَبُ بَلْ مَا بَيْنَهُمَا. وَيَصِفُ الثِّيَابَ بِالنَّوْعِ كَكَتَّانٍ وَبِالْبَلَدِ كَبَغْدَادِيٍّ وَبِالطُّولِ، أَوِ الْغِلَظِ، أَوِ النُّعُومَةِ، أَوْ ضِدِّهَا، وَالْغَزْلُ كَذَلِكَ، وَيَذْكُرُ مَكَانَ الطُّولِ، أَوِ الْعَرْضِ، اللَّوْنَ نَحْوَ أَبْيَضَ، أَوْ أَصْفَرَ. وَيَصِفُ الْإِبْرِيسَمَ بِاللَّوْنِ، وَالْبَلَدِ، وَالْغِلَظِ، وَالرِّقَّةِ. وَيَصِفُ الصُّوفَ بِالْبَلَدِ، وَاللَّوْنِ، وَالطُّولِ، أَوِ الْقِصَرِ، وَالذُّكُورَةِ، أَوِ الْأُنُوثَةِ، وَبِالزَّمَانِ كَخَرِيفِيٍّ، أَوْ رَبِيعِيٍّ؛ لِأَنَّ صُوفَ الْخَرِيفِ أَنْظَفُ وَصُوفَ الْإِنَاثِ أَنْعَمُ، وَفِي " الشَّرْحِ ": احْتِمَالُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْأُنُوثَةِ، وَالذُّكُورَةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ، وَالشَّعْرُ وَالْوَبَرُ كَالصُّوفِ. وَيَصِفُ الْكَاغِدَ بِالطُّولِ، وَالْعَرْضِ، وَالرِّقَّةِ، أَوِ الْغِلَظِ وَاسْتِوَاءِ الصَّنْعَةِ، وَمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ. وَيَصِفُ الرَّصَاصَ، وَالنُّحَاسَ، وَالْحَدِيدَ بِالنَّوْعِ كَقَلْعِيٍّ، وَبِالنُّعُومَةِ، أَوْ ضِدِّهَا، وَبِاللَّوْنِ إِنْ كَانَ يَخْتَلِفُ بِهِ وَيَزِيدُ فِي الْحَدِيدِ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى، فَإِنَّ الذَّكَرَ أَحَدُّ وَأَمْضَى. وَيَصِفُ الْقِصَاعَ مِنَ الْخَشَبِ بِالنَّوْعِ كَجَوْزٍ، وَالصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ، وَالْعُمْقِ، وَالضِّيقِ، وَالثَّخَانَةِ، وَالرِّقَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 فَإِنْ شَرَطَ الْأَجْوَدَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَرَطَ الْأَرْدَأَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَإِنْ جَاءَهُ بِدُونِ مَا   [المبدع في شرح المقنع] وَيَصِفُ السَّيْفَ بِالنَّوْعِ كَفُولَاذٍ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ وَرِقَّتِهِ وَغِلَظِهِ وَبَلَدِهِ، وَقِدَمِهِ، أَوْ ضِدِّهِ مَاضٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَيَصِفُ قَبِيعَتَهُ. وَيَصِفُ خَشَبَ الْبِنَاءِ بِالنَّوْعِ، وَالرُّطُوبَةِ، أَوْ ضِدِّهَا وَبِالطُّولِ، وَالدَّوْرِ، أَوْ سُمْكِهِ وَعَرَضِهِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِنْ طَرَفِهِ إِلَى طَرَفِهِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ أَغْلَظَ مِمَّا وَصَفَ، فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا، وَإِنْ كَانَ أَدَقَّ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَإِنْ ذَكَرَ الْوَزْنَ جَازَ. وَيَصِفُ حِجَارَةَ الْأَرْحِيَةِ بِالدَّوْرِ، وَالثَّخَانَةِ، وَالْبَلَدِ، وَالنَّوْعِ وَيَضْبُطُ مَا هُوَ لِلْبِنَاءِ بِذِكْرِ اللَّوْنِ، وَالْقَدْرِ، وَالنَّوْعِ، وَالْوَزْنِ. وَيَصِفُ الْآجُرَ، وَاللَّبَنَ بِمَوْضِعِ التُّرْبَةِ، وَالدَّوْرِ، وَالثَّخَانَةِ. وَيَصِفُ الْجِصَّ، وَالنَّوْرَةَ بِاللَّوْنِ، وَالْوَزْنِ، وَلَا يَقْبَلُ مَا أَصَابَهُ الْمَاءُ، وَلَا قَدِيمًا يُؤَثِّرُ فِيهِ. وَيَصِفُ الْعَنْبَرَ بِاللَّوْنِ، وَالْوَزْنِ، وَإِنْ شَرَطَ قِطْعَةً، أَوْ قِطْعَتَيْنِ جَازَ وَيَضْبُطُ الْعُودَ الْهِنْدِيَّ بِبَلَدِهِ، وَمَا يُعْرَفُ بِهِ، وَالْمِسْكَ وَنَحْوَهُ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ (فَإِنْ شَرَطَ الْأَجْوَدَ لَمْ يَصِحَّ) لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ إِلَّا نَادِرًا، إِذْ مَا مِنْ جَيِّدٍ إِلَّا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُوجَدَ أَجْوَدُ مِنْهُ (وَإِنْ شَرَطَ الْأَرْدَأَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ الْمَوْصُوفَ فَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَيُلْزِمُ الْمُسْلِمَ قَبُولَهُ بِخِلَافِ الْأَجْوَدِ وَيَكْفِي جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَيُجْزِئُ بِأَقَلِّهَا أَيْ: يَتْرُكُ الْوَصْفَ عَلَى أَقَلِّ دَرَجَةٍ (وَإِنْ جَاءَهُ بِدُونِ مَا وَصَفَ لَهُ، أَوْ نَوْعٍ آخَرَ) مِنْ جِنْسِهِ (فَلَهُ أَخْذُهُ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقَدْ رَضِيَ بِدُونِهِ وَمَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْجِنْسِ يَجْعَلُهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ التَّفَاضُلِ (وَلَا يَلْزَمُهُ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 وَصَفَ لَهُ، أَوْ نَوْعٍ آخَرَ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ جَاءَهُ بِجِنْسٍ آخَرَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ، فَإِنْ جَاءَهُ، وَقَالَ: خُذْهُ وَزِدْنِي دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ جَاءَهُ بِزِيَادَةٍ فِي الْقَدْرِ فَقَالَ ذَلِكَ، صَحَّ. فَصْلٌ الثَّالِثُ: أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَهُ بِالْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ، وَالذَّرْعِ فِي الْمَذْرُوعِ،   [المبدع في شرح المقنع] يُجْبَرُ عَلَى إِسْقَاطِ حَقِّهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَدْنَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ، أَشْبَهَ الزَّائِدَ فِي الصِّفَةِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَشْرُوطِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ كَالْأَدْنَى، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ قَبُولُهُ كَغَيْرِ جِنْسِهِ، نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ (وَإِنْ جَاءَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ مِنْ نَوْعِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ وَزِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ وَكَشَرْطِهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ تَضَرَّرَ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا أُسْلِمَ فِيهِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ قَبُولُهُ. نَقَلَ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ لَا يَأْخُذُ فَوْقَ صِفَتِهِ بَلْ دُونَهَا (وَإِنْ جَاءَهُ بِجِنْسٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَسْلَمِ فِي شَيْءٍ، فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنِ الْإِمَامِ: يَأْخُذُ أَدْنَى كَشَعِيرٍ عَنْ بُرٍّ بِقَدْرِ كَيْلِهِ، وَلَا يَرْبَحُ مَرَّتَيْنِ وَاحْتُجَّ بِابْنِ عَبَّاسٍ وَبِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ حَقِّهِ وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ (فَإِنْ جَاءَهُ) بِالْأَجْوَدِ (وَقَالَ: خُذْهُ وَزِدْنِي دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ صِفَةٌ، فَلَا يَجُوزُ إِفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا (وَإِنْ جَاءَهُ بِزِيَادَةٍ فِي الْقَدْرِ فَقَالَ ذَلِكَ، صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَا يَجُوزُ إِفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَإِمْسَاكُهُ مَعَ الْأَرْشِ [الفَصْلٌ الثَّالِثُ أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَهُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ] فصل (الثَّالِثُ: أَنْ يَذْكُرَ بِالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ، وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 فَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا، وَفِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا لَمْ يَصِحَّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مَعْلُومًا، فَإِنْ شَرَطَ مِكْيَالًا بِعَيْنِهِ أَوْ صَنْجَةً بِعَيْنِهَا لَمْ يَصِحَّ، وَفِي الْمَعْدُودِ الْمُخْتَلِفِ غَيْرَ الْحَيَوَانِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: يُسْلَمُ فِيهِ عَدَدًا، وَالْأُخْرَى: وَزْنًا،   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي ثَمَرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ (وَالذَّرْعِ فِي الْمَذْرُوعِ» أَيْ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِالذَّرْعِ إِنْ كَانَ مَذْرُوعًا، وَكَذَا الْمَعْدُودُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ غَائِبٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَاشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ كَالثَّمَنِ (فَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا، وَفِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا لَمْ يَصِحَّ) ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ فِي الْمَكِيلِ لَا يُسْلَمُ فِيهِ وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِغَيْرِ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ فِي الْأَصْلِ كَبَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ، وَلِأَنَّهُ قَدَّرَهُ بِغَيْرِ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَذْرُوعِ وَزْنًا وَبِالْعَكْسِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا (وَعَنْهُ: يَصِحُّ) نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ وَإِمْكَانُ تَسْلِيمِهِ مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ فَبِأَيِّ قَدْرٍ قَدَّرَهُ جَازَ بِخِلَافِ الرِّبَوِيَّاتِ، فَإِنَّ التَّمَاثُلَ فِيهَا شَرْطٌ وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مَعْلُومًا) عِنْدَ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَجْهُولًا تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ عِنْدَ التَّلَفِ وَذَلِكَ مُخِلٌّ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي اشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ الْكَيْلِ مِنْ أَجْلِهَا، وَكَذَا الصَّنْجَةُ، وَالذِّرَاعُ (فَإِنْ شَرَطَ مِكْيَالًا بِعَيْنِهِ) أَيْ: غَيْرَ مَعْلُومٍ (أَوْ صَنْجَةً بِعَيْنِهَا) غَيْرَ مَعْلُومَةٍ (لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَهْلِكُ فَيَتَعَذَّرُ مَعْرِفَةُ الْمُسْلَمُ فِيهِ، وَهُوَ غَرَرٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَعْلُومًا لَمْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي فَسَادِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا صِحَّتُهُ (وَفِي الْمَعْدُودِ الْمُخْتَلِفِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ) كَفُلُوسٍ مَثَلًا، وَيَكُونُ رَأْسُ مَالِهَا عَرَضًا لَا يَجْرِي فِيهِمَا رِبًا (رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: يُسْلَمُ فِيهِ عَدَدًا) قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ وَيَذْهَبُ بِاشْتِرَاطِهِ الْكِبَرَ، وَالصِّغَرَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 وَقِيلَ: يُسْلَمُ فِي الْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ عَدَدًا، وَفِي الْفَوَاكِهِ، وَالْبُقُولِ وَزْنًا. فَصْلٌ الرَّابِعُ: أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا مَعْلُومًا لَهُ وَقَعَ الثَّمَنُ كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ   [المبدع في شرح المقنع] أَوِ الْوَسَطَ، وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ يَسِيرٌ عُفِيَ عَنْهُ (وَالْأُخْرَى وَزْنًا) ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَايَنُ، وَالْوَزْنُ يَضْبُطُهُ (وَقِيلَ: يُسْلَمُ فِي الْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ عَدَدًا) قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْمُتَقَارِبِ يَسِيرٌ وَلِهَذَا لَا تَكَادُ الْقِيمَةُ تَتَفَاوَتُ بَيْنَ الْبَيْضَتَيْنِ، وَالْجَوْزَتَيْنِ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ، فَإِنَّهُ يَتَبَايَنُ كَثِيرًا (وَفِي الْفَوَاكِهِ) كَالرُّمَّانِ، وَالسَّفَرْجَلِ (وَالْبُقُولِ وَزْنًا) ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا وَيَتَبَايَنُ جِدًّا، فَلَا يَنْضَبِطُ إِلَّا بِالْوَزْنِ. فَائِدَةٌ: إِذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ وَزْنُهُ بِمِيزَانٍ كَالْأَرْحِيَةِ، وَالْأَحْجَارِ الْكِبَارِ وُزِنَتْ بِالسَّفِينَةِ فَتُنْزَلُ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ يُنْزَلُ فِيهَا ذَلِكَ فَيُنْظَرُ إِلَى أَيِّ مَوْضِعٍ يَغُوصُ فَيُعَلِّمُهُ، ثُمَّ يُرْفَعُ وَيُنْزَلُ مَكَانَهُ رَمْلٌ وَنَحْوُهُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ الْمَوْضِعَ الْمُعَلَّمَ، ثُمَّ يُوزَنُ بِمِيزَانٍ. [الرَّابِعُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا مَعْلُومًا] فَصْلٌ (الرَّابِعُ: أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا مَعْلُومًا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْأَجَلِ كَالْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ، وَلِأَنَّهُ أَمَرَ بِهَا تَبْيِينًا لِشُرُوطِ السَّلَمِ وَمَنْعًا مِنْهُ بِدُونِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِذَا انْتَفَى الْكَيْلُ، أَوِ الْوَزْنُ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ رُخْصَةً لِلْمَرْفِقِ، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْأَجَلِ، إِذِ الْحُلُولُ يُخْرِجُهُ عَنِ اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ (لَهُ وَقَعَ فِي الثَّمَنِ) عَادَةً. قَالَهُ الْأَصْحَابُ (كَالشَّهْرِ) كَذَا قَدَّرَهُ غَيْرُهُ بِهِ وَنَقَلَهُ فِي " الْوَاضِحِ " عَنْ أَصْحَابِنَا، وَلَيْسَ هَذَا فِي كَلَامِ أَحْمَدَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَجْهُولًا لَا يَمْلِكُهُ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ فَرُخِّصَ فِيهِ لِحَاجَةِ الْمُفْلِسِ، وَلَا حَاجَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهَذَا إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ الْأَجَلَ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": هُوَ مُعْتَمَدُ الْمَسْأَلَةِ وَسِرُّهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَجَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 حَالًّا، أَوْ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ، لَمْ يَصِحَّ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ يَأْخُذُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ أَجْزَاءً مَعْلُومَةً، فَيَصِحَّ وَإِنْ أَسْلَمَ فِي جِنْسٍ إِلَى أَجَلَيْنِ، أَوْ فِي جِنْسَيْنِ إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] إِنَّمَا اعْتُبِرَ لِيَتَحَقَّقَ الْمَرْفِقُ الَّذِي شُرِّعَ مِنْ أَجْلِهِ السَّلَمُ، فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْمُدَّةِ الَّتِي لَا وَقْعَ لَهَا فِي الثَّمَنِ (وَنَحْوِهِ) ، وَفِي " الْكَافِي " كَنِصْفِهِ، وَفِي " الشَّرْحِ "، وَمَا قَارَبَ الشَّهْرَ (فَإِنْ أَسْلَمَ حَالًّا) لَمْ يَصِحَّ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ حَالًّا، ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: لَا يُحْتَاجُ إِلَى مُدَّةٍ، وَهُوَ قِيَاسٌ، وَلَكِنْ إِلَى أَجَلٍ أَحَبُّ إِلَيَّ وَهِيَ مَعَ بَقِيَّةِ النُّصُوصِ تَدُلُّ عَلَى الْأَجَلِ الْقَرِيبِ، لَكِنْ إِنْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، صَحَّ حَالًّا. قَالَ الْقَاضِي: وَيَجُوزُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " (أَوْ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَهُوَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا وَقْعَ لَهُ فِي الثَّمَنِ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْأَجَلَ شَرْطٌ، وَلَوْ كَانَ يَوْمًا ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إِلَى شَهْرٍ (إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَجْزَاءً مَعْلُومَةً، فَيَصِحَّ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، إِذِ الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ التَّعْمِيمُ فِي كُلِّ مَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فَإِنْ أَسْلَمَ فِي لَحْمٍ، أَوْ خُبْزٍ يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَظَاهَرُهُ اخْتِصَاصُ الْجَوَازِ بِهِمَا وَنَصَرَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا إِذَا قُبِضَ الْبَعْضُ وَتَعَذَّرَ قَبْضُ الْبَاقِي رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَلَا يُجْعَلُ الْبَاقِي فَضْلًا عَلَى الْمَقْبُوضِ لِتَمَاثُلِ أَجْزَائِهِ فَيُقَسَّطُ الثَّمَنُ بِالسَّوِيَّةِ، كَمَا إِذَا بَيَّنَ أَجَلَهُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِنْ بَيَّنَ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ وَثَمَنَهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ فِي جِنْسٍ إِلَى أَجَلَيْنِ) صَحَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ جَازَ إِلَى أَجَلٍ جَازَ إِلَى أَجَلَيْنِ وَآجَالٍ كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ (أَوْ فِي جِنْسَيْنِ إِلَى أَجَلٍ، صَحَّ) كَالْبَيْعِ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ) ، فَعَلَى هَذَا يُسْلِمُ إِلَى وَقْتٍ يُعْلَمُ بِالْأَهِلَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 أَجَلٍ صَحَّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ أَسْلَمَ إِلَى الْحَصَادِ، أَوِ   [المبدع في شرح المقنع] نَحْوَ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ وَآخِرُ يَوْمٍ مِنْهُ مُعَيَّنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] ، وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ التَّأْجِيلِ بِذَلِكَ، فَلَوْ جَعَلَهُ إِلَى شَهْرِ رَمَضَانَ تَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِ، وَكَذَا إِنْ قَالَ: مَحِلُّهُ شَهْرُ كَذَا يَصِحُّ، وَقِيلَ: لَا، وَلَوْ قَالَ: إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَانَ إِلَى انْقِضَائِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً كَانَ ابْتِدَاؤُهَا حِينَ تَلَفُّظِهِ بِهَا، وَإِنْ قَالَ: إِلَى شَهْرِ كَذَا انْصَرَفَ إِلَى الْهِلَالِيِّ مَا لَمْ يَكُنْ فِي أَثْنَائِهِ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالْعَدَدِ، فَإِنْ عَلَّقَهُ بِاسْمٍ يَتَنَاوَلُ شَيْئَيْنِ كَرَبِيعٍ وَجُمَادَى، وَالْعِيدِ انْصَرَفَ إِلَى أَوَّلِهِمَا، قَطَعَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " مَذْهَبًا وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَا إِذَا عُيِّنَ الْوَقْتُ كَعِيدِ الْفِطْرِ، أَوْ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْعِلْمِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ وَكَانَ مِمَّا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ كَشُبَاطَ، أَوْ عِيدًا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ كَالنَّيْرُوزِ، وَالْمَهْرَجَانِ، صَحَّ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَشْبَهَ عِيدَ الْمُسْلِمِينَ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى وابن عبدوس: لَا، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ إِلَى السَّعَانِينَ وَعِيدِ الْفَطِيرِ مِمَّا يَجْهَلُهُ الْمُسْلِمُونَ غَالِبًا، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَجَلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُتَعَاقِدِينَ، أَوْ أَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ (فَإِنْ أَسْلَمَ إِلَى الْحَصَادِ، أَوِ الْجِدَادِ، أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ إِلَيْهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجَّلَ إِلَى الْحَصَادِ، وَالْجِدَادِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا تَتَبَايَعُوا إِلَى الْحَصَادِ، وَالدِّيَاسِ، وَلَا تَتَبَايَعُوا إِلَّا إِلَى شَهْرٍ مَعْلُومٍ، وَلِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ أَجَلًا كَقُدُومِ زَيْدٍ، لَا يُقَالُ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إِلَى يَهُودِيٍّ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ ثَوْبَيْنِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ» ، لِأَنَّهُ رَوَاهُ حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ. قَالَ أَحْمَدُ: فِيهِ غَفْلَةٌ، وَهُوَ صَدُوقٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَفَلَانِهِ حَيْثُ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 الْجِدَادِ، أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ إِلَيْهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِذَا جَاءَهُ بِالسَّلَمِ قَبْلَ مَحِلِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ لَزِمَهُ قَبْضُهُ، وَإِلَّا فَلَا.   [المبدع في شرح المقنع] لَا يَصْلُحُ لِلْأَجَلِ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَاعُ إِلَى الْعَطَاءِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الْعَطَاءِ لَا فِعْلِهِ، فَإِنَّ نَفْسَ الْعَطَاءِ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ فَهُوَ مَجْهُولٌ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ نَفْسَ الْعَطَاءِ لِكَوْنِهِ يَتَقَارَبُ أَشْبَهَ الْحَصَادَ، وَلِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ يَسِيرٌ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ كَرَأْسِ السَّنَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ وَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ إِلَيْهِمَا. فَرْعٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْأَشْهُرِ فِي اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ، وَقَدْرِهِ وَبَقَائِهِ وَفَرَاغِهِ (وَإِذَا جَاءَهُ بِالسَّلَمِ) أَيْ: الْمُسْلَمُ فِيهِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ، كَمَا يُعَبَّرُ عَنِ السَّرِقَةِ بِالْمَسْرُوقِ وَبِالرَّهْنِ عَنِ الْمَرْهُونِ (قَبْلَ مَحِلِّهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ (وَلَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ لَزِمَهُ قَبْضُهُ) ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ حَاصِلٌ مَعَ زِيَادَةِ تَعْجِيلِ الْمَنْفَعَةِ فَجَرَى مَجْرَى زِيَادَةِ الصِّفَةِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ كَالْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَلَا يَخْتَلِفُ قَدِيمُهُ وَحَدِيثُهُ كَالزَّيْتِ، وَالْعَسَلِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا أَحْضَرَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَفِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ لَا يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ، وَهُوَ صَادِقٌ بِصُوَرٍ إِمَّا لِكَوْنِهِ مِمَّا يَتَغَيَّرُ كَالْفَاكِهَةِ، وَالْأَطْعِمَةِ، أَوْ كَانَ قَدِيمُهُ دُونَ حَدِيثِهِ كَالْحُبُوبِ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَأْخِيرِهِ بِأَنْ يَحْتَاجَ إِلَى أَكْلِهِ، أَوْ إِطْعَامِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا لَمْ يَأْمَنْ تَلَفَهُ وَيَحْتَاجُ إِلَى نَفْعِهِ، وَكَذَا مَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إِلَى مُؤْنَةٍ كَالْقُطْنِ، أَوْ كَانَ الْوَقْتُ مُخَوِّفًا فَهُوَ كَنَقْصِ صِفَةٍ فِيهِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " إِنْ كَانَ مِمَّا يَتْلَفُ، أَوْ يَتَغَيَّرُ قَدِيمُهُ وَحَدِيثُهُ لَزِمَهُ قَبْضُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا أَحْضَرَهُ فِي مَحِلِّهِ لَزِمَهُ قَبْضُهُ مُطْلَقًا كَالْمَبِيعِ الْمُعِيَّنِ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَقْبِضَ، أَوْ تُبْرِي، فَإِنْ أَصَرَّ بَرِئَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " فِي الْمَكْفُولِ بِهِ، وَالْأَشْهَرُ يَرْفَعُهُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيَنُوبُ عَنْهُ فِي قَبْضِهِ لَا إِبْرَائِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ كَقَبْضِ الْمَالِكِ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا أَتَاهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى صِفَتِهِ. فَرْعٌ: حُكْمُ كُلِّ دَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ إِذَا أَتَى بِهِ كَذَلِكَ، وَنَقَلَ بَكْرٌ وَحَنْبَلٌ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ لَا يَلْزَمُهُ، ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ فَيُرَقُّ، وَلِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي مِلْكِهِ حَقٌّ لَهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ وَمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ دَيْنٍ عَنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَرْضَ رَبُّ الدَّيْنِ، أَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ فَبَذَلَهَا أَجْنَبِيٌّ لَمْ يُجْبَرْ رَبُّ الدَّيْنِ، وَالزَّوْجَةُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 فَصْلٌ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَّ الْوُجُودِ فِي مَحِلِّهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فِيهِ أَوْ لَا يُوجَدُ إِلَّا نَادِرًا كَالسَّلَمِ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ إِلَى غَيْرِ وَقْتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَسْلَمَ إِلَى مَحِلٍّ يُوجَدُ فِيهِ عَامًّا، فَانْقَطَعَ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّبْرِ، وَبَيْنَ الْفَسْخِ، وَالرُّجُوعِ بِرَأْسِ مَالِهِ، أَوْ عِوَضِهِ إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] [الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَ الْوُجُودِ فِي مَحِلِّهِ] فَصْلٌ (الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَّ الْوُجُودِ فِي مَحِلِّهِ) غَالِبًا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِوُجُوبِ تَسْلِيمِهِ إِذَنْ (فَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فِيهِ) لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ غَالِبًا عِنْدَ وُجُوبِهِ أَشْبَهَ بَيْعَ الْآبِقِ بَلْ أَوْلَى (أَوْ لَا يُوجَدُ إِلَّا نَادِرًا كَالسَّلَمِ فِي الْعِنَبِ، وَالرُّطَبِ إِلَى غَيْرِ وَقْتِهِ) ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِيهِمَا إِلَى شُبَاطَ، أَوْ آذَارَ (لَمْ يَصِحَّ) لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ، فَلَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ حَالَ الْعَقْدِ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ عَدَمُهُ فِي الْأَصَحِّ حَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدُوسٍ (وَإِنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ) ، أَوْ فِي نِتَاجٍ مِنْ فَحْلِ بَنِي فُلَانٍ، أَوْ غَنَمِهِ، أَوْ فِي مِثْلِ هَذَا الثَّوْبِ (لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلَفُهُ، وَانْقِطَاعُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ قَدَّرَهُ بِمِكْيَالٍ مَعْلُومٍ، أَوْ صَنْجَةٍ بِعَيْنِهَا. دَلِيلُ الْأَصْلِ: مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَسْلَفَ إِلَيْهِ يَهُودِيٌّ مِنْ تَمْرِ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَما من حَائِط بَنِي فُلَانٍ، فَلَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ الْجَوْزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجِمِ، وَقَالَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ هَذَا الْبَيْعِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الْمَنْعُ مِنْهُ كَالْإِجْمَاعِ لِاحْتِمَالِ الْجَائِحَةِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، وَغَيْرُهُ: يَصِحُّ إِذَا بَدَا صَلَاحُهُ، أَوِ اسْتَحْصَدَ، وَاحْتَجَّ بِابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا كَانَ قَدْ بَلَغَ وَأُمِنَتْ عَلَيْهِ الْجَائِحَةُ وَيُعَارِضُهُ مَا سَبَقَ (وَإِنْ أَسْلَمَ إِلَى مَحِلٍّ يُوجَدُ فِيهِ عَامًّا، فَانْقَطَعَ) بِأَنْ لَمْ تَحْمِلِ الثِّمَارُ تِلْكَ السَّنَةَ مَثَلًا (خُيِّرَ) الْمُسْلِمُ (بَيْنَ الصَّبْرِ) إِلَى أَنْ يُوجَدَ فَيُطَالِبَ بِهِ (وَبَيْنَ الْفَسْخِ) كَغَيْرِهِ (وَالرُّجُوعِ بِرَأْسِ مَالِهِ) أَيْ: مَعَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا زَالَ وَجَبَ رَدُّ الثَّمَنِ، وَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 كَانَ مَعْدُومًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ. فَصْلٌ السَّادِسُ: أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ   [المبدع في شرح المقنع] (أَوْ عِوَضِهِ إِنْ كَانَ مَعْدُومًا) لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا اسْتَحَقَّ مِثْلَهُ، وَإِلَّا قِيمَتُهُ كَالْمُتْلَفِ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: خُيِّرَ (وَفِي الْآخَرِ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ) لِكَوْنِ الْمُسْلِمِ فِيهِ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ مِنْهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ فَهَلَكَتْ فَيَرْجِعُ بِرَأْسِ مَالِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَشْهَرُ، وَالْأَصَحُّ، فَإِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ فَهُوَ كَمَنِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِأَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى دَفْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ جَازَ، وَإِنَّمَا أُجْبِرَ عَلَى الدَّفْعِ مِنْهُ لِكَوْنِهِ بِصِفَةِ حَقِّهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَخَّرَ الْقَبْضَ فِي أَوَانِهِ مَعَ إِمْكَانِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إِلَى أَوَانِهِ بَعْدُ، أَوْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَسْخِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: إِنْ تَعَذَّرَ بَعْضُهُ فَسَخَ الْكُلَّ، أَوْ صَبَرَ. فَرْعٌ: إِذَا أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ إِلَى ذِمِّيٍّ فِي خَمْرٍ، فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَأْخُذُ دَرَاهِمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالْآخِرَ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِيفَاءُ. [السَّادِسُ أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ] فَصْلٌ (السَّادِسُ: أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) أَيْ: قَبْلَ التَّفَرُّقِ نَصَّ عَلَيْهِ وَاسْتَنْبَطَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ» . أَيْ: فَلْيُعْطِ. قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ اسْمُ السَّلَفِ فِيهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا سَلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ مَنْ أَسْلَفَهُ انْتَهَى، وَحِذَارًا أَنْ يَصِيرَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَيَدْخُلَ تَحْتَ النَّهْيِ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَأْخِيرِ الْعِوَضِ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالصَّرْفِ وَيُشْتَرَطُ قَبْضُ جَمِيعِهِ، فَلَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ، ثُمَّ افْتَرَقَا بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَقْبُوضِ، فَلَوْ جَعَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَنًا وَاحِدًا فِي   [المبدع في شرح المقنع] دَيْنًا سَلَمًا لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ، أَوْ عَيْنٌ مَغْصُوبَةٌ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَبْضِ. أَصْلٌ: الْمَجْلِسُ هُنَا كَمَجْلِسِ الصَّرْفِ وَهُمَا كَمَجْلِسِ الْخِيَارِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إِذَا تَأَخَّرَ قَبْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْيَوْمَيْنِ، وَالثَّلَاثَةَ لَمْ يَصِحَّ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ) أَمْ تَكْفِي مُشَاهَدَتُهُ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. قَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَتَأَخَّرُ بِتَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ مَعْرِفَةُ رَأْسِ مَالِهِ لِيُرَدَّ بَدَلُهُ كَالْقَرْضِ، وَالشَّرِكَةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ جَوْهَرَةً لِعَدَمِ تَأَتِّي الصِّفَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَيَرُدُّهُ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَإِلَّا قِيمَتُهُ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهَا قُبِلَ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " يَقَعُ الْعَقْدُ بِقِيمَةِ مِثْلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُضَمِّنُهُ بِأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، وَهُوَ رِبًا وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ بِمِثْلِهِ، وَكَذَا الْأُجْرَةُ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَمَالَ إِلَيْهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مُشَاهَدٌ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى مَعْرِفَتِهِ كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ. تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَالَيْنِ حُرِّمَ النَّسَاءُ فِيهِمَا لَا يَجُوزُ إِسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ مِنْ شَرْطِهِ التَّأْجِيلُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِي الْعُرُوضِ هُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ إِسْلَامُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: إِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ ثَمَنًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ إِسْلَامُ عَرَضٍ فِي عَرَضٍ، وَفِي ثَمَنٍ (وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَنًا وَاحِدًا فِي جِنْسَيْنِ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 جِنْسَيْنِ، لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ. فَصْلٌ السَّابِعُ: أَنْ يُسَلَمَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عَيْنٍ، لَمْ يَصِحَّ وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ كَالْبَرِّيَّةِ فَيُشْتَرَطَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": أَوْ ثَمَنَيْنِ فِي جِنْسٍ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُعَيَّنَ ثَمَنُ كُلِّ جِنْسٍ، وَقُدِّرَ كُلُّ ثَمَنٍ، نَصَّ عَلَيْهِمَا (لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ الْجِنْسَيْنِ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِ مُفْرَدًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ قَبْلَ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يُسْلَمَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ إِلَى أَجَلَيْنِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، فَكَذَا هُنَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " الْجَوَازُ تَخْرِيجًا لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمَا عَلَيْهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُخْتَلِفًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجُوزُ إِسْلَامُ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فِي كُرِّ حِنْطَةٍ إِلَّا أَنْ يُبَيَّنَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّمَنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إِذِ الرُّجُوعُ مُمْكِنٌ بِقَدْرِ الْحِصَّةِ. [السَّابِعُ أَنْ يُسْلَمَ فِي الذِّمَّةِ] فَصْلٌ (السَّابِعُ: أَنْ يُسْلِمَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عَيْنٍ) كَدَارٍ وَشَجَرَةٍ ثَابِتَةٍ (لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلَفَ قَبْلَ أَوَانِ تَسْلِيمِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ مِكْيَالًا بِعَيْنِهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ، لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ يُمْكِنُ بَيْعُهُ فِي الْحَالِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى السَّلَمِ فِيهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ) ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَذْكُرْهُ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ بُيُوعَ الْأَعْيَانِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مَؤُونَةٌ وَجَبَ شَرْطُهُ، وَإِلَّا فَلَا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ كَالْبَرِّيَّةِ) ، وَالْبَحْرِ (فَيُشْتَرَطَ ذِكْرُهُ) لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ فَاشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ بالقول كَالْكَيْلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 ذِكْرُهُ، وَيَكُونُ الْوَفَاءُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، فَإِنْ شَرَطَ الْوَفَاءَ فِيهِ كَانَ تَأْكِيدًا، وَإِنْ شَرَطَهُ فِي غَيْرِهِ صَحَّ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا هِبَتُهُ، وَلَا أَخْذُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ وَلَا الْحَوَالَةُ بِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ لِمَنْ هُوَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ وَيُوَفَّى بِأَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ إِلَيْهِ (وَ) يَجِبُ أَنْ (يَكُونَ الْوَفَاءُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ الْمُشَاحَحَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ فَاكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِ وَلَهُ أَخْذُهُ فِي غَيْرِهِ إِنْ رَضِيَا فَلَوْ قَالَ: خُذْهُ، وَأُجْرَةُ حَمْلِهِ مِثْلُهُ إِلَى مَوْضِعِ الْوَفَاءِ، لَمْ يَصِحَّ. قَالَ الْقَاضِي: كَأَخْذِ بَدَلِ السَّلَمِ (فَإِنْ شَرَطَ الْوَفَاءَ فِيهِ) أَيْ: فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، صَحَّ (وَكَانَ تَأْكِيدًا) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَشْبَهَ شَرْطَ الْحُلُولِ فِي الثَّمَنِ (وَإِنْ شَرَطَهُ فِي غَيْرِهِ، صَحَّ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، فَصَحَّ شَرْطُ الْإِيفَاءِ مَكَانَهُ كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ) قَطَعَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسْلِمَهُ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. فَرْعٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ فِي تَعْيِينِهِ مَعَ يَمِينِهِ، فَلَوْ قَالَ: هَذَا الَّذِي أَقْبَضْتَنِي، وَهُوَ مَعِيبٌ، فَأَنْكَرَ قُدِّمَ قَوْلُ الْقَابِضِ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ» ، وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالطَّعَامِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلشَّرِكَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ (وَلَا هِبَتُهُ) ؛ لِأَنَّهَا نَقْلٌ لِلْمِلْكِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ (وَلَا أَخْذُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» . وَلِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُ بَيْعٌ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ كَبَيْعِهِ لِغَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا، أَوْ مَعْدُومًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ مِثْلَهُ فِي الْقِيمَةِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ (وَلَا الْحَوَالَةُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ، وَالسَّلَمُ بِعَرْضِيَّةِ الْفَسْخِ، وَلِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْفَسْخِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُحِيلَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ بِمَا عَلَيْهِ لِلْمُسْلِمِ عَلَى مَنْ لَهُ مِثْلُهُ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ بَدَلِ مُتْلَفٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا عَلَيْهِ، كَمَا إِذَا أَحَالَ الْمُسْلَمُ بِمَا لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 ذِمَّتِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ عِوَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ، وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ، وَتَجُوزُ فِي بَعْضِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذَا قَبَضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ، أَوْ عِوَضَهُ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ بَدَلِ مُتْلَفٍ، وَلَوْ بِرَأْسِ مَالٍ سُلِّمَ بَعْدَ فَسْخِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ) كَقَرْضٍ وَمَهْرٍ بَعْدَ دُخُولٍ وَأُجْرَةٍ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا، أَوْ فَرَغَتْ مُدَّتُهَا وَقِيمَةُ مُتْلَفٍ وَنَحْوِهِ (لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ) لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ «كُنَّا نَبِيعُ الْأَبْعِرَةَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّنَانِيرِ، وَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّرَاهِمَ وَبِالدَّرَاهِمِ، وَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّنَانِيرَ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ، وَغَيْرُهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَفِي بَيْعِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَجْهَانِ، لَا رَأْسَ مَالَ سَلَمٍ بَعْدَ فَسْخِهِ فِي الْمَنْصُوصِ (بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ عِوَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْبِضْ صَارَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَهَذَا إِنْ بَاعَهُ بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً، أَوْ بِمَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ، وَقِيلَ: بَلَى (وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ) أَيْ: لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، لأنه غير قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ أَشْبَهَ بَيْعَ الْآبِقِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِنْهُمَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَذَكَرَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " عَنْ صَاحِبِهِ كَدَيْنِ السَّلَمِ، وَفِي " الْمُبْهِجِ "، وَغَيْرِهِ رِوَايَةٌ يَصِحُّ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَكِنْ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ فَقَطْ لِئَلَّا يَرْبَحَ فِيمَا لَمْ يَضْمَنْ. فَرْعٌ: لَا تَصِحُّ هِبَةُ دَيْنٍ لِغَيْرِ غَرِيمٍ. وَنَقَلَ حَرْبٌ صِحَّتَهُ وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَتَيْنِ فِيهِ، وَفِي بَيْعِهِ مِنْ (غَيْرِهِ وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي) دَيْنِ (السَّلَمِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ لِلْعَقْدِ وَرَفْعٌ لَهُ مِنْ أَصْلِهِ وَلَيْسَتْ بَيْعًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي جَوَازِهَا فِيهِ رِوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ مِنْهُ إِنْ جُعِلَتْ بَيْعًا، وَإِلَّا صَحَّتِ الْإِقَالَةُ فِي كُلِّهِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي كُلِّهِ، وَإِنْ جُعِلَتْ بَيْعًا (وَتَجُوزُ فِي بَعْضِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا وَكُلُّ مَنْدُوبٍ إِلَيْهِ جَازَ فِي الْجَمِيعِ جَازَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ، وَإِنِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِإِقَالَةٍ أَوَ غَيْرِهَا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ عَنِ الثَّمَنِ عِوَضًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سَلَمٌ، وَعَلَيْهِ سَلَمٌ مِنْ جَنْسِهِ فَقَالَ لِغَرِيمِهِ: اقْبِضْ سَلَمِي لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ، لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ وَهَلْ يَقَعُ قَبْضُهُ لِلْآمِرِ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] الْبَعْضِ كَالْإِبْرَاءِ، وَالْإِنْظَارِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَجُوزُ، وَقَدْ رُوِيَتْ كَرَاهَتُهَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، لِأَنَّ السَّلَمَ يَقِلُّ فِيهِ الثَّمَنُ مِنْ أَجْلِ التَّأْجِيلِ، فَإِذَا فُسِخَ فِي الْبَعْضِ بَقِيَ الْبَعْضُ بِالْبَاقِي مِنَ الثَّمَنِ وَبِمَنْفَعَتِهِ الْجُزْءُ الَّذِي فُسِخَ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ (إِذَا قَبَضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ) إِنْ كَانَ مَوْجُودًا (أَوْ عِوَضَهُ) إِنْ كَانَ مَعْدُومًا (فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْبِضْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ يَصِيرُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ، وَعَلَيْهِ بِقَدْرِ السَّلَمِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَالسَّلَفِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَالْأَشْهُرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ (وَإِنِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِإِقَالَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ عَنِ الثَّمَنِ عِوَضًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) . قَالَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مِنْ أَسْلَمِ فِي شَيْءٍ، فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» . وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ، وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ بِعَقْدِ السَّلَمِ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ عِوَضِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مُسْتَقِرٌّ فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقَرْضِ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ عَادَ إِلَيْهِ بِفَسْخِ الْعَقْدِ، فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ بَعْدَ فَسْخِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ ثَمَنًا فِي شَيْءٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ أَخْذَ الْعِوَضِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَخْذُ النَّوْعِ مِنَ النَّوْعِ فِي السَّلَمِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلَأَنْ يَجُوزَ أَخْذُ النَّوْعِ عَنْ نَوْعٍ آخَرَ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سَلَمٌ، وَعَلَيْهِ سَلَمٌ مِنْ جِنْسِهِ فَقَالَ لِغَرِيمِهِ: اقْبِضْ سَلَمِي لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لِنَفْسِهِ حَوَالَةٌ بِهِ، وَالْحَوَالَةُ بِالسَّلَمِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ (وَهَلْ يَقَعُ قَبْضُهُ لِلْآمِرِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ أَشْبَهَ قَبْضَ وَكِيلِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 وَجْهَيْنِ وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ صَحَّ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَقْبِضُهُ لِنَفْسِي وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي تُشَاهِدُهُ فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنِ اكْتَالَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الْكِيَالِ وَسَلَّمَهُ إِلَى غَرِيمِهِ فَقَبَضَهُ، صَحَّ الْقَبْضُ لَهُمَا، وَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ   [المبدع في شرح المقنع] وَكَمَا لَوْ نَوَى الْمَأْمُورُ الْقَبْضَ لِلْآمِرِ، وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ نَائِبًا لَهُ فِي الْقَبْضِ، فَلَمْ يَقَعْ لَهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَعَلَيْهِ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُسْلِمِ إِلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: احْضُرْ كَيْلَهُ لِأَقْبِضَهُ لَكَ فَفَعَلَ، لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِلثَّانِي، وَهَلْ يَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أولهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ قَدْ وُجِدَ مِنْ مُسْتَحَقِّهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى الْقَبْضَ لِنَفْسِهِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قَبَضَهُ لِلْآخَرِ، صَحَّ (وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ أَقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ، صَحَّ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِنَابَةٌ فِي قَبْضِهِ لَهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ لِمُوكِّلِهِ جَازَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ، فَلَوْ قَالَ الْآمِرُ: أَحْضِرْنَا حَتَّى أَكَتَالَهُ لِنَفْسِي، ثُمَّ تَكْتَالَهُ أَنْتَ وَفَعَلَا، صَحَّ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَقْبِضُهُ لِنَفْسِي وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي تُشَاهِدُهُ فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا الْجَوَازُ وَبِهِ جَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ عَلِمَهُ وَشَاهَدَ كَيْلَهُ، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ كَيْلِهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ» . أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ جُزَافًا (وَإِنِ اكْتَالَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الْمِيكَالِ وَسَلَّمَهُ إِلَى غَرِيمِهِ فَقَبَضَهُ، صَحَّ الْقَبْضُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدِ اكْتَالَهُ حَقِيقَةً، وَالثَّانِي حَصَلَ لَهُ اسْتِمْرَارُ الْكَيْلِ وَاسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ، كَمَا أَنَّ اسْتِدَامَةَ الرُّكُوبِ رُكُوبٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ زِيَادَةٌ بِابْتِدَائِهِ، فَلَا مَعْنَى لَهُ (وَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ) ، وَكَذَا كُلُّ دَيْنٍ (جُزَافًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) : أَيْ: قَوْلُ الْقَابِضِ مَعَ يَمِينِهِ (فِي قَدْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بِكَيْلِهِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلزَّائِدِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي قَدْرِ حَقِّهِ قَبْلَ اعْتِبَارِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَيَدُهُ عَلَى الْبَاقِي قِيلَ: يَدُ أَمَانَةٍ، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 جُزَافًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِهِ وَإِنْ قَبَضَهُ كَيْلًا، أَوْ وَزْنًا، ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهَلْ يَجُوزُ الرَّهْنُ، وَالْكَفِيلُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] قَبَضَهُ عَلَى أَنَّ عِوَضُ عُمَّالِهِ، وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ عَيْنًا، وَقَالَ: خُذْ حَقَّكَ مِنْهَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهَا، وَلَا يَضْمَنُهَا بِتَلَفِهَا (وَإِنْ قَبَضَهُ كَيْلًا، أَوْ وَزْنًا، ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَلَطِ، وَالْآخَرُ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِكَيْلِ مَا قَبَضَهُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ غَيْرَ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " كَغَيْرِهِ، وَقَيَّدَهُ إِذَا ادَّعَى مَا يُغْلَطُ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَلَوْ وَجَدَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ فِي يَدِهِ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ. فَرْعٌ: مَنْ قَبَضَ دَيْنَهُ، ثُمَّ بَانَ لَا دَيْنَ لَهُ، ضَمَنَهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالٍ غَيْرِهِ لَمْ يُبَادِرْ إِلَى إِيجَابِ ضَمَانِهِ حَتَّى يُفَسِّرَ أَنَّهُ عُدْوَانٌ وَمَنْ أَذِنَ لِغَرِيمِهِ فِي الصَّدَقَةِ بِدَيْنِهِ عَنْهُ، أَوْ صَرْفِهِ، أَوِ الْمُضَارَبَةِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَبْرَأُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَبَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى شِرَائِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَفِي " النِّهَايَةِ " عَلَى قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِمُوَكِّلِهِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا إِنْ عَزَلَهُ وَضَارَبَ بِهِ (وَهَلْ يَجُوزُ الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا وَنَقَلَهَا الْمَرْوَزِيُّ، وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وابن عبدوس وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَرُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، إِذْ وَضْعُ الرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنَ الْغَرِيمِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، وَلَا مِنْ ذِمَّةِ الضَّامِنِ حِذَارًا مِنْ أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي " لَا يَصْرِفُهُ " رَاجِعٌ إِلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَكِنْ يَشْتَرِي ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ وَيُسْلِمُهُ وَيَشْتَرِيهِ الضَّامِنُ وَيُسْلِمُهُ لِئَلَّا يَصْرِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَالثَّانِيَةُ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ: يَجُوزُ، وَاخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] إِلَى قَوْلِهِ: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَابْنُ عُمَرَ: السَّلَمُ مُرَادٌ مِنْهَا وَدَاخِلٌ فِيهَا فَهِيَ كَالنَّصِّ فِيهِ، وَالْكَفِيلُ كَالرَّهْنِ بِجَامِعِ الْوَثِيقَةِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْبَيْعِ فَجَازَ التَّوْثِقَةُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَحِكَايَتُهُ عَنْهُمَا فِي " الْمُغْنِي " الْكَرَاهَةُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْهُمَا، فَعَلَيْهَا لِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَأَيُّهُمَا قَضَاهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمَا مِنْهُ، وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 بَابُ الْقَرْضِ وَهُوَ مِنَ الْمَرَافِقِ والْمَنْدُوبِ إِلَيْهَا.   [المبدع في شرح المقنع] زَالَ الْعَقْدُ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَالضَّمَانُ، وَعَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ رَدُّ مَالِ السَّلَمِ فِي الْحَالِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعِوَضٍ، وَيَكُونُ كَبَقِيَّةِ الرُّهُونِ تُلْزَمُ بِالْقَبْضِ، أَوْ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا عَلَى رِوَايَةٍ وَإِذَا لَمْ تَلْزَمْ، وَلَمْ يَقْبِضْ فَلِلْمُسْلِمِ الْفَسْخُ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ جَارٍ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. [بَابُ الْقَرْضِ] [تَعْرِيفُ القرض وَحُكْمُهُ] بَابُ الْقَرْضِ الْقَرْضُ: مَصْدَرُ قَرَضَ الشَّيْءَ يَقْرِضُهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ إِذَا قَطَعَهُ، وَالْقَرْضُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الِاقْتِرَاضِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْقَطْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمِقْرَاضُ، وَهُوَ دَفْعُ الْمَالِ إِلَى الْغَيْرِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَيَرُدَّ بَدَلَهُ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ مُسْتَثْنًى عَنْ قِيَاسِ الْمُعَاوَضَاتِ لِمَصْلَحَةٍ لَاحَظَهَا الشَّارِعُ رِفْقًا بِالْمَحَاوِيجِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَةٍ مَرَّةً» . وَرَوَى أَبُو رَافِعٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا» . وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ؛! قَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ، وَالْمُسْتَقْرِضَ لَا يَسْتَقْرِضُ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْأَوَّلَ. وَأَجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهِ (وَهُوَ مِنَ الْمَرَافِقِ) وَاحِدُهُ مَرْفِقٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ مَا ارْتَفَقْتَ بِهِ، وَانْتَفَعْتَ (والْمَنْدُوبِ إِلَيْهَا) فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ كَشَفَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 وَيَصِحُّ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا إِلَّا بَنِي آدَمَ، وَالْجَوَاهِرَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ بِالْقَبْضِ، فَلَا يَمْلِكُ الْمُقْرِضُ   [المبدع في شرح المقنع] كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَأَنْ أُقْرِضَ دِينَارَيْنِ، ثُمَّ يَرُدَّانِ، ثُمَّ أُقْرِضُهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِمَا، وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيجًا عَنْ غَيْرِهِ وَقَضَاءً لِحَاجَتِهِ فَكَانَ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ كَالصَّدَقَةِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا إِثْمَ عَلَى مَنْ سُئِلَ، فَلَمْ يُعظِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ مُبَاحٌ لِلْمُقْتَرِضِ، وَلَيْسَ مَكْرُوهًا. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ الْقَرْضُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ أَيْ: لَا يُكْرَهُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِضَ فَلْيُعْلِمِ الْمُقْرِضَ بِحَالِهِ، وَلَا يَغُرُّهُ مِنْ نَفْسِهِ، إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَتَعَذَّرُ رَدُّ مِثْلِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ إِذَا اقْتَرَضَ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِحَالِهِ لَمْ يُعْجِبْنِي قَالَ: وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَقْتَرِضَ بِجَاهِهِ لِإِخْوَانِهِ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَالْبَيْعِ وَحُكْمُهُ فِي الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ، كَمَا سَبَقَ وَيَصِحُّ بِلَفْظِهِ وَبِلَفْظِ السَّلَفِ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِمَا وَبِكُلِّ لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا نَحْوَ مَلَّكْتُكَ هَذَا عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ، أَوْ تُوجَدُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ هِبَةٌ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهِ قَبْلَ قَوْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ (وَيَصِحُّ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا) مَكِيلًا كَانَ، أَوْ مَوْزُونًا، أَوْ غَيْرَهُمَا؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَسْلَفَ بَكْرًا» ، وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ سَلَمًا يُمْلَكُ بِالْبَيْعِ وَيُضْبَطُ بِالْوَصْفِ فَجَازَ قَرْضُهُ كَالْمَكِيلِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ لِكَوْنِهِ يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ بَيْعِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةُ سَلَمًا كَالْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ لَا يَجُوزُ وَكَقَرْضِ الْمَنَافِعِ (إِلَّا بَنِي آدَمَ، وَالْجَوَاهِرَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا) أَيْ: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا أَمَّا بَنُو آدَمَ. فَقَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ قَرْضَهُمْ فَيُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ، فَلَا يَصِحُّ قَرْضُهُمْ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 اسْتِرْجَاعَهُ وَلَهُ طَلَبُ بَدَلِهِ وَإِنْ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّبْ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ، وَلَا هُوَ مِنَ الْمَرَافِقِ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنْ يَقْتَرِضَ جَارِيَةً يَطَؤُهَا، ثُمَّ يَرُدُّهَا وَيَحْتَمِلُ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ، فَيَصِحُّ قَرْضُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْمُزَنِيِّ، لِأَنَّهُ مَالٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا، فَصَحَّ قَرْضُهُ كَسَائِرِ الْبَهَائِمِ، وَقِيلَ: قَرْضُ الْعَبْدِ لَا الْأَمَةِ إِلَّا أَنْ يُقْرِضَهُنَّ مِنْ مَحَارِمِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْقَرْضِ ضَعِيفٌ لِكَوْنِهِ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ رَدِّهَا عَلَى الْمُقْرِضِ، فَلَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْوَطْءُ كَالْمِلْكِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ عَقْدٌ نَاقِلٌ فَاسْتَوَى فِيهِ الْعَبْدُ، وَالْأَمَةُ، وَلَا نُسَلِّمُ ضَعْفَ الْمِلْكِ فِيهِ، فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ زَمَنَ الْخِيَارِ، وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ وَنَحْوُهَا، فَلَا يَصِحُّ قَرْضُهَا فِي وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ، فَلَا يُمْكِنُ رَدُّ الْمِثْلِ، وَمُقْتَضَى الْقَرْضِ رَدُّ الْمِثْلِ، وَالثَّانِي: بَلَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " كَالْمُقْنِعِ. فَرْعٌ: سَأَلَهُ أَبُو الصَّقْرِ: عَيْنٌ بَيْنَ أَقْوَامٍ لَهُمْ نَوْبٌ فِي أَيَّامٍ يَقْتَرِضُ الْمَاءَ مِنْ نَبوةِ صَاحِبِ الْخَمِيسِ لِيَسْقِيَ بِهِ لِيَرِدَ عَلَيْهِ يَوْمَ السَّبْتِ قَالَ: إِذَا كَانَ مَحْدُودًا يَعْرِفُ كَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ، فَلَا بَأْسَ، وَإِلَّا أَكْرَهُهُ (وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ بِالْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقَدٌ يَقِفُ التَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى الْقَبْضِ، فَوَقْفُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ وَيَتِمُّ بِالْقَبُولِ وَلَهُ الشِّرَاءُ بِهِ مِنْ مُقْرِضِهِ نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَيَلْزَمُ مَكِيلٌ وَمَوْزُونٌ بِقَبْضِهِ، وَفِي غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ. (فَلَا يَمْلِكُ الْمُقْرِضُ اسْتِرْجَاعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَمْ يَمْلِكِ الرُّجُوعَ فِيهِ كَالْمَبِيعِ لِكَوْنِهِ أَزَالَ مُلْكَهُ عَنْهُ بِعِقْدٍ لَازِمٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ (وَلَهُ طَلَبُ بَدَلِهِ) أَيْ: فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا فَكَانَ لَهُ طَلَبُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ، أَوِ الْقِيمَةِ فَكَانَ حَالًّا كَالْإِتْلَافِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَقْرَضَهُ تَفَارِيق، ثُمَّ طَالَبَهُ بِهَا جُمْلَةً كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ حَالٌّ وَكَالْبَيْعِ (وَإِنْ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ عَلَيْهِ) بِعَيْنِهِ (لَزِمَهُ قَبُولُهُ) ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 يَكُنْ فُلُوسًا، أَوْ مُكَسَّرَةً فَيُحَرِّمُهَا السُّلْطَانُ فَتَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقَرْضِ وَيَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْقِيمَةِ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا، وَفِيمَا سِوَى   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى صِفَةِ حَقِّهِ فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ كَالسَّلَمِ وَسَوَاءٌ تَغَيَّرَ سِعْرُهُ أَوْ لَا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا اقْتَرَضَهُ بَدَلَهُ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ لَا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمَعْرُوفُ فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْمِثْلِيِّ وَذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا: (مَا لَمْ يَتَغَيَّبْ) كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ، أَوْ عَفِنَتْ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي قَبُولِهِ ضَرَرًا؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ. الثَّانِي: مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ تَكُنْ فُلُوسًا، أَوْ مُكَسَّرَةً فَيُحَرِّمُهَا السُّلْطَانُ) أَيْ: يَتْرُكُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ كَالْعَيْبِ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا (فَتَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ إِنْ جَرَى فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ (وَقْتَ الْقَرْضِ) سَوَاءٌ كَانَتْ بَاقِيَةً، أَوِ اسْتَهْلَكَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُكَسَّرَةِ. فَقَالَ: يُقَوِّمُهَا كَمْ تُسَاوِي يَوْمَ أَخْذِهَا، ثُمَّ يُعْطِيهِ وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَلِيلًا، أَوْ كَثِيرًا، وَقِيلَ: لَهُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّ لَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ فَسَدَتْ وَتُرِكَتِ الْمُعَامَلَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِهَا مَا دَامَتْ نَافِقَةً، فَلَمَّا فَسَدَتِ انْتَقَلَ إِلَى قِيمَتِهَا، كَمَا لَوْ عَدَمَ الْمِثْلَ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ نَفَقَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَزِمَهُ أَخْذُهَا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا فَلَهُ قِيمَتُهَا، وَقِيلَ: إِنْ رَخُصَتْ فَلَهُ الْقِيمَةُ، وَنَصُّهُ - وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " - إِنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَهَا إِذَا رَخُصَتْ. تَنْبِيهٌ: الْمَغْشُوشَةُ، إِذْ خَرَمَهَا السُّلْطَانُ حُكْمُهَا كَذَلِكَ، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا إِذَا كَانَتْ ثَمَنًا، وَظَاهِرُ " الْفُرُوعِ " فِيهِ قَوْلَانِ: لَهُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ، كَمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، أَوْ يَوْمَ فَسَدَتْ، وَإِنْ شَرَطَ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ، أَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ هُوَ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ (وَيَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ) إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ، وَالْإِتْلَافِ بِمِثْلِهِ، فَكَذَا هُنَا مَعَ أَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ شَبَهًا بِالْقَرْضِ مِنِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ أَعْوَزَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 ذَلِكَ وَجْهَانِ وَيَثْبُتُ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا، وَإِنْ أَجَّلَهُ وَيَجُوزُ شَرْطُ الرَّهْنِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمِثْلَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِعْوَازِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ (وَالْقِيمَةِ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا) إِذَا قِيلَ بِجَوَازِ قَرْضِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَلَا مِثْلَ لَهَا لِكَوْنِهَا لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهَا (وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: يَرُدُّ الْقِيمَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَ الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْإِتْلَافِ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَرْضِ. والثَّانِي: يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي السَّلَمِ ثَبَتَ فِي الْقَرْضِ كَالْمِثْلِيِّ بِخِلَافِ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ أَخْصَرُ، وَلَا مُسَامِحَةَ فِيهِ وَيُعْتَبَرُ فِي مِثْلِ صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْمِثْلُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَعَذُّرِهِ، لَكِنْ لَوِ اقْتَرَضَ خُبْزًا، أَوْ خَمِيرًا عَدَدًا وَرَدَّ عَدَدًا بِلَا قَصْدِ زِيَادَةٍ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا، كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ صَغِيرًا يَقْصِدُ أَنْ يُعْطِيَهُ كَبِيرًا (وَيَثْبُتَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مَقْبُوضٌ أَشْبَهُ عِوَضَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ إِذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا (حَالًّا، وَإِنْ أَجَّلَهُ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُنِعَ فِيهِ مِنَ التَّفَاضُلِ فَمُنِعَ الْأَجَلُ فِيهِ كَالصَّرْفِ، إِذِ الْحَالُّ لَا يَتَأَجَّلُ بِالتَّأْجِيلِ، وَهُوَ عِدَةٌ وَتَبَرُّعٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: الْقَرْضُ حَالٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ، وَخَالَفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ تَأْجِيلُهُ. وَذَكَرَهُ وَجْهًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٌّ كَالْقَرْضِ. (وَيَجُوزُ شَرْطُ الرَّهْنِ، وَالضَّمِينِ فِيهِ) ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَقْرَضَ مِنْ يَهُودِيٍّ شَعِيرًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَا جَازَ فِعْلُهُ جَازَ شَرْطُهُ، وَلِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّوَثُّقِ بِالْحَقِّ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 وَالضَّمِينِ فِيهِ. وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ مَا يَجُرُّ نَفْعًا نَحْوُ أَنْ يُسْكِنَهُ دَارَهُ، أَوْ يَقْضِيَهُ خَيْرًا مِنْهُ، فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ هَذَا الشَّرْطِ، وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ، أَوْ قَضَى خَيْرًا مِنْهُ، أَوْ أَهْدي لَهُ هَدِيَّةً بَعْدَ الْوَفَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ بَكْرًا،   [المبدع في شرح المقنع] وَلَيْسَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ، وَالضَّمِينُ كَالرَّهْنِ، فَلَوْ عَيَّنَهُمَا وَجَاءَ بِغَيْرِهِمَا لَمْ يَلْزَمِ الْبَائِعَ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ مَا أَتَى بِهِ خَيْرًا مِنَ الْمَشْرُوطِ وَحِينَئِذٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ إِمْضَائِهِ بِلَا رَهْنٍ وَلَا كَفِيلٍ، وَهَلْ لَهُ الْأَرْشُ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْعُيُوبِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، أَوْ لَا أَرْشَ إِلْحَاقًا لَهُ بِالتَّدْلِيسِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَكْثَرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. [لَا يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ شَرْطُ مَا يَجُرُّ نَفْعًا] (وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ مَا يَجُرُّ نَفْعًا نَحْوُ أَنْ يُسْكِنَهُ دَارَهُ، أَوْ يَقْضِيَهُ خَيْرًا مِنْهُ) كُلُّ قَرْضٍ شُرِطَ فِيهِ زِيَادَةٌ فَهُوَ حَرَامٌ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ إِرْفَاقٍ وَقُرْبَةٍ، فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ الزِّيَادَةَ أَخْرَجَهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الْقَدْرِ، أَوِ الصِّفَةِ مِثْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ مُكَسَّرَةً فَيُعْطِيَهُ صِحَاحًا، أَوْ نَقْدًا لِيُعْطِيَهُ خَيْرًا مِنْهُ، وَفِي " الْفُرُوعِ " إِذَا قَضَاهُ صِحَاحًا عَنْ مُكَسَّرَةٍ أَقَلَّ لِعِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِذَا شَرَطَ أَنْ يُوَفِّيَهُ أَنْقَصَ مِنْهُ لَمْ يَجُزِ إِنْ كَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا لِإِفْضَائِهِ إِلَى فَوَاتِ الْمُمَاثَلَةِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَفِي فَسَادِ الْقَرْضِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا إِذَا شَرَطَ الْقَضَاءَ (فِي بَلَدٍ آخَرَ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا فِي الْجُمْلَةِ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ لِلْوَصِيِّ قَرْضُ مَالِ الْيَتِيمِ فِي بَلَدٍ لِيُوَفِّيَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ لِيَرْبَحَ خَطَرَ الطَّرِيقِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مَؤُنَةٌ، وَإِلَّا حَرُمَ (وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ هَذَا الشَّرْطِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِي قَدْرٍ، وَلَا صِفَةٍ بَلْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا فَجَازَ كَشَرْطِ الرَّهْنِ، وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ (وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ) ، وَلَا مُوَاطَأَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ (أَوْ قَضَى خَيْرًا مِنْهُ، أَوْ أَهْدي لَهُ هَدِيَّةً بَعْدَ الْوَفَاءِ جَازَ) عَلَى الْأَصَحِّ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ بَكْرًا فَرَدَّ خَيْرًا مِنْهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 فَرَدَّ خَيْرًا مِنْهُ، وَقَالَ: خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» وَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ، لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بَيْنَهُمَا بِهِ قَبْلَ الْقَرْضِ وَإِذَا أَقْرَضَهُ أَثْمَانًا فَطَالَبَهُ بِهَا بِبَلَدٍ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ: خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ عِوَضًا فِي الْقَرْضِ، وَلَا وَسِيلَة إِلَيْهِ، وَلَا إِلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ أَشْبَهَ مَا لَمْ يَكُنْ قَرْضٌ، وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ، رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِثْلَ قَرْضِهِ، وَلَا يَأْخُذُ فَضْلًا لِئَلَّا يَكُونَ قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَةً وَحَرَّمَ الْحُلْوَانِيُّ أَخْذَ أَجْوَدَ مَعَ الْعَادَةِ، وَالْأَظْهَرُ: أَنَّ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِهِ لَا " بِأَهْدَى " لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَلُّقِهِ " بِأَهْدَى " أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ لَوْ أَسْكَنَ الْمُقْرِضَ دَارَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ جَازَ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَفَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ لَمْ يَجُزْ) عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا رَوَى أَنَسٌ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأُهْدِيَ إِلَيْهِ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، فَلَا يَرْكَبْهَا، وَلَا يَقْبَلْهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ، وَفِيهِمَا كَلَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ، وَفِيهِ جَهَالَةٌ، وَالثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ مَا لَمْ يَشْرُطْهُ وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ أَنَّ الْمُقْرِضَ لَا يُمْنَعُ مِنْ جَوَازِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بَيْنَهُمَا بِهِ قَبْلَ الْقَرْضِ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَةً حَرُمَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ احْتِسَابَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ مُكَافَأَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ اسْتَضَافَهُ حَسَبَ لَهُ مَا أَكَلَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُتَوَجَّهُ: لَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ فِي الدَّعَوَاتِ كَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: عِلْمُهُ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَزِيدُهُ شَيْئًا كَشَرْطِهِ. وَقِيلَ: لَا، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، فَلَوْ وَجَدَ مَا سَبَقَ حَالَةَ الْوَفَاءِ، فَإِنْ كَانَ النَّفْعُ صِفَةً فِي الْوَفَاءِ بِأَنْ قَضَاهُ خَيْرًا مِنْهُ فَيَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً فِي الْقَضَاءِ بِأَنْ يُقْرِضَهُ دِرْهَمًا فَيُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ رِبًا، وَصَرَّحَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الْكَافِي " بِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ جَائِزٌ لِلْخَبَرِ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ فِي الزِّيَادَةِ تَقْيِيدَ رِوَايَتَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 آخَرَ لَزِمَتْهُ، وَإِنْ أَقْرَضَهُ غَيْرَهَا لَمْ تَلْزَمْهُ، فَإِنْ طَالَبَهُ بِالْقِيمَةِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا.   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِذَا أَقْرَضَهُ أَثْمَانًا فَطَالَبَهُ بِهَا بِبَلَدٍ آخَرَ لَزِمَتْهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ قَضَاءَ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ طَالَبَهُ بِبَلَدِ الْقَرْضِ؛ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تَخْتَلِفُ، فَانْتَفَى الضَّرَرُ (وَإِنْ أَقْرَضَهُ غَيْرَهَا) كَالْحِنْطَةِ، وَالْفُلُوسِ (لَمْ يَلْزَمْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ إِلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مَؤُونَةٌ، فَإِنْ طَالَبَهُ بِالْقِيمَةِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَعَذَّرَ رَدُّ الْمِثْلِ تَعَيَّنَتِ الْقِيمَةُ، وَالِاعْتِبَارُ بِقِيمَةِ الْبَلَدِ الَّذِي أَقْرَضَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَكَانُ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَقَصَتِ الْقِيمَةُ بِبَلَدِ الْقَبْضِ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا النَّاقِصَةُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا اقْتَرَضَ بِبَلَدٍ فَطُلِبَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ بَدَلُهُ إِلَّا مَا كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ وَقِيمَتُهُ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ أَنْقَصُ فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ إِذَنْ فِيهِ فَقَطْ، وَفِي " الْمُغْنِي " إِذَا كَانَ لِحَمْلِهِ مَؤُنَةٌ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ إِلَيْهِ، وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى أَخْذِ قَرْضِهِ هُنَاكَ إِذَا بُذِلَ لَهُ إِلَّا فِيمَا لَا مَؤُنَةَ لِحَمْلِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَعَ أَمْنِ الْبَلَدِ وَالطَّرِيقِ وَبَدَلُ الْمَغْصُوبِ التَّالِفِ كَذَلِكَ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا أَقْرَضَ غَرِيمَهُ الْمُعْسِرَ، أَوِ الْمُفْلِسَ أَلْفًا لِيُوَفِّيَهُ مِنْهُ وَمِنْ دَيْنِهِ الْأَوَّلِ كُلَّ وَقْتٍ شَيْئًا جَازَ. نَقَلَهُ مُهَنَّا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُكْرَهُ. الثَّانِيَةُ: إِذَا أَقْرَضَ أَكَّارَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ بَقَرًا يَعْمَلُ بِهَا فِي أَرْضِهِ وَبَذْرًا يَبْذُرُهُ فِيهَا، وَقَالَ أَقْرِضْنِي أَلْفًا وَادْفَعْ إِلَيَّ أَرْضَكَ أزرعها بالثلث بِلَا شَرْطٍ حَرُمَ، وَجَوَّزَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَكَرِهَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَلَوْ أَمَرَهُ بِبَذْرِهِ، وَأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُعْتَادِ فَفَاسِدٌ لَهُ قِيمَةُ الْمِثْلِ، وَلَوْ تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا أَقْرَضَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ بُرٌّ مَا يَشْتَرِيهِ بِهِ يُوَفِّيَهُ إِيَّاهُ فَكَرِهَهُ سُفْيَانُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَفِي " الْمُغْنِي " يَجُوزُ. الرَّابِعَةُ: إِذَا قَالَ: اقْتَرِضْ لِي مِائَةً وَلَكَ عَشَرَةٌ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا بَذَلَهُ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 بَابُ الرَّهْنِ وَهُوَ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ لَازِمٌ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ جَائِزٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ يَجُوزُ عَقْدُهُ مَعَ   [المبدع في شرح المقنع] جَاهِهِ فَلَوْ قَالَ: اضْمَنْهَا عَنِّي وَلَكَ عَشَرَةٌ لَمْ يَجُزْ، نَصَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ فَيَكُونُ قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَةً وَمنه الْأَزَجِيُّ. الْخَامِسَةُ: إِذَا اقْتَرَضَ مِنْهُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بِهَا شَيْئًا فَخَرَجَتْ زُيُوفًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَلَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِبَدَلِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا دَرَاهِمُهُ فَعَيْبُهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَدَلَ مَا أَقْرَضَهُ إِيَّاهُ بِصِفَتِهِ زُيُوفًا. قَالَهُ أَحْمَدُ، وَحَمَلَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى أَنَّهُ إِذَا بَاعَهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ عَيْبَهَا. أَمَّا إِذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ قَبَضَ هَذِهِ بَدَلًا عَنْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ لَهُ دَرَاهِمُ خَالِيَةٌ مِنَ الْعَيْبِ وَتُرَدَّ هَذِهِ عَلَيْهِ وَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا عَلَى الْبَائِعِ وَفَاءً عَنِ الْقَرْضِ وَيَبْقَى الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ. السَّادِسَةُ: لَوْ أَقْرَضَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا خَمْرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْقَرْضُ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُقْتَرِضِ شَيْءٌ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -. [بَابُ الرَّهْنِ] [تَعْرِيفُ الرهن وَحُكْمُهُ] بَابُ الرَّهْنِ هُوَ فِي اللُّغَةِ: الثُّبُوتُ، وَالدَّوَامُ يُقَالُ: مَاءٌ رَاهِنٌ أَيْ: رَاكِدٌ، وَنِعْمَةٌ رَاهِنَةٌ أَيْ: دَائِمَةٌ. وَقِيلَ: هُوَ الْحَبْسُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ: مَحْبُوسَةٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ: لِأَنَّ الْمَحْبُوسَ ثَابِتٌ فِي مَكَانٍ لَا يُزَايِلُهُ قَالَ الشَّاعِرُ: وَفَارَقَتْكَ بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَضْحَى الرَّهْنُ قَدْ غَلِقَا شَبَّهَ لُزُومَ قَلْبِهِ لَهَا، وَاحْتِبَاسَهُ عِنْدَهَا لِوَجْدِهِ بِهَا بِالرَّهْنِ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْمُرْتَهِنُ فَيَحْبِسُهُ عِنْدَهُ، وَلَا يُفَارِقُهُ، وَغَلْقُ الرَّهْنِ: اسْتِحْقَاقُ الْمُرْتَهِنِ إِيَّاهُ لِعَجْزِ الرَّاهِنِ عَنْ فِكَاكِهِ (وَهُوَ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يُسْتَوْفَى مِنْهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَفَاءِ مِنَ الْمَدِينِ، فَعَلَى هَذَا هُوَ فِي الشَّرْعِ: جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 الْحَقِّ وَبَعْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ. وَيَصِحُّ رَهْنُ كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي الزَّرْكَشِيِّ تَوْثِقَةُ دَيْنٍ بِعَيْنٍ، أَوْ بِدَيْنٍ عَلَى قَوْلٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْهُ إِنْ تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، وَالسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ وَيَجُوزُ فِي الْحَضَرِ كَالسَّفَرِ خِلَافًا لِمُجَاهِدٍ وَرُدَّ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَذِكْرُ السَّفَرِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِكَوْنِ الْكَاتِبِ يُعْدَمُ فِي السَّفَرِ غَالِبًا، وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ ذِكْرِهِ فِيهَا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ، فَلَمْ يَجِبْ كَالضَّمَانِ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَيَصِحُّ تَبَرُّعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعٌ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: لِوَلِيٍّ رَهْنُهُ عِنْدَ أَمِينٍ لِمَصْلَحَةٍ كَحَلِّ دَيْنٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ بِدُونِ إِيجَابٍ وَقَبُولٍ، أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وَجِنْسِهِ وَمِلْكِهِ، وَلَوْ مَنَافِعُهُ بِإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ بِإِذْنِ مُؤَجَّرٍ وَمُعِيرٍ (لَازِمٌ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ) أَيْ: بَعْدَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَلَزِمَ مِنْ جِهَتِهِ كَالضَّمَانِ فِي حَقِّ الضَّامِنِ (جَائِزٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِيهِ لَهُ وَحْدَهُ فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ كَالْمَضْمُونِ لَهُ (يَجُوزُ عَقْدُهُ مَعَ الْحَقِّ) بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا بِعَشَرَةٍ إِلَى شَهْرٍ تُرْهِنُنِي بِهَا عَبْدَكَ فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ وَرَهَنْتُكَ عَبْدِي؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى جَوَازِهِ إِذَنْ (وَبَعْدَهُ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى أَخْذِ الْوَثِيقَةِ بِهِ كَالضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الرَّهْنَ بَدَلًا عَنِ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّهَا، وَمَحَلُّهَا بَعْدَ وُجُوبِ الْحَقِّ، وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْمُدَايَنَةِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ (وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ، فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ أَيْضًا تَابِعٌ لِلْحَقِّ، فَلَا يَسْبِقُهُ كَالثَّمَنِ لَا يَتَقَدَّمُ الْمَبِيعَ (إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ. قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ فَجَازَ قَبْلَهُ كَالضَّمَانِ، أَوْ فَجَازَ عَلَى حَقٍّ يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَضَمَانِ الدَّرَكِ وَرُدَّ بِالْمَنْعِ، وَلَوْ سُلِّمَ، فَالْفَرْقُ: أَنَّ الضَّمَانَ إِلْزَامُ مَالٍ تَبَرُّعًا بالقول، فَجَازَ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ ثَابِتٍ كَالنَّذْرِ وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ: رَهَنْتُكَ هَذَا بِعَشَرَةٍ تُقْرِضْنِيهَا فَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْرَضَهُ إِيَّاهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَى قَوْلِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 بَيْعُهَا إِلَّا الْمُكَاتَبَ إِذَا قُلْنَا: اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ شَرْطٌ، لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ وَيَجُوزُ رَهْنُ مَا   [المبدع في شرح المقنع] وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُهَا لِتَعْلِيقِهِ بِشَرْطٍ. تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ بِكُلِّ دَيْنٍ وَاجِبٍ، أَوْ مَآلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى عَلَى عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ، وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَنَفْعِ إِجَارَةٍ فِي الذِّمَّةِ لَا عَلَى دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ لَا مَا بَعْدَهُ. وَقِيلَ: وَجُعِلَ قَبْلَ الْعَمَلِ وَجْهَانِ كَدَيْنِ كِتَابَةٍ، وَلَا يَصِحُّ بِعُهْدَةِ مَبِيعٍ وعوض غير ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ، كَثَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي إِجَارَةٍ، وَإِجَارَةِ مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ كَدَارٍ وَنَحْوِهَا. [صِحَّةُ رَهْنِ كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا] (وَيَصِحُّ رَهْنُ كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاسْتِيثَاقُ بِالدَّيْنِ لِيُتَوَصَّلَ إِلَى اسْتِيفَائِهِ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنَ الرَّاهِنِ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَيَشْمَلُ ذَلِكَ صُوَرًا وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ رَهْنُ الْمَنَافِعِ (إِلَّا الْمُكَاتَبَ إِذَا قُلْنَا اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ شَرْطٌ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ) ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ فِي حَقِّهِ لِمُنَافَاتِهَا مُقْتَضَى الْكِتَابَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ رَهْنِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ شَرْطُ مَنْعِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ وَيُمَكَّنُ مِنَ الْكَسْبِ، وَمَا يُؤَدِّيهِ مِنَ النُّجُومِ رَهْنًا مَعَهُ، وَإِنْ عَجَزَ ثَبَتَ الرَّهْنُ فِيهِ، وَفِي إِكْسَابِهِ، وَإِنْ عَتَقَ بَقِيَ مَا أَدَّاهُ رَهْنًا كَمَنْ مَاتَ بَعْدَ كَسْبِهِ. فَرْعٌ: الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ إِنْ كَانَتْ تُوجَدُ بَعْدَ حَلِّ الدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ كَانَ يَحِلُّ قَبْلَهَا، صَحَّ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ، وَإِنِ احْتَمَلَ الْأَمْرَانِ كَقُدُومِ زَيْدٍ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ كَالْمَرِيضِ، وَالْمُدَبَّرِ. (وَيَجُوزُ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ) كَالْعِنَبِ، وَالرُّطَبِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ) لَيْسَ قَيْدًا فِيهِ، أَوْ يَصِحُّ بِالْحَالِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ التَّأْجِيلَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَنْعِ صِحَّةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْمَرْهُونِ إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَيُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا. وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ ثُمَّ إِنْ رَضِيَ الشَّرِيكُ، وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ غَيْرِهِمَا جَازَ، وَإِنِ اخْتَلَفَا جَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ أَمِينٍ أمانة، أَوْ بِأُجْرَةٍ، وَيَجُوزُ رَهْنُ المبيع غير الْمَكِيلِ،   [المبدع في شرح المقنع] الِاسْتِحْقَاقِ (وَيُبَاعُ) عَلَى الْأَصَحِّ (وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الْعَيْنِ وَبَدَلُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَّ، فَإِنَّهُ يقضي الدَّيْن مِنْ ثَمَنِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ رَهَنَ وَغَابَ فَخَافَ الْمُرْتَهِنُ فَسَادَهُ، أَوْ ذَهَابَهُ فَلْيَأْتِ السُّلْطَانَ حَتَّى يَبِيعَهُ، كَمَا أَرْسَلَ ابْنُ سِيرِينَ إِلَى إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يَأْذَنُ لَهُ فِي بَيْعِهِ، فَإِذَا بَاعَهُ حفظه حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَيْهِ بِأَمْرِهِ حَتَّى يَكُونَ صَاحِبُهُ يَقْضِيهِ، وَظَاهِرُ الْمَتْنِ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ، أَوْ لَا، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ، فَعَلَى الرَّاهِنِ تَجْفِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ حِفْظِهِ وَتَبْقِيَتِهِ أَشْبَهَ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَعَلَى هَذَا إِنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ يَبِيعُهُ، أَوْ غَيْرُهُ، بَاعَهُ وَإِلَّا بَاعَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ أَطْلَقَا فَالْخِلَافُ. [صِحَّةُ رَهْنِ الْمُشَاعِ] (وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ) فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي مَحَلِّ الْحَقِّ أَشْبَهَ الْمُفْرَزَ وَاقْتَضَى ذَلِكَ صِحَّةَ رَهْنِ بَعْضِ نَصِيبِهِ مِنَ الْمُشَاعِ، لَكِنْ فِي رَهْنِ حِصَّتِهِ مِنْ مُعَيَّنٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فِيهِ وَجْهَانِ كَبَيْعِهِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَّلَ الْقَاضِي الْمَنْعَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْتَسِمَ الشَّرِيكَانِ فَيَحْصُلُ الرَّهْنُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ (ثُمَّ إِنْ رَضِيَ الشَّرِيكُ، وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ غَيْرِهِمَا جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَتَجَاوَزُهُمَا (وَإِنِ اخْتَلَفَا جَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ أَمِينٍ) ، وَقِيلَ: مَنْ جَازَ تَوْكِيلُهُ جَازَ جَعْلُ الرَّهْنِ عِنْدَهُ مُطْلَقًا، وَفِيهِ نَظَرٌ (أَمَانَةً، أَوْ بِأُجْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُرْتَهَنِ وَاجِبٌ، وَلَا يُمْكِنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَعْدُودِ، وَالْمَذْرُوعِ قَبْلَ قَبْضِهِ إِلَّا عَلَى ثَمَنِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ إِلَّا الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي أَحَدِ   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ مُنْفَرِدًا لِكَوْنِهِ مُشَاعًا فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى الْقَبْضِ الْوَاجِبِ، وَفِي إِيجَارِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِمَا وَجْهَانِ وَيُعْتَبَرُ فِيمَنْ هُوَ عِنْدَهُ مَنْعُ الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَكَوْنُهُ مُسْلِمًا إِذَا كَانَ الْمَرْهُونُ مُسْلِمًا كَالْمُصْحَفِ. (وَيَجُوزُ رَهْنُ المبيع غير الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَعْدُودِ، وَالْمَذْرُوعِ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ: على غير ثَمَنه؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَصَحَّ رَهْنُهُ، كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَسَوَاءٌ رَهَنَهُ عِنْدَ بَائِعِهِ، أَوْ غَيْرِهِ (إِلَّا عَلَى ثَمَنِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَحْبُوسٌ بِالثَّمَنِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي صَيْرُورَتِهِ رَهْنًا؛ لِأَنَّ بَيْنَ الرَّهْنِ، وَالْبَيْعِ تَنَافِيًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ أَنْ يُبَاعَ فِي الدَّيْنِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَحُكْمُ الْبَيْعِ إِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالْمَبِيعُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي فَجَازَ رَهْنُهُ بِالثَّمَنِ كَغَيْرِهِ مِنَ الدُّيُونِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَكِيلَ، وَالْمَوْزُونَ، وَالْمَعْدُودَ، وَالْمَذْرُوعَ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْبَيْعِ (وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ، وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ، وَهُوَ شَامِلٌ لِصُوَرِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْوَقْفِ، وَالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، فَإِنْ قَالَ لِلْمُرْتَهِنِ: زِدْنِي مَالًا يَكُونُ الَّذِي عِنْدَكَ رَهْنًا بِهِ وَبِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا رَهْنُ الْمُصْحَفِ. نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُرَخِّصُ فِي رَهْنِ الْمُصْحَفِ، وَالْمَجْهُولِ، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَالْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَسَوَادِ الْعِرَاقِ وَحُكْمُ بِنَائِهَا كَحُكْمِهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ تُرَابِهَا، أَوِ الشَّجَرِ الْمُجَدَّدِ فِيهَا. فَالْمُذْهَبُ صِحَّتُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَالْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إِلَّا أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي فَالْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ، فَيَصِحُّ وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَمَالَ غَيْرُهُ، وَخَرَّجَ: بَلَى إِنْ أَجَازَهُ رَبُّهُ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ أَذِنَ فِيهِ، أَوْ أَنَّهُ لَهُ فَوَجْهَانِ (إِلَّا الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا) ، وَالزَّرْعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ إِذَا شَرَطَا كَوْنَهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْأَخْضَرَ (مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْبَيْعِ إِنَّمَا كَانَ لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنَ الْعَاهَةِ وَلِهَذَا أُمِرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا وَبِتَقْدِيرِ تَلَفِهَا لَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الدَّيْنِ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ فَمَتَى حَلَّ الْحَقُّ بِيعَ، وَإِنِ اخْتَارَ الْمُرْتَهِنُ تَأْخِيرَ بَيْعِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ كَالْبَيْعِ فَعَلَيْهِ إِنْ رَهَنَهَا مَعَ الْأَصْلِ فَقَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. مُلْحَقٌ: تُسْتَثْنَى الْجَارِيَةُ دُونَ وَلَدِهَا وَبِالْعَكْسِ وَيُبَاعَانِ، فَلَوْ رُهِنَتِ الْأُمُّ بِمُفْرَدِهَا قُوِّمَتْ دُونَهُ، ثُمَّ مَعَهُ فَمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا فَهُوَ قِيمَتُهُ. وَقِيلَ: تُقَوَّمُ ذَاتَ وَلَدٍ وَيُقَوَّمُ هُوَ مَعَهَا إِذَا عَلِمَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ وَقْتَ الرَّهْنِ، أَوْ حَمَلَتْ بِهِ فَهُوَ رَهْنٌ، وَلَوْ رَهَنَ الْوَارِثُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ، أَوْ بَاعَهَا، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، صَحَّ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَإِنْ رَهَنَ ثَمَرَةً إِلَى مَحِلٍّ يَحْدُثُ فِيهِ أُخْرَى لَا تَتَمَيَّزُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ حِينَ حُلُولِ الْحَقِّ، وَإِنْ رَهَنَهَا بِدَيْنٍ حَالٍّ، أَوْ شَرَطَ قَطْعَهَا عِنْدَ خَوْفِ اخْتِلَاطِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى اخْتَلَطَتْ لَمْ يَبْطُلِ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا، لَكِنْ إِنْ سَمَحَ الرَّاهِنُ بِبَيْعِ الْجَمِيعِ عَلَى قَدْرِ ثَمَنِهِ جَازَ، وَإِنِ اخْتَلَفَا وَتَشَاحَّا قُدِّمَ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ) مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ، وَلَوْ شَرَطَاهُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَدَ لَهُ عَلَى مُسْلِمٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ إِذَا أَسْلَمَ (إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ إِذَا شَرَطَا كَوْنَهُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ) عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَجَازَ رَهْنُهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَيَبِيعُهُ الْحَاكِمُ إِذَا امْتَنَعَ مَالِكُهُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَأَطْلَقَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 فِي يَدِ مُسْلِمٍ. وَلَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ إِلَّا بِالْقَبْضِ وَاسْتِدَامَتُهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ وَهُمَا فِي رَهْنِ الْمُصْحَفِ لِكَافِرٍ إِذَا شَرَطَا كَوْنَهُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ، وَأُلْحِقَتْ بِهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ. فَرْعٌ: لَا يَقْرَأُ فِيهِ أَحَدٌ بِلَا إِذْنِ رَبِّهِ. وَقِيلَ: بَلَى إِنْ لَمْ يَضُرَّ مَالِيَّتَهُ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدٌ لِيَقْرَأَ فِيهِ لَمْ يَجِبْ بَدلهُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقِيلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ [لَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ إِلَّا بِالْقَبْضِ] (وَلَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ) فِي حَقِّ الرَّاهِنِ (إِلَّا بِالْقَبْضِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إِرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ فَافْتَقَرَ إِلَى الْقَبْضِ كَالْقَرْضِ وَسَوَاءٌ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ مَنِ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَغَيْرِهِمَا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَلْزَمُ فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ بِالْقَبْضِ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا رِوَايَتَانِ كَالْبَيْعِ، وَفِي الْقِيَاسِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي غَيْرِهِمَا لَا يَلْزَمُ فِي رِوَايَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِذْ لَا خِلَافَ فِي لُزُومِهِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ فَسْخُهُ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِكُلِّ نَوْعٍ، فَإِنْ كَانَ بِبَيْعٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا بَطَلَ حُكْمُ الرَّهْنِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَإِنْ كَانَ بِتَدْبِيرٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ تَزْوِيجٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْبَيْعِ، فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي " التَّذْكِرَةِ " تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ وَصِفَةُ قَبْضِهِ كَمَبِيعٍ، فَلَوْ رَهَنَهُ دَارًا وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلِلرَّاهِنِ فِيهَا قُمَاشٌ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِحَّةِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهَا بِمِلْكِ الرَّاهِنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ كَالثَّمَرَةِ فِي الشَّجَرَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْقَبْضِ إِذْنُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي الْأَشْهَرِ، وَيَبْطُلُ إِذْنُهُ بِنَحْوِ إِغْمَاءٍ وَخَرَسٍ، فَلَوْ رَهَنَهُ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ غَصْبًا فَكَبَتَهُ إِيَّاهُ، وَيَزُولُ ضَمَانُهُ (وَاسْتِدَامَتُهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ) ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَلِأَنَّهَا إِحْدَى حَالَتَيِ الرَّهْنِ فَكَانَ الْقَبْضُ فِيهِ شَرْطًا كَالِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، فَإِنَّ الْقَبْضَ فِي ابْتِدَائِهَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ، فَإِذَا ثَبَتَ اسْتَغْنَى عَنِ الْقَبْضِ، وَالرَّهْنُ يُرَادُ لِلْوَثِيقَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ بَيْعِهِ وَاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ زَالَ ذَلِكَ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَبْضِ شَرْطٌ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 الْمُرْتَهِنُ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى الرَّاهِنِ زَالَ لُزُومُهُ، فَإِنْ رَدَّهُ إِلَيْهِ عَادَ اللُّزُومُ، وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَتُخَمَّرَ زَالَ لُزُومُهُ، فَإِنْ تَخَلَّلَ عَادَ لُزُومُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] اللُّزُومِ، وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ فَفِي الِاسْتِدَامَةِ كَذَلِكَ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، لَكِنْ لَوْ أَجَّرَهُ، أَوْ أَعَارَهُ لِمُرْتَهِنٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَلُزُومُهُ بَاقٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَزُولُ، نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ فَعَلَيْهَا يَعُودُ بِمُضِيِّ إِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ مِنْ مُرْتَهِنٍ (فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمُرْتَهِنُ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى الرَّاهِنِ زَالَ لُزُومُهُ) ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ، وَقَدْ زَالَتْ، إِذِ الْمَشْرُوطُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ نِيَابَةً عَنْهُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَبَقِيَ الْعَقْدُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَبْضٌ سَوَاءٌ أَخْرَجَهُ بِإِجَارَةٍ، أَوْ إِعَارَةٍ، أَوْ إِيدَاعٍ وَنَحْوِهِ وَقَوْلُهُ: بِاخْتِيَارِهِ يَحْتَرِزُ بِهِ عَمَّا لَوْ أَخْرَجَهُ لَا بِاخْتِيَارِهِ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ اللُّزُومَ، لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا (فَإِنْ رَدَّهُ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى الْمُرْتَهِنِ (عَادَ اللُّزُومُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْبَضَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَزِمَ بِهِ كَالْأَوَّلِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ السَّابِقَ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَاخَى الْقَبْضُ عَنِ الْعَقْدِ (وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَتُخَمَّرَ زَالَ لُزُومُهُ) ، لِأَنَّ تَخْمِيرَهُ بمنزلة إخراجه مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يدل لِمُسْلِمٍ عَلَى خَمْرٍ؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ خَمْرًا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَلَأَنْ يُخْرِجَهُ عَنِ اللُّزُومِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَتَجِبُ إِرَاقَتُهُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ أُرِيقَ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ (فَإِنْ تَخَلَّلَ عَادَ لُزُومُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ) ، كَمَا لَوْ زَالَتْ يَدُ الْمُرْتَهِنِ عَنْهُ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ، فَلَوِ اسْتَحَالَ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَلَمْ يَعُدْ بِعُودِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ الْقَبْضِ أَشْبَهَ إِسْلَامَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ إِذَا اسْتَحَالَ خَمْرًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ، ثُمَّ إِذَا عَادَ خَلًّا عَادَ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ مَرْهُونًا بِالْعَقْدِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ مِلْكًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ، فَيَعُودُ حُكْمُ الرَّهْنِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْيَدَ لَمْ تَزَلْ عَنْهُ حُكْمًا بِدَلِيلِ مَا لَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ غَاصِبٌ، فَتَخَلَّلَ فِي يَدِهِ كَانَ مِلْكًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 أَنَّ الْقَبْضَ وَاسْتِدَامَتَهُ فِي الْمُتَعَيَّنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَمَتَى امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ تَقْبِيضِهِ أُجْبِرَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَمْ تَظْهَرْ لِي فَائِدَةُ الْخِلَافِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَوْدِهِ رَهْنًا بِاسْتِحَالَتِهِ خَلًّا وَأَرَى الْقَوْلَ بِبَقَائِهِ رَهْنًا أَقْرَبَ إِلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَوْ بَطَلَ لَمَا عَادَ صَحِيحًا من غير ابْتِدَاءُ عَقْدٍ (وَعَنْهُ: أَنَّ الْقَبْضَ وَاسْتِدَامَتَهُ فِي الْمُتَعَيَّنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ) حَكَاهُ فِي " التَّعْلِيقِ " عَنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ فَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ (فَمَتَى) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ (امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ تَقْبِيضِهِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ) كَالْبَيْعِ، فَإِنْ رَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِعَارِيَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ طَلَبَهُ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى رَدِّهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ صَحِيحٌ، وَالْقَبْضَ وَاجِبٌ لَهُ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ كَبَيْعِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ جَازَ إِجْمَاعًا وَسَوَاءٌ بُيِّنَ الدَّيْنُ أَوْ لَا، لَكِنْ لَوْ عُيِّنَ الْمُرْتِهَنُ، أَوِ الْقَدْرُ الَّذِي يَرْهَنُهُ عَلَيْهِ فَخَالَفَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ إِقْبَاضِهِ كَقَبْلِ الْعَقْدِ، وَقَدَّمَ فِي " التَّلْخِيصِ " لَا كَبَعْدَهُ خِلَافًا " لِلِانْتِصَارِ " فِيهِ وَلَهُ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ بِفِكَاكِهِ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا فِي مَحَلِّ الْحَقِّ وَقَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَةَ لَا تَلْزَمُ فَمَتَى حَلَّ الْحَقُّ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ وَاسْتِيفَاءُ دَيْنِهِ مِنْهُ وَيَرْجِعُ الْمُعَيِّرُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِمِثْلِهِ لَا بِمَا بِيعَ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَاخْتَارَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " بِأَكْثَرِهِمَا، فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ بِقِيمَتِهِ سَوَاءٌ تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَةَ مَضْمُونَةٌ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَيُتَوَجَّهُ فِي مُسْتَأْجِرٍ مِنْ مُسْتَعِيرٍ، وَإِنْ فَكَّ الْمُعِيرُ الرَّهْنَ بِإِذْنَ الرَّاهِنِ رَجَعَ، وَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا، وَإِنْ قَضَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ فَرِوَايَتَانِ. 1 (وَتَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ) اللَّازِمِ بِالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِ (لَا يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 عَلَيْهِ، وَتَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ لَا يَصِحُّ إِلَّا الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ   [المبدع في شرح المقنع] تَصَرَّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الْوَثِيقَةِ، وَلَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَى السِّرَايَةِ، وَالتَّغْلِيبِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ كَفَسْخِ الرَّهْنِ، فَأَمَّا انْتِفَاعُهُ بِهِ كَاسْتِخْدَامٍ وَنَحْوِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْمَبِيعِ الْمَحْبُوسِ عِنْدَ الْبَائِعِ عَلَى قَبْضِ ثَمَنِهِ، لَكِنْ لَا يُمْنَعُ مِنْ سَقْيِ شَجَرٍ وَتَلْقِيحٍ وَإِنْزَاءِ فَحْلٍ عَلَى إِنَاثٍ مَرْهُونَةٍ وَمُدَاوَاةٍ وَفَصْدٍ بَلْ مِنْ قَطْعِ سِلْعَةٍ فِيهَا خَطَرٌ وَحِينَئِذٍ إِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْمَنَافِعِ لَمْ يَجُزِ الِانْتِفَاعُ وَكَانَتْ مُعَطَّلَةً وإن اتفقا عَلَى الْإِجَارَةِ، أَوِ الْإِعَارَةِ جَازَ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَالْأُجْرَةُ رَهْنٌ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي " الْخِلَافِ " أَنَّهَا تُعَطَّلُ مُطْلَقًا وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: لِلرَّاهِنِ الِانْتِفَاعُ بِمَا لَا يُنْقِصُ قِيمَتَهُ ولا يضره كَرُكُوبٍ وَسُكْنَى، فَإِنْ أَرَادَ غَرْسَ الْأَرْضِ - وَالدَّيْنُ حَالٌّ - مُنِعَ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَاحْتِمَالَانِ (إِلَّا الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ) يَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الْوَثِيقَةِ وَ (يَنْفُذُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ شَرِيكٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، لِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ مِنْ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ فَنُفِّذَ كَعِتْقِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ لِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ فَنَفَذَ فِيهَا عِتْقُ الْمَالِكِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ بَائِعِهِ، وَالْعِتْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ، وَالتَّغْلِيبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْفُذُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَفِي مِلْكِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ مُوسِرًا (تُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الْوَثِيقَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ وَيُعْتَبَرُ حَالُ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ فَجُعِلَتْ (رَهْنًا مَكَانَهُ) ؛ لِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنِ الْعَيْنِ، أَوْ بَدَلٌ عَنْهَا، وَكَذَا حُكْمُ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِقَصَاصٍ اسْتَحَقَّهُ عَلَيْهِ، أَوْ أَحْبَلَ الْأَمَةَ بِلَا إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ أَقَرَّ بِالْعِتْقِ وَكَذَّبَهُ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ تَكُونُ رَهْنًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ أَيْسَرَ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ أُخِذَتْ مِنْهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا إِلَّا أَنْ يَخْتَارَ تَعْجِيلَ الْحَقِّ فَيَقْضِيَهُ، وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ طُولِبَ بِالدَّيْنِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 رَهْنًا مَكَانَهُ، وَيُحْتَمَلُ وعنه: لَّا يَنْفُذَ عِتْقُ الْمُعْسِرِ. وليس عليه تزويج الأمة المرهونة فإن فعل لم يصح. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ وَيُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا، وَمَهْرُهَا رَهْنٌ مَعَهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَإِنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ فَأَوْلَدَهَا خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] تَبْرَأُ بِهِ مِنَ الْحَقَّيْنِ مَعًا (وَعَنْهُ: لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمُعْسِرِ) ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي " الْهِدَايَةِ " احْتِمَالًا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " تَخْرِيجًا؛ لِأَنَّ نُفُوذَ عِتْقِهِ يُسْقِطُ الْوَثِيقَةَ وَبَدَلَهَا، فَلَمْ يَنْفُذْ لِمَا فِيهِ مِنِ الْإِضْرَارِ بِالْمُرْتَهِنِ وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، وَهُوَ مُعْسِرٍ، وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا إِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْتَسْعِي الْعَبْدَ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ تُجْعَلُ رَهْنًا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِيجَابَ الْكَسْبِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا صُنْعَ، وَلَا جِنَايَةَ مِنْهُ فَكَانَ إِلْزَامُ الْغُرْمِ لِلْمُتْلِفِ أَوْلَى وَقِيلَ: وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُ غَيْرِهِ، وَذَكَرَهَ فِي " الْمُبْهِجِ " رِوَايَةً وَإِذَا لَمْ نَقْلُ بِالنُّفُوذِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ زَوَالِ الرَّهْنِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَأْذَنِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ أَذِنَ، صَحَّ الْعِتْقُ وَسَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الْوَثِيقَةِ، وَلَا قِيمَةَ لَهُ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَعَلِمَ الرَّاهِنُ بِهِ بَطَلَ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَكَذَا يَصِحُّ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ أُذِنَ فِيهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا قُدِّمَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَوَارِثِهِ فِي نَفْيِ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ إِلَّا أَنَّ الْوَارِثَ يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَمَنْ نكل قُضِيَ عَلَيْهِ، وَأَلْحَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْوَقْفَ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى. 1 (وَقَالَ الْقَاضِي) وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةً (لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ) الْمَرْهُونَةِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ عَقْدِ النِّكَاحِ غَيْرَ مَحَلِّ عَقْدِ الرَّهْنِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ رَهْنِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، فَلَمْ يَمْنَعِ التَّزْوِيجَ كَالْإِجَارَةِ (وَيَمْنَعُ) الْمُرْتَهِنُ (الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا) ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بُقُولِهِ: دُونَ تَسْلِيمِهَا لِئَلَّا تَحْبَلَ فَتَنْقُصَ قِيمَتُهَا وَتَقِلَّ الرَّغْبَةُ فِيهَا وَرُبَّمَا تَلِفَتْ بِسَبَبِ الْحَمْلِ (وَمَهْرُهَا رَهْنٌ مَعَهَا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ الرَّهْنِ فَكَانَ رَهْنًا (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ يُذْهِبُ رَغَبَاتِ الْمُشْتَرِينَ فِيهَا فَيُوجِبُ نُقْصَانَ قِيمَتِهَا، فَلَمْ يَمْلِكْهُ الرَّاهِنُ كَفَسْخِ الْعَقْدِ، وَلَا نُسَلِّمُ تَغَايُرَ الْمَحَلَّيْنِ بَلْ مَحَلُّهُمَا وَاحِدٌ وَتَتَنَاوَلُ الْجُمْلَةَ، وَإِنَّمَا صَحَّ رَهْنُ الْمُزَوَّجَةِ لِبَقَاءِ مُعْظَمِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا وَبَقَائِهَا مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، كَمَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالرَّهْنُ يُفَارِقُ الْإِجَارَةَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ التَّزْوِيجَ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِ الْإِجَارَةِ، وَلَا يَمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ لَهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 وَأُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهَا فَجُعِلَتْ رَهْنًا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ، أَوْ هِبَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَفَعَلَ، صَحَّ وَبَطَلَ الرَّهْنُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَيُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِ الرَّهْنِ، هُوَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا إِنَّمَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ، أَوْ يُنْقِصُ الثَّمَنَ فَيَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ كَامِلًا (وَإِنْ وَطئ) الرَّاهِنُ (الْجَارِيَةَ) الْمَرْهُونَةَ، فَقَدْ رَكِبَ مُحَرَّمًا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْآيِسَةِ، وَالصَّغِيرَةِ كَالْمُعْتَدَّةِ، وَلِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي تَحْبَلُ فِيهِ يَخْتَلِفُ فَمُنِعَ مِنْهُ جُمْلَةً، لَكِنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا كَالِاسْتِخْدَامِ، فَإِنْ تَلِفَ جُزْءٌ مِنْهَا، أَوْ نَقَصَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا تَلِفَ كَالْجِنَايَةِ تُجْعَلُ رَهْنًا مَعَهَا، وَإِلَّا قَضَاهُ مِنَ الْحَقِّ إِنْ كَانَ قَدْ حَلَّ، وَجَزَمَ فِي " الْفُرُوعِ "، وَقَالَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، وَالشِّيرَازِيُّ فِي " الْمُنْتَخَبِ ": إِنَّهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَلَى رَاهِنٍ إِلَّا بِشَرْطٍ، وَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ فَأَرْشُ الْبَكَارَةِ فَقَطْ كَجِنَايَةٍ (فَأَوْلَدَهَا خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ لَهُ، وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِ كَالْمُؤَلِّفِ، وَإِنَّ الْحُكْمَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ بَلِ الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِالْإِحْبَالِ (وَأُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهَا) حِينَ إِحْبَالِهَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ بَدَلُهَا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا (فَجُعِلَتْ رَهْنًا) ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ، وَالْبَدَلُ يُعْطَى حُكْمُ مُبْدِلِهِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا إِذَا صَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْ وَطْئِهِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، فَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي سَبَبٍ يُنَافِي حَقَّهُ لَا يُقَالُ إِنَّمَا أَذِنَ بِالْوَطْءِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي الْإِحْبَالِ لِإِفْضَائِهِ إِلَيْهِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَالْإِذْنُ فِي سَبَبِهِ إِذْنٌ فِيهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَقَرَّ بِالْوَطْءِ حَالَ الْعَقْدِ، أَوْ قَبْلَ لُزُومِهِ فَحُكْمُهُمَا وَاحِدٌ وَيَصِحُّ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ أَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ لُزُومِهِ فَيُقْبَلُ فِي حَقِّهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُقْبَلُ وَيُحْتَمَلُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ فِي مِلْكِهِ بِمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ. (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ، أَوْ هِبَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَوَقْفِهِ (فَفَعَلَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 رَهْنًا، أَوْ يُعَجِّلَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَنَمَاءُ الرَّهْنِ وَكَسْبِهِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِنَ الرَّهْنِ وَمُؤْنَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَكَفَنُهُ إِنْ مَاتَ وَأُجْرَةُ مَخْزَنِهِ إِنْ كَانَ مَخْزُونًا، وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي   [المبدع في شرح المقنع] صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِ، فَإِذَا أَذِنَ زَالَ (وَبَطَلَ الرَّهْنُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ يُنَافِي الرَّهْنَ، فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ مَا يُنَافِيهِ (إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا) مَكَانَهُ (أَوْ يُعَجِّلَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ) ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ طَاعَةً وَيَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ جَازَ، فَكَذَا قَبْلَهُ، وَحَاصِلُهُ إِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَخَذَهُ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِلَّا بَقِيَ رَهْنًا، وَإِنْ شَرَطَ تَعْجِيلَ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، صَحَّ الْبَيْعُ وَلَغَا الشَّرْطَ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، وَإِنْ بَاعَهُ بِإِذْنٍ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ مِنْ ثَمَنِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَفِي كَوْنِ الثَّمَنِ رَهْنًا وَجْهَانِ وَيَلْغُو شَرْطَ التَّعْجِيلِ قَوْلًا وَاحِدًا. فَرْعٌ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ قَبْلَ قَوْلِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ، فلو اتفقا عليه وَاخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ قَبْلَ قَوْلِ الرَّاهِنِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ وَكَسْبُهُ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِنَ الرَّهْنِ) أَيْ: يَكُونُ فِي يَدِهِ كَالْأَصْلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا احْتِيجَ إِلَى بَيْعِهِ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ بِيعَ مَعَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ عَلَى الْعَيْنِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا ذَكَرَ كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ جُزْءٍ فَكَانَتْ مِنَ الرَّهْنِ كَقِيمَتِهِ إِذَا أَتْلَفَهُ إِنْسَانٌ، وَلَا فَرْقَ فِي النَّمَاءِ بَيْنَ الْمُتَّصِلِ كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، وَالْمُنْفَصِلِ كَالْكَسْبِ، وَالْأُجْرَةِ، وَالْوَلَدِ، وَالثَّمَرَةِ، وَالصُّوفِ (وَمُؤْنَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ) لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غَنَمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ إِسْنَادٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ، وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ كَالطَّعَامِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إِذَا احْتَاجَ إِلَى مُدَاوَاةٍ لِمَرَضٍ، أَوْ جُرْحٍ وَأُجْرَةِ مَنْ يَرُدُّهُ إِذَا أَبَقَ وَمُؤْنَةِ جِنَايَةٍ وَأُجْرَةِ تَسْوِيَةٍ وَجِدَادٍ وَتَجْفِيفٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ مَاشِيَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى إِطْرَاقٍ فَحْلٍ لَمْ يُجْبَرِ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 يَدِ الْمُرْتَهِنِ إِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] مَا يَتَضَمَّنُ زِيَادَةً فِي الرَّهْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِبَقَائِهَا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ زِيَادَةً فِيهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (وَكَفَنُهُ إِنْ مَاتَ) كبقية مؤنة تَجْهِيزُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ لِمُؤْنَتِهِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ غُرْمِهِ (وَأُجْرَةُ مَخْزَنِهِ إِنْ كَانَ مَخْزُونًا) كَأُجْرَةِ حَافِظِهِ (وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ فِعْلِهِ خَوْفًا مِنَ الضَّمَانِ وَذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَعْطِيلِ الْمُدَايَنَاتِ، وَالْقُرُوضِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ، فَلَا يُضْمَنُ كَالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، كَبَعْدِ الْوَفَاءِ (إِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . قَالَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي تَلَفِهِ شَيْءٌ كَالْوَدِيعَةِ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ، كَمَا لَوْ أَعَارَهُ، أَوْ مَلَّكَهُ، أَوِ اسْتَعْمَلَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى الْمُتَعَدِّي وَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ فَأَجْرَاهَا عَلَى ظَاهِرِهَا لِمَا رَوَى عَطَاءٌ «أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ فَرَسًا فَنَفَقَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: " ذَهَبَ حَقُّكَ» ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ لِلِاسْتِيفَاءِ، فَيَضْمَنُهَا مَنْ قَبَضَهَا لِذَلِكَ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدٍ بَعْضُهُ أَمَانَةٌ فَكَانَ جَمِيعُهُ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ وَحَدِيثُ عَطَاءٍ بِخِلَافِهِ مَعَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ قَالَ: يَرْوِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَكَانَ كَذَّابًا، وَقِيلَ: مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ سَلِمَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبَ حَقُّكَ مِنَ الْوَثِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ، أَوْ قِيمَتِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ أَنَّهُ يَضْمَنُ كَالْوَدِيعَةِ، وَفِي بَقَاءِ الرَّهِينَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ أَمَانَةً وَاسْتِيثَاقًا فَبَقِيَ أَحَدُهُمَا وَجْهَانِ (وَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ قَبْلَ التَّلَفِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ فَبَقِيَ بِحَالِهِ وَكَمَا لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ عَبْدًا يَبِيعُهُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَكَحَبْسِ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ بَعْدَ الْفَسْخِ عَلَى الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ حَبْسِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ عَلَى ثَمَنِهِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي رِوَايَةٍ بِتَلَفِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُهُ، وَالرَّهْنُ لَيْسَ بَعِوَضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَسْقُطُ بِتَفَاسُخِهِمَا ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَ " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنَ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ، وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا، انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ رَهَنَهُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كُلَّهُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الرَّهْنِ. فَرْعٌ: إِذَا قَبَضَ الرَّهْنَ فَوَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا لَزِمَهُ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ، وَالرَّهْنُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ، فَإِنْ أَمْسَكَهُ مَعَ عَمَلِهِ حَتَّى تَلِفَ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ حَتَّى تَلِفَ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ فَثَالِثُهَا لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ (وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنَ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَثِيقَةِ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الرَّهْنِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ الْحَقِّ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، أَوْ لَا وَكَالضَّمَانِ، وَالشَّهَادَةِ. تَنْبِيهٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي التَّلَفِ، وَقِيلَ: وَالرَّدُّ. قَالَ أَحْمَدُ: فِي مُرْتِهِنٍ ادَّعَى ضَيَاعَهُ: إِنِ اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُحَلِّفْهُ، وَكَذَا إِنِ ادَّعَاهُ بِحَادِثٍ ظَاهِرٍ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَادِثِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِيهِ، وَكَذَا وَكَيْلٌ وَسَيَأْتِي. 1 (وَإِنْ رَهْنَهُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا: انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ فَكَأَنَّهُ رَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ مُنْفَرِدًا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْآخَرِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ وَحَمَلَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ مُقَاسَمَةُ الْمُرْتَهِنِ لِمَا عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ فَصَارَ جَمِيعُهُ رَهْنًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ طَلَبَ الْمُقَاسَمَةَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَنْقُصُهُ الْقِسْمَةُ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ أُجِيبُ إِلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَبْقَى فِي يَدِهِ بَعْضُهُ رَهْنٌ وَبَعْضُهُ وَدِيعَةٌ (وَإِنْ رَهَنَهُ رَجُلَانِ شَيْئًا فَوَفَّاهُ أَحَدُهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 رَجُلَانِ شَيْئًا فَوَفَّاهُ أَحَدُهُمَا، انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَامْتَنَعَ مِنْ وَفَائِهِ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ أَو للْعَدْلِ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ وَوَفَّى الدَّيْنَ وَإِلَّا رُفِعَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيُجْبِرُهُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، أَوْ بَيْعِ الرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَقَضَى دَيْنَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُتَعَدِّدٌ فَتَعَلَّقَ مَا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَنَقَلَ مُهَنَّا خِلَافَهُ، فَلَوْ رَهَنَ اثْنَانِ عَبْدًا لَهُمَا عِنْدَ اثْنَيْنِ بِأَلْفٍ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ، وَيَصِيرُ كُلُّ رُبْعٍ مِنْهُ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَمَتَى قَضَى فِي شَيْءٍ انْفَكَّ مِنَ الرَّهْنِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. فَرْعٌ: إِذَا قَضَى بَعْضَ دَيْنِهِ، أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ وَبِبَعْضِهِ رَهْنٌ، أَوْ كَفِيلٌ فَعَمَّا نَوَاهُ، فَإِنْ أَطْلَقَ، وَلَمْ يَنْوِ فَلَهُ صَرْفُهُ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَقِيلَ: يُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ (وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ) لَزِمَ الرَّاهِنَ الْإِيفَاءُ، لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَالٌّ فَلَزِمَ إِبْقَاؤُهُ كَالَّذِي لَا رَهْنَ بِهِ (وَامْتَنَعَ مِنْ وَفَائِهِ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ، أَوْ لِلْعَدْلِ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ، وَفِي بَيْعِهِ بِقِيمَتِهِ وَجْهَانِ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِحَقِّهِ، فَلَمْ يَجُزْ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ إِذْنٍ مِنَ الرَّاهِنِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: بَلَى حَكَاهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي قَضَاءِ الْحَقِّ منْ غَيْرِهِ (وَوَفَّى الدَّيْنَ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْبَيْعِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ لِمَالِكِهِ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ، فَعَلَى الرَّاهِنِ (وَإِلَّا) أَيْ: إِذَا لَمْ يَأْذِنْ فِي الْبَيْعِ، وَلَمْ يُوفِّ (رُفِعَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيُجْبِرُهُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، أَوْ بَيْعِ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْحَاكِمِ، فَإِنِ امْتَنَعَ حَبَسَهُ، أَوْ عَزَّرَهُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: أَصَرَّ عَلَى الْمَنْعِ، أَوْ كَانَ غَائِبًا، أَوْ تَغَيَّبَ. قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " (بَاعَهُ الْحَاكِمُ) عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ أَدَاؤُهُ (وَقَضَى دَيْنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِيهِ كَالْإِيفَاءِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّهِ، أَوْ إِذْنِ حَاكِمٍ، وَقِيلَ: بَلَى، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ الْمُرْتَهِنُ فِي بَيْعِهِ قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ: ائْذَنْ فِيهِ وَخُذْ دَيْنَكَ مِنْ ثَمَنِهِ، أَوْ أَبْرِئْهُ مِنْهُ. فَرْعٌ: إِذَا جَهِلَ رَبُّ الرَّهْنِ وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَلِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ بِشَرْطٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 فَصْلٌ وَإِذَا شَرَطَ فِي الرَّهْنِ جَعْلَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، صَحَّ وَقَامَ قَبْضُهُ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ شَرَطَ جَعْلَهُ فِي يَدِ اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِحِفْظِهِ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ، وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ إِذَا لَمْ يَتَّفِقَا، وَلَا لِلْحَاكِمِ نَقْلُهُ عَنْ يَدِ الْعَدْلِ إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] ضمانه، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي إِذَنْ حَاكِمٍ فِي بَيْعِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَأَخْذِ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهِ مَعَ عَدَمِهِ رِوَايَتَانِ كَشِرَاءِ وَكَيْلٍ. [إِذَا شَرَطَ فِي الرَّهْنِ جَعْلَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ صَحَّ] فَصْلٌ (وَإِذَا شَرَطَ فِي الرَّهْنِ جَعْلَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ فِي عَقْدٍ فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَقَبْضِ الْمَوْهُوبِ (وَقَامَ قَبْضُهُ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَخَالَفَ فِيهِ الْحَكَمُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ فَتَعَلَّقَ بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ، وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ وَبِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَقَبْضُهُ كَقَبْضِ الْمُوَكَّلِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ وُكِّلَ فِي الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ صَحَّ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي جَوَازَ جَعْلِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ مَنْ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ، وَهُوَ الْجَائِزُ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا، وَلَا عَبْدًا بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِسَيِّدِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَضْيِيعُهَا فِي الْحِفْظِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا مُكَاتَبًا بِغَيْرِ جَعْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَنَافِعِهِ (وَإِنْ شَرَطَ جَعْلَهُ فِي يَدِ اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِحِفْظِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَرَاهِنَيْنِ لَمْ يَرْضَيَا إِلَّا بِحِفْظِهِمَا مَعًا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ كَالْوَصِيَّيْنِ، فَعَلَى هَذَا يُجْعَلُ فِي مَخْزَنٍ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُفْلٌ، وَإِنْ سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي تَعَدَّى فِيهِ. (وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ، وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ إِذَا لَمْ يَتَّفِقَا وَلَا لِلْحَاكِمِ نَقْلُهُ عَنْ يَدِ الْعَدْلِ) ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَا دَامَ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنِ الْأَمَانَةِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ "، وَغَيْرِهِ: وَلَا حَدَثَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا عَدَاوَةٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ نَقْلُهُ عَنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلِأَنَّهُمَا إِذَا لَمْ يَمْلِكَاهُ فَالْحَاكِمُ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى نَقْلِهِ جَازَ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 وَلَهُ رَدُّهُ إِلَيْهِمَا، وَلَا يَمْلِكُ رَدُّهُ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إِلَى يَدِهِ، وإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ حَقَّ الْآخَرِ، فَإِنْ أَذِنَا لَهُ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَبِعْ إِلَّا بِنَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ   [المبدع في شرح المقنع] يَعِدُوهُمَا (إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ) بِفِسْقٍ، أَوْ ضَعْفِهِ عَنِ الْحِفْظِ، أَوْ عَدَاوَةٍ فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ نَقَلُهُ عَنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ فِي مَقَامِهِ فِي يَدِهِ ضَرَرًا عَلَى الطَّالِبِ فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى شَخْصٍ بِصِفَاتِهِ جَازَ، فَإِنِ اخْتَلَفَا وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدْلٍ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي تَغَيُّرِ حَالِهِ بَحَثَ الْحَاكِمُ وَعَمَلَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَتَغَيَّرَ حَالُهُ فَلِلرَّاهِنِ رَفْعُ الْأَمْرِ إِلَى الْحَاكِمِ لِيَضَعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ، فَإِنْ مَاتَ هُوَ، أَوِ الْعَدْلُ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِمَا إِمْسَاكُهُ إِلَّا بِرِضَاهُمَا (وَلَهُ) أَيْ: لِلْعَدْلِ (رَدُّهُ إِلَيْهِمَا) ، وَعَلَيْهِمَا قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَقْطُوعٌ بِالْحِفْظِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْمَقَامُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ، فَإِنِ امْتَنَعَا أَجْبَرَهُمَا الْحَاكِمُ وَيُنَصِّبُ أَمِينًا يَقْبِضُهُ لَهُمَا إِذَا تَغَيَّبَا؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنَ الْحَقِّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا دَفَعَهُ إِلَى أَمِينٍ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعِهِمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ الْعَدْلُ عِنْدَ آخَرَ مَعَ وُجُودِهِمَا، فَإِنِ امْتَنَعَا، وَلَمْ يَجِدْ حَاكِمًا فَتَرَكَهُ عِنْدَ عَدْلٍ لَمْ يَضْمَنْ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَكُنْ لَهُ دَفْعُهُ إِلَى الْآخَرِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَدْلَ يُمْسِكُهُ لَهُمَا، وَأَحَدُهُمَا يُمْسِكُهُ لِنَفْسِهِ هَذَا إِذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ، فَإِنْ كَانَا غَائِبَيْنِ نَظَرْتَ، فَإِنْ كَانَ لِلْعَدْلِ عُذْرٌ رَفَعَهُ إِلَى الْحَاكِمِ يَقْبِضُهُ مِنْهُ، أَوْ نَصَّبَ عَدْلًا يَقْبِضُهُ لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا أَوْدَعَهُ ثِقَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، وَالْغَيْبَةُ بَعِيدَةٌ قَبَضَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَثِقَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً فَكَالْحَاضِرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حَاضِرًا فَكَالْغَائِبَيْنِ (وَلَا يَمْلِكُ رَدَّهُ إِلَى أَحَدِهِمَا) ؛ لِأَنَّ لِلْآخَرِ حَظًّا فِي إِمْسَاكِهِ فِي يَدِهِ، وَفِي رَدِّهِ إِلَى أَحَدِهِمَا تَضْيِيعٌ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حَاضِرًا، وَالْآخَرُ مُسَافِرًا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَغَيْرِهِ (فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إِلَى يَدِهِ) أَيْ: إِلَى يَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ عَوْدًا لِلْحَقِّ إِلَى مُسْتَحَقِّهِ (وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ حَقَّ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ مَا اسْتَحَقَّهُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ (فَإِنْ أَذِنَا لَهُ) أَيْ: لِلْعَدْلِ (فِي الْبَيْعِ لَمْ يَبِعْ إِلَّا بِنَقْدِ الْبَلَدِ) ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِي ذَلِكَ لِلرَّوَاجِ فِيهِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقُودٌ بَاعَ بِجِنْسِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 نُقُودٌ بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جِنْسُ الدَّيْنِ بَاعَ بِمَا يَرَى أَنَّهُ أَصْلَحُ وَإِنْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلَفَ فِي يَدِهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ، وَإِنِ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ رَجَعَ   [المبدع في شرح المقنع] الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى وَفَاءِ الْحَقِّ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جِنْسُ الدَّيْنِ بَاعَ بِمَا يَرَى أَنَّهُ أَصْلَحُ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطَ فِيمَا هُوَ مُتَوَلِّيهِ كَالْحَاكِمِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبِيعُ بِأَغْلَبِ نُقُودِهِ إِذَا تَعَدَّدَتْ، فَإِنْ تَسَاوَتْ فَبِجِنْسِ الدَّيْنِ، فَإِنْ عُدِمَ فَبِمَا ظَنَّهُ أَصْلَحَ، فَإِنْ تَسَاوَتْ عُيِّنَ حَاكِمٌ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْأَحَظِّ، وَأَبْعَدُ مِنَ التُّهْمَةِ، فَإِنْ عَيَّنَا نَقْدًا تَعَيَّنَ، وَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَإِنَّ اخْتَلَفَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَعَلَى هَذَا يُرْفَعُ إِلَى الْحَاكِمِ وَيَأْمُرُ بِبَيْعِهِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحَقِّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا، أَوْ لَمْ يُوَافِقْ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ. (وَإِنْ) بَاعَ بِإِذْنِهِمَا، ثُمَّ (قَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ) مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ (فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي يَدِ الْعَدْلِ أَمَانَةٌ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إِبْرَاءٌ لِلْمُشْتَرِي مِنَ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي: بَلَى؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَإِنِ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَهُ فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ وَحِينَئِذٍ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْعَدْلِ وَمَحَلُّهُ إِذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ وَكِيلٌ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، لَا يُقَالُ: يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَدْلِ لِكَوْنِهِ قَبَضَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ أَمِينٌ فِي قَبْضِهِ يُسَلِّمُهُ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُفْلِسًا، أَوْ مَيِّتًا فَالْمُرْتَهِنُ، وَالْمُشْتَرِي أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي ثُبُوتِ حُقُوقِهِمْ فِي الذِّمَّةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ لَوْ بَانَ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ دَفْعِ الثَّمَنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَكَانِ رجوعه عَلَيْهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 الْمُشْتَرِي عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنِ ادَّعَى دَفْعَ الثَّمَنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، فَأَنْكَرَ، وَلَمْ يَكُنْ قَضَاهُ بِبَيِّنَةٍ ضَمِنَ، وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أُمِرَ بِالْإِشْهَادِ، فَلَمْ يَفْعَلْ وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْوَكِيلِ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوِ الْعَدْلُ صَحَّ، وَإِنْ عَزَلَهُمَا، صَحَّ عَزْلُهُ   [المبدع في شرح المقنع] كَمَا لَوْ قَبَضَهُ مِنْهُ، فَلَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ، أَوِ الْوَكِيلُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَكِيلٌ. (وَإِنِ ادَّعَى) أَيْ: الْعَدْلُ (دَفْعَ الثَّمَنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، فَأَنْكَرَ، وَلَمْ يَكُنْ قَضَاهُ بِبَيِّنَةٍ ضَمِنَ، وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ بِالْإِشْهَادِ، فَلَمْ يَفْعَلْ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْعَدْلَ إِذَا ادَّعَى دَفْعَ الثَّمَنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، وَأَنْكَرَ، وَلَا بَيِّنَةَ لِلْعَدْلِ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أُمِرَ بِالْإِشْهَادِ، وَلَمْ يُشْهِدْ فَيَضْمَنَ لِتَفْرِيطِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِ مُوَكِّلِهِ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ. والثَّانِي: مُطْلَقٌ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: وَهِيَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ حَيْثُ لَمْ يُشْهِدْ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي قَضَاءٍ مُبَرِئٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى رَاهَنِهِ، ثُمَّ هُوَ عَلَى الْعَدْلِ، وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِغَيْرٍ بَيِّنَةٍ، فَإِنْ كَانَ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْبَيِّنَةُ قَائِمَةً، أَوْ مَعْدُومَةً، وَشَرْطُهُ عَدَالَتُهُمْ، وَأَنْ لَا يَكُونَ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ. صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَضْمَنُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ. وَفِي " الشَّرْحِ "، وَغَيْرُهُ إِذَا ادَّعَى دَفْعَ الثَّمَنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ عَلَى الرَّاهِنِ لَا الْمُرْتَهِنِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ وَكِيلُ الرَّاهِنِ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ وَوَكِيلُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْحِفْظِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي حَقِّهِ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي إِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ عَنْ غَيْرِهِ، ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، فَعَلَيْهِ إِذَا حَلَفَ الْعَدْلُ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ قَبَضَهُ (وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْوَكِيلِ) فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ. (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوِ الْعَدْلُ، صَحَّ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَهْلٌ لِلْوِكَالَةِ، فَصَحَّ كَالْأَجْنَبِيِّ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ لَا يُنَافِي مُقْتَضَى الرَّهْنِ، فَصَحَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ، وإِنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، وَفِي صِحَّةِ الرَّهْنِ رِوَايَتَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] كَمَا لَوْ شَرَطَ صِفَةً فِيهِ (وَإِنْ عَزَلَهُمَا، صَحَّ عَزْلُهُ) فِي الْمَنْصُوصِ كَسَائِرِ الْوِكَالَاتِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُتَوَجَّهُ لَنَا أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ، فَإِنَّ أَحْمَدَ مَنَعَ الْحِيلَةَ، وَهَذَا يَفْتَحُ بَابَ الْحِيلَةِ لِلرَّاهِنِ، فَإِنَّهُ يَشْرُطُ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ فَيُجِيبُهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَعْزِلُهُ، وَلِأَنَّ وِكَالَتَهُ صَارَتْ مِنْ حُقُوقِ الرَّهْنِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ إِسْقَاطُهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَهُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ الرَّهْنَ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ لَازِمًا. (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ) أَيْ: حُلُولُ الْحَقِّ فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ. وَمِثْلُهُ إِذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُسْتَوْفَي الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ، أَوْ لَا يُبَاعَ مَا خِيفَ تَلَفُهُ، أَوْ يَبِيعُ الرَّهْنَ بِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ، أَوْ لَا يَبِيعُهُ إِلَّا بِمَا يُرْضِيهِ، أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلرَّاهِنِ، أَوْ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَقْدُ لَازِمًا فِي حَقِّهِ، أَوْ بِوَقْتِ الرَّهْنِ (وَإِنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ) أَيْ: بِالدَّيْنِ، أَوْ فَهُوَ مَبِيعٌ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْكَ (لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَحْمَدَ مَا مَعْنَى: لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ؛ قَالَ: لَا يَدْفَعُ رَهْنًا إِلَى رَجُلٍ، وَيَقُولُ: إِنْ جِئْتُكَ بِالدَّرَاهِمِ إِلَى كَذَا، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الْبَيْعَ عَلَى شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَبِيعًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُوَفِّيَهُ الْحَقَّ فِي مَحَلِّهِ، وَالْبَيْعُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ لَا يَصِحُّ (وَفِي صِحَّةِ الرَّهْنِ رِوَايَتَانِ) مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْبَيْعِ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَغَيْرِهِ إِحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَنَصَرَهُ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ فَأَفْسَدَهُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ تَوْفِيتَهُ. وَالثَّانِيَةُ: لَا، نَصَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي " رُؤُوسِ الْمَسَائِلِ " وَاسْتَدَلَّ بِالْخَبَرِ فَنَفَى غَلْقَ الرَّهْنِ دُونَ أَصْلِهِ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَرْطًا فَاسِدًا، وَلَمْ يَحْكُمْ بِفَسَادِهِ، وَقِيلَ: مَا يَنْقُصُ بِفَسَادِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ يُبْطِلُهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَمَا لَا فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: إِنْ شَرَطَ رَهْنًا مُوَقَّتًا، أَوْ شَرَطَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا، فَسَدَ الرَّهْنُ وَهَلْ يَفْسُدُ بِسَائِرِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، وَحَكَى فِي " الْمُغْنِي ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 فَصْلٌ إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، أَوِ الرَّهْنِ، أَوْ رَدَّهُ أَوْ قَالَ: أَقْبَضْتُكَ عَصِيرًا قَالَ: بَلْ   [المبدع في شرح المقنع] عَنِ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: يُحْتَمَلُ فَسَادُ الرَّهْنِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ إِنَّمَا بَذَلَ مِلْكَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ أَفْضَى إِلَى أَخْذِ مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، لَكِنْ تُرِكَ فِيهِ لِلْأَثَرِ، ثُمَّ إِذَا بَطَلَ وَكَانَ فِي بَيْعٍ فَفِي بُطْلَانِهِ لِأَخْذِهِ حَظًّا مِنَ الثَّمَنِ أَمْ لِانْفِرَادِهِ عَنْهُ كَمَهْرٍ فِي نِكَاحٍ احْتِمَالَانِ. فَرْعٌ: إِذَا تَبَايَعَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ رَهْنًا عَلَى ثَمَنِهِ لَمْ يَصِحَّ. قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَ شَرَطَ رَهْنَهُ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ، وَسَوَاءٌ شَرَطَ أَنَّهُ يَقْبِضُهُ، ثُمَّ يَرْهَنُهُ، أَوْ شَرَطَ رَهْنَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَعَنْهُ: إِذَا حَبَسَ الْمَبِيعَ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ فَهُوَ غَاصِبٌ، وَلَا يَكُونُ رَهْنًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الشَّرْطِ، وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ رَهْنًا غَيْرَ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ لَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الرَّهْنَ، فَإِنْ لَمْ يَفِ لَهُ، وَإِلَّا فَسَخَ الْبَيْعَ. [إِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ أَوِ الرَّهْنِ] فَصْلٌ (إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ) بِأَنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ رَهَنْتَنِي عَلَيْهَا عَبْدَكَ فُلَانًا فَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ هِيَ مِائَةٌ (أَوِ الرَّهْنِ) بِأَنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: هَذَا الْعَبْدُ، وَالْأَمَةُ فَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ أَحَدُهُمَا. قُدِّمَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، فَكَذَا فِي صِفَتِهِ (أَوْ رَدَّهُ) بِأَنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَدَدْتُهُ إِلَيْكَ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: لَمْ أَقْبِضْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَالْمُرْتَهِنُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَتِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَفِي " التَّذْكِرَةِ " أنَّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ مِنَ الْأُمَنَاءِ فِي الرَّدِّ لَمْ يَحْلِفْ، فَلَوْ طَلَبَ مِنْهُ الرَّدَّ وَقَبِلَ قَوْلَهُ فَهَلْ لَهُ تَأْخِيرُهُ لِيُشْهِدَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، إِنْ حَلَفَ، وَإِلَّا فَلَا (أَوْ قَالَ: أَقْبَضْتُكَ عَصِيرًا قَالَ) الْمُرْتَهِنُ: (بَلْ خَمْرًا) فِي عَقْدٍ مَشْرُوطٍ فِيهِ الرَّهْنُ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ فَقُبِلَ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُعْتَرِفٌ بِعَقْدٍ وَقَبْضٍ، وَيَدَّعِي فَسَادَهُ، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 خَمْرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ، وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ رَهْنِهِ، عَتَقَ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ جَنَى، أَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ، أَوْ غَصَبَهُ قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إِلَّا أَنْ يَصَدِّقَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَرْسَلْتَ وَكِيلَكَ فَرَهَنَنِي عَبْدَكَ هَذَا عَلَى عِشْرِينَ قَبَضَهَا قَالَ: مَا أَمَرْتُهُ إِلَّا بِعَشَرَةٍ وَصَارَتْ إِلَيَّ سُئِلَ الرَّسُولُ، فَإِنْ صَدَّقَ الرَّاهِنَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ دُونَ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِهِ، فَإِذَا حَلَفَ الْوَكِيلُ بَرِئَا مَعًا، وَإِنْ نَكَّلَ فَعَلَيْهِ الْعَشَرَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا، وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ صَدَّقَ الْمُرْتَهِنَ وَادَّعَى أَنَّهُ سَلَّمَ الْعِشْرِينَ إِلَى الرَّاهِنِ قُبِلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْعَشَرَةِ وَيَدْفَعُ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَعَلَى الْوَكِيلِ غَرَامَةُ الْعِشَرَةِ لِلْمُرْتَهِنِ. (وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ رَهْنِهِ عَتَقَ) ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي الْإِقْرَارِ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْشَأَ ذَلِكَ عَتَقَ، فَكَذَا إِذَا أَخْبَرَ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ إِنْشَاءُ عَقْدٍ، صَحَّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا) مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْوَثِيقَةَ بِالْعِتْقِ فَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ تُجْعَلُ رَهْنًا جَبْرًا لِمَا فَاتَهُ مِنَ الْوَثِيقَةِ هَذَا إِذَا كَانَ مُوسِرًا، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَعَلَى مَا سَبَقَ، وَشَرْطُهُ أَنْ يُكَذِّبَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ جَنَى، أَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ، أَوْ غَصَبَهُ قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ (وَلَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) أَيْ: مَعَ تَكْذِيبِهِ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ وَقَوْلُ الْغَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ لَزِمَهُ أَرْشُهَا إِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ رَقَبَةِ الْجَانِي بِفِعْلِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا تَعَلَّقَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَتِهِ إِذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ. وَحِينَئِذٍ فَيَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي، وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ الرَّهْنَ إِذَا انْفَكَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ مُقْتَضٍ لِذَلِكَ حَالًّا وَمَآلًا خُولِفَ فِي الْحَالِ لِأَجْلِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَمَتَى زَالَ عَمِلَ الْمُقْتَضَى عَمَلَهُ. وَفِي " الشَّرْحِ " يُلْزِمُهُ قِيمَتُهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِرَهْنِهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، لَكِنْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ (إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ) ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 فَصْلٌ وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا، أَوْ مَحْلُوبًا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَحْلِبَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمَعَارِضِ، وَقِيلَ: إِنْ أَقَرَّ بِبَيْعِهِ، أَوْ غَصْبِهِ، أَوْ جِنَايَتِهِ، وَهُوَ مُوسِرٌ كَإِقْرَارِهِ بِنَسَبٍ مُطْلَقًا، صَحَّ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ رَهْنًا كَالْعِتْقِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ إِقْرَارُهُ مَجَّانًا، وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ. [الرَّهْنُ الْمَرْكُوبُ وَالْمَحْلُوبُ] فَصْلٌ (وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا، أَوْ مَحْلُوبًا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَحْلِبَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرَّهْنَ يَنْقَسِمُ إِلَى حَيَوَانٍ، وَغَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: إِذَا كَانَ مَرْكُوبًا، أَوْ مَحْلُوبًا. فَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَأَحْمَدِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَحْلِبَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ (مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ وَلِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ فَجَازَ، كَمَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَخْذُ مُؤْنَتِهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، لَا يُقَالُ: مِنْ مَنَافِعِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الرَّاهِنَ يُنْفِقُ وَيَنْتَفِعُ؛ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ بِمَا رُوِيَ: إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً، فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَفُهَا. فَجَعَلَ الْمُرْتَهِنَ هُوَ الْمُنْفِقَ فَيَكُونُ هُوَ الْمُنْتَفِعَ، وَقَوْلُهُ: بِنَفَقَتِهِ أَيْ: بِسَبَبِهَا، إِذِ الِانْتِفَاعُ عِوَضُ النَّفَقَةِ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَأَتَّى مِنَ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا الرَّاهِنُ فَإِنْفَاقُهُ، وَانْتِفَاعُهُ لَيْسَا بِسَبَبِ الرُّكُوبِ، وَلَوْ تُرِكَتْ لَذَهَبَتْ مَجَّانًا، وَكَذَا اللَّبَنُ لَوْ تُرِكَ لَفَسَدَ وَبَيْعُهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا مُتَعَذِّرٌ، وَالْحَيَوَانُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ، فَقَدْ يَتَعَذَّرُ مِنَ الْمَالِكِ وَبَيْعُ بَعْضِ الرَّهْنِ فِيهَا قَدْ يُفَوِّتُ الْحَقَّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا أَنْفَقَ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ، فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَنْتَفِعْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ إِنْ فَضَلَ مِنَ اللَّبَنِ شَيْءٌ، وَلَمْ يُمْكِنْ بَقَاؤُهُ إِلَى حُلُولِ الدَّيْنِ فَلَهُ بَيْعُهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَإِلَّا بَاعَهُ الْحَاكِمُ، وَعَنْهُ: لَا يَحْتَسِبُ لَهُ بِمَا أَنْفَقَ، وَلَا يَنْتَفِعُ مِنَ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ لَهُ غُنْمُهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى الرَّهْنِ بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّاهِنِ مَعَ إِمْكَانِهِ فَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَغَيْرِ الرَّهْنِ، وَالْأُولَى أَصَحُّ ويدخل فِي الْمَحْلُوبِ مَا إِذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُرْضِعَةً، فَلَهُ أَنْ يَسْتَرْضِعَهَا بقدر نفقتها، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَمْدَانَ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ مَعَ تَعَذُّرِ النَّفَقَةِ مِنَ الرَّاهِنِ لِغَيْبَةٍ، أَوِ امْتِنَاعٍ، أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ، أَوِ اسْتِئْذَانِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: مَعَ غَيْبَةِ رَبِّهِ، زَادَ ابْنُ حَمْدَانَ، أَوِ امْتِنَاعِهِ. النَّوْعُ الثَّانِي: الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْمَرْكُوبِ، وَالْمَحْلُوبِ كَالْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَيَسْتَخْدِمَهُ بِقَدْرِهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَصْرًا لِلنَّصِّ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى لِفَهْمِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ ذَهَابُ الْمَنْفَعَةِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُسْتَخْدَمُ الْعَبْدُ، وَفِي " الْكَافِي " إِنَّهُ قَدْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ قَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ قَرْضًا لَمْ يَجُزْ، نَصَّ عَلَيْهِ حِذَارًا مِنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً. الْقِسْمُ الثَّانِي: غير ذلك وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَى مُؤْنَةٍ كَالدَّارِ، وَالْمَتَاعِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَهُ، نَعَمْ إِنْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي الِانْتِفَاعِ، وَلَمْ يَكُنِ الدَّيْنُ عَنْ قَرْضٍ جَازَ لِوُجُودِ طِيبِ النَّفْسِ. (وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى الرَّهْنِ) أَيِ الْحَيَوَانِ (بِغَيْرِ إِذَنِ الرَّاهِنِ مَعَ إِمْكَانِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) أَيْ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِعِوَضِهِ كَالصَّدَقَةِ عَلَى مِسْكِينٍ، أَوْ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ حَيْثُ لَمْ يَسْتَأْذِنِ الْمَالِكَ، إِذِ الرُّجُوعُ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَافْتَقَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 مُتَبَرِّعٌ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ اسْتِئْذَانِهِ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنِ الْحَاكِمَ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ، وَفِي نَفَقَةِ الْجِمَالِ إِذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ وَتَرَكَهَا فِي يَدِ الْمُكْتَرِي، وَإِنِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ فَعَمَّرَهَا الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّاهِنِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَصْلٌ وَإِذَا جَنَى الرَّهْنُ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ تَعَلَّقَ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ وَلِسَيِّدِهِ فِدَاؤُهُ بِالْأَقَلِّ   [المبدع في شرح المقنع] إِلَى الْإِذْنِ، وَالرِّضَى كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَاقْتَضَى أَنَّهُ إِذَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْهُ فِي الْإِنْفَاقِ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِيهِ (وَإِنْ عَجَزَ عَنِ اسْتِئْذَانِهِ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنِ الْحَاكِمَ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَرْجِعُ، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِئْذَانِهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِحِرَاسَةِ حَقِّهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَجَزَ عَنِ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُعَاوَضَةٌ فَافْتَقَرَتْ إِلَى رِضَى الْمَالِكِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَنِ اسْتِئْذَانِهِ وَاسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمَالِكِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " إِذَا تَعَذَّرَ رَجَعَ إِنْ أَشْهَدَ بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَ، أَوْ نَفَقَةِ مِثْلِهِ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ، وَفِي نَفَقَةِ الْجِمَالِ إِذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ وَتَرَكَهَا فِي يَدِ الْمُكْتَرِي) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ أَشْبَهَتِ الرَّهْنَ، وَذَكَرَ الْجَمَّالَ عَلَى سَبِيلِ ضَرْبِ الْمِثَالِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ كُلِّ حَيَوَانٍ مُؤَجَّرٍ كَذَلِكَ (وَإِنِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ فَعَمَّرَهَا الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إِذَنِ الرَّاهِنِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ عِمَارَتَهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى الرَّاهِنِ، فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ لِحُرْمَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِقَدْرِ عِمَارَتِهَا وَلَهُ الرُّجُوعُ بِآلَتِهِ فَقَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَبِمَا يَحْفَظُ بِهِ مَالِيَّةَ الدَّارِ وَأَطْلَقَ فِي " النَّوَادِرِ " أَنَّهُ يَرْجِعُ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ عَمَّرَ وَقْفًا بِالْمَعْرُوفِ لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ أَخَذَهُ مِنْ مُغِلِّهِ. [حُكْمُ الرَّهْنِ إِذَا جَنَى جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ] فَصْلٌ (وَإِذَا جَنَى الرَّهْنُ) كَالْعَبْدِ (جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى إِنْسَانٍ، أَوْ مَالِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، أَوْ يَبِيعُهُ فِي الْجِنَايَةِ، أَوْ يُسَلِّمُهُ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ، وَعَنْهُ: إِنِ اخْتَارَ فَدَاءَهُ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأَرْشِ، فَإِنْ فَدَاهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَإِنْ سَلَّمَهُ بَطَلَ الرَّهْنُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقِ الْأَرْشُ قِيمَتَهُ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ وَبَاقِيهِ   [المبدع في شرح المقنع] (تَعَلَّقَ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ) أَيْ: بِرَقَبَةِ الْجَانِي، وَقُدِّمَتْ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ، وَالْمِلْكُ أَقْوَى مِنَ الرَّهْنِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الرَّهْنِ. لَا يُقَالُ: حَقُّ الْمُرْتَهِنِ يُقَدَّمُ أَيْضًا عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ بِعَقْدِهِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّهِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا ثَبَتَ بِعَقْدِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ يَخْتَصُّ بِالْعَيْنِ فَيَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْعَيْنِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا فَكَانَ تَعَلُّقُهُ بِهَا أَخَفَّ وَأَدْنَى (وَلِسَيِّدِهِ فِدَاؤُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ أَقَلَّ، فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ عِوَضٌ عَنِ الْعَبْدِ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ (أَوْ يَبِيعُهُ فِي الْجِنَايَةِ، أَوْ يُسَلِّمُهُ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي قِيمَتِهِ لَا فِي عَيْنِهِ فَيَثْبُتُ التَّخْيِيرُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ (وَعَنْهُ: إِنِ اخْتَارَ فَدَاءَهُ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأَرْشِ) بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا رَغِبَ فِيهِ رَاغِبٌ فَيَشْتَرِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ (فَإِنْ فَدَاهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ قَائِمٌ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، فَلَمْ يَبْطُلِ الرَّهْنُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ، فَإِذَا زَالَ ظَهَرَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ (وَإِنْ سَلَّمَهُ) فِي الْجِنَايَةِ، أَوْ بَاعَهُ (بَطَلَ الرَّهْنُ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْعَبْدِ وَبِالتَّسْلِيمِ اسْتَقَرَّ كَوْنُهُ عِوَضًا عَنْهَا، فَبَطَلَ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ، أَوْ ظَهَرَ مُسْتَحِقًّا لِغَيْرِهِ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقِ الْأَرْشُ قِيمَتَهُ) أَيْ: قِيمَةَ الْعَبْدِ (بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ إِنَّمَا جَازَ ضَرُورَةً، فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَقِّ (وَبَاقِيهِ رَهْنٌ) لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ، لَكِنْ إِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِيعَ كُلُّهُ لِلضَّرُورَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِبَيْعِهِ، وَيَكُونُ بَاقِي ثَمَنِهِ رَهْنًا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْكَافِي " (وَقِيلَ: يُبَاعُ جَمِيعُهُ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْبَعْضِ تَشْقِيصٌ لَهُ، وَهُوَ عَيْبٌ يَنْقُصُ بِهِ الثَّمَنُ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمَالِكِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ لِقَوْلِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 رَهْنٌ، وَقِيلَ: يُبَاعُ جَمِيعُهُ، وَيَكُونُ بَاقِي ثَمَنِهِ رَهْنًا وَإِنِ اخْتَارَ الْمُرْتَهِنُ فِدَاءَهُ فَفَدَاهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ رَجَعَ بِهِ، وَإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقَصَاصِ فَإِنِ اقْتَصَّ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا قِيمَةً تُجْعَلُ   [المبدع في شرح المقنع] - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ، وَلَا إِضْرَارَ» . (وَ) حِينَئِذٍ (يَكُونُ بَاقِي ثَمَنِهِ) بَعْدَ دَفْعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (رَهْنًا) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الرَّهْنِ، وَعِوَضٌ عَنْهُ، فَتَعَلَّقَ بِهِ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمُبْدَلِهِ، وَأَطْلَقَ فِي " الْبُلْغَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ " الْوَجْهَيْنِ كَأَبِي الْخَطَّابِ، فَإِنِ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُرْتَهِنُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِدَائِهِ وَتَسْلِيمِهِ. (وَإِنِ اخْتَارَ الْمُرْتَهِنُ فِدَاءَهُ) فِي كَمْ يَفْدِيهِ (فَفَدَاهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ رَجَعَ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بِإِذْنِ مَالِكِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَيْهِ كَقَضَاءِ دِينِهِ بِإِذْنِهِ (وَإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ مَا إِذَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ وَتَرَكَهُ الْمُؤَلِّفُ لِظُهُورِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَرِّعَ لَا رُجُوعَ لَهُ، لَكِنْ لَوْ زَادَ فِي الْفِدَاءِ عَلَى الْوَاجِبِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، فَلَوْ بَذَلَ الْمُرْتَهِنُ الْفِدَاءَ لِتَكُونَ الْعَيْنُ رَهْنًا عَلَيْهِ، وَعَلَى الدَّيْنِ الْأَوَّلِ. فَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يَمْلِكُ بَيْعَ الرَّهْنِ، وَإِبْطَالَهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ الْجَائِزِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالزِّيَادَةُ فِيهِ قَبْلَ لُزُومِهِ جَائِزَةٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ رَهْنٌ بِدَيْنٍ، فَلَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ بِدَيْنٍ آخَرَ كَغَيْرِهِ. [حُكْمُ الرَّهْنِ إِذَا جَنَى جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقَصَاصِ] (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقَصَاصِ) فَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَالْأَرْشُ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقُّ الْوَثِيقَةِ أَشْبَهَ الْعَبْدَ الْمُسْتَأْجَرَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَيْسَ لَهُ الْقَصَاصُ بِغَيْرِ رِضَى الْمُرْتَهِنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنَ الْوَثِيقَةِ، وَجَوَابُهُ بِإِيجَابِ الْقِيمَةِ تُجْعَلُ رَهْنًا، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنَ الْوَثِيقَةِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ تَرَكَ السَّيِّدُ الْمُطَالِبَةَ، أَوْ أَخَّرَهَا لِغَيْبَةٍ، أَوْ لَهُ عُذْرٌ مِنْهَا فَلِلْمُرْتَهِنِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُوجِبِهَا، كَمَا لَوْ كَانَ الْجَانِي سَيِّدَهُ (فَإِنِ اقْتَصَّ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا قِيمَةً تُجْعَلُ مَكَانَهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا اسْتُحِقَّ بِسَبَبِ إِتْلَافِ الرَّهْنِ، فَغَرِمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ إِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ هُوَ، أَوْ وَرَثَتُهُ، وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ فَمَا قَبَضَ مِنْهُ جُعِلَ مَكَانَهُ، وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنِ الْمَالِ، صَحَّ فِي حَقِّهِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ رُدَّ إِلَى الْجَانِي، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] قِيمَتَهُ، كَمَا لَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ وَإِنَّمَا وَجَبَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ، وَالْوَاجِبُ مِنَ الْمَالِ هُوَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي عَشَرَةً، وَالْجَانِي خَمْسَةً، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلَّا الْخَمْسَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إِلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ، وَفِي الثَّانِيَةِ: لَمْ يَكُنْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقًا إِلَّا بِذَلِكَ الْقَدْرِ. وَفِي " الْمُغْنِي " إِنِ اقْتَصَّ مِنْهُ أُخِذَتْ قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ جَمِيعُ قِيمَةِ الْجَانِي. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهُوَ مُتَّجِهٌ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الرَّهْنِ فَكَانَ كُلُّهُ رَهْنًا، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ صُرِّحَ بِخِلَافِهِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِالْجِنَايَةِ مَالٌ، وَلَا اسْتُحِقَّ بِحَالٍ، وَلَيْسَ عَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي اكْتِسَابِ مَالٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَصَاصُ قَتْلًا، فَإِنْ كَانَ جُرْحًا، أَوْ قَلْعَ سِنٍّ وَنَحْوِهِ فَالْوَاجِبُ بِالْعَفْوِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ الْجِرَاحِ، أَوْ قِيمَةُ الْجَانِي، وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا انْبَنَى عَلَى مُوجَبِ الْعَمْدِ (وَكَذَلِكَ إِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ هُوَ، أَوْ وَرَثَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ كَمَا إِذَا جَنَى عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فَاقْتَصَّ الرَّاهِنُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ مَعْنًى، فَوَجَبَ تَسَاوِيهِمَا حُكْمًا. (وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ) ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ، وَيَجِبُ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، فَلَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا، أَوْ يَأْخُذَ عَنْهَا عَرَضًا لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ أَذِنَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا (فَمَا قَبَضَ مِنْهُ جُعِلَ مَكَانَهُ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهُ فَيُعْطَى حُكْمَهُ (وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنِ الْمَالِ، صَحَّ فِي حَقِّهِ) فَيَسْقُطُ حَقُّهُ. قَالَهُ الْقَاضِي (وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ عَفْوَهُ صَادَفَ حَقًّا لَهُ وَحَقًّا لِغَيْرِهِ، فَصَحَّ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّهِ فَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ مِنَ الْجَانِي تَكُونُ رَهْنًا (فَإِذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ رُدَّ إِلَى الْجَانِي) لِزَوَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْجَارِيَةَ من غير شُبْهَةً فَعَلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَانِعِ وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ الرَّهْنَ مَغْصُوبٌ، أَوْ جَانٍ، فَإِنِ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ مِنَ الْأَرْشِ. فَفِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ الْجَانِي عَلَى الْعَافِي؛ لِأَنَّ مَالَهُ ذَهَبَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ فَلَزِمَتْهُ غَرَامَتُهُ، كَمَا لَوِ اسْتَعَارَهُ فَرَهَنَهُ، وَالثَّانِي: لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْجَانِي مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ، فَإِنَّمَا اسْتَوْفَى بِسَبَبٍ مِنْهُ حَالَ مُلْكِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ جَنَى إِنْسَانٌ عَلَى عَبْدِهِ، ثُمَّ رَهَنَهُ لِغَيْرِهِ فَتَلِفَ بِالْجِنَايَةِ السَّابِقَةِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ الْعَفْوُ) مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ دَيْنَهُ عَنْ غَرِيمِهِ، فَصَحَّ كَسَائِرِ دُيُونِهِ (وَ) تَجِبُ (عَلَيْهِ قِيمَتُهُ) تَكُونُ رَهْنًا لِيَنْجَبِرَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهُوَ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ كَالرَّهْنِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْ ذَلِكَ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ الرَّاهِنَ ولا يضره، وَإِنْ قَالَ: أَسْقَطْتُ الْأَرْشَ، أَوْ أَبْرَأْتُ مِنْهُ لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الرَّاهِنِ وَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. فَرْعٌ: لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ وَكَذَّبَاهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلِلرَّاهِنِ الْأَرْشُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ وَحْدَهُ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْأَرْشِ وَلَهُ قَبْضُهُ، فَإِذَا قَضَى الرَّاهِنُ حَقَّهُ، أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ رَجَعَ الْأَرْشُ إِلَى الْجَانِي، فَإِنِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنَ الْأَرْشِ لَمْ يَمْلِكِ الْجَانِي مُطَالَبَةَ الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ. (وَإِنْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْجَارِيَةَ من غير شُبْهَةً) فَهُوَ حَرَامٌ إِجْمَاعًا (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) أَيْ: إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي إِبَاحَةِ الْوَطْءِ مَعَ أَنَّ وَطْءَ الْمُسْتَأْجَرَةِ يُوجِبُ الْحَدَّ مَعَ مُلْكِهِ لِمَنَافِعِهَا، فَهَذَا أَوْلَى، وَعَنْهُ: لَا حَدَّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ، وَإِنْ وَطِئَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَادَّعَى الْجَهَالَةَ وَكَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا مَهْرَ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ.   [المبدع في شرح المقنع] وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهَا (وَالْمَهْرُ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ الْمَمْلُوكَةَ لِسَيِّدِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ عِوَضُهَا كَأَرْشِ بَكَارَتِهَا، وَظَاهِرُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكْرَهَهَا، أَوْ طَاوَعَتْهُ اعْتَقَدَ الْحِلَّ أَوْ لَا، أَوِ ادَّعَى شُبْهَةً، أَوْ لَمْ يَدَّعِهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقٌّ آدَمِيٌّ، فَلَا يَسْقُطُ بِالشُّبَهَاتِ (وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ. (وَإِنْ وَطِئَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَادَّعَى الْجَهَالَةَ) بِالتَّحْرِيمِ (وَكَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ) كَالنَّاشِئِ بِبَادِيَةٍ، أَوْ حَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا (وَلَا مَهْرَ) ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِسَبَبِ الْوَطْءِ، وَقَدْ أَذِنَ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا بِإِذْنِهِ، وَلِأَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، فَلَمْ يَجِبْ عِوَضُهَا كَالْحُرَّةِ الْمُطَاوِعَةِ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا مُعْتَقَدًا إِبَاحَةَ وَطْئِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا يَظُنُّهَا أَمَتَهُ (لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) بِخِلَافِ الْمَغْرُورِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَنْ وَطْءٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ كَالْمَهْرِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَسْقُطُ قِيمَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَحَالَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ مَالِكِهِ بِاعْتِقَادِهِ فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ كَالْمَغْرُورِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالْوَلَدِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ الْإِذْنَ صَرِيحٌ فِي الْوَطْءِ الْمُوجِبِ لِلْمَهْرِ فَأَسْقَطَهُ بِخِلَافِ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الْإِذْنَ فِي الْوَطْءِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْإِحْبَالِ، فَلَمْ يُسْقِطْهُ. قَالَ فِي " النِّهَايَةِ ": وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْوَطْءِ إِذْنٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ كَالْمَهْرِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَعَ الْإِذْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مِثْلُهُ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ كَالنَّاشِئِ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَدَعْوَاهُ الْجَهْلَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَيَكُونُ وَلَدُهُ رَقِيقًا. مَسْأَلَةٌ: لَهُ بَيْعُ مَا جَهِلَ رَبَّهُ إِنْ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَرَفَهُمْ خَيَّرَهُمْ بَيْنَ الْأَجْرِ وَيُغْرَمُ لَهُمْ، وَفِي إِذْنِ حَاكِمٍ فِي بَيْعِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَأَخْذِ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهِ مَعَ عَدَمِهِ رِوَايَتَانِ، كَشِرَاءِ وَكِيلٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 بَابُ الضَّمَانِ وَهُوَ ضَمُّ ذِمَّةِ الضَّامِنِ إِلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي الْتِزَامِ الْحَقِّ. وَلِصَاحِبِ   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ الضَّمَانِ] [تَعْرِيفُ الضمان وَحُكْمُهُ] وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] ، وَالزَّعِيمُ الْكَفِيلُ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: ضَمِينٌ وَكَفِيلٌ وَقَبِيلٌ وَحَمِيلٌ وَصَبِيرٌ وَهِيَ بِمَعْنًى. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. (وَهُوَ ضَمُّ ذِمَّةِ الضَّامِنِ إِلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي الْتِزَامِ الْحَقِّ) ، فَعَلَى هَذَا الضَّمَانُ مُشْتَقٌّ مِنَ الضَّمِّ، وَرُدَّ بِأَنَّ لَامَ الْكَلِمَةِ فِي الضَّمِّ مِيمٌ، وَفِي الضَّمَانِ نُونٌ، وَشَرْطُ صِحَّةِ الِاشْتِقَاقِ تَوَافُقُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْحُرُوفِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنَ الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّضَمُّنِ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الضَّامِنِ تَتَضَمَّنُ الْحَقَّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الضِّمْنِ، فَذِمَّةُ الضَّامِنِ فِي ضِمْنِ ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاشْتِقَاقِ وَعَرَّفَهُ الْمَجْدُ بِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْإِنْسَانِ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنَ الْمَدْيُونِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ كُلِّ مَنْ لَمْ يَصِحَّ تَبَرُّعُهُ فِيهِ، وَلَا جَامِعَ لِخُرُوجِ ضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ، وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ وَدَيْنِ الْمَيِّتِ إِنْ بَرِئَ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَفِي " الْوَجِيزِ " الْتِزَامُ الرَّشِيدِ مَضْمُونًا فِي يَدِ غَيْرِهِ، أَوْ ذِمَّتِهِ حَالًّا، أَوْ مَآلًا عَلَى وَجْهٍ يَؤُولُ إِلَى اللُّزُومِ، وَهُوَ أَشْمَلُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ. وَفِي " الْفُرُوعِ "، وَهُوَ الْتِزَامُ مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ مَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ بَقَائِهِ، وَقَدْ لَا يَبْقَى، وَهُوَ دَيْنُ الْمَيِّتِ، وَمَا قَدْ يَجِبُ. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ فِي الضَّمَانِ مِنْ ضَامِنٍ، وَمَضْمُونٍ عَنْهُ، وَلَهُ وَيَصِحُّ بِالْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ لَا بِقَوْلِهِ: أُؤَدِّي إِلَيْكَ، أَوْ أُحْضِرُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": بَلْ بِالْتِزَامِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فِي الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ، فَإِنْ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بَرِئَ الضَّامِنُ، وَإِنْ بَرِئَ الضَّامِنُ، أَوْ أَقَرَّ بِبَرَاءَتِهِ لَمْ يَبْرَأِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ وَلَوْ   [المبدع في شرح المقنع] قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يصح بِكُلِّ لَفْظٍ فُهِمَ مِنْهُ الضَّمَانُ عُرْفًا. [لِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ عَنْهُ] (وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فِي الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ) أَيْ: لَا يَبْرَأُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ بِنَفْسِ الضَّمَانِ، كَمَا يَبْرَأُ الْمُحِيلُ، بَلْ يَثْبُتُ الْحَقُّ فِي ذِمَّتِهِمَا لِمَنْعِهِ الزَّكَاةَ عَلَيْهِمَا، وَصِحَّةِ هِبَتِهِ لَهُمَا، وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ قَالَ: الْتَزَمْتُ وَتَكَفَّلْتُ بِالْمُطَالَبَةِ دُونَ أَصْلِ الدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ وِفَاقًا. وَفِي " الِانْتِصَارِ " لَا ذِمَّةَ ضَامِنٍ؛ لِأَنَّ شَيْئًا وَاحِدًا لَا يَشْغَلُ مَحَلَّيْنِ وَرَدَ بِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِمَحَلَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِيثَاقِ كَتَعَلُّقِ دَيْنِ الرَّهْنِ بِهِ وَبِذِمَّةِ الرَّاهِنِ كَذَا هُنَا، فَعَلَى هَذَا لِرَبِّهِ مُطَالَبَتُهُمَا مَعًا وَأَحَدُهُمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ، وَالْمَذْهَبُ حَيَاةً وَمَوْتًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» . وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «الْآنَ قَدْ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ» . قَالَ أَحْمَدُ: يَأْخُذُ مَنْ شَاءَ بِحَقِّهِ. (فَإِنْ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ) بِإِبْرَاءٍ، أَوْ قَضَاءٍ، أَوْ حَوَالَةٍ (بَرِئَ الضَّامِنُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَالضَّمَانُ وَثِيقَةٌ، فَإِذَا بَرِئَ الْأَصْلُ زَالَتِ الْوَثِيقَةُ كَالرَّهْنِ (وَإِنْ بَرِئَ الضَّامِنُ، أَوْ أَقَرَّ بِبَرَاءَتِهِ لَمْ يَبْرَأِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ، فَلَا يَبْرَأُ بِبَرَاءَةِ التَّبَعِ، وَهَذَا إِذَا انْفَرَدَ الضَّامِنُ، فَلَوْ تَعَدَّدَ، صَحَّ، سَوَاءٌ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمِيعَ الدَّيْنِ، أَوْ جُزْءًا مِنْهُ، وَلَمْ يَبْرَأْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِإِبْرَاءِ الْآخَرِ، لَكِنْ لَوْ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْجَمِيعَ بَرِئَ الْكُلُّ بِأَدَاءِ أَحَدِهِمْ، وَبَرِئُوا بِإِبْرَاءِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَإِنْ ضَمِنَ أَحَدُ الضَّامِنِينَ الْآخَرَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ بِضَمَانِهِ الْأَصْلَ فَهُوَ أَصْلٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ فَرْعًا بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهَا بِبَدَنِهِ لَا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ، فَلَوْ سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا بَرِئَ وَبَرِئَ كَفِيلُهُ بِهِ لَا مِنْ إِحْضَارِ مَكْفُولٍ بِهِ (وَلَوْ ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا فَأَسْلَمَ الْمَضْمُونُ لَهُ، أَوِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ بَرِئَ هُوَ وَالضَّامِنُ مَعًا) إِذَا أَسْلَمَ الْمَضْمُونُ لَهُ بَرِئَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ ذَمِّيٍّ خَمْرًا فَأَسْلَمَ الْمَضْمُونَ لَهُ أَوِ الْمَضْمُونَ عَنْهُ بَرِئَ هُوَ وَالضَّامِنُ مَعًا. وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ، وَلَا يَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] مَالِيَّةَ الْخَمْرِ بَطَلَتْ فِي حَقِّهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ والضَّامِنَ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ وَيَبْرَآنِ بِإِسْلَامِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا، وَلَا يَجُوزُ وُجُوبُ خَمْرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَالضَّامِنُ فَرْعُهُ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا أَنَّهُمَا لَا يَبْرَآنِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ يَمْلِكُ الْخَمْرَ، فَلَا يَسْقُطُ، كَمَا لَوْ أَعَارَهُ عَبْدًا فَرَهَنَهُ عَلَى خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُسْتَعِيرُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَكُّ الرَّهْنِ، وَحِينَئِذٍ لَهُ قِيمَتُهَا، وَقِيلَ: أَوْ يُوَكِّلُ ذِمِّيًّا يَشْتَرِيهَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِإِسْلَامِ الضَّامِنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَحْدَهُ. [لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ] (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) أَيْ: مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ إِيجَابُ مَالٍ بِعَقْدٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَخُوفًا فَمِنْ ثُلْثِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَالْأَخْرَسِ إِنْ فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ، صَحَّ ضَمَانُهُ (وَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ) غَيْرِ مُمَيِّزٍ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا الْمُمَيِّزُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَخَرَّجَ أَصْحَابُنَا صِحَّتَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ إِقْرَارِهِ وَتَصَرُّفِهِ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ (وَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ، وَلَا سَفِيهٍ) لِعَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِمَا. وَقِيلَ: يَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ صَحِيحٌ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ كَذَا ضمانه، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لِفَلْسٍ يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَهُ مِنْ مَالِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ، ذَكَرَهَا فِي " التَّبْصِرَةِ ". قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيُتَوَجَّهُ عَلَيْهَا عَدَمُ تَصَرُّفِهِ فِي ذِمَّتِهِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ، وَأَنْكَرَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ قُدِّمَ قَوْلُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 مِنْ مَجْنُونٍ، وَلَا سَفِيهٍ، وَلَا مِنْ عَبْدٍ بِغَيْرِ إِذَنْ سَيِّدِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيُتْبَعَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، صَحَّ، وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِرِضَى الضَّامِنِ، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمَضْمُونِ لَهُ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] وَذَكَرَهُ الْقَاضِي قِيَاسَ قَوْلِ أَحْمَدَ، لِأَنَّ مَعَهُ سَلَامَةَ الْعَقْدِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ الضَّامِنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُلُوغِ وَعَدَمُ وُجُوبِ الْحَقِّ، وَالْحُكْمُ فِيمَنْ عُرِفَ لَهُ حَالُ جُنُونٍ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ حَالُ جُنُونٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْمُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَلَا مِنْ عَبْدٍ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عقد تضمن إِيجَابُ مَالٍ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ كَالنِّكَاحِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ لَا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْتِزَامِ مَالٍ، أَشْبَهَ نَذْرَ الصَّدَقَةِ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ، فَصَحَّ مِنْهُ، وَلَزِمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْإِقْرَارِ بِالْإِتْلَافِ (وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ لَصَحَّ، فَكَذَا هُنَا، لَكِنْ فِي الْمُكَاتَبِ وَجْهٌ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى إِلَى تَفْوِيتِ الْحُرِّيَّةِ (وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ كَاسْتِدَانَتِهِ بِإِذْنِهِ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَعَلُّقُ الْمَالِ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الضَّمَانِ، لِيَكُونَ الْقَضَاءُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ، صَحَّ، وَيَكُونُ مَا فِي ذِمَّتِهِ مُتَعَلِّقًا بِالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِ الْعَبْدِ كَتَعَلُّقٍ حَقِّ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْجَانِي، كَمَا لَوْ قَالَ لِحُرٍّ: ضَمِنْتُ لَكَ هَذَا الدَّيْنَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِي هَذَا، صَحَّ. (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِرِضَى الضَّامِنِ) ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ حَقٍّ فَاعْتُبِرَ رِضَاهُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي يَلْزَمُ الْعَاقِدَ مِنْهَا حُقٌّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُكْرَهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَا مَعْرِفَةُ الضَّامِنِ لَهُمَا، وَلَا كَوْنُ الْحَقِّ مَعْلُومًا، وَلَا وَاجِبًا إِذَا كَانَ مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ مَا عَلَى فُلَانٍ، أَوْ مَا تُدَايِنُهُ بِهِ، صَحَّ.   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَالٍ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ رِضَى الْمُلْتَزِمِ كَالنَّذْرِ (وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمَضْمُونَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ ضَمِنَ مِنْ غَيْرِ رِضَى الْمَضْمُونِ لَهُ وَأَقَرَّهُ الشَّارِعُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا قَبْضٌ كَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ، أَشْبَهَ ضَمَانَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ دَيْنَ الْمَيِّتِ (وَلَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَضَى الدَّيْنَ عَنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَرِضَاهُ، صَحَّ، فَكَذَا إِذَا ضَمِنَ عَنْهُ (وَلَا مَعْرِفَةُ الضَّامِنِ لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا، فَكَذَا مَعْرِفَتُهُمَا. وَقَالَ الْقَاضِي: تُعْتَبَرُ مَعْرِفَتُهُمَا لِيُعْلَمَ هَلِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ أَهْلٌ لِاصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ إِلَيْهِ أَمْ لَا؛ وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَنْ يُتَبَرَّعُ عَنْهُ، وَالْمَضْمُونُ لَهُ فَيُؤَدَّى إِلَيْهِ، وَذَكَرَ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ الْمَضْمُونِ لَهُ فَقَطْ، وَجَوَابُهُ الْخَبَرُ (وَلَا) يُعْتَبَرُ (كَوْنُ الْحَقِّ مَعْلُومًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ مَعَ أَنَّهُ الْتِزَامُ حَقٍّ فِي الذِّمَّةِ من غير مُعَاوَضَةً، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ كَالْإِقْرَارِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِغَرَرٍ وَخَطَرٍ، وَهُوَ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ وَإِذَا قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ، وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، فَيَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ كَالْعَتَاقِ، وَالطَّلَاقِ، وَفِيَّ ضَمَانِ بَعْضِ الدَّيْنِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ (وَلَا وَاجِبًا إِذَا كَانَ مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ) بَلْ يَصِحُّ ضَمَانٌ مَا لَمْ يَجِبْ، إِذِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ دَلَّتْ عَلَى ضَمَانِ حِمْلِ بَعِيرٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ. لَا يُقَالُ الضَّمَانُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ شَيْءٌ، فَلَا ضَمَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمَّ ذِمَّتَهُ إِلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ مَا يَثْبُتُ فِيهَا، وَهَذَا كَافٍ وَلَهُ إِبْطَالُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَلَا مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ لَا يُوجَدُ فِيهِ ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ مُطْلَقًا (وَلَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ مَا عَلَى فُلَانٍ) مِثَالُ الْمَجْهُولِ. وَمِثْلُهُ مَا نَقَلَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَا ضَامِنٌ لَكَ مَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ مَا يُقِرُّ بِهِ لَكَ، أَوْ مَا يقضى بِهِ عَلَيْهِ (أَوْ مَا تُدَايِنُهُ بِهِ، صَحَّ) أَيْ: مَا تُعْطِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 وَيَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الضَّامِنِ وَدَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ، وَغَيْرِهِ، وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنْ قَالَ: أَنَا وَرُكْبَانُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ وَأَطْلَقَ، ضَمِنَ وَحْدَهُ بِالْحِصَّةِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهَانِ بِهَا، أَوِ الْجَمِيعُ، وَإِنْ رَضُوا لَزِمَهُمْ، وَيُتَوَجَّهُ الْوَجْهَانِ، وَإِنْ قَالُوا: ضَمِنَّاهُ لَكَ فَبِالْحِصَّةِ، وَإِنْ قَالَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا ضَامِنُهُ لَكَ فَالْجَمِيعُ. تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ ضَمَانُ السُّوقِ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ مَا يَلْزَمُ التَّاجِرَ مِنْ دَيْنٍ، وَمَا يَقْبِضُهُ مِنْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ، وَالشَّهَادَةُ بِهِ لِمَنْ يَرَى جَوَازَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ: وَيَصِحُّ ضَمَانُ حَارِسٍ وَنَحْوِهِ وَتُجَّارِ حَرْبٍ مَا يَذْهَبُ مِنَ الْبَلد، أَوِ الْبَحْرِ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ. [صِحَّةُ ضَمَانِ دَيْنِ الضَّامِنِ] (وَيَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الضَّامِنِ) نَحْوُ أَنْ يَضْمَنَ ضَامِنٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَازِمٌ فِي ذِمَّتِهِ، فَصَحَّ ضمانه كَسَائِرِ الدُّيُونِ، فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ الْحَقُّ فِي ذِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَيُّهُمْ قَضَاهُ بَرِئَتْ ذِمَمُهُمْ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ، فَإِذَا سَقَطَ لَمْ يَجِبْ مَرَّةً أُخْرَى فَيَبْرَأُ الثَّانِي بِإِبْرَاءِ الْأَوَّلِ، وَلَا عَكْسَ، وَإِنْ قَضَى الدَّيْنَ الضَّامِنُ الْأَوَّلُ رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَإِنْ قَضَاهُ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَجَعَ الْأَوَّلُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ إِذَا كَانَ وَاحِدٌ أَذِنَ، وَإِلَّا فَفِي الرُّجُوعِ لَهُ رِوَايَتَانِ، فَلَوْ ضَمِنَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ الضَّامِنَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَقْتَضِي الْتِزَامَهُ الْحَقَّ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْحَقُّ لَازِمٌ لَهُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْتِزَامُهُ ثَانِيًا، وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ، فَلَا يَصِيرُ فَرْعًا، لَكِنْ لَوْ ضَمِنَهُ فِي غَيْرِ الدَّيْنِ جَازَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ بِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ (وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ، وَغَيْرِهِ) ، فَصَحَّ الضَّمَانُ عَنْ كُلِّ غَرِيمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ حَيًّا كَانَ، أَوْ مَيِّتًا، مَلِيئًا أَوْ مُفْلِسًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ ضَمِنَ دَيْنَ الْمَيِّتِ وَقَيَّدَ الْمَيِّتَ بِالْمُفْلِسِ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ يَمْنَعُ صِحَّةَ ذَلِكَ (وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ) أَيْ: ذِمَّةُ الْمَيِّتِ (قَبْلَ الْقَضَاءِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» . «وَلَمَّا أَخْبَرَ أَبُو قَتَادَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَفَاءِ الدِّينَارَيْنِ فَقَالَ: الْآنَ بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بَدَيْنٍ، فَلَمْ يَسْقُطْ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَالرَّهْنِ، وَالثَّانِيَةُ: وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَيَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ عَنِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي وَعَنِ الْمُشْتَرِي   [المبدع في شرح المقنع] الضَّمَانِ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ فَلَمَّا وضعت، قَالَ: " هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ مِنْ دَيْنٍ "؟ قَالُوا: دِرْهَمَانِ فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. فَقَالَ عَلِيٌّ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا لَهُمَا ضَامِنٌ فَقَامَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا، وَفَكَّ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. (وَيَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ عَنِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي) ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ شَخْصٌ عَنِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ إِذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا، أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ (وَعَنِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ) ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ الثَّمَنَ الْوَاجِبَ بِالْبَيْعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، أَوْ إِنْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ، أَوِ اسْتُحِقَّ فَضَمَانُ الْعُهْدَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ضَمَانُ الثَّمَنِ، أَوْ بَعْضُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَنِ الْجَمَاهِيرِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى الْوَثِيقَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الشَّهَادَةُ، وَالرَّهْنُ، وَالضَّمَانُ، فَالْأُولَى لَا يُسْتَوْفَى مِنْهَا الْحَقُّ، وَالثَّانِيَةُ يَبْقَى مَرْهُونًا إِلَى أَنْ يُؤَدِّيَ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَامْتَنَعَتِ الْمُعَامَلَاتُ مَعَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ رَافِعٌ لِأَصْلِ الْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَ الْبَيْعُ مِنْ أَجْلِهَا وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَرِدُ بِهِ الشَّرْعُ، وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ عَنِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَبَعْدَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ قَبْلَ الْقَبْضِ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ إِذَا كَانَ مُفْضِيًا إِلَى الْوُجُوبِ كَالْجَعَالَةِ، وَأَلْفَاظُهُ: ضَمِنْتُ عُهْدَتَهُ، أَوْ ثَمَنَهُ، أَوْ دَرْكَهُ، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: ضَمِنْتُ خَلَاصَكَ مِنْهُ، أَوْ ثَمَنَهُ، فَلَوْ ضَمِنَ لَهُ خَلَاصَ الْمَبِيعِ. فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَحِلُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ حُرًّا، أَوْ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَسْتَطِعْ خَلَاصَهُ، وَفِي دُخُولِ نَقْضِ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي فِي ضَمَانِهَا وَرُجُوعِهِ بِالدَّرَكِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَقِيَامِ بَيِّنَةٍ بِبُطْلَانِهِ -وَجْهَانِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ ضَمَانِ دَرَكِهِ إِلَّا مِنْ زَيْدٍ، ثُمَّ ضَمِنَ دَرَكَهُ مِنْهُ أَيْضًا لَمْ يَعُدْ صَحِيحًا، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 لِلْبَائِعِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْكِتَابَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْأَمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا إِلَّا أَنْ يَضْمَنَ التَّعَدِّيَ فِيهَا، فَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ كَالْغُصُوبِ،   [المبدع في شرح المقنع] مَسْأَلَةٌ: يَصِحُّ ضَمَانُ نَقْصِ صَنْجَةٍ وَيَرْجِعُ بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ (وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْكِتَابَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَلَا مَآلُهُ إِلَى اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ، وَالِامْتِنَاعُ مِنَ الْأَدَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمِ الْأَصْلَ فَالْفَرْعُ أَوْلَى، وَالثَّانِيَةُ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَصَحَّ ضمانه كَبَقِيَّةِ الدُّيُونِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَعَلَى الْأُولَى لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَهُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ، وَخَصَّهَا الْقَاضِي بِالْحُرِّ لِسِعَةِ تَصَرُّفِهِ. [عَدَمُ صِحَّةِ ضَمَانِ الْأَمَانَاتِ] (وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْأَمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا) كَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَالشَّرِكَةِ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، فَكَذَا عَلَى ضَامِنِهِ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِحْضَارُهَا، وَإِنَّمَا عَلَى الْمَالِكِ أَنْ يَقْصِدَ الْمَوْضِعَ فَيَقْبِضَهَا (إِلَّا أَنْ يَضْمَنَ التَّعَدِّيَ فِيهَا) ، فَيَصِحَّ ضَمَانُهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ أَشْبَهَتِ الْغُصُوبَ، وَعَنْهُ: صِحَّةُ ضَمَانِهَا مُطْلَقًا وَحَمَلَهَا الْأَصْحَابُ عَلَى تَعَدِّيهِ لِتَصْرِيحِهِ بِهِ (وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ كَالْغُصُوبِ، وَالْعُوَارِي، وَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ) مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ (فَيَصِحُّ ضَمَانُهَا) جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ كَالْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ، وَعَنْهُ: لَا؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي الذِّمَّةِ، وَالضَّمَانُ لَمَّا يَثْبُتْ فِيهَا، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا عِنْدَ التَّلَفِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ ضَمَانُ اسْتِنْقَاذِهَا، وَرَدِّهَا أَوْ قِيمَتِهَا عِنْدَ تَلَفِهَا فَهِيَ كَعُهْدَةِ الْمَبِيعِ، فَالْمَقْبُوضُ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ بِأَنْ سَاوَمَهُ وَقَطَعَ ثَمَنَهُ، أَوْ سَاوَمَهُ فَقَطْ لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ إِنْ رَضُوهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ. فُرُوعٌ: يَصِحُّ ضَمَانُ الْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ، وَالْمُسَابَقَةِ، وَالْمُفَاضَلَةِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ نَقْدًا كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، أَوْ حَيَوَانًا كَالدِّيَاتِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجِ سَوَاءٌ كَانَتْ يَوْمَهَا، أَوْ مُسْتَقْبَلَةً؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْيَوْمِ وَاجِبَةٌ، وَالْمُسْتَقْبَلَةَ مَآلُهَا إِلَى اللُّزُومِ وَيَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا ضَمِنَ النَّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَزِمَهُ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 وَالْعَوَارِي وَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ، فَيَصِحُّ ضَمَانُهَا وَإِنْ قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَكَانَ الضَّمَانُ وَالْقَضَاءُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَهَلْ يَرْجِعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا فَلَهُ الرُّجُوعُ بِأَقَلِّ   [المبدع في شرح المقنع] تَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ، فَأَمَّا الْمَاضِيَةُ، فَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً، صَحَّ ضَمَانُهَا، وَإِلَّا فَلَا. مَسْأَلَةٌ: لِلضَّامِنِ مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِتَخْلِيصِهِ فِي الْأَصَحِّ إِذَا طُولِبَ، وَقِيلَ: أَوْلَى إِذَا ضَمِنَهُ بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ. (وَإِنْ قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ) ، أَوْ أَحَالَ بِهِ (مُتَبَرِّعًا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) ، لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِذَلِكَ، أَشْبَهَ الصَّدَقَةَ وَسَوَاءٌ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ، أَوْ لَا (وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ) ، وَقِيلَ: أَوْ أَطْلَقَ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ مَنْصُورٍ (وَكَانَ الضَّمَانُ، وَالْقَضَاءُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَهَلْ يَرْجِعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: وَهِيَ الْمَذْهَبُ يَرْجِعُ بِهِ، لِأَنَّهُ قَضَاءٌ مُبَرِّئٌ مِنْ دَيْنٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَالْحَاكِمِ إِذَا قَضَاهُ عَنْهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا رُجُوعَ، لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَلَوِ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ لَاسْتَحَقَّهُ أَبُو قَتَادَةَ، وَلَوِ اسْتَحَقَّهُ صَارَ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ وَكَمَا لَوْ عَلَفَ دَابَّتَهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ. وَأَجَابَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالضَّمَانِ وَالْقَضَاءِ قَصْدًا لِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ لِيُصَلِّيَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا ضَمِنَ بِأَمْرِهِ وَقَضَى بِأَمْرِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": سَوَاءٌ قَالَ اضْمَنْ عَنِّي وَأَدِّ عَنِّي، أَوْ أَطْلَقَ، لِأَنَّهُ ضَمِنَ وَدَفَعَ بِأَمْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مُخَالِطًا لَهُ. فَرْعٌ: حُكْمُ مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا وَاجِبًا كَذَلِكَ فِي الرُّجُوعِ إِلَّا فِيمَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ كَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا (وَإِنْ أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا) وَهِيَ صُورَتَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضْمَنَ بِأَمْرِهِ وَيَقْضِيَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ، لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ بِإِذْنِهِ تَضَمَّنَ ذَلِكَ الْقَضَاءَ، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ صَرِيحًا، وَالثَّانِيَةُ: عَكْسُهَا، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَيُؤَدِّيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 الْأَمْرَيْنِ مِمَّا قَضَى، أَوْ قُدِّرَ الدَّيْنُ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَضْمُونُ لَهُ الْقَضَاءَ وَحَلِفَ لَمْ يَرْجِعِ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، سَوَاءٌ صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِالْقَضَاءِ،   [المبدع في شرح المقنع] بِأَمْرِهِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا، وَعَنْهُ: لَا رُجُوعَ فِيهِمَا، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَظْهَرُ فِيهَا كَذَبْحِ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ بِلَا إِذْنِهِ فِي مَنْعِ الضَّمَانِ وَالرُّجُوعِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا إِبْرَاءٌ لِتَحْصِيلِهِ الْإِجْزَاءَ بِالذَّبْحِ وَحَيْثُ قِيلَ بِهِ (فَلَهُ الرُّجُوعُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا قَضَى، أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ) ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الدَّيْنَ لِزَائِدٍ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ أَقَلَّ إِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ غَرِيمُهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، فَإِنْ دَفَعَ عَنِ الدَّيْنِ عَرَضًا رَجَعَ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ. فَرْعٌ: لَوْ تَغَيَّبَ مَضْمُونٌ عَنْهُ قَادِرٌ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَطْلَقَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَأُمْسِكَ الضَّامِنُ وَغَرِمَ شَيْئًا بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَأَنْفَقَهُ فِي حَبْسٍ، رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ عَلَى رَجُلَيْنِ مِائَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا وَهُمَا مُتَضَامِنَانِ، فَضَمِنَ آخَرُ عَنْ أَحَدِهِمَا الْمِائَةَ بِأَمْرِهِ وَقَضَاهَا سَقَطَ الْحَقُّ عَنِ الْجَمِيعِ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الَّذِي ضَمِنَ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ عَنْهُ، وَلَا أُذِنَ لَهُ فِي الْقَضَاءِ، فَإِذَا رَجَعَ عَلَى الَّذِي ضَمِنَ عَنْهُ رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِهَا إِنْ كَانَ ضَمِنَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ، لِأَنَّهُ ضَمِنَهَا عَنْهُ بِإِذْنِهِ وَقَضَاهَا ضَامِنُهُ، وَالثَّانِيَةُ: لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ بِالْمِائَةِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لَهُ عَلَى مَنْ أَدَّاهَا عَنْهُ فَمَلَكَ الرُّجُوعَ بِهَا عَلَيْهِ كَالْأَصِيلِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". (وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَضْمُونُ لَهُ الْقَضَاءَ) أَيْ: إِذَا ادَّعَى الضَّامِنُ أَنَّهُ قَضَى الدَّيْنَ، وَأَنْكَرَ الْمَضْمُونُ لَهُ، وَلَا بَيِّنَةَ (وَحَلَفَ، لَمْ يَرْجِعِ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ) ، لِأَنَّهُ مَا أَذِنَ لِلضَّامِنِ إِلَّا فِي قَضَاءٍ مُبَرِّئٍ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَحِينَئِذٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْمُونِ لَهُ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَهُ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ، وَالْأَصِيلِ (سَوَاءٌ صَدَّقَهُ) الْمَضْمُونُ عَنْهُ (أَوْ كَذَّبَهُ) ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الرُّجُوعِ تَفْرِيطُ الضَّامِنِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَضَى بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّصْدِيقِ، وَالتَّكْذِيبِ، ثُمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 وَأَنْكَرَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ لَمْ يُسْمَعْ إِنْكَارُهُ، وَإِنْ قَضَى الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ أَجَلِهِ لَمْ يَرْجِعْ   [المبدع في شرح المقنع] اعْلَمْ: إِنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ حَاضِرَةٍ فَوَاضِحٌ، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً، أَوْ غَائِبَةً وَصَدَّقَهُ، لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ أَنَّهُ مَا قَضَى، وَلَا فَرَّطَ، وَإِنْ كَانَتْ مَرْدُودَةً بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كَالْكُفْرِ، وَالْفِسْقِ الظَّاهِرِ لَمْ يَرْجِعِ الضَّامِنُ مُطْلَقًا لِتَفْرِيطِهِ، فَإِنْ رُدَّتْ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ كَالْفِسْقِ الْبَاطِنِ، أَوْ لِكَوْنِ الشَّهَادَةِ مُخْتَلَفًا فِيهَا كَشَهَادَةِ الْعَبِيدِ فَاحْتِمَالَانِ، وَكَذَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَدَعْوَاهُ مَوْتُهُمْ، وَأَنْكَرَ الْإِشْهَادَ، وَإِنْ قَضَاهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ بِحَضْرَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَرِّطُ، وَالثَّانِي: لَا كَغَيْبَتِهِ. فَرْعٌ: إِذَا رَجَعَ الْمَضْمُونُ لَهُ عَلَى الضَّامِنِ فَاسْتَوْفَى مِنْهُ مَرَّةً ثَانِيَةً رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمَا قَضَاهُ ثَانِيًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِهِ ظَاهِرًا. وَرَجَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، قال القاضي: وَفِيهِ احْتِمَالٌ: يَرْجِعُ بِالْأَوَّلِ لِلْبَرَاءَةِ مِنْهُ بَاطِنًا. (وَإِنِ اعْتَرَفَ) الْمَضْمُونُ لَهُ (بِالْقَضَاءِ، وَأَنْكَرَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ لَمْ يُسْمَعْ إِنْكَارُهُ) ، لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ حَقٌّ لِلْمَضْمُونِ لَهُ، فَإِذَا اعْتَرَفَ بِالْقَبْضِ مِنَ الضَّامِنِ، فَقَدِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَهُ صَارَ لِلضَّامِنِ، فَيَجِبُ أَنْ يَقْبَلَ إِقْرَارَهُ لِكَوْنِهِ إِقْرَارًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا، لِأَنَّ الضَّامِنَ مُدَّعٍ لِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الرُّجُوعَ عَلَى الْمَدْيُونِ، وَقَوْلُ الْمَضْمُونِ لَهُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، فَلَا يُقْبَلُ، وَأُجِيبَ بِالْتِزَامِهِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ لِلضَّامِنِ: بَرِئْتَ إِلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ، وَقِيلَ: أَوْ لَمْ يَقُلْ إِلَيَّ، فَهُوَ مُقِرٌّ بِقَبْضِهِ لَا أَبْرَأْتُكَ، فَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُكَ الْحَقَّ تَمْلِيكٌ لَهُ، فَيَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ، وَقِيلَ: إِبْرَاءٌ، فَلَا. (وَإِنْ قَضَى) الضَّامِنُ الدَّيْنَ (الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ أَجَلِهِ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَحِلَّ) ، لِأَنَّهُ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 حَتَّى يَحِلَّ، وَإِنْ مَاتَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، أَوِ الضَّامِنُ فَهَلْ يَحِلُّ الدَّيْنُ عَلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَيُّهُمَا حَلَّ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ. وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ حَالًّا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ أَجَلِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] يَجِبُ لَهُ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ لِلْغَرِيمِ، وَلِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالتَّعْجِيلِ، فَلَمْ يَرْجِعْ قَبْلَ الْأَجَلِ، كَمَا لَوْ قَضَاهُ أَكْثَرَ مِنَ الدَّيْنِ، وَالْحَوَالَةِ بِهِ لِيَقْبِضَهُ، سَوَاءٌ قَبَضَ الْغَرِيمُ مِنَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاسْتِيفَاءُ (وَإِنْ مَاتَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، أَوِ الضَّامِنُ فَهَلْ يَحِلُّ الدَّيْنُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَشْهُرُهُمَا لَا يَحِلُّ، لِأَنَّ التَّأْجِيلَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمَيِّتِ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ بِشَرْطِهِ. قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ "، وَالثَّانِيَةُ: يَحِلُّ، لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ خَرِبَتْ بِهِ، فَلَوْ لَمْ يَحِلَّ لَأَدَّى إِلَى ضَيَاعِ حَقِّهِ (وَأَيُّهُمَا حَلَّ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ) أَيْ: إِذَا مَاتَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ وَقُلْنَا: يَحِلُّ بِمَوْتِهِ لَمْ يَحِلَّ عَلَى الضَّامِنِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِمَوْتِ غَيْرِهِ بَلْ يَبْقَى حَالًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَصْلِ مُؤَجَّلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَرْعِ، وَكَذَا إِذَا مَاتَ الضَّامِنُ، لَكِنْ إِذَا اسْتَوْفَى الْغَرِيمُ مِنْ تَرِكَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ حَتَّى يَحِلَّ الْحَقُّ، لِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ قَبْلَ أَجْلِهِ. [صِحَّةُ ضَمَانِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا] (وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا) ، نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّهُ ضَمِنَ مَالًا بِعَقْدٍ مُؤَجَّلٍ فَكَانَ مُؤَجَّلًا كَالْبَيْعِ، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ حَالًّا عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ لَهُ مُطَالَبَتُهُ مَتَى شَاءَ مُؤَجَّلًا عَلَى الضَّامِنِ لَا يُقَالُ: الْحَالُّ لَا يَتَأَجَّلُ وَكَيْفَ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتَيْهِمَا مُخْتَلِفًا، لِأَنَّ الْحَقَّ يَتَأَجَّلُ فِي ابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ بِعَقْدٍ، وهنا كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثابتا عَلَيْهِ حَالًّا وَيَجُوزُ تَخَالُفُ مَا فِي الذِّمَّتَيْنِ بِدَلِيلِ لَوْ مَاتَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ، فَإِنْ قَضَاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ رَجَعَ فِي الْحَالِّ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يَرْجِعُ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْقَضَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ (وَإِنْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ حَالًّا) لَمْ يَصِرْ حَالًّا وَ (لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ أَجَلِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) ، لِأَنَّ الضَّامِنَ فَرْعُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ دُونَ أَصْلِهِ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ، لِأَنَّ مُقْتَضَى صِحَّةِ الضَّمَانِ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ لِلْمُخَالَفَةِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا قَضَاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ، لِأَنَّ الضَّمَانَ لَمْ يُغَيِّرْهُ عَنْ تَأْجِيلِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 فَصْلٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهِيَ الْتِزَامُ إِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَتَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ، وَلَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ، وَلَا بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ الْكَفَالَةِ] [حُكْمُ الكفالة] فصل فِي الْكَفَالَةِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الِاسْتِيثَاقِ بِضَمَانِ الْمَالِ، أَوِ الْبَدَنِ، وَضَمَانُ الْمَالِ يَمْتَنِعُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَلَوْ لَمْ تَجُزِ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَأَدَّى إِلَى الْحَرَجِ وَعَدَمِ الْمُعَامَلَاتِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا. (وَهِيَ الْتِزَامُ) الرَّشِيدِ (إِحْضَارَ الْمَكْفُولِ بِهِ) ، لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْكَفَالَةِ وَاقِعٌ عَلَى بَدَنِ الْمَكْفُولِ بِهِ فَكَانَ إِحْضَارُهُ هُوَ الْمُلْتَزَمَ بِهِ كَالضَّمَانِ وَيُعْتَبَرُ رِضَا الْكَفِيلِ وَتَعْيِينُ الْمَكْفُولِ بِهِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلَا يُعْتَبَرُ إِذْنُهُ وَتَنْعَقِدُ بِأَلْفَاظِ ضَمَانٍ. (وَتَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) ، لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقٌّ مَالِيٌّ، فَصَحَّتِ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مَعْلُومًا، أَوْ مَجْهُولًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ كُلِّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِدَيْنٍ لَازِمٍ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُ إِحْضَارُهُمَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا بِالْإِتْلَافِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ دَيْنُ الْكِتَابَةِ وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْكَفِيلِ، فَإِنْ بَرِئَ الْأَوَّلُ بَرِئَ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ (وَبِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ) لِصِحَّةِ ضَمَانِهَا فَيَرُدُّ أَعْيَانَهَا، أَوْ قِيمَتَهَا إِنْ تَلَفَتْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْأَمَانَاتِ. لَكِنْ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَإِحْضَارُ وَدِيعَةٍ وَكَفَالَةٍ بِزَكَاةٍ وَأَمَانَةٍ لِنَصِّهِ فِيمَنْ قَالَ: ادْفَعْ ثَوْبَكَ إِلَى هَذَا الرَّفَّاءِ، فَأَنَا ضَامِنُهُ لَا يَضْمَنُ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ (وَلَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ "، وَلِأَنَّهَا اسْتِيثَاقٌ يُلْزِمُ الْكَفِيلَ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إِحْضَارِهِ، وَالْحَدُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 وَإِنْ كَفَلَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ إِنْسَانٍ، أَوْ عُضْوٍ، أَوْ كَفَلَ بِإِنْسَانٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَفِيلٌ بِآخَرَ، أَوْ ضَامِنٌ مَا عَلَيْهِ، صَحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِرِضَى   [المبدع في شرح المقنع] مَبْنَاهُ عَلَى الْإِسْقَاطِ، وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الِاسْتِيثَاقُ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَقًّا لِلَّهِ كَحَدِّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ الْقَذْفِ (أَوْ قِصَاصٍ) ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ. قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": إِلَّا لِأَخْذِ مَالٍ كَالدِّيَةِ وَغَرِمَ مَالِيَّةَ السَّرِقَةِ فَتَصِحُّ (وَلَا بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْحَالِ، وَلَا فِي الْمَآلِ، وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْمَجْهُولِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالزَّوْجَةِ، أَوِ الشَّاهِدِ. (وَإِنْ كَفَلَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ إِنْسَانٍ، أَوْ عُضْوٍ، أَوْ كَفَلَ بِإِنْسَانٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَفِيلٌ بِآخَرَ، أَوْ ضَامِنٌ مَا عَلَيْهِ، صَحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا كَفَلَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ إِنْسَانٍ كَثُلُثِهِ، أَوْ رُبُعِهُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِحْضَارُ ذَلِكَ إِلَّا بِإِحْضَارِ الْكُلِّ. الثَّانِيَةُ: إِذَا كَفَلَ عُضْوًا مُعَيَّنًا مِنْهُ كَيَدِهِ، أَوْ رِجْلِهِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إِحْضَارُهُ عَلَى صِفَتِهِ إِلَّا بِإِحْضَارِ الْكُلِّ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا، لِأَنَّ تَسْلِيمَ ذَلِكَ وَحْدَهُ مُتَعَذِّرٌ، وَالسِّرَايَةُ مُمْتَنِعَةٌ. قَالَ الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَعْضِ الْبَدَنِ بِحَالٍ، لِأَنَّ مَا لَا يُشْرَى لَا يَصِحُّ إِذَا خَصَّ بِهِ عُضْوًا كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّعْلِيلِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ، لِأَنَّ بَيْعَ ذَلِكَ وَإِجَارَتَهُ جَائِزَةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُمَا خَصَّاهُ بِالْعُضْوِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِي الْعُضْوِ بَيْنَ الْوَجْهِ، وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا يَبْقَى الْبَدَنُ بِدُونِهِ كَالرَّأْسِ أَوْ لَا كَالْيَدِ، وَجَزَمَ فِي " الْكَافِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهَا تَصِحُّ بِالْوَجْهِ، لِأَنَّهُ يُكَنَّى بِهِ عَنِ الْكُلِّ، فَصَحَّ كَبَدَنِهِ، وَجَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ " بِأَنَّهَا تَصِحُّ فِيمَا تَبْقَى الْحَيَاةُ بِدُونِهِ لَا الْعَكْسِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 الْكَفِيلِ، وَفِي رِضَى الْمَكْفُولِ بِهِ وَجْهَانِ، وَمَتَى أَحْضَرَ الْمَكْفُولَ بِهِ وَسَلَّمَهُ بَرِئَ   [المبدع في شرح المقنع] الثَّالِثَةُ: إِذَا كَفَلَ بِإِنْسَانٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَفِيلٌ بِآخَرَ، أَوْ ضَامِنٌ مَا عَلَيْهِ، صَحَّ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّهُ كَفَالَةٌ، أَوْ ضَمَانٌ، فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عَقْدٍ عَلَى آخَرَ، فَلَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا إِذَا عَلَّقَهُ بِغَيْرِ سَبَبِ الْحَقِّ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُؤَقَّتِ كَالْمُعَلَّقِ بِشَرْطِهِ، فَلَوْ كَفَلَهُ شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، فَلَمْ يَجُزْ تَوْقِيتُهُ كَالْهِبَةِ، وَفِي " التَّنْبِيهِ " إِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَحْضُرْهُ لَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ إِذَا لَمْ يُطَالِبْهُ بِإِحْضَارِهِ فِيهَا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: كَفَلْتُ بَدَنَ فُلَانٍ عَلَى أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ فَيَفْسُدُ عَقْدُ الْكَفَالَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَقِيلَ: يَصِحُّ الشَّرْطُ، لِأَنَّهُ شَرَطَ تَحْوِيلَ الْوَثِيقَةِ فَعَلَيْهِ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَالَةُ إِلَّا أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ مِنْهَا. [عَدَمُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ إِلَّا بِرِضَا الْكَفِيلِ] (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِرِضَا الْكَفِيلِ) ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَقُّ ابْتِدَاءً إِلَّا بِرِضَاهُ (وَفِي رِضَا الْمَكْفُولِ بِهِ وَجْهَانِ) أَشْهَرُهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ كَالضَّمَانِ، وَالثَّانِي: بَلَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِحْضَارُهُ، فَإِذَا كُفِلَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ مَعَهُ بِخِلَافِ الضَّمَانِ، فَإِنَّ الضَّامِنَ يَقْضِي الْحَقَّ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْمَكْفُولِ لَهُ، لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ لَا قَبْضَ فِيهَا، فَصَحَّتْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ كَالشَّهَادَةِ (وَمَتَى أَحْضَرَ الْمَكْفُولَ بِهِ) مَكَانَ الْعَقْدِ بَعْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ (وَسَلَّمَهُ بَرِئَ) مُطْلَقًا إِذَا لَمْ تَكُنْ يَدٌ حَائِلَةٌ ظَالِمَةٌ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الشَّرْحِ "، وَعَنْهُ: لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَقُولَ: قَدْ بَرِئْتُ لَكَ مِنْهُ، أَوْ قَدْ سَلَّمْتُهُ إِلَيْكَ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 إِلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَفِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ وَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ، أَوْ تَلَفَتِ الْعَيْنُ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ بَرِئَ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ فَبَرِئَ مِنْهُ بِالْعَمَلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْإِجَارَةِ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ بَرِئَ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَقِيلَ: إِنِ امْتَنَعَ أَشْهَدَ عَلَى امْتِنَاعِهِ رَجُلَيْنِ وَبَرِئَ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَرْفَعُهُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيُسَلِّمُهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَشْهَدَ (إِلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَفِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ) مِثْلَ أَنْ تَكُونَ حُجَّةُ الْغَرِيمِ غَائِبَةً، أَوْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، أَوِ الدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ، أَوْ هُنَاكَ ظَالِمٌ يَمْنَعُهُ مِنْهُ، فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُهُ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ تَصِحُّ مُؤَجَّلَةً، لَكِنْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، فَلَوْ جَعَلَهُ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ جَعَلَهُ إِلَى الْحَصَادِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْأَوْلَى صِحَّتُهُ هُنَا، لِأَنَّهُ تَبَرُّعُ عِوَضٍ، فَصَحَّ كَالنَّذْرِ، ثُمَّ إِنْ عَيَّنَ مَكَانًا لِتَسْلِيمِهِ تَعَيَّنَ، وَلَمْ يَبْرَأْ بِإِحْضَارِهِ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ تَعَيَّنَ مَكَانُ الْعَقْدِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَبْرَأُ بِإِحْضَارِهِ بِمَكَانٍ آخَرَ مِنَ الْبَلَدِ، وَعَنْهُ: وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ سُلْطَانٌ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي إِحْضَارِهِ بِمَكَانٍ آخَرَ لَمْ يَبْرَأْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ فِي حَبْسِ الشَّرْعِ فَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ فِيهِ بَرِئَ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِحْضَارُهُ مِنْهُ إِلَيْهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَيُمَكِّنُهُ الْحَاكِمُ من إخراجه لِيُحَاكِمَ غَرِيمَهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُ، وَإِنْ ضَمِنَ مَعْرِفَتَهُ أَخَذَ بِهِ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَالشَّيْخَانِ كَالْكَفِيلِ. (وَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ، أَوْ تَلَفَتِ الْعَيْنُ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى) قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ (أَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ وَتَسْقُطُ الْكَفَالَةُ فِي الْمَنْصُوصِ، لِأَنَّ الْحُضُورَ سَقَطَ عَنْهُ فَبَرِئَ كَفِيلُهُ، كَمَا لَوْ أُبْرِئَ مِنَ الدَّيْنِ، وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ وَيُطَالَبُ بِمَا عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يُشْرَطْ فِيهَا عَدَمُ ضَمَانِهِ، لِأَنَّ الْكَفِيلَ وَثِيقَةٌ، فَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 الْكَفِيلُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ لَزِمَ الْكَفِيلَ الدَّيْنُ، أَوْ عَوَّضَ الْعَيْنَ وَإِنْ غَابَ أُمْهِلَ الْكَفِيلُ بِقَدْرِ مَا يَمْضِي فَيُحْضِرُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ وَإِذَا   [المبدع في شرح المقنع] الْحَقُّ اسْتُوْفِيَ مِنَ الْوَثِيقَةِ كَالرَّهْنِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، لِأَنَّ الرَّهْنَ تَعَلَّقَ بِهِ الْمَالُ فَاسْتُوْفِيَ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ بَقَاؤُهَا بِمَوْتِ الْكَفِيلِ فَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَا كُفِّلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا فَوَثِقَ وَرَثَتُهُ، وَإِلَّا حَلَّ فِي الْأَقْيَسِ، أَوِ الْمَكْفُولُ لَهُ. الثَّانِيَةُ: إِذَا تَلِفَتِ الْعَيْنُ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ، لِأَنَّ تَلَفَهَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا تَلِفَتْ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ، فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُتْلِفِ بَدَلُهَا. الثَّالِثَةُ: إِذَا سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ بِشَرْطِهِ بَرِئَ كَفِيلُهُ، كَمَا لَوْ قَضَى الْمَدْيُونُ عَنْهُ الدَّيْنَ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَفَلَ إِنْسَانًا، أَوْ ضَمِنَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقٌّ قَدَّمَ قَوْلَ خَصْمِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ، أَوْ بَقَاءُ الدَّيْنِ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ وَإِذَا قَالَ: بَرِئْتُ مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي كَفَلْتُهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا بِقَبْضِ الْحَقِّ وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ وَحْدَهُ وَإِذَا مَاتَ الْمَدْيُونُ فَأَبْرَأَهُ رَبُّ الدَّيْنِ، فَلَمْ تَقْبَلْ وَرَثَتُهُ بَرِئَ مَعَ كَفِيلِهِ. (وَإِنْ تَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ لَزِمَ الْكَفِيلَ الدَّيْنُ، أَوْ عَوَّضَ الْعَيْنَ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» . وَلِأَنَّهَا أَحَدُ نَوْعَيِ الْكَفَالَةِ، فَوَجَبَ الْغُرْمُ بِهَا كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَكَفِيلُ الْوَجْهِ ضَامِنٌ لِلْمَالِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إِلَّا أَنْ يَشْرِطَ لَا مَالَ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَوْلًا. وَالثَّانِي: فَسَادُهَا لِإِضَافَتِهَا إِلَى عُضْوٍ. قَالَهُ الْمَجْدُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَلْزَمُهُ إِنِ امْتَنَعَ بِسُلْطَانٍ، وَأُلْحِقَّ بِهِ مُعْسِرٌ وَمَحْبُوسٌ وَنَحْوُهُمَا لِاسْتِوَاءِ الْمَعْنَى (وَإِنْ غَابَ) فِي مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ (أُمْهِلَ الْكَفِيلُ) ، وَلَمْ يُطَالِبْهُ (بِقَدْرِ مَا يَمْضِي فَيُحْضِرُهُ) لَهُ لِيَتَحَقَّقَ إِمْكَانَ التَّسْلِيمِ وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْمَسَافَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 طَالَبَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِهِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ، أَوْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِإِحْضَارِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا كُفِلَ اثْنَانِ بِرَجُلٍ فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] قَرِيبَةً، أَوْ بَعِيدَةً، فَلَوِ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يُؤْخَذِ الْكَفِيلُ بِالْحَقِّ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُهُ رَدُّهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ) ، أَوْ كَانَتِ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ (ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ) وَأُخِذَ بِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَمْدَانَ أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَجُهِلَ مَحَلُّهُ لَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ انْتَهَى، فَلَوْ أَدَّى مَا لَزِمَهُ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ كَضَامِنٍ، وَأَنَّهُ لَا يُسَلِّمُهُ إِلَى الْمَكْفُولِ لَهُ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ بِخِلَافِ مَغْصُوبٍ تَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ لِامْتِنَاعِ بَيْعِهِ (وَإِذَا طَالَبَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِهِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ) لِيُسَلِّمَهُ إِلَى الْمَكْفُولِ لَهُ (لَزِمَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ) ، لِأَنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ مِنْ أَجْلِهِ بِإِذْنِهِ فَلَزِمَهُ تَخْلِيصُهَا، كَمَا لَوِ اسْتَعَارَ عَبْدَهُ فَرَهَنَهُ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ تَخْلِيصَهُ إِذَا طَلَبَهُ سَيِّدُهُ (أَوْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِإِحْضَارِهِ) أَيْ: لَزِمَهُ الْحُضُورُ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لِأَنَّ حُضُورَهُ حَقٌّ لِلْمَكْفُولِ لَهُ، وَقَدِ اسْتَنَابَ الْكَفِيلَ فِي ذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ لَهُ بِالْوَكَالَةِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ، لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ لَمْ يَشْغَلْ ذِمَّتَهُ، وَإِنَّمَا شَغَلَهَا الْكَفِيلُ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَمْ يُوَكِّلْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ لِآخَرَ: اضْمَنْ عَنْ فُلَانٍ، أَوِ اكْفُلْ بِفُلَانٍ فَفَعَلَ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لِمُبَاشِرِ لَا الْآمِرِ فَلَوْ قَالَ: أَعْطِ فُلَانًا كَذَا فَفَعَلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: أَعْطِهِ عَنِّي. (وَإِذَا كُفِلَ اثْنَانِ بِرَجُلٍ فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَبْرَأِ الْآخَرُ) ، لِأَنَّ إِحْدَى الْوَثِيقَتَيْنِ انْحَلَّتِ من غير اسْتِيفَاءً، فَلَمْ تَنْحَلَّ الْأُخْرَى، كَمَا لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا، أَوِ انْفَكَّ أَحَدُ الرَّهْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ بِخِلَافِ الْمَكْفُولِ بِهِ إِذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ، لِأَنَّهُ أَصْلٌ فَيَبْرَآنِ بِبَرَاءَتِهِ، لِأَنَّهُمَا فَرْعَاهُ، وَقِيلَ: يَبْرَأُ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ "، كَمَا لَوْ قَضَى الدَّيْنَ أَحَدُ الضَّامِنَيْنِ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ الْآخَرُ. أَجَابَ فِي " الْفُصُولِ " بِأَنَّ الْوَثِيقَةَ بَرِئَتْ بِقَبْضِ مَا فِيهَا فَلِهَذَا بَرِئَتِ الْأُخْرَى بِخِلَافِ هَذَا، وَقِيلَ: إِنْ كَفَلَاهُ مَعًا، أَوْ وَكَّلَ مِنْهُمَا الْآخَرَ فِي تَسْلِيمِهِ بَرِئَ، وَإِلَّا فَلَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 يَبْرَأِ الْآخَرُ، وَإِنْ كُفِلَ وَاحِدٌ لِاثْنَيْنِ فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الْآخَرِ. بَابُ الْحَوَالَةِ وَالْحَوَالَةُ تَنْقُلُ الْحَقَّ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَلَا يَمْلِكُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ كُفِلَ وَاحِدٌ لِاثْنَيْنِ فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الْآخَرِ) ، لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدَيْنِ، فَقَدِ الْتُزِمَ إِحْضَارُهُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي عَقْدَيْنِ وَكَمَا لَوْ ضَمِنَ دَيْنًا لِاثْنَيْنِ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ. خَاتِمَةٌ: إِذَا أَحَالَ رَبُّ الْحَقِّ، أَوْ أُحِيلَ بِهِ، أَوْ زَالَ الْعَقْدُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَيَثْبُتُ لِوَارِثِهِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " فِي الصُّورَةِ الْأُولَى احْتِمَالُ وَجْهَيْنِ فِي بَقَاءِ الضَّمَانِ. وَنَقَلَ " مُهَنَّا " فِيهَا يَبْرَأُ، وَأَنَّهُ إِنْ عَجَزَ مُكَاتَبٌ رَقَّ وَسَقَطَ الضَّمَانُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي لَوْ أَقَالَهُ فِي سَلَمٍ بِهِ رَهْنٌ، حَبَسَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَلَوْ ضَمِنَهُ اثْنَانِ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَا ضَامِنٌ لَكَ الدَّيْنَ فَهُوَ ضَمَانُ اشْتِرَاكٍ فِي انْفِرَادٍ فَلَهُ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالدَّيْنِ كُلِّهِ، وَإِنْ قَالَا: ضَمِنَّا لَكَ الدَّيْنَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ، وَفِي " الْقَوَاعِدِ ": إنَّهُ إِذَا ضَمِنَ اثْنَانِ دَيْنَ رَجُلٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الدَّيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِالْحِصَّةِ إِلَّا أَنْ يُصَرِّحُوا بِمَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولُوا: ضَمِنَّا لَكَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا ضَامِنٌ الدَّيْنَ، وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَصَاحِبِ " الْمُغْنِي " وَبَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الضَّامِنِينَ فَيَصِيرُ الضَّمَانُ مُوَزَّعًا عَلَيْهِمَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -. [بَابُ الْحَوَالَةِ] [حَقِيقَة الحوالة وَحُكْمُهَا] بَابُ الْحَوَالَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَةِ الْأَصَمِّ، وَسَنَدُهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، فَمِنْهَا مَا خَرَّجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ. وَفِي لَفْظٍ " مَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ تَحْوِيلِ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 الْمُحْتَالُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِحَالٍ. وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهَا: أَنْ يُحِيلَ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ، فَإِنْ أَحَالَ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ، أَوِ السَّلَمِ، أَوِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: إِنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بَدَيْنٍ، فَإِنَّ الْمُحِيلَ يَشْتَرِي مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَالِهِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَجَازَ تَأْخِيرُ الْقَبْضِ رُخْصَةً فَيَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا عَقْدُ إِرْفَاقٍ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِمَحْمُولٍ عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَكَانَتْ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَمَا جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهَا بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ، وَلِأَنَّ لَفْظَهَا يُشْعِرُ بِالتَّحَوُّلِ فَعَلَيْهِ لَا يَدْخُلُهَا خِيَارٌ، وَتَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ وَأُصُولِهِ. وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مُحِيلٍ وَمُحْتَالٍ وَمُحَالٍ عَلَيْهِ وَتَصِحُّ بِلَفْظِهَا، أَوْ مَعْنَاهَا الْخَاصِّ. (وَالْحَوَالَةُ تَنْقُلُ الْحَقَّ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّحْوِيلِ وَحَيْثُ صَحَّتِ الْحَوَالَةُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ، وَانْتَقَلَ الْحَقُّ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (فَلَا يَمْلِكُ الْمُحْتَالُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمُحِيلِ (بِحَالٍ) ، لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ، فَلَا يَعُودُ بَعْدَ انْتِقَالِهِ هَذَا إِذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهَا وَرَضِيَ بِهَا الْمُحْتَالُ، وَلَمْ يُشْتَرَطِ الْيَسَارُ سَوَاءٌ أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ، أَوْ تَعَذَّرَ لِمَطْلٍ، أَوْ فَلَسٍ، أَوْ مَوْتٍ، أَوْ جَحْدِ الْحَقِّ، وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ وَحَلَفَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ، وَعَنْهُ: إِذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا، وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُحْتَالُ بِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ، إِذِ الْفَلَسُ عَيْبٌ فِي الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ كَالْمَبِيعِ الْمَعِيبِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا كَانَ لَهُ عَلَى عَلِيٍّ دَيْنٌ فَأَحَالَهُ بِهِ فَمَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: اخْتَرْتَ عَلَيْنَا أَبْعَدَكَ اللَّهُ فَأَبْعَدَهُ بِمُجَرَّدِ احْتِيَالِهِ، وَلَمْ يُخْبِرْهُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ، لِأَنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنْ دَيْنٍ لَيْسَ فِيهَا قَبْضٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا مِمَّنْ يَدْفَعُ عَنْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنَ الدَّيْنِ، وَالْحَوَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ. [شُرُوطُ الْحَوَالَةِ] [الْأَوَّلُ أَنْ يُحِيلَ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ] (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهَا: أَنْ يُحِيلَ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ بِعَرْضِيَّةِ السُّقُوطِ، إِذْ مُقْتَضَاهَا الْتِزَامُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا، وَلَا يَثْبُتُ فِيمَا هَذَا صِفَتُهُ (فَإِنْ أَحَالَ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ، أَوِ السَّلَمِ، أَوِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَصِحَّ) وَهُنَا صُوَرٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 يَصِحَّ وَإِنْ أَحَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ، أَوِ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ صَحَّ. وَالثَّانِي: اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ فِي الْجِنْسِ، وَالصِّفَةِ، وَالْحُلُولِ، وَالتَّأْجِيلِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُحِيلَ بِرِضَاهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا   [المبدع في شرح المقنع] الْأُولَى: إِذَا أَحَالَ عَلَى مَال الكتابة غير صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَدَائِهِ، وَيَسْقُطَ بِعَجْزِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَلَّ فِي الْمَنْصُوصِ وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ آخَرَ، إِذْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ فِي الْمُدَايَنَاتِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا أَحَالَ عَلَى مَالِ السَّلَمِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِلْفَسْخِ بِانْقِطَاعِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا فِيمَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي السَّلَمِ لِقَوْلِهِ: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ، فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» ، لَكِنْ فِي صِحَّتِهَا فِي رَأْسِ مَالِهِ بَعْدَ فَسْخِهِ وَجْهَانِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا أَحَالَتْ بِصَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ بِرِدَّتِهَا، أَوْ نِصْفِهِ بِطَلَاقِهَا. وَمِثْلُهُ إِذَا أَحَالَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا أَحَالَتْ بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَنَّهُ يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ (وَإِنْ أَحَالَ الْمَكَاتَبُ سَيِّدَهُ) بِنَجْمٍ قَدْ حَلَّ (أَوِ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ، صَحَّ) ، لِأَنَّ لَهُ تَسْلِيمَهُ إِلَيْهَا، وَحَوَالَتُهُ بِهِ تَقُومُ مَقَامَ تَسْلِيمِهِ، وَكَذَا إِذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لِلْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُ الْمُحَالِ بِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ: يُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُهُ كَالْمُحَالِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ لَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ. [الثَّانِي اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ] (وَالثَّانِي: اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ) أَيْ: تَمَاثُلُ الْحَقَّيْنِ (فِي الْجِنْسِ) كَذَهَبٍ بِذَهَبٍ، أَوْ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ، فَإِنْ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ ذَهَبٌ بِفِضَّةٍ، أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَصِحَّ (وَالصِّفَةِ) كَصِحَاحٍ بِصِحَاحٍ، أَوْ مُضْرَبَةٍ بِمِثْلِهَا، فَلَوِ اخْتَلَفَا لَمْ يَصِحَّ (وَالْحُلُولِ) أَيْ: بِأَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ (وَالتَّأْجِيلِ) أَيْ: بِأَنْ يَكُونَا مُؤَجَّلَيْنِ وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الْأَجَلِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَحِلُّ بَعْدَ شَهْرٍ، وَالْآخَرُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهَا إِرْفَاقٌ كَالْقَرْضِ، فَلَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا رِضَا الْمُحْتَالِ إِنْ كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَلِيئًا وَإِنْ ظَنَّهُ مليئا فبان   [المبدع في شرح المقنع] جُوِّزَتْ مَعَ الِاخْتِلَافِ لَصَارَ الْمَطْلُوبُ مِنْهَا الْفَضْلَ فَتَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهَا وَاكْتَفَى بِمَا ذَكَرَهُ عَنْ ذِكْرِ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ، لِأَنَّ الْأَجَلَ إِذَا مُنِعَ لِكَوْنِهِ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ تَقْدِيرًا فَالزِّيَادَةُ الْمُحَقَّقَةُ أَوْلَى. فَرْعٌ: إِذَا صَحَّتِ الْحَوَالَةُ فَتَرَاضَيَا بِأَنْ يَدْفَعَ خَيْرًا مِنْ حَقِّهِ، أَوْ بِدُونِهِ فِي الصِّفَةِ، أَوْ تَعْجِيلِهِ، أَوْ تَأْجِيلِهِ، أَوْ عِوَضِهِ جَازَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ فِي " التَّرْغِيبِ " الْأَوَّلَةَ فَظَاهِرُهُ مَنْعُ عِوَضِهِ. وَنَقَلَ سِنْدِيٌّ فِيمَنْ أَحَالَهُ عَلَيْهِ بِدِينَارٍ فَأَعْطَاهُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا: لَا يَنْبَغِي إِلَّا مَا أَعْطَاهُ. [الثَّالِثُ أَنْ يُحِيلَ بِرِضَاهُ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ] (وَالثَّالِثُ: أَنْ يُحِيلَ بِرِضَاهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْ جِهَةِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِشَرْطِ الْمُقَاصَّةِ، وَعِلْمِ الْمَالِ، لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ بَيْعًا، فَلَا تَصِحُّ فِي مَجْهُولٍ، وَإِنْ كَانَتْ تُحَوِّلُ الْحَقَّ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّسْلِيمُ، وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ مِنْهُ فَتَصِحُّ فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ فِي الذِّمَّةِ بِالِائْتِلَافِ مِنَ الْأَثْمَانِ، وَالْحُبُوبِ، وَالْأَدْهَانِ، فَلَا تَصِحُّ بِمَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ كَالْجَوْهَرِ، وَفِيمَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ غَيْرَ الْمِثْلِيِّ كَالْمَذْرُوعِ، وَالْمَعْدُودِ وَجْهَانِ، وَفِي الْحَوَالَةِ بِإِبِلِ الدِّيَةِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ مِثْلُهَا وَجْهَانِ، فَإِنْ أَحَالَ بِإِبِلِ الدِّيَةِ عَلَى إِبِلِ الْقَرْضِ، صَحَّ إِنْ قِيلَ: يَرُدُّ فِيهِ الْمِثْلَ، وَإِنْ قُلْنَا بِرَدِّ الْقِيمَةِ، فَلَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ لَمْ تَصِحَّ مُطْلَقًا (وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ) ، لِأَنَّ لِلْمُحِيلِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ وَبِوَكِيلِهِ، وَقَدْ أَقَامَ الْمُحْتَالَ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الْقَبْضِ فَلَزِمَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إِلَيْهِ كَالْوَكِيلِ (وَلَا رِضَا الْمُحْتَالِ إِنْ كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَلِيئًا) بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ نَصَّ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَفُسِّرَ الْمَلِيءُ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْعِجْلِيِّ أَنْ يَكُونَ مَلِيئًا بِمَالِهِ وَقَوْلِهِ وَبَدَنِهِ، فَمَالُهُ: الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَفَاءِ. وَقَوْلُهُ: أَنْ لَا يَكُونَ مُمَاطِلًا، وَبَدَنُهُ: إِمْكَانُ حُضُورِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ " مَالُهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 مُفْلِسًا، وَلَمْ يَكُنْ رَضِيَ بِالْحَوَالَةِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ وَإِذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ، أَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِهِ، فَبَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا فَالْحَوَالَةُ   [المبدع في شرح المقنع] الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَفَاءِ، وَقَوْلُهُ: إِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ، وَبَدَنُهُ: الْحَيَاةُ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْقَبُولِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ قَبْلَ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: نَعَمْ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ، فَلَوْ هَلَكَ الْمُحَالُ مُعْسِرًا، أَوْ مَاتَ، أَوْ جَحَدَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَبْرَأُ إِلَّا أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ، لَكِنْ تَنْقَطِعُ الْمُطَالَبَةُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ وَيَصِيرُ بِمَثَابَةِ مَنْ بَذَلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ فَامْتَنَعَ رَبُّهُ مِنْ قَبْضِهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْغَرِيمِ قَبْلَ ذَلِكَ (وَإِنْ ظَنَّهُ مليئا فبان مُفْلِسًا، وَلَمْ يَكُنْ رَضِيَ بِالْحَوَالَةِ رَجَعَ عَلَيْهِ) ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْفَلَسَ عَيْبٌ، وَلَمْ يَرْضَ بِهِ فَاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ كَالْمَبِيعِ الْمَعِيبِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا رَضِيَ بِالْحَوَالَةِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَعَ الرِّضَا يَزُولُ شَغْلُ الذِّمَّةِ، فَلَا يَعُودُ بَعْدَ زَوَالِهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ) هَذَا رِوَايَةٌ كَشَرْطِهَا، وَفِي " الْمُغْنِي " احْتِمَالَانِ، وَفِي " الْكَافِي " رِوَايَتَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا رَضِيَ الْمُحْتَالُ بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِفَلَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِرِضَاهُ بِدُونِ حَقِّهِ كَالْمَعِيبِ. (وَإِذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ، أَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِهِ فَبَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا) ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَظَهَرَ حُرًّا، أَوْ مُسْتَحِقًّا (فَالْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ) ، لِأَنَّهُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ تَبَيَّنَّا أَنْ لَا ثَمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْحَوَالَةُ فَرْعٌ عَلَى الثَّمَنِ، فَإِذًا يَبْطُلُ الْفَرْعُ لِبُطْلَانِ أَصْلِهِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي مَسْأَلَةِ حَوَالَتِهِ، وَعَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَمَّا بَطَلَتْ وَجَبَ بَقَاءُ الْحَقِّ عَلَى مَا كَانَ وَيُعْتَبَرُ ثُبُوتُ ذَلِكَ بِبَيِّنَةً، أَوِ اتِّفَاقُهُمْ، فَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ وَكَذَّبَهُمَا الْمُحْتَالُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ حَقَّهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ اعْتَرَفَ هُوَ وَبَائِعُهُ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ، لِأَنَّهُمَا كَذَّبَاهَا بِدُخُولِهِمَا فِي التَّبَايُعِ، لَكِنْ إِنْ أَقَامَهَا الْعَبْدُ قُبِلَتْ وَبَطَلَتِ الْحَوَالَةُ، وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْمُحْتَالُ وَادَّعَى أَنَّهَا بِغَيْرِ ثَمَنِ الْعَبْدِ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنِ اتَّفَقَ الْمُحِيلُ وَالْمُحْتَالُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ وَكَذَّبَهُمَا الْمُحَالُ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 بَاطِلَةٌ، وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ، أَوْ إِقَالَةٍ لَمْ تَبْطُلِ الْحَوَالَةُ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى مَنْ أَحَالَ الْمُشْتَرِيَ عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحِيلَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَبْطُلَ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا وَإِذَا   [المبدع في شرح المقنع] لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِمَا وَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ، وَلَوِ اعْتَرَفَ الْمُحْتَالُ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَتَقَ لِإِقْرَارِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بَحْرِيَّتِهِ وَبَطَلَتِ الْحَوَالَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ، لِأَنَّ دُخُولَهُ مَعَهُ فِي الْحَوَالَةِ اعْتِرَافٌ بِبَرَاءَتِهِ. (وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ، أَوْ إِقَالَةٍ) ، أَوْ خِيَارٍ، أَوِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ (لَمْ تَبْطُلِ الْحَوَالَةُ) ، لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَرْتَفِعْ هُنَا، فَلَمْ يَسْقُطِ الثَّمَنُ، فَلَمْ تَبْطُلِ الْحَوَالَةُ لِانْتِفَاءِ الْمُبْطِلِ وَكَمَا لَوْ أَخَذَ الْبَائِعُ بِحَقِّهِ عِوَضًا، وَحِينَئِذٍ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ فِيهِمَا، لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّ الْعِوَضَ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِالْعِوَضِ، وَالرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ مُتَعَذِّرٌ لِلُزُومِ الْحَوَالَةِ، فَوَجَبَ فِي بَدَلِهِ وَإِذَا لَزِمَ الْبَدَلُ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي انْتَفَعَ بِمُبْدَلِهِ. (وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى مَنْ أَحَالَ الْمُشْتَرِيَ عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحِيلَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ فِي الثَّانِيَةِ) ، لِأَنَّ دَيْنَ الْبَائِعِ ثَابِتٌ عَلَى مَنْ أَحَالَهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ، وَدَيْنُ الْمُشْتَرِي ثَابِتٌ عَلَى الْبَائِعِ ثُبُوتًا مُسْتَقِرًّا، فَصَحَّتِ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُسْتَقِرَّةِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَبْطُلَ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا) حَكَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " قَوْلًا، وَقَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِالثَّمَنِ، وَقَدْ تَسْقُطُ بِالْفَسْخِ، فَوَجَبَ بُطْلَانُ الْحَوَالَةِ لِذَهَابِ حَقِّهِ مِنَ الْمَالِ، كَمَا لَوْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا، فَعَلَى هَذَا فِي بُطْلَانِ إِذْنِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ وَجْهَانِ، وَأَبْطَلَ الْقَاضِي الْحَوَالَةَ بِهِ لَا عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ إِذَا كَانَ الْمُحْتَالُ قَبَضَهَا وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ بِإِذْنِهِ (وَإِذَا) أَمَرَ رَجُلًا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ غَرِيمُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَا (قَالَ: أَحَلْتُكَ قَالَ: بَلْ وَكَّلْتَنِي) فِي قَبْضِهِ وَدَيْنِي بَاقٍ فِي ذِمَّتِكَ (أَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ) بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ (قَالَ: بَلْ أَحَلْتَنِي) بِلَفْظِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 قَالَ: أَحَلْتُكَ قَالَ: بَلْ وَكَّلْتَنِي، أَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ قَالَ: بَلْ أَحَلْتَنِي. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ، وإن اتفقا عَلَى أَنَّهُ قَالَ: أَحَلْتُكَ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْوَكَالَةُ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ وَجْهَانِ، وَإِنْ قَالَ: أَحَلْتُكَ بِدَيْنِكَ   [المبدع في شرح المقنع] الْحَوَالَةِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ) مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَقَاءَ الْحَقِّ عَلَى مَا كَانَ وَيُنْكِرُ انْتِقَالَهُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ بِهَا، لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ مَا يُمْكِنُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ (وإن اتفقا عَلَى أَنَّهُ قَالَ: أَحَلْتُكَ) ، أَوْ أَحَلْتُكَ بِدَيْنِي (وَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْوَكَالَةُ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الْكَافِي "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَذْهَبُ يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَقِّ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَالْمُحْتَالُ يَدَّعِي نَقْلَهُ، وَالْمُحِيلُ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَالثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ لِمُوَافَقَةِ دَعْوَاهُ الْحَقِيقَةَ وَدَعْوَى خَصْمِهِ الْمَجَازَ فَعَلَيْهِ يَحْلِفُ الْمُحْتَالُ وَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَيَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ وَيَسْقُطُ عَنِ الْمُحِيلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْلِفُ الْمُحِيلُ وَيَبْقَى حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِمَا إِنْ كَانَ الْمُحْتَالُ قَبَضَ الْحَوَالَةَ مِنَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَتَلَفَ فِي يَدِهِ، فَقَدْ بَرِئَ كُلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ فَوَجْهَانِ (وَإِنْ قَالَ: أَحَلْتُكَ بِدَيْنِكَ) بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ اخْتَلَفَا (فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ وَجْهًا وَاحِدًا) ، وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِدَيْنِهِ لَا تَحْتَمِلُ الْوَكَالَةَ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ مُدَّعِيهَا. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: الْحَوَالَةُ عَلَى مَالِهِ مِنَ الدُّيُونِ إِذْنٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ وَلِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ وَمُطَالَبَةُ مُحِيلِهِ، وَإِحَالَةُ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى مَنْ دَيْنُهُ عَلَيْهِ وَكَالَةٌ، وَمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي مِثْلِهِ وَكَالَةٌ فِي اقْتِرَاضٍ، وَكَذَا مَدِينٌ عَلَى بَرِيءٍ، فَلَا يُصَارِفُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الْوجيزِ "، وَ " التَّبْصِرَةِ " إِنْ رَضِيَ الْبَرِيءُ بِالْحَوَالَةِ صَارَ ضَامِنًا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ وَجْهًا وَاحِدًا. بَابُ الصُّلْحِ الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا: صُلْحٌ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَهُوَ نَوْعَانِ:   [المبدع في شرح المقنع] الثَّانِي: مَنْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً تَسَاقَطَا، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ سَقَطَ الْأَقَلُّ. وَمِثْلُهُ مِنَ الْأَكْثَرِ، وَعَنْهُ: بِرِضَاهُمَا، وَعَنْهُ: أَوْ أَحَدِهِمَا، وَعَنْهُ: لَا يَتَقَاصُّ الدَّيْنَانِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَيْنَ سَلَمٍ، وَفِي " الْفُرُوعِ "، أَوْ كَانَا مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ. الثَّالِثُ: إِذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَطَالَبَهُ فَقَالَ أَحَلْتُ بِهِ فُلَانًا الْغَائِبَ، وَأَنْكَرَ رَبُّ الْمَالِ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيُعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ. الرَّابِعُ: إِذَا نَوَى الْمَدْيُونُ وَفَاءَ دَيْنِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنْ وَفَّاهُ حَاكِمٌ قَهْرًا كَفَتْ نِيَّتُهُ إِنْ قَضَاهُ مِنْ مَدْيُونٍ، وَفِي لُزُومِ رَبِّ الدَّيْنِ بِنِيَّةِ قَبْضِ دَيْنِهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ رَدَّ بَدَلَ عَيْنٍ نَوَى، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. [بَابُ الصُّلْحِ] [تَعْرِيفُ الصلح وَحُكْمُهُ] بَابُ الصُّلْحِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ فَمِنْهَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَهُوَ أَنْوَاعٌ: صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَالْبَغْيِ، وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا خِيفَ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا وَصُلْحٌ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا. وَمَعْنَاهُ لُغَةً: قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ. وَشَرْعًا: مُعَاقَدَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 أَحَدُهُمَا: الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ مِثْلَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ فَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَهُ، أَوْ بِعَيْنٍ فَيَهَبَ لَهُ بَعْضَهَا وَيَأْخُذَ الْبَاقِيَ، صَحَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِيَ، أَوْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمَأْذُونِ لَهُ وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إِلَّا فِي حَالِ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ صَالَحَ عَن   [المبدع في شرح المقنع] [أَقْسَامُ الصُّلْحِ] [صُلْحٌ عَلَى الْإِقْرَارِ] [الْأَوَّلُ الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ] (الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: صُلْحٌ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَهُوَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ مِثْلَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ فَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَهُ، أَوْ بِعَيْنٍ) كَدَارٍ (فَيَهَبَ لَهُ بَعْضَهَا وَيَأْخُذَ الْبَاقِيَ، فَيَصِحُّ) ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْنَعُ مِنْ إِسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ، كَمَا لَا يُمْنَعُ مِنِ اسْتِيفَائِهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَلَّمَ غُرَمَاءَ جَابِرٍ لِيَضَعُوا عَنْهُ، وَقَضِيَّةُ كَعْبٍ مَعَ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ لَيْسَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ، فَوَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ حَقِّهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْبَاقِيَ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُمَا إِذَا كَانَ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ، فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهِيَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهُ صَالَحَ عَنْ بَعْضِ مَالِهِ بِبَعْضٍ فَهُوَ هَضْمٌ لِلْحَقِّ، وَالثَّانِيَةُ: وَهِيَ ظَاهِرُ " الْمُوجَزِ "، وَ " التَّبْصِرَةِ " وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَصِحُّ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ مَنَعَ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى الصُّلْحَ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَأَبَاهُ الْأَكْثَرُونَ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ وَفَّاهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَهُوَ وَفَاءٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مُعَاوَضَةً، وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْ بَعْضِهِ فَهُوَ إِبْرَاءٌ، وَإِنْ وَهَبَهُ بَعْضَ الْعَيْنِ فَهُوَ هِبَةٌ، وَلَا يُسَمَّى صُلْحًا فَالْخِلَافُ إِذَنْ فِي التَّسْمِيَةِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَشَرْطُهُ (إِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِيَ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ أَكْلٌ لِمَالِ الْغَيْرِ بِالْبَاطِلِ وَهَضْمٌ لِلْحَقِّ (أَوْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ) أَيْ: بِدُونِ الصُّلْحِ، فَلَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا (وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْمَأْذُونِ لَهُ وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ) ، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَهَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُونَهُ (إِلَّا فِي حَالِ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ) ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَمِثْلُهُ نَاظِرُ الْوَقْفِ. وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي شَرْحِهِ عَلَى " الْمُحَرَّرِ "، لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْبَعْضِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَعَ الْإِقْرَارِ، أَوْ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 الْمُؤَجَّلِ بِبَعْضِهِ حَالًّا، لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ وَضَعَ بَعْضَ الْمَالِ وَأَجَّلَ بَاقِيَهُ دُونَ التَّأْجِيلِ، وَإِنْ صَالَحَ عَنِ الْحَقِّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ مِثْلَ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دِيَةِ الْخَطَأِ،   [المبدع في شرح المقنع] يَمْلِكُونَهُ لِمَا قُلْنَا وَيَصِحُّ عَمَّا ادَّعَى عَلَى مُوَلِّيهِ وَبِهِ بَيِّنَةٌ، وَقِيلَ: أَوْ لَا. (وَلَوْ صَالَحَ عَنِ الْمُؤَجَّلِ بِبَعْضِهِ حَالًّا لَمْ يَصِحَّ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، لِأَنَّهُ يَبْذُلُ الْقَدْرَ الَّذِي يَحُطُّهُ عِوَضًا عَنْ تَعْجِيلِ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَمَعَ الْحُلُولِ، وَالتَّأْجِيلِ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ عَشَرَةً حَالَّةً بِعِشْرِينَ مُؤَجَّلَةٍ، وَفِي الْإِرْشَادِ، وَ " الْمُبْهِجِ " رِوَايَةٌ بِالصِّحَّةِ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ هُنَا، وَكَدَيْنِ الْكِتَابَةِ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَقَالَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ رِبًا، فَدَلَّ أَنَّهُ إِنَّمَا جَوَّزَهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَالْأَشْهُرُ عَكْسُهُ. (وَإِنْ وَضَعَ بَعْضَ الْحَالِّ وَأَجَّلَ بَاقِيَهُ) ، كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ مِائَةٍ حَالَّةٍ بِخَمْسِينَ مُؤَجَّلَةٍ (صَحَّ الْإِسْقَاطُ) ، لِأَنَّهُ أَسْقَطَهُ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابِلِهِ تَأْجِيلٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَهُ كُلَّهُ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ، وَصَحَّحَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (دُونَ التَّأْجِيلِ) عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ، وَلِأَنَّهُ وَعْدٌ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ مِائَةٍ صِحَاحٍ بِخَمْسِينَ مُكَسَّرَةٍ هَلْ هُوَ إِبْرَاءٌ مِنَ الْخَمْسِينَ وَوَعْدٌ فِي الْأُخْرَى؛ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَإِنْ صَالَحَ عَنِ الْحَقِّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ مِثْلَ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دِيَةِ الْخَطَأِ، أَوْ عَنْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَصِحَّ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، لِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِقَدْرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا كَالثَّابِتَةِ عَنْ قَرْضٍ، إِذِ الزَّائِدُ لَا مُقَابِلَ لَهُ فَيَكُونَ حَرَامًا، لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَكَالْمِثْلِيِّ، وَقَيَّدَ فِي " الْفُرُوعِ "، وَغَيْرِهِ الْمُتْلَفَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مِثْلِيٍّ وَيُخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ تَأْجِيلُ الْقِيمَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُصَالِحَ عَنِ الْمِائَةِ الثَّابِتَةِ بِالتَّلَفِ بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، لِأَنَّهُ عَاوَضَ عَنِ الْمُتْلَفِ بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فَجَازَ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ إِيَّاهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 أَوْ عَنْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا، لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ صَالَحَهُ بِعِوَضٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْهَا، صَحَّ فِيهِمَا، وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ بَيْتٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهُ سَنَةً، أَوْ يَبْنِيَ لَهُ فَوْقَهُ غُرْفَةً لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَالَ: أَقِرَّ لِي بِدَيْنِي وَأُعْطِيكَ مِنْهُ مِائَةً فَفَعَلَ، صَحَّ الْإِقْرَارُ، وَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ، فَإِنْ صَالَحَ إِنْسَانًا لِيُقِرَّ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، أَوِ امْرَأَةً لِتُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ دَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعُبُودِيَّةَ إِلَى الْمُدَّعِي مَالًا صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ،   [المبدع في شرح المقنع] وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً بِتَأْجِيلِ الْحَالِّ فِي الْمُعَاوَضَةِ لَا التَّبَرُّعِ (وَإِنْ صَالَحَهُ بِعِوَضٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْهَا، صَحَّ فِيهِمَا) ، لِأَنَّهُ لَا رِبَا بَيْنَ الْعِوَضِ، وَالْمُعَوَّضِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مَا يُسَاوِي خَمْسَةً بِدِرْهَمٍ. (وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ بَيْتٍ) أَيْ: إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ بَيْتًا فَصَالَحَهُ (عَلَى أَنْ يَسْكُنَهُ سَنَةً، أَوْ يَبْنِيَ لَهُ فَوْقَهُ غُرْفَةً) ، أَوْ صَالَحَهُ عَلَى بَعْضِهِ (لَمْ يَصِحَّ) جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ يُصَالِحُهُ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى مِلْكِهِ، أَوْ مَنْفَعَتِهِ فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ تَبَرُّعًا مَتَى شَاءَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا، وَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُصَالَحَةِ مُعْتَقِدًا إِيجَابَهُ عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مَا سَكَنَ وَأَخَذَ مَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنَ الدَّارِ، لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (وَإِنْ قَالَه لَهُ: أَقِرَّ لِي بِدَيْنِي وَأُعْطِيكَ) ، أَوْ خُذْ (مِنْهُ مِائَةً فَفَعَلَ، صَحَّ الْإِقْرَارُ) ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِنْكَارُهُ (وَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ) ، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، فَلَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ بِإِقْرَارِهِ، وَأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ أَدَاؤُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ (وَإِنْ صَالَحَ إِنْسَانًا) مُكَلَّفًا (لِيُقِرَّ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ) أَيْ: بِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ (أَوِ امْرَأَةً لِتُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ صُلْحٌ يُحِلُّ حَرَامًا، لِأَنَّ إِرْقَاقَ النَّفْسِ وَبَذْلَ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بِعِوَضٍ لَا يَجُوزُ. (وَإِنْ دَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعُبُودِيَّةَ إِلَى الْمُدَّعِي مَالًا صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ، صَحَّ) ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ بَعِوَضٍ وَيُشْرَعُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الدَّافِعِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَيْهِ، زَادَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَيَدْفَعُ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا دَفَعَتْ إِلَيْهِ عِوَضًا عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَةِ لِيَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي " الْمُغْنِي "، وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 صَحَّ. النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يُصَالِحَ عَنِ الْحَقِّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ، فَإِنْ كَانَ بِأَثْمَانٍ عَنْ أَثْمَانٍ فَهُوَ صَرْفٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ فَهُوَ بَيْعٌ، وَإِنْ كَانَ بِمَنْفَعَةٍ   [المبدع في شرح المقنع] ظَاهِرُ " الْبُلْغَةِ "، لِأَنَّ الدَّفْعَ فِي الْإِنْكَارِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا أُجِيزَ الْخُلْعُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ إِلَى افْتِدَاءِ نَفْسِهَا، وَالثَّانِي: يَصِحُّ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي النِّكَاحِ فَجَازَ كَعِوَضِ الْخُلْعِ، وَالْمَرْأَةُ تَبْذُلُهُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَإِزَالَةِ الشُّرُورِ بِمَا تَوَجَّهَتِ الْيَمِينُ عَلَيْهَا لِكَوْنِ الْحَاكِمِ يَرَى ذَلِكَ، فَلَوْ صَالَحَتْهُ، ثُمَّ ثَبَتَتِ الزَّوْجِيَّةُ، فَإِنْ قُلْنَا: الصُّلْحُ بَاطِلٌ فَالنِّكَاحُ بَاقٍ بِحَالِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنَ الزَّوْجِ طَلَاقٌ، وَلَا خُلْعٌ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ صَحِيحٌ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: كَذَلِكَ، وَالثَّانِي: تَبِينُ مِنْهُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ، لِأَنَّهُ أَخَذَ الْعِوَضَ عَمَّا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ نِكَاحِهَا فَكَانَ خُلْعًا، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَخَالَعَهَا، وَلَوِ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ لِتَتْرُكَ دَعْوَاهَا لَمْ يَصِحَّ. وَقِيلَ: بَلَى، كَمَا لَوْ بَذَلَتْ لَهُ عِوَضًا لِيُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا. [النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يُصَالِحَ عَنِ الْحَقِّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ] (النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ صُلْحِ الْإِقْرَارِ (أَنْ يُصَالِحَ عَنِ الْحَقِّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ) ، كَمَا لَوِ اعْتَرَفَ لَهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ، أَوْ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يُعَوِّضُهُ عَنْهُ بِمَا يَجُوزُ تَعْوِيضُهُ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى أَقْسَامٍ نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ كَانَ بِأَثْمَانٍ عَنْ أَثْمَانٍ فَهُوَ صَرْفٌ) ، لِأَنَّهُ بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ فَيُشْتَرَطُ لَهُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَنَحْوِهِ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ فَهُوَ بَيْعٌ) ، لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا، وَفِيهِ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ: " بِعَرَضٍ فَبَيْعٌ " لَكَانَ أَوْلَى، فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ بِهِ كَالْمَبِيعِ وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. فَرْعٌ: إِذَا صَالَحَ عَنْ دَيْنٍ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُطْلَقًا وَيَحْرُمُ بِجِنْسِهِ بِأَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ، وَبِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ يَحْرُمُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَإِنْ كَانَ بِمَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى دَارٍ) ، أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ، أَوْ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا مَعْلُومًا (فَهُوَ إِجَارَةٌ) ، لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ (تَبْطُلُ بِتَلَفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 كَسُكْنَى دَارٍ فَهُوَ إِجَارَةٌ تَبْطُلُ بِتَلَفِ الدَّارِ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَإِنْ صَالَحَتِ الْمَرْأَةُ بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا، صَحَّ، فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْبٍ فِي مَبِيعِهَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ   [المبدع في شرح المقنع] الدَّارِ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ) ، فَإِنْ تَلَفَتْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنَ الْمَنْفَعَةِ انْفَسَخَتْ وَرَجَعَ بِمَا صَالَحَ عَنْهُ وَبَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِهَا يَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا وَيَرْجِعُ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَقِيلَ: إِنْ صَالَحَ عَنْ دَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ بِخِدْمَةٍ، أَوْ سُكْنَى، صَحَّ، فَإِنْ تَلَفَتِ الْعَيْنُ قَبْلَ الِانْتِفَاعِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَرَجَعَ بِمُقَابِلِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ إِنْكَارٍ رَجَعَ بِالدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ عَنْ إِقْرَارٍ رَجَعَ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ اسْتَوْفَى الْبَعْضَ رَجَعَ بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ. مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: إِذَا صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَتَهُ، صَحَّ بِشَرْطِهِ وَكَانَ الْمَصَالِحُ عَنْهَا صَدَاقَهَا، فَإِنِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأَمْرٍ يُسْقِطُ الصَّدَاقَ رَجَعَ الزَّوْجُ بِمَا صَالَحَ عَنْهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا صَالَحَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً، صَحَّ وَكَانَتْ إِجَارَةً، فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، صَحَّ عِتْقُهُ وَلِلْمُصَالِحِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ نَفْعَهُ فِي الْمُدَّةِ، وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ مَا أَزَالَ مِلْكَهُ بِالْعِتْقِ إِلَّا عَنِ الرَّقَبَةِ، وَالْمَنَافِعُ حِينَئِذٍ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ زَمِنًا، أَوْ أَمَةً مُزَوَّجَةً، وَقِيلَ: يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ. (وَإِنْ صَالَحَتِ الْمَرْأَةُ) أَيْ: بَعْدَ اعْتِرَافِهَا لَهُ بِدَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ (بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا، صَحَّ) ، وَيَكُونُ صَدَاقًا لَهَا، لِأَنَّ عَقْدَ التَّزْوِيجِ يَقْتَضِي عِوَضًا، فَإِذَا جَعَلَتْ ذَلِكَ عِوَضًا عَنِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهَا، صَحَّ كَغَيْرِهِ (فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْبٍ فِي مَبِيعِهَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ) كَبَيَاضٍ فِي عَيْنِ الرَّقِيقِ ظَنَّهُ عَمًى، وَانْتِفَاخِ بَطْنِ الْأَمَةِ يَظُنُّهَا حَامِلًا (رَجَعَتْ بِأَرْشِهِ) أَيْ: بِأَرْشِ الْعَيْبِ، لِأَنَّهُ صَدَاقُهَا (لَا بِمَهْرِهَا) أَيْ: مَهْرِ مَثْلِهَا، وَحِينَئِذٍ مَهْرُهَا أَرْشُهُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ مَوْجُودًا، ثُمَّ زَالَ كَمَبِيعٍ كَانَ مَرِيضًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 رَجَعَتْ بِأَرْشِهِ لَا بِمَهْرِهَا، وَإِنْ صَالَحَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ، لَمْ يَجُزِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ بِيعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُولِ بِمَعْلُومٍ إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ لِلْحَاجَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَعُوفِيَ لَا شَيْءَ لَهَا، لِأَنَّ زَوَالَ الْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حَالَ الْعَقْدِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَرْشِ لَا يُقَالُ: قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُصَرَّاةِ أَنَّهُ إِذَا صَارَ لَبَنُهَا عَادَةً وَطُلِّقَتِ الْمُزَوَّجَةُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ، فَإِذَا زَالَ الْعَيْبُ تَعَيَّنَ أَنْ لَا أَرْشَ، لِأَنَّ الرَّدَّ فَسْخٌ لِلْمِلْكِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فَيَسْتَدْعِي مَرْدُودًا بِخِلَافِ الْأَرْشِ، فَإِنَّهُ عِوَضٌ عَمَّا فَاتَ مِنَ الْعَيْبِ، فَلَمْ يَسْقُطْ وَقْتَ الْعَقْدِ بِزَوَالِهِ بَعْدَهُ (وَإِنْ صَالَحَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَجُزِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ بِيعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ) ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَلِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ دَيْنًا، لِأَنَّ مَحَلَّهُ الذِّمَّةُ (وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُولِ) عَيْنًا كَانَ، أَوْ دَيْنًا سَوَاءٌ جَهِلَاهُ، أَوْ جَهِلَهُ مِنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ (بِمَعْلُومٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ بِشَرْطٍ (إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ) أَيْ: يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ. قَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يُصَالِحُ عَنِ الشَّيْءِ: فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُوقِفَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا لَا يدري «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ بَيْنَهُمَا: اسْتَهِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ وَلْيَحْلِلْ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ إِسْقَاطُ حَقٍّ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ كَالْعِتَاقِ، وَالطَّلَاقِ (لِلْحَاجَةِ) ، وَلِأَنَّهُ إِذَا صَالَحَ مَعَ الْعِلْمِ وَإِمْكَانِ أَدَاءِ الْحَقِّ بِعَيْنِهِ فَلَأَنْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ أَوْلَى، وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ لَأَفْضَى إِلَى ضَيَاعِ الْحَقِّ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فَرْعُ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَأَسَاسَاتِ الْحَائِطِ وَطَيِّ الْبِئْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الصُّلْحُ بِمَجْهُولٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ وَاجِبٌ، وَالْجَهَالَةَ تَمْنَعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ فَكَبَرَاءَةٍ مِنْ مَجْهُولٍ، وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْإِرْشَادِ " وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَ " الشَّرْحِ " لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: إِنْ صُولِحَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ ثَمَنِهَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ شُرَيْحٍ، وَلِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلصُّلْحِ الْحَاجَةُ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ وَخَرَّجَ فِي " التَّعْلِيقِ "، وَ " الِانْتِصَارِ " فِي صُلْحِ الْمَجْهُولِ، وَالْإِنْكَارِ مِنَ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْمَجْهُولِ عَدَمَ الصِّحَّةِ وَخَرَّجَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا فَيُنْكِرَهُ، ثُمَّ يُصَالِحَهُ عَلَى مَالٍ، فَيَصِحُّ وَيَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي حَتَّى إِنْ وَجَدَ بِمَا أَخَذَ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ   [المبدع في شرح المقنع] فِي " التَّبْصِرَةِ " مِنَ الْإِبْرَاءِ مِنْ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمَا بِهِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ عَنْ أَعْيَانٍ مَجْهُولَةٍ لِكَوْنِهِ إِبْرَاءً وَهِيَ لَا تُقْبَلُ. [الثَّانِي الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ] فَصْلٌ (الْقِسْمُ الثَّانِي) : صُلْحٌ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَهُوَ (أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا فَيُنْكِرَهُ) ، أَوْ يَسْكُتَ (ثُمَّ يُصَالِحَهُ عَلَى مَالٍ، فَيَصِحُّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، فَإِنْ قُلْتَ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا» ، وَهَذَا دَاخِلٌ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَحَلَّ بِالصُّلْحِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِيهِ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَيْهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ يُوَحَّدُ فِي الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْهِبَةِ، فَإِنَّهُ يُحِلُّ لِلْمَوْهُوبِ مَا كَانَ حَرَامًا. والثَّانِي: لَوْ حَلَّ بِهِ الْمُحَرَّمُ لَكَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا، فَإِنَّ الصُّلْحَ الْفَاسِدَ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ مَعَ بَقَائِهِ على تحريمه، كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى اسْتِرْقَاقِ حُرٍّ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، فَصَحَّ مَعَ الْخَصْمِ كَالصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَشَرْطُ صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي يَعْتَقِدُ حَقِّيَّةَ مَا ادَّعَاهُ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَكْسَهُ فَيَدْفَعُ إِلَى الْمُدَّعِي شَيْئًا افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ وَقَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَصِيَانَةً لِنَفْسِهِ عَنِ التَّبَذُّلِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ ذَوِي الْأَنْفُسِ الشَّرِيفَةِ يَصْعُبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الشَّرِيعَةَ وَرَدَتْ بِجَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، وَهَذَا كَذَلِكَ، إِذِ الْمُدَّعِي يَأْخُذُ عِوَضَ حَقِّهِ الثَّابِتِ لَهُ فِي اعْتِقَادِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، لَكِنْ إِنْ أَخَذَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ لَمْ يَجُزْ بِأَكْثَرَ، لِأَنَّ الزَّائِدَ لَا مُقَابِلَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ وَدِيعَةً، أَوْ تَفْرِيطًا فِيهَا، أَوْ قِرَاضًا، فَأَنْكَرَ وَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ فَهُوَ جَائِزٌ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَغَيْرِهِ (وَيَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي) ، لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُ اعْتِقَادِهِ (حَتَّى إِنْ وَجَدَ بِمَا أَخَذَ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ الصُّلْحِ) ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا (وَإِنْ كَانَ شِقْصًا مَشْفُوعًا ثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ) ، لِأَنَّهُ بِيعَ لِكَوْنِهِ أَخَذَهُ عِوَضًا، كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ صَالَحَ بِبَعْضِ عَيْنِ الْمُدَّعي فَهُوَ فِيهِ كَمُنْكِرٍ، وَفِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ شِقْصًا مَشْفُوعًا ثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَيَكُونُ إِبْرَاءً فِي حَقِّ الْآخَرِ، فَلَا يُرَدُّ مَا صَالَحَ عَنْهُ بِعَيْبٍ، وَلَا تُؤْخَذُ بِهِ شُفْعَةٌ، وَمَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا بِكَذِبِ نَفْسِهِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ، وَمَا أَخَذَهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَالَحَ عَنِ الْمُنْكِرِ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ صَحَّ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ لِنَفْسِهِ   [المبدع في شرح المقنع] خِلَافٌ (وَيَكُونُ إِبْرَاءً فِي حَقِّ الْآخَرِ) أَيِ: الْمُنْكِرِ، لِأَنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْهُ لَا عِوَضًا عَنْ حَقٍّ يَعْتَقِدُهُ (فَلَا يُرَدُّ مَا صَالَحَ عَنْهُ بِعَيْبٍ، وَلَا تُؤْخَذُ بِهِ شُفْعَةٌ) لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ. أَصْلٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِحُلُولِ الْمَأْخُوذِ، وَلَا تَأْجِيلِهِ. وَلَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ أَنَّهُ يَصِحُّ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مُلْجَأٌ إِلَى التَّأْخِيرِ بِتَأْخِيرِ خَصْمِهِ. قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": وَظَاهِرُهُ لَا تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ إِلَّا فِيمَا يَخْتَصُّ الْبَائِعَ مِنْ شُفْعَةٍ عَلَيْهِ وَأَخْذِ زِيَادَةٍ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَاقْتَصَرَ الْمَجْدُ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ إِذَا صَالَحَهُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ بِتَأْخِيرٍ جَازَ. (وَمَتَّى كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا بِكَذِبِ نَفْسِهِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ) ، لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِالْحَقِّ قَادِرٌ عَلَى إِيصَالِهِ إِلَى مستحقه غير مُعْتَقِدٍ أَنَّهُ مُحِقٌّ (وَمَا أَخَذَهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ) ، لِأَنَّهُ أَكْلٌ لِلْمَالِ بِدَعْوَاهُ الْبَاطِلَةِ الْكَاذِبَةِ، وَلَا يَشْهَدُ لَهُ إِنْ عَلِمَ ظُلْمَهُ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ (وَإِنْ صَالَحَ عَنِ الْمُنْكِرِ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، صَحَّ) ، لِأَنَّهُ قَصَدَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ، اعْتَرَفَ لِلْمُدَّعِي بِصِحَّةٍ دَعَوَاهُ، أَوْ لَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعي دَيْنًا، أَوْ عَيْنًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ، لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ جَائِزٌ مُطْلَقًا لِقَضِيَّةِ أَبِي قَتَادَةَ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَفِي الْعَيْنِ إِذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْمُنْكِرَ وَكَّلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ، وَ " الْوَجِيزِ " افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ وَقَطْعًا لِلْخُصُومَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ إِذْنِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ وَكَيْلُهُ. فَلَوْ قَالَ: صَالِحْنِي عَنِ الْمِلْكِ الَّذِي تَدَّعِيهِ فَفِي كَوْنِهِ مُقِرًّا لَهُ وَجْهَانِ (وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) ، لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ، وَالثَّانِي: يَرْجِعُ كَالضَّمَانِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، وَهُمَا إِذَا نَوَى الرُّجُوعَ، وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إِذَا قَضَى دَيْنَهُ الثَّابِتَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَفِي هَذَا التَّخْرِيجِ نَظَرٌ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 لِتَكُونَ الْمُطَالَبَةُ لَهُ غَيْرَ مُعْتَرِفٍ بِصِحَّةِ الدَّعْوَى، أَوْ مُعْتَرِفًا بِهَا عَالِمًا بِعَجْزِهِ عَنِ اسْتِنْقَاذِهَا، لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ صَحَّ، ثُمَّ إِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فَسْخِ الصُّلْحِ وَإِمْضَائِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ هَذَا لَا يُثْبِتُ وَجُوبَهَ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ إِلَى الْمُدَّعِي فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ إِلَى غَيْرِهِ (وَإِنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ لِنَفْسِهِ لِتَكُونَ الْمُطَالَبَةُ لَهُ غَيْرَ مُعْتَرِفٍ بِصِحَّةِ الدَّعْوَى) فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ، وَلَا تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ خُصُومَةٌ يَفْتَدِي مِنْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَى مِلْكَ غَيْرِهِ (أَوْ مُعْتَرِفًا بِهَا عَالِمًا بِعَجْزِهِ عَنِ اسْتِنْقَاذِهَا لَمْ يَصِحَّ) ، لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَا يَقْدِرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَشِرَاءِ الْآبِقِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالِحُ عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ عَيْنًا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، فَصَحَّحَاهُ فِي الْعَيْنِ، لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ مِلْكَهُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى قَبْضِهِ وَمَنَعَاهُ فِي الدَّيْنِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَحَكَيَا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ صِحَّتَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ الْمُقِرِّ بِهِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَصِحُّ فَفِي ذِمَّةِ مُنْكِرٍ مَعْجُوزٍ عَنْ قَبْضِهِ أَوْلَى، فَإِنِ اشْتَرَاهُ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ قَبْضِهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَبْضَهُ مُمْكِنٌ، صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ (وَإِنْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ، صَحَّ) أَيْ: مَعَ الِاعْتِرَافِ بِصِحَّةِ الدَّعْوَى، لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ مِلْكَهُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ (ثُمَّ إِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فَسْخِ الصُّلْحِ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إِلَى بَدَلِهِ (وَإِمْضَائِهِ) ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " احْتِمَالُ أَنَّهُ إِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ فَاسِدًا، لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى قَبْضِهِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ حَالَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَمَا لَوِ اشْتَرَى عَبْدَهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ آبِقًا. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ أَجْنَبِيٌّ: أَنَا وَكِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مُصَالَحَتِكَ، وَهُوَ مُقِرٌّ لَكَ فِي الْبَاطِنِ، فَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ وَمَتَى صَدَّقَهُ الْمُنْكِرُ مَلَكَ الْعَيْنَ وَلَزِمَهُ مَا أَدَّى عَنْهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ حَلَّفَهُ وَبَرِئَ وَحَكَمَ مِلْكَهَا فِي الْبَاطِنِ إِنْ كَانَ وَكَّلَهُ، فَلَا يَقْدَحُ إِنْكَارُهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 فَصْلٌ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْقِصَاصِ بِدِيَاتٍ وَبِكُلِّ مَا يُثْبِتُ مَهْرًا وَلَوْ صَالَحَ سَارِقًا   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: قَدْ عَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صِحَّةَ دَعَوَاكَ، وَهُوَ يَسْأَلُكَ أَنْ تُصَالِحَهُ عَنْهُ، وَقَدْ وَكَّلَنِي فِي الْمُصَالَحَةِ عَنْهُ صَحَّ، وَإِنْ صَالَحَ عَنِ الْمُنْكِرِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُنْكِرَ أَقَرَّ قَبْلَ الصُّلْحِ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي لَمْ يُسْمَعْ، وَلَمْ يُنْقَضِ الصُّلْحُ، وَلَوْ شَهِدَتْ بِأَصْلِ الْمِلْكِ. [الصُّلْحُ عَنِ الْقِصَاصِ] فَصْلٌ هَذَا شُرُوعٌ فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ (يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْقِصَاصِ) ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ إِقْرَارٍ، وَإِنْكَارٍ. قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَ " الْمُغْنِي " يَجُوزُ عَنْ قَوَدٍ وَسُكْنَى دَارٍ وَعَيْبٍ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ. وَقَالَ فِي " الْفُصُولِ ": وَإِنَّ الْقَوَدَ لَهُ بَدَلٌ، وَهُوَ الدِّيَةُ كَالْمَالِ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ. وَقَالَ: إِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا مِنَ الْغَيْرِ، صَحَّ، وَمِنْهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الصُّلْحِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَإِنَّهُ يَتَخَرَّجُ فِيهِ كَالْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَإِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا بِصِحَّةِ الصُّلْحِ عَنِ الْمَجْهُولِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فِي صُبْرَةٍ أَتْلَفَهَا جَهْلًا كَيْلَهَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي (بِدِيَاتٍ) ، لِأَنَّ الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاص بَذَلُوا لِلَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ سَبْعَ دِيَاتٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَلِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَلَا يَقَعُ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَتِهِ (وَبِكُلِّ مَا يُثْبِتُ مَهْرًا) . قَالَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ إِسْقَاطُهُ فَلَأَنْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَإِنْ جَاوَزَ الدِّيَةَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِدُونِ دِيَتِهِ وَأَكْثَرَ إِنْ وَجَبَ الْقَوَدُ عَيْنًا، أَوْ طَلَبَ الْوَلِيُّ وَقُلْنَا: يَجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " لَا يَصِحُّ عَلَى جِنْسِ الدِّيَةِ إِنْ قِيلَ: مُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، وَلَمْ يَخْتَرِ الْوَلِيُّ شَيْئًا إِلَّا بَعْدَ تَعْيِينِ الْجِنْسِ مِنْ إِبِلٍ، أَوْ غَنَمٍ حِذَارًا مِنَ الرِّبَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ. فَرْعٌ: إِذَا صَالَحَ عَنْهُ بِعَبْدٍ فَخَرَجَ مُسْتَحِقًّا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَكَذَا إِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 لِيُطْلِقَهُ، أَوْ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ، أَوْ شَفِيعًا عَنْ شُفَعَتِهِ، أَوْ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ، لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، وَفِي الْحَدِّ وَجْهَانِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] خَرَجَ حُرًّا، وَمَعَ جَهَالَتِهِ، كَدَارٍ، وَشَجَرَةٍ تَجِبُ دِيَتُهُ، أَوْ أَرْشُ الْجُرْحِ، فَإِنْ عَلِمَا بِحُرِّيَّتِهِ، أَوْ كَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا رَجَعَ بِالدِّيَةِ لِبُطْلَانِ الصُّلْحِ بِعِلْمِهِمَا، وَإِنْ صَالَحَ عَنْ دَارٍ، فَبَانَ عِوَضُهُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ بِهَا، وَقِيلَ: بِقِيمَتِهِ مَعَ الْإِنْكَارِ، لِأَنَّ الصُّلْحَ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ عِوَضًا عَنِ الْقِصَاصِ. (وَلَوْ صَالَحَ سَارِقًا لِيُطْلِقَهُ، أَوْ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ، أَوْ شَفِيعًا عَنْ شُفْعَتِهِ، أَوْ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ) ، وَفِيهِ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ: إِذَا صَالَحَ سَارِقَهُ لِيُطْلِقَهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ الرَّفْعَ إِلَى السُّلْطَانِ لَيْسَ حَقًّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ كَسَائِرِ مَا لَا حَقَّ فِيهِ، وَكَذَا حُكْمُ الزَّانِي، وَالشَّارِبِ. الثَّانِي: إِذَا صَالَحَ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ كِتْمَانَهَا حَرَامٌ لَمْ يَصْحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَشْمَلُ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ تَلْزَمُهُ الشَّهَادَةُ بِهِ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، أَوْ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالزَّكَاةِ وَمِنْهَا أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ فَهُوَ حَرَامٌ، كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَقْتُلَهُ، وَلَا يَغْصِبَ مَالَهُ وَمِنْهَا أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَلَّا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ حَدَّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ فِي الْكُلِّ. الثَّالِثُ: إِذَا صَالَحَ الشَّفِيعَ عَنْ شُفْعَتِهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، فَإِذَا رَضِيَ بِالْعِوَضِ تَبَيَّنَّا أَنْ لَا ضَرَرَ، فَلَا اسْتِحْقَاقَ فَيَبْطُلُ الْعِوَضُ لِبُطْلَانِ مُعَوَّضِهِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الشُّفْعَةُ لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ (وَ) حِينَئِذٍ (تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا قُلْنَاهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا تَسْقُطُ، لِأَنَّ فِيهَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ ". الرَّابِعُ: إِذَا صَالَحَ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَحَدِّ الزِّنَا، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ، الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يَؤُولُ إِلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَصَّاصِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 أَرْضِهِ أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا، صَحَّ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَمَرًّا فِي دَارٍ وَمَوْضِعًا في   [المبدع في شرح المقنع] (وَفِي) سُقُوطِ (الْحَدِّ) بِهِ (وَجْهَانِ) مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَسْقُطُ، أَوْ لَهُ فَيَسْقُطُ بِصُلْحِهِ وَإِسْقَاطِهِ كَالْقِصَاصِ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ". فَرْعٌ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ بِعِوَضٍ عَنْ خِيَارٍ (وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَى أَرْضِهِ، أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا، صَحَّ) ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ وَاشْتَرَطَ الْعِلْمَ بِهِ، لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ ضَرَرُهُ بِكَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ، وَطَرِيقُ الْعِلْمِ إِمَّا بِمُشَاهَدَةٍ، وَإِمَّا بِمَعْرِفَةِ مِسَاحَتِهِ فَيُقَدَّرُ فِي الْأَرْضِ بِالْفَدَّانِ، وَفِي السَّطْحِ صِغَرِهِ، أَوْ كِبَرِهِ وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى السَّطْحِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، فَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فَإِجَارَةٌ، وَإِلَّا فَبَيْعٌ، وَلَا يُعْتَبَرُ بَيَانُ عُمْقِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا مَلَكَ الْمَوْضِعَ كَانَ لَهُ إِلَى تُخُومِهِ، وَلَا تَعْيِينُ الْمُدَّةِ، إِذِ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ جَائِزٌ كَالنِّكَاحِ، وَفِي " الْقَوَاعِدِ " لَيْسَ بِإِجَارَةٍ مَحْضَةٍ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ. وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْدِثُ سَاقِيَةً فِي وَقْفٍ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا كَالْمُؤَجَّرَةِ، وَجَوَّزَهُ فِي " الْمُغْنِي "، لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ مَا لَمْ يَنْقُلِ الْمِلْكَ، فَدَلَّ أَنَّ الْبَابَ، وَالْخَوْخَةَ وَنَحْوَهُمَا لَا يَجُوزُ فِي مُؤَجَّرَةٍ، وَفِي مَوْقُوفَةٍ الْخِلَافُ، أَوْ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَوْلَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ وَإِذْنُ الْحَاكِمِ، بَلْ عَدَمُ الضَّرَرِ. تَنْبِيهٌ: يَحْرُمُ إِجْرَاءُ مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِلَا إِذْنِهِ لِتَضَرُّرِهِ، أَوْ أَرْضِهِ وَكَزَرْعِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، وَعَنْهُ: لَا لِقَوْلِ عُمَرَ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ، لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِ، وَقَوْلُ عُمَرَ خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَعَلَى الثَّانِيَةِ تُعْتَبَرُ الضَّرُورَةُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ ". وَقِيلَ: مَعَ الْحَاجَةِ، وَلَوْ مَعَ حَفْرٍ. وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ إِذَا أَسَاحَ عَيْنًا تَحْتَ أَرْضٍ، فَانْتَهَى حَفْرُهُ إِلَى أَرْضٍ لِرَجُلٍ، أَوْ دَارٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ ظَهْرِ الْأَرْضِ ولا بطنها إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ، وَفِيهِ حَدِيثُ الْخَشَبَةِ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَمَرًّا فِي دَارٍ وَمَوْضِعًا في حائط يَفْتَحُهُ بَابًا وَبُقْعَةً يَحْفِرُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 حائط يَفْتَحُهُ بَابًا وَبُقْعَةً يَحْفِرُهَا بِئْرًا، وَعُلُوَّ بَيْتٍ يَبْنِي عَلَيْهِ بُنْيَانًا مَوْصُوفًا، فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ غَيْرَ مَبْنِيٍّ، لَمْ يَجُزْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَجُوزُ إِذَا وَصَفَ الْعُلُوَّ، وَالسُّفْلَ، وَإِنْ حَصَلَ فِي هَوَائِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ غَيْرِهِ، فَطَالَبَهُ بِإِزَالَتِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ،   [المبدع في شرح المقنع] بِئْرًا) ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا فَجَازَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا بِالصُّلْحِ كَالدَّرْبِ، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالدَّارِ، بَلِ الْأَمْلَاكُ كُلُّهَا كَذَلِكَ، وَلَوْ غَبَّرَ مَمَرًّا فِي مِلْكِهِ لَكَانَ أَوْلَى وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا (وَ) يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ (عُلُوَّ بَيْتٍ يَبْنِي عَلَيْهِ بُنْيَانًا مَوْصُوفًا) ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْأَرْضِ وَمَعْنَى " مَوْصُوفًا " أَيْ: مَعْلُومًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ عَلَى الْوَقْفِ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْوَقْفِ مَا يَضُرُّ بِهِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ غَيْرَ مَبْنِيٍّ لَمْ يَجُزْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ بَيْعُ الْعُلُوِّ دُونَ الْقَرَارِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْمَعْدُومِ (وَفِي الْآخَرِ يَجُوزُ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُصَالِحِ فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقَرَارِ، وَشَرْطُهُ (إِذَا وَصَفَ الْعُلُوَّ، وَالسُّفْلَ) لِيَكُونَ مَعْلُومًا وَيَصِحَّ فِعْلُ ذَلِكَ صُلْحًا أَبَدًا وَإِجَارَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً أَيْضًا (وَإِنْ حَصَلَ فِي هَوَائِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ غَيْرِهِ فَطَالَبَهُ بِإِزَالَتِهَا) أَيْ: بِإِزَالَةِ أَغْصَانِهَا (لَزِمَهُ ذَلِكَ) ، لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، فَوَجَبَ إِزَالَةُ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ كَالدَّابَّةِ إِذَا دَخَلَتْ مِلْكَهُ، وَطَرِيقُهُ إِمَّا الْقَطْعُ أَوْ لَيُّهُ إِلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ أَوْ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ (فَإِنْ أَبَى فَلَهُ) أَيْ: مَالِكِ الْهَوَاءِ (قَطْعُهَا) ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْإِزَالَةِ كَغَيْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ إِخْلَاءُ مِلْكِهِ الْوَاجِبِ إِخْلَاؤُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمٍ بِذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ إِزَالَتُهَا بِلَا إِتْلَافٍ، وَلَا قَطْعٍ مِنْ غَيْرِ سَفَهٍ، وَلَا غَرَامَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ إِتْلَافُهَا كَالْبَهِيمَةِ، فَإِنْ أَتْلَفَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ غَرِمَهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِزَالَتُهَا إِلَّا بِالْإِتْلَافِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَكِنْ قِيلَ لِأَحْمَدَ: يَقْطَعُهُ هُوَ؟ قَالَ: لَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ حَتَّى يَقْطَعَ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِزَالَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 فَإِنْ أَبَى فَلَهُ قَطْعُهَا فَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ، لَمْ يَجُزْ وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ، أَوْ بَيْنَهُمَا جَازَ، وَلَمْ يَلْزَمْ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] غَيْرِ فِعْلِهِ، فَإِنْ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْهُ، قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ احْتِمَالًا، وَهُوَ وَجْهٌ: ضِدَّهُ (فَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ) . قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، سَوَاءٌ كَانَ الْغُصْنُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، لِأَنَّ الرَّطْبَ يَزِيدُ وَيَتَغَيَّرُ، وَالْيَابِسَ يَنْقُصُ وَرُبَّمَا ذَهَبَ كُلُّهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " إِنْ كَانَت الْأَغْصَانُ رَطْبَةً لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ عَنْهَا لِزِيَادَتِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي فِي الْيَابِسِ أَنْ يَكُونَ مُعْتَمِدًا عَلَى نَفْسِ الْحَائِطِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْهَوَاءِ فَلَا، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ لِكَوْنِهَا لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ بِخِلَافِ الْعِوَضِ، فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَأَيَّدَهُ فِي " الْمُغْنِي ". وَقَالَ: هُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِ أَحْمَدَ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ لِكَثْرَتِهَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُتَجَاوِرَةِ، وَفِي الْقَطْعِ إِتْلَافٌ وَضَرَرٌ، وَالزِّيَادَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ يُعْفَى عَنْهَا كَالسِّمَنِ الْحَادِثِ فِي الْمُسْتَأْجَرِ لِلرُّكُوبِ (وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ) أَيْ: لِمَالِكِ الْهَوَاءِ (أَوْ بَيْنَهُمَا جَازَ) ، لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الثَّمَرَةِ، أَوْ بَعْضِهَا أَسْهَلُ مِنَ الْقَطْعِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَاسْتَحَقَّ أَنْ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": فَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ لِمَا روى مكحول مَرْفُوعًا: أَيُّمَا شَجَرَةٍ ظَلَّلَتْ عَلَى قَوْمٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قَطْعِ مَا ظَلَّلَ، أَوْ أَكْلِ ثَمَرِهَا وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهَا، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ وَجَوَّهَا مَجْهُولَانِ وَمِنْ شَرْطِ الصُّلْحِ الْعِلْمُ بِالْعِوَضِ (وَلَمْ يَلْزَمْ) ، إِذْ لُزُومُهُ يُؤَدِّي إِلَى ضَرَرِ مَالِكِ الشَّجَرَةِ لِتَأَبُّدِ اسْتِحْقَاقِ الثَّمَرَةِ عَلَيْهِ، أَوْ إِلَى ضَرَرِ مَالِكِ الْهَوَاءِ لِتَأَبُّدِ بَقَاءِ الْأَغْصَانِ فِي مِلْكِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 سَابَاطًا، وَلَا دُكَّانًا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ، وَلَا دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ، فَإِنْ صَالَحَ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ جَازَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا كَانَ ظَهْرُ دَارِهِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: ثَمَرَةُ غُصْنٍ فِي هَوَاءِ طَرِيقٍ عَامٍّ لِلْمُسْلِمِينَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْهِجِ ". آخَرُ: حُكْمُ عُرُوقِ الشَّجَرَةِ إِذَا امْتَدَّتْ إِلَى أَرْضِ غَيْرِهِ كَالْغُصْنِ، سَوَاءٌ أَثَّرَتْ ضَرَرًا لِتَأْثِيرِهَا فِي الْمَصَانِعِ وَطَيِّ الْآبَارِ وَأَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ أَوْ لَا، وَقِيلَ عَنْهُ: إِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ مَعَ الضَّرَرِ. [عَدَمُ جَوَازِ إِشْرَاعِ جَنَاحٍ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ] (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا) ، وَهُوَ الرَّوْشَنُ عَلَى أَطْرَافِ خَشَبٍ مَدْفُونَةٍ فِي الْحَائِطِ (وَلَا سَابَاطًا) وَهُوَ الْمُسْتَوْفِي لِلطَّرِيقِ كُلِّهِ عَلَى جِدَارَيْنِ (وَلَا دُكَّانًا) ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَغَيْرِ النَّافِذِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ، أَوْ لَا، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَضُرَّ حَالًا، فَقَدْ يَضُرُّ مَآلًا أَذِنَ الْإِمَامُ فِيهِ أَوْ لَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِي مَا لَا مَصْلَحَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ لَا سِيَّمَا إِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ضِرَارًا عَلَيْهِمْ فِي الْمَآلِ، فَعَلَى هَذَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ الدُّكَّانُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ بِلَا ضَرَرٍ، لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فَجَرَى إِذْنُهُ مَجْرَى إِذْنِهِمْ، وَفِي " الْفُرُوعِ " جَوَّزَهُ الْأَكْثَرُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَأَمْكَنَ عُبُورُ مِحْمَلٍ. وَقِيلَ: وَرُمْحٍ قَائِمًا بِيَدِ فَارِسٍ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ أَكْثَرُهُمْ بَلْ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْعِمَارَاتِ وَالْمَحَامِلِ. فَرْعٌ: حُكْمُ الْمَيَازِيبِ، وَالدَّكَّةِ كَالْجَنَاحِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ عُمَرَ اجْتَازَ عَلَى دَارِ الْعَبَّاسِ، وَقَدْ نَصَبَ مِيزَابًا إِلَى الطَّرِيقِ فَقَلَعَهُ فَقَالَ تَقْلَعُهُ، وَقَدْ نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ؛ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا عَلَى ظَهْرِي، فَانْحَنَى حَتَّى صَعِدَ عَلَى ظَهْرِهِ فَنَصَبَهُ» ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ، وَفِي سُقُوطِ نِصْفِ الضَّمَانِ بِتَآكُلِ أَصْلِهِ وَجْهَانِ (وَلَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ، وَلَا دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ) ، لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِمْ، فَإِذَا رَضُوا بِإِسْقَاطِهِ جَازَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إِلَى الْجُمَلِ الْأَخِيرَةِ، لِأَنَّ أَهْلَ الطَّرِيقِ النَّافِذِ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ فَالْإِذْنُ مِنْ جَمِيعِهِمْ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْجَوَازِ (فَإِنْ صَالَحَ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ جَازَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَفَتَحَ فِيهِ بَابًا لِغَيْرِ الِاسْتِطْرَاقِ جَازَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَإِنْ فَتَحَهُ لِلِاسْتِطْرَاقِ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ صَالَحَهُمْ جَازَ، وَلَوْ   [المبدع في شرح المقنع] " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، لِأَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَجَازَ أَخْذُ عِوَضِهِ كَالْقَرَارِ، وَشَرْطُهُ أَنَّ مَا يُخْرِجُهُ مَعْلُومُ الْمِقْدَارِ مِنَ الْخُرُوجِ، وَالْعُلُوِّ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ. قَالَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْهَوَاءِ، وَظَاهِرُهُ التَّعْمِيمُ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي " الْكَافِي " بِأَنَّ الْمَنْعَ فِي الْجَنَاحِ، وَالسَّابَاطِ، وَأَمَّا الدُّكَّانُ، فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْعِلَّةُ لِكَوْنِهَا تُبْنَى عَلَى الْقَرَارِ لَا عَلَى هَوَائِهِ. (وَإِذَا كَانَ ظَهْرُ دَارِهِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَفَتَحَ فِيهِ بَابًا لِغَيْرِ الِاسْتِطْرَاقِ جَازَ) ، لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ جَمِيعِ حَائِطِهِ، فَبَعْضُهُ أَوْلَى (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ) حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّ شَكْلَ الْبَابِ مَعَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ رُبَّمَا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى حَقِّ الِاسْتِطْرَاقِ فَيَضُرُّ بِأَهْلِ الدَّرْبِ بِخِلَافِ رَفْعِ الْحَائِطِ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ (وَإِنْ فَتَحَهُ لِلِاسْتِطْرَاقِ لَمْ يَجُزْ) ، إِذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الدَّرْبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ غَيْرِهِ (إِلَّا بِإِذْنِهِمْ) ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، وَقَدْ رَضُوا بِإِسْقَاطِهِ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَجُزْ لَا الْمُسْتَثْنَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَفْعَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ حَقَّ الِاسْتِطْرَاقِ فِي مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فَتْحُهُ فِي دَرْبٍ نَافِذٍ لِأَنَّهُ يَرْتَفِقُ بِمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بِمِلْكِ أَحَدٍ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ: فِيهِ إِضْرَارٌ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ لِجَعْلِهِ نَافِذًا يُسْتَطْرَقُ إِلَيْهِ مِنَ الشَّارِعِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ الطَّرِيقُ نَافِذًا، وَإِنَّمَا تَصِيرُ دَارُهُ نَافِذَةً، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ اسْتِطْرَاقُهَا (وَإِنْ صَالَحَهُمْ جَازَ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُمْ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَلَوْ أَنَّ بَابَهُ فِي آخِرِ الدَّرْبِ) أي: غير النَّافِذِ (مَلَكَ نَقْلَهُ إِلَى أَوَّلِهِ) أَيْ: بِلَا ضَرَرٍ، لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ، لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِطْرَاقَ إِلَى آخِرِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ "، وَقِيلَ: لَا مُحَاذِيًا لِبَابِ غَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ أَرَادَ نَقْلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 أَنَّ بَابَهُ فِي آخِرِ الدَّرْبِ؛ مَلَكَ نَقْلَهُ إِلَى أَوَّلِهِ، وَلَمْ يَمْلِكْ نَقْلَهُ إِلَى دَاخِلٍ مِنْهُ فِي أَحَدِ   [المبدع في شرح المقنع] إِلَى مَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ (وَلَمْ يَمْلِكْ نَقْلَهُ إِلَى دَاخِلٍ مِنْهُ) ، وَهُوَ تِلْقَاءَ صَدْرِ الزُّقَاقِ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ بَابَهُ إِلَى مَوْضِعِ الِاسْتِطْرَاقِ لَهُ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ مَنْ فَوْقَهُ، وَقِيلَ: وَأَسْفَلَ مِنْهُ، وَيَكُونُ إِعَارَةً فِي الْأَشْبَهِ وَظَاهِرُ نَقْلِ يَعْقُوبَ يَجُوزُ إِنْ سَدَّ الْأَوَّلَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالثَّانِي: الْجَوَازُ، لِأَنَّ لَهُ فِي الِابْتِدَاءِ جَعْلَ بَابِهِ حَيْثُ شَاءَ فَتَرْكُهُ لَهُ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنْهُ. فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ: إِذَا كَانَ فِي الدَّرْبِ بَابَانِ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِ الدَّرْبِ، وَالْآخَرُ فِي دَاخِلِهِ فَلِصَاحِبِ الدَّاخِلِ تَحْوِيلُهُ حَيْثُ شَاءَ، لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيمَا يُجَاوِزُ الْبَابَ الْأَوَّلَ إِذَا قُلْنَا: لَيْسَ لِلْقَرِيبِ أَنْ يُقَدِّمَهُ إِلَى دَاخِلٍ، وَعَلَى الثَّانِي: لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَقْدِيمُهُ، فَإِنْ كَانَ فِي دَاخِلِ الدَّرْبِ بَابٌ لِثَالِثٍ فَحُكْمُ الْأَوْسَطِ كَالْأَوَّلِ. الثَّانِي: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ دَارَانِ مُتَلَاصِقَتَانِ ظَهْرُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى بَابُهُمَا فِي دَرْبَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ غَيْرِ نَافِذٍ جَازَ لَهُ رَفْعُ الْحَاجِبِ بَيْنَهُمَا وَجَعْلُهُمَا دَارًا وَاحِدَةً، فَإِنْ فَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا لِيَتَمَكَّنَ مِنَ التَّطَرُّقِ إِلَى كِلَا الدَّرْبَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ فِي دَرْبٍ لَا يَنْفُذُ مِنْ دَارٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا طَرِيقٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " الْأَشْبَهُ الْجَوَازُ، لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ الْحَاجِزِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى. الثَّالِثُ: يَحْرُمُ إِحْدَاثُهُ فِي مِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ كَحَمَّامٍ وَتَنُّورٍ وَكَنِيفٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَهُ مَنْعُهُ كَابْتِدَاءِ إِحْيَائِهِ وَكَدَقٍّ وَسَقْيٍ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ بِخِلَافِ طَبْخِهِ وَخَبْزِهِ، لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ فِي مِلْكِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ وَكَتَعْلِيَةِ دَارِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَلَوْ أَفْضَى إِلَى سَدِّ الْفَضَاءِ عَنْ جَارِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَدِ احْتَجَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِي حَائِطِ جَارِهِ، وَلَا الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً، وَلَا طَاقًا إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ. وَلَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبَةٍ عَلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ لَا يُمْكِنُهُ   [المبدع في شرح المقنع] أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ، وَلَا إِضْرَارَ.» فَيَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ (أَنْ يَفْتَحَ فِي حَائِطِ جَارِهِ، وَلَا الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً، وَلَا طَاقًا) ، لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَتَصَرُّفٌ فِيهِ بما يضره، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرِزَ فِيهِ وَتَدًا، أَوْ يُحْدِثَ حَائِطًا، وَكَذَا يُمْنَعُ مِنْ بِنَاءِ سُتْرَةٍ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَحَمَلَ الْقَاضِي نَصَّهُ: يَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ مَعَ شَرِيكِهِ عَلَى السُّتْرَةِ عَلَى سُتْرَةٍ قَدِيمَةٍ انْهَدَمَتْ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وُجُوبَهَا مُطْلَقًا عَلَى نَصِّهِ وَيُبَاحُ اسْتِنَادُهُ إِلَيْهِ وَإِسْنَادُ شَيْءٍ، لِأَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، وَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ يَشُقُّ، وَفِي " النِّهَايَةِ " فِي مَنْعِهِ احْتِمَالَانِ وَلَهُ الْجُلُوسُ فِي ظِلِّهِ وَنَظَرُهُ فِي ضَوْءِ سِرَاجِهِ. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يَسْتَأْذِنُهُ أَعْجَبُ إِلَيَّ، فَإِنْ مَنَعَهُ، حَاكَمَهُ. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: لَا يَسْتَأْذِنُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَيْنُ، وَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا عَادَةً لَا يَصِحُّ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا عَقْدُ بَيْعٍ، أَوْ إِجَارَةٍ اتِّفَاقًا (إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بَعِوَضٍ جَازَ. [حُكْمُ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِ الْجَارِ] (وَلَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبَةٍ عَلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ) فَيَجُوزُ، نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَمْنَعَنْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ. ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؛ وَاللَّهِ لِأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَعْنَاهُ لَأَضَعَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ وَلِأَحْمِلَنَّكُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَأَضَعَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 التَّسْقِيفُ إِلَّا بِهِ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ: عَلَى أَنَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] جُذُوعَ الْجِيرَانِ عَلَى أَكْتَافِكُمْ مُبَالَغَةً، وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِحَائِطِ جَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهِ، أَشْبَهَ الِاسْتِنَادَ إِلَيْهِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إنَّهُ يَجُوزُ لِحَاجَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْحَائِطِ، فَإِنْ أَضَرَّ بِهِ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ وَضْعُهُ عَلَى غَيْرِهِ. فَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: لَا يَجُوزُ، وَذَهَبَ ابْنُ عَقِيلٍ إِلَى جَوَازِهِ لِلْخَبَرِ (بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ التَّسْقِيفُ إِلَّا بِهِ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلضَّرُورَةِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَائِطٌ وَاحِدٌ، أَوْ حَائِطَانِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ لِجَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَائِطٌ وَاحِدٌ وَلِجَارِهِ ثَلَاثَةٌ، وَرَدَّهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ. وَإِنَّمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: لَا يمنعه إِذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ وَكَانَ الْحَائِطُ يَبْقَى، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ التَّسْقِيفُ عَلَى حَائِطَيْنِ إِذَا كَانَا غَيْرَ مُتَقَارِبَيْنِ، أَوْ كَانَ الْبَيْتُ وَاسِعًا يَحْتَاجُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ جِسْرًا، ثُمَّ يَضَعَ الْخَشَبَ عَلَى ذَلِكَ الْجِسْرِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُهُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِبَالِغٍ، أَوْ يَتِيمٍ عَاقِلٍ، أَوْ مَجْنُونٍ، لَا يُقَالُ: قِيَاسُهُ يَجُوزُ فَتْحُ الطَّاقِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ وَضْعَ الْخَشَبِ يَنْفَعُ الْحَائِطَ وَيُمْكِنُهُ بِخِلَافِ فَتْحِ الطَّاقِ، فإنه يضره (وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ) نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي الْمَنْعَ، تُرِكَ فِي حَقِّ الْجَارِ لِلْخَبَرِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ (وَهَذَا تَنْبِيهٌ) أَيْ: خَرَّجَ مِنْهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا (عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ) ، لِأَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ وَضْعِهِ عَلَى الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنَ الْمِلْكِ الْمُخْتَصِّ بِغَيْرِهِ أَوْلَى وَيَتَأَكَّدُ الْمَنْعُ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّهُولَةِ، وَالْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ، وَالضِّيقِ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا مَلَكَ وَضْعَ خَشَبَةٍ عَلَى حَائِطٍ فَزَالَ بِسُقُوطِهِ، أَوْ قَلْعِهِ، أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 لَا يَضَعُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ فَانْهَدَمَ فَطَالَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبِنَائِهِ مَعَهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا يُجْبَرُ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ بِنَائِهِ، فَإِنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] سُقُوطِ الْحَائِطِ، ثُمَّ أُعِيدَ فَلَهُ إِعَادَةُ خَشَبَةٍ عَلَيْهِ، لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُجَوِّزَ لِوَضْعِهِ مُسْتَمِرٌّ فَاسْتَمَرَّ الِاسْتِحْقَاقُ. الثَّانِيَةُ: إِذَا مَلَكَ وَضْعَ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْ إِجَارَتَهُ، وَلَا إِعَارَتَهُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا مَلَكَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ هُنَا، فَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْجِدَارِ إِجَارَتَهُ، أَوْ إِعَارَتَهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ هَذَا الْمُسْتَحِقَّ لَمْ يَمْلِكْهُ، كَمَا لَوْ أَرَادَ هَدْمَ الْحَائِطِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. الثَّالِثَةُ: إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي وَضْعِ خَشَبَةٍ، أَوِ الْبِنَاءِ عَلَى جِدَارِهِ بِعِوَضٍ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ إِجَارَةً فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ صُلْحًا عَلَى وَضْعِهِ عَلَى التَّأْيِيدِ وَمَتَى زَالَ فَلَهُ إِعَادَتُهُ وَيَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ مَعْلُومَ الْعَرْضِ، وَالطُّولِ، وَالسُّمْكِ، وَالْآلَاتِ مِنَ الطِّينِ، وَاللَّبِنِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضًا، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ. الرَّابِعَةُ: إِذَا وَجَدَ خَشَبَهُ، أَوْ بِنَاءَهُ، أَوْ مَسِيلَ مَائِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ وَضْعُهُ بِحَقٍّ فَمَتَى زَالَ فَلَهُ إِعَادَتُهُ، لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ لَا يَزُولُ حَتَّى يُعْلَمَ مَا يُخَالِفُهُ. (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ) مُشْتَرَكٌ (فَانْهَدَمَ فَطَالَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبِنَائِهِ مَعَهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَذَكَرَ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ، وَلَا إِضْرَارَ» . وَكَنَقْصِهِ عِنْدَ خَوْفِ سُقُوطِهِ وَكَالْقِسْمَةِ (وَعَنْهُ: لَا يُجْبَرُ) ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَقَالَ: هُوَ أَقْوَى فِي النَّظَرِ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ مَالِكُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ انْفَرَدَ، وَفَارَقَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهَا لَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَالْبِنَاءُ فِيهِ ضَرَرٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَامَةِ، وَالضَّرَرُ لَا يَزُولُ بِمِثْلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُمْتَنِعُ لَا نَفْعَ لَهُ فِي الْحَائِطِ، أَوْ يَكُونُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ خُيِّرَ الْبَانِي بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ مِنْهُ، وَبَيْنَ أَخْذِ آلَتِهِ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ،   [المبدع في شرح المقنع] الضَّرَرُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ النَّفْعِ، أَوْ يَكُونُ مُعْسِرًا، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ عَدَمَ حُرْمَةِ الْمِلْكِ إِنْ لَمْ يُوجِبْ فَحُرْمَةُ شَرِيكِهِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْبِنَاءِ مُوجِبٌ، وَفَارَقَ الْبِنَاءَ الْمُفْرَدَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَفُوتُ بِهِ حَقٌّ، وَلَا يُتَضَرَّرُ بِهِ وَقَوْلُهُمُ: الضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ مَدْفُوعٌ بِمَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مِنْ حَقِّ الْجَارِ أَنْ لَا يَرْفَعَ الْبُنْيَانَ عَلَى جَارِهِ لِيَسُدَّ عَلَيْهِ الرِّيحَ» ، وَقَوْلُهُمْ: قَدْ يَكُونُ الْمُمْتَنِعُ إِلَى آخِرِهِ يَنْتَقِضُ بِوَضْعِ خَشَبِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُعْسِرُ، فَلَا قَائِلَ بِإِلْزَامِهِ مَعَهَا (لَكِنْ) عَلَيْهَا (لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ بِنَائِهِ) ، لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَمْلِ وَرَسْمًا فِي الْحَائِطِ، فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ مِنْهُ (فَإِنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) عَلَى الشَّرِكَةِ، كَمَا كَانَ، لِأَنَّ الثَّانِيَ إِنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى التَّأْلِيفِ وَذَلِكَ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ فَمَلَكَهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ شَرِيكِهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ أَخْذِ نِصْفِ تَأْلِيفِهِ فِي الْأَشْهَرِ، كَمَا لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " النِّهَايَةِ "، وَقِيلَ: يَمْلِكُ مَنْعَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا يَخُصُّهُ مِنَ الْغَرَامَةِ، وَأَبْدَاهُ ابْنُ الْمُنَجَّا بَحْثًا مِنْ عِنْدِهِ، وَحَكَى الْأَوَّلَ عَنِ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى آخِرِهِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَأَدَّى إِلَى ضَيَاعِ حَقِّ الشَّرِيكِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا أُجْبِرَ عَلَى الْعَمَلِ، فَكَذَا يُجْبَرُ عَلَى وَزْنِ أُجْرَةِ الْبِنَّاءِ، كَمَا يُجْبِرُهُ عَلَى وَزْنِ الْآلَاتِ (وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ لَهُ) ، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ (وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِانْتِفَاعُ بِهِ) قَبْلَ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَّهُ مَنْعُهُ مِنْ رَسْمِ طَرْحِ خَشَبٍ حَتَّى يَدْفَعَ نِصْفَ قِيمَةِ حَقِّهِ، وَعَنْهُ: مَا يَخُصُّهُ مِنْ غَرَامَةٍ، لِأَنَّهُ نَائِبُهُ مَعْنًى وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهَا، فَإِنْ أَرَادَ نَقْضَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِذَا بَنَاهُ بِآلَةٍ فَقَطْ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرُ الْبَانِي نَقْضَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ مُطْلَقًا وَلَهُ طَلَبُ نَفَقَتِهِ مَعَ الْإِذْنِ، وَفِيهِ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ عَلَى الْأُولَى الْخِلَافُ (فَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ) أَيْ: الِانْتِفَاعَ (خُيِّرَ الْبَانِي بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ مِنْهُ) ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ (وَبَيْنَ أَخْذِ آلَتِهِ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنِ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ. فَرْعٌ: لَوْ بَنَيَا جِدَارًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالنَّفَقَةُ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ ثُلُثَهُ لِوَاحِدٍ وَبَاقِيَهُ لِلْآخَرِ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحَمِّلُهُ مَا احْتَاجَ لَمْ يَصِحَّ، فَلَوْ وَصَفَا الْحِمْلَ فَوَجْهَانِ، فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 أَوْ بِئْرٌ، أَوْ دُولَابٌ، أَوْ نَاعُورَةٌ، أَوْ قَنَاةٌ وَاحْتَاجَ إِلَى عِمَارَةٍ فَفِي إِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ رِوَايَتَانِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ عِمَارَتِهِ وَإِذَا عَمَّرَهُ فَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مِلْكِهِمَا حَائِطٌ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ بِنَاءَ حَاجِزٍ لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ عَلَيْهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ أَرَادَ الْبِنَاءَ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ خَاصَّةً. [حُكْمُ الْأَشْيَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْجِيرَانِ] (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ بِئْرٌ، أَوْ دُولَابٌ، أَوْ نَاعُورَةٌ، أَوْ قَنَاةٌ وَاحْتَاجَ إِلَى عِمَارَةٍ فَفِي إِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ رِوَايَتَانِ) أَشْهَرُهُمَا: الْإِجْبَارُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " بِنَاءً عَلَى الْحَائِطِ الْمُنْهَدِمِ (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ عِمَارَتِهِ) كَالْحَائِطِ (وَإِذَا عَمَّرَهُ فَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ) ، لِأَنَّ الْعَامِرَ لَيْسَ فِيهِ عَيْنٌ بَلْ أَثَرٌ فَيَجِبُ أَنْ يَعُودَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا كَانَ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الْآخَرِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الْمَاءِ، لِأَنَّهُ يَنْبُعُ مِنْ مِلْكِهِمَا، وَإِنَّمَا أَثَرُ أَحَدِهِمَا فِي نَقْلِ الطِّينِ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ سَطْحُ أَحَدِهِمَا أَعْلَى فَلَيْسَ لَهُ الصُّعُودُ عَلَى سَطْحِهِ عَلَى وَجْهٍ يُشْرِفُ عَلَى جَارِهِ وَيَلْزَمُهُ بِنَاءُ سُتْرَةٍ تَمْنَعُ مُشَارَفَةَ الْأَسْفَلِ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَقِيلَ: وَيُشَارِكُهُ كَاسْتِوَائِهِمَا، وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ حَائِطِ بُسْتَانٍ فَبَنَاهُ أَحَدُهُمَا فَمَا تَلِفَ مِنَ الثَّمَرَةِ بِسَبَبِ إِهْمَالِ الْآخَرِ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَفِي إِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ لِبِنَاءِ السُّفْلِ بِطَلَبِ الْآخَرِ رِوَايَاتٌ، الثَّالِثَةُ وَهِيَ أَشْهَرُ: يَنْفَرِدُ صَاحِبُهُ بِهِ، وَعَنْهُ: يُشَارِكُهُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ فَيُجْبَرُ عَلَى مُسَاعَدَتِهِ، وَالْبِنَاءِ مَعَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ لِأَنَّهُ حَائِطٌ يَشْتَرِكَانِ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، أَشْبَهَ الْحَائِطَ بَيْنَ مِلْكِهِمَا وَمَنْ لَهُ طَبَقَةٌ ثَالِثَةٌ فِي اشْتِرَاكِ الثَّلَاثَةِ فِي بِنَاءِ السُّفْلِ، ثُمَّ الِاثْنَانِ فِي الْوَسَطِ الرِّوَايَتَانِ، فَإِنْ بَنَاهُ الْأَعْلَى فَفِي مَنْعِهِ الْأَسْفَلَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالْعَرْصَةِ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ احْتِمَالَانِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 كِتَابُ الْحَجْرِ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: حَجْرٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ، نَذْكُرُ مِنْهُ هَاهُنَا الْحَجْرَ عَلَى الْمُفْلِسِ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْحَجْرِ] [تَعْرِيفُ الحجر وَحُكْمُهُ] هُوَ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ وَالتَّضْيِيقُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَرَامُ حِجْرًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] أَيْ: حَرَامًا مُحَرَّمًا وَسُمِّيَ الْعَقْلُ حِجْرًا، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنِ ارْتِكَابِ مَا يَقْبُحُ وَتَضُرُّ عَاقِبَتُهُ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ مَنْعٌ خَاصٌّ أَيْ: مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] أَيْ: أَمْوَالَهُمْ، لَكِنْ أُضِيفَتْ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ، لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ عَلَيْهَا مُدَبِّرُونَ لَهَا وقَوْله تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] وَإِذَا ثَبَتَ الْحَجْرُ عَلَى هَذَيْنِ ثَبَتَ عَلَى الْمَجْنُونِ مِنْ بَابِ أَوْلَى. [أَنْوَاعُ الْحَجْرِ] [النَّوْعُ الْأَوَّلُ حَجْرٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ] [الْحَجْرُ عَلَى الْمُفْلِسِ] (وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: حَجْرٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ) أَيْ: لِغَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَالْمُفْلِسِ، وَالْمَرِيضِ، وَالزَّوْجَةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ تَبَرُّعٍ عَلَى رِوَايَةٍ، وَالْعَبْدِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُشْتَرِي مَالُهُ فِي الْبَلَدِ، أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ، وَالرَّاهِنِ، وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ. وَضُرِبَ لِحَقِّهِ، كَالصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ (نَذْكُرُ مِنْهُ هَاهُنَا الْحَجْرَ عَلَى الْمُفْلِسِ) أَيْ: لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَالْمُفْلِسُ: الْمُعْدِمُ وَمِنْهُ الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ: «مَنْ تَعُدُّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ، وَلَا مَتَاعَ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ الْمُفْلِسَ، وَلَكِنَّ الْمُفْلِسَ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ وَيَأْتِي، وَقَدْ ظَلَمَ هَذَا وَأَخَذَ مِنْ عِرْضِ هَذَا فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَرُدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ. فَقَوْلُهُمْ ذَلِكَ إِخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُفْلِسِ، لِأَنَّهُ عُرْفُهُمْ وَلُغَتُهُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 وَمَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ، فَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ مُدَّتِهِ فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ إِلَّا أَنْ يُوثِقَهُ بِرَهْنٍ، أَوْ كَفِيلٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ قَبْلَهُ فَفِي مَنْعِهِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَلَهُ مَالٌ يَفِي بِهِ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَوْلُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ الْمُفْلِسَ، يَجُوزُ: لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ بَلْ أَرَادَ فَلَسَ الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ حَتَّى إِنَّ فَلَسَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْغِنَى، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَفْلَسَ بِالْحُجَّةِ إِذَا عَدِمَهَا، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَمَرٌ مُفْلِسٌ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ نَوَاهُ فَهُوَ خُرُوجُ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِهِ. فَحَجْرُ الْفَلَسِ مَنْعُ حَاكِمٍ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ يَعْجِزُ عَنْهُ مَالُهُ الْمَوْجُودُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَالْمُفْلِسُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَا مَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَنْ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ. (وَمَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ قَبْلَ) حُلُولِ (أَجَلِهِ) ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَمِنْ شَرْطِ الْمُطَالَبَةِ لُزُومُ الْأَدَاءِ (وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ) ، لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَا تُسْتَحَقُّ، فَكَذَا الْحَجْرُ (فَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ مُدَّتِهِ) أَيْ: قَبْلَ قُدُومِهِ (فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ) ، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي تَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْ مَحَلِّهِ (إِلَّا أَنْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ) يَجُوزُ (أَوْ كَفِيلٍ) مَلِيءٍ لِزَوَالِ الضَّرَرِ إِذَنْ (وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ قَبْلَهُ فَفِي مَنْعِهِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: لَهُ مَنْعُهُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، لِأَنَّ قُدُومَهُ عِنْدَ الْمَحَلِّ غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ وَلَا ظَاهِرٍ، فَمَلَكَ مَنْعَهُ إِلَّا بِوَثِيقَةٍ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ لَيْسَ بِأَمَارَةٍ عَلَى مَنْعِ الْحَقِّ فِي مَحَلِّهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْهُ كَالسَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَالْمُذَهَبُ أَنَّهُمَا فِي غَيْرِ جِهَادٍ مُتَعَيِّنٍ، زَادَ فِي " الْفُرُوعِ " وَأَمْرٍ مَخُوفٍ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْرِيضًا لِفَوَاتِ النَّفْسِ، فَلَا يَأْمَنُ مِنْ فَوَاتِ الْحَقِّ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَهُ مَنْعُ عَاجِزٍ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ وَوَجْهِهِ فِي " الْفُرُوعِ " (وَإِنْ كَانَ حَالًّا) ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ وَفَاءِ بَعْضِهِ حَرُمَ مُطَالَبَتُهُ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 وَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِوَفَائِهِ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ بَاعَ مَالَهُ وَقَضَى   [المبدع في شرح المقنع] وَمُلَازَمَتُهُ (وَ) إِنْ كَانَ (لَهُ مَالٌ يَفِي بِهِ) أَيْ: بِدَيْنِهِ الْحَالِّ (لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ يُمْكِنُهُمُ الْمُطَالَبَةُ بِحُقُوقِهِمْ فِي الْحَالِّ (وَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِوَفَائِهِ) أَيْ: بَعْدَ الطَّلَبِ، لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إِذَا طَلَبُوا ذَلِكَ مِنْهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَصْلِ الْقَضَاءِ الْمُنْتَصِبِ لَهُ، وَالْمُذَهَبُ يَجِبُ إِذَنْ عَلَى الْفَوْرِ وَيُمْهَلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا، لَكِنْ إِنْ خَافَ غَرِيمُهُ مِنْهُ احْتَاطَ بِمُلَازَمَتِهِ، أَوْ كَفِيلٍ، أَوْ تَرْسِيمٍ عَلَيْهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ وَكِيعٌ: عِرْضُهُ: شَكْوَاهُ، وَعُقُوبَتُهُ: حَبْسُهُ، وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ إِخْرَاجُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ، أَوْ يُبَرِّئَهُ غَرِيمُهُ، فَإِذَا صَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ عُسْرَتُهُ أَخْرَجَهُ، وَلَمْ يَسَعْهُ حَبْسُهُ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ ضُرِبَ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُنْتَخَبِ "، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي " الْفُصُولِ "، وَغَيْرِهِ: يَحْبِسُهُ، فَإِنْ أَبَى عَزَّرَهُ قَالَ: وَيُكَرِّرُ حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، لَكِنْ لَا يُزَادُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ إِنْ قِيلَ: يَتَقَدَّرُ فَائِدَةٌ: رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْحَبْسُ عَلَى الدَّيْنِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ وَأَوَّلُ مَنْ حَبَسَ عَلَيْهِ شُرَيْحٌ وَكَانَ الْخَصْمَانِ يَتَلَازَمَانِ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: فَأَمَّا الْحَبْسُ الْآنَ عَلَى الدَّيْنِ، فَلَا أَعْرِفُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا عَلَى إِزَالَتِهِ حَرِيصٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَبْسَ عَلَيْهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 دَيْنَهُ، وَإِنِ ادَّعَى الْإِعْسَارَ وَكَانَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَأَعْرَضَ، أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ حُبِسَ إِلَى أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى نَفَاذِ مَالِهِ أَوْ إِعْسَارِهِ وَهَلْ يَحْلِفُ مَعَهَا؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَالنُّعْمَانِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَغَيْرِهِمْ (فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى الْحَبْسِ، وَلَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ (بَاعَ) الْحَاكِمُ (مَالَهُ وَقَضَى دَيْنَهُ) لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ مَالَهُ وَبَاعَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَقَدْ ضُعِّفَ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَظَاهِرُهُ يَجِبُ، نَقَلَ حَرْبٌ: إِذَا تَقَاعَدَ بِحُقُوقِ النَّاسِ يُبَاعُ عَلَيْهِ وَيُقْضَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". فَرْعٌ: إِذَا مَطَلَهُ بِحَقِّهِ أَحْوَجَهُ إِلَى الشِّكَايَةِ فَمَا غَرِمَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَعَلَى الْمُمَاطِلِ (وَإِنِ ادَّعَى الْإِعْسَارَ وَكَانَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ كَالْبَيْعِ، وَالْقَرْضِ، أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ) ، زَادَ جَمَاعَةٌ: وَالْغَالِبُ بَقَاؤُهُ (حُبِسَ) ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَالِهِ، وَحَبْسُهُ وَسِيلَةٌ إِلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ كَالْمُقِرِّ بِيَسَارِهِ، وَكَذَا إِذَا لَزِمَهُ عَنْ غَيْرِ مَالٍ كَالضَّمَانِ وَأَقَرَّ بِالْمَلَاءَةِ فَيَقْبَلُ قَوْلَ غَرِيمِهِ: إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ بِدَيْنِهِ (إِلَى أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى نَفَادِ مَالِهِ) أَيْ: تَلَفِهِ، وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ التَّلَفَ يُطَّلَعُ عَلَيْهِ (أَوْ إِعْسَارِهِ) ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُظْهِرُ عُسْرَتَهُ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا، وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ حَبْسُهُ وَيَجِبُ إِنْظَارُهُ، وَلَا تَحِلُّ مُلَازَمَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَتُعْتَبَرُ الْبَيِّنَةُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " (وَهَلْ يَحْلِفُ مَعَهَا) أَيْ: مَعَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ؛ (عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا يَحْلِفُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الْقَاضِي: سَوَاءٌ شَهِدَتْ بِتَلَفِ الْمَالِ، أَوِ الْإِعْسَارِ، لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ مَقْبُولَةٌ، فَلَمْ يُسْتَحْلَفْ مَعَهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِأَنَّ هَذَا عَبْدُهُ، وَالثَّانِي: بَلَى، وَذَكَرُهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَصْحَابِنَا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ بَاطِنٌ خَفِيَ عَلَى الْبَيِّنَةِ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 وَجْهَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ حَلَفَ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ   [المبدع في شرح المقنع] الشَّيْخَانِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّهَا إِنْ شَهِدَتْ بِالتَّلَفِ فَطُلِبَ مِنْهُ الْيَمِينُ عَلَى عُسْرَتِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ مُحْتَمِلٍ خِلَافَ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ شَهِدَتْ بِالْإِعْسَارِ، فَلَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مَتَى تَوَجَّهَ حَبْسُهُ حُبِسَ، وَلَوْ كَانَ أَجِيرًا فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، أَوِ امْرَأَةً مُزَوَّجَةً، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ، وَالزَّوْجِيَّةَ لَا تَمْنَعُ مِنَ الْحَبْسِ إِنْ قِيلَ بِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، فَإِذَا حُبِسَ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَبْلَ الْحَبْسِ بَلْ يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا كَحَبْسِهِ فِي دَيْنِ غَيْرِهِ فَلَهُ إِلْزَامُهَا بِمُلَازَمَةِ بَيْتِهِ، فَإِنْ خَافَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ بِلَا إِذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ، كَمَا لَوْ سَافَرَ عَنْهَا. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ) أَيْ: لَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ، أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ، أَوْ مَهْرٍ، أَوْ عِوَضِ خُلْعٍ، أَوْ ضَمَانٍ، وَلَمْ يُقِرَّ بِالْمَلَاءَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ (حَلَفَ) أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ (وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ) ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الْحَبْسُ عُقُوبَةٌ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ ذَنْبًا يُعَاقَبُ بِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَالِهِ بِخِلَافِ مَنْ عُلِمَ لَهُ مَالٌ، فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُعْلَمَ ذَهَابُهُ. وَفِي " التَّرْغِيبِ " يُحْبَسُ إِلَى ظُهُورِ إِعْسَارِهِ. وَفِي " الْبُلْغَةِ " إِلَى أَنْ يَثْبُتَ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ يُحْبَسُ فِي الْحَالَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ. مَسْأَلَةٌ: يَحْرُمُ أَنْ يُحَلَّفَ مُعْسِرٌ لَا حَقَّ عَلَيْهِ، وَيَتَأَوَّلَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ سُئِلَ عَنْ غَرِيبٍ وَظَنَّ إِعْسَارَهُ شَهِدَ. فَائِدَةٌ: قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ - مِثْلُهُ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ) أَيِ: الْحَالِّ، وَلَا كَسْبَ لَهُ، وَلَا مَا يُنْفِقُ مِنْهُ غَيْرَهُ، أَوْ خِيفَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 فَسَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ إِجَابَتُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهُ، وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ. فَصْلٌ وَيَتَعَلَّقُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ أَحَدُهَا: تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ، فَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ إِلَّا الْعِتْقُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] (فَسَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ إِجَابَتُهُمْ) ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ لَمَّا سَأَلَهُ غُرَمَاؤُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ طَلَبَ الْبَعْضِ كَالْكُلِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ الْغُرَمَاءِ، لَكِنْ لَوْ طَلَبَهُ الْمُفْلِسُ وَحْدَهُ فَوَجْهَانِ، الْمَذْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ إِجَابَتُهُ (وَيُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهُ) أَيْ: إِظْهَارُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ) ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِعْلَامًا لِلنَّاسِ بِحَالِهِ، فَلَا يُعَامِلُهُ أَحَدٌ إِلَّا عَلَى بَصِيرَةٍ وَلِيَثْبُتَ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ابْتِدَاءِ حَجْرٍ ثَانٍ، وَهَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَشْفَعَ فِي إِسْقَاطِ بَعْضِ الدَّيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. [أَحْكَامٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْحَجْرِ] [الْأَوَّلُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ] فَصْلٌ (وَيَتَعَلَّقُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ: أَحَدُهَا: تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ) ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّهُ يُبَاعُ فِي دُيُونِهِمْ فَكَانَتْ حُقُوقُهُمْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ كَالرَّهْنِ (فَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَيْهِ) ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَعْيَانِ مَالِهِ، فَلَمْ يُقْبَلِ الْإِقْرَارُ عَلَيْهِ كَالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) ، لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، أَشْبَهَ السَّفِيهَ. وَمُرَادُهُمْ بِالتَّصَرُّفِ إِذَا كَانَ مُسْتَأْنَفًا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَأْنَفٍ كَرَدٍّ بِعَيْبٍ اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ وَفَسَخَهُ بِالْخِيَارِ الْمُشْتَرَطِ قَبْلَ الْحَجْرِ نُفِّذَ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَحَظِّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي " الْبُلْغَةِ " (إِلَّا الْعِتْقُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) كَالتَّدْبِيرِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ مَالِكٍ فَنُفِّذَ كَالرَّاهِنِ، لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إِلَيْهِ وَلِذَلِكَ صَحَّ مُعَلَّقُهُ وَكُمِّلَ مُبَعَّضُهُ، زَادَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَصَدَّقَهُ بِيَسِيرٍ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُنَفَّذُ، اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُؤُوسِ الْمَسَائِلِ، وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَهِيَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ، أَوْ ضَمَانٍ، أَوْ إِقْرَارٍ، صَحَّ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ، وَإِنْ جَنَى شَارَكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءَ، وَإِنْ جَنَى عَبْدُهُ قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] مَمْنُوعٌ مِنَ التَّبَرُّعِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، فَلَمْ يُنَفَّذْ عِتْقُهُ كَالْمَرِيضِ الَّذِي يَسْتَغْرِقُ بِدَيْنِهِ مَالَهُ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يُنْشِئِ الْحَجْرَ إِلَّا لِلْمَنْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَفِي صِحَّةِ الْعِتْقِ إِبْطَالٌ لِذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ رَشِيدٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ الْحَجْرُ، فَلَا يَتَقَدَّمُ سَبَبُهُ، وَقِيلَ: لَا يُنَفَّذُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَنْهُ: لَهُ مَنْعُ ابْنِهِ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ إِنْ أَضَرَّهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْرُمُ إِنْ أَضَرَّ بِغَرِيمِهِ، ذَكَرَهُ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ. فَرْعٌ: لَوْ أَكْرَى جَمَلًا بِعَيْنِهِ، أَوْ دَارًا لَمْ يَنْفَسِخْ بِالْفَلَسِ، وَالْمُكْتَرِي أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّتُهُ. آخَرُ: يُكَفِّرُ هُوَ وَسَفِيهٌ بِصَوْمٍ، فَإِنْ فُكَّ حَجْرُهُ قَبْلَ تَكْفِيرِهِ، وَقَدَرَ كَفَّرَ بِغَيْرِهِ. (وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ، أَوْ ضَمَانٍ، أَوْ إِقْرَارٍ، صَحَّ) ، لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ فَالْحَجْرُ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِهِ لَا بِذِمَّتِهِ مِنْهُ، فَوَجَبَ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ فِي ذِمَّتِهِ عَمَلًا بِأَهْلِيَّتِهِ السَّالِمَةِ عَنْ مُعَارَضَةِ الْحَجْرِ (وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ) ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ قَبْلَ فَكِّ الْحَجْرِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يُتْبَعَ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ لِزَوَالِ الْعَارِضِ، وَلَيْسَ لِأَرْبَابِ هَذِهِ الْحُقُوقِ مُشَارَكَةُ الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ بِفَلَسِهِ وَعَامَلَهُ، فَقَدْ رَضِيَ بِالتَّأْخِيرِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَقَدْ فَرَّطَ أَمَّا إِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَقٌّ بِبَيِّنَةٍ شَارَكَ صَاحِبُهُ الْغُرَمَاءَ، لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَهِدَ بِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ (وَإِنْ جَنَى) الْمُفْلِسُ (شَارَكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءَ) ، لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ عَلَى الْجَانِي بِغَيْرِ اخْتِيَارِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَلَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ كَمَا قَبْلَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ إِذَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ وَصُولِحَ عَلَى مَالٍ - حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ ابْتِدَاءً، لَا يُقَالُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ هُنَا يُقَدَّمُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، كَمَا تُقَدَّمُ جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّ دَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ فِيهِمَا بِالذِّمَّةِ بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ، فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ تَفُوتُ بِفَوَاتِهَا (وَإِنْ جَنَى عَبْدُهُ قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ) ، لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالذِّمَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 فَصْلٌ الثَّانِي: أَنَّ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ عَيْنًا بَاعَهَا إِيَّاهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ   [المبدع في شرح المقنع] كَمَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِثَمَنِ الرَّهْنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا وَجَبَ لَهُ قَوَدٌ فَلَهُ أَخْذُهُ وَتَرْكُهُ مَجَّانًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَا أَخَذَهُ، أَوْ عَفَا عَنْهُ فَلِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهُ، وَكَذَا لَوْ عَفَا مُطْلَقًا وَقُلْنَا الْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ. [الثَّانِي إِذَا وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ إِنْسَانٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ] فَصْلٌ (الثَّانِي: أَنَّ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ عَيْنًا بَاعَهَا إِيَّاهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا) ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ إِنْسَانٍ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ أَنَّ حَاكِمًا حَكَمَ أَنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَى رَجُلٍ يَرَى الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ جَازَ لَهُ نَقْضُ حُكْمِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْقُضَ، وَحِينَئِذٍ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الرُّجُوعِ فِيهَا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَسَوَاءٌ كَانَتِ السِّلْعَةُ مُسَاوِيَةً لِثَمَنِهَا، أَوْ لَا، وَظَاهِرُهُ لَا يَفْتَقِرُ الْفَسْخُ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ كَفَسْخِ الْمُعَتَّقَةِ. وَقِيلَ: بَلْ بِنَاءً عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ. وَقِيلَ: عَلَى الْفَوْرِ، نَصَرَهُ الْقَاضِي كَخِيَارِ الشُّفْعَةِ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، فَلَوْ بَذَلَ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ دَفَعُوا الثَّمَنَ إِلَى الْمُفْلِسِ فَبَذَلَهُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ، لِأَنَّهُ زَالَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَزَالَ مِلْكُ الْفَسْخِ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الْغُرَمَاءُ حَقَّهُمْ. وَفِيمَا إِذَا بَاعَهُ بَعْدَ حَجْرِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ أَقْوَالٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 الْمُفْلِسُ حَيًّا وَلَمْ يَنْقُدْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا، وَالسِّلْعَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَتْلَفْ بَعْضُهَا وَلَمْ تَتَغَيَّرْ   [المبدع في شرح المقنع] ثَالِثُهَا: لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، لِأَنَّ الْعَالِمَ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِخَرَابِ الذِّمَّةِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ صَيْدًا، وَالْبَائِعُ مُحْرِمٌ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ، وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ هَذَا الْحُكْمِ بِالْبَيْعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَوِ اقْتَرَضَ مَالًا، ثُمَّ أَفْلَسَ، وَعَيْنُ الْمَالِ قَائِمَةٌ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، أَوْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَيْنًا، ثُمَّ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا يَسْقُطُ صَدَاقُهَا إِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِهِ، وَقَدْ أَفْلَسَتْ وَوَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِوَرَثَةِ الْبَائِعِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمْ (بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا) إِلَى أَخْذِهَا، لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ، وَلَمْ يَقْبِضِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» . رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَصَحُّ، فَعَلَى هَذَا: الْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِفَلَسِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَحَجَرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ مَاتَ، فَتَبَيَّنَ فَلَسُهُ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ عَنِ الْمُفْلِسِ إِلَى الْوَرَثَةِ، أَشَبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ، وَعَنْهُ: لَهُ الرُّجُوعُ لِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ خَلْدَةَ قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَفْلَسَ، فَقَالَ: لأقضين فيكم بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَفْلَسَ، أَوْ مَاتَ فَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْإِسْنَادِ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَ " الْبُلْغَةِ " (وَلَمْ يَنْقُدْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا) ، وَلَا أُبْرِئَ مِنْ بَعْضِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَدَ مِنْ ثَمَنِهَا، أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ فِي قِسْطِ مَا بَقِيَ تَبْعِيضًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِضْرَارًا لَهُ. لَا يُقَالُ: لَا ضَرَرَ فِيهِ لِكَوْنِ مَالِ الْمُفْلِسِ يُبَاعُ، وَلَا يَبْقَى، لِأَنَّ الضَّرَرَ مُتَحَقِّقٌ مَعَ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِيهِ كَالرَّغْبَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 صِفَتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا كَنَسْجِ الْغَزْلِ وَخَبْزِ الدَّقِيقِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ مِنْ شُفْعَةٍ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] مُنْفَرِدًا فَيَنْقُصُ ثَمَنُهُ فَيَتَضَرَّرُ الْمُفْلِسُ، وَالْغُرَمَاءُ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، فَلَمْ يَجُزْ مَعَ تَشْقِيصِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَالسِّلْعَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَتْلَفْ بَعْضُهَا) لِلْخَبَرِ، فَلَوْ ذَهَبَ بَعْضُ أَطْرَافِ الْعَبْدِ، أَوْ عَيْنُهُ، أَوْ بَعْضُ الثَّوْبِ، أَوِ انْهَدَمَ بَعْضُ الدَّارِ، أَوْ تَلِفَتِ الثَّمَرَةُ فِيمَا إِذَا اشْتَرَى شَجَرًا مُثْمِرًا لَمْ تَظْهَرْ ثَمَرَتُهُ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْهَا بِعَيْنِهَا، إِذِ الشَّارِعُ جَعَلَهُ شَرْطًا فِي الرُّجُوعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِالْمَوْجُودِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، أَوْ يَأْخُذَهُ بِقِسْطِهِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ فَاتَ شَرْطُ الرُّجُوعِ، فَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ وَقَفَهُ، أَوْ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ بِمِثْلِهِ فَهُوَ كَتَلَفِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: وَنَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ: لَا رُجُوعَ، بَلْ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدِ الْمَبِيعَ بِعَيْنِهِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، نَقَلَهَا الْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، لِأَنَّ السَّالِمَ مِنَ الْمَبِيعِ وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، وَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَعَلَيْهَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا إِذَا قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ، لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنَ الثَّمَنِ مُقَسَّطٌ عَلَى الْمَبِيعِ فَيَقَعُ الْقَبْضُ مِنْ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْعَيْنَيْنِ وَقَبْضُ شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ مَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِيهِ مُبْطِلٌ لَهُ بِخِلَافِ التَّلَفِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَلَفِ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ تَلَفُ شَيْءٍ مِنَ الْعَيْنِ الْأُخْرَى (وَلَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا كَنَسْجِ الْغَزْلِ وَخَبْزِ الدَّقِيقِ) وَجَعْلِ الزَّيْتِ صَابُونًا، وَالْخَشَبَةِ بَابًا، وَالشَّرِيطِ إِبَرًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ كَالتَّلَفِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ نَوًى فَنَبَتَ شَجَرًا. قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْحَبِّ إِذَا صَارَ زَرْعًا وَبِالْعَكْسِ، وَالنَّوَى إِذَا نَبَتَ شَجَرًا، وَالْبَيْضِ إِذَا صَارَ فِرَاخًا فَذَهَبَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ، لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ نَفْسُهُ، وَالْأَشْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ أَمَةً بِكْرًا فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِيهِ وَجْهٌ: بَلَى كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي الْأَصَحِّ. وَوَطْءُ غَيْرِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 جِنَايَةٍ، أَوْ رَهْنٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ تَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ   [المبدع في شرح المقنع] كَهُوَ (وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ) لِلْغَيْرِ (مِنْ شُفْعَةٍ) ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ، لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ لِكَوْنِهِ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ، وَالْبَائِعُ حَقُّهُ ثَبَتَ بِالْحَجْرِ، وَمَا كَانَ أَسْبَقَ فَهُوَ أَوْلَى. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ. وَفِي ثَالِثٍ إِنْ طَالَبَ بِهَا فَهُوَ أَحَقُّ لِتَأَكُّدِ حَقِّهِ بِالْمُطَالَبَةِ، وَإِلَّا فَلَا (أَوْ جِنَايَةٍ) ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَجَنَى، ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْبَائِعَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَحَقُّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ، وَالثَّانِي: لَا يَمْنَعُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ يَمْنَعُ تَصَرُّفَ السَّيِّدِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ، فَعَلَى هَذَا يُخَيَّرُ إِنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهِ نَاقِصًا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ شَاءَ ضَرَبَ بِثَمَنِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَقِيلَ: مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنْ ثَمَنِهِ (أَوْ رَهْنٍ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْمُفْلِسَ عَقَدَ قَبْلَ الْفَلَسِ عَقْدًا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ، فَلَمْ يَمْلِكِ الرُّجُوعَ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ، وَلِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ إِضْرَارًا بِالْمُرْتَهِنِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ دُونَ قِيمَةِ الرَّهْنِ بِيعَ كُلُّهُ فَقَضَى مِنْهُ دَيْنَهُ وَبَاقِيهِ يُرَدُّ عَلَى مَالِ الْمُفْلِسِ، فَإِنْ بِيعَ بَعْضُهُ فَبَاقِيهِ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْغُرَمَاءُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَرْجِعُ فِيهِ الْبَائِعُ، لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ فَرَهَنَ إِحْدَاهُمَا، فَهَلْ يَمْلِكُ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ فِي الْأُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إِذَا تَلِفَتْ إِحْدَاهُمَا (وَنَحْوِهِ) كَالْعِتْقِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَفْلَسَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ بِوَقْفٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ، فَإِنْ أَفْلَسَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى مِلْكِهِ فَأَوْجُهٌ ثَالِثُهَا: إِنْ عَادَ إِلَيْهِ بِفَسْخٍ كَإِقَالَةٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ لَا إِذَا عَادَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَوِ اشْتَرَاهَا، ثُمَّ بَاعَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَقِيلَ: الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِسَبْقِهِ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ (وَلَمْ تَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ) هَذَا اخْتِيَارُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 الزِّيَادَةَ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ، وَالنَّقْصُ بِهُزَالٍ، أَوْ نِسْيَانُ صَنْعَةٍ، فَلَا   [المبدع في شرح المقنع] الْخِرَقِيِّ، وَقَالَهُ فِي " الْإِرْشَادِ "، " وَ " " الْمُوجَزِ "، لِأَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ بِسَبَبٍ حَادِثٍ، فَلَمْ يَمْلِكْ بِهِ الرُّجُوعَ فِي عَيْنِ الْمَالِ الزَّائِدِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَفَسْخِ النِّكَاحِ بِالْإِعْسَارِ، أَوِ الرَّضَاعِ. (وَعَنْهُ: أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ) هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ فَسْخٌ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ، فَكَذَا الْمُتَّصِلَةُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفَارَقَ الرَّدُّ هُنَا الرَّدَّ بِالْفَسْخِ بِالْإِعْسَارِ، أَوِ الرَّضَاعِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الزَّوْجَ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِي قِيمَةِ الْعَيْنِ فَيَحْصُلُ لَهُ حَقُّهُ تَامًّا وَهَاهُنَا لَا يُمْكِنُ الْبَائِعَ الرُّجُوعُ فِي جَمِيعِ الثَّمَنِ لِمُزَاحَمَةِ الْغُرَمَاءِ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ حَقُّهُ تَامًّا وَنَصَرَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " الْأَوَّلَ. (فَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ) كَالْوَلَدِ، وَالثَّمَرَةِ (وَالنَّقْصُ بِهُزَالٍ، أَوْ نِسْيَانُ صَنْعَةٍ، فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ) بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنِ أَصْحَابِنَا. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِيهِ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْبَائِعَ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ بِخِلَافِ الْمُتَّصِلَةِ، وَقِيلَ: يَمْنَعُ، وَحَكَاهُ فِي " الْمُوجَزِ "، وَ " التَّبْصِرَةِ " رِوَايَةً كَالْمُتَّصِلَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْقُصَ بِالزِّيَادَةِ، أَوْ لَا إِذَا كَانَ عَلَى صِفَتِهِ (وَالزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ) فِي ظَاهِرِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ حَامِدٍ وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ حَصَلَتْ فِي مِلْكِهِ فَكَانَتْ لَهُ، يُؤَيِّدُهُ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» (وَعَنْهُ: لِلْبَائِعِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ، لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فَكَانَتْ لِلْبَائِعِ كَالْمُتَّصِلَةِ وَحَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي " قَوْلًا لِأَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ، وَنِتَاجِ الدَّابَّةِ، وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُتَّصِلَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلَةِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي هَذَا خِلَافٌ لِظُهُورِهِ، وَأَمَّا نَقْصُ الْمَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ، وَعَنْهُ: لِلْبَائِعِ، وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ، أَوْ قَصَّرَهُ لَمْ يَمْنَعِ الرُّجُوعَ، وَالزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ، وَإِنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِيهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ وَدَفْعُ قِيمَةِ الْغِرَاسِ   [المبدع في شرح المقنع] بِذَهَابِ صِفَةٍ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، فَلَا يَمْنَعُ، لِأَنَّ فَقْدَ الصِّفَةِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْنَ مَالِهِ، لَكِنْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ نَاقِصًا بِجَمِيعِ حَقِّهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِكَمَالِ ثَمَنِهِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَتَقَسَّطُ عَلَى صِفَةِ السِّلْعَةِ مِنْ سِمَنٍ وَهُزَالٍ، وَعِلْمٍ وَنَحْوِهِ، فَيَصِيرُ كَنَقْصِهِ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ. (وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ، أَوْ قَصَّرَهُ) أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِزَيْتٍ (لَمْ يَمْنَعِ الرُّجُوعَ) ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مُشَاهَدَةٌ لَمْ يَتَغَيَّرِ اسْمُهَا، وَلَا صِفَتُهَا (وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ) ، لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ بِمَا زَادَ عَنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ، وَالسَّوِيقِ، وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ، فَعَلَى الْمُفْلِسِ، لَكِنْ إِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهما فَيُخَيَّرُ الْبَائِعُ بَيْنَ أَخْذِهِمَا نَاقِصَيْنِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَبَيْنَ تَرْكِهِمَا، وَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ هَذَا نَقْصُ صِفَتِهِ فَهُوَ كَالْهُزَالِ، وَقِيلَ: لَا رُجُوعَ إِنْ زَادَتِ الْقِيمَةُ، لِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِالْمَبِيعِ زِيَادَةٌ لِلْمُفْلِسِ فَمَنَعَتِ الرُّجُوعَ كَالسِّمَنِ. وَحَاصِلُهُ إِذَا قَصَّرَ الثَّوْبَ لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ، وَالثَّانِي: أَنْ تَزِيدَ قِيمَتُهُ بِهِ فَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ، لِأَنَّهُ زَادَ زِيَادَةً لَا تَتَمَيَّزُ فَهِيَ كَالسِّمَنِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: لَهُ الرُّجُوعُ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتِ الْقِصَارَةُ بِفِعْلِ الْمُفْلِسِ، أَوْ بِأُجْرَةٍ وَفَّاهَا فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي الثَّوْبِ، فَإِنِ اخْتَارَ الْبَائِعُ دَفْعَ قِيمَةِ الزِّيَادَةِ إِلَى الْمُفْلِسِ لَزِمَهُ قَبُولُهَا، لِأَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ الشَّفِيعُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ بَيْعَ الثَّوْبِ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ حَقِّهِ، فَلَوْ كَانَ قِيمَةُ الثَّوْبِ خَمْسَةً فَصَارَ يُسَاوِي سِتَّةً فَلِلْمُفْلِسِ سُدُسُهُ وَلِلْبَائِعِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ صَانِعٍ لَمْ يَسْتَوْفِ أَجْرَهُ فَلَهُ حَبْسُ الثَّوْبِ عَلَى اسْتِيفَاءِ أُجْرَتِهِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الشَّرْحِ ". (وَإِنْ غَرَسَ) الْمُفْلِسُ الْأَرْضَ (أَوْ بَنَى فِيهَا فَلَهُ) أَيْ: لِلْبَائِعِ (الرُّجُوعُ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ قَبْلَ قَلْعِ غَرْسٍ، أَوْ بِنَاءٍ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ وَمَالُ الْمُشْتَرِي دَخَلَ عَلَى وَجْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 وَالْبِنَاءِ فَيَمْلِكُهُمَا إِلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ وَمُشَارَكَتَهُ بِالنَّقْصِ، فَإِنَّ أَبَوُا الْقَلْعَ، وَأَبَى الْبَائِعُ دَفْعَ الْقِيمَةِ سَقَطَ الرُّجُوعُ.   [المبدع في شرح المقنع] التَّبَعِ كَالصَّبْغِ (وَدَفْعُ قِيمَةِ الْغِرَاسِ، وَالْبِنَاءِ فَيَمْلِكُهُمَا) ، لِأَنَّهُمَا حَصَلَا فِي مِلْكِهِ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ كَالشَّفِيعِ وَيَمْلِكُ الْبَائِعُ قَلْعَهُ وَضَمَانَ نَقْصِهِ كَالْمُعِيرِ إِذَا رَجَعَ فِي أَرْضِهِ بَعْدَ غَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ، وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ إِلَّا بَعْدَ الْقَلْعِ، لِأَنَّهُ غَرْسُ الْمُفْلِسِ وَبِنَاؤُهُ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى بَيْعِهِ لِهَذَا الْبَائِعِ، وَلَا عَلَى قَلْعِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأَرْضِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَلَعَهُ الْمُفْلِسُ، وَالْغُرَمَاءُ لَزِمَهُمْ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ، وَأَرْشُ نَقْصِهَا الْحَاصِلُ بِهِ وَيَضْرِبُ بِالنَّقْصِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا (إِلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمُفْلِسُ، وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ وَمُشَارَكَتَهُ بِالنَّقْصِ) ، لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْغِرَاسِ، وَالْبِنَاءِ، فَلَا يَمْلِكُ إِجْبَارَ مَالِكِهِمَا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ فِي أَرْضِهِ وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِأَرْشِ نَقْصِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ حَصَلَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِ الْمُفْلِسِ فَكَانَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ دَخَلَ فَصِيلٌ دَارًا فَكَبِرَ، وَلَمْ يُمْكِنْ إِخْرَاجُهُ إِلَّا بِالِانْهِدَامِ (فَإِنْ أَبَوُا الْقَلْعَ، وَأَبَى الْبَائِعُ دَفْعَ الْقِيمَةِ سَقَطَ الرُّجُوعُ) فِي الْأَصَحِّ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْغُرَمَاءِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ، وَلِأَنَّ عَيْنَ مَالِ الْبَائِعِ صَارَتْ مَشْغُولَةً بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الرُّجُوعِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَسَامِيرَ فَسَمَّرَ بِهَا بَابًا، أَوْ خَشَبَةً فَبَنَى عَلَيْهَا دَارًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ إِذَا امْتَنَعُوا مِنَ الْقَلْعِ لَمْ يُجْبَرُوا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الرُّجُوعُ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ وَكَالثَّوْبِ إِذَا صَبَغَهُ، وَجَوَابُهُ الْمَنْعُ، وَلَوْ سَلِمَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ الصَّبْغَ يُفَرَّقُ فِي الثَّوْبِ فَصَارَ كَالصِّفَةِ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ، وَالْبِنَاءِ، فَإِنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ وَبِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ، فَعَلَى قَوْلِهِ: إِذَا رَجَعَ فِي الْأَرْضِ بَقِيَ الْغِرَاسُ، وَالْبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ، فَإِنِ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى الْبَيْعِ بِيعَتِ الْأَرْضُ بِمَا فِيهَا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَقِيلَ: يُبَاعُ الْغَرْسُ مُفْرَدًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَتَيْنِ فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ خَالِيَةً، ثُمَّ تُقَوَّمُ وَهُمَا بِهَا فَقِيمَةُ الْأَرْضِ خَالِيَةً لِلْبَائِعِ، وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: شَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ حَالًّا، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا، فَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " فِيهِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنَ الْمُطَالَبَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُوقَفُ إِلَى الْأَجَلِ، ثُمَّ يُعْطَاهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَهُ أَخْذُهُ فِي الْحَالِ وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ إِذَا اسْتَمَرَّ الْعَجْزُ عَنْ أَخْذِ الثَّمَنِ، فَإِنْ تَجَدَّدَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ بَعْدَ الْحَجْرِ وَقَبْلَ الرُّجُوعِ، فَلَا رُجُوعَ إِذَنْ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: لَوِ اشْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَهَا، ثُمَّ أَفْلَسَ يُقِرُّ الزَّرْعَ لِرَبِّهِ مَجَّانًا إِلَى الْحَصَادِ، فَإِنِ اتَّفَقَ الْمُفْلِسُ، وَالْغُرَمَاءُ عَلَى التَّرْكِ، أَوِ الْقَطْعِ جَازَ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا وَلَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَطْعِ قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ يَطْلُبُهُ. الثَّانِيَةُ: إِذَا اشْتَرَى نَخْلًا فَأَطْلَعَ، ثُمَّ أَفْلَسَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَالطَّلْعُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَمُنْفَصِلَةٌ وَحُكْمُ الشَّجَرِ كَذَلِكَ. الثَّالِثَةُ: إِذَا اشْتَرَى غِرَاسًا فَغَرَسَهُ فِي أَرْضِهِ، ثُمَّ أَفْلَسَ، وَلَمْ تَزِدِ الْغِرَاسُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ، وَأَرْشُ نَقْصِهَا، فَإِنْ بَذَلَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ لَهُ الْقِيمَةَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهَا، وَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْقَلْعِ فَبَذَلُوا الْقِيمَةَ لَهُ لِيَمْلِكَهُ الْمُفْلِسُ، أَوْ أَرَادُوا قَلْعَهُ وَضَمَانَ النَّقْصِ فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ أَرَادُوا قَلْعَهُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ فِي الْأَصَحِّ. الرَّابِعَةُ: إِذَا اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ شَخْصٍ وَغِرَاسًا مِنْ آخَرَ وَغَرَسَهُ فِيهَا، ثُمَّ أَفْلَسَ، وَلَمْ يَزِدْ فَلِكُلٍّ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَلْعُ الْغِرَاسِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ، فَإِنْ قَلَعَهُ بَائِعُهُ لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ، وَأَرْشُ نَقْصِهَا الْحَاصِلِ بِهِ فَإِنْ بَذَلَ صَاحِبُ الْغِرَاسِ قِيمَةَ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الْعَكْسِ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْقَلْعِ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. الْخَامِسَةُ: رُجُوعُ الْبَائِعِ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ، وَلَا إِلَى الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلَوْ رَجَعَ بِثَمَنِ آبِقٍ، صَحَّ وَصَارَ لَهُ، فَإِنْ قَدَرَ أَخَذَهُ، وَإِنْ تَلِفَ فَمِنْ مَالِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 فَصْلٌ الثَّالِثُ: بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالَهُ وَقَسْمُ ثَمَنِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَهُ وَيَحْضُرَ الْغُرَمَاءُ وَيَبِيعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ وَيَتْرُكَ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَتُهُ مِنْ مَسْكَنٍ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنْ بَانَ تَلَفُهُ حِينَ اسْتَرْجَعَهُ بَطَلَ اسْتِرْجَاعُهُ، وَإِنْ رَجَعَ فِي مَبِيعٍ اشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ قُدِّمَ تَعْيِينُ الْمُفْلِسِ لِإِنْكَارِهِ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الْبَائِعِ، وَإِنْ مَاتَ بَائِعٌ مَدِينًا فَمُشْتَرٍ أَحَقُّ بِطَعَامٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. [الثَّالِثُ يَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَ الْمَحْجُورِ وَيَقْسِمُ ثَمَنَهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ] فَصْلٌ (الثَّالِثُ: بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالَهُ وَقَسْمُ ثَمَنِهِ) عَلَى الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ بَاعَ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَلِفِعْلِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ يُحْتَاجُ إِلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ فَجَازَ بَيْعُ مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَالسَّفِيهِ، وَلَا يُبَاعُ إِلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ الْمُسْتَقِرِّ فِي وَقْتِهِ، أَوْ أَكْثَرَ، لَكِنْ إِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ قَسَمَهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ " (وَيَنْبَغِي) أَيْ: يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَحْضُرَهُ) أَيِ: الْمُفْلِسُ وَقْتَ الْبَيْعِ لِفَوَائِدَ مِنْهَا: أَنْ يَحْضُرَ ثَمَنَ مَتَاعِهِ وَيَضْبُطَهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْجَيِّدِ مِنْ مَتَاعِهِ، فَإِذَا حَضَرَ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ وَمِنْهَا: أَنَّهُ تَكْثُرُ فِيهِ الرَّغْبَةُ وَمِنْهَا أَنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِهِ وَأَسْكَنُ لِقَلْبِهِ، وَوَكِيلُهُ كَهُوَ. قَالَهُ فِي " الْبُلْغَةِ ". (وَيَحْضُرَ الْغُرَمَاءُ) ، لِأَنَّهُ لَهُمْ وَرُبَّمَا رَغِبُوا فِي شَيْءٍ فَزَادُوا فِي ثَمَنِهِ وَأَطْيَبُ لِقُلُوبِهِمْ، وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ: وَرُبَّمَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ عَيْنَ مَالِهِ فَيَأْخُذُهَا. (وَيَبِيعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ) ، لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَكْثَرُ لِطُلَّابِهِ، فَلَوْ بَاعَهُ فِي غَيْرِ سُوقِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ صَحَّ، لِأَنَّ الْغَرَضَ تَحْصِيلُ الثَّمَنِ كَالْوَكَالَةِ وَيَبِيعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، لِأَنَّهُ أَصْلَحُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ بَاعَ بِأَغْلَبِهَا، فَإِنْ تَسَاوَتْ بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ (وَ) يَجِبُ أَنْ (يَتْرُكَ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَتُهُ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا غِنَى لَهُ عَنْهُ، فَلَمْ يَبِعْ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 وَخَادِمٍ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ إِلَى أَنْ يَفرغ مِنْ قَسْمِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَيَبْدَأُ بِبَيْعِ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، ثُمَّ بِالْحَيَوَانِ، ثُمَّ بِالْأَثَاثِ، ثُمَّ بِالْعَقَارِ وَيُعْطى الْمُنَادِي أُجْرَتَهُ   [المبدع في شرح المقنع] دَيْنِهِ كَكِتَابة وَقُوتِهِ، لَكِنْ لَوْ كَانَ لَهُ دَارَانِ يَسْتَغْنِي بِإِحْدَاهُمَا، أَوْ كَانَتْ وَاسِعَةً تَفَضُلُ عَنْ مَسْكَنِ مِثْلِهِ بِيعَ، وَكَذَا الْخَادِمُ إِذَا كَانَ نَفِيسًا (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ إِلَى أَنْ يَفرغ مِنْ قَسْمِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» ، لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَكُسْوَتِهِمْ، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَتَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَكُسْوَتِهَا، وَكَذَا أَوْلَادُهُ وَأَقَارِبُهُ، وَالْوَاجِبُ فِيهِمَا أَدْنَى مَا يُنْفَقُ عَلَى مِثْلِهِ وَيُكْسَى وَتُتْرَكُ لَهُ آلَةُ حِرْفَةٍ، أَوْ مَا يَتَّجِرُ بِهِ إِنْ عَدِمَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الْمُوجَزِ "، وَ " التَّبْصِرَةِ " وَفَرَسٌ يَحْتَاجُ إِلَى رُكُوبِهَا. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يُبَاعُ الْكُلُّ إِلَّا الْمَسْكَنَ، وَمَا يُوَارِيهِ مِنْ ثِيَابٍ وَخَادِمًا يَحْتَاجُهُ (وَيَبْدَأُ بِبَيْعِ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ) كَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ بَقَاءَهُ يُتْلِفُهُ بِيَقِينٍ (ثُمَّ بِالْحَيَوَانِ) ، لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْإِتْلَافِ وَيَحْتَاجُ إِلَى مُؤْنَةٍ فِي بَقَائِهِ (ثُمَّ بِالْأَثَاثِ) ، لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ وَتَنَالُهُ الْأَيْدِي (ثُمَّ بِالْعَقَارِ) ، لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ تَلَفُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَبَقَاؤُهُ أَشْهَرُ لَهُ وَأَكْثَرُ لِطُلَّابِهِ، وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمُفْلِسِ فَقَطْ إِذَا ظَهَرَ مُسْتَحِقًّا. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَيُعْطى الْمُنَادِيَ أُجْرَتَهُ مِنَ الْمَالِ) ، لِأَنَّ الْبَيْعَ حَقٌّ عَلَى الْمُفْلِسِ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إِلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ، وَقِيلَ: أُجْرَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَعَ إِمْكَانِهِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْمَصَالِحِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَمِنَ الْمَالِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ يَحْفَظُ الْمَتَاعَ وَيَحْمِلُهُ وَنَحْوِهِمَا، وَقِيلَ: لَا يُنَادَى عَلَى عَقَارٍ بَلْ يُعْلَمُ بِهِ أَهْلُ الْبَلَدِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً، فَإِنِ اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى ثِقَةٍ أَمْضَاهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ رَدَّهُ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إِذَا اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهَنُ عَلَى غَيْرِ ثِقَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ هُنَا نَظَرًا، فَإِنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ غَرِيمٌ آخَرُ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الْمُفْلِسُ فِي ثِقَةٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 مِنَ الْمَالِ وَيَبْدَأُ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَيَدْفَعُ إِلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنَ الْأَرْشِ، أَوْ ثَمَنَ الْجَانِي، ثُمَّ بِمَنْ لَهُ رَهْنٌ فَيَخْتَصُّ بِثَمَنِهِ، فَإِنْ فَضَلَ لَهُ فَضْلٌ ضَرَبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ رُدَّ عَلَى الْمَالِ، ثُمَّ بِمَنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ يَأْخُذُهَا، ثُمَّ يُقَسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَ بَاقِي   [المبدع في شرح المقنع] وَالْغُرَمَاءُ فِي آخَرَ قَدَّمَ الْمُتَطَوِّعَ مِنْهُمَا، وَإِلَّا قَدَّمَ أَوْثَقَهُمَا وَأَعْرَفَهُمَا. قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا. وَفِي " الْفُرُوعِ " قَدَّمَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ مَعَ التَّسَاوِي في الصفات (وَيَبْدَأُ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) أَيْ: إِذَا كَانَ عَبْدُهُ الْجَانِيَ، لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهِ يَفُوتُ بِفَوَاتِهَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ، فَلَوْ كَانَ هُوَ الْجَانِيَ، فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ (فَيَدْفَعُ إِلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنَ الْأَرْشِ، أَوْ ثَمَنَ الْجَانِي) ، لِأَنَّ الْأَقَلَّ إِنْ كَانَ الْأَرْشَ فَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنَ الْجَانِي فَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الْجَانِي عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ قُسِّمَ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ (ثُمَّ بِمَنْ لَهُ رَهْنٌ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ " وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِاللُّزُومِ (فَيَخْتَصُّ بِثَمَنِهِ) أَيْ: يُبَاعُ سَوَاءٌ كَانَ بِقَدْرِ دَيْنِهِ أَوْ لَا، وَيَخْتَصُّ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِهِ بِشَرْطِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُفْلِسُ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا، لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الرَّهْنِ وَذِمَّةِ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْغُرَمَاءِ، وَعَنْهُ: إِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ، أَوْ أَفْلَسَ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ وُجُودُ قَبْضِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَخْتَصُّ بِثَمَنِ الرَّهْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. (فَإِنْ فَضَلَ لَهُ فَضْلٌ ضَرَبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ) ، لِأَنَّهُ سَاوَاهُمْ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الرَّهْنِ (فَضْلٌ رُدَّ عَلَى الْمَالِ) ، لِأَنَّهُ انْفَكَّ مِنَ الرَّهْنِ بِالْوَفَاءِ فَصَارَ كَسَائِرِ مَالِ الْمُفْلِسِ. أَصْلٌ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ مُسْتَأْجِرِ الْعَيْنِ حَيْثُ أَفْلَسَ الْمُؤَجِّرُ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ، وَالْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوِ اسْتَأْجَرَهَا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ (ثُمَّ بِمَنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ يَأْخُذُهَا) بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ (ثُمَّ يُقْسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَ بَاقِي الْغُرَمَاءِ) لِتَسَاوِي حُقُوقِهِمْ فِي تَعَلُّقِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 الْغُرَمَاءِ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يَحِلَّ، وَعَنْهُ: يَحِلُّ وَيُشَارِكُهُمْ، وَمَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يَحِلَّ إِذَا وَثَّقَ الْوَرَثَةُ، وَعَنْهُ: يَحِلُّ   [المبدع في شرح المقنع] بِذِمَّةِ الْمُفْلِسِ (عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ) ، لِأَنَّ فِيهِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمْ وَمُرَاعَاةً لِكَمِّيَّةِ حُقُوقِهِمْ، فَلَوْ قَضَى الْحَاكِمُ، أَوِ الْمُفْلِسُ بَعْضَهُمْ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ، فَلَمْ يَجُزِ اخْتِصَاصُهُ دُونَهُمْ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ بَيَانُ أَنْ لَا غَرِيمَ سِوَاهُمْ بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ، ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَ " الْفُصُولِ "، وَغَيْرِهِمَا لِئَلَّا يَأْخُذَ أَحَدُهُمْ مَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يَحِلَّ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِلْمُفْلِسِ، فَلَا يَسْقُطُ بِفَلَسِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُلُولَ مَا لَهُ، فَلَا يُوجِبُ حُلُولَ مَا عَلَيْهِ كَالْإِغْمَاءِ (وَعَنْهُ: يَحِلُّ) حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ رَبِّهِ، وَلِأَنَّ الْإِفْلَاسَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الدَّيْنُ بِالْمَالِ فَأَسْقَطَ الْأَجَلَ كَالْمَوْتِ (وَيُشَارِكُهُمْ) كَبَقِيَّةِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ، وَعَنْهُ: إِنْ وُثِّقَ لَمْ يَحِلَّ لِزَوَالِ الضَّرَرِ وَالْأَجَلِ. نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَوْتِ مَرْدُودٌ بِالْمَنْعِ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ يُفَرَّقُ، فَإِنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ خَرِبَتْ، بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ إِذَا حَلَّ. نَعَمْ إِذَا حَلَّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ شَارَكَهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ قِسْمَةِ الْبَعْضِ شَارَكَهُمْ فِي الْبَاقِي بِجَمِيعِ دَيْنِهِ وَيَضْرِبُ بَاقِي الْغُرَمَاءِ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ. (وَمَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يَحِلَّ) هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ (إِذَا وَثَّقَ الْوَرَثَةُ) بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ التَّرِكَةِ، أَوِ الدَّيْنِ بِكَفِيلٍ مَلِيءٍ، أَوْ رَهْنٍ، لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ فَوُرِّثَ عَنْهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحِلُّ إِذَا لَمْ يُوَثِّقُوا عَلَى الْأَشْهَرِ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ لَغَلَبَةِ الضَّرَرِ (وَعَنْهُ: يَحِلُّ) ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، أَوِ الْوَرَثَةِ، أَوْ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَالِ، فَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ لِخَرَابِهَا وَتَعَذُّرِ مُطَالَبَتِهِ، وَالثَّانِي كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوا الدَّيْنَ، وَلَا رَضِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِذِمَمِهِمْ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ مُتَبَايِنَةٌ، وَالثَّالِثُ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ وَتَأْجِيلُهُ، لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَى الْمَيِّتِ، لِأَنَّ ذِمَّتَهُ مُرْتَهَنَةٌ بِدَيْنِهِ، وَعَلَى صَاحِبِ الْمَالِ لِتَأَخُّرِ حَقِّهِ، وَقَدْ يَسْقُطُ لِتَلَفِ الْعَيْنِ، وَعَلَى الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِالْأَعْيَانِ، وَلَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبِلَهُ رَبُّهُ، وَعَنْهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 وَإِنْ ظَهَرَ غَرِيمٌ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقِسْطِهِ وَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى الْمُفْلِسِ   [المبدع في شرح المقنع] لَا يَحِلُّ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ كَدَيْنِهِ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا وَرِثَهُ بَيْتُ الْمَالِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَحِلُّ لِعَدَمِ وَارِثٍ مُعَيَّنٍ، وَلِهَذَا لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ الْأَرَاضِيَ، وَإِنْ كَانَتْ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَالثَّانِي: يَنْتَقِلُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ وَيَضْمَنُ الْإِمَامُ لِلْغُرَمَاءِ. الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إِذَا جُنَّ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " كَمَا سَبَقَ، وَكَذَا فِي حِلِّهِ بِجُنُونٍ. الثَّالِثَةُ: إِذَا مَاتَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَدَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، وَقُلْنَا: لَا يَحِلُّ، وَمَالُهُ بِقَدَرِ الْحَالِّ فَهَلْ يَتْرُكُ لَهُ مَا يَخُصُّهُ لِيَأْخُذَهُ، أَوْ يُوَفي الْحَالُّ، وَيَرْجِعُ عَلَى وَرَثَتِهِ صَاحِبُ الْمُؤَجَّلِ بِحِصَّتِهِ إِذَا حَلَّ، أَوْ لَا يَرْجِعُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. الرَّابِعَةُ: إِذَا مَاتَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُمْنَعْ نَقْلُ التَّرِكَةِ إِلَى الْوَرَثَةِ، فَإِنْ تَصَرَّفُوا فِيهَا، صَحَّ كَتَصَرُّفِ السَّيِّدِ فِي الْجَانِي، فَإِنْ تَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ فُسِخَ تَصَرُّفُهُمْ، وَعَنْهُ: يُمْنَعُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " الصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي ذِمَّةِ مَيِّتٍ، وَالتَّرِكَةُ رَهْنٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " الدَّيْنُ، وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُهُ مَنِ التَّصَرُّفِ نَظَرًا لَهُ، فَعَلَى ذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ كُلٍّ مِنَ الْغُرَمَاءِ، وَالْوَرَثَةِ إِلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَإِنْ ضَمِنَهُ ضَامِنٌ وَحَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا: لَمْ يَحِلَّ عَلَى غَيْرِهِ. (وَإِنْ ظَهَرَ غَرِيمٌ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ) لَمْ يُنْقَضْ خِلَافًا لِـ " الْكَافِي " (رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقِسْطِهِ) ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا شَارَكَهُمْ، فَكَذَا إِذَا ظَهَرَ، وَفِي " الْمُغْنِي " هِيَ قِسْمَةٌ بَانَ الْخَطَأُ فِيهَا كَقَسْمِهِ أَرْضًا، أَوْ مِيرَاثًا، ثُمَّ بَانَ شَرِيكٌ، أَوْ وَارِثٌ. قَالَ الْأَزَجِّيُّ: فَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ اقْتَسَمَهَا غَرِيمَاهُ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ ظَهَرَ ثَالِثٌ دَيْنُهُ كَدَيْنِ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِثُلُثِ مَا قَبَضَهُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ أَتْلَفَ مَا قَبَضَهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الثَّالِثَ يَأْخُذُ مِنَ الْآخَرِ ثُلُثَ مَا قَبَضَهُ من غير زِيَادَةً. فَرْعٌ: ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: لَوْ وَصَلَ مَالٌ لِغَائِبٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً، إِنْ طَالَبَا جَمِيعًا اشْتَرَكَا، وَإِنْ طَالَبَ أَحَدُهُمَا اخْتُصَّ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 بَقِيَّةٌ وَلَهُ صَنْعَةٌ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إِيجَارِ نَفْسِهِ لِقَضَائِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، فَإِذَا فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ وَحُجِرَ عَلَيْهِ، شَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ غُرَمَاءَ الْحَجْرِ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ حَقٌّ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ،   [المبدع في شرح المقنع] لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ وَعَدَمَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَمُرَادُهُ، وَلَمْ يُطَالِبْ أَصْلًا، وَإِلَّا شَارَكَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ. (وَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى الْمُفْلِسِ بَقِيَّةٌ) مِنَ الدُّيُونِ (وَلَهُ صَنْعَةٌ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إِيجَارِ نَفْسِهِ لِقَضَائِهَا؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُجْبَرُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بَاعَ سَرَقًا فِي دَيْنِهِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزِّنْجِيِّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَالْحُرُّ لَا يُبَاعُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ بَاعَ مَنَافِعَهُ، إِذِ الْمَنَافِعُ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَتَحْرِيمِ أَخْذِ الزَّكَاةِ، فَكَذَا هُنَا، وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ إِجْبَارُهُ عَلَيْهَا كَبَيْعِ مَالِهِ وَكَوَقْفٍ وَأُمِّ وَلَدٍ اسْتُغْنِيَ عَنْهَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ تَكَسُّبٌ لِلْمَالِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَقَبُولِ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَتَزْوِيجِ أُمِّ وَلَدٍ وَرَدِّ مَبِيعٍ وَإِمْضَائِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ مَعَ الْأَحَظِّ وَأَخْذِ دِيَةٍ عَنْ قَوَدٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَا صَنْعَةَ لَهُ، وَادِّعَاءُ الْفَسْخِ فِي الْحَدِيثِ بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ بِالِاحْتِمَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ بَيْعَ الْحُرِّ كَانَ جَائِزًا فِي وَقْتٍ فِي شَرِيعَتِنَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِبَيْعِهِ بَيْعُ مَنَافِعِهِ مَعَ أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ حَمْلِهِ النَّسْخَ، وَحِينَئِذٍ يَبْقَى الْحَجْرُ بِبَقَاءِ دَيْنِهِ إِلَى الْوَفَاءِ، وَلَوْ طَلَبُوا إِعَادَتَهُ لِمَا بَقِيَ بَعْدَ فَكِّ الْحَاكِمِ، لَمْ يُجِبْهُمْ (وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِحُكْمِهِ، فَلَا يَزُولُ إِلَّا بِهِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، وَقِيلَ: يَزُولُ بِقِسْمَةِ مَالِهِ، لِأَنَّهُ حُجِرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ، فَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ زَالَ الْحَجْرُ كَزَوَالِ حَجْرِ الْمَجْنُونِ بِزَوَالِ جُنُونِهِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِنَفْسِهِ فَزَالَ بِزَوَالِهِ بِخِلَافِ هَذَا، وَلِأَنَّ فَرَاغَ مَالِهِ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةٍ وَبَحْثٍ فَوَقَفَ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ (فَإِذَا فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ) وَظَهَرَ لَهُ مَالٌ (وَحُجِرَ عَلَيْهِ شَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ غُرَمَاءَ الْحَجْرِ الثَّانِي) لِأَنَّهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا. فَصْلٌ الْحُكْمُ الرَّابِعُ: انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنِ الْمُفْلِسِ فَمَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا، أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَمْلِكِ الْمُطَالَبَةَ حَتَّى يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ. فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ، وَهُوَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ، فَلَا   [المبدع في شرح المقنع] تَسَاوَوْا فِي ثُبُوتِ حُقُوقِهِمْ فِي ذِمَّتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الْمُشَارَكَةِ كَغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلِينَ يَضْرِبُونَ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ، وَالْآخَرِينَ يَضْرِبُونَ بِجَمِيعِهَا (فَإِنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ حَقٌّ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ) لَمْ يُجْبَرْ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ (لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا) ، لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ مِلْكًا لِغَرِيمِهِمْ لِتَتَعَلَّقَ حُقُوقُهُمْ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْمَرْأَةِ تَحْلِفُ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ زَوْجِهَا لِتَتَعَلَّقَ نَفَقَتُهَا بِهِ، وَكَالْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِمْ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُفْلِسَ إِذَا حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ ثَبَتَ الْمَالُ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ. [الرَّابِعُ انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنِ الْمُفْلِسِ] فَصْلٌ (الْحُكْمُ الرَّابِعُ: انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنِ الْمُفْلِسِ) لِلنَّصِّ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: " فَنَظِرَةٌ " خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ: أَنِظْرُوهُ إِلَى يَسَارِهِ مَعَ قَوْلِهِ: " لَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ " (فَمَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا، أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِعَيْنِ مَالِهِ (حَتَّى يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ) ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَ مَا لَهُ بِمُعَامَلَةِ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ، لَكِنْ إِذَا وَجَدَ الْبَائِعُ وَالْمُقْرِضُ أَعْيَانَ مَالِهِمَا فَهَلْ لَهُمَا الرُّجُوعُ فِيهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَهُمَا ذَلِكَ لِلْخَبَرِ، وَالثَّانِي: لَا فَسْخَ لَهُمَا، لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى بَصِيرَةٍ بِخَرَابِ الذِّمَّةِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ بِهِ. [النَّوْعُ الثَّانِي الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ] فَصْلٌ (الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ) ، إِذِ الْمَصْلَحَةُ تَعُودُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ (وَهُوَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ) ، إِذِ الْحَجْرُ عَلَى هَؤُلَاءِ حَجْرٌ عَامٌّ، لِأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ التَّصَرُّفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ قَبْلَ الْإِذْنِ، وَمَنْ دَفَعَ إِلَيْهِمْ مَالَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ رَجَعَ فِيهِ مَا كَانَ بَاقِيًا، وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ عَلِمَ بِالْحَجْرِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ جَنَوْا فَعَلَيْهِمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِمْ وَمَتَى عَقَلَ الْمَجْنُونُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَرَشَدَا انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ وَدُفِعَ إِلَيْهِمَا مَالُهُمَا، وَلَا يَنْفَكُّ قَبْلَ ذَلِكَ بِحَالٍ   [المبدع في شرح المقنع] فِي أَمْوَالِهِمْ وَذِمَمِهِمْ (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ قَبْلَ الْإِذْنِ) ، لِأَنَّ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِمْ يُفْضِي إِلَى ضَيَاعِ مَالِهِمْ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ (وَمَنْ دَفَعَ إِلَيْهِمْ) ، أَوْ إِلَى أَحَدِهِمْ (مَالَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ رَجَعَ فِيهِ مَا كَانَ بَاقِيًا) ، لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ (وَإِنْ تَلِفَ) ، أَوْ أَتْلَفَهُ (فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ) ، لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ مَجْنُونٌ (عَلِمَ بِالْحَجْرِ) ، لِأَنَّهُ فَرَّطَ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) لِتَفْرِيطِهِ لِكَوْنِهِ فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ سَفِيهٌ جَهِلَ حَجْرَهُ هَذَا إِذَا كَانَ صَاحِبُهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ بِاخْتِيَارِ مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ كَالْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَةِ فَوَجْهَانِ فِيهِ. وَمَنْ أَعْطَوْهُ مَالًا ضَمِنَهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ وَلِيُّهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ لِيَحْفَظَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا إِنْ أَخَذَ مَغْصُوبًا لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ (وَإِنْ جَنَوْا فَعَلَيْهِمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِمْ) ، لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنَ الْمَالِكِ، وَالْإِتْلَافُ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَهْلُ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا حُكْمُ الْمَغْصُوبِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ (وَمَتَى عَقَلَ الْمَجْنُونُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَرَشَدَا انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا) فَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَبِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِجُنُونِهِ، فَإِذَا زَالَ وَجَبَ زَوَالُ الْحَجْرِ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] (بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ) ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَجْنُونِ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ كَالسَّفِيهِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ فَاحْتِيجَ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَيَزُولُ بِغَيْرِ حُكْمِهِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمَجْنُونِ، وَفِيهِ وَجْهٌ. وَسَوَاءٌ رَشَّدَهُ الْوَلِيُّ أَوْ لَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَلَوْ نُوزِعَ فِي الرُّشْدِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ قُبِلَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَمَعَ عَدَمِهَا لَهُ الْيَمِينُ عَلَى وَلِيِّهِ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ رُشْدَهُ، وَلَوْ تَبَرَّعَ وَهُوَ تَحْتَ الْحَجْرِ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرُشْدِهِ، نَفَذَ (وَدُفِعَ إِلَيْهِمَا مَالُهُمَا) ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الدَّفْعِ هُوَ الْحَجْرُ، وَقَدْ زَالَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ إِنَّمَا كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 وَالْبُلُوغُ يَحْصُلُ بِالِاحْتِلَامِ، أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ نَبَاتِ الشَّعْرِ الْخَشِنِ   [المبدع في شرح المقنع] وَحِفْظًا لِمَالِهِ، فَإِذَا صَارَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ زَالَ الْحَجْرُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ (وَلَا يَنْفَكُّ قَبْلَ ذَلِكَ بِحَالٍ) ، وَلَوْ صَارَ شَيْخًا، وَرَوَى الْجَوْزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ. قَالَ: كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَلِي أَمْرَ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ ذِي أَهْلٍ وَمَالٍ لِضَعْف عقله، وَلِأَنَّ الْمَجْنُونَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لِجُنُونِهِ، فَوَجَبَ اسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ، وَالصَّبِيَّ عَلَّقَ اللَّهُ تَعَالَى الدَّفْعَ إِلَيْهِ بِشَرْطَيْنِ، وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِهِمَا مُنْتَفٍ بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَكْثَرَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ – ومصر يرون الْحَجْرَ عَلَى كُلِّ مُضَيِّعٍ لِمَالِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ مَالٌ، وَهُوَ يُقَتِّرُ عَلَى نَفْسِهِ وَيُضَيِّقُ عَلَى عِيَالِهِ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ تَنَاوُلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَتَنَاوَلُهَا أَدْنَى النَّاسِ فَيَحْجُرُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُنَصِّبُ لَهُ وَلِيًّا يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَعَلَى عِيَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَالْبُلُوغُ يَحْصُلُ بِالِاحْتِلَامِ) ، وَهُوَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنَ الْقُبُلِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفَرَائِضَ، وَالْأَحْكَامَ تَجِبُ عَلَى الْمُحْتَلِمِ الْعَاقِلِ (أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) أَيِ: اسْتِكْمَالِهَا لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ: «فَاسْتَصْغَرَنِي وَرَدَّنِي مَعَ الْغِلْمَانِ» ، فَإِنْ قُلْتَ: بَيْنَ أُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ سَنَتَانِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ عَرْضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ كَانَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ عِنْدَ اسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. لَا يُقَالُ: إِجَازَتُهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ لِقُوَّتِهِ لَا لِبُلُوغِهِ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ الْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، " وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ " رَافِعَةٌ لِلسُّؤَالِ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 حَوْلَ الْقُبُلِ وَتَزِيدُ الْجَارِيَةُ بِالْحَيْضِ وَالْحَمْلِ، وَالرُّشْدُ: الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ وَلَا يُدْفَعُ   [المبدع في شرح المقنع] لَا يَفْرِضُوا إِلَّا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (أَوْ نَبَاتِ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْقُبُلِ) ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمَّا حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَكَمَ بِقَتْلِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيهِمْ وَأَمَرَ أَنْ يُكْشَفَ عَنْ مُؤْتَزِرِيهِمْ، فَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَهُوَ مِنَ الذُّرِّيَّةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: لَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَالْحَاكِمُ. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلِأَنَّ الْإِنْبَاتَ يُلَازِمُهُ الْبُلُوغُ غَالِبًا وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى كَالِاحْتِلَامِ، وَالْخُنْثَى يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِنْبَاتُ حَوْلَ الْفَرْجَيْنِ وَتَقْيِيدُهُ الشَّعْرَ بِالْخَشِنِ لِيَخْرُجَ الزَّغَبُ الضَّعِيفُ، فَإِنَّهُ يَنْبُتُ لِلصَّغِيرِ (وَتَزِيدُ الْجَارِيَةُ) عَلَى الذَّكَرِ (بِالْحَيْضِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَعَنْهُ: لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا بِغَيْرِهِ، نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ قَوْلٌ أَوَّلٌ (وَالْحَمْلِ) ، لِأَنَّهُ دَلِيلُ إِنْزَالِهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْوَلَدِ مِنْ مَاءَيْهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5] {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] فَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَمَلَتْ فِيهِ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِبُلُوغِهَا إِذَا وَلَدَتْ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَفِي " التَّلْخِيصِ "، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُوطَأُ كَأَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ حِينِ طَلَاقِهَا فَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا حَاضَ خُنْثَى مُشْكِلٌ مِنْ فَرْجِهِ، وَأَنْزَلَ مِنْ ذَكَرِهِ، وَقِيلَ: أَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا أَوْ وُجِدَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، فَقَدْ بَلَغَ، فَإِنْ أَمْنَى وَحَاضَ مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ فَبِأَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فَلَا يُغْبَنَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الرُّؤَسَاءِ وَالْكُتَّابِ فَبِأَنْ يَسْتَوْفِيَ عَلَى وَكِيلِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ، وَالْجَارِيَةُ بِشِرَائِهَا الْقُطْنَ وَاسْتَجَادَتِهُ وَدَفْعِهَا الْأُجْرَةَ إِلَى الْغَزَّالَاتِ، وَالِاسْتِيفَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] فَلَا ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى، وَفِي الْبُلُوغِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ بِأَنَّ الْخُنْثَى ذَكَرٌ بِإِنْزَالِهِ مِنْ فَرْجِهِ، وَلَا بِأَنَّهُ أُنْثَى بِحَيْضِهِ، وَلَا بِبُلُوغِهِ بِهِمَا مَعًا، وَلَا بِأَحَدِهِمَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِنْزَالَ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ مُطْلَقًا. (وَالرُّشْدُ: الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي صَلَاحًا فِي أَمْوَالِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا كَانَ عَاقِلًا، وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الرُّشْدِ فِي الدَّوَامِ، فَلَا تُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ كَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ مُصْلِحٌ لِمَالِهِ، أَشْبَهَ الْعَدْلَ، فَعَلَى هَذَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ، وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا لِدِينِهِ كَمَنْ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَيَمْنَعُ الزَّكَاةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وقيل: الدين، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ: هُوَ الْأَلْيَقُ بِمَذْهَبِنَا. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ غَيْرُ رَشِيدٍ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَقِيلٍ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَإِنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ، فَتَعُمُّ (وَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أَيِ: اخْتَبِرُوهُمْ فَعَلَّقَ الدَّفْعَ عَلَى الِاخْتِبَارِ وَالْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ، فَوَجَبَ اخْتِبَارُهُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ (فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ فَبِأَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، فَلَا يُغْبَنَ) غَالِبًا غُبْنًا فَاحِشًا (وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الرُّؤَسَاءِ وَالْكُتَّابِ) ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الدَّهَاقِينِ وَالْكُبَرَاءِ الَّذِينَ يُصَانُ أَمْثَالُهُمْ عَنِ الْأَسْوَاقِ (فَبِأَنْ يَسْتَوْفِيَ عَلَى وَكِيلِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ) ، وَزَادَ أَبَانُ: يُدْفَعُ إِلَيْهِ نَفَقَةُ مُدَّةٍ لِيُنْفِقَهَا فِي مَصَالِحِهِ، فَإِنْ صَرَفَهَا فِي مَوَاقِعِهَا وَمَصَارِفِهَا فَهُوَ رَشِيدٌ (وَالْجَارِيَةُ بِشِرَائِهَا الْقُطْنَ وَاسْتَجَادَتِهِ) ، وَكَذَا الْكَتَّانُ، وَالْإِبْرَيْسَمُ (وَدَفْعِهَا الْأُجْرَةَ إِلَى الْغَزَّالَاتِ، وَالِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِنَّ) ، فَإِذَا وُجِدَتْ ضَابِطَةً لِمَا فِي يَدِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 عَلَيْهِنَّ، وَأَنْ يَحْفَظَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ كَالْغِنَاءِ، وَالْقِمَارِ وَشِرَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ وَنَحْوِهِ وَعَنْهُ: لَا يُدْفَعُ إِلَى الْجَارِيَةِ مَالُهَا بَعْدَ رُشْدِهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَلِدَ،   [المبدع في شرح المقنع] مُسْتَوْفِيَةً مِنْ وَكِيلِهَا دَلَّ عَلَى رُشْدِهَا (وَ) يُشْتَرَطُ مَعَ مَا ذَكَرْنَا (أَنْ يَحْفَظَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ كَالْغِنَاءِ، وَالْقِمَارِ وَشِرَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ وَنَحْوِهِ) كَالْخَمْرِ، وَآلَاتِ اللَّهْوِ، لِأَنَّ مَنْ صَرَفَ مَالَهُ فِي ذَلِكَ عُدَّ سَفِيهًا مُبَذِّرًا عُرْفًا، فَكَذَا شَرْعًا، وَلِأَنَّ الشَّخْصَ قَدْ يُحْكَمُ بِسَفَهِهِ بِصَرْفِ مَالِهِ فِي الْمُبَاحِ فَلَأَنْ يُحْكَمَ بِسَفَهِهِ فِي صَرْفِ مَالِهِ فِي الْمُحَرَّمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةً ذَكَرُوا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ التَّبْذِيرَ وَالْإِسْرَافَ مَا أَخْرَجَهُ فِي الْحَرَامِ لِقَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا لُقْمَةٌ فَوَضَعَهَا الرَّجُلُ فِي فِي أَخِيهِ لَمْ يَكُنْ إِسْرَافًا. لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا أَصْرَفَهُ فِي مُبَاحٍ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْمَصْلَحَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي التَّبْذِيرِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقٍّ. الثَّانِي: الْإِسْرَافُ الْمُتْلِفُ لِلْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27] ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَصْرَفَهُ فِيمَا يعد فَائِدَةٌ، أَوْ لَيْسَ بِحَرَامٍ لَا يَكُونُ قَادِحًا فِيهِ. وَفِي " النِّهَايَةِ: " يَقْدَحُ إِذَا تَصَدَّقَ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِعِيَالِهِ، أَوْ كَانَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَثِقْ بِإِمَانَةٍ (وَعَنْهُ) : نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ (لَا يُدْفَعُ إِلَى الْجَارِيَةِ مَالُهَا بَعْدَ رُشْدِهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَلِدَ، أَوْ تُقِيمَ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ سَنَةً) ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ لِمَا رَوَى شُرَيْحٌ قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لَا أُجِيزَ لِجَارِيَةٍ عَطِيَّةً حَتَّى تَحُولَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلًا، أَوْ تَلِدَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ مُخَالِفًا، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ، وَهُوَ أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ وَرَشَدَتْ دُفِعَ إِلَيْهَا مَالُهَا وَكَالرَّجُلِ وَكَالَّتِي دُخِلَ بِهَا، وَحَدِيثُ عُمَرَ لَمْ يُعْلَمِ انْتِشَارُهُ فِي الصَّحَابَةِ، فَلَا يُتْرَكُ بِهِ عُمُومُ الْكِتَابِ مَعَ أَنَّهُ خَاصٌّ فِي مَنْعِ الْعَطِيَّةِ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَسْلِيمِ مَالِهَا، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ دُفِعَ إِلَيْهَا إِذَا عَنَسَتْ أَيْ: كَبِرَتْ وَبَرَزَتْ لِلرِّجَالِ، وَقِيلَ: يَدُومُ عَلَيْهَا (وَوَقْتُ الِاخْتِبَارِ قَبْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 أَوْ تُقِيمَ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ سَنَةً وَوَقْتُ الِاخْتِبَارِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَعَنْهُ: بَعْدَهُ. فَصْلٌ وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ إِلَّا لِلْأَبِ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ، ثُمَّ لِلْحَاكِمِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْبُلُوغِ) عَلَى الْأَصَحِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] فَظَاهِرُهَا أَنَّ ابْتِلَاءَهُمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ، لِأَنَّهُ سَمَّاهُمْ يَتَامَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَمَدَّ اخْتِبَارَهُمْ إِلَى الْبُلُوغِ بِلَفْظِ حَتَّى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَهُ إِلَى الْبُلُوغِ يَقْتَضِي الْحَجْرَ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ لِكَوْنِهِ مُمْتَدًّا حَتَّى يُخْتَبَرَ وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ، وَاخْتِبَارُهُ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَمْنَعُهُ فِي الْجَارِيَةِ لِنَقْصِ خِبْرَتِهَا بِالْخَفَرِ، وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمُرَاهِقِ الَّذِي يَعْرِفُ الْمُعَامَلَةَ، وَالْمُصْلَحَةَ (وَعَنْهُ: بَعْدَهُ) فِيهِمَا أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ مِمَّنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَظِنَّةُ الْعَقْلِ وَبَيْعُ الِاخْتِبَارِ وَشِرَاؤُهُ صَحِيحٌ. [لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إِلَّا لِلْأَبِ] فَصْلٌ (وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ إِلَّا لِلْأَبِ) الرَّشِيدِ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ فَقُدِّمَ فِيهَا الْأَبُ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلِكَمَالِ شَفَقَتِهِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَافِرًا عَلَى وَلَدِهِ الْكَافِرِ. وَتَكْفِي الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا، لِأَنَّ تَفْوِيضَهَا إِلَى الْفَاسِقِ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالسَّفِيهِ، وَقِيلَ: وَمَسْتُورٌ (ثُمَّ لِوَصِيِّهِ) مَا لَمْ يَعْلَمْ فِسْقَهُ، لِأَنَّهُ نَائِبُهُ، أَشْبَهَ وَكِيلَهُ فِي الْحَيَاةِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ بِجُعْلٍ، وَثَمَّ مُتَبَرِّعٌ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يَقْبِضُ لِلصَّبِيِّ إِلَّا الْأَبُ، أَوْ وَصِيٌّ وَقَاضٍ فَظَاهِرُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَخِيرَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ يُقَدَّمُ الْوَصِيُّ، وَعَنْهُ: يَلِي الْجَدُّ فَفِي تَقْدِيمِهِ عَلَى وَصِيِّهِ وَجْهَانِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْجَدَّ لَا يُدْلِي بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُدْلِي بِالْأَبِ، فَلَمْ يَلِ مَالَ الصَّغِيرِ كَالْأَخِ (ثُمَّ لِلْحَاكِمِ) ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْقَطَعَتْ مِنْ جِهَتِهِ فَثَبَتَتْ لِلْحَاكِمِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ أَيْ: بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَأَمِينٌ يَقُومُ بِهِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ فِي حَاكِمٍ عَاجِزٍ كَالْعَدَمِ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ عِنْدَهُ مَالٌ تُطَالِبُهُ الْوَرَثَةُ فَيُخَافُ مِنْ أَمْرِهِ نَرَى أَنْ يُخْبِرَ الْحَاكِمَ وَيَرْفَعَهُ إِلَيْهِ قَالَ: أَمَّا حُكَّامُنَا هَؤُلَاءِ الْيَوْمَ، فَلَا أَرَى أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِمَا إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ لَهُمَا، فَإِنْ تَبَرَّعَ أَوْ حَابَى، أَوْ زَادَ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ ضَمِنَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِهِمَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ، وَلَا يَبِيعُهُمَا إِلَّا الْأَبُ وَلِوَلِيِّهِمَا مُكَاتَبَةُ   [المبدع في شرح المقنع] يَتَقَدَّمَ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّ الْمَالَ مَحَلُّ الْخِيَانَةِ وَمَنْ سِوَاهُمْ قَاصِرٌ عنهم غير مَأْمُونٌ عَلَى الْمَالِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ لَكِنْ سَأَلَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَصِيٌّ، وَلَهُمْ أُمٌّ مُشْفِقَةٌ يُدْفَعُ إِلَيْهَا. [حُكْمُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ] (وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِمَا إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ لَهُمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] ، وَالْمَجْنُونُ فِي مَعْنَاهُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ، وَلَا إِضْرَارَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ (فَإِنْ تَبَرَّعَ) بِهِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ (أَوْ حَابَى) بِزِيَادَةٍ، أَوْ نُقْصَانٍ (أَوْ زَادَ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ ضَمِنَ) ، لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فَضَمِنَ كَتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِمَا وَمُرَادُهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَضْمَنَ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاجِبِ لَا مُطْلَقًا (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِهِمَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ) ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى الْوَصِيَّ عَنْ ذَلِكَ، وَالْحَاكِمُ فِي مَعْنَاهُ (وَلَا يَبِيعُهُمَا) ، لِأَنَّهُ كَالشِّرَاءِ مَعْنًى فَيُسَاوِيهِ حُكْمًا (إِلَّا الْأَبُ) فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا، لِأَنَّهُ يَلِي بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ كَالنِّكَاحِ، وَالتُّهْمَةُ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ مُنْتَفِيَةٌ، إِذْ مِنْ طَبْعِهِ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَالْمَيْلُ إِلَيْهِ وَتَرْكُ حَظِّ نَفْسِهِ لِحَظِّهِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْوَصِيَّ وَالْحَاكِمَ (وَلِوَلِيِّهِمَا مُكَاتَبَةُ رَقِيقِهِمَا) ، لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ. وَفِي " الشَّرْحِ " إِذَا كَانَ الْحَظُّ فِيهِ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِائَةً فَيُكَاتِبَهُ عَلَى مِائَتَيْنِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " أَنَّهَا تَجُوزُ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ (وَعِتْقُهُ عَلَى مَالٍ) ، لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ لِلْيَتِيمِ فِيهَا حَظٌّ فَمَلَكَهَا وَلِيُّهُ كَالْبَيْعِ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، لَكِنْ فِي " الشَّرْحِ " إِذَا أَعْتَقَهُ بِمَالٍ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ، أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْحَظِّ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ مَجَّانًا، وَعَنْهُ: بَلَى لِمَصْلَحَةٍ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَنْ تَكُونَ لَهُ أَمَةٌ لَهَا وَلَدٌ يُسَاوِيَانِ مُجْتَمِعَيْنِ مِائَةً، وَلَوْ أُفْرِدَتْ سَاوَتْ مِائَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ إِفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ فَتُعْتَقُ الْأُخْرَى لِتَكْثُرَ قِيمَةُ الْبَاقِيَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 رَقِيقِهِمَا وَعِتْقُهُ عَلَى مَالٍ وَتَزْوِيجِ إِمَائِهِمَا، وَالسَّفَرُ بِمَالِهِمَا، وَالْمُضَارَبَةُ بِهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْيَتِيمِ وَلَهُ دَفْعُهُ مُضَارَبَةً بِجُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ وَبَيْعُهُ نَسَاءً وَقَرْضُهُ بِرَهْنٍ وَشِرَاءُ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: لَهُ هِبَةُ مَالِهِ بِعِوَضٍ. قَالَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ (وَتَزْوِيجُ إِمَائِهِمَا) إِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، لِأَنَّ فِيهِ إِعْفَافَهُنَّ وَتَحْصِينَهُنَّ عَنِ الزِّنَا وَوُجُوبَ نَفَقَتِهِنَّ عَلَى الْأَزْوَاجِ، وَالْمُرَادُ إِذَا طَلَبْنَ مِنْهُ ذَلِكَ، أَوْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ مَالِكِهِنَّ، وَعَبَّرَ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " بِالرَّقِيقِ، وَهُوَ أَعَمُّ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِخَوْفِ فَسَادِهِ، وَعَنْهُ: لَا يُزَوِّجُ أَمَةً لِتَأَكُّدِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا إِذَا كَانَ الْيَتِيمُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ خِدْمَتِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " لَهُ تَزْوِيجُ عَبْدِهِ بِأَمَتِهِ وَتَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ عَبْدِهِ، وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ بِغَيْرِ أَمَتِهِ (وَالسَّفَرُ بِمَالِهِمَا) لِلتِّجَارَةِ، وَغَيْرِهَا فِي مَوَاضِعَ آمِنَةٍ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: «مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ بِهِ، وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» . وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَلِأَنَّهُ أَحَظُّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ لِكَوْنِ نَفَقَتِهِ فِي رِبْحِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ الْبَالِغُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَتَّجِرُ إِلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الْآمِنَةِ، وَمُنِعَ فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَ " الْمُغْنِي "، وَ " الْكَافِي " مِنَ السَّفَرِ بِهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ (وَالْمُضَارَبَةُ بِهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْيَتِيمِ) أَيْ: إِذَا اتَّجَرَ الْوَلِيُّ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَاءِ الْيَتِيمِ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ إِلَّا بِعَقْدٍ، وَلَا يَعْقِدُهَا الْوَلِيُّ لِنَفْسِهِ لِلتُّهْمَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مُضَارَبَةً لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِذَلِكَ فَجَازَ لَهُ أَخْذُهُ. (وَلَهُ دَفْعُهُ مُضَارَبَةً بِجُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ) ، لِأَنَّ عَائِشَةَ أَبَضَعَتْ مَالَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، إِذِ الْوَلِيُّ نَائِبٌ عَنْهُ فِيمَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ، وَهَذَا مَصْلَحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِبْقَاءِ مَالِهِ وَحِينَئِذٍ فَلِلْمُضَارِبِ مَا وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْوَلِيُّ مِنَ الرِّبْحِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَقِيلَ: أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ بِأَقَلِّهِمَا (وَبَيْعُهُ نَسَاءً) أَيْ: إِلَى أَجَلٍ إِذَا كَانَ الْحَظُّ فِيهِ. قَالَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 الْعَقَارِ لَهُمَا وَبِنَاؤُهُ بِمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِهِ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَهُ   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الشَّرْحِ "، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الثَّمَنُ فِيهِ أَكْثَرَ، لِأَنَّ الْأَجَلَ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ (وَقَرْضُهُ) عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا (بِرَهْنٍ) ، لِأَنَّهُ أَجْوَدُ مِنْ إِيدَاعِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِهِ لِلتَّلَفِ، وَقَوْلُهُ: بِرَهْنٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا فَيَأْخُذُ عَلَى الثَّمَنِ فِي الْأُولَى رَهْنًا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": أَوْ كَفِيلًا مُوَثَّقًا بِهِ فَيَحْفَظُ الثَّمَنَ بِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَاضِحٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رَهْنٍ، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَأْمَنُ عَوْدَهُ لِفَلَسٍ وَنَحْوِهِ، وَقَالَهُ أَيْضًا فِي " التَّرْغِيبِ "، وَالْمَذْهَب، زَادَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": وَإِشْهَادٍ، فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُ الرَّهْنِ وَتَرْكُهُ فَاحْتِمَالَانِ. وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُمَا لِمَصْلَحَةٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " يُقْرِضُهُ لِحَاجَةِ سَفَرٍ، أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ، أَوْ غَيْرِهِمَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يُقْرِضُهُ إِلَّا لِمَلِيءٍ أَمِينٍ لِيَأْمَنَ جُحُودَهُ وَيَقْدِرَ عَلَى الْإِيفَاءِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَلَا يُقْرِضُهُ لِمَوَدَّةٍ وَمُكَافَأَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: لَهُ إِيدَاعُهُ مَعَ إِمْكَانِ قَرْضِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَظَاهِرُهُ مَتَى جَازَ إِيدَاعُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ يَجُوزُ إِيدَاعُهُ لِقَوْلِهِمْ: يَتَصَرَّفُ بِالْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ يَرَاهُ مَصْلَحَةً، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ تَلِفَ، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَفِي " الْكَافِي " لَا يُودِعُهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ، وَأَنَّهُ يُقْرِضُهُ لِحَظِّهِ بِلَا رَهْنٍ (وَشِرَاءُ الْعَقَارِ لَهُمَا) ، لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِكَوْنِهِ يُحَصِّلُ مِنْهُ الْمُغَلَّ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ وَإِذَا جَازَتِ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ فَهَذَا أَوْلَى (وَبِنَاؤُهُ) ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ أَحَظَّ، وَهُوَ مُمْكِنٌ فَيَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهُ (بِمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِهِ) ، وَكَذَا فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّهُ الْعُرْفُ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ يَبْنِيهِ بِالْآجُرِّ دُونَ اللَّبِنِ، لِأَنَّهُ إِذَا هُدِمَ فَسَدَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَلَا بِالْجِصِّ، لِأَنَّهُ يَلْتَزِقُ بِالْآجُرِّ وَلَوْ قُدِّرَ فَيُفْضِي إِلَى كَسْرِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " والذي أراه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ لِلْيَتِيمِ الْمُوسِرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَتَرْكُهُ فِي الْمَكْتَبِ وَأَدَاءُ الْأُجْرَةِ عَنْهُ   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّ لَهُ بِنَاءَهُ بِمَا يَرَى الْحَظَّ فِيهِ، وَلَيْسَ كُلُّ الْأَمَاكِنِ يُبْنَى فِيهَا بِالْآجُرِّ، وَلَا يُقَدَرُ فِيهَا عَلَى الْجَيِّدِ، وَإِنْ وُجِدَ فَبِقِيمَةٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا، فَلَوْ قُيِّدَ الْبِنَاءُ بِذَلِكَ أَفْضَى إِلَى فَوَاتِ الْحَظِّ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ عَلَى مَنْ عَادَتُهُمُ الْبِنَاءُ بِهِ كَالْعِرَاقِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ (إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) هَذَا رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَلِوَلِيِّهِمَا إِلَى آخِرِهِ، لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ إِذَا انْتَفَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قُرْبَانًا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ. وَظَاهِرُ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الشِّرَاءِ، وَالْبِنَاءِ، وَفِيهِ شَيْءٌ. (وَلَهُ شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ لِلْيَتِيمِ الْمُوسِرِ، نَصَّ عَلَيْهِ) ، لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَفَرَحٍ، وَجَبْرُ قَلْبِهِ، وَإِلْحَاقُهُ بِمَنْ لَهُ أَبٌ كَالثِّيَابِ الْحَسَنَةِ مَعَ اسْتِحْبَابِ التَّوْسِعَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ مُوسِرًا لَا يَتَضَرَّرُ بِشِرَائِهَا، فَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ صَدَقَتُهُ مِنْهَا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " عَنْ أَحْمَدَ: يَجِبُ لِقَوْلِهِ: لِلْوَصِيِّ التَّضْحِيَةُ عَنِ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ، فَدَلَّ أَنَّهَا كَزَكَاةٍ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا إِخْرَاجٌ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْهَدِيَّةِ وَحَمَلَ فِي " الْمُغْنِي " كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى حَالَيْنِ فَيُمْنَعُ مِنْهَا إِذَا كَانَ الطِّفْلُ لَا يَعْقِلُهَا، وَلَا يَفْرَحُ بِهَا، وَلَا يَنْكَسِرُ قَلْبُهُ بِتَرْكِهَا وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ. فَائِدَةٌ: وَيَفْعَلُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مَا هُوَ أَرْفُقُ لَهُ مَنْ خَلْطٍ وَإِفْرَادٍ، فَلَوْ مَاتَ مَنْ يَتَّجِرُ لِيَتِيمِهِ وَلِنَفْسِهِ بِمَالِهِ، وَقَدِ اشْتَرَى شَيْئًا، وَلَمْ يُعْرَفْ لِمَنْ هُوَ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقْرَعُ فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَأَخَذَ وَلَهُ الْإِذْنُ لِصَغِيرَةٍ فِي لُعَبٍ بِلُعَبٍ مُصَوَّرَةٍ وَشِرَاؤُهَا بِمَالِهَا، نَصَّ عَلَيْهِمَا (وَتَرْكُهُ فِي الْمَكْتَبِ) لِيَتَعَلَّمَ الْخَطَّ، وَمَا يَنْفَعُهُ (وَأَدَاءُ الْأُجْرَةِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِهِ، أَشْبَهَ نَفَقَةَ مَأْكُولِهِ وَمَلْبُوسِهِ، وَكَذَا مُدَاوَاتُهُ بِأُجْرَةٍ بِغَيْرِ إِذْنِ حَاكِمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ لِمَصْلَحَتِهِ . قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَلَهُ حَمْلُهُ بِأُجْرَةٍ لِيَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ. قَالَهُ فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَالْفُصُولِ وَإِذْنُهُ فِي تَصَدُّقِهِ بِيَسِيرٍ. قَالَهُ فِي الْمَذْهَبِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُمَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ، أَوْ غِبْطَةٍ، وَهُوَ أَنْ يُزَادَ فِي ثَمَنِهِ الثُّلُثُ فصاعدا، وَإِنْ وَصَّى لِأَحَدِهِمَا بِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِإِعْسَارِ الْمُوصَى لَهُ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا. فَصْلٌ وَمَنْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَعَاوَدَ السَّفَهَ أُعِيدَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] (وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُمَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ) كَحَاجَتِهِمَا إِلَى نَفَقَةٍ، أَوْ كُسْوَةٍ، أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهَا (أَوْ غِبْطَةٍ) بِأَنْ يُزَادَ فِي ثَمَنِهِ زِيَادَةً عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَذَكَرَ هَذَا فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا، ثُمَّ فَسَّرَهَا الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ (وَهُوَ أَنْ يُزَادَ فِي ثَمَنِهِ الثُّلُثُ فصاعدا) لِتَكُونَ الْمَصْلَحَةُ ظَاهِرَةً بَيِّنَةً، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْبَيْعَ لِلْمَصْلَحَةِ بِدُونِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِيعُهُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ فِي مَكَانٍ لَا غَلَّةَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ غَلَّةٌ يَسِيرَةٌ، أَوْ لِسُوءِ الْجَارِ، أَوْ لِيُعَمِّرَ بِهِ عَقَارَهُ الْآخَرَ، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ غَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": مَتَى كَانَ الْحَظُّ فِي بَيْعِهِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ شَيْخِنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ إِلَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ، فَلَوْ نَقَصَ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " (وَإِنْ وَصَّى لِأَحَدِهِمَا بِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِإِعْسَارِ الْمُوصَى لَهُ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ) ، لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ لَا ضَرَرَ فِيهَا (وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا) أَيْ: إِذَا لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ حَرُمَ عَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُهَا، لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ بِتَفْوِيتِ مَالِهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ. [مَنْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَعَاوَدَ السَّفَهَ] فَصْلٌ (وَمَنْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ) لِرُشْدِهِ، أَوْ بُلُوغِهِ وَدُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ (فَعَاوَدَ السَّفَهَ أُعِيدَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ) فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ لِمَا رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ ابْتَاعَ بَيْعًا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 الْحَاكِمُ، وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ إِلَّا بِحُكْمِهِ، وَقِيلَ: يَنْفَكُّ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ وَيُسْتَحَبُّ إِظْهَارُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ من   [المبدع في شرح المقنع] فَقَالَ عَلِيٌّ: لِآتِيَنَّ عُثْمَانَ لِيَحْجُرَ عَلَيْكَ، فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُكَ فِي الْبَيْعِ فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ فَذَكَرَ لَهُ الْقَضِيَّةَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ فِي الْبَيْعِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرُ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ أَسْمَعْ هَذَا إِلَّا مِنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اشْتُهِرَتْ، وَلَمْ تُنْكَرْ فَكَانَتْ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ سَفِيهٌ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا نَظَرًا إِلَى دَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَ الْعِلْمِ، وَالْحَاجِرُ هُنَا الْحَاكِمُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ وَلِيُّهُ. وَقِيلَ: أَوْ أَبُوهُ، وَقِيلَ: إِنْ زَالَ الْحَجْرُ بِرُشْدِهِ بِلَا حُكْمٍ عَادَ بِمُجَرَّدِهِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّبْذِيرَ يَخْتَلِفُ فَيَحْتَاجُ إِلَى الِاجْتِهَادِ، وَإِذَا افْتَقَرَ السَّبَبُ إِلَى الِاجْتِهَادِ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ، فَإِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الِاجْتِهَادِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. فَرْعٌ: لَوْ فَسَقَ، وَلَمْ يُبَذِّرْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَإِنِ اعْتُبِرَ فِي رُشْدِهِ إِصْلَاحُ دِينِهِ فَوَجْهَانِ (وَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إِلَّا الْحَاكِمُ) ، لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ يَفْتَقِرُ إِلَى الْحَاكِمِ، فَكَذَا النَّظَرُ فِي مَالِهِ (وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ) أَيْ: عَنِ السَّفِيهِ (إِلَّا بِحُكْمِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ حَجْرٌ ثَبَتَ بِحُكْمِهِ، فَلَمْ يَزُلْ إِلَّا بِهِ كَالْمُفْلِسِ، (وَقِيلَ: يَنْفَكُّ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ) . قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّ سَبَبَ الْحَجْرِ زَالَ فَيَزُولُ بِزَوَالِهِ، كَمَا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ. وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الرُّشْدَ يَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادٍ فِي مَعْرِفَتِهِ وَزَوَالِ تَبْذِيرِهِ فَكَانَ كَابْتِدَاءِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَفَارَقَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ، فَإِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَيَزُولُ بِغَيْرِ حُكْمِهِ. فَرْعٌ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ يُنْكَرُ عَقْلُهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ. قَالَهُ أَحْمَدُ يَعْنِي إِذَا كَبِرَ، وَاخْتَلَّ كَالْمَجْنُونِ لِعَجْزِهِ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوزِيُّ: أَرَى أَنْ يَحْجُرَ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ إِذَا أَسْرَفَ بِأَنْ يَضَعَهُ فِي الْفَسَادِ وَشِرَاءِ الْمُغَنِّيَاتِ وَنَحْوِهِ. (وَيُسْتَحَبُّ إِظْهَارُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ) لِيَظْهَرَ أَمْرُهُ (وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ) ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالْعِلَّةِ فَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 غير إِذْنُهُ وَهَلْ يَصِحُّ عِتْقُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ، أَوْ نَسَبٍ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] (لِتُجْتَنَبَ مُعَامَلَتُهُ) ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، لِأَنَّهُ يَنْتَشِرُ أَمْرُهُ لِشُهْرَتِهِ، وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ فَعَلَ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) . قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، لِأَنَّهُ لَا يَأْذَنُ إِلَّا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ، وَحَاجَتُهُ تَدْعُو إِلَيْهِ، وَلَيْسَ مَآلُهُ إِلَى التَّبْذِيرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَجِبُ بِهِ مَالٌ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ كَالشِّرَاءِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَالِيٍّ، فَصَحَّ مِنْهُ كَخُلْعِهِ وَطَلَاقِهِ، وَلُزُومُ الْمَالِ فِيهِ بِطَرِيقِ الضِّمْنِ، وَفِي إِجْبَارِهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ أَذِنَ فَفِي لُزُومِهِ تَعْيِينَ الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ وَيَتَقَيَّدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيُحْتَمَلُ لُزُومُهُ زِيَادَةَ إِذْنٍ فِيهَا، كَتَزْوِيجِهِ بِهَا فِي وَجْهٍ، فَإِنْ عَضَلَهُ اسْتَقَلَّ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُطَلِّقُ اشْتَرَى لَهُ جَارِيَةً، وَإِنْ خَالَعَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: بَلَى، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا أَتْلَفَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا تَبْرَأُ الْمَرْأَةُ بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ ضَمَانِهَا إِنْ أَتْلَفَهُ، أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ، لِأَنَّهَا سَلَّطَتْهُ عَلَيْهِ (وَهَلْ يَصِحُّ عِتْقُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَرْجَحُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ أَشْبَهَ هِبَتَهُ وَوَقْفَهُ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَعِتْقِ الصَّبِيِّ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، لِأَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ تَامِّ الْمِلْكِ، فَصَحَّ كَالْمُفْلِسِ، وَالرَّاهِنِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لِحَقِّ غَيْرِهِمَا، وَفِي عِتْقِهِمَا خِلَافٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ ، لِأَنَّهُ تَقَرُّبٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَالِهِ بَعْدَ غِنَاهُ عَنْهُ، وَكَذَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ وَتُعْتَقُ الْأَمَةُ بِمَوْتِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا صَحَّ مِنَ الْمَجْنُونِ فَمِنَ السَّفِيهِ أَوْلَى. فَرْعٌ: يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ كَمُفْلِسٍ، وَإِنْ فُكَّ حَجْرُهُ قَبْلَ تَكْفِيرِهِ، وَقَدَرَ عَتَقَ وَيَسْتَقِلُّ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أُخِذَ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ مُطْلَقًا وَحُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. فَصْلٌ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ وَهَلْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ أَقَرَّ) أَيِ: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ (بِحَدٍّ) أَيْ: بِمَا يُوجِبُهُ كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ (أَوْ قِصَاصٍ، أَوْ نَسَبٍ، أَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أُخِذَ بِهِ) . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ إِجْمَاعُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي نَفْسِهِ، وَالْحَجْرُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فَنُقِلَ عَلَى نَفْسِهِ، إِذِ الْحَجْرُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ، وَالطَّلَاقُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ، فَلَا يُمْنَعُ كَالْإِقْرَارِ بِالْحَدِّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ مَعَ مَنْعِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا فَعَفَى الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى مَالٍ فَوَجْهَانِ (وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ) كَالدَّيْنِ، أَوْ مَا يُوجِبُهُ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ وَغَصْبِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ) ، لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَظّة، أَشْبَهَ الصَّبِيَّ، وَلَوْ قَتَلْنَاهُ فِي الْحَالِ لَزَالَ مَعْنَى الْحَجْرِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ زَوَالِهِ كَالرَّاهِنِ، وَالْمُفْلِسِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ مُطْلَقًا) ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ نُفُوذِ إِقْرَارِهِ فِي حَالِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِهِ وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ، وَنُفُوذُهُ بَعْدَ فَكِّهِ عَنْهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا تَأْخِيرَ الضَّرَرِ عَلَيْهِ إِلَى أَكْمَلِ حَالَتَيْهِ، لَكِنْ إِنْ عَلِمَ صِحَّةَ مَا أَقَرَّ بِهِ كَدَيْنِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْوَجِيزِ " (وَحُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ) عَلَى مَا سَلَفَ، لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى السَّفِيهِ لِحَظِّهِ، أَشْبَهَ وَلِيَّ الصَّبِيِّ. [لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إِذَا احْتَاجَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ] فَصْلٌ (وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 يَلْزَمُهُ عِوَضٌ إِذَا أَيْسَرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي النَّاظِرِ فِي الْوَقْفِ وَمَتَى   [المبدع في شرح المقنع] تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] ، وَلِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ، وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِي يَتِيمٌ فَقَالَ: كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ» . رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ مَرْفُوعًا: مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِعَمَلِهِ فَتَقَيَّدَ بِقَدْرِهِ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجَمَاعَةُ أَنَّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْل، أَوْ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ، وَالْحَاجَةِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ إِلَّا مَا وَجَدَ فِيهِ، وَفِي الْإِيضَاحِ إِذَا قَدَّرَهُ حَاكِمٌ، وَقَيَّدَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْوَجِيزِ ": إِنْ شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ كسب مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: يَأْكُلُ فَقِيرٌ، وَمَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ مَعَاشِهِ بِمَعْرُوفٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مَعَ غِنَاهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] ، وَعَنْهُ: بَلَى، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَالْعَمَلِ فِي الزَّكَاةِ وَحَمَلَ الْآيَةَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ مُطْلَقًا (وَهَلْ يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ إِذَا أَيْسَرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ جُعِلَ عِوَضًا لَهُ عَنْ عَمَلِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ كَالْأَجِيرِ، وَالْمُضَارِبِ، وَلِأَنَّهُ يُقَالُ أَمَرَ بِالْأَكْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةٌ بِالْحَاجَةِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، فَلَزِمَهُ عِوَضُهُ كَالْمُضْطَرِّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْعِوَضَ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْأَبِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَإِذَا قُلْنَا بِرَدِّ الْبَدَلِ فَيَتَوَجَّهُ بِرَدِّهِ إِلَى الْحَاكِمِ، لِأَنَّهُ لَا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ (وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ فِي النَّاظِرِ فِي الْوَقْفِ) إِذَا لَمْ يَشْرِطْ لَهُ شَيْئًا، وَهَذَا التَّخْرِيجُ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ يُسَاوِي الْوَصِيَّ مَعْنًى وَحُكْمًا. وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي النَّاظِرِ أَنَّهُ يَأْكُلُ بِمَعْرُوفٍ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَعَنْهُ: أَيْضًا إِذَا اشْتَرَطَ، قِيلَ لَهُ: فَيَقْضِي دَيْنَهُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ فَادَّعَى عَلَى الْوَلِيِّ تَعَدِّيًا، أَوْ مَا يُوجِبُ ضَمَانًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ وَهَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَحْجُرَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُقَدِّمُ بِمَعْلُومِهِ بِلَا شَرْطٍ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ. وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الْوَصِيِّ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُوَافَقَتُهُ عَلَى الْأُجْرَةِ، وَالْوَكِيلُ يُمْكِنُهُ (وَمَتَى زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ فَادَّعَى عَلَى الْوَلِيِّ تَعَدِّيًا، أَوْ مَا يُوجِبُ ضَمَانًا) كَدَعْوَى النَّفَقَةِ، وَقَدْرِهَا وَوُجُودِ الْغِبْطَةِ، وَالضَّرُورَةِ، وَالْمَصْلَحَةِ، وَالتَّلَفِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ) مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ التَّفْرِيطِ، فَكَذَا هُنَا كَالْمُودَعِ، وَهَذَا مَا لَمْ يُخَالِفْ عَادَةً وَعُرْفًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ، وَلَوْ كَانَ حَاكِمًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْحَاكِمُ فَلَوْ قَالَ: أَنْفَقْتُ عَلَيْكَ مُنْذُ سَنَتَيْنِ فَقَالَ: مُنْذُ سَنَةٍ قُدِّمَ قَوْلُ الصَّبِيِّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ يُوَافِقُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَظَّ، وَالْغِبْطَةَ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ (وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، أَشْبَهَ الْمُودَعِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] فَمَتَى تَرَكَ الْإِشْهَادَ، فَقَدْ فَرَّطَ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ فَعَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ (وَهَلْ لِلزَّوْجِ) الرَّشِيدِ قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (أَنْ يَحْجُرَ عَلَى امْرَأَتِهِ) أَيِ: الرَّشِيدَةِ (فِي التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الرِّعَايَةِ " أَرْجَحُهُمَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُنَّ وَإِطْلَاقِهِنَّ فِي التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» . وَكُنَّ يَتَصَدَّقْنَ وَيَقْبَلُ مِنْهُنَّ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَلِأَنَّ مَنْ وَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إِلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 عَلَى امْرَأَتِهِ فِي التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَصْلٌ فِي الْإِذْنِ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيَجُوزُ   [المبدع في شرح المقنع] لِرُشْدِهِ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ إِذْنٍ كَالْغُلَامِ، وَالثَّانِيَةُ: يَمْلِكُ مَنْعَهَا مِنْ ذَلِكَ أَيْ: بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ عَطِيَّةٌ فِي مَالِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، إِذْ هُوَ مَالِكُ عِصْمَتِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهَا وَيَنْتَفِعُ بِهِ وَإِذَا أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ أَنْظَرَتْهُ فَجَرَى مَجْرَى حُقُوقِ الْوَرَثَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ شُعَيْبًا لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، وَلَيْسَ لَهُمْ حَدِيثٌ يَدُلُّ عَلَى تَحْدِيد المنع بالثلث، وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْمَرَضَ سَبَبٌ يفضي إِلَى وُصُولِ الْمَالِ إِلَيْهِمْ بِالْمِيرَاثِ، وَالزَّوْجِيَّةُ إِنَّمَا تَجْعَلُهُ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَهِيَ أَحَدُ وَصْفَيِ الْعِلَّةِ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِهَا كَمَا لَا يَثْبُتُ لَهَا الْحَجْرُ عَلَى زَوْجِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْعَهَا مِنَ التَّبَرُّعِ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ، وَعَنْهُ: بَلَى صَحَّحَهَا فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ". قَالَ: لَا تَهَبُ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا يُنَفَّذُ عِتْقُهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. [إِذْنُ الْوَلِيِّ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ] فَصْلٌ فِي الْإِذْنِ (يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ الْمُرَجَّحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الْآيَةَ أَيِ: اخْتَبِرُوهُمْ لِتَعْلَمُوا رُشْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِتَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ، وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَالْعَبْدِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ مِنْهُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يَصْلُحُ بِهِ التَّصَرُّفُ لِخَفَائِهِ فَجَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ ضَابِطًا، وَهُوَ الْبُلُوغُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ تَصَرَّفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 ذَلِكَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ، وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا الْحَجْرُ إِلَّا فِيمَا أُذِنَ لَهُمَا فِيهِ، وَفِي النَّوْعِ الَّذِي أُمِرَا بِهِ وَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَلَا يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُوَكَّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ بِنَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ رَآهُ سَيِّدُهُ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] بِلَا إِذْنٍ لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ: بَلَى وَيَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَبَنَاهُمَا فِي " الشَّرْحِ " عَلَى تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ (وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ لِحَقِّ السَّيِّدِ فَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِإِذْنِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. (وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا الْحَجْرُ إِلَّا فِيمَا أُذِنَ لَهُمَا فِيهِ، وَفِي النَّوْعِ الَّذِي أُمِرَا بِهِ) ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ آدَمِيٍّ، فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَأَمَرَهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ، وَالْمُضَارِبِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " رِوَايَةٌ: إِنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي نَوْعٍ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ غَيْرِهِ مَلَكَهُ أَيْ: جَازَ أَنْ يَتَّجِرَ فِي غَيْرِهِ وَيَنْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ مُطْلَقًا، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِذْنِ لَا يَتَبَعَّضُ كَبُلُوغِ الصَّبِيِّ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي شِرَاءِ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ وَنَحْوِهِ، وَالرِّقُّ سَبَبُ الْحَجْرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَمُضَارِبٍ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً، وَغَيْرِهِ، وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِاثْنَيْنِ فَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ، لِأَنَّهُ يَقَعُ بِمَجْمُوعِهِ. (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَلَا يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ) ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَمْلِكُهُ إِلَّا بِإِذْنٍ كَبَيْعِ نَفْسِهِ وَتَزْوِيجِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ عَنِ التِّجَارَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْإِذْنِ، وَفِي إِيجَارِ عَبِيدِهِ وَبَهَائِمِهِ خِلَافٌ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَفِي صِحَّةِ شِرَاءِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ وَامْرَأَتِهِ وَزَوْجِ رَبَّةِ الْمَالِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: صِحَّتُهُ، وَعَلَيْهِ إِنْ صَحَّ وَعَلَيْهِ دِينٌ فَقِيلَ: يُعْتَقُ. وَقِيلَ: يُبَاعُ فِيهِ. وَمِثْلُهُ مُضَارِبٌ، وَالْأَشْهَرُ يَصِحُّ كَمَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ وَشِرَاءَهُ مِنْ حَلِفٍ لَا يَمْلِكُهُ (وَهَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ بِنَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ فَاخْتُصَّ بِمَا أُذِنَ فِيهِ، وَالثَّانِي: بَلَى، لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ فَمَلَكَهُ بِنَائِبِهِ كَالْمَالِكِ الرَّشِيدِ، وَلِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ (وَإِنْ رَآهُ سَيِّدُهُ، أَوْ وَلِيُّهُ يَتَّجِرُ، فَلَمْ يَنْهَهُ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لَهُ) كَتَزْوِيجِهِ وَبَيْعِهِ مَالَهُ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَفْتَقِرُ إِلَى الْإِذْنِ، فَلَمْ يَقُمِ السُّكُوتُ مَقَامَهُ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا فِي الرَّهْنِ، وَالْآخَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 وَلِيُّهُ يَتَّجِرُ فَلَمْ يَنْهَهُ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لَهُ، وَمَا اسْتَدَانَ الْعَبْدُ فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ، أَوْ يُسَلِّمُهُ، وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ إِلَّا الْمَأْذُونَ لَهُ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَإِذَا بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ شَيْئًا، لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ   [المبدع في شرح المقنع] سَاكِتٌ، وَكَتَصَرُّفِ الْأَجَانِبِ (وَمَا اسْتَدَانَ الْعَبْدُ) يُقَالُ: اسْتَدَانَ، وَادَّانَ، وَتَدَيَّنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ (فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ (يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ، أَوْ يُسَلِّمُهُ) كَالْجِنَايَةِ (وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ رَضِيَ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ لِكَوْنِهِ عَامَلَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ إِنْ أَعْتَقَهُ، فَعَلَى مَوْلَاهُ نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ (إِلَّا الْمَأْذُونَ لَهُ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِتَصَرُّفِ الْعَبْدِ حَالَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ، وَلِتَصَرُّفِهِ حَالَتَانِ إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَتَصَرَّفَ بِبَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ بِعَيْنِ الْمَالِ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالْغَاصِبِ، وَقِيلَ: بَلَى وَيَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَالْفُضُولِيِّ، الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا الْمَجْدُ رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْمُفْلِسِ إِذِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ السَّيِّدِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ كَالسَّفِيهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ مَا اشْتَرَاهُ، أَوِ اقْتَرَضَهُ إِنْ وُجِدَ فِي يَدِهِ انْتُزِعَ مِنْهُ لِتُحَقُّقِ إِعْسَارِهِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " التَّلْخِيصِ "، وَإِنْ أَخَذَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يُنْتَزَعْ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِأَنَّهُ وَجَدَ مَمْلُوكَهُ بِحَقٍّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَجَدَ فِي يَدِهِ صَيْدًا وَنَحْوَهُ، وَاخْتَارَ فِي " التَّلْخِيصِ " جَوَازَ الِانْتِزَاعِ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ للسيد ابْتِدَاءً، وَإِنْ تَلِفَ بِيَدِ السَّيِّدِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَاسْتَقَرَّ ثَمَنُهُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ أَوْ ذِمَّتِهِ عَلَى الْخِلَافِ، وَكَذَا إِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الْعَبْدِ، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ فَسَادُ التَّصَرُّفِ يَرْجِعُ مَالِكُ الْعَيْنِ حَيْثُ وَجَدَهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً فَلَهُ قِيمَتُهُ، أَوْ مِثْلُهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، ثُمَّ إِنْ كَانَ التَّلَفُ فِي يَدِ الْعَبْدِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ كَالْجِنَايَةِ، وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ لِعُمُومِ مَا رُوِيَ عَنِ الْفُقَهَاءِ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ دَيْنُ الْمَمْلُوكِ فِي ذِمَّتِهِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَإِنْ كَانَ التَّلَفُ بِيَدِ السَّيِّدِ فَكَذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَجْدِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَيَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُ فَأَقَرَّ بِهِ صَحَّ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] وَ " التَّلْخِيصِ " أَنَّهُ يَرْجِعُ إِنْ شَاءَ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْعَبْدِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فَمَا اسْتَدَانَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ فَأَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ، لِأَنَّهُ غَرَّ النَّاسَ بِمُعَامَلَتِهِ، وَقَيَّدَهُ فِي " الْوَسِيلَةِ " بِمَا إِذَا كَانَ قَدْرَ قِيمَتِهِ، وَالْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَلَا فَرْقَ فِي الَّذِي اسْتَدَانَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الَّذِي أَذِنَ فِيهِ، أَوْ لَا بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي الْبُرِّ فَيَتَّجِرَ فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ أَنْ يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ كَجِنَايَتِهِ، وَلِأَنَّهُ قَابِضٌ لِلْمَالِ، الْمُتَصَرِّفُ فِيهِ، أشبه غير الْمَأْذُونُ لَهُ، وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ لِإِذْنِهِ وَرَقَبَةِ الْعَبْدِ لِقَبْضِهِ، وَعَنْهُ: بِذِمَّتِهِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ يُؤْخَذُ السَّيِّدُ بِمَا أدانَ لِمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَقَطْ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ إِذَا أدانَ، فَعَلَى سَيِّدِهِ، وَإِنْ جَنَى، فَعَلَى سَيِّدِهِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " إِذَا أَذِنَ لَهُ مُطْلَقًا لَزِمَهُ كُلَّمَا أدانَ، وَإِنْ قَيَّدَهُ بِنَوْعٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اسْتِدَانَةً فَبِرَقَبَتِهِ كَغَيْرِ الْمَأْذُونِ، وَبَنَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْخِلَافَ فِي أَنَّ تَصَرُّفَهُ مَعَ الْإِذْنِ هَلْ هُوَ لِسَيِّدِهِ فَيَتَعَلَّقُ مَا أدانَهُ بِذِمَّتِهِ كَوَكِيلِهِ، أَوْ لِنَفْسِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إِذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارِ السَّيِّدِ، أَمَّا إِذَا أَنْكَرَهُ السَّيِّدُ، وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ إِنْ أَقَرَّ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ هَدَرٌ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِ جَرَيَانُ الْخِلَافِ. (وَإِذَا بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ كَغَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ (وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ) ، لِأَنَّهُ إِذَا قُلْنَا: إِنِ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَكَأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِأَصْحَابِ الدُّيُونِ فَيَصِيرُ كَعَبْدِ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا (وَيَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ) ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِقْرَارِ الصِّحَّةُ تُرِكَ فِيمَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ سَيِّدُهُ لِحَقِّ السَّيِّدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا زَادَ لِمَا ذَكَرْنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 يَبْطُلُ الْإِذْنُ بِالْإِبَاقِ، وَلَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِهِبَةِ الدَّرَاهِمِ وَكُسْوَةِ الثِّيَابِ. وَيَجُوزُ هَدِيَّتُهُ لِلْمَأْكُولِ وَإِعَارَةُ دَابَّتِهِ. وَهَلْ لِغَيْرِ الْمَأْذُونِ الصَّدَقَةُ مِنْ قُوتِهِ بِالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُ فَأَقَرَّ بِهِ، صَحَّ) ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ إِقْرَارِهِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَقَدْ زَالَ، وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ صَحِيحٌ، فَصَحَّ إِقْرَارُهُ بِهِ كَالْحُرِّ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ (وَلَا يَبْطُلُ الْإِذْنُ بِالْإِبَاقِ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَلَمْ يَمْنَعِ اسْتَدَامَتَهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ، أَوْ حُبِسَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ وَكَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ بِهِ، لِأَنَّهُ يُزِيلُ وِلَايَةَ السَّيِّدِ عَنْهُ فِي التِّجَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَا هِبَتُهُ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ بَاقٍ، وَهُوَ الرِّقُّ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ بِالْمَغْصُوبِ، وَفِيهِ بِكِتَابَةٍ وَحُرِّيَّةٍ وَأَسْرٍ خِلَافٌ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَفِي " الْمُوجَزِ "، وَ " التَّبْصِرَةِ " يَزُولُ مِلْكُهُ بِحُرِّيَّةٍ وَغَيْرِهَا كَحَجْرٍ عَلَى سَيِّدِهِ، وَلَيْسَ إِبَاقة فُرْقَةً، نَصَّ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: لَهُ مُعَامَلَةُ عَبْدٍ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ خِلَافًا لِلنِّهَايَةِ. نَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنِ اشْتَرَى مِنْ عَبْدٍ ثَوْبًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَقَالَ الْعَبْدُ: أَنَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لِي فِي التِّجَارَةِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ سَيِّدُهُ إِذْنَهُ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ عَلِمَ بِتَصَرُّفِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَلَوْ قُدِّرَ صِدْقُهُ فَتَسْلِيطُهُ عُدْوَانًا مِنْهُ فَيَضْمَنُ، وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: التُّجَّارُ أَتْلَفُوا أَمْوَالَهُمْ لَمَّا لَمْ يَسْأَلُوا الْوَلِيَّ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ الْإِذْنِ لِلْعَبْدِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَلَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِهِبَةِ الدَّرَاهِمِ وَكُسْوَةِ الثِّيَابِ) وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ التِّجَارَةِ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ كَغَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ (وَيَجُوزُ هَدِيَّتُهُ لِلْمَأْكُولِ وَإِعَارَةُ دَابَّتِهِ) وَعَمَلُ دَعْوَةٍ وَنَحْوُهُ بِلَا إِسْرَافٍ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَحَضَرَ دَعْوَتَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ، وَأَبُو ذَرٍّ فَأَمَّهُمْ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَبْدٌ. رَوَاهُ صَالِحٌ فِي مَسَائِلِهِ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ التُّجَّارِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْإِذْنِ. وَقَالَ فِي " النِّهَايَةِ " الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَالِ مَوْلَاهُ، فَلَمْ يَجُزْ كَنِكَاحِهِ وَكَمُكَاتَبٍ فِي الْأَصَحِّ (وَهَلْ لِغَيْرِ الْمَأْذُونِ الصَّدَقَةُ مِنْ قُوتِهِ بِالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: لَهُ ذَلِكَ بِمَا لَا يَضُرُّهُ، لِأَنَّهُ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ فَجَازَ كَصَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا، وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَالَ لِسَيِّدِهِ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ، فَلَمْ يَمْلِكِ الصَّدَقَةَ بِهِ كَالضَّيْفِ لَا يَتَصَدَّقُ بِمَا أُذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ. مَسْأَلَةٌ: مَا كَسَبَهُ الْعَبْدُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ مِنْ مُبَاحٍ، أَوْ قَبِلَهُ مِنْ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ فَلِسَيِّدِهِ، وَكَذَا اللُّقَطَةُ، وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُ الْكُلَّ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ قَبِلَ، أَوِ الْتَقَطَ وَعَرَفَ بِلَا إِذْنِهِ فَهُوَ لِلْعَبْدِ إِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ سَيِّدِهِ عَنْهُ مُطْلَقًا، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ - وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ - فَهُوَ لِسَيِّدِهِ يُعْتِقُهُ وَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ مِنْهُ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ؟) أَيْ: بِالْيَسِيرِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ لَهَا ذَلِكَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرُ مَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَجْرِ بَعْضٍ شَيْئًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ إِذْنًا، إِذِ الْعَادَةُ السَّمَاحُ، وَطِيبُ النَّفْسِ بِهِ إِلَّا أَنْ تَضْطَرِبَ الْعَادَةُ وَيَشُكَّ فِي رِضَاهُ، أَوْ يَكُونَ بَخِيلًا، وَيَشُكَّ فِي رِضَاهُ، فَلَا يَجُوزُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الطَّعَامَ؟ قَالَ: ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّهَا تَبَرَّعَتْ بِمَالِ غَيْرِهَا، فَلَمْ يَجُزْ كَالصَّدَقَةِ بِثِيَابِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ أَحَادِيثَهَا خَاصَّةٌ صَحِيحَةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا، وَالْإِذْنُ الْعُرْفِيُّ كَالْحَقِيقِيِّ إِلَّا أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ مُطْلَقًا وَكَمَنَ يُطْعِمُهَا، وَلَمْ يُعْلَمْ رِضَاهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 بَابُ الْوَكَالَةِ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ وَكُلِّ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحْمَدُ، وَيَلْحَقُ بِهَا مَنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ كَجَارِيَتِهِ وَعَبْدِهِ الْمُتَصَرِّفِ فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ. [بَابُ الْوَكَالَةِ] [تَعْرِيفُ الوكالة وَحُكْمُهَا] بَابُ الْوَكَالَةِ الْوَكَالَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا: التَّفْوِيضُ يُقَالُ وَكَّلَهُ أَيْ: فَوَّضَ إِلَيْهِ، وَوَكَلْتُ أَمْرِي إِلَى فُلَانٍ أَيْ: فَوَّضْتُ إِلَيْهِ وَاكْتَفَيْتُ بِهِ، وَقَدْ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْحِفْظُ وَهِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ. وَاصْطِلَاحًا: التَّفْوِيضُ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ فِي الْحَيَاةِ، وَالْأَحْسَنُ فِيهَا: أَنَّهَا اسْتِنَابَةُ الْجَائِزِ التَّصَرُّفِ مِثْلَهُ فِيمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19] ، وَقَدْ وَكَّلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ، وَأَبَا رَافِعٍ فِي تَزَوُّجِ مَيْمُونَةَ، وَعَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فِي تَزَوُّجِ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ، فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ. (تَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، نَحْوِ افْعَلْ كَذَا، أَوْ أَذِنْتُ لَكَ فِي فِعْلِهِ، لِأَنَّهُ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى الْإِذْنِ، فَصَحَّ كَلَفْظِهَا الصَّرِيحِ. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ إِذَا قَالَ: بِعْ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقُولَ: وَكَّلْتُكَ، فَاعْتَبَرَ انْعِقَادَهَا بِلَفْظِهَا الصَّرِيحِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى التَّأْكِيدِ لِنَصِّهِ عَلَى انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِاللَّفْظِ وَالْمُعَاطَاةِ، كَذَا الْوَكَالَةُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا دَأْبُ شَيْخِنَا أَنْ يَحْمِلَ نَادِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ عَلَى أَظْهَرِهِ وَيَصْرِفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ لَفْظٍ رِوَايَةٌ، وَيُصَحَّحُ الصَّحِيحُ. قَالَ الْأَزَجِّيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى هَذَا لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَذْهَبُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ دَلَّ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى انْعِقَادِهَا بِفِعْلٍ دَالٍّ كَبَيْعٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى قَصَّارٍ، أَوْ خَيَّاطٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 وَيَصِحُّ الْقَبُولُ عَلَى الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي بِأَنْ يُوَكِّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ فَيَبِيعَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، أَوْ يَبْلُغَهُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ مُنْذُ شَهْرٍ فَيَقُولَ: قَبِلْتُ. وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ، وَالتَّوَكُّلُ فِي شَيْءٍ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَكَالْقَبُولِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَصِحُّ مُؤَقَّتَةً وَمُعَلَّقَةً بِشَرْطٍ، نَصَّ عَلَيْهِ كَوَصِيَّةٍ، وَإِبَاحَةِ أَكْلٍ، وَقَضَاءٍ، وَإِمَارَةٍ وَكَتَعْلِيقِ تَصَرُّفٍ، وَاخْتَارَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ كَتَعْلِيقِ فَسْخِهَا (وَكُلِّ قَوْلٍ) ، وَالْأَصَحُّ (أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ) ، لِأَنَّ وُكَلَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ سِوَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَلِأَنَّهُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فَجَازَ الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ كَأَكْلِ الطَّعَامِ، وَكَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ كَشَرِكَةٍ وَمُضَارِبَةٍ وَمُسَاقَاةٍ وَنَحْوِهَا (وَيَصِحُّ الْقَبُولُ عَلَى الْفَوْرِ) بِلَا شُبْهَةٍ كَسَائِرِ الْعُقُودِ (وَالتَّرَاخِي بِأَنْ يُوَكِّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ فَيَبِيعَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، أَوْ يَبْلُغَهُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ مُنْذُ شَهْرٍ فَيَقُولَ: قَبِلْتُ) ، لِأَنَّ قَبُولَ وُكَلَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ بِفِعْلِهِمْ وَكَانَ مُتَرَاخِيًا عَنْ تَوَكُّلِهِ إِيَّاهُمْ، وَلِأَنَّهُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، وَالْإِذْنُ قَائِمٌ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ، أَشْبَهَ الْإِبَاحَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْوَكِيلِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ "، وَلَوْ وَكَّلَ زَيْدًا، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، أَوْ لَمْ يَعْرِفُ مُوَكِّلَهُ لَمْ يَصِحَّ. [الْوَكَالَةُ لَا تَجُوزُ إِلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ] (وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ وَالتَّوَكُّلُ فِي شَيْءٍ إِلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) ، لِأَنَّ مَنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِنَفْسِهِ فَنَائِبُهُ أَوْلَى، فَلَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ، أَوْ طَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا لَمْ يَصِحَّ، إِذِ الطَّلَاقُ لَا يَمْلِكُهُ فِي الْحَالِ، ذَكَرَهُ الْأَزَجِّيُّ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ: إِنْ قَالَ: إِنْ تَزَوَّجْتُ هَذِهِ، فَقَدْ وَكَّلْتُكَ فِي طَلَاقِهَا، أَوْ إِنِ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْعَبْدَ فَقَدْ وَكَّلْتُكَ فِي عِتْقِهِ، صَحَّ إِنْ قُلْنَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُمَا عَلَى مِلْكِهِمَا، وَإِلَّا فَلَا، وَكُلُّ مَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ بِنَفْسِهِ، صَحَّ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ، وَأَنْ يَنُوبَ عَنْ غَيْرِهِ لِانْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ فَاسِقٍ فِي إِيجَابِ نِكَاحٍ إِلَّا عَلَى رِوَايَةٍ، وَفِي قَبُولِهِ وَجْهَانِ وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا، وَغَيْرِهَا، وَتَوْكِيلُ الْعَبْدِ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي كُلِّ حَقٍّ آدَمِيٍّ مِنَ الْعُقُودِ، وَالْفُسُوخِ، وَالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ، وَالرَّجْعَةِ وَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الصَّيْدِ، وَالْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ إِلَّا الظِّهَارَ، وَاللِّعَانَ،   [المبدع في شرح المقنع] يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ بِجُعْلٍ، لِأَنَّهُ مِنِ اكْتِسَابِ الْمَالِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ بِغَيْرِ جُعْلٍ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَصِحَّةُ وَكَالَةِ الْمُمَيِّزِ فِي طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " رِوَايَتَانِ لِنَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ بِلَا إِذْنٍ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ وَاجِدٌ لِلطَّوْلِ فِي قَبُولِ نِكَاحِ أَمَةٍ لِمُبَاحٍ لَهُ، وَغَنِيٌّ لِفَقِيرٍ فِي قَبُولِ زَكَاةٍ، لِأَنَّ سَلْبَهُمَا الْقُدْرَةَ تَنْزِيهًا، وَقَبُولِ نِكَاحِ أُخْتِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَبِيهِ الْأَجْنَبِيِّ. قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ. (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي كُلِّ حَقٍّ آدَمِيٍّ مِنَ الْعُقُودِ) ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَّلَ عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ فِي الشِّرَاءِ، وَسَائِرُ الْعُقُودِ كَالْإِجَارَةِ، وَالْقَرْضِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْإِبْرَاءِ فِي مَعْنَاهُ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُحْسِنُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ إِلَى السُّوقِ، أَوْ يَحُطُّ ذَلِكَ مِنْ مَنْزِلَتِهِ فَأَبَاحَهَا الشَّارِعُ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَتَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْإِقْرَارِ. وَقِيلَ: التَّوْكِيلُ فِيهِ إِقْرَارٌ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَفِي إِثْبَاتِ الْقِصَاصِ، وَفِي الْمُطَالَبَةِ بِالْحُقُوقِ وَإِثْبَاتِهَا، وَالْمُحَاكَمَةِ فِيهَا حَاضِرًا كَانَ الْمُوَكِّلُ، أَوْ غَائِبًا صَحِيحًا، أَوْ مَرِيضًا فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ (وَالْفُسُوخِ، وَالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ) ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْإِنْشَاءِ، فَجَازَ فِي الْإِزَالَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَالرَّجْعَةِ) ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ (وَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ، وَنَحْوِهِ) كَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَاسْتِيفَاءِ الْمَوَارِيثِ، لِأَنَّهَا تَمَلُّكُ مَالٍ بِسَبَبٍ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، فَجَازَ كَالِابْتِيَاعِ، وَالِاتِّهَابِ، وَقِيلَ: مَنْ وَكَّلَ فِي احْتِشَاشٍ وَاحْتِطَابٍ فَهَلْ يَمْلِكُ الْوَكِيلُ مَا أَخَذَهُ، أَوْ مُوَكِّلُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ (إِلَّا الظِّهَارَ) ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُنْكَرٌ وَزُورٌ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، فَلَمْ تَجُزِ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ كَالْإِيلَاءِ (وَاللِّعَانَ، وَالْأَيْمَانَ) ، لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ، فَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ كَالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، وَالنَّذْرُ وَالْقَسَامَةُ كَذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الْقَسْمُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ، لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجِ لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ بِهِ، وَالشَّهَادَةُ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالشَّاهِدِ، وَالرَّضَاعُ، لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُرْضِعَةِ، وَالِالْتِقَاطُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَالْتَقَطَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنَ الْآمِرِ، وَالِاغْتِنَامُ، لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِالْحُضُورِ، وَالْغَصْبُ، وَالْجِنَايَةُ، لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ (وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 وَالْأَيْمَانَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ النِّكَاحَ، وَمَنْ يُزَوِّجُ موَلِيَّتَهُ إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَمُوَلِّيَتِهِ. وَيَصِحُّ فِي كُلِّ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْحُدُودِ فِي إِثْبَاتِهَا وَاسْتِيفَائِهَا، وَيَجُوزُ الِاسْتِيفَاءُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَغَيْبَتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] النِّكَاحَ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى التَّزَوُّجِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ لَا يُمْكِنُهُ السَّفَرُ إِلَيْهِ، كَمَا تَزَوَّجَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُمَّ حَبِيبَةَ وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ (وَمَنْ يُزَوِّجُ مولِيَّتَهُ) ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ (إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَمُوَلِّيَتِهِ) يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّ تَوْكِيلَهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَعَنِ الْفَاسِقِ، فَإِنَّ تَوْكِيلَهُ فِي الْإِيجَابِ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ بِنَفْسِهِ، إِذْ لَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي الْقَبُولِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. [تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْحُدُودِ] (وَيَصِحُّ فِي كُلِّ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنَ الْعِبَادَاتِ) كَتَفْرِقَةِ صَدَقَةٍ، وَزَكَاةٍ، وَنَذْرٍ، وَكَفَّارَةٍ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقِهَا، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، وَكَذَا الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَفْعَلُهُ بِشَرْطِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ: أَخْرِجْ زَكَاةَ مَالِي مِنْ مَالِكَ، فَأَمَّا الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ الْمَحْضَةُ كَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ، فَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهَا، فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الصِّيَامُ الْمَنْذُورُ، فَإِنَّهُ يُفْعَلُ عَنِ الْمَيِّتِ، وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنَ الصَّلَاةِ رَكَعَتَا الطَّوَافِ، فَإِنَّهَا تَبَعٌ لِلْحَجِّ وَمِنَ الطَّهَارَةِ صَبُّ الْمَاءِ وَإِيصَالُهُ إِلَى الْأَعْضَاءِ وَتَطْهِيرُ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ مِنَ النَّجَاسَةِ (وَالْحُدُودِ فِي إِثْبَاتِهَا وَاسْتِيفَائِهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَقَدْ وَكَّلَهُ فِي الْإِثْبَاتِ، وَالِاسْتِيفَاءِ جَمِيعًا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ فِي إِثْبَاتِهَا، لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبَهَاتِ، وَقَدْ أُمِرْنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 إِلَّا الْقِصَاصَ وَحَدَّ الْقَذْفِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْبَتِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ،   [المبدع في شرح المقنع] بِدَرْئِهَا، وَالتَّوْكِيلُ يُوصِلُ إِلَى الْإِيجَابِ، وَجَوَابُهُ الْخَبَرُ، وَبِأَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا اسْتَنَابَ دَخَلَ فِيهَا الْحُدُودُ، فَإِذَا دَخَلَتْ فِي التَّوْكِيلِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ فَالتَّخْصِيصُ بِدُخُولِهَا أَوْلَى، وَالْوَكِيلُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي دَرْئِهَا بِالشُّبَهَاتِ. (وَيَجُوزُ الِاسْتِيفَاءُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَغِيبَتِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّ مَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ جَازَ فِي غَيْبَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (إِلَّا الْقِصَاصَ وَحَدَّ الْقَذْفِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْبَتِهِ) ، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ حَالَ غَيْبَتِهِ فَيَسْقُطَ، وَهَذِهِ شُبْهَةٌ تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ، لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، فَإِذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ احْتُمِلَ أَنْ يَرْحَمَهُ فَيَعْفُوَ، وَالْمَذْهَبُ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ فِي الْغَيْبَةِ مُطْلَقًا، أَمَّا الزِّنَا وَشِبْهُهُ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ حَتَّى يُدْرَأَ بِالشُّبْهَةِ، وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ فِي غَيْرِهِ بِعِيدٌ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ عَفَا لَأَعْلَمَ وَكِيلَهُ بِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَلَا يُؤَثِّرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ قُضَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَحْكُمُونَ فِي الْبِلَادِ وَيُقِيمُونَ الْحُدُودَ الَّتِي تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ مَعَ احْتِمَالِ الْفَسْخِ. (وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ) نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ، وَلَا تَضَمَّنَهُ إِذْنُهُ لِكَوْنِهِ يَتَوَلَّى مِثْلَهُ، وَلِأَنَّهُ اسْتِئْمَانٌ فِيمَا يُمْكِنُهُ النُّهُوضُ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَنْ لَا يَأْمَنُهُ عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ (وَعَنْهُ: يَجُوزُ) نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فَمَلَكَهُ نَائِبُهُ كَالْمَالِكِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَالِكَ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَيْفَ شَاءَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَهَذَا مَعَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ نَهَاهُ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّ مَا نَهَاهُ عَنْهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي إِذْنِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوَكِّلْهُ، وَعَكْسُهُ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، أَوْ قَالَ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَكَانَ لَهُ فِعْلُهُ كَالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ (وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ، وَالْحَاكِمُ) أَيْ: حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْوَكِيلِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ كَالْوَكِيلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 وَالْحَاكِمُ وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَعْجِزُ عَنْهُ لِكَثْرَتِهِ وَيَجُوزُ   [المبدع في شرح المقنع] لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ ". وَنَقَلَ فِي " الْمُغْنِي " عَنِ الْقَاضِي فِي الْمُصَرَّاةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَنِيبَ مُطْلَقًا، وَفِي الْوَكِيلِ رِوَايَتَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِئْذَانُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي الْوَصِيِّ رِوَايَتَانِ كَالْوَكِيلِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى، لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِالْإِذْنِ، أَشْبَهَ الْوَكِيلَ، وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا اقْتَضَتْهُ الْوَصِيَّةُ كَالْوَكِيلِ إِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا اقْتَضَتْهُ الْوَكَالَةُ، وَيَلْحَقُ بِهَذَا مُضَارِبٌ وَوَلِيٌّ فِي نِكَاحِ غَيْرِ مُجْبَرٍ، وَقِيلَ: يَجُوزُ مِنَ الْوَلِيِّ أَبًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ، قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ ". مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَفِي " الْفُرُوعِ " إِذَا اسْتَنَابَ حَاكِمٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ إِنْ كَانَ لِكَوْنِهِ أَرْجَحَ، فَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الِاسْتِنَابَةُ إِذَا لَمْ يُمْنَعْ إِنْ كَانَ لَهُ الْحُكْمُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْلِيدِ غَيْرِ إِمَامِهِ، وَإِلَّا انْبَنَى هَلْ يَسْتَنِيبُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ كَتَوْكِيلِ مُسْلِمٍ ذِمِّيًّا فِي شِرَاءِ خَمْرٍ، وَأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَنِيبِ، أَوِ الْأَوَّلُ. (وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ: إِذَا كَانَ الْعَمَلُ مِمَّا يَرْتَفِعُ الْوَكِيلُ عَنْ مِثْلِهِ كَالْأَعْمَالِ الدَّنِيئَةِ فِي حَقِّ أَشْرَافِ النَّاسِ الْمُرْتَفِعِينَ عَنْ فِعْلِهِ عَادَةً، فَإِنَّ الْإِذْنَ يَنْصَرِفُ إِلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ (أَوْ) كَانَ يَعْمَلُهُ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ (يَعْجِزُ عَنْهُ لِكَثْرَتِهِ) ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ اقْتَضَتْ جَوَازَ التَّوْكِيلِ فَجَازَ فِي جَمِيعِهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ لَفْظًا. وَقَالَ الْقَاضِي: عِنْدِي أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهِ، لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إِنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ، فَاخْتُصَّ بِهَا بِخِلَافِ وُجُودِ إِذْنِهِ، فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ، وَلَا يُوَكِّلُ إِلَّا أَمِينًا إِلَّا أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ سِوَاهُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ قَطَعَ نَظَرَهُ بِتَعْيِينِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ وَكَّلَ أَمِينًا فَصَارَ خَائِنًا فَلَهُ عَزْلُهُ، لَأَنَّ تَمْكِينَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ مَعَ الْخِيَانَةِ تَفْرِيطٌ، وَوَكِّلْ عَنْكَ وَكِيلُ وَكِيلِهِ وَوَكِّلْ عَنِّي، أَوْ يُطْلِقُ وَكِيلُ مُوَكِّلِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يُوصِي وَكِيلٌ مُطْلَقًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 تَوْكِيلُ عَبْدِ غَيْرِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْ وَكَّلَهُ بِإِذْنِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَيَجُوزُ تَوْكِيلُ عَبْدِ غَيْرِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) ، لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ، فَإِذَا أَذِنَ صَارَ كَالْحُرِّ وَكَالتَّصَرُّفِ (وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ) ، لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ (فَإِنَّ وَكَّلَهُ بِإِذْنِهِ) ، وَقِيلَ: أَوْ لَا (فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَفِي " الْفُرُوعِ " رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، نَصَرَهَا فِي " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدِ غَيْرِهِ فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ كَالْمَرْأَةِ لَمَّا جَازَ تَوْكِيلُهَا فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا جَازَ تَوْكِيلُهَا فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِ سَيِّدِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ مِنْ نَفْسِهِ وَلِهَذَا يُحْكَمُ لِلْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": إِنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُقَدَّرُ جَعْلُ تَوْكِيلِ الْعَبْدِ كَتَوْكِيلِ سَيِّدِهِ، وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ فِي النِّكَاحِ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ، فَكَذَا هُنَا فَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ: اشْتَرَيْتُ نَفْسِي لِزَيْدٍ وَصَدَّقَاهُ، صَحَّ وَلَزِمَ زَيْدًا الثَّمَنُ، وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ: مَا اشْتَرَيْتَ نَفْسَكَ إِلَّا لِنَفْسِكَ عَتَقَ لِإِقْرَارِ السَّيِّدِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَعْتَقُ بِهِ الْعَبْدُ وَيَلْزَمُ الْعَبْدَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ لِسَيِّدِهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْعَقْدِ لَهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ وَكَذَّبَ زِيدٌ نَظَرْتَ فِي تَكْذِيبِهِ، فَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الْوَكَالَةِ حَلَفَ وَبَرِئَ وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْجَاعُ عَبْدِهِ لِتَعَذُّرِ ثَمَنِهِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ، وَقَالَ: مَا اشْتَرَيْتَ نَفْسَكَ لِي، قُبِلَ قَوْلُ الْعَبْدِ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ فِي إِعْتَاقِ عَبِيدِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي طَلَاقِ نِسَائِهِ لَمْ يَمْلِكْ إِعْتَاقَ نَفْسِهِ، وَلَا هِيَ طَلَاقَ نَفْسِهَا، لِأَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَنْصَرِفُ إِلَى التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِهِ، وَقِيلَ: بَلَى، لِأَنَّ اللَّفْظَ يَعُمُّهُ، فَلَوْ وَكَّلَ غَرِيمَهُ فِي إِبْرَاءِ نَفْسِهِ، صَحَّ كَتَوْكِيلِ الْعَبْدِ فِي إِعْتَاقِ نَفْسِهِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ فِي إِبْرَاءِ غُرَمَائِهِ لَمْ يَمْلِكْ إِبْرَاءَ نَفْسِهِ فِي الْمَشْهُورِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي حَبْسِ غُرَمَائِهِ، أَوْ خُصُومَتِهِمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 سَيِّدِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَالْوَكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَالْجُنُونِ، وَالْحَجْرِ لِلسَّفِيهِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ كَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ،   [المبدع في شرح المقنع] [الْوَكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ] (وَالْوِكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ) ، لِأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ إِذْنٌ وَمِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ بَدَلُ نَفْعٍ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا) أَيْ: مَتَى شَاءَ، لِأَنَّهَا إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فَمَلَكَهُ كَالْإِذْنِ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا عَزَلْتُكُ فَقَدْ وَكَّلْتُكَ، انْعَزَلَ بِكُلَّمَا وَكَّلْتُكَ فَقَدْ عَزَلْتُكَ وَهِيَ الْوَكَالَةُ الدَّوْرِيَّةُ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَهِيَ عَلَى أَصْلِنَا صَحِيحَةٌ فِي صِحَّةِ " التَّعْلِيقِ " وَصُوَرَتُهَا أَنْ تَقُولَ كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي، وَطَرِيقُهُ فِي الْعَزْلِ أَنْ يَقُولَ: كُلَّمَا عُدْتَ وَكِيلِي فَقَدْ عَزَلْتُكَ وَهِيَ فَسْخٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ لَازِمَةً وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْمُعَلِّقِ إِيقَاعَ الْفَسْخِ، وَإِنَّمَا الِامْتِنَاعُ مِنَ التَّوْكِيلِ وَحَلُّهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَالْعُقُودُ لَا تُفْسَخُ قَبْلَ انْعِقَادِهَا (وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَالْجُنُونِ) الْمُطْبِقِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " (وَالْحَجْرِ لِلسَّفَهِ) ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَعْتَمِدُ الْحَيَاةَ وَالْعَقْلَ وَعَدَمَ الْحَجْرِ، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ انْتَفَتْ صِحَّتُهَا لِانْتِفَاءِ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَجْرَ لِفَلَسٍ لَا يُبْطِلُهَا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، لَكِنْ إِنْ حُجِرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ كَانَتِ الْوَكَالَةُ فِي أَعْيَانِ مَالِهِ بَطَلَتْ لِانْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهَا، فَلَا وَتَبْطُلُ أَيْضًا فِي طَلَاقِ الزَّوْجَةِ بِوَطْئِهَا، وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ بِكِتَابَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " (وَكَذَلِكَ كَلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ كَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ) ، لِأَنَّ الْكُلَّ مُشْتَرِكٌ مَعْنًى، فَوَجَبَ أَنْ يُسَاوِيَهُ حُكْمًا. (وَلَا تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ) ، لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ فَسَقَ بِهِ بَطَلَتْ فِيمَا يُنَافِيهِ كَالْإِيجَابِ فِي النِّكَاحِ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي الْقَبُولِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ، وَلَا بِفِسْقِهِ فِي الْأَشْهَرِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ لِنَفْسِهِ فَجَازَ لِغَيْرِهِ كَالْعَدْلِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ وَكِيلًا فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَمَانَةُ كَوَكِيلِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَوَلِيِّ الْوَقْفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 وَلَا تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ، وَالتَّعَدِّي، وَهَلْ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] انْعَزَلَ بِفِسْقِهِ وَفِسْقِ مُوَكِّلِهِ (وَالْإِغْمَاءِ) ، لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ، وَكَذَا النَّوْمُ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَ (التَّعَدِّي) أَيْ: تَعَدِّي الْوَكِيلِ كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ اقْتَضَتِ الْأَمَانَةَ وَالْإِذْنَ، فَإِذَا زَالَتِ الْأُولَى بِالتَّعَدِّي بَقِيَ الْإِذْنُ بِحَالِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَبْطُلُ بِهِ، لِأَنَّهَا عَقْدُ أَمَانَةٍ فَبَطَلَتْ بِالتَّعَدِّي كَالْوَدِيعَةِ، وَرُدَّ بِالْفَرْقِ، فَإِنَّ الْوَدِيعَةَ مُجَرَّدُ أَمَانَةٍ فَنَافَاهَا التَّعَدِّي بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهَا إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ وَتَضَمَّنَتِ الْأَمَانَةَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَصِيرُ ضَامِنًا، فَإِذَا تَصَرَّفَ كَمَا قَالَ مُوَكِّلُهُ، صَحَّ وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانِهِ، وَيَصِيرُ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً، فَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُزِيلَ لِلضَّمَانِ زَالَ فَعَادَ مَا زَالَ بِهِ (وَهَلْ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ، لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ، فَكَذَا لَا تَمْنَعُ اسْتَدَامَتَهَا كَسَائِرِ الْكُفْرِ وَسَوَاءٌ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي: تَبْطُلُ بِهَا إِذَا قُلْنَا يَزُولُ مِلْكُهُ وَيَبْطُلُ تَصَرُّفُهُ، وَالْوَكَالَةُ تَصَرُّفٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " إِنْ كَانَتْ مِنَ الْوَكِيلِ لَمْ تَبْطُلْ، لِأَنَّ رِدَّتَهُ لَا تُؤَثِّرُ فِي تَصَرُّفِهِ، وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْمُوَكِّلِ فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ فِي مَالِهِ، وَفِي " الشَّرْحِ " إِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَأَمَّا الْوَكِيلُ فِي مَالِهِ فَيَنْبَنِي عَلَى صِحَّةٍ تَصَرُّفِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ مَوْقُوفٌ فَهِيَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: يَبْطُلُ تَصَرُّفُهُ بَطَلَتْ، فَإِنْ كَانَتْ حَالَ رَدَّتِهِ فَالْأَوْجُهُ. الثَّانِيَةُ: إِذَا وَكَّلَ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَمْ تَبْطُلْ قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَصَحَّحَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ، فَلَا يَمْنَعُ اسْتَدَامَتَهَا وَكَإِبَاقِهِ، وَالثَّانِي: بَلَى، لِأَنَّ تَوْكِيلَ عَبْدِهِ لَيْسَ بِتَوْكِيلٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِخْدَامٌ بِحَقِّ الْمِلْكِ فَيَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا بَاعَهُ، أَوْ وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ سَيِّدُهُ، فَلَوِ اشْتَرَاهُ الْمُوَكِّلُ مِنْهُ لَمْ تَبْطُلْ، لِأَنَّ مِلْكَهُ إِيَّاهُ لَا يُنَافِي إِذْنَهُ لَهُ فِي الْبَيْعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 وَهَلْ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِالْمَوْتِ وَالْعَزْلِ قَبْلَ عِلْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا وَكَّلَ اثْنَيْنِ، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالشِّرَاءِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ، وَفِي " الْمُغْنِي " أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَالْعِتْقُ غَيْرُ مُنَافٍ، وَفِي جَحْدِهَا مِنْ أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ: عَمْدًا - وَجْهَانِ، وَالْأَشْهَرُ فِيهِنَّ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ. تَنْبِيهٌ: تَبْطُلُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُوَكَّلِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا، لِأَنَّ مَحَلَّهَا قَدْ ذَهَبَ، فَلَوْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ مُطْلَقًا وَنَفَدَ مَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ بَطَلَتْ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ بِهِ، وَإِنِ اسْتَقْرَضَهُ الْوَكِيلُ فَهُوَ كَتَلَفِهِ، وَلَوْ عُزِلَ عَوَّضَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ لِلْمُوَكِّلِ حَتَّى يَقْبِضَهُ. (وَهَلْ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِالْمَوْتِ وَالْعَزْلِ قَبْلَ عِلْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) لَا خِلَافَ أَنَّ الْوَكِيلَ إِذَا عَلِمَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، أَوْ عَزْلِهِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ بَاطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ - وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ الْأَشْهَرُ - أَنَّ تَصَرُّفَهُ غَيْرُ نَافِذٍ، لِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى رِضَا صَاحِبِهِ، فَصَحَّ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَالطَّلَاقِ، وَالثَّانِيَةُ: وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ قَبْلَ الْعِلْمِ كَالْأَحْكَامِ الْمُبْتَدَأَةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ} [البقرة: 275] وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا تَضْمِينُهُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ، وَذَكَرَ وَجْهًا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْمَوْتِ لَا بِالْعَزْلِ، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ، وَالْمُؤَلِّفَ وَجَمَاعَةً يَجْعَلُونَ الْخِلَافَ فِي نَفْسِ انْفِسَاخِ الْوَكَالَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَ " الشَّرْحِ "، وَكَلَامِ الْمَجْدِ يَجْعَلُونَهُ فِي نُفُوذِ التَّصَرُّفِ، وَهُوَ أَوْفَقُ لِمَنْصُوصِ أَحْمَدَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فِي " الْمُغْنِي " وَلِهَذَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ لَفْظِيٌّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ، أَوْ تَصَرَّفَ فَادَّعَى أَنَّهُ عَزَلَهُ قَبْلَهُ لَمْ يُقْبَلْ، فَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِبَلَدٍ آخَرَ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْعَزِلْ قَبْلَ الْعِلْمِ، صَحَّ تَصَرُّفُهُ، وَإِلَّا كَانَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ حَكَمَ قَبْلَ هَذَا الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ حَاكِمٌ لَا يَرَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَلَا يَجُوزَ لِلْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ   [المبدع في شرح المقنع] عَزْلَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ، فَإِنْ كَانَ بَلَغَهُ ذَلِكَ نُفِّذَ، وَالْحُكْمُ النَّاقِضُ لَهُ مَرْدُودٌ، وَإِلَّا وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَالْحَاكِمُ الثَّانِي إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ الْعَزْلَ قَبْلَ الْعِلْمِ، أَوْ عَلِمَ، وَلَمْ يَرَهُ، أَوْ رَآهُ، وَلَمْ يَرَ نَقْضَ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ فَحُكْمُهُ كَعَدَمِهِ. فَرْعٌ: لَا يَنْعَزِلُ مُودَعٌ قَبْلَ عِلْمِهِ خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ فَمَا بِيَدِهِ أَمَانَةٌ. وَمِثْلُهُ مُضَارِبٌ. [حُكْمُ تَوْكِيلِ اثْنَيْنِ] (وَإِذَا وَكَّلَ اثْنَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ تَصَرُّفَ أَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا بِدَلِيلِ إِضَافَةِ الْغَيْرِ إِلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ) أَيِ: الِانْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ (إِلَيْهِ) ، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا، فَلَوْ وَكَّلَهُمَا فِي حِفْظِ مَالِهِ حَفِظَاهُ مَعًا فِي حِرْزٍ لَهُمَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ: افْعَلَا كَذَا يَقْتَضِي اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى فِعْلِهِ بِخِلَافِ بِعْتُكُمَا حَيْثُ كَانَ مُنْقَسِمًا بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ لَهُمَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ فَلَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ، وَلَا لِلْحَاكِمِ ضَمُّ أَمِينٍ لِيَتَصَرَّفَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ، فَإِنَّ لِلْحَاكِمِ ضَمَّ أَمِينٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَشِيدٌ جَائِزُ التَّصَرُّفِ لَا وِلَايَةَ لِلْحَاكِمِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ لَهُ نَظَرًا فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَالْيَتِيمِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُوصِ إِلَى أَحَدٍ أَقَامَ الْحَاكِمُ أَمِينًا فِي النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَادَّعَى الْحَاضِرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ بِثُبُوتِهَا لَهُمَا، فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ تَصَرَّفَا مَعًا، لَا يُقَالُ: هُوَ حُكْمٌ لِلْغَائِبِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَبَعًا لِحَقِّ الْحَاضِرِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْوَقْفِ لِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ لِأَجْلِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فِي الْحَالِ، فَلَوْ جَحَدَهَا الْغَائِبُ، أَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ. (وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْبَيْعِ بَيْعُ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِهِ فَحُمِلَتِ الْوَكَالَةُ عَلَيْهِ وَكَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ وَيَتَنَافَى الْغَرَضَانِ فِي بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ نَهَاهُ، وَكَذَا شِرَاؤُهُ مِنْ نَفْسِهِ، لَكِنْ لَوْ أَذِنَ لَهُ جَازَ وَيَتَوَلَّى طَرَفَيْهِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا إِذَا انْتَفَتِ التُّهْمَةُ كَأَبِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا تَوْكِيلُهُ فِي بَيْعِهِ وَآخَرَ فِي شِرَائِهِ. وَمِثْلُهُ نِكَاحٌ وَدَعْوَى فَيَدَّعِي أَحَدُهُمَا وَيُجِيبُ عَنِ الْآخَرِ وَيُقِيمُ حُجَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَالَ الْأَزَجِّيُّ فِي الدَّعْوَى: الَّذِي يَقَعُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ لِلتَّضَادِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ إِذَا زَادَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ، أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَبِيعُ وَكَانَ هُوَ أَحَدَ الْمُشْتَرِينَ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ لِوَلَدِهِ، أَوْ وَالِدِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] (وَعَنْهُ: يَجُوزُ إِذَا زَادَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ، أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَبِيعُ وَكَانَ هُوَ أَحَدَ الْمُشْتَرِينَ) ، لِأَنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ مِنَ الثَّمَنِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِي " الْكَافِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّ الْجَوَازَ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ، الثَّانِي: أَنْ يَتَوَلَّى النِّدَاءَ غَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي وَاجِبًا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا، وَفِي " الْفُرُوعِ "، وَعَنْهُ: يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ إِذَا زَادَ ثَمَنَهُ فِي النِّدَاءِ، وَقِيلَ: أَوْ وَكَّلَ بَائِعًا، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَقِيلَ: هُمَا، وَذَكَرَ الْأَزَجِّيُّ احْتِمَالًا: لَا يُعْتَبَرَانِ، لِأَنَّ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ تَحْمِلُهُ عَلَى الْحَقِّ وَرُبَّمَا زَادَ، لَا يُقَالُ: كَيْفَ يُوَكِّلُ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، وَالنِّدَاءُ مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ أَكْثَرُ الْوُكَلَاءِ بِأَنْفُسِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ إِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَا وُكِّلَ فِيهِ لِمَنْ يُنَادِي عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ، فَالْعَقْدُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَاقِدٍ. وَمِثْلُهُ يَتَوَلَّاهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْهُ غَيْرَهُ وَيُمْكِنَ التَّخَلُّصُ مِنْ وُرُودِ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنْ يُجْعَلَ بَدَلَ التَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ التَّوْكِيلُ فِي الشِّرَاءِ. (وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ لِوَلَدِهِ) الْكَبِيرِ (أَوْ وَالِدِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِمْ وَيَمِيلُ إِلَى تَرْكِ الِاسْتِقْصَاءِ عَلَيْهِمْ فِي الثَّمَنِ كَتُهْمَتِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُهُ، وَقَدِ امْتَثَلَ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ وَوَافَقَ الْعُرْفَ فِي بَيْعِ غَيْرِهِ، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، وَذَكَرَ الْأَزَجِّيُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأُخُوَّةِ وَالْأَقَارِبِ كَذَلِكَ. فَرْعٌ: الْحَاكِمُ، وَأَمِينُهُ، وَنَاظِرُ الْوَقْفِ، وَالْمُضَارِبُ كَالْوَكِيلِ. (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ نَسَاءً، وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ بَاعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ نَسَاءً، وَلَا بغَيِّرَ نَقْدَ الْبَلَدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ كَالْمُضَارِبِ، وَإِنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَنْقَصَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ، صَحَّ وَيَضْمَنُ النَّقْصَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا   [المبدع في شرح المقنع] بِنَفْسِهِ وَأَطْلَقَ انْصَرَفَ إِلَى الْحُلُولِ وَنَقْدِ الْبَلَدِ، فَكَذَا وَكَيْلُهُ، فَلَوْ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِنَفْعٍ وَغَرَضٍ، لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ لَمْ يَقْتَضِهِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي " الْمُوجَزِ " وَكَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ بَلَحٍ فِي الصَّيْفِ وَفَحْمٍ فِي الشِّتَاءِ فَخَالَفَ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَحَلُّهُ فِي الْفَحْمِ فِي غَيْرِ تِجَارَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ بَاعَ بِأَغْلَبِهِمَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا خُيِّرَ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ: بِعْ كَيْفَ شِئْتَ (كَالْمُضَارِبِ) عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحُ، وَهُوَ فِي النَّسَاءِ أَكْثَرُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ الثمن لدفع حَاجَتِهِ فَتَفُوتُ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ، فَيَعُودُ الضَّرَرُ عَلَيْهِ، وَاسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ فِي الْوَكَالَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَيَعُودُ ضَرَرُ الطَّلَبِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ مَعَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ عَيَّنَ لَهُ شَيْئًا تَعَيَّنَ، وَلَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهُ، لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِإِذْنِهِ. فَائِدَةٌ: إِذَا ادَّعَيَا الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُمَا، وَقِيلَ: قَوْلُ الْمَالِكِ. (وَإِنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَنْقَصَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ، صَحَّ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، لِأَنَّ مَنْ صَحَّ بَيْعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، صَحَّ بِدُونِهِ كَالْمَرِيضِ (وَيَضْمَنُ) الْوَكِيلُ (النَّقْصَ) ، لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ حَظِّ الْمُشْتَرِي بِعَدَمِ الْفَسْخِ، وَحَظِّ الْبَائِعِ بِوُجُوبِ التَّضْمِينِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ، فَلَا يُعْتَبَرُ حَظُّهُ، لِأَنَّهُ مُفْرِّطٌ، وَفِي قَدْرِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: مَا بَيْنَ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَمَا بَاعَهُ، وَالثَّانِي: مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ، وَمَا لَا يَتَغَابَنُونَ، لِأَنَّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ عَادَةً كَدِرْهَمٍ فِي عَشَرَةٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ بِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَلَوْ حَضَرَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهُ بِهِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ طَلَبَ الْحَظِّ لِمُوَكِّلِهِ، فَلَوْ بَاعَ بِهِ ثُمَّ حَضَرَ مَنْ يَزِيدُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَمْ يَلْزَمْهُ فَسْخُ الْعَقْدِ عَلَى الْأَشْهَرِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي "، وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 يَصِحَّ، وَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، صَحَّ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ بِدِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِدِينَارٍ، صَحَّ فِي أَحَدِ   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّهَا أَقْيَسُ، وَفِي " الْفُرُوعِ " هِيَ أَظْهَرُ، لِأَنَّهُ بيع غير مَأْذُونٌ فِيهِ، أَشْبَهَ بَيْعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَقِيلَ: هُوَ كَتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَلِفَ فَضَمِنَ الْوَكِيلُ رَجَعَ عَلَى مُشْتَرٍ كَتَلَفِهِ عِنْدَهُ، وَعَلَى الصِّحَّةِ لَا يَضْمَنُ عَبْدٌ لِسَيِّدِهِ، وَلَا صَبِيٌّ لِنَفْسِهِ (وَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، صَحَّ) ، لِأَنَّهُ بَاعَ الْمَأْذُونَ، وَزَادَهُ خَيْرًا زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ، وَلَا يَضُرُّهُ، وَالْعُرْفُ يَقْتَضِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ فَاشْتَرَاهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَنْقَصَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ (سَوَاءٌ أَكَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ) كَمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِهَا وَبِعَشَرَةٍ أُخْرَى (أَوْ لَمْ تَكُنْ) كَدِينَارٍ وَثَوْبٍ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ جِنْسُ الْأَثْمَانِ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا، وَتَزْكِيَةُ بَيِّنَةِ خَصْمِهِ وَمُخَاصَمَةٌ فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ بَانَ مُسْتَحَقًّا فِي وَجْهٍ، وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ فَلِمُوَكِّلِهِ وَلِنَفْسِهِ لَهُمَا، وَلَا تَصِحُّ لِنَفْسِهِ فَقَطْ، وَيُخْتَصُّ بِخِيَارِ مَجْلِسٍ وَيُخْتَصُّ بِهِ مُوَكِّلُهُ إِنْ حَضَرَهُ. فَائِدَةٌ: الْوَصِيُّ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ كَالْوَكِيلِ فِيمَا إِذَا بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوِ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْهُ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَتَضْمِينُهُ مَعَ اجْتِهَادِهِ وَعَدَمِ تَفْرِيطِهِ - مُشْكِلٌ، فَإِنَّ قَوَاعِدَ الْمَذْهَبِ تَشْهَدُ لَهُ بِرِوَايَتَيْ فِيمَا إِذَا رَمَى إِلَى صَفِّ الْكُفَّارِ يَظُنُّهُ كافرا فبان مُسْلِمًا، فَفِي ضَمَانِ دَيْنِهِ رِوَايَتَانِ (وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ بِدِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِدِينَارٍ، صَحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا، فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِدِرْهَمٍ رَضِيَ مَكَانَهُ بِدِينَارٍ، وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ خَالَفَ مُوَكِّلَهُ فِي الْجِنْسِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ بِثَوْبٍ يُسَاوِي دِينَارًا، أَوْ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِمِائَةِ ثَوْبٍ قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ "، وَلَوْ بَاعَهُ بِدِرْهَمٍ وَعَرَضٍ فَالْأَصَحُّ لَا تَبْطُلُ فِي زَائِدٍ بِحِصَّتِهِ، وَإِنِ اخْتَلَطَ الدِّرْهَمُ بِآخَرَ لَهُ، عَمِلَ بِظَنِّهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ حُكْمًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ بِأَلْفٍ نَسَاءً فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةً، صَحَّ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ زَادَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ بِأَلْفٍ نَسَاءً فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةً، صَحَّ إِنْ كَانَ لَا يَسْتَضِرُّ بِحِفْظِ الثَّمَنِ فِي الْحَالِّ، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ فَاشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ، أَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ، لَمْ يَصِحَّ وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِمَا قَدَّرَهُ لَهُ مُؤَجَّلًا، أَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ تُسَاوِي إِحْدَاهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] خَيْرًا فَهُوَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا بَاعَ حَالًّا بِدُونِ ثَمَنِهَا نَسِيئَةً، أَوْ بِدُونِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ لَمْ يُنَفَّذْ تَصَرُّفُهُ، لِأَنَّهُ خَالَفَ مُوَكِّلَهُ، وَشَرَطَ الْمُؤَلِّفُ (إِنْ كَانَ لَا يَسْتَضِرُّ بِحِفْظِ الثَّمَنِ فِي الْحَالِّ) ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَضَرَّ بِحِفْظِ الثَّمَنِ فِي الْحَالِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ حُكْمَ الْإِذْنِ إِنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِتَضَمُّنِهِ الْمَصْلَحَةَ ، فَإِذَا كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ عُلِمَ انْتِفَاؤُهَا فَتَنْتَفِي الصِّحَّةُ وَحُكْمُ خَوْفِ التَّلَفِ، وَالتَّعَدِّي عَلَيْهِ كَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي الْمَعْنَى، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ قَوْلٌ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَنْهَهُ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِلْمُخَالَفَةِ. 1 - (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ فَاشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ) لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ تصرف غير مَأْذُونٌ فِيهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَهَذَا يُشْكِلُ بِمَا سَبَقَ، وَالْمَذْهَبُ فِيهِ، كَمَا قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ هُوَ وَمُضَارِبٌ (أَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ، لَمْ يَصِحَّ) ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ فَاشْتَرَى بَعْضَهُ وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا بَاعَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، فَلَوْ بَاعَهُ بِثَمَنِ جَمِيعِهِ، صَحَّ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَعَلَى الْأَوَّلِ: مَا لَمْ يَبِعِ الْبَاقِيَ، أَوْ يَكُنْ عَبِيدًا، أَوْ صُبْرَةً وَنَحْوَهَا، فَيَصِحُّ مُفَرَّقًا مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِبَيْعِهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً. (وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِمَا قَدَّرَهُ لَهُ مُؤَجَّلًا) ، صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِلْمُخَالَفَةِ (أَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ تُسَاوِي إِحْدَاهُمَا دِينَارًا، أَوِ اشْتَرَى لَهُ شَاةً تُسَاوِي دِينَارًا بِأَقَلَّ مِنْهُ، صَحَّ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 دِينَارًا، أَوِ اشْتَرَى لَهُ شَاةً تُسَاوِي دِينَارًا بِأَقَلَّ مِنْهُ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا وَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ مَعِيبٍ، فَإِنْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَى عَيْبًا فَلَهُ الرَّدُّ فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: مُوَكِّلُكَ قَدْ رَضِيَ   [المبدع في شرح المقنع] سُفْيَانَ عَنْ شَبِيبٍ هُوَ ابْنُ غَرْقَدَةَ سَمِعَ الْحَيَّ يُخْبِرُونَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعَثَ مَعَهُ بِدِينَارٍ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً، وَقَالَ مَرَّةً: أَوْ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ اثْنَتَيْنِ فَبَاعَ وَاحِدَةً بِدِينَارٍ وَأَتَاهُ بِالْأُخْرَى فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «هَذَا دِينَارُكُمْ، وَهَذِهِ شَاتُكُمْ قَالَ: كَيْفَ صَنَعْتَ؟ فَذَكَرَهُ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي ضِمْنِ حَدِيثٍ مُتَّصِلٍ لِعُرْوَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا سُفْيَانُ، وَلِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ وَزِيَادَةٌ، وَفِي الْأَخِيرَةِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَزِيَادَةٌ، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا، فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِدِينَارٍ يَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْهُ، وَكَذَا إِذَا اشْتَرَى شَاتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا تُسَاوِي دِينَارًا، وَفِيهِ رِوَايَةٌ فِي " الْمُبْهِجِ " كَفُضُولِيٍّ، وَإِنْ أَبْقَى مَا يُسَاوِيهِ فَفِي بَيْعِ الْآخَرِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُوَكِّلِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، أَشْبَهَ بَيْعَ الشَّاتَيْنِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: الْجَوَازُ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَإِلَّا فَلَا) يَصِحُّ إِذَا كَانَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا تُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَقْصُودُ، فَلَمْ يَقَعِ الْبَيْعُ لَهُ، لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ لَفْظًا، وَلَا عُرْفًا، وَكَذَا الشَّاةُ الْمُوَكَّلُ فِي شِرَائِهَا بِدِينَارٍ تُسَاوِي أَقَلَّ مِنْهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " إِنْ سَاوَى كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ دِينَارٍ، صَحَّ لِلْمُوَكِّلِ لَا لِلْوَكِيلِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدَةٍ لَا تُسَاوِي نِصْفَ دِينَارٍ فَرِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ لِخَبَرِ عُرْوَةَ. تَنْبِيهٌ: إِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ مُعَيَّنٍ بِمِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِدُونِهَا جَازَ مَا لَمْ يَنْهَهُ عَنِ الشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِنْهَا لِمُخَالَفَةِ قَوْلِهِ وَنَصِّهِ، وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِهِ بِهَا، وَلَا تَشْتَرِهِ بِخَمْسِينَ جَازَ لَهُ شِرَاؤُهُ بِمَا فَوْقَ الْخَمْسِينَ، فَإِنِ اشْتَرَاهُ بِمَا دُونَ الْخَمْسِينَ جَازَ فِي وَجْهٍ وَمَنْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَلَهُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ، وَغَيْرِهِ. (وَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ مَعِيبٍ) أَيْ: لَا يَجُوزُ لَهُ، لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، وَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ الرَّدُّ بِهِ وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ مُوَكِّلُهُ، فَإِنْ فَعَلَ عَالِمًا بِعَيْبِهِ لَزِمَهُ إِنْ لَمْ يَرْضَهُ مُوَكِّلُهُ، وَلَمْ يَرُدَّهُ، وَكَذَا لَا يَرُدُّهُ الْمُوَكِّلُ وَحَكَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ قَوْلًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنِ اشْتَرَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 بِالْعَيْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَإِنْ رَدَّهُ فَصَدَّقَ الْمُوَكِّلُ الْبَائِعَ فِي الرِّضَا بِالْعَيْبِ فَهَلْ يَصِحُّ الرَّدُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] بِعَيْنِ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ (فَإِنْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَى عَيْبًا) أَيْ: جَهِلَ عَيْبَهُ (فَلَهُ الرَّدُّ) ، لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ وَلَهُ أَيْضًا الرَّدُّ، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، فَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ رَدِّ الْوَكِيلِ وَرَضِيَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ رَدُّهُ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ، لِأَنَّ لَهُ حَقًّا، فَلَا يَسْقُطُ بِرِضَا غَيْرِهِ، فَإِنْ طَلَبَ الْبَائِعُ الْإِمْهَالَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمَنْ فَوَاتَ الرَّدِّ، فَإِنْ أَخَّرَهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلٍ، فَلَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُوَكِّلُ فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ عَلَى الْفَوْرِ، لِأَنَّهُ أَخَّرَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لَهُ لَزِمَ الْوَكِيلَ، وَقِيلَ: الْمُوَكِّلَ وَلَهُ أَرْشُهُ، وَذَكَرَ الْأَزَجِّيُّ: إِنْ جَهِلَ عَيْبَهُ، وَقَدِ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ فَهَلْ يَقَعُ عَنِ الْمُوَكِّلِ؟ فِيهِ خِلَافٌ (فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: مُوَكِّلُكَ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ) ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرِّضَا، فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا لَمْ يَسْتَحْلِفِ الْوَكِيلَ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عِلْمَهُ فَيَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ) أَيْ: لَا يَعْلَمُ رِضَا مُوَكِّلِهِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ رِضَاهُ، وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلرِّدَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عَلَى النَّفْيِ، لِأَنَّهَا عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، فَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ حَقَّهُ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ: يَقِفُ عَلَى حَلِفِ مُوَكِّلِهِ إِنْ طَلَبَهُ الْخَصْمُ، وَكَذَا قَوْلُ كُلِّ غَرِيمٍ لِوَكِيلٍ غَائِبٍ فِي قَبْضِ حَقِّهِ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُكَ، أَوْ قَبَضَهُ وَيَحْكُمُ بِبَيِّنَةٍ إِنْ حَكَمَ عَلَى غَائِبٍ (فَإِنْ رَدَّهُ فَصَدَّقَ الْمُوَكِّلُ الْبَائِعَ فِي الرِّضَا بِالْعَيْبِ فَهَلْ يَصِحُّ الرَّدُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَشْهَرُهُمَا: لَا يَصِحُّ الرَّدُّ، وَهُوَ بَاقٍ لِلْمُوَكِّلِ، لِأَنَّ رِضَا الْمُوَكِّلِ بِالْعَيْبِ عَزْلٌ لِلْوَكِيلِ عَنِ الرَّدِّ وَمَنْعٌ لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ، فَعَلَى هَذَا لِلْمُوَكِّلِ اسْتِرْجَاعُهُ وَلِلْبَائِعِ رَدُّهُ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِعَزْلِهِ فَيَكُونُ الرَّدُّ صَادَفَ وِلَايَةً، فَعَلَى هَذَا يُجَدِّدُ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ مُعَيَّنٍ فَاشْتَرَاهُ وَوَجَدَهُ مَعِيبًا فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ قَبْلَ إِعْلَامِ الْمُوَكِّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ مَوْصُوفٍ، وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَشْهَرُ: لَا، لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَطَعَ نَظَرَهُ بِالتَّعْيِينِ فَرُبَّمَا رَضِيَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 مُعَيَّنٍ فَاشْتَرَاهُ وَوَجَدَهُ مَعِيبًا، فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ قَبْلَ إِعْلَامِ الْمُوَكِّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِعَيْنِ هَذَا الثَّمَنِ فَاشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَلْزَمِ الْمُوَكِّلَ. فَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي فِي ذِمَّتِكَ، وَانْقد الثَّمَنَ فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ، صَحَّ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ فِي سُوقٍ بِثَمَنٍ فَبَاعَهُ بِهِ فِي آخَرَ صَحَّ، وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ عَلِمَ عَيْبَهُ قَبْلَ شِرَائِهِ فَهَلْ لَهُ شِرَاؤُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى رَدِّهِ إِذَا عَلِمَ عَيْبَهُ بَعْدَ شِرَائِهِ، وَالْمُقَدَّمُ لَهُ شِرَاؤُهُ (فَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِعَيْنِ هَذَا الثَّمَنِ فَاشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَلْزَمِ الْمُوَكِّلَ) ، لِأَنَّ الثَّمَنَ إِذَا تَعَيَّنَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ، أَوْ كَوْنِهِ مَغْصُوبًا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ ثَمَنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا غَرَضٌ صَحِيحٌ لِلْمُوَكِّلِ، فَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ نَقَدَ الْمُعَيَّنَ وَيَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ وَهَلْ يَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ (فَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي فِي ذِمَّتِكَ، وَانْقَدَ الثَّمَنَ فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ، صَحَّ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ) ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي عَقْدٍ يَلْزَمُهُ بِهِ الثَّمَنُ مَعَ بَقَاءِ الدَّرَاهِمِ وَتَلَفِهَا، فَكَانَ إِذْنًا فِي عَقْدٍ لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ إِلَّا مَعَ بَقَائِهَا، وَقِيلَ: إِنْ رَضِيَ بِهِ، وَإِلَّا بَطَلَ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ لِشُبْهَةٍ فِيهَا، أَوْ يَخْتَارُ وُقُوعَ عَقْدٍ لَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهَا، وَلَا تَبْطُلُ بِتَحْرِيمِهَا، فَلَمْ يَجُزْ مُخَالَفَةُ غَرَضِهِ لِصِحَّتِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ جَازَ، وَلَيْسَ لَهُ الْعَقْدُ مَعَ فَقِيرٍ، وَقَاطِعِ طَرِيقٍ إِلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ. نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ (وَإِنْ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ فِي سُوقٍ بِثَمَنٍ فَبَاعَهُ بِهِ فِي آخَرَ، صَحَّ) ، لِأَنَّ الْقَصْدَ الْبَيْعُ بِمَا قَدَّرَهُ لَهُ، وَقَدْ حَصَلَ كَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا، هَذَا إِذَا كَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءً، فَإِنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ تَعَيَّنَ، كَمَا لَوْ كَانَ السُّوقُ مَعْرُوفًا بِجَوْدَةِ النَّقْدِ، أَوْ كَثْرَةِ الثَّمَنِ، أَوْ حِلِّهِ، أَوْ صَلَاحِ أَهْلِهِ (وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، لَمْ يَصِحَّ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ نَفْعَهُ، فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِقَرِينَةٍ، أَوْ صَرِيحٍ أَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي عَيْنِ الْمُشْتَرِي. قَاعِدَةٌ: حُقُوقُ الْعَقْدِ وَهِيَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ، وَقَبْضُ الْمَبِيعِ، وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَضَمَانُ الدَّرَكِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقُ قَرِيبُ وَكِيلٍ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَكِيلِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى الْمُوَكِّلِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ قَبِلَ عَقْدًا لِغَيْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْمِلْكُ إِلَيْهِ كَالْأَبِ، وَالْوَصِيِّ وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ لَهُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا لَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فِي شِرَاءِ خَمْرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 يَصِحَّ وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ مَلَكَ تَسْلِيمَهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ قَبْضَ ثَمَنِهِ، إِلَّا بِقَرِينَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ قَبْضُهُ لَمْ يَلْزَمِ الْوَكِيلَ شَيْءٌ. وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ، أَوْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ   [المبدع في شرح المقنع] فَاشْتَرَاهُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَوَّلِ، لَا الثَّانِي، وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ فِي الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَلِلْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَعِنْدَهُ لَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِنِ اشْتَرَى وَكِيلٌ فِي شِرَاءٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَضَامِنٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِيمَنْ وَكَّلَ فِي بَيْعٍ، أَوِ اسْتِئْجَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ مُوَكِّلُهُ فِي الْعَقْدِ فَضَامِنٌ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ، وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا يَسْتَسْلِفُ لَهُ أَلْفًا فِي كُرِّ حِنْطَةٍ، فَفَعَلَ مَلَكَ الْمُوَكِّلُ ثَمَنَهَا، وَالْوَكِيلُ ضَامِنٌ. (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ مَلَكَ تَسْلِيمَهُ) ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ لِكَوْنِهِ مِنْ تَمَامِهِ (وَلَمْ يَمْلِكْ قَبْضَ ثَمَنِهِ) كَذَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُوَكِّلُ فِي الْبَيْعِ مَنْ لَا يَأْمَنُهُ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يُقَيَّدُ (إِلَّا بِقَرِينَةٍ) ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتِ قرينة الْحَالُ تَدُلُّ عَلَى الْقَبْضِ مِثْلَ تَوْكِيلِهِ فِي بَيْعِ شَيْءٍ فِي سُوقٍ غَائِبٍ عَنِ الْمُوَكِّلِ، أَوْ بِمَوْضِعٍ يَضِيعُ الثَّمَنُ بِتَرْكِ قَبْضِ الْوَكِيلِ لَهُ كَانَ إِذْنًا فِي قَبْضِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ ضَمِنَهُ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُفْرِطًا، وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ، وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ مِنْ مُوجِبِ الْبَيْعِ فَمَلَكَهُ كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، فَلَا يُسَلِّمُهُ قَبْلَهُ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ قَبْضُهُ لَمْ يَلْزَمِ الْوَكِيلَ شَيْءٌ) كَظُهُورِ مَبِيعِهِ مُسْتَحَقًّا، أَوْ مَعِيبًا كَحَاكِمٍ وَأَمِينِهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ فِيهِ لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُهُ. تَنْبِيهٌ: إن وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مَلَكَ تَسْلِيمَ ثَمَنِهِ، لِأَنَّهُ مَنْ تَتِمَّتِهِ وَحُقُوقِهِ كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، فَإِنِ اشْتَرَى عَبْدًا، فَنَقَدَ ثَمَنَهُ، فَخَرَجَ مُسْتَحِقًّا، فَهَلْ يَمْلِكُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ فِي الثَّمَنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَأَخَّرَ تَسْلِيمَ ثَمَنِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ فِي بَيْعٍ تَقْلِيبُهُ عَلَى مُشْتَرٍ إِلَّا بِحَضْرَتِهِ، وَإِلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ مَالِهِ كُلِّهِ صَحَّ، وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي مَا شِئْتَ، أَوْ عَبْدًا بِمَا شِئْتَ، لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ، وَقَدْرَ الثَّمَنِ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ.   [المبدع في شرح المقنع] ضَمِنَ، ذَكَرَهُ فِي " النَّوَادِرِ " وَيَتَوَجَّهُ الْعُرْفُ، وَلَا بَيْعُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فِي الْأَصَحِّ فَيَضْمَنُ وَيَصِحُّ. وَمَعَ مُؤْنَةِ نَقْلٍ لَا، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ ". [التَّوْكِيلُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ] (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ) أَيْ: لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَمْلِكْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ فَوَكِيلُهُ كَذَلِكَ وَأَوْلَى، وَكَشَرْطِهِ عَلَى وَكِيلٍ فِي بَيْعٍ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ الْمَبِيعَ (أَوْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ لَمْ يَصِحَّ) ، ذَكَرَهُ الْأَزَجِّيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ هِبَةِ مَالِهِ وَطَلَاقِ نِسَائِهِ وَإِعْتَاقِ رَقِيقِهِ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ، وَالضَّرَرُ، وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ. وَمِثْلُهُ وَكَّلْتُكَ فِي شِرَاءِ مَا شِئْتَ مِنَ الْمَتَاعِ الْفُلَانِيِّ فَلَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ بِمَا إِلَيَّ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فَاحْتِمَالَانِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ كَبَيْعِ مَالِهِ، أَوِ الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ، أَوِ الْإِبْرَاءِ، أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَرُّوذِيِّ بَعَثَ بِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي حَاجَةٍ، وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ تَقُولُ عَلَى لِسَانِي، فَأَنَا قُلْتُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ مَالِهِ كُلِّهِ، صَحَّ) ، لِأَنَّهُ يَعْرِفُ مَالَهُ فَيَقِلُّ الْغَرَرُ، وَذَكَرَ الْأَزَجِّيُّ فِي: بِعْ مِنْ عَبِيدِي مَنْ شِئْتَ أَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، فَلَا يَبِيعُهُمْ إِلَّا وَاحِدًا، وَلَا الْكُلَّ لِاسْتِعْمَالِ هَذَا فِي الْأَقَلِّ غَالِبًا، وَقَالَ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ (وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي مَا شِئْتَ، أَوْ عَبْدًا بِمَا شِئْتَ لَمْ يَصِحَّ) ، لِأَنَّ مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ، وَالشِّرَاءُ بِهِ يَكْثُرُ فَيَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ (حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ) ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ إِذَا ذَكَرَ نَوْعًا، فَقَدْ أَذِنَ فِي أَغْلَاهُ ثَمَنًا، فَيَقِلُّ الْغَرَرُ فِيهِ (وَقَدْرَ الثَّمَنِ) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ فَمَنِ اعْتَبَرَهُ جَوَّزَ أَنْ يَذْكُرَ أَكْثَرَ الثَّمَنِ وَأَقَلَّهُ، وَحَكَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الشَّرْحِ " وَصَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلصِّحَّةِ مِنِ اعْتِبَارِ الْأَمْرَيْنِ، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ) ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِيمَنْ قَالَ: مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا - أَنَّ هَذَا جَائِزٌ، وَأَعْجَبَهُ، وَهَذَا تَوْكِيلٌ فِي شِرَاءِ كُلِّ شَيْءٍ، لِأَنَّهُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فَجَازَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ كَالْإِذْنِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَةِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْقَبْضِ كَانَ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ الْحَقِّ مِنْ إِنْسَانٍ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] التِّجَارَةِ وَكَمَا لَوْ قَالَ: بِعْ مِنْ مَالِي مَا شِئْتَ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي شِرَاءَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ لِجَعْلِهِ الْكُفْرَ عَيْبًا. [إِذَا وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَةِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ] (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَةِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ) ، لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ نُطْقًا، وَلَا عُرْفًا، لِأَنَّهُ قَدْ يَرْضَى لِلْخُصُومَةِ مَنْ لَا يَرْضَاهُ لِلْقَبْضِ، إِذْ مَعْنَى الْوَكَالَةِ فِي الْخُصُومَةِ الْوَكَالَةُ فِي إِثْبَاتِ الْحَقِّ، وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَطْعِ الْخُصُومَةِ، وَلَا تَنْقَطِعُ إِلَّا بِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ جَوَازُ التَّوْكِيلِ فِي الْخُصُومَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ غَيْرِهِ فِي إِثْبَاتِ حَقٍّ، أَوْ نَفْيِهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " فِي الصُّلْحِ نَحْوُهُ، وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ عَلِمَ ظُلْمَ مُوَكِّلِهِ فِي الْخُصُومَةِ. قَالَهُ فِي " الْفُنُونِ " فَظَاهِرُهُ يَصِحُّ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ، فَلَوْ ظَنَّ ظُلْمَهُ جَازَ وَيَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ وَمَعَ الشَّكِّ احْتِمَالَانِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِقَبْضٍ، وَلَا غَيْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَيُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِعَيْبٍ فِيمَا بَاعَهُ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ: لَا، وَلَهُ إِثْبَاتُ وَكَالَتِهِ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ: أَجِبْ خَصْمِي عَنِّي احْتَمَلَ الْخُصُومَةَ وَاحْتَمَلَ بُطْلَانَهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْقَبْضِ كَانَ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إِلَى الْقَبْضِ إِلَّا بِالتَّثَبُّتِ فَكَانَ إِذْنًا فِيهِ عُرْفًا، لِأَنَّ الْقَبْضَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ فَمَلَكَهُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مَلَكَ تَسْلِيمَ ثَمَنِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكُهَا، لِأَنَّهُمَا مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ فَالْوَكِيلُ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْآخَرِ وَكَعَكْسِهِ، وَأَطْلَقَ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَالِمًا بِجَحْدِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، أَوْ مَطْلِهِ كَانَ تَوْكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ لِوُقُوفِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْجَوَازِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَقِّ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا. (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ الْحَقِّ مِنْ إِنْسَانٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ مِنْ وَارِثِهِ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ مِنْ وَارِثِهِ، وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْ حَقِّيَ الَّذِي قَبِلَهُ فَلَهُ الْقَبْضُ مِنْ وَارِثِهِ، وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْهُ الْيَوْمَ لَمْ يَمْلِكْ قَبْضَهُ غَدًا، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْإِيدَاعِ فَأَوْدَعَ، وَلَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ، وَلَمْ يُشْهِدْ، فَأَنْكَرَهُ الْغَرِيمُ ضَمِنَ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ.   [المبدع في شرح المقنع] بِذَلِكَ، وَلَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لَهُ قَبْضَهُ مِنْ وَكِيلِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، فَإِنْ قُلْتَ: فَالْوَارِثُ نَائِبٌ عَنِ الْمَوْرُوثِ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ إِذَا دَفَعَ بِإِذْنِهِ جَرَى مَجْرَى تَسْلِيمِهِ، وَلَيْسَ الْوَارِثُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ إِلَيْهِمْ وَاسْتُحِقَّتِ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِمْ لَا بِطْرِيقَ النِّيَابَةِ عَنِ الْمَوْرُوثِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ دُونَ مُوَرِّثِهِ (وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْ حَقِّي الَّذِي قَبِلَهُ) ، أَوْ عَلَيْهِ (فَلَهُ الْقَبْضُ مِنْ وَارِثِهِ) ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ اقْتَضَتْ قَبْضَ حَقِّهِ مُطْلَقًا فَشَمَلَ الْقَبْضَ مِنَ الْوَارِثِ، لِأَنَّهُ مِنْ حَقِّهِ (وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْهُ الْيَوْمَ لَمْ يَمْلِكْ قَبْضَهُ غَدًا) لِتَقْيِيدِهَا بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَصُّ غَرَضُهُ فِي زَمَنِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْإِيدَاعِ فَأَوْدَعَ، وَلَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَضْمَنْ) إِذَا أَنْكَرَ الْمُودَعُ، نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْإِشْهَادِ، إِذِ الْمُودَعُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ، وَالتَّلَفِ، فَلَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا فِي عَدَمِ الْإِشْهَادِ، وَفِيهِ وَجْهٌ. وَذَكَرُهُ الْقَاضِي رِوَايَةً أَنَّهُ يَضْمَنُ، لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ، وَبِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِي الْإِشْهَادِ هُوَ ثُبُوتُ الْوَدِيعَةِ، فَلَوْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ: دَفَعْتُ الْمَالَ إِلَى الْمُودَعِ، فَأَنْكَرَ قُبِلَ قَوْلُ الْوَكِيلِ، لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي تَصَرُّفِهِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ. (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ، وَلَمْ يُشْهِدْ، فَأَنْكَرَهُ الْغَرِيمُ ضَمِنَ) الْوَكِيلُ، لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ حَيْثُ لَمْ يُشْهِدْ. قَالَ الْقَاضِي: سَوَاءٌ صَدَّقَهُ، أَوْ كَذَّبَهُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ فِي قَضَاءٍ مُبَرِّئٍ، وَلَمْ يُوجَدْ (إِلَّا أَنْ يَقْضِيَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ) ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ حُضُورَهُ قَرِينَةُ رِضَاهُ بِالدَّفْعِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّاكِتَ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ قَوْلٌ، وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أُمِرَ بِالْإِشْهَادِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِتَفْرِيطِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 فَصْلٌ وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ وَنَفْيِ التَّفْرِيطِ وَلَوْ قَالَ: بِعْتُ الثَّوْبَ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ فَتَلِفَ   [المبدع في شرح المقنع] فَعَلَيْهَا إِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ فِي الدَّفْعِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَذَّبَهُ قُبِلَ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ ادَّعَى فِعْلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ مُوَكِّلُهُ، وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَقَضَائِهِ بِحَضْرَتِهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِهَا إِذَا أَشْهَدَ عُدُولًا فَمَاتُوا، أَوْ غَابُوا، فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَإِنْ أَشْهَدَ بَيِّنَةً فِيهَا خِلَافٌ فَوَجْهَانِ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ كَانَ لِمُوَكِّلِهِ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْوَفَاءِ بِدُونِ الْإِشْهَادِ لَزِمَ الْوَكِيلَ الْإِشْهَادُ، فَإِنْ تَرَكَهُ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمُوَكِّلِهِ الِامْتِنَاعُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَا ضَمَانَ بِتَرْكِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَشْهَدْتُ فَمَاتُوا، أَوْ أَذِنْتَ فِيهِ بِلَا بَيِّنَةٍ، أَوْ قَضَيْتُ بِحَضْرَتِكَ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ لِلْأَصْلِ، وَيَتَوَجَّهُ فِي الْأَوْلَى: لَا، وَأَنَّ فِي الثَّانِيَةِ الْخِلَافَ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". [الْوَكِيلُ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ] فَصْلٌ (وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ) ، لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمَالِكِ فِي الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ فَكَانَ الْهَلَاكُ فِي يَدِهِ كَالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمَالِكِ كَالْمُودَعِ، وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لِغَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ كَالْوَصِيِّ وَنَحْوِهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِجُعْلٍ أَوْ لَا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَلَفِ الْعَيْنِ الْمُوَكَّلِ فِيهَا، أَوْ تَلَفِ ثَمَنِهَا، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ إِنْ فَرَّطَ بِأَنْ لَا يَحْفَظَ ذَلِكَ فِي حِرْزِ مِثْلِهَا، وَفِي " الْمُغْنِي "، أَوْ يَرْكَبُ الدَّابَّةَ، أَوْ يَلْبَسُ الثَّوْبَ، أَوْ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمَالَ فَيَمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لِأَنَّ التَّعَدِّيَ أَبَلَغُ مِنَ التَّفْرِيطِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ وَنَفْيِ التَّفْرِيطِ) أَيْ: إِذَا ادَّعَى الْمُوَكِّلُ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا يُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ كُلِّفَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنَ الدُّخُولِ فِي الْأَمَانَاتِ مَعَ دَعْوَى الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى التَّلَفَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كَحَرِيقٍ عَامٍّ وَنَهْبِ جَيْشٍ كُلِّفَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ (وَلَوْ قَالَ: بِعْتُ الثَّوْبَ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ إِلَى الْمُوَكِّلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهَنِ، وَإِنْ قَالَ: أَذِنْتُ لَهُ فِي   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ، وَالْقَبْضَ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِمَا كَالْوَلِيِّ الْمُجْبَرِ، وَلِأَنَّهُ أَمِينٌ وَيَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يُكَلَّفُهَا كَالْمُودَعِ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِحَقٍّ لِغَيْرِهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ فَاشْتَرَاهُ، وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ قُبِلَ قَوْلُ الْوَكِيلِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَيَّنَ لَهُ الشِّرَاءَ بِمَا ادَّعَاهُ فَقَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْدًا بِأَلْفٍ فَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِهَا قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَالْمُوَكِّلُ، لِأَنَّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ شَيْءٍ قُبِلَ فِي صِفَتِهِ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ) سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْنَ، أَوْ ثَمَنَهَا (إِلَى الْمُوَكِّلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا) قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ لِنَفْعِ مَالِكِهِ فَقَطْ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ كَالْوَصِيِّ، وَالْمُودَعِ، وَقِيلَ: لَا، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يُقْبَلُ مَعَ يَمِينِهِ، وَفِي " التَّذْكِرَةِ " أَنَّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ مِنَ الْأُمَنَاءِ لَمْ يَحْلِفْ، وَالتَّلَفُ كَالرَّدِّ (وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَالثَّانِي: بَلَى، لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي الْأَجِيرِ، وَالْمُرْتَهَنِ) لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي قَبْضِ الْعَيْنِ لِمَنْفَعَةِ الْقَابِضِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي الْمُضَارِبِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَالْمُسْتَعِيرِ، فَلَوْ أَنْكَرَ الْوَكِيلُ قَبْضَ الْمَالِ، ثُمَّ ثَبَتَ فَادَّعَى الرَّدَّ، أَوِ التَّلَفَ لَمْ يُقْبَلْ لِثُبُوتِ خِيَانَتِهِ بِجَحْدِهِ، وَلَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً فِي وَجْهٍ، لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لَهَا. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي ذَلِكَ قَبْلَ وُجُودِ خِيَانَتِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 الْبَيْعِ نَسَاءً، وَفِي الشِّرَاءِ بِخَمْسَةٍ، فَأَنْكَرَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَإِنْ قَالَ: وَكَّلْتَنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ   [المبدع في شرح المقنع] مَسْأَلَةٌ: كُلُّ أَمِينٍ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَطُلِبَ مِنْهُ فَهَلْ لَهُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ إِنْ قُلْنَا: يَحْلِفُ، وَإِلَّا لَمْ يُؤَخِّرْهُ لِذَلِكَ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَمَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ لَمْ يُؤَخِّرْ رَدَّهُ لِلْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلَى، كَمَا لَوْ أَخَذَهُ، وَفِي ذِمَّتِهِ مَالٌ لِزَيْدٍ، أَوْ فِي يَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ إِلَى وَكِيلِهِ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِحُجَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ إِلَى رَبِّهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ. فَرْعٌ: إِذَا تَلِفَ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ، أَوِ الشِّرَاءِ بِهِ بِتَعَدٍّ، أَوْ تَفْرِيطٍ، أَوْ أَتْلَفَهُ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي بَدَلِهِ بِحَالٍ، وَإِنْ وَزَنَ مِنْ مَالِهِ بَدَلَ الثَّمَنِ وَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ لِمُوَكِّلِهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا إِنِ اشْتَرَاهُ فِي نَعْتِهِ، ثُمَّ نَقَدَهُ، وَعَنْهُ: هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ مُوَكِّلِهِ (وَإِنْ قَالَ: أَذِنْتَ لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً، وَفِي الشِّرَاءِ بِخَمْسَةٍ) ، أَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ قَالَ: بَلْ فِي بَيْعِ الْأَمَةِ (فَأَنْكَرَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارِبِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ كَالْخَيَّاطِ، وَالثَّانِي: وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ، لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ، فَكَذَا فِي صِفَتِهَا فَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ لَكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَقَالَ: إِنَّمَا أَذِنْتُ فِي شِرَاءِ غَيْرِهَا، قُبِلَ قَوْلُ الْمَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ بَرِئَ مِنَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الشِّرَاءُ وَقَعَ بِعَيْنِ الْمَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَتُرَدُّ الْجَارِيَةُ إِلَى بَائِعِهَا إِنْ صَدَّقَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ أَنَّ الشِّرَاءَ لِغَيْرِهِ، أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ صُدِّقَ الْبَائِعُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي يَدِ الْإِنْسَانِ لَهُ، فَإِنِ ادَّعَى الْوَكِيلُ عِلْمَهُ بِذَلِكَ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ، وَلَزِمَ الْوَكِيلَ غَرَامَةُ الثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ، وَدَفْعُ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ، وَتَبْقَى الْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ لَا تَحِلُّ لَهُ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا فَهِيَ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهِيَ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ أَرَادَ حِلَّهَا اشْتَرَاهَا مِمَّنْ هِيَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ، فَإِنِ امْتَنَعَ رَفَعَ الْأَمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ لِيَرْفُقَ بِهِ لِبَيْعِهِ إِيَّاهَا لِيُثْبِتَ لَهُ الْمِلْكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَيَصِيرَ مَا ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ قِصَاصًا بِالَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْآخَرُ ظُلْمًا فَإِنِ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ، لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 لَكَ فُلَانَةَ، فَفَعَلْتُ، وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَأَنْكَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَهَلْ   [المبدع في شرح المقنع] عَقْدُ مُرَاضَاةٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَهَا إِنْ كَانَتْ لِي، أَوْ إِنْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكَ فِي شِرَائِهَا بِكَذَا فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ لِتَعْلِيقِهِ عَلَى شَرْطٍ، وَقِيلَ: بَلَى، لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاقِعٌ يَعْلَمَانِ وَجُودَهُ، فَلَا يَضُرُّ جَعْلُهُ شَرْطًا كَبِعْتُكَ هَذِهِ الْأَمَةَ إِنْ كَانَتْ أَمَةً. فَرْعٌ: إِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ قَبْلَ طَلَبِهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ بِتَأْخِيرِهِ، فَإِنْ طَلَبَهُ فَأَخَّرَ الرَّدَّ مَعَ إِمْكَانِهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ، فَإِنْ وَعَدَهُ رَدَّهُ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ رَدَّهُ، أَوْ تَلِفَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً فَوَجْهَانِ. (وَإِنْ قَالَ: وَكَّلْتَنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ لَكَ فُلَانَةَ فَفَعَلْتُ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ) ، لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ فَقُبِلَ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُهَا، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَمِينُهُ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ (بِغَيْرِ يَمِينٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَدَّعِي حَقًّا لِغَيْرِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ إِذَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّهَا تَدَّعِي الصَّدَاقَ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ (وَهَلْ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ نِصْفُ الصَّدَاقِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ رِوَايَتَيْنِ أَصَحُّهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِالْمُوَكِّلِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَضْمَنْهُ، فَإِنْ ضَمِنَهُ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ لِضَمَانِهِ عَنْهُ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ، لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَتُهُ، فَكَذَا هُنَا، وَلِأَنَّهُ فَرَّطَ حَيْثُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى الزَّوْجِ بِالْعَقْدِ، وَالصَّدَاقِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَيُفَارِقُ الشِّرَاءَ، لِأَنَّ الثَّمَنَ مَقْصُودٌ لِلْبَائِعِ، وَالْعَادَةُ تَعْجِيلُهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 يَلْزَمُ الْوَكِيلَ نِصْفُ الصَّدَاقِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ وَبِغَيْرِهِ فَلَوْ قَالَ: بِعْ ثَوْبِي بِعِشَرَةٍ فَمَا زَادَ فَلَكَ، صَحَّ.   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الشَّرْحِ "، وَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ طَلَاقُهَا فِي الْمَنْصُوصِ لِإِزَالَةِ الِاحْتِمَالِ، وَقِيلَ: لَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ نِكَاحٌ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ صَدَاقُهَا فَتَرِثَهُ، وَهُوَ مُنْكِرٌ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَلَا يَرِثُهَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ إِذَا صَدَّقَ عَلَى الْوَكَالَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ، وَكَذَا فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ وَكَّلَ فِيهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ أَمِينٌ قَادِرٌ عَلَى الْإِنْشَاءِ، وَهُوَ أَعْرَفُ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ مُوَكِّلِهِ فِي النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ لَا تَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِهَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ كَأَصْلِ الْوَكَالَةِ. (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ) أَيْ: مَعْلُومٍ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ وَيَجْعَلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا» ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لِغَيْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ، فَهُوَ كَرَدِّ الْآبِقِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ بِالْبَيْعِ مَثَلًا قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " مَا لَمْ يَشْرِطْهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَحِقُّهُ بِبَيْعِهِ نَسَاءً إِنْ صَحَّ، وَفِي " الْفُرُوعِ " هَلْ يَسْتَحِقُّهُ قَبْلَ تَسْلِيمِ ثَمَنِهِ؟ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ، فَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَجْهُولًا فَسَدَتْ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِالْإِذْنِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ (وَبِغَيْرِهِ) أَيْ: بِغَيْرِ جُعْلٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَّلَ أُنَيْسًا فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَعُرْوَةَ فِي الشِّرَاءِ بِغَيْرِ جُعْلٍ (فَلَوْ قَالَ: بِعْ ثَوْبِي بِعَشَرَةٍ فَمَا زَادَ فَلَكَ، صَحَّ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ فِي عَصْرِهِ مُخَالِفًا، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ أَجْرٌ مَجْهُولٌ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا عَيْنٌ تَنْمِي بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا فَهُوَ كَدَفْعِ مَالِهِ مُضَارَبَةً وَبِهِ عَلَّلَ أَحْمَدُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ بَاعَهُ بِزِيَادَةٍ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ بَاعَهُ بِمَا عَيَّنَهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ الزِّيَادَةَ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فَهُوَ كَالْمُضَارِبِ إِذَا لَمْ يَرْبَحْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 فَصْلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِإِنْسَانٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِهِ فِي قَبْضِهِ فَصَدَّقَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يُسْتَحْلَفْ، وَإِنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْوَكَالَةَ، حَلَفَ وَرَجَعَ عَلَى الدَّافِعِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ وَدِيعَةً فَوَجَدَهَا أَخَذَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ فَلَهُ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَلَا يَرْجِعُ مَنْ ضَمَّنَهُ عَلَى الْآخَرِ   [المبدع في شرح المقنع] [إِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِإِنْسَانٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِهِ فِي قَبْضِهِ] فَصْلٌ (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِإِنْسَانٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِهِ فِي قَبْضِهِ فَصَدَّقَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ) ، لِأَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ مَنْعَهُ لِجَوَازِ أَنْ يُنْكِرَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ فَيَسْتَحِقَّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَهُ (وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يُسْتَحْلَفْ) لِعَدَمِ فَائِدَةِ اسْتِحْلَافِهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ (وَإِنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْوَكَالَةَ حَلَفَ) أَيْ: الْمُوَكِّلُ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ صِدْقُ الْوَكِيلِ فِيهَا (وَرَجَعَ عَلَى الدَّافِعِ وَحْدَهُ) ، لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلى غير وَكِيلَهُ وَيَرْجِعُ الدَّافِعُ عَلَى الْوَكِيلِ مَعَ بَقَائِهِ، أَوْ تَعَدِّيهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا صَدَّقَ الْوَكِيلَ بَرِئَ الدَّافِعُ (وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ وَدِيعَةً فَوَجَدَهَا) صَاحِبُهَا (أَخَذَهَا) ، لِأَنَّهَا عَيْنُ حَقِّهِ (وَإِنْ تَلِفَتْ فَلَهُ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنَ الدَّافِعِ، وَالْقَابِضِ، لِأَنَّ الدَّافِعَ ضَمِنَهَا بِالدَّفْعِ، وَالْقَابِضَ قَبَضَ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ (وَلَا يَرْجِعُ مَنْ ضَمَّنَهُ عَلَى الْآخَرِ) ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ ظُلْمٌ وَيُقِرُّ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ صَاحِبِهِ تَعَدٍّ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِظُلْمِ غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّافِعُ دَفَعَهَا إِلَى الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ فَيَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وِفَاقًا لِكَوْنِهِ لَمْ يُقِرَّ بِوَكَالَتِهِ، وَلَمْ يُثْبِتْ بِبَيِّنَةٍ قَالَ: وَمُجَرَّدُ التَّسْلِيمِ لَيْسَ تَصْدِيقًا، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ صَدَّقَهُ ضَمِنَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ بَلْ نَصَّهُ، لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَتَبَيَّنْ صِدْقُهُ، فَقَدْ غَرَّهُ. نَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ بُعِثَ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ دَنَانِيرُ، أَوْ ثِيَابٌ يَأْخُذُ دِينَارًا، أَوْ ثَوْبًا فَأَخَذَ أَكْثَرَ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَاعِثِ يَعْنِي الَّذِي أَعْطَاهُ وَيَرْجِعُ هُوَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الرَّسُولِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 وَإِنِ كان ادَّعَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ أَحَالَهُ بِهِ، فَفِي وُجُوبِ الدَّفْعِ إِلَيْهِ مَعَ التَّصْدِيقِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ كَانَ ادَّعَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ أَحَالَهُ بِهِ فَفِي وُجُوبِ الدَّفْعِ إِلَيْهِ مَعَ التَّصْدِيقِ، وَالْيَمِينِ مَعَ الْإِنْكَارِ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَوْلَى، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الدَّفْعَ مُبَرِّئٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُنْكِرَ الْمُحِيلُ الْحَوَالَةَ فَهُوَ كَدَعْوَى الْوَكَالَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ أَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ إِلَيْهِ، أَشْبَهَ الْوَارِثَ، وَرُدَّ بِأَنَّ وُجُوبَ الدَّفْعِ إِلَى الْوَارِثِ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا، وَالدَّفْعُ إِلَيْهِ مُبَرِّئٌ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِلْحَاقُهُ بِالْوَكِيلِ أَوْلَى وَوُجُوبُ الْيَمِينِ مَعَ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِهِ مُخَرَّجٌ عَلَى وُجُوبِ الدَّفْعِ مَعَ التَّصْدِيقِ وَلِهَذَا عَطَفَهُ عَلَيْهِ وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ، فَلَا يُطَالِبُهُ وَتُعَادُ لِغَائِبٍ مُحْتَالٍ بَعْدَ دَعْوَاهُ فَيَقْضِي بِهَا لَهُ إِذَنْ. (وَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ، وَأَنَا وَارِثُهُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ مَعَ التَّصْدِيقِ) ، لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِالْحَقِّ، وَأَنَّهُ يَبْرَأُ بِهَذَا الدَّفْعِ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ جَاءَ صَاحِبُ الْحَقِّ (وَالْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ) أَيْ: عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، لِأَنَّهَا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ هُنَا، لِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ الدَّفْعُ مَعَ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ فَوَهَبَ لَهُ الْمُشْتَرِي مِنْدِيلًا فَالْمِنْدِيلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ. وَقَالَ فِي رَجُلٍ وَكَّلَ آخَرَ فِي اقْتِضَاءِ دَيْنٍ وَغَابَ فَأَخَذَ الْوَكِيلُ بِهِ رَهْنًا فَتَلِفَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَسَاءَ فِي أَخْذِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي رَجُلٍ أَعْطَى آخَرَ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا شَيْئًا فَخَلَطَهَا بِدَرَاهِمِهِ فَضَاعَا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ خَلَطَهَا بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ ضَمِنَهَا إِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَالْوَدِيعَةِ. الثَّانِيَةُ: الْوَكَالَةُ، وَالْعَزْلُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَقِيلَ: بَلَى، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ أُخْبِرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 وَالْيَمِينِ مَعَ الْإِنْكَارِ وَجْهَانِ، وَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ، وَأَنَا وَارِثُهُ، لَزِمَهُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ مَعَ التَّصْدِيقِ، وَالْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ.   [المبدع في شرح المقنع] بِتَوْكِيلٍ وَظَنَّ صِدْقَهُ تَصَرَّفَ بِشَرْطِ الضَّمَانِ إِنْ أَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ. وَقَالَ الْأَزَجِّيُّ: إِذَا تَصَرَّفَ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْخَبَرِ فَهَلْ يَضْمَنُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا شَهِدَ بِهَا اثْنَانِ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: عَزَلَهُ لَمْ تَثْبُتْ وَكَالَتُهُ وَيَتَوَجَّهُ: بَلَى كَقَوْلِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا وَكَقَوْلِ وَاحِدٍ غَيْرِهِمَا، فَلَوْ قَالَا: عَزَلَهُ ثَبَتَ الْعَزْلُ، وَلَوْ أَقَامَا الشَّهَادَةَ حِسْبَةً بِلَا دَعْوَى الْوَكِيلِ فَشَهِدَا عِنْدَ حَاكِمٍ أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ وَكَّلَ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَ، أَوْ قَالَ: مَا عَلِمْتُ هَذَا، وَأَنَا أَتَصَرَّفُ عَنْهُ ثَبَتَتِ الْوَكَالَةُ وَعَكْسُهُ مَا لَمْ أَعْلَمْ صِدْقَهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ طُولِبَ بِالتَّفْسِيرِ. . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 كِتَابُ الشَّرِكَةِ وَهِيَ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ، أَحَدُهَا: شَرِكَةُ الْعِنَانِ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الشَّرِكَةِ] [الشَّرِكَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ] [الضَّرْبُ الْأَوَّلُ شَرِكَةُ الْعِنَانِ] [صُورَةُ شَرِكَةِ الْعِنَانِ] ِ شِرْكَةٌ بِوَزْنِ نِعْمَةٍ وَبِوَزْنِ سَرِقَةٍ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَبِوَزْنِ تَمْرَةِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24] وَالْخُلَطَاءُ هُمُ الشُّرَكَاءُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الِاجْتِمَاعِ فِي اسْتِحْقَاقٍ أَوْ تَصَرُّفٍ فَهِيَ نَوْعَانِ: شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ وَشَرِكَةُ عُقُودٍ، وَهِيَ الْمَقْصُودُ هُنَا. (وَهِيَ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ) وَيُعْتَبَرُ لِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا أَنْ يَكُونَ جَائِزَ التَّصَرُّفِ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَالْبَيْعِ. (أَحَدُهَا: شَرِكَةُ الْعِنَانِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الْمَالِ وَالتَّصَرُّفِ، كَالْفَارِسَيْنِ إِذَا سَوَيَّا بَيْنَ فَرَسَيْهِمَا وَتَسَاوَيَا فِي السَّيْرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ إِذَا عَرَضَ. يُقَالُ: عَنَّتْ لِي حَاجَةٌ إِذَا عَرَضَتْ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ عَنَّ لَهُ، أَيْ عَرَضَ لَهُ مُشَارَكَةُ صَاحِبِهِ. وَقِيلَ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَانَّهُ إِذَا عَارَضَهُ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا عَارَضَ صَاحِبَهُ بِمِثْلِ مَالِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 بِمَالَيْهِمَا لِيَعْمَلَا فِيهِ بِبَدَنَيْهِمَا وَرِبْحُهُ لَهُمَا، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِمَا بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ وَالْوَكَالَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَعَنْهُ: تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ، وَيُجْعَلُ رَأْسُ الْمَالِ قِيمَتَهَا   [المبدع في شرح المقنع] وَعَمَلِهِ، وَقَوْلُهُ فِي " الشَّرْحِ ": إِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ (وَهِيَ) جَائِزَةٌ إِجْمَاعًا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَإِنِ اخْتُلِفَ فِي بَعْضِ شُرُوطِهَا (أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ) فَمَا فَوْقَهُمَا سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَلَا تُكْرَهُ مُشَارَكَةُ كِتَابِيٍّ إِنْ وَلِيَ الْمُسْلِمُ التَّصَرُّفَ، نَصَّ عَلَيْهِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ مُشَارَكَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ بِيَدِ الْمُسْلِمِ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ، وَكَرِهَهُ الْأَزَجِيُّ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، وَلِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ لَيْسَتْ بِطَيِّبَةٍ، فَإِنَّهُمْ يَبِيعُونَ الْخَمْرَ، وَيَتَبَايَعُونَ بِالرِّبَا، وَكَالْمَجُوسِ، نَصَّ عَلَيْهِ (بِمَالَيْهِمَا) الْمَعْلُومَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ قَدْرًا، وَجِنْسًا، وَصِفَةً أَوْ لَا، وَيُعْتَبَرُ حُضُورُ مَالَيْهِمَا لِتَقْرِيرِ الْعَمَلِ، وَتَحْقِيقِ الشَّرِكَةِ إِذَنْ كَمُضَارَبَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوِ اشْتَرَكَا فِي مُخْتَلِطٍ بَيْنَهُمَا شَائِعًا صَحَّ إِنْ عَلِمَا قَدْرَ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَهَذَا الْقَيْدُ أَخَرَجَ الْمُضَارَبَةَ ; لِأَنَّ الْمَالَ فِيهَا مِنْ جَانِبٍ، وَالْعَمَلَ مِنْ آخَرَ بِخِلَافِهَا لِكَوْنِهَا تَجْمَعُ مَالًا وَعَمَلًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (لِيَعْمَلَا فِيهِ بِبَدَنَيْهِمَا) وَالْأَصَحُّ: أَوْ أَحَدُهُمَا، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ وَبِقَدْرِهِ إِبْضَاعٌ، وَبِدُونِهِ لَا يَصِحُّ، وَفِيهِ وَجْهٌ (وَرِبْحُهُ لَهُمَا) لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِمَا وَعَمَلِهِمَا مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا عَلَى مَا شَرَطَاهُ ; لِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ تَارَةً وَبِالْعَمَلِ أُخْرَى كَالْمُضَارِبِ. (فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِمَا بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَالْوَكَالَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ) لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِجِهَةِ الْإِذْنِ فَهُوَ كَالْوَكَالَةِ، وَدَلَّ أَنَّ لَفْظَ الشَّرِكَةِ يُغْنِي عَنْ إِذَنٍ صَرِيحٍ فِي التَّصَرُّفِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَالْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، قَالَهُ فِي الْفُصُولِ. [شُرُوطُ صِحَّةِ الشَّرِكَةِ] (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ) فَتَصِحُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَغْشُوشَةٍ ; لِأَنَّهَا قِيَمُ الْأَمْوَالِ، وَأَثْمَانُ الْبِيَاعَاتِ، وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 وَقْتَ الْعَقْدِ، وَهَلْ تَصِحُّ بِالْمَغْشُوشِ وَالْفُلُوسِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَا   [المبدع في شرح المقنع] يَشْتَرِكُونَ فِيهَا فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَلَا تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بِهَا إِمَّا أَنْ تَقَعَ عَلَى أَعْيَانِهَا، أَوْ عَلَى قِيمَتِهَا، أَوْ عَلَى ثَمَنِهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، أَمَّا الْأَوَّلُ، فَلِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عِنْدَ الْمُفَاضَلَةِ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَلَا مِثْلَ لَهُ، فَيَرْجِعُ بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي، فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ تَزِيدُ بِحَيْثُ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرِّبْحِ، وَقَدْ تَنْقُصُ بِحَيْثُ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِي ثَمَنِ مِلْكِهِ الَّذِي لَيْسَ بِرِبْحٍ مَعَ أَنَّ الْقِيمَةَ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةِ الْمِقْدَارِ، فَيُفْضِي إِلَى التَّنَازُعِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ، فَلِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْدُومٌ حَالَ الْعَقْدِ، وَلَا يَمْلِكَانِهَا لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ ثَمَنَهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَصَارَ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ أَرَادَ ثَمَنَهَا الَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ، فَإِنَّهَا تَصِيرُ شَرِكَةً مُعَلَّقَةً عَلَى شَرْطٍ وَهِيَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ (وَعَنْهُ تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " ; لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّرِكَةِ جَوَازُ تَصَرُّفِهِمَا فِي الْمَالَيْنِ جَمِيعًا، وَكَوْنُ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا يَحْصُلُ فِي الْعُرُوضِ مِنْ غَيْرِ غَرَرٍ كَمَا يَحْصُلُ فِي الْأَثْمَانِ (وَيُجْعَلُ رَأْسُ الْمَالِ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْعَقْدِ) لِيَتَمَكَّنَ الْعَامِلُ مِنْ رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ التَّفَاضُلِ كَمَا أَنَّا جَعَلْنَا نِصَابَ زَكَاتِهَا قِيمَتَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْعُرُوضُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْحُبُوبِ أَوْ لَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": وَعَنْهُ يَصِحُّ بِكُلِّ عَرَضٍ مُتَقَوِّمٍ، وَقِيلَ مِثْلِيٍّ (وَهَلْ تَصِحُّ بِالْمَغْشُوشِ وَالْفُلُوسِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَبَنَاهُمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِنَقْدٍ، وَقَيَّدَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " بِالنَّافِقَتَيْنِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " فِي فُلُوسٍ نَافِقَةٍ رِوَايَتَانِ، إحَداهُمَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ ; لِأَنَّ الْمَغْشُوشَ لَا يَنْضَبِطُ غِشُّهُ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّ مِثْلِهِ، وَالْفُلُوسُ تَزِيدُ قِيمَتُهَا وَتَنْقُصُ، أَشْبَهَتِ الْعُرُوضَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْغِشُّ الْيَسِيرُ لِمَصْلَحَتِهِ كَحَبَّةِ فِضَّةٍ فِي دِينَارٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَالثَّانِي يَصِحُّ ; لِأَنَّ الْغِشَّ يُسْتَهْلَكُ فِي الْمَغْشُوشِ وَالْفُلُوسِ بِشُبْهَةِ الثَّمَنِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَرَى السَّلَمَ فِي الْفُلُوسِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الصَّرْفَ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 لِكُلِّ وَاحِدٍ جُزْءًا مِنَ الرِّبْحِ مُشَاعًا مَعْلُومًا، فَإِنْ قَالَا: الرِّبْحُ بَيْنَنَا فَهُوَ بَيْنُهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا الرِّبْحَ أَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا جُزْءًا مَجْهُولًا أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً أَوْ رِبْحَ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ   [المبدع في شرح المقنع] أَنْ تَكُونَ كَاسِدَةً أَوْ رَابِحَةً ; لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قِيمَتَهَا كَالْعُرُوضِ، وَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِثْلَهَا، وَكَذَا الْمَغْشُوشُ، وَفِي ثَالِثٍ: إِنْ كَانَتِ الْفُلُوسُ نَافِقَةً جَازَ، وَإِلَّا فَلَا لِشَبَهِهَا بِالنَّقْدَيْنِ. (الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَا لِكُلِّ وَاحِدٍ جُزْءًا مِنَ الرِّبْحِ مُشَاعًا مَعْلُومًا) كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ ; لِأَنَّ الرِّبْحَ مُسْتَحَقٌّ لَهُمَا بِحَسَبِ الِاشْتِرَاطِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنِ اشْتِرَاطِهِ كَالْمُضَارَبَةِ، وَاشْتَرَطَ كَوْنَهُ مُشَاعًا لِأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً احْتَمَلَ أَنْ لَا يَرْبَحَ غَيْرَهَا، فَيَأْخُذَ جَمِيعَ الرِّبْحِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَرْبَحَ، فَأَخَذَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ جُزْءًا، وَقَدْ يَرْبَحُ كَثِيرًا، فَيَسْتَضِرَّ مَنْ شُرِطَتْ لَهُ، وَاشْتَرَطَ كَوْنَهُ مَعْلُومًا ; لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ يُفْضِي إِلَى التَّنَازُعِ، وَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ كَالْمُضَارَبَةِ، وَقَدْ يَتَفَاضَلَانِ فِيهِ لِقُوَّةِ حِذْقِهِ (فَإِنْ قَالَا: الرِّبْحُ بَيْنَنَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِمَا إِضَافَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، فَاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ. كَقَوْلِهِ: هَذِهِ الدَّارُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ (فَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا الرِّبْحَ) لَمْ يَصِحَّ كَالْمُضَارَبَةِ ; لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنَ الشَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ (أَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا جُزْءًا مَجْهُولًا) فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ تَسْلِيمَ الْوَاجِبِ، وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالثَّمَنِ، لَكِنْ لَوْ قَالَ: لَكَ مِثْلُ مَا شُرِطَ لِفُلَانٍ، وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ صَحَّ (أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً) لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْعَامِلَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ حِصَّتُهُ مَعْلُومَةً بِالْقَدْرِ، فَإِذَا جُهِلَتِ الْأَجْزَاءُ فَسَدَتْ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ جُزْءًا وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْقِرَاضِ إِجْمَاعُ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ فِيمَا إِذَا جَعَلَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، فَلَوْ قَالَ: لَكَ نِصْفُ الرِّبْحِ إِلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بَطَلَتْ لِزِيَادَتِهَا (أَوْ رِبْحَ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ) أَوْ رِبْحَ إِحْدَى السَّفْرَتَيْنِ، أَوْ رِبْحَ تِجَارَتِهِ فِي شَهْرٍ أَوْ عَامٍ بِعَيْنِهِ (لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَيَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِالرِّبْحِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 أَنْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ وَلَا أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَلِفَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِمَا، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ) قِيَاسًا عَلَى الشَّرِكَةِ. (وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُقْصَدُ بِهِ الرِّبْحُ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ ذَلِكَ كَالْمُضَارَبَةِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْخَلْطُ كَالْوِكَالَةِ (وَلَا أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، فَيَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخْرِجَ دَنَانِيرَ وَالْآخِرِ دَرَاهِمَ لِأَنَّهُمَا الْأَثْمَانُ، فَصَحَّتِ الشَّرِكَةُ فِيهِمَا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ، فَإِذَا اقْتَسَمَا رَجَعَ كَلٌّ بِمَالِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْفَضْلَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَدْرِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَتَى تَفَاضَلَا قَوَّمَا الْمَتَاعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَقَوَّمَا مَالَ الْآخَرِ بِهِ، وَيَكُونُ التَّقْوِيمُ حِينَ صَرَفَا الثَّمَنَ فِيهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ رَأْسُ الْمَالِ فِيهَا الْأَثْمَانُ، فَيَكُونُ الرُّجُوعُ بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَوْ كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا (وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ أَمِينُهُ وَوَكِيلُهُ، وَفِي " الشَّرْحِ " مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا أَنْ يَأْذَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ، وَالْأَصَحُّ لَا يُشْتَرَطُ فَإِنِ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ لَهُ ; لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ (وَإِنْ تَلِفَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِمَا) بَعْدَ الْخَلْطِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا قَبْلَهُ عَلَى الْأَشْهَرِ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْمَالَانِ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ، فَكَذَا فِي الضَّمَانِ، وَكَنَمَائِهِ لِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ بِالْكَلَامِ كَخَرْصِ ثِمَارٍ، فَكَذَا الشَّرِكَةُ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَنْهُ مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِهِ (وَالْوَضِيعَةُ) أَيِ الْخُسْرَانُ (عَلَى قَدْرِ الْمَالِ) بِالْحِسَابِ ; لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ نُقْصَانِ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْقَدْرِ، فَيَكُونُ النَّقْصُ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْوَضْعِيَّةُ لِتَلَفٍ أَوْ نُقْصَانٍ فِي الثَّمَنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُضَارَبَةِ بَلْ هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِمِلْكِ رَبِّهِ كَالْمُزَارَعَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 فَصْلٌ وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ، وَيَقْبِضَ وَيُقْبِضَ، وَيُطَالِبَ بِالدَّيْنِ، وَيُخَاصِمَ فِيهِ، وَيُحِيلَ وَيَحْتَالَ، وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيُقربه، وَيُقَايِلَ، وَيَفْعَلَ كُلَّ مَا هُوَ مِنْ مَصْلَحَةِ تِجَارَتِهِمَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّقِيقَ، وَلَا يُزَوِّجَهُ، وَلَا يُعْتِقَهُ بِمَالٍ،   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ: مَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهِ كُلٌّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ] فَصْلٌ (وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ) أَيْ حَالًّا (وَيَشْتَرِيَ) مُسَاوَمَةً، وَمُرَابَحَةً، وَغَيْرَهُمَا ; لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَرِيكِهِ وَكِيلٌ، فَمَلَكَهُمَا كَالْوَكِيلِ (وَيَقْبِضَ وَيُقْبِضَ) لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فِي ذَلِكَ، فَمَلَكَهُمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَأْتَمِنُهُ (وَيُطَالِبَ بِالدَّيْنِ، وَيُخَاصِمَ فِيهِ) لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ قَبْضَ شَيْءٍ مَلَكَ الْمُطَالَبَةَ وَالْمُخَاصَمَةَ فِيهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ (وَيُحِيلَ وَيَحْتَالَ) لِأَنَّهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا (وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ) سَوَاءٌ وَلِيَهُ هُوَ أَوْ صَاحِبُهُ ; لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَرُدُّ بِهِ، فَالشَّرِيكُ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ شَرِيكُهُ (وَيُقِرَّ بِهِ) أَيْ بِالْعَيْبِ كَمَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ خُيِّرَ بَيْنَ قَبُولِهَا أَوْ إِعْطَاءِ أَرْشِ الْعَيْبِ، أَوْ يَحُطُّ مِنْ ثَمَنِهِ، أَوْ يُؤَخِّرُ ثَمَنَهُ لِأَجْلِ الْعَيْبِ (وَيُقَايِلَ) لِأَنَّ الْحَظَّ قَدْ يَكُونُ فِيهَا، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ بَيْعًا فَقَدْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا، فَفَسْخُ الْبَيْعِ الْمُضِرِّ مِنْ مَصْلَحَةِ التِّجَارَةِ، فَمِلْكُهُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ أَنَّهَا فَسْخٌ فَلَا يَمْلِكُهَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ التِّجَارَةِ (وَيَفْعَلَ كُلَّ مَا هُوَ مِنْ مَصْلَحَةِ تِجَارَتِهِمَا) لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْأَمَانَةِ، فَيُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِالثَّمَنِ، أَوْ بَعْضِهِ، أَوْ أُجْرَةِ الْمُنَادِي، أَوِ الْحَمَّالِ ; لِأَنَّ هَذَا عَادَةُ التُّجَّارِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَيُؤَجِّرَ ; لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْأَعْيَانِ، فَصَارَ كَالشِّرَاءِ، وَالْبَيْعِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَجْرِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا ; لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَخْتَصُّ بِالْعَاقِدِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّقِيقَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ شَرِيكُهُ، وَالشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ عَلَى التِّجَارَةِ وَلَيْسَتْ مِنْهَا (وَلَا يُزَوِّجَهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 وَلَا يَهَبَ، وَلَا يُقْرِضَ، وَلَا يُحَابِيَ، وَلَا يُضَارِبَ بِالْمَالِ، وَلَا يَأْخُذَ بِهِ سُفْتَجَةً، وَلَا يُعْطِيَهَا إِلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يُودِعَ، أَوْ يَبِيعَ نِسَاءً، أَوْ يُبْضِعَ، أَوْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ، أَوْ يَرْهَنَ أَوْ يَرْتَهِنَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى مَالِ   [المبدع في شرح المقنع] لِمَا ذَكَرْنَا سِيَّمَا وَتَزْوِيجُ الْعَبْدِ ضَرَرٌ مَحْضٌ (وَلَا يُعْتِقَهُ بِمَالٍ) وَلَا غَيْرِهِ (وَلَا يَهَبَ) . نَقَلَ حَنْبَلٌ: يَتَبَرَّعُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ لِمَصْلَحَتِهِ (وَلَا يُقْرِضَ) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِرَهْنٍ (وَلَا يُحَابِيَ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ انْعَقَدَتْ عَلَى التِّجَارَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْهَا (وَلَا يُضَارِبَ بِالْمَالِ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُثْبِتُ فِي الْمَالِ حُقُوقًا، وَيُسْتَحَقُّ رِبْحُهُ لِغَيْرِهِ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ تَوْكِيلِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لِلثَّانِي عَلَى رَبِّهِ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَقِيلَ: عَلَى الْأَوَّلِ مَعَ جَهْلِهِ لِدَفْعِ غَاصِبٍ، وَمَعَ عِلْمِهِ لَا شَيْءَ لَهُ، وَرِبْحُهُ لِرَبِّهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ خَلْطُ مَالِ الشَّرِكَةِ بِمَالِهِ وَلَا مَالِ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِيجَابَ حُقُوقٍ فِي الْمَالِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ التِّجَارَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا، وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِمَالِ نَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ، فَيَدْخُلُ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي (وَلَا يَأْخُذَ بِهِ سُفْتَجَةً) لِأَنَّ فِيهَا خَطَرًا، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى إِنْسَانٍ شَيْئًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ كِتَابًا إِلَى وَكِيلِهِ بِبَلَدٍ آخَرَ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ الْمَالَ (وَلَا يُعْطِيَهَا) بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ إِنْسَانٍ بِضَاعَةً، وَيُعْطِيَهُ بِثَمَنِ ذَلِكَ كِتَابًا إِلَى وَكِيلِهِ بِبَلَدٍ آخَرَ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ ذَلِكَ (إِلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنَ التِّجَارَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْكِتَابَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَالصَّوَابُ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا فِيهِمَا لِمَصْلَحَةٍ لِخَوْفِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ فِي الْأُولَى. فَائِدَةٌ: مَا يُخْرِجُهُ الشَّرِيكُ عَلَى الْمَالِ مِنَ الشَّيْلِ، وَالْحَطِّ، وَالْعُشْرِ، وَالْخِفَارَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَذْرَقَةِ يُحْتَسَبُ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ، قَالَهُ فِي " الْفُصُولِ ". [مَا لَا يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ] (وَهَلْ لَهُ أَنْ يُودِعَ، أَوْ يَبِيعَ نِسَاءً، أَوْ يُبْضِعَ، أَوْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ، أَوْ يَرْهَنَ أَوْ يَرْتَهِنَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: فِي الْإِيدَاعِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا لَهُ ذَلِكَ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَزَادَ: عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ عَادَةَ التُّجَّارِ، وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فِي " الْمُحَرَّرِ " الْمَنْعُ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الشَّرِكَةِ وَفِيهِ غَرَرٌ. الثَّانِيَةُ: فِي الْبَيْعِ إِلَى أَجَلٍ، وَهُوَ يَخْرُجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْوَكِيلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، فَإِنِ اشْتَرَى شَيْئًا بِنَقْدٍ عِنْدَهُ مِثْلُهُ، أَوْ نَقْدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَوِ اشْتَرَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَعِنْدَهُ مَثَلُهُ جَازَ، وَإِلَّا فَالشِّرَاءُ لَهُ خَاصَّةً، وَرِبْحُهُ لَهُ، وَضَمَانُهُ عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: فِي الْإِبْضَاعِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ عِبَارَةٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْمَالِ تُبْعَثُ لِلتِّجَارَةِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، وَالثَّانِي بَلَى وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ عَادَةُ التُّجَّارِ. الرَّابِعَةُ: التَّوْكِيلُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ التَّوْكِيلُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ; لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ مِثْلَ عَقْدِ مُوَكِّلِهِ بِخِلَافِ وَكِيلِ الشَّرِيكِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ مِثْلَ عَقْدِ مُوَكِّلِهِ، بَلْ يَسْتَفِيدُ مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ، فَإِنْ وَكَّلَ مَلَكَ الْآخَرُ عَزْلَهُ، وَيَتَصَرَّفُ الْمَعْزُولُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ. الْخَامِسَةُ: فِي الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُمَا زَادَ فِي " الشَّرْحِ " عِنْدَ الْحَاجَةِ ; لِأَنَّ الرَّهْنَ يُرَادُ لِلْإِيفَاءِ، وَالِارْتِهَانَ يُرَادُ لِلِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا، فَكَذَا مَا يُرَادُ لَهُمَا، وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ فِيهِ خَطَرًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ وَلِيَ الْعَقْدَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، لَكَوْنِ الْقَبْضِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، فَلَوْ قَالَ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، وَرَأَى مَصْلَحَةً، جَازَ الْكُلُّ ; لِأَنَّهُ فَوَّضَ إِلَيْهِ الرَّأْيَ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الشَّرِكَةُ، فَجَازَ كُلُّ مَا هُوَ مِنَ التِّجَارَةِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ السَّفَرَ بِالْمَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ مَعَ الْأَمْنِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ صَحَّحَهَا الْأَزَجِيُّ، وَإِنْ سَافَرَ وَالْغَالِبُ الْعَطَبُ ضَمِنَ، ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ فِيمَا لَيْسَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَتَّجِرُ وَلِيُّ الْيَتِيمِ بِمَالِهِ مَوْضِعَ أَمْنٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا بِخَوْفِهِ، أَوْ بِفَلَسِ مُشْتَرٍ فَلَا ضَمَانَ ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى هَلَاكَهُ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ صَدَقَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ لَمْ يَضْمَنْهُ إِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بِهِ، وَيَحْلِفُ مَعَهَا أَنَّهُ هَلَكَ بِهِ، وَيُصَدِّقُ مُنْكِرُ الْخِيَانَةِ، وَإِنْ قَالَ لِمَا بِيَدِهِ: هَذَا لِي أَوْ لَنَا، أَوِ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهَا لِي، أَوْ لَنَا صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ رَبِحَ أَوْ خَسِرَ، وَإِنْ قَالَ: صَارَ لِي بِالْقِسْمَةِ صُدِّقَ مُنْكِرُهَا. (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ) لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا رَضِيَ الشَّرِيكُ بِالْمُشَارَكَةِ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ ضَمَّ إِلَيْهَا أَلْفًا مِنْ مَالِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 الشَّرِكَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ عَلَيْهِ وَرِبْحُهُ لَهُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ شَرِيكُهُ، وَإِنْ أَخَّرَ حَقَّهُ مِنَ الدَّيْنِ جَازَ، وَإِنَّ تَقَاسَمَا الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَصِحَّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَبْرَأَ مِنَ الدَّيْنِ لَزِمَ فِي حَقِّهِ دُونَ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَمَعْنَاهَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ بِثَمَنٍ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ (فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ عَلَيْهِ وَرِبْحُهُ لَهُ) . قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِيمَنِ اسْتَدَانَ مِنَ الْمَالِ بِوَجْهِهِ أَلْفًا: فَهُوَ لَهُ وَرِبْحُهُ لَهُ وَوَضِيعَتُهُ عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ وَضُرِّهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ لِلشَّرِكَةِ (إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ شَرِيكُهُ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَبَقِيَّةِ أَفْعَالِ التِّجَارَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا اسْتَقْرَضَ شَيْئًا لَزِمَهُمَا، وَرَبِحُهُ لَهُمَا ; لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ أَشْبَهَ الصَّرْفَ، وَرُدَّ بِالْفَرْقِ، فَإِنَّ الصَّرْفَ بَيْعٌ وَإِبْدَالُ عَيْنٍ بِعَيْنٍ فَهُوَ كَبَيْعِ الثِّيَابِ (وَإِنْ أَخَّرَ حَقَّهُ مِنَ الدَّيْنِ) الْحَالِّ (جَازَ) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنَ الْمُطَالَبَةِ، فَصَحَّ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ كَالْإِبْرَاءِ، فَلَوْ قَبَضَ شَرِيكُهُ شَيْئًا مِمَّا لَمْ يُؤَخَّرْ كَانَ لَهُ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ، وَقِيلَ: وَلَهُ تَأْخِيرُ حَقِّ شَرِيكِهِ، وَيَضْمَنُهُ إِنْ تَلِفَ، أَوْ مَاتَ الْمَدِينُ (وَإِنَّ تَقَاسَمَا الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَصِحَّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ; لِأَنَّ الذِّمَمَ لَا تَتَكَافَأُ، وَلَا تَتَعَادَلُ، وَالْقِسْمَةُ تَقْتَضِيهَا ; لِأَنَّهَا بِغَيْرِ تَعْدِيلٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ، فَعَلَيْهَا لَوْ تَقَاسَمَا ثُمَّ تَوى بَعْضُ الْمَالِ رَجَعَ الَّذِي تَوى مالُهُ عَلَى الْآخَرِ، وَالثَّانِيَةُ - وَنَقَلَهَا حَرْبٌ، وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " - الْجَوَازُ ; لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا يَمْنَعُ الْقِسْمَةَ كَاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ، فَعَلَيْهَا لَا رُجُوعَ إِذَا أَبْرَأَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " إِذَا كَانَ فِي ذِمَمٍ لَا ذِمَّةٍ وَاحِدَةٍ ; لِأَنَّهُ لَا تُمْكِنُ الْقِسْمَةُ، وَهِيَ إِفْرَازٌ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ تَكَافَأَتْ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ مِنَ الْحَوَالَةِ عَلَى مَلِيءٍ وُجُوبُهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَإِنْ أَبْرَأْ مِنَ الدَّيْنِ) أَوْ أَجَّلَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (لَزِمَ فِي حَقِّهِ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ (دُونَ صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ التِّجَارَةِ وَكَالصَّدَقَةِ (وَكَذَلِكَ إِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ) أَيْ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ دُونَ صَاحِبِهِ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ. وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَوَلَّى مَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ مِنْ نَشْرِ الثَّوْبِ، وَطَيِّهِ، وَخَتْمِ الْكِيسِ، وَإِحْرَازِهِ فَإِنِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ، وَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَفْعَلُهُ، فَإِنْ فَعَلَهُ لِيَأْخُذَ أُجْرَتَهُ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ ; لِأَنَّ شَرِيكَهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ دَاخِلًا فِيهَا (وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ نِسَاءً، وَهُوَ إِقْرَارٌ بِبَقَاءِ الثَّمَنِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَعَلَّلَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّمَ الثَّمَنَ فِي الْمَجْلِسِ، فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ إِقْرَارَهُ لَضَاعَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ وَامْتَنَعُوا مِنْ مُعَامَلَتِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ كَالْإِقْرَارِ بِالْعَيْبِ، وَقَيَّدَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فِي الْإِقْرَارِ، وَ " الْفُرُوعِ " قَبْلَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا لَا بَعْدَهَا. مَسْأَلَةٌ: أَقَرَّ غَرِيمٌ لَهُمَا بِدَيْنٍ عِنْدَ حَاكِمٍ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا حَبْسَهُ، وَمَنَعَ الْآخَرُ مِنْهُ، فَفِي وُجُوبِ حَبْسِهِ رِوَايَتَانِ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا دَيْنٌ مُشْتَرَكٌ بِإِرْثٍ أَوْ إِتْلَافٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوْ ضَرِيبَةٍ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا وَاحِدٌ، فَلِشَرِيكِهِ الْأَخْذُ مِنَ الْغَرِيمِ وَمِنَ الْقَابِضِ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمِلْكِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْقَابِضُ بِرَهْنٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ كَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ بِهِ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَابْنُ سِيرِينَ، كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ قَابِضِهِ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَرِيمِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، وَإِنْ كَانَ بِعَقْدٍ، أَوْ بَعْدَ تَأْجِيلِ شَرِيكِهِ حَقَّهُ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَهُ الْمُشَارَكَةُ كَالْمَوْرُوثِ، وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْعَقْدِ عَلَى نَصِيبِهِ فَهُوَ كَالْمُنْفَرِدِينَ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَوَلَّى مَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ مِنْ نَشْرِ الثَّوْبِ، وَطَيِّهِ، وَخَتْمِ الْكِيسِ، وَإِحْرَازِهِ) وَقَبْضِ النَّقْدِ ; لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِذْنِ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ (فَإِنِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ) فِي مَالِهِ ; لِأَنَّهُ بَذَلَهَا عِوَضًا عَمَّا يَلْزَمُهُ (وَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ) كَحَمْلِ الطَّعَامِ، وَالْمَتَاعِ، وَوَزْنِ مَا يُنْقَلُ، وَالنِّدَاءِ (فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (مَنْ يَفْعَلُهُ) لِأَنَّهُ الْعُرْفُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 فَصْلٌ وَالشُّرُوطُ فِي الشَّرِكَةِ ضَرْبَانِ: صَحِيحٌ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إِلَّا فِي نَوْعٍ مِنَ الْمَتَاعِ أَوْ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ لَا يَبِيعَ إِلَّا بِنَقْدٍ مَعْلُومٍ، أَوْ لَا يُسَافِرَ بِالْمَالِ، أَوْ لَا يَبِيعَ إِلَّا مِنْ فُلَانٍ. وَفَاسِدٌ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ، أَوْ ضَمَانِ الْمَالِ، أَوْ أَنَّ   [المبدع في شرح المقنع] (فَإِنْ فَعَلَهُ لِيَأْخُذَ أُجْرَتَهُ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا رِوَايَتَانِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ ; لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَا يَلْزَمُهُ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ خَادِمًا إِذَا أَخَدَمَتْ نَفْسَهَا، وَالثَّانِي: بَلَى ; لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ، فَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا شَرَطَهَا اسْتَحَقَّهَا. فَرْعٌ: إِذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِيمَا لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهُ إِلَّا بِعَمَلٍ فِيهِ، كَنَقْلِ طَعَامٍ بِنَفْسِهِ، أَوْ غُلَامِهِ، أَوْ دَابَّتِهِ، جَازَ، نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ، كَدَارِهِ، وَعَنْهُ: لَا لِعَدَمِ إِمْكَانِ إِيقَاعِ الْعَمَلِ فِيهِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِ نَصِيبِهِمَا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَيَحْرُمُ عَلَى شَرِيكٍ فِي زَرْعٍ فَرْكُ شَيْءٍ مِنْ سُنْبُلِهِ يَأْكُلُهُ بِلَا إِذْنٍ، وَيَتَّجِهُ عَكْسُهُ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". [فَصْلٌ: الشُّرُوطُ الصَّحِيحَةُ فِي الشَّرِكَةِ] فَصْلٌ (وَالشُّرُوطُ فِي الشَّرِكَةِ ضَرْبَانِ) لِأَنَّهُمَا عَقْدٌ، فَانْقَسَمَتْ شُرُوطُهَا إِلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ كَالْبَيْعِ (صَحِيحٌ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إِلَّا فِي نَوْعٍ مِنَ الْمَتَاعِ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَعُمُّ وُجُودُهُ أَوْ لَا. وَقَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": عَامُّ الْوُجُودِ، وَالْمُرَادُ بِهِ عُمُومُهُ حَالَ الْعَقْدِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ لِلتِّجَارَةِ، لَا عُمُومُهُ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ (أَوْ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ) كَمَكَّةَ وَنَحْوِهَا (أَوْ لَا يَبِيعَ إِلَّا بِنَقْدٍ مَعْلُومٍ، أَوْ لَا يُسَافِرَ بِالْمَالِ، أَوْ لَا يَبِيعَ إِلَّا مِنْ فُلَانٍ) أَوْ لَا يَشْتَرِيَ إِلَّا مِنْ فُلَانٍ، فَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ سَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلُ مِمَّا يَكْثُرُ الْمَتَاعُ عِنْدَهُ أَوْ يَقِلُّ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ بِرَجُلٍ، أَوْ بَلَدٍ مُعَيَّنَيْنِ كَالْوَكَالَةِ، فَإِن جَمَعَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " خِلَافُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. [الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فِي الشَّرِكَةِ] (وَفَاسِدٌ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ) كَمَا لَوْ شَرَطَ رِبْحَ أَحَدِ الْكِيسَيْنِ، أَوِ الْأَلْفَيْنِ، أَوْ جُزْءًا مَجْهُولًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 عَلَيْهِ مِنَ الْوَضِيعَةِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ مَالِهِ، أَوْ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَا يَخْتَارُ مِنَ السِّلَعِ، أَوْ يَرْتَفِقَ بِهَا، أَوْ لَا يَفْسَخَ الشَّرِكَةَ مُدَّةً بِعَيْنِهَا، فَمَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ يَفْسَدُ بِهِ الْعَقْدُ، وَيَخْرُجُ فِي سَائِرِهَا رِوَايَتَانِ، وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ قُسِمَ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ   [المبدع في شرح المقنع] كَنَصِيبٍ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى جَهْلِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّبْحِ، أَوْ إِلَى فَوَاتِهِ حَيْثُ شَرَطَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً (أَوْ ضَمَانِ الْمَالِ) لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ مِنَ الْوَضِيعَةِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ مَالِهِ) لِلْمُنَافَاةِ (أَوْ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَا يَخْتَارُ مِنَ السِّلَعِ) إِذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْعَقْدِ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ مَا يُنَافِيهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ مَتَى بَاعَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، فباعه مِنْ غَيْرِهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَفِيَ بِشَرْطِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ: إنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ يَقْطَعُ إِطْلَاقَ تَصَرُّفِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ خِلَافُهُ (أَوْ يَرْتَفِقَ بِهَا) كَلُبْسِهِ الثَّوْبَ، وَاسْتِخْدَامِهِ الْعَبْدَ (أَوْ لَا يَفْسَخَ الشَّرِكَةَ مُدَّةً بِعَيْنِهَا) لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ، فَاشْتِرَاطُ لُزُومِهَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا كَالْوَكَالَةِ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْقِيتُهَا كَالْوَكَالَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ (فَمَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ يَفْسَدُ بِهِ الْعَقْدُ) لِأَنَّ الْفَسَادَ لِمَعْنًى فِي الْعِوَضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَأَفْسَدَ الْعَقْدَ كَمَا لَوْ جُعِلَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْرًا، وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ مِنَ التَّسْلِيمِ فَيُفْضِي إِلَى التَّنَازُعِ (وَيَخْرُجُ فِي سَائِرِهَا) أَيْ بَاقِيهَا (رِوَايَتَانِ) الْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ، وَيَلْغُو الشَّرْطُ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَجْهُولٍ فَلَمْ تُبْطِلْهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ كَالنِّكَاحِ، وَالثَّانِيَةُ: يَبْطُلُ، وَذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " تَخْرِيجًا ; لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَأَبْطَلَ الْعَقْدَ كَالْمُزَارَعَةِ إِذَا شَرَطَ الْبَذْرَ مِنَ الْعَامِلِ، وَكَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا رَضِيَ بِالْعَقْدِ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِذَا فَسَدَ فَاتَ الرِّضَا بِهِ. (وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ قُسِمَ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ) لِأَنَّ التَّصَرُّفَ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَالرِّبْحُ نَمَاءُ الْمَالِ، فَرِبْحُ الْمُضَارَبَةِ لِلْمَالِكِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْعَامِلِ مُطْلَقًا، وَالْعِنَانُ وَالْوُجُوهُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَالْأَبْدَانُ تُقْسَمُ أُجْرَةُ مَا تَحَمَّلَاهُ بِالسَّوِيَّةِ، وَالْوَضِيعَةُ بِقَدَرِ الْمَالَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَفْسَدْ فَإِنَّ الرِّبْحَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ كَرِوَايَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 الْمَالَيْنِ، وَهَلْ يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فَصْلٌ الثَّانِي: الْمُضَارَبَةُ وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ إِلَى آخَرَ يَتَّجِرُ فِيهِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْفَاسِدِ (وَهَلْ يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ؟) أَيُ نِصْفِ عَمَلِهِ (عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " أَحَدُهُمَا: لَا رُجُوعَ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ " الْمُحَرِّرِ " لِأَنَّهُمَا عَمِلَا لِأَنْفُسِهِمَا فَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمَا لَمْ يَعْمَلْ لَهُ فَعَلَيْهِ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا شَرَطَاهُ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ مَجْهُولًا فَوَجَبَ الْمُسَمَّى فِي فَاسِدِهِ كَالنِّكَاحِ، وَالثَّانِي: يَرْجِعُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَهُوَ الْأَصَحُّ ; لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَيَرْجِعُ بِهِ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَنْبَغِي الْفَصْلُ فِيهِ فِي ثَانِي الْحَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَابِلَ الْعَمَلَ فِيهِ عِوَضٌ كَالْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ تَسَاوَى عَمَلُهُمَا تَقَاصَّ الدَّيْنَانِ، وَإِنْ فَضُلَ أَحَدُهُمَا تَقَاصَّ دَيْنُ الْقَلِيلِ بِمِثْلِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ بِالْفَضْلِ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُسِمَ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِهِمَا رَجَعَ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ فَسَدَ الْعَقْدُ لِجَهْلِ الرِّبْحِ فَكَذَلِكَ، وَإِنَّ فَسَدَ لِغَيْرِهِ وَجَبَ الْمُسَمَّى فِيهِ كَالصَّحِيحِ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَصِحُّ مَعَ جَهْلِ الْعِوَضِ، فَوَجَبَ الْمُسَمَّى فِيهِ مَعَ فَسَادِهِ كَالنِّكَاحِ. فَرْعٌ: إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا، فَلِوَارِثِهِ إِتْمَامُ الشَّرِكَةِ، فَيَأْذَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا جُدِّدَ عَقْدًا، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الشَّرِكَةُ فِيهِ حَتَّى يَقْضِيَ دينَهُ، فَإِنْ قَضَاهُ مِنْ غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ فَلَهُ إِتْمَامُهَا، وَإِنْ قَضَاهُ مِنْهَا بَطَلَتْ فِي قَدْرِ مَا مَضَى. تَنْبِيهٌ: كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ أَمَانَةٍ وَتَبَرُّعٍ بِمُضَارِبَةٍ، وَشَرِكَةٍ، وَوَكَالَةٍ، وَوَدِيعَةٍ، كَصَحِيحٍ فِي ضَمَانٍ وَعَدَمِهِ، وَكُلُّ عَقْدٍ لَازِمٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ يَجِبُ فِي فَاسِدِهِ كَبَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ، وَنِكَاحٍ. [الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمُضَارَبَةُ] [صُورَةُ الْمُضَارَبَةِ] فَصْلٌ (الثَّانِي: الْمُضَارَبَةُ) وَهِيَ تَسْمِيَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 شَرَطَاهُ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ وَاتَّجِرْ بِهِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَهُوَ إِبْضَاعٌ، وَإِنْ قَالَ: وَالرِّبْحُ   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ السَّفَرُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ قَالَ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ ضَرْبِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِسَهْمٍ مِنَ الرِّبْحِ، وَسَمَّاهُ أَهْلُ الْحِجَازِ قِرَاضًا، فَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَطْعِ، يُقَالُ: قَرَضَ الْفَأْرُ الثَّوْبَ أَيْ قَطَعَهُ، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اقْتَطَعَ مِنْهُ قِطْعَةً، وَسَلَّمَهَا إِلَى الْعَامِلِ وَاقْتَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ رِبْحِهَا، وَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمُسَاوَاةِ، وَالْمُوَازَنَةِ، يُقَالُ: تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ إِذَا تَوَازَنَا. وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَرَوَى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَعْطَاهُ مَالَ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً يَعْمَلُ بِهِ فِي الْعِرَاقِ، وَرُوِيَ جَوَازُهُ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مَعَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِيهِ ; لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَيْهَا، فَإِنَّ النَّقْدَيْنِ لَا تُنْمَى إِلَّا بِالتِّجَارَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُهَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ، وَلَا كُلُّ مَنْ يُحْسِنُهَا لَهُ مَالٌ فَشُرِعَتْ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ. (وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ إِلَى آخَرَ يَتَّجِرُ فِيهِ) يُشْتَرَطُ فِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، فَلَوْ دَفَعَ صُبْرَةَ نَقْدٍ، أَوْ أَحَدَ كِيسَيْنِ لَمْ يَصِحَّ، قَوْلُهُ (إِلَى آخَرَ) لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ، فَلَوْ دَفَعَهُ إِلَى اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مُضَارَبَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ جَازَ، قَوْلُهُ (يَتَّجِرُ فِيهِ) ظَاهِرٌ (وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ) أَيْ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا تَقْدِيرُ نَصِيبِ الْعَامِلِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا بِالشَّرْطِ، فَلَوْ قَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ سَهْمَ الْعَامِلِ، فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، فَلَوْ شَرَطَ جُزْءًا مِنَ الرِّبْحِ لَعَبْدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ لِعَبْدِهِمَا صَحَّ وَكَانَ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ شَرَطَاهُ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لِوَلَدِ أَحَدِهِمَا، أَوِ امْرَأَتِهِ، أَوْ قَرِيبِهِ، وَشَرَطَا عَلَيْهِ عَمَلًا مَعَ الْعَامِلِ صَحَّ، وَكَانَا عَامِلَيْنِ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَكَ الثُّلْثَانِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَ امْرَأَتَكَ نِصْفَهُ (فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ، وَاتَّجِرْ بِهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَهُوَ إِبْضَاعٌ) أَيْ يَصِيرُ جَمِيعُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيهِ، فَيَصِيرُ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا ; لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ حُكْمَ الْإِبْضَاعِ، فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَعَلَيْكَ ضَمَانُهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 كُلُّهُ لَكَ فَهُوَ قَرْضٌ، وَإِنْ قَالَ: وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا فَهُوَ بَيْنُهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ أَوْ لِي لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَالَ: وَلَكَ ثُلُثُ الرِّبْحِ صَحَّ وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: وَلِي ثُلُثُ الرِّبْحِ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] أَمَانَةً غَيْرَ مَضْمُونٍ فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ (وَإِنْ قَالَ: وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ فَهُوَ) أَيِ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ (قَرْضٌ) لَا قِرَاضَ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لَهُ، وَقَدْ قُرِنَ بِهِ حُكْمُهُ، فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ كَالتَّمْلِيكِ، فَإِنَّ قَرَنَ بِهِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْكَ فَهُوَ قَرْضٌ شُرِطَ فِيهِ نَفِيُ الضَّمَانِ، فَلَمْ يَنْتَفِ بِهِ (وَإِنْ قَالَ: وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا فَهُوَ بَيْنهُمَا نِصْفَيْنِ) لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِمَا إِضَافَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ فِيهَا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ - كَـ " هَذِهِ الدَّارُ بَيْنِي وَبَيْنَكم " - (وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ أَوْ لِي لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا شَرَطَ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِالرِّبْحِ فَقَدْ شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَفَسَدَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ الرِّبْحَ كُلَّهُ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ لِأَحَدِهِمَا، وَيُفَارِقُ إِذَا لَمْ يَقُلْ: مُضَارَبَةً ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لِمَا أَثْبَتَ حُكْمَهُ مِنَ الْإِبْضَاعِ، وَالْقَرْضِ، وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ ; لِأَنَّ الْإِذْنَ بَاقٍ (وَإِنْ قَالَ) خُذْهُ مُضَارَبَةً (وَلَكَ ثُلُثُ الرِّبْحِ) أَوْ رُبُعُهُ، أَوْ جُزْءٌ مَعْلُومٌ (صَحَّ) لِأَنَّ نَصِيبَ الْعَامِلِ مَعْلُومٌ (وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ لِكَوْنِهِ نَمَاءَهُ وَفَرْعُهُ، وَالْعَامِلُ يَأْخُذُ بِالشَّرْطِ، فَمَا شُرِطَ لَهُ اسْتَحَقَّهُ، وَمَا بَقِيَ فَلِرَبِّ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ (وَإِنْ قَالَ: وَلِي ثُلُثُ الرِّبْحِ) وَلَمْ يَذْكُرْ نَصِيبَ الْعَامِلِ (فَهَلْ يَصِحُّ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا يَصِحُّ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ ; لِأَنَّ الرِّبْحَ يَسْتَحِقَّانِهِ، فَإِذَا قُدِّرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مِنْهُ، فَالْبَاقِي لِلْآخَرِ بِمَفْهُومِ اللَّفْظِ كَمَا عُلِمَ أَنَّ ثُلُثَي الْمِيرَاثِ لِلْأَبِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَتَكُونُ الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةً، فَإِنْ قَالَ: لِيَ النِّصْفُ، وَلَكَ الثُّلُثُ، وَسَكَتَ عَنِ الْبَاقِي صَحَّ، وَكَانَ لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى الثُّلُثِ أَوْ بِالثُّلُثِ صَحَّ، وَكَانَ تَقْدِيرًا لِنَصِيبِ الْعَامِلِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: لَكَ ثُلُثُ الرِّبْحِ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى مِنَ الرِّبْحِ صَحَّ، وَلَهُ خَمْسَةُ أَتْسَاعِهِ، وَإِنْ قَالَ: لَكَ رُبُعُ الرِّبْحِ، وَرُبُعُ مَا يَبْقَى، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ وَنِصْفُ ثُمُنٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 اخْتَلَفَا لِمَنِ الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ؟ فَهُوَ لِلْعَامِلِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ حُكْمُ الشَّرِكَةِ فِيمَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ وَمَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ، وَفِي الشُّرُوطِ. وَإِذَا فَسَدَتْ فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلِلْعَامِلِ الْأَجْرُ، وَعَنْهُ: لَهُ الْأَقَلُّ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] سَوَاءٌ عَرَفَا الْحِسَابَ، أَوْ جَهِلَاهُ فِي الْأَصَحِّ. (وَإِنِ اخْتَلَفَا لِمَنِ الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (فَهُوَ لِلْعَامِلِ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ يَقِلُّ، وَيَكْثُرُ، وَإِنَّمَا تُقَدَّرُ حِصَّتُهُ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ، وَيَحْلِفُ مُدَّعِيهِ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ خِلَافَ مَا قَالَهُ، فَيَجِبُ لِنَفْيِ الِاحْتِمَالِ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْجُزْءِ بَعْدَ الرِّبْحِ، فَقَالَ الْعَامِلُ: شَرَطْتَ لِيَ النِّصْفَ، وَقَالَ الْمَالِكُ: الثُّلْثَ، قُدِّمَ قَوْلُهُ ; لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَعَنْهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ إِنِ ادَّعَى تَسْمِيَةَ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهَا ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَلَوْ قِيلَ بِالتَّحَالُفِ لَمْ يَبْعُدْ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ (وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ) قِيَاسًا عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ، وَشَمَلَ هَذَا التَّشْبِيهُ لِلْأَحْكَامِ السَّابِقَةِ (وَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ حُكْمُ الشَّرِكَةِ فِيمَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ وَمَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ، وَفِي الشُّرُوطِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ بِالْإِذْنِ، فَمَا جَازَ لِلشَّرِيكِ فِعْلُهُ جَازَ لِلْمُضَارِبِ، وَمَا مُنِعَ مِنْهُ مُنِعَ مِنْهُ، وَمَا اخْتُلِفَ فِيهِ، فَهَا هُنَا مَثَلُهُ، وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ، وَتَكْفِي مُبَاشَرَتُهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ نُطْقُهُ (وَإِذَا فَسَدَتِ) الْمُضَارَبَةُ (فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ) . قَالَ الْقَاضِيَ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الشَّرْطُ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا (وَلِلْعَامِلِ الْأُجْرَةُ) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ عَمَلَهُ إِنَّمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُسَمَّى، فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ، فَوَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، فَقَبَضَهُ، وَتَلِفَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي يَدِ قَابِضِهِ، فَيَجِبُ رَدُّ بَدَلِهِ، وَسَوَاءٌ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، أَوْ لَا (وَعَنْهُ: لَهُ الْأَقَلُّ مِنَ الْأُجْرَةِ أَوْ مَا شَرَطَ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ) لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الْأُجْرَةَ فَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهَا لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الْمَشْرُوطَ فَهُوَ قَدْ رَضِيَ بِهِ، وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إِذَا اشْتَرَكَا فِي الْعُرُوضِ قُسِمَ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ، فَأَثْبَتَ فِيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 الْأُجْرَةِ أَوْ مَا شَرَطَ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ وَإِنْ شَرَطَا تَأْقِيتَ الْمُضَارَبَةِ فَهَلْ تَفْسَدُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: بِعْ هَذَا الْعَرَضَ وَضَارِبْ بِثَمَنِهِ، أَوِ اقْبِضْ وَدِيعَتِي وَضَارِبْ بِهَا، وَإِذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَضَارَبَ بِهَذَا صَحَّ، وَإِنْ قَالَ: ضَارِبْ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْكَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ مَعَ فَسَادِهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ كَلَامَهُ مَحْمُولٌ عَلَى صِحَّةِ الشَّرِكَةِ بِالْعُرُوضِ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا صَحِيحٌ مُسْتَنِدًا إِلَى الْإِذْنِ كَالْوَكِيلِ لَا يُقَالُ لَوِ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهِ لَمْ يَنْفُذْ مَعَ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ ; لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَصَرَّفُ مِنْ جِهَةِ الْمِلْكِ لَا بِالْإِذْنِ. [شَرَطَا تَأْقِيتَ الْمُضَارَبَةِ] (وَإِنْ شَرَطَا تَأْقِيتَ الْمُضَارَبَةِ) بِأَنْ يَقُولَ: ضَارَبْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّرَاهِمِ سَنَةً، فَإِذَا مَضَتْ فَلَا تَبِعْ، وَلَا تَشْتَرِ (فَهَلْ تَفْسَدُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ. قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ أَعْطَى آخَرَ أَلْفًا مُضَارَبَةً شَهْرًا، فَإِذَا مَضَى يَكُونُ قَرْضًا؟ قَالَ: فَإِنْ جَاءَ الشَّهْرُ وَهُوَ مَتَاعٌ؟ قَالَ: إِذَا بَاعَ الْمَتَاعَ يَكُونُ قَرْضًا ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ غَرَضٌ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقَعُ مُطْلَقًا، فَإِذَا شَرَطَ قَطْعَهُ لَمْ يَصِحَّ كَالنِّكَاحِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا مَصْلَحَتِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَصَرَّفٌ يُتَوَقَّفُ بِنَوْعٍ مِنَ الْمَتَاعِ، فَجَازَ تَوْقِيتُهُ بِالزَّمَانِ كَالْوِكَالَةِ (وَإِنْ قَالَ: بِعْ هَذَا الْعَرَضَ وَضَارِبْ بِثَمَنِهِ) صَحَّ ; لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي بَيْعِ الْعَرَضِ، وَإِذَا بَاعَهُ صَارَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْمَالُ عِنْدَهُ وَدِيعَةً (أَوِ اقْبِضْ وَدِيعَتِي وَضَارِبْ بِهَا) ; لِأَنَّهُ وَكَيْلٌ فِي قَبْضِ الْوَدِيعَةِ، وَمَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ، فَجَازَ جَعْلُهُ مُضَارَبَةً، كَمَا لَوْ قَالَ: اقْبِضْهُ مِنْ غُلَامِي، وَضَارِبْ بِهِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ وَدِيعَةٌ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهَا: ضَارِبْ بِهَا (وَإِذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَضَارَبَ بِهَذَا صَحَّ) لِأَنَّهُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَجَازِ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ كَالْوَكَالَةِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: ضَارِبْ بِعَيْنِ الْمَالِ الَّذِي غَصَبْتَهُ مِنِّي صَحَّ كَالْوَدِيعَةِ، فَإِذَا ضَارَبَ بِهِ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 أَخْرَجَ مَالًا لِيَعْمَلَ هُوَ فِيهِ وَآخَرُ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا صَحَّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَزُولُ ضَمَانُ الْغَصْبِ إِلَّا بِدَفْعِهِ ثَمَنًا ; لِأَنَّ الْقِرَاضَ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَعَدَّى، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُمْسِكٌ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ ثُمَّ قَبَّضَهُ إِيَّاهُ. (وَإِنْ قَالَ: ضَارِبْ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْكَ) أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ عَنِّي (لَمْ يَصِحَّ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَهُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ لِغَرِيمِهِ بِقَبْضِهِ وَلَمْ يُوجَدْ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ، فَقَدِ اشْتَرَاهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَدَفَعَ الثَّمَنَ إِلَى مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ إِلَيْهِ، فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْهُ، فَلَوْ قَالَ: اعْزِلِ الْمَالَ الَّذِي عَلَيْكَ وَضَارِبْ بِهِ صَحَّ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ ; لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ. فَرْعٌ: إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفًا مُضَارَبَةً، وَقَالَ لَهُ: أَضِفْ إِلَيْهَا مِثْلَهَا وَاتَّجِرْ بِهِمَا وَالرِّبْحُ لَكَ ثُلُثَاهُ وَلِيَ ثُلُثُهُ صَحَّ، وَكَانَ شَرِكَةً وَمُضَارَبَةً، وَإِنْ شَرَطَ غَيْرُ الْعَامِلِ لِنَفْسِهِ ثُلُثَيِ الرِّبْحِ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلْقَاضِي. (وَإِنْ أَخْرَجَ مَالًا لِيَعْمَلَ هُوَ فِيهِ وَآخَرُ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا صَحَّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، وَيَكُونُ مُضَارَبَةً لِأَنَّ غَيْرَ صَاحِبِ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوطَ بِعَمَلِهِ مِنَ الرِّبْحِ فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْمُضَارَبَةِ (وَقَالَ الْقَاضِي) تَبَعًا لِابْنِ حَامِدٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ (إِذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ ; لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَالِ إِلَى الْمُضَارِبِ، فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ لَمْ يَتَسَلَّمْهُ ; لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا، وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ عَمِلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ رُكْنَيِ الْمُضَارَبَةِ، فَجَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا مَعَ وُجُودِ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْآخَرِ كَالْمَالِ، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي، إِلَى آخِرِهِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا تَقْتَضِي إِطْلَاقَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 شَرَطَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ غُلَامِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. فَصْلٌ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ فَعَلَ صَحَّ وَعَتَقَ وَضَمِنَ ثَمَنَهُ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُ قِيمَتَهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَضْمَنْ، وَيُحْتَمَلْ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَإِنِ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ صَحَّ وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُ، وَإِنِ اشْتَرَى مَنْ   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ رِبْحِهِ، وَهَذَا حَاصِلٌ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعَمَلِ (وَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ غُلَامِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَشْهُرُهُمَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ عَمَلَ الْغُلَامِ فِي مَالِ سَيِّدِهِ يَصِحُّ ضَمُّهُ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ ضَمَّ إِلَيْهِ بَهِيمَتَهُ يَحْمِلُ عَلَيْهَا، وَالثَّانِي لَا ; لَأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِ سَيِّدِهِ، وَعَمَلَهُ كَعَمَلِهِ. [فَصْلٌ لَيْسَ لِلْعَامِلِ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ] فَصْلٌ (وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) أَيْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ; لِأَنَّ فِيهِ ضِررًا، وَلَا حَظَّ لِلتِّجَارَةِ فِيهِ إِذْ هِيَ مَعْقُودَةٌ لِلرِّبْحِ حَقِيقَةً أَوْ مَظِنَّةً، وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ هُنَا (فَإِنْ فَعَلَ صَحَّ) الشِّرَاءُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ ; لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ قَابِلٌ لِلْعُقُودِ، فَصَحَّ شِرَاءُ الْعَامِلِ لَهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى مِنْ نَذْرِ رَبِّ الْمَالِ حُرِّيَّتَهُ إِذَا مَلَكَهُ (وَعَتَقَ) أَيْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْعِتْقِ، وَتَنْفَسِخُ فِيهِ الْمُضَارَبَةُ (وَضَمِنَ) الْعَامِلُ (ثَمَنَهُ) لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْهُ (وَعَنْهُ: يَضْمَنُ قِيمَتَهُ) لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ فِيهِ ثُمَّ تَلِفَ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَ بِفِعْلِهِ (عَلِمَ) أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالشِّرَاءِ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ الْإِتْلَافَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ إِذِ التَّلَفُ حَصَلَ الْمَعْنَى فِي الْمَبِيعِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا لَوِ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ فَتَلِفَ بِهِ، وَفِي " الشَّرْحِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَإِنَّ عَلِمَ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ) لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْمُضَارَبَةِ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى مَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ، وَالرِّبْحُ فِيهِ، وَمَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَيَّدَهُ فِي " الشَّرْحِ " إِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا ; لِأَنَّ الْعَامِلَ اشْتَرَى مَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْعَاقِدِ، وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَاهُ بِإِذْنِهِ صَحَّ ; لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ لَمْ يُعْتِقْ، وَإِنَّ ظَهَرَ رِبْحٌ، فَهَلْ يَعْتِقُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِنَفْسِهِ، فَكَذَا نَائِبُهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ دَيْنٌ، يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ وَمَا فِي يَدِهِ، وَقُلْنَا: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَعَلَيْهِ دَفْعُ قِيمَتِهِ إِلَى الْغُرَمَاءِ ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ بِالْعِتْقِ وَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ كَشِرَائِهِ امْرَأَةَ رَبِّ الْمَالِ (وَإِنِ اشْتَرَى) الْمُضَارِبُ (امْرَأَتَهُ) أَوْ بَعْضَهَا (صَحَّ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا يُمْكِنُ طَلَبُ الرِّبْحِ فِيهِ أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَى أَجْنَبِيَّةً (وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُ) لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِ زَوْجِهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ نِصْفُ الصَّدَاقِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْعَامِلِ ; لِأَنَّهُ سَبَبُ تَقْرِيرِهِ عَلَيْهِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَفْسَدَتِ امْرَأَتُهُ نِكَاحَهَا بِالرَّضَاعِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". فَرْعٌ: إِذَا اشْتَرَى زَوْجُ رَبَّةِ الْمَالِ صَحَّ، وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا يَفُوتُ مِنَ الْمَهْرِ وَيَسْقُطُ مِنَ النَّفَقَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعُودُ إِلَى الْمُضَارَبَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شِرَائِهِ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ بِعَيْنِ الْمَالِ. (وَإِنِ اشْتَرَى) الْمُضَارِبُ (مَنْ يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ لَمْ يُعْتِقْ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ، وَقِيلَ: بَلَى لِسَابِقَتِهِ (وَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ، فَهَلْ يَعْتِقُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ مَتَى يَمْلِكُ الرِّبْحَ، فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالْقِسْمَةِ لَمْ يُعْتِقْ مِنْهُ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالظُّهُورِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَعْتِقُ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ لِكَوْنِ الرِّبْحِ وِقَايَةً لِرَأْسِ الْمَالِ، وَالثَّانِي: ويَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ، فَعُتِقَ عَلَيْهِ أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَاهُ بِمَالِهِ، وَإِنِ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْعَبْدُ بَاقٍ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ ظَاهِرًا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا تَعَدَّى الْمُضَارِبُ بِالشَّرْطِ، أَوْ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ، أَوْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ ضَمِنَ الْمَالَ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَرِبْحُهُ لِمَالِكِهِ، وَقِيلَ: لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَعَنْهُ: لَهُ الْأَقَلُّ مِنْهَا، أَوْ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ، وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقَانِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ، وَقِيلَ: إِنِ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ بَطَلَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالنَّمَاءُ لِلْبَائِعِ، وَعَنْهُ: إِنْ أَجَازَهُ رَبُّهُ صَحَّ، وَمَلَكَ النَّمَاءَ وَإِلَّا بَطَلَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ لِآخَرَ إِذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ نَصِيبَهُ مِنَ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ   [المبدع في شرح المقنع] [تَصَرُّفُ الْمُضَارِبِ فِي مَالِ الشَّرِيكِ بِالْمُضَارَبَةِ أَوِ الشِّرَاءِ] (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ) أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْإِذْنِ لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ صَحَّ وَكَانَ لَهُ، وَهَلْ يَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ رَبِّ الْمَالِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ (أَنْ يُضَارِبَ لِآخَرَ إِذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ) وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ كَكَوْنِ الْمَالِ الثَّانِي كَثِيرًا، فَيَسْتَوْعِبُ زَمَانَهُ، فَيَشْغَلُهُ عَنْ تِجَارَةِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ بِجَوَازِهِ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَمْلِكُ بِهِ مَنَافِعَهُ كُلَّهَا، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْمُضَارَبَةِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، وَكَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْحَظِّ وَالنَّمَاءِ، فَإِذَا فَعَلَ مَا يَمْنَعُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ كَمَا لَوْ أَرَادَ التَّصَرُّفَ بالغَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَكَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهَا (فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ نَصِيبَهُ مِنَ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي اسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَيَنْظُرُ فِي الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ، فَيَدْفَعُ إِلَى رَبِّ مَالِهَا مِنْهُ نَصِيبَهُ ; لِأَنَّ الْعُدْوَانَ مِنَ الْمُضَارِبِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ رَبِّ الْمَالِ الثَّانِي، وَيَأْخُذُ الْمُضَارِبَ نَصِيبَهُ مِنَ الرِّبْحِ، فَيَضُمُّهُ إِلَى رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى، فَيَقْتَسِمَانِهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": النَّظَرُ يَقْتَضِي أَنَّ رَبَّ الْمُضَارَبَةِ الأولى لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ رِبْحِ الثَّانِيَةِ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِمَالٍ، أَوْ عَمِلٍ، وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ، وَتَعَدِّي الْمُضَارِبِ بِتَرْكِ الْعَمَلِ، وَاشْتِغَالُهُ عَنِ الْمَالِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ عِوَضًا كَمَا لَوِ اشْتَغَلَ بِالْعَمَلِ فِي مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ آجَرَ نَفْسَهُ. لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ (وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ) هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ كَشِرَائِهِ مِنْ وَكِيلِهِ (وَعَنْهُ: يَصِحُّ) صَحَّحَهَا الْأَزَجِيُّ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُضَارِبِ، فَجَازَ شِرَاؤُهُ مِنْهُ كَمُكَاتِبِهِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا تُجِبُ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ الشِّرَاءَ مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْمَنْصُوصِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 شَيْئًا لِنَفْسِهِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ شِرَاءُ السَّيِّدِ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ صَحَّ، وَإِنِ اشْتَرَى الْجَمِيعَ بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ، وَفِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَجْهَانِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْجَمِيعِ وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ نَفَقَةٌ إِلَّا بِشَرْطٍ فَإِنْ شَرَطَهَا لَهُ وَأَطْلَقَ فَلَهُ جَمِيعُ نَفَقَتِهِ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ بِالْمَعْرُوفِ،   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ: إِنْ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً فَهُوَ أَعْجَبُ إِلَيَّ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ رِبْحه، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ; لِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ، فَصَحَّ كَشِرَاءِ الْوَكِيلِ مِنْ مُوَكِّلِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ فَلَا (وَكَذَلِكَ شِرَاءُ السَّيِّدِ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ) وَقِيلَ: يَصِحُّ إِذَا اسْتَغْرَقَتْهُ الدُّيُونُ ; لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ يَأْخُذُونَ مَا فِي يَدِهِ ; لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُمْ لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ ; لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لَمْ يَزَلْ عَنْهُ، وَاسْتِحْقَاقُ انْتِزَاعِ مَا فِي يَدِهِ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ كَالْمُفْلِسِ (وَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ صَحَّ) لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ، فَصَحَّ شِرَاؤُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ إِلَّا أَنَّ مَنْ عَلِمَ مَبْلَغَ شَيْءٍ لَمْ يَبِعْهُ صُبْرَةً، وَإِلَّا جَازَ بِكَيْلِهِ، أَوْ وَزْنِهِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ الْمَنْعَ فِي غَيْرِ مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ، وَعَلَّلَهُ فِي " النِّهَايَةِ " بِعَدَمِ التَّعْيِينِ فِيهِمَا (وَإِنِ اشْتَرَى الْجَمِيعَ بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَفِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَجْهَانِ) مَبْنِيَّانِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْجَمِيعِ) بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. [لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ نَفَقَةٌ إِلَّا بِشُرُوطٍ] (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ نَفَقَةٌ) لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنَ الرِّبْحِ شَيْئًا، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ غَيْرَهُ إِذْ لَوِ اسْتَحَقَّهَا لَأَفْضَى إِلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَرْبَحْ سِوَى النَّفَقَةِ (إِلَّا بِشَرْطٍ) نَصَّ عَلَيْهِ كَوَكِيلٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوْ عَادَةً، وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيرِهَا قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ (فَإِنْ شَرَطَهَا لَهُ) . قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَشْتَرِطَ نَفَقَةً مَحْدُودَةً، وَلَهُ مَا قُدِّرَ لَهُ مِنْ مَأْكُولٍ، وَمَلْبُوسٍ، وَمَرْكُوبٍ وَغَيْرِهِ (وَأَطْلَقَ) صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ (فَلَهُ جَمِيعُ نَفَقَتِهِ مِنَ الْمَأْكُولِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 وَإِنِ اخْتَلَفَا رَجَعَ فِي الْقُوتِ إِلَى الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَفِي الْمَلْبُوسِ إِلَى أَقَلِّ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي فَاشْتَرَى جَارِيَةً مَلَكَهَا وَصَارَ ثَمَنا قَرْضًا،   [المبدع في شرح المقنع] وَالْمَلْبُوسِ بِالْمَعْرُوفِ) لِأَنَّهُ كَذَلِكَ تَجِبُ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَأْكُولَ فَقَطْ إِلَّا أَنْ يَطُولَ سَفَرُهُ، وَيَحْتَاجَ إِلَى تَجْدِيدِ كُسْوَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُنْفِقُ عَلَى مَعْنَى مَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِالنَّفَقَةِ، وَلَا مُضِرٍّ بِالْمَالِ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى تَقْدِيرِهَا ; لِأَنَّ الْأَسْعَارَ تَخْتَلِفُ (وَإِنِ اخْتَلَفَا رَجَعَ فِي الْقُوتِ إِلَى الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَفِي الْمَلْبُوسِ إِلَى أَقَلِّ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ) وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ; لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، فَيَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إِلَيْهِ كَمَا انْصَرَفَ إِلَيْهِ فِي الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ فِيهِمَا إِلَى قُوتِ مِثْلِهِ، وَمَلْبُوسِ مِثْلِهِ كَالزَّوْجَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ ". مَسْأَلَةٌ: لَوْ كَانَ مَعَهُ مُضَارَبَةٌ ثَانِيَةٌ، أَوْ مَالٌ لِنَفْسِهِ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ إِلَّا أَنْ يَشْرُطَ أَحَدُهُمَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، فَلَوْ لَقِيَهُ بِبَلَدٍ أَذِنَ فِي سَفَرِهِ إِلَيْهِ، وَقَدْ نَضَّ الْمَالُ فَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ فِي وَجْهٍ، وَجَزَمَ فِي " الشَّرْحِ " بِخِلَافِهِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ مَا دَامَ فِي الْقِرَاضِ، وَقَدْ زَالَ فَزَالَتْ. (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي فَاشْتَرَى) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (جَارِيَةً مَلَكَهَا) لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي، وَالْإِذْنُ فِيهِ يَسْتَدْعِي الْإِذْنَ فِي الْوَطْءِ ; لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِمِلْكٍ، أَوْ نِكَاحٍ (وَصَارَ ثَمَنا قَرْضًا) فِي ذِمَّتِهِ (نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَبَرُّعِهِ بِهِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ قَرْضًا ; لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَنَقَلَ يَعْقُوبُ اعْتِبَارَ تَسْمِيَةِ ثَمَنِهَا، وَعَنْهُ: لَهُ التَّسَرِّي بِإِذْنِهِ، أَيْ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ مَجَّانًا، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ الْأَوَّلَ، وَهُوَ عِنْدَ الْقَاضِي رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. تَنْبِيهٌ: إِذَا وَطِئَ جَارِيَةً مِنَ الْمَالِ عُزِّرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُحَدُّ قَبْلَ الرِّبْحِ، ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ إِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ عُزِّرَ، وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ، وَقِيمَتُهَا إِنْ أَوْلَدَهَا، وَإِلَّا حَدُّ عَالِمٍ، وَنَصُّهُ يُعَزَّرُ، وَيَسْقُطُ مِنَ الْمَهْرِ وَالْقِيمَةِ قَدْرُ حَقِّ الْعَامِلِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ وَطْءُ الْأَمَةِ، وَلَوْ عُدِمَ الرِّبْحُ لِأَنَّهُ يُنْقِصُهَا إِنْ كَانَتْ بِكْرًا، أَوْ يُعَرِّضُهَا لِلْخُرُوجِ مِنَ الْمُضَارَبَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ رِبْحٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ، وَإِنِ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ فَرَبِحَ فِي إِحْدَاهُمَا وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى أَوْ تَلِفَتْ جُبِرَتِ الْوَضِيعَةُ مِنَ الرِّبْحِ وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ انْفَسَخَتْ فِيهِ الْمُضَارَبَةُ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ   [المبدع في شرح المقنع] وَالتَّلَفِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحَبَلَهَا صَارَتْ أَمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَهُوَ حُرٌّ ; لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَتَخْرُجُ مِنَ الْمُضَارَبَةِ، وَتُحْسَبُ قِيمَتُهَا، وَيُضَافُ إِلَيْهِ بَقِيَّةُ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَلِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْهُ. [لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ رِبْحٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ] (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ رِبْحٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَ شَيْءٍ مِنَ الرِّبْحِ حَتَّى يُسَلِّمَ رَأْسَ الْمَالِ إِلَى رَبِّهِ، فَمَتَى كَانَ فِيهِ رِبْحٌ، وَخُسْرَانٌ جُبِرَتِ الْوَضِيعَةُ مِنَ الرِّبْحِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاضِلُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَمَا لَمْ يَفْضُلْ فَلَيْسَ بِرِبْحٍ، فَلَوْ كَانَ مِائَةً، فَخَسِرَ عَشَرَةً ثُمَّ أَخَذَ رَبُّهُ عَشَرَةً نَقَصَ بِهَا، وَقِسْطُهَا مِمَّا خَسِرَ دِرْهَمٌ وَتُسْعٌ، وَيَبْقَى رَأْسُ الْمَالِ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ وَثَمَانِيَةَ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ، وَلَوْ رَبِحَ فِيهَا عِشْرِينَ فَأَخَذَهَا رَبُّ الْمَالِ، فَقَدْ أَخَذَ سُدُسَهُ فَنَقَصَ رَأْسُ الْمَالِ سُدُسُهُ، وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ، وَحَظُّهَا مِنَ الرِّبْحِ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ. فَرْعٌ: يُحْسَبُ مِنَ الرِّبْحِ الْمَهْرُ، وَالثَّمَرَةُ، وَالْأُجْرَةُ، وَأَرْشُ الْعَيْبِ، وَكَذَا نِتَاجُ الْحَيَوَانِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ (وَإِنِ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ فَرَبِحَ فِي إِحْدَاهُمَا وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى أَوْ تَلِفَتْ) إِحْدَاهُمَا (جُبِرَتِ الْوَضِيعَةُ مِنَ الرِّبْحِ) أَيْ وَجَبَ جَبْرُ الْخُسْرَانِ مِنَ الرِّبْحِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ شَيْئًا إِلَّا بَعْدَ كَمَالِ رَأْسِ الْمَالِ ; لِأَنَّهَا مُضَارَبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا إِذَا تَعَيَّبَ، أَوْ نَزَلَ سِعْرُهُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: وَقَبْلَهُ جُبِرَتِ الْوَضِيعَةُ مِنْ رِبْحِ بَاقِيهِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ نَاضًّا، أَوْ تَنْضِيضُهُ مَعَ مُحَاسَبَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَحَرْبٌ إِذَا احْتَسَبَا وَعَلِمَا مَالَهُمَا، وَاحْتَجَّ بِهِ فِي " الِانْتِصَارِ " وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ رِبْحَ رِبْحِهِ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ انْفَسَخَتْ فِيهِ الْمُضَارَبَةُ) وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ الْبَاقِي خَاصَّةً ; لِأَنَّهُ مَالٌ هَلَكَ عَلَى جِهَتِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ أَشْبَهَ التَّالِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفَارَقَ مَا بَعْدَ التَّصَرُّفِ ; لِأَنَّهُ دَارَ فِي التِّجَارَةِ، وَشَرَعَ فِيمَا قُصِدَ بِالْعَقْدِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الرِّبْحِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 ثُمَّ اشْتَرَى سِلْعَةً لِلْمُضَارَبَةِ فَهِيَ لَهُ وَثَمَنُهَا عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يُجِيزَهُ رَبُّ الْمَالِ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا، وَالثَّمَنُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. وَإِذَا ظَهَرَ الرِّبْحُ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَهَلْ يَمْلِكُ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ لَمْ يَخْلِطْهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَتَوَجَّهْ جَوَازُهُ، وَإِنْ أَذِنَ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ فِي الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَدْ نَضَّ الْمَالُ جَازَ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ (وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ ثُمَّ اشْتَرَى سِلْعَةً لِلْمُضَارَبَةِ فَهِيَ لَهُ وَثَمَنُهَا عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْمُضَارَبَةِ لِانْفِسَاخِهَا بِالتَّلَفِ، وَاخْتَصَّ بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْمُضَارَبَةِ لَكَانَ مُسْتَدِينًا عَلَى غَيْرِهِ، وَالِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَا تَجُوزُ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِتَلَفِ الْمَالِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ جَهِلَهُ (إِلَّا أَنْ يُجِيزَهُ رَبُّ الْمَالِ) فَيَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لِلْعَامِلِ بِكُلِّ حَالٍ ; لِأَنَّ هَذَا زِيَادَةٌ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَمْ تَجُزْ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الشِّرَاءِ) قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهَا (فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا) لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِفَسْخِهَا هُوَ التَّلَفُ، وَلَمْ يُوجَدْ حِينَ الشِّرَاءِ، وَلَا قَبْلَهُ (وَالثَّمَنُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ صَادَفَ الْمُضَارَبَةَ بَاقِيَةً بِحَالِهَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَ الْمُشْتَرَى لَهُ، وَالثَّمَنِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلِرَبِّ السِّلْعَةِ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالثَّمَنِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَامِلِ وَيَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ الثَّمَنَ دُونَ التَّالِفِ ; لِأَنَّهُ تَلِفَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ. مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَ الرِّبْحَ لِلْآخَرِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ تَلَفُهُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ، فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا، وَإِلَّا فَهِيَ فِي قَدْرِ ثَمَنِهَا. (وَإِذَا ظَهَرَ الرِّبْحُ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ) لِأُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَأْمَنُ الْخُسْرَانَ الَّذِي يَنْجَبِرُ بِالرِّبْحِ، الثَّانِي: أَنَّ رَبَّ الْمَالِ شَرِيكُهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُقَاسَمَةُ نَفْسِهِ، الثَّالِثُ: أَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ بِعَرَضِيَّةِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ يَدِهِ لِجُبْرَانِ خَسَارَةِ الْمَالِ (إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا، وَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ قِسْمَةُ الرِّبْحِ وَالْعَقْدُ بَاقٍ إِلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا (وَهَلْ يَمْلِكُ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَالْمَجْزُومُ بِهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْهُ بِظُهُورِهِ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ، فَيَثْبُتُ مُقْتَضَاهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ مِنَ الرِّبْحِ، وَكَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 قَبْلَ الْقِسْمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ طَلَبَ الْعَامِلُ الْبَيْعَ فَأَبَى رَبُّ الْمَالِ أُجْبِرَ إِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنِ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ وَالْمَالُ عَرَضٌ فَرَضِيَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ   [المبدع في شرح المقنع] يَمْلِكُ السَّاقِي حِصَّتَهُ مِنَ الثَّمَرَةِ بِظُهُورِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَمْلِكُهُ إِلَّا بِالْقِسْمَةِ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ بِهِ لَاخْتَصَّ بِرِبْحِهِ، وَلَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِرَبِّ الْمَالِ كَشَرِيكَيِ الْعِنَانِ، وَلِأَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِالْمَالِ كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاوِيهِ فَأَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ عَتَقَا وَلَمْ يَضْمَنْ لِلْعَامِلِ شَيْئًا، ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَوِ اشْتَرَى قَرِيبَهُ فَعَتَقَ لَزِمَهُ حِصَّتُهُ مِنَ الرِّبْحِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَالثَّالِثَةُ: يَمْلِكُهُ بِالْمُحَاسَبَةِ وَالتَّنْضِيضِ، وَالْفَسْخِ، فَعَلَى الْأُولَى لَا يَسْتَقِرُّ كَشَرْطِهِ وَرِضَاهُ بِضَمَانِهِ، وَفِي عِتْقِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: - وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ - وَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِتْلَافُ الْمَالِكِ كَالْقِسْمَةِ، فَيَغْرَمُ نَصِيبَ الْآخَرِ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيِّ. (وَإِنْ طَلَبَ الْعَامِلُ الْبَيْعَ فَأَبَى رَبُّ الْمَالِ أُجْبِرَ) أَيْ عَلَى الْبَيْعِ (إِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ حَقَّ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِالْبَيْعِ، فَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ لَمْ يُجْبَرِ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْبَيْعِ ; لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَامِلِ فِيهِ، وَقَدْ رَضِيَهُ مَالِكُهُ كَذَلِكَ فَلَم يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ، وَقِيلَ: يُجْبَرُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا زَادَ فِيهِ رَاغِبٌ، فَزَادَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ، فَيَكُونُ لِلْعَامِلِ فِيهِ حَظٌّ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا حَصَلَتْ بَعْدَ الْفَسْخِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهَا الْعَامِلُ، فَعَلَى تَقْدِيرِ الْخَسَارَةِ يَتَّجِهُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ. فَرْعٌ: لِلْعَامِلِ شِرَاءُ الْبَعْضِ مِنَ الْمَالِكِ إِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا، وَكَذَا مِنْ نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ مُطْلَقًا. (وَإِنِ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ وَالْمَالُ عَرَضٌ فَرَضِيَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ عَرَضًا) أَيْ فَلَهُ تَقْوِيمُهُ، وَدَفْعُ حِصَّتِهِ ; لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْبَيْعَ عَنِ الْمُضَارِبِ، وَأَخَذَ الْعُرُوضَ بِثَمَنِهَا الَّذِي يُحَصَّلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ يَمْلِكُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةً، فَإِنِ ارْتَفَعَ السِّعْرُ لَمْ يُطَالِبْهُ بِقِسْطِهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَوْ قَصَدَ رَبُّ الْمَالِ الْحِيلَةَ لِيَخْتَصَّ بِالرِّبْحِ بِأَنْ كَانَ الْعَامِلُ اشْتَرَى خَزًّا فِي الصَّيْفِ لِيَرْبَحَ فِي الشِّتَاءِ، أَوْ يَرْجُوَ دُخُولَ مَوْسِمٍ أَوْ قَفَلٍ أَنَّ حَقَّهُ يَبْقَى فِي الرِّبْحِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: أَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحِيَلَ لَا أَثَرَ لَهَا (أَوْ طَلَبَ) رَبُّ الْمَالِ (الْبَيْعَ، فَلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 بِمَالِهِ عَرَضًا أَوْ طَلَبَ الْبَيْعَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا لَزِمَ الْعَامِلَ تَقَاضِيهِ، وَإِنْ قَارَضَ فِي الْمَرَضِ فَالرِّبْحُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى سَائِرِ   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ) أَيْ يُجْبَرُ الْعَامِلُ عَلَى بَيْعِهِ، وَقَبْضِ ثَمَنِهِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ، هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ; لِأَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ الْمَالِ نَاضًّا كَمَا أَخَذَهُ، وَالثَّانِي: لَا يُجْبَرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، أَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ بِالْفَسْخِ زَالَ تَصَرُّفُهُ، وَصَارَ أَجْنَبِيًّا مِنَ الْمَالِ، أَشْبَهَ الْوَكِيلَ إِذَا اشْتَرَى مَا يَسْتَحِقُّ الرَّدَّ، فَأَخَّرَهُ حَتَّى زَالَتِ الْوَكَالَةُ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ فَفِي اسْتِقْرَارِهِ بِالْفَسْخِ وَجْهَانِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ: يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرَ فَصَارَ دَرَاهِمَ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَكَعَرَضٍ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إِنْ قُلْنَا هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قِيمَةُ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَا فَرْقَ لِقِيَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مَقَامَ الْآخَرِ، وَإِذَا نَضَّ رَأْسُ الْمَالِ لَمْ يَلْزَمِ الْعَامِلَ أَنْ يَنِضَّ لَهُ الْبَاقِيَ ; لِأَنَّهُ شَرِكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ صِحَاحًا فَنَضَّ قِرَاضَةً أَوْ مُكَسَّرَةً لَزِمَ الْعَامِلَ رَدُّهَا إِلَى الصِّحَاحِ، فَيَبِيعُهَا بِصِحَاحٍ أَوْ بِعَرَضٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِهِ (وَإِنْ كَانَ دَيْنًا لَزِمَ الْعَامِلَ تَقَاضِيهِ) مُطْلَقًا أَيْ إِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ أَوْ لَا ; لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي رَدَّ الْمَالِ عَلَى صِفَتِهِ، وَالدُّيُونُ لَا تَجْرِي مَجْرَى النَّاضِّ، فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ ظَهَرَ رِبْحٌ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي قَدْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلًا، وَذِكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ عَلَى حَالِهِ إِنْ فَسَخَ بِلَا إِذْنِهِ، قَالَ: وَكَذَا شَرِيكًا (وَإِنْ قَارَضَ فِي الْمَرَضِ) صَحَّ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَنْبَغِي فِيهِ الْفَضْلُ أَشْبَهَ الْمُعَاوَضَةَ (فَالرِّبْحُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ ثُلُثِهِ (وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ) لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ فِيمَا يُوجَدُ مِنْهُ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْعَامِلِ وَلَا يُزَاحِمُ بِهِ أَصْحَابَ الْوَصَايَا ; لِأَنَّهُ لَوْ أَقْرَضَ الْمَالَ كَانَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمُقْتَرِضِ، فَبَعْضُهُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ حَابَى الْأَجِيرَ فِي الْأَجْرِ، فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ بِالْمُحَابَاةِ مِنْ ثُلُثِهِ ; لَأَنَّ الْأَجْرَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ (وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ) أَيْ إِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ، فَكَانَ شَرِيكًا فِيهِ، وَلِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الْمَالِ لَا الذِّمَّةِ، فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ كَالْجِنَايَةِ، أَوْ يُقَالُ: حَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَكَانَ أَسْبَقَ، فَقُدِّمَ كَالرَّهْنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 الْغُرَمَاءِ. وَإِنْ مَاتَ الْمُضَارِبُ وَلَمْ يُعْرَفْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ. فَصْلٌ وَالْعَامِلُ أَمِينٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ هَلَاكٍ وَخُسْرَانٍ، وَمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا شَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، فَقِيلَ: مِثْلُهَا ; لِأَنَّ الثَّمَرَةَ تُخْرَجُ عَنْ مِلْكِهِمَا كَالرِّبْحِ، وَقِيلَ: مِنْ ثُلُثِهِ كَالْأَجِيرِ. [مَاتَ الْمُضَارِبُ وَلَمْ يُعْرَفْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ] (وَإِنْ مَاتَ الْمُضَارِبُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ غَيْرَ فَجْأَةٍ (وَلَمْ يُعْرَفْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ) أَيْ جُهِلَ (فَهُوَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ) أَيْ صَاحِبُهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَخْفَاهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَكَأَنَّهُ غَاصِبٌ، فَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، وَكَمَا لَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا مَأْيُوسًا مِنْ بُرْئِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " (وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا فِي تَرِكَتِهِ، وَفِيهَا فِي " التَّرْغِيبِ " إِلَّا أَنْ يَمُوتَ فَجْأَةً، وَزَادَ فِي " التَّلْخِيصِ " أَوْ يُوصِيَ إِلَى عَدْلٍ. وَيَذْكُرَ جِنْسَهَا كَقَوْلِهِ قَمِيصٌ، فَلَمْ يُوجَدْ وَإِنْ مَاتَ وَصِيٌّ، وَجُهِلَ بَقَاءُ مَالِ مُوَلِّيهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ كَذَلِكَ، قَالَ شَيْخُنَا: هُوَ فِي تَرِكَتِهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ مُنِعَ الْمُضَارِبُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَارِثِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ بَقَاءُ الْعَامِلِ عَلَى قِرَاضِهِ ; لِأَنَّهُ إِتْمَامٌ لَهُ لَا ابْتِدَاءَ قِرَاضٍ، وَحَكَى الْقَاضِي وَجْهًا - وَفِي " الْمُغْنِي " هُوَ أَقِيسُ - بُطْلَانَهُ ; لِأَنَّ الْقِرَاضَ قَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا ابْتِدَاءُ قِرَاضٍ عَلَى عُرُوضٍ، نَعَمْ لَوْ كَانَ نَاضًّا كَانَ ابْتِدَاءَ قِرَاضٍ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لِلْعَامِلِ الْبَيْعُ حَتَّى يَنِضَّ الْمَالُ، وَيَظْهَرَ الرِّبْحُ إِلَّا أَنْ يَخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ تَقْوِيمَهُ وَدَفْعَ الْخُصُومَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُضَارَبَةَ، وَالْمَالُ عَرَضٌ، فَمُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ، أَوْ جُنَّ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ نَاضًّا جَازَ، وَكَذَا إِنْ كَانَ عَرَضًا فِي قَوْلٍ، وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَقْرِيرَ وَارِثِهِ، فَمُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَلَا يَبِيعُ عَرَضًا بِلَا إِذْنِهِ فَيَبِيعُهُ حَاكِمٌ، وَيُقْسَمُ الرِّبْحُ. [فَصْلٌ الْعَامِلُ أَمِينٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ هَلَاكٍ أَوْ خُسْرَانٍ] فَصْلٌ (وَالْعَامِلُ أَمِينٌ) لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ لَا لِمَحْضِ مَنْفَعَتِهِ، فَكَانَ أَمِينًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْقِرَاضِ، وَمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ فِي رَدِّهِ إِلَيْهِ، وَالْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ لِلْعَامِلِ، وَفِي الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ نَسَاءً أَوِ الشِّرَاءِ بِكَذَا،   [المبدع في شرح المقنع] كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ، فَإِنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَتِهِ خَاصَّةً (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ هَلَاكٍ وَخُسْرَانٍ) لِأَنَّ تَأْمِينَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ مُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إِجْمَاعًا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَذَكَرَ الْحُلْوَانِيُّ فِيهِ رِوَايَاتٍ كَعِوَضِ كِتَابَةٍ، وَالثَّالِثَةُ يَتَحَالَفَانِ، وَجَزَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ بِقَوْلِ رَبِّ الْمَالِ، (وَمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْقِرَاضِ) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي نِيَّتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيمَا نَوَاهُ كَنِيَّةِ الزَّوْجِ فِي كِنَايَةِ الطَّلَاقِ، فَلَوِ اشْتَرَى شَيْئًا، فَقَالَ الْمَالِكُ: كُنْتُ نَهَيْتُكَ عَنْ شِرَائِهِ، فَأَنْكَرَهُ الْعَامِلُ قُبِلَ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّهْيِ، وَكَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ رَبِحَ أَمْ لَا (وَمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ) أَوْ تَفْرِيطٍ لِمَا ذَكَرْنَا (وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ) مَعَ يَمِينِهِ (فِي رَدِّهِ إِلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَلِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُنْكِرٌ، فَقُدِّمَ قَوْلُهُ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ ; لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَمُعْظَمُ النَّفْعِ لِرَبِّ الْمَالِ، فَالْعَامِلُ كَالْمُودَعِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى الْوَكِيلِ الرَّدَّ إِذَا كَانَ بِجُعْلٍ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَالْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ لِلْعَامِلِ) أَيْ إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَشْرُوطِ بَعْدَ الرِّبْحِ قُدِّمَ قَوْلُ الْمَالِكِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَسِنْدِيٍّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ ; لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الْعَامِلُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَكَقَبُولِهِ فِي صِفَةِ خُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ (وَفِي الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ نَسَاءً أَوِ الشِّرَاءِ بِكَذَا) أَيْ إِذَا أَنْكَرَ رَبُّ الْمَالِ بِأَنْ قَالَ: إِنَّمَا أَذِنْتُ فِي الْبَيْعِ حَالًّا، وَفِي الشِّرَاءِ بِثَلَاثَةٍ، قُدِّمَ قَوْلُهُ، وَحَكَاهُ فِي " الشَّرْحِ " قَوْلًا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ، فَكَذَا فِي صِفَتِهِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: نَهَيْتُكَ عَنْ شِرَاءِ عَبْدٍ، فَأَنْكَرَ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْبَيْعِ نَسَاءً، وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ لَا نَعْرِفُ بِهِ رِوَايَةً وَلَا وَجْهًا. غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ " الْمُسْتَوْعِبِ " حَكَى بَعْدَ هَذَا أَنَّ ابْنَ أَبِي مُوسَى قَالَ: وَيَتَّجِهُ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَامِلِ إِنِ ادَّعَى أُجْرَةَ الْمِثْلِ. وَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ: رَبِحْتُ أَلْفًا ثُمَّ خَسِرْتُهَا أَوْ هَلَكَتْ، قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ: غَلِطْتُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ.   [المبدع في شرح المقنع] يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ، فَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ وَجْهٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْإِذْنِ فِي الْمِقْدَارِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الْعَامِلِ، وَالْأَصْلُ يَنْفِي قَوْلَهُ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ لِوُجُودِ مُقْتَضَاهُ بِخِلَافِ الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ نَسَاءً، فَإِنَّ فِيهِ قَرِينَةً تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الْعَامِلِ، فَعَارَضَتِ الْأَصْلَ إِذْ عَقْدُ الْمُضَارَبَةَ يَقْتَضِي الرِّبْحَ وَالنَّسَاءُ مَظِنَّتُهُ (وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَامِلِ إِنِ ادَّعَى أُجْرَةَ الْمِثْلِ) زَادَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " تَبَعًا لِابْنِ عَقِيلٍ: أَوْ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُهُ، فَلَوِ ادَّعَى أَكْثَرَ قُبِلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ، كَالزَّوْجَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الصَّدَاقِ (وَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ: رَبِحْتُ أَلْفًا ثُمَّ خَسِرْتُهَا أَوْ هَلَكَتْ، قُبِلَ قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَالْوَكِيلِ الْمُتَبَرِّعِ (وَإِنْ قَالَ: غَلِطْتُ) أَوْ كَذَبْتُ، أَوْ نَسِيتُ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مُقِرٌّ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ إِقْرَارِهِ كَدَعْوَاهُ اقْتِرَاضًا تُمِّمَ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ لِأَمَانَتِهِ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ وَمُهَنَّا: إِذَا أَقَرَّ بِرِبْحٍ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ أُعْطِيكَ مِنْ رَأْسِ مَالِكَ، يُصَدَّقُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يُقْبَلَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ لِلْغَلَطِ، فَإِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ قُبِلَ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى. تَنْبِيهٌ: إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ مَبْلَغًا يَتَّجِرُ فِيهِ، فَرَبِحَ، فَقَالَ الْعَامِلُ: هُوَ قَرْضٌ رِبْحُهُ لِي، وَقَالَ الْمَالِكُ: هُوَ قِرَاضٌ رِبْحُهُ بَيْنَنَا، قُبِلَ قَوْلُ الْمَالِكِ ; لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَكَانَ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي صِفَةِ خُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ، فَإِذَا حَلَفَ قُسِمَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ، وَلِلْعَامِلِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا شُرِطَ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ، أَوْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً. فَنَصُّ أَحْمَدَ أَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ، وَيُقْسَمُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْأَزَجِيِّ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " تَقَدُّمَ بَيِّنَةِ عَامِلٍ ; لِأَنَّهُ خَارِجٌ، وَقِيلَ عَكْسُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 فَصْلٌ الثَّالِثُ: شَرِكَةُ الْوُجُوهِ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِجَاهِهِمَا دَيْنًا فَمَا رَبِحَا فَهُوَ بَيْنُهُمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ صَاحِبِهِ كَفِيلٌ عَنْهُ بِالثَّمَنِ، وَالْمِلْكُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِيهِ، وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا، وَهُمَا فِي التَّصَرُّفَاتِ كَشَرِيكَيِ الْعِنَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّالِثُ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ] فصل (الثَّالِثُ: شَرِكَةُ الْوُجُوهِ) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهُمَا يُعَامِلَانِ فِيهَا بِوَجْهِهِمَا، وَالْجَاهُ وَالْوَجْهُ وَاحِدٌ، يُقَالُ: فُلَانٌ وَجِيهٌ إِذَا كَانَ ذَا جَاهٍ، وَهِيَ جَائِزَةٌ إِذْ مَعْنَاهَا وَكَالَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي الشِّرَاءِ، وَالْبَيْعِ، وَالْكَفَالَةِ بِالثَّمَنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مُصْلِحَةٍ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ (وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِجَاهِهِمَا دَيْنًا) أَيْ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا مَالٌ (فَمَا رَبِحَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا) عَلَى مَا شَرَطَاهُ، وَسَوَاءٌ عَيَّنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا يَشْتَرِيهِ، أَوْ قَدَّرَهُ، أَوْ وَقَّتَ، أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ: مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنَنَا صَحَّ (وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ صَاحِبِهِ كَفِيلٌ عَنْهُ بِالثَّمَنِ) لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوِكَالَةِ، وَالْكَفَالَةِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ لِلْآخَرِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ وَيَبِيعُهُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِالثَّمَنِ (وَالْمِلْكُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَلِأَنَّ الْعَقْدَ مَبْنَاهُ عَلَى الْوَكَالَةِ، فَتَقَيَّدَ بِمَا أَذِنَ فِيهِ (وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِيهِ) كَشَرِكَةِ الْعِنَانِ ; لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا (وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ) لِأَنَّ الْعَمَلَ مِنْهُمَا قَدْ يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ، فَكَانَ الرِّبْحُ بِحَسَبِ الشَّرْطِ كَالْعِنَانِ، فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الرِّبْحِ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْمُشْتَرَى، وَإِنْ كَانَ لَهُ نِصْفُهُ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْمُشْتَرَى ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الرِّبْحِ الْمَالُ، فَكُلُّ جُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ بِإِزَاءِ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ، فَإِذَا عُلِمَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مِنَ الرِّبْحِ عُلِمَ قَدْرُ مَا يَمْلِكُهُ مِنَ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا) قَالَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ " ; لِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بِالضَّمَانِ إِذِ الشَّرِكَةُ وَقَعَتْ عَلَيْهِ خَاصَّةً إِذْ لَا مَالَ لَهُمَا، فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ عَلَى الْعَمَلِ، وَالضَّمَانُ لَا تَفَاضُلَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي الْمَالِ وَالْعَمَلِ، فَجَازَ تَفَاضُلُهُمَا فِي الرِّبْحِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَالِ كَشَرِيكَيِ الْعِنَانِ (وَهُمَا فِي التَّصَرُّفَاتِ كَشَرِيكَيِ الْعِنَانِ) يَعْنِي فِيمَا يَجِبُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 فصل الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَكْتَسِبَانِ بِأَبْدَانِهِمَا، فَهِيَ شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ، وَمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْعَمَلِ يَصِيرُ فِي ضَمَانِهِمَا، يُطَالَبَانِ بِهِ وَيَلْزَمُهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي إِقْرَارِهِمَا وَخُصُومَتِهِمَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ، وَهَلْ مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُهُمَا بَيْنَهُمَا أَمْ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ كَوَكَالَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِي عِنَانٍ مِثْلِهِ، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ النِّيَّةَ. فَرْعٌ: إِذَا قَضَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَيْنَهُ ثُمَّ اتَّجَرَ بِوَجْهِهِ، وَأَعْطَى رَبَّ الْمَالِ نِصْفَ الرِّبْحِ، فَنَقَلَ صَالِحٌ: " أَمَّا الرِّبْحُ فَأَرْجُو إِذَا كَانَ مُتَفَضِّلًا عَلَيْهِ. [الضَّرْبُ الرَّابِعُ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ] فَصْلٌ (الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ) وَبَدَأَ بِهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " (وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا) أَيِ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ (فِيمَا يَكْتَسِبَانِ بِأَبْدَانِهِمَا) أَيْ يَشْتَرِكُونَ فِيمَا يَكْتَسِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ، وَصَنَائِعِهِمْ، فَمَا رَزَقَ اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَهُمْ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ (فَهِيَ شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ) نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: اشْتَرَكْتُ أَنَا وَسَعْدٌ وَعَمَّارٌ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءٍ، وَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَمِثْلُهُ لَا يَخْفَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ أَقَرَّهُمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَشْرَكَ بَيْنَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ قُلْتَ: الْمَغَانِمُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ اخْتِصَاصُ هَؤُلَاءِ بِالشَّرِكَةِ فِيهَا. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: غَنَائِمُ بَدْرٍ كَانَتْ لِمَنْ أَخْذَهَا قَبْلَ أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» ، فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُرِكَ بَيْنَهُمْ فِيمَا يُصِيبُونَهُ مِنَ الْأَسْلَابِ وَالنَّفْلِ، وَبِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا جَعَلَ الْغَنِيمَةَ لِنَبِيِّهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْغَنَائِمِ، فَانْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] الْآيَةَ، وَالشَّرِكَةُ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْعَمَلِ يَصِيرُ فِي ضَمَانِهِمَا يُطَالَبَانِ بِهِ وَيَلْزَمُهُمَا عَمَلُهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 عَمَلُهُ، فَهَلْ تَصِحُّ مَعَ اخْتِلَافِ الصَّنَائِعِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَتَصِحُّ فِي الِاحْتِشَاشِ، وَالِاصْطِيَادِ، وَالتَّلَصُّصِ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، فَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ طَالَبَهُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِنِ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ. وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ عَنِ الْقَاضِي احْتِمَالًا: لَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مَا يَلْزَمُ الْآخَرَ كَالْوَكِيلَيْنِ (فَهَلْ تَصِحُّ مَعَ اخْتِلَافِ الصَّنَائِعِ؟) كَقَصَّارٍ مَعَ خَيَّاطٍ (عَلَى وَجْهَيْنِ) الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي تَكَسُّبٍ مُبَاحٍ فَصَحَّ كَمَا لَوِ اتَّفَقَتِ الصَّنَائِعُ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ; لَأَنَّ مُقْتَضَاهَا أَنَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَمَلِ يَلْزَمُهُمَا، وَيُطَالَبَانِ بِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ صَنَائِعِهِمَا ; لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ تَحْصِيلَ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ بِالْأُجْرَةِ، أَوْ بِمَنْ يَتَبَرَّعُ لَهُ بِعَمَلِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ مَحَلُّ عَمَلِهِمَا، وَلَا تَسَاوِيهِمَا فِيهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ دَفْعُهَا إِلَى أَحَدِهِمَا، وَمَنْ تَلِفَ بِيَدِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ فَرَّطَ أَوْ تَعَدَّى ضَمِنَ فَقَطْ، فَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِمَا فِي يَدِهِ قُبِلَ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ ; لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ، وَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ. (وَتَصِحُّ فِي الِاحْتِشَاشِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَاكٌ فِي مَكْسَبٍ مُبَاحٍ كَالْقِصَارَةِ (وَالِاصْطِيَادِ، وَالتَّلَصُّصِ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ) كَالْحَطَبِ وَالثِّمَارِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْجِبَالِ، وَالْمَعَادِنِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِيهِنَّ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ: يَشْتَرِكَانِ فِيمَا يُصِيبَانِ مِنْ سَلَبِ الْمَقْتُولِ ; لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْغَانِمِينَ (فَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) أَيْ إِذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَاهَانَ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَاحْتَجَّ لَهُ الْإِمَامُ بِحَدِيثِ سَعْدٍ، وَسَوَاءٌ تَرَكَ الْعَمَلَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهِ (فَإِنْ طَالَبَهُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِنَفْسِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ تَوْفِيَةً لِلْعَقْدِ مَا يَقْتَضِيهِ فَإِنِ امْتَنَعَ فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 يَحْمِلَا عَلَى دَابَّتَيْهِمَا وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا صَحَّ، وَإِذَا تَقَبَّلَا حَمْلَ شَيْءٍ فَحَمَلَاهُ عَلَيْهِمَا صَحَّتِ الشَّرِكَةُ وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ، وَإِنْ آجَرَاهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا فَلِكُلِّ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: تَصِحُّ شَرِكَةُ شُهُودٍ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ إِنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِعَيْنِهِ، فَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ، وَمُوجَبُ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ التَّسَاوِي فِي الْعَمَلِ وَالْأَجْرِ، وَلَوْ عَمِلَ أَكْثَرَ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ طَالَبَ بِالزِّيَادَةِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي شَرِكَةِ الدَّلَّالِينَ، وَجَزَمَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ - وَهُوَ الْأَشْهَرُ - بِعَدَمِ صِحَّتِهَا ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ وَكَالَةٍ، وَهِيَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَصِحُّ: كَآجِرْ دَابَّتَكَ وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا. (وَإِنِ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَا عَلَى دَابَّتَيْهِمَا وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا صَحَّ) لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي الذِّمَّةِ، وَهُوَ نَوْعُ اكْتِسَابٍ، وَالدَّابَّتَانِ آلَتَانِ أَشْبَهَا الْأَدَاةَ، وَلَوِ اشْتَرَكَا فِي أُجْرَةِ عَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ أَوْ أَنْفُسِهِمَا إِجَارَةً خَاصَّةً لَمْ يَصِحَّ (وَإِذَا تَقَبَّلَا حَمْلَ شَيْءٍ فَحَمَلَاهُ عَلَيْهِمَا) أَوْ عَلَى غَيْرِ الدَّابَّتَيْنِ (صِحَّتِ الشَّرِكَةُ) لِأَنَّ تَقَبُّلَهُمَا الْحَمْلَ أَثْبَتَ الضَّمَانَ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَلَهُمَا أَنْ يَحْمِلَا بِأَيِّ ظَهْرٍ كَانَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَقَبَّلَا قِصَارَةً، فَقَصَرَاهَا بِغَيْرِ أَدَاتِهِمَا (وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ) كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ، وَقِيلَ: نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ أَطْلَقَا (وَإِنْ آجَرَاهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُجْرَةُ دَابَّتِهِ) أَيْ إِذَا آجَرَا دَابَّتَيْهِمَا بِأَعْيَانِهِمَا عَلَى حَمْلِ شَيْءٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَاشْتَرَكَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَاسْتَحَقَّ كُلٌّ مِنْهُمَا أُجْرَةَ دَابَّتِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُ الْحِمْلِ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْمُكْتِرِي مَنْفَعَةَ الْبَهِيمَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا، وَلِهَذَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إِذِ الشَّرِكَةُ إِنَّمَا تَنْعَقِدُ عَلَى الضَّمَانِ فِي ذِمَمِهِمَا، أَوْ عَلَى عَمَلِهِمَا، وَهَذَا لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذَا يَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَصِحُّ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: آجِرْ عَبْدَكَ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا أَرْبَعَةٌ، وَالثَّمَنُ بَيْنَنَا، لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ: بَلَى، وَحَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي " احْتِمَالًا كَمَا لَوِ اشْتَرَكَا فِيمَا يَكْتَسِبَانِ بِأَبْدَانِهِمَا مِنَ الْمُبَاحِ، فَإِنْ أَعَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي التَّحْمِيلِ، وَالنَّقْلِ، فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ; لِأَنَّهَا مَنَافِعُ وَفَّاهَا بِشُبْهَةِ عَقْدٍ. تَنْبِيهٌ: اشْتَرَكَ اثْنَانِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ قِصَارَةٍ، وَلِآخَرَ بَيْتٌ يَعْمَلَانِ بِهَا فِيهِ، صَحَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُجْرَةُ دَابَّتِهِ، وَإِنْ جَمَعَا بَيْنَ شَرِكَةِ الْعِنَانِ، وَالْأَبْداَنِ، وَالْوُجُوهِ، وَالْمُضَارَبَةِ صَحَّ. فَصْلٌ الْخَامِسُ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ، وَهِيَ أَنْ يُدْخِلَا فِي الشَّرِكَةِ الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ   [المبدع في شرح المقنع] ، وَلَوِ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ لِأَحَدِهِمْ دَابَّةٌ، وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ، وَمِنَ الثَّالِثِ الْعَمَلُ عَلَى مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَيَعْمَلُ بِهِ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْعَقْدُ فَاسِدٌ، فَعَلَى هَذَا الْأَجْرُ كُلُّهُ لِلسَّقَّاءِ، وَعَلَيْهِ لِصَاحِبَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُصُولِ " ; لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ شَرِكَةً، وَلَا مُضَارَبَةً ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِهِمَا الْعُرُوضَ، وَلَا إِجَارَةَ لِافْتِقَارِهَا إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَأَجْرٍ مَعْلُومٍ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهَا عَيْنٌ تَنْمى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً لِأَحَدِهِمْ دَابَّةٌ، وَلِآخَرَ رَحًى، وَلِثَالِثٍ دُكَّانٌ، وَمِنَ الرَّابِعِ الْعَمَلُ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: لَوْ دَفَعَ شَبَكَةً إِلَى صَيَّادٍ لِيَصِيدَ بِهَا السَّمَكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَالصَّيْدُ كُلُّهُ لِلصَّيَّادِ، وَلِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ أُجْرَةُ مِثْلِهَا، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ صِحَّتُهَا، فَمَا رَزَقَ اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ ; لِأَنَّهَا عَيْنٌ تنْمى بِالْعَمَلِ فَصَحَّ دَفْعُهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا كَالْأَرْضِ، وَقَفِيزُ الطَّحَّانِ أَنْ يُعْطَى الطَّحَّانُ أَقْفِزَةً مَعْلُومَةً يَطْحَنُهَا بِقَفِيزِ دَقِيقٍ مِنْهَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ. فَرْعٌ: دَفَعَ دَابَّتَهُ إِلَى آخَرَ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، وَمَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ مَا شَرَطَاهُ صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهَا عَيْنٌ تنمى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا، فَصَحَّتْ بِبَعْضِ نَمَائِهَا كَالنَّقْدَيْنِ، وَفِي " الْفُصُولِ " هِيَ مُضَارَبَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهَا فِي الْعُرُوضِ، وَلَيْسَتْ شَرِكَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. (وَإِنْ جَمَعَا بَيْنَ شَرِكَةِ الْعِنَانِ، وَالْأَبْدَانِ، وَالْوُجُوهِ، وَالْمُضَارَبَةِ صَحَّ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَصِحُّ مُنْفَرِدًا فَصَحَّ مَعَ غَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَكَمَا لَوْ ضَمَّ مَاءً طَهُورًا إِلَى مِثْلِهِ، وَهَذَا هُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ. [الضَّرْبُ الْخَامِسُ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ] فَصْلٌ (الْخَامِسُ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ) وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ، يُقَالُ: فَاوَضَهُ مُفَاوَضَةً أَيْ جَازَاهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 كَوِجْدَانِ لُقَطَةٍ أَوْ رِكَازٍ، وَمَا يَحْصُلُ لَهُمَا مِنْ مِيرَاثٍ، وَمَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ. بَابُ الْمُسَاقَاةِ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَفِي كُلِّ شَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ بِبَعْضِ ثَمَرَتِهِ. وَتَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] وَتَفَاوَضُوا فِي الْأَمْرِ أَيْ فَاوَضَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (وَهِيَ أَنْ يُدْخِلَا فِي الشَّرِكَةِ الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ كَوِجْدَانِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ مَصْدَرُ وَجَدَ (لُقَطَةٍ أَوْ رِكَازٍ، وَمَا يَحْصُلُ لَهُمَا مِنْ مِيرَاثٍ، وَمَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فِيهَا الْغَرَرُ، وَلَمْ تَصِحَّ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، فَلَمْ تَصِحَّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَلِأَنَّ حُصُولَ الْكَسْبِ فِيهَا وَهْمٌ، وَلِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ كَفَالَةً وَغَيْرَهَا مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَكَانَتْ بَاطِلَةً، وَالثَّانِي تَفْوِيضُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ شِرَاءً، وَبَيْعًا، وَمُضَارَبَةً، وَتَوْكِيلًا وَابْتِيَاعًا فِي الذِّمَّةِ، وَمُسَافَرَةً بِالْمَالِ، وَارْتِهَانًا، وَضَمَانَ مَا يَرَى مِنَ الْأَعْمَالِ، فَشَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ وَكَذَا لَوِ اشْتَرَكَا فِي كُلِّ مَا ثَبَتَ لَهُمَا أَوْ عَلَيْهِمَا إِنْ لَمْ يُدْخِلَا فِيهَا كَسْبًا نَادِرًا وَغَرَامَةً، وَأَطْلَقَ فِي " الْمُحَرَّرِ " إن شَرطَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي كُلِّ مَا ثَبَتَ لَهُمَا أَوْ عَلَيْهِمَا كَشَرْطٍ فَاسِدٍ، وَذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " قَوْلًا وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ شَرِيكِي فِي كُلِّ مَا يَحْصُلُ لِي بِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ مِنْ إِرْثٍ وَغَيْرِهِ، وَفِيهَا رِوَايَتَانِ، الْمَنْصُورُ لَا يَصِحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُسَاقَاةِ] [مَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ] بَابُ الْمُسَاقَاةِ هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ السَّقْيِ ; لِأَنَّهُ أَهَمُّ أَمْرِهَا، وَكَانَتِ النَّخْلُ بِالْحِجَازِ تُسْقَى نَضْحًا أَيْ مِنَ الْآبَارِ، فَيَعْظُمُ أَمْرُهُ، وَتَكْثُرُ مَشَقَّتُهُ، وَهِيَ عِبَارَةُ أَنْ يَدْفَعَ إِنْسَانٌ شَجَرَهُ إِلَى آخَرَ لِيَقُومَ بِسَقْيِهِ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ لَهُ مِنْ ثَمَرِهِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَلَيْسَ بِجَامِعٍ لِخُرُوجِ مَا يَدْفَعُهُ إِلَيْهِ لِيَغْرِسَهُ، وَيَعْمَلَ عَلَيْهِ، وَلَا بِمَانِعٍ لِدُخُولِ مَا لَهُ ثَمَنٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَالصَّنَوْبَرِ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا السُّنَّةُ، فَمِنْهَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «عَامَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ِأَهْلِ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: عَامَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ِأَهْلِ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ ثُمَّ أَهْلُوهُمْ إِلَى الْيَوْمِ يُعْطُونَ الثُّلُثَ أَوِ الرُّبُعَ، وَهَذَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. (تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ) وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ دَاوُدُ (وَفِي كُلِّ شَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا شَجَرَ لَهُمْ، وَيَحْتَاجُونَ إِلَى الثَّمَرِ فَفِي تَجْوِيزِ الْمُسَاقَاةِ دَفْعُ الْحَاجَتَيْنِ، وَحُصُولُ الْمَنْفَعَةِ لَهُمَا فَجَازَ كَالْمُضَارَبَةِ، وَالْمُنْتَفَعُ بِهِ كَالْمَأْكُولِ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى مَا لَا ثَمَرَ لَهُ كَالْجوزِ، أَوْ لَهُ ثَمَرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَالصَّنَوْبَرِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ إِذْ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ لَكِنْ إِنْ قُصِدَ وَرَقُهُ كَالتُّوتِ، أَوْ زَهْرُهُ كَالْوَرْدِ، فَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثَّمَرَةِ لِكَوْنِهِ يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ، وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ، وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ الْمَنْصُوصَ يَشْمَلُهُ (بِبَعْضِ ثَمَرَتِهِ) أَيْ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ كَالثُّلُثِ وَنَحْوِه لِلْخَبَرِ، لَا عَلَى صَاعٍ، أَوْ آصُعٍ، أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْصُلَ إِلَّا ذَلِكَ، فَيَتَضَرَّرُ الْمَالِكُ، أَوْ يَكْثُرُ الْحَاصِلُ فَيَتَضَرَّرُ الْعَامِلُ، وَتَكُونُ التَّسْمِيَةُ لَهُ ; لِأَنَّ الْمَالِكَ يَسْتَحِقُّ بِالْأَصْلِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ، فَلَوْ شَرَطَ لَهُ ثَمَرَ نَخْلٍ غَيْرِ الَّذِي سَاقَاهُ عَلَيْهِ، أَوْ ثَمَرَةَ سَنَةٍ غَيْرِ الَّذِي سَاقَاهُ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ لِمُخَالَفَةِ مَوْضُوعِهَا، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ السَّقْيِ وَالْبَعْلِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهَا. أَصْلٌ: لَا يُقَالُ ابْنُ عُمَرَ قَدْ رَجَعَ عَمَّا رَوَى لِقَوْلِهِ: «كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى حَدَّثَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ» ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ حَدِيثِ رَافِعٍ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ يُعَامِلُ ِأَهْلِ خَيْبَرَ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى طَاوُسٌ أَنَّ أَعْلَمَهُمْ - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ - أَخْبَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَقَالَ ; «لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَرْضه خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ أَجْرًا مَعْلُومًا» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَدِيثُ رَافِعٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَتَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ فِيمَنْ قَالَ: آجَرْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] قُلْنَا لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: «كُنَّا أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ حَقْلًا، فَكُنَّا نُكْرَيِ الْأَرْضَ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ وَلَهُمْ هَذِهِ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ، فَنَهَانَا عَنْهُ، فَأَمَّا الْوَرَقُ فَلَمْ يَنْهَنَا» ، وَرُجُوعُ ابْنِ عُمَرَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الْفَاسِدَةِ مَعَ أَنَّ فِيهِ اضْطِرَابًا، قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ حَدِيثِ رَافِعٍ، فَقَالَ: يُرْوَى فِيهِ ضُرُوبٌ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. [مَا تَصِحُّ بِهِ الْمُسَاقَاةُ] (وَتَصِحُّ) مِنْ كُلِّ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ) لِأَنَّهَا مَوْضُوعُهَا حَقِيقَةً (وَالْمُعَامَلَةِ) لِقَوْلِهِ: عَامَلَ ِأَهْلِ خَيْبَرَ (وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا) كَفَالَحْتُكَ، وَاعْمَلْ فِي بُسْتَانِي هَذَا حَتَّى تُكْمِلَ ثَمَرَتَهُ ; لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى، فَإِذَا أَتَى بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَيْهِ صَحَّ كَالْبَيْعِ (وَتَصِحُّ) هِيَ وَمُزَارَعَةٌ (بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ لِلْمَعْنَى، فَصَحَّ بِهِ الْعَقْدُ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَالثَّانِي لَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ; لِأَنَّ الْإِجَارَةَ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا لَا يُشْتَرَطُ لِلْمُسَاقَاةِ، وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي اللُّزُومِ وَالْجَوَازِ، فَلَمْ تَصِحَّ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ كَمَا لَا تَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ (وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ فِيمَنْ قَالَ: آجَرْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ) فَعَبَّرَ بِالْإِجَارَةِ عَنِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَمَا يُعَبَّرُ عَنِ الشُّجَاعِ بِالْأَسَدِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ نَهْيُهُ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْإِجَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا الْمُزَارَعَةِ (وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا هِيَ إِجَارَةٌ) لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ بِلَفْظِهَا، فَتَكُونُ إِجَارَةً حَقِيقَةً، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُ الْإِجَارَةِ، وَتَصِحُّ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا كَمَا تَصِحُّ بِالدَّرَاهِمِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ، وَإِنْ صَحَّ إِجَارَةً، أَوْ مُزَارَعَةً، فَلَمْ يَزْرَعْ نَظَرَ إِلَى مُعَدَّلِ الْمُغِلِّ، فَيَجِبُ الْقِسْطُ الْمُسَمَّى فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: هِيَ إِجَارَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَصَحُّ، وَهَلْ تَصِحُّ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَرَةِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَصَحُّ) دَلِيلًا عِنْدَهُ إِذِ الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ قَدْ يُعْدَلُ عَنْ حَقِيقَتِهِ إِلَى مَجَازِهِ لِدَلِيلٍ (وَهَلْ تَصِحُّ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ؟) لَمْ تَكْمُلْ، وَعَلَى زَرْعٍ نَابِتٍ يُنْمى بِالْعَمَلِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَامَلَ ِأَهْلِ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَلِأَنَّ الثَّمَرَةَ إِذَا ظَهَرَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مُضَارَبَتِهِ عَلَى الْمَالِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ، وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ الْأَصَحُّ - الْجَوَازُ ; لِأَنَّهَا إِذَا جَازَتْ فِي الْمَعْدُومِ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهَا فَمَعَ وُجُودِهَا وَقِلَّةِ الْغَرَرِ فِيهَا أَوْلَى، وَمَحَلُّهَا إِذَا بَقِيَ مِنَ الْعَمَلِ مَا تَزِيدُ بِهِ الثَّمَرَةُ كَالتَّأْبِيرِ، وَالسَّقْيِ، وَالْإِصْلَاحِ، فَإِنْ بَقِيَ مَا لَا تَزِيدُ بِهِ كَالْجِدَادِ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ خِلَافٍ (وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ، وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَرَةِ صَحَّ) فِي الْمَنْصُوصِ. قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: إِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: اغْرِسْ فِي أَرْضِي هَذِهِ شَجَرًا، أَوْ نَخْلًا، فَمَا كَانَ مِنْ غَلَّةٍ فَلَكَ بِعَمَلِكَ كَذَا، فَإِجَارَةٌ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ خَيْبَرَ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ وَعِوَضَهُ مَعْلُومَانِ، فَصَحَّتْ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرٍ مَوْجُودٍ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْغِرَاسُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ كَالْمُزَارَعَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَامِلِ، فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُزَارَعَةِ إِذَا شَرَطَ الْبَذْرَ مِنَ الْعَامِلِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُعَامَلَةُ بَاطِلَةٌ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَكْلِيفِهِ قَلْعَهَا وَيَضْمَنُ لَهُ نَقْصَهَا، وَبَيْنَ تَرْكِهَا فِي أَرْضِهِ، وَيُدْفَعُ إِلَيْهِ قِيمَتَهَا، فَإِنِ اخْتَارَ الْعَامِلُ قَلْعَ شَجَرِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ بَذَلَ لَهُ الْقِيمَةَ أَوْ لَا ; لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَحْوِيلِهِ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى إِبْقَاءِ الْغِرَاسِ وَدَفْعِ أَجْرِ الْأَرْضِ جَازَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ نَصِّهِ أَنَّهَا تَصِحُّ بِجُزْءٍ مِنَ الشَّجَرِ، وَبِجُزْءٍ مِنْهُمَا كَالْمُزَارَعَةِ، وَهِيَ الْمُغَارَسَةُ وَالْمُنَاصَبَةُ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَالْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذِكْرُهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ كَانَ مَغْرُوسًا، وَلَوْ كَانَ نَاظِرَ وَقَفٍ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِنَاظِرٍ بَعْدَهُ بِيعُ نَصِيبِ الْوَقْفِ بِلَا حَاجَةٍ، وإنَّ لِحَاكِمٍ الْحُكْمَ بِلُزُومِهَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَقَطْ، وَالْحُكْمَ بِهِ مِنْ جِهَةِ عِوَضِ الْمِثْلِ، وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ ; لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 صَحَّ. وَالْمُسَاقَاةُ عَقْدٌ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى ذِكْرِ مُدَّةٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، فَمَتَى انْفَسَخَتْ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ فَسَخَ الْعَامِلُ قَبْلَ ظُهُورِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَقِيلَ: هِيَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ اعْتِبَارُ بَيِّنَةٍ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، فَلَوْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ بَيْنَهُمَا، فَذَلِكَ فَاسِدٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. فَرْعٌ: عَمِلَا فِي شَجَرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَشَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي ثَمَرِهِ صَحَّ كَاشْتِرَاطِ الْعَامِلِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ جُزْءًا مَعْلُومًا، وَكَتَعَدُّدِهِ، وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ مَعْلُومًا كَالْبَيْعِ، فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمُسَاقَاتِهِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ. [لَا تَفْتَقِرُ الْمُسَاقَاةُ إِلَى ذِكْرِ مُدَّةٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ فَسْخُهَا] (وَالْمُسَاقَاةُ عَقْدٌ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) وَكَذَا الْمُزَارَعَةُ، أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْأَكَّارِ يَخْرُجُ مِنَ الضَّيْعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ صَاحِبُهَا فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَضِيَّةِ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» وَلَوْ كَانَ لَازِمًا لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ، وَلَا أَنْ يَجْعَلَ الْخِيَرَةَ إِلَيْهِ فِي مُدَّةِ إِقْرَارِهِمْ، وَلِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى جُزْءٍ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ فَكَانَتْ جَائِزَةً كَالْمُضَارَبَةِ (لَا تَفْتَقِرُ إِلَى ذِكْرِ مُدَّةٍ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَضْرِبْ لِأَهْلِ خَيْبَرَ مُدَّةً، وَلَا خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَكَمَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ لَفْظًا (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا) لِأَنَّهُ شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ (فَمَتَى انْفَسَخَتْ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا) عَلَى مَا شَرَطَاهُ ; لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكَيْهِمَا، وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ تَمَامُ الْعَمَلِ كَالْمُضَارِبِ (وَإِنْ فَسَخَ الْعَامِلُ قَبْلَ ظُهُورِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهُ رَضِيَ إِسْقَاطَ حَقِّهِ فَهُوَ كَعَامِلِ الْمُضَارَبَةِ وَالْجُعَالَةِ (وَإِنْ فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ) أَيْ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ (فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ; لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ إِتْمَامِ عَمَلِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِوَضَ كَجُعَالَةٍ، وَفَارَقَ رَبَّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 عَقْدٌ لَازِمٌ يَفْتَقِرُ إِلَى ضَرْبِ مُدَّةٍ يَكْمُلُ فِيهَا الثَّمَرُ، وَإِنْ جَعَلَا مُدَّةً لَا يَكْمُلُ فِيهَا لَمْ تَصِحَّ، وَهَلْ لِلْعَامِلِ أُجْرَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ جَعَلَا مُدَّةً قَدْ تَكْمُلُ فِيهَا وَقَدْ لَا تَكْمُلُ فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ، فَهَلْ لِلْعَامِلِ أُجْرَةٌ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا فَسَخَهَا قَبْلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ ; لِأَنَّ هَذَا يُفْضِي إِلَى ظُهُورِ الثَّمَرَةِ غَالِبًا، فَلَوْلَا الْفَسْخُ لَظَهَرَتِ الثَّمَرَةُ، فَمَلَكَ نَصِيبَهُ مِنْهَا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ إِفْضَاؤُهَا إِلَى الرِّبْحِ (وَقِيلَ: هِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَكَانَ لَازِمًا كَالْإِجَارَةِ، إِذْ لَوْ كَانَتْ جَائِزَةً لَمَلَكَ رَبُّ الْمَالِ فَسْخَهَا إِذَا ظَهَرَتْ، فَيَسْقُطُ سَهْمُ الْعَامِلِ فَيَتَضَرَّرُ (يَفْتَقِرُ إِلَى ضَرْبِ مُدَّةٍ يَكْمُلُ فِيهَا الثَّمَرُ) لِأَنَّهَا أَشْبَهُ بِالْإِجَارَةِ لِكَوْنِهَا تَقْتَضِي الْعَمَلَ مَعَ بَقَائِهَا، وَلَا يَتَقَدَّرُ أَكْثَرُ الْمُدَّةِ بَلْ يَجُوزُ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَبْقَى فِيهَا الشَّجَرُ، وَإِنْ طَالَتْ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، رُدَّ بِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ وَتَوْقِيتٌ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ (وَإِنْ جَعَلَا مُدَّةً لَا يَكْمُلُ فِيهَا لَمْ تَصِحَّ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الثَّمَرَةِ، وَلَا تُوجَدُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا (وَهَلْ لِلْعَامِلِ أُجْرَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَيْ إِذَا ظَهَرَتِ الثَّمَرَةُ وَلَمْ تَكْمُلْ، فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ إِلَّا بِعِوَضٍ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنَ الثَّمَرَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، فَاسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَالثَّانِي لَا شَيْءَ لَهُ ; لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْعَمَلِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ كَالْمُتَبَرِّعِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ تَظْهَرِ الثَّمَرَةُ. (وَإِنْ جَعَلَا مُدَّةً قَدْ تَكْمُلُ فِيهَا وَقَدْ لَا تَكْمُلُ) أَوْ إِلَى الْجِدَادِ، أَوْ إِدْرَاكِهَا (فَهَلْ تَصِحُّ) الْمُسَاقَاةُ (عَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا تَصِحُّ ; لِأَنَّ الشَّجَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَحْمِلَ، وَيُحْتَمَلَ عَدَمُهُ، وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَعْدُومٍ لَيْسَ الْغَالِبُ وَجُودُهُ فَلَمْ تَصِحَّ كَالسَّلَمِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ حِصَّتُهُ مِنَ الثَّمَرَةِ (فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ، فَهَلْ لِلْعَامِلِ أُجْرَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا، وَذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَجْهًا وَاحِدًا: لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَمْ يُسْلِمْ إِلَيْهِ، فَاسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ سَوَاءٌ حَمَلَتْ أَوْ لَا، وَالثَّانِي لَا شَيْءَ لَهُ، كَمَا لَوْ شَرَطَا مُدَّةً لَا يَكْمُلُ فِيهَا الشَّجَرُ غَالِبًا (وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ) أَوْ جُنَّ، أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ انْفَسَخَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ كَرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قِيلَ بِلُزُومِهَا (تَمَّمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 وَجْهَيْنِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ تَمَّمَ الْوَارِثُ، فَإِنْ أَبَى اسْتُؤْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلِرَبِّ الْمَالِ الْفَسْخُ، فَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِهَا فَهَلْ لَهُ أُجْرَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ إِنْ هَرَبَ الْعَامِلُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَارِثُ) لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَزِمٌ كَالْإِجَارَةِ (فَإِنْ أَبَى) لَمْ يُجْبَرْ ; لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَى مُوَرِّثِهِ إِلَّا مَا أَمْكَنَ دَفْعُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَالْعَمَلُ لَيْسَ كَذَلِكَ (اسْتُؤْجِرَ) أَيِ اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ (عَلَى الْعَمَلِ مِنْ تَرِكَتِهِ) لِأَنَّ الْعَمَلَ كَانَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَرْكِهِ كَسَائِرِ مَا عَلَيْهِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيِ الِاسْتِئْجَارُ بِأَنْ لَا تَرِكَةَ لَهُ (فَلِرَبِّ الْمَالِ الْفَسْخُ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَثَبَتَ لَهُ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ (فَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكَيْهِمَا، وَكَالْمُضَارَبَةِ إِذَا انْفَسَخَتْ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ، فَيُبَاعُ مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِأَجْرِ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَمَلِ، وَإِنِ احْتِيجَ إِلَى بَيْعِ الْجَمِيعِ بِيعَ ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ قَدْ بَدَا صَلَاحُهَا خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَإِنِ اشْتَرَى نَصِيبَ الْعَامِلِ جَازَ، وَإِنِ اخْتَارَ بَاعَ نَصِيبَهُ، وَالْحَاكِمُ نَصِيبَ الْعَامِلِ، وَبَقِيَّةُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَبَى بَاعَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ عَامِلٍ فَقَطْ، وَمَا يَلْزَمُهُ يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا خُيِّرَ الْمَالِكُ، فَإِنْ بِيعَ لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يُبَعْ إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَلَا يُبَاعُ نَصِيبُ عَامِلٍ وَحْدَهُ، وَفِي شِرَاءِ الْمَالِكِ لَهُ، وَاسْتِحْقَاقِ الْمَيِّتِ أُجْرَةً وَجْهَانِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إِذَا انْفَسَخَتِ الْمُسَاقَاةُ بِمَوْتِ الْعَامِلِ إِذَا قُلْنَا بِجَوَازِهَا، وَأَبَى الْوَارِثُ الْعَمَلَ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِهَا، فَهَلْ لَهُ أُجْرَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا لَهُ الْأُجْرَةُ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْعِوَضَ الْمُسَمَّى، فَإِذَا تَعَذَّرَ رَجَعَ فِي الْأُجْرَةِ كَمَا لَوْ فَسَخَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَالثَّانِي لَا شَيْءَ لَهُ ; لَأَنَّ الْفَسْخَ مُسْتَنِدٌ إِلَى مَوْتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ فَسَخَ هُوَ (وَكَذَلِكَ إِنْ هَرَبَ الْعَامِلُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا) أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا إِذَا مَاتَ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي تَعَذُرِ الْعَمَلِ، وَتَضَرُّرِ الْمَالِكِ بِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا وَجَدَ لَهُ مَالَا، أَوْ أَمْكَنَهُ الِاقْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَذَا إِذَا وَجَدَ مَنْ يَعْمَلُهُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إِلَى وَقْتِ إِدْرَاكِ الثَّمَرَةِ، وَالْأَوْلَى أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً لِتَرْكِهِ الْعَمَلَ بِاخْتِيَارِهِ، كَمَا لَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا، فَإِنْ عَمِلَ فِيهَا رَبُّ الْمَالِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ أَوْ إِشْهَادٍ رَجَعَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا. فصل وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ مَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَزِيَادَتُهَا مِنَ السَّقْيِ، وَالْحَرْثِ، وَالزُّبَارِ، وَالتَّلْقِيحِ وَالتَّشْمِيسِ، وَإِصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ، وَمَوْضِعِ التَّشْمِيسِ وَنَحْوِهِ، وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ مَا فِيهِ حِفْظُ الْأَصْلِ مِنْ سَدِّ الْحِيطَانِ، وَإِجْرَاءِ الْأَنْهَارِ، وَحَفْرِ الْبِئْرِ وَالدُّولَابِ، وَمَا يُدِيرُهُ، وَقِيلَ: كُلُّ مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ، وَمَا لَا فَلَا،   [المبدع في شرح المقنع] تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ هَرَبٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (فَإِنْ عَمِلَ فِيهَا رَبُّ الْمَالِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ أَوْ إِشْهَادٍ رَجَعَ بِهِ) أَيْ بِمَا أَنْفَقَ ; لِأَنَّ الْحَاكِمَ نَائِبٌ عَنِ الْغَائِبِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا أَشْهَدَ عَلَى الْإِنْفَاقِ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ إِذَنِ الْحَاكِمِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِئْذَانُ الْحَاكِمِ، فَأَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنُهُ، فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا إِذَا قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ لَا رُجُوعَ لَهُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِذَنٌ وَلَا إِشْهَادٌ ; لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِنْفَاقِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِالصَّدَقَةِ، وَحُكْمُ مَا لَوِ اسْتَأْجَرَ أَوِ اقْتَرَضَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ حَكَمُ مَا لَوْ عَمِلَ فِيهَا بِإِذْنِهِ. فَرْعٌ: إِذَا بَانَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ عَلَى غَاصِبِهِ، وَاخْتَارَ فِي " التَّبْصِرَةِ " أَنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ عَامِلٍ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ مَالِكٍ، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْإِجَارَةِ، وَفِيهِ شَيْءٌ. [فَصْلٌ وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ مَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَزِيَادَتُهَا] مِنَ السَّقْيِ، وَالْحَرْثِ، وَالزُّبَارِ، وَالتَّلْقِيحِ وَالتَّشْمِيسِ، وَإِصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ، وَمَوْضِعِ التَّشْمِيسِ وَنَحْوِهِ) كَآلَةِ حَرْثٍ، وَبَقَرَةٍ، وَتَفْرِيقِ زَبْلٍ، وَقَطْعِ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ، وَقَطْعِ الشَّجَرِ الْيَابِسِ، وَحِفْظِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ إِلَى أَنْ يُقْسَمَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُشَمَّسُ فَعَلَيْهِ تَشْمِيسُهُ، وَفِي " الْفُنُونِ " وَغَيْرُهُ وَالْفَأْسُ النُّحَاسُ تَقْطَعُ الدَّغَلَ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ بِإِطْلَاقِ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَزِيَادَتُهَا، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْهُ (وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ مَا فِيهِ حِفْظُ الْأَصْلِ مِنْ سَدِّ الْحِيطَانِ، وَإِجْرَاءِ الْأَنْهَارِ، وَحَفْرِ الْبِئْرِ وَالدُّولَابِ، وَمَا يُدِيرُهُ) مِنْ آلَةٍ، وَدَابَّةٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَشِرَاءِ مَا يُلَقَّحُ بِهِ، وَمَاءٍ، وَتَحْصِيلِ زِبْلٍ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِابْنِ أَبِي مُوسَى أَنَّ بَقَرَ الدُّولَابِ عَلَى الْعَامِلِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْعَمَلِ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ رِوَايَتَيْنِ فِي بَقَرِ حَرْثٍ وَسِقَايَةٍ، وَمَا يُلَقَّحُ بِهِ (وَقِيلَ: كُلُّ مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ) كَالْحَرْثِ (فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ) . قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَهَذَا أَصَحُّ إِلَّا فِي شِرَاءِ مَا يُلَقَّحُ بِهِ، فَإِنَّهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 وَحُكْمُ الْعَامِلِ حُكْمُ الْمُضَارِبِ فِيمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ وَمَا يُرَدُّ، وَإِنْ ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ ضُمَّ إِلَيْهِ مَنْ يُشَارِكُهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ اسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُ الْعَمَلَ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] تَكَرَّرَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعَمَلِ (وإلَا فَلَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْعَمَلِ أَشْبَهَ مَا فِيهِ حِفْظُ الْأَصْلِ، وَفِي النَّاطُورِ لِمَا بَدَا صَلَاحُهُ وَجْهَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا أَطْلَقَ الْعَقْدَ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَا يَلْزَمُهُ فَهُوَ تَأْكِيدٌ، وَإِنْ شُرِطَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يَلْزَمُ الْآخَرَ فَمَنَعَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فَتَفْسَدُ الْمُسَاقَاةُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَأَفْسَدَتْهُ كَالْمُضَارَبَةِ إِذَا شُرِطَ الْعَمَلُ فِيهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْجِذاذ عَلَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يَشْرُطَهُ عَلَى الْعَامِلِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ شَرْطِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا عَلَى الْآخَرِ أَوْ بَعْضِهِ لَكِنْ يُعْتَبَرُ مَا يَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا مَعْلُومًا، وَفِي " الْمُغْنِي " وَأَنْ يَعْمَلَ الْعَامِلُ أَكْثَرَ الْعَمَلِ، وَالْأَشْهَرُ يَفْسَدُ الشَّرْطُ، وَفِي الْعَقْدِ رِوَايَتَانِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: يَفْسَدُ بِشَرْطِ خَرَاجٍ أَوْ بَعْضُهُ عَلَى عَامِلٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالسِّيَاجُ عَلَى الْمَالِكِ، وَيُتَّبَعُ فِي الْكُلَفِ السُّلْطَانِيَّةِ الْعُرْفُ مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ. (وَحُكْمُ الْعَامِلِ حُكْمُ الْمُضَارِبِ فِيمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ وَمَا يُرَدُّ) لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدِ ائْتَمَنَهُ أَشْبَهَ الْمُضَارِبَ، وَكَذَا فِي مُبْطِلِ الْعَقْدِ، وَجُزْءِ مَشْرُوطٍ، وَفِي " الْمُوجَزِ " إِنِ اخْتَلَفَا فِيمَا شَرَطَ لَهُ صُدِّقَ عَامِلٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَيَحْلِفُ إِنِ اتُّهِمَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ غَيْرُهُمَا: لِلْمَالِكِ ضَمُّ أَمِينٍ بِأُجْرَةٍ مِنْ نَفْسِهِ (وَإِنْ ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ ضَمَّ إِلَيْهِ مَنْ يُشَارِكُهُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ الْمَالِكِ بِذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ اسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُ الْعَمَلَ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْعَمَلِ مِنْهُ، فَلْيَسْتَوْفِ بِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ هَرَبَ أَوْ عَجَزَ عَنِ الْعَمَلِ. تَنْبِيهٌ: يَمْلِكُ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ مِنَ الثَّمَرَةِ بِظُهُورِهَا، فَلَوْ تَلِفَتْ إِلَّا وَاحِدَةً فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ إِلَّا بِالْمُقَاسَمَةِ كَالْمُضَارَبَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْقِرَاضَ يُمْلَكُ الرِّبْحُ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 شَرَطَ إِنْ سَقَى سَيْحًا فَلَهُ الرُّبُعُ، وَإِنْ سَقَى بِكُلْفَةٍ فَلَهُ النِّصْفُ لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: مَا زَرَعْتَ مِنْ شَعِيرٍ فَلِيَ رُبُعُهُ، وَمَا زَرَعْتَ مِنْ حِنْطَةٍ فَلِيَ نِصْفُهُ، أَوْ سَاقَيْتُكَ عَلَى هَذَا الْبُسْتَانِ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ أُسَاقِيَكَ الْآخَرَ بِالرُّبُعِ لَمْ يَصِحَّ وَجْهًا وَاحِدًا.   [المبدع في شرح المقنع] بِالظُّهُورِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْعَامِلِ فَضْلَ دَرَاهِمَ زَائِدًا عَلَى مَا شَرَطَهُ لَهُ مِنَ الثَّمَرَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَا أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ عَلَى الْأَرْضِ أَوِ الشَّجَرِ. (وَإِنْ شَرَطَ إِنْ سَقَى سَيْحًا) وَنَصْبُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ (فَلَهُ الرُّبُعُ، وَإِنْ سَقَى بِكُلْفَةٍ فَلَهُ النِّصْفُ) وَإِنَّ زَرَعَهَا شَعِيرًا فَلَهُ الرُّبُعُ، وَإِنْ زَرَعَهَا حِنْطَةً فَلَهُ النِّصْفُ (لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ مَجْهُولٌ وَالنَّصِيبَ مَجْهُولٌ، وَهُوَ فِي مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَالثَّانِي يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِي الْإِجَارَةِ إِنْ خَطَتَّهُ رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خَطَتَّهُ فَارِسِيًّا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِيهِ شَيْءٌ سَيَأْتِي، وَكَقَوْلِهِ: مَا زَرَعْتُ مِنْ شَيْءٍ فَلِي نِصْفُهُ لِقِصَّةِ ِأَهْلِ خَيْبَرَ، فَإِنْ زَرَعَهَا جِنْسَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَبَيَّنَ قَدْرَ كُلِّ جِنْسٍ وَحَقَّهُ مِنْهُ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ قَالَ: مَا زَرَعْتُ مِنْ شَعِيرٍ فَلِي رُبُعُهُ، وَمَا زَرَعْتُ مِنْ حِنْطَةٍ فَلِي نِصْفُهُ) لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ مَا يَزْرَعُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ شَرَطَ لَهُ فِي الْمُسَاقَاةِ ثُلُثَ هَذَا النَّوْعِ وَنِصْفَ الْآخَرِ (أَوْ سَاقَيْتُكَ عَلَى هَذَا الْبُسْتَانِ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ أُسَاقِيَكَ الْآخَرَ بِالرُّبُعِ لَمْ يَصِحَّ وَجْهًا وَاحِدًا) لِأَنَّهُ شَرَطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ فَلَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ، وَكَذَا إِذَا قَالَ: لَكَ الْخُمُسَانِ إِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ خَسَارَةٌ، وَإِلَّا فَلَكَ الرُّبُعُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى. فَرْعٌ: إِذَا آجَرَهُ الْأَرْضَ، وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ، فَكَجَمْعِ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، وَإِنْ كَانَ حِيلَةً فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي إِبْطَالِ الْحِيَلِ جَوَازَهُ ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الْمُسَاقَاةُ فِي عَقْدٍ ثَانٍ فَهَلْ تَفْسَدُ أُولَاهُمَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنَّ جَمَعَهُمَا فِي عَقْدٍ، فَكَتَفْرِيقِ صَفْقَةٍ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: سَوَاءٌ صَحَّتِ الْإِجَارَةُ أَوْ لَا، فَمَا ذَهَبَ مِنَ الشَّجَرِ ذَهَبَ مَا يُقَابِلُهُ مِنَ الْعِوَضِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَة ِ تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ مِنَ الزَّرْعِ فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ] [تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ مِنَ الزَّرْعِ] ُ هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الزَّرْعِ، وَهِيَ دَفْعُ أَرْضٍ وَحَبٍّ لِمَنْ يَزْرَعُهُ، وَيَقُومُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ. (تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ) مُشَاعٍ (يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ مِنَ الزَّرْعِ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتٍ إِلَّا يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ، وَزَارَعَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَسَعْدٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَالْقَاسِمُ، وَعُرْوَةُ، وَآلُ أَبِي بَكْرٍ، وَآلُ عُمَرَ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَامَلَ عُمَرُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ بِالْبَذْرِ فَلَهُ الشَّطْرُ، وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْمُسَاقَاةِ رِوَايَةً بِمَنْعِهَا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَمْرَانِ، وَحَدِيثُ رَافِعٍ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَفِيهِ اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَقِيهَانِ مِنَ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، لَا يُقَالُ: أَحَادِيثُكُمْ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَيْنَ النَّخِيلِ، وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ عَلَى الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ ; لِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ أَوْجُهٍ: أَوَّلًا: أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ بَلْدَةٌ كَبِيرَةٌ يَأْتِي مِنْهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ وَسْقٍ لَيْسَ فِيهَا أَرْضٌ بَيْضَاءُ، وَتَبْعُدُ مُعَامَلَتُهُمْ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ لِنَقْلِ الرُّوَاةِ الْقِصَّةَ عَلَى الْعُمُومِ، ثَانِيًا: لَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَمَا قُلْنَاهُ وَرَدَ مُفَسَّرًا، ثَالِثًا: إِنَّ قَوْلَكُمْ يُفْضِي إِلَى تَقْيِيدِ كُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِيهِ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، رَابِعًا: إِنَّ عَمَلَ الْخُلَفَاءِ وَالْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ دَالٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، خَامِسًا: إِنْ مَذْهَبَنَا صَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِيهِ ; لِأَنَّ الْأَرْضَ عَيْنٌ تُنْمى بِالْعَمَلِ، فَجَازَتِ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا كَالْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَالنَّخْلِ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا لِكَوْنِ أَصْحَابِ الْأَرْضِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى زَرْعِهَا، وَالْأَكْثَرُ يَحْتَاجُونَ إِلَى الزَّرْعِ وَلَا أَرْضَ، فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ جَوَازَهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 شَجَرٌ فَزَارَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ صَحَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُهُ، وَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ بَذْرِهِ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ أَحَلُّ مِنَ الْإِجَارَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَغْنَمِ وَالْمَغْرَمِ (فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ فَزَارَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ صَحَّ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ لَوِ انْفَرَدَ لَصَحَّ، فَكَذَا إِذَا اجْتَمَعَا، وَسَوَاءٌ قُلَّ بَيَاضُ الْأَرْضِ أَوْ كَثُرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ تَسَاوَى نَصِيبُ الْعَامِلِ فِيهِمَا أَوِ اخْتَلَفَ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْمُعَامَلَةِ أَوِ الْمُسَاقَاةَ فَلَوْ زَارَعَهُ عَلَى أَرْضٍ فِيهَا شَجَرٌ لَمْ يَجُزْ لِلْعَامِلِ اشْتِرَاطُ ثَمَرَتِهَا ; لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ كُلَّ الثَّمَرَةِ، فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ كَانَ الشَّجَرُ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ. فَرْعٌ: لَا تَجُوزُ إِجَارَةُ أَرْضٍ وَشَجَرٌ فِيهَا. قَالَ أَحْمَدُ: أَخَافُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ شَجَرًا لَمْ يُثْمِرْ، وَذَكَرَ أَبُو عُبِيدٍ تَحْرِيمَهُ إِجْمَاعًا، وَجَوَّزَهُ ابْنُ عَقِيلٍ تَبَعًا وَلَوْ كَانَ الشَّجَرُ أَكْثَرَ ; لِأَنَّ عُمَرَ ضَمِنَ حَدِيقَةَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لَمَّا مَاتَ ثَلَاثَ سِنِينَ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ، رَوَاهُ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ وَهُوَ أُجْرَةٌ. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِجَارَةَ الشَّجَرِ مُفْرَدًا، وَيَقُومُ عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَأَرْضٍ لِزَرْعٍ، فَإِنْ تَلِفَتِ الثَّمَرَةُ فَلَا أُجْرَةَ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنِ الْعَادَةِ فَالْفَسْخُ أَوِ الْأَرْشُ لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ كَجَائِحَةٍ (وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ) فَيَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَهُ الْعَامِلُ فِي قَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمُزَارَعَةِ قَضِيَّةُ خَيْبَرَ، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْبَذْرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي نَمَائِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْمُضَارَبَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ نَصٍّ، ثُمَّ هُوَ مَنْقُوضٌ بِمَا إِذَا اشْتَرَكَ مَالَانِ وَبَدَنُ أَحَدِهِمَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ الْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَشَرَطَا الْمُنَاصَفَةَ فِي الزَّرْعِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ قِيلَ بِصِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ، أَوْ فَسَادِهَا، فَإِنْ حُكِمَ بِصِحَّتِهَا لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ حَكَمْنَا بِفَسَادِهَا فَعَلَى الْعَامِلِ نِصْفُ أَجْرِ الْأَرْضِ، وَلَهُ عَلَى رَبِّهَا نِصْفُ أَجْرِ عَمَلِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 وَيَقْتَسِمَا الْبَاقِيَ، أَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مَعْلُومَةً، أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، أَوْ زَرْعَ نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَدَتِ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ، وَمَتَى فَسَدَتْ فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ صَاحِبِهِ. وَحُكْمُ الْمُزَارَعَةِ حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَالْحَصَادُ   [المبدع في شرح المقنع] فَيَتَقَاصَّانِ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ مِنْهُمَا، وَيَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالْفَضْلِ، وَإِنْ شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الزَّرْعِ فَظَاهِرٌ عَلَى الصِّحَّةِ، وَعَلَى الْفَسَادِ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْبَذْرِ، وَيَتَرَاجَعَانِ كَمَا ذَكَرْنَا. (وَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ بَذْرِهِ وَيَقْتَسِمَا الْبَاقِيَ) لَمْ يَصِحَّ كَأَنَّهُ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ قُفْزَانًا مَعْلُومَةً، وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ تَفْسَدُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ ; لِأَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُخْرِجْ إِلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْمَالِكُ، وَرُبَّمَا لَا تُخْرِجُهُ، وَمَوْضُوعُهَا عَلَى الِاشْتِرَاكِ (أَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مَعْلُومَةً) لِمَا ذَكَرْنَا (أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً) لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ مَا يُسَاوِي ذَلِكَ، فَيُؤَدِّي إِلَى الضَّرَرِ (أَوْ أَوْ زَرَعَ نَاحِيَةً مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَسَدَتِ الْمُزَارِعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ) بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ كَأَنْ يَشْتَرِطَ مَا عَلَى الْجَدَاوِلِ، قِيلَ: وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ سَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا، أَوْ شَرَطَهُ مَعَ نَصِيبِهِ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ غَيْرُ مُعَارَضٍ وَلَا مَنْسُوخٍ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلِفَ مَا عُيِّنَ لَهُ دُونَ الْآخَرِ، فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْغَلَّةِ دُونَ صَاحِبِهِ (وَمَتَّى فَسَدَتِ فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ يَنْقَلِبُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَيَنْمُو فَهُوَ كَصغار الشَّجَرِ إِذَا غَرَسَ (وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَا سُمِّيَ لَهُ، فَإِذَا فَاتَ رَجَعَ إِلَى بَدَلِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِالْعَمَلِ مَجَّانًا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ إِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ فَهُوَ لَهُ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَهُوَ لَهُ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْعَامِلِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا فَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا، وَيَتَرَاجَعَانِ بِالْفَاضِلِ. فَرْعٌ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جِنْسِ الْبُذُورِ وَلَوْ تَعَدَّدَ وَقَدَّرَهُ، فَلَوْ دَفَعَهُ إِلَى صَاحِبِ أَرْضٍ لِيَزْرَعَهُ فِيهَا وَمَا يَخْرُجُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ الْبَذْرَ لَيْسَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَلَا مِنَ الْعَامِلِ، فَالزَّرْعُ لِمَالِكِ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، وَالْعَمَلِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، مَأْخُوذٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الِاشْتِرَاكِ. [حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ حَكَمُ الْمُسَاقَاةِ] (وَحُكْمُ الْمُزَارَعَةِ حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ فِيمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنَ الْجَوَازِ، وَاللُّزُومِ، وَأَنَّهَا لَا تَجُوزُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 عَلَى الْعَامِلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْجِذاذ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْجِذاذ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَزْرَعُ الْأَرْضَ بِبَذْرِي وَعَوَامِلِي وَتَسْقِيهَا بِمَائِكَ وَالزَّرْعُ بَيْنَنَا، فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ زَارَعَ شَرِيكَهُ فِي نَصِيبِهِ صَحَّ.   [المبدع في شرح المقنع] إِلَّا بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ لِلْعَامِلِ وَمَا يَلْزَمُهُ وَرَبِّ الْأَرْضِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا ; لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ عَلَى الْأَرْضِ بِبَعْضِ نَمَائِهَا (وَالْحَصَادُ عَلَى الْعَامِلِ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِقِصَّةِ خَيْبَرَ، وَلِأَنَّهُ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَقِيلَ: عَلَيْهِمَا لِلِاشْتِرَاكِ فِيهِ، وَفِي " الْمُوجَزِ " فِيهِ وَفِي دِيَاسٍ وَبَذْرِهِ وَحِفْظِهِ بِبَيْدَرِهِ رِوَايَتَا جِدَادٍ، وَاللِّقَاطُ كَالْحَصَادِ، وَيُكْرَهَانِ لَيْلًا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَكَذَلِكَ الْجِذاذ) أَيْ عَلَى الْعَامِلِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْعَمَلِ، فَكَانَ عَلَيْهِ كَالتَّشْمِيسِ (وَعَنْهُ أَنَّ الْجِذاذ عَلَيْهِمَا) وَهُوَ الْأَصَحُّ بِصِحَّتِهِمَا ; لِأَنَّهُ يُوجَدُ بَعْدَ تَكَامُلِ النَّمَاءِ، أَشْبَهَ نَقْلَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَنَصَرَه فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " الْأَوَّلَ وَنَقَضَ دَلِيلَ الثَّانِيَةِ بِالتَّشْمِيسِ، وَفَارَقَ النَّقْلَ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَزَوَالِ الْعَقْدِ أَشْبَهَ الْمُخَزَّنَ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَزْرَعُ الْأَرْضَ بِبَذْرِي وَعَوَامِلِي وَتَسْقِيهَا بِمَائِكَ وَالزَّرْعُ بَيْنَنَا، فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا لَا تَصِحُّ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا الْأَرْضُ، وَمِنَ الْآخَرِ الْعَمَلُ، وَصَاحِبُ الْمَاءِ لَيْسَ مِنْهُ أَرْضٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا بَذْرٌ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُسْتَأْجَرُ، فَكَيْفَ تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ بِهِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، نَقَلَهَا يَعْقُوبُ وَحَرْبٌ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الزَّرْعُ، فَجَازَ جَعْلُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْأَرْضِ وَالْعَمَلِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ إِيجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَهُوَ مَجْهُولٌ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضُ الْمَاءِ كَذَلِكَ، وَرُدَّ بِالْمَنْعِ فِي الْعِلَّةِ الْأَخِيرَةِ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ، فَمَا الْجَامِعُ. فَرْعٌ: آجَرَ أَرْضَهُ لِلزَّرْعِ، فَزَرَعَهَا، فَلَمْ تُنْبِتْ، ثُمَّ نَبَتَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ مُدَّةَ احْتِسَابِهَا. (وَإِنْ زَارَعَ شَرِيكَهُ فِي نَصِيبِهِ صَحَّ) فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الشَّرِيكِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ فِي الزَّرْعِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] نِصْفَيْنِ، فَيَجْعَلُ لِلْعَامِلِ الثُّلُثَيْنِ، فَيَصِيرُ السُّدْسُ حِصَّتَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: زَارَعْتُكَ عَلَى نَصِيبِي بِالثُّلُثِ فَصَحَّ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ ; لِأَنَّ النِّصْفَ لِلْمُزَارِعِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُزَارِعَ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا فَسَدَ فِي نَصِيبِهِ، فَسَدَ فِي الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ جَمَعَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ، مِنْ أَحَدِهِمُ الْبَذْرُ، وَمِنَ الْآخَرِ الْأَرْضُ، وَمِنَ الثَّالِثِ الْعَمَلُ عَلَى أَنَّ مَا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمْ فَهُوَ فَاسِدٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوِ الْعَامِلِ، وَلَيْسَتْ شَرِكَةً وَلَا إِجَارَةً، فَعَلَى هَذَا الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ لِصَاحِبَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِمَا، وَفِي الصِّحَّةِ تَخْرِيجٌ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً وَاخْتَارَهُ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ، فَإِنْ كَانَ الْبَقَرُ مِنْ رَابِعٍ، فَحَدِيثُ مُجَاهِدٍ وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ فِيهِ الزَّرْعَ لِرَبِّ الْبَذْرِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ. الثَّانِيَةُ: اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْضٍ لَهُمْ عَلَى أَنْ يَزْرَعُوهَا بِبَذْرِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَأَعْوَانِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْهَا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا لَهُمْ، جَازَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. الثَّالِثَةُ: مَا سَقَطَ مِنْ حَبٍّ وَقْتَ حَصَادٍ فَنَبَتَ عَامًا آخَرَ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الْمُبْهِجِ " وَجْهٌ لَهُمَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": لِرَبِّ الْأَرْضِ مَالِكًا، أَوْ مُسْتَأْجِرًا، أَوْ مُسْتَعِيرًا، وَقِيلَ: لَهُ حُكْمُ عَارِيَةٍ، وَقِيلَ: غَصْبٍ، وَكَذَا نَصَّ فِيمَنْ بَاعَ فَصِيلًا فَحَصَدَ وَبَقِيَ يَسِيرٌ فَصَارَ سُنْبُلَا، فَلِرَبِّ الْأَرْضِ. الرَّابِعَةُ: لَا خِلَافَ فِي إِبَاحَةِ مَا يَتْرُكُهُ الْحَصَادُ، وَكَذَا اللِّقَاطُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَحْرُمُ مَنْعُهُ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاحِ، وَنُقِلَ عَنْهُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ مَزْرَعَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَرَ بَأْسًا بِدُخُولِهِ يَأْخُذُ كَلًّا وَشَوْكًا لِإِبَاحَتِهِ ظَاهِرًا، وَعُرْفًا، وَعَادَةً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 بَابُ الْإِجَارَةِ وَهِيَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَالْكِرَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَفِي   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ الْإِجَارَةِ] [مَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجَارَةُ] ِ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْأَجْرِ وَهُوَ الْعِوَضُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الثَّوَابُ أَجْرًا ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَوِّضُ الْعَبْدَ بِهِ عَلَى طَاعَتِهِ أَوْ صَبْرِهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمِّ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَ {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26] الْآيَةَ، وَ {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77] وَعَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ قَالَتْ: «وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، «وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ النُّدَّرِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَرَأَ " طسم " حَتَّى بَلَغَ قِصَّةَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَالَ: 32 إِنَّ مُوسَى آجَرَ نَفْسَهُ ثَمَانِ سِنِينَ، أَوْ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ، وَطَعَامِ بَطْنِهِ» 32 رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا إِذْ كَلُّ أَحَدٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَقَارٍ يَسْكُنُهُ، وَلَا عَلَى حَيَوَانٍ يَرْكَبُهُ، وَلَا عَلَى صَنْعَةٍ يَعْمَلُهَا، وَهُمْ لَا يَبْذُلُونَ ذَلِكَ مَجَّانًا، فَجَوَّزَتْ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الرِّزْقِ، وَحَدَّهَا فِي " الْوَجِيزِ " بِأَنَّهَا عِوَضٌ مَعْلُومٌ فِي مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ فِي عَمَلٍ مَعْلُومٍ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ دُخُولُ الْمَمَرِّ، وَعُلُوُّ بَيْتٍ وَنَحْوُهُ، وَالْمَنَافِعُ الْمُحَرَّمَةُ، وَمَا فُتِحَ عُنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ فِيمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (وَهِيَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَذَكَرَ بَعْضٌ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَيْنُ ; لِأَنَّهَا الْمَوْجُودَةُ، وَالْعَقْدُ يُضَافُ إِلَيْهَا، فَتَقُولُ: أَجَرْتُكَ دَارِي، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْمُسْتَوْفَى بِالْعَقْدِ، ذَلِكَ هُوَ الْمَنَافِعُ دُونَ الْأَعْيَانِ، إِذِ الْأَجْرُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَضْمَنُ دُونَ الْعَيْنِ، وَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إِلَى الْعَيْنِ ; لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ كَمَا يُضَافُ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ إِلَى الْبُسْتَانِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الثَّمَرَةُ فَتُؤْخَذُ الْمَنَافِعُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَانْتِفَاعُهُ تَابِعٌ لَهُ، وَقَدْ قِيلَ: هِيَ خِلَافُ الْقِيَاسِ، وَالْأَصَحُّ لَا ; لِأَنَّ مَنْ لَا يُخَصِّصُ الْعِلَّةَ لَا يُتَصَوَّرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 لَفْظِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، أَحَدُهَا: مَعْرِفَةُ الْمَنْفَعَةِ إِمَّا بِالْعُرْفِ كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ سَنَةً، وَإِمَّا بِالْوَصْفِ كَحَمْلِ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَزْنُهَا كَذَا   [المبدع في شرح المقنع] عِنْدَهُ مُخَالَفَةُ قِيَاسٍ صَحِيحٍ، وَمَنْ خَصَّصَهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ خِلَافَ الْقِيَاسِ إِذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْحِكَمِ مَوْجُودًا فِيهِ، وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهُ، وَفِي " الْبُلْغَةِ " لَهَا خَمْسَةُ أَرْكَانٍ: الصِّيغَةُ، وَالْأُجْرَةُ، وَالْمُتَعَاقِدَانِ، وَالْمَنْفَعَةُ. (تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَالْكِرَاءِ) لِأَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ لَهَا (وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ إِنْ أَضَافَهُ إِلَى الْعَيْنِ، فَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ قَالَ: أَجَرْتُكَ مَنْفَعَةَ دَارِي شَهْرًا صَحَّ فِي الْأَصَحِّ (وَفِي لَفْظِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا تَنْعَقِدُ بِهِ ; لِأَنَّهَا بَيْعٌ فَانْعَقَدَتْ بِلَفْظِهِ كَالصَّرْفِ، وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ فِيهَا مَعْنًى خَاصًّا فَافْتَقَرَتْ إِلَى لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلِأَنَّهَا تُضَافُ إِلَى الْعَيْنِ الَّتِي يُضَافُ إِلَيْهَا إِضَافَةً وَاحِدَةً، فَافْتَقَرَتْ إِلَى لَفْظٍ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا كَالْعُقُودِ الْمُتَبَايِنَةِ، وَبَنَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةَ نَوْعٌ مِنَ الْبَيْعِ، أَوْ شَبِيهٌ بِهِ، وَفِي " التَّلْخِيصِ " مُضَافًا إِلَى النَّفْعِ كَبِعْتُكَ نَفْعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ نَحْوَ: بِعْتُكَهَا شَهْرًا، وَلَا تَنْعَقِدُ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ. [شُرُوطُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ الْمَنْفَعَةِ] (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، أَحَدُهَا: مَعْرِفَةُ الْمَنْفَعَةِ) لِأَنَّهَا هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهَا كَالْمَبِيعِ (إِمَّا بِالْعُرْفِ) أَيْ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ (كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا) لِأَنَّهَا لَا تُكْرَى إِلَّا لِذَلِكَ فَلَا يَعْمَلُ فِيهَا حِدَادَةً وَلَا قِصَارَةً، وَلَا دَابَّةً، وَالْأَشْهَرُ وَلَا مَخْزَنًا لِلطَّعَامِ، وَيُسْتَحَقُّ مَاءُ الْبِئْرِ تَبَعًا لِلدَّارِ فِي الْأَصَحِّ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: يَجِيءُ زُوَّارٌ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ صَاحِبَ الْبَيْتِ بِهِمْ؟ قَالَ: رُبَّمَا كَثُرُوا، وَرَأَى أَنْ يُخْبِرَ، وَلَهُ إِسْكَانُ ضَيْفٍ وَزَائِرٍ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": يَجِبُ ذِكْرُ السُّكْنَى، وَصِفَتِهَا، وَعَدَدِ مَنْ يَسْكُنُهَا، وَصِفَتِهِمْ إِنِ اخْتَلَفَتِ الْأُجْرَةُ، وَرُدَّ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي السُّكْنَى يَسِيرٌ، فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى ضَبْطِهِ (وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ) وَلَوْ عَبَّرَ بِالْآدَمِيِّ لَعَمَّ (سَنَةً) لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ بِالْعُرْفِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى بَيَانِهَا كَالسُّكْنَى، وَفِي " النَّوَادِرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ " يَخْدِمُ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ اسْتَحَقَّهُ لَيْلًا، قَالَ أَحْمَدُ: أَجِيرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، وَبِنَاءِ حَائِطٍ يُذْكَرُ طُولُهُ، وَعَرْضُهُ، وَسُمْكُهُ، وَآلَتُهُ، وَإِجَارَةِ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ لِغَرْسِ كَذَا أَوْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ، وَإِنِ اسْتَأْجَرَ لِلرُّكُوبِ، ذَكَرَ الْمَرْكُوبَ فَرَسًا أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُشَاهَرَةِ يَشْهَدُ الْأَعْيَادَ وَالْجُمَعَ، قِيلَ لَهُ: فَيَتَطَوَّعُ بِالرَّكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: مَا لَمْ يَضُرَّ بِصَاحِبِهِ ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ الْخِدْمَةِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً لِلْخِدْمَةِ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ، وَعُلِمَ مِنْهُ إِبَاحَةُ إِجَارَةِ الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا. (وَإِمَّا بِالْوَصْفِ كَحَمْلِ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَزْنُهَا كَذَا إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَزْنِ وَالْمَكَانِ الَّذِي تُحْمَلُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ إِنَّمَا تُعْرَفُ بِذَلِكَ، فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَحْمُولٍ، فَلَوْ كَانَ كِتَابًا فَوَجَدَ الْمَحْمُولَ إِلَيْهِ غَائِبًا، فَلَهُ الْأَجْرُ لِذَهَابِهِ وَرَدِّهِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَهُوَ ظَاهِرُ " التَّرْغِيبِ " إِنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَالْمُسَمَّى فَقَطْ وَيَرُدُّهُ (وَبِنَاءِ حَائِطٍ يُذْكَرُ طُولُهُ، وَعَرْضُهُ، وَسُمْكُهُ، وَآلَتُهُ) لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَالْغَرَضُ يَخْتَلِفُ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِهِ، فَيَذْكُرُ آلَةَ الْبِنَاءِ مِنْ حِجَارَةٍ، أَوْ آجُرٍّ، أَوْ لَبِنٍ، فَلَوْ عَمِلَهُ ثُمَّ سَقَطَ فَلَهُ أَجْرُهُ ; لِأَنَّهُ وَفَّى بِعَمَلِهِ، وَإِنْ فَرَّطَ أَوْ بَنَاهُ مَحْلُولًا فَسَقَطَ لَزِمَهُ إِعَادَتُهُ وَغَرَامَةُ مَا تَلِفَ مِنْهُ، وَإِنْ شَارَطَهُ عَلَى رَفْعِهِ أَذْرُعًا مَعْلُومَةً، فَرَفَعَ بَعْضَهُ ثُمَّ سَقَطَ فَعَلَيْهِ مَا سَقَطَ وَإِتْمَامُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ مِنَ الذَّرْعِ. فَرْعٌ: يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِضَرْبِ اللَّبِنِ، وَيَكُونُ عَلَى مُدَّةٍ وَعَمَلٍ، فَإِنْ قَدَّرَهُ بِالْعَمَلِ احْتَاجَ إِلَى تَعْيِينِ عَدَدِهِ، وَذِكْرِ قَالَبِهِ، وَمَوْضِعِ الضَّرْبِ ; لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ التُّرَابِ وَالْمَاءِ وَلَا يُكْتَفي بِمُشَاهَدَةِ الْقَالَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا كَالسَّلَمِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِقَامَتُهُ لِيَجِفَّ، وَقِيلَ: بَلَى إِنْ كَانَ عَرَفَ مَكَانَهُ. (وَإِجَارَةِ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ) أَيْ مَعْلُومَةٍ (لِغَرْسِ كَذَا أَوْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ) لِأَنَّهَا تُؤَجَّرُ لِذَلِكَ كُلِّهِ وَضَرَرُهُ يَخْتَلِفُ، فَوَجَبَ بَيَانُهُ، وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا أَطْلَقَ. (وَإِنِ اسْتَأْجَرَ لِلرُّكُوبِ ذَكَرَ الْمَرْكُوبَ فَرَسًا أَوْ بَعِيرًا وَنَحْوَهُ) لِأَنَّ مَنَافِعَهَا تَخْتَلِفُ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ كَمَبِيعٍ، وَمَا يُرْكَبُ بِهِ مِنْ سَرْجِ وَغَيْرِهِ، وَكَيْفِيَّةُ سَيْرِهِ كَقُطُوفٍ وَنَحْوَهُ، وَقَدَّمَ فِي " التَّرْغِيبِ " لَا يُشْتَرَطُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَى ذُكُورِيَّتِهِ، وَأُنُوثِيَّتِهِ فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا يَسِيرٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّاكِبِ كَمَبِيعٍ. وَقَالَ الشَّرِيفُ: لَا يُجْزِئُ فِيهِ إِلَّا الرُّؤْيَةُ ; لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَأْتِي عَلَيْهِ، وَمَعْرِفَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 بَعِيرًا وَنَحْوَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْحَمْلِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِهِ. فَصْلٌ الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْأُجْرَةِ بِمَا تَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ إِلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَحَامِلِ، وَالْأَوْطِئَةِ، وَالْأَغْطِيَةِ، وَنَحْوِهَا إِمَّا بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ، أَوْ وَزْنٍ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ ذِكْرُ تَوَابِعِ الرَّاكِبِ، فَلَوْ شَرَطَ حَمْلَ زَادٍ مَعْلُومٍ وَأَطْلَقَ فَلَهُ حَمْلُ مَا نَقَصَ كَالْمَاءِ، وَقِيلَ: لَا، بِأَكْلٍ مُعْتَادٍ، وَفِي وُجُوبِ تَقْدِيرِ الطَّعَامِ فِي السَّفَرِ احْتِمَالَانِ (وَإِنْ كَانَ لِلْحَمْلِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِهِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَحْمُولُ خَزَفًا أَوْ زُجَاجًا تَعَيَّنَ مَعْرِفَةُ الدَّابَّةِ فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مُطْلَقًا، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلَهُ مَا يُدِيرُ دُولَابًا أَوْ رَحًى، وَاعْتَبَرَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مَحْمُولٍ بِرُؤْيَةٍ، أَوْ صِفَةٍ، وَيُذْكَرُ جِنْسُهُ مِنْ حَدِيدٍ، وَقُطْنٍ ; لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَخْتَلِفُ، وَاكْتَفَى ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ " التَّرْغِيبِ " بِالْوَزْنِ. [الشَّرْطُ الثَّانِي مَعْرِفَةُ الْأُجْرَةِ بِمَا تَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ] فَصْلٌ (الثَّانِي مَعْرِفَةُ الْأُجْرَةِ بِمَا تَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنِ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُ أَجْرُهُ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِهَا مَضْبُوطًا بِالْكَيْلِ، أَوِ الْوَزْنِ ; لِأَنَّهَا أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فَاشْتُرِطَ مَعْرِفَتُهَا كَالْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا بِالْمُشَاهَدَةِ كَصَبْرَةِ نَقْدٍ، أَوْ طَعَامٍ، فَوَجْهَانِ، فَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، فَكَالثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا، فَكَالْمَبِيعِ، فَلَوْ آجَرَ الدَّارَ بِعِمَارَتِهَا لَمْ تَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ، وَلَوْ آجَرَهَا بِمُعَيَّنٍ عَلَى أَنَّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ بِنَفَقَةِ الْمُسْتَأْجِرِ مُحْتَسَبًا بِهِ مِنَ الْأُجْرَةِ صَحَّ ; لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ عَلَى الْمَالِكِ، وَقَدْ وَكَّلَهُ فِيهِ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ خَارِجًا عَنِ الْأُجْرَةِ لَمْ يَصِحَّ (إِلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَجِيرَ بِطَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ) رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَبِي مُوسَى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي مُوسَى» الْخَبَرَ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى الظِّئْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَقَامَ الْعِوَضُ فِيهِ مَقام التَّسْمِيَةِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجةِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الظِّئْرِ لِلنَّصِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْإِطْعَامُ وَالْكُسْوَةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ كَالزَّوْجَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: كَمِسْكِينٍ فِي الْكَفَّارَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 الْأَجِيرَ بِطَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُعْطَى عِنْدَ الْفِطَامِ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لِأَنَّ لِلْكُسْوَةِ عُرْفًا، وَهِيَ كُسْوَةُ الزَّوْجَاتِ، وَلِلْإِطْعَامِ عُرْفًا، وَهُوَ الْإِطْعَامُ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَفِي الْمَلْبُوسِ إِلَى أَقَلِّ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ ; لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُجْزِئُ فِيهِ أَقَلُّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ كَالْوَصِيَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ إِلَّا مَا يُوَافِقُهُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى دَوَاءٍ لِمَرَضِهِ لَمْ يَلْزَمِ الْمُسْتَأْجِرَ لِعَدَمِ شَرْطِهِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي دَابَّةٍ بِعَلَفِهَا (وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ) إِجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وَاسْتَرْضَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الطِّفْلَ فِي الْعَادَةِ لَا يَعِيشُ إِلَّا بِالرَّضَاعِ، فَإِنْ جَعَلَ الْأُجْرَةَ طَعَامَهَا وَكُسْوَتَهَا جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ مَجْهُولًا، فَعَلَى الصِّحَّةِ لَوِ اسْتَأْجَرَ لِلرَّضَاعِ دُونَ الْحَضَانَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ اتُّبِعَ، فَإِنْ أَطْلَقَ للرَّضَاعَ دَخَلَتِ الْحَضَانَةُ فِي وَجْهٍ لِلْعُرْفِ، وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا إِذِ الْحَضَانَةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْبِيَةِ الطِّفْلِ وَحِفْظِهِ، وَجَعْلِهِ فِي سَرِيرِهِ، وَدُهْنِهِ، وَكُحْلِهِ، وَغَسْلِ خِرَقِهِ، وَنَحْوِهِ، وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ الْعِلْمُ بِمُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَمَعْرِفَةُ الطِّفْلِ بِالْمُشَاهَدَةِ، قَالَ الْقَاضِي: أَوْ بِالصِّفَةِ، وَمَوْضِعِ الرَّضَاعِ، وَمَعْرِفَةُ الْعِوَضِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الرِّضَاعِ خِدْمَةُ الطِّفْلِ، وَحَمْلُهُ، وَوَضْعُ الثَّدْيِ فِي فِيهِ، وَاللَّبَنُ تَبَعٌ كَالصَّبْغِ، وَقِيلَ: اللَّبَنُ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ أَشْبَهُ ; لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَلِهَذَا يُسْتَحَقُّ الْأَجْرُ بِالرِّضَاعِ دُونَ الْخِدْمَةِ، وَهَذَا خَاصٌّ بِالْآدَمِيِّينَ لِلضَّرُورَةِ إِلَى حِفْظِهِ وَبَقَائِهِ. مَسْأَلَةٌ: لِلْمُرْضِعَةِ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ مَا يُدِرُّ لَبَنَهَا، وَيَصْلُحُ بِهِ، وَلِلْمُكْتَرِي مُطَالَبَتُهَا بِذَلِكَ، فَلَوْ سَقَتْهُ لَبَنَ غَنَمٍ، أَوْ دَفَعَتْهُ إِلَى غَيْرِهَا فَلَا أُجْرَةَ لَهَا ; لِأَنَّهَا لَمْ تَفِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. (وَيَسْتَحِبُّ أَنْ تُعْطَى) إِذَا كَانَتْ حُرَّةً (عِنْدَ الْفِطَامِ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً إِذَا كَانَ الْمُسْتَرْضِعُ مُوسِرًا) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قَلْتُ يَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 إِذَا كَانَ الْمُسْتَرْضِعُ مُوسِرًا، وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَعْمَلَاهُ وَلَهُمَا عَادَةٌ بِأُجْرَةٍ صَحَّ وَلَهُمَا ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا عَقْدَ إِجَارَةٍ، وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَالرُّكُوبُ فِي سَفِينَةِ الْمَلَّاحِ، وَتَجُوزُ إِجَارَةُ دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ، وَخِدْمَةُ عَبْدٍ، وَتَزْوِيجُ   [المبدع في شرح المقنع] رَسُولَ اللَّهِ مَا يُذْهِبُ عَنِّي مَذَمَّةَ الرَّضَاعِ؟ قَالَ: " الْغُرَّةُ الْعَبْدُ أَوِ الْأَمَةُ» الْمَذَمَّةُ بِكَسْرِ الذَّالِ مِنَ الذِّمَامِ، وَبِفَتْحِهَا مِنَ الذَّمِّ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ حَيَاةِ الْوَلَدِ وَبَقَائِهِ، فَاسْتُحِبَّ لِلْمُوسِرِ جَعْلُ الْجَزَاءِ رَقَبَةً لِتَنَاسُبِ مَا بَيْنَ النِّعْمَةِ وَالشُّكْرِ، وَأَوْجَبَهُ أَبُو بَكْرٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ كَانَتِ الْمُرْضِعَةُ أَمَةً سُنَّ إِعْتَاقُهَا ; لِأَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ الْمُجَازَاةُ (وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَعْمَلَاهُ) أَيْ بِالْقَصْرِ أَوِ الْخِيَاطَةِ (وَلَهُمَا عَادَةٌ بِأُجْرَةٍ صَحَّ وَلَهُمَا ذَلِكَ) أَيْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ (وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا عَقْدَ إِجَارَةٍ) لِأَنَّ الْعُرْفَ الْجَارِيَ بِذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ، فَصَارَ كَنَقْدِ الْبَلَدِ، وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مَنْ عُرِفَ بِأَخْذِهَا، وَهَذَا إِذَا كَانَا مُنْتَصِبَيْنِ لِذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّا أَجْرًا إِلَّا بِعَقْدٍ، أَوْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، أَوْ تَعْرِيضٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يجر عُرْفٌ يَقُومُ مَقَامَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَمِلَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ مَتَاعَهُ لِيَبِيعَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَوِ اسْتَعْمَلَ حَمَّالًا، أَوْ شَاهِدًا، أَوْ نَحْوَهُ، فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ (وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَالرُّكُوبُ فِي سَفِينَةِ الْمَلَّاحِ) أَيْ يَسْتَحِقَّانِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ بِدُونِ الْعَقْدِ ; لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَقْتَضِيهِ فَصَارَ كَالتَّعْرِيضِ، وَكَذَا لَوْ حَلَقَ رَأَسَهُ، أَوْ غَسَلَهُ، أَوْ شَرِبَ مِنْهُ مَاءً، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَمَا يُعْطَاهُ الْحَمَّامِيُّ فَهُوَ أُجْرَةُ الْمَكَانِ، وَالسَّطْلِ، وَالْمِئْزَرِ وَيَدْخُلُ الْمَاءُ تَبَعًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الثِّيَابِ إِلَّا أَنْ يَسْتَحْفِظَهُ إِيَّاهَا بِالْقَوْلِ صَرِيحًا، ذَكَرَهُ فِي " التَّلْخِيصِ ". (وَتَجُوزُ إِجَارَةُ دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ، وَخِدْمَةِ عَبْدٍ، وَتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ) لِقِصَّةِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ; لِأَنَّهُ جَعَلَ النِّكَاحَ عِوَضَ الْأُجْرَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ عَيْنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَنْفَعَةً سَوَاءٌ كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا كَالْأَوَّلِ، أَوْ مُخْتَلِفًا كَالثَّانِي، وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُتَّفِقِ دُونَ الْمُخْتَلِفِ كَسُكْنَى دَارٍ بِمَنْفَعَةِ بَهِيمَةٍ ; لِأَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ عِنْدَهُ يَحْرُمُ فِيهِ النَّسَاءُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 امْرَأَةٍ، وَتَجُوزُ إِجَارَةُ الْحُلِيِّ بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ خِطْتَ   [المبدع في شرح المقنع] وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي الْإِجَارَةِ لَيْسَتْ فِي تَقْدِيرِ النَّسِيئَةِ، وَلَوْ كَانَتْ نَسِيئَةً مَا جَازَ فِي جِنْسَيْنِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ بِيعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". (وَتَجُوزُ إِجَارَةُ الْحُلِيِّ) لِلُبْسٍ وَالْعَارِيَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ (بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ) لِأَنَّ الْحُلِيَّ عَيْنٌ يُنْتَفَعُ بِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَقْصُودَةً مَعَ بَقَائِهَا، فَجَازَ كَالْأَرَاضِي (وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ) لِأَنَّهَا تَحْتَكُّ بِالِاسْتِعْمَالِ فَيَذْهَبُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً، فَيَحْصُلُ الْأَجْرُ فِي مُقَابَلَتِهَا وَمُقَابَلَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا يُفْضِي إِلَى بَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَشَيْءٍ آخَرَ، وَعَنْهُ: الْوَقْفُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إِجَارَتِهِ بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ، فَأَمَّا بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا بَأْسَ لِتَصْرِيحِهِ بِجَوَازِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا هُوَ الْأَوْلَى ; لِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ نَقَصُهَا فَهُوَ شَيْءٌ يَسِيرٌ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ، وَلَا يَكَادُ يَظْهَرُ فِي وَزْنٍ، وَلَوْ ظَهَرَ فَالْأُجْرَةُ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْأَجْرِ ; لِأَنَّ الْأَجْرَ إِنَّمَا هُوَ عِوَضُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الذَّاهِبِ لَمَا جَازَ إِجَارَةُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى التَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَوِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَسْلُخُ لَهُ بَهِيمَةً بِجِلْدِهَا لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ يَخْرُجُ سَلِيمًا أَوْ لَا، وَهَلْ هُوَ ثَخِينٌ أَوْ رَقِيقٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، فَكَذَا هُنَا، فَلَوْ سَلَخَهَا بِذَلِكَ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَ رَاعِيًا بِثُلُثِ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا أَوْ جَمِيعِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّسَائِيِّ إِذِ الْعِوَضُ مَعْدُومٌ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي هَلْ يُوجَدُ أَمْ لَا، وَلَا يَصْلُحُ ثَمَنًا، لَا يُقَالُ: قَدْ جَوَّزْتُمْ دَفْعَ الدَّابَّةِ إِلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا بِجُزْءٍ مِنْ مَغْلِهَا ; لِأَنَّهُ جَازَ تَشْبِيهًا بِالْمُضَارَبَةِ ; لِأَنَّهَا عَيْنٌ تنْمى بِالْعَمَلِ فَجَازَ بِخِلَافِهِ هُنَا مَعَ أَنَّ الْمَجْدَ حَكَى رِوَايَةً بِالْجَوَازِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ لَوْ دَفَعَ نَحْلَهُ إِلَى مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مِنْ عَسَلِهِ، أَوْ شَمْعِهِ، وَالْمَذْهَبُ لَا يَصِحُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 هَذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ خِطْتَهُ رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنَّ خِطْتَهُ فَارِسِيًّا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً، فَقَالَ: إِنْ رَدَدْتَهَا الْيَوْمَ فَكِرَاؤُهَا خَمْسَةٌ، وَإِنْ رَدَدْتَهَا غَدًا فَكِرَاؤُهَا عَشَرَةٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَمَا   [المبدع في شرح المقنع] لِحُصُولِ نَمَائِهِ بِغَيْرِ عَمَلِهِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْجَوَازَ، فَلَوِ اكْتَرَاهُ عَلَى رَعْيِهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا صَحَّ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالْمُدَّةَ وَالْأَجْرَ مَعْلُومٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَعَلَهُ دَرَاهِمَ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ خِطْتَ هَذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعِوَضُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِدِينَارٍ نَقْدًا بِدِينَارَيْنِ نَسِيئَةً، فَعَلَى هَذَا لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ إِنْ فَعَلَ، وَالثَّانِيَةُ يَصِحُّ، قَالَهُ الْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ ; لِأَنَّهُ سَمَّى لِكُلِّ عَمَلٍ عِوَضًا مَعْلُومًا كَمَا لَوْ قَالَ: كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَكَذَا الْخِلَافُ إِنْ زَرَعَهَا بُرًّا، فَبِخَمْسَةٍ، وَذُرَةً بِعَشَرَةٍ. (وَإِنْ قَالَ: إِنْ خِطْتَهُ رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنَّ خِطْتَهُ فَارِسِيًّا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) بِنَاءً عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ الْعِوَضُ، وَلَا الْمُعَوَّضُ بِخِلَافِ كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْعَمَلَ الثَّانِيَ يَنْضَمُّ إِلَى الْأَوَّلِ، وَلِكُلٍّ عِوَضٌ مُقَدَّرٌ، وَعَنْهُ فِيمَنِ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحْمِلُ لَهُ كِتَابًا إِلَى الْكُوفَةِ، وَقَالَ: إِنْ أَوْصَلْتَهُ يَوْمَ كَذَا فَلَكَ عِشْرُونَ، وَإِنْ تَأَخَّرْتَ بَعْدَهُ فَلَكَ عَشَرَةٌ، أَنَّهَا فَاسِدَةٌ وَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ! . (وَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً، فَقَالَ: إِنْ رَدَدْتَهَا الْيَوْمَ فَكِرَاؤُهَا خَمْسَةٌ، وَإِنْ رَدَدْتَهَا غَدًا فَكِرَاؤُهَا عَشَرَةٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ) نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى التَّنَازُعِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ (دُونَ الثَّانِي) . قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ فَسَادُ الْعَقْدِ عَلَى قِيَاسِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيَاسُ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَالْأَنْصَارِيِّ صِحَّتُهُ (وَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 زَادَ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الْعَشْرَةِ وَحْدَهَا، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ لِمُدَّةِ غَزَاتِهِ، وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا فَجَائِزٌ. وَإِنْ أَكْرَاهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَكُلَّمَا دَخَلَ شَهْرٌ لَزِمَهُمَا حُكْمُ الْإِجَارَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] فَمَا زَادَ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ) فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ (هُوَ جَائِزٌ) لِأَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ عِوَضًا مَعْلُومًا فَهُوَ كَمَا لَوِ اسْتَقَى كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ مَنْصُورٍ نَحْوَهُ (وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الْعَشْرَةِ وَحْدَهَا) لِأَنَّ الْمُؤَجَّرَ الَّذِي تُقَابِلُهُ الْعَشْرَةُ مَعْلُومٌ دُونَ مَا بَعْدَهُ ; لِأَنَّ مُدَّتَهُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَلَمْ تَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحْمِلَ هَذِهِ الصَّبْرَةَ وَهِيَ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ فَلَكَ بِحِسَابِهِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ لَا نَصَّ لِلْإِمَامِ فِيهَا، وَقِيَاسُ قَوْلِهِ صِحَّتُهَا، وَلَوْ سَلِمَ فَسَادُهَا فَالْقُفْزَانُ الَّذِي شَرَطَ حَمْلَهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِجَهَالَتِهَا بِخِلَافِ الْأَيَّامِ فَإِنَّهَا مَعْلُومَةٌ (وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ لِمُدَّةِ غَزَاتِهِ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ الْمُدَّةَ وَالْعَمَلَ مَجْهُولَانِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ لِمُدَّةِ سِفْرِهِ فِي تِجَارَتِهِ لِاخْتِلَافِهَا طُولًا وَقِصَرًا، فَإِنْ فَعَلَ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ (وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا فَجَائِزٌ.) «لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ آجَرَ نَفْسَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَلِأَنَّ الْأَجْرَ وَكُلَّ يَوْمٍ مَعْلُومَانِ فَصَحَّ كَمَا لَوْ آجَرَه شَهْرًا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُسْتَأْجَرُ لَهُ مِنْ رُكُوبٍ وَحَمْلٍ مَعْلُومٍ، وَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى سَوَاءٌ أَقَامَتْ أَوْ سَارَتْ ; لِأَنَّ الْمَنَافِعَ ذَهَبَتْ فِي مُدَّتِهِ كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ دَارًا وَأَغْلَقَهَا، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ الْمُدَّةَ مَجْهُولَةٌ. (وَإِنْ أَكْرَاهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَصِحُّ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَانِ لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: جُعْتُ مَرَّةً جُوعًا شَدِيدًا، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُ الْعَمَلَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ قَدْ جَمَعَتْ مَدَرًا، فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُرِيدُ بَلَّهُ، فَقَاطَعْتُهَا كُلَّ ذَنُوبٍ بِتَمْرَةٍ، فَمَدَرْتُ سِتَّةَ عَشَرَ ذَنُوبًا، فَعَدَّتْ لِي سِتَّةَ عَشَرَ تَمْرَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ فَأَكَلَ مَعِيَ مِنْهَا» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمِثْلُهُ إِذَا بَاعَهُ الصَّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، فَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ يَتْبَعُ الْعِلْمَ بِالْمُثَمَّنِ، فَهُنَا كَذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْأَجْرِ يَتْبَعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 الْفَسْخُ عِنْدَ تَقَضِّي كُلِّ شَهْرٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ. فَصْلٌ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً مَقْصُودَةً، فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الزِّنَا   [المبدع في شرح المقنع] الْعِلْمَ بِالْمَنْفَعَةِ، فَعَلَى هَذَا تَلْزَمُ الْإِجَارَةُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَمَا بَعْدَهُ يَكُونُ مُرَاعًى، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَكُلَّمَا دَخَلَ شَهْرٌ لَزِمَهُمَا حُكْمُ الْإِجَارَةِ) وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ دُخُولَهُ بِمَنْزِلَةِ إِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ ابْتِدَاءً (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ) بِأَنْ يَقُولَ: فَسَخْتُ الْإِجَارَةَ فِي الشَّهْرِ الْآخَرِ، وَلَيْسَ بِفَسْخٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَمْ يَثْبُتْ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (عِنْدَ تَقَضِّي كُلِّ شَهْرٍ) لِأَنَّ اللُّزُومَ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الدُّخُولِ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ إِيقَاعِ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الشَّهْرِ الْآخَرِ يَلْزَمُ، وَلَمْ يَمْلِكَا الْفَسْخَ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يَلْزَمُ بَقِيَّةَ الشُّهُورِ إِذَا شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الْفَسْخُ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي، وَبِهِ قَطَعَ الْمَجْدُ وَأَوْرَدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ مَذْهَبًا، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِذَا تَرَكَ التَّلَبُّسَ بِهِ فَهُوَ كَالْفَسْخِ لَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ لِعَدَمِ الْعَقْدِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ) وَابْنُ عَقِيلٍ حَكَاهُ عَنْهُ فِي " الشَّرْحِ " (لَا يَصِحُّ) الْعَقْدُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ ; لِأَنَّ الْمُدَّةَ مَجْهُولَةٌ، وَحَمَلَا كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى مُعَيَّنَةٍ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ أَمَّا لَوْ قَالَ: آجَرْتُكَ دَارِي عِشْرِينَ شَهْرًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّ الْمُدَّةَ وَالْأَجْرَ مَعْلُومَانِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ ; لِأَنَّهَا مُدَّةٌ وَاحِدَةٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أَجَرْتُكَ عِشْرِينَ شَهْرًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: آجَرْتُكَ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ تَلَبَّسَ بِهِ، فَلَوْ قَالَ: أَجَرْتُكَ هَذَا الشَّهْرَ بِدِرْهَمٍ وَكُلَّ شَهْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي الْأَوَّلِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً] فَصْلٌ (الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً) لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 وَالزَّمْرِ وَالْغِنَاءِ، وَلَا إِجَارَةُ الدَّارِ لِتُجْعَلَ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ لِبَيْعِ الْخَمْرِ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَيُكْرَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " كَإِجَارَةِ دَارٍ يَجْعَلُهَا مَسْجِدًا، وَشَجَرٍ لِنَشْرِ ثِيَابِهِ وَقُعُودِهِ بِظِلِّهِ (مَقْصُودَةً) فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ شَمْعٍ لِيَتَجَمَّلَ بِهِ وَيَرُدَّهُ، وَطَعَامٍ لِيَتَجَمَّلَ بِهِ عَلَى مَائِدَتِهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ، وَلَا ثَوْبٍ يُوضَعُ عَلَى سَرِيرِ الْمَيِّتِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَلِأَنَّ مَا لَا يُقْصَدُ لَا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مُتَقَوَّمَةً، فَلَوِ اسْتَأْجَرَ تُفَّاحَةً لِلشَّمِّ لَمْ يَصِحَّ، وَمَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَلَوِ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبِ الْمُؤَجِّرِ فَلَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ (فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الزِّنَا وَالزَّمْرِ وَالْغِنَاءِ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ مَطْلُوبٌ عَدَمُهَا، وَصِحَّةُ الْإِجَارَةِ تُنَافِيهَا، إِذِ الْمَنْفَعَةُ الْمُحَرَّمَةُ لَا تُقَابَلُ بِالْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ، فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ أَشْبَهَ إِجَارَةَ أَمَتِهِ لِلزِّنَا. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا فِي الْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةِ (وَلَا إِجَارَةُ الدَّارِ لِتُجْعَلَ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ) مَعَ ظَنِّ الْفِعْلِ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَا، وَالْمُرَادُ بِهَا النَّارُ الَّتِي يَعْبُدُهَا الْمَجُوسُ أَوْ مَنْ يَعْبُدُهَا (أَوْ لِبَيْعِ الْخَمْرِ) وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ فَلَمْ تَجُزِ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ كَإِجَارَةَ عَبْدِهِ لِلْفُجُورِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. (وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْمَيْتَةِ) أَيْ لِلْأَكْلِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُضْطَرُّ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا (وَالْخَمْرِ) أَيْ لِلشُّرْبِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَعَنَ حَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَيَصِحُّ لِإِلْقَائِهَا وَإِرَاقَتِهَا، وَفِي " الْفُرُوعِ " إِنَّ طَرْحَهَا كَأَكْلِهَا (وَعَنْهُ: يَصِحُّ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ (وَيُكْرَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ) لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي حُرْمَتِهِ، وَعَنْهُ فِيمَنْ حَمَلَ خِنْزِيرًا لِذِمِّيَّةٍ أَوْ خَمْرًا لِنَصْرَانِيٍّ: أَكْرَهُ أَكْلَ أُجْرَتِهِ، وَيُقْضَى لِلْحَمَّالِ بِالْكِرَاءِ، فَإِنْ كَانَ لِمُسْلِمٍ فَهُوَ أَشَدُّ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِيُرِيقَهَا، فَأَمَّا لِلشُّرْبِ فَمَحْظُورٌ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 فَصْلٌ وَالْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، أَحَدُهُمَا: إِجَارَةُ عَيْنٍ، فَيَجُوزُ إِجَارَةُ كُلِّ عَيْنٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا. فَيَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُ حَائِطٍ لِيَضَعَ عَلَيْهِ أَطْرَافَ خَشَبِهِ، وَحَيَوَانٍ لِيَصِيدَ بِهِ إِلَّا الْكَلْبَ، وَاسْتِئْجَارُ كِتَابٍ لِيَقْرَأَ فِيهِ إِلَّا الْمُصْحَفَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] يَحِلُّ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَبَعيد فِي " الْمُغْنِي " هَذَا التَّأْوِيلَ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " هَلْ يَأْكُلُ الْأَجْرَ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. [وَالْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ] [الضَّرْبُ الْأَوَّلُ إِجَارَةُ الْعَيْنِ] [إِجَارَةُ كُلِّ عَيْنٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا] فَصْلٌ (وَالْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، أَحَدُهُمَا: إِجَارَةُ عَيْنٍ، فَيَجُوزُ إِجَارَةُ كُلِّ عَيْنٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا) كَالْأَرْضِ، وَالدُّورِ، وَالْبَهَائِمِ، وَالثِّيَابِ، وَنَحْوِهَا (فَيَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُ حَائِطٍ لِيَضَعَ عَلَيْهِ أَطْرَافَ خَشَبِهِ) أَيْ إِذَا كَانَ الْخَشَبُ مَعْلُومًا ; لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَاسْتِيفَائِهَا، فَجَازَتْ كَالسَّطْحِ لِلنَّوْمِ عَلَيْهِ (وَحَيَوَانٍ لِيَصِيدَ بِهِ) كَالْفَهِدِ وَالْبَازِي فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ; لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا تَجُوزُ إِعَارَتُهُ لَهُ فَكَذَا إِجَارَتُهُ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " أَنَّهُ يَصِحُّ إِجَارَتُهَا لِلصَّيْدِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَيْعِهَا الْخِلَافَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ سِبَاعَ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ الَّتِي لَا يَصْلُحُ لِلصَّيْدِ لَا تَجُوزُ إِجَارَتُهَا لِعَدَمِ النَّفْعِ فِيهَا (إِلَّا الْكَلْبَ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالْخِنْزِيرِ لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِصَيْدٍ وَحِرَاسَةٍ لِوُجُودِ النَّفْعِ الْمُبَاحِ (وَاسْتِئْجَارِ كِتَابٍ) فِيهِ عِلْمٌ مُبَاحٌ (لِيَقْرَأَ فِيهِ) لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَكَذَا النَّسْخُ، وَالرِّوَايَةُ مِنْهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالِانْتِفَاعِ لَعَمَّ، وَتَجُوزُ إِجَارَةُ كِتَابٍ فِيهِ خَطٌّ حَسَنٌ يَنْقُلُ مِنْهُ، وَيَكْتُبُ عَلَيْهِ عَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (إِلَّا الْمُصْحَفَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إِجْلَالًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِهِ عَنِ الْمُعَاوَضَةِ بِهِ فَلَمْ تَجُزْ إِجَارَتُهُ، وَالثَّانِي: بَلَى ; لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ مُبَاحٌ كَالْإِعَارَةِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْبَيْعِ عَدَمُ جَوَازِ الْإِجَارَةِ كَالْحُرِّ، وَالْوَقْفِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ. فَرْعٌ: يَصِحُّ نَسْخُ الْمُصْحَفِ بِأُجْرَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَسَخَهُ ذِمِّيٌّ وَلَمْ يَحْمِلْهُ، فَوَجْهَانِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَاسْتِئْجَارُ النَّقْدِ لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ لَا غَيْرَ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِجَارَةَ لَمْ تَصِحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَتَصِحُّ فِي الْآخَرِ، وَيَنْتَفِعُ بِهَا فِي ذَلِكَ، وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ وَامْرَأَةٍ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ وَحَضَانَتِهِ. وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يُعْقَدَ عَلَى نَفْعِ الْعَيْنِ دُونَ أَجْزَائِهَا، فَلَا تَصِحُّ إِجَارَةُ الطَّعَامِ لِلْأَكْلِ، وَلَا الشَّمْعِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَاسْتِئْجَارُ النَّقْدِ لِلتَّحَلِّي) أَيْ لِتَحْلِيَةِ امْرَأَةٍ (وَالْوَزْنِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيهِ بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ (لَا غَيْرَ) مِنَ الِاتِّفَاقِ، وَنَحْوِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِذْهَابِ عَيْنِهَا وَبَقَاؤُهَا شَرْطٌ (فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِجَارَةَ لَمْ تَصِحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَالَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " ; لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ، وَهُوَ فِي النَّقْدَيْنِ إِنَّمَا هُوَ بِأَعْيَانِهِمَا، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ قَرْضًا ; لِأَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ الِانْتِفَاعُ حُمِلَ عَلَى الْمُعْتَادِ (وَتَصِحُّ فِي الْآخَرِ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " ; لِأَنَّ الْعَقْدَ مَتَى أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ كَانَ أَوْلَى مِنْ إِفْسَادِهِ (وَيَنْتَفِعُ بِهَا فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْوَزْنِ وَالتَّحَلِّي لِأَنَّهُمَا هُمَا اللَّذَانِ حُمِلَ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا أَشَبَهَ اسْتِئْجَارَ الدَّارِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَيُحْمَلُ عَلَى السُّكْنَى وَوَضْعِ الْمَتَاعِ فِيهَا. (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ) كَالْأَجْنَبِيِّ، وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ غَيْرَ الْأَبِ، وَلَهُ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِعَمَلٍ مُبَاحٍ، وَعَنْهُ غَيْرَ خِدْمَةٍ، وَقِيلَ: إِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ مُبَاحٍ فِي ذِمَّتِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ (وَامْرَأَةٍ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ وَحَضَانَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - 32 «لَا تُرْضِعْ لَكُمُ الْحَمْقَاءُ» 32 يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ اسْتِرْضَاعِ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَصِحُّ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ فَيَصِحُّ مَعَهُ كَالْبَيْعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي حِبَالِ الزَّوْجِ أَوْ مُطَلَّقَةً فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ، وَحَمَلَ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّهَا فِي حِبَالِ زَوْجٍ آخَرَ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي حِبَالِ زَوْجٍ آخَرَ لَسَقَطَ حَقُّهَا مِنَ الْحَضَانَةِ ثُمَّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُرْضِعَ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، وَبَقِيَّةُ الْأَقَارِبِ كَالْأُمِّ فِي الْجَوَازِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. [شُرُوطُ صِحَّةِ إِجَارَةِ الْعَيْنِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ يُعْقَدَ عَلَى نَفْعِ الْعَيْنِ دُونَ أَجْزَائِهَا] (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يُعْقَدَ عَلَى نَفْعِ الْعَيْنِ دُونَ أَجْزَائِهَا) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ هِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَلَا تَدْخُلُ الْأَجْزَاءُ فِيهَا (فَلَا تَصِحُّ إِجَارَةُ الطَّعَامِ لِلْأَكْلِ، وَلَا الشَّمْعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 لِشَعْلِهِ، وَلَا حَيَوَانٍ لِيَأْخُذَ لَبَنَهُ إِلَّا فِي الظِّئْرِ، وَنَقْعِ الْبِئْرِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَبَعًا. الثَّانِي:   [المبدع في شرح المقنع] لِشَعْلِهِ) لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إِلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنِهِ فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ دِينَارًا لِيُنْفِقَهُ، فَلَوِ اكْتَرَى شَمْعَةً لِيُسْرِجَهَا وَيَرُدَّ بَقِيَّتَهَا وَثَمَنَ مَا ذَهَبَ وَأَجْرَ الْبَاقِي فَهُوَ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ يَشْمَلُ بَيْعًا وَإِجَارَةً، وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْبَيْعِ مَجْهُولٌ، وَحَيْثُ جُهِلَ جُهِلَ الْآخَرَانِ (وَلَا حَيَوَانٍ لِيَأْخُذَ لَبَنَهُ) كَالْإِبِلِ وَنَحْوِهَا، وَأَخْذُ الصُّوفِ، وَالشَّعْرِ، وَالْوَبَرِ كَاللَّبَنِ، وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِجَارَةَ الْحَيَوَانِ لِأَخْذِ لَبَنِهِ، فَإِنْ قَامَ عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَعَلَفَهَا فَكَاسْتِئْجَارِ الشَّجَرِ، وَإِنْ عَلَفَهَا رَبُّهَا وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي اللَّبَنَ فَبَيْعٌ، وَلَيْسَ هَذَا بِغَرَرٍ، فَإِنَّهُ كَمَنِيحَةِ الشَّاةِ وَهُوَ عَارِيَتُهَا لِلِانْتِفَاعِ بِلَبَنِهَا كَمَا يُعِيرُهُ الدَّابَّةَ لِرُكُوبِهَا ; لِأَنَّ هَذَا يَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَهُوَ بِالْمَنَافِعِ أَشْبَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهَا أَوْلَى (إِلَّا فِي الظِّئْرِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَنَقَعِ الْبِئْرِ) أَيْ مَاؤُهَا الْمُسْتَنْقَعُ فِيهَا، قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ، وَعَبَّرَ فِي " الْمُبْهِجِ " وَغَيْرِهِ: وَمَاءُ بِئْرٍ (فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَبَعًا) هُوَ عَائِدٌ إِلَى الْأَجِيرِ لِإِفْرَادِهِ الضَّمِيرَ، وَلَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إِلَى الظِّئْرِ ; لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ الْخِدْمَةَ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا مِمَّا ذُكِرَ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ; لِأَنَّ خِدْمَةَ الْمُرْضِعَةِ تَقَعُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنَ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ: يَدْخُلُ تَبَعًا ; لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَهُوَ أَصْلٌ لَا تَبَعٌ بِخِلَافِ نَقْعِ الْبِئْرِ فَإِنَّ هَوَاءَ الْبِئْرِ وَعُمْقَهُ فِيهِ نَوْعُ انْتِفَاعٍ لِمُرُورِ الدَّلْوِ فِيهِ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " يَعُودُ ذَلِكَ إِلَيْهِمَا. انْتَهَى. وَكَذَا حِبْرُ نَاسِخٍ، وَخُيُوطُ خَيَّاطٍ، وَكُحْلُ كَحَّالٍ، وَمَرْهَمُ طَبِيبٍ، وَمَنَعَهُ فِي " الْمُغْنِي ". قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْبِئْرِ لِيُسْقي مِنْهُ أَيَّامًا مَعْلُومًا، وَفِي " الْفُصُولِ " إِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْإِجَارَةِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَمْلِكُ بِحِيَازَتِهِ. تَنْبِيهٌ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِجَارَةُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَاءُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْمَيْتَةِ، وَصَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِجَوَازِهِ بِنَاءً عَلَى إِجَارَةِ الظِّئْرِ وَالْبِئْرِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُوقِعَ الْعَقْدَ عَلَى الْعَمَلِ، وَيُقَدِّرَهُ بِمَرَّةٍ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 مَعْرِفَةُ الْعَيْنِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَتَصِحُّ فِي الْآخَرِ بِدُونِهِ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. الثَّالِثُ: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَلَا تَصِحُّ إِجَارَةُ الْآبِقِ، وَالشَّارِدِ، وَلَا الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَلَا الْمَغْصُوبِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، وَلَا يَجُوزُ إِجَارَةُ الْمُشَاعِ   [المبدع في شرح المقنع] مَرَّتَيْنِ، وَقِيلَ: يُقَدَّرُه بِالْمُدَّةِ وَهُوَ بَعِيدٌ إِلَّا أَنْ يَكْتَرِيَ فَحْلًا لِإِطْرَاقِ مَاشِيَةٍ كَثِيرَةٍ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَطْرُقُهُ لَهُ جَازَ أَنْ يَبْذُلَ الْكِرَاءَ وَلَيْسَ لِلْمُطْرِقِ أَخْذُهُ، فَإِنْ أَطْرَقَ إِنْسَانٌ فَحْلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ لِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى شَيْئًا كَالْحَجَّامِ، فَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ مُقْتَضَى النَّظَرِ، وَحَمَلَهُ فِي " الْمُغْنِي " عَلَى الْوَرَعِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَلَوْ أَنْزَاهُ عَلَى فَرَسِهِ فَنَقَصَ ضَمِنَ نَقْصَهُ. [الشَّرْطُ الثَّانِي مَعْرِفَةُ الْعَيْنِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ] (الثَّانِي مَعْرِفَةُ الْعَيْنِ) الْمُؤَجَّرَةِ (بِرُؤْيَةٍ) إِنْ كَانَتْ لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ كَالدَّارِ، وَالْحَمَّامِ (أَوْ صِفَةٍ) إِنْ كَانَتْ تَنْضَبِطُ بِهَا كَالْبَيْعِ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، فَلَوِ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ حَمَّامًا فَلَا بُدَّ مِنَ الرُّؤْيَةِ كَالْمَبِيعِ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَمَعْرِفَةِ مَائِهِ، وَمُشَاهَدَةِ الْإِيوَانِ، وَمَطْرَحِ الرَّمَادِ، وَمَصْرِفِ الْمَاءِ، مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ كَرِهَ كِرَاءَ الْحَمَّامِ ; لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ مَنْ تَنْكَشِفُ عَوْرَتُهُ فِيهِ، وَحَمَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَالْعَقْدِ صَحِيحٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا حَيْثُ حَدَّدَهُ وَذَكَرَ جَمِيعَ آلَتِهِ شُهُورًا مُسَمَّاةً (وَتَصِحُّ فِي الْآخَرِ بِدُونِهِ) كَالْبَيْعِ إِذِ الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ (وَلِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) لِأَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ الْخِيَارُ، فَكَذَا هُنَا. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ] (الثَّالِثُ: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ) لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ، أَشْبَهَتْ بَيْعَ الْأَعْيَانِ (فَلَا تَصِحُّ إِجَارَةُ الْآبِقِ، وَالشَّارِدِ، وَلَا الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَلَا الْمَغْصُوبِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ إِجَارَتُهُ كَبَيْعِهِ (وَلَا يَجُوزُ إِجَارَةُ الْمُشَاعِ مُفْرَدًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 مُفْرِدًا لِغَيْرِ شَرِيكِهِ، وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ. الرَّابِعُ: اشْتِمَالُ الْعَيْنِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، فَلَا تَجُوزُ إِجَارَةُ بَهِيمَةٍ زَمِنَةٍ لِلْحَمْلِ، وَلَا أَرْضٍ لَا تُنْبِتُ الزَّرْعَ. الْخَامِسُ: كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَمْلُوكَةً لِلْمُؤَجِّرِ، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا، فَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِجَارَةُ الْعَيْنِ لِمَنْ يَقُومُ   [المبدع في شرح المقنع] لِغَيْرِ شَرِيكِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَنَقَلَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَنِ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إِلَّا بِتَسْلِيمِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْمَغْصُوبِ (وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ) اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْحُلْوَانِيُّ، وَالْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي حَوَاشِيهِ، وَصَاحِبُ " الْفَائِقِ "، وَغَيْرُهُمْ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَجَازَتْ إِجَارَتُهُ كَالْمُفْرَزِ، وَكَشَرِيكِهِ، وَكَمَا لَوْ آجَرَهُ الشَّرِيكَانِ مَعًا. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي طَرِيقَتِهِ: وَالصَّحِيحُ صِحَّةُ رَهْنِهِ، وَإِجَارَتِهِ، وَهِبَتِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ، وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَهَلْ إِيجَارٌ لِاثْنَيْنِ وَهُمَا الْوَاحِدُ أَوْ تَصِحُّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَكَذَا وَصِيَّتُهُ بِمَنْفَعَتِهِ، فَلَوْ كَانَتِ الدَّارُ لِوَاحِدٍ فَآجَرَ نِصْفَهَا صَحَّ ثُمَّ إِنْ آجَرَ الْآخَرَ لِلْأَوَّلِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَوَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا لِلْخِدْمَةِ لَمْ يَجُزْ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ حَبْسٌ يَتَضَمَّنُ إِذْلَالَ الْمُسْلِمِ فَلَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا إِذَا آجَرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ مُعَيَّنٍ فِي الذِّمَّةِ كَالْخِيَاطَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. فَائِدَةٌ: إِذَا اسْتَأْجَرَ دِيكًا يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ نَقَلَهُ إِبْرَاهِيمُ. [الشَّرْطُ الرَّابِعُ اشْتِمَالُ الْعَيْنِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ] (الرَّابِعُ: اشْتِمَالُ الْعَيْنِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَلَا تَجُوزُ إِجَارَةُ بَهِيمَةٍ زَمِنَةٍ لِلْحَمْلِ وَلَا أَرْضٍ) سَبَخَةٍ (لَا تُنْبِتُ الزَّرْعَ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ فَلَا تَصِحُّ إِجَارَتُهَا كَالْآبِقِ قَالَ فِي " الْمُوجَزِ ": وَحَمَامٍ لِحَمْلِ الْكُتُبِ لِتُعَذِّبَهُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ. قَالَ فِي " التَّبْصِرَةِ ": هُوَ أَوْلَى. [الشَّرْطُ الْخَامِسُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَمْلُوكَةً لِلْمُؤَجِّرِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا] (الْخَامِسُ: كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَمْلُوكَةً لِلْمُؤَجِّرِ، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا) لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَاشْتُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ كَالْبَيْعِ، فَلَوْ تَصَرَّفَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ وَلَا إِذَنْ لَهُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ كَبَيْعِهِ، وَقِيلَ: بَلَى وَيَقِفُ عَلَى الْإِجَارَةِ كَالْبَيْعِ (فَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِجَارَةُ الْعَيْنِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 مَقَامَهُ، وَيَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ وَغَيْرِهِ بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ وَزِيَادَةٍ، وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ بِزِيَادَةٍ، وَعَنْهُ: إِنْ جَدَّدَ فِيهَا عِمَارَةً جَازَتِ الزِّيَادَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَلِلْمُسْتَعِيرِ إِجَارَتُهَا إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمُعِيرُ   [المبدع في شرح المقنع] نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَالَهُ جَمْعٌ ; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ، فَجَازَ لَهُ إِجَارَتُهَا كَبَيْعِ الْمَبِيعِ (لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ فِي الِانْتِفَاعِ، أَوْ دُونَهُ ; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لِمَّا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إِجَارَتُهَا لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضَمَّنْ، وَالْمَنَافِعُ لَمْ تَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ لِعَدَمِ قَبْضِهَا أَشْبَهَ بَيْعَ الْمَكِيلِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ قَبْضَ الْعَيْنِ قَائِمٌ مُقَامَ قَبْضِ الْمَنَافِعِ كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرة، فَأَمَّا إِجَارَتُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ غَيْرِ الْمُؤَجَّرِ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ ; لِأَنَّ قَبْضَ الْعَيْنِ لَا يَنْتَقِلُ بِهِ الضَّمَانُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَقِفْ جَوَازُ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ ; لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَمْلُوكَةٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا الْقَبْضُ كَالْأَعْيَانِ. (وَيَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ) مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً كَعِينَةٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَجُزْ مِنْ غَيْرِ الْمُؤَجِّرِ فَوَجْهَانِ هُنَا، أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ كَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي بَلَى ; لِأَنَّ الْقَبْضَ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَصْلُهُمَا بِيعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ هَلْ يَصِحُّ مِنْ بَائِعِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (وَغَيْرِهِ) وَقَدْ سَبَقَ (بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ) فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ (وَزِيَادَةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ جَازَ بِرَأْسِ الْمَالِ جَازَ بِأَكْثَرَ كَبَيْعِ الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِهِ (وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ بِزِيَادَةٍ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ رِبْحٍ مَا لَمْ يُضَمَّنْ، وَالْمَنْفَعَةُ فِي الْإِجَارَةِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ (وَعَنْهُ: إِنْ جَدَّدَ فِيهَا عِمَارَةً جَازَتِ الزِّيَادَةُ) لِأَنَّ الرِّبْحَ وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ الْعِمَارَةِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فِيهَا عِمَارَةً لَمْ تَجُزِ الزِّيَادَةُ، فَلَوْ فَعَلَ تَصَدَّقَ بِالزِّيَادَةِ، وَعَنْهُ: إِنْ أَذِنَ الْمُؤَجِّرُ فِيهَا جَازَتْ، وَإِلَّا فَلَا. مَسْأَلَةٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ يَتَقَبَّلُ عَمَلَا مِنَ الْأَعْمَالِ، فَتَقَبَّلَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ يَجُوزُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 مُدَّةً بِعَيْنِهَا وَتَجُوزُ إِجَارَةُ الْوَقْفِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فَانْتَقَلَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ لَمْ تَنْفَسِخِ الْإِجَارَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَلِلثَّانِي حِصَّتُهُ مِنَ الْأُجْرَةِ وَإِنْ آجَرَ الْوَلِيُّ الْيَتِيمَ،   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ الْفَضْلُ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي هِيَ مَسْأَلَةٌ فِيهَا بَعْضُ الشَّيْءِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ فِي الْخَيَّاطِ إِذَا تَقَبَّلَ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ أَعَانَ فِيهَا أَخَذَ فَضَلَّا، وَإِلَّا فَلَهُ، وَحَمَلَ قَوْلَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى مَذْهَبِهِ فِيمَنِ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا لَا يُؤَجِّرُهُ بِزِيَادَةٍ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ سَوَاءٌ أَعَانَ فِيهِ شَيْءٌ أَمْ لَا كَالْبَيْعِ. (وَلِلْمُسْتَعِيرِ إِجَارَتُهَا) لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهَا لَجَازَ فَكَذَا إِجَارَتُهَا، وَلِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَجَازَ بِإِذْنِهِ (إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمُعِيرُ مُدَّةً بِعَيْنِهَا) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا تَجُوزُ إِلَّا فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ. [إِجَارَةُ الْوَقْفِ] (وَتَجُوزُ إِجَارَةُ الْوَقْفِ) لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَجَازَ لَهُ إِجَارَتُهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ (فَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فَانْتَقَلَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ لَمْ تَنْفَسِخِ الْإِجَارَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ آجَرَ مِلْكَهُ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ فَلَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهِ كَمَا لَوْ أَجَرَ مِلْكَهُ الطَّلْقَ (وَلِلثَّانِي حِصَّتُهُ مِنَ الْأُجْرَةِ) أَيْ مِنْ حِينِ مَوْتِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا رَجَعَ فِي تَرِكَتِهِ بِحِصَّتِهِ ; لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ لَهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُهَا، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا تَسْقُطُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ فَمِنْ مُسْتَأْجِرٍ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَيْسَ لِنَاظِرِ وَقْفٍ وَنَحْوِهِ تَعْجِيلُهَا كُلِّهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ، وَلَوْ شَرَطَهُ لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَأْخُذُ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّهُ الْآنَ، وَعَلَيْهِ لِلْبَطْنِ الثَّانِي أَنْ يُطَالِبُوا بِالْأُجْرَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ التَّسَلُّفُ، وَلَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوا النَّاظِرَ، وَالثَّانِي أَنَّهَا تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقَالَ: إِنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَابْنِهِ أَبِي الْحُسَيْنِ، وَابْنِ شَاقِلَا، وَابْنِ عَقِيلٍ ; لِأَنَّ الْبَطْنَ الثَّانِيَ يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ بِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا تَلَقِّيًا مِنَ الْوَاقِفِ بِانْقِرَاضِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الطَّلْقِ، فَإِنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ مِنْ جِهَةِ الْمَوْرُوثِ فَلَا يَمْلِكُ إِلَّا مَا خَلَّفَهُ، وَحَقُّ الْمَالِكِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ مِيرَاثِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ آثَارُهُ بَاقِيَةٌ فِيهِ، وَلِهَذَا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ، وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ، فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ عَلَى وَرَثَةِ مُؤَجِّرٍ قَابِضٍ بِحِصَّتِهِ مِنَ الْبَاقِي، وَخَرَّجَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَجْهًا بِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ مِنْ أَصْلِهَا بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 أَوِ السَّيِّدُ الْعَبْدَ ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعُتِقَ الْعَبْدُ لَمْ تَنْفَسِخِ الْإِجَارَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَنْفَسِخَ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمُسْتَأْجِرَ أَجْرُ الْمِثْلِ ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الْأُجْرَةُ مُقَسَّطَةً عَلَى أَشْهُرِ الْإِجَارَةِ، أَوْ أَعْوَامِهَا فَهِيَ صَفْقَتَانِ فِي الْأَصَحِّ لَا تَبْطُلُ جَمِيعُهَا بِبُطْلَانِ بَعْضِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُقَسَّطَةً فَهِيَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَطَّرِدُ فِيهَا الْخِلَافُ. وَاعْلَمْ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ إِذَا كَانَ الْآجِرُ النَّاظِرَ الْعَامَّ، أَوْ مَنْ شَرَطَهُ لَهُ وَكَانَ أَجْنَبِيًّا بِمَوْتِهِ وَلَا عِزَّ لَهُ. فَرْعٌ: إِذَا آجَرَ الْوَقْفَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَطَلَبَهُ غَيْرُ مُسْتَأْجِرِهِ بِزِيَادَةٍ فَلَا فَسْخَ، وَكَذَا لَوْ آجَرَهُ الْمُتَوَلِّي عَلَى مَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ فِي الْمُفِيدِ لَهُمْ: لَا يُعْرَفُ لَهُ وَجْهٌ. أَصْلٌ: تَجُوزُ إِجَارَةُ الْإِقْطَاعِ كَمَوْقُوفٍ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَخَالَفَ فِيهِ جَمْعٌ، فَلَوْ آجَرَهُ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ بِإِقْطَاعٍ آخَرَ فَكَمَوْقُوفٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْقَوَاعِدِ ". [آجَرَ الْوَلِيُّ الْيَتِيمَ أَوْ مَالَهُ مُدَّةً ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَرَشَدَ] (وَإِنْ آجَرَ الْوَلِيُّ الْيَتِيمَ) أَوْ مَالَهُ (أَوِ السَّيِّدُ الْعَبْدَ) مُدَّةً (ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ) وَرَشَدَ (وَعُتِقَ الْعَبْدُ) فِي أَثْنَائِهَا (لَمْ تَنْفَسِخِ الْإِجَارَةُ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ; لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ لَهُ تَصَرُّفًا لَازِمًا فَلَا تَنْفَسِخُ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ أَوْ بَاعَ عَقَارَهُ وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَنْفَسِخَ) هَذَا وَجْهٌ ; لِأَنَّهُ أَجَرَهُ مُدَّةً لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا بِالْكُلِّيَّةِ أَشْبَهَ إِجَارَةَ الْوَقْفِ، وَيَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَنْبَرِمُ فِي الْحَالِ وَيَنْقَطِعُ عَنْهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ بُلُوغُهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ يَنْبَرِمُ مِنْ حِينِهِ، وَيَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ فِيهِ بِالدُّخُولِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تُقَسَّطُ عَلَى الْمُدَّةِ، وَلَا يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ فِيهَا إِلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَجْهًا أَنَّهُ إِذَا آجَرَهُ مُدَّةً يُعْلَمُ بُلُوغُهُ فِيهَا قَطْعًا لَمْ يَصِحَّ فِي الزَّائِدِ وَيَخْرُجُ الْبَاقِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا مَاتَ الْوَلِيُّ أَوْ عُزِلَ، وَانْتَقَلَتْ عَنْهُ الْوِلَايَةُ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَبْطُلْ عَقْدُهُ ; لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ وَهُوَ مَنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ فِيمَا لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْطُلْ تَصَرُّفُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ نَاظِرُ الْوَقْفِ، أَوْ عُزِلَ، أَوِ الْحَاكِمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 فَصْلٌ وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَإِجَارَةِ الدَّارِ شَهْرًا، وَالْأَرْضِ عَامًا، وَالْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلرَّعْيِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَيُسَمَّى الْأَجِيرُ فِيهَا الْأَجِيرَ الْخَاصَّ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَيْنِ فِيهَا وَإِنْ طَالَتْ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَلِيَ الْعَقْدَ، فَلَوْ أَجَرَهُ سَنَةَ خَمْسٍ فِي سَنَةِ   [المبدع في شرح المقنع] [إِجَارَةُ الْعَيْنِ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ] [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ] فَصْلٌ (وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَإِجَارَةِ الدَّارِ شَهْرًا) وَهُوَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا (وَالْأَرْضِ عَامًا) وَشَاهِدُهُ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] ، فَلَوْ قَدَّرَهَا بِسَنَةٍ مُطْلَقَةٍ حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيَّةِ ; لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ، فَإِذَا وَصَفَهَا بِهِ كَانَ تَأْكِيدًا، فَإِنْ قَالَ: عَدَدِيَّةً، فَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا، فَإِنْ قَالَ: رُومِيَّةً، أَوْ شَمْسِيَّةً، أَوْ فَارِسِيَّةً، أَوْ قِبْطِيَّةً، وَهُمَا يَعْلَمَانِ جَازَ، وَكَانَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَسِتِّينَ يَوْمًا، فَإِنَّ أَشْهُرَ الرُّومِ مِنْهَا سَبْعَةٌ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَأَرْبَعَةٌ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَوَاحِدٌ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَهُوَ شُبَاطُ، وَزَادَهُ الْحِسَابُ رُبُعًا، وَشُهُورُ الْقِبْطِ كُلُّهَا ثَلَاثُونَ ثَلَاثُونَ، وَزَادُوهَا خَمْسَةً لِتُسَاوِيَ سَنَتُهُمُ السَّنَةَ الرُّومِيَّةَ (وَالْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلرَّعْيِ مُدَّةً مَعْلُومَةً) فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ إِجَارَةَ الْعَيْنِ تَارَةً تَكُونُ فِي الْآدَمِيِّ، وَتَارَةً فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَنَازِلِ وَالدَّوَابِّ، وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا (وَيُسَمَّى الْأَجِيرُ فِيهَا الْأَجِيرَ الْخَاصَّ) لِاخْتِصَاصِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَنْفَعَتِهِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ. (وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً) هَذَا تَكْرَارٌ (يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَيْنِ فِيهَا) لِأَنَّ الْمُدَّةَ هِيَ الضَّابِطَةُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمُعَرِّفَةُ لَهُ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهَا كَالْمَكِيلَاتِ (وَإِنْ طَالَتْ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لَهَا كَوْنُ الْمُسْتَأْجِرِ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا غَالِبًا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْعَاقِدِ وَلَوْ مُدَّةً لَا يَظُنُّ فَنَاءَ الدُّنْيَا فِيهَا، وَقِيلَ: بَلَى تَصِحُّ إِلَى سَنَةٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثِينَ، وَحَكَاهُ فِي " الرِّعَايَةِ " نصا ; لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَبْقَى إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَتَتَغَيَّرُ الْأَسْعَارُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ بَلِ الْوَقْفُ أَوْلَى، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالسَّقْفُ وَالْبَسِيطُ سَوَاءٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 أَرْبَعٍ صَحَّ سَوَاءٌ كَانَتِ الْعَيْنُ مَشْغُولَةً وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَإِذَا آجَرَهُ فِي أَثْنَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: لَيْسَ لِوَكِيلٍ مُطْلَقُ إِيجَارِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً بَلِ الْعُرْفُ كَسَنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. مَسْأَلَةٌ: لَوْ عَلَّقَهَا عَلَى مَا يَقَعُ اسْمُهُ عَلَى شَيْئَيْنِ كَالْعِيدِ وَرَبِيعٍ صَحَّ وَانْصَرَفَ إِلَى الْأَوَّلِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعَيِّنَ ذَلِكَ عَلَى شَهْرٍ مُفْرَدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ مِنْ أَيِّ سَنَةٍ وَعَلَى يَوْمٍ يُبَيِّنُهُ مِنْ أَيِّ أُسْبُوعٍ. (وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَلِيَ الْعَقْدَ) لِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مَعَ غَيْرِهَا، فَجَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً كَالَّتِي تَلِي الْعَقْدَ (فَلَوْ أَجَرَهُ سَنَةَ خَمْسٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ صَحَّ سَوَاءٌ كَانَتِ الْعَيْنُ مَشْغُولَةً وَقْتَ الْعَقْدِ) بِإِجَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ إِنْ قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا عِنْدَ وُجُوبِهِ (أَوْ لَمْ تَكُنْ) لِأَنَّهُ إِنَّمَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِهِ كَالسَّلَمِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَتَصَرَّفُ مَالِكُ الْعَقَارِ فِي الْمَنَافِعِ بِإِجَارَةٍ، وَلَا عَارِيَةٍ إِلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَحَقَّةِ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ ; لِأَنَّهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفَاتُ الْمَالِكِ فِي مَحْبُوسٍ بِحَقٍّ ; لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ، فَمُرَادُ الْأَصْحَابِ مُتَّفِقٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ إِجَارَةُ الْمُؤَجِّرِ، وَيُعْتَبَرُ التَّسْلِيمُ وَقْتَ وُجُوبِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِيجَارُهُ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْمُؤَجِّرِ، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِجَارَةُ الْمَشْغُولِ بِمِلْكِ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِجَوَازِهِ فِيمَنِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مِنْ جُنْدِيٍّ وَغَرَسَهَا قَصَبًا ثُمَّ انْتَقَلَ الْإِقْطَاعُ عَنِ الْجُنْدِيِّ أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِمَنْ لَهُ الْقَصَبُ أَوْ لِغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا وَقَعَتِ عَلَى مُدَّةٍ تَلِي الْعَقْدَ لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ ابْتِدَائِهَا وَهِيَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَلِيهِ اشْتُرِطَ ذَلِكَ كَالِانْتِهَاءِ، فَلَوْ آجَرَهُ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً لَمْ يَصِحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ، فَافْتَقَرَ إِلَى التَّعْيِينِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، اخْتَارَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَنَصَرَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 شَهْرٍ سَنَةً، اسْتَوْفَى شَهْرًا بِالْعَدَدِ، وَسَائِرَهَا بِالْأَهِلَّةِ، وَعَنْهُ: يَسْتَوْفِي الْجَمِيعَ بِالْعَدَدِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَشْهُرُ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَشَهْرَيْ صِيَامِ الْكَفَّارَةِ. فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي: إِجَارَتُهَا لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ كَإِجَارَةِ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ بَقَرٍ لِحَرْثِ مَكَانٍ أَوْ دِيَاسِ زَرْعٍ، أَوِ اسْتِئْجَارِ عَبْدٍ لِيَدُلَّهُ عَلَى طَرِيقٍ، أَوْ رَحًى   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الشَّرْحِ "، وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ لِقِصَّةِ شُعَيْبٍ، وَكَمُدَّةِ التَّسْلِيمِ. (وَإِذَا آجَرَهُ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ سَنَةً، اسْتَوْفَى شَهْرًا بِالْعَدَدِ) أَيِ الْأَوَّلَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي نَذْرٍ وَصَوْمٍ ; لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْهِلَالِ فَتَمَّمْنَاهُ بِالْعَدَدِ (وَسَائِرَهَا بِالْأَهِلَّةِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا بِالْأَهِلَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ ; لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَعَنْهُ: يَسْتَوْفِي الْجَمِيعَ بِالْعَدَدِ) لِأَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ يَنْبَغِي أَنْ يُكْمَلَ مِنَ الثَّانِي فَيَحْصُلُ ابْتِدَاءُ الشَّهْرِ الثَّانِي فِي أَثْنَائِهِ، وَكَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ يَأْتِي بَعْدَهُ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَشْهُرُ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَشَهْرَيْ صِيَامِ الْكَفَّارَةِ) نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي نَذْرٍ وَلِأَنَّهُ سَاوَى مَا تَقَدَّمَ مَعْنًى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ. [الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ إِجَارَتُهَا لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ] فَصْلٌ (الْقِسْمُ الثَّانِي إِجَارَتُهَا) أَيِ الْعَيْنِ (لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِيهَا مَعْلُومًا لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ كَالْبَيْعِ (كَإِجَارَةِ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بَقَرٍ لِحَرْثِ مَكَانٍ) لِأَنَّهَا خُلِقَتْ لَهُ، وَقَدْ أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَتُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ الْأَرْضِ بِالْمُشَاهَدَةِ لِاخْتِلَافِهَا بِالصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ، وَتَقْدِيرُ الْعَمَلِ إِمَّا بِالْمُدَّةِ كَيَوْمٍ، وَإِمَّا بِمَعْرِفَةِ الْأَرْضِ كَهَذِهِ، أَوْ بِالْمِسَاحَةِ كَجَرِيبٍ، فَإِنْ قَدَّرَهُ بِالْمُدَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْبَقَرة الَّتِي تَعْمَلُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا مُفْرَدَةً لِيَتَوَلَّى رَبُّ الْأَرْضِ الْحَرْثَ بِهَا وَمَعَ صَاحِبِهَا بِآلَتِهَا وَبِدُونِهَا، وَتَكُونُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 لِطَحْنِ قُفْزَانٍ مَعْلُومَةٍ، فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَمَلِ وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ.   [المبدع في شرح المقنع] الْآلَةُ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْأَرْضِ (أَوْ دِيَاسِ زَرْعٍ) لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ كَالْحَرْثِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهَا لَكِنْ إِنْ كَانَ عَلَى مُدَّةٍ احْتِيجَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَيَوَانِ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ فَمِنْهُ مَا رَوْثُهُ طَاهِرٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ نَجِسٌ وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى زَرْعٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ مَوْصُوفٍ فَلَا كَالْحَرْثِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ اكْتِرَاءُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَا خُلِقَ لَهُ كَالْبَقَرِ لِلرُّكُوبِ، أَوِ الْحَمْلِ، وَالْإِبِلِ، وَالْحُمُرِ لِلْحَرْثِ ; لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا مِنَ الْحَيَوَانِ لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا فَجَازَ كَالَّتِي خُلِقَتْ لَهُ، وَقَوْلُهَا: إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ، أَيْ مُعْظَمُ نَفْعِهَا، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي شَيْءٍ آخَرَ. (أَوِ اسْتِئْجَارِ عَبْدٍ لِيَدُلَّهُ عَلَى طَرِيقٍ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبَا بَكْرٍ اسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأُرَيْقِطِ هَادِيًا خِرِّيتًا - وَهُوَ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ - لِيَدُلَّهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَنْ لَعَمَّ (أَوْ رَحًى لِطَحْنِ قُفْزَانٍ مَعْلُومَةٍ) وَيُحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ جِنْسِ الْمَطْحُونِ ; لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، فَمِنْهُ مَا يَسْهُلُ، وَمِنْهُ مَا يَعْسُرُ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ لِتَزُولَ الْجَهَالَةُ (فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَمَلِ وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ) لِأَنَّ الْعَمَلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا مَضْبُوطًا بِمَا ذُكِرَ يَكُونُ مَجْهُولًا فَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ مَعَهُ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، فَاشْتُرِطَ مَعْرِفَتُهُ وَضَبْطُهُ بِمَا ذُكِرَ كَالْمَبِيعِ. [مَسَائِل في الإجارة] 1 مَسَائِلُ: الْأُولَى: يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ بَهِيمَةٍ لِإِدَارَةِ الرَّحَى، وَتَفْتَقِرُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَجَرِ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوِ الصِّفَةِ ; لِأَنَّ عَمَلَهُمَا فِيهِ يَخْتَلِفُ، وَإِلَى تَقْدِيرِ الْعَمَلِ بِالزَّمَانِ كَيَوْمٍ، أَوْ بِالطَّعَامِ كَقَفِيزٍ، وَيُذْكَرُ جِنْسُهُ إِنِ اخْتَلَفَ، وَإِنْ أَكْرَاهَا لِإِدَارَةِ دُولَابٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ، وَيُقَدَّرُ بِالزَّمَانِ وَمَلْءِ الْحَوْضِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ كَيَّالٍ أَوْ وَزَّانٍ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ أَوْ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ مَضْبُوطَةٍ بِصِفَاتٍ كَالسَّلَمِ،   [المبدع في شرح المقنع] الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا لِيُلَازِمَ غَرِيمًا يَسْتَحِقُّ مُلَازَمَتَهُ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ بِهِ. الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِحَفْرِ الْآبَارِ، وَالْأَنْهَارِ، وَالْقُنِيِّ كَالْخِدْمَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ، وَيَفْتَقِرُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا حَفَرَ بِئْرًا فَعَلَيْهِ شَيْلُ التُّرَابِ، فَإِنْ تَهَرَّرَ مِنْ جَانِبَيْهِ، أَوْ سَقَطَتْ بَهِيمَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْلُهُ وَكَانَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، فَإِنْ وَصَلَ إِلَى صَخْرَةٍ أَوْ جَمَادٍ يَمْنَعُ الْحَفْرَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَهُ الْفَسْخُ، فَإِنْ فَسَخَ فَلَهُ مِنَ الْأَجْرِ بِقِسْطِ مَا عَمِلَ، فَيُقَسَّطُ الْأَجْرُ عَلَى مَا عَمِلَ وَعَلَى مَا بَقِيَ وَلَا يُقَسَّطُ عَلَى أَذْرُعٍ وَنَحْوِهِ ; لِأَنَّ أَعْلَاهُ يَسْهُلُ نَقْلُ التُّرَابِ مِنْهُ بِخِلَافِ أَسْفَلِهِ، وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْهُ كَالصَّخْرَةِ إِذَا ظَهَرَتْ. الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَبِيعُ لَهُ أَثْوَابًا مُعَيَّنَةً، فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى شِرَاءِ ثِيَابٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَفِي الصِّحَّةِ احْتِمَالَانِ. [الضَّرْبُ الثَّانِي عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ مَضْبُوطَةٍ بِصِفَاتٍ] فَصْلٌ (الضَّرْبُ الثَّانِي: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ مَضْبُوطَةٍ بِصِفَاتٍ كَالسَّلَمِ، كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَحَمْلٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) نَقُولُ: يَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آجَرَ نَفْسَهُ لِرِعَايَةِ الْغَنَمِ، وَلِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ أَشْبَهَ الْأَرْضَ، ثُمَّ إِنْ كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ بِعَيْنِهَا وَعَمَلٍ بِعَيْنِهِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونُ كَالسَّلَمِ أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَضْبُوطًا بِصِفَاتِ السَّلَمِ لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِهِ (وَلَا يَكُونُ الْأَجِيرُ فِيهَا إِلَّا آدَمِيًّا) لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ، وَلَا ذِمَّةَ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ (جَائِزَ التَّصَرُّفِ) لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (وَيُسَمَّى الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ) لِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ أَعْمَالًا لِجَمَاعَةٍ، فَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ، وَيَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ عَقِبَ الْعَقْدِ وَإِنْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِلَا عُذْرٍ - فَتَلِفَ بِسَبَبِهِ ضَمِنَهُ وَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ، فَإِنْ مَرِضَ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَحَمْلٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَكُونُ الْأَجِيرُ فِيهَا إِلَّا آدَمِيًّا جَائِزَ التَّصَرُّفِ، وَيُسَمَّى الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَصِحَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ كَالْحَجِّ وَالْأَذَانِ   [المبدع في شرح المقنع] هَرَبَ اكْتَرَى مَنْ يَعْمَلُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَرَطَ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا عَمَلَ وَلَا اسْتِنَابَةَ إِذًا، وَفِي " الْمُغْنِي ": إِنِ اخْتَلَفَ الْقَصْدُ فِيهِ كَنَسْخ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا الْمُكْتَرِيَ قَبُولُهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَهُ الْفَسْخُ، وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَلَفِ مَحَلِّ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ. (وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَصِحَّ) فِي الْأَشْهَرِ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يَزِيدُ الْإِجَارَةَ غَرَرًا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَفْرَغُ مِنَ الْعَمَلِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ، فَإِنِ اسْتَعْمَلَ فِي بَقِيَّتِهِ فَقَدْ زَادَ عَلَى مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَانَ تَارِكًا لِلْعَمَلِ فِي بَعْضِهِ فَهَذَا غَرَرٌ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ فَلَمْ يَجُزِ الْعَقْدُ مَعَهُ (وَيُحْتَمَلْ أَنْ يَصِحَّ) هَذَا رِوَايَةٌ ; لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَعْقُودَةٌ عَلَى الْعَمَلِ، وَالْمُدَّةُ إِنَّمَا ذُكِرَتْ لِلتَّعْجِيلِ فَلَا يَفْسَدُ الْعَقْدُ، وَكَجُعَالَةٍ، وَفِيهَا وَجْهٌ قَالَ فِي " التَّبْصِرَةِ ": وَإِنِ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَ الْعَمَلِ فِي أَقْصَى مُمْكِنٍ فَلَهُ شَرْطُهُ وَعَلَيْهَا إِذَا تَمَّ الْعَمَلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ فِي بَقِيَّتِهَا كَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ أَجْلِهِ، وَإِنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ الْفَسْخُ، فَإِنِ اخْتَارَ إِمْضَاءَ الْعَقْدِ طَالَبَهُ بِالْعَمَلِ فَقَطْ كَالْمُسَلَّمِ إِذَا صَبَرَ عِنْدَ التَّعَذُّرِ، وَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ الْعَمَلِ سَقَطَ الْأَجْرُ وَالْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عَمَلِ بَعْضِهِ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ وَسَقَطَ الْمُسَمَّى. (وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ) أَيْ مُسْلِمًا (كَالْحَجِّ) أَيِ النِّيَابَةِ فِيهِ (وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِمَا) كَإِمَامَةِ صَلَاةٍ، وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ فِي الْمَشْهُورِ لِمَا «رَوَى عُبَادَةُ قَالَ: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ، فَأَهْدَى لِي رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إِنْ سَرَّكَ أَنْ يُقَلِّدَكَ اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا» ، «وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَأَهْدَى لَهُ خَمِيصَةً أَوْ ثَوْبًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 وَنَحْوِهِمَا، وَعَنْهُ: تَصِحُّ، وَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْجُمَهُ صَحَّ، وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ، إِنَّكَ لَوْ لَبِسْتَهَا أَلْبَسَكَ اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ» ، رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ كَوْنَهَا قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ خَلْفَهُ (وَعَنْهُ: تَصِحُّ) لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَوَّجَ رَجُلًا بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا جَازَ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ عِوَضًا فِي النِّكَاحِ وَقَامَ مَقَامَ الْمَهْرِ جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الرُّقْيَةِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَجَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَكَمَنْ أَعْطَى بِلَا شَرْطٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَجِعَالَةٍ، وَفِيهَا وَجْهَانِ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ " الْجُعْلُ فِي حَجٍّ كَأُجْرَةٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ وَجَعْلَهُ صَدَاقًا فِيهِ عَنْهُ اخْتِلَافٌ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ تَصْرِيحٌ بِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَوَّجَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ إِكْرَامًا لَهُ كَمَا زَوَّجَ أَبَا طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ عَلَى إِسْلَامِهِ، وَلَوْ سَلِمَ جَوَازُهُ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالْأَجْرِ أَنَّ الْمَهْرَ لَيْسَ بِعِوَضٍ مَحْضٍ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ خُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ، وَيَصِحُّ مَعَ فَسَادِهِ بِخِلَافِ الْأَجْرِ، وَأَمَّا الرُّقْيَةُ فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِهِ ; لِأَنَّهَا مُدَاوَاةٌ، وَالْمَأْخُوذُ عَلَيْهَا جُعْلٌ، وَفِي حَدِيثٍ وَفْقَهُ وَجْهَانِ أَشْهَرُهَا الْمَنْعُ، وَكَذَا الْقَضَاءُ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. وَجَوَّزَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِحَاجَةٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُكْرَهُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ فَيَجُوزُ كَتَعْلِيمِ الْخَطِّ وَالْحِسَابِ، وَفِي " الْمُبْهِجِ " لَا مُشَاهَرَةً، وَلَهُ أَخْذُ رِزْقٍ عَلَى مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ لَا عَلَى مَا لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ كَصَوْمٍ، وَصَلَاةٍ خَلْفَهُ، وَنَحْوِهِ. (وَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْجُمَهُ صَحَّ) فِي الْأَصَحِّ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَةً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 وَيُطْعِمُهُ الرَّقِيقَ وَالْبَهَائِمَ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ. فَصْلٌ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمِثْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ بِمَنْ هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُ،   [المبدع في شرح المقنع] وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ كَالْفَصْدِ، وَالْخِتَانِ، وَنَحْوِهِمَا (وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ، فَإِنَّهُ قَدْ سَمَّى الْبَصَلَ وَالثُّومَ خَبِيثَيْنِ مَعَ إِبَاحَتِهِمَا، وَخَصَّ الْحُرَّ بِذَلِكَ تَنْزِيهًا لَهُ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، وَمَنَعَ فِي " الشَّرْحِ " أَنْ يَكُونَ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا بِالتَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ كَمَا أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ ": يَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْأَحْرَارِ، وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ (وَيُطْعِمُهُ الرَّقِيقَ وَالْبَهَائِمَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَطْعِمْهُ نَاضِحَكَ، وَرَقِيقَكَ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " مِثْلُهُ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُطْعِمَ رَقِيقَهُ مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، فَإِنَّ الرَّقِيقَ آدَمِيٌّ يُمْنَعُ مِنْهُ مَا يُمْنَعُ الْحُرُّ (وَقَالَ الْقَاضِي) وَالْحُلْوَانِيُّ (لَا تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَكَذَا أَخْذُهُ بِلَا شَرْطٍ، وَجَوَّزَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَيَصْرِفُهُ فِي عَلَفِ دَابَّتِهِ، وَمُؤْنَةِ صِنَاعَتِهِ، وَيَحِلُّ أَكْلُهُ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْحُلْوَانِيُّ لِغَيْرِ حُرٍّ. [فَصْلٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ] فَصْلٌ (وَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمِثْلِهِ) لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ يُرَادُ لِلْعَاقِدِ، فَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَهَا بِنَفْسِهِ، فَقِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا صِحَّةُ الْعَقْدِ وَبُطْلَانُ الشَّرْطِ ; لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 وَلَا بِمَنْ يُخَالِفُ ضَرَرُهُ ضَرَرَهُ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ وَمَا دُونَهَا فِي الضَّرَرِ مِنْ جِنْسِهَا، فَإِذَا اكْتَرَى لِزَرْعِ الْحِنْطَةِ فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ لَهُ زَرْعُ دُخْنٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ وَلَا الْبِنَاءَ، وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَمْلِكِ الْآخَرَ، وإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] الْعَقْدِ إِذْ مُوجَبُهُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَالتَّسْلِيطُ عَلَى اسْتِيفَائِهَا بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَخْصِيصِهِ (وَبِمِثْلِهِ) أَيْ إِذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الضَّرَرِ أَوْ دُونَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، فَيُعْتَبَرُ كَوْنُ رَاكِبٍ مِثْلِهِ فِي طُولٍ، وَقِصَرٍ لَا الْمَعْرِفَةُ بِالرُّكُوبِ خِلَافًا لِلْقَاضِي ; لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي غَيْرِ هَذَا يَسِيرٌ (وَلَا يَجُوزُ بِمَنْ هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُ) لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةٍ مُقَدَّرَةٍ فَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا عَقَدَ عَلَيْهِ (وَلَا بِمَنْ يُخَالِفُ ضَرَرُهُ ضَرَرَهُ) لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ غَيْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ) الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ (وَمَا دُونَهَا فِي الضَّرَرِ مِنْ جِنْسِهَا) لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ نَفْسِ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا فَمَا دُونَهَا أَوْلَى. قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا تَمْرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إِذَا كَانَ الْوَزْنُ وَاحِدًا (فَإِذَا اكْتَرَى لِزَرْعِ الْحِنْطَةِ فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ) كَبَاقِلَّاءَ ; لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ، وَعُلِمَ مِنْهُ جَوَازُ زَرْعِ الْحِنْطَةِ ; لِأَنَّهَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، فَلَوْ قَالَ: ازْرَعْ حِنْطَةً وَلَا تَزْرَعْ غَيْرَهَا، فَذَكَرَ الْقَاضِي بُطْلَانَ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ كَيْفَ شَاءَ، فَلَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ زَرْعُ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ حَتَّى لَوْ وَصَفَ الْحِنْطَةَ بِأَنَّهَا سَمْرَاءُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَزْرَعَ بَيْضَاءَ ; لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ، فَلَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهُ كَالدَّرَاهِمِ فِي الثَّمَنِ، وَرُدَّ بِالْفَرْقِ، وَالْمَاءُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (وَلَيْسَ لَهُ زَرْعُ دُخْنٍ وَنَحْوِهِ) كَقُطْنٍ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ فِي الضَّرَرِ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى مَعَ تَفَاوُتِهِمَا فِي أَجْرِ الْمِثْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَوْجَبَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤَلِّفُ أَجْرَ الْمِثْلِ خَاصَّةً، وَمِثْلُهُ لَوْ سَلَكَ طَرِيقًا أَشَقَّ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ ". (وَلَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ وَلَا الْبِنَاءَ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَمْلِكِ الْآخَرَ) لِأَنَّ ضَرَرَ كُلِّ وَاحِدٍ يُخَالِفُ ضَرَرَ الْآخَرِ ; لِأَنَّ الْغَرْسَ يَضُرُّ بِبَاطِنِ الْأَرْضِ، وَالْبِنَاءَ يَضُرُّ بِظَاهِرِهَا (وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِلْغَرْسِ مَلَكَ الزَّرْعَ) لِأَنَّ ضَرَرَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 اكْتَرَاهَا لِلْغَرْسِ مَلَكَ الزَّرْعَ، وَإِنِ اكْتَرَى دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوِ الْحَمْلِ لَمْ يَمْلِكِ الْآخَرَ، وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ الْحَدِيدِ أَوِ الْقُطْنِ لَمْ يَمْلِكْ حَمْلَ الْآخَرِ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ إِلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ، فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ الْمَذْكُورَةُ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ   [المبدع في شرح المقنع] أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِ الْغَرْسِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضُرُّ بِبَاطِنِ الْأَرْضِ، وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِلْبِنَاءِ هَلْ يَمْلِكُ الزَّرْعَ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا اكْتَرَى أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا، أَوْ يَغْرِسَهَا لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، فَلَوْ قَالَ: لِزَرْعِ مَا شَاءَ، أَوْ غَرْسِهِ، أَوْ وَغَرْسِهِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا كَزَرْعِ مَا شِئْتُ، وَغَرْسِ مَا شِئْتُ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَتَصْلُحُ لِزَرْعٍ وَغَيْرِهِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ أَطْلَقَ، أَوْ قَالَ: انْتَفِعْ بِهَا بِمَا شِئْتَ، فَلَهُ زَرْعٌ، وَغَرْسٌ، وَبِنَاءٌ. (وَإِنِ اكْتَرَى دَابَّةً لِلرُّكُوبِ، أَوِ الْحَمْلِ لَمْ يَمْلِكِ الْآخَرَ) لِاخْتِلَافِ الضَّرَرِ ; لِأَنَّ الرَّاكِبَ يُعَيِّنُ الظَّهْرَ بِحَرَكَتِهِ فَلَا يَمْلِكُ الْحَمْلَ، وَالرُّكُوبُ أَشَدُّ عَلَى الظَّهْرِ ; لِأَنَّهُ يَقْعُدُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَالْمَتَاعُ يَتَفَرَّقُ عَلَى جَنْبَيْهِ فَلَا يَمْلِكُ الرُّكُوبَ، فَإِذَا اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ دَقِيقٍ مِنْ طَاحُونٍ فَلَمْ يَجِدْهُ طُحِنَ وَجَبَتْ أُجْرَتُهَا، وَإِنِ اكْتَرَاهَا إِلَى بَلَدٍ، فَلَهُ الرُّكُوبُ إِلَى مَقَرِّهِ، وَقِيلَ: بَلْ إِلَى أَوَّلِ عِمَارَتِهِ (وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ الْحَدِيدِ، أَوِ الْقُطْنِ لَمْ يَمْلِكْ حَمْلَ الْآخَرِ) عَلَى الْمَعْرُوفِ ; لِأَنَّهُ إِذَا اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ الْحَدِيدِ لَمْ يَحْمِلْ قُطْنًا ; لِأَنَّهُ يَتَجَافَى، وَتَهُبُّ فِيهِ الرِّيحُ، فَيَتْعَبُ الظَّهْرُ، وَعَكْسُهُ، وَلِأَنَّ الْحَدِيدَ يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَيَثْقُلُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى بِوَزْنِهِ، وَلَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ (فَإِنْ فَعَلَ) كَانَ ضَامِنًا (فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنِ الْمَقْعُودِ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِهِ أَشْبَهَ مَا لَوِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَزَرَعَ غَيْرَهَا (وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ إِلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ، فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ الْمَذْكُورَةُ) أَيِ الْمُسَمَّاةُ لِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِهِ (وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) . قَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَصْحَابُنَا أَيْ فِي الثَّانِيَةِ، وَحَكَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ ; لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَغَاصِبٍ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ) لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ، وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ صَاحِبِهَا فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] عَدَلَ عَنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَ بِغَيْرِ إِجَارَةٍ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فِيمَا إِذَا اكْتَرَى لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: إِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزَرْعِ شَعِيرٍ، فَزَرَعَهَا حِنْطَةً أَنَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ، فَجَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْخِرَقِيِّ، وَمَسْأَلَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَيَنْقُلُ كُلًّا مِنْهُمَا إِلَى الْأُخْرَى لِتَسَاوِيهِمَا فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَتَمَيَّزُ، فَيَكُونُ فِيهِمَا وَجْهَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ مَا حَصَلَ التَّعَدِّي فِيهِ فِي الْحَمْلِ مُتَمَيِّزٌ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِهِ كُلِّهِ أَشْبَهَ الْغَاصِبَ، وَلِهَذَا عَلَّلَ أَبُو بَكْرٍ بِالْعُدُولِ عَنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِلْحَاقُهَا بِمَا إِذَا اكْتَرَى إِلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ أَشَدُّ لِشِدَّةِ شَبَهِهَا بِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي " الْكَافِي "، وَ " الْمُحَرَّرِ " مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ فِي الزَّرْعِ أَنَّهُ يُنْظَرُ مَا يَدْخُلُ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ النُّقْصَانِ، فَيُعْطَاهُ رَبُّ الْأَرْضِ، فَيُقَالُ أُجْرَةُ مِثْلِهَا إِذَا زَرَعَهَا حِنْطَةً مِائَةٌ، وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا إِذَا زَرَعَهَا شَعِيرًا ثَمَانُونَ، فَالْوَاجِبُ مَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ عِشْرُونَ. وَنَظِيرُهُ مَا لَوِ اكْتَرَى غُرْفَةً لِيَجْعَلَ فِيهَا أَقْفِزَةً مَعْلُومَةً، فَزَادَ عَلَيْهَا، وَلَوِ اكْتَرَاهَا لِيَجْعَلَ فِيهَا قِنْطَارَ قُطْنٍ فَجَعَلَ قِنْطَارَ حَدِيدٍ فَفِي الْأُولَى لَهُ الْمُسَمَّى وَأُجراء الزِّيَادَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَخْرُجُ فِيهَا الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ (وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا) سَوَاءٌ تَلِفَتْ فِي الزِّيَادَةِ، أَوْ بَعْدَ رَدِّهَا إِلَى الْمَسَافَةِ ; لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ أَشْبَهَ الْغَاصِبَ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ صَاحِبِهَا) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا (فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا يَدَانِ يَدُ صَاحِبِهَا، وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ، فَالَّذِي يُقَابِلُهُ النِّصْفُ، فَيَضْمَنُ، وَكَمَا لَوْ زَادَ شَوْطًا فِي الْحَدِّ، وَالثَّانِي: تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ كُلُّهَا حَيْثُ لَمْ يَرْضَ مَالِكُهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَنَصَرَهُ الْأَكْثَرُ إِنَاطَةً بِالتَّعَدِّي. وَسُكُوتُ صَاحِبِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَمَا لَوْ أُبِيعَ مِلْكُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ لَمْ يَمْنَعْهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الشَّرْحِ الصَّغِيرِ " أَنَّهُ لَا ضَمَانَ لِوُجُودِ يَدِ الْمَالِكِ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِ رَاكِبِهَا، أَوْ لَهُ عَلَيْهَا حِمْلٌ ضَمِنَهَا، وَإِنْ كَانَ سَلَّمَهَا لِمَالِكِهَا لِيَسْقِيَهَا، أَوْ لِيُمْسِكَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَوَافَقَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمَا اسْتَثْنَيَا فِيمَا إِذَا تَلِفَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا بِسَبَبِ تَعَبِهَا مِنَ الْحَمْلِ وَنَحْوِهِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُتَعَدِّي كَمَا لَوْ أَلْقَى حَجَرًا فِي سَفِينَةٍ مُوقَرَةٍ فَغَرَّقَهَا، وَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بِرَدِّهَا إِلَى الْمَسَافَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 فَصْلٌ وَيَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ كُلُّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ النَّفْعِ كَزِمَامِ الْجَمَلِ، وَرَحْلِهِ، وَحِزَامِهِ، وَالشَّدِّ عَلَيْهِ، وَشَدِّ الْأَحْمَالِ وَالْمَحَامِلِ، أَوِ الرَّفْعِ وَالْحَطِّ، وَلُزُومِ الْبَعِيرِ لِيَنْزِلَ لِصَلَاةِ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: لَوِ اكْتَرَى زَوْرَقًا، فَزَوَاهُ مَعَ زَوْرَقٍ، فَغَرِقَا ضَمِنَ لِأَنَّهَا مُخَاطَرَةٌ لِاحْتِيَاجِهِمَا إِلَى الْمُسَاوَاةِ كَكِفَّةِ الْمِيزَانِ كَمَا لَوِ اشْتَرَى ثَوْرًا لِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ، فَجُعِلَ، فَدَّانًا. أَصْلٌ: إِذَا اكْتَرَى لِنَسْخِ كِتَابٍ يُبَاحُ مَا فِيهِ، أَوْ خِيَاطَةٍ، أَوْ قِصَارَةٍ، أَوْ صَبْغٍ، أَوْ كُحْلٍ، أَوْ مُدَاوَاةِ جُرْحٍ صَحَّ، وَلَزِمَهُ حِبْرٌ، وَخُيُوطٌ، وَكُحْلٌ، وَمَرْهَمٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ مُسْتَأْجِرًا، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَقِيلَ: بَلْ يَتَّبِعُ الْعُرْفَ، وَقِيلَ: الْكُلُّ عَلَى الْأَجِيرِ إِلَّا الْخُيُوطَ، فَإِنَّهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَجَزَمَ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الدَّوَاءِ عَلَى الطَّبِيبِ بِخِلَافِ الْكُحْلِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ مُحَادَثَتُهُ حَالَ النَّسْخِ، وَإِنْ أَخْطَأَ النَّاسِخُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ عُفِيَ عَنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ فَلَا، وَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ. مَسْأَلَةٌ: اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً فَكَحَلَهُ فَلَمْ تَبْرَأْ عَيْنُهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ شَارَطَهُ عَلَى الْبُرْءِ، فَهِيَ جُعَالَةٌ، فَلَوْ بَرَأَ بِغَيْرِ كُحْلِهِ، أَوْ تَعَذَّرَ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. [فَصْلٌ يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ كُلُّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ النَّفْعِ] فَصْلٌ (وَيَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ كُلُّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ النَّفْعِ كَزِمَامِ الْجَمَلِ) وَهُوَ الَّذِي يَقُودُهُ بِهِ (وَرَحْلِهِ، وَحِزَامِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَهُوَ مَا تُحْزَمُ بِهِ الْبَرْدَعَةُ، وَنَحْوُهَا (وَالشَّدِّ عَلَيْهِ، وَشَدِّ الْأَحْمَالِ وَالْمَحَامِلِ، أَوِ الرَّفْعِ وَالْحَطِّ، وَلُزُومِ الْبَعِيرِ لِيَنْزِلَ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ) وَقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَالطَّهَارَةِ، وَيَدَعُ الْبَعِيرَ وَاقِفًا حَتَّى يَقْضِيَ ذَلِكَ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَالْعَيْنِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ نُزُولَهُ لِسُنَّةٍ رَاتِبَةٍ كَفَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ الرَّاكِبُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ، وَالْبَعِيرُ قَائِمٌ، فَعَلَى الْجَمَّالِ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ الْبَعِيرَ لِرُكُوبِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ، فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا حَالَ الْعَقْدِ ثُمَّ عَرَضَ الضَّعْفُ، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَالِاعْتِبَارُ بِحَالِ الرُّكُوبِ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى رُكُوبَهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِي آخِرَ: لَا، فَلَوْ أَرَادَ إِطَالَةَ الصَّلَاةِ، فَطَالَبَهُ الْجَمَّالُ بِقَصْرِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَالْمَشْيُ الْمُعْتَادُ قُرْبَ الْمَنْزِلِ لَا يَلْزَمُ رَاكِبًا ضَعِيفًا أَوِ امْرَأَةً، وَإِنْ كَانَ جَلْدًا قَوِيًّا، فَاحْتِمَالَانِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 الْفَرْضِ، وَمَفَاتِيحِ الدَّارِ وَعِمَارَتِهَا وَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ، فَأَمَّا تَفْرِيغُ الْبَالُوعَةِ وَالْكَنِيفِ فَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ إِذَا استَلَّمَهَا فَارِغَةً.   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: أُجْرَةُ دَلِيلٍ، وَبَكَرَةٍ، وَحَبْلٍ، وَدَلْوٍ عَلَى مُكْتِرٍ كَمَحْمَلٍ، وَغِطَاءٍ، وَوِطَاءٍ فَوْقَ الرَّحْلِ. قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": وَعَدَلَ الْقَمَّاشُ عَلَى مَكْرٍ إِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ (وَمَفَاتِيحِ الدَّارِ) أَيْ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَفَاتِيحِهَا ; لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّمْكِينَ مِنَ الِانْتِفَاعِ، وَبِهِ يَحْصُلُ، وَهِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ (وَعِمَارَتِهَا) فَلَوْ سَقَطَ حَائِطٌ أَوْ خَشَبَةٌ، أَوِ انْكَسَرَتْ فَعَلَيْهِ بِنَاءُ الْحَائِطِ، وَإِبْدَالُ الْخَشَبَةِ، وَتَبْلِيطُ الْحَمَّامِ، وَعَمَلُ الْأَبْوَابِ وَالْبِرَكِ، وَمَجْرَى الْمَاءِ ; لِأَنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ وَيُتَمَكَّنُ مِنْهُ (وَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ) كَالْقَتْبِ لِلْجَمَلِ، وَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ لِلْفَرَسِ، وَالْبَرْدَعَةِ وَالْإِكَافِ لِلْبَغْلِ وَالْحِمَارِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ، وَيَلْزَمُهُ سَائِقٌ وَقَائِدٌ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّاكِبِ الْبَهِيمَةَ لِيَرْكَبَهَا لِنَفْسِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَدْ سَلَّمَهَا، وَتَنْظِيفُ السَّطْحِ مِنَ الثَّلْجِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " (فَأَمَّا تَفْرِيغُ الْبَالُوعَةِ وَالْكَنِيفِ) وَمَا فِي الدَّارِ مِنْ زِبْلٍ، وَقُمَامَةٍ، وَمَصَارِفِ حَمَّامٍ (فَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ) تَنْظِيفُهَا (إِذَا اسَتلمَهَا فَارِغَةً) مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِ الْمُكْتَرِي، فَكَانَ عَلَيْهِ تَنْظِيفُهُ كَمَا لَوْ طَرَحَ فِيهَا قُمَاشًا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا شَرَطَ عَلَى مُكْتَرِي الْحَمَّامِ، أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ مُدَّةَ تَعْطِيلِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مُدَّةً لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ فِي بَعْضِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَ أَنَّهُ يَسْتَوْفِي بِقَدْرِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَتَعَطَّلَ خُيِّرَ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِكُلِّ الْأَجْرِ وَبَيْنَ الْفَسْخِ، وَقِيلَ: لَهُ أَرْشُ الْعَبِيدِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْأَجْرِ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُنْفِقَ مُسْتَأْجِرٌ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ عِمَارَةٍ وَاجِبَةٍ لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ أَنْفَقَ بِنَاءً عَلَى هَذَا الشَّرْطِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْآجِرِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِهِ ; لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَإِنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَا رُجُوعَ بِشَيْءٍ. خَاتِمَةٌ: يَصِحُّ كِرَاءُ الْعَقَبَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَرْكَبَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، وَيَمْشِيَ فِي بَعْضٍ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ إِمَّا بِالْفَرَاسِخِ، أَوْ بِالزَّمَانِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَرْكَبَ يَوْمًا، وَيَمْشِيَ آخَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 فَصْلٌ وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ قَبْلَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ حَوَّلَهُ الْمَالِكُ قَبْلَ تَقَضِّيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ لِمَا سَكَنَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ، وَإِنْ هَرَبَ الْأَجِيرُ حَتَّى   [المبدع في شرح المقنع] جاز، فإن أطلق فاحتمالان، وإن اكترى اثنان جملا يتعاقبان عليه جَازَ، وَالِاسْتِيفَاءُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الِاتِّفَاقِ، فَإِنْ تَشَاحَّا قُسِمَ بَيْنَهُمَا بِالْفَرَاسِخِ، أَوْ بِالزَّمَانِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْبَادِي مِنْهُمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصَحِّ. [فَصْلٌ وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا] فَصْلٌ (وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ) لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَتِ الْبَيْعَ، وَلِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا اخْتُصَّتْ بِاسْمٍ كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا) لِلُزُومِهَا إِلَّا أَنْ يَجِدَ الْعَيْنَ مَعِيبَةً عَيْبًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَلَهُ الْفَسْخُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ كَالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ، وَالْعَيْبُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ مَا تَنْقُصُ بِهِ الْمَنْفَعَةُ كَالْبَعِيرِ الَّذِي يَتَأَخَّرُ عَنِ الْقَافِلَةِ، وَرَبْضِ الْبَهِيمَةِ بِالْحَمْلِ، وَكَوْنِهَا جَمُوحًا، أَوْ عَضُوضًا وَنَحْوَهُ، وَفِي الْمُكْتَرَى لِلْخِدْمَةِ ضَعْفُ الْبَصَرِ، وَالْجُنُونُ، وَفِي الدَّارِ انْهِدَامُ الْحَائِطِ، وَالْخَوْفُ مِنْ سُقُوطِهَا، وَانْقِطَاعُ الْمَاءِ مِنْ بِئْرِهَا، فَإِنْ رَضِيَ بِالْمَقَامِ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهِ رَجَعَ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، هَذَا إِذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ لَمْ تَنْفَسِخْ، وَعَلَى الْمُكْرِي إِبْدَالُهُ كَالْمُسْلِمِ فِيهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْإِبْدَالِ، أَوِ امْتَنَعَ مِنْهُ، فَلَهُ الْفَسْخُ (فَإِنْ بَدَا لَهُ قَبْلَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ) لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ يَقْتَضِي أَنْ يَمْلِكَ الْمُؤَجِّرُ الْأَجْرَ، وَالْمُسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ، وَقَدْ وُجِدَتْ، فَتَرَتَّبَ مُقْتَضَاهَا، فَإِنْ سَكَنَ الْآجِرُ بَعْضَ الْمُدَّةِ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، أَوْ بِالْقِسْطِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (وَإِنْ حَوَّلَهُ الْمَالِكُ قَبْلَ تَقَضِّيهَا) أَيْ تَقَضِّي الْمُدَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا (لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ لِمَا سَكَنَ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا تَنَاوَلَهُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، فَحَفَرَ بَعْضَهَا، وَامْتَنَعَ مِنَ الْبَاقِي، أَوْ لِيَحْمِلَ لَهُ كِتَابًا إِلَى بَلَدٍ، فَحَمَلَهُ بَعْضَ الطَّرِيقِ (وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِلْكَ غَيْرِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 انْقَضَتِ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ، وَإِنْ هَرَبَ الْجَمَّالُ أَوْ مَاتَ وَتَرَكَ الْجِمَالَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ أَوْ أَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهَا، فَإِذَا انْقَضَتِ الْإِجَارَةُ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَزِمَهُ عِوَضُهُ كَالْمَبِيعِ إِذَا اسْتَوْفَى بَعْضَهُ وَمَنَعَهُ الْمَالِكُ بَقِيَّتَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَبَى الْمُؤَجِّرُ تَسْلِيمَ مَا أَجَّرَهُ، أَوْ مَنَعَ مُسْتَأْجِرَهُ الِانْتِفَاعَ بِهِ كُلَّ الْمُدَّةِ، فَلَهُ الْفَسْخُ وَجْهًا وَاحِدًا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ مَجَّانًا، وَكَذَا إِذَا اكْتَرَى عَبْدَهُ لِلْخِدْمَةِ مُدَّةً، وَامْتَنَعَ مِنْ تَمَامِهَا، أَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لِبِنَاءِ حَائِطٍ أَوْ خِيَاطَةٍ، وَامْتَنَعَ مِنْ إِتْمَامِ الْعَمَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ هَرَبَ الْأَجِيرُ حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَفُوتُ بِانْقِضَائِهَا، أَشْبَهَ تَلَفَ الْعَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " ; لِأَنَّ الْمُدَّةَ إِذَا لَمْ تَنْقَضِ لَمْ يَفُتِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَقَدْ فَاتَ بَعْضُهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ) كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ حَائِطٍ، أَوْ حَمْلٍ إِلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ اسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُ الْعَمَلَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ (خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ لَهُ مُدَّةٌ يَفُوتُ بِفَوَاتِهَا، وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي زَمَنِ الْهَرَبِ، وَقِيلَ: وَلَا قَبْلَهُ، وَحُكْمُ مَنْ آجَرَ نَفْسَهُ مُدَّةً وَهَرَبَ، أَوِ امْتَنَعَ مِنَ الْعَمَلِ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ آجَرَهُ دَابَّةً ثُمَّ شَرَدَتْ (وَإِنْ هَرَبَ الْجَمَّالُ أَوْ مَاتَ وَتَرَكَ الْجِمَالَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ) إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ; لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ غَائِبٌ، وَالْحَاكِمُ نَائِبُهُ (أَوْ أَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهَا) مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، وَلِأَنَّ إِقَامَةَ أَمِينٍ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ تَشُقُّ، وَتَتَعَذَّرُ مُبَاشَرَتُهُ كُلَّ وَقْتٍ، فَإِذَا رَجَعَ، وَاخْتَلَفَا فِي النَّفَقَةِ، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ قَدَّرَهَا قُبِلَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُقَدَّرَةٍ، وَكَانَتْ بِالْمَعْرُوفِ ; لِأَنَّهُ أَمِينٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، أَوْ عَجَزَ عَنِ اسْتِئْذَانِهِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، فَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَأَشْهَدَ رَجَعَ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَوَجْهَانِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ قِيَاسًا عَلَى نَفَقَةِ الْآبِقِ، وَعِيَالِ الْغَائِبِ، قَالَهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 بَاعَهَا الْحَاكِمُ، وَوَفَّى الْمُنْفِقَ وَحَفِظَ بَاقِيَ ثَمَنِهَا لِصَاحِبِهِ. وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا وَمَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُرْتَضِعِ، وَمَوْتِ الرَّاكِبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ   [المبدع في شرح المقنع] " الْمُغْنِي "، فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَفِي رُجُوعِهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ مَالٌ يُنْفِقُ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا شَيْئًا ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْمَالِكِ، أَوْ نَائِبِهِ، أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ (فَإِذَا انْقَضَتِ الْإِجَارَةُ بَاعَهَا الْحَاكِمُ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا إِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلَةٌ عَنِ الْكِرَاءِ (وَوَفَّى الْمُنْفِقَ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَخْلِيصًا لِذِمَّةِ الْجَمَّالِ وَإِيفَاءً لِحَقِّ صَاحِبِ النَّفَقَةِ (وَحَفِظَ بَاقِيَ ثَمَنِهَا لِصَاحِبِهِ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ يُلْزِمُهُ حِفْظَ مَالِ الْغَائِبِ، فَلَوْ هَرَبَ الْجَمَّالُ بِجِمَالِهِ، وَلَمْ يَجِدِ الْمُسْتَأْجِرُ مَا يَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقَّهُ، فَلَهُ الْفَسْخُ ; لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ قَبْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَسَخَ وَكَانَ الْجَمَّالُ قَدْ قَبَضَ الْأَجْرَ فَهُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنِ اخْتَارَ الْمُقَامَ وَكَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَهُ ذَلِكَ فَيُطَالِبُهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ وَانْقَضَتْ فِي هَرَبِهِ انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ، وَيُرْفَعُ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا اكْتَرَى بِهِ وَإِلَّا اقْتَرَضَ عَلَيْهِ مَا يَكْتَرِي بِهِ، فَإِنْ دَفَعَهُ لِيَكْتَرِيَ بِنَفْسِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ مِنَ الْمُكْتَرِي جَازَ وَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْجَمَّالِ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ إِبْدَالُهُ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ فَيُخَيَّرُ الْمُكْتَرِي. [مَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ وَمَا لَا تَنْفَسِخُ] (وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا) كَدَابَّةٍ نَفَقَتْ وَعَبْدٍ مَاتَ ; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَانْفَسَخَتْ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَهُ أَحْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنْ تَتْلَفَ الْعَيْنُ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي انْفِسَاخِهَا. الثَّانِي: أَنْ تَتْلَفَ عَقِبَ قَبْضِهَا، وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَا أَجْرَ لَهَا، فَتَنْفَسِخُ أَيْضًا وَيَسْقُطُ الْأَجْرُ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. الثَّالِثُ: أَنْ تَتْلَفَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ، فَيَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ خَاصَّةً فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَانْقِلَاعِ الضِّرْسِ الَّذِي اكْتَرَى لِقَلْعِهِ أَوْ بُرْئِهِ وَنَحْوَ هَذَا، وَإِنِ اكْتَرَى دَارَا فَانْهَدَمَتْ، أَوْ أَرْضًا لِلزَّرْعِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ   [المبدع في شرح المقنع] الْأَصَحِّ كَمَا لَوِ اشْتَرَى صَبْرَتَيْنِ فَقَبَضَ إِحْدَاهُمَا وَتَلَفَتِ الْأُخْرَى بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ قَبْلَ قَبْضِهَا ثُمَّ إِنْ كَانَ آخِرَ الْمُدَّةِ مُتَسَاوِيًا وَقَدِ اسْتَوْفَى نِصْفَهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأُجْرَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ بِأَنْ يَكُونَ أَجْرُهَا فِي الصَّيْفِ أَكْثَرَ مِنَ الشِّتَاءِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى يُقَسَّطُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذا قِيلَ: أَجْرُهَا فِي الصَّيْفِ يُسَاوِي مِائَةً وَفِي الشِّتَاءِ يُسَاوِي خَمْسِينَ، وَكَانَ قَدْ سَكَنَ الصَّيْفَ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ ثُلُثَيِ الْمُسَمَّى، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ مِنَ الْمُسَمَّى (وَمَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُرْتَضِعِ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ غَيْرِهِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الرِّضَاعِ، وَقَدْ يَدِرُّ اللَّبَنُ عَلَى وَلَدٍ دُونَ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ عَقِبَ الْعَقْدِ زَالَتِ الْإِجَارَةُ مَنْ أَصْلِهَا، وَرَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْأَجْرِ كُلِّهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ، وَكَذَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ بِهَلَاكِ مَحَلِّهَا، وَعَنْهُ: لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَيَجِبُ فِي مَالِهَا أَجْرُ مَنْ تُرْضِعُهُ تَمَامَ الْوَقْتِ كَالدَّيْنِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هَلَكَ أَشْبَهَ هَلَاكَ الْبَهِيمَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (وَمَوْتِ الرَّاكِبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، أَوْ كَانَ غَائِبًا كَمَنْ يَمُوتُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَيَتْرُكُ جَمَلَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ ; لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ يَمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرَ مَنْفَعَةَ الْعَيْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ غُصِبَتْ، وَلِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقْدِ ضَرَرٌ فِي حَقِّهِمَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ; لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْرِي وَلَا الْمُكْتَرِي (وَانْقِلَاعِ الضِّرْسِ الَّذِي اكْتَرَى لِقَلْعِهِ أَوْ بُرْئِهِ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْمَوْتِ، فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ وَامْتَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ قَلْعِهِ لَمْ يُجْبَرْ (وَنَحْوَ هَذَا) كَاسْتِئْجَارِ طَبِيبٍ لِيُدَاوِيهِ، فَبَرَأَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إِذَا أَتْلَفَ الْعَيْنَ، فَإِنَّهَا يَثْبُتُ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ، وَمِثْلُهُ جَبُّ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فَإِنَّهَا تَضْمَنُ وَلَهَا الْفَسْخُ. (وَإِنِ اكْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ، أَوْ أَرْضًا لِلزَّرْعِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَ " الْوَجِيزِ "، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ قَدْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 مِنَ الْمُدَّةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْرِي وَلَا الْمُكْتَرِي وَلَا بِعُذْرٍ لِأَحَدِهِمَا مِثْلَ أَنْ يَكْتَرِيَ لِلْحَجِّ فَتَضِيعَ نَفَقَتُهُ، أَوْ دُكَّانًا فَيَحْتَرِقُ مَتَاعُهُ، وَإِنْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَمُطَالَبَةِ   [المبدع في شرح المقنع] فَاتَ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ، وَقِيلَ: وَتَنْفَسِخُ فِيمَا مَضَى (وَفِي الْآخَرِ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ) صَحَّحَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الدَّارِ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِالْعَرْصَةِ بِنَصْبِ خَيْمَةٍ، أَوْ جَمْعِ حَطَبٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَشْبَهَ نَقْصَ الْعَيْنِ، أَمَّا لَوْ زَالَتْ مَنَافِعُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، أَوِ الَّذِي بَقِيَ فِيهَا لَا يُبَاحُ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْعَقْدِ كَدَابَّةٍ اسْتَأْجَرَهَا لِلرُّكُوبِ فَصَارَتْ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِلْحَمْلِ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَجْهًا وَاحِدًا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَرْضِ وَالَّتِي انْقَطَعَ مَاؤُهَا: لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَيُخَيَّرُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْمُقَامَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرِ الْفَسْخَ وَلَا الْإِمْضَاءَ إِمَّا لِجَهْلِهِ بِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَهُ الْفَسْخُ. فَرْعٌ: إِذَا آجَرَهُ أَرْضًا بِلَا مَاءٍ صَحَّ، فَإِنْ أَطْلَقَ، فَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ صِحَّتَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهَا، وَقِيلَ: لَا كَظَنِّهِ إِمْكَانَ تَحْصِيلِهِ، وَإِنْ ظَنَّ وَجُودَهُ بِالْأَمْطَارِ، وَزِيَادَةِ الْأَنْهَارِ صَحَّ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ كَالْعِلْمِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ وَجْهَانِ. (وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْرِي وَلَا الْمُكْتَرِي) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ مَعَ سَلَامَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ مُكْتَرٍ لَا قَائِمَ مَقَامَهُ كَبُرْءِ ضِرْسٍ اكْتَرَى لِقَلْعِهِ ; لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ يَتَعَذَّرُ بِمَوْتِهِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ مَلَكَ الْمَنَافِعَ، وَإِنَّ الْأُجْرَةَ قَدْ مُلِّكَتْ عَلَيْهِ كَامِلَةً وَقْتَ الْعَقْدِ، وَيَلْزَمُهُمْ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ مَاتَ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " مَنِ اسْتُؤْجِرَ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَمَاتَ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَعَنْهُ: لَا بَلْ وَارِثُهُ كَهُوَ، وَقِيلَ: إِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَقِيلَ: لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا قَطَعَ مِنَ الْمَسَافَةِ الْوَاجِبِ قَطْعُهَا، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْأَرْكَانِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَا بَقِيَ، وَإِنْ عَمِلَ بَعْضَهَا فَلَهُ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَنْ يَعْمَلُ الْبَاقِيَ (وَلَا) تَنْفَسِخُ (بِعُذْرٍ لِأَحَدِهِمَا مِثْلَ أَنْ يَكْتَرِيَ لِلْحَجِّ فَتَضِيعَ نَفَقَتُهُ، أَوْ دُكَّانًا فَيَحْتَرِقُ مَتَاعُهُ) فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَلَمْ يَجُزْ لِعُذْرٍ مِنْ غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ، وَيُفَارِقُ الْإِبَاقَ، فَإِنَّهُ عُذْرٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ) لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: فإِنْ جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ يَحْجِزُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ مَنْفَعَةِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَعَلَيْهِ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ انْتِفَاعِهِ. وَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ فَمَرِضَ أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ وَالْأُجْرَةُ   [المبدع في شرح المقنع] فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ تَأْخِيرًا لِحَقِّهِ، وَلِأَنَّ تَعَذُّرَ الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَمِلْكُ الْخِيَرَةِ بِهِ كَالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ، وَحِينَئِذٍ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالْمُسَمَّى فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ، وَبَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْعَقْدِ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ الْغَصْبِ ; لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَفُتْ مُطْلَقًا بَلْ فَاتَ إِلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقِيمَةُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَ الثَّمَرَةَ الْمَبِيعَةَ آدَمِيٌّ قَبْلَ قَطْعِهَا، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ الِانْفِسَاخَ إِنْ قِيلَ بِعَدَمِ ضَمَانِ مَنَافِعِ الْغَصْبِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " تَنْفَسِخُ تِلْكَ الْمُدَّةُ وَالْأُجْرَةُ لِلْمُؤَجِّرِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَوْ غَصَبَهَا مَالِكُهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى كَغَصْبٍ وَغَيْرِهِ (فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى) وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ، فَإِنْ رُدَّتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ فَسْخٌ اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَيَكُونُ فِيمَا مَضَى مُخَيَّرًا، فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ لَزِمَهُ بَدَلُهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَهُ الْفَسْخُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ لِعَمَلٍ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْفَسْخِ إِلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَإِنْ جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ يَحْجِزُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ مَنْفَعَةِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَعَلَيْهِ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ انْتِفَاعِهِ) هَذَا تَأْكِيدٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِيمَا مَضَى، وَقَوْلُهُ شَامِلٌ لِغَصْبِ الْعَيْنِ وَتَلَفِهَا وَحُدُوثِ مَا يَمْنَعُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا كَانْهِدَامِ دَارٍ، وَغَرَقِ الْأَرْضِ، وَحُدُوثِ خَوْفٍ عَامٍّ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَغَصْبِ الْعَيْنِ، فَلَوْ كَانَ خَاصًّا بِالْمُسْتَأْجِرِ لِقُرْبِ أَعْدَائِهِ، أَوْ حُلُولِهِمْ فِي طَرِيقِهِ لَمْ يَمْلِكِ الْفَسْخَ كَمَرَضِهِ وَحَبْسِهِ. (وَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ) فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ مُبَاشَرَتُهُ (فَمَرِضَ أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ) لِيَخْرُجَ مِنَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ (وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَرِيضِ ; لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ إِنْظَارُهُ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْقَصْدُ فِيهِ كَالْنسْخِ، فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ فِي مُدَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَأَنْ تَخِيطَ لِي أَنْتَ هَذَا الثَّوْبَ، لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَالْبَيْعِ بَلْ يُخَيَّرُ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ (فَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ مَعِيبَةً، أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ) وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ مَعِيبَةً أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ فَلَهُ الْفَسْخُ، فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ إِلَّا أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأَجْرِ (فَلَهُ الْفَسْخُ) إِنْ لَمْ يَزَلْ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ وَالْإِمْضَاءُ مَجَّانًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِكُلِّ الْأَجْرِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ الْمَجْدُ وَالْجِدُّ مَعَ الْأَرْشِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَبَيْنَ الْفَسْخِ اسْتِدْرَاكًا لِظَلَامَتِهِ، وَلَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِالتَّأْخِيرِ (فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهَا إِلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ بَادَرَ الْمُكْرِي إِلَى إِزَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ الْمُسْتَأْجِرَ كَإِصْلَاحِ تَشْعِيثِ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، فَإِنْ سَكَنَهَا مَعَ عَيْبِهَا فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَوِ احْتَاجَتْ إِلَى تَجْدِيدِ فَإِنْ جَدَّدَ وَإِلَّا فَسَخَ، وَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُهُ عَلَى التَّجْدِيدِ فِي الْأَصَحِّ. مَسْأَلَةٌ: مَتَى زَرَعَ الْأَرْضَ، فَغَرِقَتْ، أَوْ تَلِفَ، أَوْ لَمْ تُنْبِتْ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ زَرْعُهَا لِغَرَقِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ وَكَذَا لِقِلَّةِ مَاءٍ قَبْلَ زَرْعِهَا أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ عَابَتْ بِغَرَقٍ يَعِيبُ بِهِ بَعْضَ الزَّرْعِ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَوْ بَرْدٍ، أَوْ فَأْرٍ، أَوْ عُذْرٍ، فَإِنْ أَمْضَاهُ فَلَهُ الْأَرْشُ كَعَيْبِ الْأَعْيَانِ، وَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ الْقِسْطُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إِلَى كَمَالِهِ، وَمَا لَمْ يَرْوِ مِنَ الْأَرْضِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ اتِّفَاقًا، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ بَاعَهَا لِمُسْتَأْجِرِهَا أَوْ لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الصِّحَّةَ كَبَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ، وَلِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَالْبَيْعُ عَلَى الرَّقَبَةِ فَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتُ الْيَدِ عَلَى أَحَدِهِمَا تَسْلِيمَ الْآخَرِ، وَإِنْ مَنَعَتِ التَّسْلِيمَ فِي الْحَالِ فَلَا تَمْنَعُهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ، وَهُوَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ، وَتَكْفِي الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ أَوِ الْإِمْضَاءُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " لَهُ الْأَرْشُ مَعَ الْإِمْسَاكِ، وَإِنْ عَلِمَ وَرَضِيَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي الْعَيْنِ حَتَّى تَفْرَغَ الْمُدَّةُ. (وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ) لِأَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ، وَاللَّاحِقُ لَا يُوجِبُ فَسْخَ السَّابِقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 يَشْتَرِيَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَتَنْفَسِخُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَصْلٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، وَهُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا   [المبدع في شرح المقنع] كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَتَنْفَسِخُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ "، وَحَكَاهُمَا فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ ; لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لَمَّا مَنَعَ ابْتِدَاءَ الْإِجَارَةِ مَنَعَ اسْتِدَامَتَهَا كَالنِّكَاحِ لَمَّا مَنَعَ مِلْكَ الْيَمِينِ مَنَعَ اسْتِدَامَتَهُ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ عَنِ الْمُشْتَرِي الْأَجْرُ فِيمَا بَقِيَ كَمَا لَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ، وَإِنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ قَبَضَ الْأَجْرَ كُلَّهُ حُسِبَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ. وَالثَّانِيَةُ، وَهِيَ الْأَصَحُّ لَا تَنْفَسِخُ ; لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدٍ ثُمَّ مَلَكَ الرَّقَبَةَ بِآخَرَ، فَلَمْ يَتَنَافَيَا كَمِلْكِ الثَّمَرَةِ ثُمَّ الْأَصْلِ فَيَجْتَمِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَجْرُ وَالثَّمَنُ لِلْبَائِعِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُ، وَلَوْ آجَرَهَا لِمُؤَجِّرِهَا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَنْفَسِخُ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. فَرْعٌ: إِذَا وَرِثَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ، أَوْ وُهِبَتْ لَهُ، أَوْ أَخَذَهَا بِوَصِيَّةٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ عِوَضٍ فِي خُلْعٍ، أَوْ فِي صُلْحٍ وَنَحْوِهِ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوِ اشْتَرَاهَا. [لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ] فَصْلٌ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَهُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ يَقَعُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِهَا سِوَى فِعْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا بِسُنَنِهَا، وَصَلَاةِ جُمُعَةٍ، وَعِيدٍ، وَلَا يَسْتَنِيبُ وَسُمِّيَ خَاصًّا لِاخْتِصَاصِ الْمُسْتَأْجِرِ بِنَفْعِهِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَقِيلَ: هُوَ مَنْ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ مُبَاحٍ (فِيمَا يَتْلَفُ فِي يَدِهِ) الْجَارُّ وَمَجْرُورُهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَلَا ضَمَانَ ; لِأَنَّ عَمَلَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ كَالْقَصَاصِ، وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنِ الْمَالِكِ فِي صَرْفِ مَنَافِعِهِ فِيمَا أُمِرَ بِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ كَالْوَكِيلِ (إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى) لِأَنَّهُ تَلِفَ بِتَعَدِّيهِ أَشْبَهَ الْغَاصِبَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 يَتْلَفُ فِي يَدِهِ إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى وَيَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرِكُ مَا جَنَتْ يَدُهُ مِنْ تَخْرِيقِ الثَّوْبِ وَغَلَطِهِ فِي تَفْصِيلِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ حِرْزِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ تَفْرِيطٍ، وَمِثْلُهُ فِي " الشَّرْحِ " بِالْخَبَّازِ إِذَا أَسْرَفَ فِي الْوَقُودِ، أَوْ أَلْزَقَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ، أَوْ بِتَرْكِهِ بَعْدَ وَقْتِهِ حَتَّى يَحْتَرِقَ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَذَهَبَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدُهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ. [يَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرِكُ مَا جَنَتْ يَدُهُ] (وَيَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ) وَهُوَ مَنْ قُدِّرَ نَفْعُهُ بِعَمَلٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ، وَسُمِّيَ مُشْتَرَكًا ; لِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ أَعْمَالًا لِجَمَاعَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَعْمَلُ لَهُمْ فَيَشْتَرِكُونَ فِي مَنْفَعَتِهِ كَالْحَائِكِ، وَالْقَصَّارِ، وَالطَّبَّاخِ، وَالْحَمَّالِ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ ضَامِنٌ (مَا جَنَتْ يَدُهُ مِنْ تَخْرِيقِ الثَّوْبِ وَغَلَطِهِ فِي تَفْصِيلِهِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ ; لِأَنَّ عَمَلَهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ إِلَّا بِالْعَمَلِ، وَأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ بِخِلَافِ الْخَاصِّ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ، وَظَاهِرُهُ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ فِي بَيْتِهِ، أَوْ بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، وَلَا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمَتَاعِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ "، وَجَمَاعَةٌ ; لِأَنَّ ضَمَانَهُ لِجِنَايَتِهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ إِنْ كَانَ عَمَلُهُ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ فِي مُلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ خِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا. (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ حِرْزِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ أَشْبَهَ الْمُودِعَ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ التَّلَفُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كَالْحَرِيقِ وَاللُّصُوصِ الْغَالِبِينَ وَنَحْوِهِمْ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ كَالضَّيَاعِ وَنَحْوِهِ ضَمِنَ لِلتُّهْمَةِ (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمُ عَمَلَهُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهُ كَالْمَبِيعِ مِنَ الطَّعَامِ إِذَا تَلِفَ فِي يَدِ بَائِعِهِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ غَيْرِهِ، بِنَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": إِلَّا مَا عَمِلَهُ فِي بَيْتِ رَبِّهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 فِيمَا عَمِلَ فِيهِ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُ مُطْلَقًا. وَلَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ، وَلَا خَتَّانٍ، وَلَا بَزَّاغٍ، وَلَا طَبِيبٍ إِذَا عُرِفَ مِنْهُمْ حِذْقُ الصَّنْعَةِ وَلَمْ تَجْنِ أَيْدِيهِمْ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي إِذَا لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ بِنَاءً، وَعَنْهُ: وَمَنْقُولُ عَمَلِهِ فِي بَيْتِ رَبِّهِ، وَفِي " الْفُنُونِ " لَهُ الْأُجْرَةُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ وَضْعَهُ النَّفْعَ فِيمَا عَيَّنَهُ لَهُ كَالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ كَدَفْعِهِ إِلَى الْبَائِعِ غَرَارَةً، وَقَالَ: ضَعِ الطَّعَامَ فِيهَا، فَكَالَهُ فِيهَا كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا ; لِأَنَّهَا كَيَدِهِ (وَعَنْهُ: يَضْمَنُ مُطْلَقًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَعَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَلِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا كَالْمُسْتَعِيرِ، قَالَ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": وَمَحَلُّ الرِّوَايَاتِ إِذَا لَمْ تَكُنْ يَدُ الْمَالِكِ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ فَلَا ضَمَانَ بِحَالٍ. فَرْعٌ: إِذَا اسْتَعْمَلَ مُشْتَرِكٌ خَاصًّا صَحَّ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ [لَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ وَلَا خَتَّانٍ وَلَا بَزَّاغٍ وَلَا طَبِيبٍ] (وَلَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ، وَلَا خَتَّانٍ، وَلَا بَزَّاغٍ) وَهُوَ الْبَيْطَارُ (وَلَا طَبِيبٍ) خَاصًّا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَوْ مُشْتَرَكًا (إِذَا عُرِفَ مِنْهُمْ حِذْقُ الصَّنْعَةِ وَلَمْ تَجْنِ أَيْدِيهِمْ) لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مُبَاحًا فَلَمْ يَضْمَنْ سِرَايَتَهُ كَحَدٍّ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَقَطَعَ قَطْعًا لَا يَسْرِي بِخِلَافِ دَقَّ دَقًّا لَا يَخْرِقُهُ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حِذْقٌ فِي الصَّنْعَةِ أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ ; لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُمْ مُبَاشَرَةُ الْقَطْعِ، فَإِذَا قَطَعَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا فَيَضْمَنُ سِرَايَتَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ تَطَبَّبَ بِغَيْرِ عِلْمِ فَهُوَ ضَامِنٌ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، فَلَوْ كَانَ فِيهِمْ حِذْقُ الصَّنْعَةِ، وَجَنَتْ أَيْدِيهِمْ بِأَنْ تَجَاوَزَ الْخَتَّانُ إِلَى بَعْضِ الْحَشَفَةِ، أَوْ تَجَاوَزَ الطَّبِيبُ بِقَطْعِ السَّلْعَةِ مَوْضِعَهَا، أَوْ بِآلَةٍ كَآلَةٍ يَكْثُرُ أَلَمُهَا وَجَبَتْ ; لِأَنَّ الْإِتْلَافَ لَا يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَكَمَا لَوْ قَطَعَهُ ابْتِدَاءً، وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى إِذَا مَاتَتْ طِفْلَةٌ مِنَ الْخِتَانِ فَدِيَتُهَا عَلَى عَاقِلَةِ خَاتِنَتِهَا، قَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَنَّهُ لَوِ اسْتَأْجَرَ لِحَلْقِ رُؤُوسٍ يَوْمًا، فَجَنَى عَلَيْهَا بِجِرَاحَةٍ لَا يَضْمَنُ كَجِنَايَتِهِ فِي قِصَارَةٍ وَنَحْوِهَا، وَيُعْتَبَرُ لِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي ذَلِكَ إِذَنُ مُكَلَّفٍ أَوْ وَلِيٍّ وَإِلَّا ضَمِنَ، وَاخْتَارَ فِي " الْهَدْيِ " لَا يَضْمَنُ ; لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ. [لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ] (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 يَتَعَدَّ، وَإِذَا حَبَسَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ عَلَى أُجْرَتِهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ، وَإِنْ تَلِفَ الثَّوْبُ بَعْدَ عَمَلِهِ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ تَضْمِينِهِ إِيَّاهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَبَيْنَ تَضْمِينِهِ إِيَّاهُ   [المبدع في شرح المقنع] فَلَوْ جَاءَ بِجِلْدِ شَاةٍ، وَقَالَ: هَذَا جِلْدُ شَاتِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَعَنْهُ: لَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْحِفْظِ أَشْبَهَ الْمُودِعَ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ قُبِضَتْ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ أَشْبَهَتِ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَا تَلِفَ بِتَعَدِّيهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَجَوَازُ إِجَارَةِ الرَّاعِي، وَقِصَّةُ شُعَيْبٍ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، فَإِذَا عَقَدَ عَلَى مُعَيَّنَةٍ تَعَيَّنَتْ فِي الْأَصَحِّ فَلَا يُبَدِّلُهَا، وَيُبْطِلُ الْعَقْدَ فِيمَا تَلِفَ مِنْهَا، وَإِنْ عَقَدَ عَلَى مَوْصُوفٍ ذَكَرَ نَوْعَهُ، وَكِبَرَهُ، وَصِغَرَهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ ثَمَّ قَرِينَةٌ أَوْ عُرْفٌ صَارِفٌ إِلَى بَعْضِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ رَعْيُ سِخَالِهَا، فَإِنْ ذَكَرَ عَدَدًا تَعَيَّنَ، وَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى الْعَادَةِ (وَإِذَا حَبَسَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ عَلَى أُجْرَتِهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ عِنْدَهُ، وَلَا أَذِنَ لَهُ فِي إِمْسَاكِهِ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ كَالْغَاصِبِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ كَانَ صَبْغُهُ مِنْهُ فَلَهُ حَبْسُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَبِّ الثَّوْبِ أَوْ قَدْ قَصَّرَهُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وَفِي " الْمَنْثُورِ " إِنْ خَاطَهُ، أَوْ قَصَّرَهُ، وَغَزَلَهُ فَتَلِفَ بِسَرِقَةٍ، أَوْ نَارٍ، فَمِنْ مَالِكِهِ وَلَا أُجْرَةَ ; لِأَنَّ الصَّنْعَةَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ كَقَفِيزٍ مِنْ صَبْرَةٍ، وَيُسْتَثْنَى عَلَى الْأَوَّلِ مَا إِذَا أَفْلَسَ مُسْتَأْجِرُهُ ثُمَّ جَاءَ بَائِعُهُ يَطْلُبُهُ، فَلِلصَّانِعِ حَبْسُهُ. (وَإِنْ تَلِفَ الثَّوْبُ بَعْدَ عَمَلِهِ خُيِّرَ الْمَالِكُ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَالِهِ، فَكَانَتِ الْخِيَرَةُ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ (بَيْنَ تَضْمِينِهِ إِيَّاهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَبَيْنَ تَضْمِينِهِ إِيَّاهُ مَعْمُولًا وَيَدْفَعُ إِلَيْهِ أُجْرَتَهُ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ الْأُجْرَةَ لَاجْتَمَعَ عَلَى الْأَجِيرِ فَوَاتُ الْأُجْرَةِ وَضَمَانُ مَا يُقَابِلُهَا، وَلِأَنَّ الْمَالِكَ إِذَا ضَمَّنَهُ ذَلِكَ مَعْمُولًا يَكُونُ فِي مَعْنَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ مَعْمُولًا، فَيَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ الْأُجْرَةَ لِحُصُولِ التَّسْلِيمِ الْحُكْمِيِّ، وَيُقَدَّمُ قَوْلُهُ فِي صِفَةِ عَمَلِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَمِثْلُهُ تَلَفُ أَجِيرٍ مُشْتَرِكٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ مَوْضِعَ تَلَفِهِ، وَلَهُ أُجْرَتُهُ إِلَيْهِ، وَكَذَا عَمَلُهُ غَيْرَ صِفَةِ شَرْطِهِ أَيْ لَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهَا، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِ الْغَزْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 مَعْمُولًا وَيَدْفَعُ إِلَيْهِ أُجْرَتَهُ، وَإِذَا ضَرَبَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ بِقَدْرِ الْعَادَةِ أَوْ كَبَحَهَا، أَوِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَنْسُوجِ فِيهَا، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " لَهُ الْمُسَمَّى إِنْ زَادَ الطُّولُ فَقَطْ، وَلَمْ يَنْقُصِ الْأَصْلُ بِهَا، وَإِنْ زَادَ فِي الْعَرْضِ فَوَجْهَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَطْعُ الزَّائِدِ فِي الطُّولِ وَيَبْقَى الثَّوْبُ عَلَى مَا أَرَادَ بِخِلَافِ الْعَرْضِ وَإِنْ نَقْصَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُ وَيَضْمَنُ كَنَقْصِ الْأَصْلِ، وَقِيلَ: بِحِصَّتِهِ مِنَ الْمُسَمَّى، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُ فِي نَقْصِ الْعَرْضِ بِخِلَافِ النَّقْصِ فِي الطُّولِ، فَإِنَّ لَهُ حِصَّتَهُ مِنَ الْمُسَمَّى. فَرْعٌ: إِذَا أَخْطَأَ قَصَّارٌ، وَدَفَعَ الثَّوْبَ إِلَى غَيْرِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ، فَإِنْ قَطَعَهُ قَابِضُهُ غَرِمَ أَرْشَ قَطْعِهِ كَدَرَاهِمَ أَنْفَقَهَا، وَيَرُدُّهُ مَقْطُوعًا عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ كَمَا لَوْ عَلِمَ، وَعَنْهُ: لَا، لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ (وَإِذَا ضَرَبَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ بِقَدْرِ الْعَادَةِ أَوْ كَبَحَهَا) أَيْ جَذَبَهَا لِتَقِفَ، وَفِي " الشَّرْحِ " يُحُثُّهَا بِهِ عَلَى السَّيْرِ لِتَلْحَقَ الْقَافِلَةَ، وَيُقَالَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (أَوِ الرَّائِضُ الدَّابَّةَ) أَيْ مُعَلِّمُهَا (لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ) لِأَنَّهُ تَلِفَ مِنْ فِعْلِ مُسْتَحَقٍّ فَلَمْ يَضْمَنَاهُ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ تَحْتَ الْحَمْلِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ إِذَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْكَافِي " ; لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ، فَوَجَبَ الضَّمَانُ كَالْغَاصِبِ وَقَدِ اقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَ ضَرْبِ الْمُسْتَأْجِرِ الدَّابَّةَ لِلِاسْتِصْلَاحِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَخَسَ بَعِيرَ جَابِرٍ وَضَرَبَهُ» ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَنْخُسُ بَعِيرَهُ بِمِحْجَنِهِ، فَلَوِ اكْتَرَاهَا وَتَرَكَهَا فِي اصْطَبْلِهِ فَمَاتَتْ فَهَدَرٌ وَإِنْ سَقَطَ عَلَيْهَا ضَمِنَهَا. تَنْبِيهٌ: الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ مُسْتَأْجِرِهَا إِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ رَفَعَ يَدَهُ عَنْهَا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 الرَّائِضُ الدَّابَّةَ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَتْ بِهِ، وَإِنْ قَالَ: أَذِنْتَ لِي فِي تَفْصِيلِهِ قَبَاءً، قَالَ: بَلْ قَمِيصًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ، نَصَّ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] الرَّدُّ، أَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ ضَمَانُهَا لَوَجَبَ رَدُّهَا كَالْعَارِيَةِ، وَحِينَئِذٍ تَبَقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ رَدُّهَا مَعَ الْقُدْرَةِ إِنْ طُلِبَتْ مِنْهُ، قَطَعَ الْقَاضِي بِهِ فِي " الْخِلَافِ "، وَقِيلَ: مُطْلَقًا، وَيَضْمَنُهُ إِنْ تَلِفَ مَعَ إِمْكَانِ رَدِّهِ كَعَارِيَةٍ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى مَالِكِهَا فِي الْأَصَحِّ كَمُودِعٍ، فَلَوْ شَرَطَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ ضَمَانَهَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْعَقْدِ وَجْهَانِ (وَإِنْ قَالَ: أَذِنْتَ لِي فِي تَفْصِيلِهِ قَبَاءً، قَالَ: بَلْ قَمِيصًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ، نَصَّ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَأْذُونِ لَهُ كَالْمُضَارِبِ، فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ الْخَيَّاطُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْغُرْمُ وَيَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّهِ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْإِذْنِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، فَعَلَيْهَا يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَذِنَ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً، وَيَغْرَمُ الْأَجِيرُ نَقْصَهُ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَعَنْهُ: يُعْمَلُ بِظَاهِرِ الْحَالِ كَاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، وَقِيلَ: بِالتَّحَالُفِ كَالِاخْتِلَافِ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَحُكْمُ الصَّبَّاغِ إِذَا قَالَ: أَذِنْتَ فِي صَبْغِهِ أَحْمَرَ، قَالَ: بَلْ أَصْفَرَ كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: إِذَا دَفَعَ إِلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا، وَقَالَ: إِنْ كَانَ يُقْطَعُ قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ، فَقَالَ: هُوَ يُقْطَعُ، فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَكْفِهِ، أَوْ قَالَ: انْظُرْ هَلْ يَكْفِينِي قَمِيصًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: اقْطَعْهُ، فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَكْفِهِ، ضَمِنَهُ فِيهِمَا، فَإِنْ قَالَ: اقْطَعْهُ قَمِيصَ رَجُلٍ، فَقَطَعَهُ قَمِيصَ امْرَأَةٍ غَرِمَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَغْرَمُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِمَا، فَإِنْ أَكْرَاهُ لِيَلْبَسَهُ لَمْ يَنَمْ فِيهِ لَيْلًا، وَلَا وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ، وَلَمْ يَأْتَزِرْ بِهِ، فَإِنِ ارْتَدَى بِهِ جَازَ فِي الْأَقْيَسِ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ تَحَالَفَا كَالْبَيْعِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْآجِرِ، وَكَذَا إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ، وَعَنْهُ: يُصَدَّقُ الْمُؤَجِّرُ، وَعَنْهُ: الْمُسْتَأْجِرُ، وَعَلَى التَّحَالُفِ إِنْ كَانَ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا فَبِالْقِسْطِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 فَصْلٌ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا، وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ   [المبدع في شرح المقنع] ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي التَّعَدِّي قُبِلَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ ; لِأَنَّهُ أَمِينٌ، فَإِنْ قَالَ بَعْدَ الْقَبْضِ: مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ أَبَقَ، أَوْ شَرَدَتِ الدَّابَّةُ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا صُدِّقَ وَحَلَفَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ، فَلَوِ ادَّعَى مَرَضَهُ، وَأَصَابَهُ صَحِيحًا قُبِلَ قَوْلُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ، أَوْ كَذَّبَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْإِبَاقِ دُونَ الْمَرَضِ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ هَلَاكِ الْعَيْنِ قُدِّمَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ. [فَصْلٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ] فَصْلٌ (وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ) أَيْ إِذَا أَطْلَقَ، وَكَانَ الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ كَأَرْضٍ، وَدَارٍ، وَنَحْوِهِمَا، أَوْ ذِمَّةٍ ; لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْبَيْعِ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ حَالَّةً مِنْ نَقْدِ بَلَدِ الْعَقْدِ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا غَيْرَهُ، وَقَالَ طَائِفَةٌ: لَا يَمْلِكْهَا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهَا إِلَّا يَوْمًا بِيَوْمٍ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] أَمَرَ بِإِيتَائِهِنَّ بَعْدَ الرَّضَاعِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ» ، وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ لَمْ يُمْلَكْ فَلَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ كَالْعِوَضِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ. وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ عِوَضٌ أُطْلِقَ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَيَسْتَحِقُّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ كَالثَّمَنِ، وَالصَّدَاقِ، وَلَهُ الْوَطْءُ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَتَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِيتَاءَ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الرِّضَاعِ أَوْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا، وَتَحَقُّقُهُ أَنَّ الْإِيتَاءَ فِي وَقْتٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ قَبْلَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] ، وَالصَّدَاقُ يَجِبُ قَبْلَ الِاسْتِمْتَاعِ مَعَ أَنَّهُمَا إِنَّمَا وَرَدَا فِيمَنِ اسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ، فَأَمَّا مَا وَقَعَتِ الْإِجَارَةُ فِيهِ عَلَى مُدَّةٍ فَلَا تَعَرُّضَ لَهَا فِيهِ (إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا) فَلَا يَجِبُ كَمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى تَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَ تَأْجِيلِهَا، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْعًا فِي الذِّمَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَسَلَّمَهُ. وَإِذَا انْقَضَتِ الْإِجَارَةُ وَفِي الْأَرْضِ غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لَمْ يُشْتَرَطْ قَلْعُهُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ أَوْ تَرْكِهِ بِالْأُجْرَةِ أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ، وَإِنْ شَرَطَ قَلْعَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِبْ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: يَجِبُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَلَا تَحِلُّ مُؤَجَّلَةً بِمَوْتٍ فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ حَلَّ دَيْنٌ بِهِ ; لِأَنَّ حَلَّهَا مَعَ تَأْخِيرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ظُلْمٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَسَلَّمَهُ) وَإِنَّ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ، وَعَلَى هَذَا وَرَدَتِ النُّصُوصُ، وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ ; لِأَنَّهُ عِوَضٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهُ إِلَّا مَعَ تَسْلِيمِ الْمُعَوَّضِ كَالصَّدَاقِ، وَالثَّمَنِ، وَفَارَقَ الْإِجَارَةَ عَلَى الْأَعْيَانِ ; لِأَنَّ تَسْلِيمَهَا أُجْرِيَ مُجْرَى تَسْلِيمِ نَفْعِهَا، وَمَتَى كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَحْصُلْ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَيَتَوَقَّفُ اسْتِحْقَاقُ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ، فَإِنْ عَمِلَ بَعْضَهُ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا عَمِلَ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ الْعَمَلِ وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَنِ اسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ عِنْدَ إِيفَاءِ الْعَمَلِ، وَإِنِ اسْتُؤْجِرَ كُلَّ يَوْمٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَهُ أَجْرُ كُلِّ يَوْمٍ عِنْدَ تَمَامِهِ. تَنْبِيهٌ: يَسْتَقِرُّ الْأَجْرُ كَامِلًا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَبِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ، وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَا مَانِعَ لَهُ مِنَ الِانْتِفَاعِ، أَوْ بِفَرَاغِ عَمَلٍ بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ، وَيَدْفَعُهُ إِلَيْهِ بَعْدَ عَمَلِهِ، فَلَوْ بَذَلَ لَهُ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ، وَامْتَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ اسْتَقَرَّ الْأَجْرُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا تَسْتَقِرُّ إِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهَا، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ عِوَضُهُ بُذِلَ التَّسْلِيمُ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ. [انْقَضَتِ الْإِجَارَةُ وَفِي الْأَرْضِ غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ] (وَإِذَا انْقَضَتِ الْإِجَارَةُ وَفِي الْأَرْضِ غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لَمْ يُشْتَرَطْ قَلْعُهُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا) أو أَطْلَقَ وَكَانَتْ أَوْ أُجِّرَتْ لِذَلِكَ (خُيِّرَ الْمَالِكُ) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ (بَيْنَ أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ) أَيْ بِدَفْعِ قِيمَةِ الْغِرَاسِ، أَوِ الْبِنَاءِ، فَيَمْلِكُهُ مَعَ أَرْضِهِ ; لِأَنَّ الضَّرَرَ يَزُولُ بِذَلِكَ، وَفِي " الْفَائِقِ ": إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ وَقْفًا لَمْ يَمْلِكِ التَّمَلُّكَ إِلَّا بِشَرْطِ وَاقِفٍ أَوْ رضي مُسْتَحِقِّ الرِّيعِ (أَوْ تَرْكِهِ بِالْأُجْرَةِ) أَيْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ (أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 بِشَرْطٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيطِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ أَوْ تَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَزِمَ تَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ. وَإِذَا تَسَلَّمَ الْعَيْنَ فِي الْإِجَارَةِ   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَفَ مَا بَنَاهُ أَوْ لَا، وَهَذَا مَا لَمْ يَقْلَعْهُ مَالِكُهُ، وَلَمْ يَكُنِ الْبِنَاءُ مَسْجِدًا، وَنَحْوَهُ فَلَا يُهْدَمُ، اخْتَارَهُ فِي " الْفُنُونِ " وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا مَلَكَ الْقَلْعَ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ ; لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمُدَّةِ فِي الْإِجَارَةِ يَقْتَضِي تَفْرِيغَهَا عِنْدَ انْقِضَائِهَا كَالْمُسْتَأْجِرة لِلزَّرْعِ، قُلْتُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الظَّالِمِ لَهُ حَقٌّ، وَهُنَا كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ غَرَسَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ قَلْعَهُ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ كَمَا لَوِ اسْتَعَارَهَا لِلْغَرْسِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا، فَإِنْ شَرَطَ فِيهَا بَقَاءَ غَرْسٍ فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَإِطْلَاقِهِ فَإِنِ اخْتَارَ رَبُّ الْأَرْضِ الْقَلْعَ فَهُوَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ، قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ، وَإِنِ اخْتَارَهُ مَالِكُهُ لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَغَيْرِهِمَا (وَإِنْ شَرَطَ قَلْعَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ) وَفَاءً بِمُوجِبِ شَرْطِهِ، فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا كَانَ إِطْلَاقُ الْعَقْدِ فِيهِمَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَشَرْطُ الْقَلْعِ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيُفْسِدُهُ؟ قُلْتُ: اقْتِضَاؤُهُ التَّأْبِيدَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْعَادَةَ تَبْقِيَتُهُمَا، فَإِذَا أَطْلَقَهُ حُمِلَ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِذَا شَرَطَ خِلَافَهُ جَازَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ غَرَامَةُ نَقْصٍ (وَلَمْ يَجِبْ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ لِرِضَاهُمَا بِالْقَلْعِ (إِلَّا بِشَرْطٍ) لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى إِبْقَائِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا جَازَ إِذَا شَرَطَا مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَغْرِسَ وَيَبْنِيَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِذَلِكَ، فَإِذَا انْقَضَتْ فَلَا (وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيطِ الْمُسْتَأْجِرِ) مِثْلَ أَنْ يَزْرَعَ زَرْعًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِكَمَالِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ (فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ) مَا لَمْ يَخْتَرِ الْمُسْتَأْجِرُ قَلْعَ زَرْعِهِ فِي الْحَالِ وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ، وَقِيلَ: لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِنَفَقَتِهِ (أَوْ تَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ) أَيْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمَا زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ ; لِأَنَّهُ أَبْقَى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعُدْوَانِهِ كَالْغَاصِب ِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ نَقْلَ الزَّرْعِ، وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى تَرْكِهِ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ) مِثْلَ أَنْ يَزْرَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 الْفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ سَكَنَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ، وَإِذَا اكْتَرَى بِدَرَاهِمَ وَأَعْطَاهُ عَنْهَا دَنَانِيرَ ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالدَّرَاهِمِ.   [المبدع في شرح المقنع] زَرْعًا يَنْتَهِي فِي الْمُدَّةِ عَادَةً ثُمَّ يَتَأَخَّرَ لِبَرْدٍ، أَوْ غَيْرِهِ (لَزِمَ تَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ) لِحُصُولِ زَرْعِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا، فَزَرَعَهَا ثُمَّ رَجَعَ الْمَالِكُ قَبْلَ كَمَالِ الزَّرْعِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ زَرْعَ شَيْءٍ لَا يُدْرَكُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَلِلْمَالِكِ مَنْعُهُ، فَإِنْ زَرَعَ لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ بِقَلْعِهِ قَبْلَ الْمُدَّةِ ; لِأَنَّهُ فِي أَرْضٍ مَلَكَ نَفْعَهَا، فَلَوِ اكْتَرَاهَا مُدَّةً لِزَرْعِ مَا لَا يَكْمُلُ فِيهَا، وَشَرَطَ قَلْعَهُ عِنْدَ فَرَاغِهَا صَحَّ وَإِنْ شَرَطَ الْبَقَاءَ حَتَّى يَكْمُلَ أَوْ سَكَتَ فَسَدَ الْعَقْدُ فَإِذَا فَرَغَتِ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ قَائِمٌ فَهُوَ كَمُفَرِّطٍ فِي الْأَصَحِّ. [تَسَلُّمُ الْعَيْنِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ] (وَإِذَا تَسَلَّمَ الْعَيْنَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِمُدَّةِ بَقَائِهَا فِي يَدِهِ (سَكَنَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَرَجَعَ إِلَى قِيمَتِهَا كَمَا لَوِ اسْتَوْفَاهُ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَخْذًا لَهُ مِنَ النِّكَاحِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا شَيْءَ لَهُ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ عَلَى مَنَافِعَ لَمْ يَسْتَوْفِهَا فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضها كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَأَمَّا إِنْ بَذَلَ التَّسْلِيمَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَلَمْ يَتَسَلَّمْهَا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ تَتْلَفْ تَحْتَ يَدِهِ. فَرْعٌ: الْمَبِيعُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمُسْتَعِيرٍ فَقَطْ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَ " الْفُصُولِ "، وَ " الْمُغْنِي " لِتَضَمُّنِهِ إِذْنًا، وَفِي " الْفُرُوعِ " تَوْجِيهُ أَنَّهُ فِي وَجْهٍ كَغَصْبٍ، وَفِي " الْقَوَاعِدِ ": إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ، وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْغَصْبِ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي " انْتِصَارِهِ " صِحَّةَ التَّصَرُّفِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي النِّكَاحِ، وَاعْتَرَضَهُ أَحْمَدُ الْحَرْبِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ. (وَإِذَا اكْتَرَى بِدَرَاهِمَ وَأَعْطَاهُ عَنْهَا دَنَانِيرَ ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالدَّرَاهِمِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا انْفَسَخَ رَجَعَ كُلٌّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْعِوَضِ الَّذِي بَذَلَهُ، وَعِوَضُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 بَابُ السَّبْقِ تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأَقْدَامِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالسُّفُنِ وَالْمَزَارِيقِ   [المبدع في شرح المقنع] الْعَقْدِ هُوَ الدَّرَاهِمُ، وَالْمُؤَجِّرُ أَخَذَ الدَّنَانِيرَ بِعَقْدٍ آخَرَ، وَلَمْ يَنْفَسِخْ أَشْبَهَ مَا إِذَا قَبَضَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ صَرَفَهَا بِدَنَانِيرَ. [بَابُ السَّبْقِ] [مَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَابَقَةُ] بَابُ السَّبْقِ هُوَ مَصْدَرُ سَبَقَ يَسْبِقُ سَبْقًا، وَالسَّبَقَ بِتَحْرِيكِ الْبَاءِ الشَّيْءُ الَّذِي يُسَابَقُ عَلَيْهِ، وَبِسُكُونِهَا الْمُسَابَقَةُ، وَهِيَ الْمُجَارَاةُ بَيْنَ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ، وَالْمُنَاضَلَةُ الْمُسَابَقَةُ بِالرَّمْيِ، وَالرِّهَانُ فِي الْخَيْلِ، وَالسِّبَاقُ فِي الْخَيْلِ وَالرَّمْيِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] الْآيَةَ، وَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَبَيْنَ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ» . قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ، أَوْ سَبْعَةٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ: مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ. (تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأَقْدَامِ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «سَابَقَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَبَقْتُهُ، فَلَمَّا أَخَذَنِي اللَّحْمُ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: هَذِهِ بِتِلْكَ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، «وَسَابَقَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ) كَإِبِلٍ، وَخَيْلٍ، وَبَقَرٍ، وَطُيُورٍ فِي الْأَصَحِّ، وَمَنَعَهُ الْآمِدِيُّ فِي حَمَامٍ (وَالسُّفُنِ وَالْمَزَارِيقِ) جَمْعُ مِزْرَاقٍ وَهُوَ الرُّمْحُ الْقَصِيرُ (وَغَيْرِهَا) كَمَنَاجِيقَ، وَرَمْيِ أَحْجَارٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 وَغَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ إِلَّا فِي الْإِبِلِ، وَالْخَيْلِ، وَالسِّهَامِ. بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا:   [المبدع في شرح المقنع] بِمَقَالِيعَ، وَرَفْعِ أَحْجَارٍ لِيَعْرِفُوا الْأَشَدَّ مِنْهُمْ، وَصِرَاعٍ ; «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَارَعَ رُكَانَةَ فَصَرَعَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. فَوَائِدُ: قَالَ فِي " الْوَسِيلَةِ " يُكْرَهُ الرَّقْصُ، وَاللَّعِبُ كُلُّهُ، وَمَجَالِسُ الشِّعْرِ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ لَعِبُهُ بِأُرْجُوحَةٍ وَنَحْوِهَا، وَفِي " النَّصِيحَةِ " مَنْ وَثَبَ وَثْبَةً مَرَحًا وَلَعِبًا بِلَا نَفْعٍ فَانْقَلَبَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ عَصَى وَقَضَى الصَّلَاةَ، وَلَا يَجُوزُ اللَّعِبُ بِالطَّابِ، وَالنَّقِيلَةِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: كُلُّ فِعْلٍ أَفْضَى إِلَى الْمُحَرَّمِ كَثِيرًا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلشَّرِّ وَالْفَسَادِ، وَقَالَ: مَا أَلْهَى وَشَغَلَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ جِنْسُهُ كَبَيْعٍ وَتِجَارَةٍ وَغَيْرِهِمَا، وَمَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ وَجِوَارِيَ مَعَهَا كُنَّ يَلْعَبْنَ بِاللُّعَبِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرَاهُنَّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَكَانَتْ لَهَا أُرْجُوحَةٌ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، فَيُرَخَّصُ فِيهِ لِلصِّغَارِ مَا لَا يُرَخَّصُ فِيهِ لِلْكِبَارِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ فِي زَمَّارَةِ الرَّاعِي. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ كَذَا فِي الْعِيدِ، وَنَحْوِهِ لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ: دَعْهُمَا فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدِ» . [شُرُوطُ السِّبَاقِ بِعِوَضٍ فِي الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالسِّهَامِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ تَعْيِينُ الْمَرْكُوبِ وَالرُّمَاةِ] (وَلَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ إِلَّا فِي الْإِبِلِ، وَالْخَيْلِ، وَالسِّهَامِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَأَبْدَلَ فِي " الْفُرُوعِ " السِّهَامَ بِسِلَاحٍ، وَهُوَ أَوْلَى لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا سَبْقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ» ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ مَاجَهْ " أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 تَعْيِينُ الْمَرْكُوبِ وَالرُّمَاةِ، سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَتَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الرَّاكِبَيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] نَصْلٍ " وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَاخْتَصَّتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ فِيهَا ; لِأَنَّهَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ الْمَأْمُورِ بِتَعْلِيمِهَا وَإِحْكَامِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ السَّبْقُ بِالطُّيُورِ الْمُعَدَّةِ لِأَخْبَارِ الْأَعْدَاءِ، «وَقَدْ صَارَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكَانَةَ عَلَى شِيَاهٍ، فَصَرَعَهُ، فَأَخَذَهَا ثُمَّ عَادَ مِرَارًا فَأَسْلَمَ، فَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنَمَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ مَعَ أَنَّ الصِّرَاعَ، وَالسَّبْقَ بِالْأَقْدَامِ، وَنَحْوِهِمَا طَاعَةٌ إِذَا قُصِدَ بِهِ نَصْرُ الْإِسْلَامِ، وَأَخْذُ السَّبْقِ عَلَيْهِ أَخْذَ الْحَقِّ، فَالْمُغَالَبَةُ الْجَائِزَةُ تَحِلُّ بِالْعِوَضِ إِذَا كَانَتْ مِمَّا يَنْفَعُ فِي الدِّينِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ الرِّهَانِ فِي الْعِلْمِ لِقِيَامِ الدِّينِ بِالْجِهَادِ، وَالْعِلْمِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " يَخْتَصُّ جَوَازُ السَّبْقِ بِالْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ: الْحَافِرِ، فَيَعُمُّ كُلَّ ذِي حَافِرٍ، وَالْخُفِّ، فَيَعُمُّ كُلَّ ذِي خُفٍّ، وَالنَّصْلِ، فَيَخْتَصُّ النُّشَّابَ، وَالنَّبْلَ، وَلَا يَصِحُّ السَّبْقُ وَالرَّمْيُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ الْجُعْلِ وَعَدَمِهِ، وَلِتَعْمِيمِهِ وَجْهٌ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَحْرِيمَ الرَّهْنِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ إِجْمَاعًا. (بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الْمَرْكُوبِ) بِرُؤْيَةٍ (وَالرُّمَاةِ) لِأَنَّ الْقَصْدَ مَعْرِفَةُ جَوْهَرِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُسَابَقُ عَلَيْهِمَا، وَسُرْعَةُ عَدْوِهِمَا، وَمَعْرِفَةُ حِذْقِ الرُّمَاةِ، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالرُّؤْيَةِ، فَلَوْ عَقَدَ اثْنَانِ نِضَالًا مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا نَفَرٌ غَيْرُ مُتَعَيِّنِينَ لَمْ يَجُزْ لِذَلِكَ، وَإِنْ عَقَدُوا قَبْلَ التَّعْيِينِ عَلَى أَنْ يَنْقَسِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ بِالتَّرَاضِي جَازَ لَا بِقُرْعَةٍ، وَإِنْ بَانَ بَعْضُ الْحِزْبِ كَثِيرَ الْإِصَابَةِ أَوْ عَكْسَهُ فَادَّعَى ظَنَّ خِلَافِهِ لَمْ يُقْبَلْ (سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَتَيْنِ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّ عَلَى أَصْحَابٍ لَهُ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ: ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ ابْنِ الْأَدْرَعِ، فَأَمْسَكَ الْآخَرُونَ، فَقَالَ: ارْمُوا، وَأَنَا مَعَكُمْ كُلُّكُمْ» ، صَحِيحٌ، وَلِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يَكُونُوا اثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونُوا جَمَاعَتَيْنِ ; لِأَنَّ الْقَصْدَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ. (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الرَّاكِبَيْنِ وَلَا الْقَوْسَيْنِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ عَدْوِ الْفَرَسِ، وَحِذْقِ الرَّامِي دُونَ الرَّاكِبِ، وَالْقَوْسِ لِأَنَّهُمَا آلَةٌ لِلْمَقْصُودِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ تَعَيُّنُهُمَا كَالسَّرْجِ، فَكُلُّ مَا تَعَيَّنَ لَا يَجُوزُ إِبْدَالُهُ كَالْمُتَعَيِّنِ فِي الْبَيْعِ، وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ يَجُوزُ إِبْدَالُهُ مُطْلَقًا، فَعَلَى هَذَا إِنْ شَرَطَا أَنْ لَا يَرْمِيَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَوْسِ، وَلَا بِغَيْرِ هَذَا السَّهْمِ، وَلَا يَرْكَبُ غَيْرُ هَذَا الرَّاكِبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 وَلَا الْقَوْسَيْنِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَرْكُوبَانِ وَالْقَوْسَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَجُوزُ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَهَجِينٍ، وَلَا بَيْنَ قَوْسٍ عَرَبِيَّةٍ وَفَارِسِيَّةٍ، وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ. الثَّالِثُ: تَحْدِيدُ   [المبدع في شرح المقنع] فَهُوَ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " إِنْ عَقَدَا عَلَى قَوْسٍ مُعَيَّنَةٍ فَانْتَقَلَ إِلَى نَوْعِهِ جَازَ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ فَوَجْهَانِ. [الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْكُوبَانِ وَالْقَوْسَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ] (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَرْكُوبَانِ، وَالْقَوْسَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ أَشْبَهَا الْجِنْسَيْنِ (فَلَا يَجُوزُ بَيْنَ عَرَبِيٍّ، وَهَجِينٍ) وَهُوَ مِنْ عَرَبِيٍّ فَقَطْ (وَلَا بَيْنَ قَوْسٍ عَرَبِيَّةٍ) وَهُوَ قَوْسُ النَّبْلِ (وَفَارِسِيَّةٍ) وَهُوَ قَوْسُ النُّشَّابِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بِالْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الرَّمْيِ بِهَا، وَإِبَاحَةِ حَمْلِهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُكْرَهُ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مَعَ رَجُلٍ قَوْسًا فَارِسِيَّةً، فَقَالَ: لَا، أَلْقِهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْقِسِيِّ الْعَرَبِيَّةِ، وَبِرِمَاحِ الْقَنَا، فَبِهَا يُؤَيِّدُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، وَبِهَا يُمَكِّنُ اللَّهُ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ» ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَعَنَهَا لِحَمْلِ الْعَجَمِ لَهَا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، أَوْ مَنْعِ الْعَرَبِ مِنْ حَمْلِهَا لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِهَا (وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ) وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا قَرِيبٌ لِاتِّفَاقِ الْجِنْسِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ "، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَا جِنْسَيْنِ كَالْفَرَسِ، وَالْبَعِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْبِقُ الْفَرَسَ فَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْكُوبَانِ وَالْقَوْسَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ] (الثَّالِثُ: تَحْدِيدُ الْمَسَافَةِ، وَالْغَايَةِ) أَيْ يَكُونُ لِابْتِدَاءِ عَدْوِهِمَا، وَآخِرِهِ غَايَةٌ لَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْأَسْبَقِ، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْغَايَةِ ; لِأَنَّ أَحَدَهُمْ قَدْ يَكُونُ مُقَصِّرًا فِي أَوَّلِ عَدْوِهِ سَرِيعًا فِي آخِرِهِ وَبِالْعَكْسِ، فَيُحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ (وَمَدَى الرَّمْيِ) إِمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ، أَوْ بِالذِّرَاعِ ; لِأَنَّ الْإِصَابَةَ تَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ (عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ) لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالسَّابِقِ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ، فَلَوِ اسْتَبَقَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 الْمَسَافَةِ وَالْغَايَةِ وَمَدَى الرَّمْيِ فِي الْمُسَابَقَةِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. الرَّابِعُ: كَوْنُ الْعِوَضِ مَعْلُومًا. الْخَامِسُ: الْخُرُوجُ عَنْ شُبْهَةِ الْقِمَارِ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ جَمِيعُهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنَ الْإِمَامِ أَوْ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ أَخْذَهُ جَازَ، وَإِنْ جَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَإِنْ سَبَقَ الْمُخْرِجُ أَحْرَزَ سَبْقَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْآخَرِ شَيْئًا، وَإِنْ سَبَقَ الْآخَرُ أَحْرَزَ سَبْقَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَا مَعًا لَمْ يَجُزْ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] بِغَيْرِ غَايَةٍ لِيُنْظَرَ أَيُّهُمَا يَقِفُ أَوَّلًا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَا مَسَافَةً بَعِيدَةً فِي الرَّمْيِ تَتَعَذَّرُ الْإِصَابَةُ فِي مَثَلِهَا غَالِبًا، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ يَفُوتُ بِذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَا رَمَى فِي أَرْبَعِمِائَةِ ذِرَاعٍ إِلَّا عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ، وَهَلِ الْمُرَادُ بِهِ ذِرَاعُ الْيَدِ أَمْ غَيْرُهُ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا. [الشَّرْطُ الرَّابِعُ كَوْنُ الْعِوَضِ مَعْلُومًا] (الرَّابِعُ: كَوْنُ الْعِوَضِ مَعْلُومًا) بِالْمُشَاهَدَةِ، أَوْ بِالْقَدْرِ، أَوْ بِالصِّفَةِ ; لِأَنَّهُ مَالٌ فِي عَقْدٍ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، وَيَجُوزُ حَالًّا، وَمُؤَجَّلًا، وَبَعْضُهُ كَقَوْلِهِ: إِنْ فَضَلْتَنِي فَلَكَ دِينَارٌ، وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ بَعْدَ شَهْرٍ كَالْبَيْعِ غَيْرَ أَنَّهُ يُحْتَاجُ إِلَى صِفَةِ الْحِنْطَةِ بِمَا يُعْلَمُ بِهِ السَّلَمُ، وَهَذَا الْعَوضُ تَمْلِيكٌ بِشَرْطِ سَبْقِهِ. [الشَّرْطُ الْخَامِسُ الْخُرُوجُ عَنْ شُبْهَةِ الْقِمَارِ] (الْخَامِسُ: الْخُرُوجُ عَنْ شُبْهَةِ الْقِمَارِ) لِأَنَّ الْقِمَارَ مُحَرَّمٌ، فَشَبَهُهُ مِثْلُهُ (بِأَنْ لَا يَخْرُجَ جَمِيعُهُمْ) لِأَنَّهُ إِذَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ قِمَارٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ. وَمَنْ لَمْ يُخْرِجْ بَقِيَ سَالِمًا مِنَ الْغُرْمِ (فَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنَ الْإِمَامِ) صَحَّ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَالِهِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ; لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً، وَحَثًّا عَلَى تَعْلِيمِ الْجِهَادِ، وَنَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ لِتَوَلِّيهِ الْوِلَايَاتِ (أَوْ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ أَخَذَهُ جَازَ) لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَلَأَنْ يَجُوزَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَيُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ الْإِمَامِ بَذْلُ الْعِوَضِ مِنْ مَالِهِ، فَيَقُولُ: إِنْ سَبَقَتْنِي، فَلَكَ عَشَرَةٌ، وَإِنْ سَبَقْتُكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ (وَإِنْ جَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا) لِأَنَّهُ لَا سَابِقَ فِيهِمَا (وَإِنْ سَبَقَ الْمُخْرِجُ أَحْرَزَ سَبْقَهُ) أَيْ سَبْقَ نَفْسِهِ (وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْآخَرِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ قِمَارًا (وَإِنْ سَبَقَ الْآخَرُ أَحْرَزَ سَبْقَ صَاحِبِهِ) أَيْ سَبْقَ الْمُخْرِجِ ; لِأَنَّهُ سَبَقَهُ، فَمَلَكَ الْمَالَ الَّذِي جَعَلَهُ عِوَضًا فِي الْجُعَالَةِ كَالْعِوَضِ الْمَجْعُولِ فِي رَدِّ الضَّالَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ دَيْنٌ يُقْضي بِهِ عَلَيْهِ، وَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ أَفْلَسَ ضُرِبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا يُكَافِئُ فَرَسُهُ فَرَسَيْهِمَا، أَوْ بَعِيرُهُ بَعِيرَيْهِمَا، أَوْ رَمْيُهُ رَمْيَيْهِمَا، فَإِنْ سَبَقَ أَحْرَزَ سَبْقَيْهِمَا، وَإِنْ سَبَقَاهُ أَحْرَزَا سَبْقَيْهِمَا وَلَمْ يَأْخُذَا مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا أَحْرَزَ السَّبْقَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَ مَعَهُ الْمُحَلِّلُ فَسَبْقُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا.   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: السَّبْقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْجُعْلُ الَّذِي يُسَابَقُ عَلَيْهِ، يُقَالُ: سَبَقَ إِذَا أَخَذَ وَأَعْطَى فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ. (فَإِنْ أَخْرَجَا مَعًا) أَيِ الْعِوَضَ (لَمْ يَجُزْ) وَكَانَ قِمَارًا (إِلَّا أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا) فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَا سَوَاءً أَخْرَجَاهُ مُتَسَاوِيًا، أَوْ مُتَفَاضِلًا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرِجَ الْمُحَلِّلُ شَيْئًا، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالَأَوْزَاعِيِّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ قِمَارًا، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، فَجَعَلَهُ قِمَارًا إِذَا أَمِنَ السَّبْقَ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ، وَإِذَا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَسْبِقَ لَمْ يَكُنْ قِمَارًا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ عَنْ ذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُحَلِّلِ أَنْ (يُكَافِئُ فَرَسُهُ فَرَسَيْهِمَا، أَوْ بَعِيرُهُ بَعِيرَيْهِمَا، أَوْ رَمْيُهُ رَمْيَيْهِمَا) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (فَإِنْ سَبَقَهما أَحْرَزَ سَبْقَيْهِمَا) اتِّفَاقًا ; لِأَنَّهُ جُعِلَ لِمَنْ سَبَقَ (وَإِنْ سَبَقَاهُ أَحْرَزَا سَبْقَيْهِمَا) لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ لَمْ يَسْبِقْهُمَا (وَلَمْ يَأْخُذَا مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْمُحَلِّلِ (شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ لِمَنْ سَبَقَهُ شَيْئًا (وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا أَحْرَزَ السَّبْقَيْنِ) لِأَنَّهُمَا قَدْ جَعَلَاهُ لِمَنْ سَبَقَ، وَقَدْ وَجَدَ (وَإِنْ سَبَقَ مَعَهُ الْمُحَلِّلُ فَسَبْقُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنِ السَّابِقِ وَالْمُحَلِّلِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا قَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي عِوَضِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَبِقُونَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكَثَرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي مُحَلِّلٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ، وَقِيلَ: بَلْ أَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا مُحَلِّلَ، وَأَنَّهُ أَوْلَى بِالْعَدْلِ مِنْ كَوْنِ السَّبْقِ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَبْلَغُ فِي تَحْصِيلِ مَقْصُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَهُوَ بَيَانُ عَجْزٍ الْآخَرِ. (وَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْمُتَسَابِقِينَ (مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشَرَةٌ، وَمَنْ صَلَّى فَلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 وَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ: مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشَرَةٌ، وَمَنْ صَلَّى فَلَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَالَ: مَنْ صَلَّى فَلَهُ خَمْسَةٌ صَحَّ، وَإِنْ شَرَطَا أَنَّ السَّابِقَ يُطْعِمُ السَّبْقَ أَصْحَابَهُ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ) إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ ; لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِ السَّبْقِ فَلَا يُحْرَصُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ سَوَاءٌ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانُوا أَكَثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَقَالَ ذَلِكَ صَحَّ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا أَوْ مُصَلِّيًا (وَإِنْ قَالَ: مَنْ صَلَّى فَلَهُ خَمْسَةٌ صَحَّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا لِيُحْرِزَ أَكْثَرَ الْعِوَضَيْنِ، وَالْمُصَلِّي: هُوَ الثَّانِي ; لِأَنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ صَلَا الْآخَرِ، وَالصَّلَوَانِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتئانِ مِنْ جَانِبِ الذَّنَبِ، وَفِي الْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَبَقَ أَبُو بَكْرٍ، وَصَلَّى عُمَرُ، وَخَطَبتْنَا فِتْنَةٌ. قَالَ الشَّاعِرُ: إِنْ تَبْتَدِرْ غَايَةً يَوْمًا لِمَكْرُمَةٍ ... تَلْقَ السَّوَابِقَ فِينَا وَالْمُصَلِّينَا فَإِنْ قَالَ: لِلْمُجَلِّي - وَهُوَ الْأَوَّلُ - مِائَةٌ، وَلِلْمُصَلِّي وَهُوَ الثَّانِي تِسْعُونَ، وَلِلتَّالِي وَهُوَ الثَّالِثُ ثَمَانُونَ، وَلِلْبَارِعِ وَهُوَ الرَّابِعُ سَبْعُونَ، وَلِلْمُرْتَاحِ وَهُوَ الْخَامِسُ سِتُّونَ، وَلِلْخطيِّ وَهُوَ السَّادِسُ خَمْسُونَ، وَلِلْعَاطِفِ وَهُوَ السَّابِعُ أَرْبَعُونَ، وَلِلْمُؤَمَّلِ وَهُوَ الثَّامِنُ ثَلَاثُونَ، وَلِلَّطِيمِ وَهُوَ التَّاسِعُ عِشْرُونَ، وَلِلسِّكِّيتِ وَهُوَ الْعَاشِرُ عَشَرَةٌ، وَلِلْفِسْكِلِ وَهُوَ الْآخِرُ خَمْسَةٌ، صَحَّ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَطْلُبُ السَّبْقَ، أَوْ مَا يَلِيهِ. وَذَكَرَ الثَّعَالِبِيُّ فِي " فِقْهِ اللُّغَةِ " أَنَّ الْمُجَلِّيَ: هُوَ الثَّانِي، وَالْمُصَلِّيَ هُوَ الثَّالِثُ، فَلَوْ جَعَلَ لِلْمُصَلِّي أَكْثَرَ مِنَ الْمُجَلِّي أَوْ جَعَلَ لِمَا بَعْدَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُصَلِّي شَيْئًا، لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنْ لَا يُقْصَدَ السَّبْقُ، بَلْ يُقْصَدُ التَّأَخُّرُ، فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ لِعَشَرَةٍ: مَنْ سَبَقَ مِنْكُمْ فَلَهُ عَشَرَةٌ، فَسَبَقَ اثْنَانِ، فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ سَبَقَ تِسْعَةٌ وَتَأَخَّرَ وَاحِدٌ، فَالْعَشَرَةُ لِلتِّسْعَةِ، وَقِيلَ: لِكُلٍّ مِنَ السَّابِقِينَ عَشَرَةٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ عَشَرَةٌ، فَرَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدًا، وَفَارَقَ مَا لَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَرَدَّهُ تِسْعَةٌ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ واحد منهم لَمْ يَرُدَّهُ، وَإِنَّمَا رَدُّهُ حَصَلَ مِنَ الْكُلِّ. (وَإِنْ شَرَطَا أَنَّ السَّابِقَ يُطْعِمُ السَّبْقَ أَصْحَابَهُ) أَوْ بَعْضَهُمْ (أَوْ غَيْرَهُمْ) أَوْ إِنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ كَذَا وَلَا أَرْمِي أَبَدًا أَوْ أَشْهُرًا (لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ) لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَلَى عَمَلٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ الْعَامِلِ كَالْعِوَضٍ فِي رَدِّ الْآبِقِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ صِحَّةَ شَرْطِهِ لِأُسْتَاذِهِ، وَشِرَاءَ قَوْسٍ، وَكَرَاءَ حَانُوتٍ، وَإِطْعَامَ الْجَمَاعَةِ ; لِأَنَّهُ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الرَّمْيِ (وَفِي صِحَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 غَيْرَهُمْ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، وَفِي صِحَّةِ الْمُسَابَقَةِ وَجْهَانِ. فَصْلٌ وَالْمُسَابَقَةُ جُعَالَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ الْفَضْلُ لِأَحَدِهِمَا فَيَكُونَ لَهُ الْفَسْخُ دُونَ صَاحِبِهِ، وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَقِيلَ: هِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا، لَكِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ وَأَحَدِ الرَّامِيَيْنِ، وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الرَّاكِبَيْنِ، وَلَا تَلَفِ أَحَدِ الْقَوْسَيْنِ وَيَقُومُ وَارِثُ الْمَيِّتِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُسَابَقَةِ وَجْهَانِ) أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَفْسَدُ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى تَسْمِيَةِ بَدَلٍ فَلَمْ يَفْسَدْ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالنِّكَاحِ، وَالثَّانِي: يَفْسَدُ ; لِأَنَّهُ بَدَلُ الْعِوَضِ لِهَذَا الْغَرَضِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَرَضُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعِوَضُ فَعَلَيْهِ إِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ السَّابِقَ أَحْرَزَ سَبْقَهُ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرَ فَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ ; لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَاسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ. [وَالْمُسَابَقَةُ جُعَالَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ] فَصْلٌ (وَالْمُسَابَقَةُ جُعَالَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا) أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ ; لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَا لَا يَتَحَقَّقُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَكَانَ جَائِزًا كَرَدِّ الْآبِقِ، وَلَهُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي الْعِوَضِ، وَلَمْ يَلْزَمِ الْآخَرَ إِجَابَتُهُ، وَلَا يُؤْخَذُ بِعِوَضِهَا رَهْنٌ وَلَا كَفِيلٌ (إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ الْفَضْلُ لِأَحَدِهِمَا) مِثْلَ أَنْ يَسْبِقَ بِفَرَسِهِ فِي بَعْضِ الْمَسَافَةِ، أَوْ يُصِيبَ بِسِهَامِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ (فَيَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (دُونَ صَاحِبِهِ) أَيِ الْمَفْضُولِ ; لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ لَفَاتَتْ غَرَضُ الْمُسَابَقَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) كَوَكَالَةٍ (وَقِيلَ: هِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ) لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا كَوْنُ الْعِوَضِ مَعْلُومًا فَكَانَتْ لَازِمَةً كَالْإِجَارَةِ (لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا) لِأَنَّهُ شَأْنُ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ (لَكِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ وَأَحَدِ الرَّامِيَيْنِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَرْكُوبِ وَالرَّامِي، فَانْفَسَخَ بِتَلَفِهِ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " احْتِمَالٌ لَا يَلْزَمُ فِي حَقِّ الْمُحَلِّلِ ; لِأَنَّهُ مَغْبُوطٌ كَمُرْتَهِنٍ (وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الرَّاكِبَيْنِ، وَلَا تَلَفِ أَحَدِ الْقَوْسَيْنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ كَمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ (وَ) عَلَيْهِ (يَقُومُ وَارِثُ الْمَيِّتِ مَقَامَهُ) لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 مَقَامَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَالسَّبْقُ فِي الْخَيْلِ بِالرَّأْسِ إِذَا تَمَاثَلَتِ الْأَعْنَاقُ، وَفِي مُخْتَلِفِي الْعُنُقِ وَالْإِبِلِ بِالْكَتِفِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَنِّبَ أَحَدُهُمَا مَعَ فَرَسِهِ فَرَسًا يُحَرِّضُهُ عَلَى الْعَدْوِ، وَلَا يَصِيحُ بِهِ فِي وَقْتِ سِبَاقِهِ   [المبدع في شرح المقنع] فِيمَا لَهُ، فَكَذَا فِيمَا عَلَيْهِ، وَكَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا ثُمَّ مَاتَ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ) كَمَا لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لَعَمَلٍ مَعْلُومٍ، وَإِنْ قُلْنَا: جَائِزَةٌ فَوَجْهَانِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ "، وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ عِوَضِهِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ أُجْرَةٍ بَلْ يَبْدَأُ بِتَسْلِيمِ عَمَلٍ. (وَالسَّبْقُ فِي الْخَيْلِ بِالرَّأْسِ إِذَا تَمَاثَلَتِ الْأَعْنَاقُ) أَيْ فِي الطُّولِ، وَالِارْتِفَاعِ، وَالْمَدِّ (وَفِي مُخْتَلِفِي الْعُنُقِ وَالْإِبِلِ بِالْكَتِفِ) يُشْتَرَطُ فِي الْمُسَابَقَةِ بِعِوَضٍ إِرْسَالُ الْفَرَسَيْنِ، أَوِ الْبَعِيرَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُرْسِلَ قَبْلَ الْآخَرِ، وَيَكُونُ عِنْدَ أَوَّلِ الْمَسَافَةِ مَنْ يُشَاهِدُ إِرْسَالَهُمَا، وَعِنْدَ الْغَايَةِ مَنْ يَضْبِطُ السَّابِقَ لِئَلَّا يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ، وَالسَّبْقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ لِأَنَّ طَوِيلَ الْعُنُقِ قَدْ يَسْبِقُ رَأْسُهُ لِمَدِّ عُنُقِهِ، وَفِي الْإِبِلِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَفِيهِ مَا يَمُدُّ عُنُقَهُ، فَلِذَلِكَ اعْتُبِرَ بِالْكَتِفِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " الْكُلُّ بِالْكَتِفِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " السَّبْقُ فِي الْخَيْلِ بِالْعُنُقِ، وَقِيلَ: بِالرَّأْسِ مَعَ تَسَاوِي الْأَعْنَاقِ، وَفِي مُخْتَلِفِي الْعُنُقِ وَالْإِبِلِ بِالْكَتِفِ أَوْ بِبَعْضِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُلِّ بِالْأَقْدَامِ، وَرَدَّهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ. (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَنِّبَ أَحَدُهُمَا مَعَ فَرَسِهِ فَرَسًا يُحَرِّضُهُ عَلَى الْعَدْوِ، وَلَا يَصِيحَ بِهِ فِي وَقْتِ سِبَاقِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كَذَا فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِمَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو عُبِيدٍ: هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْجَنَبِ أَنْ يُجَنِّبَ مَعَ فَرَسِهِ، أَوْ وَرَاءَهُ فَرَسًا لَا رَاكِبَ عَلَيْهِ يُحَرِّضُهُ عَلَى الْعَدْوِ، وَيَحُثُّهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ أَنْ يُجَنِّبَ فَرَسًا يَتَحَوَّلُ عِنْدَ الْغَايَةِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ إِعْيَاءً، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ» . فصل فِي الْمُنَاضَلَةِ وَيُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ، أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَرَدَّهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْجَلَبُ بِفَتْحِ اللَّامِ هُوَ الزَّجْرُ لِلْفَرَسِ، وَالصِّيَاحُ عَلَيْهِ حَثًّا لَهُ عَلَى الْجَرْيِ. [فَصْلٌ فِي الْمُنَاضَلَةِ] [شُرُوطُ صِحَّةِ الْمُنَاضَلَةِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ] فَصْلٌ فِي الْمُنَاضَلَةِ هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ النَّضْلِ، يُقَالُ: نَاضَلْتُهُ نِضَالًا وَمُنَاضَلَةً كَجَادَلْتُهُ جِدَالًا وَمُجَادَلَةً، وَسُمِّيَ الرَّمْيُ نِضَالًا ; لِأَنَّ السَّهْمَ التَّامَّ يُسَمَّى نَضْلًا، فَالرَّمْيُ بِهِ عَمَلٌ بِالنَّضْلِ، وَهِيَ الْمُسَابَقَةُ بِالرَّمْيِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17] ، وَقُرِئَ (نَنْتَضِلُ) وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: ارْمِ هَذَا السَّهْمَ فَإِنْ أَصَبْتَ بِهِ فَلَكَ دِرْهَمٌ صَحَّ وَكَانَ جُعَالَةً، فَإِنْ قَالَ: إِنْ أَصَبْتَ بِهِ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ أَخْطَأْتَ فَعَلَيْكَ دِرْهَمٌ لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّهُ قِمَارٌ، فَإِنْ قَالَ: ارْمِ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ، فَإِنْ كَانَ صَوَابُكَ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِكَ فَلَكَ دِرْهَمٌ صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ صَوَابُكَ أَكْثَرَ فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْتَ بِهِ دِرْهَمٌ. (وَيُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ، أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُهُ لَا حِذْقَ لَهُ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ) أَيْ إِذَا كَانَ كُلُّ حِزْبٍ جَمَاعَةً ; لِأَنَّ الْمُفْسِدَ مَوْجُودٌ مِمَّنْ لَا يُحْسِنُ دُونَ غَيْرِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ الْبُطْلَانُ بِهِ، وَهَلْ يَبْطُلُ فِي حَقِّ مَنْ يُحْسِنُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " (وَأَخْرَجَ مِنَ الْحِزْبِ الْآخَرِ مِثْلَهُ) كَالْبَيْعِ إِذَا بَطَلَ فِي الْبَعْضِ بَطَلَ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنَ الثَّمَنِ (وَلَهُمْ) أَيْ لِكُلِّ حِزْبٍ (الْفَسْخُ إِنْ أَحَبُّوا) لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِمْ، فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُهُ لَكِنَّهُ قَلِيلُ الْإِصَابَةِ، فَقَالَ حِزْبُهُ: ظَنَنَّاهُ كَثِيرَ الْإِصَابَةِ، أَوْ لَمْ نَعْلَمْ حَالَهُ، لَمْ يُسْمَعْ ; لِأَنَّ شَرْطَ دُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ دُونَ الْحِذْقِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 كَانَ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَأَخْرَجَ مِنَ الْحِزْبِ الْآخَرِ مِثْلَهُ وَلَهُمُ الْفَسْخُ إِنْ أَحَبُّوا. الثَّانِي: مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرِّشْقِ وَعَدَدِ الْإِصَابَةِ. الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ الرَّمْيِ هَلْ هُوَ مُفَاضَلَةٌ أَوْ مُبَادَرَةٌ؟ فَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يَقُولَا: مَنْ سَبَقَ إِلَى خَمْسِ إِصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَقَدْ سَبَقَ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إِلَيْهَا مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرَّمْيِ،   [المبدع في شرح المقنع] [الشَّرْطُ الثَّانِي مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرَّشْقِ] (الثَّانِي: مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرِّشْقِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَدِ الرَّمْيِ، وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يَخُصُّونَهُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ، وَبِفَتْحِهَا الرَّمْيُ، وَهُوَ مَصْدَرُ رَشَقْتُ الشَّيْءَ رَشْقًا، وَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْهُولًا أَفْضَى إِلَى الِاخْتِلَافِ ; لَأَنَّ أَحَدَهُمَا يُرِيدُ الْقَطْعَ، وَالْآخَرَ يُرِيدُ الزِّيَادَةَ (وَعَدَدِ الْإِصَابَةِ) كَخَمْسَةٍ، أَوْ سِتَّةٍ، أَوْ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ رَمْيٍ مَعْلُومٍ كَعِشْرِينَ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَتُعْتَبَرُ إِصَابَةً مُمْكِنَةً، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ، فَلَوْ شَرَطَا إِصَابَةً نَادِرَةً كَإِصَابَةِ جَمِيعِ الرَّشْقِ، أَوْ تِسْعٍ مِنْ عَشَرَةٍ لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ، فَيَفُوتُ الْغَرَضُ، وَيُشْتَرَطُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي عَدَدِ الرَّشْقِ، وَالْإِصَابَةِ، وَصِفَتِهَا، وَسَائِرِ أَحْوَالِ الرَّمْيِ ; لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ، فَاعْتُبِرَتْ كَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ لَا عَلَى الْأَبْعَدِ، فَلَوْ قَالَ: السَّبْقُ لِأَبْعَدِنَا رَمْيًا، لَمْ يَجُزْ. فَرْعٌ: إِذَا عَقَدَا النِّضَالَ وَلَمْ يَذْكُرَا قَوْسًا، صَحَّ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْقَاضِي، وَاسْتَوَيَا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَالْفَارِسِيَّةِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يُذْكَرَ نَوْعُ الْقَوْسِ الَّذِي يَرْمِيَانِ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ، فَإِنْ عَيَّنَا نَوْعًا تَعَيَّنَ. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ الرَّمْيِ هَلْ هُوَ مُفَاضَلَةٌ أَوْ مُبَادَرَةٌ] (الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ الرَّمْيِ هَلْ هُوَ مُفَاضَلَةٌ أَوْ مُبَادَرَةٌ؟) لِأَنَّ غَرَضَ الرُّمَاةِ يَخْتَلِفُ فَمِنْهُمْ مَنْ إِصَابَتُهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الِانْتِهَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ، فَوَجَبَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ مَا دَخَلَ فِيهِ (فَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يَقُولَا: مَنْ سَبَقَ إِلَى خَمْسِ إِصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَقَدْ سَبَقَ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إِلَيْهَا مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرَّمْيِ فَهُوَ السَّابِقُ، وَلَا يَلْزَمُ إِتْمَامُ الرَّمْيِ) لِأَنَّ السَّبْقَ قَدْ حَصَلَ بِسَبْقِهِ إِلَى مَا شَرَطَا السَّبْقَ إِلَيْهِ، فَإِنْ رَمَى أَحَدُهُمَا عَشْرًا فَأَصَابَ خَمْسًا، وَالْآخَرُ تِسْعًا فَأَصَابَ أَرْبَعًا لَمْ يُحْكَمْ بِالسَّبْقِ، وَلَا بِعَدَمِهِ حَتَّى يَرْمِيَ الْعَاشِرُ، وَإِنْ أَصَابَ بِهِ فَلَا سَابِقَ مِنْهُمَا، وَإِنْ أَخْطَأَ بِهِ فَالْأَوَّلُ سَابِقٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ مِنَ التِّسْعَةِ إِلَّا ثَلَاثًا، فَقَدْ سَبَقَ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى رَمْيِ الْعَاشِرِ ; لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُصِيبَ بِهِ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَسْبُوقًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 فَهُوَ السَّابِقُ، وَلَا يَلْزَمُ إِتْمَامُ الرَّمْيِ، وَالْمُفَاضَلَةُ أَنْ يَقُولَا: أَيُّنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِخَمْسِ إِصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً سَبَقَ، فَأَيُّهُمَا فَضَلَ بِذَلِكَ فَهُوَ السَّابِقُ، وَإِذَا أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ تَنَاوَلَهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ، فَإِنْ قَالَا: خَوَاصِلَ كَانَ تَأْكِيدًا; لِأَنَّهُ اسْمٌ لَهَا كَيْفَمَا كَانَتْ، وَإِنْ قَالَا: خَوَاسِقَ، وَهُوَ مَا خَرَقَ الْغَرَضَ وَثَبَتَ فِيهِ، أَوْ خَوَارِقَ،   [المبدع في شرح المقنع] (وَالْمُفَاضَلَةُ أَنْ يَقُولَا: أَيُّنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِخَمْسِ إِصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً سَبَقَ، فَأَيُّهُمَا فَضَلَ بِذَلِكَ فَهُوَ السَّابِقُ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِلْمُنَاضَلَةِ صُورَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَأَنَّهَا تُسَمَّى مُحَاطَّةً، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَشْتَرِطَا حَطَّ مَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ مِنَ الْإِصَابَةِ فِي رِشْقٍ مَعْلُومٍ، فَإِذَا فَضَلَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدْ سَبَقَ صَاحِبَهُ كَأَنْ يَشْتَرِطَا الرِّشْقَ عِشْرِينَ، وَيَشْتَرِطَا حَطَّ مَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ، فَإِذَا فَضلَ أَحَدُهُمَا بِعَدَدٍ، فَقَدْ فَضَلَ صَاحِبَهُ (وَإِذَا أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ تَنَاوَلَهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ) لِأَنَّ أَيَّ صِفَةٍ كَانَتْ تَدْخُلُ تَحْتَ مُسَمَّى الْإِصَابَةِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": إنَّ صِفَةَ الْإِصَابَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْمُنَاضَلَةِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " إِنْ أَطْلَقَا الْعَقْدَ كَفَى إِصَابَةَ بَعْضِهِ كَيْفَ كَانَ، وَيُسَنُّ أَنْ يَصِفَا الْإِصَابَةَ، وَقِيلَ: يَجِبُ (فَإِنْ قَالَا: خَوَاصِلَ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ (كَانَ تَأْكِيدًا; لِأَنَّهُ اسْمٌ لَهَا كَيْفَمَا كَانَتْ) . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْخَاصِلُ الَّذِي أَصَابَ الْقِرْطَاسَ، وَقَدْ خَصَلَهُ إِذَا أَصَابَهُ، وَخَصَلْتُ مُنَاضِلِي أَخَصَلُهُ خَصْلًا إِذَا نَضَلْتُهُ وَسَبَقْتُهُ، وَتُسَمَّى الْقَرْطَسَةُ، يُقَالُ: قَرْطَسَ إِذَا أَصَابَ (وَإِنْ قَالَا: خَوَاسِقَ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ (وَهُوَ مَا خَرَقَ الْغَرَضَ، وَثَبَتَ فِيهِ أَوْ خَوَارِقَ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَالرَّاءِ (وَهُوَ مَا خَرَقَه ولم يثبت فِيهِ) وَضَبْطَهُ بَعْضُهُمْ بِالزَّايِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. لِأَنَّ الْأَزْهَرِيَّ وَالْجَوْهَرِيَّ قَالَا: الْخَارِقُ بِالرَّاءِ لُغَةٌ فِي الْخَاسِقِ، فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ فَسَّرَ الْخَوَارِقَ بِغَيْرِ مَا فَسَّرَ بِهِ الْخَوَاسِقَ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِالرَّاءِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاشْتِرَاكُ أَوِ الْمَجَازُ، وَهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَلْفَاظِ التَّبَايُنُ (وَإِنْ قَالَا: خَوَاصِرَ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَالصَّادِّ، وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (وَهُوَ مَا وَقَعَ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الْغَرَضِ) وَمِنْهُ قِيلَ: الْخَاصِرَةُ ; لِأَنَّهَا فِي جَانِبِ الْإِنْسَانِ (تَقَيَّدَتْ بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِهِ ضَرُورَةُ الْوَفَاءِ بِمُوجَبِهِ، فَإِنْ شَرَطَا الْخَوَاسِقَ وَالْخَوَارِقَ مَعًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 وَهُوَ مَا خَرَقَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ، وَإِنْ قَالَا: خَوَاصِرَ، وَهُوَ مَا وَقَعَ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الْغَرَضِ، تَقَيَّدَتْ بِذَلِكَ. وَإِنْ شَرَطَا إِصَابَةَ مَوْضِعٍ مِنَ الْغَرَضِ كَالدَّائِرَةِ تَقَيَّدَ بِهِ الرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْغَرَضِ طُولِهِ، وَعَرْضِهِ، وَسُمْكِهِ، وَارْتِفَاعِهِ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِنْ تَشَاحَّا فِي الْمُبْتَدِئِ بِالرَّمْيِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبْقِ. وَإِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا فِي وَجْهٍ بَدَأَ الْآخَرُ فِي الثَّانِي، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا غَرَضَانِ إِذَا   [المبدع في شرح المقنع] صَحَّ (وَإِنْ شَرَطَا إِصَابَةَ مَوْضِعٍ مِنَ الْغَرَضِ كَالدَّائِرَةِ تَقَيَّدَ بِهِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَتَقَيَّدَ الْمُنَاضَلَةُ بِهِ تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ. وَبَقِيَ مِنْهَا أَقْسَامٌ، الْأَوَّلُ: الْمَوَارِقُ، وَهُوَ مَا خَرَقَ الْغَرَضَ وَنَفَذَ مِنْهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الْكَافِي "، وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: الصَّادِرُ، الثَّانِي: الْخَوَارِمُ، وَهُوَ مَا خَرَمَ جَانِبَ الْغَرَضِ، الثَّالِثُ: الْحَوَابِي، وَهُوَ مَا وَقَعَ بَيْنَ يَدَيِ الْغَرَضِ ثُمَّ وَثَبَ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ يُقَالُ حَبَا الصَّبِيُّ ذَكَرَهُمَا فِي " الْمُغْنِي "، وَلَيْسَ الْأَوَّلَانِ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْمُنَاضَلَةِ، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ. [الشَّرْطُ الرَّابِعُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْغَرَضِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَسُمْكِهِ] (الرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْغَرَضِ طُولِهِ، وَعَرْضِهِ، وَسُمْكِهِ، وَارْتِفَاعِهِ مِنَ الْأَرْضِ) لِأَنَّ الْإِصَابَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، فَوَجَبَ الْعِلْمُ بِهِ، أَشْبَهَ تَعْيِينَ النَّوْعِ، وَالْغَرَضُ مَا تُقْصَدُ إِصَابَتُهُ مِنْ قِرْطَاسٍ، أَوْ جِلْدٍ، أَوْ خَشَبِ، وَسُمِّيَ غَرَضًا ; لِأَنَّهُ يُقْصَدُ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَا نُصِبَ فِي الْهَدَفِ فَهُوَ الْقِرْطَاسُ، وَمَا نُصِبَ فِي الْهَوَاءِ فَهُوَ الْغَرَضُ، وَفَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِالْهَدَفِ الَّذِي يَرْمِي فِيهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " وَطُولِهِ " بِالْوَاوِ، وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْغَرَضِ صِفَةً، وَقَدْرًا ; لِأَنَّ قَدْرَ الْغَرَضِ هُوَ طُولُهُ، وَعَرْضُهُ، وَسُمْكُهُ (وَإِنْ تَشَاحَّا فِي الْمُبْتَدِئِ بِالرَّمْيِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَيُصَارُ إِلَيْهِمَا كَمَا لَوْ تَنَازَعَ الْمُتَقَاسِمَانِ فِي اسْتِحْقَاقِ سَهْمٍ مُعَيَّنٍ (وَقِيلَ: يُقَدَّمُ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبْقِ) لِأَنَّ لَهُ نَوْعًا مِنَ التَّرَجيحِ، فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ بِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ أَحَدِهِمَا قَدَّمَ صَاحِبَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ قَدَّمَ مَنْ يَخْتَارُهُ مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أَقْرَعَ وَصَحَّحَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ أَحَدَهُمَا إِلَّا بِقُرْعَةٍ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ مَوْضُوعٌ عَلَى أَنْ لَا يُفَضَّلَ صَاحِبُ السَّبْقِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَاخْتَارَ فِي " التَّرْغِيبِ " يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْمُبْتَدِئِ بِهِ (وَإِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا فِي وَجْهٍ بَدَأَ الْآخَرُ فِي الثَّانِي) تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 بَدَأَ أَحَدَهُمَا بِغَرَضٍ بَدَأَ الْآخَرَ بِالثَّانِي، وَإِذَا أَطَارَتِ الرِّيحُ الْغَرَضَ فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ فَإِنْ كَانَ شَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ احْتُسِبَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ خَوَاسِقَ لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ. وَإِنْ عَرَضَ عَارِضٌ مِنْ كَسْرِ قَوْسٍ، أَوْ قَطْعِ وَتَرٍ، أَوْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] شَرَطَا الْبَدَاءَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي كُلِّ الْوُجُوهِ لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ فَعَلَا ذَلِكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ بِرِضَاهُمَا جَازَ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَبْدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ جَازَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُ الْبُدَاءَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ غَيْرَ لَازِمٍ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ (وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا غَرَضَانِ إِذَا بَدَأَ أَحَدَهُمَا بِغَرَضٍ بَدَأَ الْآخَرُ بِالثَّانِي) لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا: «مَا بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» ، وَيُرْوَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَشْتَدُّونَ بَيْنَ الْأَغْرَاضِ يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ كَانُوا رُهْبَانًا، وَيَكْفِي غَرَضٌ وَاحِدٌ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ عَادَةُ أَهْلِ عَصْرِنَا. فَرْعٌ: إِذَا تَشَاحَّا فِي الْوُقُوفِ كَأَنْ يَسْتَقْبِلَ أَحَدُهُمَا الشَّمْسَ وَالْآخِرُ يَسْتَدْبِرُهَا قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ يَسْتَدْبِرُهَا ; لِأَنَّهُ الْعُرْفُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ، فَيُعْمَلُ بِهِ، وَلَوْ قَصَدَ أَحَدُهُمَا التَّطْوِيلَ مُنِعَ مِنْهُ (وَإِذَا أَطَارَتِ الرِّيحُ الْغَرَضَ فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ فَإِنْ كَانَ شَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ احْتُسِبَ بِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْغَرَضُ مَوْضِعَهُ لَأَصَابَهُ (وَإِنْ كَانَ خَوَاسِقَ لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ) فِي قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ يَثْبُتُ فِي الْغَرَضِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ لَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ صَلَابَةُ الْهَدَفِ كَصَلَابَةِ الْغَرَضِ، فَثَبَتَ فِي الْهَدَفِ احْتُسِبَ لَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مَعَ التَّسَاوِي لَمْ يُحْتَسَبْ، وَإِنْ كَانَ الْهَدَفُ أَصْلَبَ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ لَوْ كَانَ رَخْوًا لَمْ يُحْتَسَبِ السَّهْمُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، فَإِنْ وَقَعَ السَّهْمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْغَرَضِ احْتُسِبَ بِهِ عَلَى رَامِيهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إِذَا أَلْقَتِ الرِّيحُ الْغَرَضَ عَلَى، وَجْهِهِ (وَإِنْ عَرَضَ عَارِضٌ مِنْ كَسْرِ قَوْسٍ، أَوْ قَطْعِ وَتَرٍ، أَوْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بِالسَّهْمِ) لِأَنَّ خَطَأَهُ لِعَارِضٍ لَا لِسُوءِ رَمْيِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَالْأَشْهَرُ: وَلَا لَهُ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بِالسَّهْمِ، وَإِنْ عَرَضَ مَطَرٌ أَوْ ظُلْمَةٌ جَازَ تَأْخِيرُ الرَّمْيِ، وَيُكْرَهُ لِلْأَمِينِ وَالشُّهُودِ مَدْحُ أَحَدِهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] تَبَعًا لِلْقَاضِي، وَلَوْ أَصَابَ ; لِأَنَّ الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَصْرِفَ الرَّمْيَ الشَّدِيدَ فَيُخْطِئُ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ السَّهْمَ الْمُخْطِئَ عَنْ خَطَئِهِ فَيُصِيبَ فَتَكُونُ إِصَابَتُهُ بِالرِّيحِ لَا بِحِذْقِ رَمْيِهِ، فَأَمَّا إِنْ وَقَعَ السَّهْمُ مِنْ حَائِلٍ فَخَرَقَهُ، وَأَصَابَ الْغَرَضَ حُسِبَ لَهُ ; لِأَنَّ إِصَابَتَهُ لِسَدَادِ رَمْيِهِ فَهُوَ أَوْلَى، فَلَوْ كَانَتِ الرِّيحُ لَيِّنَةً لَا تَرُدُّ السَّهْمَ عَادَةً لَمْ تَمْنَعْ ; لِأَنَّ الْجَوَّ لَا يَخْلُو مِنْ رِيحٍ مَعَ أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ إِلَّا فِي الرَّمْيِ الرَّخْوِ (وَإِنْ عَرَضَ مَطَرٌ أَوْ ظُلْمَةٌ جَازَ تَأْخِيرُ الرَّمْيِ) لِأَنَّ الْمَطَرَ يُرْخِي الْوَتَرَ، وَالظُّلْمَةُ عُذْرٌ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ فِعْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ الرَّمْيُ نَهَارًا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَاهُ لَيْلًا (وَيُكْرَهُ لِلْأَمِينِ وَالشُّهُودِ مَدْحُ أَحَدِهِمَا) أَيْ مَدْحُ الْمُصِيبِ (لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ) أَيِ الْمُخْطِئِ، وَحَرَّمَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ يَجُوزُ مَدْحُ الْمُصِيبِ، وَيُكْرَهُ عَيْبُ غَيْرِهِ، وَيَتَوَجَّهُ فِي شَيْخِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مَدْحُ الْمُصِيبِ مِنَ الطَّلَبَةِ وَعَيْبُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ. تم بعونه تعالى الجزء الرابع من المبدع شرح المقنع ويليه الجزء الخامس وأوله كتاب العارية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 كِتَابُ الْعَارِيَةِ وَهِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ تَجُوزُ فِي كُلِّ الْمَنَافِعِ إِلَّا مَنَافِعَ الْبُضْعِ، وَلَا تَجُوزُ إِعَارَةُ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الظِّهَارِ] [كِتَابُ الْعَارِيَةِ] [تَعْرِيفُ الْعَارِيَةِ] كِتَابُ الْعَارِيَةِ هِيَ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا، وَأَصْلُهَا مِنْ عَارَ إِذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْعِيَارِ بَطَّالٌ لِتَرَدُّدِهِ فِي بَطَالَتِهِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَعَارَهُ وَعَارَهُ كَأَطَاعَهُ وَطَاعَهُ. قَالَ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلْجَوْهَرِيِّ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْعَارِ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَهَا، وَأَصْلُ الْمَادَّةِ فِيمَا قِيلَ: الْعُرْيُ الَّذِي هُوَ التَّجَرُّدُ تُسَمَّى عَارِيَةً لِتَجَرُّدِهَا عَنِ الْعِوَضِ، كَمَا تُسَمَّى النَّخْلَةُ الْمَوْهُوبَةُ عُرْيَةً لِتَعَرِّيهَا عَنِ الْعِوَضِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ التَّعَاوُرِ أَيِ التَّنَاوُبِ لِجَعْلِهِ لِلْغَيْرِ نَوْبَةً فِي الِانْتِفَاعِ، وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، وقَوْله تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ الْعَوَارِي، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ» ، وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ بِذَلِكَ، فَهِيَ كَهِبَةِ الْأَعْيَانِ، وَقِيلَ: تَجِبُ مَعَ غِنَى رَبِّهِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ وَاجِبَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ. (وَهِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ) أَيْ: مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِ، وَالْأَوْلَى: إِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحِلُُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لِيَرُدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُعِيرِ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ شَرْعًا، وَأَهْلِيَّةُ مُسْتَعِيرٍ لِلتَّبَرُّعِ لَهُ، وَتَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ، وَيُكْرَهُ إِعَارَةُ الْأَمَةِ الشَّابَّةِ لِرَجُلٍ غَيْرَ مَحْرَمِهَا، وَاسْتِعَارَةُ وَالِدَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهَا (تَجُوزُ فِي كُلِّ الْمَنَافِعِ) الْمُبَاحَةُ كَالدُّورِ، وَالْعَبِيدِ، وَالدَّوَابِّ، وَالثِّيَابِ، وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَعَارَ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَسًا، وَمِنْ صَفْوَانَ أَدْرَاعًا، وَسُئِلَ عَنْ حَقِّ الْإِبِلِ، فَقَالَ: " إِعَارَةُ ذَلُولِهَا، وَإِطْرَاقُ فَحْلِهَا» ، فَثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَالْبَاقِي قِيَاسًا، وَتَدْخُلُ فِيهِ إِعَارَةُ النَّقْدَيْنِ لِلْوَزْنِ، فَإِنِ اسْتَعَارَهُمَا لِلنَّفَقَةِ فَقَرْضٌ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: مِنْحَةُ لَبَنٍ هُوَ الْعَارِيَةُ، وَمِنْحَةُ وَرَقٍ هُوَ الْقَرْضُ (إِلَّا مَنَافِعَ الْبُضْعِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي نِكَاحٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فَلَمْ يَجُزْ إِجْمَاعًا. (وَلَا تَجُوزُ إِعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِخْدَامُهُ، فَكَذَا إِعَارَتُهُ، وَقِيلَ: هُوَ كَإِجَارَتِهِ، وَقِيلَ: بِالْكَرَاهَةِ، وَمَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ لِمُحَرَّمٍ، وَقِيلَ: كَلْبًا لِصَيْدٍ، وَفَحْلًا لِضِرَابٍ. فَرْعٌ: تَجِبُ إِعَارَةُ مُصْحَفٍ لِمَنِ احْتَاجَ إِلَى الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (وَتُكْرَهُ إِعَارَةُ الْأَمَةِ الشَّابَّةِ لِرَجُلٍ غَيْرَ مَحْرَمِهَا) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ لَا سِيَّمَا لِشَابٍّ خُصُوصًا الْأَعْزَبُ، وَلَا بِأْسَ بِشَوْهَاءَ، وَكَبِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَهِي مِثْلَهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ إِعَارَتُهَا لِامْرَأَةٍ، وَلَا ذِي مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا (وَ) تُكْرَهُ (اسْتِعَارَةُ وَالِدَيْهِ) إِذَا كَانَا رَقِيقَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا (لِلْخِدْمَةِ) لِأَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِخْدَامُهُمَا، فَكَذَا اسْتِعَارَتُهُمَا لِذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِعَارَةُ وَلَدِهِ لَهَا كَأُمِّ وَلَدِهِ. [رُجُوعُ الْمُعِيرِ فِي الْعَارِيَةِ] (وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَمْلِكْهَا بِالْإِعَارَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً، قَبْلَ الِانْتِفَاعِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعَنْهُ: إِنْ عَيَّنَ مُدَّةً تَعَيَّنَتْ، وَعَنْهُ: وَمَعَ الْإِطْلَاقِ لَا يَرْجِعُ قَبْلَ انْتِفَاعِهِ، وَلَزِمَهُ تَرْكُهَا مُدَّةً يُنْتَفَعُ بِهَا فِي مِثْلِهَا. قَالَ الْقَاضِي: الْقَبْضُ شَرْطٌ فِي لُزُومِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 لِلْخِدْمَةِ، وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِي شَغْلِهِ بِشَيْءٍ يَسْتَضِرُّ الْمُسْتَعِيرُ بِرُجُوعِهِ فِيهِ، مِثْلَ أَنْ يُعِيرَهُ سَفِينَةً لِحَمْلِ مَتَاعِهِ، فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَتْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ، وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلدَّفْنِ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَبْلَى الْمَيِّتُ، وَإِنْ أَعَارَهُ حَائِطًا لِيَضَعَ عَلَيْهِ أَطْرَافَ خَشَبِهِ لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ عَلَيْهِ، فَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ لِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْ رَدَّهُ، وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلزَّرْعِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْحَصَادِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيلًا فَيَحْصُدُ، وَإِنْ أَعَارَهَا لِلْغَرْسِ أَوِ الْبِنَاءِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْقَلْعَ فِي وَقْتٍ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ: يَحْصُلُ بِهَا الْمِلْكُ مَعَ عَدَمِ قَبْضِهَا، وَأَمَّا الْمُسْتَعِيرُ، فَيَجُوزُ لَهُ الرَّدُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (مَا لَمْ يَأْذَنْ فِي شَغْلِهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ مَصْدَرُ شَغَلَ يَشْغَلُ، وَفِيهِمَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ (بِشَيْءٍ يَسْتَضِرُّ الْمُسْتَعِيرُ بِرُجُوعِهِ فِيهِ، مِثْلَ أَنْ يُعِيرَهُ سَفِينَةً) فَعِيلَةً مِنَ السَّفْنِ (لِحَمْلِ مَتَاعِهِ) أَوْ لَوْحًا يَرْقَعُ بِهِ سَفِينَةً فَرَقَعَهَا، وَلَجَّجَ فِي الْبَحْرِ (فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَتْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا رَسَتْ جَازَ الرُّجُوعُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ (وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلدَّفْنِ، لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَبْلَى الْمَيِّتُ) لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَصِيرَ رَمِيمًا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُخْرِجُ عِظَامَهُ، وَيَأْخُذُ أَرْضَهُ، وَلَا أُجْرَةَ لَهَا، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا قَبْلَ الدَّفْنِ (وَإِنْ أَعَارَهُ حَائِطًا لِيَضَعَ عَلَيْهِ أَطْرَافَ خَشَبِهِ) جَازَ كَالْأَرْضِ لِلْغَرْسِ (لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ هَذَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَلِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَدْفَعُ إِلَيْكَ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ لَمْ يَلْزَمِ الْمُسْتَعِيرَ ذَلِكَ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ؛ (فَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ لِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْ رَدَّهُ) لِأَنَّ الْإِذْنَ تَنَاوَلَ الْحَائِطَ فَلَا يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ: لَهُ إِعَارَتُهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ قَالَ: وَهُوَ اللَّائِقُ بِالْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مُسْتَمِرٌّ، فَكَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مُسْتَمِرًّا، وَعَلَى الْأَوَّلِ سَوَاءٌ بَنَى الْحَائِطَ بِآلَتِهِ، أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ زَالَتِ الْخُشُبُ بِانْهِدَامٍ، أَوْ بِاخْتِيَارِ الْمُسْتَعِيرِ، فَإِنْ أَذِنَ فِي إِعَادَتِهِ، أَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إِنْ لَمْ يَتَضَرَّرِ الْحَائِطُ جَازَ. (وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلزَّرْعِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْحَصَادِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، فَإِنْ بَذَلَ لَهُ الْمُعِيرُ قِيمَةَ الزَّرْعِ لِيَمْلِكَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيلًا فَيَحْصُدُ) لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 عِنْدَ رُجُوعِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَزِمَهُ الْقَلْعُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ إِلَّا بِشَرْطٍ، وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ عَلَيْهِ الْقَلْعَ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمُعِيرُ النَّقْصَ، فَإِنْ قَلَعَ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ، وَإِنْ أَبَى الْقَلْعَ فَلِلْمُعِيرِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ بِيعَا لَهُمَا، فَإِنْ أَبَيَا   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ أَعَارَهَا لِلْغَرْسِ أَوِ الْبِنَاءِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْقَلْعَ فِي وَقْتٍ، أَوْ عِنْدَ رُجُوعِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَزِمَهُ الْقَلْعُ) مَجَّانًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ، وَلِأَنَّ الْعَارِيَةَ مُؤَقَّتَةٌ غَيْرُ مُطْلَقَةٍ فَلَمْ تَتَنَاوَلْ مَا عَدَا الْمُقَيَّدَ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ دَخَلَ فِيهَا رَاضِيًا بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ بِالْقَلْعِ، وَظَاهِرُهُ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ ضَمَانُ نَقْصِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. (وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) لِرِضَاهُ بِضَرَرِ الْقَلْعِ (إِلَّا بِشَرْطٍ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا (وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ عَلَيْهِ الْقَلْعَ لَمْ يَلْزَمْهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرٍ (إِلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمُعِيرُ النَّقْصَ) فَيَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فِي الْعَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ. وَقَالَ الْحُلْوَانِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ (فَإِنْ قَلَعَ) الْمُسْتَعِيرُ، وَلَيْسَ مَشْرُوطًا عَلَيْهِ (فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) لِأَنَّ الْقَلْعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَوِ امْتَنَعَ مِنْهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، فَلَزِمَتْهُ التَّسْوِيَةُ كَالْمُشْتَرِي لِمَا فِيهِ شُفْعَةٌ إِذَا أَخَذَ غَرْسَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ رَضِيَ بِذَلِكَ حَيْثُ أَعَارَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ لَهُ قَلْعَ غَرْسِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالْحَفْرِ (وَإِنْ أَبَى الْقَلْعَ) أَيْ فِي حَالٍ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فِيهَا (فَلِلْمُعِيرِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ) وَيُجْبَرُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَرْسَهُ أَوْ بِنَاءَهُ حَصَلَ فِي مُلْكِ غَيْرِهِ كَالشَّفِيعِ مَعَ الْمُشْتَرِي، وَالْمُؤَجِّرِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَعِيرُ: أَنَا أَدْفَعُ قِيمَةَ الْأَرْضِ لِتَصِيرَ لِي لَمْ يَلْزَمِ الْمُعِيرَ؛ لِأَنَّهُمَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ بِدَلِيلِ دُخُولِهِمَا فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ) أَيْ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الْقِيمَةِ وَأَرْشِ النَّقْصِ، وَامْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ مِنَ الْقَلْعِ وَدَفْعِ الْأَجْرِ (بِيعَا) أَيِ الْغِرَاسُ وَالْأَرْضُ (لَهُمَا) لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى تَحْصِيلِ مَالِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِهِمَا، وَيُدْفَعُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرُ حَقِّهِ، فَيُقَالُ: كَمْ قِيمَةُ الْأَرْضِ فَارِغَةً، فَيُقَالُ: عَشَرَةٌ وَمَشْغُولَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ، فَيَكُونُ لِلْمُعِيرِ ثُلُثَا الثَّمَنِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 الْبَيْعَ تُرِكَ بِحَالِهِ. وَلِلْمُعِيرِ التَّصَرُّفُ فِي أَرْضِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرِ، وَلِلْمُسْتَعِيرِ الدُّخُولُ لِلسَّقْيِ وَالْإِصْلَاحِ وَأَخْذِ الثَّمَرَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ أُجْرَةً مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ، وَذَكَرُوا عَلَيْهِ أُجْرَةً فِي الزَّرْعِ فَيَخْرُجُ فِيهِمَا وَفِي سَائِرِ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِلْمُسْتَعِيرِ ثُلُثُهُ، فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيْعُ مَا لَهُ مُنْفَرِدًا لِمَنْ شَاءَ، وَيَكُونُ كَهُوَ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْتَعِيرِ لِغَيْرِ الْمُعِيرِ (فَإِنْ أَبَيَا الْبَيْعَ تُرِكَ بِحَالِهِ) أَيْ: يَبْقَى فِيهَا مَجَّانًا فِي الْأَصَحِّ حَتَّى يَتَّفِقَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَبِيعُهُمَا الْحَاكِمُ. تَنْبِيهٌ: غَرْسُ الْمُشْتَرِي وَبِنَاؤُهُ كَذَلِكَ إِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ، أَوْ فَلَسٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَأْخُذُهُ، وَلَا يَقْلَعُهُ. وَقِيلَ: إِنْ أَبَى الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ وَمُشَارَكَتَهُ بِالنَّقْصِ، وَأَبَى دَفْعَ قِيمَتِهِ رَجَعَ أَيْضًا. [تَصَرُّفُ الْمُعِيرِ فِي أَرْضِهِ] (وَلِلْمُعِيرِ التَّصَرُّفُ فِي أَرْضِهِ) وَالِانْتِفَاعُ بِهَا كَيْفَ شَاءَ وَدُخُولُهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ (عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرِ) وَالْبِنَاءِ لِإِذْنِهِ فِيهِمَا، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِمَا (وَلِلْمُسْتَعِيرِ الدُّخُولُ لِلسَّقْيِ وَالْإِصْلَاحِ وَأَخْذِ الثَّمَرَةِ) لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الشَّيْءِ إِذَنٌ فِيمَا يَعُودُ بِصَلَاحِهِ، وَاقْتَضَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَالتَّفَرُّجِ وَنَحْوِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " (وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ أُجْرَةً مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ) لِأَنَّ بَقَاءَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ بِحُكْمِ الْعَارِيَةِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ بِلَا أُجْرَةٍ كَالْخَشَبِ عَلَى الْحَائِطِ (وَذَكَرُوا) أَيْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ (عَلَيْهِ أُجْرَةً فِي الزَّرْعِ) مِنْ رُجُوعِهِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى رُجُوعِ الْمُعِيرِ مَنْعُ الْمُسْتَعِيرِ مِنَ الِانْتِفَاعِ ضَرُورَةَ بُطْلَانِ الْإِذْنِ الْمُبِيحِ لِذَلِكَ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ (فَيَخْرُجُ فِيهِمَا وَفِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ) أَيْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُشْبِهُهَا (وَجْهَانِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرُّجُوعِ الْمُوجِبِ لِذَلِكَ، فَخَرَجَ بَعْضُهُمْ مِنَ الزَّرْعِ إِلَى الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ، وَعَكَسَ آخَرُونَ. وَقِيلَ: يَجْرِي فِي كُلِّ مَا اسْتُعِيرَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ " فِي مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِيمَا سِوَى أَرْضٍ لِلدَّفْنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ الرُّجُوعِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنَ الْقَلْعِ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، فَفِي دَفْعِ الْأُجْرَةِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَارِيَةِ بَاقٍ فِيهِ، لِكَوْنِهَا صَارَتْ لَازِمَةً لِلضَّرَرِ اللَّاحِقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 الْمَسَائِلِ وَجْهَانِ، وَإِنْ غَرَسَ، أَوْ بَنَى بَعْدَ الرُّجُوعِ، أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ فَهُوَ غَاصِبٌ يَأْتِي حُكْمُهُ، وَإِنْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إِلَى أَرْضٍ فَنَبَتَ فِيهَا فَهُوَ لِصَاحِبِهِ فَيَبْقَى إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا أُجْرَةَ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ حَمَلَ غَرْسَ رَجُلٍ فَنَبَتَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، فَهَلْ يَكُونُ   [المبدع في شرح المقنع] بِفَسْخِهَا، وَالْإِعَارَةُ تَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ. (وَإِنْ غَرَسَ، أَوْ بَنَى بَعْدَ الرُّجُوعِ، أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ فَهُوَ غَاصِبٌ) لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إِذَنِ الْمَالِكِ، وَعِبَارَةُ " الْوَجِيزِ " وَفِعْلُهُ بَعْدَ الْمَنْعِ أَوِ الْمَدَّةِ غَصْبٌ، وَهِيَ أَعَمُّ (يَأْتِي حُكْمُهُ) فِي الْغَصْبِ. مَسْأَلَةٌ: اسْتَعَارَ دَابَّةً إِلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ فَقَدْ تَعَدَّى وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ خَاصَّةً، فَإِنْ قَالَ مَالِكُهَا: أَعَرْتُكَهَا إِلَى فَرْسَخٍ، فَقَالَ: إِلَى فَرْسَخَيْنِ، قُدِّمَ قَوْلُ الْمَالِكِ (وَإِنْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إِلَى أَرْضٍ فَنَبَتَ فِيهَا فَهُوَ لِصَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ قَلْعَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ وَمَا نَقَصَتْ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لِاسْتِصْلَاحِ مِلْكِهِ (فَيَبْقَى إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ إِلْزَامَهُ تَبْقِيَةَ زَرْعِ مَا أُذِنَ فِيهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إِضْرَارٌ بِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوِ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَفِيهَا زَرْعٌ لَمْ يُفَرِّطْ فِي زَرْعِهِ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا أُجْرَةَ لَهُ) لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهَا بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، أَشْبَهَ بَيْتُوتَةَ الدَّابَّةِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَخْذَهُ بِقِيمَتِهِ) كَزَرْعِ الْغَاصِبِ، فَقِيلَ: بَذْرًا، وَقِيلَ: بِقِيمَتِهِ إِذَنْ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهَا بِغَيْرِ عُدْوَانٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ جَبْرُ حَقِّ الْمَالِكِ، يَدْفَعُ الْأَجْرَ إِلَيْهِ، وَالسَّاقِطُ لِرَبِّ الْأَرْضِ إِذَا نَبَتَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا، أَوْ مُسْتَعِيرًا، أَوْ مُسْتَأْجِرًا، وَقِيلَ: لَهُ حُكْمُ الْعَارِيَةِ، وَفِي أُجْرَتِهَا وَجْهَانِ (وَإِنْ حَمَلَ غَرْسَ رَجُلٍ) أَوْ نَوَاةً، أَوْ لَوْزًا (فَنَبَتَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ) فَهُوَ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالزَّرْعِ لَكِنْ (فَهَلْ يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ) قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي عَدَمِ التَّعَدِّي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 كَغَرْسِ الشَّفِيعِ أَوْ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَصْلٌ وَحُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْعَارِيَةُ مَضْمُونَةٌ بِقِيمَتِهَا   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَفِي التَّشْبِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْغَرْسَ مِلْكُ الشَّفِيعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الشَّفِيعُ إِذَا أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ غَرَسَ لَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ قَلْعَ الْغَرْسِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: كَغَرْسِ الْمُشْتَرِي لِمَا فِيهِ شُفْعَةٌ (أَوْ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ (عَلَى وَجْهَيْنِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغِرَاسَيْنِ أَنَّ قَلْعَ الثَّانِي مَجَّانًا مُسْتَحَقٌّ بِخِلَافِ غَرْسِ الشَّفِيعِ. فَرْعٌ: لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ أَرْضًا بِشَجَرِهَا فَنَبَتَ فِي أَرْضِ آخَرَ كَمَا كَانَتْ فَهِيَ لِمَالِكِهَا يُجْبَرُ عَلَى إِزَالَتِهَا، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ لَوْ تَرَكَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْمُنْتَقِلَةِ، أَوِ الشَّجَرِ، أَوِ الزَّرْعِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْمُنْتَقَلِ إِلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُهُ، وَلَا أُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، وَلَا عُدْوَانِهِ، وَكَانَتِ الْخِيَرَةُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِهِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَلَعَهُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". [حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ] فَصْلٌ (وَحُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ) لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّصَرُّفَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ أَشْبَهَ الْمُسْتَأْجِرَ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَعَارَهُ لِلْغَرْسِ أَوِ الْبِنَاءِ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا شَاءَ وَلَا عَكْسَ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي زَرْعِ مَرَّةٍ لَمْ يَمْلُكْ أُخْرَى، وَلَهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِوَكِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ (وَالْعَارِيَةُ) الْمَقْبُوضَةُ (مَضْمُونَةٌ) نَصَّ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَعَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إِسْنَادَهُ، «وَعَنْ صَفْوَانَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَدْرَاعًا، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ أَخَذَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِنَفْعِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا بِنَفْعِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَلَا إِذْنٍ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 يَوْمَ تَلَفِهَا، وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهَا وَإِنْ شُرِطَ نَفْيُ ضَمَانِهَا، وَكُلُّ مَا كَانَ أَمَانَةً لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ، وَمَا كَانَ مَضْمُونًا لَا يَنْتَفِي ضَمَانُهُ بِشَرْطِهِ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، فَيَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ أَجْزَاؤُهَا   [المبدع في شرح المقنع] إِتْلَافٍ، فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْغَصْبِ، وَقَاسَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " عَلَى الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَدَلَّ عَلَى رِوَايَةٍ مُخَرَّجَةٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ لَا يَضْمَنُ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْهَدْيِ " فِيهِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانٌ» ، وَلِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا فَكَانَتْ أَمَانَةً، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حَسَّانَ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ ضَمَانَ الْمَنَافِعِ وَالْأُجْرَةِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَعَدَّى فِيهَا أَوْ لَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا تَلِفَتْ فِي يَدِ مُسْتَعِيرٍ مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا، أَوْ يَكُونُ الْمُعَارُ وَقْفًا كَكُتُبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِهَا، فَلَا يَضْمَنُ فِيهِمَا إِذَا لَمْ يُفَرِّطْ (بِقِيمَتِهَا) لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهَا فِي الْإِتْلَافِ، فَوَجَبَ عِنْدَ تَلَفِهَا كَالْإِتْلَافِ، وَإِذَا قُلْنَا بِضَمَانِ الْأَجْزَاءِ التَّالِفَةِ بِالِانْتِفَاعِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا قَبْلَ تَلَفِ أَجْزَائِهَا إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا (يَوْمَ تَلَفِهَا) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ فَوَاتُ الْعَارِيَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الضَّمَانِ بِهِ [مَا كَانَ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ] (وَإِنْ شُرِطَ نَفْيُ ضَمَانِهَا) أَيْ: لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ اقْتَضَى الضَّمَانَ لَمْ يُغَيِّرْهُ الشَّرْطُ كَالْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ. (وَكُلُّ مَا كَانَ أَمَانَةً) كَالْوَدِيعَةِ (لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ، وَمَا كَانَ مَضْمُونًا لَا يَنْتَفِي ضَمَانُهُ بِشَرْطِهِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا اقْتَضَى شَيْئًا فَشُرِطَ غَيْرُهُ، يَكُونُ شَرْطًا لِشَيْءٍ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شُرِطَ فِي الْمَبِيعِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ (وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، فَيَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ) . قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ فِي إِتْلَافِهَا لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهَا، فَكَذَا إِذَا سَقَطَ عَنْهُ ضَمَانُهَا، وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يُشْرَطْ نَفْيُهُ، جُزِمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ " (وَإِنْ تَلِفَتْ أَجْزَاؤُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ) أَيْ: بِانْتِفَاعٍ مَعْرُوفٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 بِالِاسْتِعْمَالِ، كَخَمْلِ الْمِنْشَفَةِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ، فَإِنْ فَعَلَ،   [المبدع في شرح المقنع] (كَخَمْلِ الْمِنْشَفَةِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الِاسْتِعْمَالِ تَضْمَنُ الْإِذْنَ فِي الْإِتْلَافِ، وَمَا أُذِنَ فِي إِتْلَافِهِ لَا يُضْمَنُ كَالْمَنَافِعِ، وَالثَّانِي: بَلَى؛ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ مَضْمُونَةٌ، لَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا، فَوَجَبَ أَنْ يُضْمَنَ بِتَلَفِهَا بِالِاسْتِعْمَالِ كَسَائِرِ الْأَجْزَاءِ، وَرُدَّ بِالْفَرْقِ، فَإِنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنَ الْعَيْنِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَلِفَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا الَّذِي لَا يَذْهَبُ بِالِاسْتِعْمَالِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ مَا ضُمِنَتْ جُمْلَتُهُ ضُمِنَتْ أَجْزَاؤُهُ كَالْمَغْصُوبِ، وَكَذَا لَوْ تَلِفَ جُزْؤُهَا بِاسْتِعْمَالٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ، كَاسْتِعَارَةِ ثَوْبٍ فِي لُبْسٍ، فَحَمَلَ فِيهِ تُرَابًا؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِتَعَدِّيِهِ، أَمَّا مَا تَلِفَ بِطُولِ الزَّمَانِ فَهُوَ كَالَّذِي تَلِفَ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِالْإِمْسَاكِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، أَشْبَهَ تَلَفُهُ بِالْفِعْلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ جَارٍ فِي وَلَدِ الْعَارِيَّةِ وَزِيَادَتِهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا، وَلَا فَائِدَةَ لِلْمُسْتَعِيرِ فِيهِ، وَكَذَا تَجْرِي فِي وَلَدِ مُؤَجَّرَةٍ وَوَدِيعَةٍ، وَيُصَدَّقُ الْمُسْتَعِيرُ فِي عَدَمِ التَّعَدِّي حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ. (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ) لِأَنَّهَا إِبَاحَةُ الْمَنْفَعَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُبِيحَهَا غَيْرَهُ كَإِبَاحَةِ الطَّعَامِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا هِبَةُ مَنْفَعَةٍ، بَلِ الِانْتِفَاعُ بِهَا مُسْتَفَادٌ بِالْإِذْنِ لَا بِطْرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَلَى حَسَبِ مَا مَلَكَهُ، فَجَازَ كَإِيجَارِ الْمُسْتَأْجِرِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَحَكَاهُ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " قَوْلًا لِأَحْمَدَ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَعَارَهُ أَرْضَهُ سَنَةً لِيَبْنِيَ فِيهَا، لَمْ يَحِلَّ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّرَ الْمَنْفَعَةَ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَأُطْلِقَ فِي " الْفُرُوعِ " الْخِلَافُ، أَصْلُهُمَا هَلْ هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ، أَوْ إِبَاحَةٌ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ " يَصِحُّ، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَى الرِّضَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (فَإِنْ فَعَلَ) فَلِمَالِكِهَا الرُّجُوعُ بِأُجْرَةٍ مِثْلِهَا عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ سَلَّطَ غَيْرَهُ عَلَى أَخْذِ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 فَتَلِفَ عِنْدَ الثَّانِي، فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي، وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ، فَإِنْ رَدَّ الدَّابَّةَ إِلَى إِصْطَبْلِ الْمَالِكِ أَوْ غُلَامِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الضَّمَانِ، إِلَّا أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى مَنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ كَالسَّائِسِ وَنَحْوِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] إِذْنِهِ، وَالثَّانِي اسْتَوْفَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ حَصَلَ مِنْهُ، وَإِنَّ ضَمِنَ الثَّانِي لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَوَّلِ إِلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِالْحَالِ (فَتَلِفَ عِنْدَ الثَّانِي، فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ) لِتَعَدِّي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي) إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، وَإِلَّا ضَمِنَ الْعَيْنَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَيَسْتَقِرُّ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْأَوَّلِ (وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» ، وَإِذَا كَانَتْ وَاجِبَةَ الرَّدِّ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَمُؤْنَةُ عَيْنِهَا عَلَى الْمُعِيرِ، قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْهِدَايَةِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَذَكَرَ الْحُلْوَانِيُّ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ؛ وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ فِيهَا نَقْلًا، وَخَرَّجَهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي نَفَقَةِ الْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ رَدُّهَا إِلَى الْمُعِيرِ أَوْ وَكِيلِهِ فِي قَبْضِهَا (فَإِنْ رَدَّ الدَّابَّةَ إِلَى إِصْطَبْلِ الْمَالِكِ أَوْ غُلَامِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الضَّمَانِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا إِلَى مَالِكِهَا وَلَا نَائِبِهِ فِيهَا، فَلَمْ يَبْرَأْ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ أَنَّهُ يَبْرَأُ بِرَدِّهَا إِلَى غُلَامِهِ (إِلَّا أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى مَنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ كَالسَّائِسِ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا، أَشْبَهَ صَرِيحَ الْإِذْنِ، وَخَالَفَ الْحُلْوَانِيُّ فِيهِ كَالْغُلَامِ (وَنَحْوِهِ) كَزَوْجَتِهِ، وَخَازِنٍ، وَوَكِيلٍ عَامٍّ فِي قَبْضِ حُقُوقِهِ، قَالَهُ فِي " الْمُجَرَّدِ ". 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: مَا أَرْكَبُهَا إِلَّا بِأُجْرَةٍ، فَقَالَ رَبُّهَا: مَا آخُذُ لَهَا أُجْرَةً، وَلَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا، فَعَارِيَّةٌ، وَلَوْ أُرْكِبَ دَابَّتَهُ مُنْقَطِعًا لَمْ يُضَمَّنْ فِي الْأَشْهَرِ، وَكَذَا رَدِيفٌ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ شَرِيكٌ شَرِيكَهُ الدَّابَّةَ، فَتَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ لَمْ يُضَمَّنْ، فَإِنْ سَاقَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ ضُمِنَ، قَالَهُ شَيْخُنَا، وَيَتَوَجَّهُ كَعَارِيَّةٍ إِنْ كَانَ عَارِيَّةً وَإِلَّا لَمْ يُضَمَّنْ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " فَعَلَيْهِ إِنْ سَلَّمَهَا إِلَيْهِ لِيَعْلِفَهَا وَيَقُومَ بِمَصْلَحَتِهَا وَنَحْوِهِ، لَمْ يُضَمَّنْ، وَإِنْ سَلَّمَهَا إِلَيْهِ لِرُكُوبِهَا لِمَصَالِحِهِ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِ عَلَيْهَا فَعَارِيَّةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 فَصْلٌ إِذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ: أَجَّرْتُكَ، قَالَ: بَلْ أَعَرْتَنِي عَقِبَ الْعَقْدِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِيمَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ دُونَ مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوِ الْمُدَّعِي إِنْ زَادَ عَلَيْهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَعَرْتُكَ، قَالَ: بَلْ آجَرْتَنِي، وَالْبَهِيمَةُ تَالِفَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ.   [المبدع في شرح المقنع] [اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ] فَصْلٌ (إِذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ: أَجَّرْتُكَ، قَالَ: بَلْ أَعَرْتَنِي، عَقِبَ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَحِينَئِذٍ تُرَدُّ الْعَيْنُ إِلَى مَالِكِهَا إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهَا، فَلَوْ عُكِسَ فِي الدَّعْوَى قُدِّمَ قَوْلُ الْمَالِكِ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّةِ انْتِقَالِ الْمَنَافِعِ إِلَى مِلْكِ الرَّاكِبِ، فَقُدِّمَ قَوْلُ الْمَالِكِ كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ، فَادَّعَى الْمَالِكُ بَيْعَهَا، وَالْآخَرُ هِبَتَهَا، إِذِ الْمَنَافِعُ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ الرَّاكِبِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى تَلَفِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِ الرَّاكِبِ، وَادَّعَى الْمَالِكُ عِوَضًا لَهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِهِ، وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا حَلَفَ الْمَالِكُ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ (فِيمَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ دُونَ مَا بَقِيَ مِنْهَا) ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوِ اخْتَلَفَا عَقِبَ الْعَقْدِ (وَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوِ الْمُدَّعِي إِنْ زَادَ عَلَيْهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِهِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ، فَمَعَ الِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِهِ أَوْلَى، وَالثَّانِي: يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى إِنْ زَادَ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِقَوْلِ الْمَالِكِ وَيَمِينِهِ، فَوَجَبَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَالْأَصْلِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي " الشَّرْحِ " وَلَا غَيْرِهِ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ أَقَلَّهُمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَجْدِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُسَمَّى فَقَدْ رَضِيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَمْ تَثْبُتْ، وَمِثْلُهُ لَوِ ادَّعَى أَنَّهُ زَرَعَهَا عَارِيَّةً، وَقَالَ رَبُّهَا: إِجَارَةً، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَإِنْ قَالَ: أَعَرْتُكَ، قَالَ: بَلْ آجَرْتَنِي، وَالْبَهِيمَةُ تَالِفَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) إِذَا كَانَ مَضَى مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، سَوَاءٌ ادَّعَى الْإِجَارَةَ أَوِ الْإِعَارَةَ؛ لِأَنَّهُ إِنِ ادَّعَى الْإِجَارَةَ فَهُوَ مُعْتَرِفٌ لِلرَّاكِبِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ ضَمَانِهَا فَقَبِلَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنِ ادَّعَى الْإِعَارَةَ فَهُوَ يَدَّعِي قِيمَتَهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 وَإِنْ قَالَ: أَعَرْتَنِي، أَوْ آجَرْتَنِي، قَالَ: بَلْ غَصَبْتَنِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ، وَقِيلَ: قَوْلُ الْغَاصِبِ.   [المبدع في شرح المقنع] صِفَةِ الْقَبْضِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا يَقْبِضُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ لِلْأَثَرِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ فِي قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ، وَالْأَجْرُ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ بِغَيْرِ يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيِهِ الْمَالِكُ أَكَثُرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَإِذَا حَلَفَ اسْتَحَقَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَالَ: أَعَرْتَنِي، أَوْ آجَرْتَنِي، قَالَ: بَلْ غَصَبْتَنِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهَا (وَقِيلَ: قَوْلُ الْغَاصِبِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِوَضًا الْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْيَدِ أَنَّهَا بِحَقٍّ فَقُبِلَ قَوْلُهُ، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّ الدَّابَّةَ إِذَا كَانَتْ قَائِمَةً لَمْ تَنْقُصْ فَلَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ، وَيَأْخُذُ الْمَالِكُ دَابَّتَهُ، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ تَالِفَةً فَادَّعَى الرَّاكِبُ الْعَارِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْقَيِّمَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَوُجُوبِهَا عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ، فَالِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَوْدَعْتَنِي، قَالَ: بَلْ غَصَبْتَنِي، فَوَجْهَانِ، وَإِنْ قَالَ: أَوْدَعْتُكَ، قَالَ: بَلْ أَعَرْتَنِي، صُدِّقَ الْمَالِكُ إِنْ حَلَفَ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا انْتَفَعَ بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 كِتَابُ الْغَصْبِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَتُضْمَنُ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْعَقَارُ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْغَصْبِ] [تَعْرِيفُ الْغَصْبِ] ِ. هُوَ مَصْدَرُ غَصَبَ الشَّيْءَ يَغْصِبُهُ، بِكَسْرِ الصَّادِ غَصْبًا، وَاغْتَصَبَهُ يَغْتَصِبُهُ اغْتِصَابًا، وَالشَّيْءُ مَغْصُوبٌ وَغَصْبٌ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَابْنُ سِيدَهْ. وَفِي الشَّرْعِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ. (وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ) فـ " َقَهْرًا " زِيَادَةٌ فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ مَعَ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِقَيْدِ " الْقَهْرِ " الْمَالُ الْمَسْرُوقُ، وَالْمُنْتَهَبُ، وَالْمُخْتَلَسُ، وَ " بِغَيْرِ حَقٍّ " يُخْرِجُ اسْتِيلَاءَ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ، وَالْحَاكِمِ عَلَى مَالِ الْمُفْلِسِ، وَكَذَا فِي " الْمُغْنِي " وَأَسْقَطَ لَفْظَةَ " قَهْرًا " وَلَيْسَ بِجَامِعٍ لِخُرُوجِ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ كَالْكَلْبِ، وَخَمْرِ الذِّمِّيِّ، وَالسِّرْجِينِ، فَإِنَّهَا قَابِلَةٌ لِلْغَصْبِ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ، وَفِيهِ تَعْرِيفُ " غَيْرِ " بِاللَّامِ، وَالْأَشْهَرُ إِسْقَاطُهَا فِيهَا، وَأَحْسَنُهَا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا وَظُلْمًا، وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ (وَتُضْمَنُ أُمُّ الْوَلَدِ) بِالْغَصْبِ فِي قَوْلِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْمَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ فِي الْإِتْلَافِ، لِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً كَالْمُدَبَّرَةِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً فَلَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ لَكِنْ لَا تَثْبُتُ يَدٌ عَلَى بُضْعٍ، فَيَصِحُّ تَزْوِيِجُهَا، وَلَا يُضْمَنُ نَفْعُهُ، (وَالْعَقَارُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، الضَّيْعَةُ، وَالنَّخْلُ، وَالْأَرْضُ، قَالَهُ أَبُو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 بِالْغَصْبِ، وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَإِنْ غَصَبَ كَلْبًا فِيهِ نَفْعٌ، أَوْ خَمْرَ ذِمِّيٍّ لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ. وَإِن ْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَهَلْ   [المبدع في شرح المقنع] السَّعَادَاتِ (بِالْغَصْبِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا ظُلْمًا طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَا يُضْمَنُ فِي الْإِتْلَافِ يَجِبُ أَنْ يُضْمَنَ فِي الْغَصْبِ كَالْمَنْقُولِ (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ) رَوَى عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ أَصَابَهَا غَرَقٌ مِنَ الْغَاصِبِ غَرِمَ قِيمَةَ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا مِنَ السَّمَاءِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيهَا النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ فَلَمْ يُضْمَنْ، كَمَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ، فَتَلِفَ، وَلِأَنَّ الْغَصْبَ إِثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ عُدْوَانًا عَلَى وَجْهٍ تَزُولُ بِهِ يَدُ الْمَالِكِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَقَارِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ، مِثْلَ أَنْ يَسْكُنَ دَارًا، وَيَمْنَعَ مَالِكَهَا مِنْ دُخُولِهَا، أَشْبَهَ أَخْذَ الدَّابَّةِ وَالْمَتَاعِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ إِنْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ. 1 - مَسْأَلَةٌ: لَوْ دَخَلَ دَارًا قَهْرًا وَأَخْرَجَهُ فَغَاصِبٌ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ قَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ، أَوْ دَخَلَ مَعَ حُضُورِ رَبِّهَا وَقُوَّتِهِ، فَلَا، وَإِنْ دَخَلَ قَهْرًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ فَقَدْ غَصَبَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلِ النِّصْفُ، وَإِنْ لَمْ يَرِدِ الْغَصْبُ، فَلَا، وَإِنْ دَخَلَهَا قَهْرًا فِي غَيْبَةِ رَبِّهَا فَغَاصِبٌ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا قُمَاشَهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي غَصْبِ مَا يُنْقَلُ نَقْلُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. [رَدُّ الْمَغْصُوبِ] [غَصَبَ كَلْبًا فِيهِ نَفْعٌ] (وَإِنْ غَصَبَ كَلْبًا فِيهِ نَفْعٌ) أَيْ يُقْتَنَى (أَوْ خَمْرَ ذِمِّيٍّ لَزِمَهُ رَدُّهُ) لِأَنَّ الْكَلْبَ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَاقْتِنَاؤُهُ أَشْبَهَ سَائِرَ الْأَبْدَالِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا، وَفِي رَدِّهِ صَيْدَهُ أَوْ أُجْرَتَهُ، أَوْ هُمَا أَوْجُهٌ، وَأَمَّا الْخَمْرُ، فَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ يُقَرُّ عَلَى شُرْبِهَا لِكَوْنِهَا مَالًا عِنْدَهُ، وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا كَانَتْ مَسْتُورَةً، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ " (وَإِنْ أَتْلَفَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ) لِأَنَّ الْكَلْبَ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَفِي " الْإِفْصَاحِ " يَضْمَنُهُ، وَالْخَمْرُ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ مَا حُرِّمَ بَيْعُهُ لَا لِحُرْمَتِهِ، لَمْ تَجِبْ قِيمَتُهُ كَالْمَيْتَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمُتْلِفِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ دَبَغَهُ وَقُلْنَا بِطَهَارَتِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَإِنِ اسْتَوْلَى عَلَى حُرٍّ، لَمْ يَضْمَنْهُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَفِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَضْمَنُهُ، فَهَلْ يَضْمَنُ ثِيَابَهُ وَحُلِيَّهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ اسْتَعْمَلَ الْحُرَّ كَرْهًا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] أَوْ ذِمِّيًّا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ كَالْمُرْتَدِّ، وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوَّمَةٍ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا، وَقِيلَ: يُغَرَّمُ قِيمَتَهَا الذِّمِّيُّ دُونَ الْمُسْلِمِ، فَعَلَيْهِ لَا يَكُونُ حُكْمُ بَقِيَّةِ الْكُفَّارِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مَالِيَّتَهَا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " لَا يَرُدُّهَا، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ إِرَاقَتُهَا إِنْ حُدَّ، وَإِلَّا لَزِمَ تَرْكُهُ، وَعَلَيْهَا يَخْرُجُ تَعْزِيرُ مُرِيقِهِ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى شُرْبِهِ وَاقْتِنَائِهِ؛ لِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ بِالشُّرْبِ، وَلَا يُقَرُّونَ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَإِنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ، وَأَمَّا أَنْ نُقِرَّهُمْ فَلَا نُسَلِّمُ، يَبْطُلُ بِالْمَجُوسِ يُقَرُّونَ عَلَى نِكَاحِ الْمَحَارِمِ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ بِمَهْرٍ، وَنَفَقَةٍ، وَمِيرَاثٍ. وَقَالَهُ هُوَ وَ " التَّرْغِيبُ ": يَرُدُّ الْخَمْرَ الْمُحْتَرَمَةَ، وَيَرُدُّ مَا تَخَلَّلَ بِيَدِهِ لَا مَا أُرِيقَ، فَجَمَعَهُ آخَرُ لِزَوَالِ يَدِهِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ لَنَا خَمْرًا مُحْتَرَمَةً وَهِيَ الَّتِي عُصِرَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، أَوْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ، فَهِيَ عَلَى الْأَوَّلِ مُحْتَرَمَةٌ دُونَ الثَّانِي، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْخَلِّ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، وَلَا يَصِيرُ خَلًّا إِلَّا بَعْدَ التَّخَمُّرِ، فَلَوْ أَرَقْنَاهَا لِتَعَذُّرِ اتِّخَاذِ الْخَلِّ. فَرْعٌ: تَجِبُ إِرَاقَةُ خَمْرِ الْمُسْلِمِ وَلَا غُرْمَ، وَإِنْ تَخَلَّلَتْ رَدَّهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ خَلًّا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَهَا. [غَصْبُ جِلْدِ مَيْتَةٍ] (وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي طَهَارَتِهِ بِالدِّبَاغِ، وَالْأَشْهَرُ لَا يَرُدُّهُ مُطْلَقًا، فَعَلَيْهِ لَوْ أَتْلَفَهُ، أَوْ أَتْلَفَ مَيْتَةً بِجِلْدِهَا لَمْ يَضَمَّنْ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (فَإِنْ دَبَغَهُ) أَيْ غَاصِبُهُ (وَقُلْنَا بِطَهَارَتِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ) كَالْخَمْرِ إِذَا تَخَلَّلَ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالًا بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا قُلْنَا: لَا يَطْهُرُ لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ لِكَوْنِهِ لَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إِذَا قِيلَ: يُنْتَفَعُ بِهِ فِي يَابِسٍ (وَإِنِ اسْتَوْلَى عَلَى حُرٍّ) كَبِيرٍ (لَمْ يَضْمَنْهُ بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْغَصْبُ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَقِيلَ: بَلَى (إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَفِيهِ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا لَا ضَمَانَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَالْكَبِيرِ، وَالثَّانِي بَلَى؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً فَهَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَصِلٌ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إِنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ، وَإِنْ غَرِمَ عَلَيْهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ غَيْرِ مُمَانَعَةٍ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْعَبْدَ الصَّغِيرَ (وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَضْمَنُهُ، فَهَلْ يَضْمَنُ ثِيَابَهُ، وَحُلِيَّهُ) أَيِ الَّتِي لَمْ يَنْزِعْهَا عَنْهُ (عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ، جُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ أَشْبَهَ ثِيَابَ الْكَبِيرِ، وَالثَّانِي بَلَى؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا (وَإِنِ اسْتَعْمَلَ الْحُرَّ كَرْهًا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ، وَهِيَ مُتَقَوَّمَةٌ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا كَمَنَافِعِ الْعَبْدِ (وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً) أَيْ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ (فَهَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: تَلْزَمُهُ، جُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنْفَعَتَهُ، وَهِيَ مَالٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا، فَضُمِنَتْ بِالْغَصْبِ كَمَنَافِعِ الْعَبْدِ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا لَا يَصِحُّ غَصْبُهُ أَشْبَهَ ثِيَابَهُ إِذَا بَلِيَتْ عَلَيْهِ وَأَطْرَافَهُ، فَإِنْ مَنَعَهُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ وَلَوْ عَبْدًا لَمْ يَضْمَنْ مَنَافِعَهُ وَجْهًا وَاحِدًا. وَيَتَوَجَّهُ: بَلَى فِيهِمَا، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَإِنْ مَاتَ فِي حَبْسِهِ فَهَدَرٌ، وَإِنْ صَحَّ غَصْبُهُ صَحَّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مُسْتَأْجِرُهُ، وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ رِوَايَتَانِ اخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ الصِّحَّةَ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ الْمَنْعِ عَلَى الْوَرَعِ. [يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا] فَصْلٌ (وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَغْصُوبِ) إِنْ كَانَ بَاقِيًا لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، وَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ رَدِّهِ إِنْ كَانَ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَمْ يُشْتَغَلْ بِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ أَزَالَ يَدَ الْمَالِكِ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَزِمَتْهُ إِعَادَتُهُ (إِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 خَلَطَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ وَرَدُّهُ، وَإِنْ بَنَى عَلَيْهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ، وَإِنْ سَمَّرَ بِالْمَسَامِيرِ بَابًا لَزِمَهُ قَلْعُهَا وَرَدُّهَا، وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ   [المبدع في شرح المقنع] قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ، وَإِنْ غَرِمَ عَلَيْهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَدِّي فَلَمْ يَنْظُرْ إِلَى مَصْلَحَتِهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْغَرَامَةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ؛ لِأَنَّهُ جَنَى بِتَعَدِّيهِ، فَكَانَ ضَرَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ الْغَاصِبُ: خُذْ مِنِّي أَجْرَ رَدِّهِ، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي هَاهُنَا، أَوْ بَذَلَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَا يَسْتَرِدُّهُ لَمْ يَلْزَمِ الْمَالِكَ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا كَالْبَيْعِ، وَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ: دَعْهُ لِي فِي مَكَانِهِ الَّذِي نَقَلْتَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَمْلِكِ الْغَاصِبُ رَدَّهُ، وَإِنْ قَالَ: رُدَّهُ إِلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ، لَزِمَهُ، وَإِنْ قَالَ: دَعْهُ فِي مَكَانِهِ وَأَعْطِنِي أُجْرَةَ رَدِّهِ، أَوْ طَلَبَ مِنْهُ حَمْلَهُ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الرَّدِّ لَمْ يُلْزَمِ الْغَاصِبُ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَمَهْمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا (وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ) كَحِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ، وَتَمْرٍ بِزَبِيبٍ (لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ) أَيْ تَخْلِيصُ الْمُتَمَيِّزِ (وَرَدُّهُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ رَدُّ مَالِ غَيْرِهِ، فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَخْلِطْهُ بِغَيْرِهِ، وَأُجْرَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَأَجْرِ رَدِّهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُ بَعْضِهِ وَجَبَ تَمْيِيزُ مَا أَمْكَنَ (وَإِنْ بَنَى عَلَيْهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ) يَعْنِي إِذَا غَصَبَ شَيْئًا، فَشَغَلَهُ بِمُلْكِهِ كَحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ بَنَى عَلَيْهَا، أَوْ خَيْطٍ خَاطَ بِهِ ثَوْبًا، لَزِمَهُ رَدُّهُ وَإِنِ انْتُقِضَ الْبِنَاءُ، وَتُفُصِّلَ الثَّوْبُ؛ لِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ أَمْكَنَ رَدُّهُ فَوَجَبَ كَمَا لَوْ لَمْ يُبْنَ عَلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ) لِأَنَّهُ صَارَ هَالِكًا فَوَجَبَ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ (وَإِنْ سَمَّرَ بِالْمَسَامِيرِ بَابًا لَزِمَهُ قَلْعُهَا وَرَدُّهَا) لِلْخَبَرِ، وَلَا أَثَرَ لِضَرَرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ. مَسَائِلُ: إِذَا غَصَبَ فَصِيلًا وَنَحْوَهُ، فَأَدْخَلَهُ دَارَهُ، وَتَعَذَّرَ خُرُوجُهُ نُقِضَ بَابُهُ مَجَّانًا، فَإِنْ دَخَلَ الْفَصِيلُ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَدْخَلَهُ رَبُّهُ دَارًا غَصَبَهَا غَرِمَ مَالِكُهُ أَرْشَ نَقْصِ الْبِنَاءِ وَإِصْلَاحِهِ، وَإِنْ بَذَلَ لَهُ رَبُّهُ عِوَضَهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: يُذْبَحُ إِنْ أَدْخَلَهُ رَبُّهُ، وَلَوْ عَمِلَ فِيهَا غَاصِبُهَا تَابُوتًا، وَلَمْ يَخْرُجْ، فُكَّ التَّابُوتُ وَلَمْ يُنْقَضِ الْبِنَاءُ، وَإِنْ سَقَطَ فِي مَحْبَرَتِهِ مَالٌ بِتَفْرِيطِهِ أُخْرِجَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كُسِرَتْ لَهُ مَجَّانًا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَضَمِنَ رَبُّ الْمَالِ كَسْرَهَا، فَإِنْ بَذَلَ رَبُّهَا بَدَلَ مَالِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ. فَرْعٌ: إِذَا بَاعَ دَارَهُ وَلَهُ فِيهَا أُسْرَةٌ، وَتَعَذَّرَ الْإِخْرَاجُ وَالتَّفْكِيكُ غَرِمَ أَرْشَ نَقْصِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 الزَّرْعِ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا، وَإِنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ خُيِّرَ بَيْنَ تَرْكِهِ إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ، وَهَلْ ذَلِكَ قِيمَتُهُ أَوْ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْبِنَاءِ، وَقِيلَ: كَمَا لَوْ قَلَعَ أَحْجَارًا لَهُ فِيهَا مَدْفُونَةٌ، وَفُصِّلَ فِي " الشَّرْحِ ". (وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ) فَهُوَ لِلْغَاصِبِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ (فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا إِلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ عِوَضُهُ كَمَا لَوِ اسْتَوْفَاهُ بِالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ فَوَجَبَ أَنْ يُضْمَنَ كَالْعَيْنِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ النَّقْصِ، وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَنَقَصَتْ لِتَرْكِ الزِّرَاعَةِ كَأَرْضِ الْبَصْرَةِ ضَمِنَ ذَلِكَ، وَرَوَى عَنْهُ حَرْبٌ أَنَّ لَهُ تَمَلُّكَهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ يَنْبُتُ عَلَى مِلْكِ مَالِكِ الْأَرْضِ ابْتِدَاءً، وَقَرَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مُوَافَقَتَهُ لِلْقِيَاسِ بِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مَمْلُوكَيْنِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ يَكُونُ مَمْلُوكًا لِمَالِكِ الْأُمِّ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِمَا، وَبُطُونُ الْأُمَّهَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ، وَمَاءُ الْفُحُولِ بِمَنْزِلَةِ الْبَذْرِ، وَالْمَذْهَبُ هُوَ الْأَوَّلُ (وَإِنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ) فِيهَا (خُيِّرَ بَيْنَ تَرْكِهِ إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ) أَيْ بِأُجْرَةِ (مِثْلِهِ) ، وَأَرْشِ نَقْصِ الْأَرْضِ (وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ) هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَيْنِ. وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُ، فَمَلَكَ الْخِيَرَةَ بَيْنَهُمَا تَحْصِيلًا لِغَرَضِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِجْبَارَ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ، خِلَافًا لِأَكْثَرِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، وَلِأَنَّهُ زَرَعَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ ظُلْمًا أَشْبَهَ الْغَرْسَ، لَنَا مَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إِلَى مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ إِتْلَافِ مَالِ الْغَاصِبِ عَلَى قُرْبٍ مِنَ الزَّمَانِ فَلَمْ يَجُزْ إِتْلَافُهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَ سَفِينَةً فَحَمَلَ فِيهَا مَتَاعَهُ، فَأَدْخَلَهَا لُجَّةَ الْبَحْرِ، لَا يُجْبَرُ عَلَى إِلْقَائِهِ، فَكَذَا هُنَا صِيَانَةً لِلْمَالِ عَنِ التَّلَفِ، وَفَارَقَ الشَّجَرَ لِطُولِ مُدَّتِهِ، وَحَدِيثُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُنَا عَلَى الزَّرْعِ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهُ زَرْعٌ حَصَلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَلْعِهِ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَعَارَةً، أَوْ مَشْفُوعَةً (وَهَلْ ذَلِكَ قِيمَتُهُ أَوْ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ قِيمَتُهُ، صَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الزَّرْعِ، فَيُقَدَّرُ بِقِيمَتِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَعَلَيْهِ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ الْأَرْضِ إِلَى حِينِ تَسْلِيمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ غَرَسَهَا أَوْ بَنَى فِيهَا أُخِذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: لَا، نَقَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالثَّانِي: هِيَ نَفَقَتُهُ، فَعَلَى هَذَا يُرَدُّ عَلَى الْغَاصِبِ مَا أَنْفَقَ مِنَ الْبَذْرِ، وَمُؤْنَةِ لَوَاحِقِهِ مِنَ الْحَرْثِ، وَالسَّقْيِ، وَنَحْوِهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: أَصْلُهُمَا هَلْ يُضْمَنُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: فِيهِ ثَالِثَةٌ خَرَّجَهَا أَبُو الْقَاسِمِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يُخَيَّرُ إِنْ شَاءَ دَفَعَ الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَ النَّفَقَةَ، نَقَلَ مُهَنَّا: وَيُزَكِّيهِ إِنْ أَخَذَهُ قَبْلَ وُجُوبِهَا، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ (وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ) أَيْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَهُ قَلْعُهُ إِنْ ضَمِنَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ زَرَعَ بِلَا إِذْنِ شَرِيكِهِ، وَالْعَادَةُ بِأَنَّ مِنْ زَرَعَ فِيهَا لَهُ نَصِيبٌ مَعْلُومٌ وَلِرَبِّهَا نَصِيبٌ، قُسِّمَ مَا زَرَعَهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: وَهَلِ الرُّطَبَةُ وَغَيْرُهَا كَزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، فَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا فَأَثْمَرَتْ، فَسَيَأْتِي (وَإِنْ غَرَسَهَا أَوْ بَنَى فِيهَا أَخَذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ) أَيْ: إِذَا طَالَبَ مَالِكَ الْأَرْضِ لَزِمَ الْغَاصِبَ ذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِلْأَثَرِ الْحَسَنِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الْآخَرِ، فَقَضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِأَرْضِهِ، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُئُوسِ، وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عَمٌّ» ، قَالَ أَحْمَدُ الْعُمُّ: الطِّوَالُ، وَلِأَنَّهُ شَغَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِمِلْكِهِ الَّذِي لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، فَلَزِمَهُ تَفْرِيغُهُ كَمَا لَوْ جَعَلَ فِيهَا قُمَاشًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ مَشَاعًا، قَالَ: إِنْ كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 وَبِنَائِهِ، وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ، وَأَرْشِ نَقْصِهَا، وَأَجْرَتِهَا. وَإِنْ غَصَبَ لَوْحًا فَرَقَّعَ بِهِ سَفِينَةً   [المبدع في شرح المقنع] بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ قَلَعَ نَخْلَهُ (وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ، وَأَرْشِ نَقْصِهَا) لِأَنَّهُ ضَرَرٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَزِمَهُ إِزَالَتُهُ كَغَيْرِهِ (وَأُجْرَتُهَا) أَيْ: أُجْرَةُ مِثْلِهَا إِلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ بَذَلَ رَبُّهَا قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِيَمْلِكَهُ لَمْ يَلْزَمِ الْغَاصِبَ قَبُولُهُ، وَلَهُ قَلْعُهُمَا، وَيُضَمَّنُ الْأَرْشَ وَالْأُجْرَةَ، وَإِنْ وَهَبَهُمَا لِمَالِكِ الْأَرْضِ وَفِي الْإِزَالَةِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لَمْ يُجْبَرْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا إِذَا غَرَسَهَا بِغِرَاسِ مَالِكِهَا، وَحُكْمُ الْبِنَاءِ كَالْغَرْسِ إِلَّا أَنَّهُ يُتَخَرَّجُ إِذَا بَذَلَ مَالِكُ الْأَرْضِ الْقِيمَةَ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي النَّقْصِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ النَّقْصَ سَفَهٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا غَصَبَهَا، فَغَرَسَهَا، فَأَثْمَرَتْ، فَأَدْرَكَهَا رَبُّهَا بَعْدَ أَخْذِ الْغَاصِبِ، فَهِيَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهَا وَالثَّمَرَةُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ شَجَرِهِ فَكَانَتْ لَهُ كَأَغْصَانِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ: إِذَا غَصَبَ أَرْضًا، فَغَرَسَهَا، فَالنَّمَاءُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، فَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ مَا أَنْفَقَهُ الْغَارِسُ، فَلَوْ غَصَبَ شَجَرًا، فَأَثْمَرَ، فَالثَّمَرُ لِمَالِكِ الشَّجَرِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ". 1 - فَرْعٌ: إِذَا أَخَذَ تُرَابَ الْأَرْضِ، فَضَرَبَهُ لَبِنًا رَدَّهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ تِبْنًا فَلَهُ أَنْ يَحِلَّهُ وَيَأْخُذَ تِبْنَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ طَالَبَهُ الْمَالِكُ بِحَلِّهِ لَزِمَهُ إِذَا كَانَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَإِنْ جَعَلَهُ آجِرًا لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَلَا أُجْرَةَ لِعَمَلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ كَسْرُهُ، وَلَا لِلْمَالِكِ إِجْبَارُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، وَإِتْلَافٌ لِلْمَالِ، فَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَكَشَطَ تُرَابَهَا لَزِمَهُ رَدُّهُ وَفَرْشُهُ كَمَا كَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَضٌ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى فَرْشِهِ. يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَرْعٌ: الْقَابِضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ مِنَ الْمَالِكِ إِذَا غَرَسَ، أَوْ بَنَى، فَلِلْمَالِكِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ كَغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَا يُقْلَعُ إِلَّا مَضْمُونًا لِاسْتِنَادِهِ إِلَى الْإِذْنِ، ذَكَرَهَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. [غَصَبَ لَوْحًا فَرَقَّعَ بِهِ سَفِينَةً] (وَإِنْ غَصَبَ لَوْحًا فَرَقَّعَ بِهِ سَفِينَةً) وَخِيفَ مِنْ قَلْعِهِ (لَمْ يُقْلَعْ حَتَّى تُرْسَى) لِأَنَّ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 لَمْ يُقْلَعْ حَتَّى تُرْسَى، وَإِنْ غَصَبَ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ، وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْ قَلْعِهِ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا لِلْغَاصِبِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَيُذْبَحُ الْحَيَوَانُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا.   [المبدع في شرح المقنع] قَلْعِهِ إِفْسَادًا لِمَالِ الْغَيْرِ مَعَ إِمْكَانِ رَدِّ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ بِعُذْرٍ مِنْ يَسِيرٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا أَوْ لَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ كَانَ فِيهَا حَيَوَانٌ مُحْتَرَمٌ، أَوْ مَالٌ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ لَمْ يُقْلَعْ كَالْخَيْطِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ إِتْلَافٍ، كَمَا لَوْ كَانَ فِيهَا مَالُ غَيْرِهِ، وَاقْتَضَى مَا سَبَقَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى السَّاحِلِ، أَوْ كَانَتْ فِي اللُّجَّةِ وَاللَّوْحُ فِي أَعْلَاهَا بِحَيْثُ لَا تَغْرَقُ لَزِمَهُ الْقَلْعُ (وَإِنْ غَصَبَ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ) مُحْتَرَمٍ (وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْ قَلْعِهِ) الضَّرَرُ، وَقِيلَ: التَّلَفُ، جُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " (فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَوَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَظَاهِرُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَلْعُ صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ آكَدُ حُرْمَةً مِنْ بَقِيَّةِ الْمَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَنْعُ نَمَائِهِ مِنْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْحَيَوَانَ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَالْمُرْتَدِّ، وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِ وَجَبَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ تَفْوِيتَ ذِي حُرْمَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ خَاطَ بِهِ ثَوْبًا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا لِلْغَاصِبِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، وَيُذْبَحُ الْحَيَوَانُ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ، وَالِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ عَلَى الْغَاصِبِ، فَلَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ وُجُوبِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ كَنَقْصِ الْبِنَاءِ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ قَلْعُهُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ، وَلِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً فِي نَفْسِهِ، وَلِلْمُؤَلِّفِ احْتِمَالٌ: يُذْبَحُ الْمُعَدُّ لَهُ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهِ كَالْخَيْلِ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ لَهُ فَجَرَى مَجْرَى مَا لَا يُؤْكَلُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إِذَا كَانَ مَأْكُولًا لِغَيْرِ الْغَاصِبِ، صُرِّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ فِيهِ إِضْرَارًا بِصَاحِبِهِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ (وَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ لَزِمَهُ رَدُّهُ) لِأَنَّ عَدَمَ الرَّدِّ فِي الْحَيَاةِ إِنَّمَا كَانَ خَشْيَةَ التَّلَفِ، وَقَدْ أُمِنَ بِالْمَوْتِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا) فَلَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ بَاقِيَةٌ، وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ فِيهَا، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ قِيمَتُهُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الرَّدُّ لِلْعُمُومِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 فَصْلٌ وَإِنْ زَادَ لَزِمَهُ رَدُّهُ بِزِيَادَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالْكَسْبِ، وَإِنْ غَصَبَ جَارِحًا فَصَادَ بِهِ، أَوْ شَبَكَةً، أَوْ شَرَكًا فَأَمْسَكَ شَيْئًا، أَوْ فَرَسًا فَصَادَ عَلَيْهِ أَوْ غَنِمَ، فَهُوَ لِمَالِكِهِ، وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ، أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ، أَوْ فِضَّةً أَوْ حَدِيدًا فَضَرَبَهُ، أَوْ خَشَبًا فَنَجَرَهُ، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا رَدَّ ذَلِكَ بِزِيَادَتِهِ، وَأَرْشِ نَقْصِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَعَنْهُ: يَكُونُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ،   [المبدع في شرح المقنع] [زَادَ الْمَغْصُوبُ لَزِمَهُ رَدُّهُ بِزِيَادَتِهِ] فَصْلٌ (وَإِنْ زَادَ لَزِمَهُ رَدُّهُ بِزِيَادَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ، وَالْكَسْبِ) لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ الْمَغْصُوبِ، وَهُوَ لِمَالِكِهِ، فَلَزِمَهُ رَدُّهُ كَالْأَصْلِ (وَإِنْ غَصَبَ جَارِحًا فَصَادَ بِهِ، أَوْ شَبَكَةً، أَوْ شَرَكًا، فَأَمْسَكَ شَيْئًا، أَوْ فَرَسًا فَصَادَ عَلَيْهِ أَوْ غَنِمَ، فَهُوَ لِمَالِكِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِسَبَبِ مِلْكِهِ، فَكَانَ لَهُ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَصَادَ، وَقِيلَ: هُوَ لِلْغَاصِبِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الصَّائِدُ، وَالْجَارِحُ آلَةٌ، فَعَلَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي يَدِهِ إِنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا أُجْرَةَ لَهُ فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَصِدْ، وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا، فَصَادَ، أَوْ كَسَبَ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي مُدَّةِ كَسْبِهِ وَصَيْدِهِ وَجْهَانِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مَصْرُوفَةٌ إِلَى مَالِكِهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهَا عَلَى غَيْرِهِ، لَكِنْ لَوْ غَصَبَ مِنْجَلًا، فَقَطَعَ بِهِ شَجَرًا، أَوْ حَشِيشًا فَهُوَ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ آلَةٌ فَهُوَ كَالْحَبْلِ يُرْبَطُ بِهِ (وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ، أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ، أَوْ فِضَّةً، أَوْ حَدِيدًا، فَضَرَبَهُ، أَوْ خَشَبًا فَنَجَرَهُ، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا رَدَّ ذَلِكَ) إِلَى مَالِكِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فَقَطْ، وَلِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ بِمِلْكِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، فَكَذَا إِذَا فَعَلَهُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ (بِزِيَادَتِهِ) إِنْ زَادَ (وَأَرْشِ نَقْصِهِ) إِنْ نَقَصَ لِكَوْنِهِ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَقْصِ الْعَيْنِ أَوِ الْقِيمَةِ أَوْ هُمَا (وَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْغَاصِبِ بِعَمَلِهِ الْمُؤَدِّي إِلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ لِذَلِكَ عِوَضًا كَمَا لَوْ غَلَى زَيْتًا فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، لَكِنْ إِنْ أَمْكَنَ الرَّدُّ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى كَحُلِيٍّ، وَأَوَانٍ، وَدَرَاهِمَ، وَنَحْوِهَا، فَلِلْمَالِكِ إِجْبَارُهُ عَلَى الْإِعَادَةِ (وَعَنْهُ: يَكُونُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ) ذُكِرَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْمَذْهَبِ "؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ بِمَنَافِعِهِ، وَالْمَنَافِعُ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ أَشْبَهَ مَا لَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَمْلِكُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ. وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا فَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا وَوَضَعَ تُرَابَهَا فِي أَرْضِ مَالِكِهَا لَمْ يَمْلِكْ طَمَّهَا إِذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ، أَوْ بَيْضًا فَصَارَ فَرْخًا، أَوْ نَوًى فَصَارَ غَرْسًا رَدَّهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ   [المبدع في شرح المقنع] غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، وَفَرَّقَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّ الصِّبْغَ عَيْنُ مَالٍ لَا يَزُولُ مِلْكُ مَالِكِهِ عَنْهُ بِجَعْلِهِ مَعَ مِلْكِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَمْلِكُهُ) الْغَاصِبُ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) قَبْلَ تَغْيِيرِهِ، هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ نَقَلَهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ عَبْدُ الْحَكَمِ فِيمَنْ جَعَلَ حَدِيدًا سُيُوفًا تُقَوَّمُ فَيُعْطِيهِ الثَّمَنَ عَلَى الْقِيمَةِ، حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الزَّرْعِ: «أَعْطُوهُ ثَمَنَ بَذْرِهِ» ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ قَوْلٌ قَدِيمٌ مَرْجُوعٌ عَنْهُ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ وَهَبَهُ الْغَاصِبُ عَمَلَهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا فَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا وَوَضَعَ تُرَابَهَا فِي أَرْضِ مَالِكِهَا لَمْ يَمْلِكْ طَمَّهَا إِذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ لَا نَفْعَ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَ نُقْرَةً فَطَبَعَهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا نُقْرَةً، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا طَالَبَهُ الْمَالِكُ بِطَمِّهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ، وَالثَّانِي: لَهُ طَمُّهَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنَ الضَّمَانِ بِإِبْرَاءِ الْمَالِكِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إِبْرَاءٌ مِمَّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، مَعَ أَنَّهُ إِبْرَاءٌ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْوَاقِعُ فِيهَا، وَنُصِرَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " الْأَوَّلُ بِأَنَّ الضَّمَانَ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي، فَإِذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ زَالَ التَّعَدِّي، فَيَزُولُ الضَّمَانُ، وَلَيْسَ هَذَا إِبْرَاءٌ مِمَّا لَمْ يَجِبْ، وَإِنَّمَا هُوَ إِسْقَاطُ التَّعَدِّي بِرِضَاهُ بِهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا ذَكَرَهُ، فَلَوْ وَضَعَ التُّرَابَ فِي غَيْرِ أَرْضِ مَالِكِهَا، أَوْ لَمْ يُبَرِّئْهُ مِنَ الضَّمَانِ فَلَا، وَحُكْمُ مَا إِذَا مَنَعَهُ مِنْ طَمِّهَا كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: إِذَا غَصَبَ بَقَرَةً، وَأَنْزَى عَلَيْهَا فَحْلَهُ، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَالْوَلَدُ لِرَبِّ الْأُمِّ، وَلَا أُجْرَةَ لِفِعْلِهِ، وَلَا أَرْشَ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ فَحْلِ غَيْرِهِ إِنْ ضَرَّهُ ضِرَابُهُ، وَأُجْرَتُهُ إِنْ صَحَّ إِيجَارُهُ لِذَلِكَ، وَإِذَا أَفْرَخَتْ طَيْرَةُ زَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو مِنْ طَيْرِهِ، فَفَرْخُهَا لِزَيْدٍ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ مَا أَنْفَقَهُ عَمْرٌو إِنْ نَوَى الرُّجُوعَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ، أَوْ بَيْضَا فَصَارَ فَرْخًا، أَوْ نَوًى فَصَارَ غَرْسًا) وَفِي " الِانْتِصَارِ "، أَوْ غُصْنًا فَصَارَ شَجَرَةً (رَدَّهُ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِ مَالِكِهِ وَنَقْصَهُ (وَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِفِعْلِهِ (وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ) فَيَرُدُّهُ، وَنَقْصَهُ، أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 فَصْلٌ وَإِنْ نَقَصَ لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ بِقِيمَتِهِ رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَعَنْهُ: إِنَّ الرَّقِيقَ يُضْمَنُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ فِي الْإِتْلَافِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ غَصَبَهُ   [المبدع في شرح المقنع] يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ أَوْ يَكُونُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَصَّرَ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ، سَاوَى ذَلِكَ حُكْمًا. فَرْعٌ: إِذَا صَارَ الرُّطَبُ تَمْرًا، أَوِ السِّمْسِمُ شَيْرَجًا، أَوِ الْعِنَبُ عَصِيرًا أَخَذَ رَبُّهُ مِثْلَ أَيِّهِمَا شَاءَ. [ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ] [نَقْصُ الْمَغْصُوبِ لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ] فَصْلٌ (وَإِنْ نَقَصَ لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ) وَلَوْ بِنَبَاتِ لِحْيَةِ أَمْرَدَ، وَقَطْعِ ذَنَبِ حِمَارِ الْقَاضِي (بِقِيمَتِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ، فَكَانَ الْوَاجِبُ مَا نَقَصَ كَالْبَهِيمَةِ، إِذِ الْقَصْدُ بِالضَّمَانِ جَبْرُ حَقِّ الْمَالِكِ بِإِيجَابِ قَدْرِ مَا فُوِّتَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ فَاتَ الْجَمِيعُ لَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ، فَإِذَا فَاتَ مِنْهُ شَيْءٌ وَجَبَ قَدْرُهُ مِنَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ الْحَيَوَانِ (رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّلَفِ (وَعَنْهُ: إِنَّ الرَّقِيقَ يُضْمَنُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ فِي الْإِتْلَافِ) فَيَجِبُ فِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوَضِّحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ لِأَبْعَاضِهِ، فَكَانَ مُقَدَّرًا مِنْ قِيمَتِهِ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَالْمَذْهَبُ يُضَمِّنُهُ مُطْلَقًا بِقِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَبْلُغُ بِهَا دِيَةَ حُرٍّ (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ) لِأَنَّ سَبَبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ وُجِدَ، فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِأَكْثَرِهِمَا، كَمَا لَوْ غَصَبَهُ وَجَنَى عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ النَّقْصُ فِي الرَّقِيقِ مِمَّا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ كَنَقْصِهِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مَعَ الرَّدِّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ انْتِفَاعٍ وَاسْتِعْمَالٍ أَوْ عَابٍ، وَجَبَ أَرْشُهُ، وَفِي أُجْرَتِهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ نَقَصَ بِاسْتِعْمَالِهِ فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْأَكْثَرُ مِنْ أُجْرَتِهِ، وَأَرْشُ نَقْصِهِ، وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ وَأَبْلَاهُ، فَنَقَصَ نِصْفُ قِيمَتِهِ، ثُمَّ غَلَتِ الثِّيَابُ فَعَادَتْ قِيمَتُهُ رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ. (وَإِنْ غَصَبَهُ وَجَنَى عَلَيْهِ ضَمِنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ) هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 وَجَنَى عَلَيْهِ ضَمِنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ غَيْرُ الْغَاصِبِ فَلَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ، وَيَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْجَانِي بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَلَهُ تَضْمِينُ الْجَانِي أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَتَضْمِينُ الْغَاصِبِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّقْصِ، وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَخَصَاهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ، وَعَنْهُ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ مِنَ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ: رُبْعُ   [المبدع في شرح المقنع] غَيْرُ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ، فَوَجَبَ أَكْثَرُهُمَا، وَدَخَلَ الْآخَرُ فِيهِ، وَإِنْ قُلْنَا: ضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ، كَانَ الْوَاجِبُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ غَيْرُ الْغَاصِبِ) بِأَنْ قَطَعَ يَدَهُ مَثَلًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ قَطَعَ يَدَهُ، وَالْغَاصِبَ حَصَلَ النَّقْصُ فِي يَدِهِ (تَضْمِينُ الْغَاصِبِ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ) إِذَا قُلْنَا: إِنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ مَا نَقَصَ (وَيَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْجَانِي بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ) وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهَا أَرْشُ جِنَايَةٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْهَا، (وَلَهُ تَضْمِينُ الْجَانِي أَرْشَ الْجِنَايَةِ) وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ لَا غَيْرَ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَمِّنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ (وَتَضْمِينُ الْغَاصِبِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّقْصِ) أَيْ: إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ قُلْنَا: ضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ، أَوْ لَمْ تَنْقُصْ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ يَضْمَنِ الْغَاصِبُ هَاهُنَا شَيْئًا، وَإِنِ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ، وَقُلْنَا: إِنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ كَضَمَانِ الْجِنَايَةِ ضَمَّنَهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَرَجَعَ بِهَا الْغَاصِبُ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ. (وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَخَصَاهُ) أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ ذَكَرَهُ، أَوْ مَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ مِنَ الْحُرِّ (لَزِمَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ) نُصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ الْبَعْضُ فَلَا يَقِفُ ضَمَانُهُ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ كَقَطْعِ خُصْيَتَيْ ذَكَرِ الْمُدَبَّرِ، وَلِأَنَّ الْخُصْيَتَيْنِ تَجِبُ فِيهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ، كَمَا تَجِبُ فِيهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ مِنَ الْحُرِّ (وَعَنْهُ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ مِنَ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ رُبْعُ قِيمَتِهَا) نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ قِيمَتِهَا» ، وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى شُرَيْحٍ لَمَّا كَتَبَ يَسْأَلُهُ عَنْ عَيْنِ الدَّابَّةِ: إِنَّا كُنَّا نُنْزِلُهَا مَنْزِلَةَ الْآدَمِيِّ، إِلَّا أَنَّهُ أَجْمَعَ رَأَيُنَا أَنَّ قِيمَتَهَا رُبُعُ الثَّمَنِ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ فَقُدِّمَ عَلَى الْقِيَاسِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 قِيمَتِهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَإِنْ نَقَصَتِ الْعَيْنُ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ لَمْ يُضْمَنْ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَصَتِ الْقِيمَةُ لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ عَادَتْ بِبُرْئِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ زَادَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مِثْلَ أَنْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً، فَعَادَتِ الْقِيمَةُ ضَمِنَ النَّقْصَ، وَإِنْ زَادَتِ الْقِيمَةُ لِسِمَنٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ نَقَصَتْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ عَادَ مِثْلَ الزِّيَادَةِ الْأُولَى مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَخُصَّ فِي " الرَّوْضَةِ " هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِعَيْنِ الْفَرَسِ، وَإِنَّ عَيْنَ غَيْرِهَا بِمَا نَقَصَ، لَكِنْ قَالَ: أَحْمَدُ قَالَهُ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ كَقَوْلِ عُمَرَ (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيْ أَنَّهُ يُضْمَنُ نَقْصُهُ بِالْقِيمَةِ رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرُهُ، وَحَدِيثُ زَيْدٍ لَا نَعْرِفُ صِحَّتَهُ بِدَلِيلِ احْتِجَاجِ أَحْمَدَ بِقَوْلِ عُمَرَ دُونَهُ مَعَ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدْرَ نَقْصِهَا، كَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا، وَلَوْ كَانَ تَقْدِيرُ الْوَاجِبِ فِي الْعَيْنِ نِصْفَ الدِّيَةِ كَعَيْنِ الْآدَمِيِّ. (وَإِنْ نَقَصَتِ الْعَيْنُ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ لَمْ يُضْمَنْ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ بِحَالِهَا، لَمْ يَنْقُصْ مِنْهَا عَيْنٌ وَلَا صِفَةٌ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَسَمِينٍ هُزِلَ، فَزَادَتْ، وَعَنْهُ: بَلَى، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ كَعَبْدٍ خَصَاهُ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، وَقِيلَ: مَعَ تَلَفِهِ (وَإِنْ نَقَصَتِ الْقِيمَةُ لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ عَادَتْ بِبُرْئِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) إِلَّا رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ مَا لَهُ قِيمَةٌ، وَالْعَيْبُ الَّذِي أَوْجَبَ الضَّمَانَ زَالَ فِي يَدِهِ، وَكَمَا لَوِ انْقَلَعَ سِنُّهُ ثُمَّ عَادَ، وَنَصُّهُ يَضْمَنُ النَّقْصَ كَزِيَادَةٍ فِي يَدِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ رُدَّ الْمَغْصُوبُ مَعِيبًا، وَزَالَ عَيْبُهُ فِي يَدِ مَالِكِهِ، وَكَانَ أَخَذَ الْأَرْشَ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهُ لِذَلِكَ. (وَإِنْ زَادَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مِثْلَ أَنْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً، فَعَادَتِ الْقِيمَةُ ضُمِنَ النَّقْصُ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأُولَى، فَلَمْ يَنْجَبِرْ بِهَا (وَإِنْ زَادَتِ الْقِيمَةُ لِسِمَنٍ أَوْ نَحْوِهِ) مِنْ تَعَلُّمِ صَنْعَةٍ كَغَصْبِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ بِمَا ذُكِرَ حَتَّى صَارَتْ مِائَتَيْنِ (ثُمَّ نَقَصَتِ) الْقِيمَةُ بِنُقْصَانِ بَدَنِهِ، أَوْ نِسْيَانِ مَا تَعَلَّمَهُ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً (ضِمْنَ الزِّيَادَةِ) مَعَ رَدِّهِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي نَفْسِ الْمَغْصُوبِ، فَلَزِمَ الْغَاصِبَ ضَمَانُهَا، كَمَا لَوْ طَالَبَهُ بِرَدِّهَا فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ الْغَصْبِ، وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُهَا، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ كَمَا أَخَذَهَا (وَإِنْ عَادَ مِثْلَ الزِّيَادَةِ الْأُولَى مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ذُكِرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهُ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ مَا ذَهَبَ عَادَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ مَرِضَ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ ثُمَّ بَرَأَ فَعَادَتْ، وَالثَّانِي يَضْمَنُهَا، صَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 جِنْسِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأُولَى لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهَا. وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا مُفْرِطًا فِي السِّمَنِ، فَهَزُلَ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، رَدَّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ نَقْصًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ، خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِ مِثْلِهَا وَبَيْنَ تَرْكِهَا، حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا، وَيَأْخُذَهَا وَأَرْشَ نَقْصِهَا. وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبُ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى، فَعَلَى هَذَا لَوْ هُزِلَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَةً يَوْمَ الْغَصْبِ، فَسَمِنَتْ فَبَلَغَتْ أَلْفًا ثُمَّ هُزِلَتْ فَعَادَتْ إِلَى مِائَةٍ، ثُمَّ سَمِنَتْ فَعَادَتْ إِلَى أَلْفٍ، ثُمَّ هُزِلَتْ فَعَادَتْ إِلَى مِائَةٍ ضَمِنَ النَّقْصَيْنِ بِأَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ أَكْثَرَ السِّمَنَيْنِ قِيمَةً، جُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأُولَى لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهَا) جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَتَى زَادَتْ ثُمَّ نَقَصَتْ ثُمَّ زَادَ مِثْلَ الزِّيَادَةِ الْأُولَى فَوَجْهَانِ، سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَالسِّمَنِ وَالتَّعَلُّمِ، أَوْ مِنْ جِنْسٍ كَسِمَنٍ مَرَّتَيْنِ (وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا مُفْرِطًا فِي السِّمَنِ فَهُزِلَ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ) أَوْ لَمْ تَنْقُصِ الْقِيمَةُ (رَدَّهُ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِ غَيْرِهِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمْ تَنْقُصْ فَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. فَرْعٌ: إِذَا غَصَبَ دَارًا فَنَقَضَهَا وَلَمْ يَبْنِهَا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا إِلَى حِينِ نَقْضِهَا، وَأَجْرُهَا مَهْدُومَةً مِنْ حِينِ نَقْضِهَا إِلَى حِينِ رَدِّهَا، وَإِنْ بَنَاهَا بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِآلَتِهَا أَوْ آلَةٍ مِنْ تُرَابِهَا، أَوْ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا عَرْصَةً مُنْذُ نَقَضَهَا إِلَى أَنْ بَنَاهَا، وَأُجْرَتُهَا دَارًا فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ (وَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ نَقْصًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِ مِثْلِهَا) أَيْ أَخْذِ بَدَلِهَا (وَبَيْنَ تَرْكِهَا حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا وَيَأْخُذَهَا وَأَرْشَ نَقْصِهَا) كَذَا قَالَهُ فِي " الْهِدَايَةِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَفِي " الْمُغْنِي " أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمِثْلُ لِوُجُودِ عَيْنِ مَالِهِ، وَلَا يَجِبُ أَرْشُ الْعَيْبِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَلَا ضَبْطُهُ، وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ بَقِيَتِ الْخِيَرَةُ إِلَيْهِ بَيْنَ أَخْذِ الْبَدَلِ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنَ الضَّرَرِ، وَبَيْنَ الصَّبْرِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا رَضِيَ بِالتَّأْخِيرِ سَقَطَ فَيَأْخُذُ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَيَأْخُذُ أَرْشَ النَّقْصِ مِنَ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِجِنَايَتِهِ، أَشْبَهَ تَلَفَ الْحُرِّ الْمَغْصُوبِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْأَرْشُ مُطْلَقًا، وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِ بَدَلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ قَدْرُ نَقْصِهِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي " الْفُرُوعِ " شَيْئا. 1 - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 فَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ، سَوَاءٌ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ، وَتُضْمَنُ زَوَائِدُ الْغَصْبِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ إِذَا تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ كَالْأَصْلِ. فَصْلٌ وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ، مِثْلَ أَنْ خَلَطَ حِنْطَةً أَوْ زَيْتًا بِمِثْلِهِ، لَزِمَهُ مَثْلُهُ مِنْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا اسْتَعْمَلَ عَبْدًا بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ كَغَصْبِهِ، وَكُلُّ مَغْصُوبٍ زَكَّاهُ مَالِكُهُ حَالَ غَصْبِهِ رُجِعَ بِمَا غَرِمَ عَلَى غَاصِبِهِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ ضُمِّنَ مَنْفَعَةَ الْمَغْصُوبِ ضُمِّنَ، وَإِلَّا فَلَا. [جِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ] (وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فَعَلَيْهِ) أَيِ: الْغَاصِبِ (أَرْشُ جِنَايَتِهِ) لِأَنَّهُ نَقَصَ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي، فَكَانَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ نَقْصِهِ (سَوَاءٌ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ) لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ جِنَايَاتِهِ، فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَقِيلَ: لَا يُضَمَّنُ جِنَايَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ لِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ (أَوْ غَيْرِهِ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوِ الْمَالَ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنَ النَّقْصِ الَّذِي لَحِقَ الْعَبْدَ (وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ إِذَا جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَجَبَ أَرْشُهُ عَلَى الْغَاصِبِ، فَلَوْ وَجَبَ لَهُ شَيْءٌ لَوَجَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَحَلِّهِ فِي غَيْرِ قَوَدٍ، جُزِمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، فَلَوْ قَتَلَ عَبْدًا لِأَحَدِهِمَا عَمْدًا فَلَهُ قَتْلُهُ بِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فِيهِمَا. (وَتُضْمَنُ زَوَائِدُ الْغَصْبِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ إِذَا تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ كَالْأَصْلِ) سَوَاءٌ تَلِفَ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَغْصُوبٌ حَصَلَ فِي يَدِهِ، فَيَضْمَنُهُ بِالتَّلَفِ كَالْأَصْلِ. [فَصْلُ خَلْطِ الْمَغْصُوبِ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ] فَصْلٌ (وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِثْلَ أَنْ خَلَطَ حِنْطَةً أَوْ زَيْتًا بِمِثْلِهِ لَزِمَهُ مِثْلُهُ) قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ، فَيَجِبُ مِثْلُ مَكِيلِهِ (مِنْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَنَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 خَلَطَهُ بِدُونِهِ، أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَزِمَهُ مِثْلُهُ فِي قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا. وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ سَوِيقًا فُلَتَّهُ بِزَيْتٍ   [المبدع في شرح المقنع] قَدَرَ عَلَى دَفْعِ مَالِهِ إِلَيْهِ مَعَ رَدِّ الْمِثْلِ فِي الْبَاقِي فَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى بَدَلِهِ فِي الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ صَاعًا فَتَلِفَ بَعْضُهُ (وَفِي الْآخَرِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ) قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِ مَالِهِ بِالْخَلْطِ فَوَجَبَ مُطْلَقُ الْمِثْلِ، وَفِي " الْوَسِيلَةِ "، وَ " الْمُوجَزِ " قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا، أَمَّا لَوْ خَلَطَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَزَيْتٍ خُلِطَ بِمَاءٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُهُ خَلَّصَهُ وَرَدَّهُ، وَرَدَّ نَقْصَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَخْلِيصُهُ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ يُفْسِدُهُ لَزِمَهُ مِثْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ رَدَّهُ، وَرَدَّ نَقْصَهُ، وَإِنِ احْتِيجَ فِي تَخْلِيصِهِ إِلَى غَرَامَةٍ فَعَلَى الْغَاصِبِ (وَإِنْ خَلَطَهُ بِدُونِهِ، أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ (لَزِمَهُ مِثْلُهُ فِي قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا) . قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْخَلْطِ مُسْتَهْلَكًا، وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى زَيْتًا فَخَلَطَهُ بِزَيْتِهِ، ثُمَّ أَفْلَسَ، صَارَ الْبَائِعُ كَبَعْضِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إِلَى عَيْنِ مَالِهِ، فَكَانَ لَهُ بَدَلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ تَالِفًا، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا خَلَطَهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ، وَبَذَلَ الْغَاصِبُ مِثْلَ حَقِّهِ مِنْهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ بِأَدْنَى مِنْهُ فَرَضِيَ الْمَالِكُ بِأَخْذِ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ لَزِمَ الْغَاصِبَ بَدَلُهُ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ انْتَقَلَ إِلَى الذِّمَّةِ فَلَمْ يُجْبِرْ عَلَى عَيْنِ مَالٍ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ مِنَ الرَّدِيءِ، أَوْ دُونَ حَقِّهِ مِنَ الْجَيِّدِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ رِبًا، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَرَضِيَ بِأَخْذِ دُونِ حَقِّهِ مِنَ الرَّدِيءِ، أَوْ سَمَحَ الْغَاصِبُ بِدَفْعِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ مِنَ الْجَيِّدِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَابِلَ لِلزِّيَادَةِ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ دُونَ حَقِّهِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ؛ لِأَنَّ بَدَلَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَلَا تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا (وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فِي رَجُلٍ لَهُ رِطْلُ شَيْرَجٍ، وَآخَرَ لَهُ رِطْلُ زَيْتٍ، وَاخْتَلَطَا: يُبَاعُ الدُّهْنُ كُلُّهُ، وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَصَلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى عَيْنِ مَالِهِ، فَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ عَنْ قِيمَتِهِ مُنْفَرِدًا، فَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، فَلَوِ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ بِاثْنَيْنِ لِآخَرَ فَتَلِفَ اثْنَانِ فَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، أَوْ نِصْفَيْنِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا اخْتَلَطَ نَقْدٌ حَرَامٌ بِمِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ، دَفَعَ قَدْرَ الْحَرَامِ إِلَى مَالِكِهِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا أَوْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ضُمِّنَ النَّقْصَ، وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدْ، أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قَلْعَ الصِّبْغِ لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْبَرَ إِذَا ضَمِنَ   [المبدع في شرح المقنع] مَقَامَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ إِنْ جَهِلَهُ، وَمَا بَقِيَ حَلَالٌ، وَإِنْ عَبَرَ الْحَرَامُ الثُّلُثَ، وَقِيلَ: أَوْ بَلَغَهُ، حَرُمَ الْكُلُّ وَتَصَدَّقَ بِهِ، وَقِيلَ: كَالْأَوَّلِ يُخْرِجُ قَدْرَ الْحَرَامِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الَّذِي يُعَامِلُ بِالرِّبَا: يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ، وَيَرُدُّ الْفَضْلَ إِنْ عَرَفَ رَبَّهُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ شَكَّ فِي قَدْرِ الْحَرَامِ تَصَدَّقَ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ، نُصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. (وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِزَيْتٍ، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا أَوْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ضَمِنَ النَّقْصَ) لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ فَيَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ بَعْضَهُ، فَإِنْ كَانَ النَّقْصُ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَإِنْ لَمْ تَنْقُصِ) الْقِيمَةُ (وَلَمْ تَزِدْ) كَمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةً، فَصَارَتْ قِيمَتُهُمَا عَشَرَةً (أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا) لِأَنَّ عَيْنَ الصِّبْغِ مِلْكُ الْغَاصِبِ، وَاجْتِمَاعُ الْمِلْكَيْنِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ (وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِهِ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْمِلْكِ الَّذِي زَادَتْ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتْ لِزِيَادَةِ الثِّيَابِ فِي السُّوقِ كَانَتِ الزِّيَادَةُ لِمَالِكِ الثَّوْبِ، وَإِنْ كَانَتْ لِزِيَادَةِ الصِّبْغِ فَهِيَ لِمَالِكِ الصِّبْغِ (فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قَلْعَ الصِّبْغِ لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ عَلَيْهِ) أَيْ: يُمْنَعُ طَالِبُ قَلْعِ الصِّبْغِ مِنْهُمَا، كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْمُرِيدَ لِلْقَلْعِ إِمَّا الْغَاصِبُ، لَمْ يُجْبِرِ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَالَهُ يَنْقُصُ بِسَبَبِ أَخْذِهِ، أَوِ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لَمْ يَجْبُرِ الْغَاصِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصِّبْغَ يَهْلِكُ بِالْإِخْرَاجِ، وَقَدْ أَمْكَنَ وُصُولُ الْحَقِّ إِلَى صَاحِبِهِ بِدُونِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْبَرَ إِذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ النَّقْصَ) لِأَنَّ الْمَانِعَ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الضَّرَرِ، فَإِذَا ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ انْتَفَى، فَوَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ عَمَلًا بِالْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذَا بِمَنْ ذُكِرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الْآخَرِ كَذَلِكَ، وَعِبَارَةُ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَوْلَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُمْكِنَ إِذَا ضَمِنَ نَقْصَ حَقِّ الْآخَرِ، وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ رَبُّ الْمَالِ كَبِنَاءٍ، وَنُقِلَ فِي " الشَّرْحِ " عَنِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْغَاصِبَ إِذَا أَرَادَ قَلْعَ الصِّبْغِ فَلَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالثَّوْبِ أَوْ لَا، وَيَضْمَنُ نَقْصَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَلْعَ حَيْثُ تَضَرُّرُ الثَّوْبِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 الْغَاصِبُ النَّقْصَ، وَإِنْ وَهَبَ الصِّبْغَ لِلْمَالِكِ أَوْ وَهَبَهُ تَزْوِيقَ الدَّارِ وَنَحْوِهَا، فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ غَصَبَ صِبْغًا فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا، أَوْ زَيْتًا فَلَتَّ بِهِ سَوِيقًا، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَلْزَمَهُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا وَصِبْغَا، فَصَبَغَهُ بِهِ رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي زِيَادَتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ مَا يَهْلِكُ صَبْغُهُ بِالْقَلْعِ وَبَيْنَ مَا لَا يَهْلِكُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إِذَا هَلَكَ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، وَإِنْ أَرَادَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَوَجْهَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُمَلَّكُ إِجْبَارَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ قَلْعِهِ، وَحَكَى فِي " الرِّعَايَةِ " احْتِمَالًا أَنَّ لَهُ قَلْعَهُ بِأَرْشِهِ مَعَ بَقَاءِ قِيمَةِ الثَّوْبِ قَبْلَهُ، وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَخْذُ الثَّوْبِ بِقِيمَتِهِ، فَلَوْ بَذَلَ رَبُّ الثَّوْبِ قِيمَةَ الصِّبْغِ لِمَالِكِهِ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ، كَمَا لَوْ بَذَلَ قِيمَةَ الْغِرَاسِ، وَقِيلَ: بَلَى إِذَا لَمْ يَقْلَعْهُ كَالْغَرْسِ فِي الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ (وَإِنْ وَهَبَ الصِّبْغَ لِلْمَالِكِ أَوْ وَهَبَهُ تَزْوِيقَ الدَّارِ وَنَحْوِهَا، فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصِّبْغَ صَارَ مِنْ صِفَاتِ الْعَيْنِ، فَهُوَ كَزِيَادَةِ الصِّفَةِ فِي الْمُسَلَّمِ بِهِ، وَكَنَسْجِ الْغَزْلِ، لَا هِبَةَ مَسَامِيرَ سُمِّرَ بِهَا الْبَابُ الْمَغْصُوبُ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ يُمْكِنُ إِفْرَادُهَا كَالْغِرَاسِ، فَإِنْ أَرَادَ مَالِكُ الثَّوْبِ بَيْعَهُ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ بَيْعَهُ لَمْ يُجَبْ إِلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ (وَإِنْ غَصَبَ صِبْغًا فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا، أَوْ زَيْتًا فَلَتَّ بِهِ سَوِيقًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ) أَيْ: أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ حَيْثُ كَانَ الصِّبْغُ وَالثَّوْبُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ (وَاحْتَمَلَ أَنْ تَلْزَمَهُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا) لِأَنَّ الصِّبْغَ قَدْ تَفَرَّقَ فِي الثَّوْبِ، وَالزَّيْتَ مُسْتَهْلَكٌ فِي السَّوِيقِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُمَا. (وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا وَصِبْغًا فَصَبَغَهُ بِهِ رَدَّهُ) لِأَنَّهُ عَيْنٌ مِلْكُ غَيْرِهِ (وَ) يَرُدُّ (أَرْشَ نَقْصِهِ) لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِ (وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي زِيَادَتِهِ) لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا لِاثْنَيْنِ، أَوْ لِوَاحِدٍ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " إِذَا كَانَ مِنْ وَاحِدٍ وَزَادَا فَزِيَادَتُهُمَا لَغْوٌ، وَيُحْتَمَلُ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ كَانَا مِنَ اثْنَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ بِالْقِيمَةِ، وَمَا نَقَصَ أَحَدُهُمَا غَرِمَهُ الْغَاصِبُ، وَقِيلَ: زِيَادَةُ أَحَدِهِمَا لِرَبِّهِ، وَفِي " الشَّرْحِ " هُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 فَصْلٌ وَإِنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ - وَإِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً - وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ مَهْرُ الثَّيِّبِ، وَإِنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ، وَيَضْمَنُ نَقْصَ   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ زَادَتْ فَالزِّيَادَةُ لَهُمَا، وَإِنْ نَقَصَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَيَكُونُ النَّقْصُ مِنْ صَاحِبِ الصِّبْغِ؛ لِأَنَّهُ تَبَدَّدَ فِي الثَّوْبِ، وَيُرْجَعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ نَقَصَ السِّعْرُ لِنَقْصِ سِعْرِ الثِّيَابِ أَوِ الصِّبْغِ أَوْ هُمَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْغَاصِبُ، وَكَانَ نَقْصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ. فَرْعٌ: إِذَا دَفَعَ ثَوْبًا إِلَى غَيْرِ مَالِكِهِ فَلَبِسَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ ضَمِنَهُ دَافِعُهُ، وَقِيلَ: لَابَسَهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ أَكْثَرُهُمَا إِنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ، وَإِلَّا فَأَرْشُهُ فَقَطْ. [فَصْلُ وَطْئَ الْجَارِيَةِ بَعْدَ غَصْبِهَا] فَصْلٌ (وَإِنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ) بَعْدَ غَصْبِهَا فَهُوَ زَانٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً، وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) أَيْ: حَدُّ الزِّنَى، إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ (وَالْمَهْرُ) أَيْ: مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالْوَطْءِ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً) لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِمُطَاوَعَتِهَا كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ طَرَفِهَا، وَعَنْهُ: لَا مَهْرَ لِمُطَاوِعَةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ» ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُرَّةِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ مَعَ الْإِكْرَاهِ، فَيَجِبُ مَعَ الطَّوَاعِيَةِ كَأَجْرِ مَنَافِعِهَا (وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ) لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ لِدُخُولِهِ فِي مَهْرِ الْبِكْرِ، وَلِهَذَا تَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الثَّيِّبِ عَادَةً لِأَجْلِ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ تَفْوِيتِ الْبَكَارَةِ (وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ مَهْرُ الثَّيِّبِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْهَا وَلَمْ يُؤْلِمْهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَّلَهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَإِنْ وَلَدَتِ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا وَأَجْزَائِهَا، وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ فِي النِّكَاحِ الْحَلَالِ فَهُنَا أَوْلَى، وَلَا يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِالْوَاطِئِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِنًى، وَيَجِبُ رَدُّهُ مَعَهَا كَزَوَائِدِ الْغَصْبِ، وَإِنْ سَقَطَ مَيِّتًا لَمْ يَضْمَنْهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ قَبْلَ هَذَا، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: يَجِبُ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَفِي " الْمُغْنِي " يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَضْمَنُهُ فِي الْجِنَايَةِ، فَلَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 الْوِلَادَةِ، وَإِنْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ فَوَطِئَهَا؛ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ، نَقْصَهَا وَمَهْرَهَا وَأُجْرَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا، فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ وَلَا يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا الْغَصْبَ؛ فَضَمِنَهُمَا، رَجَعَا عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَضَعَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ انْفِصَالِهِ. (وَيَضْمَنُ نَقْصَ الْوِلَادَةِ) لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، كَنَقْصِهَا بِقَطْعِ طَرَفِهَا، وَلَا يَنْجَبِرُ بِزِيَادَتِهَا بِالْوَلَدِ، وَإِنْ ضَرَبَ الْغَاصِبُ بَطْنَهَا فَأَلْقَتِ الْجَنِينَ مَيِّتًا فَعَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الضَّارِبِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ وُجِدَ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَتِ الْجَارِيَةُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مَا كَانَتْ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ بَكَارَتِهَا، وَنَقْصُ الْوِلَادَةِ دُونَ وَلَدٍ وَمَهْرٍ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْغَاصِبُ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَحِدْ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ، وَهِيَ إِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ؛ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ إِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ وَإِلَّا فَلَا. فَرْعٌ: ضَرَبَ بَهِيمَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ضَمِنَ نَقْصَ الْقِيمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلْ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَقِيلَ: بَلْ قِيمَتُهُ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَإِنْ تَلِفَ لَا بِجِنَايَةٍ فَهَدَرٌ، وَقِيلَ: يُضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ كَالْإِتْلَافِ. (وَإِنْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ) فَهُوَ فَاسِدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ (فَ) إِنْ (وَطِئَهَا فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ) أَمَّا الْغَاصِبُ، فَلِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي إِيصَالِهَا إِلَى الْغَيْرِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي وَالْمُتَّهِبُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ حَقِّهِ، وَزَجْرِ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنْ غَاصِبِهِ، أَوْ مُتَّهِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَاصِبٌ. (نَقْصِهَا وَمَهْرِهَا، وَأُجْرَتِهَا، وَقِيمَةِ وَلَدِهَا) أَيْ: التَّالِفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَمِيعَهُ يَضْمَنُهَا الْغَاصِبُ لَوِ انْفَرَدَ فَكَذَا هُنَا (فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ) لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، وَالْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ لَهُ (وَلَا يَرْجِعُ الْآخَرُ) وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَالْمُتَّهِبُ حَيْثُ ضَمِنَهُ (عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ فَضَمِنَهُمَا) الْمَالِكُ الْمَهْرَ وَأَرْشَ الْبَكَارَةِ وَنَقْصَ الْوِلَادَةِ (رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْعَقْدِ، عَلَى أَنْ يُتْلِفَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَرَّهُمَا (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ) لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ، وَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ (وَيَفْدِيِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ بِاعْتِقَادِهِ حِلَّ الْوَطْءِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 الْغَاصِبِ، وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَيَفْدِيهِ بِمِثْلِهِ فِي صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ فِي الْقِيمَةِ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَلَا يَرْجِعُ بِهَا إِنْ كَانَ مُشْتَرِيًا، وَيَرْجِعُ بِهَا الْمُتَّهِبُ، وَعَنْهُ أَنَّ مَا حَصَلَتْ لَهُ بِهِ مَنْفَعَةٌ كَالْأُجْرَةِ، وَالْمَهْرِ، وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ   [المبدع في شرح المقنع] أَشْبَهَ وَلَدَ الْمَغْرُورِ، وَعَنْهُ: لَا فِدَاءَ عَلَيْهِ لِانْعِقَادِهِ حُرًّا، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، فَيَكُونُ الْفِدَاءُ يَوْمَ الْوَضْعِ، وَهُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِيَيْنِ، وَالْشَيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّهُ يَوْمَ الْمُحَاكَمَةِ (بِمِثْلِهِ فِي صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيَّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ، وَالْحُرُّ لَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ فِي الْقِيمَةِ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْسِ الْقِيمَةِ (وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ) اخْتَارَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ، فَيُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ كَسَائِرِ الْمُتَقَوَّمَاتِ، وَعَنْهُ: بِأَيِّهِمَا شَاءَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُقْنِعِ (وَيَرْجِعُ بِهِ) بِالْمَهْرِ وَمَا فُدِيَ بِهِ الْوَلَدُ (عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ قَدْ غَرَّهُ، وَقَضَى بِهِ عُمَرُ فِي الْمَهْرِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا رُجُوعَ لَهُ بِالْمَهْرِ، قَضَى بِهِ عَلِيٌّ، ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الْجَارِيَةُ بَاقِيَةً رَدَّهَا إِلَى سَيِّدِهَا، وَلَا يَرْجِعُ بِبَدَلِهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، لَكِنْ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ (وَإِنْ تَلِفَتُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) لِمَالِكِهَا كَمَا يَلْزَمُهُ نَقْصُهَا، فَلَوْ قَتَلَهَا الْغَاصِبُ بِوَطْئِهِ فَالدِّيَةُ، نَقَلَهُ مُهَنَّا (وَلَا يَرْجِعُ بِهَا) عَلَى الْغَاصِبِ (إِنْ كَانَ مُشْتَرِيًا) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَإِذَا ضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ، لَمْ يَرْجِعْ بِهَا، لَكِنْ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، فَلَا يَدْخُلُ الثَّمَنُ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ، كَمَا لَوْ وَجَدَ الْعَيْنَ بَاقِيَةً (وَيَرْجِعُ بِهَا) أَيْ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ (الْمُتَّهِبُ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْعَيْنَ، فَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ مِنْ قِيمَتِهَا عَلَى الْغَاصِبِ كَقِيمَةِ الْأَوْلَادِ (وَعَنْهُ: أَنَّ مَا حَصَلَتْ لَهُ بِهِ مَنْفَعَةٌ كَالْأُجْرَةِ، وَالْمَهْرِ، وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ لَا يَرْجِعُ بِهِ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ غَرِمَ مَا اسْتَوْفَى بَدَلَهُ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ كَقِيمَةِ الْجَارِيَةِ، وَبَدَلِ أَجْزَائِهَا، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَالِكَ إِذَا رَجَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ، وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ فَمَاتَ الْوَلَدُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ عَلَى الْغَاصِبِ فَهُوَ عَلَى أَقْسَامٍ، الْأَوَّلُ: لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَهُوَ قِيمَتُهَا إِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ، وَأَرْشُ بَكَارَتِهَا، وَعَنْهُ: بَلَى كَالْمَهْرِ، وَبَدَلِ أَجْزَائِهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَإِذَا ضَمِنَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ. الثَّانِي: يَرْجِعُ بِهِ، وَهُوَ بَدَلُ الْوَلَدِ وَنَقْصِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَدُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إِتْلَافٌ، وَإِنَّمَا الشَّرْعُ أَتْلَفَهُ بِحُكْمِ مَنْعِ الْغَاصِبِ مِنْهُ. الثَّالِثُ: مَهْرُ الْمِثْلِ وَأُجْرَةُ نَفْعِهَا، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يُتْلِفَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِذَا غَرِمَ رَجَعَ بِهِ كَبَدَلِ الْوَلَدِ. (وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، فَهُوَ كَالْمُبَاشِرِ، وَالْغَاصِبُ كَالْمُتَسَبِّبِ (بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ مَا رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ، إِذَا رَجَعَ بِهِ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَرَجَعَ بِهِ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكُلُّ مَا لَوْ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ إِذَا غَرَّمَهُ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ اسْتَقَرَّ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ رَدَّهَا حَامِلًا فَمَاتَتْ مِنَ الْوَضْعِ، فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْوَاطِئِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ) أَيْ: إِذَا اشْتَرَى الْمَغْصُوبَةَ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِالْغَصْبِ، فَزَوَّجَهَا لِغَيْرِ عَالِمٍ بِهِ، فَوَلَدَتْ مِنَ الزَّوْجِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا (فَمَاتَ الْوَلَدُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ مَالٌ، وَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ لِكَوْنِهِ يَنْعَقِدُ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ الْوَاطِئَ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي الْجَاهِلِ بِالْغَصْبِ (وَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا) أَيْ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ (عَلَى الْغَاصِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، لِكَوْنِهِ دَخَلَ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ إِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 وَإِنْ أَعَارَهَا فَتَلِفَتَ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُ قِيمَتِهَا عَلَيْهِ، وَضَمَانُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِذَا اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا أَوْ بَنَى فِيهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً، وَقَلَعَ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْقِسْمَةِ وَإِنْ أُطْعِمَ   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ لَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، أَشْبَهَ تَلَفَ الْجَارِيَةِ (وَإِنْ أَعَارَهَا فَتَلِفَتَ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ) فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ أَجْرَهَا، وَقِيمَتَهَا، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ مَعَ عِلْمِهِ بِالْغَصْبِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالْغَصْبِ فَضَمِنَهُ (اسْتَقَرَّ ضَمَانُ قِيمَتِهَا عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَبَضَهَا عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ (وَضَمَانُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لَهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِهَا فَقَدِ اسْتَوْفَى بَدَلَ مَا غَرِمَ، فَإِنْ رَدَّهَا عَلَى الْغَاصِبِ لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعَيْنَ إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ مَعَ الْعِلْمِ، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ إِنْ حَصَلَ التَّلَفُ فِي يَدِهِ. تَنْبِيهٌ: جُعِلَ فِي " الشَّرْحِ " الْمُودَعُ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَرْجِعُ مُودَعٌ وَنَحْوُهُ بِقِيمَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ، كَمُرْتَهِنٍ فِي الْأَصَحِّ، وَيَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ بِقِيمَتِهِ، وَعَكْسُهُ مُشْتَرٍ وَمُسْتَعِيرٌ، وَيَأْخُذُ مُسْتَأْجِرٌ وَمُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ مَا دَفَعَا إِلَيْهِ، وَيَأْخُذُ مُشْتَرٍ نَفَقَتَهُ وَعَمَلَهُ مِنْ بَائِعٍ غَارٍّ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا أَوْ بَنَى فِيهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً] (وَإِذَا اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا أَوْ بَنَى فِيهَا، فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً) وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْحَالِ (وَقَلَعَ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْقِسْمَةِ) وَوَافَقَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ؛ لِأَنَّهُ بِبَيْعِهِ إِيَّاهَا غَرَّهُ، وَأَوْهَمَهُ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ وَلَا يَقْلَعُ مَجَّانًا، لَيْسَ هَذَا مِثْلَ مَنْ غَرَسَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَيَقْلَعُ غَرْسَهُ، وَحَمَلَ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ لَهُ الْقَيِّمَةَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، كَمَا فِي الْمَغْرُورِ بِنِكَاحِ أَمَةٍ، فَأَمَّا مَالِكُ الْأَرْضِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إِذْنٌ، وَفِي " الْقَوَاعِدِ " أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَدْلُولِ النُّصُوصِ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إِذْنٌ لَا يَنْفِي كَوْنَ الْغِرَاسِ مُحْتَرَمًا، كَالسَّيْلِ إِذَا حَمَلَ نَوًى إِلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فِيهَا، أَنَّهُ كَغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ فِي وَجْهٍ، وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ أَنَّ لِلْمَالِكِ قَلْعَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 الْمَغْصُوبُ لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَالَ لَهُ الْغَاصِبُ: كُلْهُ، فَإِنَّهُ طَعَامِي، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ، فَفِي أَيِّهِمَا يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ؟ وَجْهَانِ، وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُبَرَّأْ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رَجُلٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ تَبِعَةٌ، فَأَوْصَلَهَا إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا صِلَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ هَذَا،   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: لَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَضْمَنَ نَقْصَهُ ثُمَّ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ. [أُطْعِمَ الْمَغْصُوبُ لِعَالَمٍ بِالْغَصْبِ] (وَإِنْ أُطْعِمَ الْمَغْصُوبُ لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، عَالِمًا مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، وَالْآكِلِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى الْآكِلِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْآكِلُ فَهَدَرٌ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَالَ لَهُ الْغَاصِبُ: كُلْهُ، فَإِنَّهُ طَعَامِي، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَلِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الضَّمَانَ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: عَلَى آكِلٍ كَآكِلِهِ بِلَا إِذْنِهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَكَذَا إِذَا أَطْعَمَهُ لِعَبْدِهِ، أَوْ دَابَّتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) هُوَ طَعَامِي أَوْلَى (فَفِي أَيِّهِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؟ وَجْهَانِ) هُمَا رِوَايَتَانِ فِي " الْمُغْنِي " أَحَدُهُمَا يَسْتَقِرُّ عَلَى آكِلِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ كَآكِلِهِ بِلَا إِذْنٍ. وَالثَّانِي: عَلَى الْغَاصِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْآكِلَ، وَأَطْعَمَهُ عَلَى أَنْ لَا يَضْمَنَهُ. مَسْأَلَةٌ: لَوْ أَبَاحَهُ لِلْغَاصِبِ، فَأَكَلَ قَبْلَ عِلْمِهِ ضَمِنَ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَ " الشَّرْحِ " (وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُبَرَّأْ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رَجُلٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ تَبِعَةٌ، فَأَوْصَلَهَا إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا صِلَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ هَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ) لِأَنَّهُ بِالْغَصْبِ أَزَالَ يَدَ الْمَالِكِ وَسَلْطَنَتَهُ، وَبِالتَّقْدِيمِ إِلَيْهِ لَمْ يَعُدْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِكُلِّ مَا يُرِيدُ مِنَ الْأَخْذِ وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهِمَا، فَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ عَلَفَهُ لِدَوَابِّهِ. وَقِيلَ: يُبَرَّأُ بِنَاءً عَلَى مَا إِذَا أَطْعَمَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْآكِلِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ، قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": فَيَكُونُ فِي الْمَالِكِ رِوَايَتَا الْمَغْرُورِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَأَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَهُ بِرِضَاهُ عَالِمًا بِهِ، فَلَوْ وَهَبَهُ الْمَغْصُوبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُبَرَّأُ، وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ مَالِكِهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ إِيَّاهُ، أَوْ أَجَّرَهُ وَاسْتَأْجَرَهُ عَلَى قِصَارَتِهِ وَخِيَاطَتِهِ لَمْ يُبَرَّأْ إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ، وَإِنْ أَعَارَهُ إِيَّاهُ بَرِئَ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَمَنِ اشْتَرَى عَبَدًا فَأَعْتَقَهُ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْهُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ صَدَّقَاهُ مَعَ الْعَبْدِ لَمْ يَبْطُلِ الْعِتْقُ، وَيَسْتَقِرُّ   [المبدع في شرح المقنع] لِمَالِكِهِ، أَوْ أَهْدَاهُ إِلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ، وَعَنْهُ: بَلَى، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ تَسْلِيمًا تَامًّا زَالَتْ بِهِ يَدُ الْغَاصِبِ (وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ مَالِكِهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ إِيَّاهُ، أَوْ أَجَّرَهُ وَاسْتَأْجَرَهُ عَلَى قِصَارَتِهِ، أَوْ خِيَاطَتِهِ لَمْ يُبَرَّأْ) مِنَ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ سُلْطَانُهُ، إِنَّمَا قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ أَمَانَةٌ (إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ) لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: يَبْرَأُ مُطْلَقًا لِعَوْدِهِ إِلَى مَالِكِهِ (وَإِنْ أَعَارَهُ إِيَّاهُ بَرِئَ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَتَأَتَّى وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الرُّجُوعِ، فَلَوْ بَاعَهُ إِيَّاهُ وَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ أَوْ أَقْرَضَهُ، بَرِئَ، جَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَالْأَشْهَرُ خِلَافُهُ. فَرْعٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ كَهُوَ فِي ذَلِكَ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَا فَرْقَ، فَلَوْ زَوَّجَهُ الْأَمَةَ بَرِئَ مِنَ الْغَصْبِ. وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ رَبُّهُ، وَإِلَّا فَلَا. [اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْهُ] (وَمَنِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْهُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا) أَيِ: الْبَائِعُ أَوِ الْمُشْتَرِي (لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْآخَرِ) لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، لَكِنْ إِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ بَطَلَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ (وَإِنْ صَدَّقَاهُ مَعَ الْعَبْدِ لَمْ يَبْطُلِ الْعِتْقُ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ وَأَنْكَرَهُ الْعَبْدُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَكَذَا إِنْ صَدَّقَاهُ جَمِيعًا دُونَ الْعَبْدِ، كَانَ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِمَا (وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعِتْقِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْبَائِعُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ إِلَّا بِالثَّمَنِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَخَلَّفَ مَالًا فَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 الضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ إِذَا صَدَّقُوهُ كُلُّهُمْ. فَصْلٌ وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ إِعْوَازِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] لِوَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ لِلْمُدَّعِي، لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَهُ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَدَّعِيهِ، وَإِنْ صَدَّقَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ وَحْدَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، وَلَمْ يَرْجِعِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ إِذَا صَدَّقُوهُ كُلُّهُمْ) وَيَعُودُ الْعَبْدُ إِلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ، أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِمَنْ يَدَّعِيهِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ الْمُشْتَرِي. [ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ إِذَا تَلِفَ] فَصْلٌ (وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ) أَوْ أَتْلَفَهُ (ضَمِنَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (بِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا) لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ رَدُّ الْعَيْنِ لَزِمَهُ رَدُّ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا فِي كُلِّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مُسْتَهْلِكِهِ مِثْلُهُ لَا قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْقِيمَةِ، فَهُوَ مُمَاثِلٌ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالْمَعْنَى، وَالْقِيمَةُ مُمَاثِلَةٌ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَالْأَوَّلُ مُقَدَّمٌ كَالنَّصِّ مَعَ الْقِيَاسِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْكَافِي ". وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَ أَيْضًا الْقِيمَةَ فِي نَقْرَةٍ وَسَبِيكَةٍ، وَعِنَبٍ وَرُطَبٍ، كَمَا فِيهِ صِنَاعَةٍ مُبَاحَةٍ لَا مُحَرَّمَةٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنَ الْأَوَّلِ الْمَاءُ فِي الْمَفَازَةِ، فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ فِي الْبَرِّيَّةِ. مَسْأَلَةٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَالْأَوْلَى، وَجَازَ السَّلَمَ فِيهِ كَمَاءٍ وَتُرَابٍ (وَإِنْ أُعْوِزَ الْمِثْلُ) فِي الْبَلَدِ أَوْ حَوْلَهُ (فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَثَلِهِ يَوْمَ إِعْوَازِهِ) أَيْ: يَوْمَ تَعَذُّرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ يَوْمَ الْإِعْوَازِ، فَوَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ وُجُوبِهَا (وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ) أَيْ: قَبْضِ بَدَلِهِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمِثْلَ إِلَى حِينِ قَبْضِ الْبَدَلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمِثْلَ بَعْدَ إِعْوَازِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا؛ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ فِي بَلَدِهِ مِنْ نَقْدِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] لَكَانَ الْوَاجِبُ هُوَ دُونَ الْقِيمَةِ (وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ) لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ يَوْمَ التَّلَفِ، فَاعْتُبِرَتْ تِلْكَ الْحَالَةُ كَمَا لَوْ لَمْ تَخْتَلِفِ الْقِيمَةُ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ يَوْمَ الْمُحَاكَمَةِ. وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمْ تَنْتَقِلْ إِلَى ذِمَّتِهِ إِلَّا حِينَ حَكَمَ بِهَا الْحَاكِمُ، وَعَنْهُ: يَوْمَ غَصْبِهِ. وَقِيلَ: أَكْثَرُهُمَا مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إِلَى يَوْمِ تَعَذُّرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ غَرِمَهَا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ لَمْ تُرَدَّ الْقِيمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ غُرْمِهَا عَادَ وُجُوبُهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ، أَشْبَهَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ، وَلِهَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمُحَاكَمَةِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، اسْتَحَقَّ الْمَالِكُ طَلَبَهُ وَأَخْذَهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا) كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ (ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ) فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ» فَأَمَرَ بِالتَّقْوِيمِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهَا مُتْلَفَةٌ بِالْعِتْقِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْمِثْلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهَا، وَتَخْتَلِفُ صِفَاتُهَا، فَالْقِيمَةُ فِيهَا أَعْدَلُ وَأَقْرَبُ إِلَيْهَا، فَكَانَتْ أَوْلَى (يَوْمَ تَلَفِهِ فِي بَلَدِهِ) الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زَمَنُ الضَّمَانِ وَمَوْضِعُهُ، وَعَنْهُ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِبَلَدِ تَلَفِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " (مِنْ نَقْدِهِ) فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ اعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَالِبِهِ (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ نَقَلَهَا الثِّقَاتُ مِنْهُمُ ابْنُ مُشَيْشٍ، وَكَذَا ابْنُ مَنْصُورٍ إِلَّا أَنَّهُ عَاوَدَهُ فِي ذَلِكَ فَجَبُنَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي أَزَالَ يَدَهُ فِيهِ، فَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَعَنْهُ: أَكْثَرُهُمَا، أَيْ: مِنْ يَوْمِ غَصْبِهِ إِلَى يَوْمِ تَلَفِهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ كَإِتْلَافِهِ فِي الْأَصَحِّ، لَكِنَّ الْقَاضِي حَمَلَ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى مَا إِذَا اخْتَلَفَتِ الْقِيمَةُ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ الضَّمَانِ حَتَّى قَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَجِدْ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ بِأَنَّهَا تُضْمَنُ بِأَكْثَرِ الْقِيمَتَيْنِ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي مُوسَى خِلَافَهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ، وَإِنْ كَانَ مَصُوغًا أَوْ تِبْرًا تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ، قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحَلَّى بِالنَّقْدَيْنِ مَعًا قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِلْحَاجَةِ، وَأَعْطَاهُ بِالْقِيمَةِ عَرَضًا، وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَغْصُوبِ فَنَقَصَتْ قِيمَةُ بَاقِيهِ، كَزَوْجَيْ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: يُضْمَنُ الْمَغْصُوبُ بِمِثْلِهِ مُطْلَقًا، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاحْتَجَّ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] ؛ وَلِخَبَرِ الْقَصْعَةِ. وَعَنْهُ: مَعَ قِيمَتِهِ. وَعَنْهُ غَيْرُ حَيَوَانٍ بِمِثْلِهِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي " الْوَاضِحِ " وَ " الْمُوجَزِ "، فَيَنْقُصُ عَنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. فَرْعٌ: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِغَيْرِ الْمِثْلِيِّ فِي الْمِثْلِيِّ، وَبِغَيْرِ الْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوَّمِ لَمْ يَنْفَذْ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَ " الْمُفْرَدَاتِ "، وَلَوْ أَخَذَ حَوَائِجَ مِنْ بَقَّالٍ وَنَحْوِهِ فِي أَيَّامٍ، ثُمَّ يُحَاسِبُهُ، فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ بِسِعْرِ يَوْمِ أَخْذِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ مَصُوغًا) مُبَاحًا (أَوْ تِبْرًا تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) إِذَا كَانَتِ الصِّنَاعَةُ فِيهِ مُبَاحَةً، كَحُلِيِّ النِّسَاءِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى الرِّبَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي مُقَابَلَةِ الصَّنْعَةِ، فَلَا يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الصِّنَاعَةَ إِذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً أَنَّهُ لَمْ يُجَزْ ضَمَانُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ جِنْسِهِ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا، بَلْ يَضْمَنُهُ بِوَزْنِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ. وَقِيلَ: إِنْ جَازَ اتِّخَاذُهُ ضُمِنَ كَالْمُبَاحِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ قَيمَتُهُ كَوَزْنِهِ وَجَبَتْ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَهُ بِهَا لَا يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا، أَشْبَهَ غَيْرَ الْأَثْمَانِ (فَإِنْ كَانَ مُحَلَّى بِالنَّقْدَيْنِ مَعًا قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِلْحَاجَةِ) أَيْ: إِلَى تَقْوِيمِهَا بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَمَنٌ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، فَكَانَتِ الْخِيَرَةُ إِلَيْهِ (وَأَعْطَاهُ بِالْقِيمَةِ عَرَضًا) لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى الرِّبَا. وَقِيلَ: مَنْ أَتْلَفَ خَلْخَالًا أَوْ سِوَارًا، فَهَلْ يُضْمَنُ بِوَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَيُضْمَنُ الصَّنْعَةُ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ يُضْمَنُ الْوَزْنُ وَالصَّنْعَةُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ يَضْمَنُهُمَا بِجِنْسِهِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، وَإِنْ كَسَرَهَا ضَمِنَ النَّقْصَ مِنْ غَالِبِ نَقَدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَغْصُوبِ فَنَقَصَتْ قِيمَةُ بَاقِيهِ كَزَوْجَيْ خُفٍّ) أَوْ مِصْرَاعَيْ بَابٍ (تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ رَدُّ الْبَاقِي) لِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ (وَقِيمَةُ التَّالِفِ) لِأَنَّهُ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيةِ (وَأَرْشُ نَقْصِهِ) إِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 خُفٍّ تَلِفَ أَحَدُهُمَا، فَعَلَيْهِ رَدُّ الْبَاقِي وَقِيمَةُ التَّلَفِ وَأَرْشُ نَقْصِهِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ، وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبِقَ، أَوْ فَرَسًا فَشَرَدَ، أَوْ شَيْئًا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مَعَ بَقَائِهِ، ضَمِنَ قِيمَتَهُ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ رَدِّهِ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ، وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، فَإِنِ انْقَلَبَ خَلًّا رَدَّهُ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَصِيرِ.   [المبدع في شرح المقنع] نَقَصَ، نَصَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِجِنَايَتِهِ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا يَنْقُصُهُ الشَّقُّ فَشَقَّهُ ثُمَّ تَلِفَ (وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ) لِأَنَّ الْبَاقِيَ نَقْصُ قِيمَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَالنَّقْصِ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ، وَجَوَابُهُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ نَقْصَ السِّعْرُ لَمْ يَذْهَبْ مِنَ الْمَغْصُوبِ عَيْنٌ وَلَا مَعْنًى، وَهَاهُنَا فَوَّتَ عَلَيْهِ إِمْكَانَ الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَوَجَبَ ضَمَانُ نَقْصِ قِيمَتِهِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا عِشْرِينَ، وَالْبَاقِي بَعْدَ التَّلَفِ يُسَاوِي خَمْسَةً، فَعَلَى الْأَوَّلِ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّانِي عَشَرَةٌ (وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبِقِ، أَوْ فَرَسًا فَشَرَدَ، أَوْ شَيْئًا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مَعَ بَقَائِهِ ضَمَّنَ قِيمَتَهُ) لِلْمَالِكِ لِلْحَيْلُولَةِ لَا أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ وَيَمْلِكُهَا، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَغَيْرِهَا خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَصَلَ بِهَا الِانْتِفَاعُ فِي مُقَابَلَةِ مَا فَوَّتَهُ الْغَاصِبُ (فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ رَدِّهِ) وَلَا يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، بَلْ يَرُدُّهُ إِذَا قَدَرَ مَعَ نَمَائِهِ الْمُنْفَصِلِ، وَأَجْرَ مِثْلِهِ إِلَى حِينِ دَفْعِ بَدَلِهِ (وَأَخَذَ الْقِيمَةَ) أَيْ: الَّذِي أَخَذَهَا الْمَالِكُ بَدَلًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِالْحَيْلُولَةِ وَقَدْ زَالَتْ، فَيَجِبُ رَدُّ مَا أَخَذَ مِنْ أَجْلِهَا إِنْ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، وَهَذَا فَسْخٌ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ تَالِفًا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَفِي حَبْسِهِ لِيَرُدَّ الْقِيمَةَ وَجْهَانِ، وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا. (وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ زَالَتْ تَحْتَ يَدِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا، وَقِيلَ: مِثْلُهُ مِنَ الْعَصِيرِ، جُزِمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ بِانْقِلَابِهِ خَمْرًا (فَإِنِ انْقَلَبَ خَلًّا رَدَّهُ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِ (وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَصِيرِ) إِنْ نَقَصَ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ تَحْتَ يَدِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَقَصَ مِنْهُ جُزْءٌ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَصِيرِ؛ لِأَنَّ الْخَلَّ عَيْنُهُ، كَحَمَلٍ صَارَ كَبْشًا، وَيَسْتَرْجِعُ الْغَاصِبُ مَا أَدَّاهُ بَدَلًا عَنْهُ، وَإِنْ غَلَّاهُ غَرِمَ أَرْشَ نَقْصِهِ وَكَذَا نَقْصُهُ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ. فَرْعٌ: لَوْ غَصَبَ جَمَاعَةً مَشَاعًا، فَرَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَهْمَ آخَرَ إِلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ حَتَّى يُعْطَى شُرَكَاؤُهُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِنْ صَالَحُوهُ بِمَالٍ عَنْهُ، نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ بَيْعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 فَصْلٌ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةً فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ بَقَائِهِ فِي يَدِهِ، وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ فِي ذَلِكَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ، وَإِنْ تَلِفَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَشَاعِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَلَوْ شَقَّ ثَوْبَهَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: يُخَيَّرُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [فَصْلُ كَانَتْ لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ] فَصْلٌ (وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ) أَيْ: مِمَّا تَصِحُّ إِجَارَتُهُ (فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ بَقَائِهِ فِي يَدِهِ) نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَسَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ضُمِنَ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ كَالْأَعْيَانِ، لَكِنْ نَصَّ فِي قَضَايَا فِيهَا انْتِفَاعٌ، يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ إِنْ زَرَعَ بِلَا إِذْنٍ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ بِقَدْرِ مَا اسْتَغَلَّهَا، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَسْتَغِلَّهَا. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ الْمَنَافِعَ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَضَمَانُهَا عَلَى الْغَاصِبِ وَكَغَنَمٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوَّمًا، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْعَيْنِ، وَالْخَبَرُ وَارِدٌ فِي الْبَيْعِ، وَالْمَرْأَةُ رَضِيَتْ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا عَقْدٍ، فَكَانَ كَالْإِعَارَةِ، وَالْغَنَمُ وَنَحْوُهَا لَا مَنَافِعَ لَهَا تُسْتَحَقُّ بِعِوَضٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ غَصَبَ جَارِيَةً وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا لَمْ يَضْمَنْ مَهْرَهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَا تَتْلَفُ إِلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَلَوْ أَطْرَقَ الْفَحْلَ لَمْ يَضْمَنْ مَنْفَعَتَهُ، لَكِنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهِ، وَلَوْ أَخَذَ مَالِكُ الْأَرْضِ الزَّرْعَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةٌ، إِلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ، فَتَكُونَ لَهُ الْأُجْرَةُ إِلَى وَقْتِ أَخْذِهِ (وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ عَنْ ذَلِكَ) نَقَلَهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ عَبْدُ الْحَكَمِ فَيَمَنْ غَصَبَ دَارًا فَسَكَنَهَا عِشْرِينَ سَنَةً: لَا أَجْتَرِي أَنْ أَقُولَ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا سَكَنَ، فَدَلَّ عَلَى تَوَقُّفِهِ عَنْ إِيجَابِ الْأَجْرِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 الْمَغْصُوبُ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إِلَى وَقْتِ تَلَفِهِ، وَإِنْ غَصَبَ شَيْئًا فَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَأَدَّى قِيمَتَهُ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إِلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَفِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ. فَصْلٌ وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ، كَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوِهَا بَاطِلَةٌ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى صَحِيحَةٌ، فَإِنِ اتَّجَرَ بِالدَّرَاهِمِ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ يُؤَكِّدُهُ مَا (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ) لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ مَاتَ قَبْلَ أَحْمَدَ بِعِشْرِينَ سَنَةً. (وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إِلَى وَقْتِ تَلَفِهِ) لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّلَفِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَنْفَعَةٌ فَلَمْ يَجِبْ ضَمَانُهَا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ (وَإِنْ غَصَبَ شَيْئًا فَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَأَدَّى قِيمَتَهُ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إِلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْقِيمَةِ) لِأَنَّ مَنَافِعَهَا إِلَى وَقْتِ أَدَائِهَا مَمْلُوكَةٌ لِصَاحِبِهَا، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا (وَفِيمَا بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ إِلَى رَدِّهِ (وَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ بِبَدَلِهِ الَّذِي أُقِيمَ مَقَامَهُ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَبِمَا قَامَ مَقَامَهُ، وَالثَّانِي بَلَى؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَالْمَنْفَعَةَ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَضْمَنُ رَائِحَةَ مِسْكٍ وَنَحْوَهُ، خِلَافًا لِلِانْتِصَارِ لَا نَقْدًا لِتِجَارَةٍ. [فَصْلُ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ] فَصْلٌ (وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ) هِيَ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِتَصَرُّفَاتِ، وَالْحُكْمِيَّةُ: مَا كَانَ لَهَا حُكْمٌ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، فَالصَّحِيحُ مِنَ الْعِبَادَةِ مَا أَجَزَأَ فَاعِلُهُ أَوْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءَ، وَفِي الْعُقُودِ مَا تَرَتَّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ فِي الْبَيْعِ وَالِاسْتِمْتَاعِ فِي النِّكَاحِ، وَالْفَاسِدُ وَهُوَ الْبَاطِلُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ (كَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ) كَالطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ (وَالْعُقُودِ كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوِهَا) كَالْإِجَارَةِ (بَاطِلَةٌ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ تَصَرُّفُ الْفُضُولِيِّ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَالْأُخْرَى صَحِيحَةٌ) مُطْلَقًا، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ تَطُولُ مُدَّتُهُ غَالِبًا، وَتَكْثُرُ تَصَرُّفَاتُهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 فَالرِّبْحُ لِمَالِكِهَا، وَإِنِ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا فَكَذَلِكَ، وَعَنْهُ: الرِّبْحُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ صِنَاعَةٍ فِيهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ، وَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] فَفِي إِبْطَالِهَا ضَرَرٌ كَبِيرٌ، وَرُبَّمَا عَادَ بَعْضُ الضَّرَرِ عَلَى الْمَالِكِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهَا يَكُونُ الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ وَالْعِوَضُ بِنَمَائِهِ وَزِيَادَتِهِ لَهُ، وَالْحُكْمُ بِبُطْلَانِهَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَقَيَّدَ فِي الْعُقُودِ بِمَا لَمْ يُبْطِلْهُ الْمَالِكُ، فَأَمَّا إِنِ اخْتَارَ إِبْطَالَهُ بِأَخْذِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (وَإِنِ اتَّجَرَ بِالدَّرَاهِمِ) بِأَنْ غَصَبَهَا وَاتَّجَرَ بِهَا، أَوْ عُرُوضًا فَبَاعَهَا وَاتَّجَرَ بِثَمَنِهَا، وَلَوْ قَالَ: بِالنَّقْدِ، لَعَمَّ (فَالرِّبْحُ لِمَالِكِهَا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَاحْتُجَّ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ، وَهَذَا حَيْثُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إِلَى مَالِكِهِ وَرَدُّ الثَّمَنِ إِلَى الْمُشْتَرِي، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْفُنُونِ "، وَ " التَّرْغِيبِ ": إِنْ صَحَّ الشِّرَاءُ، وَقَالَ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ فَعَلَىِ الْأَوَّلِ هُوَ لَهُ، سَوَاءٌ قُلْنَا: يَصِحُّ الشِّرَاءُ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي خَبَرِ عُرْوَةَ إِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَهُ لَهُ، وَحَيْثُ تَعَيَّنَ جَعْلُ الرِّبْحِ لِلْغَاصِبِ أَوِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَجَعْلُهُ لِلْمَالِكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَالِهِ الَّذِي فَاتَهُ بِمَنْعِهِ، وَلَمْ يُجْعَلْ لِلْغَاصِبِ شَيْءٌ مَنْعًا لِلْغَصْبِ، وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقُ بِهِ، نَقَلَهَا الشَّرِيفُ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ (وَإِنِ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا فَكَذَلِكَ) أَيْ، فَالرِّبْحُ لِرَبِّهِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " بِنِيَّةِ نَقْدِهِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْغَصْبِ (وَعَنْهُ: الرِّبْحُ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ، فَكَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَالرِّبْحُ لَهُ، وَعَلَيْهِ بَدَلُ الْمَغْصُوبِ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَلَهُ الْوَطْءُ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ شُبْهَةٍ بِيَدِهِ، اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَنْقُدُ مِنْ مَالِ الشُّبْهَةِ، وَلَا يَشْتَرِي بِعَيْنِ الْمَالِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَذَكَرَهُ عَنْ أَحْمَدَ. فَرْعٌ: لَوْ دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً، فَرَبِحَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ شَيْءٌ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ عَالِمًا بِالْغَصْبِ فَلَا أَجْرَ لَهُ لِتَعَدِّيهِ بِالْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَلَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ. (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ قَدْرِهِ) بِأَنْ قَالَ: غَصَبْتُكَ ثَوْبًا، قَالَ: بَلْ ثَوْبَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ أَوْ عَيْبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ، وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غَصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا، يتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَاللُّقَطَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] (أَوْ صِنَاعَةٍ فِيهِ) بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ: كَانَ كَاتِبًا، أَوْ ذَا صَنْعَةٍ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ، كَمَا لَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَقَرَّ بَعْضَهُ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ أَوْ عَيْبٍ) بِأَنْ قَالَ: كَانَتْ فِيهِ إِصْبَعٌ زَائِدَةٌ أَوْ نَحْوُهَا (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ وَالْعَيْبِ، فَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ، وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الزِّيَادَةِ قُدِّمَ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَإِنْ شَاهَدَتِ الْبَيِّنَةُ الْمَغْصُوبَ مَعِيبًا، فَقَالَ الْغَاصِبُ: كَانَ مَعِيبًا قَبْلَ غَصْبِهِ، وَقَالَ الْمَالِكُ: تَغَيَّبَ عِنْدَكَ، قُدِّمَ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ صِفَةَ الْعَبْدِ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَقُيِلَ قَوْلُ الْمَالِكِ كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي حُدُوثِ الْعَيْبِ. مَسْأَلَةٌ: لَوِ اخْتَلَفَا فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ فَهِيَ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ، وَلَمْ تَثْبُتْ أَنَّهَا لِمَالِكِ الْعَبْدِ. (وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غَصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا) فَسَلَّمَهَا إِلَى حَاكِمٍ بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهَا وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهَا، وَلَهُ أَنْ (يَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ) عَلَى الْأَصَحِّ (بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَاللُّقَطَةِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ رَدِّهَا إِلَى مَالِكِهَا، فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ كَانَ ثَوَابُهَا لِأَرْبَابِهَا، فَيَسْقُطُ عَنْهُ إِثْمُ غَصْبِهَا، فَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ مَصْلَحَتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ، لَكِنْ بِشَرْطِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِدُونِ مَا ذُكِرَ إِضَاعَةٌ لِمَالِ الْمَالِكِ، لَا عَلَى وَجْهِ بَدَلٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَفِي " الْغُنْيَةِ " عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَنَقَلَ أَيْضًا عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِهِ إِنْ عَرَفَهُ؛ لِأَنَّ دِيَةَ قَتِيلٍ تُؤْخَذُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا غَيْرَ الصَّدَقَةِ، لَكِنْ نَقَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ: يَتَصَدَّقُ أَوْ يَشْتَرِي بِهِ كُرَاعًا أَوْ سِلَاحًا يُوقَفُ هُوَ مُصْلِحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ عَمَّنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ، أَوْ كَرْمٌ لَيْسَ أَصْلُهُ طَيِّبًا، وَلَا يَعْرِفُ رَبَّهُ؛ قَالَ: يُوقِفُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَذَكَرَ فِي " الْفُرُوعِ " تَوْجِيهًا عَلَى أَفْضَلِ الْبِرِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَصْرِفُهُ فِي الْمَصَالِحِ، وَقَالَهُ فِي وَدِيعَةٍ، وَنَقَلَهُ عَنِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالْمَغْصُوبِ، كَالرِّوَايَةِ فِي اللُّقَطَةِ، فَعَلَى هَذَا لَهُ دَفْعُهُ إِلَى نَائِبِ الْإِمَامِ كَالضَّوَالِّ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ: إِذَا عَلِمَ رَبَّهُ وَشَقَّ دَفْعُهُ وَهُوَ يَسِيرٌ كَحَبَّةٍ، فَسَلَّمَهُ إِلَى حَاكِمٍ بَرِئَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 فَصْلٌ وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرِهِ، أَوْ حَلَّ قَيْدَ   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: رَهْنُ وَدِيعَةٍ كَغَصْبٍ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَيْسَ لِمَنْ هِيَ عِنْدَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا، نُصَّ عَلَيْهِ. [فَصْلُ مَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ] فَصْلٌ (وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ ضَمِنَهُ) إِذَا كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فَتَلِفَ عِنْدَهُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ " مَالًا " احْتِرَازًا عَنِ الْكَلْبِ وَالسِّرْجِينِ النَّجِسِ " مُحْتَرَمًا " احْتِرَازًا عَمَّا لَيْسَ بِمُحْتَرَمٍ، وَإِنْ كَانَ مَالًا كَآلَةِ اللَّهْوِ لِغَيْرِهِ يَحْتَرِزُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، صُرِّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَعْصُومٍ لَا يُضْمَنُ مَالُهُ، وَزَادَ: أَوْ مِثْلُهُ يَضْمَنُهُ يَحْتَرِزُ بِهِ عَنِ الْأَبِ إِذَا أَتْلَفَ مَالَ وَلَدِهِ، وَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ إِذَا أَتْلَفَا مَالًا دَفَعَهُ مَالِكُهُ إِلَيْهِمَا بِشَرْطِهِ، وَمَا تَلِفَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالْمُخْتَارِ وَالْمُكْرَهِ لِعُمُومِ " مَنْ " وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُكْرَهِ، وَفِي آخَرَ يَضْمَنُهُ مُكْرِهُهُ كَدَفْعِهِ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إِتْلَافًا. وَقِيلَ: الْمُكْرَهُ كَمُضْطَرٍّ، وَيَرْجِعُ فِي الْأَصَحِّ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ إِنْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ، وَقِيلَ: وَعَلِمَهُ لِإِبَاحَةِ إِتْلَافِهِ، وَهَلْ لِرَبِّهِ مُطَالَبَةُ مُكْرِهِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ طَالَبَهُ رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ إِنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الضَّمَانُ بَيْنَهُمَا، وَكَالْعَامِدِ وَالسَّاهِي، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ مَعَ إِذْنِهِ، وَعَيَّنَ ابْنُ عَقِيلٍ الْوَجْهَ الْمَأْذُونَ فِيهِ مَعَ غَرَضٍ صَحِيحٍ (وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرِهِ) فَطَارَ (أَوْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدِهِ) فَهَرَبَ (أَوْ رِبَاطَ فَرَسِهِ) فَشَرَدَ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ نَفَّرَهُ، فَلَوْ بَقِيَ الطَّائِرُ فِي مَحَلِّهِ وَكَذَا الْآخَرُونَ، فَتَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَمْ يَجِبِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ، وَحَذَفَهُ الْمُؤَلِّفُ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِهِ، فَلَوْ بَقِيَ الطَّائِرُ وَالْفَرَسُ بِحَالِهِمَا حَتَّى نَفَّرَهُمَا آخَرُ وَذَهَبَا، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُنَفِّرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ، فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ، وَفِي " الْفُنُونِ " إِنْ كَانَ الطَّائِرُ مُتَأَلِّفًا فَلَا، كَذَكَاةِ مُتَأَنِّسٍ وَمُتَوَحِّشٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْنَسَ فِي مَظِنَّةِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَالْقَفَصُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 عَبْدِهِ، أَوْ رِبَاطَ فَرَسِهِ أَوْ وِكَاءَ زِقِّ مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ، أَوْ بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ قَاعِدًا، فَأَلْقَتْهُ الرِّيحُ فَانْدَفَقَ، ضَمِنَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَضْمَنُ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً فِي طَرِيقٍ فَأُتْلِفَتْ، أَوِ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا فَعَقَرَ، أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا ضَمِنَ، إِلَّا أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: لَوْ دَفَعَ مِبْرَدًا إِلَى مُقَيَّدٍ فَبَرَدَ قَيْدَهُ، فَفِي تَضْمِينِ دَافِعِهِ وَجْهَانِ، وَلَا يَضْمَنُ دَافِعُ مِفْتَاحٍ إِلَى لِصٍّ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ سَبَبٌ وَاللِّصَّ مُبَاشِرٌ، فَأُحِيلَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ غَرِمَ بِسَبَبِ كَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ أَمْرٍ فَلَهُ تَغْرِيمُ الْكَاذِبِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ يُحَالُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ إِحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْمُبَاشِرِ كَمَنْ أَلْقَى شَخْصًا فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ فَقَتَلَهُ الْأَسَدُ، أَوْ فِي بَحْرٍ فَابْتَلَعَهُ حُوتٌ (أَوْ) حَلَّ (وِكَاءَ) بِكَسْرِ الْوَاوِ مَمْدُودًا مَا يُسَدُّ بِهِ رَأْسُ الْقِرْبَةِ (زِقِّ مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ، أَوْ بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ قَاعِدًا فَأَلْقَتْهُ الرِّيحُ فَانْدَفَقَ ضَمِنَهُ) لِأَنَّ فِعْلَهُ سَبَبُ تَلَفِهِ، لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا مَا يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ جَرَحَ إِنْسَانًا فَأَفْضَى إِلَى تَلَفِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَهُ إِنْسَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُبَاشِرٌ يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَضْمَنُ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ) وَزَلْزَلَةُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُلْجِئٍ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ ضَمَانٌ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إِنْسَانٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُضَمَّنُ فِيمَا أَذَابَتْهُ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُلْجِئٍ مَعَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي مَنْقُوضٌ بِمَا إِذَا أَذَابَتْهُ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ فِيهِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ. فَرْعٌ: لَوْ حَبَسَ مَالِكٌ دَوَابَّ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنِ الْحَابِسُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْحَبْسِ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ. [رَبْطُ دَابَّةٍ فِي طَرِيقٍ فَأُتْلِفَتْ] (وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً فِي طَرِيقٍ فَأُتْلِفَتْ) ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالرَّبْطِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْوَاسِعِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ فِي الْوَاسِعِ إِذَا لَمْ تَكُنْ يَدُ صَاحِبِهَا عَلَيْهَا رِوَايَتَانِ، وَفِي الضَّيِّقِ يَضْمَنُ وَلَوْ بِرِجْلِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ ضَرَبَهَا إِذَنْ فَرَفَسَتْهُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ "، وَمِثْلُهُ لَوْ تَرَكَ فِيهِ طِينًا، أَوْ خَشَبَةً، أَوْ حَجَرًا، أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَبِإِسْنَادِ خَشَبَةٍ إِلَى حَائِطٍ (أَوِ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا فَعَقَرَ، أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا ضَمِنَ) نُصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِاقْتِنَائِهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ) فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالدُّخُولِ فَلَمْ يَضْمَنْهُ الْمُقْتَنِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ الْآذِنُ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى تَلَفِهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إِذَا كَانَ الْكَلْبُ مُوثَقًا لَمْ يَضْمَنْ مَا عَقَرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَتْلَفَ شَيْئًا بِغَيْرِ الْعَقْرِ، كَمَا لَوْ وَلَغَ أَوْ بَالَ فِي إِنَاءِ إِنْسَانٍ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ (وَقِيلَ: فِي الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ اقْتِنَاءَهُ سَبَبٌ لِلْعَقْرِ وَأَذًى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 يَكُونَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَقِيلَ: فِي الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ فِي الْجُمْلَةِ. وَإِنْ أَجَّجَ نَارًا فِي مِلْكِهِ، أَوْ سَقَى أَرْضَهُ، فَتَعَدَّى إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ، إِذَا كَانَ أَسْرَفَ فِيهِ أَوْ فَرَّطَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ حَفَرَ فِي فَنَائِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا، وَإِنْ حَفَرَهَا   [المبدع في شرح المقنع] لِلنَّاسِ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ. وَالثَّانِيَةُ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ جِنَايَةٌ، وَكَسَائِرِ الْبَهَائِمِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَضْمَنُ مَا عَقَرَ خَارِجَ الدَّارِ إِنْ لَمْ يَكُفَّهُ رَبُّهُ، أَوْ يُحَذِّرْ مِنْهُ (فِي الْجُمْلَةِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِهِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ، دَخَلَ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَوْ لَا. فَرْعٌ: حُكْمُ أَسَدٍ، وَنَمِرٍ، وَذِئْبٍ، وَهِرٍّ تَأْكُلُ الطُّيُورَ، وَتَقْلِبُ الْقُدُورَ فِي الْعَادَةِ حُكْمُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَلَهُ قَتْلُ الْهِرِّ بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ كَالْفَوَاسِقِ، وَفِي " الْفُصُولِ " حِينَ أَكْلِهَا، وَفِي " التَّرْغِيبِ " إِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إِلَّا بِهِ كَصَائِلٍ. [أَجَّجَ نَارًا فِي مِلْكِهِ أَوْ سَقَى أَرْضَهُ فَتَعَدَّى إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ] (وَإِنْ أَجَّجَ نَارًا فِي مِلْكِهِ، أَوْ سَقَى أَرْضَهُ، فَتَعَدَّى إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ إِذَا كَانَ أَسْرَفَ فِيهِ أَوْ فَرَّطَ) بِأَنْ أَجَّجَهَا بِمَا تَسْرِي فِي الْعَادَةِ لِكَثْرَتِهَا، أَوْ فِي رِيحٍ شَدِيدَةٍ تَحَمِلُهَا، أَوْ فَتَحَ مَاءً كَثِيرًا يَتَعَدَّى؛ لِأَنَّهَا سِرَايَةُ عُدْوَانٍ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ بَاشَرَ ذَلِكَ بِالْإِتْلَافِ، فَلَوْ أَجَّجَهَا ثُمَّ طَرَأَتْ رِيحٌ لَمْ يَضْمَنْ، قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": لَوْ أَجَّجَهَا عَلَى سَطْحِ دَارِهِ فَهَبَّتِ الرِّيحُ، فَأَطَارَتِ الشَّرَرَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، وَهُبُوبُ الرِّيحِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى قِشْرَ بِطِّيخٍ فِي طَرِيقٍ، وَظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ يَضْمَنُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " لِتَعَدِّيهِ (وَإِلَّا فَلَا) ضَمَانَ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ إِفْرَاطٌ وَلَا تَفْرِيطٌ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ؛ لِأَنَّهَا سِرَايَةُ فِعْلٍ مُبَاحٍ فَلَمْ يُضْمَنْ، كَسِرَايَةِ الْقَوَدِ، وَفَارَقَ مَا إِذَا حَلَّ زِقًّا فَانْدَفَقَ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِحَلِّهِ (وَإِنْ حَفَرَ فِي فِنَائِهِ) وَهُوَ مَا كَانَ خَارِجَ الدَّارِ قَرِيبًا مِنْهَا (بِئْرًا لِنَفْسِهِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا) لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ إِلَى إِتْلَافِ غَيْرِهِ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ كَوَاضِعِ السِّكِّينِ، وَسَوَاءٌ حَفَرَهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ إِذْنِهِ، فِيهَا ضَرَرٌ أَوْ لَا، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَهُ حَفْرُهَا لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، فَعَلَيْهِ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ حَفَرَ فِي مَكَانٍ مُشْتَرَكٍ بِغَيْرِ إِذَنْ أَهْلِهِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهِمْ؛ فَضَمِنَ كَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 فِي سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ بَسَطَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] الْإِمَامُ فِيهِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ لِلْإِمَامِ الْإِذْنَ فِيهِ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ بِيعُ شَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ النَّافِذِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِحَاكِمٍ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَفِي " الْفُرُوعِ " يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ لِلْمَصْلَحَةِ (وَإِنْ حَفَرَهَا فِي سَابِلَةٍ) وَهِيَ الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكَةُ السَّبِيلُ: الطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ) لِيَنْزِلَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ، أَوْ لِيَشْرَبَ مِنْهَا الْمَارَّةُ (لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِفِعْلِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، أَشْبَهَ بَاسِطَ الْحَصِيرِ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، وَمَعْنَاهُ فِي " الْوَجِيزِ " بِأَنْ حَفَرَهَا فِي سَابِلَةٍ وَاسِعَةٍ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ، وَالثَّانِيَةُ يَضْمَنُ، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي عَلَى حِكَايَتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَلَمْ تُوجَدْ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، وَيَشُقُّ اسْتِئْذَانُ الْإِمَامِ، وَتَعُمُّ الْبَلْوَى بِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ لِتَمَلُّكٍ، أَوِ ارْتِفَاقٍ، أَوِ انْتِفَاعٍ عَامٍّ، نُصَّ عَلَيْهِ، أَوْ بَنَى فِيهَا مَسْجِدًا أَوْ خَانًا وَنَحْوَهُمَا لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ. فَرْعٌ: فِعْلُ عَبْدِهِ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ، أَعْتَقَهُ أَوْ لَا، وَيَضْمَنُ سُلْطَانٌ آمِرٌ وَحْدَهُ، وَإِنْ حَفَرَهَا حُرٌّ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا وَثَبَتَ عِلْمُهُ أَنَّهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، ضَمِنَ الْحَافِرَ، وَنَصُّهُ: هُمَا، وَإِنْ جَهِلَ فَالْآمِرُ. وَقِيلَ: الْحَافِرُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الْبِنَاءِ فِي الطَّرِيقِ كَالْحَفْرِ فِيهِ، مَسْجِدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، نَقَلَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الطَّرِيقِ تُهْدَمُ، وَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ: يَزِيدُ فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: لَا تُصَلِّي فِيهِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إِذْنُ الْإِمَامِ فِي الْبِنَاءِ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْحَفْرِ لِدَعْوَى الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِنَفْعِ الطَّرِيقِ وَإِصْلَاحِهَا، وَإِزَالَةِ الطِّينِ وَالْمَاءِ مِنْهَا فَهُوَ كَتَنْقِيَتِهَا، وَحَفْرِ هَدَفِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 مَسْجِدٍ حَصِيرًا، أَوْ عَلَّقَ فِيهِ قِنْدِيلًا لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، وَإِنْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ فَتَلِفَ لَمْ يُضْمَنْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَخْرَجَ   [المبدع في شرح المقنع] فِيهَا، وَقَلْعِ حَجَرٍ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، وَوَضْعِ الْحَصَى فِي حُفْرَةٍ فِيهَا لِيَمْلَأَهَا، وَتَسْقِيفِ سَاقِيَةٍ فِيهَا، وَوَضْعِ حَجَرٍ فِي طِينٍ لِيَطَأَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ، لَا يُضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَكَذَا بِنَاءُ الْقَنَاطِرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا إِذْنُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ لَا تَعُمُّ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ سُقُوطُ الضَّمَانِ إِذَا حَفَرَهَا فِي مَكَانٍ مَائِلٍ عَنِ الْقَارِعَةِ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ حَاجِزًا، يُعْلِمُ بِهِ لِيُتَوَقَّى (وَإِنْ بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ حَصِيرًا، أَوْ عَلَّقَ فِيهِ قِنْدِيلًا) أَوْ فَعَلَ فِيهِ شَيْئًا يَنْفَعُ النَّاسَ (لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي ذَلِكَ شَرْعًا، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ كَسِرَايَةِ الْقَوْدِ، وَقِيلَ: بَلْ يَضْمَنُ الْمَالَ، وَعَاقِلَتَهُ الدِّيَةَ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ فَعَلَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، أَوْ حَاجَةً، فَهَدَرٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ كَوَضْعِ حَصًى فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَحْسَنَ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ كَمَا لَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ وَالْجِيرَانُ (وَإِنْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ جَلَسَ فِي مَكَانٍ لَهُ الْجُلُوسُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ عَلَى أَحَدٍ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْوَاسِعِ يُخْرِجُ الضَّيِّقَ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فِيهَا لَا الْجُلُوسِ، وَالْمَسْجِدُ لِلصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مُبَاحًا، وَالطَّرِيقُ الْوَاسِعُ يُجْلَسُ فِيهِ عَادَةً، وَالْمَسْجِدُ جُعِلَ لِلصَّلَاةِ، وَانْتِظَارِهَا، وَالِاعْتِكَافِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَبَعْضُهَا لَا تُبَاحُ الصَّلَاةُ فِيهِ. [أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ مِيزَابًا إِلَى طَرِيقٍ فَسَقَطَ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ] (وَإِنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا، أَوْ مِيزَابًا إِلَى الطَرِيقِ فَسَقَطَ) أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ (عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ) الْمُخْرِجُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ جَرَحَ إِنْسَانًا فَتَعَدَّى إِلَى قَتْلِهِ، وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ الطَّرِيقَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا كَانَ غَيْرَ نَافِذٍ، وَأَخْرَجَ ذَلِكَ بِإِذْنِ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ. مَسَائِلُ: إِذَا تَلِفَتْ حَامِلٌ أَوْ حَمْلُهَا مِنْ رِيحِ طَبِيخٍ، عَلِمَ أَصْحَابُهُ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ مَيْلُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 جَنَاحًا أَوْ مِيزَابًا إِلَى الطَرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ. وَمَا أَتْلَفَتِ الْبَهِيمَةُ   [المبدع في شرح المقنع] إِلَى دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَالْحَقُّ لِأَهْلِ الدَّرْبِ، وَالْمُطَالَبَةُ لَهُمْ، فَإِنْ تَشَقَّقَ الْحَائِطُ وَلَمْ يَمِلْ، فَإِنْ كَانَ طُولًا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ عَرْضًا فَهُوَ كَالْمَائِلِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا بَنَى حَائِطًا فِي مِلْكِهِ مُسْتَوِيًا أَوْ مَائِلًا إِلَى مِلْكِهِ فَسَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا فَهَدَرٌ، وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ أَوِ الطَّرِيقِ وَخِيفَ ضَرَرُهُ نَقَضَهُ، فَإِنْ تَرَكَهُ فَسَقَطَ فَأَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا، ضَمِنَ الْمَالَ وَالْعَاقِلَةُ الدِّيَةَ. وَقِيلَ: هُوَ كَمَا لَوْ مَالَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ حَائِطِهِ السَّاقِطِ فِي فِنَائِهِ أَوْ طَرِيقٍ، فَهَلَكَ بِهِ أَحَدٌ فَهَلْ يَضْمَنُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَصْلٌ: إِذَا تَقَدَّمَ إِلَى مَالِكِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ فَبَاعَهُ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكِهِ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ، وَإِذَا قِيلَ بِالضَّمَانِ وَالْمُتْلِفُ آدَمِيٌّ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَتْ أَنَّ الْحَائِطَ لِصَاحِبِهِمْ لَمْ يَلْزَمْهُمْ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَإِنْ أَبْرَأَهُ وَالْحَقُّ لَهُ فَلَا ضَمَانَ. [مَا أَتْلَفَتِ الْبَهِيمَةُ] (وَمَا أَتْلَفَتِ الْبَهِيمَةُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا) إِذَا لَمْ تَكُنْ يَدُ أَحَدٍ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» أَيْ: هَدَرٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتْلَفُ صَيْدَ حَرَمٍ أَوْ غَيْرَهُ، أَطْلَقَهُ أَصْحَابُنَا، وَمُرَادُهُمْ إِلَّا الضَّارِيَةَ وَالْجَوَارِحَ وَشَبَهَهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِإِمْسَاكِهَا: ضَمِنَهُ إِذَا لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا. وَفِي " الْفُصُولِ " مَنْ أَطْلَقَ كَلْبًا عَقُورًا، أَوْ دَابَّةً رَفُوسًا، أَوْ عَضُوضًا عَلَى النَّاسِ، وَخَلَّاهُ فِي طُرُقِهِمْ وَرِحَابِهِمْ، فَأَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ لِتَفْرِيطِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً عَادَةً، ضَمِنُوا فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ أَطَارَتِ الرِّيحُ إِلَى دَارِهِ ثَوْبًا لَزِمَهُ حِفْظُهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا، وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ وَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَوْمَأَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ إِنْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِنَقْضِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ كَالرَّاكِبِ، وَالسَّائِقِ، وَالْقَائِدِ، فَيَضْمَنُ مَا جَنَتْ   [المبدع في شرح المقنع] صَاحِبَهُ، فَلُقَطَةٌ، وَإِنْ عَرِفَهُ لَزِمَهُ إِعْلَامُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ، وَإِنْ دَخَلَهَا طَائِرُ غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حِفْظُهُ، وَلَا إِعْلَامُهُ بِهِ. وَقِيلَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَيَكُونَ كَالثَّوْبِ، وَإِنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ لِيُمْسِكَهُ لِنَفْسِهِ ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ) إِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ وَعَلِمَ بِهِ، وَأَسْقَطَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " (وَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْمَيْلَ حَادِثٌ، وَالسُّقُوطُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَ قَبْلَ مَيْلِهِ، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَهُ نَقْضُهُ أَوْ طُولِبَ بِهِ أَوْ لَا (وَأَوْمَأَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ إِنْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِنَقْضِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ، فَفِي رِوَايَةٍ: إِنْ طَالَبَهُ مُسْتَحِقٌّ بِنَقْضِهِ وَأَمْكَنَهُ ضَمِنَ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ إِذَا كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ ضَمِنَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَضْمَنُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَإِسْحَاقَ كَبِنَائِهِ مَائِلًا، وَأَمَّا إِنْ طُولِبَ بِالنَّقْضِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْجَوَابِ فِيهَا، وَحُكِيَ فِي " الشَّرْحِ " الضَّمَانَ عَنِ الْأَصْحَابِ، فَعَلَى هَذَا الْمُطَالَبَةُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ يُوجِبُ الضَّمَانَ بِشَرْطِهِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ بِخِلَافٍ مُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ، لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَالِكُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِسَفَهٍ وَنَحْوِهِ فَطُولِبَ لَمْ يَلْزَمْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، وَإِنْ طُولِبَ وَلِيُّهُ أَوِ الْوَصِيُّ فَلَمْ يَفْعَلْ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ طُولِبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَفِي حِصَّتِهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ بِدُونِ إِذْنٍ فَهُوَ كَالْعَاجِزِ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنَ النَّقْضِ بِمُطَالَبَةِ شَرِيكِهِ وَإِلْزَامِهِ فَصَارَ مُفَرِّطًا لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنَ الْمَالِكِ، وَلَا ذِمَّةَ لَهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا، وَلَا قَصْدَ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالطِّفْلِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ كَالرَّاكِبِ، وَالسَّائِقِ، وَالْقَائِدِ، فَيَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدُهَا، وَفَمُهَا دُونَ مَا جَنَتْ رِجْلُهَا) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ مَرْفُوعًا «الرِّجْلُ جُبَارٌ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «رِجْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي جِنَايَةِ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 يَدُهَا وَفَمُهَا دُونَ مَا جَنَتْ رِجْلُهَا، وَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مِنَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلًا، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ ذَلِكَ نَهَارًا وَمَنْ صَالَ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ   [المبدع في شرح المقنع] مِنَ الْجِنَايَةِ بِهَا بِخِلَافِ الرِّجْلِ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُ مَا جَنَتْ بِرِجْلِهَا كَكَبْحِهَا وَنَحْوِهِ، وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ وَكَوَطْئِهِ بِهَا، وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ فِيهِ لَا، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَتْ بِرِجْلِهَا، أَوْ نَفَحَتْ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حَبْسِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُ سَائِقٌ جِنَايَةَ رِجْلِهَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ السَّبَبُ مِنْ غَيْرِهِمْ ضَمِنَ فَاعِلٌ كَنَخْسِهَا، وَتَنْفِيرِهَا، وَيُعْتَبَرُ فِي الرَّكْبِ أَنْ يَكُونَ مُتَصَرِّفًا فِيهَا، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا اثْنَانِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كَفِّهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا، أَوْ مَرِيضًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مُتَوَلِّيًا تَدْبِيرَهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي التَّصَرُّفِ، أَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا، أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا رَاكِبٌ، شَارَكَ، وَقِيلَ: رَاكِبٌ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى. وَقِيلَ: قَائِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلرَّاكِبِ مَعَهُ، وَلَا ضَمَانَ بِذَنْبِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَيَضْمَنُ جِنَايَةَ وَلَدِهَا. فَرْعٌ: الْإِبِلُ وَالْبِغَالُ الْمُقْطَرَةُ كَالْوَاحْدَةِ، عَلَى قَائِدِهَا الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ شَارَكَهُ فِي ضَمَانِ الْأَخِيرِ فَقَطْ إِنْ كَانَ فِي آخِرِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهَا شَارَكَ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا عَدَا الْأَوَّلَ شَارَكَ فِي ضَمَانِ مَا بَاشَرَ سَوْقَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَشَارَكَ فِيمَا بَعْدُ، وَإِنِ انْفَرَدَ رَاكِبٌ بِالْقِطَارِ وَكَانَ عَلَى أَوَّلِهِ ضَمِنَ جِنَايَةَ الْجَمِيعِ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (وَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مِنَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلًا، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ ذَلِكَ نَهَارًا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنِ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مُنْحَدِرَةً فَعَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانُ الْمُصْعِدَةِ، إِلَّا أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَمَا أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمْ» ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَشْهُورٌ، وَحَدَّثَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ، وَتَلَقَّاهُ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ بِالْقَبُولِ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْ أَهْلَ الْمَوَاشِي إِرْسَالُهَا نَهَارًا لِلرَّعْيِ وَحِفْظُهَا لَيْلًا، عَكْسُ أَهْلِ الْحَوَائِطِ، وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَضَى عَلَى كُلِّ مَا يُحْفَظُ فِي وَقْتِ عَادَتِهِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ، وَاقْتَصَرَ فِي " الْوَجِيزِ " عَلَى الزَّرْعِ فَقَطْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا أَتْلَفَتْ غَيْرَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مَالِكِهَا صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتِ لَيْلًا، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَلَوِ انْفَلَتَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَقِيلَ: لَا، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَلَا يَضْمَنُ نَهَارًا. قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا مَزَارِعُ، وَمَرَاعٍ، فَأَمَّا الْقُرَى الْعَامِرَةُ الَّتِي لَا مَرْعَى فِيهَا إِلَّا بَيْنَ فِرَاجَيْنِ كَسَاقِيَةٍ وَطَرَفِ زَرْعٍ، فَلَيْسَ لَهُ إِرْسَالُهَا بِغَيْرِ حَافِظٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِتَفْرِيطِهِ، فَأَمَّا الْغَاصِبُ فَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مُطْلَقًا. فَرْعٌ: إِذَا طَرَدَ دَابَّةً مِنْ زَرْعِهِ لَمْ يَضْمَنْ، إِلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ، فَإِنِ اتَّصَلَتِ الْمَزَارِعُ صَبَرَ لِتَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا، وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَهُ مُنْصَرَفٌ غَيْرُ الْمَزَارِعِ فَتَرَكَهَا؛ فَهَدَرٌ. [صَالَ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ أَوْ غَيْرُهُ كَبَهِيمَةٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعَهَا إِلَّا بِهِ] (وَمَنْ صَالَ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ) مُكَلَّفٌ (أَوْ غَيْرُهُ) كَبَهِيمَةٍ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهَا إِلَّا بِهِ ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِدَفْعٍ جَائِزٍ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ النَّفْسِ عَنِ الْقَتْلِ (وَإِنِ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيِ الْقَيِّمَيْنِ (سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا) لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِسَبَبِ فِعْلَيْهِمَا، فَوَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ كَالْفَارِسَيْنِ إِذَا اصْطَدَمَا، وَهَذَا إِذَا كَانَا مُفَرِّطَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ قَطَعَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ضَامِنٌ إِذَا فَرَّطَ، وَعَزَاهُ الْحَارِثِيُّ إِلَى الْأَصْحَابِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي التَّفْرِيطِ وَلَا بَيِّنَةَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 يَكُونَ غَلَبَهُ رِيحٌ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِهَا. وَمَنْ أَتْلَفَ مِزْمَارًا أَوْ طُنْبُورًا أَوْ صَلِيبًا أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] قُدِّمَ قَوْلُ الْقَيِّمِ مَعَ يَمِينِهِ (وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مُنْحَدِرَةً، فَعَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانُ الْمُصْعِدَةِ) لِأَنَّهَا تَنْحَطُّ عَلَيْهَا مِنْ عُلُوٍّ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِغَرَقِهَا، فَتَنْزِلُ الْمُنْحَدِرَةُ مَنْزِلَةَ السَّائِرَةِ، وَالصَّاعِدَةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفَةِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَلَبَهُ رِيحٌ) أَوِ الْمَاءُ شَدِيدُ الْجَرْيَةِ (فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِهَا) فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا، وَلِأَنَّ التَّلَفَ يُمْكِنُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الرِّيحِ، فَإِنْ فَرَّطَ صَاحِبُ الْمُصْعِدَةِ بِأَنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الْعُدُولُ بِسَفِينَتِهِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ إِحْدَاهُمَا سَائِرَةً، وَالْأُخْرَى وَاقِفَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَعَلَى السَّائِرَةِ ضَمَانُ الْوَاقِفَةِ إِنْ كَانَ الْقَيِّمُ مُفَرِّطًا، وَإِلَّا فَلَا. فَرْعٌ: إِذَا كَانَتْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا حَطَبٌ، فَخَرَقَ ثَوْبَ آدَمِيٍّ بَصِيرٍ عَاقِلٍ يَجِدُ مُنْحَرَفًا فَهَدَرٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُسْتَدِيرًا فَصَاحَ بِهِ مُنَبِّهًا لَهُ، وَإِلَّا ضَمِنَ، ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ ". [أَتْلَفَ مِزْمَارًا أَوْ طُنْبُورًا] (وَمَنْ أَتْلَفَ مِزْمَارًا) وَيُقَالُ: مُزْمُورٌ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى (أَوْ طُنْبُورًا) وَهُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَالطِّنْبَارُ لُغَةٌ فِيهِ بِوَزْنِ سِنْجَارٍ (أَوْ صَلِيبًا) لَمْ يَضْمَنْهُ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ، وَلَوْ مَعَ صَبِيٍّ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ فَلَمْ يُضْمَنْ كَالْمَيْتَةِ، وَلِلْخَبَرِ «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُلْهِي لَعَمَّ، كَعُودٍ، وَطَبْلٍ، وَدُفٍّ بِصُنُوجٍ، أَوْ حَلَقٍ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَنَرْدٍ، وَشَطْرَنْجَ، أَوْ آلَةِ سِحْرٍ أَوْ تَنْجِيمٍ، وَنَحْوِهِ (أَوْ كَسَرَ إِنَاءَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) لَمْ يَضْمَنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَيْسَ بِمُبَاحٍ فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَالْمَيْتَةِ، وَعَنْهُ: بَلَى، حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ، نَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ هَشَّمَ عَلَى غَيْرِهِ إِبْرِيقَ فِضَّةٍ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَصُوغُهُ كَمَا كَانَ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ اتِّخَاذِهَا فَسَكَتَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ (أَوْ إِنَاءَ خَمْرٍ لَمْ يَضْمَنْهُ) عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا «رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مُدْيَةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ وَفِيهَا زِقَاقُ الْخَمْرِ، قَدْ جُلِبَتْ مِنَ الشَّامِ فَشُقَّتْ بِحَضْرَتِهِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْخَمْرُ الَّذِي فِيهَا يُؤْمَرُ بِإِرَاقَتِهِ، قَدَرَ أَنْ يُرِيقَهَا بِدُونِهِ أَوْ عَجَزَ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 كَسَرَ إِنَاءَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إِنَاءَ خَمْرٍ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَضْمَنُ آنِيَةَ الْخَمْرِ إِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي غَيْرِهِ. بَابُ الشُّفْعَةِ وَهِيَ اسْتِحْقَاقُ الْإِنْسَانِ انْتِزَاعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهَا، وَلَا يَحِلُّ الِاحْتِيَالُ   [المبدع في شرح المقنع] وَغَيْرُهُ: إِنْ لَمْ يَقْدِرْ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِنَّ كَخِنْزِيرٍ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَضْمَنُ آنِيَةَ الْخَمْرِ إِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ مَالٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَيَحِلُّ بَيْعُهُ، فَيَضْمَنُهَا كَمَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْ فِيهَا خَمْرٌ، وَلِأَنَّ جَعْلَ الْخَمْرِ فِيهَا لَا يَقْتَضِي سُقُوطَ ضَمَانِهَا كَمَخْزَنِ الْخَمْرِ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَخْزَنًا لِلْخَمْرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ بَلَى، وَجَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَلَا يَضْمَنُ كِتَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، فَجَعَلَهُ كَآلَةِ لَهْوٍ، وَلَا حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى الرِّجَالِ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا وَقَعَ فِي مِحْبَرَتِهِ مَالُ غَيْرِهِ بِتَفْرِيطِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ كُسِرَتْ مَجَّانًا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ، ضَمِنَ رَبُّ الْمَالِ كَسْرَهَا، فَإِنْ بَذَلَ رَبُّهَا بَدَلَهُ، فَفِي وُجُوبِ قَبُولِهِ وَجْهَانِ. [بَابُ الشُّفْعَةِ] [تَعْرِيفُ الشُّفْعَةِ] بَابُ الشُّفْعَةِ هِيَ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الشَّفَاعَةِ، أَوِ الزِّيَادَةِ، أَوِ التَّقْوِيَةِ، أَوْ مِنَ الشَّفْعِ، وَهُوَ أَحْسَنُهَا؛ لِأَنَّ الشَّفْعَ هُوَ الزَّوْجُ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ كَانَ نَصِيبُهُ مُنْفَرِدًا فِي مِلْكِهِ، فَبِالشُّفْعَةِ ضَمَّ الْمَبِيعَ إِلَى مِلْكِهِ، وَبِالثَّانِي جَزَمَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ كَانَ وِتْرًا فَصَارَ شَفْعًا، وَالشَّافِعُ هُوَ الْجَاعِلُ الْوِتْرِ شَفْعًا، وَالشَّفِيعُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٌ. وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ، فَرَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَبِالْإِجْمَاعِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِيهَا إِلَّا الْأَصَمَّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَثْبُتْ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِأَرْبَابِ الْأَمْلَاكِ لِتَقَاعُسِ النَّاسِ عَنِ الشِّرَاءِ حَيْثُ عَلِمُوا انْتِزَاعَ مَا يَشْتَرُونَهُ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ ذَلِكَ بِالْمُقَاسَمَةِ، وَأَعْقَبَ الشُّفْعَةَ لِلْغَصْبِ، فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ قَهْرًا، فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 لِإِسْقَاطِهَا وَلَا تَثْبُتُ إِلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا، وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا انْتَقَلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِحَالٍ، وَلَا فِيمَا عِوَضُهُ غَيْرُ الْمَالِ كَالصَّدَاقِ، وَعِوَضِ الْخُلْعِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَهِيَ اسْتِحْقَاقُ الْإِنْسَانِ انْتِزَاعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهَا) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَاهَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِرَازِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الثَّوَابِ، وَلَا مَانِعَ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْكَافِرُ، وَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَفِي " الْمُغْنِي " اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ انْتِزَاعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ الْمُنْتَقِلَةِ عَنْهُ مِنْ يَدِ مَنِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ مَا انْتَقَلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْإِرْثِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْهِبَةِ بِغَيْرِ ثَوَابٍ، أَوْ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَالِيٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ كَالْخَلْعِ وَنَحْوِهِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: هِيَ اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ أَخْذَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ يَدِ مَنِ انْتَقَلَتْ عَنْهُ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ مُسْتَقِرٍّ (وَلَا يَحِلُّ الِاحْتِيَالُ لِإِسْقَاطِهَا) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنَ الْحِيَلِ فِي إِبْطَالِهَا، وَلَا إِبْطَالُ حَقِّ مُسْلِمٍ، اسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ» ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْحِيَلَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ وُضِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَلَوْ سَقَطَتْ بِالْحِيَلِ، لَلَحِقَ الضَّرَرُ؛ فَلَمْ تَسْقُطْ كَمَا لَوْ أَسْقَطَهَا الْمُشْتَرِي عَنْهُ بِوَقْفٍ، أَوْ بَيْعٍ، فَعَلَى هَذَا لَوِ احْتَالَ لَمْ يَسْقُطْ، وَمَعْنَى الْحِيلَةِ أَنْ يُظْهِرَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي الْبَيْعِ شَيْئًا لَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ مَعَهُ، وَيَتَوَاطَئُونَ فِي الْبَاطِنِ عَلَى خِلَافِهِ، مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِدَنَانِيرَ، وَيَقْضِيَهُ عَنْهَا بِدَرَاهِمَ، أَوْ يَشْتَرِيَ شِقْصًا بِثَمَنٍ ثُمَّ يُبَرِّئُهُ مِنْ بَعْضِهِ، أَوْ يَشْتَرِيَ جُزْءًا مِنَ الشِّقْصِ بِمِائَةٍ ثُمَّ يَهَبَ الْبَائِعُ بَاقِيَهُ، وَيَأْخُذُ الْجُزْءَ الْمَبِيعَ مِنَ الشِّقْصِ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ كُلَّهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. [شُرُوطُ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا] (وَلَا تَثْبُتُ إِلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا) وَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَالْخَبَرُ وَارِدٌ فِيهِ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمَبِيعِ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا. وَقِيلَ: وَلَوْ مَعَ خِيَارِ مَجْلِسٍ وَشَرْطٍ، وَقِيلَ: شَرْطٌ كَمُشْتَرٍ (وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا انْتَقَلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ) كَالْهِبَةِ بِغَيْرِ ثَوَابٍ وَالصَّدَقَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْإِرْثِ (بِحَالٍ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، وَالْأَخْذُ يَقْتَضِي دَفْعَ الْعِوَضِ، وَلَمْ يَقْصِدْ فِيهَا الْمُعَاوَضَةَ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْمَرْدُودُ بِالْعَيْبِ، أَوِ الْفَسْخِ (وَلَا فِيمَا عِوَضُهُ غَيْرُ الْمَالِ كَالصَّدَاقِ، وَعِوَضِ الْخُلْعِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 فَصْلٌ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ شِقْصًا مُشَاعًا مِنْ عَقَارٍ، وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِغَيْرِ الْمَالِ أَشْبَهَ الْإِرْثَ، وَالثَّانِي يَجِبُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَالَهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَأَطْلَقَ فِي " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِهِ مَا أُخِذَ أُجْرَةً، أَوْ ثَمَنًا فِي سَلَمٍ، أَوْ عِوَضًا فِي كِتَابَةٍ، فَإِنْ وَجَبَتْ، فَقِيلَ: يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ، وَقِيلَ: بِقِيمَةِ مُقَابِلِهِ، وَعَلَى الْأَخْذِ لَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ بَعْدَ الدُّخُولِ بَعْدَ عَفْوِ الشَّفِيعِ رَجَعَ بِنِصْفِ مَا أَصْدَقَهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي يَدِهَا نَصِفُهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهَا زَالَ عَنْهُ، وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ عِلْمِ الشَّفِيعِ ثُمَّ عَلِمَ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يُقَدَّمُ حَقُّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ السَّابِقِ. وَالثَّانِي: يُقَدَّمُ حَقُّ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَهُمَا مَعْدُومَانِ فِي الشُّفْعَةِ هُنَا، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا انْتَقَلَ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ كَالصُّلْحِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَالصُّلْحِ عَنِ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ، وَالْهِبَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا ثَوَابٌ مَعْلُومٌ، فَإِنَّهَا تُثْبَتُ فِيهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُثْبَتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ. فَرْعٌ: إِذَا جَنَى جِنَايَتَيْنِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَصَالَحَهُ مِنْهُمَا عَلَى شِقْصٍ، فَالشُّفْعَةُ فِي نِصْفِهِ فَقَطْ إِنْ قُلْنَا: مُوجَبُ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ عَيْنًا، وَإِلَّا وَجَبَ فِي الْجَمِيعِ. [الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ شِقْصًا] فَصْلٌ (الثَّانِي أَنْ يَكُونَ) الْمَبِيعُ (شِقْصًا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: هُوَ مِنَ الْأَرْضِ، وَالطَّائِفَةُ مِنَ الشَّيْءِ (مُشَاعًا مِنْ عَقَارٍ) مُرَادُهُمْ بِالْعَقَارِ هُنَا الْأَرْضُ دُونَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِمَا يَأْتِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ النَّخْلَ عَقَارٌ (يَنْقَسِمُ) أَيْ تَجِبُ قِسْمَتُهُ، وَعَنْهُ: مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ وَغَيْرِهِ: إِلَّا فِي مَنْقُولٍ يَنْقَسِمُ، فَالشِّقْصُ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهِ أَخْذٌ بِالْجِوَارِ، وَبِالْإِشَاعَةِ عَنِ الْمَقْسُومِ، وَبِالْعَقَارِ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ (فَأَمَّا الْمَقْسُومُ الْمُحَدَّدُ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ فِيهِ) فِي قَوْلِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَخَلْقٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِقَوْلِهِ: «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» مَعْنَاهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ حَاصِلَةٌ، أَوْ ثَابِتَةٌ، أَوْ مُسْتَقِرَّةٌ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَمَا قُسِمَ لَا تَحْصُلُ فِيهِ، وَلَا تَثْبُتُ، وَيُؤَكِّدُ هَذَا رِوَايَةُ الْحَصْرِ، وَالرَّاوِي ثِقَةٌ عَالِمٌ بِاللُّغَةِ، فَيَنْقِلُ اللَّفْظَ بِمَعْنَاهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ، حَكَاهَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَصَحَّحَهَا ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالْحَارِثِيُّ، وَكَذَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَعَ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى أَبُو رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَلِأَنَّهُ اتِّصَالُ مِلْكٍ يَدُومُ وَيَتَأَبَّدُ، فَتَثْبُتُ فِيهِ كَالشَّرِكَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي رَافِعٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهَا، فَإِنَّ الصَّقَبَ الْقُرْبُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِإِحْسَانِ جَارِهِ وَصِلَتِهِ مَعَ أَنَّ خَبَرَنَا صَرِيحٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَحَادِيثُهُمْ فِيهَا مَقَالٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَارِ الشَّرِيكَ كَمَا تُسَمَّى الضَّرَّتَانِ جَارَتَيْنِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الزَّوْجِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ فِي مَوْضِعِ الْوِفَاقِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِمَعْنًى مَعْدُومٍ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَلَا تَثْبُتُ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الطَّرِيقِ مُفْرَدَةً، أَوْ مُشْتَرَكَةً، وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ: الشُّفْعَةُ لِمَنْ هِيَ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا مُشْتَرَكًا لَمْ يَقْتَسِمُوا، فَإِذَا صُرِفَتِ الطُّرُقُ، وَعُرِفَتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» ، وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ لَهَا طَرِيقٌ فِي دَرْبٍ لَا يَنْفُذُ فَوَجْهَانِ، وَالْأَشْهَرُ يَجِبُ إِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ غَيْرُهُ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابِهِ إِلَى شَارِعٍ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ مُشْتَرٍ فَوْقَ حَاجَتِهِ، فَفِي زَائِدٍ وَجْهَانِ، وَكَذَا دِهْلِيزُ جَارِهِ وَصَحْنُهُ. فَرْعٌ: إِذَا قَدِمَ مَنْ لَا يَرَاهَا لِجَارٍ إِلَى حَاكِمٍ، فَأَنْكَرَ، لَمْ يَحْلِفْ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ خَرَجَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ اخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ الْقَاضِيَ: لِأَنَّ يَمِينَهُ هُنَا عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتِّ، وَمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ ظَنِّيَّةٌ، فَلَا يُقْطَعُ بِبُطْلَانِ مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 كَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ، وَالْبِئْرِ، وَالطُّرُقِ، وَالْعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ، وَمَا لَيْسَ بِعَقَارٍ كَالشَّجَرِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْبِنَاءِ الْمُفْرَدِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إِلَّا أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ يُؤْخَذُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَلَا تُؤْخَذُ الثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ تَبَعًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَحَمَلَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " عَلَى الْوَرَعِ، وَإِنْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِشَافِعِيٍّ بِهَا فَلَهُ الْأَخْذُ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ، وَمَنَعَهُ الْقَاضِي. (وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ كَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ، وَالْبِئْرِ، وَالطُّرُقِ، وَالْعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا شُفْعَةَ فِي فِنَاءٍ وَلَا طَرِيقٍ وَلَا مَنْقَبَةٍ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْغَرِيبِ "؛ الْمَنْقَبَةُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ دَارَيْنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْلُكَهُ أَحَدٌ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «الشَّرِيكُ شَفِيعٌ وَالشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا، وَهُوَ أَصَحُّ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالَّذِي وَصَلَهُ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ وَهُوَ مُخَرَّجٌ عَنْهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَلِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، وَوُجُودُهُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ أَبْلَغُ مِنْهُ فِيمَا يُقْسَمُ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّ إِثْبَاتَ الشُّفْعَةِ فِي هَذَا تَضُرُّ بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ إِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ فِي نَصِيبِهِ بِالْقِيمَةِ، وَقَدْ يمْتَنِعُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ الشَّفِيعِ؛ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ فَتَسْقُطُ، فَيُؤَدِّي إِثْبَاتُهَا إِلَى نَفْيِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَمَّامَ الْكَبِيرَ حَيْثُ قُسِّمَ، وَانْتُفِعَ بِهِ حَمَّامًا، وَالْبِئْرُ، وَالْعَضَائِدُ مَتَى أَمْكَنَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَانِ، ثَبَتَتْ فِيهِ كَالرَّحَا (وَمَا لَيْسَ بِعَقَارٍ كَالشَّجَرِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْبِنَاءِ الْمُفْرَدِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ أَرْضًا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ، وَيَدُومُ ضَرَرُهَا. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، وَقَدْ سَبَقَ (إِلَّا أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ يُؤْخَذُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ) إِذَا بِيعَ مَعَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَا نَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ مَنْ أَثْبَتَ الشُّفْعَةَ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَلَا تُؤْخَذُ الثَّمَرَةُ) وَقَيَّدَهَا فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " بِالظَّاهِرَةِ (وَالزَّرْعُ تَبَعًا) أَيْ: إِذَا بِيعَ مَعَ الْأَرْضِ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 فَصْلٌ الثَّالِثُ: الْمُطَالَبَةُ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ سَاعَةَ يَعْلَمُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ طَلَبُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ طَالَ، فَإِنْ أَخَّرَهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ وَهُوَ غَائِبٌ   [المبدع في شرح المقنع] الْبَيْعِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الشُّفْعَةِ كَقُمَاشِ الدَّارِ، وَالثَّانِي: بَلَى يُؤْخَذُ تَبَعًا كَالْغِرَاسِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ غَيْرَهُمَا مِمَّا يَدْخُلُ، مَعَ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي " الْمُغْنِي " إِنِ اشْتَرَاهُ، وَفِيهِ طَلْعٌ لَمْ يُؤَبَّرْ فَأَبَّرَهُ، لَمْ يَأْخُذِ الثَّمَرَةَ، بَلِ الْأَرْضُ، وَالنَّخْلُ بِحِصَّتِهِ كَشِقْصٍ وَسَيْفٍ، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ: إِذَا لَمْ يَدْخُلْ أَخَذَ الْأَصْلَ بِحِصَّتِهِ. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ] فَصْلٌ (الثَّالِثُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» ، فِي رِوَايَةٍ: «الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّ ثُبُوتَهَا عَلَى التَّرَاخِي رُبَّمَا أَضَرَّ بِالْمُشْتَرِي لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ، وَحِينَئِذٍ يُشْهِدُ (سَاعَةَ يَعْلَمُ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ لِظَاهِرِ مَا سَبَقَ، وَاحْتَرَزَ بِالْعِلْمِ عَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِ سَنَوَاتٌ (وَقَالَ الْقَاضِي) وَأَصْحَابُهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً (لَهُ طَلَبُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ طَالَ) لِأَنَّ الْمَجْلِسَ فِي حُكْمِ حَالَةِ الْعَقْدِ، بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ بِوُجُودِ الْقَبْضِ فِيمَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِيهِ، وَعَنْهُ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ: أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهَا خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُحَقَّقٍ، فَكَانَتْ عَلَى التَّرَاخِي كَخِيَارِ الْعَيْبَ، مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى، كَقَوْلِهِ: بِعْنِي، أَوْ صَالِحْنِي، أَوْ قَاسِمْنِي؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَا ضَرَرَ فِي تَأْخِيرِهِ، أَشْبَهَ الْقِصَاصَ (فَإِنْ أَخَّرَهُ) عَنْ سَاعَةِ الْعِلْمِ، أَوِ الْمَجْلِسِ - عَلَى الْخِلَافِ - بِلَا عُذْرٍ (سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ) فَلَوْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ مِثْلِ أَنْ يَعْلَمَ لَيْلًا، فَيُؤَخِّرَهُ إِلَى الصَّبَاحِ، أَوْ لِحَاجَةِ أَكْلٍ، أَوْ شُرْبٍ، أَوْ طَهَارَةٍ، أَوْ إِغْلَاقِ بَابٍ، أَوْ خُرُوجٍ مِنْ حَمَّامٍ، أَوْ لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ وَسُنَّتِهَا، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ وَلَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ (إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 فَيَشْهَدَ عَلَى الطَّلَبِ بِهَا، ثُمَّ إِنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ إِمْكَانِهِ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ، وَلَكِنْ سَارَ فِي طَلَبِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ لِعَجْزِهِ عَنْهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] غَائِبٌ فَيُشْهِدَ عَلَى الطَّلَبِ بِهَا) إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَيَعْلَمَ مِنْهُ أَنَّهُ مُطَالَبٌ غَيْرُ تَارِكٍ (ثُمَّ إِنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ إِمْكَانِهِ) وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلطَّلَبِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَلَمْ يَشْهَدْ. وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ عَقِيبَ الْإِشْهَادِ ضَرَرًا لِالْتِزَامِهِ كُلْفَتَهُ وَانْقِطَاعِ حَوَائِجِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": إِنْ أَخَّرَ الْقُدُومَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ وَالطَّلَبِ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ وَهُوَ غَائِبٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ بِخِلَافِ الْقُدُومِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ، وَتَأْخِيرُ مَا يُمْكِنُ لِإِسْقَاطِهِ وَجْهٌ، بِخِلَافِ تَأْخِيرِ مَا لَا يُمْكِنُ (أَوْ لَمْ يُشْهِدْ وَلَكِنْ سَارَ فِي طَلَبِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ قَدْ يَكُونُ لِطَلَبِهَا، أَوْ لِغَيْرِهِ، فَوَجَبَ بَيَانُ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ كَمَا لَوْ لَمْ يَسِرْ، وَالثَّانِي: لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ سَيْرَهُ عَقِيبَ عِلْمِهِ ظَاهِرٌ فِي طَلَبِهَا، فَاكْتَفَى بِهِ كَالَّذِينَ فِي الْبَلَدِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ سَيْرِ وَكِيلِهِ حُكْمَ سَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْوَجْهَانِ إِنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْقُدُومِ وَالْإِشْهَادِ، أَوْ نَسِيَ الْمُطَالَبَةَ، أَوِ الْبَيْعَ، أَوْ جَهِلَهَا، أَوْ ظَنَّ الْمُشْتَرِي زَيْدًا فَبَانَ غَيْرُهُ، وَلَفْظُ الطَّلَبِ: أَنَا طَالِبٌ، أَوْ مُطَالِبٌ، أَوْ آخِذٌ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ قَائِمٌ عَلَيْهَا، وَنَحْوُهُ. (وَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ لِعَجْزِهِ عَنْهُمَا كَالْمَرِيضِ) فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَرَضُ لَا يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ كَالْمَرَضِ الْيَسِيرِ، وَالْأَلَمِ الْقَلِيلِ، فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ، وَقَدَرَ عَلَى التَّوْكِيلِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلطَّلَبِ مَعَ إِمْكَانِهِ فَهُوَ كَالْحَاضِرِ، وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِجُعْلٍ فَفِيهِ غُرْمٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَفِيهِ مِنَّةٌ، وَقَدْ لَا يَثِقُ بِهِ (وَالْمَحْبُوسُ) لَكِنْ إِنْ كَانَ حَبْسُهُ بِحَقٍّ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ؛ فَأَبَى سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ (وَمَنْ لَا يَجِدُ مَنْ يُشْهِدُهُ) بِأَنْ لَا يَجِدَ شَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَلَا مَسْتُورَيِ الْحَالِ، فَإِنْ وَجَدَ وَاحِدًا حُرًّا عَدْلًا فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: هُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 كَالْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ، وَمَنْ لَا يَجِدُ مَنْ يُشْهِدُهُ، أَوْ لِإِظْهَارِهِمْ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ نَقْصًا فِي الْمَبِيعِ، أَوْ أَنَّهُ مَوْهُوبٌ لَهُ، أَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، أَوْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: بِعْنِي مَا اشْتَرَيْتَ، أَوْ صَالِحْنِي سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ دَلَّ فِي الْبَيْعِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى شُفْعَتِهِ، إِذْ لَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي: يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ مَعَ الْيَمِينِ كَالْعَدْلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُشْهِدُهُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ لِلْعُذْرِ (أَوْ لِإِظْهَارِهِمْ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ) لَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا فِيهِ، بَلْ لَوْ أَظْهَرَ الْمُشْتَرِي زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ لَمْ تَبْطُلْ، وَعَكْسُهُ لَوْ أَظْهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ قَلِيلٌ، فَتَرَكَ الشُّفْعَةَ، وَكَانَ الثَّمَنُ كَثِيرًا سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِالْقَلِيلِ لَا يَرْضَى بِأَكْثَرَ مِنْهُ، قَالَهُ فِي " الْكَافِي " (أَوْ نَقْصًا فِي الْمَبِيعِ) أَوْ أَنَّهُمَا تَبَايَعَا بِدَنَانِيرَ، فَبَانَتْ دَرَاهِمَ، أَوْ بِالْعَكْسِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ (أَوْ أَنَّهُ مَوْهُوبٌ لَهُ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الْعِوَضَ (أَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُهُ) أَوْ كَانَ كَاذِبًا (أَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ) كَالْفَاسِقِ (فَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ) فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمِ الْحَالَ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلِأَنَّ خَبَرَ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِ الشَّفِيعِ لَهُ، يَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا صَدَّقَهُ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ اعْتِرَافٌ بِوُقُوعٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهَا؛ فَوَجَبَ سُقُوطُهَا كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ. (وَإِنْ أَخْبَرَهُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ) كَعَدْلَيْنِ (فَلَمْ يُصَدِّقْهُ) بَطُلَتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْبَيْعِ، صَدَقَ الشَّفِيعُ أَوْ لَا، وَكَذَا إِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ، أَوْ مَسْتُورَا الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ كَضِدِّهِمَا. وَقَالَ الْقَاضِي: هُمَا كَالْفَاسِقِ، وَالصَّبِيِّ (أَوْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: بِعْنِي مَا اشْتَرَيْتَ أَوْ صَالِحْنِي سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ لِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ عَنْ ثُبُوتِ الْبَيْعِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: هَبْهُ لِي، أَوِ ائْتَمِنِّي عَلَيْهِ مِمَّنْ شِئْتَ وَنَحْوُهُ (وَإِنْ دَلَّ فِي الْبَيْعِ) أَيْ: عَمِلَ دَلَّالًا بَيْنَهُمَا، أَوْ رَضِيَ بِهِ، أَوْ ضَمِنَ ثَمَنَهُ (أَوْ تُوُكِّلَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ) فَلَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ وَكِيلَ الْبَائِعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَمِثْلُهُ وَصِيٌّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 تُوُكِّلَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، أَوْ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ فَاخْتَارَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهُ، وَإِنْ أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ تَسْقُطْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَسْقُطَ، وَإِنْ تَرَكَ الْوَلِيُّ شُفْعَةً لِلصَّبِيِّ فِيهَا حَظٌّ لَمْ تَسْقُطْ، وَلَهُ الْأَخْذُ بِهَا إِذَا كَبُرَ، وَإِنْ تَرَكَهَا لِعَدَمِ الْحَظِّ فِيهَا   [المبدع في شرح المقنع] وَحَاكِمٌ، وَقِيلَ: إِنْ بَاعَ شِقْصًا لِيَتِيمٍ فِي شَرِكَتِهِ، أَوِ اشْتَرَى لَهُ شِقْصًا فِي شَرِكَتِهِ فَلَهُمَا الشُّفْعَةُ، كَمَا لَوْ تَوَلَّى الْعَقْدَ غَيْرُهُمَا، وَقِيلَ: لَهُمَا الشُّفْعَةُ إِذَا اشْتَرَيَاهُ فَقَطْ (أَوْ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ، فَاخْتَارَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي الْبَيْعِ، أَوْ عَفَا عَنْهَا قَبْلَ تَمَامِ الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْمُسْقِطَ لَهَا الرِّضَى بِتَرْكِهَا وَلَمْ يُوجَدْ. فَرْعٌ: لَوْ لَقِيَهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ لَمْ تَسْقُطْ، وَكَذَا إِنْ قَالَ لَهُ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَتِكَ، أَوْ دَعَا لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ فِي الْأَصَحِّ. (وَإِنْ أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ تَسْقُطْ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ إِسْقَاطُ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِمَّا يَجِبُ لَهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَسْقُطَ) حَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» ؛ لِأَنَّهُ إِذَا بَاعَ بِإِذْنِهِ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَأَجَابَ فِي " الْمُغْنِي " بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْعَرْضَ عَلَيْهِ لِيَبْتَاعَ ذَلِكَ إِنْ أَرَادَ لِتَخِفَّ عَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ، وَيَكْفِي أَخْذُ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ لَا أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ بِإِذْنِهِ (وَإِنْ تَرَكَ الْوَلِيُّ شُفْعَةً لِلصَّبِيِّ فِيهَا حَظٌّ لَمْ تَسْقُطْ) وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْبَيْعِ، وَإِسْقَاطُ الْوَلِيِّ لَهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إِسْقَاطُ حَقٍّ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ، وَلَا حَظَّ لَهُ فِي إِسْقَاطِهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَالْإِبْرَاءِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِسْقَاطَ فَتَرْكُهُ أَوْلَى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لِلصَّغِيرِ كَالْبَالِغِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَجَمْعٌ: لَا شُفْعَةَ لَهُ، وَرُدَّ بِأَنَّ ثُبُوتَهَا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْمَالِ فَاسْتَوَيَا، وَكَخِيَارِ الْعَيْبِ (وَلَهُ الْأَخْذُ بِهَا إِذَا كَبُرَ) أَيْ: بَلَغَ وَرَشَدَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنَ الْأَخْذِ (وَإِنْ تَرَكَهَا لِعَدَمِ الْحَظِّ فِيهَا) أَوْ لِإِعْسَارِ الصَّغِيرِ (سَقَطَتْ، ذَكَرَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 سَقَطَتْ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَسْقُطَ. فَصْلٌ الرَّابِعُ: أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ، فَإِنْ طَلَبَ أَخْذَ الْبَعْضِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ، فَإِنْ كَانَا شَفِيعَيْنِ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا، وَعَنْهُ: عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ، فَإِذَا تَرَكَ   [المبدع في شرح المقنع] ابْنُ حَامِدٍ) وَتَبِعَهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ، فَلَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ نَقْضُهُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَسْقُطَ) هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَالْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ ثَبَتَ فَلَا يَسْقُطُ بِتَرْكِ غَيْرِهِ كَوَكِيلِ الْغَائِبِ، فَعَلَى هَذَا هِيَ لَهُ، سَوَاءٌ عَفَا عَنْهَا الْوَلِيُّ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهَا حَظٌّ أَوْ لَا، وَلِلْوَلِيِّ الْأَخْذُ بِهَا إِذَا كَانَ فِيهَا حَظٌّ. وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي ": يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ، وَالْوَلِيُّ عَلَيْهِ رِعَايَةُ مَصَالِحِ مُوَلِّيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَظٌّ فَلَا، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَنْعِهِ مِنَ الشِّرَاءِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَى مَعِيبًا يُعْلَمُ عَيْبُهُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ: يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْأَخْذَ، فَمَلَكَ التَّرْكَ كَالْمَالِكِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ وَالسَّفِيهِ كَالصَّغِيرِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْغَائِبِ وَالْمُفْلِسِ لَهُ الْأَخْذُ بِهَا وَالْعَفْوُ عَنْهَا، وَلَيْسَ لِغُرَمَائِهِ إِجْبَارُهُ عَلَى الْأَخْذِ بِهَا، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَهُ الْأَخْذُ وَالتَّرْكُ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ الِاعْتِرَاضُ. [الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ] فَصْلٌ (الرَّابِعُ: أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ) لِأَنَّ فِي أَخْذِهِ بَعْضَهُ إِضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ مَعَ أَنَّهَا تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِيكِ، فَإِذَا أُخِذَ الْبَعْضُ لَمْ يَنْدَفِعِ الضَّرَرُ (فَإِنْ طَلَبَ أَخْذَ الْبَعْضِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ) لِأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ بَعْضُهَا سَقَطَ كُلُّهَا كَالْقِصَاصِ (فَإِنْ كَانَا شَفِيعَيْنِ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ يُسْتَفَادُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ، فَكَانَ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ كَالْغَلَّةِ، فَدَارَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ: نِصْفٌ، وَثُلُثٌ، وَسُدُسٌ، فَبَاعَ رَبُّ الثُّلُثِ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، وَالثُّلُثُ يُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ، وَلِصَاحِبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 أَحَدُهُمَا شُفْعَتَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ إِلَّا الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ، فَإِنْ تَرَكَ شُفْعَتَهُ لِيُوجِبَ الْكُلَّ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ صَفْقَتَيْنِ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] السُّدُسِ وَاحِدٌ (وَعَنْهُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوِ انْفَرَدَ اسْتَحَقَّ الْجَمِيعَ، فَإِذَا اجْتَمَعَا تَسَاوَيَا كَالْبَنِينَ، وَسِرَايَةِ الْعِتْقِ، وَهُوَ يَنْتَقِضُ بِالْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ فِي الْغَنِيمَةِ، فَإِنَّ مَنِ انْفَرَدَ مِنْهُمْ أَخَذَ الْكُلَّ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا تَفَاضَلُوا كَأَصْحَابِ الدِّيوَانِ، وَالْجَمْعُ كَالِاثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ (فَإِذَا تَرَكَ أَحَدُهُمَا شُفْعَتَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ إِلَّا الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ) إِجْمَاعًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ إِضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي، وَلَوْ وَهَبَهَا لِشَرِيكِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا، فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ إِلَّا الْكُلَّ، أَوْ يَتْرُكَ كَالْعَفْوِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ إِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ مُنْتَظِرًا لِشَرِيكِهِ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ لِتَرْكِهِ طَلَبَهَا مَعَ إِمْكَانِهِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ لَهُ عُذْرًا، وَهُوَ الضَّرَرُ الَّذِي يَلْزَمُهُ بِأَخْذِ شَرِيكِهِ مِنْهُ، فَإِنْ أَخَذَ الْجَمِيعَ ثُمَّ حَضَرَ الثَّانِي قَاسَمَهُ، فَإِذَا حَضَرَ ثَالِثٌ قَاسَمَهُمَا، وَمَا حَدَثَ مِنْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ فِي يَدِ الْأَوَّلِ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ (فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ) لِكُلِّ وَاحِدٍ قَدْرُ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الشَّرِكَةِ فَوَجَبَ تَسَاوِيهِمَا فِي الشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا (فَإِنْ تَرَكَ) الْمُشْتَرِي (شُفْعَتَهُ لِيُوجِبَ الْكُلَّ عَلَى شَرِيكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ: لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَصِحَّ الْإِسْقَاطُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ، وَجَرَى مَجْرَى الشَّفِيعَيْنِ إِذَا حَضَرَ أَحَدُهُمَا، فَأَخَذَ الْجَمِيعَ ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرُ، وَطَلَبَ حَقَّهُ مِنْهُمَا، فَقَالَ الْآخَرُ: خُذِ الْكُلَّ أَوْ دَعْهُ. (وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ صَفْقَتَيْنِ) بِأَنْ بَاعَهُ رُبْعًا مِنْهَا بِكَذَا، ثُمَّ بَاعَهُ الرُّبْعَ الْآخَرَ، فَقَدْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ (ثُمَّ عَلِمَ شَرِيكُهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعَيْنِ) لِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِيهِمَا (وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُمَا، فَإِذَا أَسْقَطَ الْبَعْضَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنَ الْكُلِّ (فَإِنْ أَخَذَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 عَلِمَ شَرِيكُهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَخَذَ بِالثَّانِي شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي فِي شُفْعَتِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يُشَارِكْهُ، وَإِنْ أَخَذَ بِهِمَا لَمْ يُشَارِكْهُ فِي شُفْعَةِ الْأَوَّلِ، وَهَلْ يُشَارِكُهُ فِي شُفْعَةِ الثَّانِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ، فَلِلشَّفِيعِ أَخَذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا، وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ حَقَّ اثْنَيْنِ، أَوِ اشْتَرَى وَاحِدٌ شِقْصَيْنِ مِنْ أَرْضَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ أَحَدِهِمَا   [المبدع في شرح المقنع] بِالثَّانِي شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي فِي شُفْعَتِهِ) بِنَصِيبِهِ الْأَوَّلِ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ الشَّفِيعَ بِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ مِنَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ؛ اسْتَقَرَّ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَصَارَ شَرِيكَهُ، فَيُشَارِكُهُ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي، وَالْآخَرُ لَا يُشَارِكُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الْمَبِيعِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَخْذَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي فَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ شُفْعَةً، وَفِي ثَالِثٍ إِنْ عَفَا الشَّفِيعُ عَنْ أَوَّلِهِمَا شَارَكَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي " الْفُرُوعِ "، (وَإِنْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يُشَارِكْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ شَرِكَةٌ (وَإِنْ أَخَذَ بِهِمَا لَمْ يُشَارِكْهُ فِي شُفْعَةِ الْأَوَّلِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ الشَّرِكَةِ، (وَهَلْ يُشَارِكُهُ فِي شُفْعَةِ الثَّانِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَقَدْ عُرِفَ وَجْهُهُمَا. فَرْعٌ: إِذَا كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، فَوَكَّلَ أَحَدُهُمْ شَرِيكَهُ فِي بَيْعِ نَصِيبِهِ مَعَ نَصِيبِهِ، فَبَاعَهُمَا لِرَجُلٍ آخَرَ، فَلِشَرِيكِهِ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا، وَهَلْ لَهُ أَخْذُ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ نِصْفِ نَصِيبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ فَاشْتَرَى الشِّقْصَ كُلَّهُ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ، فَلِشَرِيكِهِ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُمَا مُشْتَرِيَانِ، وَلَا يُفْضِي إِلَى تَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي. (وَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَعَ الِاثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقِيلَ: بَلْ عَقْدٌ وَاحِدٌ يَأْخُذُ بِهِ الْكُلَّ، أَوْ يَتْرُكُهُ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ حَقَّ اثْنَيْنِ) أَيْ: صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْبَائِعِ كَتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَبْعِيضًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ (أَوِ اشْتَرَى وَاحِدٌ شِقْصَيْنِ مِنْ أَرْضِينَ صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ أَحَدِهِمَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ قَدْ يَلْحَقُهُ بِأَرْضٍ دُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ فَلَهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ تَلَفُهَا بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إِلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. فَصْلٌ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ مِلْكٌ سَابِقٌ، فَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا صَفْقَةً وَاحِدَةً   [المبدع في شرح المقنع] أَرْضٍ، وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّبْعِيضِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْآخَرِ، فَجَرَى مَجْرَى الشَّرِيكَيْنِ، وَقِيلَ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ، جُزِمَ بِهِ فِي " الْفُنُونِ "، وَقَاسَهُ عَلَى تَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَأَطْلَقَ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ. فَرْعٌ: اشْتَرَى اثْنَانِ مِنَ اثْنَيْنِ شِقْصَيْهِمَا فِي عَقْدٍ فَعَقْدَانِ، وَقِيلَ: بَلْ أَرْبَعَةٌ، اشْتَرَى وَكِيلُ اثْنَيْنِ مِنْ زَيْدٍ شِقْصًا فِي عَقْدٍ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ بِهِ أَوْ بِهِمَا، أَوْ بِوَكِيلِ الْمُشْتَرِي فَقَطْ؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ". (وَإِنْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ (فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ) لِأَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ إِذَا بِيعَ مُنْفَرِدًا، فَكَذَا إِذَا بِيعَ مَعَ غَيْرِهِ، وَيَأْخُذُهُ (بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ) أَيْ: فَيَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ) حَكَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا لِأَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَبْعِيضًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ ضَرَرٌ بِهِ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ فَلَهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْكُلِّ، فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْبَاقِي كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ آدَمِيٌّ، فَلَوِ اشْتَرَى دَارًا بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، فَبَاعَ بَابَهَا، أَوْ هَدَمَهَا، فَبَقِيَتْ بِأَلْفٍ أَخَذَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ بِالْقِيمَةِ مِنَ الثَّمَنِ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ تَلَفُهَا بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إِلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ) لِأَنَّ فِي أَخْذِهِ بِالْبَعْضِ إِضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَخَذَ الْبَعْضُ مَعَ بَقَاءِ الْجَمِيعِ. [الشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ مِلْكٌ سَابِقٌ] فَصْلٌ (الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ مِلْكٌ سَابِقٌ) أَيْ: مِلْكٌ لِلرَّقَبَةِ لَا الْمَنْفَعَةِ، كَنِصْفِ دَارٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السَّبْقَ؛ فَتَحَالَفَا أَوْ تَعَارَضَتْ بِيِّنَتَاهُمَا؛ فَلَا شُفْعَةَ لَهُمَا، وَلَا شُفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. فَصْلٌ وَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الطَّلَبِ بِوَقْفٍ أَوْ هِبَةٍ سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ نَصَّ عَلَيْهِ،   [المبدع في شرح المقنع] مُوصَى بِنَفْعِهَا، فَبَاعَ الْوَرَثَةُ نِصْفَهَا فَلَا شُفْعَةَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَاشْتُرِطَ سَبْقُهُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الشَّرِيكِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ سَابِقٌ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ؛ فَلَا شُفْعَةَ (فَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا صَفْقَةً وَاحِدَةً؛ فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا سَبْقُ الْمِلْكِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا (وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السَّبْقَ) وَلَا بَيِّنَةَ (فَتَحَالَفَا أَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا) بِأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِسَبْقِ مِلْكِهِ، وَتَجَدُّدِ مِلْكِ صَاحِبِهِ (فَلَا شُفْعَةَ لَهُمَا) لِعَدَمِ سَبْقِ الْمِلْكِ عَلَى الشِّرَاءِ، وَعُلِمَ مِنْهُ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ عَمِلَ بِهَا، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ دَعْوَى السَّابِقِ، وَسُئِلَ خَصْمُهُ، فَإِنْ أَنْكَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا قُضِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ خَصْمَهُ قَدِ اسْتَحَقَّ مِلْكَهُ (وَلَا شُفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِيَانِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو يَعْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يَجِبُ بِهِ كَالْمُجَاوِرِ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ، وَلِأَنَّ مُسْتَحِقَّهُ إِمَّا غَيْرُ مَالِكٍ، وَالشُّفْعَةُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا فِي مِلْكٍ، وَإِمَّا مَالِكٌ فَمِلْكُهُ غَيْرُ تَامٍّ لِكَوْنِهِ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ تَصَرُّفًا فِي الرَّقَبَةِ، وَالثَّانِي: تَثْبُتُ كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَنْبَنِي هَذَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مِلْكِ الْوَقْفِ، وَاخْتَارَ فِي " التَّرْغِيبِ " إِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إِفْرَازٌ وَجَبَتْ هِيَ، وَالْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا، فَعَلَى هَذَا، الْأَصَحُّ يُؤْخَذُ بِهَا مَوْقُوفٌ جَازَ بَيْعُهُ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَلَا تَثْبُتُ فِيمَا فُتِحَ عَنْوَةً إِذَا قُلْنَا: يَصِيرُ وَقْفًا، وَلَا فِي عِوَضِ الْكِتَابَةِ فِي الْأَقْيَسِ. [تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الطَّلَبِ بِوَقْفٍ أَوْ هِبَةٍ] فَصْلٌ (وَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الطَّلَبِ بِوَقْفٍ أَوْ هِبَةٍ سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، وَبَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْمِلْكِ، وَقَدْ خَرَجَ هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَسْقُطُ، وَإِنْ بَاعَ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِأَيِّ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ رَجَعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ بِعَيْبٍ، أَوْ إِقَالَةٍ، أَوْ تَخَالُفٍ   [المبدع في شرح المقنع] عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا، وَلِأَنَّ فِيهَا هَاهُنَا إِضْرَارًا بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَنِ اشْتَرَى دَارًا فَجَعَلَهَا مَسْجِدًا، فَقَدِ اسْتَهْلَكَهَا وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَكَذَا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهَا بِرَهْنٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إِجَارَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَسْقُطُ) بَلْ لِلشَّفِيعِ فَسْخُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، حَتَّى لَوْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا، وَفِي " الْفُصُولِ ": عَنْهُ لَا؛ لِأَنَّهُ شَفِيعٌ، وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ فَسْخَ الْبَيْعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مَعَ إِمْكَانِ الْأَخْذِ بِهِمَا، فَلِأَنْ يَمْلِكَ فَسْخَ عَقْدٍ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَسْبَقُ، وَجَنَبَتَهُ أَقْوَى فَلَمْ يَمْلِكِ الْمُشْتَرِي تَصَرُّفًا يُبْطِلُ حَقَّهُ، وَفِي " الْفُرُوعِ " تَوْجِيهٌ، أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إِذَا وَقَفَ مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ لَمْ يُبْطِلِ الْوَقْفَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يَأْخُذُهُ مِنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا يَفْسَخُ عَقْدَ الْوَقْفِ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْوَقْفِ بِشَرْطِهِ، فَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَهُنَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُشْتَرِي الَّذِي وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ، فَيُفْسَخُ عَقْدُ الْوَقْفِ، وَيُؤْخَذُ حَالُ كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَوْ وَقْفًا، فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمُطَالَبَتِهِ، وَقِيلَ: وَقَبْضِهِ. (وَإِنْ بَاعَ) الْمُشْتَرِي (فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِأَيِّ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ) لِأَنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ الشِّرَاءُ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِي الْعَقْدَيْنِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَصَحَّ قَبْضُهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ، لَا يَمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَبِيعِ مَعِيبًا، فَإِنْهُ لَا يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فِي الْآخَرِ، وَكَالِابْنِ يَتَصَرَّفُ فِي الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ، وَإِنْ جَازَ لِأَبِيهِ الرُّجُوعُ فِيهَا (فَإِنْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ رَجَعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعِوَضَ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمَ حَتَّى تَبَايَعَ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَكْثَرُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْأَوَّلِ، وَيَنْفَسِخَ الْعَقْدَانِ الْآخَرَانِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّانِي، وَيَنْفَسِخَ الثَّالِثُ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّالِثِ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِشَيْءٍ مِنَ الْعُقُودِ، وَجَعَلَ ابْنُ أَبِي مُوسَى هَذَا الْحُكْمَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الشِّقْصُ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمْ، فَالْمُطَالَبَةُ لَهُ وَحْدَهُ (وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ) أَيْ: فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (أَوْ إِقَالَةٍ، أَوْ تَخَالُفٍ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ، وَعَنْهُ: إِنِ اسْتَقَالَهُ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا، لَمْ تَكُنْ لَهُ شُفْعَةٌ، وَكَذَا إِنْ تَرَادَّا بِعَيْبٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَثْبُتُ فِي صُورَةِ الْإِقَالَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْبَيْعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ، وَيَأْخُذُهُ فِي التَّحَالُفِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، وَإِنْ أَجَّرَهُ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ، وَلَهُ الْأُجْرَةُ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهِ، وَإِنِ اسْتَغَلَّهُ فَالْغَلَّةُ لَهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ وَفِيهِ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي مُبْقَاةٌ إِلَى الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ، وَإِنْ قَاسَمَ الْمُشْتَرِي وَكِيلَ الشَّفِيعِ، أَوْ قَاسَمَ   [المبدع في شرح المقنع] لَا بِالْإِقَالَةِ، وَصُورَتُهُ أَنَّ شَخْصًا حَصَلَ لَهُ نَصِيبٌ فِي عَقَارٍ، بَعْدَ أَنْ بَاعَ بَعْضُ الشُّرَكَةِ نَصِيبَهُ، ثُمَّ تَقَايَلَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ مَلَكَ الشَّخْصُ النَّصِيبَ، فَهُنَا يَمْلِكُ الشَّخْصُ الشُّفْعَةَ، وَأَمَّا الشَّرِيكُ فَمِلْكُهُ سَابِقٌ عَلَى الْبَيْعِ، فَبِنَفْسِ الْبَيْعِ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ، لَكِنْ إِذَا فَسَخَ الْبَائِعُ لِعَيْبٍ فِي ثَمَنِهِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا شُفْعَةَ، وَإِلَّا اسْتَقَرَّتْ، وَلِلْبَائِعِ إِلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ شِقْصِهِ، وَيَتَرَاجَعُ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي الْأَصَحِّ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ، فَيَرْجِعُ دَافِعُ الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا بِالْفَضْلِ (وَيَأْخُذُهُ فِي التَّحَالُفِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ) لِأَنَّ الْبَائِعَ مُقِرٌّ بِالْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ، وَمُقِرٌّ لِلشَّفِيعِ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِذَلِكَ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ، لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ بِذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ فَسْخَهُمَا وَيَأْخُذَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ. فَرْعٌ: إِذَا وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ، وَقَضَى الْحَاكِمُ بِهَا، وَالشِّقْصُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَدَفَعَ الثَّمَنَ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَقَالَ الْبَائِعُ لِلشَّفِيعِ: أَقِلْنِي، فَأَقَالَهُ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُشْتَرٍ مِنَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ بَاعَهُ إِيَّاهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. (وَإِنْ أَجَّرَهُ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ) لِأَنَّ إِجَارَةَ الْمُشْتَرِي لَا تَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْمُؤَجِّرِ، وَانْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ مِنْ حِينِ أَخْذِهَا (وَلَهُ الْأُجْرَةُ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهُ) لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكَهُ بِأَخْذِهِ، وَفِيهَا فِي " الْكَافِي " الْخِلَافُ فِي هِبَةٍ (وَإِنِ اسْتَغَلَّهُ) الْمُشْتَرِي (فَالْغَلَّةُ لَهُ) لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ، إِذِ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، فَكَذَا إِذَا اسْتَغَلَّهُ (وَإِنْ أَخَذَهُ) الشَّفِيعُ (وَفِيهِ زَرْعٌ، أَوْ ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ) أَوْ أُبِّرَتْ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ (فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ (مُبْقَاةٌ إِلَى الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ) لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَبْقَى، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ زَرَعَهُ فِي مِلْكِهِ، وَلِأَنَّ أَخْذَهُ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءٍ ثَانٍ، وَقِيلَ: يَجِبُ فِي الزَّرْعِ إِلَى حَصَادِهِ، فَيَخْرُجُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 الشَّفِيعَ لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ لَهُ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ نَحْوِهِ، وَغَرَسَ أَوْ بَنَى فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ؛ فَيَمْلِكَهُ أَوْ يَقْلَعَهُ، وَيَضْمَنُ النَّقْصَ، فَإِنِ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَأَرَادَ   [المبدع في شرح المقنع] الثَّمَرَةِ مِثْلُهُ، وَعُلِمَ أَنَّ النَّمَاءَ الْمُتَّصِلَ كَالشَّجَرِ إِذَا كَبُرَ، وَالطَّلْعِ إِذَا لَمْ يُؤَبَّرْ، فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ كَمَا لَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ، لَا يُقَالُ: فَلِمَ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الزَّوْجِ إِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ بِالْقِيمَةِ إِذَا فَاتَهُ الرُّجُوعُ فِي الْعَيْنِ، وَهُنَا يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهَا إِذَا لَمْ يَرْجِعْ فِي الشِّقْصِ فَافْتَرَقَا. (وَإِنْ قَاسَمَ الْمُشْتَرِي وَكِيلَ الشَّفِيعِ) فِي الْقِسْمَةِ، أَوْ رَفَعَ الْأَمَرَ إِلَى الْحَاكِمِ فَقَاسَمَهُ لِغِيبَةِ الشَّفِيعِ فَلَهُ ذَلِكَ فِي وَجْهٍ، جُزِمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ (أَوْ قَاسَمَ الشَّفِيعَ لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ لَهُ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ نَحْوِهِ) بِأَنَّ الشِّقْصَ مَوْهُوبٌ أَوْ أَنَّ الشِّرَاءَ لِفُلَانٍ، فَتَرَكَ الشُّفْعَةَ لِذَلِكَ، وَكَذَا إِنْ جَهِلَ الشَّفِيعُ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ لَهُ، قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ (وَغَرَسَ أَوْ بَنَى) ثُمَّ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِهَا، فَلَهُ ذَلِكَ لِلْعُمُومَاتِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بِنَاءُ الْمُشْتَرِي وَغَرْسُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ إِلَّا فِيمَا ذُكِرَ (فَلِلشَّفِيعِ) الْخِيَارُ بَيْنَ (أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَيَمْلِكَهُ) مَعَ الْأَرْضِ، نَصَّ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْمَنْفِيِّ شَرْعًا (أَوْ يَقْلَعَهُ، وَيَضْمَنَ النَّقْصَ) أَيْ: نَقْصَهُ مِنَ الْقِيمَةِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِهِ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، زَادَ فِي " الِانْتِصَارِ ": أَوْ أَقَرَّهُ بِأُجْرَةٍ، فَإِنْ أَبَى فَلَا شُفْعَةَ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: لَهُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ وَلَا يَقْلَعُهُ، وَنَقَلَ سَنَدِيُّ: أَلَهُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَمْ قِيمَةُ النَّقْضِ؟ قَالَ: لَا، قِيمَةُ الْبِنَاءِ، قَالَ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: قِيمَةُ النَّقْضِ، فَأَنْكَرَهُ وَرَدَّهُ، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا كَغَاصِبٍ. أَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ التَّقْوِيمِ، ذُكِرَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَرْضَ تَقُومُ مَغْرُوسَةً أَوْ مَبْنِيَّةً، ثُمَّ تَقُومُ خَالِيَةً مِنْهُمَا، فَمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ قِيمَةُ الْغِرَاسِ أَوِ الْبِنَاءِ يَدْفَعُ إِلَى الْمُشْتَرِي إِنْ أَحَبَّ الشَّفِيعُ، أَوْ مَا نَقَصَ مِنْهُ إِنِ اخْتَارَ الْقَلْعَ لَا قِيمَتَهُ مُسْتَحِقًّا لِلْبَقَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَلَا قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُومَ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ مُسْتَحِقًّا لِلتَّرْكِ بِالْأُجْرَةِ، أَوْ لِأَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ إِذَا امْتَنَعَا مِنْ قَلْعِهِ (فَإِنِ اخْتَارَ أَخْذَهُ، فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُ فَلَهُ) أَيْ: لِلْمُشْتَرِي (ذَلِكَ) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، فَإِذَا قَلَعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ، وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 الْمُشْتَرِي قَلْعَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، وَإِنْ بَاعَ الشَّفِيعُ مِلْكَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَلِلْمُشْتَرِي الشُّفْعَةُ فِيمَا بَاعَهُ الشَّفِيعُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ مَاتَ الشَّفِيعُ بَطُلَتْ شُفْعَتُهُ، إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ طَلَبِهَا فَتَكُونُ لِوَارِثِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] نَقْصُ الْأَرْضِ، قَالَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ، فَعَلَى هَذَا يُخَيَّرُ الشَّفِيعُ بَيْنَ أَخْذِهِ نَاقِصًا بِكُلِّ الثَّمَنِ، أَوْ تَرْكِهِ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِالْقَلْعِ، فَأَمَّا نَقْصُ الْأَرْضِ بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فَلَا يَضْمَنُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " (إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ) هَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْآدَمِيِّ، وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ، وَاقْتَصَرَ الْأَكْثَرُ عَلَى الْقَلْعِ، أَضَرَّ بِالْأَرْضِ أَوْ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ. فَرْعٌ: إِذَا حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَخَذَهَا، وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهَا. (وَإِنْ بَاعَ الشَّفِيعُ مِلْكَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ) بِبَيْعِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ (لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ رِضًى بِتَرْكِهَا، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا، وَالثَّانِي: تَسْقُطُ، قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ زَالَ السَّبَبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ، وَهُوَ الْمِلْكُ الَّذِي يُخَافُ الضَّرَرُ بِسَبَبِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ حَتَّى بَاعَهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ فَإِنْهَا تَسْقُطُ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ لِكَوْنِهَا لَا تَتَبَعَّضُ، وَالثَّانِي بَقَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ لَوِ انْفَرَدَ (وَلِلْمُشْتَرِي الشُّفْعَةُ فِيمَا بَاعَهُ الشَّفِيعُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ لَهُ مِلْكًا سَابِقًا عَلَى بَيْعِ الشَّفِيعِ، فَمَلَكَ الْأَخْذَ بِهِ، وَالثَّانِي تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ضَعِيفٌ، لِكَوْنِهِ بِعَرَضِيَّةِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ (وَإِنْ مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ خِيَارٍ لِلتَّمْلِيكِ، أَشْبَهَ خِيَارَ الْقَبُولِ، وَلِأَنَّا لَا نَعْلَمُ بَقَاءَهُ عَلَى الشُّفْعَةِ لِاحْتِمَالِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا، وَلَا يَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ مَا يُشَكُّ فِي ثُبُوتِهِ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَتُوَرَّثُ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ إِرْثِ الْأَجَلِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حَقُّ فَسْخٍ ثَبَتَ، لَا لِفَوَاتِ جُزْءٍ، فَلَمْ يُوَرَّثْ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ (إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ طَلَبِهَا فَتَكُونَ لِوَارِثِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَقَرَّرَ بِالطَّلَبِ، وَلِذَلِكَ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 فَصْلٌ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ   [المبدع في شرح المقنع] تَسْقُطُ بِتَأْخِيرِ الْأَخْذِ بَعْدَهُ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، فَلِأَنَّ الشِّقْصَ صَارَ مِلْكًا لَهُ بِالْمُطَالَبَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ الْعَفْوُ عَنْهَا بَعْدَ طَلَبِهَا، كَمَا لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهَا بَعْدَ الْأَخْذِ بِهَا، وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْمُؤَلِّفِ، فَلِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِمُطَالَبَتِهِ بَقَاءَهُ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: الشُّفْعَةُ لَا تُورَثُ، لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ يَطْلُبُهَا، فَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِي إِبْطَالِهَا بِالْمَوْتِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِرَغْبَةِ الْمَيِّتِ. قَالَ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ ": فَعَلَى هَذَا لَوْ عَلِمَ الْوَارِثُ أَنَّهُ رَاغِبٌ فِيهَا كَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبِ الْمَيِّتُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَارِثِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ انْتَقَلَ الْحَقُّ إِلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ مُطْلَقًا، فَإِذَا تَرَكَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ تَوَفَّرَ عَلَى الْبَاقِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوِ التَّرْكُ كَالشُّفَعَاءِ إِذَا عَفَا بَعْضُهُمْ عَنْ حَقِّهِ، وَقِيلَ: مَنْ عَفَا عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ أَوْ لَمَ يَطْلُبْهُ لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ. [فَصْلٌ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ] ِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ» رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجَوْزَجَانِيُّ فِي " الْمُتَرْجَمِ "، وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الشِّقْصَ بِالْبَيْعِ، فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالثَّمَنِ كَالْمُشْتَرِي، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَقْتَ لُزُومِهِ لَكَانَ أَوْلَى، لَا يُقَالُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ كَالْمُضْطَرِّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ حَاجَتِهِ، فَكَانَ الْمَرْجِعُ فِي بَدَلِهِ إِلَى قِيمَتِهِ، وَالشَّفِيعُ اسْتَحَقَّهُ بِالْبَيْعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِالْعِوَضِ الثَّابِتِ بِهِ، فَإِنْ وَقَعَ حِيلَةً، دَفَعَ إِلَيْهِ مَا أَعْطَاهُ أَوْ قِيمَةَ الشِّقْصِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا كَصُبْرَةِ نَقْدٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى حُكْمٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَلَا تُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ، إِنْ صَحَّ بَيْعُ غَائِبٍ وَإِلَّا اعْتُبِرَتْ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحُكْمَ تَارَةً، وَدَفْعَ ثَمَنِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ مُشْتَرِيَهُ، فَإِنْ دَفَعَ مَكِيلًا بِوَزْنٍ أَخَذَ مِثْلَ كَيْلِهِ كَقَرْضٍ، وَقِيلَ: يَكْفِي وَزْنُهُ، إِذِ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَةِ الشِّقْصِ وَقَدْرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ، وَمَا يُحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ يُزَادَ فِيهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَلْحَقُ بِهِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ إِنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإِلَّا أَقَامَ كَفِيلًا مَلِيًّا وَأَخَذَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَعْطَاهُ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ ذَا مِثْلٍ، وَإِلَّا قِيمَتُهُ، وَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] الثَّمَنِ مِعْيَارُهُ لَا عِوَضُهُ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ) وَلَوِ اكْتَفَى بِالثَّانِي كَالْوَجِيزِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِهِ بِدُونِ دَفْعِ كُلِّ الثَّمَنِ إِضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ أَحْضَرَ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا لَمْ يَلْزَمِ الْمُشْتَرِي قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي تَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ عِوَضٍ عَنِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا، وَلِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ عَلَى ثَمَنِهِ قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ قَهْرِيٌّ، وَالْبَيْعَ عَنْ رِضًى، فَإِنْ تَعَذَّرَ فِي الْحَالِ. فَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: يُمْهِلُ الشَّفِيعَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا حَدُّ جَمْعِ الْقِلَّةِ، وَعَنْهُ: مَا رَأَى الْحَاكِمُ. فَرْعٌ: لَوْ أَفْلَسَ الشَّفِيعُ بَعْدَ أَخْذِ الشِّقْصِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالثَّمَنِ كَالْبَائِعِ إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي. (وَمَا يُحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ يُزَادُ فِيهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَلْحَقُ بِهِ) لِأَنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ، نَقَلَ صَالِح: لِلْمَاءِ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ، وَفِي رُجُوعِ شَفِيعٍ بِأَرْشٍ عَلَى مُشْتَرٍ عَفَا عَنْهُ بَائِعٌ وَجْهَانِ (وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْحَقُ بِهِ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ هِبَةٌ يُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُهَا، وَالنُّقْصَانَ إِبْرَاءٌ، فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِكَوْنِهِ وُجِدَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ عَيْنًا أُخْرَى (وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ إِنْ كَانَ مَلِيًّا وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا (أَقَامَ) الشَّفِيعُ (كَفِيلًا مَلِيًّا وَأَخَذَ بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ بِقَدَرِ الثَّمَنِ، وَصِفَتِهِ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَتِهِ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمُؤَلِّفِ اشْتِرَاطُ الْمُلَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِدُونِهَا لَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ، وَمَتَى أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ، فَمَاتَ، أَوِ الْمُشْتَرِي، وَقُلْنَا: يَحِلُّ الدَّيْنُ بِالْمَوْتِ حَلَّ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَلَّ فَهُوَ كَالْحَالِ. (وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَعْطَاهُ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ ذَا مِثْلٍ) كَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ وَنَحْوِهِمَا، لِأَنَّهُمَا كَالْأَثْمَانِ، وَلِأَنَّهُ مِثْلٌ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْقِيمَةِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنَ الْمُمَاثِلِ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ، وَأَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِأَلْفٍ،   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدِهِمَا، إِذِ الْوَاجِبُ بَدَلُ الثَّمَنِ، فَكَانَ مِثْلُهُ كَبَدَلِ الْعَرَضِ (وَإِلَّا) أَيْ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ كَالثِّيَابِ، وَالْحَيَوَانِ، فَتُعْتَبَرُ (قِيمَتُهُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِتَعَذُّرِ الْمِثْلِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ بَدَلُهُ فِي الْإِتْلَافِ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِصُبْرَةٍ نَقْدًا وَجَوْهَرَةٍ، دَفَعَ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَقِيمَةُ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ وُقُوعُ الْعَقْدِ عَلَى الْأَشْيَاءِ بِقِيمَتِهَا، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ رَجَعَ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا قَبِلَ قَوْلَ الْمُشْتَرِي فِيهَا. (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ، ذِكَرَهُ الْمُعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَهُوَ أَعْلَمُ بِالثَّمَنِ، وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُهُ، فَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ بِدَعْوًى مُخْتَلَفٍ فِيهَا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَكَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فِي الشِّقْصِ أَنَّهُ أَحْدَثَهُ، وَالشَّفِيعُ لَيْسَ بِغَارِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ تَمَلُّكَ الشِّقْصِ بِثَمَنِهِ بِخِلَافِ غَاصِبٍ وَمُتْلِفٍ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ) فَيَعْمَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُكَذِّبُ الْمُشْتَرِيَ، فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً احْتُمِلَ تَعَارُضُهُمَا وَالْقُرْعَةُ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ شَفِيعٍ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، لِكَوْنِهِ يَطْلُبُ تَقْلِيلَ الثَّمَنِ خَوْفًا مِنَ الدَّرْكِ عَلَيْهِ، وَيُقْبَلُ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَعْرِفُ قَدْرَ الثَّمَنِ قُدِّمَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا حَلَفَ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مَا لَا يَدَّعِيهِ، إِلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ تَحَيُّلًا، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّكَ فَعَلْتَهُ تَحَيُّلًا عَلَى إِسْقَاطِهَا قَبْلَ قَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَإِنِ ادَّعَى جَهْلَ قِيمَتِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوِ ادَّعَى جَهْلَ ثَمَنِهِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". (وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ، وَأَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِأَلْفٍ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُقِرٌّ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ بِأَلْفٍ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الرُّجُوعَ بِأَكْثَرَ (فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: غَلِطْتُ) أَوْ كَذَبْتُ، أَوْ نَسِيتُ، وَالْبَيِّنَةُ صَادِقَةٌ (فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، جُزِمَ بِهِ فِي " الْكَافِي "؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إِقْرَارِهِ، فَلَا يُقْبَلُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ، وَالثَّانِي: يُقْبَلُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: غَلِطْتُ، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ ادَّعَى أَنَّكَ اشْتَرَيْتَهُ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: بَلِ اتُّهِبْتُهُ أَوْ وَرِثْتُهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلشَّفِيعِ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَقْبَلَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي كَالْمُرَابَحَةِ، بَلْ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتِ الْكَذِبَةُ، فَقُبِلَ رُجُوعُهُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ فَتَحَالَفَا، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي أَخْذَهُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، جَازَ، وَمَلَكَ بِشَفِيعٍ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ زَالَ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى عَلَى إِنْسَانٍ شُفْعَةً فِي شِقْصٍ اشْتَرَاهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَكَ مِلْكٌ فِي شَرِكَتِي، فَعَلَى الشَّفِيعِ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِالشَّرِكَةِ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ بِهِ (وَإِنِ ادَّعَى أَنَّكَ اشْتَرَيْتَهُ بِأَلْفٍ) فَلِيَ الشُّفْعَةُ، احْتَاجَ إِلَى تَحْرِيرِ الدَّعْوَى، فَيُحَدِّدُ الْمَكَانَ الَّذِي فِيهِ الشِّقْصُ، وَيَذْكُرُ قَدْرَ الشِّقْصِ وَثَمَنَهُ، فَإِنِ اعْتَرَفَ لَزِمَهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ (فَقَالَ: بَلِ اتُّهِبْتُهُ أَوْ وَرِثْتُهُ) فَلَا شُفْعَةَ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: مُدَّعِي الْهِبَةِ وَالْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَالْمُثْبِتُ لِلشُّفْعَةِ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ (مَعَ يَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ خَصْمِهِ، وَحِينَئِذٍ يَبْرَأُ، فَإِنْ قَالَ: لَا تَسْتَحِقُّ عَلَى شُفْعَةٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَهِيَ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ (فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا) قُضِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ (أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلشَّفِيعِ فَلَهُ أَخْذُهُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ ثَبَتَ بِحُقُوقِهِ، وَالْأَخْذُ بِهَا مِنْ حُقُوقِهِ (وَ) حِينَئِذٍ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الثَّمَنَ، فَإِنْ أَخَذَهُ دُفِعَ إِلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَسْتَحِقُّهُ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: (يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ، وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ مِنْهُ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ مُسْتَحَقًّا لَهُ، فَيُقَالُ لَهُ ذَلِكَ لِتَحْصُلَ بَرَاءَةُ الشَّفِيعِ، وَكَسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ إِذَا جَاءَهُ الْمُكَاتَبُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، فَادَّعَى أَنَّهُ حَرَامٌ، وَالثَّانِي: يُقَرُّ فِي يَدِ الشَّفِيعِ إِلَى أَنْ يَدَّعِيَهُ الْمُشْتَرِي، فَيُدْفَعَ إِلَيْهِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَهُوَ أَوْلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالثَّالِثُ: يَأْخُذُهُ حَاكِمٌ، فَيَحْفَظُهُ لِصَاحِبِهِ حَتَّى يَدَّعِيَهُ، فَمَتَى ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي دُفِعَ إِلَيْهِ، وَفَرَّقَ فِي " الشَّرْحِ " بَيْنَ الْمُكَاتَبِ، وَالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ يُطَالِبُهُ بِالْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الَّذِي أَتَاهُ بِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى سَيِّدِهِ تَحْرِيمَهُ، وَهَذَا لَا يُطَالِبُ الشَّفِيعَ بِشَيْءٍ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكَلَّفَ الْإِبْرَاءَ مِمَّا لَا يَدَّعِيهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 الثَّمَنَ، وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عِوَضًا فِي الْخَلْعِ، أَوِ النِّكَاحِ، أَوْ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَأْخُذُهُ بِالدِّيَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ. فَصْلٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ لِفُلَانٍ، سُئِلَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَيُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ غَائِبًا أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَالْغَائِبِ عَلَى حُجَّتِهِ إِذَا قَدِمَ، فَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ لِابْنِي الطِّفْلِ، فَهُوَ كَالْغَائِبِ فِي وَجْهٍ. وَفِي الْآخَرِ: لَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لِلطِّفْلِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي مَالِهِ حَقٌّ بِإِقْرَارِ وَلَيِّهِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ الشُّفْعَةَ فِي شِقْصٍ، فَقَالَ: هُوَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ، أَوِ الطِّفْلِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُمَا، فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَا يُقْبَلُ. (وَإِنْ كَانَ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ، أَوِ النِّكَاحِ، أَوْ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ) وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيهِ (فَقَالَ الْقَاضِي) وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ (يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ مَلَكَ الشِّقْصَ الْقَابِلَ لِلشُّفْعَةِ بِبَدَلٍ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً لَا مِثْلَ لَهَا (وَقَالَ غَيْرُهُ) وَهُوَ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ " (يَأْخُذُهُ بِالدِّيَةِ، وَمَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّ ذَلِكَ بَدَلُ الْمَشْفُوعِ، فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ كَالثَّمَنِ، مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَشْهَرَ لَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الْمَبِيعَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ إِمَّا بِالْقِيمَةِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ لِلْمَبِيعِ، وَإِمَّا بِالْمَهْرِ وَفِيهِ تَقْوِيمُ الْبُضْعِ، وَإِضْرَارٌ بِالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَتَفَاوَتُ مَعَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يُسَامَحُ بِهِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُثْبِتُ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُ فِي صِفَةِ الْأَخْذِ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا رِوَايَتَانِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ مَا أُخِذَ أُجْرَةً، أَوْ ثَمَنًا فِي سَلَمٍ، أَوْ عِوَضًا فِي كِتَابَةٍ. [فَصْلُ لَا شُفْعَةَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ] فَصْلٌ (وَلَا شُفْعَةَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ فِي الْأَخْذِ إِلْزَامَ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ قَبْلَ رِضَاهُ بِالْتِزَامِهِ، وَإِيجَابَ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ، وَتَفْوِيتَ حَقِّهِ مِنَ الرُّجُوعِ فِي عَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 أَقَرَّ الْبَائِعُ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي، فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعُهْدَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ، وَإِذَا   [المبدع في شرح المقنع] الثَّمَنِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ) وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ تَخْرِيجًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ، فَتَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ كَمَا بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَلِإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَقِيلَ: تَثْبُتُ إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي، وَقِيلَ: إِنْ شُرِطَ لِلْبَائِعِ فَقَطْ، وَقُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَجِبْ قَبْلَ فَرَاغِهِ، وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، وَقُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ؛ وَجَبَتْ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إِلَيْهِ، وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ، وَالشَّفِيعُ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ، فَكَانَ لَهُ، وَغَايَةُ مَا تَقَدَّمَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ بِهَا كَمَا لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا. (وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي، فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْكَافِي " أَحَدُهُمَا: لَا شُفْعَةَ، نَصَرَهُ الشَّرِيفُ فِي مَسَائِلِهِ، وَلَا نَصَّ فِيهَا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ فَرْعُ الْبَيْعِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ فَرْعُهُ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّهَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بِحَقَّيْنِ: حَقٌّ لِلشَّفِيعِ، وَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ بِإِنْكَارِهِ ثَبَتَ حَقُّ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَارٍ لِرَجُلَيْنِ، فَأَنْكَرَ أَحَدُهُمَا، فَعَلَيْهِ يَقْبِضُ الشَّفِيعُ مِنَ الْبَائِعِ، وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِ الثَّمَنَ، وَيَكُونُ دَرْكُ الشَّفِيعِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ لَهُ، وَلَا لِلشَّفِيعِ مُحَاكَمَةُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُقِرًّا بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنَ الْمُشْتَرِي بَقِيَ الثَّمَنُ الَّذِي عَلَى الشَّفِيعِ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَقُولُ: هُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ: لَا أَسْتَحِقُّهُ، فَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ (وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَعُهْدَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ) الْعُهْدَةُ فِي الْأَصْلِ كِتَابُ الشِّرَاءِ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ الشِّقْصَ إِذَا ظَهَرَ مُسْتَحِقًّا أَوْ مَعِيبًا فَإِنْ الشَّفِيعَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، أَوْ بِأَرْشِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَهُ مِنْ جِهَتِهِ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ بَائِعَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ، فَإِنَّ عُهْدَةَ الشَّفِيعِ عَلَى الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمِلْكِ لَهُ مِنْ جِهَتِهِ (فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ) قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَاجِبٌ لِيَحْصُلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 وَرِثَ اثْنَانِ شِقْصًا عَنْ أَبِيهِمَا، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ؛ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ أَخِيهِ وَشَرِيكِ أَبِيهِ، وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، أَوْ لِرَبِّ   [المبدع في شرح المقنع] تَسْلِيمِهِ، وَمِنْ شَأْنِ الْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُمْتَنِعَ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ يُلْزِمُ فِي الْعَقَارِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَإِذَا وَرِثَ اثْنَانِ شِقْصًا عَنْ أَبِيهِمَا، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ أَخِيهِ وَشَرِيكِ أَبِيهِ) لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ حَالَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ تَمَلَّكَاهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِيكِ الدَّاخِلِ عَلَى شُرَكَائِهِ بِسَبَبِ شَرِكَتِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ (وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا شُفْعَةَ لِنَصْرَانِيٍّ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ " الْعِلَلِ "، وَأَبُو بَكْرٍ، وَفِي إِسْنَادِهِمَا نَائِلُ بْنُ نَجِيحٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، وَنَائِلٌ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُخْتَصُّ بِهِ الْعَقَارُ، أَشْبَهَ الِاسْتِعْلَاءَ فِي الْبُنْيَانِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: تَثْبُتُ؛ لِأَنَّهَا خِيَارٌ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِالشِّرَاءِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرِيكِ الْمُسْلِمِ، وَلَيْسَ الذِّمِّيُّ فِي مَعْنَى الْمُسْلِمِ، فَيَبْقَى فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهَا إِذَا ثَبَتَتْ عَلَى الْمُسْلِمِ مَعَ عِظَمِ حُرْمَتِهِ، فَلِأَنْ تَثْبُتَ عَلَى الذِّمِّيِّ مَعَ دَنَاءَتِهِ أَوْلَى، وَإِنَّهَا تَثْبُتُ لِكَافِرٍ عَلَى مِثْلِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا كَالْمُسْلِمِينَ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقِيلَ: لَا تَثْبُتُ لَهُمَا إِذَا كَانَ الْبَائِعُ مُسْلِمًا، فَإِنْ تَبَايَعَ كَافِرَانِ بِخَمْرٍ شِقْصًا فَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصَحِّ كَخِنْزِيرٍ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: هَلْ هِيَ مَالٌ لَهُمْ؟ فَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ، فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِمَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. وَرَوَى حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَصْحَابِ الْبِدَعِ هَلْ لَهُمْ شُفْعَةٌ؟ وَذُكِرَ لَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِلرَّافِضَةِ شُفْعَةٌ، فَضَحِكَ وَقَالَ: أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَثْبَتَهَا لَهُمْ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْغُلَاةِ مِنْهُمْ، فَأَمَّا الْغُلَاةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 الْمَالِ عَلَى الْمَضَارِبِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِلْمُضَارَبَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] كَمُعْتَقِدِ غَلَطِ جِبْرِيلَ فِي الرِّسَالَةِ، وَمَنْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ مِنَ الدُّعَاةِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُمْ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَثْبُتْ لِلذِّمِّيِّ الَّذِي يُقِرُّ عَلَى كُفْرِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى (وَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، أَوْ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمَضَارِبِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِلْمُضَارَبَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: هَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمَضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؟ وَفِيهَا وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تَجِبُ، وَصُورَتُهَا بِأَنْ يَكُونَ الْمُضَارِبُ لَهُ شِقْصٌ فِي عَقَارٍ، فَاشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ بَقِيَّتَهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَالثَّانِي: لَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ تَعَلُّقًا فِي الْجُمْلَةِ، أَشْبَهَ رَبَّ الْمَالِ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ، وَإِلَّا وَجَبَتَ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ ": وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْعَامِلِ فِيمَا اشْتَرَاهُ كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ. الثَّانِيَةُ: الْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمَضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ لَهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَالثَّانِي: تَجِبُ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ كَالْمُنْفَرِدِ بِنَفْسِهِ، أَشْبَهَ مَا إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا، فَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، وَهَذِهِ شُفْعَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَجْلِبْ مِلْكًا، وَإِنَّمَا قَرَّرَتْهُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": وَالْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَا شُفْعَةَ لِمُضَارِبٍ فِيمَا بَاعَهُ مِنْ مَالِهَا وَلَهُ فِيهِ مِلْكٌ، وَلَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا بِيعَ شَرِكَةً لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، إِنْ كَانَ فِيهَا حَظٌّ، فَإِنْ أَبِي أَخَذَ بِهَا رَبُّ الْمَالِ. تَذْنِيبٌ: قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا يَرَى الشُّفْعَةَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَقَفَهَا، وَكَذَا كُلُّ أَرْضٍ وَقَفَهَا كَالشَّامِ وَمِصْرَ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": إِلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهَا حَاكِمٌ، أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ، فَتَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ يَنْفُذُ فِيهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 بَابُ الوديعة وَهِيَ أَمَانَةٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى، وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ الْوَدِيعَةِ] [ضَمَانُ الْوَدِيعَةِ] [الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ] ِ الْوَدِيعَةُ وَهِيَ فَعِيلَةٌ مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ إِذَا تَرَكَهُ، أَيْ هِيَ مَتْرُوكَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ، وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الدَّعَةِ، فَكَأَنَّهَا عِنْدَ الْمُودَعِ غَيْرُ مُبْتَذَلَةٍ لِلِانْتِفَاعِ، وَقِيلَ: مِنْ وَدَعَ الشَّيْءُ يَدَعُ إِذَا سَكَنَ، فَكَأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِعَيْنٍ تُوضَعُ عِنْدَ آخَرَ لِيَحْفَظَهَا، فَهِيَ وَكَالَةٌ فِي الْحِفْظِ، فَيُعْتَبَرُ أَرْكَانُهَا، وَالْأَحْسَنُ أَنَّهَا تَوْكِيلٌ فِي حِفْظِ مَمْلُوكٍ، أَوْ مُحْتَرَمٍ مُخْتَصٍّ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَالْإِجْمَاعُ فِي كُلِّ عَصْرٍ عَلَى جَوَازِهَا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] مَعَ السُّنَّةِ الشَّهِيرَةِ، مِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ. وَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا لِمَنْ عُلِمَ أَنَّهُ ثِقَةٌ قَادِرٌ عَلَى حِفْظِهَا، وَتُكْرَهُ لِغَيْرِهِ إِلَّا بِرِضَى رَبِّهِ، وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتٍ، وَجُنُونٍ، وَعَزْلٍ مَعَ عِلْمِهِ، فَإِنْ بَطَلَتْ بَقِيَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً يُؤَدِّيهِ إِلَى مَالِكِهِ، فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَهَدَرٌ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ، وَلَا يَصِحُّ الْإِيدَاعُ وَالِاسْتِيدَاعُ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَتَبَرُّعِهِ بِهِ. (وَهِيَ أَمَانَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ» ، رَوَاهُ ابْنُ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْدِعَ يَحْفَظُهَا لِمَالِكِهَا، فَلَوْ ضُمِنَتْ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنَ الدُّخُولِ فِيهَا، وَذَلِكَ مُضِرٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا، وَإِنْ عَيَّنَ صَاحِبُهَا حِرْزًا فَجَعَلَهَا فِي دُونِهِ ضَمِنَ، وَإِنْ أَحْرَزَهَا بِمِثْلِهِ أَوْ فَوْقِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] مَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا (إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى) فَيَضْمَنَهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ لِمَالِ غَيْرِهِ، فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِيدَاعٍ (وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ مُؤْتَمَنٌ فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيهِ وَلَا تَفْرِيطِهِ، وَسَوَاءٌ ذَهَبَ مَعَهَا مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ أَوْ لَا. وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُ إِذَا تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَمَّنَهُ وَدِيعَةً ذَهَبَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ، وَالْأُولَى أَصَحُّ، قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يُنَافِي الْأَمَانَةَ، وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْرِيطِ مِنْ أَنَسٍ فِي حِفْظِهَا فَلَا مُنَافَاةَ. [حِفْظُ الْوَدِيعَةِ فِي حِرْزِ مِثْلِهَا] (وَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا) عُرْفًا كَسَرِقَةٍ، وَكَمَا يَحْفَظُ مَالَهُ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِأَدَائِهَا، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحِفْظِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": مَنِ اسْتُودِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ عَاجِلًا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَإِلَّا ضَمِنَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْفَظْهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، وَإِنْ وَضَعَهَا فِي حِرْزٍ، ثُمَّ نَقَلَهَا عَنْهُ إِلَى حِرْزِ مِثْلِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا رَدَّ حِفْظَهَا إِلَى اجْتِهَادِهِ، فَلَوْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي بَيْتِ مَالِكِهَا، فَقَالَ الْآخَرُ: احْفَظْهَا فِي مَوْضِعِهَا، فَنَقَلَهَا عَنْهُ لِغَيْرِ خَوْفٍ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُودِعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ فِي حِفْظِهَا فِي مَوْضِعِهَا. (وَإِنْ عَيَّنَ صَاحِبُهَا حِرْزًا فَجَعَلَهَا فِي دُونِهِ ضَمِنَ) سَوَاءٌ رَدَّهَا إِلَيْهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ فِي حِفْظِ مَالِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا حَفِظَهَا فِيمَا عَيَّنَهُ وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ غَيْرُ مُفَرِّطٍ (وَإِنْ أَحْرَزَهَا بِمِثْلِهِ أَوْ فَوْقِهِ) بِلَا حَاجَةٍ كَلُبْسِ خَاتَمٍ فِي خِنْصَرٍ، فَلَبِسَهُ فِي بِنْصَرٍ لَا عَكْسِهِ (لَمْ يَضْمَنْ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِهَذَا الْحِرْزِ يَقْتَضِي مَا هُوَ مِثْلُهُ، كَمَنِ اكْتَرَى لِزَرْعٍ حِنْطَةً، فَلَهُ زَرْعُهَا وَزَرْعُ مِثْلِهَا فِي الضَّرَرِ، فَمَا فَوْقَهُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى (وَقِيلَ: يَضْمَنُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ. وَحَكَاهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " رِوَايَةً. قَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: إِذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ صَاحِبِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَهَاهُ (إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ لِحَاجَةٍ) كَمَا لَوْ خَافَ عَلَيْهَا مِنْ سَيْلٍ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 أَنْ يَفْعَلَهُ لِحَاجَةٍ، فَإِنْ نَهَاهُ عَنْ إِخْرَاجِهَا فَأَخْرَجَهَا لِغَشَيَانِ شَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ التَّوَى لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ تَرَكَهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَ وَإِنْ أَخْرَجَهَا لِغَيْرِ خَوْفٍ ضَمِنَ، فَإِنْ قَالَ: لَا تُخْرِجْهَا وَإِنْ خِفْتَ عَلَيْهَا، فَأَخْرَجَهَا عِنْدَ الْخَوْفِ أَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] حَرِيقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا، وَالْأَوْلَى إِنْ نَقَلَهَا إِلَى الْأَعْلَى لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، لَا إِنْ نَقَلَهَا إِلَى الْمُسَاوِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": أَصْحَابُنَا لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ تَلَفِهَا بِسَبَبِ النَّقْلِ وَبَيْنَ تَلَفِهَا بِغَيْرِهِ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ النَّقْلِ كَانْهِدَامِ الْبَيْتِ الْمَنْقُولِ إِلَيْهِ ضَمِنَ (فَإِنْ نَهَاهُ عَنْ إِخْرَاجِهَا فَأَخْرَجَهَا لِغَشَيَانِ شَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ التَّوَى) أَيْ: الْهَلَاكُ (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ حِفْظَهَا نَقْلُهَا، وَتَرْكَهَا تَضْيِيعٌ لَهَا، وَهَذَا إِذَا وَضَعَهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا أَوْ فَوْقِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وَأَحْرَزَهَا فِي دُونِهِ فَلَا ضَمَانَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَالْحَارِثِيُّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهَا عِنْدَ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِلِاحْتِيَاطِ عَلَيْهَا، وَهُوَ إِذْنُ نَقْلِهَا (وَإِنْ تَرَكَهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَ) سَوَاءٌ تَلِفَتْ بِالْأَمْرِ الْمُخَوِّفِ أَوْ بَغِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ صَاحِبِهَا (وَإِنْ أَخْرَجَهَا لِغَيْرِ خَوْفٍ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ خَالَفَ نَصَّ صَاحِبِهَا لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا إِلَى مِثْلِهِ أَوْ فَوْقِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ تَعَيَّنَ لَهُ حِرْزًا (فَإِنْ قَالَ: لَا تُخْرِجْهَا وَإِنْ خِفْتَ عَلَيْهَا، فَأَخْرَجَهَا عِنْدَ الْخَوْفِ أَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ إِذَا أَخْرَجَهَا فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا بِحِفْظِهَا إِذِ الْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا صَرَّحَ لَهُ بِتَرْكِهَا مَعَ الْخَوْفِ، فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِإِتْلَافِهَا، وَقِيلَ: إِنْ وَافَقَهُ أَوْ خَالَفَهُ ضَمِنَ كَإِخْرَاجِهَا لِغَيْرِ خَوْفٍ، وَهَذَا جَارٍ فِيمَا إِذَا قَالَ: لَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا قُفْلَيْنِ، أَوْ لَا تَنَمْ فَوْقَهُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ ". فَرْعٌ: إِذَا أَخْرَجَ الْوَدِيعَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْ إِخْرَاجِهَا فَتَلِفَتْ، فَادَّعَى أَنَّهُ أَخْرَجَهَا لِغَشَيَانِ شَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا وَجُودَهُ، فَعَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْبَيِّنَةُ إِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ لِظُهُورِهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ مَعَ يَمِينِهِ. [أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ] (وَإِنْ أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ ضَمِنَ) لِأَنَّ الْعَلَفَ مِنْ كَمَالِ الْحِفْظِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ ضَمِنَ إِلَّا أَنْ يَنْهَاهُ الْمَالِكُ عَنْ عَلَفِهَا. فَإِنْ قَالَ: اتْرُكِ الْوَدِيعَةَ فِي جَيْبِكَ فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ ضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ: اتْرُكْهَا فِي كُمِّكَ فَتَرَكَهَا فِي جَيْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ تَرَكَهَا فِي يَدِهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ دَفَعَ   [المبدع في شرح المقنع] بَلْ هُوَ الْحِفْظُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي عَلْفَهَا وَسَقْيَهَا، فَكَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ عُرِفًا، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ كَغَيْرِ الْوَدِيعَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ عَلْفُهَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ (إِلَّا أَنْ يَنْهَاهُ الْمَالِكُ عَنْ عَلْفِهَا) لِأَنَّ مَالِكَهَا أَذِنَ فِي إِتْلَافِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهَا، لَكِنْ إِذَا نَهَاهُ عَنْ عَلْفِهَا فَتَرَكَهُ، أَثِمَ لِحُرْمَةِ الْحَيَوَانِ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ لَزِمَهُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ بِقَبُولِهِ، وَيُعْتَبَرُ حَاكِمٌ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ " لَا. فَرْعٌ: إِذَا عَلَفَ الدَّابَّةَ، أَوْ سَقَاهَا فِي دَارِهِ أَوْ غَيْرِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ غُلَامِهِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا، وَالْحُكْمُ فِي النَّفَقَةِ وَالرُّجُوعِ كَالْحُكْمِ فِي نَفَقَةِ الْبَهِيمَةِ الْمَرْهُونَةِ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ مِثْلُهَا. [قَالَ اتْرُكِ الْوَدِيعَةَ فِي جَيْبِكَ فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ فَهَلَكَتْ] (فَإِنْ قَالَ: اتْرُكِ الْوَدِيعَةَ فِي جَيْبِكَ، فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ) أَوْ يَدِهِ (ضَمِنَ) لِأَنَّ الْجَيْبَ أَحْرَزُ، وَرُبَّمَا نَسِيَ فَسَقَطَ مِنْهُ (وَإِنْ قَالَ: اتْرُكْهَا فِي كُمِّكَ) أَوْ يَدِكَ (فَتَرَكَهَا فِي جَيْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ أَحْرَزُ (وَإِنْ تَرَكَهَا فِي يَدِهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَظْهَرُهُمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ يَسْقُطُ مِنْهَا الشَّيْءُ بِالنِّسْيَانِ بِخِلَافِ الْكُمِّ، وَالثَّانِي: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزُ مِنَ الْكُمِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الْبَطُّ، وَكَذَا الْخِلَافُ إِذَا عَيَّنَ يَدَهُ، فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْيَدُ أَحْرَزُ عِنْدَ الْمُغَالَبَةِ، وَالْكُمُّ أَحْرَزُ عِنْدَ غَيْرِهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا فِي يَدِهِ عِنْدَ الْمُغَالَبَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، وَإِلَّا ضَمِنَهَا لِنَقْلِهَا إِلَى أَدْنَى مِمَّا أُمِرَ بِهِ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا مُطْلَقًا فَتَرَكَهَا فِي جَيْبِهِ، أَوْ يَدِهِ، أَوْ شَدَّهَا فِي كُمِّهِ، أَوْ عَضُدِهِ، وَقِيلَ: مِنْ جَانِبِ الْجَيْبِ، أَوْ تَرَكَ فِي كُمَّهِ ثَقِيلًا بِغَيْرِ شَدٍّ، أَوْ تَرَكَهَا فِي وَسَطِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَفِي " الْفُصُولِ " إِنْ تَرَكَهَا فِي رَأْسِهِ، أَوْ غَرَزَهَا فِي عِمَامَتِهِ، أَوْ تَحْتَ قَلَنْسُوَتِهِ احْتُمِلَ أَنَّهُ أَحْرَزُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 الْوَدِيعَةَ إِلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ ضَمِنَ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا أَوْ خَافَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ رَدَّهَا إِلَى مَالِكِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ حَمَلَهَا مَعَهُ إِنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: اتْرُكْهَا فِي بَيْتِكَ فَشَدَّهَا فِي ثِيَابِهِ وَأَخْرَجَهَا مَعَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْرَزُ، وَإِنْ قَالَ: لَا يُدْخِلُ بَيْتَ الْوَدِيعَةِ أَحَدًا فَخَالَفَهُ، وَسَرَقَهَا الدَّاخِلُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا شَاهَدَهَا فِي دُخُولِ الْبَيْتِ، وَإِنْ سَرَقَهَا غَيْرُ الدَّاخِلِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِإِتْلَافِهَا، وَقِيلَ: بَلَى، جُزِمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَلَّ السَّارِقُ عَلَيْهَا (وَإِنْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إِلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ) أَوْ مَالَ رَبِّهَا عَادَةً (كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ لَمْ يَضْمَنْ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُودِعٌ، فَلَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِحِفْظِ مَالِهِ، وَكَوَكِيلِ رَبِّهَا، وَأَلْحَقَ بِهِمَا فِي " الرَّوْضَةِ " الْوَلَدَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَمَا لَوْ دَفَعَ الْمَاشِيَةَ إِلَى الرَّاعِي، أَوِ الْبَهِيمَةَ إِلَى غُلَامِهِ لِيَسْقِيَهَا، وَقِيلَ: يَضْمَنُ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَى أَجْنَبِيٍّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَصْدُقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ، أَوِ التَّلَفِ كَالْمُودِعِ. [دَفْعُ الْوَدِيعَةِ إِلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ فَهَلَكَتْ] (وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ) لِعُذْرٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ مُوَدِعٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْحَاكِمِ (وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ) إِذَا تَلِفَتْ (مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ) لِأَنَّ الْمُودِعَ ضَمِنَ بِنَفْسِ الدَّفْعِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْحِفْظِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ دَفْعًا وَاحِدًا لَا يُوجِبُ ضَمَانَيْنِ بِخِلَافِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ ضَامِنَةٌ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ) وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَا لَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ، أَشْبَهَ الْمُودِعَ مِنَ الْغَاصِبِ، وَكَمَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَى إِنْسَانٍ هِبَةً، وَعَلَيْهِ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي إِنْ عَلِمَ، وَإِلَّا فَعَلَى الْأَوَّلِ، وَجَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُمَا لَا يُطَالِبَانِ إِنْ جَهِلَا، وَيَتَخَرَّجُ مِنْ رِوَايَةِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ لَهُ الْإِيدَاعُ بِلَا عُذْرٍ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَنْهَهُ. (وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا أَوْ خَافَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ رَدَّهَا إِلَى مَالِكِهَا) أَوْ وَكِيلِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 أَحْفَظَ لَهَا، وَإِلَّا دَفَعَهَا إِلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أَوْدَعَهَا ثِقَةً، أَوْ دَفَنَهَا وَأَعْلَمَ بِهَا ثِقَةً يَسْكُنُ تِلْكَ الدَّارَ، فَإِنْ دَفَنَهَا وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَحَدًا أَوْ أَعْلَمَ بِهَا مَنْ لَا يَسْكُنُ الدَّارَ ضَمِنَهَا. وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا فَرَكِبَ الدَّابَّةَ لِغَيْرِ نَفْعِهَا، وَلَبِسَ الثَّوْبَ، وَأَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا، ثُمَّ رَدَّهَا أَوْ جَحَدَهَا، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، أَوْ كَسَرَ خَتْمَ كَيْسِهَا، أَوْ خَلَطَهَا   [المبدع في شرح المقنع] تَخْلِيصًا لَهُ مِنْ دَرْكِهَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا دَفَعَهَا إِلَى الْحَاكِمِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْحَاضِرِ، وَتَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَفِي مُؤْنَةِ رَدٍّ مِنْ بَعْدِ خِلَافٍ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ حَمَلَهَا مَعَهُ) فِي السَّفَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ لِضَرُورَةٍ، أَوْ لِغَيْرِهَا (إِنْ كَانَ أَحْفَظَ لَهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحِفْظُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا وَزِيَادَةٌ، وَشَرْطُهُ إِذَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَا خَوْفَ، وَفِي " الْمُبْهِجِ "، وَ " الْمُوجَزِ " وَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ، زَادَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، وَ " الِانْتِصَارِ " كَأَبٍ وَوَصِيٍّ، وَلَهُ مَا أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَيَتَوَجَّهُ كَنَظَائِرِهِ، وَقِيلَ: مَعَ غَيْبَةِ رَبِّهَا، أَوْ وَكِيلِهِ إِنْ كَانَ أَحْرَزَ، وَإِنِ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحْفَظَ لَهَا، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ (دَفَعَهَا إِلَى الْحَاكِمِ) لِأَنَّ فِي السَّفَرِ بِهَا غَرَرًا؛ لِأَنَّهُ بِعَرْضِيَّةِ النَّهْبِ وَغَيْرِهِ، إِذِ الْحَاكِمُ يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهَا عِنْدَ غَيْبَتِهِ، وَفِي لُزُومِهِ قَبُولُهَا وَجْهَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَوْدَعَهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْحَاكِمِ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا وِلَايَةَ لَهُ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ إِذَا أَوْدَعَهَا ثِقَةً، وَذَكَرَهُ الْحُلْوَانِيُّ رِوَايَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحْفَظَ لَهَا وَأَحَبَّ إِلَى مَالِكِهَا، وَكَتَعَذُّرِ حَاكِمٍ فِي الْأَصَحِّ (فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ) أَيْ: لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَاكِمِ (أَوْدَعَهَا ثِقَةً) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ أَوْدَعَ الْوَدَائِعَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِأُمِّ أَيْمَنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ الْإِيدَاعَ عِنْدَ غَيْرِهِ لِخَوْفِهِ عَلَيْهَا، وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى الْمُقِيمِ لَا الْمُسَافِرِ. فَرْعٌ: حُكْمُ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ حُكْمُ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا فِي دَفْعِهَا إِلَى حَاكِمٍ أَوْ ثِقَةٍ. (أَوْ دَفَنَهَا وَأَعْلَمَ بِهَا ثِقَةً يَسْكُنُ تِلْكَ الدَّارَ) لِأَنَّ الْحِفْظَ يَحْصُلُ بِهِ (فَإِنْ دَفَنَهَا وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَحَدًا) ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي الْحِفْظِ، فَإِنْهُ قَدْ يَمُوتُ فِي سَفَرِهِ فَلَا تَصِلُ إِلَى صَاحِبِهَا، وَرُبَّمَا نَسِيَ مَوْضِعَهَا، أَوْ أَصَابَهَا آفَةٌ، وَكَذَا إِنْ أَعْلَمَ بِهَا غَيْرَ ثِقَةٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَخَذَهَا، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْمُؤَلِّفُ اكْتِفَاءً بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ (أَوْ أَعْلَمَ بِهَا مَنْ لَا يَسْكُنُ الدَّارَ) أَيْ: مَنْ لَا يَدُلُّهُ عَلَى الْمَكَانِ (ضَمِنَهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُودِعْهَا إِيَّاهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الِاحْتِفَاظِ بِهَا [تَعَدَّى فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا] (وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا فَرَكِبَ الدَّابَّةَ لِغَيْرِ نَفْعِهَا، وَلَبِسَ الثَّوْبَ، وَأَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا ثُمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ ضَمِنَهَا، وَإِنْ خَلَطَهَا بِمُتَمَيِّزٍ أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لِيَسْقِيَهَا، وَإِنْ أَخَذَ   [المبدع في شرح المقنع] رَدَّهَا) بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ ضَمِنَهَا لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ لَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا، أَشْبَهَ مَا قَبِلَ التَّعَدِّي، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ ضَمِنَهَا بِعُدْوَانٍ، فَبَطَلَ الِاسْتِئْمَانُ، كَمَا لَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا إِذَا اسْتَعْمَلَهَا لِنَفْعِهَا كَلُبْسِ صُوفٍ وَنَحْوِهِ، خَوْفًا مِنْ عَثٍّ وَنَحْوِهِ (أَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا) لِأَنَّهُ بِجَحْدِهَا خَرَجَ عَنِ الِاسْتِئْمَانِ عَنْهَا، فَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ الضَّمَانُ بِالْإِقْرَارِ بِهَا؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ يَدَ عُدْوَانٍ (أَوْ كَسَرَ خَتْمَ كِيسِهَا) أَوْ كَانَتْ مَشْدُودَةً فَأَزَالَ الشَّدَّ، أَوْ مَقْفُولَةً فَأَزَالَهُ، وَسَوَاءٌ أَخَرَجَ مِنْهَا شَيْئًا أَوْ لَا لِهَتْكِهِ الْحِرْزَ بِفِعْلٍ تَعَدَّى فِيهِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ: لَا يَضْمَنُ، فَإِنْ خَرَقَ الْكِيسَ فَوْقَ الشَّدِّ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا خَرَقَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكِ الْحِرْزَ (أَوْ خَلَطَهَا بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ) كَزَيْتٍ بِزَيْتٍ، وَدَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ (ضَمِنَهَا) لِأَنَّهُ صَيَّرَهَا فِي حُكْمِ التَّالِفِ وَفَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ رَدَّهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي لُجَّةِ بَحْرٍ، وَسَوَاءٌ خَلَطَهَا بِمَالِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ بِمِثْلِهَا، أَوْ دُونِهَا، أَوْ أَجْوَدَ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ أَعْطَى آخَرَ دِرْهَمًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَيْئًا، فَخَلَطَهُ مَعَ دَرَاهِمِهِ، فَضَاعَا، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَلَمْ يَتَأَوَّلْهُ فِي " النَّوَادِرِ " وَذَكَرَهُ الْحُلْوَانِيُّ، ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْمَنْثُورِ " عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: لِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا ضَاعَ ضَمِنَ، نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " إِذَا خَلَطَ إِحْدَى وَدِيعَتَيْ زَيْدٍ بِالْأُخْرَى بِلَا إِذْنٍ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ، فَوَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا نَوَى التَّعَدِّيَ فِيهَا وَلَمْ يَتَعَدَّ لَمْ يَضْمَنْ، وَحَكَى الْقَاضِي قَوْلًا: بَلَى، كَمُلْتَقِطٍ فِي وَجْهٍ. (وَإِنْ خَلَطَهَا بِمُتَمَيِّزٍ) كَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَحَكَاهُ فِي " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْجَزُ بِذَلِكَ عَنْ رَدِّهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَهَا فِي صُنْدُوقٍ فِيهِ أَكْيَاسٌ لَهُ. وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُ لِلتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَكَذَا الْخِلَافُ إِنْ خَلَطَ بِيضًا بِسُودٍ، وَصِحَاحًا بِمُكَسَّرَةٍ. وَالثَّالِثَةُ: يَضْمَنُ إِنْ خَلَطَ بِيضًا بِسُودٍ، وَحَمَلَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " عَلَى أَنَّهَا تَكْتَسِبُ مِنْهَا سَوَادًا، وَيَتَغَيَّرُ لَوْنُهَا (أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لِيَسْقِيَهَا) أَوْ لِيَعْلِفَهَا لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُ فَضَاعَ الْكُلُّ ضَمِنَهُ وَحْدَهُ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَإِنْ رَدَّ بَدَلَهُ مُتَمَيِّزًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ ضَمِنَ الْجَمِيعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ غَيْرَهُ. وَإِنْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ وَدِيعَةً ضَمِنَهَا، وَلَمْ يَبْرَأْ إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ إِلَى وَلِيِّهِ، وَإِنْ أَوْدَعَ الصَّبِيَّ   [المبدع في شرح المقنع] يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، وَعُرْفًا، وَلِهَذَا يَضْمَنُ إِذَا تَلِفَتْ بِتَرْكِهِ (وَإِنْ أَخَذَ دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُ فَضَاعَ الْكُلُّ ضَمِنَهُ وَحْدَهُ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَعَلَّقَ بِالْأَخْذِ فَلَمْ يَضْمَنْ غَيْرَ مَا أَخَذَهُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ رَدِّهِ (وَعَنْهُ: يَضْمَنُ الْجَمِيعَ) حَكَاهَا فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ قَدْ تَعَدَّى فِيهَا فَضَمِنَهَا، كَمَا لَوْ أَخَذَ الْجَمِيعَ (وَإِنْ رَدَّ بَدَلَهَ مُتَمَيِّزًا فَكَذَلِكَ) أَيْ: يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ ضَمِنَ الْجَمِيعَ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي لِخَلْطِهِ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ غَيْرَهُ) وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ ". وَحُكِيَ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْقَوْلَ بِتَضْمِينِ الْجَمِيعِ، قَالَ: وَإِنَّهُ قَوْلُ سُوءٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مَنُوطٌ بِالتَّعَدِّي، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَأْخُوذِ، وَكَذَا إِنْ أَذِنَ فِي أَخْذِهِ مِنْهَا، فَرَدَّ بَدَلَهُ بِلَا إِذْنِهِ، وَشَرْطُهَا كَمَا جُزِمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ، وَلَا مَشْدُودَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ لِهَتْكِ الْحِرْزِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ. فَرْعٌ: إِذَا مَنَعَهَا بَعْدَ طَلَبِ طَالِبِهَا شَرْعًا وَالتَّمَكُّنِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لَهَا ضَمِنَ، فَإِنْ ضَمِنَهَا فَجَدَّدَ لَهُ صَاحِبُهَا اسْتِئْمَانًا، أَوْ أَبْرَأَهُ بَرِئَ فِي الْأَصَحِّ كَرَدِّهِ إِلَيْهِ، أَوْ إِنْ جِئْتَ ثُمَّ تَرَكْتَ، فَأَنْتَ أَمِينِي، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، فَإِنْ رَدَّهَا فَهُوَ ابْتِدَاءُ اسْتِئْمَانٍ. [أَوْدَعَ الصَّبِيَّ وَدِيعَةً فَتَلِفَتْ] (وَإِنْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ وَدِيعَةً ضَمِنَهَا) لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ شَرْعِيٍّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ (وَلَمْ يَبْرَأْ إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ إِلَى وَلِيِّهِ) أَيِ النَّاظِرِ فِي مَالِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِرَدِّهَا إِلَى الْمُودِعِ، لَكِنْ إِنْ خَافَ عَلَيْهَا التَّلَفَ إِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَخْلِيصَهَا مِنَ الْهَلَاكِ، جُزِمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْوَجِيزِ " (وَإِنْ أَوْدَعَ الصَّبِيَّ) أَوِ الْمَعْتُوهَ، أَوِ السَّفِيهَ (وَدِيعَةً فَتَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ مَالِكَهَا قَدْ فَرَّطَ فِي تَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ أَتْلَفَهَا لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ أَتْلَفَهَا بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى إِتْلَافِهَا بِدَفْعِهَا إِلَيْهِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ) نَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْإِتْلَافِ قَبْلَ الْإِيدَاعِ ضُمِنَ بِهِ بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ سَلَّطَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 وَدِيعَةً فَتَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ، وَإِنْ أَوْدَعَ عَبْدًا وَدِيعَةً؛ فَأَتْلَفَهَا، ضَمِنَهَا فِي رَقَبَتِهِ. فَصْلٌ وَالْمُودَعُ أَمِينٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ رَدٍّ وَتَلَفٍ وَإِذْنِ دَفْعِهَا إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَحْفَظَهُ إِيَّاهَا (وَإِنْ أَوْدَعَ عَبْدًا وَدِيعَةً فَأَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا فِي رَقَبَتِهِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ، فَصَحَّ اسْتِحْفَاظُهُ، وَبِهِ تَحْصُلُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ، وَكَوْنُهَا فِي رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ إِتْلَافَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَحُكِيَ فِي " النِّهَايَةِ " أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: فِيهِ وَجْهَانِ كَوَدِيعَةِ الصَّبِيِّ إِذَا أَتْلَفَهَا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَضْمَنُ الصَّبِيُّ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَضْمَنُ كَانَتْ فِي رَقَبَتِهِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ " وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ. [فَصْلُ وَالْمُودَعُ أَمِينٌ] ٌ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ رَدٍّ) مَعَ يَمِينِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي قَبْضِهَا، فَقُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ دَفَعَهَا إِلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ إِقَامَتُهَا، وَعَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ عَلَى يَدِ عَبْدِهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ خَازِنِهِ (وَتَلَفٍ) . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ إِذَا أَحْرَزَ الْوَدِيعَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا ضَاعَتْ، قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، قَالَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: يُصَدَّقُ فِي تَلَفِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَالْمَذْهَبُ إِنِ ادَّعَاهُ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كَحَرِيقٍ، فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِوُجُودِ السَّبَبِ وَلَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ. كُلُّ مَالٍ تَلِفَ فِي يَدِ أَمِينٍ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَا ضَمَانَ فِيهِ، إِلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إِذَا اسْتَسْلَفَ السُّلْطَانُ لِلْمَسَاكِينِ زَكَاةً قَبْلَ حَوْلِهَا فَتَلِفَتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا لِلْمَسَاكِينِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ الشَّافِعِيُّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 إِنْسَانٍ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ تُودِعْنِي، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَادَّعَى الرَّدَّ أَوِ التَّلَفَ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِذْنٍ فِي دَفْعِهَا إِلَى إِنْسَانٍ) بِأَنْ قَالَ: دَفَعْتُهَا إِلَى فُلَانٍ بِأَمْرِكَ، فَأَنْكَرَ مَالِكُهَا الْإِذْنَ فِي دَفْعِهَا قَبْلَ قَوْلِ الْمُودِعِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، أَشْبَهَ مَا لَوِ ادَّعَى رَدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا، وَلَوِ اعْتَرَفَ بِالْإِذْنِ وَأَنْكَرَ الدَّفْعَ قُبِلَ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ فِي الْمَنْصُوصِ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ إِنْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ، وَكَانَ الدَّفْعُ فِي دَيْنٍ بَرِئَ الْكُلُّ، فَإِنْ أَنْكَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الدَّافِعَ يَضْمَنُ لِكَوْنِهِ قَضَى الدَّيْنَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَلَا تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ مُفَرِّطٌ لِكَوْنِهِ أَذِنَ لَهُ فِي قَضَاءٍ يُبَرِّئُهُ مِنَ الْحَقِّ، وَلَمْ يَبْرَأْ بِدَفْعِهِ، فَكَانَ ضَامِنًا سَوَاءٌ صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ، وَذَكَرَ الْأَزَجِّيُّ أَنَّ الرَّدَّ إِلَى رَسُولٍ مُوَكَّلٍ وَمُودَعٍ، فَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ضَمِنَ لِتَعَلُّقِ الدَّفْعِ بِثَالِثٍ، وَيُحْتَمَلُ: لَا، وَإِنْ أَقَرَّ. وَقَالَ: قَصَّرْتُ لِتَرْكِ الْإِشْهَادِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَخَّرَ رَدَّهَا بَعْدَ طَلَبِهَا بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ، وَيُمْهَلُ لِأَكْلٍ وَنَوْمٍ وَهَضْمِ طَعَامٍ بِقَدْرِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " إِنْ أَخَّرَ لِكَوْنِهِ فِي حَمَّامٍ، أَوْ عَلَى طَعَامٍ إِلَى قَضَاءِ غَرَضٍ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ عَلَى وَجْهٍ، وَاخْتَارَهُ الْأَزَجِّيُّ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إِلَى وَكِيلِهِ فَتَمَكَّنَ وَأَبِي ضَمِنَ، وَالْأَصَحُّ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا وَكِيلُهُ. (وَإِنْ قَالَ: لَمْ تُودِعْنِي، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَادَّعَى الرَّدَّ أَوِ التَّلَفَ لَمْ يُقْبَلْ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا بِالْجُحُودِ، وَمُعْتَرِفًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ الْمُنَافِي لِلْأَمَانَةِ (وَإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً) لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لَهَا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَلِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَالْكَذِبُ الصَّادِرُ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِظْهَارِ الْحَقِّ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بِهِمَا، مُتَقَدِّمًا جُحُودُهُ، لَمْ تُسْمَعْ فِي الْمَنْصُوصِ، وَبَعْدَهُ تُسْمَعُ بِرَدٍّ؛ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنَ الرَّدِّ، وَالْأَصَحُّ وَبِتَلَفٍ، فَلَوْ شَهِدَتْ بِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا لَمْ يَسْقُطِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُهُ فَلَا يَنْبَغِي بِأَمْرِ مُتَرَدِّدٍ (وَإِنْ قَالَ: مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ قُبِلَ قَوْلُهُ) مَعَ يَمِينِهِ (فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُنَافِي مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَا يُكَذِّبُهَا، فَإِنَّ مَنْ تَلِفَتِ الْوَدِيعَةُ مِنْ حِرْزِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ أَوْ رَدَّهَا لَا شَيْءَ لِمَالِكِهَا عِنْدَهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَوْ قَالَ: لَكَ وَدِيعَةٌ ثُمَّ ادَّعَى ظَنَّ الْبَقَاءِ ثُمَّ عُلِمَ تَلَفُهَا، فَوَجْهَانِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 يُقْبَلْ، وَإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ قَالَ: مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ، قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُودَعُ فَادَّعَى وَارِثُهُ الرَّدَّ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ إِمْكَانِ رَدِّهَا لَمْ يَضْمَنْهَا، وَبَعْدَهَ يَضْمَنُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ مَاتَ الْمُودَعُ) فَهِيَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُ الْمَذْهَبُ اعْتِمَادًا عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ الرَّدِّ مَا لَمْ يُعْلَمْ مَا يُزِيلُهُ. وَالثَّانِيَةُ: لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إِتْلَافِهَا وَالتَّعَذُّرُ فِيهَا، فَيَنْتَفِي الضَّمَانُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ أَنْ يُوجَدَ جِنْسُ الْوَدِيعَةِ فِي مَالِهِ أَوْ لَا (فَادَّعَى وَارِثُهُ الرَّدَّ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَأْمَنْهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمُودِعِ فَإِنْهُ ائْتَمَنَهُ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَكَذَا لَوِ ادَّعَى الرَّدَّ إِلَى الْوَرَثَةِ، فَإِنِ ادَّعَى الرَّدَّ إِلَى رَبِّهَا، فَأَنْكَرَهُ وَرَثَتُهُ، فَوَجْهَانِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِإِقْرَارٍ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ وَرَثَتِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، فَلَوْ وُجِدَ عَلَيْهَا مَكْتُوبًا: وَدِيعَةٌ، لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوِعَاءُ كَانَتْ فِيهِ وَدِيعَةٌ قَبْلَ هَذِهِ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ فِي بَرْنَامَجِ أَبِيهِ: لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِخَطِّ أَبِيهِ عَلَى كِيسٍ لِفُلَانٍ كَخَطِّهِ بِدَيْنٍ لَهُ، فَيَحْلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَفِي رَدِّهِ عَلْيِهِ وَجْهَانِ، وَإِسْنَادُ الدَّارِ وَالْكَاتِبِ وَدَفْتَرِهِ وَنَحْوِهِمَا، وُكَلَاءُ كَالْأَمِيرِ فِي هَذَا. غَرِيبَةٌ: لَوْ أَوْدَعَ كِيسًا مَخْتُومًا مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ وَادَّعَى أَنَّهُ فُضَّ خَتْمُهُ، وَأَنَّهُ خَانَ صُدِّقَ الْمُودِعُ، فَلَوْ فُتِحَ فَوُجِدَ فِيهِ دَرَاهِمُ مِنْ ضَرْبِ خَمْسِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ، قَالَهُ الْبَغَوِيُّ فِي " فَتَاوِيهِ ". فَائِدَةٌ: إِذَا اسْتَعْمَلَ كَاتِبًا خَائِنًا، أَوْ عَاجِزًا أَثِمَ بِمَا أَذْهَبَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ لِتَفْرِيطِهِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ) أَيْ: عِنْدَ الْوَارِثِ (قَبْلَ إِمْكَانِ رَدِّهَا لَمْ يَضْمَنْهَا) لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُ (وَبَعْدَهُ يَضْمَنُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ لِتَأَخُّرِ رَدِّهَا مَعَ إِمْكَانِهِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ إِيدَاعٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَطَارَتِ الرِّيحُ ثَوْبًا إِلَى سَطْحٍ آخَرَ، وَأَمْكَنَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 ادَّعَى الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ فَأَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا فَهِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَحْلِفُ الْمُودِعُ أَيْضًا، وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا فَهِيَ لَهُمَا وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ وَأَخَذَهَا، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] رَدُّهُ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي إِثْبَاتِ يَدِهِ عَلَيْهَا، لِكَوْنِهَا حَصَلَتْ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَفِي ثَالِثٍ إِنْ جَهِلَهَا رَبُّهَا ضَمِنَ، قُطِعَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ (وَإِنِ ادَّعَى الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ) أَيِ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الَّذِي أَوْدَعَهَا وَلَا بَيِّنَةَ (فَأَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا فَهِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْمُودَعِ وَقَدْ نَقَلَهَا إِلَى الْمُدَّعِي فَصَارَتِ الْيَدُ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْيَدُ لَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ (وَيَحْلِفُ الْمُودِعُ أَيْضًا) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِحَقِّهِ، وَيَكُونُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا لِلْأَوَّلِ، فَإِنْهَا تُسَلَّمُ لِلْأَوَّلِ، وَيُغَرَّمُ قِيمَتُهَا لِلثَّانِي، نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا فَهِيَ لَهُمَا) أَيْ: بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا، وَتَدَاعَيَا مَعًا (وَيُحْلَفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) فِي نِصْفِهَا، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ عِوَضُهَا، يَقْتَسِمَانِهِ أَيْضًا (فَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ) يَمِينًا وَاحِدَةً إِذَا أَكْذَبَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَقِيلَ: لَا يَحْلِفُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ (وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) وُجُوبًا لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْحَقِّ فِيمَا لَيْسَ بِأَيْدِيهِمَا كَالْعِتْقِ وَالسَّفَرِ بِإِحْدَى نِسَائِهِ (فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ (وَأَخَذَهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ الْقُرْعَةِ، فَإِنْ قَالَ: لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا قِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا قَالَ: هِيَ لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ، أَوْ لَا أَعْرِفُهُ عَيْنًا، وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَتُقَرُّ بِيَدِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ صَاحِبُهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْوَاضِحِ ". (وَإِنْ أَوْدَعَهُ اثْنَانِ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا) يَنْقَسِمُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا يَنْقُصُ بِتَفْرِقَتِهِ (فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ مُمْكِنَةٌ بِغَيْرِ غَبْنٍ، وَلَا ضَرَرٍ، وَقَيَّدَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " بِمَا إِذَا كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَوْ إِذْنِ حَاكِمٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الْمِثْلِيِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 أَوْدَعَهُ اثْنَانِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ؛ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ غُصِبَتِ الْوَدِيعَةُ، فَهَلْ لِلْمُودِعِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَهِيَ الْأَرْضُ الدَّاثِرَةُ الَّتِي لَا يُعْلَمُ أَنَّهَا مُلِكَتْ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا آثَارُ الْمِلْكِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] صُرِّحَ بِهِ فِي " النِّهَايَةِ " وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ غَيْرِ ذَلِكَ بَيْعٌ، وَلَيْسَ لِلْمُودِعِ أَنْ يَبِيعَ عَلَى الْمُودَعِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ ذَلِكَ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا الْحَيْفُ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى التَّقْوِيمِ، وَذَلِكَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ. (وَإِنْ غُصِبَتِ الْوَدِيعَةُ، فَهَلْ لِلْمُودِعِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا وَذَلِكَ مِنْهُ، وَعَبَّرَ فِي " الْفُرُوعِ " بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ وَكِيلًا لِلْمَالِكِ، وَمِثْلُهُ مُرْتَهِنٌ، وَمُسْتَأْجِرٌ، وَمُضَارِبٌ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ مَعَ حُضُورِ الْمَالِكِ لَا يَلْزَمُهُ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أُخِذَتْ مِنْهُ قَهْرًا، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَسْلِيمِهَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عُذْرٌ يُبِيحُ دَفْعَهَا، فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَمَا لَوْ أُخِذَتْ مِنْهُ قَهْرًا، وَإِنْ صَادَرَهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَضْمَنْ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَضَمَّنَهُ أَبُو الْوَفَاءِ إِنَّ فَرَّطَ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ قَهْرًا لَمْ يَضْمَنْ، عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءُ: إِنْ ظُنَّ أَخْذُهَا مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ، كَانَ دَالًّا وَيَضْمَنُ. 1 - أَحْكَامٌ: إِذَا اسْتُودِعَ فِضَّةً وَأُمِرَ بِصَرْفِهَا بِذَهَبٍ فَفَعَلَ وَتَلِفَ الذَّهَبُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ قَالَ: اصْرِفْ مَالِي عَلَيْكَ مِنْ قَرْضٍ، فَفَعَلَ وَتَلِفَ ضَمِنَهُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنَ الْقَرْضِ، وَإِنِ اسْتُودِعَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ أَمْسَكَ وَلَدَهَا، وَقِيلَ: بِإِذْنِ رَبِّهَا وَهُوَ أَمَانَةٌ، فَلَوْ سَأَلَهُ عَنِ الْوَدِيعَةِ ظَالِمٌ وَرَّى عَنْهَا، فَإِنْ ضَاقَ النُّطْقُ عَنْهَا جَحَدَهَا وَتَأَوَّلَ، وَكَذَا إِنْ أُحْلِفَ عَلَيْهَا، وَإِنْ نَوَى جَحْدَهَا، أَوْ إِمْسَاكَهَا لِنَفْسِهِ، أَوِ التَّعَدِّي فِيهَا لَمْ يَضْمَنْ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ". [بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ] [تَعْرِيفُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ] بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ الْمَوَاتُ كَسَحَابٍ، وَالْمَيْتَةُ وَالْمَوَتَانُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ، الْأَرْضُ الدَّارِسَةُ الْخَرَابُ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 لَا يُعْلَمُ لَهَا مَالِكٌ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، مُسْلِمًا كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَرَّفَهَا الْأَزْهَرِيُّ بِأَنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ، وَلَا بِهَا مَاءٌ، وَلَا عِمَارَةٌ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَالْمَوَاتُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَوْتِ، وَهُوَ عَدَمُ الْحَيَاةِ، وَالْمُوتَانِ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ، الْمَوْتُ الذَّرِيعُ، وَرَجُلٌ مَوْتَانُ الْقَلْبِ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ، يَعْنِي أَعْمَى الْقَلْبِ لَا يَفْهَمُ. وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ حَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ مُتَلَقًّى بِالْقَبُولِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْأَمْوَالِ " عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» ؛ قَالَ عُرْوَةُ: قَضَى بِهِ عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ، وَفِي الزَّرْكَشِيِّ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «الْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، وَالْبِلَادُ بِلَادُ اللَّهِ، فَمَنْ أَحْيَى مِنْ مَوَاتِ الْأَرْضِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ. (وَهِيَ الْأَرْضُ الدَّاثِرَةُ) أَيْ: الدَّارِسَةُ (الَّتِي لَا يُعْلَمُ أَنَّهَا مُلِكَتْ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى الْمَوَاتِ شَرْعًا، وَكَذَا إِنْ مَلَكَهَا مَنْ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَبَادٍ، كَحَرْبِيٍّ، وَآثَارِ الرُّومِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَوَاتَ إِذَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مِلْكُ أَحَدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ، فَإِنْهُ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ جَرَى عَلَيْهِ مِلْكٌ بِشِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ فَلَا، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (فَإِنْ كَانَ فِيهَا آثَارُ الْمِلْكِ) وَبَادٍ أَهْلُهُ (وَلَا يُعْلَمُ لَهَا مَالِكٌ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْكَافِي " إِحْدَاهُمَا: يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَمْلِكُ بِهِ، كَاللُّقَطَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تُمْلَكُ بِهِ كَمَا لَوْ تَعَيَّنَ مَالِكُهُ، لَكِنْ إِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا يَوْمَئِذٍ مَالِكٌ، وَكَانَ مَلَكَهَا مُتَقَدِّمًا مُسْلِمٌ، أَوْ ذِمِّيٌّ، أَوْ مَشْكُوكٌ فِي عِصْمَتِهِ، وَلَمْ يَعْقُبُوا وَرَثَةً، فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 أَوْ كَافِرًا، بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ إِذْنِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا، إِلَّا مَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ لِظَاهِرِ خَبَرِ عَائِشَةَ، وَلِأَنَّهَا فَيْءٌ، فَعَلَيْهَا لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهُ لِمَنْ شَاءَ، وَعَنْهُ: يَمْلِكُ بِهِ، عَمَلًا بِعُمُومِ أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ، وَعَنْهُ: يَمْلِكُ مَعَ الشَّكِّ فِي سَابِقِ الْعِصْمَةِ دُونَ الْمُتَيَقِّنِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى قَدْ وُجِدَ، وَشُكَّ فِي الْمَانِعِ، اخْتَارَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَاسْتَثْنَى فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " مِنْ هَذَا مَا بِهِ آثَارُ مِلْكٍ قَدِيمٍ جَاهِلِيٍّ كَآثَارِ الرُّومِ، وَمَسَاكِنِ ثَمُودَ، وَنَحْوِهِمْ، فَإِنْهُ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ فِي الْأَظْهَرِ لِمَا رَوَى طَاوُسٌ مَرْفُوعًا قَالَ: «عَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدُ لَكُمْ» ، رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْأَمْوَالِ ". مَسْأَلَةٌ: نَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ فِي أَرْضٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، لَيْسَ فِيهَا مَزَارِعُ، وَلَا عُيُونٌ وَأَنْهَارٌ، وَتَزْعُمُ كُلُّ قَرْيَةٍ أَنَّهَا لَهُمْ، فَإِنْهَا لَيْسَتْ لِهَؤُلَاءِ، وَلَا لِهَؤُلَاءِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُمْ أَحْيَوْهَا، فَمَنْ أَحْيَاهَا فَلَهُ، وَمَعْنَاهُ نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ. [مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ] (وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ) أَيْ لِلْمُحْيِي لِلْأَخْبَارِ (مُسْلِمًا كَانَ) اتِّفَاقًا، سَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَوْ لَا، لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِفِعْلِهِ كَالِاصْطِيَادِ (أَوْ كَافِرًا) أَيْ: ذِمِّيًّا فِي الْمَنْصُوصِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِلْعُمُومِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ، وَحَمَلَ أَبُو الْخَطَّابِ قَوْلَهُ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَوَتَانُ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» وَجَوَابُهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ أَنَّهَا لَكُمْ، أَيْ: لِأَهْلِ دَارِكُمْ، وَالذِّمِّيُّ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، فَعَلَى الْمَنْصُوصِ إِذَا أَحْيَا مَوَاتًا عَنْوَةً لَزِمَهُ عَنْهُ الْخَرَاجُ، وَإِنْ أَحْيَا غَيْرَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْأَشْهَرِ. وَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ: عَلَيْهِ عُشْرُ ثَمَرِهِ، وَزَرْعُهُ (بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ إِذْنِهِ) قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ مُسْتَدِلًّا بِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ مُبَاحَةٌ فَلَا يَفْتَقِرُ تَمَلُّكُهَا إِلَى إِذْنٍ كَأَخْذِ الْمُبَاحِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عُمُومَ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَحْوَالِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَحَكَاهُ فِي " الْوَاضِحِ " رِوَايَةً؛ لِأَنَّ لَهُ مُدْخَلًا فِي النَّظَرِ فِي ذَلِكَ (فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا) يَعْنِي أَنَّ جَمِيعَ الْبِلَادِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، فُتِحْتَ عُنْوَةً كَأَرْضِ الشَّامِ، وَالْعِرَاقِ، وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كَالْمَدِينَةِ، وَمَا صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 أَرْضِ الْكُفَّارِ الَّتِي صُولِحُوا عَلَيْهَا، وَمَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ لَمْ يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَلَا تُمْلَكُ الْمَعَادِنُ   [المبدع في شرح المقنع] كَخَيْبَرَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَوَاتُ الْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ، وَعَنْهُ: لَيْسَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ مَوَاتٌ مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا لِجَمَاعَةٍ، فَلَا يُخْتَصُّ بِهَا أَحَدُهُمْ، وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى الْعَامِّ، وَأَنَّ أَحْمَدَ قَالَهُ حِينَ كَانَ السَّوَادُ عَامِرًا فِي زَمَنِ عُمَرَ (إِلَّا مَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَرْضِ الْكُفَّارِ الَّتِي صُولِحُوا عَلَيْهَا) أَيْ: لَا يَمْلِكُ مُسْلِمٌ بِالْإِحْيَاءِ مَوَاتَ بَلْدَةِ كُفَّارٍ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ، وَلَنَا خَرَاجُهَا؛ لِأَنَّهُمْ صُولِحُوا فِي بِلَادِهِمْ فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ تَابِعٌ لِلْبَلَدِ، وَيُفَارِقُ دَارَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَقِيلَ: يَمْلِكُ بِهِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهَا مِنْ مُبَاحَاتِ دَارِهِمْ، فَمَلَكَ بِهِ كَالْمُبَاحِ. (وَمَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ) كَطُرُقِهِ، وَفِنَائِهِ، وَمَسِيلِ مَائِهِ، وَمَرْعَاهُ، وَمُحْتَطَبِهِ، وَحَرِيمِهِ (لَمْ يَمْلِكْ بِالْإِحْيَاءِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْمِلْكِ فَأُعْطِيَ حُكْمُهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ مَنَافِعَ الْمَرَافِقِ لَا يَمْلِكُهَا الْمُحْيِي بِالْإِحْيَاءِ، لَكِنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَقْطَعُهُ إِمَامٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ (وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَنَصُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ لِلْعُمُومِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَهُوَ التَّعَلُّقُ بِمَصَالِحِ الْعَامِرِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَمْلِكُ بِهِ تَنْزِيلًا لِلضَّرَرِ فِي الْمَآلِ مَنْزِلَةَ الضَّرَرِ فِي الْحَالِ، إِذْ هُوَ بِصَدَدِ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ فِي الْمَآلِ، وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَقِيقَ» ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ عِمَارَةِ الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَّهُ مَوَاتٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مَصْلَحَةٌ، فَجَازَ إِحْيَاؤُهُ كَالْبَعِيدِ، وَالْمَرْجِعُ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ إِلَى الْعُرْفِ، وَعَلَيْهَا لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهُ. فَائِدَةٌ: إِذَا وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ نِزَاعٌ وَقْتَ الْإِحْيَاءِ، فَلَهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ لِلْخَبَرِ، وَلَا تُغَيَّرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 الظَّاهِرَةُ كَالْمِلْحِ وَالْقَارِ وَالنِّفْطِ وَالْكُحْلِ وَالْجِصِّ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهُ، وَإِذَا كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ مَوْضِعٌ إِذَا حَصَلَ فِيهِ الْمَاءُ صَارَ مِلْحًا مُلِكَ   [المبدع في شرح المقنع] بَعْدَ وَضْعِهَا؛ لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِيمَنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا: تَوْبَتُهُ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ. (وَلَا تُمْلَكُ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ كَالْمِلْحِ وَالْقَارِ) وَهُوَ شَيْءٌ أَسْوَدُ، تُطْلَى بِهِ السُّفُنُ (وَالنِّفْطُ) بِفَتْحٍ، وَكَسْرِهَا، وَهُوَ أَفْصَحُ (وَالْكُحْلُ وَالْجِصُّ بِالْإِحْيَاءِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ أَنَّهُ «وَفَدَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ، فَقَطَعَ لَهُ، فَلَمَّا وَلِيَ قَالَ رَجُلٌ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ، قَالَ: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ، قَالَ: وَسَأَلَهُ عَمَّا يُحْمَى مِنَ الْأَرَاكِ؟ قَالَ: مَا لَمْ تَنَلْهُ أَخْفَافُ الْإِبِلِ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةُ فَلَمْ يَجُزْ إِحْيَاؤُهُ كَطُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مِنْ مَوَارِدِ اللَّهِ الْكَرِيمِ، وَفَيْضِ جُودِهِ الْعَمِيمِ، فَلَوْ مُلِّكَ بِالِاحْتِجَارِ مِلْكٌ مَنَعَهُ، فَضَاقَ عَلَى النَّاسِ (وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا، فَأَمَّا الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا يُوصَلُ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْمُؤْنَةِ، فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فَهِيَ كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يَمْلِكُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوَاتٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْمُؤْنَةِ، فَمَلَكَ بِالْإِحْيَاءِ كَالْأَرْضِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهَا، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ» . فَرْعٌ: مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فِي الْجَزَائِرِ، فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ فِيهَا يَرُدُّ الْمَاءَ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَيَضُرُّ بِأَهْلِهِ. (وَإِذَا كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ مَوْضِعٌ إِذَا حَصَلَ فِيهِ الْمَاءُ صَارَ مِلْحًا مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى أَحَدٍ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَبَقِيَّةِ الْمَوَاتِ، وَإِحْيَاؤُهُ بِعَمَلٍ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ حَفْرِ تُرَابِهِ، وَتَمْهِيدِهِ، وَفَتْحِ قَنَاةٍ إِلَيْهِ (وَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهُ) كَبَقِيَّةِ الْمَوَاتِ (وَإِذَا مَلَكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 بِالْإِحْيَاءِ، وَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهُ، وَإِذَا مَلَكَ الْمُحْيَا مَلَكَهُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ، أَوْ مَعْدِنٌ جَارٍ، أَوْ كَلَأٌ، أَوْ شَجَرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُحْيَا) أَيْ: إِذَا مَلَكَ الْأَرْضَ بِالْإِحْيَاءِ (مَلَكَهُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَالْحَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَطَبَقَاتِهَا، وَهَذَا مِنْهَا بِخِلَافِ الْكَنْزِ فَإِنْهُ مُودَعٌ فِيهَا، وَيُفَارِقُ مَا إِذَا كَانَ ظَاهِرًا قَبْلَ إِحْيَائِهَا؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ عَنِ النَّاسِ نَفْعًا كَانَ وَاصِلًا إِلَيْهِمْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَعَادِنَ الظَّاهِرَةَ، وَلَوْ تَحَجَّرَ الْأَرْضَ أَوْ أَقْطَعَهَا فَظَهَرَ فِيهَا الْمَعْدِنُ قَبْلَ إِحْيَائِهَا كَانَ لَهُ إِحْيَاؤُهَا، وَيَمْلِكُهَا بِمَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِتَحَجُّرِهِ وَإِقْطَاعِهِ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ إِتْمَامِ حَقِّهِ. (وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ، أَوْ مَعْدِنٌ جَارٍ، أَوْ كَلَأٌ، أَوْ شَجَرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَنْ لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» ؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي لَفْظِ: «فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَلِأَنَّهُ لَوْ سَبَقَ إِلَى الْمُبَاحِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ أَرْضَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، فَهُنَا أَوْلَى (وَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصَحُّهُمَا لَا يَمْلِكُهُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، فَلَمْ يَمْلِكْهَا بِمِلْكِ الْأَرْضِ كَالْكَنْزِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ أَرْضِهِ، أَشْبَهَ الْمَعَادِنَ الْجَامِدَةَ وَالزَّرْعَ (وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ أَوْ فَضْلَ كَلَئِهِ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمَحَلُّهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً مُبَاحًا، وَلَمْ يَنْضُرْ بِهَا، وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ بِذْلُهُ لِزَرْعِ غَيْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَصْلٌ وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ أَنْ يَحُوزَهَا بِحَائِطٍ أَوْ يُجْرِيَ لَهَا مَاءً، وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا عَادِيَّةً،   [المبدع في شرح المقنع] اتِّصَالَهُ بِمَرْعًى، وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَبْلُ وَالدَّلْوُ؛ لِأَنَّهُ يَتْلَفُ بِالِاسْتِعْمَالِ، أَشْبَهَ بَقِيَّةَ مَالِهِ، قَالَهُ فِي " الْكَافِي " (وَهَلْ يَلْزَمُهُ بِذْلُهُ لِزَرْعِ غَيْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: يَلْزَمُهُ، لِمَا رَوَى إِيَاسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: إِلَّا أَنْ يُؤْذِيَهُ بِالدُّخُولِ، أَوْ لَهُ فِيهِ مَاءُ السَّمَاءِ، فَيَخَافُ عَطَشًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ، جُزِمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، فَعَلَيْهَا يَبِيعُهُ بِكَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ، وَيَحْرُمُ مُقَدَّرًا بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ بِالرَّيِّ، أَوْ جُزَافًا، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، قَالَ: وَإِنْ بَاعَ آصُعًا مَعْلُومَةً مِنْ سَائِحٍ، جَازَ كَمَاءِ عَيْنٍ، لَا بَيْعَ كُلِّ الْمَاءِ لِاخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ. [فَصْلٌ وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ أَنْ يَحُوزَهَا بِحَائِطٍ] ٍ) مَنِيعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْخِرَقِيُّ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَهُ إِجْرَاءُ مَاءٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِحْيَاءَ يَحْصُلُ بِالتَّحْوِيطِ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ أَرَادَهَا لِلْبِنَاءِ، أَوْ لِلزَّرْعِ، أَوْ حَظِيرَةً لِلدَّوَابِّ (أَوْ يُجْرِي لَهَا مَاءً) مِنْ عَيْنٍ وَنَحْوِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَفْعَ الْأَرْضِ بِالْمَاءِ أَكَثُرُ مِنَ الْحَائِطِ، وَيَمْلِكُهُ بِغَرْسٍ، أَوْ مَنْعِ مَاءٍ لِيَزْرَعَ لَا بِحَرْثٍ وَزَرْعٍ. (وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا عَادِيَّةً) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْقَدِيمَةَ، مَنْسُوبَةً إِلَى عَادٍ، وَلَمْ يُرِدْ عَادًا بِعَيْنِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 مَلَكَ حَرِيمَهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادِيَّةً فَحَرِيمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَعِنْدَ الْقَاضِي حَرِيمُهَا قَدْرُ مَدِّ رِشَائِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَقِيلَ: قَدْرُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] (مَلَكَ حَرِيمَهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادِيَّةً) أَيْ: قَدِيمَةً (فَحَرِيمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبِئْرَ مَعَ الْحَرِيمِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ "، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَالشَّيْخَانِ، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْأَمْوَالِ " عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: «السُّنَّةُ فِي حَرِيمِ الْقَلِيبِ الْعَادِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَالْبَدِيءِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا» ، وَرَوَى الْخَلَّالُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ فِيهَا مَاءٌ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْمَاءِ فَهُوَ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ، وَقَوْلُهُ: حَفَرَ بِئْرًا عَادِيَّةً، مَحْمُولٌ عَلَى الْبِئْرِ الَّتِي انْطَمَّتْ، وَذَهَبَ مَاؤُهَا، فَجَدَّدَ حَفْرَهَا وَعِمَارَتَهَا، أَوِ انْقَطَعَ مَاؤُهَا، فَاسْتَخْرَجَهُ، لِيَكُونَ ذَلِكَ إِحْيَاءً لَهَا، فَأَمَّا الْبِئْرُ الَّتِي لَهَا مَاءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ احْتِجَارُهُ كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ. فَرْعٌ: إِذَا حَفَرَ بِئْرًا بِمَوَاتٍ لِلسَّابِلَةِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِي شُرْبٍ وَسَقْيٍ، وَيُقَدَّمُ آدَمِيٌّ ثُمَّ حَيَوَانٌ، وَإِنْ حَفَرَهَا فِيهِ لِارْتِفَاقِهِ كَعَادَةِ مَنِ انْتَجَعَ أَرْضًا فَهُوَ أَحَقُّ مَا أَقَامَ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَلْزَمُهُ بَذْلُ فَاضِلِهِ لِشَارِبِهِ فَقَطْ، وَإِنْ رَحَلَ فَسَابِلَةٌ، فَإِنْ عَادَ فَفِي اخْتِصَاصِهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ حَفَرَهَا تَمَلُّكًا، أَوْ يَمْلِكُهُ الْحَيُّ مَلَكَهَا، وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " لَوِ احْتَاجَتْ طَيًّا فَبَعَّدَهُ، وَتَبِعَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْبُلْغَةِ "، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الشُّرْبَ مِنَ الْآبَارِ الَّتِي فِي الطَّرِيقِ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ كُرِهَ حَفْرُهَا (وَعِنْدَ الْقَاضِي) وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ (حَرِيمُهَا قَدْرُ مَدِّ رِشَائِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حَرِيمُ الْبِئْرِ مَدُّ رِشَائِهَا» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَقُدِّرَ بِمَدِّ الرِّشَاءِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِهِ (وَقِيلَ: قَدْرُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي تَرْقِيَةِ مَائِهَا) وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ الْقَاضِي، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي " الْهِدَايَةِ " فَإِنْ كَانَ بِدُولَابٍ فَقَدْرُ مَدَارِ الثَّوْرِ، وَإِنْ كَانَ بِسَانِيَةٍ فَبِقَدْرِ طُولِ الْبِئْرِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَقِي مِنْهَا بِيَدِهِ فَبِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْوَاقِفُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِلْحَاجَةِ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: التَّحْدِيدُ الْوَارِدُ فِي الْخَبَرِ وَكَلَامِ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 تَرْقِيَةِ مَائِهَا، وَقِيلَ: إِحْيَاءُ الْأَرْضِ مَا عَدَا إِحْيَاءً وَهُوَ عِمَارَتُهَا بِمَا تَتَهَيَّأُ بِهِ لِمَا يُرَادُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ، وَقِيلَ: مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ كَالسَّقْيِ، وَالْحَرْثِ، فَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَمَا لَا   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى الْمَجَازِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَإِنْهُ قَدْ يُحْتَاجُ إِلَى حَرِيمِهَا لِغَيْرِ تَرْقِيَةِ الْمَاءِ لِمَوْقِفِ الْمَاشِيَةِ وَعَطَنِ الْإِبِلِ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " لَهُ أَبْعَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْحَاجَةِ، أَوْ قَدْرُ الْأَذْرُعِ، مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ فِي التَّقْدِيرِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، فَأَمَّا حَرِيمُ الْعَيْنِ الْمُسْتَخْرَجَةِ فَهُوَ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " الْكَافِي " وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ قَدْرُ الْحَاجَةِ، وَحَرِيمُ النَّهْرِ: مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِطَرْحِ كِرَايَتِهِ، وَطَرِيقِ شَاوِيهِ، وَمَا يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهُ بِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَثُرَ (وَقِيلَ: إِحْيَاءُ الْأَرْضِ مَا عُدَّ إِحْيَاءً) وَحَكَاهُ الْقَاضِي رِوَايَةً؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ الْإِحْيَاءَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ (وَهُوَ عِمَارَتُهَا بِمَا تَتَهَيَّأُ بِهِ لِمَا يُرَادُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ) هَذَا بَيَانٌ لِمَا يُعَدُّ إِحْيَاءً فِي الْعُرْفِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ تُحْيَى دَارًا لِلسُّكْنَى، وَحَظِيرَةً، وَمَزْرَعَةً، فَإِحْيَاءُ كُلٍّ مِنْهَا بِمَا يُنَاسِبُهُ، فَإِنْ كَانَتْ لِلسُّكْنَى، فَإِحْيَاؤُهَا بِبِنَاءِ حِيطَانِهَا، وَتَسْقِيفِ بَعْضِهَا بِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَعَنْهُ: وَقَسْمُ بُيُوتِهِ، وَعُلُوُّ أَبْوَابِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " لَا يُعْتَبَرُ نَصْبُ أَبْوَابٍ عَلَى الْبُيُوتِ، وَإِنْ كَانَتْ حَظِيرَةً فَبِنَاءُ حَائِطٍ جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلزَّرْعِ فَبِأَنْ يَسُوقَ إِلَيْهَا مَاءً إِنْ كَانَتْ تُسْقَى، وَيَقْلَعَ مَا بِهَا مِنَ الْأَحْجَارِ إِنِ احْتَاجَتْ إِلَى ذَلِكَ، وَيَقْلَعَ مَا بِهَا مِنَ الْأَشْجَارِ كَأَرْضِ الشِّعْرَى، وَيُزِيلَ عُرُوقَهَا الْمَانِعَةَ مِنَ الزَّرْعِ، أَوْ يَحْبِسَ الْمَاءَ عَنْهَا كَأَرْضِ الْبَطَائِحِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَزْرَعَهَا، وَيَسْقِيَهَا، وَلَا أَنْ يَحْرُثَهَا فِي الْأَصَحِّ. وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، فَقَالَ: أَنْ يُحَوِّطَهَا بِحَائِطٍ أَوْ يُعَمِّرَهَا الْعِمَارَةَ الْعُرْفِيَّةَ (وَقِيلَ: مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ كَالسَّقْيِ، وَالْحَرْثِ، فَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَمَا لَا يَتَكَرَّرُ فَهُوَ إِحْيَاءٌ) لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِذَلِكَ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ كَثِيرَةَ الدَّغَلِ وَالْحَشِيشِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا إِلَّا بِتَكْرَارِ حَرْثِهَا، وَتَنْقِيَةِ دَغْلِهَا وَحَشِيشِهَا الْمَانِعِ مِنْ زَرْعِهَا كَانَ إِحْيَاءً. تَنْبِيهٌ: حَرِيمُ شَجَرٍ قَدْرُ مَدِّ أَغْصَانِهَا، فَإِنْ غَرَسَهَا فِي مَوَاتٍ فَهِيَ لَهُ وَحَرِيمُهَا، وَإِنْ سَبَقَ إِلَى شَجَرٍ مُبَاحٍ كَزَيْتُونٍ وَخَرُّوبٍ، فَسَقَاهُ وَأَصْلَحَهُ فَهُوَ لَهُ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 يَتَكَرَّرُ فَهُوَ إِحْيَاءٌ وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا لَمْ يَمْلِكْهُ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَوَارِثُهُ بَعْدَهُ، وَمَنْ يَنْقُلُهُ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ بِيعُهُ، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ إِحْيَاؤُهُ، قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ أَوْ تَتْرُكَهُ، فَإِنْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ أُمْهِلَ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، فَإِنْ أَحْيَاهُ غَيْرُهُ فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ رَكِبَهُ مَلَكَهُ بِذَلِكَ، وَحَرِيمُهُ وَحَرِيمُ دَارٍ مِنْ مَوَاتٍ حَوْلَهَا مَطْرَحُ تُرَابٍ، وَكُنَاسَةٍ، وَثَلْجٍ، وَمَاءِ مِيزَابٍ، وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِمِلْكٍ، وَيَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِحَسَبِ الْعَادَةِ. [تَحَجَّرَ مَوَاتًا] (وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا) تَحَجُّرُ الْمَوَاتِ: الشُّرُوعُ فِي إِحْيَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتِمَّهُ، مِثْلَ أَنْ يُحِيطَ حَوْلَ الْأَرْضِ تُرَابًا أَوْ بِجِدَارٍ صَغِيرٍ، أَوْ يَحْفُرَ بِئْرًا وَلَمْ يَصِلْ مَاؤُهَا. نَقَلَهُ حَرْبٌ، (لَمْ يَمْلِكْهُ) لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِحْيَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) مِنْ سَائِرِ النَّاسِ لِقَوْلِهِ: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» (وَوَارِثُهُ بَعْدَهُ) لِقَوْلِهِ: «مَنْ تَرَكَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» (وَمَنْ يَنْقُلُهُ إِلَيْهِ) أَيْ: إِذَا نَقَلَهُ إِلَى غَيْرِهِ بِالْهِبَةِ صَارَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ (وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَكَمَنَ سَبَقَ إِلَى مُبَاحٍ قَبْلَ أَخْذِهِ (وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ) أَيْ: بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ إِحْيَاؤُهُ قِيلَ لَهُ) أَيْ: يَقُولُ لَهُ السُّلْطَانُ وَنَحْوُهُ إِذَا طَالَتِ الْمُدَّةُ (إِمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ أَوْ تَتْرُكَهُ) لِيُحْيِيَهُ غَيْرُكَ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ، كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ (فَإِنْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ أُمْهِلَ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَاقْتَصَرَ فِي " الْكَافِي "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " عَلَى الشَّهْرَيْنِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " يُمْهَلُ مُدَّةً قَرِيبَةً بِسُؤَالِهِ (فَإِنْ) بَادَرَ وَ (أَحْيَاهُ غَيْرُهُ) قَبْلَ فَرَاغِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ (فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَفْهُومِ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فِي غَيْرِ حَقِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 فَصْلٌ وَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ بَلْ يَصِيرُ   [المبدع في شرح المقنع] مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» أَنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ إِذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ فِيهَا حَقٌّ، وَلِأَنَّهُ إِحْيَاءٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ كَمَا لَوْ أَحْيَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَحَجِّرِ أَسْبَقُ فَكَانَ أَوْلَى، كَحَقِّ الشَّفِيعِ يُقَدَّمُ عَلَى شِرَاءِ الْمُشْتَرِي، وَالثَّانِي: يَمْلِكُهُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلِأَنَّ الْإِحْيَاءَ يُمْلَكُ بِهِ فَقُدِّمَ عَلَى الْمُتَحَجِّرِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي نُزُولِ مُسْتَحِقٍّ عَنْ وَظِيفَةٍ لِزَيْدٍ، هَلْ يَتَقَرَّرُ فِيهَا غَيْرُهُ؟ قَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ نَزَلَ عَنْ وَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ: لَا يَتَعَيَّنُ الْمَنْزُولُ لَهُ، وَيُوَلِّيِ مِنْ لَهُ الْوِلَايَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّوْلِيَةَ شَرْعًا، اعْتَرَضَهُ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ نُزُولُهُ بِعِوَضٍ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ رَغْبَةٌ مُطْلَقَةٌ عَنْ وَظِيفَتِهِ ثُمَّ قَالَ: وَكَلَامُ الشَّيْخِ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَنْزُولَ لَهُ لَيْسَ أَهْلًا، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ النُّزُولَ يُفِيدُ الشُّغُورَ، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ بِنُزُولِهِ إِذِ السَّاقِطُ لَا يَعُودُ، وَقَوْلُهُ: قَضِيَّةٌ فِي عَيْنِ الْأَصْلِ عَدَمُهُ، وَمِمَّا يُشْبِهُ النُّزُولَ عَنِ الْوَظَائِفِ النُّزُولُ عَنِ الْإِقْطَاعِ، فَإِنْهُ نُزُولٌ عَنِ اسْتِحْقَاقٍ يَخْتَصُّ بِهِ لِتَخْصِيصِ الْإِمَامِ لَهُ اسْتِغْلَالَهُ، أَشْبَهَ مُسْتَحِقِّ الْوَظِيفَةِ، وَمُتَحَجِّرِ الْمَوَاتِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْخُلْعِ، فَإِنْهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمْلِكِ الْبُضْعَ، وَإِنَّمَا مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُتَحَجِّرَ. [لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيَهُ] فَصْلٌ (وَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَقِيقَ» ، «وَأَقْطَعَ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ أَرْضًا» ، «وَأَقْطَعَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ» ، وَجَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطِعَ مِقْدَارَ مَا عَيَّنَهُ، فَإِنْ فَعَلَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ عَنْ إِحْيَائِهِ اسْتَرْجَعَهُ كَمَا اسْتَرْجَعَ عُمَرُ مِنْ بِلَالٍ مَا عَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهِ بِالْعَقِيقِ الَّذِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ) لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ بِهِ لَمَا جَازَ اسْتِرْجَاعُهُ (بَلْ يَصِيرُ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ) لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ بِالْإِقْطَاعِ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُسَمَّى تَمَلُّكًا لِمَآلِهِ إِلَيْهِ، وَكَذَا لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ غَيْرِ مَوَاتٍ تَمْلِيكًا وَانْتِفَاعًا لِلْمَصْلَحَةِ. نَقَلَ حَرْبٌ: الْقَطَائِعُ جَائِزَةٌ. وَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِقَطَائِعِ الْأُمَرَاءِ، فَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا، وَنَقَلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ، وَلَهُ إِقْطَاعُ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ وَرِحَابِ الْمَسْجِدِ، مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ، وَيَكُونُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِالْجُلُوسِ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهَا فَلِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا الْجُلُوسُ فِيهَا، وَيَكُونُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عَنْهَا، فَإِنْ أَطَالَ الْجُلُوسَ فِيهَا فَهَلْ يُزَالُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] يَعْقُوبُ: قَطَائِعُ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ مِنَ الْمَكْرُوهَةِ، كَانَتْ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَأَخَذَهَا هَؤُلَاءِ، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ: مَا أَدْرِي مَا هَذِهِ الْقَطَائِعُ يُخْرِجُونَهَا مِمَّنْ شَاءُوا إِلَى مَنْ شَاءُوا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مَنْ أُقْطِعَهَا، فَكَيْفَ يَخْرُجُ عَنْهُ، وَلِهَذَا عَوَّضَ عُمَرُ جَرِيرًا الْبَجْلِيَّ لَمَّا رَجَعَ فِيمَا أَقْطَعَهُ (وَلَهُ إِقْطَاعُ الْجُلُوسِ) لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (فِي الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ وَرِحَابِ الْمَسْجِدِ) إِنْ قِيلَ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ إِذَا كَانَتْ وَاسِعَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُبَاحُ الْجُلُوسُ فِيهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ، فَجَازَ إِقْطَاعُهُ كَالْأَرْضِ الدَّارِسَةِ، وَتُسَمَّى إِقْطَاعَ إِرْفَاقٍ (مَا لَمْ يُضَيَّقْ عَلَى النَّاسِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، فَضْلًا عَمَّا فِيهِ مَضَرَّةٌ. (وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ) لِمَا ذُكِرَ فِي إِقْطَاعِ الْأَرْضِ (وَيَكُونُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِالْجُلُوسِ فِيهَا) بِمَنْزِلَةِ السَّابِقِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إِقْطَاعٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّابِقَ إِذَا نَقَلَ مَتَاعَهُ عَنْهَا فَلِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهَا، وَهَذَا قَدِ اسْتَحَقَّ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ، فَلَا يَزُولُ حَقُّهُ بِنَقْلِ مَتَاعِهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ، وَشَرْطُهُ مَا لَمْ يَعُدْ فِيهِ، وَيَحْرُمُ مَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَوْ بِعِوَضٍ، وَحُكْمُهُ فِي التَّظْلِيلِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لَيْسَ بِبِنَاءٍ، وَمَنْعِهِ مِنَ الْمُقَامِ إِذَا أَطَالَ مُقَامُهُ، حُكْمُ السَّابِقِ. (فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهَا فَلِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا الْجُلُوسُ فِيهَا) عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى وَجْهٍ لَهَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ عَلَى إِقْرَارِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَلِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِمُبَاحٍ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَالِاحْتِيَازِ (وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا مَا لَمْ يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عَنْهَا) لِسَبْقِهِ إِلَى مُبَاحٍ كَمَارٍّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إِزَالَتُهُ، وَأَنَّهُ إِذَا نَقَلَ مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ، وَقِيلَ: إِنْ فَارَقَ لِيَعُودَ قَرِيبًا فَعَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَعَنْهُ: يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ إِلَى اللَّيْلِ، وَفِي افْتِقَارِهِ إِلَى إِذْنٍ، فِيهِ وَجْهَانِ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبِيعُونَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ضِيقِهِ، أَوْ كَوْنِهِ يُؤْذِي الْمَارَّةَ (فَإِنْ أَطَالَ الْجُلُوسَ فِيهَا) مِنْ غَيْرِ إِقْطَاعٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا، وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَعْدِنٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُ مِنْهُ، وَهَلْ يُمْنَعُ إِذَا طَالَ مُقَامُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مُبَاحٍ كَصَيْدٍ، وَعَنْبَرٍ، وَحَطَبٍ، وَثَمَرٍ، وَمَا يَنْبِذِهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ   [المبدع في شرح المقنع] (فَهَلْ يُزَالُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُزَالُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالتَّمَلُّكِ، وَيُخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِيهِ غَيْرُهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ، وَالثَّانِي: لَا يُزَالُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الِاسْتِدَامَةِ كَالِابْتِدَاءِ (وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ) فَأَكْثَرُ، وَضَاقَ الْمَكَانُ (أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِ، وَالْقُرْعَةُ مُمَيِّزَةٌ (وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ. (وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَعْدِنٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُ مِنْهُ) لِلْخَبَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَعْدِنُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا إِذَا كَانَ فِي مَوَاتٍ (وَهَلْ يُمْنَعُ إِذَا طَالَ مُقَامُهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا، وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لَا يُمْنَعُ لِلْخَبَرِ، وَالثَّانِي: بَلَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ، وَفِي " الشَّرْحِ " إِنْ أَخَذَ قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَأَرَادَ الْإِقَامَةَ لِيَمْنَعَ غَيْرَهُ، مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ بِمَا لَا نَفْعَ فِيهِ، وَقِيلَ: إِنْ أَخَذَهُ لِتِجَارَةٍ هَايَأَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَخَذَهُ لِحَاجَةٍ، فَأَوْجُهُ الْقُرْعَةِ وَالْمُهَايَأَةِ، وَتَقْدِيمِ مَنْ يَرَى الْإِمَامُ، وَيَنْصِبُ مَنْ يَأْخُذُهُ، وَيُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ أَخْذِهِمْ جُمْلَةً أَقْرَعَ (وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مُبَاحٍ كَصَيْدٍ، وَعَنْبَرٍ، وَحَطَبٍ، وَثَمَرٍ، وَمَا يَنْبُذُهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ) كَالَّذِي يُنْثَرُ مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ، وَمَا يَنْبُعُ مِنَ الْمِيَاهِ فِي الْمَوَاتِ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» ، مَعَ قَوْلِهِ لَمَّا رَأَىَ ثَمَرَةً سَاقِطَةً: " «لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لِأَكَلْتُهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَيَمْلِكُهُ الْآخِذُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا (وَإِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثْنَانِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا) جَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " الْبَغْدَادِيَّانِ، لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي السَّبَبِ، وَالْقِسْمَةُ مُمْكِنَةٌ، وَحِذَارًا مِنْ تَأْخِيرِ الْحَقِّ، وَهَذَا إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ أَخْذِهِمْ جُمْلَةً، وَالْأَشْهَرُ الْقُرْعَةُ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ شَاءَ بِالِاجْتِهَادِ وَظُهُورِ الْأَحَقِّيَّةِ كَأَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 بِهِ، وَإِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثْنَانِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، كَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ، فَلِمَنْ فِي أَعْلَاهُ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى كَعْبِهِ ثُمَّ يُرْسِلَ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: الْأَسْبَابُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلتَّمْلِيكِ: الْإِحْيَاءُ، وَالْمِيرَاثُ، وَالْمُعَاوَضَاتُ، وَالْهِبَاتُ، وَالْوَصَايَا، وَالْوَقْفُ، وَالصَّدَقَاتُ، وَالْغَنِيمَةُ، وَالِاصْطِيَادُ، وَوُقُوعُ الثَّلْجِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَعَدَّهُ، وَانْقِلَابُ الْخَمْرِ، وَالْبَيْضَةُ الْمُذِرَّةُ فَرْخًا. (وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ فَلِمَنْ فِي أَعْلَاهُ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَ إِلَى مَنْ يَلِيهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْرًا جَارِيًا أَوْ وَاقِفًا، وَالْجَارِي قِسْمَانِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، وَهُوَ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ نَهْرًا عَظِيمًا كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ الَّذِي لَا يَسْتَضِرُّ أَحَدٌ بِالسَّقْيِ مِنْهُ، فَهَذَا لَا تَزَاحُمَ فِيهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ نَهْرًا صَغِيرًا يَزْدَحِمُ النَّاسُ فِيهِ، وَيَتَشَاحُّونَ فِي مَائِهِ كَنَهْرِ الشَّامِ، أَوْ مَسِيلٍ يَتَشَاحُّ فِيهِ أَهْلُ الْأَرَضِينَ الشَّارِبَةِ مِنْهُ، فَيُبْدَأُ بِمَنْ فِي أَوَّلِ النَّهْرِ فَيَسْقِي وَيَحْبِسُ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسِلُ إِلَى الثَّانِي فَيَفْعَلُ كَذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِيَ الْأَرَاضِي كُلُّهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ، أَوْ عَنِ الثَّانِي، أَوْ عَنْ مَنْ يَلِيهِمَا فَلَا شَيْءَ لِلْبَاقِينَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِلَّا مَا فَضُلَ، فَهُمْ كَالْعَصَبَةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رَجُلًا خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا، إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسَلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهُ إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] » الْآيَةَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: نَظَرْنَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» ، فَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَشِرَاجُ الْحَرَّةِ: مَسَايِلُ الْمَاءِ، جَمْعُ شَرْجٍ، وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ، وَالْحَرَّةُ أَرْضٌ مُلْتَبِسَةٌ بِحِجَارَةٍ سُودٍ، وَلِأَنَّ السَّابِقَ فِي أَوَّلِ النَّهْرِ كَالسَّابِقِ إِلَى أَوَّلِ الْمُشْرَعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضُهُ مُسْتَقِلَّةً سَدَّهَا حَتَّى يَصْعَدَ إِلَى الثَّانِي، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ الْأَعْلَى مُخْتَلِفَةً، مِنْهَا عَالِيَةٌ، وَمِنْهَا مُسْتَفِلَةٌ، سَقَى كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَتِهَا، فَإِنِ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ اقْتَسَمَا الْمَاءَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ إِنْ أَمْكَنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 إِلَى مَنْ يَلِيهِ، فَإِنْ أَرَادَ إِنْسَانٌ إِحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ، جَازَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِلَّا أَقْرَعَ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَا يَفْضُلُ عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَى مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ (فَإِنْ أَرَادَ إِنْسَانٌ إِحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ جَازَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ) أَيْ: إِذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ لِيُحْيِيَ مَوَاتًا أَقْرَبَ مِنْ رَأَسِ النَّهْرِ مِنْ أَرْضِهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ قَبْلَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْبَقُ إِلَى النَّهْرِ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مَنْعَهُ مِنَ الْإِحْيَاءِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ سَبَقَ إِلَى مَسِيلِ مَاءٍ، أَوْ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، فَأَحْيَا فِي أَسْفَلِهِ مَوَاتًا ثُمَّ آخَرُ فَوْقَهُ ثُمَّ ثَالِثٌ، سَقَى الْمُحْيِي أَوَّلًا ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ تَقَدُّمُ السَّبْقِ إِلَى الْإِحْيَاءِ لَا إِلَى أَوَّلِ النَّهْرِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: الْجَارِي فِي نَهْرٍ مَمْلُوكٍ، وَهُوَ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُبَاحَ الْأَصْلِ، مِثْلَ أَنْ يَحْفُرَ إِنْسَانٌ نَهْرًا يَتَّصِلُ بِنَهْرٍ كَبِيرٍ مُبَاحٍ، فَمَا لَمْ يَتَّصِلْ لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ كَالْمُتَحَجِّرِ، فَإِذَا اتَّصَلَ الْحَفْرُ مَلَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ فِيهِ، إِذِ الْإِحْيَاءُ يَحْصُلُ بِتَهْيِئَتِهِ لِلِانْتِفَاعِ دُونَ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ، فَيَصِيرُ مَالِكًا لِقَرَارِهِ، وَحَافَّتَيْهِ، وَحَرِيمِهِ، وَهُوَ مُلْقَى الطِّينِ مِنْ جَوَانِبِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَحِينَئِذٍ إِذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُفَّهُمْ، وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ جَازَ، وَإِلَّا قَسَّمَهُ حَاكِمٌ عِنْدَ التَّشَاحِّ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ، فَإِنِ احْتَاجَ الْمُشْتَرِكَ إِلَى كَرِيٍّ أَوْ عِمَارَةٍ كَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ مِلْكِهِمْ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَدْنَى إِلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ اشْتَرَكَ الْكُلُّ، إِلَى أَنْ يَصِلُوا إِلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَشْتَرِكُ مَنْ بَعْدَهُ كَذَلِكَ كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَلُ، فَإِذَا حَصَلَ نَصِيبُ إِنْسَانٍ فِي سَاقِيَتِهِ سَقَى بِهِ مَا شَاءَ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ سَقْيُ أَرْضٍ، لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي سَاقِيَتِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ إِجْرَاءِ مَاءٍ، أَوْ رَحًى، أَوْ دُولَابٍ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِكِ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ النَّهْرِ قَبْلَ قَسْمِهِ شَيْئًا يَسْقِي بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ أَرْضًا مِنَ الْمَوَاتِ تَرْعَى فِيهَا دَوَابُّ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَقُومُ بِحِفْظِهَا، مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَمَا   [المبدع في شرح المقنع] أَرْضًا فِي أَوَّلِ النَّهْرِ أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مِنْهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى تَصَرُّفٍ فِي أَوَّلِ حَافَّةِ النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ فَاضَ مَاءُ هَذَا النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ إِنْسَانٍ فَهُوَ مُبَاحٌ كَالطَّائِرِ. الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَنْبَعُ الْمَاءِ مَمْلُوكًا بِأَنْ يَشْتَرِكَ جَمْعٌ فِي اسْتِنْبَاطِ عَيْنٍ وَإِجْرَائِهَا، فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا، وَيَشْتَرِكُونَ فِيهَا، وَفِي سَاقِيَتِهَا عَلَى حَسَبِ النَّفَقَةِ وَالْعَمَلِ فِيهَا. [لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ أَرْضًا مِنَ الْمَوَاتِ] (وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ، أَيْ يَمْنَعُ (أَرْضًا مِنَ الْمَوَاتِ تَرْعَى فِيهَا دَوَابُّ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَقُومُ بِحِفْظِهَا) كَخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ، وَإِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَضَوَالِّ النَّاسِ لِمَا رَوَى عُمَرُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، النَّقِيعُ بِالنُّونِ مَوْضِعٌ يُنْتَقَعُ فِيهِ الْمَاءُ، فَيَكْثُرُ فِيهِ الْخِصْبَ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِلَادُنَا قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ عَلَامَ نَحْمِيهَا؟ قَالَ: فَأَطْرَقَ عُمَرُ وَجَعَلَ يَنْفُخُ وَيَفْتِلُ شَارِبَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى الْأَعْرَابِيُّ مَا بِهِ جَعَلَ يُرَدِّدُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: الْمَالُ مَالُ اللَّهِ، وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَوْلَا مَا أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا فِي شِبْرٍ. قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ كُلَّ عَامٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنَ الظَّهْرِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً، فَجَازَ لِلْإِمَامِ فِعْلُهَا كَسَائِرِ الْمَصَالِحِ (مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ) لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَحْمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ إِذَا انْتَجَعَ بَلَدًا، أَقَامَ كَلْبًا عَلَى نَشَزٍ ثُمَّ اسْتَعْوَاهُ، وَوَقَّفَ لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ يَسْمَعُ صَوْتَهُ بِالْعُوَاءِ، فَحَيْثُ انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِنَفْسِهِ، وَيَرْعَى مَعَ النَّاسِ فِيمَا سِوَاهُ، فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الضِّيقِ عَلَى النَّاسِ، وَمَنْعِهِمْ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِشَيْءٍ لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ (وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ الْإِمَامِ، فَأَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَانَ يَحْمِي لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَحْمِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ، وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا إِلَّا قَدْرًا لَا يُضَيَّقُ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَضُرُّهُمْ. (وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ) أَيْ: مَعَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 حَمَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ، وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بَابُ الْجَعَالَةِ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي، أَوْ لُقَطَتِي، أَوْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ فَلَهُ كَذَا،   [المبدع في شرح المقنع] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصٌّ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِالِاجْتِهَادِ، فَعَلَيْهِ مَنْ أَحْيَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَمْلِكْهُ (وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا لِإِمَامٍ غَيْرِهِ نَقْضُهُ كَهُوَ؛ لِأَنَّ حِمَى الْأَئِمَّةِ اجْتِهَادٌ، وَمِلْكُ الْأَرْضِ بِالْإِحْيَاءِ نَصٌّ، وَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا لَوْ أَحْيَاهُ إِنْسَانٌ هَلْ يَمْلِكُهُ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " إِذَا كَانَ الْحِمَى لِكَافَّةِ النَّاسِ تَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُهُمْ، فَإِنْ خُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ اشْتَرَكَ فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، وَمُنِعَ مِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَإِنْ خُصَّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مُنِعَ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ الْأَغْنِيَاءُ دُونَ الْفُقَرَاءِ وَلَا أَهْلُ الذِّمَّةِ، فَلَوِ اتَّسَعَ الْحِمَى الْمَخْصُوصُ لِعُمُومِ النَّاسِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِيهِ لِارْتِفَاعِ الضَّرَرِ عَلَى مَنْ يُخَصُّ بِهِ، وَلَوْ ضَاقَ الْحِمَى الْعَامُّ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْتَصَّ بِهِ أَغْنِيَاؤُهُمْ، وَفِي فُقَرَائِهِمْ قَوْلٌ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ عِوَضًا مِنْ مَرْعَى مَوَاتٍ أَوْ حِمًى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَرَّكَ النَّاسَ فِيهِ. تَذْنِيبٌ: مَنْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ جَامِعٍ لِفَتْوَى، أَوْ لِإِقْرَاءِ النَّاسِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَ فِيهِ، أَوْ غَابَ لِعُذْرٍ وَعَادَ قَرِيبًا، وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ لِصَلَاةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فِيهَا، وَإِنْ غَابَ لِعُذْرٍ وَعَادَ قَرِيبًا، فَوَجْهَانِ، وَمَنْ سَبَقَ إِلَى رِبَاطٍ، أَوْ نَزَلَ فَقِيهٌ بِمَدْرَسَةٍ، أَوْ صُوفِيٌّ بِخَانِقَاهْ، رُجِّحَ بِهِ فِي الْأَقْيَسِ، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ لِحَاجَةٍ. [بَابُ الْجَعَالَةِ] هِيَ بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ مَالِكٍ، يُقَالُ: جَعَلْتُ لَهُ جُعْلًا: أَوْجَبْتُ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْجُعْلُ وَالْجَعَالَةُ وَالْجَعِيلَةُ: مَا يُعْطَاهُ الْإِنْسَانُ عَلَى أَمْرٍ يَفْعَلُهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 فَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ اسْتَحَقَّهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ فَهُوَ بَيْنَهُمْ، وَمَنْ فَعَلَهُ قَبْلَ   [المبدع في شرح المقنع] وَأَصْلُهَا قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَالْوَسْقِ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، مَا لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ، وَحَدِيثُ اللَّدِيغِ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِيهِ، وَالْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُوجَدُ مُتَبَرِّعٌ فَاقْتَضَتْ جَوَازَ ذَلِكَ. (وَهِيَ أَنْ يَقُولَ) الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ (مَنْ رَدَّ عَبْدِي، أَوْ لُقَطَتِي، أَوْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ) وَكَذَا سَائِرُ مَا يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَعْمَالِ (فَلَهُ كَذَا) وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ دِينَارٍ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَإِلَّا فَلَهُ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَتَكُونُ عَقْدًا جَائِزًا، لِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي يَدِهِ، فَلَوْ كَانَتِ اللُّقَطَةُ فِي يَدِهِ، فَجَعَلَ لَهُ مَالِكُهَا جُعْلًا لِيَرُدَّهَا، لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهُ (فَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ اسْتَحَقَّهُ) لِأَنَّ الْعَقْدَ اسْتَقَرَّ بِتَمَامِ الْعَمَلِ، فَاسْتَحَقَّ الْجُعْلَ كَالرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَفِي أَثْنَائِهِ يَسْتَحِقُّ حِصَّةَ تَمَامِهِ (وَإِنْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ فَهُوَ بَيْنَهُمْ) بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمُ اشْتَرَكُوا فِي الْعَمَلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِوَضَ، فَاشْتَرَكُوا فِيهِ كَالْأَجْرِ فِي الْإِجَارَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ هَذَا النَّقْبَ فَلَهُ دِينَارٌ، فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِينَارًا كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ دُخُولًا كَامِلًا، وَهُنَا لَمْ يَرُدَّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَامِلًا، وَمِثْلُهُ مَنْ نَقَبَ السُّورَ فَلَهُ دِينَارٌ، فَنَقَبَ ثَلَاثَةٌ نَقْبًا وَاحِدًا، فَلَوْ جَعَلَ لِوَاحِدٍ فِي رَدِّهِ دِينَارًا، وَلِآخَرَ دِينَارَيْنِ، وَالثَّالِثِ ثَلَاثَةً، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلْثُ مَا جُعِلَ لَهُ فِي رَدِّهِ، فَلَوْ جَعَلَ لِوَاحِدٍ دِينَارًا، وَلِآخَرِينَ عِوَضًا مَجْهُولًا فَرَدُّوهُ، فَلِصَاحِبِ الدِّينَارِ ثُلُثُهُ، وَلِلْآخَرِينَ أُجْرَةُ عَمَلِهِمَا، فَإِنْ جَعَلَ لَهُ جُعْلًا فِي رَدِّهِ فَرَدَّهُ هُوَ وَآخَرَانِ مَعَهُ، وَقَالَا: رَدَدْنَاهُ مُعَاوَنَةً لَهُ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْجُعْلِ، وَإِنْ قَالَا: رَدَدْنَاهُ لِنَأْخُذَ الْعِوَضَ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَلَهُ ثُلْثُ الْجُعْلِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي مِنْ مَوْضِعِ كَذَا، فَرَدَّهُ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ، أَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدَيَّ، فَرَدَّ أَحَدَهُمَا، فَنَصِفُهُ، وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ أَبْعَدَ فَلَهُ الْمُسَمَّى، ذَكَرَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمَوْضِعِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " كَهُرُوبِهِ مِنْهُ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ أَوْ مَوْتِهِ. (وَمَنْ فَعَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ بُلُوغِ الْجُعْلِ (لَمْ يَسْتَحِقَّهُ) لِأَنَّ فِعْلَهُ وَقَعَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلِأَنَّهُ بَدَّلَ مَنَافِعَهُ جُعِلَ لَهُ، فَيَكُونُ عَامِلًا فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ، سَوَاءٌ أَرَدَّهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْجُعْلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَصِحُّ عَلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ وَعَمَلٍ مَجْهُولٍ إِذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا، وَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا،   [المبدع في شرح المقنع] وَفَارَقَ الْمُلْتَقَطَ بَعْدَ بُلُوغِ الْجُعْلِ، فَإِنَّمَا بَدَّلَ مَنَافِعَهُ بِعِوَضٍ جُعِلَ لَهُ، فَاسْتَحَقَّهُ كَالْأَجِيرِ إِذَا عَمِلَ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَ الْجُعْلِ بِرَدِّهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (سَوَاءٌ أَرَدَّهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْجُعْلِ أَوْ بَعْدَهُ) لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْجُعْلَ بَدَلٌ عَنِ الْفِعْلِ وَالرَّدِّ، فَإِنْ قَالَ غَيْرُ صَاحِبِ الضَّالَّةِ: مَنْ رَدَّهَا فَلَهُ دِينَارٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ، وَإِنْ أَسْنَدَهُ إِلَى مَالِكِهَا فَلَا (وَتَصِحُّ عَلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ وَعَمَلٍ مَجْهُولٍ) لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ وَالْمُدَّةُ مَجْهُولَيْنِ كَالشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ مَوْضِعَ الضَّالَّةِ وَالْآبِقِ (إِذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَازِمًا بِتَمَامِ الْعَمَلِ، وَكَالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا تَعْلِيقًا مَحْضًا، فَلَوْ قَالَ: أَنْتَ بَرِيءٌ مِنَ الْمِائَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْإِسْقَاطِ أَقْوَى، وَفِي " الْمُغْنِي " تَخْرِيجٌ بِجَوَازِ جَهَالَةِ الْجُعْلِ، إِنْ لَمْ يَمْنَعِ التَّسْلِيمَ لِقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ ثُلُثُهَا بِخِلَافٍ، فَلَهُ شَيْءٌ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْغَزْوِ: مَنْ جَاءَ بِعَشْرَةِ أَرْؤُسٍ فَلَهُ رَأْسٌ. فَعَلَيْهِ لَوْ كَانَتِ الْجَهَالَةُ تَمْنَعُ مِنَ التَّسْلِيمِ، لَمْ تَصِحَّ الْجَعَالَةُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَحِينَئِذٍ فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أَجْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَاسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ وَقَدْ تَضَمَّنُ كَلَامُهُ أُمُورًا: مِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْعَمَلِ، وَالْمُدَّةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ الْمُدَّةَ بِأَنْ قَالَ: إِنْ وَجَدْتَهَا فِي شَهْرٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا إِذَا جَازَتْ مَجْهُولَةً، فَمَعَ التَّقْدِيرِ أَوْلَى. وَمِنْهَا: لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْعَامِلِ لِلْحَاجَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَمَلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَالْوِكَالَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّ كُلَّمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْجَعَالَةِ، وَكُلُّ مَا جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ جَازَ أَخْذُهُ فِي الْجَعَالَةِ. (وَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ) مِنَ الطَّرَفَيْنِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ كَالْمُضَارَبَةِ (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، فَمَتَى فَسَخَهَا الْعَامِلُ) قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ (لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ، حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِمَا شُرِطَ عَلَيْهِ كَعَامِلِ الْمُضَارَبَةِ (وَإِنْ فَسَخَهَا الْجَاعِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 فَمَتَى فَسَخَهَا الْعَامِلُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَإِنْ فَسَخَهَا الْجَاعِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْجُعْلِ أَوْ قَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَاعِلِ، وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِغَيْرِ جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ، إِلَّا فِي رَدِّ الْآبِقِ، فَإِنَّ لَهُ بِالشَّرْعِ دِينَارًا أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَعَنْهُ: إِنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا أَنْفَقَ   [المبدع في شرح المقنع] لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ) أَيْ: أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ فَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، وَلَوْ قِيلَ: تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ لَمْ يَبْعُدْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا فَسَخَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْعَمَلِ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، فَإِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فِي الْجُعْلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ فَجَازَ فِيهِ ذَلِكَ، كَالْمُضَارَبَةِ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْجُعْلَ، أَوْ قَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَاعِلِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسَافَةِ، وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَالْمَسَافَةِ كَالْأَجِيرِ، فَإِذَا تَحَالَفَا فُسِخَ الْعَقْدُ وَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَجِبُ الْمُسَمَّى فِي صَحِيحِهِ، فَوَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي فَاسِدِهِ كَالْإِجَارَةِ، وَقِيلَ فِي آبِقٍ: الْمُقَدَّرُ شَرْعًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا بِلَا شَرْطٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِغَيْرِ جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَنْفَعَتَهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِهِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِأَخْذِ الْأُجْرَةِ، فَإِنْ كَانَ مُعَدًّا لَهَا وَأُذِنَ لَهُ؛ فَلَهُ الْأُجْرَةُ، لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَنْ خَلَّصَ مَتَاعًا لِغَيْرِهِ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ (إِلَّا فِي رَدِّ الْآبِقِ) فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ بِلَا شَرْطٍ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَهُ شُرَيْحٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِئَلَّا يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوْ يَشْتَغِلَ بِالْفَسَادِ (فَإِنَّ لَهُ بِالشَّرْعِ) أَيْ: بِشَرْعِ الشَّارِعِ، لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ فِيهِ (دِينَارًا أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ فِي رَدِّ الْآبِقِ إِذَا جَاءَ بِهِ خَارِجًا مِنَ الْحَرَمِ دِينَارًا» ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الشَّارِدِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إِلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِرَدِّهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْمِصْرِ أَوْ خَارِجِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّادُّ إِمَامًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: لَا يَسْتَحِقُّهُ إِمَامٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ جُعْلِ الْآبِقِ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 عَلَيْهِ فِي قُوتِهِ، وَإِنْ هَرَبَ مِنْهُ فِي طَرِيقِهِ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ فِي تَرِكَتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] فِيهِ، لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فِي رَدِّهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِظَاهِرِ الْخِرَقِيِّ، وَرُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مُرْسَلٌ وَفِيهِ مَقَالٌ، وَكَمَا لَوْ رَدَّ جَمَلَهُ الشَّارِدَ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ (وَعَنْهُ: إِنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أُعْطِيتُ الْجُعْلَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَفِيضٌ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَعَنْهُ: إِنْ رَدَّهُ مِنَ الْمِصْرِ فَعَشَرَةٌ. قَالَ الْخَلَّالُ: اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ، وَجُزِمَ بِهِ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ دِينَارٌ، أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي " الْخِصَالِ " لِابْنِ الْبَنَّا، وَكِتَابِ " الرِّوَايَتَيْنِ " أَنَّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مُطْلَقًا، وَبَالَغَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ عَمَّرَ قَنَاةً دُونَ قَوْمٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ "، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْآبَارَ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ، فَكَمَا يَرْجِعُ بِالْأَعْيَانِ يَرْجِعُ بِهَا، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ فِيمَا عَمِلَهُ بِأَنْ يُزِيلَهُ، كَمَا يَرْجِعُ فِي الْأَعْيَانِ، لَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِبَدَلِ ذَلِكَ عَلَى مَالِكِ الْعَيْنِ. (وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي قُوَّتِهِ) أَيْ: يَرْجِعُ بِنَفَقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الْإِنْفَاقِ شَرْعًا، لِحُرْمَةِ النَّفْسِ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْهُ مَحَلُّ خِلَافٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ جُعْلًا كَرَدِّهِ مِنْ غَيْرِ بَلَدٍ سَمَّاهُ (وَإِنْ هَرَبَ مِنْهُ فِي طَرِيقِهِ) فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ مَأْذُونًا فِيهَا شَرْعًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَتْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ ثُمَّ هَرَبَ، وَقِيلَ: إِنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَفِي جَوَازِ اسْتِخْدَامِهِ بِهَا رِوَايَتَانِ فِي " الْمُوجَزِ "، وَ " التَّبْصِرَةِ "، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إِلَّا بِرَدِّهِ لَا بِوِجْدَانِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْوِجْدَانِ، فَعَلَيْهِ هِيَ بَعْدَ الْوِجْدَانِ كَغَيْرِهَا مِنَ اللُّقَطَاتِ لِصَاحِبِهَا أَخْذُهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوِجْدَانِ الْوِجْدَانُ الْمَقْصُودُ، لَا مُجَرَّدَ الْوِجْدَانِ حَتَّى لَوْ ضَاعَتْ بَعْدُ أَوْ تَلِفَتْ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَقْصُودٍ قَطْعًا، فَإِذَنْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ. (وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ فِي تَرِكَتِهِ) وَالْمُرَادُ بِهِ الْجُعْلُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ؛ فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْأُجْرَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعْرُوفًا بِرَدِّ الْآبِقِ أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ شُمُولُهُ لِلْجُعْلِ وَالنَّفَقَةِ إِذْ لَا مُقْتَضَى لِلتَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 بَابُ اللُّقَطَةِ وَهِيَ الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ رَبِّهِ وَتَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا: مَا لَا تَتْبَعُهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَجَبَ فِي تَرِكَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ جَوَازُ أَخْذِ الْآبِقِ لِمَنْ وَجَدَهُ، بِخِلَافِ الضَّوَالِّ الَّتِي تَحْفَظُ نَفْسَهَا، وَهُوَ أَمَانَةٌ، وَمَنِ ادَّعَاهُ فَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ أَخَذَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَيِّدَهُ دَفَعَهُ إِلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ؛ لِيَحْفَظَهُ لِصَاحِبِهِ، وَلَهُ بَيْعُهُ لِمَصْلَحَةٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَإِنْ قَالَ: كُنْتُ أَعْتَقْتُهُ؛ فَوَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ، فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَخْذُ ثَمَنِهِ، وَيُصْرَفُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، فَإِنْ عَادَ السَّيِّدُ فَأَنْكَرَ الْعِتْقَ وَطَلَبَ الْمَالَ دُفِعَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ بَيْعُهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَفِظُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ، فَإِنْ بَاعَهُ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. [بَابُ اللُّقَطَةِ] [تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ] بَابُ اللُّقَطَةِ حُكِيَ عَنِ الْخَلِيلِ: اللُّقَطَةُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ: الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ، وَحُكِيَ عَنْهُ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهَا اسْمٌ لِلْمُلْتَقَطِ؛ لِأَنَّ مَا جَاءَ عَلَى فُعَلَةٍ فَهُوَ اسْمُ الْفَاعِلِ كَالضُّحَكَةِ، وَالْهُمَزَةِ، وَاللُّمَزَةِ، وَبِسِكُونِ الْقَافِ مَا يُلْتَقَطُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ، وَالْفَرَّاءُ: هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمَالِ الْمُلْتَقَطِ، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: لُقَاطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ، وَلَقَطَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ. (وَهِيَ الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ رَبِّهِ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى اللُّقَطَةِ شَرْعًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِغَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَتُسَمَّى ضَالَّةً، وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا، وَسَأَلَهُ عَنِ الشَّاةِ، فَقَالَ: خُذْهَا، فَإِنْمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَهَا أَرْكَانٌ ثَلَاثَةٌ، أَحَدُهَا: الْمَالُ الضَّائِعُ، الثَّانِي: الِالْتِقَاطُ، الثَّالِثُ: الْمُلْتَقَطُ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ يَصِحُّ اكْتِسَابُهُ بِالْفِعْلِ مِنِ اصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 الْهِمَّةُ كَالسَّوْطِ وَالشِّسْعِ وَالرَّغِيفِ، فَيُمْلَكُ بِأَخْذِهِ بِلَا تَعْرِيفٍ الثَّانِي: الضَّوَالُّ الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ كَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالظِّبَاءِ، وَالطَّيْرِ، وَالْفُهُودِ،   [المبدع في شرح المقنع] [أَقْسَامُ اللُّقَطَةِ] [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ] (وَتَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا: مَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ) أَيْ: هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ وَلَوْ كَثُرَ (كَالسَّوْطِ) وَهُوَ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ، كَذَا أَطْلَقُوا، وَفِي شَرْحِ " الْمُهَذَّبِ " هُوَ فَوْقَ الْقَضِيبِ وَدُونَ الْعَصَا، وَفِي " الْمُخْتَارِ " هُوَ سَوْطٌ لَا ثَمَرَةَ لَهُ (وَالشِّسْعِ) أَحَدِ سُيُورِ النَّعْلِ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْإِصْبُعَيْنِ (وَالرَّغِيفِ، فَيُمْلَكُ بِأَخْذِهِ بِلَا تَعْرِيفٍ) وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَصَا، وَالسَّوْطِ، وَالْحَبْلِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَكَذَا التَّمْرَةُ، وَالْخِرْقَةُ، وَمَا لَا خَطَرَ لَهُ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " صَدَقَتُهُ بِهِ أَوْلَى، فَإِنِ الْتَقَطَهُ وَانْتَفَعَ بِهِ وَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " لَيْسَ عَنْ أَحْمَدَ تَحْدِيدُ الْيَسِيرِ الَّذِي يُبَاحُ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ تَقْيِيدُهُ بِمَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ وَلَوْ كَثُرَ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ صَدَقَةَ أَنَّهُ يَعْرِفُ الدِّرْهَمَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجِبُ تَعْرِيفُ الدَّانِقِ، وَحَمَلَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " عَلَى دَانِقِ الذَّهَبِ نَظَرًا لِعُرْفِ الْعِرَاقِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُ الْيَسِيرِ، وَقِيلَ: مُدَّةً يَظُنُّ طَلَبَ رَبِّهِ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ بَدَلِهِ خِلَافًا لِـ " التَّبْصِرَةِ " وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِي الثَّمَرَةِ يَجِدُهَا أَوْ يُلْقِيهَا عُصْفُورٌ أَيَأْكُلُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: يَتَصَدَّقُ؟ قَالَ: لَا يَعْرِضُ لَهَا، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ. [الْقِسْمُ الثَّانِي الضَّوَالُّ] (الثَّانِي الضَّوَالُّ) مُفْرَدُهُ ضَالَّةٌ، وَهِيَ اسْمٌ لِلْحَيَوَانِ خَاصَّةً، وَيُقَالُ لَهَا: الْهَوَامِي، وَالْهَوَامِلُ (الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ) وَتَرِدُ الْمَاءَ (كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) نَصَّ عَلَيْهِمَا (وَالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالظِّبَاءِ، وَالطَّيْرِ، وَالْفُهُودِ، وَنَحْوِهَا) كَالْكَلْبِ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ تَقَوَّى عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَوُرُودِ الْمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ لِكِبَرِ جُثَّتِهِ كَالْإِبِلِ، أَوْ لِطَيَرَانِهِ كَالطُّيُورِ كُلِّهَا، أَوْ لِعَدْوِهِ كَالظِّبَاءِ، أَوْ بِنَابِهِ كَالْفَهْدِ وَالْكَلْبِ (فَلَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا) لِقَوْلِ عُمَرَ: مَنْ أَخَذَ الضَّالَّةَ فَهُوَ ضَالٌّ، أَيْ: مُخْطِئٌ، وَهِيَ تُفَارِقُ الْغَنَمَ لِضَعْفِهَا، وَقِلَّةِ صَبْرِهَا عَنِ الْمَاءِ، وَالْخَوْفِ عَلَيْهَا مِنَ الذِّئْبِ وَنَحْوِهِ، وَالْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ كَذَلِكَ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَفِي " الْمُغْنِي " الْأَوْلَى إِلْحَاقُهَا بِالشَّاةِ لِمُسَاوَاتِهَا لَهَا فِي الْعِلَّةِ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الصَّيُودُ مُسْتَوْحِشَةً، بِحَيْثُ إِذَا تُرِكَتْ رَجَعَتْ إِلَى الصَّحْرَاءِ، وَعَجَزَ عَنْهَا مَالِكُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 وَنَحْوِهَا، فَلَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا، وَمَنْ أَخَذَهَا ضَمِنَهَا، فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى نَائِبِ الْإِمَامِ زَالَ   [المبدع في شرح المقنع] جَازَ الْتِقَاطُهَا لِأَجْلِ حِفْظِهَا لِصَاحِبِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا إِذَا وَجَدَهَا فِي مَوْضِعٍ يُخَافُ عَلَيْهَا بِهِ كَأَرْضِ مَسْبَعَةٍ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ بِمَوْضِعٍ يَسْتَحِلُّ أَهْلُهُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي بَرِّيَّةٍ لَا مَاءَ بِهَا وَلَا مَرْعَى، فَالْأَوْلَى أَخْذُهَا لِلْحِفْظِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِنْقَاذَهَا مِنَ الْهَلَاكِ، أَشْبَهَ تَخْلِيصَهَا مِنْ حَرِيقٍ (وَمَنْ أَخَذَهَا ضَمِنَهَا) لِأَنَّهُ أَخَذَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا إِذْنِ الشَّارِعِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ زَمَنِ الْأَمْنِ وَالْفَسَادِ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ إِمَامًا أَوْ لَا، فَإِنْ رَدَّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ، لَكِنْ إِذَا الْتَقَطَ ذَلِكَ غَيْرُ الْإِمَامِ وَكَتَمَهُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ مَرَّتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ (فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى نَائِبِ الْإِمَامِ زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ) لِأَنَّ الْإِمَامَ لَهُ نَظَرٌ فِي ضَوَالِّ النَّاسِ، فَكَانَ نَائِبًا عَنْ أَصْحَابِهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ أَخْذُهَا لِلْحِفْظِ، لِقَوْلِ عُمَرَ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ بِوَصْفِهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا غَيْرُهُمَا لِيَحْفَظَهَا عَلَى أَصْحَابِهَا لَمْ يَجُزْ، وَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهَا. فَائِدَةٌ: يُسَمِّ الْإِمَامُ مَا يَحْصُلُ عِنْدَهُ مِنَ الضَّوَالِّ بِأَنَّهَا ضَالَّةٌ، وَيُشْهِدُ عَلَيْهَا. قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ " سِمَةُ الصَّدَقَةِ. فَرْعٌ: مَا يَحْتَفِظُ بِنَفْسِهِ مِنَ الْأَحْجَارِ الْكِبَارِ كَحَجَرِ الطَّاحُونِ، وَالْخَشَبِ الْكَبِيرِ، وَقُدُورِ النُّحَاسِ فَهُوَ كَالْإِبِلِ بَلْ أَوْلَى، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " خِلَافَهُ، وَمَنْ أَخَذَ مَتَاعَهُ وَتَرَكَ بَدَلَهُ، فَلُقَطَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ. أَصْلٌ: إِذَا وَجَدَ فِي حَيَوَانٍ نَقْدًا أَوْ دُرَّةً فَهُوَ لُقَطَةٌ لِوَاجِدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِبَائِعٍ ادَّعَاهُ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مُشْتَرٍ أَنَّهُ أَكَلَهُ عِنْدَهُ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ وَجَدَ دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فِي سَمَكَةٍ فَهِيَ لِصَيَّادٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ ابْتِلَاعُهَا مِنْ مَعْدِنِهَا، فَلَوْ تَرَكَ دَابَّةً بِمَهْلَكَةٍ أَوْ فَلَاةٍ لِعَجْزِهِ أَوِ انْقِطَاعِهَا مَلَكَهَا آخِذُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا، بَلْ هِيَ لِمَالِكِهَا كَعَبْدٍ، وَتَرْكِ مَتَاعٍ عَجْزًا فَيَرْجِعُ بِنَفَقَتِهِ وَأُجْرَةِ مَتَاعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا نَفَقَةَ، وَلَا أُجْرَةَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 عَنْهُ الضَّمَانُ. الثَّالِثُ: سَائِرُ الْأَمْوَالِ كَالْأَثْمَانِ، وَالْمَتَاعِ، وَالْغَنَمِ، وَالْفُصْلَانِ، وَالْعُجُولِ، وَالْأَفْلَاءِ، فَمَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهَا وَلَمْ يَمْلِكْهَا وَإِنْ عَرِفَهَا، وَمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا، وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا فَلَهُ أَخْذُهَا، وَالْأَفْضَلُ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: فِي نَفَقَةِ الْعَبْدِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا مَا يُلْقَى فِي الْبَحْرِ خَوْفًا مِنَ الْغَرَقِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ آخِذُهُ، وَفِي " الشَّرْحِ " لَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ قَوْلًا، وَقِيلَ: لَا، وَلَهُ أُجْرَةُ رَدِّ مَتَاعِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنِ انْكَسَرَتِ السَّفِينَةُ وَأَخْرَجَهُ قَوْمٌ، فَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ: لِمُسْتَخْرِجِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَجُعْلِ رَدِّ الْآبِقِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَأْخُذُ أَصْحَابُ الْمَتَاعِ مَتَاعَهُمْ، وَلَا شَيْءَ لِلَّذِينَ أَصَابُوهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. [الْقِسْمُ الثَّالِثُ سَائِرُ الْأَمْوَالِ] (الثَّالِثُ: سَائِرُ الْأَمْوَالِ كَالْأَثْمَانِ، وَالْمَتَاعِ، وَالْغَنَمِ، وَالْفُصْلَانِ) بِضَمِّ الْفَاءِ جَمْعُ فَصِيلٍ، وَهُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ إِذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ (وَالْعُجُولِ) جَمْعُ عِجْلٍ، وَهُوَ وَلَدُ الْبَقَرَةِ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: حِينَ يُوضَعُ، وَالْجَمْعُ الْعَجَاجِيلُ (وَالْأَفْلَاءُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْفُلُوُّ، بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ، الْمُهْرُ، وَالْأُنْثَى فُلُوَّةٌ، وَالْجَمْعُ أَفْلَاءٌ كَأَعْدَاءٍ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: إِذَا فَتَحْتَ الْفَاءَ شَدَّدْتَ، وَإِذَا كَسَرْتَ خَفَّفْتَ، فَقُلْتُ: فِلْوٌ كَجِرْوٍ (فَمَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَضْيِيعِ مَالِ غَيْرِهِ، فَحَرُمَ كَإِتْلَافِهِ، وَكَمَا لَوْ نَوَى تَمَلُّكَهَا فِي الْحَالِ أَوْ كِتْمَانَهَا (فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهَا) كَغَاصِبٍ، سَوَاءٌ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ أَوْ لَا (وَلَمْ يَمْلِكْهَا وَإِنْ عَرِفَهَا) لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُحَرِّمَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِدَلِيلِ السَّرِقَةِ، وَالْتِقَاطُ هَذِهِ مُحَرَّمٌ، فَلَا يُسْتَفَادُ بِهِ الْمِلْكُ، وَقِيلَ: تُمْلَكُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالتَّعْرِيفِ وَالِالْتِقَاطِ، وَقَدْ وُجِدَا كَالِاصْطِيَادِ مِنْ أَرْضِ غَيْرِهِ (وَمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا فَلَهُ أَخْذُهَا) لِحَدِيثِ زَيْدٍ ثَبَتَ فِي النَّقْدَيْنِ، وَقِسْنَا عَلَيْهِمَا الْمَتَاعَ، وَعَلَى الشَّاةِ قِسْنَا كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يَمْتَنِعُ بِنَفْسِهِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، كَابْنِ آوَى، وَالذِّئْبِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَيْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ الْتِقَاطُ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا، وَعَنْهُ: وَعَرَضَ ذِكْرَهَا أَبُو الْفَرَجِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ عَلَّلَ فِي عَدَمِ الْتِقَاطِ الْإِبِلِ مَا هُوَ مَعْدُومٌ فِي الْغَنَمِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 تَرْكُهَا، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: إِنْ وَجَدَهَا بِمَضْيَعَةٍ فَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا، وَمَتَى أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا أَوْ فَرَّطَ فِيهَا ضَمِنَهَا. وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: حَيَوَانٌ، فَيَتَخَيَّرُ   [المبدع في شرح المقنع] فَرَّقَ الشَّارِعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا قِيَاسَ مَا أُمِرْنَا بِالْتِقَاطِهِ عَلَى مَا مُنِعَ مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَهَا فِي مِصْرٍ أَوْ مَهْلَكَةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَلَوِ افْتَرَقَ الْحَالُ لَاسْتَفْصَلَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَلَعَلَّهَا الرِّوَايَةُ الَّتِي مَنَعَ مِنَ الْتِقَاطِهَا فِيهَا (وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهَا) قَالَهُ أَحْمَدُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِأَكْلِ الْحَرَامِ، وَتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ فِي التَّعْرِيفِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيهَا، فَكَانَ تَرْكُهَا أَوْلَى كَوِلَايَةِ مَالِ الْيَتِيمِ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ إِنْ وَجَدَهَا بِمَضْيَعَةٍ) وَأَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا (فَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا) لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِفْظِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا، كَتَخْلِيصِهِ مِنَ الْغَرَقِ، وَلَا يَجِبُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ، وَخَرَجَ وُجُوبُهُ إِذَنْ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ. فَرْعٌ: إِذَا وَجَدَ عَنْبَرَةً عَلَى السَّاحِلِ فَهِيَ لَهُ، وَالْقِنُّ الصَّغِيرُ كَالشَّاةِ، وَكَذَا كُلُّ جَارِيَةٍ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّعْرِيفِ. (وَمَتَى أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا أَوْ فَرَّطَ فِيهَا ضَمِنَهَا) لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي يَدِهِ، فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا كَالْوَدِيعَةِ، إِلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ إِمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ بِرَدِّهَا كَمُمْتَنِعٍ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا إِذَا ضَاعَتْ عِنْدَهُ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنِ الْتَقَطَهَا آخَرُ، لَزِمَهُ رَدُّهَا إِلَى الْأَوَّلِ مَعَ عِلْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى عَرَّفَهَا حَوْلًا مَلَكَهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وُجِدَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ، فَثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ كَالْأَوَّلِ، وَلَا يَمْلِكُ الْأَوَّلُ انْتِزَاعَهَا مِنْهُ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا مِنَ الثَّانِي، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْأَوَّلِ، فَإِنْ عَلِمَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ فَرَدَّهَا وَأَبَى أَخْذَهَا، وَقَالَ: عَرِّفْهَا أَنْتَ، فَعَرَّفَهَا مَلَكَهَا، وَإِنْ قَالَ: عَرِّفْهَا وَتَكُونُ مِلْكًا لِي أَوْ بَيْنَنَا صَحَّ، وَإِنْ قَصَدَ الثَّانِي بِالتَّعْرِيفِ تَمَلُّكَهَا لِنَفْسِهِ دُونَ الْأَوَّلِ، فَوَجْهَانِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إِذَا عَلِمَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ فَعَرَّفَهَا وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا. فَرْعٌ: إِذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنَ الْمُلْتَقِطِ فَعَرَّفَهَا لَمْ يَمْلِكْهَا وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِأَخْذِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ تَمَلُّكِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 بَيْنَ أَكْلِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، وَبَيْنَ حِفْظِهِ لِمَالِكِهِ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. الثَّانِي: مَا يُخْشَى فَسَادُهُ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَيْعِهِ   [المبدع في شرح المقنع] [سَائِرُ الْأَمْوَالِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ] [الْأَوَّلُ الْحَيَوَانُ] (وَهِيَ) أَيِ: الْأَمْوَالُ الْمَذْكُورَةُ (عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: حَيَوَانٌ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ) ذَبْحِهِ وَ (أَكْلِهِ) وِفَاقًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ» جَعَلَهَا لَهُ فِي الْحَالِ، وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ، وَالذِّئْبُ لَا يُؤَخِّرُ أَكْلَهَا، وَلِأَنَّ فِي أَكْلِهَا فِي الْحَالِ إِغْنَاءً عَنِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَحِفْظًا لِمَالِيَّتِهَا عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَهَا فِي الْمِصْرِ أَوِ الصَّحْرَاءِ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) قَالَهُ أَصْحَابُنَا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ إِذَا أَكَلَهُ؛ فَلِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا ذَكَرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَتَصِيرُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ عَزْلُهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ أَكْلُ ضَالَّةِ الْغَنَمِ، وَلَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ لِصَاحِبِهَا، وَلَا تَعْرِيفَ لَهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُوَافِقْ مَالِكًا أَحَدُ الْعُلَمَاءِ، وَأَفْتَى أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ بِأَكْلِهِ بِمَضْيَعَةٍ، بِشَرْطِ ضَمَانِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ ذَبْحِهِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ: لَا يَتَصَرَّفُ قَبْلَ الْحَوْلِ فِي شَاةٍ وَنَحْوِهَا بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً (وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ) لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَكْلُهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ فَبَيْعُهَا أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَيَلْزَمُهُ حِفْظُ صِفَتِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا هُنَا تَعْرِيفًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْ بِتَعْرِيفِهَا، وَنَصَرَ فِي " الشَّرْحِ " لُزُومَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لُقَطَةٌ لَهَا خَطَرٌ، فَوَجَبَ تَعْرِيفُهَا كَالْمَطْعُومِ الْكَثِيرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ بيان التعريف (وَبَيْنَ حِفْظِهِ لِمَالِكِهِ) وَلَمْ يَتَمَلَّكْهَا (وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِهِ عَلَى مَالِكِهِ عَيْنًا وَمَآلًا، فَلَوْ تَرَكَهَا بِلَا نَفَقَةٍ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِيهَا. (وَهَلْ يَرْجِعُ بِذَلِكَ) إِذَا نَوَى الرُّجُوعَ بِهِ (عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا رِوَايَتَانِ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ، قَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيُّ فِي طَيْرَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 وَأَكْلِهِ، إِلَّا أَنْ يُمْكِنَ تَجْفِيفُهُ كَالْعِنَبِ، فَيَفْعَلُ مَا يَرَى فِيهِ الْحَظَّ لِمَالِكِهِ، وَغَرَامَةَ التَّجْفِيفِ مِنْهُ، وَعَنْهُ: يَبِيعُ الْيَسِيرَ وَيَرْفَعُ الْكَثِيرَ إِلَى الْحَاكِمِ. الثَّالِثُ: سَائِرُ الْمَالِ   [المبدع في شرح المقنع] أَفْرَخَتْ عِنْدَ قَوْمٍ، فَقَضَى أَنَّ الْفِرَاخَ لِصَاحِبِ الطَّيْرَةِ، وَيَرْجِعُ بِالْعَلَفِ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا مَعَ تَرْكِ التَّعَدِّي، فَإِنْ تَعَدَّى لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ، وَلِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ لِحِفْظِهِ، فَكَانَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ كَمَئُونَةِ التَّجْفِيفِ، وَالثَّانِي: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إِذْنِهِ فَلَمْ يُرْجِعْ، كَمَا لَوْ بَنَى دَارَهُ، وَفَارَقَ التَّجْفِيفَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَكَرَّرُ نَفَقَتُهُ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ، فَرُبَّمَا اسْتَغْرَقَتْ ثَمَنَهُ مَعَ أَنَّ الشَّعْبِيَّ عَجِبَ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ، وَقِيلَ: إِنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ رُجِعَ، وَإِلَّا فَلَا. [الثَّانِي مَا يُخْشَى فَسَادُهُ] (الثَّانِي: مَا يُخْشَى فَسَادُهُ) مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالطَّبِيخِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْخُضْرَاوَاتِ (فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَيْعِهِ) وَحِفْظِ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِبْقَاءً لِمَالِيَّتِهِ، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ (وَأَكْلِهِ) وَتَثْبُتُ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى تَلِفَ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي حِفْظِهِ كَالْوَدِيعَةِ، وَيَحْفَظُ صِفَاتِهِ ثُمَّ يُعَرِّفُهُ عَامًا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ، فَإِنْ تَلِفَ الثَّمَنُ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، أَوْ نَقْصٍ، أَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ، أَوْ نَقَصَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يُمْكِنَ تَجْفِيفُهُ كَالْعِنَبِ) وَالرُّطَبِ (فَيَفْعَلُ مَا يَرَى فِيهِ الْحَظَّ لِمَالِكِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَفِعْلُ الْأَحَظِّ فِي الْأَمَانَةِ مُتَعَيَّنٌ، وَكَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ ضَرَرًا وَهُوَ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَخَوْفُ مَوْتِهِ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَمُقْتَضَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ، لَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّدَقَةِ بِهِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ (وَغَرَامَةُ التَّجْفِيفِ مِنْهُ) لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ فَكَانَ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ لِيَتِيمٍ، وَلَهُ بَيْعُ بَعْضِهِ، فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ رَجَعَ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ تَعَيَّنَ أَكْلُهُ (وَعَنْهُ: يَبِيعُ الْيَسِيرَ وَيَرْفَعُ الْكَثِيرَ إِلَى الْحَاكِمِ) لِأَنَّ الْيَسِيرَ يُتَسَامَحُ بِهِ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فَكَانَ أَمْرُهُ إِلَى الْحَاكِمِ، وَعَنْهُ: مَعَ وُجُودِهِ. [الثَّالِثُ سَائِرُ الْمَالِ فَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا] (الثَّالِثُ: سَائِرُ الْمَالِ) كَالْأَثْمَانِ وَالْمَتَاعِ (فَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا) لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ (وَيُعَرَّفُ الْجَمِيعُ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِهِ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَلِأَنَّهُ طَرِيقٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 فَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا، وَيُعَرِّفُ الْجَمِيعَ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ، كَالْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ حَوْلًا كَامِلًا: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ نَفَقَةٌ، وَأُجْرَةُ الْمُنَادِي عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَا لَا يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ، وَمَا يُقْصَدُ حِفْظُهُ لِمَالِكِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] إِلَى وُصُولِهَا إِلَى صَاحِبِهَا فَوَجَبَ ذَلِكَ لِحِفْظِهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وَجَدَهَا فِي دَارِ حَرْبٍ، فَإِنْ كَانَ فِي جَيْشٍ. فَقَالَ أَحْمَدُ: يُعَرِّفُهَا سَنَةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ يَطْرَحُهَا فِي الْمَغْنَمِ (بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى إِيصَالِ الْمَالِ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ وُجُوبَهُ، وَقَدْرَهُ، وَزَمَانَهُ، وَمَكَانَهُ، وَمَنْ يَتَوَلَّاهُ، أَمَّا وُجُوبُهُ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُلْتَقِطٍ، سَوَاءٌ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا أَوْ حِفْظَهَا لِصَاحِبِهَا، إِلَّا فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ (فِي مَجَامِعِ النَّاسِ كَالْأَسْوَاقِ، وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ) هَذَا مَكَانُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِشَاعَةُ ذِكْرِهَا وَإِظْهَارُهَا لِيَظْهَرَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا، وَذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ وَاجِدَ اللُّقَطَةِ بِتَعْرِيفِهَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ مَجْمَعَ النَّاسِ، بَلْ يُكْرَهُ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لَا يَجُوزُ، وَقَالَهُ ابْنُ بَطَّةَ لِقَوْلِهِ لِلرَّجُلِ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، وَوَقْتُهُ النَّهَارُ، وَقَدْ يُفْهَمُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ كَالْأَسْوَاقِ (حَوْلًا كَامِلًا) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَيَكُونُ مُتَوَالِيًا يَلِي الِالْتِقَاطَ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ، إِذْ مُقْتَضَاهُ الْفَوْرُ عِنْدَنَا، وَلِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِيبَ ضَيَاعِهَا، فَإِذَا عُرِّفَتْ إِذَنْ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى وُصُولِهَا إِلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَأَخَّرَ، وَلِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْقَوَافِلُ، وَيَمْضِي فِيهَا الزَّمَانُ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهَا الْبِلَادُ مِنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَصَلُحَتْ قَدْرًا كَأَجَلِ الْعِنِّينِ، فَيَكُونُ نَهَارًا مُتَوَالِيًا فِي أُسْبُوعٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " ثُمَّ مَرَّةً كُلَّ أُسْبُوعٍ فِي شَهْرٍ، ثُمَّ مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرٍ، ثُمَّ الْعَادَةُ، وَلَا تُعَرَّفُ كِلَابٌ بَلْ يُنْتَفَعُ بِالْمُبَاحِ مِنْهَا (مَنْ ضَاعَ) هَذَا بَيَانُ مَنْ يَتَوَلَّاهُ (مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ نَفَقَةٌ) وَلَا يَصِفُهُ، فَإِنْهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسْمَعَهُ أَحَدٌ فَيَصِفَهُ فَيَأْخُذَهُ فَيَفُوتَ عَلَى الْمَالِكِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " يَذْكُرُ جِنْسَهَا فَيَقُولُ: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَطْنَبَ فِي الصِّفَاتِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا، وَلَوْ مَعَ خَوْفِهِ مِنْ سُلْطَانٍ جَائِرٍ لِيَأْخُذَهَا، أَوْ يُطَالِبَهُ بِأَكْثَرَ، فَإِنْ أَخَّرَ لَمْ يَمْلِكْهَا إِلَّا بَعْدَهُ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. (وَأُجْرَةُ الْمُنَادِي عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمُلْتَقِطِ، نُصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ، فَكَانَتِ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ اكْتَرَى شَخْصًا يَقْطَعُ لَهُ مُبَاحًا، فَلَوْ تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ (وَقَالَ أَبُو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 يُرْجَعُ بِالْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْخَطَّابِ: مَا لَا يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ، وَمَا يُقْصَدُ حِفْظُهُ لِمَالِكِهِ يُرْجَعُ بِالْأُجْرَةِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ إِيصَالِهَا إِلَيْهِ، فَكَانَ عَلَى مَالِكِهَا كَأُجْرَةِ مُخَزِّنِهَا، وَرَاعِيهَا، وَنُسِبَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " مَا لَا يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ إِلَى ابْنِ عَقِيلٍ، وَمَا يُقْصَدُ حِفْظُهُ إِلَى أَبِي الْخَطَّابِ، وَعِنْدَ الْحُلْوَانِيِّ وَابْنِهِ مِنْهَا كَمُؤْنَةِ التَّجْفِيفِ، وَقِيلَ: مِنْهَا إِنْ لَمْ يَمْلِكْ، وَذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ " ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَخَّرَ التَّعْرِيفَ عَنِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ مَعَ إِمْكَانِهِ أَثِمَ لِلْأَمْرِ بِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ بَعْدَ الْحَوْلِ يَسْلُو عَنْهَا وَيَتْرُكُ طَلَبَهَا، وَيَسْقُطُ بِتَأْخِيرِهِ عَنِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، نُصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ عُرِّفَ بَقِيَّتَهُ، وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ بِتَأْخِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا يَسْقُطُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، وَعَلَيْهِمَا لَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ فِيمَا عَدَا الْحَوْلَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمِلْكِ التَّعْرِيفُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ، نَعَمْ لَوْ تَرَكَهُ لِمَرَضٍ وَنِسْيَانٍ مَلَكَهَا بِالتَّعْرِيفِ فِي ثَانِي الْحَوْلِ فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَمْلِكُهَا، إِذِ الْحُكْمُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ مُطْلَقًا (فَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ حُكْمًا) أَيْ: مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ (كَالْمِيرَاثِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ «فَإِنْ لَمْ تُعَرِّفْ فَاسْتَنْفِقْهَا» وَفِي لَفْظٍ «فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ» وَفِي لَفْظٍ " ثُمَّ كُلْهَا " وَفِي لَفْظٍ " فَانْتَفِعْ بِهَا " وَفِي لَفْظٍ «فَشَأْنُكَ بِهَا» وَفِي لَفْظٍ «فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» وَلَوْ وَقَفَ مِلْكُهَا عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذَلِكَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا تُمْلَكُ إِلَّا الْأَثْمَانُ،   [المبدع في شرح المقنع] تَمَلُّكِهَا، لَبَيَّنَهُ لَهُ، وَلِمَ يُجَوِّزْ لَهُ التَّصَرُّفَ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ وَالتَّعْرِيفَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ، فَإِذَا تَمَّ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ الْمِلْكُ حُكْمًا، كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذَلِكَ) وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي " الْوَاضِحِ "؛ لِأَنَّ هَذَا يُمْلَكُ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يَحْصُلْ إِلَّا بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ كَالْقَرْضِ، فَعَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ، فَلَوِ الْتَقَطَهَا اثْنَانِ فَعَرَّفَاهَا حَوْلًا مَلَكَاهَا، فَإِنْ قُلْنَا تَقِفُ عَلَى الِاخْتِيَارِ، فَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ مَلَكَ الْمُخْتَارُ نَصِفَهَا، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ هَاتِهَا، فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، فَهِيَ لَهُ دُونَ الْآمِرِ، وَإِنْ أَخَذَهَا لِلْآمِرِ فَهِيَ لَهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الِاصْطِيَادِ، وَفِي " الْكَافِي " لِرَافِعِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ (وَعَنْ أَحْمَدَ لَا تُمْلَكُ إِلَّا الْأَثْمَانُ وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ) نَقَلَهَا وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِيهَا، وَغَيْرُهَا لَا يُسَاوِيهَا لِعَدَمِ الْغَرَضِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا، فَمِثْلُهَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، فَدَلَّ أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تُمْلَكُ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي " الْمُغْنِي "، وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَرْقًا بَيْنَ الْأَثْمَانِ، وَالْقُرُوضِ، وَعَنْهُ: وَلَا الشَّاةِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ الشَّاةَ تُمْلَكُ دُونَ الْعُرُوضِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. (وَهَلْ لَهُ الصَّدَقَةُ بِغَيْرِهَا) أَيْ: بَعْدَ التَّعْرِيفِ الْمُعْتَبَرِ تُبَاعُ، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا: لَهُ الصَّدَقَةُ بِهِ بِشَرْطِ ضَمَانِهِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْتَفِعُ بِمَا لَهُ تَارَةً لِمَعَاشِهِ، وَتَارَةً لِمَعَادِهِ، فَإِذَا انْتَفَى الْأَوَّلُ تَعَيَّنَ الثَّانِي، وَالثَّانِي: لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَظْهَرَ صَاحِبُهَا فَيَأْخُذَهَا. قَالَ الْخَلَّالُ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ، فَعَلَيْهِ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْخِصَالِ " يُخَيَّرُ بَيْنَ تَعْرِيفِهَا أَبَدًا وَبَيْنَ دَفْعِهَا إِلَى الْحَاكِمِ لِيَرَى رَأْيَهُ فِيهَا؛ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي " الْبِدَايَةِ ": يَدْفَعُهَا إِلَى الْحَاكِمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ خِلَافُهُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَتَتَوَجَّهُ الرِّوَايَتَانِ فِيمَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنَ اللُّصُوصِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ فِي اللُّقَطَةِ يَبِيعُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ بِشَرْطِ ضَمَانِهِ (وَعَنْهُ: لَا تُمْلَكُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهَلْ لَهُ الصَّدَقَةُ بِغَيْرِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: لَا تُمْلَكُ لُقَطَةُ الْحَرَمِ بِحَالٍ. فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي اللُّقَطَةِ حَتَّى يَعْرِفَ وِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا وَقَدْرَهَا وَجِنْسَهَا   [المبدع في شرح المقنع] لُقْطَةُ الْحَرَمِ بِحَالٍ) بَلْ يَجُوزُ أَخْذُهَا لِلْحِفْظِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مَكَّةَ: لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُنْشِدُ: الْمُعَرِّفُ، وَالنَّاشِدُ: الطَّالِبُ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ مَكَّةَ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا؛ لِأَنَّهَا خُصَّتْ بِهَذَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْبُلْدَانِ، فَتُعَرَّفُ أَبَدًا، أَوْ يَدْفَعُهَا إِلَى حَاكِمٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالْحِلِّ لِحَدِيثِ زَيْدٍ، وَبِأَنَّ عُمُومَ الْأَشْخَاصِ يَتَنَاوَلُ عُمُومَ الْأَحْوَالِ، إِذْ قَوْلُهُ: مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً، عَامٌّ فِي كُلِّ وَاجِدٍ، وَعُمُومُ الْوَاجِدِينَ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ أَحْوَالِهِمْ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ اللُّقَطَةَ لَا تُمْلَكُ بِحَالٍ، نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَالْبَغَوِيُّ، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ. [فَصْلُ التَّصَرُّفِ فِي اللُّقَطَةِ] فَصْلٌ (وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي اللُّقَطَةِ حَتَّى يَعْرِفَ وِعَاءَهَا) وَهُوَ الْعِفَاصُ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ مِنْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَقِيلَ: هُوَ صِفَةُ شَدِّهِ وَعَقْدِهِ (وَوِكَاءَهَا) وَهُوَ مَا شُدَّ بِهِ الْوِعَاءُ، وَهُمَا مَمْدُودَانِ (وَقَدْرَهَا) بِالْعَدَدِ، أَوِ الْكَيْلِ، أَوِ الْوَزْنِ، أَوِ الذَّرْعِ (وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا) لِحَدِيثِ زَيْدٍ وَفِيهِ: " «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَّفَ عِفَاصَهَا، وَعَدَدَهَا، وَوِكَاءَهَا، فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا، وَوِعَائِهَا، وَوِكَائِهَا، فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ» وَلِأَنَّ دَفْعَهَا إِلَى رَبِّهَا يَجِبُ بِمَا ذُكِرَ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، نَظَرًا إِلَى مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ وَاجِبٌ، وَلِأَنَّهُ إِذَا عَدَمَ ذَلِكَ لَمْ يُبْقَ سَبِيلٌ إِلَى مَعْرِفَتِهَا. قَالَ الْقَاضِي: يَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَ جِنْسَهَا، وَنَوْعَهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابًا عَرَّفَ لِفَافَتَهَا، وَجِنْسَهَا، وَيُعَرِّفُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا هَلْ هُوَ وَاحِدٌ، أَوْ أَكْثَرُ (وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ وِجْدَانِهَا) لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ (وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 وَصِفَتَهَا، وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ وِجْدَانِهَا وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهَا، فَمَتَى جَاءَ طَالِبُهَا فَوَصَفَهَا لَزِمَ دَفْعُهَا إِلَيْهِ بِنَمَائِهَا الْمُتَّصِلِ، وَزِيَادَتِهَا الْمُنْفَصِلَةِ لِمَالِكِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَمَسَّهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَأَوْجَبَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو بَكْرٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، فَعَلَيْهَا يَضْمَنُ بِتَرْكِهِ، وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ، وَلَوْ وَجَبَ لَبَيَّنَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ سِيَّمَا وَقَدْ سُئِلَ عَنْ حُكْمِ اللُّقَطَةِ، وَلِأَنَّهُ أَخَذَ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى الْإِشْهَادِ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ، وَالشُّهُودُ عَدْلَانِ فَصَاعِدًا، وَلَا يَشْهَدُ عَلَى الصِّفَاتِ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِاحْتِمَالِ تَنَوُّعِهِ، فَيَعْتَمِدُهُ الْمُدَّعِي الْكَاذِبُ، وَيُسْتَحَبُّ كَتْبُ صِفَاتِهَا لِيَكُونَ أَثْبَتَ لَهَا، مَخَافَةَ نِسْيَانِهَا (فَمَتَى جَاءَ طَالِبُهَا) وَلَوْ بَعْدَ الْحَوْلِ (فَوَصَفَهَا) بِالصِّفَاتِ السَّابِقَةِ (لَزِمَ دَفْعُهَا إِلَيْهِ) بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ لِقَوْلِهِ: «فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَأْخُذُهَا تَامَّةً مَعَ ظَنِّ صِدْقِهِ، وَفِي كَلَامِ أَبِي الْفَرَجِ وَ " التَّبْصِرَةِ " جَازَ الدَّفْعُ إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَذْكُرْ بَيِّنَةً، وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَذَكَرَهَا كَغَيْرِهَا، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» إِذْ هُوَ مَعَ وُجُودِ مُنْكِرٍ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي صُورَةِ اللُّقَطَةِ فَالْخَبَرُ لَا يَشْمَلُهَا، وَلَوْ سَلَّمَ فَالتَّخْصِيصُ، وَيَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا غَالِبًا لِسُقُوطِهَا حَالَ الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ دَفْعُهَا بِالصِّفَةِ لَمَا جَازَ الْتِقَاطُهَا، وَمِثْلُهُ وَصْفُهُ مَغْصُوبًا وَمَسْرُوقًا، ذَكَرَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ (بِنَمَائِهَا الْمُتَّصِلِ) لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَلَا يُمْكِنُ انْفِصَالُهَا، وَلِأَنَّهُ يُتْبَعُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ (وَزِيَادَتُهَا الْمُنْفَصِلَةُ لِمَالِكِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ) لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ (وَلِوَاجِدِهَا بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلِ التَّعْرِيفِ (فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِانْفِصَالِ الْحَوْلِ، فَالنَّمَاءُ إِذَنْ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَالثَّانِي: يَأْخُذُهَا رَبُّهَا بِهَا كَالْمُتَّصِلَةِ، وَكَالْمُفْلِسِ، وَالْوَلَدِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ لِمَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 وَلِوَاجِدِهَا بَعْدَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يَضْمَنْهَا،   [المبدع في شرح المقنع] حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا يَضْمَنُ الْمُلْتَقِطُ النَّقْصَ، فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لَهُ لِيَكُونَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". فَرْعٌ: إِذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي دَفْنٍ فِي الدَّارِ، مَنْ وَصَفَهُ فَهُوَ لَهُ، وَقِيلَ: لَا كَوَدِيعَةٍ، وَعَارِيَّةٍ، وَرَهْنٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا تَتَعَذَّرُ الْبَيِّنَةُ. مَسْأَلَةٌ: مَئُونَةُ الرَّدِّ عَلَى رَبِّهَا، ذَكَرَهُ فِي " التَّعْلِيقِ "، وَ " الِانْتِصَارِ " لِتَبَرُّعِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ "، وَ " الرِّعَايَةِ " عَلَى الْمُلْتَقَطِ. [تَلِفَتِ اللُّقَطَةُ أَوْ نَقَصَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ] (وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يَضْمَنْهَا) لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَمْ تُضْمَنْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ كَالْوَدِيعَةِ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ ضَمِنَهَا) لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ، وَتَلِفَتْ مِنْ مَالِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّفْرِيطِ وَعَدَمِهِ، لَكِنِ اخْتَارَ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّ اللُّقَطَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ تُمْلَكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ الْعِوَضُ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا، وَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا بَعِوَضٍ فِي ذِمَّتِهِ لِصَاحِبِهَا، وَعَلَيْهِمَا يَزُولُ مِلْكُ الْمُلْتَقِطِ عَنْهَا بِوُجُودِ رَبِّهَا إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَيُرَدُّ بَدَلُهَا وَهُوَ مِثْلُهَا أَوْ قِيمَتُهَا إِنْ كَانَتْ تَالِفَةً لِأَخْبَارٍ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ فَلَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُ حَقِّهِ مِنْهُ مُطْلَقًا كَمَا لَوِ اضْطُرَّ إِلَى مَالِ غَيْرِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ لِحَدِيثِ عِيَاضٍ الْمَرْفُوعِ «فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ التَّمَلُّكِ، قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي. وَقَالَ الشَّيْخَانِ: حِينَ وُجُودِ رَبِّهَا، وَقِيلَ: يَوْمَ تَصَرُّفِهِ، وَقِيلَ: يَوْمَ غَرِمَ بَدَلَهَا، وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا بَعْدَ مِلْكِهَا، وَقِيلَ: وَلَا يَرُدُّهَا، وَالْخِلَافُ السَّابِقُ عَلَى الْقَوْلِ بِمِلْكِهَا بِمُضِيِّ الْحَوْلِ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا بِالِاخْتِيَارِ لَمْ يَضْمَنْهَا إِلَّا بِهِ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَمْلِكُهَا بِحَالٍ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا تَصَرَّفَ فِيهَا الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا صَحَّ، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا بَعْدَ خُرُوجِهَا عَنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا، وَلَهُ أَخْذُ بَدَلِهَا، فَإِنْ عَادَتْ إِلَى الْمُلْتَقِطِ فَلَهُ أَخْذُهَا، كَالزَّوْجِ إِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَوَجَدَ الصَّدَاقَ قَدْ رَجَعَ إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ ضَمِنَهَا، وَإِنْ وَصَفَهَا اثْنَانِ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ وَأَخَذَهَا، وَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ، أَخَذَهَا مِنَ الْوَاصِفِ، وَإِنْ تَلِفَتْ فَلَهُ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ، إِلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَمَتَى ضَمِنَ الدَّافِعُ رُجِعَ عَلَى الْوَاصِفِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمَرْأَةِ، فَإِنْ كَانَ بَيْعَ خِيَارٍ فَلَهُ أَخْذُهُ، فَإِنْ مَاتَ الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ مِلْكًا لَهُ ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا فَهُوَ غَرِيمٌ بِهَا يَرْجِعُ بِبَدَلِهَا إِنِ اتَّسَعَتِ التَّرِكَةُ، وَإِلَّا تَحَاصَّ الْغُرَمَاءُ، أَيْ: مَعَ التَّلَفِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ تَلَفَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ لَا؛ وَفِي " الْمُغْنِي " احْتِمَالٌ لَا يُلْزِمُ عِوَضَهَا إِنْ لَمْ يُعْلَمْ تَلَفُهَا بَعْدَ الْحَوَلِ، لِاحْتِمَالِ تَلَفِهَا فِي الْحَوَلِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ (وَإِنْ وَصَفَهَا اثْنَانِ) مَعًا، أَوْ وَصَفَهَا الثَّانِي قَبْلَ دَفْعِهَا لِلْأَوَّلِ (قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلدَّفْعِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا (وَفِي الْآخَرِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِنَّهُ أَشْبَهُ بِأُصُولِنَا فِيمَا إِذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ وَأَخَذَهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ الْقُرْعَةِ، وَيَحْلِفُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ، وَكَذَا إِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، فَلَوْ وَصَفَهَا إِنْسَانٌ فَأَخَذَهَا، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: إِنْ زَادَ فِي الصِّفَةِ احْتُمِلَ تَخْرِيجُهُ عَلَى بَيِّنَةِ التَّشَاحِّ. (وَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ أَخَذَهَا مِنَ الْوَاصِفِ) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنَ الْوَصْفِ (وَإِنْ تَلِفَتْ فَلَهُ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ) مِنَ الْوَاصِفِ وَالدَّافِعِ إِلَيْهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَتَلِفَ عِنْدَهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ إِلَى غَيْرِ مَالِكِهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ؛ فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إِلَى غَيْرِ مَالِكِهَا إِذًا عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَالِكُهَا؛ وَقِيلَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الدَّفْعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَمْ يُفَرِّطْ، وَكَمَا لَوْ أُخِذَتْ مِنْهُ كُرْهًا (إِلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَمَا لَوْ غُصِبَتْ مِنْهُ (وَمَتَى ضَمِنَ الدَّافِعُ رَجَعَ عَلَى الْوَاصِفِ) لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبَ تَغْرِيمِهِ، وَالتَّلَفُ حَصَلَ فِي يَدِهِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إِلَّا أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 فَصْلٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا،   [المبدع في شرح المقنع] يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ قَدْ أَقَرَّ الْوَاصِفُ أَنَّهَا مِلْكُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْوَاصِفَ هُوَ الْمُحِقُّ، وَصَاحِبَ الْبَيِّنَةِ قَدْ ظَلَمَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيِّنَةِ إِذَا ضَمِنَ الْوَاصِفَ لَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الدَّافِعِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، وَالْعُدْوَانَ مِنْهُ. فَرْعٌ: إِذَا مَاتَ الْمُلْتَقِطُ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي التَّعْرِيفِ أَوْ إِتْمَامِهِ، وَيَمْلِكُهَا بَعْدَ تَمَامِ التَّعْرِيفِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ تَلَفُهَا، وَلَا وُجِدَتْ فِي تَرِكَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ بِهَا، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ شَيْءٌ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا قَبْلَهُ. [فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا] ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ، وَخَلْقٍ؛ لِلْعُمُومِ. وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا فَقِيرٌ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى؛ لِحَدِيثِ عِيَاضٍ؛ وَلِأَنَّهُ أَضَافَ الْمَالَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ إِنَّمَا يَتَمَلَّكُهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بِالْقَرْضِ مَلَكَ اللُّقَطَةَ كَالْفَقِيرِ، وَدَعْوَاهُمْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، بَلْ بُطْلَانُهَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا تُضَافُ إِلَى اللَّهِ خَلْقًا وَمِلْكًا؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] (مُسْلِمًا) اتِّفَاقًا (أَوْ كَافِرًا) فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ، فَكَانَ مِنْ أَهْلِهِ كَالِاحْتِطَابِ، وَقَيَّدَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ " بِالذِّمِّيِّ، وَلَعَلَّهُ مُرَادٌ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " بِالْكَافِرِ الْعَدْلِ فِي دَارِنَا. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ، وَيَنْتَقِضُ بِالصَّبِيِّ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَإِنْ عَلِمَ بِهَا الْحَاكِمُ أَقَرَّهَا فِي يَدِهِ وَضَمَّ إِلَيْهِ عَدْلًا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 وَقِيلَ: يُضَمُّ إِلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ فِي تَعْرِيفِهَا وَحِفْظِهَا، وَإِنْ وَجَدَهَا صَبِيٌّ أَوْ سَفِيهٌ قَامَ وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا، فَإِذَا عَرَّفَهَا فَهِيَ لِوَاجِدِهَا، وَإِنْ وَجَدَهَا عَبْدٌ فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا مِنْهُ وَتَرْكُهَا مَعَهُ يَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا إِذَا كَانَ عَدْلًا، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنِ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ عَلَيْهَا لَزِمَهُ سَتْرُهَا عَنْهُ، فَإِنْ أَتْلَفَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ، وَإِنْ أَتْلَفَهَا بَعْدَهُ فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْحِفْظِ وَالتَّعْرِيفِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُنْتَزَعَ مِنْ يَدِهِ، وَتُوضَعَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا (عَدْلًا) اتِّفَاقًا (أَوْ فَاسِقًا) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِهَاتِ الْكَسْبِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ، فَصَحَّ الْتِقَاطُهُ كَالْعَدْلِ، وَإِذَا صَحَّ الْتِقَاطُ الذِّمِّيِّ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى، وَالْأَوْلَى لَهُ تَرْكُهَا؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ نَفْسَهُ لِلْأَمَانَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (وَقِيلَ: يُضَمُّ إِلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ فِي تَعْرِيفِهَا وَحِفْظِهَا) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا، فَافْتَقَرَ إِلَى مُشَارَكَةِ الْأَمِينِ فِي الْحِفْظِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُنْتَزَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ التَّمَلُّكِ، نَعَمْ، إِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْمُسْرِفَ حِفْظُهَا مِنْهُ انْتُزِعَتْ مِنْ يَدِهِ وَتُرِكَتْ فِي يَدِ عَدْلٍ، فَإِذَا عَرَّفَهَا مَلَكَهَا الْمُلْتَقِطُ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْهُ. (وَإِنْ وَجَدَهَا صَبِيٌّ أَوْ سَفِيهٌ) أَوْ مَجْنُونٌ - قَالَهُ جَمَاعَةٌ - (قَامَ وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا) ؛ لِأَنَّ وَاجِدَهَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّعْرِيفِ، وَهُوَ مُقَوَّمٌ فِي مَالِهِ، فَكَذَا فِي لُقَطَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَخْذُهَا مِنْهُ، فَإِنْ تَرَكَهَا فِي يَدِهِ فَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا (فَإِذَا عَرَّفَهَا) وَلَمْ تُعْرَفْ (فَهِيَ لِوَاجِدِهَا) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ تَمَّ شَرْطُهُ، فَثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ كَالصَّيْدِ، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ الْتِقَاطِهِمَا؛ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ كَسْبٍ، فَصَحَّ مِنْهُ كَالِاحْتِشَاشِ، فَإِنْ تَلِفَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمْ وَفَرَّطَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي صَبِيٍّ كَإِتْلَافِهِ. (وَإِنْ وَجَدَهَا عَبْدٌ) عَدْلٌ (فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ، وَهُوَ لِسَيِّدِهِ، فَكَانَ لَهُ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ (وَتَرْكُهَا مَعَهُ، يَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا إِذَا كَانَ عَدْلًا) ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ، فَإِنْ عَرَّفَهَا بَعْضَ الْحَوْلِ عَرَّفَهَا السَّيِّدُ تَمَامَهُ، وَإِنْ عَرَّفَهَا حَوْلًا صَحَّ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ لَهُ قَوْلًا صَحِيحًا فَصَحَّ تَعْرِيفُهُ كَالْحُرِّ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ التَّعْرِيفِ مَلَكَهَا سَيِّدُهُ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ أَكْسَابِهِ، وَظَهَرَ مِنْهُ صِحَّةُ الْتِقَاطِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ جَازَ لَهُ الِالْتِقَاطُ كَالْحُرِّ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْهَا، فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا، لَا يُقَالُ: هِيَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَمَانَةٌ وَوِلَايَةٌ وَبَعْدَهُ تَمَلُّكٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهِلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالصَّبِيِّ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ فَهِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةً، فَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ بَابُ اللَّقِيطِ وَهُوَ الطِّفْلُ الْمَنْبُوذُ، وَهُوَ حُرٌّ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا   [المبدع في شرح المقنع] وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ التَّمَلُّكِ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ الِاصْطِيَادِ، فَإِنْ عُتِقَ أَخَذَهُ سَيِّدُهُ. وَقِيلَ: إِنْ عُتِقَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالتَّعْرِيفِ؛ وَقُلْنَا: يَمْلِكُ - فَلَا، (فَإِنْ لَمْ يَأْمَنِ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ عَلَيْهَا لَزِمَهُ سَتْرُهَا عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُهَا، وَذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ، وَيُسَلِّمُهَا إِلَى الْحَاكِمِ ثُمَّ يَدْفَعُهَا إِلَى سَيِّدِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ (فَإِنْ أَتْلَفَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ) أَيْ تَتَعَلَّقُ قِيمَتُهَا بِرَقَبَتِهِ، كَالْجِنَايَةِ، وَكَذَا إِذَا تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ، فَلَوْ تَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَالْحُرِّ (وَإِنْ أَتْلَفَهَا بَعْدَهُ فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي إِتْلَافِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَاحِبِهَا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": هَذَا إِذَا قُلْنَا: يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ، وَيَصْلُحُ أَنْ يَنْبَنِيَ ذَلِكَ عَلَى اسْتِدَانَةِ الْعَبْدِ. فَائِدَةٌ: الْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ، كَالْقِنِّ. (وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ) لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ فِي الْحَالِ وَأَكْسَابَهُ لَهُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِأَكْسَابِهِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ، فَإِنْ عَجَزَ صَارَ عَبْدًا، وَحُكْمُ لُقَطَتِهِ كَالْعَبْدِ، (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ فَهِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ، وَهِيَ بَيْنَهُمَا فَيُعَرِّفَانِ وَيُمَلَّكَانِ بِالْقِسْطِ كَسَائِرِ الْأَكْسَابِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةً) بِأَنْ يَتَّفِقَ هُوَ وَالسَّيِّدُ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ يَوْمًا لِهَذَا وَيَوْمًا لِلْآخَرِ، (فَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، أَصَحُّهُمَا لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهَا مِنَ الْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ أَشْبَهَتِ الْمِيرَاثَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَالثَّانِي: يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ، أَشْبَهَتْ سَائِرَ الْأَكْسَابِ، فَيَكُونُ لِمَنْ وُجِدَ فِي يَوْمِهِ، وَكَذَا حُكْمٌ نَادِرٌ مَنْ كَسْبِهِ كَهَدِيَّةٍ، وَهِبَةٍ، وَوَصِيَّةٍ، وَنَحْوِهَا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". [بَابِ اللَّقِيطِ] [تَعْرِيفُ اللَّقِيطِ] بَابُ اللَّقِيطِ هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ، وَالْتِقَاطُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 يُنْفَقُ عَلَيْهِ، وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ فِي بَلَدِ الْكُفَّارِ وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ فَيَكُونُ   [المبدع في شرح المقنع] {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إِحْيَاءَ نَفْسٍ، فَكَانَ وَاجِبًا كَإِطْعَامِهِ إِذَا اضْطُرَّ، وَإِنْجَائِهِ مِنَ الْغَرَقِ. وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، قَالَ: وَجَدْتُ مَلْقُوطًا، فَأَتَيْتُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ عَرِيفِي: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقَالَ عُمَرُ: أَكَذَلِكَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ، وَفِي لَفْظٍ: عَلَيْنَا رِضَاعُهُ. (وَهُوَ الطِّفْلُ الْمَنْبُوذُ) مِنْ نَبَذَ، أَيْ طَرَحَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي شَارِعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدَّعِيهِ، وَقِيلَ: وَالْمُمَيِّزُ إِلَى الْبُلُوغِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَآهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُرَبِّيَهُ إِنْ كَانَ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا فَلِلْحَاكِمِ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ، وَتَسْلِيمُهُ إِلَى أَمِينٍ لِيُرَبِّيَهُ. وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: اللَّقِيطُ وَقَدْ عُرِّفَ، وَالِالْتِقَاطُ، وَفِي وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ مَا فِي اللُّقَطَةِ. وَقِيلَ: يَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا لِئَلَّا يَسْتَرِقَّهُ، وَالْمُلْتَقِطُ وَهُوَ كُلُّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ، وَفِي اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ وَجْهَانِ. (وَهُوَ حُرٌّ) فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إِجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِنِ الْتَقَطَهُ لِلْحِسْبَةِ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنِ الْتَقَطَهُ لِلِاسْتِرْقَاقِ فَهُوَ لَهُ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُعَرَّجُ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَا يَصِحُّ فِي النَّظَرِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْآدَمِيِّينَ الْحُرِّيَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ أَحْرَارًا، وَإِنَّمَا الرِّقُّ لِعَارِضٍ كَوِجْدَانِهِ فِي دَارِ حَرْبٍ (يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ) ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ مَصْرِفُ مِيرَاثِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ إِجْمَاعًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَعَلَى مَنْ عُلِمَ حَالُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لَزِمَ اللَّقِيطَ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ قَصْدًا بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنَ الْحَاكِمِ فَقَوْلَانِ، وَمَا حُكِيَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مَعَ إِذْنِ الْحَاكِمِ سَهْوٌ (وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ) أَيْ هُوَ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ إِذَا وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وَالدَّارِ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 كَافِرًا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مُسْلِمٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَا وُجِدَ مَعَهُ مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ أَوْ ثِيَابٍ، أَوْ مَالٍ فِي جَيْبِهِ أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ، أَوْ حَيَوَانٍ مَشْدُودٍ بِثِيَابِهِ - فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا تَحْتَهُ، أَوْ مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَوْلَى النَّاسِ بِحَضَانَتِهِ وَاجِدُهُ إِنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، ثُمَّ دَارُ الْإِسْلَامِ قِسْمَانِ: مَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ لَقِيطُهَا مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ قَطْعًا، الثَّانِي: دَارٌ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ كَمَدَائِنِ الشَّامِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ حُكِمَ بِكُفْرِهِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: (إِلَّا أَنْ يُوجَدَ فِي بَلَدِ الْكُفَّارِ وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ فَيَكُونُ كَافِرًا) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَهُمْ وَأَهْلَهَا مِنْهُمْ، ثُمَّ بِلَادُ الْكُفَّارِ قِسْمَانِ أَيْضًا: بَلَدٌ يَغْلِبُ الْمُسْلِمُونَ الْكُفَّارَ عَلَيْهِ كَالسَّاحِلِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مُسْلِمٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِ لَقِيطِهِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُؤْمِنٌ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، وَبِلَادٌ لَمْ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَالْهِنْدِ وَالرُّومِ، فَلَقِيطُهَا كَافِرٌ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، (فَإِنْ كَانَ فِيهِ مُسْلِمٌ) كَتَاجِرٍ وَغَيْرِهِ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) : أَحَدِهِمَا - وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " - أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الظَّاهِرِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ كَافِرٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَلَدُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَالثَّانِي يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ تَغْلِيبًا لِلدَّارِ وَالْأَكْثَرِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الطِّفْلَ إِذَا وُجِدَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَيِّتًا فِي أَيِّ مَكَانٍ وُجِدَ، أَنَّهُ يَجِبُ غُسْلُهُ وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ مَنَعُوا أَنْ يُدْفَنَ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا مُشْرِكٌ فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِ مَا حَكَمُوا بِهِ أَنَّهُ كَافِرٌ. [مَا وُجِدَ مِنْ فِرَاشٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ مَالٍ مَعَ اللَّقِيطِ] (وَمَا وُجِدَ مَعَهُ مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ أَوْ ثِيَابٍ) فَوْقَهُ (أَوْ مَالٍ فِي جَيْبِهِ أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ أَوْ حَيَوَانٍ مَشْدُودٍ بِثِيَابِهِ فَهُوَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَمْلِكُ وَلَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ وَلَيُّهُ وَيَبِيعَ، وَمَنْ لَهُ مِلْكٌ صَحِيحٌ فَلَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ كَالْبَالِغِ، فَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ مُتَعَلِّقًا بِمَنْفَعَةٍ فَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ، وَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فِي الظَّاهِرِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَجَعَلَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " مِنْ ذَلِكَ مَا جُعِلَ فِيهِ كَخَيْمَةٍ وَدَارٍ، وَكَلَامُ الْمَجْدِ يُخَالِفُهُ. (وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا تَحْتَهُ، أَوْ مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، أَمَّا الْمَدْفُونُ تَحْتَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 أَمِينًا، وَلَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِمَّا وَجَدَ مَعَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ حَاكِمٍ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا   [المبدع في شرح المقنع] فَهُوَ لَهُ كَالْمُتَّصِلِ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ لِلْبَالِغِ، فَكَذَا لِلطِّفْلِ، وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ لَشَدَّهُ وَاضِعُهُ فِي ثِيَابِهِ لِيُعَلَّمَ بِهِ، وَتَوَسَّطَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ فَجَعَلَاهُ لَهُ بِشَرْطِ طَرَاوَةِ الدَّفْنِ؛ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ، وَأَمَا الْمَطْرُوحُ قَرِيبًا مِنْهُ فَقَطَعَ الْمَجْدُ وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَهُ؛ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَالثَّانِي، وَأَوْرَدَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مَذْهَبًا: لَا يَكُونُ لَهُ كَالْبَعِيدِ، وَيَرْجِعُ بِهِ إِلَى الْعُرْفِ، وَحَيْثُ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ فَهُوَ لُقَطَةٌ أَوْ رِكَازٌ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَفِي ثَالِثٍ: إِنْ وَجَدَ رُقْعَةً فِيهَا أَنَّهُ لَهُ فَهُوَ لَهُ (وَأَوْلَى النَّاسِ بِحَضَانَتِهِ وَاجِدُهُ إِنْ كَانَ أَمِينًا) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَقَرَّ اللَّقِيطَ فِي يَدِ أَبِي جَمِيلَةَ حِينَ قَالَ لَهُ عَرِيفُهُ: إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَقَ إِلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ؛ لِلْخَبَرِ، (وَلَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِمَّا وَجَدَ مَعَهُ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِغَيْرِ إِذْنِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى إِذْنِ حَاكِمٍ) كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إِنْفَاقٌ عَلَى طِفْلٍ، فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ كَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى صَغِيرٍ مُودَعٍ، وَأَصْلُهَا مَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ آخَرَ مَالًا وَغَابَ، وَطَالَتْ غَيْبَتُهُ، وَلَهُ وَلَدٌ وَلَا نَفَقَةَ لَهُ، هَلْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ هَذَا الْمُسْتَوْدَعُ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ؟ فَقَالَ: تَقُومُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْإِنْفَاقَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَهَذَا مِثْلُهُ، وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى اللَّقِيطِ وَعَلَى مَالِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى اللَّقِيطِ مِنْ مَالِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ عِنْدَهُ إِثْبَاتَ حَاجَتِهِ لِعَدَمِ مَالِهِ، وَعَدَمِ نَفَقَةٍ مَتْرُوكَةٍ بِرَسْمِهِ، وَمَتَى لَمْ يَجِدْهَا حَاكِمًا فَلَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهُ فِي مَوْضِعٍ يَجِدُ حَاكِمًا؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ التُّهْمَةِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، فَإِنْ بُلِّغَ، وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهَا وَالتَّفْرِيطِ - قُبِلَ قَوْلُ الْمُنْفِقِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. [وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ فَأَرَادَ نَقْلَهُ إِلَى الْبَادِيَةِ] (فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا - وَاللَّقِيطُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 يُنْفِقُ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا - وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ - أَوْ بَدَوِيًّا يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ، أَوْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ فَأَرَادَ نَقْلَهُ إِلَى الْبَادِيَةِ، لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ، وَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] مُسْلِمٌ - أَوْ بَدَوِيًّا يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ، أَوْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ، فَأَرَادَ نَقْلَهُ إِلَى الْبَادِيَةِ لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ) وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حِفْظِهِ إِلَّا الْوِلَايَةُ، وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ، وَفَارَقَ اللُّقَطَةَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا فِي مَعْنَى التَّكَسُّبِ، وَإِنَّهَا إِذَا انْتُزِعَتْ مِنْهُ فَتُرَدُّ إِلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ تُقَرُّ فِي يَدِهِ فِي الْحَضَرِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِكَوْنِهِ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَيَكُونُ أَحَقَّ، فَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِهِ مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ يُبْعِدُهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ حَالَهُ فَلَا يُؤَمَنُ أَنْ يَدَّعِيَ رِقَّهُ وَيَبِيعَهُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي: " فَعَلَى قَوْلِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ، وَيُضَمُّ إِلَيْهِ أَمِينٌ يُشَارِفُهُ لِيُؤْمَنَ التَّفْرِيطُ فِيهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُقَرُّ فِي يَدِهِ مُطْلَقًا كَاللُّقَطَةِ، وَيُجَابُ عَمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ اللَّقِيطَ ظَاهِرٌ وَمَكْشُوفٌ لَا تَخْفَى الْخِيَانَةُ فِيهِ بِخِلَافِهَا؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُ بَعْضِهَا وَإِبْدَالُهَا بِخِلَافِ اللَّقِيطِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ مَحَلُّ الْخِيَانَةِ، وَالنُّفُوسَ إِلَى أَخْذِهَا دَاعِيَةٌ بِخِلَافِ النُّفُوسِ، فَإِنْ كَانَ مَسْتُورَ الْحَالِ فَوَجْهَانِ. فَرْعٌ: لَا يُقَرُّ فِي يَدِ مُبَذِّرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا، قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، فَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِهِ لَمْ يُمْنَعْ لِلْأَمْنِ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: السَّفِيهُ كَالْفَاسِقِ. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ، فَلَا يُذْهِبُهَا فِي غَيْرِ نَفْعِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَيَصِيرُ كَمَا لَوِ الْتَقَطَهُ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ، لَكِنْ إِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَلْتَقِطُهُ سِوَاهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَتَخْلِيصِهِ مِنَ الْغَرَقِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". فَائِدَةٌ: الْمُدَبَّرُ، وَالْمُكَاتَبُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَالْقِنِّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 الْتَقَطَهُ فِي الْبَادِيَةِ مُقِيمٌ فِي حُلَّةٍ أَوْ مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى الْحَضَرِ - أُقِرَّ مَعَهُ، وَإِنِ الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَهَلْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ الْتَقَطَهُ   [المبدع في شرح المقنع] الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِ كَافِرٍ إِذَا كَانَ اللَّقِيطُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْكُفْرَ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَبِّيهِ عَلَى دِينِهِ، نَعَمْ حَيْثُ حُكِمَ بِكُفْرِ اللَّقِيطِ فَإِنَّهُ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِ الْبَدَوِيِّ الَّذِي يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِتْعَابًا لِلطِّفْلِ بِتَنَقُّلِهِ، فَعَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُدْفَعُ إِلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَهُ لَهُ، وَأَخَفُّ عَلَيْهِ، وَفِي آخَرَ أَنَّهُ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ وَلَدُ بَدَوِيَّيْنِ، وَإِقْرَارُهُ فِي يَدِ مُلْتَقِطِهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ ". الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِ مَنْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ وَأَرَادَ نَقْلَهُ إِلَى الْبَادِيَةِ؛ لِأَنَّ مُقَامَهُ فِي الْحَضَرِ أَصْلَحُ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَأَرْفَهُ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وُلِدَ فِيهِ، فَبَقَاؤُهُ فِيهِ أَرْجَى؛ لِكَشْفِ نَسَبِهِ وَظُهُورِ أَهْلِهِ وَاعْتِرَافِهِمْ بِهِ (وَإِنِ الْتَقَطَهُ فِي الْبَادِيَةِ مُقِيمٌ فِي حِلَّةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: الْبُيُوتِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَحِينَئِذٍ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّةَ كَالْقَرْيَةِ فِي كَوْنِهِ لَا يَرْحَلُ لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ (أَوْ مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى الْحَضَرِ أُقِرَّ مَعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُهُ مِنْ أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالشَّقَاءِ إِلَى الرَّفَاهِيَةِ وَالدَّعَةِ وَالدِّينِ. (وَإِنِ الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَهَلْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، أَحَدُهُمَا لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ بِبَلَدِهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ، وَالثَّانِي: يُقَرُّ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ، وَالْبَلَدُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فِي الرَّفَاهِيَةِ، أَشْبَهَ الْمُنْتَقِلَ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيِ الْبَلَدِ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ أَرَادَ نَقْلَهُ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ، أَوْ مِنْ حِلَّةٍ إِلَى حِلَّةٍ، وَعَلَى الْمَنْعِ مَا لَمْ يَكُنِ الْبَلَدُ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَبِيئًا كَغَوْرِ بَيْسَانَ؛ قَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقِيلَ: إِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيمَا انْتَقَلَ بِهِ إِلَيْهِ مِنْ حِلَّةٍ وَقَرْيَةٍ وَبَلَدٍ جَازَ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " مَنْ وَجَدَهُ بِفَضَاءٍ خَالٍ نَقَلَهُ حَيْثُ شَاءَ. (وَإِنِ الْتَقَطَهُ اثْنَانِ) بِحَيْثُ إِنَّهُمَا تَنَاوَلَاهُ جَمِيعًا (قُدِّمَ الْمُوسِرُ عَلَى الْمُعْسِرِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحَظُّ لِلطِّفْلِ (وَالْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقَ بِالطِّفْلِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا غَيْرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 اثْنَانِ قُدِّمَ الْمُوسِرُ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَالْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا وَتَشَاحَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا قُدِّمَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا يَدٌ فَوَصَفَهُ   [المبدع في شرح المقنع] مُتَّصِفَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيهِمَا، وَيُقَدَّمُ الْأَمِينُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ النَّفْعَ بِإِسْلَامِهِ أَعْظَمُ مِنَ النَّفْعِ الْحَاصِلِ بِيَسَارِهِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمْ: يُقَدَّمُ الْجَوَادُ عَلَى الْبَخِيلِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": يُقَدَّمُ بَلَدِيٌّ عَلَى غَيْرِهِ، وَظَاهِرُ الْعَدَالَةِ عَلَى مَسْتُورِ الْحَالِ؛ وَقِيلَ: سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ وُجُودِ الْمَانِعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي التَّرْجِيحِ (فَإِنْ تَسَاوَيَا) فِي الصِّفَاتِ (وَتَشَاحَّا، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ عِنْدَهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَالْقُرْعَةِ فِي الشَّرِكَةِ، وَالْقَسْمِ، وَالْعِتْقِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةً؛ لِاخْتِلَافِ الْأَغْذِيَةِ، وَالْأُنْسِ، وَالْإِلْفِ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ؛ وَقِيلَ: يُسَلِّمُهُ الْحَاكِمُ إِلَى أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا، فَلَوْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِتَسْلِيمِهِ إِلَى الْآخَرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَلَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِيثَارِ بِهِ. (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا قُدِّمَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى، فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا، فَإِنِ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا، أَوْ أُطْلِقَتَا، أَوْ أُرِّخَتْ إِحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتِ الْأُخْرَى - تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا فِي وَجْهٍ، فَيَصِيرُ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، وَفِي الْآخَرِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ أَوْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَعْوَى الْمَالِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ اسْتِحْقَاقِ الْإِمْسَاكِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالطَّلَاقِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ": يَحْلِفُ أَنَّهُ الْتَقَطَهُ (فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِمَا، فَتَثْبُتُ الْقُرْعَةُ، وَحِينَئِذٍ يُسَلَّمُ إِلَى مَنْ تَقَعُ الْقُرْعَةُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَا يَمِينَ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهَرًا وَسَأَلَ يَمِينَهُ، حَلَفَ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ ": لَا، كَطَلَاقٍ، (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا يَدٌ فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا) بِأَنْ يَقُولَ: فِي ظَهْرِهِ شَامَةٌ، أَوْ بِخَدِّهِ عَلَامَةٌ (قُدِّمَ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ كَلُقَطَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 أَحَدُهُمَا قُدِّمَ، وَإِلَّا سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ إِلَى مَنْ يَرَى مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا. فَصْلٌ وَمِيرَاثُ اللَّقِيطِ وَدِيَتُهُ إِنْ قُتِلَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا فَوَلِيُّهُ الْإِمَامُ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ قُطِعَ طَرَفُهُ عَمْدًا انْتَظَرَ بُلُوغَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْوَصْفَ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ، فَقُدِّمَ بِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ " الْمُبْهِجِ "، وَ " الْمُنْتَخَبِ "، وِ " الْوَسِيلَةِ ": لَا يُقَدَّمُ وَاصِفُهُ، وَذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ " عَنْ أَصْحَابِنَا لِتَأَكُّدِهِ لِكَوْنِهِ دَعْوَى نَسَبٍ، وَلِلْغِنَى بِالْقَافَةِ، وَكَمَا لَوْ وَصَفَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى (وَإِلَّا) إِذَا انْتَفَى الْوَصْفُ (سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ إِلَى مَنْ يَرَى مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا) ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ لَهُمَا، وَقِيلَ: لَا يُسَلِّمُهُ الْحَاكِمُ، بَلْ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا، وَفِي " الْمُغْنِي " هُوَ الْأَوْلَى كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَلِأَنَّهُمَا تَنَازَعَا حَقًّا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، أَشْبَهُ مَا لَوْ تَنَازَعَا وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِمَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ لِلصَّبِيِّ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ ". [فَصْلٌ: وَمِيرَاثُ اللَّقِيطِ وَدِيَتُهُ] ُ) دِيَةُ حُرٍّ (إِنْ قُتِلَ لِبَيْتِ الْمَالِ) إِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَلَا وَارِثَ لَهُ، فَكَانَ مَالُهُ وَدِيَتُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَغَيْرِ اللَّقِيطِ. وَعَنْهُ: إِنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ لِمُلْتَقِطِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَإِنْ جَنَى خَطَأً عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ وَإِسْحَاقُ: وَلَاؤُهُ لِمُلْتَقِطِهِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي جَمِيلَةَ: فَهُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَلِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ مَرْفُوعًا: «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ: عَتِيقُهَا، وَلَقِيطُهَا، وَمِيرَاثُ وَلَدِهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ رِقٌّ وَلَا عَلَى آبَائِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ كَمَعْرُوفِ النِّسَبِ، وَحَدِيثُ وَاثِلَةَ لَا يَثْبُتُ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ فِي خَبَرِ عُمَرَ: أَبُو جَمِيلَةَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا يَقُومُ بِحَدِيثِهِ حُجَّةٌ، وَلَوْ أَسْلَمَ؛ فَمَعْنَى قَوْلِهِ: لَكَ وَلَاؤُهُ، أَيْ لَكَ وِلَايَةُ الْقِيَامِ بِهِ وَحِفْظِهِ (وَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا فَوَلِيُّهُ الْإِمَامُ، إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَيْ ذَلِكَ فِعْلٌ جَازَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 اللَّقِيطُ فَقِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَلِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ، وَإِنِ ادَّعَى الْجَانِي عَلَيْهِ أَوْ قَاذِفُهُ رِقَّهُ وَكَذَّبَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ، وَإِنِ ادَّعَى إِنْسَانٌ أَنَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا رَآهُ أَصْلَحَ؛ لِقَوْلِهِ: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَمَتَى عُفِيَ عَلَى مَالٍ أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ (وَإِنْ قُطِعَ طَرَفُهُ عَمْدًا انْتَظَرَ بُلُوغَهُ) وَرُشْدَهُ - فِي الْأَشْهَرِ - لِيَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ الِاسْتِيفَاءِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ لَا يَصْلُحُ، فَانْتَظَرَ أَهْلِيَّتَهُ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَيُحْبَسُ الْجَانِي إِلَى بُلُوغِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَعَنْهُ: لِلْإِمَامِ الْقِصَاصُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْقِصَاصِ، فَكَانَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ عَنِ اللَّقِيطِ كَالنَّفْسِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ قِصَاصٌ لَمْ يَتَحَتَّمِ اسْتِيفَاؤُهُ، فَوُقِفَ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ كَمَا لَوْ كَانَ بَالِغًا غَائِبًا، وَفَارَقَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ لَهُ بَلْ لِوَارِثِهِ، وَالْإِمَامُ هُوَ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّقِيطُ فَقِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، فَلِلْإِمَامِ) - أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ - (الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ حَالَةٌ مَعْلُومَةٌ تُنْتَظَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَدُومُ بِخِلَافِ الْعَاقِلِ، وَلَا بُدَّ مِنِ اجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ، فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُهُمَا فَوَجْهَانِ. (وَإِنِ ادَّعَى الْجَانِي عَلَيْهِ أَوْ قَاذِفُهُ رِقَّهُ وَكَذَّبَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَقَوْلُهُ مُوَافِقٌ لِلظَّاهِرِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الْحُرِّ إِذَا كَانَ قَاذِفًا - فِي الْأَصَحِّ - وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِي حُرًّا، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ صِحَّةَ قَوْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ ابْنَ أَمَةٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا صَدَّقَهُ اللَّقِيطُ أَنَّهُ رَقِيقٌ سَقَطَ الْحَدُّ؛ لِإِقْرَارِ الْمُسْتَحِقِّ بِسُقُوطِهِ، وَوَجَبَ عَلَى الْقَاذِفِ التَّعْزِيرُ؛ لِقَذْفِهِ مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ، وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنَّمَا وَجَبَ حَقًّا لِآدَمِيٍّ؛ وَلِذَلِكَ جَازَتِ الْمُصَالَحَةُ عَنْهُ وَأُخِذَ بَدَلُهُ، وَإِنْ مَاتَ الْبَالِغُ مُمْسِكًا عَنْهُمَا، فَكَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ (وَإِنِ ادَّعَى إِنْسَانٌ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ لَمْ يُقْبَلْ) ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى لَا تَكْفِي فِي انْتِزَاعِ الْمُدَّعِي لِلْخَبَرِ، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّهَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 مَمْلُوكُهُ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُعْتَبَرَ قَوْلُهَا فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي غَيْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ:   [المبدع في شرح المقنع] كَانَتْ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ الدَّارِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ، وَتُفَارِقُ دَعْوَى النَّسَبِ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ دَعْوَى النَّسَبِ لَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ بِخِلَافِ دَعْوَى الرِّقِّ، الثَّانِي: أَنَّ دَعْوَى النَّسَبِ يَثْبُتُ بِهَا حَقًّا لِلَّقِيطِ، وَدَعْوَى الرِّقِّ يُثْبِتُ بِهَا حَقًّا عَلَيْهِ، فَلَمْ تُقْبَلْ بِمُجَرَّدِهَا (إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَلِدُ فِي مِلْكِهِ إِلَّا مِلْكَهُ، يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا وَلَدَتْهُ قَبْلَ مِلْكِهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَإِنَّهَا لَوْ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ مَمْلُوكُهُ حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ سَبَبُ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِ دَارٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُعْتَبَرَ قَوْلُهَا فِي مِلْكِهِ) ؛ لِأَنَّ أَمَتَهُ مِلْكُهُ، فَنَمَاؤُهَا مِلْكُهُ كَسِمَنِهَا، وَمَتَى شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ بِالْيَدِ فَإِنْ كَانَتْ لِلْمُلْتَقِطِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا مِلْكٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِأَجْنَبِيٍّ حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْمِلْكِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": وَإِنِ ادَّعَى رِقَّهُ وَهُوَ طِفْلٌ، أَوْ مَجْنُونٌ، وَلَيْسَ بِيَدِ غَيْرِهِ بَلْ بِيَدِهِ، وَلَيْسَ وَاجِدُهُ - فَهُوَ لَهُ وَإِنْ أَنْكَرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَفِي " الشَّرْحِ ": إِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى بَعْدَ بُلُوغِ اللَّقِيطِ كُلِّفَ إِجَابَتَهُ، فَإِنْ أَنْكَرَ وَثَمَّ بَيِّنَةٌ حُكِمَ بِهَا، فَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ تَصَرَّفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ نُقِضَتْ تَصَرُّفَاتُهُ، (وَإِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يُقْبَلْ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ اللَّهِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ الْمَحْكُومِ بِهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إِذَا كَانَ قَدِ اعْتَرَفَ بِالْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَذَا إِذَا لَمْ يَعْتَرِفْ فِي الْأَصَحِّ، (وَعَنْهُ: يُقْبَلُ) ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْحَالِ، فَيُقْبَلُ إِقْرَارُهُ كَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ فَوَاتَ نَفْسِهِ، وَشَرَطَ فِي " الْمُغْنِي " عَلَيْهَا أَلَّا يَكُونَ أَقَرَّ بِالْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِهَا لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُكَذِّبًا لِقَوْلِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ جَحَدَهُ. (وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً) ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَقًّا عَلَيْهِ وَحَقًّا لَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُثْبِتَ مَا عَلَيْهِ فَقَطْ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عِنْدِي أَلْفٌ وَلِي عِنْدَهُ رَهْنٌ، (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي غَيْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، إِحْدَاهُمَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ تَتْبَعُ الرِّقَّ، فَإِذَا ثَبَتَ الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ، ثَبَتَ التَّبَعُ، كَمَا لَوْ شَهِدَتِ امْرَأَةٌ بِالْوِلَادَةِ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ تَبَعًا، فَإِذَا قُلْنَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِالرِّقِّ بَعْدَ نِكَاحِهِ وَهُوَ ذَكَرٌ، وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ - فَسَدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 إِنَّهُ كَافِرٌ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَطَقَ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُهُ.   [المبدع في شرح المقنع] النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ، وَلَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَسَدَ نِكَاحُهُ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ تَابِعٌ لِأُمِّهِ، فَإِنْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِأَمَةٍ فَوَلَدُهُ لِسَيِّدِهَا، وَيَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ، وَإِذَا قُلْنَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى وَقُلْنَا: يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهِ، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ، وَلَا مَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَهُ لَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا، وَلِسَيِّدِهَا الْأَقَلُّ مِنَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ بِالرِّقِّ ابْتِدَاءً لِإِنْسَانٍ فَصَدَّقَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ جَوَابًا، وَإِنْ كَذَّبَهُ بَطَلَ إِقْرَارُهُ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِآخَرَ، جَازَ؛ وَقِيلَ: لَا يُسْمَعُ إِقْرَارُهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ الْأَوَّلَ يَتَضَمَّنُ الِاعْتِرَافَ بِنَفْيِ مَالِكٍ لَهُ سِوَى الْمُقِرِّ لَهُ، وَكَمَا لَوِ اعْتَرَفَ بِالْحُرِّيَّةِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ. (وَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ كَافِرٌ) بَعْدَ الْبُلُوغِ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) ، وَهُوَ مُسْلِمٌ سَوَاءٌ كَانَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ أَوْ كُفْرِهِ، فَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِالْكُفْرِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِنْكَارٌ بَعْدَ إِقْرَارٍ، فَلَا يُقْبَلُ كَغَيْرِهِ، وَإِنْ وَصَفَ الْكُفْرَ وَهُوَ مِمَّنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ لَمْ يُقَرَّ عَلَى كُفْرِهِ، (وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ) أَيْ إِذَا بَلَغَ اسْتُتِيبَ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، (وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ) ، حَكَاهُ الْقَاضِي، أَيْ يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقْوَى مِنَ الظَّاهِرِ، فَيُقَرُّ بِجِزْيَةٍ، وَرُدَّ بِأَنَّ دَلِيلَ الْإِسْلَامِ وُجِدَ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ، فَثَبَتَ حُكْمُهُ وَاسْتَقَرَّ، فَلَا تَجُوزُ إِزَالَةُ حُكْمِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ وَلَدَ مُسْلِمٍ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَطَقَ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُهُ) ؛ لِأَنَّ إِسْلَامَهُ ثَبَتَ يَقِينًا، فَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِمُنَافِيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ وَصَفَ كُفْرًا يُقَرُّ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ عُقِدَتْ لَهُ الذِّمَّةُ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْتِزَامِهَا، أَوْ وَصَفَ كُفْرًا لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ، وَبَعَّدَهُ فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ ابْنَ حَرْبِيٍّ فَهُوَ حَاصِلٌ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ، فَيَكُونُ لِوَاجِدِهِ، وَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِسَابِيهِ، أَوْ يَكُونُ وَلَدَ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا فَلَا يُقَرُّ عَلَى الِانْتِقَالِ إِلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوْ يَكُونُ وَلَدَ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَيْنِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 فصل وَإِنْ أَقَرَّ إِنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدَهُ أُلْحِقَ بِهِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، حَيًّا كَانَ الْمُلْتَقِطُ أَوْ مَيِّتًا، وَلَا يَتْبَعُ الْكَافِرَ فِي دِينِهِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ أَنَّهُ وُلِدَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ فِي نَصْرَانِيَّةٍ وَلَدَتْ مِنْ فُجُورٍ: وَلَدُهَا مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا أُمُّهُ. [فَصْلٌ: أَقَرَّ إِنْسَانٌ أَنَّ اللَّقِيطَ وَلَدَهُ] فَصْلٌ (وَإِنْ أَقَرَّ إِنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ أُلْحِقَ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ مَحْضُ مَصْلَحَةِ الطِّفْلِ؛ لِاتِّصَالِ نَسَبِهِ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ، فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِدَعْوَتِهِ، وَأَنْ يُمْكِنَ كَوْنُهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ مُلْتَقِطُهُ أُقِرَّ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَلَهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنَ الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَبُوهُ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، (مُسْلِمًا كَانَ) الْمُدَّعِي (أَوْ كَافِرًا) ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَثْبُتُ لَهُ النِّكَاحُ وَالْفِرَاشُ فَيُلْحَقُ بِهِ كَالْمُسْلِمِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً، فَيُلْحَقُ بِهِ كَالْحُرِّ، لَكِنْ لَا تَثْبُتُ لَهُ حَضَانَةٌ، وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِدَعْوَاهَا كَالْأَبِ، وَإِذَنْ يَلْحَقُهَا نَسَبُهُ دُونَ زَوْجِهَا، وَكَذَا إِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ نَسَبَهُ لَمْ يُلْحَقْ بِزَوْجَتِهِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِدَعْوَتِهَا بِحَالٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، إِجْمَاعُ مَنْ يَحْفَظُهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهَا تَدَّعِي حَقًّا لَا مُنَازِعَ فِيهِ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى أَحَدٍ فَقُبِلَ كَدَعْوَى الْمَالِ (حَيًّا كَانَ الْمُلْتَقَطُ أَوْ مَيِّتًا) ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ مَعْنًى، فَوَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا حُكْمًا (وَلَا يَتْبَعُ الْكَافِرَ فِي دِينِهِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ بِظَاهِرِ الدَّارِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي كُفْرِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ؛ وَلِأَنَّهَا دَعْوَى تَخَالُفِ الظَّاهِرَ فَلَمْ تُقْبَلْ بِمُجَرَّدِهَا كَدَعْوَى الرِّقِّ، وَإِذَا قُبِلَ فِي النَّسَبِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ وَالْكُفْرِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَظِيمًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا ذُكِرَ لَحِقَهُ نَسَبًا وَدِينًا؛ لِتَحَقُّقِ الْوِلَادَةِ، وَالْوَلَدُ الْمُحَقَّقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 عَلَى فِرَاشِهِ، وَعَنْهُ: لَا يُلْحَقُ بِامْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ لَهَا إِخْوَةٌ أَوْ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَمْ يُلْحَقْ بِهَا وَإِلَّا لَحِقَ، وَإِنِ ادَّعَاهُ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ قَدِمَ بِهَا، فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ عَدِمَهَا عُرِضَ مَعَهُمَا عَلَى الْقَافَةِ أَوْ مَعَ أَقَارِبِهِمَا إِنْ مَاتَا، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] يَتْبَعُ مُطْلَقًا، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ فِي الدِّينِ إِلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ وَلَدُ كَافِرَيْنِ حَيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ، (وَعَنْهُ: لَا يُلْحَقُ بِامْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ) لِإِفْضَائِهِ إِلَى إِلْحَاقِ النَّسَبِ بِزَوْجِهَا بِغَيْرِ إِقْرَارِهِ وَلَا رِضَاهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ أَنَّهُ يَلْحَقُهَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ (وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ لَهَا إِخْوَةٌ أَوْ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَمْ يُلْحَقْ بِهَا) ، نَقَلَهَا الْكَوْسَجُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ لُحُوقِ النَّسَبِ بِهَا لُحُوقُ النَّسَبِ بِالْإِخْوَةِ وَالنَّسَبِ الْمَعْرُوفِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهَا أَهْلٌ وَنَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَمْ تَخْفَ وِلَادَتُهَا عَلَيْهِمْ، وَيَتَضَرَّرُونَ بِإِلْحَاقِ النَّسَبِ بِهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْيِيرِهِمْ بِوِلَادَتِهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا (وَإِلَّا) أَيْ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (لِحَقَ) لِعَدَمِ الضَّرَرِ (وَإِنِ ادَّعَاهُ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ) سُمِعَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَوِ انْفَرَدَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ، فَإِذَا تَنَازَعُوا تَسَاوَوْا فِي الدَّعْوَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ. (لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ قَدِمَ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ الْحَقَّ وَتُثْبِتُهُ (فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْبَيِّنَةِ) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً - تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُمَا هُنَا بِخِلَافِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَوْ بِالْقُرْعَةِ، وَالْقُرْعَةُ لَا تُثْبِتُ النَّسَبَ، لَا يُقَالُ: إِنَّمَا يَثْبُتُ هُنَا بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْقُرْعَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُرَجَّحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ إِذَا اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونَ لُحُوقُهُ بِالْوَطْءِ لَا بِالْقُرْعَةِ (أَوْ عَدَمِهَا) ، أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ (عُرِضَ مَعَهُمَا) - أَيْ مَعَ الْمُدَّعِيَيْنِ (عَلَى الْقَافَةِ) ، وَهُمْ قَوْمٌ يَعْرِفُونَ الْأَنْسَابَ بِالشَّبَهِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِقَبِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ مَنْ عُرِفَ مِنْهُ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ وَتَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْإِصَابَةُ فَهُوَ قَائِفٌ؛ وَقِيلَ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي بَنِي مُدْلِجٍ رَهْطِ مُجَزِّزٍ، وَكَانَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَائِفًا، وَكَذَا شُرَيْحٌ (أَوْ مَعَ أَقَارِبِهِمَا) ، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ ": عُصْبَتُهُمَا (إِنْ مَاتَا، فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَ بِهِ) فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا حُكْمَ لِلْقَافَةِ، وَيُلْحَقُ بِالْمُدَّعِيَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 أَلْحَقَتْهُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَ بِهِ، وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا لَحِقَ بِهِمَا، وَلَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُمٍّ   [المبدع في شرح المقنع] مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّبَهِ وَالظَّنِّ، فَإِنَّ الشَّبَهَ يُوجَدُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَيَنْتَفِي بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَبِدَلِيلِ الرَّجُلِ الَّذِي وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ أَسْوَدُ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ» وَلَوْ كَانَ الشَّبَهُ كَافِيًا لَاكْتَفَى بِهِ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ، وَحُجَّتُنَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدٍ وَأُسَامَةَ، وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» . وَقَضَى بِهِ عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إِجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّهُ يُرْجَعُ لِقَوْلِهَا كَالْبَيِّنَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . فَحَكَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهِ لِلَّذِي أَشْبَهَهُ مِنْهُمَا، وَحِينَئِذٍ فَإِنِ انْتَفَى الْمَانِعُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ، (وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا لَحِقَ بِهِمَا) ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُمَرَ، فِي امْرَأَةٍ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ الْقَائِفُ: قَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا، وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: وَعَلِيٌّ يَقُولُ: هُوَ ابْنُهُمَا، وَهُمَا أَبَوَاهُ يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ. وَرَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ عُمَرَ، فَعَلَى هَذَا يَرِثُهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ، وَيَرِثَانِهِ جَمِيعًا مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ إِرْثُ أَبٍ كَامِلٍ، وَنَسَبُهُ مِنَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ الْجَدَّةَ إِذَا انْفَرَدَتْ، أَخَذَتْ مَا تَأْخُذُهُ الْجَدَّاتُ، وَالزَّوْجَةُ كَالزَّوْجَاتِ. فَرْعٌ: إِذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِكَافِرٍ أَوْ أَمَةٍ لَمْ يُحْكَمْ بِرِقِّهِ وَلَا كُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ إِسْلَامُهُ وَحُرِّيَّتُهُ بِظَاهِرِ الدَّارِ، فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِظَنٍّ وَلَا شُبْهَةٍ. (وَلَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ) ، يَعْنِي إِذَا ادَّعَتِ امْرَأَتَانِ نَسَبَ اللَّقِيطِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَبُولِ الدَّعْوَى مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مِمَّنْ تُقْبَلُ دَعْوَاهَا دُونَ الْأُخْرَى فَهُوَ ابْنُهَا، كَالْمُنْفَرِدَةِ، وَإِنْ كَانَتَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمَا فَوُجُودُهُمَا كَعَدَمِهِمَا، وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِمَّنْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُمَا فَهُمَا كَالرَّجُلَيْنِ، لَكِنْ لَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِأُمَّيْنِ سَقَطَ قَوْلُهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 وَاحِدَةٍ، وَإِنِ ادَّعَاهُ أَكْثَرُ مِنِ اثْنَيْنِ فَأُلْحِقَ بِهِمْ - لَحِقَ بِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْنِ، وَإِنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمْ، أَوْ أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ - ضَاعَ نَسَبُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إِلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى نَسَبَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُمَا بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، فَيُلْحَقُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَيَكُونُ ابْنُهُمَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمَا كَالِانْفِرَادِ (وَإِنِ ادَّعَاهُ أَكْثَرُ مِنِ اثْنَيْنِ فَأُلْحِقَ بِهِمْ لَحِقَ بِهِمْ، وَإِنْ كَثُرُوا) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا أَنَّهُ يُلْحَقُ بِثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ أُلْحِقَ بِاثْنَيْنِ مَوْجُودٌ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ قِيَاسًا، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ إِلْحَاقَهُ بِاثْنَيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ ثَبَتَ لِمَعْنًى مَوْجُودٍ فِي غَيْرِهِ، فَيَجِبُ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ بِهِ كَإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ فِي الْمَخْمَصَةِ، أُبِيحَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَالُ الْغَيْرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَلَا عَدَّى الْحُكْمَ إِلَى مَا فِي مَعْنَاهُ، (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْنِ) ؛ لِلْأَثَرِ، فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَمَنِ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَلَا قَافَةَ، (وَإِنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمْ، أَوْ أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ ضَاعَ نَسَبُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَ " الْمُغْنِي " أَنَّهُ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِأَحَدِهِمْ، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُدَّعَ نَسَبُهُ، فَعَلَى هَذَا لَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمْ بِذِكْرِ عَلَامَةٍ فِي جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِهِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى سِوَى الِالْتِقَاطِ فِي الْمَالِ، وَكَذَا إِذَا اخْتَلَفَ قَائِفَانِ أَوِ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ، وَإِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ وَخَالَفَا ثَالِثًا أُخِذَ بِقَوْلِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ بَيْطَارَانِ وَطَبِيبَانِ فِي عَيْبٍ، وَلَوْ رَجَعَا، (وَفِي الْآخَرِ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ (يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبُ إِلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَى قَرِيبِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ أَقَرَّ بِهِ مَنْ هُوَ أَهْلُ الْإِقْرَارِ، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ كَمَا لَوِ انْفَرَدَ. (أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ) ، حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْهُ فِي رَجُلَيْنِ وَقَعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَعَلَى قَوْلِهِ لَوِ انْتَسَبَ إِلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ عَادَ فَانْتَسَبَ إِلَى الْآخَرِ، أَوْ نَفَى نَسَبَهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَسِبْ إِلَى الْآخَرِ - لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ، فَلَوْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِغَيْرِ مَنِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ بِشُبْهَةٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنَ الْوَاطِئِ - أُرِيَ الْقَافَةُ مَعَهُمَا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا عَدْلًا مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] بَطَلَ انْتِسَابُهُ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى كَالْبَيِّنَةِ مَعَ الْقَافَةِ، (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ، أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ بِشُبْهَةٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنَ الْوَاطِئِ أُرِيَ الْقَافَةُ مَعَهُمَا) كَاللَّقِيطِ، فَأُلْحِقَ بِمَنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ ادَّعَيَاهُ أَوْ جَحَدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ ثَبَتَ الْفِرَاشُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَشَرَطَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي وَطْءِ الزَّوْجَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنَ الشُّبْهَةِ، فَعَلَى قَوْلِهِ إِنِ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ اخْتَصَّ بِهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ ". وَفِي ثَالِثٍ يَكُونُ صَاحِبُ الْفِرَاشِ أَوْلَى بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَافَةِ؛ لِثُبُوتِ فِرَاشِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَاضِحِ "، وَكَذَلِكَ إِنْ تَزَوَّجَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا تَزْوِيجًا فَاسِدًا، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَحِيحًا وَالْآخَرُ فَاسِدًا، أَوْ بَاعَ أَمَتَهُ فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، لَكِنْ مَتَى أُلْحِقَ بِالْقَافَةِ أَوْ الِانْتِسَابِ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ، فَهَلْ لَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. [لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ إِلَّا بِشُرُوطٍ] (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا عَدْلًا مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ) ، كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُكْمٌ، فَاعْتُبِرَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْحُرِّيَّةُ - وَهُوَ وَجْهُ، وَاعْتَبَرَهَا فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ - وَلَا الْإِسْلَامُ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا اشْتَرَطَ إِسْلَامَ الْقَائِفِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ، وَيَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ - نَصَّ عَلَيْهِ - كَحَاكِمٍ، فَيَكْفِي مُجَرَّدُ خَبَرِهِ؛ لِقِصَّةِ مُجَزِّزٍ. وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ اثْنَانِ، وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ مِنْهُمَا، اخْتَارَهُ جَمْعٌ، فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِوَاحِدٍ ثُمَّ جَاءَتْ أُخْرَى فَأَلْحَقَتْهُ بِآخِرٍ كَانَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِفِ جَرَى مَجْرَى الْحُكْمِ، فَلَمْ يُنْقَضْ بِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَتْهُ بِوَاحِدٍ ثُمَّ عَادَتْ فَأَلْحَقَتْهُ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَلَدُهُ، حُكِمَ بِهِ وَسَقَطَ قَوْلُ الْقَائِفِ. وَقَوْلُهُ: مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ، أَيْ كَثِيرَ الْإِصَابَةِ، فَمَنْ عَرَّفَ مَوْلُودًا بَيْنَ نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ثُمَّ وَهِيَ فِيهِنَّ فَأَصَابَ كُلَّ مَرَّةٍ، فَقَائِفٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُتْرَكُ الصَّبِيُّ بَيْنَ عَشَرَةِ رِجَالٍ غَيْرِ مُدَّعِيهِ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] سَقَطَ قَوْلُهُ، وَإِنْ نَفَاهُ عَنْهُمْ تُرِكَ مَعَ عِشْرِينَ مِنْهُمْ مُدَّعِيهِ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ عُلِمَتْ إِصَابَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَضِيَّةُ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي وَلَدِ الشَّرِيفِ مِنْ جَارِيَةٍ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ. مُلْحَقٌ: إِذَا كَانَ لِامْرَأَتَيْنِ ابْنٌ وَبِنْتٌ، فَادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا أُمُّ الِابْنِ، عُرِضَ مَعَهُمَا عَلَى الْقَافَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُعْرَضُ لَبَنُهُمَا عَلَى أَهْلِ الطِّبِّ وَالْمَعْرِفَةِ؛ فَإِنَّ لَبَنَ الذَّكَرِ يُخَالِفُ لَبَنَ الْأُنْثَى فِي طَبْعِهِ وَوَزْنِهِ، وَقِيلَ: لَبَنُهَا خَفِيفٌ دُونَ لَبَنِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَقِيلٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ اعْتُبِرَ بِاللَّبَنِ خَاصَّةً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 كِتَابُ الْوَقْفِ وَهُوَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَحْصُلُ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْوَقْفِ] [تَعْرِيفُ الْوَقْفِ] وَهُوَ مَصْدَرُ وَقَفَ، يُقَالُ: وَقَفَ الشَّيْءُ، وَأَوْقَفَهُ، وَحَبَسَهُ، وَأَحْبَسَهُ، وَسَبَّلَهُ - كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، لَكِنْ أَوْقَفَ لُغَةٌ شَاذَّةٌ عَكْسُ أَحْبِسُهُ، وَهُوَ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مِنَ الْقُرَبِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ مَالًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالًا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ، قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ، وَفِي لَفْظٍ - غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ -» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ جَابِرٌ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُو مَقْدِرَةٍ إِلَّا وَقَفَ. وَلَمْ يَرَهُ شُرَيْحٌ، وَقَالَ: لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَعَلَّهُ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي تَحْبِيسِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا، وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ يَجْعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً، وَيَأْذَنَ لَهُمْ فِي الدَّفْنِ فِيهَا، أَوْ سِقَايَةً وَيَشْرَعُهَا لَهُمْ،   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ يَرُدُّ الْوَقْفِ إِنَّمَا يَرُدُّ السُّنَّةَ الَّتِي أَجَازَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَعَلَهَا أَصْحَابُهُ، وَمِنَ الْغَرَائِبِ مَا حَكَاهُ صَاحِبُ " الْمَبْسُوطِ " أَنَّ لُزُومَ الْوَقْفِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - خَاصَّةً، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْوَقْفَ قُرْبَةٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] . (وَهُوَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ) كَذَا فِي " التَّلْخِيصِ " وَ " الْوَجِيزِ "، وَمُرَادُهُمْ بِتَسْبِيلِ الْمَنْفَعَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ أَوْ قُرْبَةٍ، وَأَحْسَنُهُ حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي عَيْنِهِ بِلَا عُذْرٍ، مَصْرُوفٌ مَنَافِعُهُ فِي الْبِرِّ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: الْوَاقِفُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ جَائِزَ التَّصَرُّفِ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَمَا يَنْعَقِدُ بِهِ، وَسُمِّيَ وَقْفًا لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْقُوفَةٌ، وَحَبْسًا لِأَنَّ الْعَيْنَ مَحْبُوسَةٌ (وَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ) عُرْفًا (مِثْلَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ يَجْعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَيَأْذَنَ لَهُمْ فِي الدَّفْنِ فِيهَا) ، هَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِذَلِكَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْوَقْفِ، فَجَازَ أَنْ يَحْصُلَ بِهِ كَالْقَوْلِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوْ أَذَّنَ فِيهِ وَأَقَامَ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَجَعْفَرٌ، وَلَوْ نَوَى خِلَافَهُ (أَوْ سِقَايَةً وَيَشْرَعُهَا لَهُمْ) ، أَيْ لِلنَّاسِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَيْتُ الْمَبْنِيُّ لِقَضَاءِ حَاجَةِ النَّاسِ، وَلَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِيهَا أَنَّ السِّقَايَةَ - بِكَسْرِ السِّينِ - الْمَوْضِعُ الَّذِي يُتَّخَذُ فِيهِ الشَّرَابُ فِي الْمَوَاسِمِ وَغَيْرِهَا (وَالْأُخْرَى لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ) ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي، اخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَقَدْ سَأَلَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ رَجُلٍ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ لِيَجْعَلَهَا مَقْبَرَةً وَنَوَى بِقَلْبِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ الْعَوْدُ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ جَعَلَهَا لِلَّهِ فَلَا يَرْجِعُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا تَحْبِيسٌ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ بِاللَّفْظِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهَذِهِ لَا تُنَافِي الْأُولَى، فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنْ كَانَ جَعَلَهَا لِلَّهِ، أَيْ نَوَى بِتَحْوِيطِهَا جَعْلَهَا لِلَّهِ، فَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأُولَى وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا، إِذْ مَنَعَهُ مِنَ الرُّجُوعِ بِمُجَرَّدِ التَّحْوِيطِ مَعَ النِّيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: جَعَلَهَا لِلَّهِ، أَيِ اقْتَرَنَتْ بِفِعْلِهِ قَرَائِنُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ إِذْنِهِ لِلنَّاسِ فِي الدَّفْنِ فِيهَا - فَهِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 وَالْأُخْرَى لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَصَرِيحُهُ: وَقَفْتُ وَحَبَسْتُ وَسَبَّلْتُ، وَكِنَايَتُهُ: تَصَدَّقْتُ وَحَرَّمْتُ وَأَبَّدْتُ، فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بِالْكِنَايَةِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ أَوْ يَقْرِنَ بِهَا   [المبدع في شرح المقنع] عَيْنُ الْأُولَى، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ وَقَفَهَا بِقَوْلِهِ، فَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ التَّحْوِيطِ وَالنِّيَّةِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ فِيهَا يَضُمُّ إِلَى فِعْلِهِ إِذْنَهُ لِلنَّاسِ فِي الدَّفْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا، فَانْتَفَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لِلِاحْتِمَالَاتِ، وَصَارَ الْمَذْهَبُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدَّمَ إِلَى ضَيْفِهِ طَعَامًا كَانَ إِذْنًا فِي أَكْلِهِ، وَمَنْ مَلَأَ خَابِيَةً مَاءً كَانَ سَبِيلًا لَهُ، وَكَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَلَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ بِغَيْرِ لَفْظٍ. فَرْعٌ: الْأَخْرَسُ يَصِحُّ وَقْفُهُ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ كَغَيْرِهِ. (وَصَرِيحُهُ: وَقَفْتُ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ، وَكَلَفْظَةِ التَّطْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ (وَحَبَسْتُ وَسَبَّلْتُ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُمَا عِوَضٌ فِي الشَّرْعِ، فَمَتَى أَتَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا صَارَ وَقْفًا مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ أَمْرٍ زَائِدٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِـ " أَوْ " - كَـ " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ " - لَكَانَ أَوْلَى، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثَةِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الْكَافِي " إِذَا جَعَلَ عُلُوَّ مَوْضِعٍ أَوْ سُفْلَهُ مَسْجِدًا صَحَّ، وَكَذَا وَسَطُهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْتِطْرَاقًا كَبَيْعِهِ فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ الِاكْتِفَاءُ بِلَفْظٍ يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ، وَهُوَ أَظْهَرُ عَلَى أَصْلِنَا، فَيَصِحُّ: جَعَلْتُ هَذَا لِلْمَسْجِدِ أَوْ فِيهِ، وَنَحْوُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ، فَيَكُونُ تَمْلِيكًا لِلْمَسْجِدِ، جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، أَيْ لِلْمُسْلِمِينَ لِنَفْعِهِمْ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ لَا يَكُونُ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي الْإِقْرَارِ لَهُ وَجْهَيْنِ كَالْحَمْلِ. (وَكِنَايَتُهُ: تَصَدَّقْتُ، وَحَرَّمْتُ، وَأَبَّدْتُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عُرْفٌ لُغَوِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَالتَّحْرِيمُ يُسْتَعْمَلُ فِي الظِّهَارِ، وَالتَّأْبِيدُ يَحْتَمِلُ تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ، أَوْ تَأْبِيدَ الْوَقْفِ (فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بِالْكِنَايَةِ) مُجَرَّدَةً، فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنِ انْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ إِلَيْهَا لِيَتَرَجَّحَ إِفَادَتُهَا لِلْوَقْفِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) فَيَصِحُّ، وَيَكُونُ عَلَى مَا نَوَى، إِلَّا أَنَّ النِّيَّةَ تَجْعَلُهُ وَقْفًا فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ (أَوْ يَقْرِنَ بِهَا أَحَدَ الْأَلْفَاظِ الْبَاقِيَةِ) مِنَ الصَّرَائِحِ وَالْكِنَايَةِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ، عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ تَمْثِيلِهِ؛ لِأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 أَحَدَ الْأَلْفَاظِ الْبَاقِيَةِ أَوْ حُكْمَ الْوَقْفِ، فَيَقُولُ: تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أَوْ مُحَبَّسَةً، أَوْ مُسَبَّلَةً، أَوْ مُحَرَّمَةً، أَوْ مُؤَبَّدَةً، وَلَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا دَائِمًا   [المبدع في شرح المقنع] اللَّفْظَ يَتَرَجَّحُ بِذَلِكَ؛ لِإِرَادَةِ الْوَقْفِ (أَوْ) يَقْرِنَ بِهِ (حُكْمُ الْوَقْفِ فَيَقُولُ: تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أَوْ مُحَبَّسَةً، أَوْ مُسَبَّلَةً، أَوْ مُحَرَّمَةً، أَوْ مُؤَبَّدَةً) ، هَذَا مِثَالٌ لِلْأَوَّلِ (وَلَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ) ، هَذَا مِثَالٌ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَرِينَةَ تُزِيلُ الِاشْتِرَاكَ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ " أَبَّدْتُ " صَرِيحٌ، وَأَنَّ - صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَوْ مُؤَبَّدَةً أَوْ لَا تُبَاعُ - كِنَايَةً. [شُرُوطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ فِي عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا دَائِمًا] (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ) لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِلْوَاقِفِ؛ لِظُهُورِهِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا جَائِزَ التَّصَرُّفِ، وَهُوَ فِي الصِّحَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَفِي مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ مَا نَزَلْ مَنْزِلَتَهُ مِنَ الثُّلُثِ. (أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا دَائِمًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا) ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: بَقَاءً مُتَطَاوِلًا أَدْنَاهُ عُمْرُ الْحَيَوَانِ (كَالْعَقَارِ) لِحَدِيثِ عُمَرَ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: إِنَّمَا الْوَقْفُ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ عَلَى مَا وَقَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَظَاهِرُ هَذَا حَصْرُهُ عَلَى الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَأَبَّدُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ غَيْرِهِ، (وَالْحَيَوَانِ) ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، فَإِنَّ شِبَعَهُ، وَرَوْثَهُ، وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَسَنَاتٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، فَصَحَّ وَقْفُهُ كَالْعَقَارِ (وَالْأَثَاثِ وَالسِّلَاحِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَمَّا خَالِدٌ فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ " وَأَعْتُدَهُ ". قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْأَعْتَادُ مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنْ مَرْكُوبٍ، وَسِلَاحٍ، وَآلَةِ الْجِهَادِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يَجُوزُ وَقْفُ سِلَاحٍ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ وَعَنْهُ: وَلَا مَنْقُولَ؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ لَا تَبْقَى عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَمْ يَجُزْ وَقْفُهَا كَالطَّعَامِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا، كَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَالْأَثَاثِ وَالسِّلَاحِ، وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ، وَيَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] وَرُدَّ بِالْفَرْقِ. قَوْلُهُ: " فِي عَيْنٍ " يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ مِنْ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: " يَجُوزُ بَيْعُهَا " يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ الْحُرِّ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ نَفْسَهُ، وَأَرْضَ السَّوَادِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْقَطَائِعُ تَرْجِعُ إِلَى الْأَصْلِ إِذَا جَعَلَهَا لِلْمَسَاكِينِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَقْفُهَا، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ وَقْفٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ وَقْفَهَا يُطَابِقُ الْأَصْلَ لَا أَنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِهَذَا الْقَوْلِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ وَقْفُ الْمُصْحَفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي " الْوَسِيلَةِ "، وَالْمَاءِ. قَالَ الْفَضْلُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ وَقْفِ الْمَاءِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ شَيْئًا اسْتَجَازُوهُ بَيْنَهُمْ جَازَ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى وَقْفِ مَكَانِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ وَقَفَ مَكَانِ الْمَاءِ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى اسْتِجَازَتِهِمْ لَهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ النَّصَّ شَاهِدٌ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ لِنَفْسِ الْمَاءِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: إِثْبَاتُ الْوَقْفِ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا. [الشَّرْطُ الثَّانِي ذَهَابُ الْعَيْنِ بِالِانْتِفَاعِ] وَالثَّانِي: ذَهَابُ الْعَيْنِ بِالِانْتِفَاعِ، وَالْوَقْفُ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ أَصْلٍ يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: مَادَّةُ الْحُصُولِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ بِالِانْتِفَاعِ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ بَقَاءِ الْعَيْنِ مَعَ الِانْتِفَاعِ، وَتَأْتِي تَتِمَّةُ ذَلِكَ (وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: «إِنَّ الْمِائَةَ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْهَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ عَلَى بَعْضِ الْجُمْلَةِ مُفْرَزًا، فَجَازَ عَلَيْهِ مُشَاعًا كَالْبَيْعِ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْما، قَالَهُ أَحْمَدُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": ثُمَّ يُتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُشَاعَ لَوْ وُقِفَ مَسْجِدًا أُثْبِتَ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الْحَالِ، فَيُمْنَعُ مِنْهُ الْجُنُبُ، ثُمَّ الْقِسْمَةُ مُتَعَيَّنَةٌ هُنَا كَتَعْيِينِهَا طَرِيقًا لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " لَوْ وَقَفَ نِصْفَ عَبْدِهِ صَحَّ وَلَمْ يَسِرْ إِلَى بَقِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَ مَا وَقَفَهُ مِنْهُ أَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَسِرْ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْوَاقِفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 وَقْفُ الْحُلِيِّ عَلَى اللُّبْسِ وَالْعَارِيَةِ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الذِّمَّةِ كَعَبْدٍ وَدَارٍ، وَلَا غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ، وَلَا وَقْفُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْكَلْبِ وَلَا مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ دَائِمًا كالأثمان والمطعوم والرياحين.   [المبدع في شرح المقنع] بَقِيَّتَهُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَ مَا وَقَفَهُ مِنْهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَسِرْ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْوَاقِفُ بَقِيَّتَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ شَرِيكُهُ فِيهِ عُتِقَ بَقِيَّتُهُ، وَلَمْ يَسِرْ إِلَى الْمَوْقُوفِ، وَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ثُمَّ وَقَفَهُ قَبْلَهَا صَحَّ وَقْفُهُ. (وَيَصِحُّ وَقْفُ الْحُلِيِّ عَلَى اللُّبْسِ وَالْعَارِيَةِ) ؛ لِمَا رَوَى نَافِعٌ أَنَّ حَفْصَةَ ابْتَاعَتْ حُلِيًّا بِعِشْرِينَ أَلْفًا حَبْسَتْهُ عَلَى نِسَاءِ آلِ الْخَطَّابِ فَكَانَتْ لَا تُخْرِجُ زَكَاتَهُ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ؛ وَلِوُجُودِ الضَّابِطِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا مَقْصُودًا، فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، وَصَحَّ وَقْفُهُ كَوَقْفِ السِّلَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ) ، نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ، وَحَنْبَلٌ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَأَنْكَرَ حَدِيثَ حَفْصَةَ؛ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنَ الْأَثْمَانِ، فَلَمْ يَصِحَّ وَقْفُهَا كَالدَّنَانِيرِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا عَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا، وَهَذَا فِي الْحُلِيِّ مَعْدُومٌ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْعِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " رِوَايَةَ الْأَثْرَمِ وَحَنْبَلٍ، وَلَفْظُهَا: لَا أَعْرِفُ الْوَقْفَ فِي الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الرِّوَايَةِ غَيْرُ هَذَا فَفِي أَخْذِ الْمَنْعِ مِنْهُ نَظَرٌ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. (وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الذِّمَّةِ كَعَبْدٍ وَدَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ نَقْلُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْهِبَةِ (وَلَا) وَقْفٍ (غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ) الْعَبْدَيْنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ فِي الْعِتْقِ، فَيَخْرُجُ الْمُبْهَمُ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ، (وَلَا وَقَفُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فِيهَا فِي الْحَيَاةِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْبَيْعِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ إِنْ صَحَّ بَيْعُهَا (وَالْكَلْبُ) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْكَلْبُ أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِلضَّرُورَةِ، فَلَمْ يَجُزِ التَّوَسُّعُ فِيهَا، وَكَذَا لَا يَصِحُّ وَقْفُ الْحَمْلِ مُنْفَرِدًا (وَلَا) يَصِحُّ وَقْفُ (مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ دَائِمًا، كَالْأَثْمَانِ) وَهِيَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، (وَالْمَطْعُومُ، وَالرَّيَاحِينُ) فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إِلَّا بِالْإِتْلَافِ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ كَالشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْأَثْمَانِ بِنَاءً عَلَى إِجَارَتِهَا، وَرُدَّ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ، كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْأَقَارِبِ، مُسْلِمِينَ   [المبدع في شرح المقنع] لَيْسَتِ الْمَقْصُودَةَ الَّتِي خُلِقَتْ لَهُ الْأَثْمَانُ، فَلَمْ يَجُزِ الْوَقْفُ لَهُ كَوَقْفِ الشَّجَرِ عَلَى نَشْرِ الثِّيَابِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ لَوْ وَقَفَ فَرَسًا بِسَرْجٍ وَلِجَامٍ مُفَضَّضَيْنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَدْخُلُ تَبَعًا، نَصَّ عَلَيْهِ، أَمَّا لَوْ وَقَفَهُمَا لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ، فَاخْتَارَ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " الصِّحَّةَ كَإِجَارَتِهَا لِذَلِكَ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ وَجَمَعَ ضِدَّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ، فَإِنْ أُطْلِقَ بَطَلَ. وَقِيلَ: يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا. مَسْأَلَةٌ: لَا يَصِحُّ وَقْفُ قِنْدِيلِ نَقْدٍ عَلَى مَسْجِدٍ، وَيُزَكِّيهِ رَبُّهُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فَيُكْسَرُ، وَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: تَمْثِيلُهُ بِالْمَطْعُومِ وَالرَّيَاحِينِ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمَا لَا يَبْقَيَانِ، فَيُحْذَفَانِ، وَيُقْتَصَرُ عَلَى التَّمْثِيلِ بِالْأَثْمَانِ، أَوْ يَبْقَيَانِ مَعَ حَذْفِ " مَعَ بَقَائِهِ " فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِمَا دَائِمًا؛ لِأَنَّ نَفْعَهُمَا يَحْصُلُ فِي بَعْضِ الزَّمَنِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ وَقْفَ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَعْنَى، نَعَمْ إِنْ وَقَفَهَا مُدَّةَ الْإِجَارَةِ إِذَا انْقَضَتْ صَحَّ إِنْ قِيلَ: يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْوَقْفِ عَلَى شَرْطِ. (الثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ) وَمَعْرُوفٍ إِذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بِرٍّ لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ (كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ) ، فَإِذَا قَالَ: جَعَلْتُ مِلْكِي لِلْمَسْجِدِ - صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَبُولُ نَاظِرِهِ؛ لِتَعَذُّرِهِ بِالْقَبُولِ كَحَالَةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْوَقْفِ (وَالْقَنَاطِرِ) وَالسِّقَايَاتِ، وَالْمَقَابِرِ، وَكُتُبِ الْعِلْمِ (وَالْأَقَارِبِ مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَرِيبَ الذِّمِّيَّ مَوْضِعُ الْقُرْبَةِ؛ بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ صَفِيَّةَ وَقَفَتْ عَلَى أَخٍ لَهَا يَهُودِيٍّ، وَلِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مِلْكًا مُحْتَرَمًا، وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ الذِّمِّيُّ جَازَ أَنْ يَقِفَ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ كَالْمُسْلِمِ، وَصَحَّحَ الْحُلْوَانِيُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْوَاضِحِ " مِنْ ذَمِّيٍّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى بَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 كَانُوا أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا يَصِحُّ عَلَى الْكَنَائِسِ، وَبُيُوتِ النَّارِ، وَكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ،   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ مَعْصِيَةٌ بِخِلَافِ أَقَارِبِهِ، وَإِنْ وَقَفَ ذَمِّيٌّ عَلَى ذَمِّيٍّ شَيْئًا وَشَرَطَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ مَا دَامَ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ - فَلَهُ أَخْذُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَيَّنَهُ لَهُ، وَيَلْغُو شَرْطُهُ، وَرَدَّهُ فِي " الْفُنُونِ ". وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً، فَيَصِحُّ فِي الْمُبَاحِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. وَقِيلَ: وَمَكْرُوهٌ. فَائِدَةٌ: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ، وَهُمُ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَاتِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ، الْمُعْرِضُونَ عَنِ الدُّنْيَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ جَمَّاعًا لِلْمَالِ، أَوْ لَمْ يَتَخَلَّقْ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ، وَلَا تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ غَالِبًا، أَوْ فَاسِقًا - لَمْ يَسْتَحِقَّ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْحَارِثِيُّ الْفَقْرَ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: مَا رَأَيْتُ صُوفِيًّا إِلَّا سَلْمًا الْخَوَّاصَ، قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ، إِذْ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يُعْرَفُ بِهِ. (وَلَا يَصِحُّ عَلَى الْكَنَائِسِ وَبُيُوتِ النَّارِ) وَالْبِيَعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ؛ لِكَوْنِ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ بَيْتٌ لِلْكُفْرِ، وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ سَوَاءٌ. قَالَ أَحْمَدُ فِي نَصَارَى وَقَفُوا عَلَى الْبَيْعَةِ ضِيَاعًا وَمَاتُوا وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ نَصَارَى فَأَسْلَمُوا، وَالضِّيَاعُ بِيَدِ النَّصَارَى، فَلَهُمْ أَخْذُهَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَوْنُهُمْ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَحُكْمُ الْوَقْفِ عَلَى قَنَادِيلِ الْبِيعَةِ وَمَنْ يَخْدِمُهَا وَيَعْمُرُهَا كَالْوَقْفِ عَلَيْهَا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بِشَرْطِ أَنْ تَخْدِمَ الْكَنِيسَةَ سَنَةً بَعْدَ مَوْتِي، وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ، فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِهَا - عُتِقَ فِي الْحَالِ. وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِبَقِيَّةِ الْخِدْمَةِ. وَعَنْهُ: لَا، وَهِيَ أَصَحُّ وَأَوْفَقُ لِأُصُولِهِ (وَكِتَابَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) لِلْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَقَدْ بُدِّلَ بَعْضُهَا، «غَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ شَيْئًا اسْتَكْتَبَهُ مِنْهَا، وَقَالَ: أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً؛، وَلَوْ كَانَ أَخِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 وَالْإِنْجِيلِ، وَلَا عَلَى حَرْبِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ، وَلَا يَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى الْأَكْلَ مِنْهُ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ صَحَّ. الثَّالِثُ: أَنْ يَقِفَ   [المبدع في شرح المقنع] مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي» . وَكُتُبُ الزَّنْدَقَةِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، (وَلَا عَلَى حَرْبِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ) ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمَا مُبَاحَةٌ فِي الْأَصْلِ، تَجُوزُ إِزَالَتُهَا فِيمَا يَتَجَدَّدُ لَهُمْ أَوْلَى، وَلِانْتِفَاءِ الدَّوَامِ لِأَنَّهُمَا مَقْتُولَانِ عَنْ قُرْبٍ. تَنْبِيهٌ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَلَا عَلَى الْمَغَانِي، وَلَا التَّنْوِيرِ عَلَى قَبْرٍ وَتَبْخِيرِهِ، وَلَا عَلَى مَنْ يُقِيمُ عِنْدَهُ، أَوْ يَخْدِمُهُ، وَلَا وَقْفُ سُتُورٍ لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، فَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَتِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ (وَلَا يَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: لَا أَعْرِفُ الْوَقْفَ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ فِي سَبِيلِهِ، فَإِنْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ فَلَا أَعْرِفُهُ، فَعَلَيْهَا يَكُونُ بَاطِلًا، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ إِمَّا لِلرَّقَبَةِ أَوْ لِلْمَنْفَعَةِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِمَنْ بَعْدَهُ فِي الْحَالِ، وَالثَّانِيَةُ: يَصِحُّ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُذْهَبِ " ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ وَقْفًا فَيَنْتَفِعَ بِهِ، كَذَلِكَ إِذَا خَصَّ نَفْسَهُ بِانْتِفَاعِهِ، وَكَشَرْطِ غَلَّتِهِ لَهُ، وَمَتَى حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَهَلْ يُنَفَّذُ بَاطِنًا؟ فِيهِ خِلَافٌ. (وَإِنْ وُقِفَ عَلَى غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى) كُلَّ الْغَلَّةِ أَوْ بَعْضَهَا لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ (الْأَكْلُ مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ) أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً (صَحَّ) الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ «عَنْ حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ أَنَّ فِي صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ» . وَشَرَطَ عُمَرُ أَكْلَ الْوَالِي عَلَيْهَا، وَكَانَ هُوَ الْوَالِي عَلَيْهَا، وَفَعَلَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ، فَلَمْ يَجُزِ اشْتِرَاطُ نَفْعِهِ لِنَفْسِهِ، كَالْبَيْعِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ شَرْطُهُ، فَإِنْ صَحَّ فَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ كَانَ لِوَرَثَتِهِ، وَيَصِحُّ إِجَارَتُهَا. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ] (الثَّالِثُ أَنْ يَقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يُمْلَكُ) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ فَلَمْ يَصِحَّ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ، وَلَا يَصِحُّ عَلَى مَجْهُولٍ كَرَجُلٍ وَمَسْجِدٍ، وَلَا عَلَى حَيَوَانٍ لَا يَمْلِكُ كَالْعَبْدِ وَالْحَمْلِ وَالْمَلْكِ وَالْبَهِيمَةِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا، فَإِنْ عَلَّقَهُ   [المبدع في شرح المقنع] كَالْهِبَةِ (وَلَا يَصِحُّ عَلَى مَجْهُولٍ كَرَجُلٍ وَمَسْجِدٍ) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ، وَفِيهِ وَجْهٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولٍ، وَلَا عَلَى مَعْدُومٍ أَصْلًا كَوَقْفِهِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي أَوْ لِفُلَانٍ، وَصَحَّحَهُ فِيهِ فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " هُوَ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْحَارِثِيُّ أَنْ يَمْلِكَ؛ لِحُصُولِ مَعْنَاهُ، فَيَصِحُّ لِعَبْدٍ وَبَهِيمَةٍ يُنْفِقُهُ عَلَيْهِمَا (وَلَا عَلَى حَيَوَانٍ لَا يَمْلِكُ كَالْعَبْدِ) قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى مَمَالِيكِهِ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ حَتَّى يُعْتِقَهُمْ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ كَالْعَدَمِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ إِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِهِ، وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ، وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ، فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، لَا يُقَالُ: الْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ صَحِيحٌ، وَهِيَ لَا تَمْلِكُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ هُنَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا أَنَّهُ عُيِّنَ فِي نَفْعٍ خَاصٍّ لَهُمْ، فَيُرَدُّ أَنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْكَنَائِسِ، وَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي عُيِّنَ صَرْفُ الْوَقْفِ فِيهَا لَيْسَتْ نَفْعًا، بَلْ هِيَ مَعْصِيَةٌ مُحَرَّمَةٌ يَزْدَادُونَ بِهَا عِقَابًا بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ، (وَالْحَمْلِ) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْحَارِثِيُّ كَوَصِيَّةٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى حَمْلِ صِحَّةِ الْهِبَةِ لَهُ، وَأَوْلَى لِصِحَّتِهَا لِعَبْدٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِحُّ تَبَعًا، كَـ: عَلَيَّ وَأَوْلَادِي وَأَوْلَادِ فُلَانٍ، وَفِيهِمْ حَمْلٌ مُسْتَحِقٌّ هُوَ وَكُلُّ حَمْلٍ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ بِالْوَضْعِ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُشْتَرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَالْمَلْكِ وَالْبَهِيمَةِ) ؛ لِعَدَمِ مِلْكِهَا، وَالْجِنُّ وَالْمَيِّتُ كَذَلِكَ. [الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا] (الرَّابِعُ: أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا) كَـ: وَقَفْتُ دَارِي عَلَى كَذَا، وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ (فَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فِيمَا لَمْ يُبْنَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ كَالْهِبَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ. وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَظَاهِرُهُ شَامِلٌ لِمَا إِذَا شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا كَخِيَارٍ فِيهِ، وَتَحْوِيلُهُ، وَتَغْيِيرِ شَرْطٍ، وَخَرَجَ مِنَ الْبَيْعِ صِحَّتُهُ. وَفِي " الشَّرْحِ " إِذَا شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ مَتَى شَاءَ، أَوْ يَهَبَهُ، أَوْ يَرْجِعَ فِيهِ - بَطَلَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ، لَا نَعْلَمُ فِي بُطْلَانِ الشَّرْطِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 بِشَرْطٍ لَمْ يَصِحَّ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي، فَيَصِحُّ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَصِحُّ. فَصْلٌ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا:   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: يَصِحُّ الْوَقْفُ بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ (إِلَّا أَنْ يَقُولَ: هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي، فَيَصِحُّ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) ، أَيْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْوَقْفِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَنَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى، فَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثٌ أَنَّ " ثَمْنًا " صَدَقَةٌ، وَالْعَبْدَ الَّذِي فِيهِ، وَالسَّهْمَ الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَرَقِيقَهُ الَّذِي فِيهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ، فَصَحَّ، كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، فَعَلَى هَذَا يُنَفَّذُ مِنَ الثُّلُثِ فَمَا دُونَ، وَيَقِفُ الْبَاقِي عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَالتَّدْبِيرِ، (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) وَالْقَاضِي وَابْنُ الْبَنَّا فِي " الْخِصَالِ " (لَا يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْوَقْفِ عَلَى شَرْطٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ، وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: قِفُوا بَعْدَ مَوْتِي، هَذَا وَصِيَّةٌ بِالْوَقْفِ لَا إِيقَافٌ، وَفِي " الشَّرْحِ " سِوَى الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَ تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ، وَبَيْنَ تَعْلِيقِهِ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ، وَلَا يَصِحُّ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ، وَهِيَ أَوْسَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْحَيَاةِ بِدَلِيلِ جَوَازِهَا بِالْمَجْهُولِ، وَلِلْمَجْهُولِ وَالْحَمْلِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: إِذَا مِتُّ فَدَارِي لِفُلَانٍ، أَوْ أَبْرَأْتُهُ مِنْ دَيْنِيَ الَّذِي عَلَيْهِ. [وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ] فَصْلٌ (وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ أَوْ مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقَبُولُ كَالْمَسْجِدِ وَالْقَنَاطِرِ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اشْتَرَطَ لَامْتَنَعَ صِحَّةَ الْوَقْفِ فِيهِ، وَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ احْتِمَالًا يَقْبَلُهُ نَائِبُ الْإِمَامِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ) ، صَحَّحَهُ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ "؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبُولُ كَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ، وَلَوْ عَلَى التَّرَاخِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ أَوْ رَدَّهُ بَطَلَ فِي حَقِّهِ دُونَ مَنْ بَعْدَهُ، وَكَانَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ إِنْ كَانَ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يُعْرَفُ انْقِرَاضُهُ كَرَجُلٍ مُعَيَّنٍ يُصْرَفُ إِلَى مَصْرِفِ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ إِلَى أَنْ يَنْقَرِضَ ثُمَّ يُصْرَفُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَآلًا أَوْ عَلَى مَنْ يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ أَوْ قَالَ:   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَخْذُ رَيْعِهِ قَبُولٌ، وَالثَّانِي - وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " - إِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ يَمْنَعُ الْبَيْعَ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْقَبُولُ كَالْعِتْقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْتَصُّ الْمُعَيَّنَ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَنْ يَأْتِي مِنَ الْبُطُونِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِهِمْ، إِلَّا أَنَّهُ مُرَتَّبٌ، فَصَارَ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهَذَا الْفَرْقُ مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي الْهِبَةِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى الْمِلْكِ هَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَعَلَى هَذَا لَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ كَالْعِتْقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ أَوْ رَدَّهُ بَطَلَ فِي حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ أَشْبَهَ الْهِبَةَ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا رَدَّ ثُمَّ قَبِلَ هَلْ يَعُودُ أَمْ لَا؛ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (دُونَ مَنْ بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ فَاخْتَصَّ بِهِ، وَصَارَ كَالْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ، يَخْرُجُ فِي صِحَّتِهِ فِي حَقِّ مَنْ سِوَاهُ وَبُطْلَانِهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ لِتَعَذُّرِ اسْتِحْقَاقِهِ لِفَوْتِ وَصْفٍ فِيهِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَكَانَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ) كَالْمَجْهُولِ (ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ) كَالْمَسَاكِينِ (يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ صَيْرُورَةَ الْوَقْفِ إِلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا حَالَةَ يُمْكِنُ انْتِظَارُهَا، فَوَجَبَ الصَّرْفُ إِلَيْهِ؛ لِئَلَّا يَفُوتَ غَرَضُ الْوَاقِفِ، وَلِئَلَّا تَبْطُلَ فَائِدَةُ الصِّحَّةِ (وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ) ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ (إِنْ كَانَ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يُعْرَفُ انْقِرَاضُهُ كَرَجُلٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ كَعَبْدِهِ، وَأُمِّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْوَقْفِ (يُصْرَفُ إِلَى مَصْرِفِ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ إِلَى أَنْ يَنْقَرِضَ) ؛ لِأَنَّهَا إِحْدَى حَالَتَيْ الِانْقِطَاعِ أَشْبَهَ الْأُخْرَى (ثُمَّ يُصْرَفُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ) ، أَيْ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ) كَأَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يُمْكِنُ انْقِرَاضُهُمْ (وَلَمْ يَذْكُرْ مَآلًا) الْمَآلُ - بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ - الْمَرْجِعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 وَقَفْتُ، وَسَكَتَ - انْصَرَفَ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ إِلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ وَقْفًا عَلَيْهِمْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى إِلَى أَقْرَبِ عَصَبَتِهِ، وَهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ؟   [المبدع في شرح المقنع] (أَوْ عَلَى مَنْ يَجُوزُ) الْوَقْفُ كَأَوْلَادِهِ (ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ) كَالْكَنَائِسِ (أَوْ قَالَ: وَقَفْتُ، وَسَكَتَ، انْصَرَفَ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ) قَدْ تَضَمَّنَ هَذَا صِحَّةَ الْوَقْفِ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ " فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ مُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ، فَإِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا صَارَ وَقْفًا عَلَى مَجْهُولٍ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَعْلُومُ الْمَصْرِفِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِمَصْرِفِهِ، إِذِ الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ كَنَقْدِ الْبَلَدِ، وَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ (إِلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ) نَسَبًا، قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ " - بِقَدْرِ إِرْثِهِمْ (وَقَفَا عَلَيْهِمْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَفِي " الْكَافِي " هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ مَصْرِفُهُ الْبِرُّ، وَأَقَارِبُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِبِرِّهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» ، وَلِأَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِصَدَقَاتِهِ النَّوَافِلِ وَالْمَفْرُوضَاتِ، فَكَذَا صَدَقَتُهُ الْمَنْقُولَةُ (وَالْأُخْرَى) يُصْرَفُ (إِلَى أَقْرَبِ عَصَبَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ أَقَارِبِهِ بِبِرِّهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، أُمَّكَ، وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ، وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ عَكْسُهُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَكُونُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عَنْهُ بِالْوَقْفِ، فَلَا يَعُودُ مِلْكًا لَهُمْ، وَعَنْهُ: مِلْكًا، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ فِي الْوَرَثَةِ (وَهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْمَجْدِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِمْ بَلْ يَشْمَلُ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ شَمِلَهُمَا، فَكَذَا هُنَا، وَالثَّانِي - وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ - أَنَّهُ يَخْتَصُّ الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ؛ إِذِ الْقَصْدُ بِالْوَقْفِ الْبِرُّ وَالصِّلَةُ، وَالْفُقَرَاءُ أَوْلَى بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِهِمْ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ (وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ) وَهُوَ " الْجَامِعُ الصَّغِيرُ "، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَإِلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: يَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا قَالَ:   [المبدع في شرح المقنع] مَيْلُ الْمُؤَلِّفِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ (يَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمَسَاكِينِ) ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعَمُّ جِهَاتِ الْخَيْرِ، وَمَصْرِفُ الصَّدَقَاتِ وَحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ كَانَ لِلْوَاقِفِ أَقَارِبُ مَسَاكِينُ كَانُوا أَوْلَى بِهِ اسْتِحْبَابًا، كَصَلَاتِهِ، وَحَيْثُ قُلْنَا: يُصْرَفُ إِلَى الْأَقَارِبِ فَانْقَرَضُوا، أَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ قَرِيبٌ، فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِبَيْتِ الْمَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: يَرْجِعُ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ إِذِ الْقَصْدُ بِالْوَقْفِ الصَّدَقَةُ الدَّائِمَةُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ» . وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ عَنْهُ مِثْلَهُ، وَعَنْهُ: يَرْجِعُ إِلَى مِلْكِ وَاقِفِهِ الْحَيِّ، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي " الْوَاضِحِ ": الْخِلَافُ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْأَقَارِبِ، أَوْ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ إِلَى الْمَسَاكِينِ مُخْتَصٌّ بِمَا إِذَا مَاتَ الْوَاقِفُ، أَمَّا إِنْ كَانَ حَيًّا فَانْقَطَعَتِ الْجِهَةُ، فَهَلْ يَعُودُ الْوَقْفُ إِلَى مِلْكِهِ أَوْ إِلَى عَصَبَتِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا، وَفِي " الشَّرْحِ " إِذَا قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا وَسَكَتَ، أَوْ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ - أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَصِحُّ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَكَذَا إِذَا قَالَ: وَقَفَهُ، وَلَمْ يَزِدْ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: إِنَّهُ يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": فِيهَا وَفِي تَصَدَّقْتُ بِهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": إِنْ قَالَ: وَقَفْتُهُ، صَحَّ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَنَا. تَنْبِيهٌ: لِلْوَقْفِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَلَا إِشْكَالَ فِي صِحَّتِهِ، وَمُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْأَصَحِّ، وَمُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ مُتَّصِلُ الِانْتِهَاءِ، وَمُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُمَا، وَقِيلَ بِالْبُطْلَانِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. مَسْأَلَةٌ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ صَحَّ لَهُمْ دُونَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 وَقَفْتُ دَارِي سَنَةً لَمْ يَصِحَّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيُصْرَفُ بَعْدَهَا مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إِخْرَاجُ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَصْلٌ وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ، وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُهُ، وَيَمْلِكُ صُوفَهُ، وَلَبَنَهُ، وَثَمَرَتَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: وَعَلَيْهِ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ (وَإِذَا قَالَ: وَقَفْتُ دَارِي سَنَةً لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَقْفِ التَّأْبِيدَ، وَهَذَا يُنَافِيهِ، فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى وَلَدِي سَنَةً ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَحَّ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ، وَقَدْ بَيَّنَّا صِحَّتَهُ (وَ) حِينَئِذٍ (يُصْرَفُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ السَّنَةِ (مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ) أَيْ مُنْقَطِعِ الِانْتِهَاءِ (وَلَا يُشْتَرَطُ إِخْرَاجُ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَزُولُ بِهِ مِلْكُ الْوَاقِفِ، وَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ؛ لِحَدِيثِ عُمَرَ السَّابِقِ، وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ، فَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِهِ كَالْعِتْقِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُ إِلَّا بِالْقَبْضِ وَإِخْرَاجِ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ، اخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالٍ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنِ الْمَالِيَّةِ، فَلَمْ يَلْزَمْ بِمُجَرَّدِهِ كَالْهِبَةِ، فَلَوْ شَرَطَ نَظَرَهُ لَهُ سَلَّمَهُ لِيَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ ارْتَجَعَهُ، وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ، فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ، وَالْوَقْفُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ، وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ بِالْعِتْقِ أَشْبَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي لُزُومِ الْوَقْفِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَصَرَّحَ فِي " الْهِدَايَةِ " أَنَّهُ فِي الصِّحَّةِ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمَتْنِ. [فَصْلٌ: وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ] َ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُزِيلُ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ، فَمَلَكَهُ الْمُنْتَقَلُ إِلَيْهِ كَالْهِبَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ كَالْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَنْتَقِلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُهُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ تَمْلِيكًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى؛ لِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ عَنِ الْعَيْنِ، وَالْمَنْفَعَةُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ بِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى صَاحِبِهَا كَالْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ لَوِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ لَافْتَقَرَ إِلَى قَبُولِهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ؛ لِقَوْلِهِ: «إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 وَنَفْعَهُ، وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَيَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَتَجِبُ قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ، يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا وَتَكُونُ وَقْفًا، وَإِنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَتِهِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ، وَإِنْ تَلِفَتْ   [المبدع في شرح المقنع] بِهَا» ، وَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْهُ، فَتَلْزَمُهُ الْخُصُومَةُ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ الْمِلْكُ عَنِ الْمَالِيَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَيْهِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ، وَفَارَقَ الْعِتْقَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ إِخْرَاجٌ عَنْ حُكْمِ الْمَالِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لِلْمَنْفَعَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَمْ يَلْزَمْ كَالْعَارِيَةِ وَالسُّكْنَى، وَقَوْلُ أَحْمَدَ: إِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا، لَا يُقَالُ: عَدَمُ مِلْكِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مِلْكِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، بِدَلِيلِ أُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا، وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهَا. (وَيَمْلِكُ صُوفَهُ، وَلَبَنَهُ، وَثَمَرَتَهُ، وَنَفْعَهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَيَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ، وَبِالْإِجَارَةِ، وَالْإِعَارَةِ، وَنَحْوِهَا، إِلَّا أَنْ يُعَيَّنَ فِي الْوَقْفِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَيَنْبَنِيَ عَلَى الْخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ مَاشِيَةً، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ زَكَاتُهَا عَلَى الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ؛ لِضَعْفِ الْمِلْكِ أَوِ انْتِفَائِهِ، وَوَجَبَتْ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ "، وَالْمَجْدُ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ؛ لِضَعْفِ الْمِلْكِ، اخْتَارَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَالْأَصَحُّ يُخْرِجُ الْمُعَيَّنَ فِطْرَتُهُ عَلَى الْأَوْلَى، كَعَبْدٍ اشْتُرِيَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِخِدْمَةِ الْوَقْفِ؛ لِتَمَامِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَالْخِلَافُ فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ تَمَلُّكُ الرَّيْعِ، أَمَّا الْمَسْجِدُ وَالْمَقْبَرَةُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ اخْتِصَاصُ الْآدَمِيِّ، وَيُشْبِهُ ذَلِكَ الرُّبُطُ وَالْمَدَارِسُ. (وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ، وَلَا يُؤْمَنُ حَبَلُهَا فَتَنْقُصُ، أَوْ تَتْلَفُ، أَوْ تَخْرُجُ مِنَ الْوَقْفِ بِأَنْ تَبْقَى أُمَّ وَلَدٍ، (فَإِنْ فَعَلَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) ؛ لِلشُّبْهَةِ، (وَلَا مَهْرَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهُ، وَلَا يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ شَيْءٌ عَلَى نَفْسِهِ، (وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَاطِئِ (قِيمَتُهُ) يَوْمَ الْوَضْعِ (وَيَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيَّ عَبْدٍ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنِ الْوَقْفِ، فَوَجَبَ أَنْ تَرِدَ فِي مِثْلِهِ، (وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، (وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ) كَأُمِّ الْوَلَدِ، (وَتَجِبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ قِيمَةَ الْوَلَدِ هَاهُنَا، وَلَهُ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ وَأَخْذُ مَهْرِهَا، وَوَلَدُهَا وَقْفٌ مَعَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَهُ، وَإِنْ جَنَى الْوَقْفُ   [المبدع في شرح المقنع] قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْبُطُونِ (يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا وَتَكُونُ وَقْفًا) لِيَنْجَبِرَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي مَا فَاتَهُمْ، وَقِيلَ: يُصْرَفُ إِلَى الْبَطْنِ الثَّانِي إِنْ تَلَقَّى الْوَقْفَ مِنْ وَاقِفِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، فَلَهُمُ الْيَمِينُ مَعَ شَاهِدِهِمْ؛ لِثُبُوتِ الْوَقْفِ مَعَ امْتِنَاعِ بَعْضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ النِّصْفُ طَلْقًا فَأَعْتَقَهُ مَالِكُهُ لَمْ يَسِرْ إِلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ بِالْمُبَاشِرَةِ، فَبِالسِّرَايَةِ أَوْلَى، (وَإِنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَالْوَلَدُ حُرٌّ) ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ وَطِئَ فِي مِلْكٍ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا وَطِئَهَا مُكْرَهَةً أَوْ مُطَاوِعَةً فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، (وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَتَهُمْ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، أَشْبَهَ الْأَمَةَ الْمُطَلَّقَةَ، وَلِأَنَّهُ عِوَضُ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُمْ (وَ) عَلَيْهِ (قِيمَةُ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ رِقَّهُ فَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةٍ، وَهُوَ اعْتِقَادُ الْحُرِّيَّةِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَضَعُهُ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْوَلَدُ وَقْفًا مَعَهَا تَبَعًا لَهَا (وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ) أَيِ الْمُتْلِفِ، سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوِ الْوَاقِفَ (قِيمَتُهَا) ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ حَصَلَ فِي مُسْتَحَقِّ الْغَيْرِ، فَوَجَبَتِ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ غَيْرَ الْوَقْفِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ الْمُتْلِفُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ إِنَّمَا لَهُ الْمَنْفَعَةُ (يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْوَفَاءِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، يَصِيرُ وَقْفًا بِالشِّرَاءِ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُمَلَّكَ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ (قِيمَةَ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ النَّمَاءَ وَهُوَ مِنْهُ (هَاهُنَا) يَعْنِي إِذَا وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ (وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ إِنْ أَوْلَدَهَا) ؛ لِأَنَّ مَا تَمَلَّكَ قِيمَتَهُ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ - (تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَتِهَا أَشْبَهَ الْإِجَارَةَ. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَتِهَا فِي الْعُمْرِ، فَيُفْضِي إِلَى تَفْوِيتِ مَنْفَعَتِهَا فِي حَقِّ مَنْ يَأْتِي مِنَ الْبُطُونِ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ، وَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ، فَيُزَوِّجُهَا حَاكِمٌ، وَيَتَزَوَّجُهَا (وَأَخْذُ مَهْرِهَا) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَهَلْ يَسْتَحِقُّهَا كَالْأُجْرَةِ؟ (وَوَلَدُهَا وَقْفٌ مَعَهَا) أَيْ: إِذَا وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًى؛ لِأَنَّ وَلَدَ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ حُكْمُهُ حُكْمُهَا، كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُمَلَّكَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا، كَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 خَطَأً فَالْأَرْشُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي كَسْبِهِ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبُهُ إِلَى الْآخَرَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا طَلَبَتِ التَّزْوِيجَ لَزِمَهُ إِجَابَتُهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا طَلَبَتْهُ، فَتَعَيَّنَتِ الْإِجَابَةُ، وَمَا فَاتَ مِنَ الْحَقِّ بِهِ يَفُوتُ نَفْعًا، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا كَغَيْرِ الْمَوْقُوفَةِ. (وَإِنْ جَنَى الْوَقْفَ) جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ (خَطَأً فَالْأَرْشُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَفِي " الْوَجِيزِ "، وَمُرَادُهُمْ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَكَانَتْ عَلَيْهِ كَجِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ أَرْشُهَا بِرَقَبَةِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي كَسْبِهِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكِنْ مُعَيَّنًا كَالْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحَقٌّ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ إِيجَابُ الْأَرْشِ عَلَيْهِ، وَالْمَذْهَبُ إِنْ قُلْنَا: هُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ فَالْأَرْشُ فِي كَسْبِهِ لِتَعَذُّرِ تَعَلُّقِهِ بِرَقَبَتِهِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُبَاعُ، وَبِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُهُ؛ وَقِيلَ: هُوَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَحَكَاهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " رِوَايَةً، كَأَرْشِ جِنَايَةِ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ، وَضَعَّفَهُ فِي " الْمُغْنِي " بِأَنَّ الْجِنَايَةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فِي صُورَةٍ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ لَا تَحْمِلُهَا. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ إِذَا جَنَى جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقَوَدِ وَالْقَطْعِ أَنَّهُ يَجِبُ، فَإِنْ قَتَلَ يَبْطُلُ الْوَقْفُ لَا بِقَطْعِهِ، وَيَكُونُ بَاقِيهِ وَقْفًا كَتَلَفِهِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ قُتِلَ فَالظَّاهِرُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ، وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْعَفْوُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا، وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا يَكُونُ وَقْفًا، وَيَتَوَجَّهُ اخْتِصَاصُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِهَا إِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ. وَإِنْ قَطَعَ طَرَفَهُ فَلِلْعَبْدِ الْقَوَدِ، وَإِنْ عَفَا فَأَرْشُهُ يُصْرَفُ فِي مِثْلِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " احْتِمَالٌ كَنَفْعِهِ كَجِنَايَةٍ بِلَا تَلَفِ طَرَفٍ، وَيُعَايَا بِمَمْلُوكٍ لَا مَالِكَ لَهُ، وَهُوَ عَبْدٌ وُقِفَ عَلَى خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي " الْمَنْثُورِ ". (وَإِذَا وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ) كَزَيْدٍ، وَعُمَرَ، وَبَكْرٍ (ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ) أَوْ رُدَّ (رَجَعَ نُصِيبُهُ إِلَى الْآخَرَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا، وَعَوْدُهُ إِلَى الْمَسَاكِينِ مَشْرُوطٌ بِانْقِرَاضِهِمْ، إِذِ اسْتِحْقَاقُ الْمَسَاكِينِ مُرَتَّبٌ ثَمَّ، فَإِذَا مَاتَ الثَّلَاثَةُ أَوْ رُدُّوا فَلِلْمَسَاكِينِ عَمَلًا بِشَرْطِهِ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَآلًا، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَحُكْمُ نَصِيبِهِ حُكْمُ الْمُنْقَطِعِ كَمَا لَوْ مَاتُوا جَمِيعًا، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَاخْتَارَ فِي " الْقَوَاعِدِ " أَنَّهُ يُصْرَفُ إِلَى الْبَاقِي، وَهُوَ أَظْهَرُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 فَصْلٌ وَيُرْجَعُ إِلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي قَسْمِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَفِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ،   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ: وَيَرْجِعُ إِلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ] ِ) لِأَنَّ عُمَرَ وَقَفَ وَقْفًا، وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا، وَلَوْ لَمْ يَجِبِ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِرَاطِهِ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ، وَجَعَلَ لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ أَنْ تَسْكُنَ غَيْرَ مُضِرَّةٍ وَلَا مُضَرٍّ بِهَا، فَإِذَا اسْتَغْنَتْ بِزَوْجٍ فَلَا حَقَّ لَهَا فِيهِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ مُتَلَقًّى مِنْ جِهَتِهِ، فَاتُّبِعَ شَرْطُهُ، وَنَصُّهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ، مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ لَفْظَهُ وَلَفْظَ الْمُوصِي، وَالْحَالِفِ، وَالنَّاذِرِ، وَكُلِّ عَاقِدٍ - يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا، وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ أَوِ الشَّارِعِ أَوْ لَا، فَلَوْ تَعَقَّبَ شَرْطَهُ جُمَلًا عَادَ إِلَى الْكُلِّ، وَاسْتِثْنَاؤُهُ كَشَرْطٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا مُخَصَّصٌ مِنْ صِفَةٍ، وَعَطْفُ بَيَانٍ، وَتَوْكِيدٌ، وَبَدَلٌ، وَنَحْوُهُ، وَجَارٌّ وَمَجْرُورٌ نَحْوُ: وَعَلَى أَنَّهُ، وَبِشَرْطِ أَنَّهُ، وَنَحْوُهُ (فِي قَسْمِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) ، أَيْ عَلَى أَنَّ لِلْأُنْثَى سَهْمًا، وَلِلذَّكَرِ سَهْمَيْنِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْسِمَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ عَلَى حَسَبِ قِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمِيرَاثِ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) . وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْقُرْبَةُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَقَدِ اسْتَوَوْا فِي الْقَرَابَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ اتِّصَالُ الْمَالِ إِلَيْهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى حَسَبِ الْمِيرَاثِ كَالْعَطِيَّةِ، وَالذَّكَرُ فِي مَظِنَّةِ الْحَاجَةِ غَالِبًا بِوُجُوبِ حُقُوقٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى (وَفِي التَّقْدِيمِ) بِأَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ مَثَلًا يُقَدِّمُ الْأَفْقَهَ، أَوِ الْأَدْيَنَ أَوِ الْمَرِيضَ، وَنَحْوَهُ. قَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ فِيمَا إِذَا خَصَّ بَعْضَهُمْ بِالْوَقْفِ: إِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْأَثَرَةِ، فَأَكْرَهُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَهُ عِيَالٌ وَبِهِ حَاجَةٌ، فَلَا بَأْسَ، (وَالتَّأْخِيرِ) بِأَنْ يَقِفَ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ بَعْدَ بَنِي فُلَانٍ، (وَالْجَمْعِ) بِأَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ (وَالتَّرْتِيبِ) بِأَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ يَقِفُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَإِنْ نَزَلُوا، الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، أَوِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، فَالتَّقْدِيمُ بَقَاءُ أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُؤَخَّرِ عَلَى صِفَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 وَالْجَمْعِ وَالتَّرْتِيبِ، وَالتَّسْوِيَةِ وَالتَّفْضِيلِ، وَإِخْرَاجِ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ وَإِدْخَالِهِ بِصِفَةٍ،   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّ لَهُ مَا فَضَلَ، وَإِلَّا سَقَطَ، وَالتَّرْتِيبُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْمُؤَخَّرِ مَعَ وُجُودِ الْمُقَدَّمِ، (وَالتَّسْوِيَةِ) بِأَنْ يَقِفَ عَلَى طَائِفَةٍ بَيْنَهُمْ بِالتَّسْوِيَةِ، وَقِيلَ: يَمْنَعُ تَسْوِيَةً بَيْنَ فُقَهَاءَ كَمُسَابَقَةٍ، (وَالتَّفْضِيلِ) بِأَنْ يَقُولَ: لِوَاحِدٍ الثُّلُثُ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَانِ، (وَإِخْرَاجِ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ وَإِدْخَالِهِ بِصِفَةٍ) ؛ لِقَضِيَّةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي بَنَاتِهِ، وَلَيْسَ هُوَ تَعْلِيقًا لِلْوَقْفِ بِصِفَةٍ، بَلْ وَقْفٌ مُطْلَقٌ، وَالِاسْتِحْقَاقُ لَهُ صِفَةٌ، فَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيُدْخِلَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَاهُ، لَا قَوْلُهُ يُعْطِي مَنْ شَاءَ وَيَمْنَعُ مَنْ شَاءَ؛ لِتَعْلِيقِهِ اسْتِحْقَاقَهُ بِصِفَةٍ، كَمَا لَوْ وَقَفَهُ عَلَى الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ مِنْ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَغِلُ دُونَ غَيْرِهِ، فَمَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ زَالَ اسْتِحْقَاقُهُ، فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ عَادَ اسْتِحْقَاقُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". وَقَالَ الْحَارِثِيُّ بِالْفَرْقِ لَا يَتَّجِهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كُلُّ مُتَصَرِّفٍ بِوِلَايَةٍ إِذَا قِيلَ: يَفْعَلُ مَا شَاءَ، فَإِنَّمَا هُوَ لِمَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ حَتَّى لَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِمَا يَهْوَاهُ أَوْ يَرَاهُ مُطْلَقًا، فَشَرْطٌ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَةِ الشَّرْعِ، وَكَشَرْطِهِ تَغْيِيرَ شَرْطٍ (وَ) فِي (النَّاظِرِ فِيهِ) بِأَنْ يَقُولَ: النَّاظِرُ فُلَانٌ، فَإِنْ مَاتَ فَفُلَانٌ؛ لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ وَقْفَهُ إِلَى حَفْصَةَ تَلِيهِ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا؛ وَلِأَنَّ مَصْرِفَ الْوَقْفِ يُتْبَعُ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، فَكَذَا فِي نَظَرِهِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا ثِقَةً كَافِيًا فِي ذَلِكَ، خَبِيرًا بِهِ، قَوِيًّا عَلَيْهِ، فَإِنْ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَعْزِلْهُ بِلَا شَرْطٍ، وَإِنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِغَيْرِهِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ فَوَّضَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ أَسْنَدَهُ، فَلَهُ عَزْلُهُ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَالْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: لَا، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ، وَلِلنَّاظِرِ التَّقْرِيرُ فِي الْوَظَائِفِ، وَفِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ": يُقَرِّرُ فِي الْجَوَامِعِ الْكِبَارِ الْإِمَامُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى نَصِيبِهِ إِلَّا بِشَرْطٍ، وَلَا نَظَرَ لِغَيْرِهِ مَعَهُ، أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَيَتَوَجَّهُ مَعَ حُضُورِهِ، فَيُقَرِّرُ حَاكِمٌ فِي وَظِيفَةٍ خَلَتْ فِي غَيْبَتِهِ، وَلَوْ سَبَقَ تَوَلِّيهِ نَاظِرٌ غَائِبٌ قُدِّمَتْ، وَالنَّاظِرُ مُنَفِّذٌ لِمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ (وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ) بِأَنْ يَقُولَ: يُعْمَرُ الْوَقْفُ مِنَ الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ مَثَلًا (وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِوَقْفِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُتَّبَعَ فِيهِ شَرْطُهُ، وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَقْفِ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ، فَكَذَا فِي تَفَاصِيلِهِ، فَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَوْ قَدَّرَهَا بِمُدَّةٍ اتُّبِعَ، وَأَنْ لَا يَنْزِلَ فَاسِقٌ وَشِرِّيرٌ وَمُتَجَوِّهٌ، وَنَحْوُهُ، عُمِلَ بِهِ. قَالَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 وَالنَّاظِرِ فِيهِ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ نَاظِرًا فَالنَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ،   [المبدع في شرح المقنع] " الْفُرُوعِ ": وَإِلَّا تَوَجَّهَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي فُقَهَاءَ وَنَحْوِهِمْ وَفِي إِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ الْخِلَافُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ فَاسِقٌ فِي جِهَةٍ دِينِيَّةٍ كَمَدْرَسَةٍ وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ وَعُقُوبَتُهُ، فَكَيْفَ يَنْزِلُ؟ وَإِنْ نَزَلَ مُسْتَحَقٌّ تَنْزِيلًا شَرْعِيًّا لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ. تَنْبِيهٌ: لِلْحَاكِمِ النَّظَرُ الْعَامُّ، فَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ إِنْ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ، وَلَهُ ضَمُّ أَمِينٍ مَعَ تَفْرِيطِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ، وَكَذَا مَعَ ضَعْفِهِ، وَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ، أَوْ أَمَرَ مُتَصَرِّفًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ الصَّحِيحِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ قُدِحَ فِيهِ، فَإِمَّا أَنْ يَنْعَزِلَ أَوْ يُعْزَلَ، أَوْ يُضَمَّ إِلَيْهِ أَمِينٌ، عَلَى الْخِلَافِ، ثُمَّ إِنْ صَارَ هُوَ وَالْوَصِيُّ أَهْلًا كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَكَالْمَوْصُوفِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي النُّكَتِ أَنَّهُ لَوْ عُزِلَ مِنْ وَظِيفَتِهِ لِلْفِسْقِ ثُمَّ تَابَ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا، وَإِذَا فَرَّطَ سَقَطَ مِمَّا لَهُ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَهُ مِنَ الْوَاجِبِ، وَإِذَا أَطْلَقَ النَّظَرَ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ شَمِلَ أَيَّ حَاكِمٍ، وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ ذَوِي الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ عِنْدَ التَّعَدُّدِ يَكُونُ لِلسُّلْطَانِ تَوْلِيَةُ مَنْ شَاءَ، وَلَوْ فَوَّضَهُ حَاكِمٌ لَمْ يَجُزْ لِآخَرَ نَقْضُهُ، وَلَوْ وَلَّى كُلٌّ مِنْهُمَا شَخْصًا قَدَّمَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَحَقَّهُمْ. فَرْعٌ: إِذَا جَهِلَ شَرْطَ الْوَاقِفِ تَسَاوَى فِيهِ الْمُسْتَحِقُّونَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَبَتَتْ، وَلَمْ يَثْبُتِ التَّفْضِيلُ، فَوَجَبَتِ التَّسْوِيَةُ كَمَا لَوْ شَرَكَ بَيْنَهُمْ بِلَفْظِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ، وَقَيَّدَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةً، قَالَ: لِأَنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ وَالْعُرْفَ الْمُسْتَقِرَّ فِي الْوَقْفِ يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَدُلُّ لَفْظُ الِاسْتِفَاضَةِ. (فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ نَاظِرًا) أَوْ شَرَطَهُ لِإِنْسَانٍ فَمَاتَ (فَالنَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَغَلَّتُهُ لَهُ، فَكَانَ نَظَرُهُ إِلَيْهِ كَمِلْكِهِ الْمُطْلَقِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا اسْتَقَلَّ بِهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يُضَمُّ إِلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ؛ حِفْظًا لِأَصِلِ الْوَقْفِ عَنِ التَّضْيِيعِ، وَإِنْ كَانَ مُوَلًّى عَلَيْهِ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ مَنْ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ، فَإِنَّهُ لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ (وَقِيلَ: لِلْحَاكِمِ) أَيْ حَاكِمِ الْبَلَدِ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 وَقِيلَ لِلْحَاكِمِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] مُوسَى؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَوْجُودِينَ وَحَقُّ مَنْ يَأْتِي مِنَ الْبُطُونِ، وَبَنَاهُ الْمُؤَلِّفُ - وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ " وَ - الْفُرُوعِ " - عَلَى الْمِلْكِ، فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَالنَّظَرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَيْنَهُ وَنَفْعَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى فَالْحَاكِمُ يَتَوَلَّاهُ وَيَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفِهِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَالْحَاصِلُ إِنْ كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ مَنْ حَاكَمٍ أَوْ نَاظِرٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ وَاقِفٍ وَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ عَدْلٌ، فَفَسَقَ، صَحَّ، وَضُمَّ إِلَيْهِ أَمِينٌ وَوَظِيفَةُ نَاظِرٍ، حِفْظُ وَقْفٍ، وَعِمَارَةٍ، وَإِيجَارٍ، وَزِرَاعَةٍ، وَمُخَاصَمَةٍ فِيهِ، وَتَحْصِيلُ رَيْعِهِ مِنْ أُجْرَةٍ، وَزَرْعٍ، وَثَمَرَةٍ، وَصَرْفُهُ فِي جِهَاتِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَإِصْلَاحٍ وَإِعْطَاءِ مُسْتَحَقٍّ وَنَحْوُهُ. فَرْعٌ: إِذَا شَرَطَ النَّظَرَ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا بِلَا شَرْطٍ، وَإِنْ شَرَطَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ، فَإِنْ شَرَطَهُ لِاثْنَيْنِ مِنْ أَفَاضِلِ وَلَدِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ ضُمَّ إِلَيْهِ أَمِينٌ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَرْضَ بِنَظَرٍ وَاحِدٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي "، وَكَذَا لَوْ جَعَلَهُ لِاثْنَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوِ انْعَزَلَ. (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَقْفِ (مِنْ غَلَّتِهِ) إِنْ لَمْ يُعَيَّنْ وَاقِفٌ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، فَكَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مُعَيَّنٍ إِنْ كَانَ الْوَقْفُ ذَا رُوحٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ بِيعَ وَصُرِفَ الثَّمَنُ فِي عَيْنٍ أُخْرَى تَكُونُ وَقْفًا لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ فَالنَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِيعَ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَقَارًا لَمْ تَجِبْ عِمَارَتُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِهِ، فَإِنْ كَانَ بِشَرْطِهِ عُمِلَ بِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَجِبُ عِمَارَتُهُ بِحَسَبِ الْبُطُونِ، وَتُقَدَّمُ عِمَارَتُهُ عَلَى أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْجَمِيعُ بَيْنَهُمَا حَسَبَ الْإِمْكَانِ أَوْلَى، بَلْ قَدْ يَجِبُ، وَلَوِ احْتَاجَ خَانٌ مُسَبَّلٌ، أَوْ دَارٌ مَوْقُوفَةٌ لِسُكْنَى حَاجٍّ أَوْ غُزَاةٍ وَنَحْوِهِمْ إِلَى مَرَمَّةٍ أُوجِرَ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ. فَرْعٌ: لِلنَّاظِرِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ بِلَا إِذْنِ حَاكِمٍ، كَشِرَائِهِ الْوَقْفَ بِنَسِيئَةٍ، أَوْ بِنَقْدٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِي قَرْضِهِ مَالًا لِوَلِيٍّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 لِوَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ، وَهَلْ يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنِينَ؛ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] [الْوَقْفُ عَلَى الْأَوْلَادِ] (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ) أَوْ أَوْلَادِهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ (ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَهُوَ لِوَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) وَالْخَنَاثَى؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَشْمَلُهُمْ (بِالسَّوِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ شِرْكٌ بَيْنَهُمْ، وَإِطْلَاقُهَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ بِشَيْءٍ، وَكَوَلَدِ الْأُمِّ فِي الْمِيرَاثِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَلَدًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْهُ حَمْلٌ إِلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَلَدًا قَبْلَ انْفِصَالِهِ، فَيُسْتَحَقُّ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ، كَمُشْتَرٍ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: يَسْتَحِقُّ مَنْ زَرَعَ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْحَصَادَ، قَطَعَ بِهِ فِي " الْمُبْهِجِ ". وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الثَّمَرَةُ لِلْمَوْجُودِ عِنْدَ التَّأْبِيرِ وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَيُشْبِهُ الْحَمْلَ إِنْ قُدِّمَ إِلَى ثَغْرٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فِيهِ، أَوْ خَرَجَ مِنْهُ إِلَى بَلَدٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فِيهِ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ، وَقِيَاسُهُ مَنْ نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ وَنَحْوُهُ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا يَسْتَحِقُّ بِحِصَّتِهِ مِنْ مُغِلَّةٍ، وَإِنَّ مَنْ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، (وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِعَدَمِ دُخُولِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] ، وَلِقَوْلِ الشَّاعِرِ: بَنُونَا بَنُوا أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ لِأَنَّ وَلَدَ الْهَاشِمِيَّةِ لَيْسَ بِهَاشِمِيٍّ، وَلَا يُنْسَبُ إِلَى أَبِيهَا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا، وَبِهَذَا عَلَّلَ أَحْمَدُ، فَقَالَ: لِأَنَّهُمْ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ، وَقِيلَ: شَمِلَهُمْ لِدُخُولِهِمْ فِي مُسَمَّى الْأَوْلَادِ (وَهَلْ يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنِينَ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "، أَحَدُهُمَا، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " يَدْخُلُونَ لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] وَحِينَئِذٍ يَشْمَلُ وَلَدَ الْبَنِينَ وَإِنْ سَفَلُوا؛ لِأَنَّهُ وَلَدٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] ؛ {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 40] ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا» ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ أَوْ نَسْلِهِ دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ، وَنُقِلَ عَنْهُ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ، وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الْوَصِيَّةِ: يَدْخُلُونَ فِيهِ. وَذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَهَذَا مِثْلُهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ: يَدْخُلُونَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَدِ فُلَانٍ وَهُمْ قَبِيلَةٌ دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ، فَكَذَا إِذَا لَمْ يَكُونُوا قَبِيلَةً، وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّونَ فِي الْوَقْفِ بَعْدَ آبَائِهِمْ مُرَتَّبًا، وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْمَوْجُودِينَ وَمَنْ سَيُوجَدُ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةً تَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَدْخُلُونَ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ حَقِيقَةً وَلَدُ صُلْبِهِ، وَالْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى وَلَدُ الْوَلَدِ وَلَدًا مَجَازًا بِدَلِيلِ صِحَّةِ النَّفْيِ، إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِدْخَالِهِمْ، كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي؛ لِوَلَدِ الذُّكُورِ الثُّلُثَانِ، وَلِوَلَدِ الْإِنَاثِ الثُّلُثُ، وَآيَةُ الْمِيرَاثِ دَلَّتْ قَرِينَةً عَلَى إِرَادَةِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ، فَحَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ. (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ أَوْ نَسْلِهِ دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ وَلَدِهِ حَقِيقَةً وَانْتِسَابًا (وَنُقِلَ عَنْهُ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ) ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ: مَا كَانَ مِنْ وَلَدِ الْبَنَاتِ فَلَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، فَهَذَا النَّصُّ يَحْتَمِلُ تَعْدِيَتَهُ إِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى مَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَلَدَ وَلَدِهِ، وَالْمَنْعُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ " وَ " الْجَامِعِ "، وَالشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " خِلَافِهِ الصَّغِيرِ " وَفِي " الْفُرُوعِ "، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، كَمَنْ يُنْسَبُ إِلَيَّ، وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي وَلَدِ وَلَدِي الصُّلْبِيِّ إِلَّا بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِمْ، (وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الْوَصِيَّةِ: يَدْخُلُونَ فِيهِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَهَذَا مِثْلُهُ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَاحِدٌ، وَالْقَوْلُ بِدُخُولِهِمْ هُوَ رِوَايَةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَةِ "، وَاخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي " الْهِدَايَةِ "؛ لِأَنَّ الْبَنَاتَ أَوْلَادُهُ، فَأَوْلَادُهُنَّ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ حَقِيقَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ} [الأنعام: 84] وَإِلَى قَوْلِهِ: {وَعِيسَى} [البقرة: 136] ، وَهُوَ وَلَدُ بِنْتِهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ، يَعْنِي الْحَسَنَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْقَوْلُ بِدُخُولِهِمْ أَصَحُّ وَأَقْوَى دَلِيلًا. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 عَلَى وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي، فَلَا يَدْخُلُونَ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ أَوْ بَنِي فُلَانٍ   [المبدع في شرح المقنع] حَامِدٍ: يَدْخُلُونَ فِيهِ) ، هَذَا رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ يَدْخُلُ فِي التَّحْرِيمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] (إِلَّا أَنْ يَقُولَ: عَلَى وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي، فَلَا يَدْخُلُونَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صُلْبِهِ، وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ لِلْقَاضِي وَتَبِعَهُ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُمَا اخْتَارَا الدُّخُولَ مُطْلَقًا، وَفِي " الْخِصَالِ " لِابْنِ الْبَنَّا أَنَّ ابْنَ حَامِدٍ اخْتَارَ الدُّخُولَ وَأَبَا بَكْرٍ مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَهُوَ فِي " الْمُغْنِي "، الْقَدِيمُ. وَقِيلَ: إِنْ قَالَ: وَلَدُ وَلَدِي لِصُلْبِي، شَمِلَ وَلَدَ بَنِيهِ لِصُلْبِهِ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": يَشْمَلُ فِي الذُّرِّيَّةِ، وَإِنَّ الْخِلَافَ فِي وَلَدِ وَلَدِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَعَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ، أَمَّا مَعَ الْقَرِينَةِ فَالْعَمَلُ بِهَا؛ وَلِهَذَا قِيلَ فِي عِيسَى وَالْحَسَنِ: إِنَّهُمَا إِنَّمَا دَخَلَا مَعَ الذِّكْرِ وَالْكَلَامِ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَأَجَابَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " عَنْ قَضِيَّةِ عِيسَى بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ، فَنُسِبَ إِلَى أُمِّهِ، وَالْحَسَنِ بِأَنَّهُ مَجَازٌ اتِّفَاقًا؛ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] . مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: عَلَى وَلَدِي، ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي، ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، لَمْ يَشْمَلِ الْبَطْنَ الثَّالِثَ وَمَنْ بَعْدَهُ، فِي الْأَشْهَرِ، فَإِنْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي، فَإِذَا انْقَرَضَ وَلَدُ وَلَدِي فَعَلَى الْفُقَرَاءِ - شَمِلَ وَلَدَ وَلَدِهِ. وَقِيلَ: لَا كَمَا لَوْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي لِصُلْبِي. فَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ فَقَالَ وَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي، مُنِعَ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا، وَنَقَلَهُ حَرْبٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى وَلَدِي يَسْتَغْرِقُ الْجِنْسَ، فَيَعُمُّ، وَالتَّخْصِيصُ بِقَوْلِهِ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ تَأْكِيدٌ لِلْبَعْضِ، فَلَا يُوجِبُ إِخْرَاجَ الْبَقِيَّةِ، كَالْعَطْفِ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا} [البقرة: 97] الْآيَةَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيَقْصُرُ الْوَقْفُ عَلَى السَّمِيَّيْنِ وَأَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ الثَّالِثِ. وَوَلَدَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] جُعِلَا لِتَسْمِيَتِهِمَا بَدَلًا لِلْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ، فَاخْتُصَّ الْحُكْمُ بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الْكُلِّ مِنَ الْكُلِّ؛ لِانْطِلَاقِ لَفْظِ الْوَلَدِ عَلَى الِاثْنَيْنِ كَانْطِلَاقِهِ عَلَى الْجَمِيعِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، فَتُرَتَّبُ جُمْلَةً، وَقِيلَ: أَفْرَادٌ، وَفِي " الِانْتِصَارِ: " إِذَا قُوبِلَ جَمْعٌ بِجَمْعٍ اقْتَضَى مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ مِنْهُ بِالْفَرْدِ مِنْ مُقَابَلَةِ لُغَةٍ، فَعَلَى هَذَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": الْأَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَبُوهُ شَيْئًا، قَالَهُ شَيْخُنَا. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْوَقْفَ كَالْإِرْثِ لِمَ يَدْرِ مَا يَقُولُ وَلِهَذَا لَوِ انْتَفَتِ الشُّرُوطُ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى أَوْ بَعْضِهِمْ لَمْ تَحْرُمُ الثَّانِيَةُ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ فِيهِ إِجْمَاعًا. وَقَوْلُ الْوَاقِفِ: مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ يَعُمُّ مَا اسْتَحَقَّهُ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مَعَ صِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ اسْتَحَقَّهُ أَوَّلًا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ، وَلِصِدْقِ الْإِضَافَةِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، وَالْوَقْفُ مُرَتَّبٌ، فَهُوَ لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْبُطُونِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ بَطَلَ هَذَا الشَّرْطُ، وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فِي دَرَجَتِهِ فَخِلَافٌ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ إِخْوَتُهُ وَبَنُو عَمِّهِ وَبَنُو بَنِي عَمِّ أَبِيهِ، وَنَحْوُهُمْ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إِلَى الْمُتَوَفَّى وَنَحْوُهُ، فَيُخْتَصُّ بِهِمْ، وَلَيْسَ مِنَ الدَّرَجَةِ مَنْ هُوَ أَعَلَى مِنْهُ أَوْ أَنْزَلُ، وَإِنْ شَرَطَ أَنَّ نَصِيبَ الْمُتَوَفَّى عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ اسْتَحَقَّهُ أَهْلُ الدَّرَجَةِ وَقْتَ وَفَاتِهِ، وَكَذَا مَنْ سَيُولَدُ مِنْهُمْ، أَفْتَى بِهِ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ " الْفَائِقِ "، وَابْنُ رَجَبٍ قَالَ: وَعَلَى هَذَا لَوْ حَدَّثَ مَنْ هُوَ أَعَلَى مِنَ الْمَوْجُودِينَ، وَكَانَ فِي الْوَقْفِ اسْتِحْقَاقُ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى أَخْذَهُ مِنْهُمْ، وَقَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، يَشْمَلُ الْأَصْلَ وَالْعَائِدَ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْأَصْلَ فَقَطْ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ: هُوَ وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ أَوْلَادِهِمُ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمُ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فَقَطْ، ثُمَّ نَسَلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ، ثُمَّ الْفُقَرَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا وَإِنْ سَفَلَ فَنُصِيبُهُ لَهُ، فَمَاتَ أَحَدُ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَتَرَكَ بِنْتًا، فَمَاتَتْ وَلَهَا أَوْلَادٌ، فَقَالَ شَيْخُنَا: مَا اسْتَحَقَّتْهُ قَبْلَ مَوْتِهَا لَهُمْ، وَيَتَوَجَّهُ لَا، وَلَوْ قَالَ: مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 فَهُوَ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً، إِلَّا أَنْ يَكُونُوا قَبِيلَةً، فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ دُونَ أَوْلَادِهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَتِهِ أَوْ قَرَابَةِ فُلَانٍ فَهُوَ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدِّ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجَاوِزْ بَنِي هَاشِمٍ بِسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى، وَعَنْهُ: إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] سَفَلَ، فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ، عَمَّ مَنْ أَعْقَبَ وَمَنْ لَمْ يُعْقَبْ، وَمَنْ أَعْقَبَ ثُمَّ انْقَطَعَ عَقِبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ غَيْرُهُ، وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُ، فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَطْعًا، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا، وَيَتَوَجَّهُ نُفُوذُ حُكْمٍ بِخِلَافِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ". (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ أَوْ بَنِي فُلَانٍ فَهُوَ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَنِينَ وُضِعَ لِذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: 153] وَ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران: 14] وَ: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46] وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ ذَكَرًا، وَعَكْسُهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى بَنَاتِهِ اخْتُصَّ بِهِنَّ، وَلَا شَيْءَ لِلذُّكُورِ وَلَا لِلْخَنَاثَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ أُنْثَى، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، (إِلَّا أَنْ يَكُونُوا قَبِيلَةً) كَبِيرَةً، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " كَبَنِي هَاشِمٍ، وَتَمِيمٍ، وَقُضَاعَةَ (فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] ؛ وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَبِيلَةِ يَشْمَلُ ذَكَرَهَا وَأُنْثَاهَا، وَرُوِيَ أَنَّ جَوَارِيَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قُلْنَ: نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ... يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ وَيُقَالُ: امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. (دُونَ أَوْلَادِهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ) ، وَحَكَاهُ فِي " الرِّعَايَةِ " قَوْلًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْقَبِيلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا بَلْ إِلَى غَيْرِهَا، وَكَمَا لَوْ قَالَ: الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيَّ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ دُخُولَ أَوْلَادِهِنَّ مِنْهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِدُخُولِ الِانْتِسَابِ حَقِيقَةً، وَلَا يَشْمَلُ مَوَالِيهِمْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكْفِي وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: بَلْ ثَلَاثَةٌ، وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مَا رَآهُ النَّاظِرُ، وَقِيلَ: بَلْ قُدِّرَ حَقُّهُ مِنَ الزَّكَاةِ مَعَ فَقْرِهِ، كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ. [الْوَقْفُ عَلَى قَرَابَتِهِ أَوْ قَرَابَةِ فُلَانٍ] (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَتِهِ أَوْ قَرَابَةِ فُلَانٍ فَهُوَ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدِّ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجَاوِزْ بَنِي هَاشِمٍ بِسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَادَهُ وَأَوْلَادَ عَبْدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 كَانَ يَصِلُ قَرَابَتَهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ فِي حَيَاتِهِ صَرَفَ إِلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَهْلُ بَيْتِهِ بِمَنْزِلَةِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُطَّلِبِ وَأَوْلَادَ هَاشِمٍ ذَكَرَهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا، لَا يُقَالُ: هُمَا كَبَنِي الْمُطَّلِبِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَلَمْ يُعْطِ قَرَابَةَ أُمِّهِ وَهُمْ بَنُو زُهْرَةَ شَيْئًا، وَجَعَلَ هَاشِمًا الْأَبَ الرَّابِعَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ رَابِعًا إِلَّا أَنْ يُعَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَالْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، وَالْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لِشُمُولِ اللَّفْظِ لَهُمْ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُسْتَحِقِّ مِنْ قُرْبَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْهُ: يُجَاوِزُ بِهَا أَرْبَعَةَ آبَاءٍ، فَعَلَيْهَا يُعْطَى كُلُّ مَنْ يُعْرَفُ بِقَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْأَبِ الْأَدْنَى؛ لِأَنَّهُمْ قَرَابَتُهُمْ، فَيَتَنَاوَلُهُمْ مِنَ اللَّفْظِ، وَعَنْهُ: ثَلَاثَةُ آبَاءٍ (وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ يَصِلُ قَرَابَتَهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ فِي حَيَاتِهِ) كَإِخْوَتِهِ لِأُمِّهِ، وَأَخْوَالِهِ، وَخَالَاتِهِ (صَرَفَ إِلَيْهِمْ) ؛ لِأَنَّ صِلَتَهُ إِيَّاهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِمْ بِصِلَتِهِ هَذِهِ (وَإِلَّا فَلَا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَصِلْهُمْ فِي حَيَاتِهِ فَلَا يُصْرَفْ إِلَيْهِمْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ نَقَلَهَا صَالِحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ هَانِئٍ، وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: إِنْ وَصَلَ أَغْنِيَاءَهُمْ أُعْطُوا وَإِلَّا الْفُقَرَاءُ أَوْلَى، وَأَخَذَ مِنْهُ الْحَارِثِيُّ عَدَمَ دُخُولِهِمْ فِي كُلِّ لَفْظٍ عَامٍّ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا عُرْفٌ فِي الشَّرْعِ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْعُرْفِ اللُّغَوِيِّ كَالْوُضُوءِ، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ، وَهَذَا مَعَ الْإِطْلَاقِ، فَأَمَّا إِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ أَوْ حَالِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِمْ، أَوْ حِرْمَانِهِمْ عَمَلَ بِهَا. فَرْعٌ: قَرَابَةُ أُمِّهِ كَذَلِكَ، وَعَنْهُ: إِنْ وَصَلَهُمْ شَمِلَهُمْ، وَمِثْلُهُ قَرَابَةُ غَيْرِهِ أَوِ الْفُقَهَاءِ، وَيَصِلُ بَعْضَهُمْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. تَنْبِيهٌ: إِذَا وَقَفَ عَلَى أَقْرَبِ قَرَابَتِهِ، أَوْ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ نَسَبًا وَإِرْثًا، وَابْنُهُ كَأَبَوَيْهِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا، وَأَخُوهُ لِأَبِيهِ أَوْ أَبَوَيْهِ كَجَدِّ أَبٍ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَأَخُوهُ لِأَبِيهِ كَأُمِّهِ إِنْ شَمِلَ قَرَابَتَهُ، وَكَذَا أَبْنَاؤُهُمَا، وَوَلَدُ أَبَوَيْهِ أَوْلَى مِنْهُمَا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ رِوَايَةً كَأَخِيهِ لِأَبِيهِ لِسُقُوطِ الْأُمُومَةِ فِي النِّكَاحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَأَبُوهُ أَوْلَى مِنِ ابْنِ ابْنِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " عَكْسُهُ، وَيَسْتَوِي جَدَّاهُ وَعَمَّاهُ كَأَبَوَيْهِ (وَأَهْلُ بَيْتِهِ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَتِهِ) ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 قَرَابَتِهِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُعْطَى مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَقَوْمِهِ، وَنُسَبَاؤُهُ كَقَرَابَتِهِ، وَالْعِتْرَةُ هُمُ   [المبدع في شرح المقنع] نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَهْلِ بَيْتِهِ، قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: لِقَرَابَتِي، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِي وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِي» ، فَجَعَلَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى عِوَضًا لَهُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ الَّتِي حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ ذَوِي الْقُرْبَى الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى هُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ الَّذِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ عِنْدَ الْعَرَبِ آبَاءُ الرَّجُلِ وَأَوْلَادُهُمْ، كَالْأَجْدَادِ وَالْأَعْمَامِ وَأَوْلَادِهِمْ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَقَالَ الْقَاضِي: وَلَدُ الرَّجُلِ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْقَرَابَةِ وَلَا أَهْلِ بَيْتِهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّ وَلَدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ، وَأُعْطُوا مِنْ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى، بَلْ هُوَ أَقْرَبُ قَرَابَتِهِ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُعْطَى مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَكَذَا أَقَارِبُهَا مِنْ أَوْلَادِهَا، وَأَبَوَيْهَا، وَإِخْوَتِهَا، وَأَخَوَاتِهَا، وَنَقَلَ صَالِحٌ: يَخْتَصُّ مَنْ يَصِلُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلَوْ جَاوَزَ أَرْبَعَةَ آبَاءٍ، وَإِنَّ الْقَرَابَةَ تُعْطَى أَرْبَعَةَ آبَاءٍ فَمَنْ دُونَ، وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ أَنَّ قَوْمَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ كَقَرَابَةِ أَبَوَيْهِ، وَأَنَّ الْقَرَابَةَ قَرَابَةُ أَبِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ آبَاءٍ، وَعَنْهُ: أَزْوَاجُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: فِي دُخُولِهِنَّ فِي آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ رِوَايَتَانِ، اخْتَارَ الدُّخُولَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّرِيفِ. فَرْعٌ: أَهْلُ الْوَقْفِ هُمُ الْمَتْنَاوِلُونَ لَهُ. (وَقَوْمُهُ، وَنُسَبَاؤُهُ كَقَرَابَتِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْمَ الرَّجُلِ قَبِيلَتُهُ، وَهُمْ نُسَبَاؤُهُ، وَقِيلَ: كَذِي رَحِمِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ بِمَثَابَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ أَقَارِبُهُ، وَأَقَارِبُهُ هُمْ قَوْمُهُ وَنُسَبَاؤُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا قَالَ: لِرَحِمِي، أَوْ لِأَرْحَامِي، أَوْ لِنُسَبَائِي - صُرِفَ إِلَى قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَيَتَعَدَّى وَلَدُ الْأَبِ الْخَامِسِ، فَعَلَيْهِ يُدْفَعُ إِلَى كُلِّ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ أَوْ بِالرَّحِمِ فِي حَالٍ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي الْمَتْنَاسِبِينَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْعُرْفِ عَلَى مَنْ كَانَ مِنَ الْعَشِيرَةِ الَّتِي يُنْسَبَانِ إِلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْسَبُ إِلَى قَبِيلَةٍ غَيْرِ قَبِيلَةِ صَاحِبِهِ، فَلَيْسَ بِمُنَاسِبٍ لَهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 الْعَشِيرَةُ، وَذَوُو رَحِمِهِ كُلُّ قُرَابَةٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَالْأَيَامَى وَالْعُزَّابُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْتَصَّ الْأَيَامَى بِالنِّسَاءِ وَالْعُزَّابُ   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: الْقَوْمُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11] الْآيَةَ، سُمُّوا بِهِ لِقِيَامِهِمْ بِالْأَمْرِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. (وَالْعِتْرَةُ هُمُ الْعَشِيرَةُ) الْأَدْنَوْنَ، هَذَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ فِي عُرْفِ النَّاسِ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ؛ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي مَحْفِلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ، وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ، لَكِنْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: ذُرِّيَّتُهُ، وَقِيلَ: وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ (وَذَوُو رَحِمِهِ كُلُّ قَرَابَةٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ) وَالْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ تَشْمَلُهُمْ، وَهِيَ فِي الْقَرَابَةِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ مُرَجِّحًا فَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ مَانِعًا، وَذَكَرَ الْقَاضِي مُجَاوَزَتَهُ لِلْأَبِ الْخَامِسِ. تَذْنِيبٌ: إِذَا وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ أَوْ جَمْعٍ مِنَ الْأَقْرَبِ إِلَيْهِ فَثَلَاثَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُتَمِّمُ الْعَوْزَ مِنَ الْأَبْعَدِ، وَيَشْمَلُ أَهْلَ الدَّرَجَةِ وَلَوْ كَثُرُوا، وَفِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِي جَمَاعَةٍ اثْنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ، وَقَالَ الْمَجْدُ: أَقَلُّ الْجَمْعِ مِمَّا لَهُ تَثْنِيَةٌ خَاصَّةٌ ثَلَاثَةٌ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ فِي لَفْظِ الْجَمْعِ اثْنَانِ، وَلَفْظِ النِّسَاءِ ثَلَاثَةٌ، وَالرَّهْطُ لُغَةً مَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنَ الرِّجَالِ خَاصَّةً، وَفِي " كَشْفِ الْمُشْكِلِ ": هُوَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ. (وَالْأَيَامَى وَالْعُزَّابُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: أَيِمَتْ حَنَّةُ مِنْ زَوْجِهَا، وَأَيِمَ عُثْمَانُ مِنْ رُقَيَّةَ. يُقَالُ: رَجُلٌ عَزَبٌ، وَامْرَأَةٌ عَزَبَةٌ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَزَبًا لِانْفِرَادِهِ، وَلَا يُقَالُ: أَعْزَبُ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا لُغَةٌ حَكَاهَا الْأَزْهَرِيُّ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: وَكُنْتُ شَابًّا أَعْزَبَ. وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَوْ لَا، وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ الْأَيِّمُ إِلَّا بِكْرًا (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْتَصَّ الْأَيَامَى بِالنِّسَاءِ، وَالْعُزَّابُ بِالرِّجَالِ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] ، وَفِي الْخَبَرِ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 بِالرِّجَالِ، فَأَمَّا الْأَرَامِلُ فَهُنَّ النِّسَاءُ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ، وَقِيلَ: هُوَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. إِنْ وَقَفَ عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ، وَفِيهِ   [المبدع في شرح المقنع] سِرَارِ الْأَيِّمِ» ، إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ النِّسَاءَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ اخْتِصَاصُهُنَّ بِهَذَا الِاسْمِ الْعُرْفِيِّ، يُقَالُ: امْرَأَةٌ أَيِّمٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ، وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُشَارِكًا لَهَا لَقِيلَ: أَيِّمٌ، وَأَيِّمَةٌ كَقَائِمٍ وَقَائِمَةٍ، وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ " أَيِّمَةً "؛ وَلِأَنَّ الْعُرْفَ أَنَّ الْعَزَبَ يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ (فَأَمَّا الْأَرَامِلُ فَهُنَّ النِّسَاءُ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ) بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَصَّى لِأَرَامِلَ بَنِي فُلَانٍ، فَقَالَ: قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالَّذِي يُعْرَفُ فِي كَلَامِ النَّاسِ أَنَّ الْأَرَامِلَ النِّسَاءُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ، فَيَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَيْهِ (وَقِيلَ: هُوَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) ، وَقَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَنْشَدَ: هَذِي الْأَرَامِلُ قَدْ قَضَّيْتَ حَاجَتَهَا ... فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ فَيُقَالُ: رَجُلٌ أَرْمَلُ، وَامْرَأَةٌ أَرْمَلَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَرَامِلَ جَمْعُ أَرْمَلَةٍ، فَلَا يَكُونُ جَمْعًا لِلْمُذَكَّرِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمُفْرَدِ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ الْجَمْعِ، وَالشِّعْرُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَمِلَ لَفْظُ الْأَرَامِلِ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ لَقَالَ: حَاجَتَهُمْ؛ لِأَنَّ تَذْكِيرَ الضَّمِيرِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّوْعَيْنِ لَازِمٌ، وَسَمَّى نَفْسَهُ أَرْمَلًا تَجَوُّزًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ مُذَكَّرٌ، وَلَوْ ثَبَتَ فِي الْحَقِيقَةِ أَنَّهُ لَهُمَا لَكِنْ خَصَّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ بِالنِّسَاءِ، فَهُجِرَتِ الْحَقِيقَةُ، وَصَارَتْ مَهْجُورَةً. فَرْعٌ: إِخْوَتُهُ، وَعُمُومَتُهُ، وَبِكْرٌ، وَثَيِّبٌ، وَعَانِسٌ لِذَكَرٍ وَأُنْثَى. [وَقَفَ عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ] وَ (إِنْ وَقَفَ عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ، أَوْ قَرَابَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ - (مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ) ، عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالَ الْوَاقِفُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُقَابِلِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِينَةً صَارِفَةٍ لِلَّفْظِ عَنْ شُمُولِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَطْلَقَ آيَةَ الْمِيرَاثِ لَمْ يَشْمَلِ الْمُخَالِفَ، فَكَذَا هُنَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ مُسْلِمًا لَمْ يَدْخُلِ الْكَافِرُ، وَكَذَا عَكْسُهُ، فَإِنْ صَرَّحَ بِهِمْ دَخَلُوا؛ لِأَنَّ إِخْرَاجَهُمْ يُتْرَكُ بِهِ صَرِيحُ الْمُقَالِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ، وَكَذَا إِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إِرَادَتِهِمْ، فَلَوْ كَانَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا. وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ أَسْفَلَ تَنَاوَلَ جَمِيعَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَخْتَصُّ الْمَوَالِيَ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْأَقَارِبُ كُلُّهُمْ كُفَّارًا دَخَلُوا؛ لِأَنَّ إِخْرَاجَهُمْ يُؤَدِّي إِلَى رَفْعِ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي كُفَّارٌ دَخَلُوا أَيْضًا؛ لِأَنَّ إِخْرَاجَهُمْ بِالتَّخْصِيصِ بَعِيدٌ، وَفِيهِ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ كُفَّارًا فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِمْ، وَالتَّخْصِيصُ يَصِحُّ بِإِخْرَاجِ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ: يَدْخُلُ الْكُفَّارُ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِي مِثْلِ هَذَا بَعِيدٌ، وَأَنَّ تَخْصِيصَ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ قَرِيبٌ، وَتَخْصِيصُ الْأَكْثَرِ بَعِيدٌ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ سَائِرِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ كَالْإِخْوَةِ، وَالْأَعْمَامِ، وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ - حُكْمُ أَهْلِ قَرْيَتِهِ، (وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إِنْ كَانَ كَافِرًا تَنَاوَلَ أَهْلَ دِينِهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَتَنَاوَلُهُمْ، وَالْقَرِينَةَ دَالَّةٌ عَلَى إِرَادَتِهِمْ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ؟ يُنْظَرُ، فَإِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ عَلَى دُخُولِهِمْ كَمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا مُسْلِمُونَ، وَإِنِ انْتَفَتِ الْقَرَائِنُ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ كَافِرٌ مِنْ غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْوَاقِفِ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تُخْرِجُهُ، وَقِيلَ بِدُخُولِهِ بِنَاءً عَلَى تَوْرِيثِ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. مُلْحَقٌ: الصَّبِيُّ وَالْغُلَامُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَالْيَتِيمُ مَنْ لَا أَبَ لَهُ، وَلَوْ جَهِلَ بَقَاءَ أَبِيهِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُعْطَى مَنْ لَيْسَ لَهُ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ أَبٌ يُعْرَفُ، فَإِنْ بَلَغَ خَرَجَ مِنْ حَدِّ الْيُتْمِ، وَالشَّابُّ وَالْفَتَى مَنْ بَلَغَ إِلَى الثَّلَاثِينَ، وَقِيلَ: وَخَمْسَةٌ، وَالْكَهْلُ مِنْهَا إِلَى الْخَمْسِينَ، وَالشَّيْخُ مِنْهَا إِلَى السَّبْعِينَ، وَفِي " الْكَافِي " وَ " التَّرْغِيبِ " إِلَى آخِرِ الْعُمْرِ ثُمَّ الْهَرِمُ، وَالْأَشْرَافُ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ: وَأَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا لَا يُسَمُّونَ شَرِيفًا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَغَيْرِهِمْ لَا يُسَمُّونَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَوِيًّا، وَالشَّرِيفُ فِي اللُّغَةِ خِلَافُ الْوَضِيعِ وَالضَّعِيفِ، وَلَمَّا كَانَ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقَّ الْبُيُوتِ بِالتَّشْرِيفِ صَارَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ شَرِيفًا، فَلَوْ وَصَّى لِبَنِي هَاشِمٍ لَمْ يَدْخُلْ مَوَالِيهِمْ، نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 فَوْقُ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ وَإِلَّا جَازَ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] [وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ] (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ، وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ أَسْفَلُ تَنَاوَلَ جَمِيعَهُمْ) وَيَسْتَوُونَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمْ جَمِيعًا، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَنْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ الْمُعْتَقِينَ جَازَ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا شَرَطَ، فَإِنْ مَاتُوا وَلَهُمْ أَوْلَادٌ صَارَ مَا كَانَ وَقْفًا عَلَيْهِمْ، وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِمْ. (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَخْتَصُّ الْمَوَالِي مِنْ فَوْقُ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْوَى عُصْبَةً بِدَلِيلِ ثُبُوتِ الْمِيرَاثِ لَهُمْ، وَلَا يَسْتَحِقُّ مَوْلَى أَبِيهِ مَعَ وُجُودِ مَوَالِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ، فَقَالَ الشَّرِيفُ: هُوَ لِمَوْلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُ مَجَازًا، وَقَدْ تَعَذَّرَتِ الْحَقِيقَةُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَوَالِي أَبٍ حِينَ الْوَقْفِ ثُمَّ انْقَرَضَ مَوَالِيهِ لَمْ يَكُنْ لِمَوَالِي الْأَبِ فِي ظَاهِرِ مَا ذَكَرُوا؛ لِأَنَّ الِاسْمَ تَنَاوَلَ غَيْرَهُمْ فَلَا يَعُودُ إِلَيْهِمْ إِلَّا بِعَقْدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ. (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ) كَبَنِي فُلَانٍ الَّذِينَ لَيْسُوا بِقَبِيلَةٍ (وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْوَفَاءُ بِهِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ، وقَوْله تَعَالَى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] يُوَضِّحُهُ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ فِي ابْتِدَائِهِ عَلَى مَنْ يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ فَصَارَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ، كَوَقْفِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَبَ تَعْمِيمُ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ وَالتَّسْوِيَةَ كَانَ وَاجِبًا، فَإِذَا تَعَذَّرَ وَجَبَ مَا أَمْكَنَ كَالْوَاجِبِ الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ بَعْضِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ كَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي تَمِيمٍ لَمْ يَجِبْ تَعْمِيمُهُمْ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَ (جَازَ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ حِرْمَانُهُ جَازَ تَفْضِيلُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ (وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ) ، عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ مُجَاوَزَةُ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالدَّفْعِ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ) ، هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، قَالَ فِي " الْخِلَافِ " وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ، قَالَ: يُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا لَفْظُ الْمُوصِي، وَأَمْرُ اللَّهِ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْمَقْصُودُ بِدَلَالَةِ أَنَّ الْمُوصِيَ لِلْمَسَاكِينِ لَا يَعْدِلُ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَالْإِطْعَامُ فِي الْكَفَّارَةِ يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى غَيْرِ الْمَسَاكِينِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 لَا يُجْزِئَهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَلَا يُدْفَعُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنَ الْقَدْرِ الَّذِي يُدْفَعُ إِلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ، وَالْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ فِي هَذَا الْفَصْلِ. فَصْلٌ وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَلَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِإِقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إِلَّا أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنْ كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِمْ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَلَا اسْتِيعَابُهُمْ كَالْمَسَاكِينِ. (وَلَا يُدْفَعُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنَ الْقَدْرِ الَّذِي يُدْفَعُ إِلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ) ، أَيْ إِذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْأَصْنَافِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الصَّدَقَاتِ أَوْ بَعْضَهُمْ صُرِفَ إِلَيْهِمْ وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ الْوَقْفِ مِثْلَ الْقَدْرِ الَّذِي يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْفُقَرَاءَ لَمْ يُدْفَعْ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ زِيَادَةٌ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ زِيَادَةَ الْمِسْكِينِ عَلَى الْخَمْسِينَ، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقِيلَ: لِكُلِّ صِنْفٍ ثَمَنٌ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوِ الْمَسَاكِينِ أُعْطِيَ الْآخَرُ، وَفِيهِ وَجْهٌ (وَالْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ فِي هَذَا الْفَصْلِ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى لَفْظِ الْمُوصِي أَشْبَهَتِ الْوَقْفَ، فَإِنْ وَصَّى أَنْ يُفَرَّقَ فِي فُقَرَاءِ مَكَّةَ فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَسَّانَ هَلْ يُفَرَّقُ عَلَى قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ؟ فَقَالَ: يُنْظَرُ إِلَى أَحْوَجِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ. تَذْنِيبٌ: إِذَا وَقَفَ مَدْرَسَةً أَوْ رِبَاطًا أَوْ خَانِقَاهَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ عَلَى طَائِفَةٍ، اخْتُصَّتْ بِهِمْ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهَا مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً فَوَجْهَانِ، وَالْأَشْبَهُ اخْتِصَاصُ مَنْ عَيَّنَهُمْ، وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدٌ بِالصَّلَاةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ عَيَّنَ إِمَامًا أَوْ نَاظِرًا تَعَيَّنَ، وَقِيلَ: إِنْ وَقَفَ مَسْجِدًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَشَرَطَهُ لَهُمْ اخْتُصُّوا بِهِ إِمَامَةً وَنَظَرًا، وَعَنْهُ: عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَكَذَا إِنْ وَقَفَهُ عَلَى أَهْلِ مَذْهَبٍ فِي الْأَشْبَهِ. [فَصْلٌ: وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ] ٌ) أَيْ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ، فَلَزِمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ، فَيُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ إِذَا لَمْ يَصْلُحْ   [المبدع في شرح المقنع] بِمُجَرَّدِهِ كَالْعِتْقِ، وَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ: وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ فِي الْحَالِ، أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ، حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَوْ لَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ يَلْزَمُ بِالْوَصِيَّةِ، فَإِذَا نَجَزَهُ فِي الْحَيَاةِ لَزِمَ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ كَالْعِتْقِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِهِ، وَلِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ يَحْكُمَ بِلُزُومِهِ حَاكِمٌ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ الْمَحَامِلِيُّ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ صَاحِبِ الْأَذَانِ أَنَّهُ جَعَلَ حَائِطَهُ صَدَقَةً، وَجَعَلَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ أَبَوَاهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَا: لَمْ يَكُنْ لَنَا عَيْشٌ إِلَّا هَذَا الْحَائِطُ، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَاتَا فَوَرِثَهُمَا» ؛ وَلِأَنَّهُ إِخْرَاجُ مَالٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ بِمُجَرَّدِهِ كَالصَّدَقَةِ، وَجَوَابُهُ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَقْفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَعَلَهُ صَدَقَةً غَيْرَ مَوْقُوفٍ، فَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِدَيْهِ أَحَقَّ بِصَرْفِهَا إِلَيْهِمَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَائِطَ كَانَ لَهُمَا، وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْهُمَا، وَلَمْ يُجِيزَاهُ، ثُمَّ الْقِيَاسُ عَلَى الصَّدَقَةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَإِنَّمَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ، وَالْوَقْفُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ، فَافْتَرَقَا، (وَلَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِإِقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّأْبِيدِ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) وَلَا الْمُنَاقَلَةُ بِهِ (إِلَّا أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ) بِالْكُلِّيَّةِ، كَدَارٍ انْهَدَمَتْ، أَوْ أَرْضٍ خَرِبَتْ، وَعَادَتْ مَوَاتًا، وَلَمْ تُمْكِنْ عِمَارَتُهَا، نَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ: لَا يَسْتَبْدِلُ بِهِ وَلَا يَبِيعُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ، وَلَا يُبَاعُ إِلَّا أَنْ لَا يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِلَّا أَنْ يَقِلَّ فَلَا يُعَدُّ نَفْعًا، وَنَقَلَ مُهَنَّا: أَوْ ذَهَبَ أَكْثَرُ نَفْعِهِ (فَيُبَاعُ) ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى سَعْدٍ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ الَّذِي بِالْكُوفَةِ نُقِبَ: أَنِ انْقُلِ الْمَسْجِدَ الَّذِي بِالتَّمَارِينِ، وَاجْعَلْ بَيْتَ الْمَالِ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ فِي الْمَسْجِدِ مُصَلٍّ، وَكَانَ هَذَا بِمَشْهَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَحُكِيَ فِي " التَّلْخِيصِ " عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهُوَ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ فِي كُتُبِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ بَقَاءِ مَنَافِعِهِ لَا يَجُوزُ مَعَ تَعَطُّلِهَا، كَالْعِتْقِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ اسْتِبْقَاءً لِلْوَقْفِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إِبْقَائِهِ بِصُورَتِهِ، فَوَجَبَ ذَلِكَ كَمَا لَوِ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ، أَوْ قَتَلَهَا، أَوْ قَتَلَهَا غَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْوَقْفُ مُؤَبَّدٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَأْبِيدُهُ عَلَى وَجْهِ تَخْصِيصِهِ اسْتَبْقَيْنَا الْغَرَضَ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ عَلَى الدَّوَامِ فِي عَيْنٍ أُخْرَى، وَاتِّصَالُ الْأَبْدَالِ جَرَى مَجْرَى الْأَعْيَانِ، وَجُمُودُنَا عَلَى الْعَيْنِ مَعَ تَعَطُّلِهَا تَضْيِيعٌ لِلْغَرَضِ. قَوْلُهُمْ: يُبَاعُ، أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُ، نَقَلَهُ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَلْزَمُهُ فِعْلُ الْمَصْلَحَةِ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِبْقَاءٌ لِلْوَقْفِ بِمَعْنَاهُ، فَوَجَبَ كَإِيلَادِ أَمَةٍ مَوْقُوفَةٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَعَ الْحَاجَةِ تَجِبُ بِالْمِثْلِ، وَبِلَا حَاجَةٍ يَجُوزُ بِخَيْرٍ مِنْهُ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ لِفَوَاتِ التَّعْيِينِ بِلَا حَاجَةٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِهِ لِيَعْمُرَ بِهِ الْبَاقِي جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِيعَ جَمِيعُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْمُرَادُ مَعَ اتِّحَادِ الْوَاقِفِ كَالْجِهَةِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ عَيْنَيْنِ كَدَارَيْنِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا عَيْنًا وَاحِدَةً، وَلَمْ تَنْقُصِ الْقِيمَةُ بِالتَّشْقِيصِ، فَإِنْ نَقَصَتْ تَوَجَّهَ الْبَيْعُ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، كَبَيْعِ وَصِيٍّ لِدَيْنٍ أَوْ حَاجَةِ صَغِيرٍ، بَلْ هَذَا أَسْهَلُ لِجَوَازِ تَغْيِيرِ صِفَاتِهِ لِمَصْلَحَةٍ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ أَنَّ عُبَادَةَ - مِنْ أَصْحَابِنَا - أَفْتَى فِي أَوْقَافٍ وَقَفَهَا جَمَاعَةٌ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْبِرِّ إِذَا خَرِبَ بَعْضُهَا لِلْمُبَاشِرِ أَنْ يُعَمِّرَهُ مِنَ الْأُجْرَةِ، وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِلْمُتَوَلِّي لِبَيْعِهِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ الْحَاكِمُ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَفِي " التَّلْخِيصِ " وَيَكُونُ الْبَائِعُ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ بِثَمَنِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِعَقْدٍ لَازِمٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا، فَيَتَوَقَّفُ فَسْخُهُ عَلَى الْحَاكِمِ كَمَا قِيلَ فِي الْفُسُوخِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَلِكَوْنِهِ بَيْعًا عَلَى الْغَائِبِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَهُ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمَوْجُودِينَ، وَجَزَمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَةِ " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 لِلْغَزْوِ بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْجِهَادِ، وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إِذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الْفَائِقِ " أَنَّهُ نَاظَرَهُ، وَقِيلَ: بَلْ يَفْعَلُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ. فَرْعٌ: لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ فَخَرِبَ، يُبَاعُ وَشَرْطُهُ إِذَنْ فَاسِدٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ حَرْبٌ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: رَجُلٌ وَقَفَ ضَيْعَةً فَخَرِبَتْ، وَقَالَ فِي الشَّرْطِ: لَا يُبَاعُ، فَبَاعُوا مِنْهَا سَهْمًا وَأَنْفَقُوهُ عَلَى الْبَقِيَّةِ لِيَعْمُرُوهَا، قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اضْطِرَارٌ وَمَنْفَعَةٌ لَهُمْ. (وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَزَادَ: أَوْ بَعْضِ مِثْلِهِ، قَالَهُ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ وَكَجِهَتِهِ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْمِثْلُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِذِ الْقَصْدُ النَّفْعُ، لَكِنْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْمَصْلَحَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَوْلَى تُصْرَفُ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْمَصْرِفِ مَعَ إِمْكَانِ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يُغَيَّرُ الْوَقْفُ بِالْبَيْعِ مَعَ إِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَقُوَّةِ كَلَامِهِ - وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ - أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِيقَافِ النَّاظِرِ لَهُ، وَصَرَّحَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، وَجَوَّزَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِمَصْلَحَةٍ، وَأَنَّهُ قِيَاسُ الْهُدَى، وَذَكَرَهُ وَجْهًا فِي الْمُنَاقَلَةِ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، (وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ إِذَا لَمْ يَصْلُحْ لِلْغَزْوِ) بِأَنْ يَنْحَطِمَ (بِيعَ) كَالْوَقْفِ إِذَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ (وَاشْتُرِي بِثَمَنِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْجِهَادِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ مُحَافَظَةً عَلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ، وَعَنْهُ: يَصْرِفُهُ عَلَى الدَّوَابِّ الْحُبَّسِ، أَوْ يُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ، وَظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَنُهُ ثَمَنَ فَرَسٍ أُخْرَى أُعِينَ بِهِ فِي شِرَاءِ فَرَسٍ حَبِيسٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ الْمُمْكِنِ اسْتِيفَاؤُهُ وَصِيَانَتُهَا عَنِ الضَّيَاعِ، (وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إِذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ) فَإِنَّهُ يُبَاعُ إِذَا خَرِبَتْ مَحِلَّتُهُ، نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ صَالِحٍ يُحَوَّلُ الْمَسْجِدُ خَوْفًا مِنَ اللُّصُوصِ، وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِهِ قُدِّرَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ. وَنَصَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 مَوْضِعِهِ، وَعَنْهُ: لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ آلَتِهِ وَصَرْفُهَا فِي عِمَارَتِهِ، وَمَا فَضُلَ مِنْ حُصْرِهِ وَزَيْتِهِ عَنْ حَاجَتِهِ جَازَ صَرْفُهُ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ غَرْسُ شَجَرَةٍ فِي الْمَسْجِدِ،   [المبدع في شرح المقنع] عَرْصَتِهِ، وَتَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِمَامِ، (وَعَنْهُ: لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ) ، نَقَلَهَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا (لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ) ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ، لَكِنْ نَقَلَ جَعْفَرٌ فِيمَنْ جَعَلَ خَانًا فِي السَّبِيلِ وَبَنَى بِجَنْبِهِ مَسْجِدًا فَضَاقَ، أَيُزَادُ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: لَا، قِيلَ: فَإِنَّهُ تُرِكَ لَيْسَ يُنْزَلُ فِيهِ، فَقَدْ عُطِّلَ، قَالَ: يُتْرَكُ عَلَى مَا صُيِّرَ إِلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ مَعَ إِمْكَانِ عِمَارَتِهِ، قَالَهُ فِي " الْفُنُونِ "، وَإِنَّ جَمَاعَةً أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ وَغَلَّطَهُمْ. [بَيْعُ بَعْضِ آلَةِ الْوَقْفِ وَصَرْفِهَا فِي عِمَارَتِهِ] (وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ آلَتِهِ وَصَرْفُهَا فِي عِمَارَتِهِ) نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: إِذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ خَشَبَتَانِ لَهُمَا قِيمَةٌ تَشَعَّثَ وَخَافُوا سُقُوطَهُ جَازَ بَيْعُهُمَا وَصَرْفُ ثَمَنِهِمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ بَيْعُ الْكُلِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَبَيْعُ بَعْضِهِ مَعَ بَقَاءِ الْبَعْضِ أَوْلَى، وَقَاسَهُ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى بَيْعِ بَعْضِ الْفَرَسِ الْحَبِيسِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَيَجُوزُ نَقْضُ مَنَارَتِهِ، وَبِنَاءُ حَائِطِهِ بِهَا لِتَحْصِينِهِ مِنَ الْكِلَابِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لِلْمَصْلَحَةِ. (وَمَا فَضُلَ مِنْ حُصُرِهِ وَزَيْتِهِ) وَقَصَبِهِ، وَنَفَقَتِهِ. وَعِبَارَةُ " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ ": وَمَا فَضُلَ عَنْ حَاجَتِهِ وَهِيَ أَوْلَى (عَنْ حَاجَتِهِ جَازَ صَرْفُهُ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ) ، قَالَهُ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ فِي جِنْسِ مَا وُقِفَ لَهُ، فَكَانَ مَصْرُوفًا لَهُ فِي مِثْلِهِ، وَكَالْهَدْيِ (وَالصَّدَقَةِ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ) ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ الْحَجْبِيَّ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِخُلْقَانِ الْكَعْبَةِ، وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَائِشَةَ أَمَرَتْهُ بِذَلِكَ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ انْتَشَرَتْ وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَبْقَ لَهُ مَصْرِفٌ، فَصُرِفَ إِلَى الْمَسَاكِينِ، وَلِأَنَّ نَفْعَ الْمَسْجِدِ عَامٌّ، وَالْفُقَرَاءُ كَذَلِكَ، وَخَصَّهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ بِفُقَرَاءِ جِيرَانِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِمَعْرُوفِهِ، وَعَنْهُ: لَا يُصْرَفُ لَهُمَا، وَعَنْهُ: بَلَى لِمِثْلِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ أَيْضًا: وَفِي سَائِرِ الْمَصَالِحِ وَبِنَاءِ مَسَاكِنَ لِمُسْتَحِقِّ رَيْعِهِ الْقَائِمِ بِمَصْلَحَتِهِ، قَالَ: وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ رَيْعَهُ يَفْضُلُ عَنْهُ دَائِمًا وَجَبَ صَرْفُهُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فَسَادٌ، وَإِعْطَاؤُهُ فَوْقَ مَا قَدَّرَهُ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 فَإِنْ كَانَتْ مَغْرُوسَةً فِيهِ جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ حَاجَةٌ إِلَى ثَمَنِهَا، فَإِنِ احْتَاجَ ذَلِكَ صُرِفَ ذلك فِي عِمَارَتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] كَغَيْرِ مَسْجِدِهِ، وَقَالَ: وَمِثْلُهُ وَقْفُ غَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّاظِرِ صَرْفُ الْفَاضِلِ. فَرْعٌ: فَضْلُ غَلَّةِ مَوْقُوفٍ عَلَى مُعَيَّنٍ اسْتِحْقَاقُهُ مُقَدَّرٌ يَتَعَيَّنُ إِرْصَادُهُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَالْحَارِثِيُّ، وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى قَنْطَرَةٍ فَانْحَرَفَ الْمَاءُ: يُرْصَدُ، لَعَلَّهُ يَرْجِعُ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى ثَغْرٍ فَاخْتَلَّ صَرَفَ فِي ثَغْرٍ مِثْلِهِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ مَسْجِدٌ وَرِبَاطٌ وَنَحْوُهُمَا. (وَلَا يَجُوزُ غَرْسُ شَجَرَةٍ فِي الْمَسْجِدِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: تُقْلَعُ غَرْسَتُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَمْ يُبْنَ لِذَلِكَ، إِنَّمَا بُنِيَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِمَا يَحْصُلُ بِهَا مِنَ الْأَذَى، وَفِي " الْإِرْشَادِ " وَ " الْمُبْهِجِ " يُكْرَهُ غَرْسُهَا فِيهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ إِنْ لَمْ يَضِقْ، وَإِلَّا حَرُمَ، فَإِنْ غُرِسَتْ فِيهِ وَأَثْمَرَتْ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ الْأَكْلَ مِنْهَا، وَقِيلَ: تُبَاحُ لِفُقَرَاءِ الدَّرْبِ، وَقِيلَ: مَعَ غِنَى الْمَسْجِدِ عَنْهَا، وَظَاهِرُ النَّصِّ وَ " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ قَلْعُهَا بِوَاحِدٍ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لِلْإِمَامِ (فَإِنْ كَانَتْ مَغْرُوسَةً) بِأَنْ وَقَفَ وَهِيَ (فِيهِ) ، فَإِنْ عَيَّنَ مَصْرِفَهَا اتُّبِعَ، وَإِلَّا صَارَتْ كَالْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ - (جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْمَسْجِدِ وَهُوَ لِكُلٍّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَكَذَا الْأَكْلُ مِنْهَا، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلٌ. (قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ حَاجَةٌ إِلَى ثَمَنِهَا) اقْتَصَرَ فِي " الْمُحَرَّرِ " عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْمَسْجِدِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهِ، (فَإِنِ احْتَاجَ ذَلِكَ صُرِفَ فِي عِمَارَتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا، وَقَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ تَقْيِيدٌ لِمَا أُطْلِقَ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ، فَإِنْ فَضَلَ فَلِجَارِهِ كُلُّهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لِلْفَقِيرِ مِنْهُمْ. فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ حَفْرُ بِئْرٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يُغَطَّى بِالْمُغْتَسَلِ؛ لِأَنَّهُ لِلْمَوْتَى، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّهَا تَطِمُّ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَكْرَهْ حَفْرَهَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى إِنْ كَرِهَ الْوُضُوءَ فِيهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا غَرَسَ النَّاظِرُ أَوْ بَنَى فِيهِ فَهُوَ لَهُ إِنْ أَشْهَدْ، وَإِلَّا لِلْوَقْفِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِي أَجْنَبِيٍّ لِلْوَقْفِ بِنِيَّتِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَدُ الْوَاقِفِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِهِ مَا لَمْ تَأْتِ حُجَّةٌ يُدْفَعُ مُوجِبُهَا كَمَعْرِفَةِ كَوْنِ الْغَارِسِ غَرَسَهَا بِمَالِهِ بِحُكْمِ إِجَارَةٍ، أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 بَابُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَهِيَ تَمْلِيكٌ فِي حَيَاتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنْ شَرَطَ فِيهَا عِوَضًا مَعْلُومًا صَارَتْ   [المبدع في شرح المقنع] إِعَارَةٍ، أَوْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، فَلَيْسَ لَهُ دَعْوَى الْبِنَاءِ بِلَا حُجَّةٍ، وَيَدُ أَهْلِ الْعَرْصَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ثَابِتَةٌ عَلَى مَا فِيهَا بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ، إِلَّا مَعَ بَيِّنَةٍ بِاخْتِصَاصِهِ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ. [بَابُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ] [تَعْرِيفُ الْهِبَةِ] بَابُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ أَصْلُهَا مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ أَيْ مُرُورِهِ، يُقَالُ: وَهَبْتُ لَهُ شَيْئًا وَهْبًا - بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا - وَهِبَةً، وَالِاسْمُ الْمَوْهِبُ، وَالْمَوْهِبَةُ، بِكَسْرِ الْهَاءِ فِيهِمَا، وَالِاتِّهَابِ: قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالِاسْتِيهَابُ سُؤَالُ الْهِبَةِ، وَتَوَاهَبَ الْقَوْمُ أَيْ وَهَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَوَهَبْتُهُ كَذَا، لُغَةٌ قَلِيلَةٌ. وَالْعَطِيَّةُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ الشَّيْءُ الْمُعْطَى، وَالْجَمْعُ الْعَطَايَا، وَالْعَطِيَّةُ هُنَا الْهِبَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَذَكَرَ الْهِبَةَ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَأَحْكَامَهَا، قَالَهُ فِي " الْمَطْلَعِ ". (وَهِيَ تَمْلِيكٌ فِي حَيَاتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) ، فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ مَا لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ كَالْعَرِيَّةِ، فَإِنَّهَا إِبَاحَةٌ، وَبِالثَّانِي الْوَصِيَّةُ، وَبِالثَّالِثِ عُقُودُ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَهُ الْمَعْلُومُ الْمَوْجُودُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " بِمَا يُعَدُّ هِبَةً عُرْفًا، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (وَإِنْ شَرَطَ فِيهَا عِوَضًا مَعْلُومًا) صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَصَارَتْ بَيْعًا) ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ وَالشُّفْعَةُ، وَحُكِيَ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا أَنَّهَا تَصِحُّ بِقِيمَتِهَا، فَعَلَيْهِ يَلْغُو الثَّوَابُ الْمَشْرُوطُ، وَيَرْجِعُ إِلَى قِيمَتِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ إِذَا جَعَلَ الثَّوَابَ مَجْهُولًا، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي " الْفَائِقِ "، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْهِبَةِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا وَلِنَفْيِ الثَّمَنِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ، فَصَحَّ كَغَيْرِهِ (وَعَنْهُ: يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْهِبَةِ) ، ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ لَفْظَهَا الصَّرِيحَ، فَكَانَ الْمُغَلَّبُ فِيهَا الْهِبَةَ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْرُطْ عِوَضًا، وَحِينَئِذٍ لَا يَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْهِبَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَقْتَضِي عِوَضًا سَوَاءٌ كَانَتْ لِمَثَلِهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَعَلَا مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: هِيَ مِنَ الْأَدْنَى تَقْتَضِي عِوَضًا هُوَ الْقِيمَةُ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: مَنْ وَهَبَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 بَيْعًا، وَعَنْهُ: يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْهِبَةِ، وَإِنْ شَرَطَ ثَوَابًا مَجْهُولًا لَمْ تَصِحَّ، وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يُرْضِيهِ بِشَيْءٍ، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يَرْضَ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا أَوْ فِي عِوَضِهَا إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] هِبَةً أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ، فَلَمْ يَقْتَضِ ثَوَابًا كَهِبَةِ الْمِثْلِ وَالْوَصِيَّةِ، أَوْ قَوْلِ عُمَرَ خَالَفَهُ ابْنُهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: يَقْتَضِي عِوَضًا مَعَ عُرْفٍ، فَلَوْ أَعْطَاهُ لِيُعَاوِضَهُ، أَوْ لِيَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً فَلَمْ يَفِ فَكَالشَّرْطِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ لَوْ عَوَّضَهُ عَنِ الْهِبَةِ كَانَتْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لَا عِوَضًا، أَيُّهُمَا أَصَابَ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ خَرَجَتْ مُسْتَحِقَّةٌ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يَرْجِعِ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِبَدَلِهَا. [شَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولًا فِي الْهِبَةِ] (وَإِنْ شَرَطَ ثَوَابًا) أَيْ عِوَضًا (مَجْهُولًا لَمْ تَصِحَّ) الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَجْهُولٌ فِي مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ، وَحِينَئِذٍ حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَيَرُدُّهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِزِيَادَتِهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِ الْوَاهِبِ، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً رَدَّ قِيمَتَهَا (وَعَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: يُرْضِيهِ بِشَيْءٍ) ، أَيْ هُوَ صَحِيحٌ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ، فَإِذَا أَعْطَاهُ عَنْهَا عِوَضًا رَضِيَهُ لَزِمَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلِأَنْ تَصِحَّ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ مِنْ بَابِ أَوْلَى. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: هَذَا لَكَ عَلَى أَنْ تُثِيبَنِي فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِذَا لَمْ يُثِبْهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ، وَنَصَّ عَلَى مَعْنَاهُ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنَّ يُكَافِئَهُ بِالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ (فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يَرْضَ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا أَوْ فِي عِوَضِهَا إِنْ كَانَتْ تَالِفَةً) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاسِدٌ، فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْعَيْنِ إِذَا تَلِفَتْ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَقِيلَ: يُعْطِيهِ قَدْرَ قِيمَتِهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ فَيُعْتَبَرُ التَّرَاضِي، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْعَيْنِ مَعَ بَقَائِهَا مُطْلَقًا، لَكِنْ إِنْ تَغَيَّرَتْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ وَلَمْ يُثِبْهُ مِنْهَا، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَرَى عَلَيْهِ نُقْصَانَ مَا نَقَصَ عِنْدَهُ إِذَا رَدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا لَبِسَهُ، أَوْ جَارِيَةً اسْتَخْدَمَهَا، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ إِذَا نَقَصَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالرَّهْنِ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى رَبُّهَا شَرْطَ الْعِوَضِ، أَوْ قَالَ: رَهَنْتَنِي مَا بِيَدِي، فَقَالَ: بَلْ بِعْتُكَهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 كَانَتْ تَالِفَةً وَتَحْصُلُ الْهِبَةُ بِمَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ هِبَةً مِنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْمُعَاطَاةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ   [المبدع في شرح المقنع] فَأَيُّهُمَا يُصَدَّقُ إِذَا حَلَفَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَجَزَمَ فِي " الْكَافِي " فِي الْأُولَى أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. [مَا تَحْصُلُ بِهِ الْهِبَةُ] (وَتَحْصُلُ الْهِبَةُ بِمَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ هِبَةً مِنَ الْإِيجَابِ) بِأَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُكَ، وَأَهْدَيْتُ إِلَيْكَ، وَأَعْطَيْتُكَ، وَنَحْوَهُ كَهَذَا لَكَ، (وَالْقَبُولُ) بِأَنْ يَقُولَ: قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، (وَالْمُعَاطَاةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا) ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُهْدِي وَيُهْدَى إِلَيْهِ، وَيُعْطِي وَيُعْطَى، وَيُفَرِّقُ الصَّدَقَاتِ، وَيَأْمُرُ سُعَاتَهُ بِأَخْذِهَا وَتَفْرِيقِهَا، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ إِيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَنُقِلَ عَنْهُمْ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا أَوْ مُشْتَهِرًا، وَكَالْبَيْعِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ، وَسَوَاءٌ وُجِدَ قَبْضٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ تَمْلِيكٍ، فَافْتَقَرَ إِلَى ذَلِكَ كَالنِّكَاحِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْمُغْنِي " أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَالْعَفْوِ، وَالتَّمْلِيكِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " فِي عَفْوٍ وَجْهَانِ، وَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ دَالٌّ عَلَى خِلَافِهِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَعَدَمِ الْعُرْفِ؛ وَلِأَنَّهُ يَكْتَفِي بِهَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ، فَالْهِبَةُ أَوْلَى، وَالنِّكَاحُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَقَعُ إِلَّا قَلِيلًا، فَلَا يَشُقُّ فِيهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، (وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ) بِإِذْنِ وَاهِبٍ بِلَا شُبْهَةٍ؛ لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَحَلَهَا جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْعَالِيَةِ، فَلَمَّا مَرِضَ قَالَ: يَا بُنَيَّةُ كُنْتُ نَحَلْتُكِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا، وَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، فَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا؛ وَلِأَنَّهَا هِبَةٌ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ، فَلَمْ تَلْزَمْ كَالطَّعَامِ الْمَأْذُونِ فِي أَكْلِهِ (وَعَنْهُ: تَلْزَمُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) وَالْمَعْدُودِ وَالْمَزْرُوعِ (بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ) ، أَيْ إِذَا كَانَ مُتَمَيِّزًا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ الْمَذْهَبُ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ، وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ إِلَّا مَا كَانَ فِي يَدِ الْمُتَّهَبِ فَيَكْفِي   [المبدع في شرح المقنع] يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَلِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْوَقْفِ وَالْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالْوَصِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ يَنْقُلُ الْمِلْكَ، فَلَمْ يَقِفْ لُزُومُهُ عَلَى الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ، وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ عِشْرِينَ وَسْقًا مَجْدُودَةً، فَيَكُونُ مَكِيلًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ فِيهِ قَبْلَ تَعْيِينِهِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَعَدْتُكَ بِالنِّحْلَةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَأَجَابُوا عَنِ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْعِتْقِ بِالْفَرْقِ، فَإِنَّ الْوَقْفَ إِخْرَاجُ مِلْكٍ لِلَّهِ تَعَالَى، فَخَالَفَ التَّمْلِيكَاتِ، وَالْوَصِيَّةُ تَلْزَمُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ، وَالْعِتْقُ إِسْقَاطُ حَقٍّ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، وَإِذَا قُلْنَا: الْهِبَةُ تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ بِمُجْرَدِهِ فَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَاهِبِ انْقَطَعَ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِ مِلْكِهِ، وَلَيْسَتْ فِي ضَمَانِهِ، وَلَا مَحْذُورَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا بِوَجْهٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْهِبَةَ حَيْثُ افْتَقَرَتْ إِلَى الْقَبْضِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِالْعَقْدِ، وَاخْتَارَ الْخِرَقِيُّ وَجَمْعٌ عَكْسَهُ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: اتَّفَقَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيُّ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا مَقْبُوضَةً، وَالْأَشْهَرُ الْأَوَّلُ، وَهَلْ يَمْلِكُهَا بِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ النَّمَاءُ، قَالَ جَمَاعَةٌ: إِنِ اتَّصَلَ الْقَبْضُ. (وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ) إِذَا قِيلَ يُلْزَمُ بِهِ (إِلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ) ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ إِلَّا بِإِذْنِهِ كَأَصْلِ الْعَقْدِ وَكَالرَّهْنِ (إِلَّا مَا كَانَ فِي يَدِ الْمُتَّهَبِ) كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ (فَيَكْفِي مُضِيُّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهِ) ، هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ، فَلَا مَعْنَى لِتَجْدِيدِ الْإِذْنِ فِيهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنَجَّا إِنَّهُ الْمَذْهَبُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّهَا تَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَأَتَّى فِيهَا الْقَبْضُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ مُسْتَدَامٌ فَأَغْنَى عَنْ الِابْتِدَاءِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً، وَيُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ الرُّجُوعُ وَالنَّمَاءُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْمُتَّهَبِ إِذَا قُبِضَ مَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ، وَقِيلَ: لِلْوَاهِبِ، وَهُوَ أَقْيَسُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إِذَا أَذِنَ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ رَجَعَ عَنِ الْإِذْنِ أَوْ فِي الْهِبَةِ صَحَّ رُجُوعُهُ (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَأْذَنَ فِي الْقَبْضِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 مُضِيُّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهِ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَأْذَنَ فِي الْقَبْضِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْإِذْنِ وَالرُّجُوعِ، وَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَإِنَّ رَدَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلْهُ وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ وَهِبَةُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْإِذْنِ وَالرُّجُوعِ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَآلُهُ إِلَى اللُّزُومِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَكَمَا لَوْ مَاتَ الْمُتَّهَبُ بَعْدَ الْقَبُولِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " إِنَّهَا تَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَبَطَلَ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، كَالْوِكَالَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ وَرَثَةَ الْمُتَّهَبِ لَا تَقُومُ مَقَامَهُ بَلْ تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِمَوْتِهِ فِي الْأَصَحِّ. فَرْعٌ: يَقْبِضُ أَبٌ لِطِفْلٍ مِنْ نَفْسِهِ، وَالْأَصَحُّ لَا يَحْتَاجُ قَبُولًا وَيُقْبَلُ وَيَقْبِضُ لِلطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ وَلِيُّهُمَا، وَقِيلَ: وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَقُومُ بِمَصْلَحَتِهِمَا إِذَا عُدِمَ، وَأَمِينُ الْحَاكِمِ كَهُوَ. أَصْلٌ: يَصِحُّ قَبْضُ الْمُمَيِّزِ وَقَبُولُهُ بِلَا إِذْنِ وَلَيِّهِ، وَقِيلَ: يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ قَبْضِهِ فَقَطْ عَلَى إِذْنِهِ، وَلَا يَصِحُّ هِبَةٌ مِنْ صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا، وَتَصِحُّ الْهِبَةُ مِنَ الْعَبْدِ، وَقِيلَ: بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَمَا اتَّهَبَهُ عَبْدٌ غَيْرُ مُكَاتَبٍ وَقَبِلَهُ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، وَيَصِحُّ قَبُولُهُ بِلَا إِذْنِ سَيِّدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ قَبِلَهُ وَقُلْنَا: يَمْلِكُهُ، فَهُوَ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ، وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ". (وَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ) وَلَوِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَبْلَ حُلُولِهِ خِلَافًا لِلْحُلْوَانِيِّ وَغَيْرِهِ (أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ) أَوْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ، أَوْ تَرَكَهُ، أَوْ مَلَّكَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، أَوْ عَفَا عَنْهُ - (بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَإِنْ رَدَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلْهُ) فِي الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ إِسْقَاطُ حَقٍّ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى الْقَبُولِ كَالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ، وَالشُّفْعَةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ هِبَةَ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " فِي إِبْرَائِهَا لَهُ مِنَ الْمَهْرِ هَلْ هُوَ إِسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ؟ فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ احْتِمَالٌ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ صَحَّ اعْتُبِرَ قَبُولُهُ، وَفِي " الْمُوجَزِ " وَ " الْإِيضَاحِ " لَا تَصِحُّ هِبَةٌ إِلَّا فِي مُعَيَّنٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَإِنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ فَأَبْرَأَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ، وَعَلَى النَّصِّ يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ الْمُبْرَأُ مِنْهُ مَجْهُولًا، وَفِيهِ خِلَافٌ، لَكِنْ لَوْ جَهِلَهُ رَبُّهُ وَكَتَمَهُ الْمَدِينُ خَوْفًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ لَمْ يُبْرِهِ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ، وَمِنْ صُوَرِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْمَجْهُولِ لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا، وَيُؤْخَذُ بِالْبَيَانِ، وَالْمَذْهَبُ: لَا يَصِحُّ مَعَ إِبْهَامِ الْمَحَلِّ كَأَبْرَأْتُ أَحَدَ غَرِيمَيِّ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ مِائَةٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ وَكَانَتْ عَلَيْهِ، فَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 كُلِّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَا يَجُوزُ   [المبدع في شرح المقنع] صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ وَجْهَانِ، أَصْلُهُمَا مَا لَوْ بَاعَ مَالًا كَانَ لِمُوَرِّثِهِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ بَاقٍ لِمُوَرِّثِهِ، وَكَانَ قَدْ مَاتَ وَانْتَقَلَ إِلَيْهِ. [هِبَةُ الْمُشَاعِ] (وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ) ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ وَفْدَ هَوَازِنَ لَمَّا جَاءُوا يَطْلُبُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَا غَنِمَ مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ» ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَ قِسْمَتُهُ أَوْ لَا، لَكِنْ يُعْتَبَرُ لِقَبْضِهِ إِذْنُ الشَّرِيكِ، قَالَهُ فِي " الْمُجَرَّدِ "، فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا، وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةً، وَقَالَ فِي " الْفُنُونِ " بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " مَنِ اتُّهِبَ مُبْهَمًا أَوْ مُشَاعًا مِنْ مَنْقُولٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ فِي الْقَبْضِ - كَانَ سَهْمُهُ أَمَانَةً مَعَ الْمُتَّهَبِ، أَوْ يُوَكِّلُ الْمُتَّهَبُ شَرِيكَهُ فِي قَبْضِ سَهْمِهِ مِنْهُ، وَيَكُونُ بِيَدِهِ أَمَانَةً، وَإِنْ تَنَازَعَا قَبَضَ لَهُمَا وَكِيلُهُمَا أَوْ أَمِينُ الْحَاكِمِ، وَالْأَشْهَرُ إِنْ أُذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ مَجَّانًا فَكَعَارِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ فَكَمَأْجُورٍ (وَ) تَصِحُّ (هِبَةُ كُلِّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ فَصَحَّ كَالْبَيْعِ، وَظَاهِرُهُ أَنْ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ، وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ أَوْجُهٌ، وَفِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَجْهَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْوَجِيزِ " تَصِحُّ هِبَتُهُ، وَنَجَاسَةٌ يُبَاحُ نَفْعُهَا كَالْوَصِيَّةِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ أَهْدَى إِلَى رَجُلٍ كَلْبَ صَيْدٍ تُرَى لَهُ أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهِ؛ قَالَ: هَذَا خِلَافُ الثَّمَنِ، هَذَا عِوَضٌ مِنْ شَيْءٍ، فَأَمَّا الثَّمَنُ فَلَا. [هِبَةُ الْمَجْهُولِ] (وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ) كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَحَرْبٍ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ، فَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمَجْهُولِ، كَالْبَيْعِ وَشَرْطِهِ، إِلَّا مَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ كَالصُّلْحِ، صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إِنْ كَانَ مِنَ الْوَاهِبِ دُونَ الْمُتَّهَبِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَعْدُومِ، كَالَّتِي تَحْمِلُ أَمَتُهُ أَوْ شَجَرَتُهُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى. (وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) كَالْآبِقِ، وَالشَّارِدِ، وَالْمَغْصُوبِ لِغَيْرِ غَاصِبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبْضِ أَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا وَهَبَهُ لِغَاصِبِهِ أَوْ لِمَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ صَحَّ؛ لِإِمْكَانِ قَبْضِهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ الْقَبْضُ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، فَإِنْ وَكَّلَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ فِي تَقْبِيضِهِ صَحَّ، وَإِنْ وَكَّلَ الْمُتَّهَبُ الْغَاصِبَ فِي الْقَبْضِ لَهُ، فَقَبِلَ، وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ، وَشَرْطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا نَجِدُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا، وَلَا تَوْقِيتُهَا كَقَوْلِهِ: وَهَبْتُكَ هَذَا سَنَةً إِلَّا فِي الْعُمْرَى، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] قَبْضُهُ فِيهِ صَارَ مَقْبُوضًا، وَمَلَكَهُ الْمُتَّهَبُ، وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: تَصِحُّ هِبَةُ غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ كَالْوَصِيَّةِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ هِبَةُ مَعْدُومٍ غَيْرِهِ. [تَعْلِيقُ الْهِبَةِ عَلَى شَرْطٍ] (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ) ، جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِمُعَيَّنٍ فِي الْحَيَاةِ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ كَالْبَيْعِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنْ رَجَعَتْ هَدِيَّتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ فَهِيَ لَكَ» ، وَعْدٌ لَا هِبَةٌ، وَاسْتَثْنَى فِي " الْفُرُوعِ " وَسَبَقَهُ إِلَيْهِ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاضِي غَيْرَ الْمَوْتِ، أَيْ مَوْتِ الْمُبْرِئِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ قَالَ: إِنْ مُتُّ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ تَمْلِيكًا فَكَتَعْلِيقِ الْهِبَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ: هُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ، وَالتَّعْلِيقُ مَشْرُوعٌ فِي الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ فَقَطْ، فَإِنْ ضَمَّ التَّاءَ فَوَصِيَّةٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ جَعَلَ رَجُلًا فِي حِلٍّ مِنْ عَيْبِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعُودَ، قَالَ: مَا أَحْسَنَ الشَّرْطَ، فَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ، وَذَكَرَ الْحُلْوَانِيُّ صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ، وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ الْمَذْكُورِ. (وَلَا شَرْطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا نَحْوُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا) ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهَا، أَوْ يَهَبَهَا، أَوْ يَهَبَ فُلَانًا شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا الْهِبَةُ، وَفِيهَا وَجْهُ بِنَاءٍ عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ وَهَبَ أَمَةً، وَاسْتَثْنَى حَمْلَهَا صَحَّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الْعِتْقِ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ (وَلَا تَوْقِيتُهَا) خِلَافًا لِلْحَارِثِ (كَقَوْلِهِ: وَهَبْتُكَ هَذَا سَنَةً) ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِانْتِهَاءِ الْهِبَةِ، وَقِيلَ: يَلْغُو تَوْقِيتُهُ. وَتَصِحُّ الْهِبَةُ مُطْلَقًا (إِلَّا فِي الْعُمْرَى) وَالرُّقْبَى، فَإِنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنَ الْهِبَةِ، وَيَصِحُّ تَوْقِيتُهُمَا، سُمِّيَتْ عُمْرَى لِتَقْيِيدِهَا بِالْعُمْرِ، وَسُمِّيَتْ رُقْبَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ) أَوْ أَعْطَيْتُكَ (أَوْ أَرْقَبْتُكَهَا) قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: أَرْقَبْتُكَ أَوْ أَعْطَيْتُكَ، وَهِيَ هِبَةٌ تَرْجِعُ إِلَى الْمِرْقِبِ إِنْ مَاتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 أَرْقَبْتُكَهَا، أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ أَوْ حَيَاتَكَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَتَكُونُ لِلْمُعْمَرِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْمِرْقَبُ، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ، وَالْفَاعِلُ مِنْهُمَا مُعْمَرٌ، وَمِرْقِبٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْقَافِ - وَالْمَفْعُولُ بِفَتْحِهِمَا، وَقَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: يُقَالُ: أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ أَيْ جَعَلْتُهَا لَهُ يَسْكُنُهَا مُدَّةَ عُمْرِهِ فَإِذَا مَاتَ عَادَتْ إِلَيَّ، كَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَبْطَلَ ذَلِكَ الشَّرْعُ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ (أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ) أَوْ عُمْرِي (أَوْ حَيَاتَكَ) أَوْ مَا بَقِيتُ (فَإِنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ وَهُوَ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى (يَصِحُّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ ضِدُّهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا» ، هَذَا نَهْيٌ وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَجَوَابُهُ مَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا، وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّهْيُ وَرَدَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَامِ لَهُمْ أَنَّكُمْ إِنْ أَعْمَرْتُمْ أَوْ أَرْقَبْتُمْ نَفَذَ لِلْمُعْمَرِ وَالْمِرْقِبِ وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِمَنْ أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، وَلِعَقِبِهِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ حَقِيقَةً لَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ كَطَلَاقِ الْحَائِضِ، وَصِحَّةُ الْعُمْرَى ضَرَرٌ عَلَى الْمُعْمَرِ، فَإِنْ مِلْكَهُ يَزُولُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، (وَتَكُونُ لِلْمُعْمَرِ) - بِفْتَحِ الْمِيمِ - مِلْكًا فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ ". (وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) ؛ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ» ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ الْمُسْتَقِرَّةَ كُلَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِحَيَاةِ الْمَالِكِ، وَتَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ، فَلَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُهُ بِحَيَاتِهِ مُنَافِيًا لِحُكْمِ الْأَمْلَاكِ، فَإِنْ عُدِمُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ دُونَ رَبِّهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَضَافَهَا إِلَى عُمْرِ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَعَنْهُ: يَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 بَعْدِهِ، وَإِنْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إِلَى الْمُعْمَرِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَالَ: هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا - صَحَّ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُعْمِرِ، وَقَالَهُ اللَّيْثُ، لِقَوْلِ جَابِرٍ: إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ، أَمَّا إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، مَعَ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ قَضَى بِهَا طَارِقٌ بِالْمَدِينَةِ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، لَا يَضُرُّ إِذَا نَقَلَهَا الشَّارِعُ إِلَى تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ كَالْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، أَمَّا لَوْ قَالَ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ وَلِعَقِبِكَ فَلَا خِلَافَ عِنْدِنَا فِي الصِّحَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي " الْكَافِي " وَذِكْرُ الْعَقِبِ تَأْكِيدٌ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِالْعَقَارِ، بَلْ يَجْرِي فِيهِ وَفِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ، نَقَلَ يَعْقُوبُ وَابْنُ هَانِئٍ مَنْ يُعْمَرُ الْجَارِيَةَ أَيْضًا؟ قَالَ: لَا أَرَاهُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْوَرَعِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهَا تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ، وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا أُعْمِرَ فَرَسًا حَيَاتَهُ، فَخَاصَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ» ، وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا يَمْلِكُ الشَّيْءَ عُمْرَهُ، فَقَدْ وَقَّتَهُ بِمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَالْمُطْلَقِ. (وَإِنْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إِلَى الْمُعْمَرِ عِنْدَ مَوْتِهِ) إِنْ مَاتَ قَبْلَهُ، أَوْ إِلَى غَيْرِهِ، وَتُسَمَّى الرُّقْبَى، أَوْ رُجُوعُهَا مُطْلَقًا إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ (أَوْ قَالَ: هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا، صَحَّ الشَّرْطُ) كَالْعَقْدِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . قَالَ الْقَاسِمُ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا عَلَى شُرُوطِهِمْ، وَحِينَئِذٍ يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ) الشَّرْطُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَا عُمْرَى وَلَا رُقْبَى، فَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ» ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إِبْطَالِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الرُّقْبَى يُشْتَرَطُ فِيهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 الشَّرْطُ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ، وَتَكُونُ لِلْمُعْمَرِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدُ. فَصْلٌ وَالْمَشْرُوعُ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ، فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ   [المبدع في شرح المقنع] عُودُهَا إِلَى الْمَرْقَبِ إِنْ مَاتَ الْآخَرُ قَبْلَهُ (وَتَكُونُ لِلْمُعْمَرِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ» ، وَعَنْهُ: بُطْلَانُهُمَا كَالْبَيْعِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: سَكَّنَّاهُ لَكَ عُمْرَكَ، أَوْ غَلَّتُهُ، أَوْ خِدْمَتُهُ لَكَ، أَوْ مَنَحْتُكَهُ - فَهُوَ عَارِيَةٌ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ هِبَةُ الْمَنَافِعِ، وَالْمَنَافِعُ إِنَّمَا تُسْتَوْفَى بِمُضِيِّ الزَّمَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا وَهَبَ أَوْ بَاعَ فَاسِدًا ثُمَّ تَصَرَّفَ فِي الْعَيْنِ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ مَعَ عِلْمِهِ بِفَسَادِ الْأَوَّلِ صَحَّ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَالِمًا بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَإِنِ اعْتَقَدَ صِحَّةَ الْأَوَّلِ فَفِي الثَّانِي وَجْهَانِ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي عَيْنٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا لِأَبِيهِ فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَمَلَكَهَا. قَالَ الْقَاضِي: أَصْلُهُمَا: مَنْ بَاشَرَ بِالطَّلَاقِ امْرَأَةً يَعْتَقِدُهَا أَجْنَبِيَّةً فَبَانَتِ امْرَأَتُهُ، أَوْ بَاشَرَ بِالْعِتْقِ مَنْ يَعْتَقِدُهَا حُرَّةً فَبَانَتْ أَمَتُهُ، فَفِي وُقُوعِهِمَا رِوَايَتَانِ. [فَصْلٌ: الْمَشْرُوعُ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ: الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ] فَصْلٌ (وَالْمَشْرُوعُ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ) أَيْ يَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ اقْتِدَاءً بِقِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيَاسًا لِحَالِ الْحَيَاةِ عَلَى حَالِ الْمَوْتِ، قَالَ عَطَاءٌ: مَا كَانُوا يَقْتَسِمُونَ إِلَّا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، وَإِسْحَاقُ، وَقِيلَ: لِصُلْبِهِ، وَذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ، لَا وَلَدَ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ لِلْحَقِيقَةِ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ ذَكَرٌ كَأُنْثَى، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ: «سَوِّ بَيْنَهُمْ» ، وَكَالنَّفَقَةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الذَّكَرَ أَحْوَجُ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّدَاقَ وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِهَا، وَحَدِيثُ بَشِيرٍ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، وَحِكَايَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا إِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا فِي مِثْلِهَا، وَلَا يُعْلَمُ حَالُ أَوْلَادِ بَشِيرٍ هَلْ كَانَ فِيهِمْ أُنْثَى أَوْ لَا، ثُمَّ تُحْمَلُ التَّسْوِيَةُ عَلَى الْقِسْمَةِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 أَوْ فَضَّلَهُ فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ أَوْ إِعْطَاءِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوُوا، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ   [المبدع في شرح المقنع] تَعَالَى، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّسْوِيَةَ فِي أَصْلِ الْعَطَاءِ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي النَّفَقَةِ كَشَيْءٍ تَافِهٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: كَشَيْءٍ يَسِيرٍ، وَعَنْهُ: بَلَى، مَعَ تَسَاوِي فَقْرٍ أَوْ غِنًى، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ فِي طَعَامٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْقُبَلِ، فَدَخَلَ فِيهِ نَظَرُ وَقْفٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعْدِيلُ بَيْنَ غَيْرِهِمْ، بَلْ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْأَوْلَادِ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي كُتُبِهِ، وَزَعَمَ الْحَارِثِيُّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَأَنَّ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ سَهْوٌ؛ إِذِ الْأَصْلُ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي مَالِهِ كَيْفَ شَاءَ، خَرَجَ مِنْهُ الْأَوْلَادُ لِلْخَبَرِ، مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَسْأَلْ بَشِيرًا هَلْ لَكَ وَارِثٌ غَيْرُ وَلَدِكَ أَمْ لَا؟ وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَقَارِبِ كَالْأَوْلَادِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ خَوْفُ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالتَّبَاغُضِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَقَارِبِ، وَالْأُمُّ كَالْأَبِ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ أَشْبَهَتِ الْأَبَ، وَلِوُجُودِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ (فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ أَوْ فَضَّلَهُ فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ أَوْ إِعْطَاءِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوُوا) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ؛ لِمَا «رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ عَلَيْهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ أَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشْهِدَهُ، فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ، وَفِي لَفْظٍ: فَارْدُدْهُ، وَفِي لَفْظٍ: فَأَرْجِعُهُ، وَفِي لَفْظٍ: لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ، وَفِي لَفْظٍ: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، وَفِي لَفْظٍ: سَوِّ بَيْنَهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّاهُ جَوْرًا أَوْ أَمَرَ بَرَدِّهِ، وَامْتَنَعَ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَوْرَ حَرَامٌ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَهُوَ يُورِثُ الْعَدَاوَةَ، وَالْبَغْضَاءَ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، فَمَنَعَ مِنْهُ، كَتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَفْضِيلُ أَحَدِهِمْ، وَاخْتِصَاصُهُ لِمَعْنًى فِيهِ، وَيُكْرَهُ إِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْأَثَرَةِ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقَالَ اللَّيْثُ وَالثَّلَاثَةُ: يَجُوزُ ذَلِكَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَحَلَ عَائِشَةَ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا دُونَ سَائِرِ وَلَدِهِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ: أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، فَأَمَرَهُ بِتَأْكِيدِهَا دُونَ الرُّجُوعِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ تَلْزَمُ بِمَوْتِ الْمُعْطِي كَالتَّسْوِيَةِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ فِعْلَ أَبِي بَكْرٍ لَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ، وَبِأَنَّهُ نَحَلَهَا لِمَعْنًى فِيهَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَوْلَادِهِ، أَوْ كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 ذَلِكَ ثَبَتَ لِلْمُعْطَى، وَعَنْهُ: لَا يَثْبُتُ، وَلِلْبَاقِينَ الرُّجُوعُ، اخْتَارَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ،   [المبدع في شرح المقنع] قَاصِدًا بِأَنْ يَنْحَلَّ غَيْرَهَا فَأَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: أَشْهِدْ، إِلَى آخِرِهِ لَيْسَ بِأَمْرٍ؛ لِأَنَّ أَدْنَى أَحْوَالِهِ الِاسْتِحْبَابُ، وَلَا خِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمْرًا لَبَادَرَ إِلَى امْتِثَالِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَهْدِيدٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا خَصَّ بَعْضَهُمْ بِإِذْنِ الْبَاقِي، أَوْ كَانَ لِمَعْنًى كَزَمَانَةٍ، أَوْ عَمًى، أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ - جَازَ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَعَنْهُ: لَا يُنَفَّذُ فِي مَرَضِهِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ مَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ (فَإِنْ مَاتَ) الْوَاهِبُ (قَبْلَ ذَلِكَ ثَبَتَ لِلْمُعْطِي) وَلَزِمَ، وَلَيْسَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ وَالْخِرَقِيُّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِعَائِشَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: وَدِدْتُ أَنَّكِ حُزْتِيهِ، فَدَلَّ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَازَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لِوَلَدِهِ، فَلَزِمَتْ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوِ انْفَرَدَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ فَقَدْ خَالَفَ، وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، لَكِنْ إِنْ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ فِي الْمَرَضِ لِيُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ، وَالْأَشْهَرُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِفِعْلِ الْوَاجِبِ، (وَعَنْهُ: لَا يَثْبُتُ وَلِلْبَاقِينَ الرُّجُوعُ، اخْتَارَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ) وَأَبُو حَفْصٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ أَحْمَدُ: عُرْوَةُ قَدْ رَوَى حَدِيثَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَتَرَكَهَا، وَذَهَبَ إِلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُرَدُّ فِي حَيَاةِ الرَّجُلِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ» ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمَّى ذَلِكَ جَوْرًا، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «إِنِّي لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ» ، وَغَيْرُ الْحَقِّ لَا يَجُوزُ، وَالْجَوْرُ لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَلَا يَطِيبُ أَكْلُهُ، وَيَتَعَيَّنُ رَدُّهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَاخْتَارَهَا الْحَارِثِيُّ وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: قَوْلُهُمْ لَوْ حَرُمَ لَفَسَدَ، وَالتَّحْرِيمُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فِي رِوَايَةٍ لَا فِي أُخْرَى، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي دَارِ غَصْبٍ، فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ. أَصْلٌ: لَا يُكْرَهُ لِلْحَيِّ قَسْمُ مَالِهِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ، نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا يُعْجِبُنِي، فَإِنْ حَدَثَ لَهُ وَارِثٌ سَوَّى نَدْبًا، قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: وُجُوبًا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 وَإِنْ سَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الْوَقْفِ أَوْ وَقَفَ ثُلُثَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ،   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ: أَعْجَبُ إِلَيَّ يُسَوِّيَ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُغْنِي ". (وَإِنْ سَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الْوَقْفِ) ذَكَرٌ كَأُنْثَى، جَازَ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْقُرْبَةُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَقَدِ اسْتَوَوْا فِي الْقَرَابَةِ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ، قِيلَ: فَإِنْ فَضَّلَ، قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي عَلَى وَجْهِ الْأَثَرَةِ إِلَّا لِعَيَّالٍ بِقَدْرِهِمْ أَوْ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ خَصَّ الْمَرْدُودَةَ مِنْ بَنَاتِهِ دُونَ الْمُسْتَغْنِيَةِ مِنْهُنَّ بِصَدَقَتِهِ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلَّفُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ كَقِسْمَةِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ إِيصَالُ الْمَالِ إِلَيْهِمْ، فَيَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْمِيرَاثِ، وَذَكَرَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي لَا أَصْلَ لَهُ، وَهُوَ مُلْغًى بِالْعَطِيَّةِ وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَنْقُلُ الرَّقَبَةَ، أَوْ يَنْقُلُهَا عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْقُصُورِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ (أَوْ وَقَفَ ثُلُثَهُ فِي مَرَضِهِ) أَوْ وَصَّى بِوَقْفِهِ (عَلَى بَعْضِهِمْ - جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ، وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ بِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ أَمْرَ وَقْفِهِ إِلَى حَفْصَةَ تَأْكُلُ مِنْهُ وَتَشْتَرِي رَقِيقًا، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَالِ فَهُوَ كَعِتْقِ الْوَارِثِ وَكَالْوَقْفِ عَلَى الْأَجَانِبِ، وَعَلَّلَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ بِأَنَّ الْوَقْفَ غَيْرُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُورَثُ، وَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ يَنْتَفِعُونَ بِغَلَّتِهَا (وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ) ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهَا عَنِ الْإِمَامِ، لَكِنْ نَصَّ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فِيمَنْ وَصَّى لِأَوْلَادِ بِنْتِهِ بِأَرْضٍ تُوقَفُ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ يَرِثُوهُ فَجَائِزٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى وَارِثٍ فِي الْمَرَضِ، اخْتَارَهَا أَبُو حَفْصٍ وَابْنُ عَقِيلٍ، ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَرَجَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ، فَمَنَعَ مِنْهُ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِلْحَاقًا لَهُ بِالْهِبَةِ، وَحَدِيثُ عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ بِالْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إِلَيْهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَيْهَا، وَكَوْنُهُ انْتِفَاعًا بِالْغَلَّةِ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّخْصِيصِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِوَارِثٍ بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ، وَحَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْوَرَثَةِ، فَعَنْهُ: كَهِبَةٍ، فَتَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ، وَعَنْهُ: لَا إِنْ قِيلَ هِبَةٌ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُ فِي ثُلُثِهِ، وَهِيَ أَشْهَرُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا وَقَفَ دَارَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَلَى ابْنِهِ وَبِنْتِهِ نِصْفَيْنِ جَازَ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَلَزِمَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ تَخْصِيصُ الْبِنْتِ بِهَا فَبِنِصْفِهَا أَوْلَى، وَعَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْأَبُ إلا أن   [المبدع في شرح المقنع] الْمَنْصُورِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ إِنْ أَجَازَ الِابْنُ جَازَ، وَإِنَّ رَدَّهُ بَطَلَ الْوَقْفُ فِيمَا زَادَ عَلَى نَصِيبِ الِابْنِ وَهُوَ السُّدْسُ، وَيَرْجِعُ إِلَى الِابْنِ مِلْكًا فَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ وَقْفًا وَالسُّدْسُ مِلْكًا، وَالثُّلُثُ لِلْبِنْتِ جَمِيعُهُ وَقْفًا، وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْوَقْفُ فِي نِصْفِ مَا وُقِفَ عَلَى الْبِنْتِ وَهُوَ الرُّبُعُ، وَيَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَقْفًا، نِصْفُهَا لِلِابْنِ وَرُبُعُهَا لِلْبِنْتِ، وَالرُّبُعُ الَّذِي بَطَلَ الْوَقْفُ فِيهِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِلِابْنِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ وَقْفٌ وَسَهْمَانِ مِلْكٌ، وَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَقْفٌ وَسَهْمٌ مِلْكٌ، وَلَوْ كَانَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَقُلْنَا: يَلْزَمُ فِي الثُّلُثِ فَرْدًا، فَثُلُثُهَا وَقْفٌ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَثُلُثَاهَا مِيرَاثًا، وَإِنْ رَدَّ ابْنَهُ فَلَهُ ثُلُثَا الثُّلُثَيْنِ إِرْثًا وَلِبِنْتِهِ ثُلُثُهَا وَقْفًا، وَإِنْ رَدَّتْ فَلَهَا ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ إِرْثًا، وَلِابْنِهِ نِصْفُهَا وَقْفًا وَسُدُسُهَا إِرْثًا كَرَدِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: لَا يَصِحُّ وَقْفٌ زَائِدٌ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى أَجْنَبِيِّ، جَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَجَمَاعَةٌ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، وَكَذَا عَلَى وَارِثٍ وَلَوْ حِيلَةً؛ كَوَقْفِ مَرِيضٍ وَنَحْوِهِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ. [الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ] (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَحِلُّ (لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ) اللَّازِمَةِ، كَذَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَ " الْوَجِيزِ "؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيئُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ قَتَادَةُ: وَلَا أَعْلَمُ الْقَيْءَ إِلَّا حَرَامًا، وَكَالْقِيمَةِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَكَذَا حُكْمُ الْهَدِيَّةِ (إِلَّا الْأَبُ) ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِمَا رَوَى عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ الْعَطِيَّةَ فَيَرْجِعُ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 يعفون؛ وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَعَنْهُ: لَهُ الرُّجُوعُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ أَوْ رَغْبَةٌ   [المبدع في شرح المقنع] رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ بِرُجُوعِهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ أَوْ لَا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَفِي " الِاخْتِيَارَاتِ " مَنْعُ الْأَبِ الْكَافِرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَعْطَى وَلَدَهُ الْكَافِرَ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ إِسْلَامِ الْوَلَدِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأُمَّ لَا رُجُوعَ لَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: لَيْسَتْ هِيَ عِنْدِي كَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِخِلَافِ الْأُمِّ؛ وَلِوِلَايَتِهِ وَحِيَازَتِهِ جَمِيعُ الْمَالِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» ، وَلَا لِلْمَرْأَةِ فِيمَا تَهَبُ زَوْجَهَا، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] الْآيَةَ، وَعَنْهُ: لَهَا الرُّجُوعُ مُطْلَقًا، نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ، وَحَكَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ الْقُضَاةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ: " وَقَيَّدَاهُ بِمَسْأَلَتِهِ، وَسَيَأْتِي. (وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ) كَالْجَدِّ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، وَفِيهِ وَجْهٌ ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِبَشِيرٍ " فَأَرْجِعْهُ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَارْدُدْهُ "، رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ النُّعْمَانِ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الْجَوَازُ، (وَعَنْهُ: لَهُ الرُّجُوعُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ أَوْ رَغْبَةٌ) لِغَيْرِ الْوَلَدِ مِثْلُ أَنْ يَهَبَ ابْنَهُ شَيْئًا فَيَرْغَبُ النَّاسُ فِي مُعَامَلَتِهِ فَيُدَايِنُوهُ، أَوْ فِي مُنَاكَحَتِهِ فَيُزَوِّجُوهُ، أَوْ يَهَبَ ابْنَتَهُ شَيْئًا فَتَتَزَوَّجُ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْوَلَدُ أَوْ يُفْلِسَ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ غَيْرِ الِابْنِ، فَفِي الرُّجُوعِ إِبْطَالُ حَقِّهِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا إِضْرَارَ» ، وَالرُّجُوعُ ضَرَرٌ، وَفِيهِ تَحَيُّلٌ عَلَى إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ، زَادَ فِي " الْفُرُوعِ " تَبَعًا لِـ " الرِّعَايَةِ " وَ " الْوَجِيزِ ": أَوْ مَا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْمُتَّهَبِ مُؤَبَّدًا أَوْ مُؤَقَّتًا، كَالرَّهْنِ وَنَحْوِهِ فَلَا رُجُوعَ. فَرْعٌ: إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنَ الرُّجُوعِ فَاحْتِمَالَانِ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَإِنْ عَلَّقَ الرُّجُوعَ بِشَرْطٍ لَمْ يَصِحَّ. تَنْبِيهٌ: يَحْصُلُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ بِالْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، عَلِمَ الْوَلَدُ أَوْ لَا، وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ أَخَذَ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ، وَنَوَى بِهِ الرُّجُوعَ - كَانَ رُجُوعًا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ نَوَى الرُّجُوعَ وَلَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْوَلَدُ أَوْ يُفْلِسَ، وَإِنْ نَقَصَتِ الْعَيْنُ أَوْ زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً لَمْ تَمْنَعِ الرُّجُوعُ، وَالزِّيَادَةُ لِلِابْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِلْأَبِ، وَهَلْ تُمْنَعُ الْمُتَّصِلَةُ الرُّجُوعَ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] يُحْكَمْ بِأَنَّهُ رُجُوعٌ، وَإِنْ حَفَّتْ بِهِ قَرَائِنُ دَالَّةٌ عَلَى الرُّجُوعِ فَوَجْهَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي " يَنْبَنِي هَذَا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ، فَمَنْ أَوْجَبَ الْإِيجَابَ فِي الْقَبُولِ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَإِلَّا فَهُوَ رُجُوعٌ، فَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ لَمْ يَحْصُلِ الرُّجُوعُ وَجْهًا وَاحِدًا. (وَإِنْ نَقَصَتِ الْعَيْنُ) أَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا لَمْ يُمْنَعِ الرُّجُوعُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلَدِ فِيمَا تَلِفَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ عَلَى مِلْكِهِ، سَوَاءٌ تَلِفَ بِفِعْلِهِ أَوْ لَا، وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً تَعَلَّقَ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ، فَهُوَ كَنُقْصَانِهِ بِذَهَابِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْأَبُ فِيهِ ضَمِنَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْعَبْدِ فَرَجَعَ الْأَبُ فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِلِابْنِ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، (أَوْ زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً) كَالْوَلَدِ، وَالثَّمَرَةِ، وَكَسْبِ الْعَبْدِ (لَمْ تَمْنَعِ الرُّجُوعَ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْأَصْلِ دُونَ النَّمَاءِ مُمْكِنٌ، وَفِيهِ فِي " الْمُوجَزِ " رِوَايَةٌ، (وَالزِّيَادَةُ لِلِابْنِ) ؛ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، وَكَذَا هُنَا، وَكَوَلَدِ الْأَمَةِ مِنْهُ (وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِلْأَبِ) ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ وَلِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَوْهُوبِ، فَمَلَكَهَا الْأَبُ كَالْمُتَّصِلَةِ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ وَلَدَ أَمَةٍ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا مُنِعَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: الْمُنْفَصِلَةُ لِلْأَبِ، فَيَرْجِعُ فِيهِمَا جَمِيعًا، أَوْ يَرْجِعُ فِي الْأُمِّ وَيَتَمَلَّكُ الْوَلَدُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي حُدُوثِ زِيَادَةٍ فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ وَجْهَانِ، (وَهَلْ تَمْنَعُ) الزِّيَادَةُ (الْمُتَّصِلَةُ) كَالسَّمْنِ فِي الْعَيْنِ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ فِي الْمَعَانِي (الرُّجُوعَ) إِذَا زَادَتْ بِهَا الْقِيمَةُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، كَذَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " إِحْدَاهُمَا: لَا تَمْنَعُ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَوْهُوبِ، فَلَمْ يُمْنَعِ الرُّجُوعَ، كَالزِّيَادَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمُنْفَصِلَةِ، وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ أَشْهَرُ، وَرَجَّحَهَا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ بَاعَهُ الْمُتَّهَبُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ إِقَالَةٍ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لَمْ يَمْلِكِ الرُّجُوعَ، وَإِنْ وَهَبَهُ الْمُتَّهَبُ لِابْنِهِ لَمْ يَمْلِكْ أَبُوهُ الرُّجُوعَ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ هُوَ، وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ لَمْ يَمْلِكِ الرُّجُوعَ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] " الشَّرْحِ " يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِكَوْنِهَا نَمَاءَ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ، فَلَمْ يَمْلِكِ الرُّجُوعَ فِيهَا، وَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِي الْأَصْلِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَضَرَرِ التَّشْقِيصِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِرْجَاعٌ لِلْمَالِ بِفَسْخِ عَقْدٍ لِغَيْرِ عَيْبٍ فِي عِوَضِهِ، فَمَنْعُهُ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ كَاسْتِرْجَاعِ الصَّدَاقِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الرَّدَّ مِنَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ رَضِيَ بِبَذْلِ الزِّيَادَةِ، وَعَلَى الْمَنْعِ فَلِلْأَبِ أَخْذُهَا بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ بِشَرْطِهِ، وَقَصْرُ الْعَيْنِ وَتَفْصِيلُهَا زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ. فَرْعٌ: إِذَا وَهَبَ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ فِي يَدِهِ فَهِبَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَقِيلَ: مُنْفَصِلَةٌ، إِنْ قُلْنَا: لَا حُكْمَ لِلْحَمْلِ، وَإِنْ رَجَعَ فِيهَا حَامِلًا جَازَ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهَا، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا فَمُتَّصِلَةٌ، وَلَوْ وَهَبَهُ نَخْلَةً فَحَمَلَتْ فَهِيَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ وَبَعْدَهُ مُنْفَصِلَةٌ، (وَإِنْ بَاعَهُ الْمُتَّهَبُ) أَوْ وَهَبَهُ لَمْ يَمْلِكِ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ، قَوْلًا وَاحِدًا، (ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ إِقَالَةٍ) أَوْ فَلَسِ الْمُشْتَرِي (فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْفَسْخِ فَقَطْ، وَهُوَ مُغْنٍ، أَحَدُهُمَا - وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ": لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ مِلْكِ مَنِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ عَادَةً، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَادَ إِلَيْهِ بِالْهِبَةِ، أَمَّا لَوْ عَادَ إِلَيْهِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُزِيلَ ارْتَفَعَ، وَعَادَ الْمِلْكُ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، أَشْبَهَ فَسْخَ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ (وَإِنْ رَجَعَ إِلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ وُهِبَهُ، لَمْ يَمْلِكِ الرُّجُوعَ) ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إِلَيْهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ فَسْخَهُ وَإِزَالَتَهُ، كَالَّذِي لَمْ يَكُنْ مَوْهُوبًا. (وَإِنْ وَهَبَهُ الْمُتَّهَبُ لِابْنِهِ لَمْ يَمْلِكْ أَبُوهُ الرُّجُوعَ) ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لِغَيْرِ ابْنِهِ، وَلِأَنَّ فِي رُجُوعِهِ إِبْطَالًا لِمِلْكِ غَيْرِ ابْنِهِ، وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعِ ابْنُهُ (إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ هُوَ) ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الرُّجُوعِ زَوَالُ مِلْكِ الِابْنِ وَقَدْ عَادَ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ مِلْكِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُ ابْنُ الِابْنِ لِأَبِيهِ (وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ لَمْ يَمْلِكِ الرُّجُوعَ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهَنِ وَالْمُكَاتَبِ تَعَلَّقَ بِهِ، وَالرُّجُوعُ يُبْطِلُهُ، فَلَمْ يَجُزْ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى بَيْعَ الْمُكَاتَبِ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ، فَأَمَّا مَنْ أَجَازَ بَيْعَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 أَنْ يَنْفَكَّ الرَّهْنُ أَوْ تَنْفَسِخَ الْكِتَابَةُ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ تَهَبُ زَوْجَهَا مَهْرَهَا إِنْ كَانَ سَأَلَهَا ذَلِكَ، رَدَّهُ إِلَيْهَا رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَهَبُ لَهُ إِلَّا مَخَافَةَ غَضَبِهِ أَوْ إِضْرَارًا بِهَا بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا. فَصْلٌ وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ وَيَتَمَلَّكُهُ مَعَ حَاجَتِهِ وَعَدَمِهَا فِي صِغَرِهِ   [المبدع في شرح المقنع] فَحُكْمُهُ عِنْدَهُ كَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (إِلَّا أَنْ يَنْفَكَّ الرَّهْنُ أَوْ تَنْفَسِخَ الْكِتَابَةُ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَالتَّزْوِيجُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَذَلِكَ، وَإِذَا رَجَعَ وَكَانَ التَّصَرُّفُ لَازِمًا كَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ فَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا كَالْوَصِيَّةِ بَطَلَ، وَالصَّحِيحُ فِي التَّدْبِيرِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ أَبُوهُ: وَهَبْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ وَهُوَ سَمِينٌ أَوْ كَبِيرٌ فَلِيَ الرُّجُوعُ، فَقَالَ ابْنُهُ: وَهُوَ مَهْزُولٌ فَسَمِنَ أَوْ صَغِيرٌ فَكَبِرَ فَلَا رُجُوعَ لَكَ - فَوَجْهَانِ، فَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُكَ هَذَا الذَّهَبَ مَصُوغًا، فَقَالَ ابْنُهُ: أَنَا صُغْتُهُ صَدَقَ الْوَاهِبُ (وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ تَهَبُ زَوْجَهَا مَهْرَهَا إِنْ كَانَ سَأَلَهَا ذَلِكَ: رَدَّهُ إِلَيْهَا، رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ) . نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْعِلَّةَ، فَقَالَ: (لِأَنَّهَا لَا تَهَبُ لَهُ إِلَّا مَخَافَةَ غَضَبِهِ، أَوْ إِضْرَارًا بِهَا بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَطِبْ بِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَبَاحَهُ عِنْدَ طِيبِ نَفْسِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] وَظَاهِرُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلَهَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ إِنْ وَهَبَتْهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ فَلَمْ يَنْدَفِعْ، أَوْ عِوَضٍ أَوْ شَرْطٍ فَلَمْ يَحْصُلْ، وَعَنْهُ: يَرُدُّ عَلَيْهَا الصَّدَاقَ مُطْلَقًا، وَلَوْ قَالَ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ لَمْ تُبْرِئْنِي فَأَبْرَأَتْهُ صَحَّ، وَهَلْ تَرْجِعُ؟ ثَالِثُهَا: تَرْجِعُ إِنْ طَلَّقَهَا، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ. [فَصْلٌ وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ] ِ) ، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّ مَالَ الْوَلَدِ مِلْكٌ لَهُ دُونَ أَبِيهِ (مَا شَاءَ) مِنْ مَالِهِ (وَيَتَمَلَّكُهُ) ؛ لِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ، بِدَلِيلِ الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ وَلَدِهِ رِبًا، وَقَالَ: لَا يَمْنَعُ الِابْنُ الْأَبَ مَا أَرَادَ مِنْ مَالِهِ، فَهُوَ لَهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ سُرِّيَّتُهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ (مَعَ حَاجَتِهِ) - أَيِ الْوَالِدِ - (وَعَدِمِهَا فِي صِغَرِهِ) - أَيِ الْوَلَدِ - (وَكِبَرِهِ) ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 وَكِبَرِهِ إِذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ حَاجَةُ الِابْنِ بِهِ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] وَحَسَّنَهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ " عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّ أَبِي احْتَاجَ مَالِي، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ، وَمَا كَانَ مَوْهُوبًا لَهُ كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ كَعَبْدِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: 61] الْآيَةَ ذَكَرَ الْأَقَارِبَ دُونَ الْأَوْلَادِ لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: 61] لِأَنَّ بُيُوتَ أَوْلَادِهِمْ كَبُيُوتِهِمْ، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ يَلِي مَالَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ، فَكَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ كَمَالِ نَفْسِهِ، وَشَرْطُهُ (إِذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ حَاجَةُ الِابْنِ بِهِ) وَمَا لَا يَضُرُّهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَيْنِهِ، فَلِأَنْ تُقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَشَرَطَ فِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ " وَ " الْوَجِيزِ " مَا لَمْ يُعْطِهِ وَلَدًا آخَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَفْضِيلَ أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ غَيْرُ جَائِزٍ، فَمَعَ تَخْصِيصِ الْآخَرِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ أَوْلَى. وَعَنْهُ: لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَا لَا يُجْحِفُ بِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " أَنْ لَا يُجْحِفَ بِالِابْنِ وَلَا يَضُرَّ بِهِ، وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ، وَعَنْهُ: لَهُ كَتَمَلُّكِهِ كُلِّهِ، وَيُرْوَى أَنَّ مَسْرُوقًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِصَدَاقِ عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَهَا فَأَنْفَقَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ لِلزَّوْجِ: جَهِّزِ امْرَأَتَكَ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَقِيلٍ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْوَلَدِ تَامٌّ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ كَالَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا سَبَقَ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِي الْوَلَدِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَأَنَّ الْجَدَّ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ وِلَايَتِهِ وَإِجْبَارِهِ أَنَّهُ كَالْأَبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَا لَمْ يُخَالِفِ الْإِجْمَاعَ كَالْعُمَرِيَّتَيْنِ، وَفِي الْأُمِّ قَوْلٌ (وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ إِبْرَاءٍ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 إِبْرَاءٍ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ. وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَأَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَلَا مَهْرَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَفِي التَّعْزِيرِ وَجْهَانِ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ   [المبدع في شرح المقنع] مِلْكَ الْوَلَدِ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ تَامٌّ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْغَيْرِ أَوْ مُشْتَرَكًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيُقْدَحُ فِي أَهْلِيَّتِهِ لِأَجْلِ الْأَذَى سِيَّمَا بِالْحَبْسِ، وَعَنْهُ: لَهُ أَنْ يُبْرِئَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، وَيَتَسَرَّى مِنْهُ، وَمَا فَعَلَ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِمَا لَا حَظَّ فِيهِ خُصُوصًا مَعَ صِغَرِ الْوَلَدِ، إِذْ لَيْسَ مِنَ الْحَظِّ إِسْقَاطُ دَيْنِهِ، وَعِتْقُ عَبْدِهِ، وَهِبَةُ مَالِهِ. تَنْبِيهٌ: يَحْصُلُ التَّمَلُّكُ بِقَبْضِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، مَعَ قَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ: أَوْ قَرِينَةٍ. وَفِي " الْمُبْهِجِ " فِي تَصَرُّفِهِ فِي غَيْرِ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى حُصُولِ مِلْكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَيَصِحُّ بَعْدَهُ، وَلَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ مَعَ غِنَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْبَى عَلَيْهِ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَجَبَرْتُهُ عَلَى دَفْعِهِ إِلَيْهِ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - 32 «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . [وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا] (وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ) أَيْ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا، فَقَدْ وَطِئَهَا وَلَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ، وَهُوَ حَرَامٌ، (فَأَحْبَلَهَا، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) ؛ لِأَنَّ إِحْبَالَ الْأَبِ لَهَا يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ إِلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْوَطْءُ مُصَادِفًا لِلْمِلْكِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي صَيْرُورَتَهَا أُمَّ وَلَدٍ ضَرُورَةَ مُصَادَفَةِ الْوَطْءِ الْمِلْكَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَحْبَلْ مِنْهُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَلَدِ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَلَا مَهْرَ) وَلَا قِيمَتُهَا؛ إِذْ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْأَبِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِلشُّبْهَةِ. (وَفِي التَّعْزِيرِ وَجْهَانِ) : أَشْهَرُهُمَا التَّعْزِيرُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ وَطْأً مُحَرَّمًا كَوَطْءِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى وَلَدِهِ، فَلَا يُعَزَّرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّعْزِيرَ هُنَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى وَلَدِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فَيُضْرَبُ مِائَةً إِلَّا سَوْطًا. فَرْعٌ: إِذَا تَمَلَّكَهَا فَلَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، فَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَطِئَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِحَالٍ، فَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ وَطْءِ الِابْنِ فَرِوَايَتَانِ كَوَطْءِ ذَاتِ مَحْرَمٍ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلَا يَنْتَقِلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ، وَلَا قِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَلَا أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ نَوْعَانِ مِنَ الْهِبَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمِلْكُ فِيهَا إِنْ كَانَ الِابْنُ اسْتَوْلَدَهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا الْأَبُ وَالِابْنُ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ عُرِضَ عَلَى الْقَافَةِ، وَيُحَدُّ الِابْنُ لِوَطْئِهِ جَارِيَةَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ، وَيَكُونُ مِلْكًا لِأَبِيهِ، وَقَدْ أَوْجَبَ أَحْمَدُ أَنْ يُعْتِقَهُ الْأَبُ لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنِ ابْنِهِ (وَلَيْسَ لِلِابْنِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ، وَلَا قِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَلَا أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ) ، قَالَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِيهِ يَقْتَضِيهِ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَلِأَنَّ الْمَالَ أَحَدُ نَوْعَيِ الْحُقُوقِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةَ أَبِيهِ بِهِ كَحُقُوقِ الْأَبْدَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِنَفَقَتِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، وَعَيَّنَ بِمَالٍ لَهُ فِي يَدِهِ. قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَغِنَى وَالِدِهِ عَنْهُ، وَقِيلَ: يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ مُطْلَقًا، فَعَلَى هَذَا فَفِي مِلْكِهِ إِبْرَاءَ نَفْسِهِ نَظَرٌ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَ غَيْرُهُ: لَا يَمْلِكُهُ كَإِبْرَائِهِ لِغَرِيمِهِ، وَلَا طَلَبَ لَهُ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ مُطَالَبَةُ الْأَبِ فِي الْأَشْهَرِ كَمُوَرِّثِهِمْ، وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ بَطَلَ دَيْنُ الِابْنِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنِ الْأَبِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتِ الْمُطَالَبَةُ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا أَخَذَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا مَاتَ فَوَجَدَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعَيْنِهِ - قَالَ فِي " الْمُبْهِجِ ": أَوْ بَعْضَهُ - وَلَمْ يَنْقُدْ ثَمَنَهُ، أَوْ وَجَدَ مَا أَقْرَضَهُ، فَهَلْ يَأْخُذُهُ أَوْ يَكُونُ إِرْثًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَمَا قَضَاهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ وَصَّى بِقَضَائِهِ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَأَنْكَرَ رَجَعَ عَلَى غَرِيمِهِ وَهُوَ عَلَى الْأَبِ، نَقَلَهُ مُهَنَّا، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِنْ أَقَرَّ الِابْنُ. [الْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ نَوْعَانِ مِنَ الْهِبَةِ] (وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ نَوْعَانِ مِنَ الْهِبَةِ) أَيْ هُمَا نَوْعَا الْجِنْسِ كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ مَعَ الْحَيَوَانِ، وَحَاصِلُهُ إِنْ قَصَدَ بِإِعْطَائِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَصَدَقَةٌ، وَإِنْ قَصَدَ إِكْرَامًا وَتَوَدُّدًا وَنَحْوَهُ فَهَدِيَّةٌ وَإِلَّا فَهِبَةٌ وَعَطِيَّةٌ وَنِحْلَةٌ، وَهُمَا كَهِبَةٍ فِيمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَحَنْبَلٌ: لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " لَا يُعْتَبَرُ فِي الْهَدِيَّةِ قَبُولٌ لِلْعُرْفِ، وَمَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ لِيُهْدَى لَهُ أَكْثَرُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَقَلَهُ أَحْمَدُ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِيمَنْ سَأَلَ الْحَاجَةَ فَسَعَا مَعَهُ فِيهَا فَيُهْدَى إِلَيْهِ إِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا أَنْ يُكَافِئَهُ، وَنَقَلَ يَعْقُوبُ: لَا يَنْبَغِي لِلْخَاطِبِ إِذَا خَطَبَ لِقَوْمٍ أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 فَصْلٌ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ أَمَّا الْمَرِيضُ غَيْرَ مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ مَرَضًا غَيْرَ مَخُوفٍ كَالرَّمَدِ وَوَجَعِ الضِّرْسِ   [المبدع في شرح المقنع] يَقْبَلَ لَهُمْ هَدِيَّةً، فَهَاتَانِ رِوَايَتَانِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ التَّحْرِيمَ، وَنَقَلَهُ عَنِ السَّلَفِ، وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَرْعٌ: وِعَاءُ هَدِيَّةٍ كَهِيَ مَعَ عُرْفٍ. [فَصْلٌ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ] فَصْلٌ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ (أَمَّا الْمَرِيضُ غَيْرَ مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ مَرَضًا غَيْرَ مَخُوفٍ كَالرَّمَدِ) ، وَهُوَ وَرَمٌ حَارٌّ فِي الْمُلْتَحِمِ عَنْ مَادَّةٍ فِي الْعَيْنِ، وَيُعْرَفُ بِتَقَدُّمِ الصُّدَاعِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْحِجَابِ الدَّاخِلِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْخَارِجِ (وَوَجَعِ الضِّرْسِ، وَالصُّدَاعِ) الْيَسِيرِ وَهُوَ وَجَعُ الرَّأْسِ (وَنَحْوِهِ) كَحُمَّى يَوْمٍ. قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَقِيلَ: سَاعَةٍ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَإِسْهَالٍ يَسِيرٍ مِنْ غَيْرِ دَمٍ (فَعَطَايَاهُ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ لَا يُخَافُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ (يَصِحُّ فِي جَمِيعِ مَالِهِ) وَلَوِ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ؛ لِلْأَدِلَّةِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا فَبَرَأَ (وَإِنْ كَانَ مَرَضَ الْمَوْتِ) الْقَاطِعَ بِصَاحِبِهِ (الْمَخُوفَ) - أَيْ مَرَضًا مَخُوفًا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ (كَالْبِرْسَامِ) ، وَهُوَ بُخَارٌ يَرْتَقِي إِلَى الرَّأْسِ وَيُؤَثِّرُ فِي الدِّمَاغِ فَيُحِيلُ عَقْلَ صَاحِبِهِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ وَرَمٌ فِي الدِّمَاغِ يَتَغَيَّرُ مِنْهُ عَقْلُ الْإِنْسَانِ وَيَهْذِي، وَيُقَالُ فِيهِ: سِرْسَامٌ، (وَذَاتِ الْجَنْبِ) ، وَهُوَ قَرْحٌ بِبَاطِنِ الْجَنْبِ، وَوَجَعُ الْقَلْبِ وَالرِّئَةِ، وَلَا تَسْكُنُ حَرَكَتُهَا، وَقِيلَ: هُوَ دُمَّلٌ كَبِيرَةٌ تَخْرُجُ بِبَاطِنِ الْجَنْبِ وَتُفْتَحُ إِلَى دَاخِلٍ (وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ) ، فَإِنَّهُ يُصَفِّي الدَّمَ فَيُذْهِبُ الْقُوَّةَ (وَالْقِيَامِ الْمُتَدَارِكِ) ، هُوَ الْمَبْطُونُ الَّذِي أَصَابَهُ الْإِسْهَالُ وَلَا يُمْكِنُهُ إِمْسَاكُهُ، فَإِنْ كَانَ يَجْرِي تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ فَضْلَةِ الطَّعَامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ زَحِيرٌ وَتَقْطِيعٌ، فَيَكُونُ مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْبَدَنَ، (وَالْفَالِجِ فِي ابْتِدَائِهِ) ، وَهُوَ دَاءٌ مَعْرُوفٌ يُرْخِي بَعْضَ الْبَدَنِ، قَالَ ابْنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 وَالصُّدَاعِ وَنَحْوِهِ، فَعَطَايَاهُ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ سَوَاءٌ، يَصِحُّ فِي جَمِيعِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ؛ كَالْبِرْسَامِ، وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ، وَالْقِيَامِ الْمُتَدَارَكِ، وَالْفَالِجِ فِي ابْتِدَائِهِ، وَالسِّلِّ فِي انْتِهَائِهِ، وَمَا قَالَ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ أَنَّهُ مَخُوفٌ فَعَطَايَاهُ كَالْوَصِيَّةِ فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْمُحَابَاةِ، فَأَمَّا الْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَالسِّلِّ، وَالْجُذَامِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْقَطَّاعِ: فَلَجَ فَالِجًا بَطَلَ نِصْفُهُ أَوْ عُضْوٌ مِنْهُ، (وَالسِّلُّ فِي انْتِهَائِهِ) ، هُوَ - بِكَسْرِ السِّينِ - دَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ سَلَّ وَأَسَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَسْلُولٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَمِثْلُهُ الْقُولَنْجُ، وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ الطَّعَامُ فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَلَا يَنْزِلَ عَنْهُ، فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَخُوفَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا حُمَّى، وَهِيَ مَعَ الْحُمَّى أَشَدُّ خَوْفًا، وَإِنْ بَادَرَهُ الدَّمُ وَاجْتَمَعَ فِي عُضْوٍ كَانَ مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْحَرَارَةِ الْمُفْرِطَةِ، وَإِنْ هَاجَتْ بِهِ الصَّفْرَاءُ فَهِيَ مَخُوفَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُورِثُ يُبُوسَةً، وَكَذَلِكَ الْبَلْغَمُ إِذَا هَاجَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْبُرُودَةِ، وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى الْحَرَارَةِ الْغَزِيرَةِ فَيُطْفِئُهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " (وَمَا قَالَ عَدْلَانِ) - أَيْ مُسْلِمَانِ - (مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ) أَيْ عِنْدِ الشَّكِّ فِيهِ (أَنَّهُ مَخُوفٌ) فَيُرْجَعُ إِلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، كَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَارِثِ وَالْعَطَايَا، وَقِيلَ: يُقْبَلُ لِعَدَمٍ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ الْمَخُوفَ عُرْفًا، أَوْ يَقُولُ عَدْلَيْنِ (فَعَطَايَاهُ) صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى حِينَ جُرِحَ وَسُقِيَ لَبَنًا وَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى نُفُوذِ عَهْدِهِ (كَالْوَصِيَّةِ فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَالْهِبَةِ) الْمَقْبُوضَةِ (وَالْعِتْقِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْمُحَابَاةِ) ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْوَقْفِ، وَالْإِبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ، وَالْعَفْوِ عَنِ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَمَفْهُومُهُ لَيْسَ لَهُ أَكْثَرُ مِنَ الثُّلُثِ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَاسْتَدْعَاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَإِذَا لَمْ يُنَفَّذِ الْعِتْقُ مَعَ سَرَايَتِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 وَالْفَالِجِ فِي دَوَامِهِ، فَإِنْ صَارَ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهِيَ مَخُوفَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ عَطِيَّتَهُ مِنَ الثُّلُثِ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، أَوْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ، أَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدِهِ، أَوْ قَدِمَ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ،   [المبدع في شرح المقنع] الظَّاهِرُ مِنْهَا الْمَوْتُ فَكَانَتْ عَطِيَّتُهُ فِيهَا فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ لَا تَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ كَالْوَصِيَّةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ الْعَطَايَا إِذَا وُجِدَتْ فِي الصِّحَّةِ فَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا: أَنَّهُ يَقِفُ نُفُوذُهَا عَلَى خُرُوجِهَا مِنَ الثُّلُثِ أَوْ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّ فَضِيلَتَهَا نَاقِصَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الصَّدَقَةِ فِي الصِّحَّةِ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا تُزَاحِمُ فِي الثُّلُثِ إِذَا وَقَعَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَتَزَاحُمِ الْوَصَايَا. وَمِنْهَا: أَنَّ خُرُوجَهَا مِنَ الثُّلُثِ يُعْتَبَرُ حَالَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. (فَأَمَّا الْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَالسِّلِّ، وَالْجُذَامِ، وَالْفَالِجِ فِي دَوَامِهِ) ، وَحُمَّى الرِّبْعِ (فَإِنْ صَارَ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ) ، أَيْ لَزِمَ الْفِرَاشَ (فَهِيَ مَخُوفَةٌ) أَيْ عَطِيَّتُهُ مِنَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ مَرِيضٌ صَاحِبُ فِرَاشٍ يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ، أَشْبَهَ الْحُمَّى الْمُطْبِقَةَ (وَإِلَّا فَلَا) ، أَيْ إِنْ لَمْ يَصِرْ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ فَلَيْسَتْ مَخُوفَةً، وَعَطِيَّتُهُ حِينَئِذٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. قَالَ الْقَاضِي: إِذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَعَطَايَاهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، هَذَا تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ تَعْجِيلُ الْمَوْتِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ فَهُوَ كَالْهَرِمِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ عَطِيَّتَهُ مِنَ الثُّلُثِ) مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا مَخُوفَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَوَجَبَ إِلْحَاقُهَا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ نَقَلَ حَرْبٌ فِي وَصِيَّةِ الْمَجْذُومِ وَالْمَفْلُوجِ مِنَ الثُّلُثِ، فَالْمَجْدُ أَثْبَتَهَا وَجَعَلَهَا ثَابِتَةً، وَصَاحِبُ " الشَّرْحِ " حَمَلَهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّ عَطَايَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْمَالِ كُلِّهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنَجَّا: إِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّنَاقُضُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، فَغَايَتُهُ أَنَّهُ حَكَى وَجْهَيْنِ (وَمَنْ كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ) بِأَنِ اخْتَلَطَتِ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ، وَكَانَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُكَافِئَةً لِلْأُخْرَى أَوْ مَقْهُورَةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا مُتَّفِقَيْنِ فِي الدِّينِ؛ لِأَنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ هُنَا كَتَوَقُّعِ الْمَرِيضِ أَوْ أَكْثَرَ، فَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ، فَأَمَّا الْقَاهِرَةُ بَعْدَ ظُهُورِهَا فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ. (أَوْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 وَالْحَامِلُ عِنْدَ الْمَخَاضِ - فَهُوَ كَالْمَرِيضِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إِذَا صَارَ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَطَايَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْمَالِ كُلِّهِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَيْ إِذَا اضْطَرَبَ وَهَبَّتِ الرِّيحُ الْعَاصِفُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ فِي قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] الْآيَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا رَكِبَهُ وَهُوَ سَاكِنٌ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ (أَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ) قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: هُوَ الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ، فَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَةُ وَالْأَبْدَانُ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْمَغَابِنِ وَغَيْرِهَا لَا يَلْبَثُ صَاحِبُهَا وَيُغَمُّ إِذَا ظَهَرَتْ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَأَمَّا الطَّاعُونُ فَوَبَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ وَيَسْوَدُّ مَا حَوْلَهُ وَيَخْضَرُّ وَيَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً، وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانٌ لِلْقَلْبِ (بِبَلْدَهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَخُوفٌ إِذَا كَانَ فِيهِ، (أَوْ قَدِمَ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حُكِمَ لِلْمَرِيضِ وَحَاضِرِ الْحَرْبِ بِالْخَوْفِ مَعَ ظُهُورِ السَّلَامِ، فَمَعَ ظُهُورِ التَّلَفِ وَقُرْبِهِ أَوْلَى، وَلَا عِبْرَةَ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْقَتْلِ كَغَيْرِهِ لَعَمَّ، سَوَاءٌ كَانَ قِصَاصًا أَوْ غَيْرَهُ كَالرَّجْمِ، وَكَذَا إِذَا حُبِسَ لِلْقَتْلِ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الْفُرُوعِ "، وَأَسِيرٌ عِنْدَ مَنْ عَادَتُهُمُ الْقَتْلُ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ يَتَحَقَّقُ تَعْجِيلَ مَوْتِهِ، فَإِنْ كَانَ عَقْلُهُ قَدِ اخْتَلَّ كَمَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ حِشْوَتُهُ فَلَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ وَلَا كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتَ الْعَقْلِ كَمَنْ خُرِقَتْ حِشْوَتُهُ أَوِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عقله صَحَّ تَصَرُّفُهُ، وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَكَمَنَ جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": مَنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ كَقَطْعِ حِشْوَتِهِ، وَغَرِيقٍ، وَمُعَايَنٍ كَمَيِّتٍ (وَالْحَامِلُ عِنْدَ الْمَخَاضِ) أَيْ عِنْدِ الطَّلْقِ، كَذَا ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، (فَهُوَ كَالْمَرِيضِ) مَرَضًا مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا أَلَمٌ شَدِيدٌ يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إِذَا صَارَ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) ، هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، أَيْ عَطِيَّتُهَا مِنَ الثُّلُثِ كَمَرِيضٍ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ نِفَاسِهَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ تُمْكِنُ الْوِلَادَةُ فِيهِ، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ، وَالْأَشْهَرُ مَعَ أَلَمٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا ثَقُلَتْ لَا يَجُوزُ لَهَا إِلَّا الثُّلُثَ، وَلَمْ يَحِدَّ حَدًّا، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ (وَقِيلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَطَايَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْمَالِ كُلِّهِ) ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 عَجَزَ الثُّلُثُ عَنِ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا، وَإِنْ تَسَاوَتْ قُسِمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْحِصَصِ، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ، وَأَمَّا مُعَاوَضَةُ الْمَرِيضِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ   [المبدع في شرح المقنع] حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَرَضَ بِهِمْ، فَهُمْ كَالصَّحِيحِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ فَإِنْ بَقِيَتِ الْمَشِيمَةُ مَعَهَا أَوْ مَاتَ مَعَهَا فَهُوَ مَخُوفٌ، فَإِنْ خَرَجَا فَحَصَلَ ثَمَّ وَرَمٌ أَوْ ضُرْبَانٌ شَدِيدٌ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي النُّفَسَاءِ إِذَا كَانَتْ تَرَى الدَّمَ فَعَطِيَّتُهَا مِنَ الثُّلُثِ، وَالسَّقْطُ كَالْوَلَدِ التَّامِّ لَا مُضْغَةٌ أَوْ عَلَقَةٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَلَمٌ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". (وَإِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عَنِ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ) يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ الْوَصِيَّةِ، فَالتَّبَرُّعُ عِبَارَةٌ عَنْ إِزَالَةِ مِلْكِهِ فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ. (بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَا بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّابِقُ عِتْقًا أَوْ غَيْرَهُ، وَعَنْهُ: يُقْسَمُ بَيْنَ الْكُلِّ بِالْحِصَصِ، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ التَّبَرُّعَاتِ إِذَا كَانَتْ عَطَايَا وَوَصَايَا تُقَدَّمُ الْعَطَايَا؛ لِأَنَّهَا أَسْبَقُ، (وَإِنْ تَسَاوَتْ) أَيْ وَقَعَتْ دُفْعَةً بِأَنْ وَكَّلَ جَمَاعَةً فِيهَا فَأَوْقَعُوهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً (قُسِمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْحِصَصِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ كَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ (وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ) ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى السِّرَايَةِ وَالتَّغْلِيبِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا عِتْقًا أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ، فَيَكْمُلُ الْعِتْقُ فِي بَعْضِهِمْ. أَصْلٌ: إِذَا قَضَى الْمَرِيضُ بَعْضَ غُرَمَائِهِ وَوَفَّتْ تَرِكَتُهُ بِالْكُلِّ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَفِ فَوَجْهَانِ، أَشْهَرُهُمَا - وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ - أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى وَاجِبًا عَلَيْهِ كَأَدَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ بِمَرَضِهِ، فَمُنِعَ تَصَرُّفَهُ فِيهِ كَالتَّبَرُّعِ، وَمَا لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ وَإِسْقَاطُهُ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَلَوْ تَبَرَّعَ أَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَمْ يَبْطُلْ تَبَرُّعُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِالتَّبَرُّعِ فِي الظَّاهِرِ. (وَأَمَّا مُعَاوَضَةُ الْمَرِيضِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَيَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ التَّبَرُّعُ، وَلَيْسَ هَذَا تَبَرُّعًا (وَإِنْ كَانَتْ مَعَ وَارِثٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَبَرُّعَ فِيهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 فَيَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ مَعَ وَارِثٍ، وَيَحْتَمِلُ أَلَا يَصِحَّ لِوَارِثٍ. وَإِنْ حَابَا وَارِثَهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَبْطُلُ فِي قَدْرِ مَا حَابَاهُ، وَتَصِحُّ فِيمَا عَدَاهُ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَبَعَّضَتْ فِي حَقِّهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ شَفِيعٌ فَلَهُ أَخْذُهُ، فَإِنْ أَخَذَهُ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. وَإِنْ بَاعَ الْمَرِيضُ أَجْنَبِيًّا وَحَابَاهُ وَكَانَ شَفِيعُهُ وَارِثًا فَلَهُ الْأَخْذُ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَا تُهْمَةَ فَصَحَّتْ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِوَارِثٍ) ، هَذِهِ رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَابَاهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَهُ إِلَّا بِإِجَازَةٍ، اخْتَارَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "؛ لِفَوَاتِ حَقِّهِ فِي الْمُعَيَّنِ، (وَإِنْ حَابَا وَارِثَهُ فَقَالَ الْقَاضِي: يَبْطُلُ فِي قَدْرِ مَا حَابَاهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ كَالْوَصِيَّةِ، وَهِيَ لِوَارِثٍ بَاطِلَةٌ فَكَذَا الْمُحَابَاةُ، (وَتَصِحُّ فِيمَا عَدَاهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْمُحَابَاةُ، وَهِيَ هُنَا مَفْقُودَةٌ، فَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِنِصْفِ ثَمَنِهِ فَلَهُ نِصْفُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، فَبَطَلَ التَّصَرُّفُ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ، وَعَنْهُ: يَبْطُلُ بَيْعُ الْكُلِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَحَلُّهُ بِدُونِ إِجَازَةِ الْوَارِثِ، وَتَعْتَبَرُ إِجَازَةُ الْمَجْنُونِ فِي مَرَضِهِ مِنْ ثُلُثِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ جُعِلَتْ عَطِيَّةً، وَإِلَّا فَمِنْ كُلِّهِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَبَعَّضَتْ فِي حَقِّهِ) ، فَشُرِعَ ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَإِنْ فَسَخَ وَطَلَبَ قَدْرَ الْمُحَابَاةِ، أَوْ طَلَبَ الْإِمْضَاءِ فِي الْكُلِّ وَتَكْمِيلِ حَقِّ الْوَرَثَةِ مِنَ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ فِي الْعَيْنِ كُلِّهَا وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْوَارِثَ تَمَامَ قِيمَتِهَا أَوْ يَفْسَخُ، (فَإِنْ كَانَ لَهُ شَفِيعٌ فَلَهُ أَخْذُهُ) ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَقَدْ وُجِدَ، (فَإِنْ أَخَذَهُ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِزَوَالِ الضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ الْمَبِيعَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ الثَّمَنُ مِنَ الشَّفِيعِ. فَرْعٌ: إِذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَحَابَا الْمُسْتَأْجِرَ صَحَّ مَجَّانًا. [بَاعَ الْمَرِيضُ أَجْنَبِيًّا وَحَابَاهُ] (وَإِنْ بَاعَ الْمَرِيضُ أَجْنَبِيًّا وَحَابَاهُ) لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، فَصَحَّ، كَغَيْرِ الْمَرِيضِ، فَعَلَيْهِ لَوْ بَاعَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ بِعَشْرَةٍ فَقَدْ حَابَا الْمُشْتَرِي بِثُلُثَيْ مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُحَابَاةُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَإِنْ رَدُّوا فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي فَسْخَ الْبَيْعِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنِ اخْتَارَ إِمْضَاءَهُ فَعَنْ أَحْمَدَ: يَأْخُذُ نِصْفَ الْمَبِيعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يُسْقِطَ الثَّمَنَ - وَهُوَ عَشْرَةٌ - مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ، ثُمَّ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْمَبِيعِ وَهُوَ عَشْرَةٌ فَيَنْسُبُهُ مِنَ الْبَاقِي وَهُوَ عِشْرُونَ، فَمَا خَرَجَ بِالنِّسْبَةِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي مِقْدَارِ تِلْكَ النِّسْبَةِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْمَبِيعِ بِنِصْفِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لِغَيْرِهِ، وَيُعْتَبَرُ الثُّلُثُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَلَكَ مَالًا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عُتِقَ كُلُّهُ، وَإِنْ صَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ.   [المبدع في شرح المقنع] الثَّمَنِ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يَنْسُبُ الثَّمَنَ وَثُلُثَ الْمَبِيعِ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَيَصِحُّ فِي مِقْدَارِ تِلْكَ النِّسْبَةِ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَلَوْ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ، صَحَّ الْبَيْعُ فِي ثُلُثَيْهِ بِثُلُثَيِ الثَّمَنِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي لِلْمُشْتَرِي خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ (وَكَانَ شَفِيعُهُ وَارِثًا فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ) فِي الْأَصَحِّ؛ (لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لِغَيْرِهِ) ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِغَرِيمِ وَارِثِهِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً؛ وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا مَنَعَ مِنْهَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ لِمَا فِيهَا مِنَ التُّهْمَةِ مِنْ إِيصَالِ الْمَالِ إِلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِيمَا إِذَا أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُحَابَاةُ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ الشُّفْعَةَ لِإِفْضَائِهِ إِلَى إِثْبَاتِ حَقِّ وَارِثِهِ. فَرْعٌ: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ عَطِيَّةٍ مُنْجَزَةٍ وَنَحْوِهَا فِي مَرَضٍ مَخُوفٍ عَلَى شَرْطٍ إِلَّا فِي الْعِتْقِ، فَلَوْ عَلَّقَ صَحِيحَ عِتْقِ عَبْدِهِ فَوَجَدَ شَرْطَهُ فِي مَرَضِهِ فَمِنْ ثُلُثِهِ فِي الْأَصَحِّ، (وَيُعْتَبَرُ الثُّلُثُ عِنْدِ الْمَوْتِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ لُزُومِ الْوَصَايَا وَاسْتِحْقَاقِهَا، وَيَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ، فَإِنْ ضَاقَ ثُلُثُهُ عَنِ الْعَطِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ قُدِّمَتِ الْعَطِيَّةُ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ، فَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَصِيَّةِ كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ، وَعَنْهُ: هُمَا سَوَاءٌ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُنْجَزِ وَقَبُولُهُ حِينَ نَجْزِهِ، وَنَمَاؤُهُ مِنْ حِينِهِ إِلَى الْمَوْتِ تَبَعٌ لَهُ، فَمَنْ جَعَلَ عَطِيَّتَهُ مِنْ ثُلُثِهِ فَحَمَلَ مَا نَجَزَهُ، فَكَسْبُهُ لَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا خَرَجَ مِنْ أَصْلِهِ مِنَ الثُّلُثِ، وَلَيْسَ بِشَرِكَةٍ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَلَكَ مَالًا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عُتِقَ كُلُّهُ) ؛ لِخُرُوجِهِ مِنَ الثُّلُثِ عِنْدِ الْمَوْتِ، (وَإِنْ صَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ عَلِيٍّ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» ، وَعَنْهُ: يُعْتَقُ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ مِنَ الثُّلُثِ كَتَصَرُّفِ الصَّحِيحِ فِي الْجَمِيعِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ سَيِّدِهِ مَاتَ حُرًّا، وَقِيلَ: بَلْ ثُلُثُهُ. فَرْعٌ: هِبَتُهُ كَعِتْقِهِ. فَائِدَةٌ: لِلْمَرِيضِ لُبْسُ نَاعِمٍ، وَأَكْلُ طَيِّبٍ لِحَاجَتِهِ، وَإِنْ فَعَلَهُ لِتَفْوِيتِ حَقِّ الْوَرَثَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 فَصْلٌ وَتُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا، وَالْوَصَايَا يُسَوَّى بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الْعَطِيَّةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَالثَّالِثِ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ لِلْعَطِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَالرَّابِعِ: أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْعَطِيَّةِ مِنْ حِينِهَا وَيَكُونُ مُرَاعًى، فَإِذَا خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ حِينِهِ، فَلَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا أَوْ وَهَبَهُ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ كَسَبَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ شَيْئًا ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ فَخَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ كَانَ كَسْبُهُ   [المبدع في شرح المقنع] مُنِعَ، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَفِيهِ: يَمْنَعُهُ إِلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَعَادَتِهِ وَسَلَمِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ كَإِتْلَافِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْحُلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ وَارِثِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ مَالِهِ. [فَصْلٌ تُفَارُقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ] فَصْلٌ (وَتُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ؛ أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا) ؛ لِوُقُوعِهَا لَازِمَةً، (وَالْوَصَايَا يُسَوَّى بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَوُجِدَ دُفْعَةً وَاحِدَةً، (وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الْعَطِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ لَازِمَةً فِي حَقِّ الْمُعْطِي يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُعْطَى فِي الْحَيَاةِ إِذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ وَلَوْ كَثُرَتْ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنَ التَّبَرُّعِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ) ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ فِيهَا مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ، فَقَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يُوجَدْ، فَهِيَ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبُولِ (وَالثَّالِثِ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ لِلْعَطِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِهَا) ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ) ، فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَاعْتُبِرَ عِنْدَ وُجُودِهِ، (وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْعَطِيَّةِ مِنْ حِينِهَا) بِشُرُوطِهَا؛ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ هِبَةً فَمُقْتَضَاهَا تَمْلِيكُهُ الْمَوْهُوبَ فِي الْحَالِ، فَيُعْتَبَرُ قَبُولُهَا فِي الْمَجْلِسِ كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ وَكَذَا إِنْ كَانَتْ مُحَابَاةً أَوْ إِعْتَاقًا (وَيَكُونُ مُرَاعًى) ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ هَلْ هُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ أَوْ لَا، وَلَا نَعْلَمُ هَلْ يَسْتَفِيدُ مَالًا أَوْ يَتْلَفُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ، فَتَوَقَّفْنَا لِنَعْلَمَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ لِيُعْمَلَ بِهَا، فَإِذَا انْكَشَفَ الْحَالُ عَلِمْنَا حِينَئِذٍ مَا ثَبَّتَ حَالَ الْعَقْدِ كَإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، (فَإِذَا خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ حِينِهِ) أَيْ مِنْ حِينِ الْعَطِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِهِ كَوْنُهُ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ، (فَلَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا أَوْ وَهَبَهُ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ كَسَبَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 لَهُ إِنْ كَانَ مُعْتَقًا، وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ إِنْ كَانَ مَوْهُوبًا، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ فَلَهُمَا مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَكَسَبَ مِثْلَ قِيمَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَقَدْ عُتِقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ شَيْئَانِ، فَصَارَ الْعَبْدُ وَكَسْبُهُ نِصْفَيْنِ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ، وَلَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُمَا، وَإِنْ كَسَبَ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ صَارَ لَهُ شَيْئَانِ وَعُتِقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، فَيُعْتَقُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ كَسْبِهِ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهِ عُتِقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَهُ نِصْفُ شَيْءٍ مِنْ كَسْبِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ   [المبدع في شرح المقنع] شَيْئًا ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ فَخَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ - كَانَ كَسْبُهُ لَهُ إِنْ كَانَ مُعْتَقًا) ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ تَابِعٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ (وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ إِنْ كَانَ مَوْهُوبًا) لِمَا ذَكَرْنَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعِتْقَ وَالْهِبَةَ نَافِذَانِ فِيهِ إِذَا خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْكَسْبِ لِلْمُعْتِقِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ لِلتَّبَعِيَّةِ، (وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ) مِنَ الثُّلُثِ (فَلَهُمَا) - أَيْ لِلْمُعْتِقِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ - (مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ) ، أَيْ بِمِقْدَارِ نِسْبَةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ إِلَيْهِ. (فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ، فَكَسَبَ مِثْلَ قِيمَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَقَدْ عُتِقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتْبَعُ مَا تَنْفُذُ فِيهِ الْعَطِيَّةُ دُونَ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ مَا عُتِقَ، وَبَاقِيهِ لِسَيِّدِهِ، فَيَزْدَادُ بِهِ مَالُ السَّيِّدِ، وَتَزْدَادُ الْحُرِّيَّةُ كَذَلِكَ، وَيَزْدَادُ حَقُّهُ مِنْ كَسْبِهِ فَيَنْقُصُ بِهِ حَقُّ السَّيِّدِ مِنْ كَسْبِهِ، وَيَنْقُصُ بِذَلِكَ قَدْرُ الْمُعْتِقِ مِنْهُ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ شَيْئَانِ، فَصَارَ الْعَبْدُ وَكَسْبُهُ نِصْفَيْنِ) ، أَيْ صَارَ مَقْسُومًا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا اسْتَحَقَّ بِعِتْقِهِ شَيْئًا وَبِكَسْبِهِ شَيْئًا كَانَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ شَيْئَانِ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ (فَيُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ وَلَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُمَا) ، أَيْ نِصْفُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْكَسْبِ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ قِيمَتُهُ مِائَةٌ مَثَلًا وَكَسَبَ مِائَةً قَسَمْتَ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ خَمْسِينَ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ ضَمِّ الْأَشْيَاءِ، ثُمَّ يُقْسَمُ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ تَبَيَّنَ مِقْدَارُ الشَّيْءِ، فَيُعْلَمُ مِقْدَارُ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْقِسْمَةِ نِصْفَيْنِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ لِتَبَيُّنِ مِقْدَارِ الْعِتْقِ، (وَإِنْ كَسَبَ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ صَارَ لَهُ شَيْئَانِ وَعُتِقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، فَيُعْتَقُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ كَسْبِهِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ) ، فَفِي مَسْأَلَتِنَا إِذَا كَسَبَ مِائَتَيْنِ قَسَمْتَ الْمَجْمُوعَ وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: ثَلَاثَةٌ لِلْعَبْدِ، وَشَيْئَانِ لِلْوَرَثَةِ - وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الْعَبْدِ (وَإِنْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهِ عُتِقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَهُ نِصْفٌ مِنْ كَسْبِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ) ، فَالْجَمِيعُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَنِصْفُ شَيْءٍ، فَابْسُطْهَا تَصِرْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 كَسْبِهِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ مَوْهُوبًا لِإِنْسَانٍ فَلَهُ مِنَ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا عُتِقَ مِنْهُ   [المبدع في شرح المقنع] سَبْعَةً، لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا، (فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ: عُتِقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِلْوَرَثَةِ مِثْلَا مَا عُتِقَ مِنْهُ وَهُوَ شَيْئَانِ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ إِنْ كَسَبَ مِثْلَ قِيمَتِهِ، وَشَيْئَانِ إِنْ كَسَبَ مِثْلَا قِيمَتِهِ، وَثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ إِنْ كَسَبَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ قِيمَتِهِ، وَنِصْفُ شَيْءٍ إِنْ كَسَبَ مِثْلَ نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَعَلَى هَذَا أَبَدًا، ثُمَّ تُجْمَعُ الْأَشْيَاءُ فَتُقْسَمُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَكَسْبُهُ عَلَيْهَا، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ الشَّيْءُ، فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَكَسَبَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالَ قِيمَتِهِ - فَقَدْ عُتِقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ شَيْئَانِ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ، فَتُجْمَعُ الْأَشْيَاءُ فَتَصِيرُ سِتَّةً، فَاقْسِمْ عَلَيْهَا قِيمَةَ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ، وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةٍ، يَخْرُجُ الشَّيْءُ سِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ، فَقَدْ عُتِقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ، وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ شَيْئَانِ مِثْلَا مَا عُتِقَ مِنْهُ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مِائَتَانِ وَهِيَ ثُلُثَا كَسْبِهِ. فَرْعٌ: أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ ثُمَّ آخَرُ قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ، فَكَسَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ قِيمَتِهِ فَكَمُلَتِ الْحُرِّيَّةُ فِي الْعَبْدِ الْأَوَّلِ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، فَتَقْسِمُ الْعَبْدَيْنِ وَكَسْبَهُمَا عَلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ، فَيَخْرُجُ لِكُلِّ شَيْءٍ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ بَدَأَ بِعِتْقِ الْأَدْنَى عُتِقَ كُلُّهُ، وَأُخِذَ كَسْبُهُ، وَيَسْتَحِقُّ الْوَرَثَةُ مِنَ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَكَسْبِهِ مِثْلَيِ الْعَبْدِ الَّذِي عُتِقَ، وَهُوَ نِصْفُهُ وَنِصْفُ كَسْبِهِ، وَيَبْقَى نِصْفُهُ وَنِصْفُ كَسْبِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَيُعْتَقُ رُبُعُهُ وَلَهُ رُبُعُ كَسْبِهِ، وَيَرِقُّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَيَتْبَعُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ، وَذَلِكَ مِثْلَا مَا عُتِقَ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَدَأَ بِإِعْتَاقِهِ، فَلَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيِ الْقِيمَةِ فَأَعْتَقَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي حَيَاتِهِ - أُقْرِعَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَيِّتِ فَالْحَيُّ رَقِيقٌ، وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمَيِّتَ نِصْفُهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ مَعَ الْوَرَثَةِ مِثْلَ نِصْفِهِ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْحَيِّ عَتَقَ ثُلُثَيْهِ وَلَا يُحْسَبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ (وَإِنْ كَانَ مَوْهُوبًا لِإِنْسَانٍ فَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (بِقَدْرِ مَا عُتِقَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْهُوبَ يَعْدِلُ الْقَدْرَ الْمُعْتَقِ (وَبِقَدْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ) ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتْبَعُ الْمِلْكَ، يَلَزَمُ أَنْ يَمْلِكَ مِنَ الْكَسْبِ بِقَدْرِ مَا مَلَكَ مِنَ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً فَكَسَبَ تِسْعَةً، فَاجْعَلْ لَهُ كُلَّ دِينَارٍ شَيْئًا، فَقَدْ عُتِقَ مِنْهُ مِائَةٌ، وَلَهٍ مِنْ كَسْبِهِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ، وَلَهُمْ مِائَتَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 وَبِقَدْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ جَارِيَةً ثُمَّ وَطِئَهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهَا يُعْتِقُ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِهَا، وَلَوْ وَهَبَهَا مَرِيضًا آخَرَ لَا مَالَ لَهُ أَيْضًا فَوَهَبَهَا الثَّانِي لِلْأَوَّلِ صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ، وَعَادَ إِلَيْهِ بِالْهِبَةِ الثَّانِيَةِ ثلثه، بقي لورثة الآخر ثلثا شيء وللأول شيئان فلهم ثلاثة أرباعها، ولورثة الثاني ربعها، وإن باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة، فأسقط قيمة الرديء من قيمة الجيد، ثم أنسب الثلث إلى ما بقي وهو عشرة من   [المبدع في شرح المقنع] شَيْءٍ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ مِائَةُ جُزْءٍ. وَتِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ، لَهُ مِنْ كَسْبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَهُمْ مَا تَنَاجَزَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَمِائَتَا جُزْءٍ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ وَقِيمَةَ كَسْبِهِ صُرِفَا فِي الدَّيْنِ وَلَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّبَرُّعِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ قِيمَتَهُ وَقِيمَةَ كَسْبِهِ صُرِفَ مِنَ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ مَا يُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ، وَمَا بَقِيَ مِنْهُمَا يُقْسَمُ عَلَى مَا يُعْمَلُ فِي الْعَبْدِ الْكَامِلِ وَكَسْبِهِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ جَارِيَةً) لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا (ثُمَّ وَطِئَهَا - وَمَهْرُ مِثْلِهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا - فَهُوَ كَمَا لَوْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهَا، يُعْتَقُ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَسَبَتْ نِصْفَ قِيمَتِهَا لَعَتَقَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِهَا، سُبْعٌ بِمِلْكِهَا لَهُ مِنْ نَفْسِهَا بِحَقِّهَا مِنْ مَهْرِهَا، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهَا لِأَحَدٍ، وَسُبْعَانٌ بِإِعْتَاقِ الْمَيِّتِ، لَكِنْ فِي التَّشْبِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْكَسْبَ يَزِيدُ بِهِ مِلْكُ السَّيِّدِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فِي الْعِتْقِ، وَالْمَهْرُ يَنْقُصُهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نُقْصَانَ الْعِتْقِ، (وَلَوْ وَهَبَهَا مَرِيضًا آخَرَ لَا مَالَ لَهُ أَيْضًا فَوَهَبَهَا الثَّانِي لِلْأَوَّلِ) وَمَاتَا جَمِيعًا (صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ، وَعَادَ إِلَيْهِ بِالْهِبَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُهُ، بَقِيَ لِوَرَثَةِ الْآخَرِ ثُلُثَا شَيْءٍ، وَلِلْأَوَّلِ) أَيْ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ (شَيْئَانِ) ، فَاضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ لِيَزُولَ الْكَسْرُ تَكُنْ ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ تَعْدِلُ الْأَمَةَ الْمَوْهُوبَةَ، (فَلَهُمْ) أَيْ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا) سِتَّةٌ (وَلِوَرَثَةِ الثَّانِي رُبُعُهَا) شَيْئَانِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ صَحَّتْ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَهِبَةُ الثَّانِي صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الثُّلُثِ، فَتَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، اضْرِبْهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ تِسْعَةً، أَسْقِطِ السَّهْمَ الَّذِي صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ الثَّانِيَةُ، بَقِيَتِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، (وَإِنْ بَاعَ مَرِيضٌ قَفِيزًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِقَفِيزٍ يُسَاوِي عَشْرَةً) ، وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَيُحْتَاجُ إِلَى تَصْحِيحِ الْبَيْعِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ مَعَ التَّخَلُّصِ مِنَ الرِّبَا؛ لِكَوْنِهِ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا، فَأَشَارَ إِلَى الطَّرِيقَةِ فَقَالَ: (فَأَسْقِطْ قِيمَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 عشرين تجده نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الرديء وَيَبْطُلُ فِيمَا بَقِيَ. وَإِنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَشْرَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا، وَصَدَاقُ مِثْلِهَا خَمْسَةٌ، فَمَاتَتْ قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ - لَهَا خمسة بِالصَّدَاقِ وَشَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ، رَجَعَ إِلَيْهِ نِصْفُ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا، صَارَ لَهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفُ إِلَّا نِصْفُ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ، أجْبُرْهَا بِنِصْفِ شَيْءٍ، وَقَابِلْ يَخْرُجِ   [المبدع في شرح المقنع] الرَّدِيءِ مِنْ قِيمَةِ الْجَيِّدِ، ثُمَّ انْسُبِ الثُّلُثَ إِلَى مَا بَقِيَ وَهُوَ عَشْرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ تَجِدْهُ نِصْفَهَا، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُقَابِلُهُ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذِ جَمِيعِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ بِثَمَنٍ، فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَيَبْطُلُ فِيمَا بَقِيَ) ؛ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ، لَا يُقَالُ: فَلَا يَصِحُّ فِي الْجَيِّدِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الرَّدِيءِ وَيَبْطُلُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الرِّبَا لِكَوْنِهِ عَقْدًا يَصِحُّ فِي ثُلُثِ الْجَيِّدِ بِكُلِّ الرَّدِيءِ، وَذَلِكَ رِبًا؛ وَلِأَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ وَصِيَّةٌ، وَفِيمَا ذُكِرَ إِبْطَالُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا شَيْءٌ، وَطَرِيقُ الْجَبْرِ أَنْ يُقَالَ: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَرْفَعِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَدْنَى وَقِيمَةِ ثُلُثِ شَيْءٍ، فَتَكُونُ الْمُحَابَاةُ بِثُلُثَيْ شَيْءٍ، أَلْقِهَا مِنَ الْأَرْفَعِ يَبْقَى قَفِيزًا إِلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ ثُلُثَيِ الْمُحَابَاةِ، وَذَلِكَ شَيْءٌ وَثُلُثُ شَيْءٍ، فَإِذَا جَبَرْتَهُ عَدَلَ شَيْئَيْنِ، فَالشَّيْءُ نِصْفُ الْقَفِيزِ، وَإِنْ كَانَ الْأَدْنَى يُسَاوِي عِشْرِينَ صَحَّتْ فِي جَمِيعِ الْجَيِّدِ بِجَمِيعِ الرَّدِيءِ، وَإِنْ كَانَ الْأَدْنَى يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ فَاعْمَلْ بِالطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَلَكَ طَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ تَضْرِبَ مَا حَابَاهُ بِهِ فِي ثَلَاثَةٍ، تَبْلُغُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، انْسُبْ قِيمَةَ الْجَيِّدِ إِلَيْهَا بِثُلُثِهَا، فَيَصِحُّ بَيْعُ ثُلُثَيِ الْجَيِّدِ بِثُلُثَيِ الرَّدِيءِ، وَبَطَلَ فِيمَا عَدَاهُ. فَرْعٌ: لَوْ حَابَا فِي إِقَالَةٍ فِي سَلَمٍ كَمَنْ أَسْلَفَ عَشْرَةً فِي كَرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ أَقَالَهُ فِي مَرَضِهِ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ - تَعَيَّنَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ ذَكَرَهُ لِإِمْضَاءِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ بِزِيَادَةٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. (وَإِنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَشَرَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، وَصَدَاقُ مِثْلِهَا خَمْسَةٌ، فَمَاتَتْ قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ) - فَيَدْخُلُهَا الدَّوْرُ، فَنَقُولُ: (لَهَا خَمْسَةٌ بِالصَّدَاقِ) ؛ لِأَنَّهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، (وَشَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ، وَيَبْقَى لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ خَمْسَةُ الْأَشْيَاءِ، (رَجَعَ إِلَيْهِ نِصْفُ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا) ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَرِثُ نِصْفَ مَا لِامْرَأَتِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ (صَارَ لَهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفُ إِلَّا نِصْفَ شَيْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ خَمْسَةُ الْأَشْيَاءِ وَوَرِثَ اثْنَيْنِ وَنِصْفَ شَيْءٍ (يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ مِثْلَا مَا اسْتَحَقَّتْهُ الْمَرْأَةُ بِالْمُحَابَاةِ، وَذَلِكَ شَيْءٌ، (اجْبُرْهَا بِنِصْفِ شَيْءٍ) لِتَعْلَمَ، (وَقَابِلْ) أَيْ يُزَادُ عَلَى الشَّيْئَيْنِ نِصْفُ شَيْءٍ، فَلْيُقَابِلْ ذَلِكَ النِّصْفُ الْمُرَادُ، أَيْ يَبْقَى سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 الشَّيْءُ ثَلَاثَةً، فَلِوَرَثَتِهِ سِتَّةٌ وَلِوَرَثَتِهَا أَرْبَعَةٌ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ وَسَقَطَتِ الْمُحَابَاةُ، وَعَنْهُ: تَعْتَبَرُ الْمُحَابَاةُ مِنَ الثُّلُثِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رُجِعَ عَنْهُ. فَصْلٌ وَلَوْ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ فَأَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ - عُتِقَ وَلَمْ يَرِثْهُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَهُ كَانَ إِقْرَارُهُ لِوَارِثٍ، وَكَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِهِ لَوِ اشْتَرَى   [المبدع في شرح المقنع] (يَخْرُجُ الشَّيْءُ ثَلَاثَةً، فَلِوَرَثَتِهِ سِتَّةٌ) ؛ لِأَنَّ لَهُمْ شَيْئَيْنِ، (وَلِوَرَثَتِهَا أَرْبَعَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهَا خَمْسَةٌ وَشَيْءٌ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ، رَجَعَ إِلَى وَرَثَتِهِ نِصْفُهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ، وَالطَّرِيقَةُ فِي هَذَا أَنْ نَنْظُرَ مَا بَقِيَ فِي يَدِ وَرَثَةِ الزَّوْجِ، فَخُمُسَاهُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي صَحَّتِ الْمُحَابَاةُ فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْجَبْرِ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا، وَالشَّيْءُ هُوَ خُمُسَاهَا، وَإِنْ شِئْتَ أَسْقَطْتَ خُمُسَهُ، وَأَخَذْتَ نِصْفَ مَا بَقِيَ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ) ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، (وَسَقَطَتِ الْمُحَابَاةُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا فِي الْمَرَضِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ، فَعَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ وَارِثَةٍ كَالْكَافِرَةِ لَمْ تَسْقُطِ الْمُحَابَاةُ؛ لِعَدَمِ الْإِرْثِ، وَحِينَئِذٍ فَلَهَا مَهْرُهَا وَثُلُثُ مَا حَابَاهَا بِهِ، (وَعَنْهُ: تُعْتَبَرُ الْمُحَابَاةُ مِنَ الثُّلُثِ) ؛ لِأَنَّهَا مُحَابَاةٌ لِمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهَا الصَّدَقَةُ، فَاعْتُبِرَتْ مِنَ الثُّلُثِ كَمُحَابَاةِ الْأَجْنَبِيِّ، (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ) ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ الْمُحَابَاةُ إِنْ لَمْ يُجِزْهَا بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ الْمُسَمَّى وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقِيلَ: مَهْرُهَا وَرُبُعُ الْبَاقِي، وَقِيلَ: بَلْ ثُلُثُ الْمُحَابَاةِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ مَنْ يَرِثُهُ فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ مَرِيضَةً بِدُونِ مَهْرِهَا فَهَلْ لَهَا مَا نَقَصَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. [فَصْلٌ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ فَأَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ] فَصْلٌ (وَلَوْ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ، فَأَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ عُتِقَ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَ الْمَرِيضِ بِذَلِكَ كَالصَّحِيحِ، (وَلَمْ يَرِثْهُ، ذِكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ) وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ أَقْيَسُ؛ (لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَهُ كَانَ إِقْرَارُهُ لِوَارِثٍ) ، فَيَبْطُلُ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ لِوَارِثٍ، وَعَلَّلَهُ الْخَبَرِيُّ بِأَنَّ عِتْقَهُمْ وَصِيَّةٌ، فَلَا يُجْمَعُ لَهُمْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا وَرِثُوا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِذَا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بَطَلَ الْعِتْقُ، فَيُؤَدِّي تَوْرِيثُهُمْ إِلَى إِسْقَاطِ تَوْرِيثِهِمْ، وَقِيلَ: يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا، فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَ كَمَا لَوْ لَمْ يَصِرْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 ذَا رَحِمِهِ الْمُحَرَّمِ فِي مَرَضِهِ وَهُوَ وَارِثُهُ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ، أَوْ وَهَبَ لَهُ، فَقَبِلَهُ فِي مَرَضِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَقُ وَيَرِثُ، وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْهُ عَلَى قِيَاسِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَرِثُهُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقَهَا   [المبدع في شرح المقنع] وَارِثًا، (وَكَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِهِ لَوِ اشْتَرَى ذَا رَحِمِهِ الْمُحَرَّمِ) - أَيْ مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ (فِي مَرَضِهِ، وَهُوَ وَارِثُهُ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ، أَوْ وَهَبَ لَهُ فَقَبِلَهُ فِي مَرَضِهِ) ، أَيْ يُعْتَقْ وَلَا يَرْثِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، (وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَقُ وَيَرِثُ) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا مَلَكَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَ ابْنَ عَمِّهِ عتقا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَوَرِثَا؛ لِأَنَّهُ حِينَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ لَيْسَ بِقَاتِلٍ وَلَا مُخَالِفٍ لِدِينِهِ، وَلَا يَكُونُ عِتْقُهُمْ وَصِيَّةً، وَقِيلَ: يُعْتَقُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِلَّا عُتِقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، فَلَوْ دَبَّرَ ابْنَ عَمِّهِ عُتِقَ وَلَمْ يَرِثْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ فِي آخِرِ حَيَاتِي عُتِقَ، وَالْأَشْهُرُ: يَرِثُ، وَلَيْسَ عِتْقُهُ وَصِيَّةً، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِمَوْتِ قَرِيبِهِ لَمْ يَرِثْهُ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا اشْتَرَى مَرِيضٌ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى وَارِثِهِ صَحَّ، وَعُتِقَ عَلَى الْوَارِثِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ وَصَّى بِعِتْقِ بَعْضِ عَبْدٍ، أَوْ أَعْتَقَهُ، أَوْ دَبَّرَهُ وَبَقِيَّتُهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَثُلُثُهِ يُحْمَلُ كُلُّهُ - كَمُلَ عِتْقُهُ وَأَخَذَ الشَّرِيكُ حَقَّهُ، وَعَنْهُ: لَا سِرَايَةَ فِيهِنَّ، وَهُوَ أَوْلَى، وَفِي اسْتِسْعَائِهِ لِلشَّرِيكِ رِوَايَتَانِ، وَعَنْهُ: السِّرَايَةُ فِي الْمُنْجَزِ فَقَطْ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَإِنِ اشْتَرَى الْمَدْيُونُ ذَا رَحِمِهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ: بَلَى وَيُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، وَلَوِ اتُّهِبَ عَبْدُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَقُلْنَا: يَصِحُّ قَبُولُهُ بِدُونِ إِذْنِهِ عُتِقَ عَلَى سَيِّدِهِ (وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْهُ عَلَى قِيَاسِ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ إِرْثَهَا يُفْضِي إِلَى بُطْلَانِ عِتْقِهَا؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَإِبْطَالُ عِتْقِهَا يُبْطِلُ تَوْرِيثَهَا، (وَقَالَ الْقَاضِي: يَرِثُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَصِيَّةٌ بِمَا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ لِلْوَارِثِ كَالْعَفْوِ عَنِ الْعَمْدِ فِي مَرَضِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِيرَاثُهُ، وَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا خَرَجَتْ مِنَ الثُّلُثِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ ابْنَ عَمِّهِ أَوِ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِمَّنْ يَرِثُ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا فِي صِحَّتِهِ وَتَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَتَرِثُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، (وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقَهَا مِائَتَيْنِ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا وَهِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا ثُمَّ مَاتَ - صَحَّ الْعِتْقُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 مِائَتَيْنِ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا، وَهِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا، ثُمَّ مَاتَ - صَحَّ الْعِتْقُ وَلَمْ يُسْتَحَقَّ الصَّدَاقُ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى بُطْلَانِ عِتْقِهَا ثُمَّ يَبْطُلُ صَدَاقُهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْتَحِقُّ   [المبدع في شرح المقنع] وَالنِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، (وَلَمْ يُسْتَحَقَّ الصَّدَاقُ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى بُطْلَانِ عِتْقِهَا ثُمَّ يَبْطُلُ صَدَاقُهَا) وَوَجْهُهُ أَنَّهَا إِذَا اسْتَحَقَّتِ الصَّدَاقَ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ سِوَى قِيمَةِ الْأَمَةِ الْمُقَدَّرِ بَقَاؤُهَا، فَلَا يُنَفَّذُ الْعِتْقُ فِي كُلِّهَا؛ لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَرَضِهِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ، وَإِذَا بَطَلَ الْعِتْقُ فِي الْبَعْضِ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَإِذَا بَطَلَ النِّكَاحُ بَطَلَ الصَّدَاقُ، (وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْتَحِقُّ الْمِائَتَيْنِ) وَتُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَصِيَّةٌ لَهَا، وَهِيَ غَيْرُ وَارِثِهِ، وَالصَّدَاقُ اسْتَحَقَّتْهُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَهِيَ تُنَفَّذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أَجْنَبِيَّةً وَأَصْدَقَهَا الْمِائَتَيْنِ، وَفِي إِرْثِهَا الْخِلَافُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالْأَوَّلُ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْعِتْقِ وَاسْتِحْقَاقِ الصَّدَاقِ جَمِيعًا؛ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا خِلَافَ فِي فَسَادِ ذَلِكَ، فَلَوْ أَصْدَقَ الْمِائَتَيْنِ أَجْنَبِيَّةٌ صَحَّ وَبَطَلَ الْعِتْقُ فِي ثُلُثَيِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الثُّلُثِ مُعْتَبَرٌ بِحَالَةِ الْمَوْتِ، وَحَالَةَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ، وَكَذَا لَوْ تَلِفَتِ الْمِائَتَانِ قَبْلَ مَوْتِهِ عُتِقَ مِنْهَا الثُّلُثَ فَقَطْ. فَرْعٌ: لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا آخَرَ تَبَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ وَيَسْقُطُ مَهْرُهَا إِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَمَهْرُهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا عُتِقَ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا وَيُرَقُّ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهَا، وَحِسَابُهَا أَنْ نَقُولَ: عُتِقَ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَهَا بِصَدَاقِهَا نِصْفُ شَيْءٍ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، فَتَجْمَعُهُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَنِصْفًا، تَبْسُطُهَا تَكُنْ سَبْعَةً. مَسْأَلَةٌ: مَرِيضَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ، وَتَزَوَّجَهَا بِعَشَرَةٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ مَاتَتْ وَخَلَّفَتْ مِائَةً، فَمُقْتَضَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنْ تَضُمَّ الْعَشَرَةَ إِلَى الْمِائَةِ، فَتَكُونَ التَّرِكَةُ وَيَرِثُ نِصْفَ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُحْسَبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَيْضًا، وَيُضَمُّ إِلَى التَّرِكَةِ، وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ سِتُّونَ؛ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَرِثُ شَيْئًا وَعَلَيْهِ أَدَاءُ الْعَشَرَةِ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ إِعْتَاقُهُ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 الْمِائَتَيْنِ. وَإِنْ تَبَرَّعَ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنَ الثُّلُثَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَلَا يُعْتَقُ، فَإِذَا مَاتَ عُتِقَ عَلَى الْوَارِثِ إِنْ كَانُوا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ فِي حَيَاتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: وَهَبَ أَمَةً حُرِّمَ عَلَى الْمُتَّهَبِ وَطْؤُهَا حَتَّى تَبْرَأَ أَوْ تَمُوتَ، وَفِي " الْخِلَافِ ": لَهُ التَّصَرُّفُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": وَالْوَطْءُ. [تَبَرَّعَ بِثُلُثِ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنَ الثُّلُثَيْنِ] (وَإِنْ تَبَرَّعَ بِثُلُثِ مَالِهِ) فِي مَرَضِهِ (ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنَ الثُّلُثَيْنِ) وَلَهُ ابْنٌ (فَقَالَ الْقَاضِي) وَمُتَابِعُوهُ (يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَلَا يُعْتَقُ) الْأَبُ فِي الْحَالِ إِذَا اعْتَبَرْنَا عِتْقَهُ مِنَ الثُّلُثِ؛ لِكَوْنِهِ اشْتَرَاهُ بِمَالٍ هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْوَرَثَةِ بِتَقْدِيرِ مَوْتِهِ؛ وَلِأَنَّ تَبَرُّعَ الْمَرِيضِ إِنَّمَا يُنَفَّذُ مِنَ الثُّلُثِ، وَيُقَدَّمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا قُدِّمَ التَّبَرُّعُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الثُّلُثِ شَيْءٌ، وَلَوِ اشْتَرَى أَبَاهُ بِمَالِهِ وَهُوَ تِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَقِيمَتُهُ سِتَّةٌ، فَقَالَ الْمَجْدُ: عِنْدِي تُنَفَّذُ الْمُحَابَاةُ؛ لِسَبْقِهَا الْعِتْقَ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَحَاصَّانِ هُنَا، فَيُنَفَّذُ ثُلُثُ الثُّلُثِ لِلْبَائِعِ مُحَابَاةً، وَثُلُثَاهُ لِلْمُشْتَرِي عِتْقًا، فَيُعْتَقُ بِهِ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ دِينَارَيْنِ، وَيَكُونُ ثُلُثَا الْمُشْتَرِي مَعَ الدِّينَارَيْنِ مِيرَاثًا (فَإِذَا مَاتَ) الْمُشْتَرِي (عُتِقَ عَلَى الْوَارِثِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ (إِنْ كَانُوا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمْ) كَالْأَوْلَادِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يُعْتَقُ عَلَى أَوْلَادِ ابْنِهِ (وَلَا يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ فِي حَيَاتِهِ) ؛ إِذْ شَرْطُ الْإِرْثِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِ الْقَاضِي وَهُوَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الشِّرَاءَ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ، يُعْتَقُ الْأَبُ وَيُنَفَّذُ مِنَ التَّبَرُّعِ قَدْرَ ثُلُثِ الْمَالِ حَالَ الْمَوْتِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ سُدُسُهُ وَبَاقِيهِ لِلْوَارِثِ. فَرْعٌ: مَنْ وَهَبَ لَهُ أَبُوهُ اسْتُحِبَّ لَهُ قَبُولُهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ، فَإِنْ قَبِلَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَوَرِثَ، وَإِنْ وَهَبَ لِمُكَاتَبِهِ أَبُوهُ فَلَهُ قَبُولُهُ وَيُعْتَقُ بِعِتْقِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 كِتَابُ الْوَصَايَا وَهِيَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ هِيَ التَّبَرُّعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ.   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْوَصَايَا] [تَعْرِيفُ الوصايا] وَهِيَ جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَالْعَطَايَا جَمْعِ عَطِيَّةٍ، وَالْعَرَايَا جَمْعِ عَرِيَّةٍ، فَالْوَصِيَّةُ فَعِيلَةٌ، وَالْيَاءُ السَّاكِنَةُ بَعْدَ الصَّادِ زَائِدَةٌ لِلْمَدِّ، وَالْيَاءُ الْمُتَحَرِّكَةُ بَعْدَهَا لَامُ الْكَلِمَةِ، وَأُدْغِمَتْ، وَالتَّاءُ لِلتَّأْنِيثِ، وَأَصْلُهُ وَصَائِي بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْمَدِّ، تَلِيهَا يَاءٌ مُتَحَرِّكَةٌ هِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ، فُتِحَتْ هَذِهِ الْهَمْزَةُ الْعَارِضَةُ فِي الْجَمْعِ، وَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، فَصَارَ وَصَاءَا، فَكَرِهُوا اجْتِمَاعَ أَلِفَيْنِ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ، فَقَلَبُوهَا يَاءً، فَصَارَ وَصَايَا، وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ وَزْنَهُ فَعَالَى، وَإِنَّ جَمْعَ الْمُعْتَلِّ خِلَافُ جَمْعِ الصَّحِيحِ، لَكَانَ حَسَنًا، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ: إِذَا وَصَلْتُهُ، فَالْمُوصِي وَصَلَ مَا كَانَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ بِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] ، وقَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] ؛ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ، لِيَجْعَلَهَا لَكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. (وَهِيَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ) فَهِيَ لُغَةً عِبَارَةٌ عَنِ الْأَمْرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 وَتَصِحُّ مِنَ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا   [المبدع في شرح المقنع] {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة: 132] ، {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: 151] وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَطِيبِ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، أَيْ: آمُرُكُمْ، فَقَوْلُهُ: هِيَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ إِلَى آخِرِهِ بَيَانٌ لِأَحَدِ نَوْعَيِ الْوَصِيَّةِ، وَهِيَ أَنْ يُوصِيَ إِلَى إِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، أَوْ يُفَرِّقَ ثُلُثَ مَالِهِ، وَالْقَيْدُ الْأَخِيرُ أَخْرَجَ الْوَكَالَةَ، وَقَدْ أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخِلَافَةِ لِعُمَرَ، وَوَصَّى بِهَا إِلَى أَهْلِ الشُّورَى، وَلَمْ يُنْكَرْ، وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ يَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَيُنْفِقُ عَلَى أَيْتَامِهِمْ مِنْ مَالِهِ (وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ هِيَ التَّبَرُّعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ) هَذَا بَيَانُ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْهَا، وَالْقَيْدُ الْأَخِيرُ أَخْرَجَ الْهِبَةَ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالٍ يَقِفُ نُفُوذُهُ عَلَى خُرُوجِهِ مِنَ الثُّلُثِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْعَطِيَّةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةً، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَصِيَّةً لِمُخَالَفَتِهَا لَهَا فِي الِاسْمِ وَالْحُكْمِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَفِي حَدِّهِ اخْتِلَالٌ مِنْ أَوْجُهٍ. وَقَدْ يُعْتَرَضُ أَيْضًا بِأَنَّهَا: قَدْ تَكُونُ بِحَقٍّ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ بِمَالٍ. قَوْلُهُ بِالْمَالِ، أَيْ بِجُزْءٍ مِنْهُ، وَقَدْ تَكُونُ بِكُلِّهِ، وَيُجِيزُهُ الْوَارِثُ. وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: الْمُوصِي، وَالْمُوصَى لَهُ، وَالْمُوصَى بِهِ، وَالصِّيغَةُ، وَهِيَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، فَلَوْ قَالَ: هَذَا لِفُلَانٍ، فَهُوَ إِقْرَارٌ، وَلَيْسَ بِوَصِيَّةٍ إِلَّا أَنْ يَتَوَافَقَا عَلَى إِرَادَةِ الْوَصِيَّةِ، فَيَصِحُّ. وَلَوْ قَالَ: هَذَا مِنْ مَالِي لِفُلَانٍ، فَهُوَ وَصِيَّةٌ يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ مَعَ التَّعْيِينِ، فَلَوْ أَوْصَى لِمَسْجِدٍ، أَوْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَالْفُقَرَاءِ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى قَبُولٍ. [مَنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ] (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ (مِنَ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ، عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا) لِأَنَّ هِبَتَهُمْ صَحِيحَةٌ، فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، جَازَتْ وَصِيَّتُهُ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يُعَايِنِ الْمَوْتَ، قَالَهُ فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ، وَالْوَصِيَّةُ قَوْلٌ، وَظَاهِرُهُ فِي الْكَافِرِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَلَا لِمَالِهِ. وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْعَبْدِ إِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ أَوْ عُتِقَ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهَا، وَالْحَاصِلُ: أَنَّهَا تَصِحُّ مِنَ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ مُطْلَقًا، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي هَذَا، وَالضَّعِيفُ فِي عَقْلِهِ إِنْ مَنَعَ ذَلِكَ رُشْدَهُ فِي مَالِهِ، فَهُوَ كَالسَّفِيهِ، وَإِلَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 وَمِنَ السَّفِيهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَمِنَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، إِذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ. وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا رِوَايَتَانِ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عَاقِلٍ كَالطِّفْلِ   [المبدع في شرح المقنع] فَكَالْعَاقِلِ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، (وَ) تَصِحُّ (مِنَ السَّفِيهِ) بِمَالٍ، لَا عَلَى أَوْلَادِهِ (فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ. قَالَ الْخَبَرِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَجَرَ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ، وَلَيْسَ فِيهَا إِضَاعَةٌ لِمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ عَاشَ كَانَ مَالُهُ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ فَلَهُ ثَوَابُهُ، وَهُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ، فَلَمْ تَصِحَّ مِنْهُ كَالْهِبَةِ، وَالْأَوَّلُ نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ بِأَنَّهُ عَاقِلٌ مُكَلَّفٌ، فَصَحَّتْ مِنْهُ كَعِبَادَتِهِ. (وَمِنَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إِذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ) نَقَلَهُ صَالِحٌ، وَحَنْبَلٌ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي صِحَّتِهَا، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ أَنَّ صَبِيًّا مِنْ غَسَّانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ أَوْصَى لِأَخْوَالٍ لَهُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَجَازَ وَصِيَّتَهُ. وَرَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ نَحْوَهُ. وَانْتَشَرَ، وَلَمْ يُنْكِرْ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ تَمَحَّضَ نَفْعًا لَهُ، فَصَحَّ مِنْهُ كَالْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُ، وَلَا أُخْرَاهُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، وَالْعِتْقِ الْمُنْجَزِ، فَإِنَّهُ تَفْوِيتٌ لِمَالِهِ، وَقَيَّدَهُ الْخِرَقِيُّ إِذَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَهُوَ مُرَادٌ فِي جَمِيعِ الْوَصَايَا. [مَنْ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ] (وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ دُونَ السَّبْعِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لَهُ، وَلَا تَصِحُّ عِبَادَتُهُ، وَلَا إِسْلَامُهُ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ لِسَبْعٍ، كَعِبَادَتِهِ (وَفِيمَا بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ السَّبْعِ وَالْعَشْرِ (رِوَايَتَانِ) أَقْيَسُهُمَا: أَنَّهَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَاقِلٌ، فَيَصِحُّ إِسْلَامُهُ، وَيُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، وَتَصِحُّ مِنْهُ، كَمَنْ جَاوَزَ الْعَشْرَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ، وَهِيَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفُ الرَّأْيِ، أَشْبَهَ مَنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ، وَمِنَ الْأَصْحَابِ كَالْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 وَالْمَجْنُونِ وَالْمُبَرْسَمِ، وَفِي السَّكْرَانِ وَجْهَانِ وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] ظَاهِرُ نَقْلِ الْمَيْمُونِيِّ أَنَّهُ لَا يُقَيَّدُ بِسِنٍّ، بَلْ إِذَا عَقَلَ تَصِحُّ مِنْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي الْمَنْصُوصِ، وَعَنْهُ إِذَا بَلَغَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، حَكَاهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهِيَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ تَبَعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْهُ كَالْهِبَةِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، وَهَذَا فِي الصَّبِيِّ، وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَقَدْ نَصَّ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ. (وَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عَاقِلٍ كَالطِّفْلِ) وَهُوَ مَنْ لَهُ سِتُّ سِنِينَ فَمَا دُونَهَا (وَالْمَجْنُونِ وَالْمُبَرْسَمِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ فِيهِمَا، وَفِي الْمُغْنِي لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِخِلَافِهِ إِلَّا إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إِذَا وَافَقَتِ الْحَقَّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِمَا، وَلَا تَصَرُّفِهِمَا، فَالْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَصِحَّ إِسْلَامُهُ، وَصَلَاتُهُ الَّتِي هِيَ مَحْضُ نَفْعٍ، وَلَا ضَرَرَ فِيهَا، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ بَذْلُهُ لِمَالٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَارِثُهُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ يُجَنُّ فِي الْأَحْيَانِ، فَأَوْصَى حَالَ إِفَاقَتِهِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعُقَلَاءِ فِي شَهَادَتِهِ، وَوُجُوبِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَذَلِكَ (وَفِي السَّكْرَانِ وَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا: لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَاقِلٍ، أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، وَطَلَاقُهُ إِنَّمَا وَقَعَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ؛ لِارْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى طَلَاقِهِ. (وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ) أَيْ: إِذَا فُهِمَتْ؛ لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ نُطْقِهِ فِي طَلَاقِهِ وَلِعَانِهِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ، فَلَا حُكْمَ لَهَا (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَنِ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ بِهَا) أَيْ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْيُوسًا مِنْ نُطْقِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْ نُطْقِهِ، وَكَالْقَادِرِ عَلَى الْكَلَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ كَالْأَخْرَسِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَّى وَهُوَ قَاعِدٌ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَنِ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَإِنْ وُجِدَتْ وَصِيَّتُهُ بِخَطِّهِ، صَحَّتْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَصِحَّ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا.   [المبدع في شرح المقنع] وَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَقْعُدُوا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا إِذَا اتَّصَلَ بِاعْتِقَالِ لِسَانِهِ الْمَوْتُ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ (وَإِنْ وُجِدَتْ وَصِيَّتُهُ بِخَطِّهِ) الثَّابِتِ بِإِقْرَارِ وَارِثِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ (صَحَّتْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِيهِ: وَعُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورَ الْخَطِّ يُقْبَلُ مَا فِيهَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا حَقُّ امْرِئٍ» الْخَبَرَ، فَلَمْ يَذْكُرْ شَهَادَةً، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يُتَسَامَحُ فِيهَا، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى الْخَطَرِ وَالْغَرَرِ وَغَيْرِهِ، فَجَازَ أَنْ يُتَسَامَحَ فِيهَا بِقَبُولِ الْخَطِّ كَرِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَكِتَابَةِ الطَّلَاقِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَصِحَّ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا بِمَا فِيهَا) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهِيَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ فَكَذَا هُنَا، وَأَبْلَغُ مِنْهُ الْحَاكِمُ، فَلَوْ كَتَبَهَا وَخَتَمَهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ، كَكِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي، وَفِيهَا رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا الْخِرَقِيُّ، وَهِيَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْبَصْرَةِ وَقُضَاتُهَا، وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عُمَّالِهِ وَأُمَرَائِهِ فِي أَمْرِ وِلَايَتِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَسُنَنِهِ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ إِلَى عُمَّالِهِمْ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاءُ وَالْفُرُوجُ وَالْأَمْوَالُ مَخْتُومَةً، لَا يَعْلَمُ حَامِلُهَا مَا فِيهَا، وَأَمْضَوْهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْمَنْعِ لِظُهُورِ دَلِيلِهِ، وَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ خَرَّجَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ رِوَايَةً مِنَ الْأُخْرَى، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُعْلَمُ رُجُوعُهُ عَنْهَا، وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ، وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ، وَيُشْهِدَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لَهَا، وَأَحْفَظُ لِمَا فِيهَا، وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانٌ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ، وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 فَصْلٌ وَالْوَصِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا، وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ بِخُمْسِ مَالِهِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ   [المبدع في شرح المقنع] السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، أَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ، وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] . [حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَالْقَدْرُ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ] فَصْلٌ (وَالْوَصِيَّةُ) لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَعَنْهُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَفِي الْمَرَضِ مِنَ الثُّلُثِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ الْعَطِيَّةُ الْمُنْجَزَةُ، تَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي الصِّحَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ إِذَا لَمْ يَحْمِلْهُمَا الثُّلُثُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَطِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إِلَّا الثُّلُثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهِيَ (مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] نُسِخَ الْوُجُوبُ، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنَ التَّرْكِ بَقِيَ الرُّجْحَانُ، وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «يَقُولُ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا مِنْ مَالِكَ حِينَ أَخَذْتُ بِكَظْمِكَ لِأُطَهِّرَكَ وَأُزَكِّيَكَ» لَكِنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ وَاجِبٌ غَيْرُهُ، وَعَنْهُ تَجِبُ لِكُلِّ قَرِيبٍ غَيْرِ وَارِثٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي التَّبْصِرَةِ عَنْهُ: وَلِلْمَسَاكِينِ، وَوَجْهِ الْبِرِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ تَرْكَ الْخَيْرِ، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ، وَلِقَوْلِهِ: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ» . الْخَبَرَ (وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ) وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِهِ، فَعَنْ أَحْمَدَ: إِذَا تَرَكَ دُونَ الْأَلْفِ لَا تُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ دُونَ الْأَلْفِ لَا تُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا أَنَّهَا تُسَنُّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَعَنْهُ: عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 إِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ، فَأَمَّا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا تَرَكَ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ لَا يُوصِي، وَقَالَ: مَنْ تَرَكَ سِتِّينَ دِينَارًا مَا تَرَكَ خَيْرًا، وَعَنْ طَاوُسٍ: هُوَ ثَمَانُونَ دِينَارًا، وَعَنِ النَّخَعِيِّ: أَلْفٌ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَتْرُوكُ لَا يَفْضُلُ عَنْ غِنَى الْوَرَثَةِ لَمْ تُسْتَحَبَّ الْوَصِيَّةُ، لِمَا عَلَّلَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَعَلَيْهِ يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِاخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ فِي كَثْرَتِهِمْ وَقِلَّتِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَحَاجَتِهِمْ، فَلَا يُتَقَيَّدُ بِقَدْرٍ مِنَ الْمَالِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ مَعَ غِنَاهُ عُرْفًا، وَقِيلَ: الْغَنِيُّ عُرْفًا: مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالْأَدْنَى مَنْ لَهُ دُونَهَا (بِخُمْسِ مَالِهِ) رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ السَّلَفِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَضِيتُ بِمَا رَضِيَ اللَّهُ بِهِ لِنَفْسِهِ يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ؛ وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: أُوصِي إِلَى أَنْ أَسْأَلَ الْعُلَمَاءَ: أَيُّ الْوَصِيَّةِ أَعْدَلُ، فَمَا تَتَابَعُوا عَلَيْهِ، فَهُوَ وَصِيَّةٌ فَتَتَابَعُوا عَلَى الْخُمْسِ، وَقِيلَ: بِالثُّلُثِ لِلْخَبَرِ، وَفِي الْإِفْصَاحِ: يُسْتَحَبُّ بِدُونِهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ بِخُمْسِهِ الْمُتَوَسِّطَ، وَذَكَرَ آخَرُونَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ فَوْقَ أَلْفٍ إِلَى ثَلَاثَةٍ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْصَى بِالْخُمْسِ، وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَى وَرَثَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَبِالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْعَلَ وَصِيَّتَهُ لِأَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَإِنْ وَصَّى لِغَيْرِهِمْ وَتَرَكَهُمْ، صَحَّتْ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ (وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ مَنْ تَرَكَ خَيْرًا، وَهُوَ الْفَقِيرُ (إِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ) مَحَاوِيجُ، كَذَا قَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: رَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ أَقَارِبِهِ الْمَحَاوِيجِ إِلَى الْأَجَانِبِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا مِنْ مَالٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ مَالٍ يَتْرُكُهُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ يُغْنِيهِمْ بِهِ عَنِ النَّاسِ، وَأَطْلَقَ فِي الْغُنْيَةِ اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ لَا يَرِثُ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلِمِسْكِينٍ، وَعَالَمٍ، وَدَيِّنٍ قَطَعَهُ عَنِ السَّبَبِ العذر، وَكَذَا قَيَّدَ فِي الْمُغْنِي اسْتِحْبَابَهَا لِقَرِيبٍ بِفَقْرِهِ، (فَأَمَّا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 إِلَّا الثُّلُثُ وَلَا تَجُوزُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلَا لِوَارِثِهِ بِشَيْءٍ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، إِلَّا أَنْ يُوصِيَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ، فَهَلْ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَارِثِ، فَإِذَا عُدِمَ، وَجَبَ أَنْ يَزُولَ الْمَنْعُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ أَشْبَهَ حَالَ الصِّحَّةِ (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ إِلَّا الثُّلُثُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْ يَعْقِلُ عَنْهُ، فَلَمْ تَنْفُذْ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ، وَهُوَ بَيْتُ الْمَالِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ وَرِثَهُ زَوْجٌ، أَوْ زَوْجَةٌ وَرُدَّ، بَطَلَتْ بِقَدْرِ فَرْضِهِ مِنْ ثُلُثَيْهِ، فَيَأْخُذُ الْوَصِيُّ الثُّلُثَ، ثُمَّ ذُو الْفَرْضِ مِنْ ثُلُثَيْهِ، ثُمَّ تُتَمَّمُ الْوَصِيَّةُ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: لَا تُتَمَّمُ كَوَارِثٍ بِفَرْضٍ وَرَدٍّ، وَعَلَيْهَا بَيْتُ الْمَالِ جِهَةُ مَصْلَحَةٍ لَا وَارِثٌ، وَلَوْ وَصَّى أَحَدُهُمَا لِآخَرَ فَعَلَى الْأُولَى كُلُّهُ إِرْثًا وَوَصِيَّةً، وَقِيلَ لَا تَصِحُّ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: ثُلُثُهُ وَصِيَّةٌ، ثُمَّ فَرْضُهُ، وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إِذَا خَلَّفَ ذَا رَحِمٍ، أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِقَوْلِهِ: وَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَلَا عَصَبَةَ وَلَا مَوْلَى، فَجَائِزٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَا الرَّحِمِ إِرْثُهُ كَالْفَضْلَةِ أَوِ الصِّلَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ: أَنَّهَا لَا تَنْفُذُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَارِثًا فِي الْجُمْلَةِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ كَذِي الْفَرْضِ الَّذِي يَحْجُبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. (وَلَا تَجُوزُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلَا لِوَارِثِهِ بِشَيْءٍ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِغَيْرِ وَارِثٍ تَلْزَمُ فِي الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إِجَازَةٍ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ «يَقُولُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَعْدٍ حِينَ قَالَ: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَالشِّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ عِمْرَانَ فِي الْمَمْلُوكِينَ السِّتَّةِ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمُ الْمَرِيضُ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إِذَا لَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ، وَتَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ فَكَالْوَصِيَّةِ لِغَيْرِهِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ فِي أَنَّهَا تَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ، وَتَبْطُلُ بِالرَّدِّ بِغَيْرِ خِلَافٍ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا، تَحَاصُّوا فِيهِ، وَأُدْخِلَ النَّقْصُ   [المبدع في شرح المقنع] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رَوَاهُ وَأَحْمَدُ، وأبو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَارِثُ، إِلَّا أَنْ يُعْطُوهُ عَطِيَّةً مُبْتَدَأَةً أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَقَالَهُ الْمُزَنِيُّ وَغَيْرُهُ لِظَاهِرِ خَبَرِ أَبِي أُمَامَةَ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى صِحَّتِهَا فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، فَصَحَّ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْخَبَرُ قَدْ خُصَّ بِخَبَرِ عُمَرَ، وَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَلَوْ خَلَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا وَصِيَّةَ نَافِذَةً، أَوْ لَازِمَةً، وَنَحْوَهُمَا، أَوْ يُقَدَّرَ: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً، فَإِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ، وَإِلَّا هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِذَا أَوْصَى بِوَقْفِ ثُلُثِهِ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تُكْرَهُ لِغَيْرِ وَارِثٍ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَتَصِحُّ وَتَلْزَمُ بِالْإِجَازَةِ، وَعَنْهُ: تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، فَتَبْطُلُ وَحْدَهَا، وَلَا يَجُوزُ لِوَارِثٍ بِثُلُثِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي التَّبْصِرَةِ: تُكْرَهُ وَتَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ بِالْإِجَازَةِ (إِلَّا أَنْ يُوصِيَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ) كَمَنَ خَلَّفَ ابْنًا وَبِنْتًا وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَأَمَةً قِيمَتُهَا خَمْسُونَ، فَأَوْصَى لِلِابْنِ بِالْعَبْدِ، وَلِلْبِنْتِ بِالْأَمَةِ (فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا جَمَاعَةٌ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الْعَيْنِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَارَضَ الْمَرِيضُ بَعْضَ وَرَثَتِهِ، أَوْ أَجْنَبِيًّا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إِذَا كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ فَوَاتَ عَيْنِ الْمَالِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِجَازَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَعْيَانِ غَرَضًا صَحِيحًا، فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُ حَقِّهِ مِنْهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ إِبْطَالُهُ مِنَ الْقَدْرِ، وَكَذَا، وَقَفَهُ بِالْإِجَارَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا. 1 - (وَإِنْ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ وَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ، جازت   [المبدع في شرح المقنع] يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا، تَحَاصُّوا فِيهِ، وَأُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ) لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الْأَصْلِ، وَتَفَاوَتُوا فِي الْمِقْدَارِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ، وَالثَّالِثِ بِمُعَيَّنٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ، وَلِفِدَاءِ أَسِيرٍ بِثَلَاثِينَ، وَلِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ بِعِشْرِينَ، وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ، فَجُمِعَتِ الْوَصَايَا كُلُّهَا فَبَلَغَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَنُسِبَتْ مِنْهَا الثُّلُثُ فَكَانَ ثُلُثَهَا، فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُ وَصِيَّتِهِ (وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ) وَمَا فَضَلَ يُقَسَّمُ بَيْنَ سَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى قَدْرِهَا، وَهِيَ قَوْلُ عُمَرَ، وَشُرَيْحٍ، وَالثَّوْرِيِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْآدَمِيِّ، فَكَانَ آكَدَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ فَسْخٌ، وَهُوَ أَقْوَى بِدَلِيلِ سَرَايَتِهِ، وَنُفُوذِهِ مِنَ الْمُرَاهِقِ الْمُفْلِسِ، وَالْعَطَايَا الْمُعَلَّقَةُ بِالْمَوْتِ كَالْوَصَايَا فِي هَذَا. فَرْعٌ: إِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَ الْوَارِثَ إِعْتَاقُهُ، وَلَمْ يُعْتَقْ إِلَّا بِإِعْتَاقِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ، أَوِ الْحَاكِمُ، فَهُوَ حُرٌّ مِنْ حِينِ أَعْتَقَهُ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ، وَكَسْبُهُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ إِرْثٌ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لَهُ، وَفِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي مُوصًى بِوَقْفِهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ: الْمُوصَى بِعِتْقِهِ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَلَهُ حُكْمُ الْمُدَبَّرِ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَسْقَطَ عَنْ وَارِثِهِ دَيْنًا، أَوْ وَصَّى بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ أَسْقَطَتْ صَدَاقَهَا عَنْ زَوْجِهَا، أَوْ عَفَا عَنْ جِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ، فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ وَصَّى لِغَرِيمِ الْوَارِثِ، أَوْ وَهَبَ لَهُ هِبَةً: صَحَّ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ الْوَارِثِ، فَإِنْ قَصَدَ نَفْعَ الْوَارِثِ، لَمْ يَجُزْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. (وَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ) بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَعَنْهُ، وَقَبْلَهُ فِي مَرَضِهِ، خَرَّجَهَا الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ مِنْ إِذْنِ الشَّفِيعِ فِي الشِّرَاءِ، ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حمدان، والشيخ تَقِيِّ الدِّينِ (جَازَتْ) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَجَازَتْ بِإِجَازَتِهِمْ، كَمَا تَبْطُلُ بِرَدِّهِمْ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ، أَوْ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ أَنَّهَا لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 وَإِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ، وَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا فِيهَا، فَلَوْ كَانَ الْمُجِيزُ أَبًا لِلْمُجَازِ لَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُجَازُ عِتْقًا، كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُوصِي، يَخْتَصُّ بِهِ عُصْبَتُهُ، وَلَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْمُجِيزِينَ، صَحَّ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ هِبَةٌ، فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] تَجُوزُ لِوَارِثٍ (وَإِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهَا إِمْضَاءٌ لِقَوْلِ الْمَوْرُوثِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّنْفِيذِ إِلَّا ذَلِكَ فَيَكْفِي لَفْظُهَا، وَهُوَ أَجَزْتُ، وَكَذَا أَمْضَيْتُ، أَوْ نَفَذْتُ، فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْهَا لَزِمَتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْمُوصَى لَهُ فِي الْمَجْلِسِ (لَا تَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ، وَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا فِيهَا) أَيْ: أَحْكَامُ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِهِبَةٍ (فَلَوْ كَانَ الْمُجِيزُ أَبًا لِلْمُجَازِ لَهُ) كَمَنْ أَوْصَى لِوَلَدِ وَلَدِهِ مَعَ وُجُودِهِ (لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِلْأَبِ (الرُّجُوعُ فِيهِ) لِأَنَّ الْأَبَ إِنَّمَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَ، لَا فِيمَا وَهَبَهُ غَيْرُهُ (وَلَوْ كَانَ الْمُجَازُ عِتْقًا) بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ فَأَعْتَقُوهُ نَفَذَ الْعِتْقُ فِي ثُلُثِهِ، وَوَقَفَ عِتْقُ الْبَاقِي عَلَى إِجَازَتِهِمْ، فَإِنْ أَجَازُوهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ (وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُوصَى) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي هُوَ أَعْتَقَهُ (يَخْتَصُّ بِهِ عَصَبَتُهُ) كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ (وَلَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْمُجِيزِينَ) كَالْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ (صَحَّ) أَيِ الْوَقْفُ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَيْهِمْ أَبُوهُمْ. (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ هِبَةٌ) أَخْذًا مِنْ إِطْلَاقِهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَظَاهِرُهُ نَفْيُ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا، فَتَكُونُ إِجَازَتُهُمُ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ، وَأَطْلَقَهُمَا أَبُو الْفَرَجِ، وَخَصَّهَا فِي الِانْتِصَارِ بِالْوَارِثِ (فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ) فَيَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ مِنَ الْقَبْضِ وَنَحْوِهِ، وَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِي جَمِيعِ مَا وَصَّى بِهِ لِابْنِهِ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْعَصَبَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَالْوَقْفُ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنَّ فِي صِحَّتِهَا بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ إِذَا قُلْنَا: هِيَ هِبَةٌ - وَجْهَيْنِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَالصِّحَّةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَلِهَذَا قِيلَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ هَلْ هُوَ بَاطِلٌ، أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؟ وَقِيلَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ، وَأَمَّا عَلَى الْبُطْلَانِ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّنْفِيذِ، وَهُوَ أَشْبَهُ، وَقَرَّرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْوَارِثَ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَطَرَدَ هَذَا فِي الْأَعْيَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 أَوْصَى لَهُ، وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ وَارِثٌ، فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ، وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَارِثًا، بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُشَاعَةِ، كَالْغَانِمِ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْوَقْفِ، وَالْمُضَارِبِ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرِّبْحِ. فَوَائِدُ أُخَرُ مِنْهَا: إِذَا أَوْصَى بِمَجْهُولٍ، فَأَجَازَهُ الْوَارِثُ، فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ تَنْفِيذٌ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ، فَأَجَازَ، فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ عَطِيَّةُ حِنْثٍ، وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا: إِجَازَةُ الْمُفْلِسِ، فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إِنَّهَا نَافِذَةٌ وَهُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّنْفِيذِ، وَيَخْرُجُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ. وَمِنْهَا: أَنَّ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِنَ الْوَصَايَا إِذَا أُجِيزَ هَلْ يُزَاحَمُ بِالزَّائِدِ مَا لَمْ يُجَاوِزْهُ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ، قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَشْكَلَ تَوْجِيهُهُ عَلَى الْأَصْحَابِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَتْ مَعَنَا وَصِيَّتَانِ، إِحْدَاهُمَا مُجَاوِزَةٌ لِلثُّلُثِ، وَالْأُخْرَى لَا تُجَاوِزُهُ، كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ، فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ الْمُجَاوِزَةَ لِلثُّلُثِ خَاصَّةً، فَإِنْ قُلْنَا: الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ، زَاحَمَ صَاحِبُ النِّصْفِ صَاحِبَ الثُّلُثِ بِنِصْفٍ كَامِلٍ، فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ؛ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَلِلْآخَرِ خُمْسَاهُ، ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ نِصْفُهُ بِالْإِجَازَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ عَطِيَّةٌ، فَإِنَّمَا يُزَاحِمُهُ بِثُلُثٍ خَاصَّةً إِذِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ مِنَ الْوَرَثَةِ، لَمْ تُتَلَقَّ مِنَ الْمَيِّتِ، فَلَا تُزَاحَمُ بِهِ الْوَصَايَا، فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثُهُ بِالْإِجَازَةِ. 1 - (وَمَنْ أَوْصَى لَهُ، وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ وَارِثٌ) كَمَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ إِخْوَتِهِ (فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ) بِسَبَبِ تَجَدُّدِ ابْنٍ لِلْمُوصِي (صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ) لِأَنَّ الْأَخَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِوَارِثٍ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ الْحَالُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِانْتِقَالُ إِلَى الْوَارِثِ، وَالْمُوصَى لَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الثُّلُثِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ) كَمَنَ أَوْصَى لِأَخِيهِ مَعَ وُجُودِ ابْنِهِ (فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَارِثًا بَطَلَتْ) وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ (لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَلَوْ وَصَّى لِثَلَاثَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 وَلَا تَصِحُّ إِجَازَتُهُمْ وَرَدُّهُمْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَمَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَجَزْتُ لِأَنَّنِي ظَنَنْتُ الْمَالَ قَلِيلًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] إِخْوَةٍ لَهُ مُفْتَرِقِينَ، وَلَا وَلَدَ لَهُ، وَمَاتَ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ الْأَخِ مِنَ الْأَبِ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لِلْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ إِجَازَةٍ إِذَا لَمْ تَتَجَاوَزِ الثُّلُثَ، وَإِنْ وُلِدَ لَهُ بِنْتٌ، جَازَتِ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ الْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَيَكُونُ لَهُمَا ثُلُثَا الْمُوصَى بَيْنَهُمَا. فَرْعٌ: لَوْ وَصَّى لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَأَوْصَتْ لَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُمَا إِلَّا بِالْإِجَازَةِ، وَإِنْ أَوْصَى أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا جَازَتِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَيْرَ وَارِثٍ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُعْطَى أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ أَنَّهُ طَلَّقَهَا لِيُوصِلَ إِلَيْهَا مَالَهُ بِالْوَصِيَّةِ، فَلَمْ يَنْفُذْ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَأَوْصَى لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا. (وَلَا تَصِحُّ إِجَازَتُهُمْ وَرَدُّهُمْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ حِينَئِذٍ، فَتَصِحُّ مِنْهُمُ الْإِجَازَةُ، وَالرَّدُّ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ) هَذَا زِيَادَةُ إِيضَاحٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَمْلِكُوهُ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ مَا ذَكَرَ كَالْمَرْأَةِ تُسْقِطُ مَهْرَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ، وَالشَّفِيعِ يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَقَدْ سَبَقَ. فَرْعٌ: لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ وَالرَّدُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْمُفْلِسِ، وَالسَّفِيهِ (وَمَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ) كَمَا إِذَا كَانَتْ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ زَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ (ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَجَزْتُ؛ لِأَنَّنِي ظَنَنْتُ الْمَالَ قَلِيلًا) كَمَا إِذَا أَوْصَى بِنِصْفِ مَالِهِ، فَأَجَازَهُ الْوَارِثُ، وَكَانَ الْمَالُ سِتَّةَ آلَافٍ، فَقَالَ: ظَنَنْتُهُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إِمَّا تَنْفِيذٌ أَوْ هِبَةٌ، وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ فِي الْمَجْهُولِ (مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كَذِبَهُ (وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِجَازَةِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ خَمْسَمِائَةٍ، فَكَانَتْ أَلْفًا، فَيَرْجِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَحْصُلُ لِلْمُوصَى لَهُ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ عَقْدًا لَهُ الْخِيَارَ فِي فَسْخِهِ فَبَطَلَ خِيَارُهُ كَمَا لَوْ أَجَازَ الْبَيْعَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِهِ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ (إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 كَانَ الْمُجَازُ عَيْنًا، فَقَالَ: ظَنَنْتُ بَاقِيَ الْمَالِ كَثِيرًا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ إِلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَأَمَّا قَبُولُهُ وَرَدُّهُ قَبْلَ الْمَوْتِ،   [المبدع في شرح المقنع] بَيِّنَةٌ) تَشْهَدُ بِاعْتِرَافِهِ بِقَدْرِهِ، أَوْ يَكُونَ الْمَالُ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِذَا قُلْنَا: الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ، وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ هِبَةٌ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ فِي مِثْلِهِ، وَمِنَ الْأَصْحَابِ كَالْقَاضِي، وَالْمَجْدِ، بَنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ مَعْلُومًا لِلْمُجِيزِ أَمْ لَا، فَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ قَدْرًا مُسْتَوِيًا مِنَ الْمَالِ، ثُمَّ قَالَ: ظَنَنْتُ الْمَالَ قَلِيلًا، أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ صِحَّةَ إِجَازَةِ الْمَجْهُولِ لَا تُنَافِي ثُبُوتَ الرُّجُوعِ فِيهِ إِذَا تَبَيَّنَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُجِيزِ، لَمْ يُعْلَمِ اسْتِدْرَاكًا لِظُلَامَتِهِ، كَمَا نَقُولُ فِيمَنْ أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ لِمَعْنًى، ثُمَّ بَانَ بِخِلَافِهِ، فَإِنَّ لَهُ الْعَوْدَ إِلَيْهَا، فَكَذَلِكَ هُنَا إِذَا أَجَازَ الْجُزْءَ الْمُوصَى بِهِ يَظُنُّهُ قَلِيلًا فَبَانَ كَثِيرًا، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ النِّصْفَ الْمُوصَى بِهِ مَثَلًا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، ثُمَّ بَانَ أَلْفًا، فَهُوَ إِنَّمَا أَجَازَ خَمْسِينَ لَمْ يُجِزْ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا، فَلَا تَنْفُذُ إِجَازَتُهُ فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا جَازَ النِّصْفُ (وَإِنْ كَانَ الْمُجَازُ عَيْنًا) كَعَبْدٍ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ (فَقَالَ: ظَنَنْتُ بَاقِيَ الْمَالِ كَثِيرًا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ، لَا جَهَالَةَ فِيهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْمَحُ بِذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ، فَإِذَا بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ لَحِقَهُ الضَّرَرُ فِي الْإِجَازَةِ، فَمَلَكَ الْفَسْخَ كَالْأُولَى، وَقِيلَ: يَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْمُجَازَ مَعْلُومٌ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُجَازُ مَبْلَغًا مَعْلُومًا، فَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ قِيمَتُهُ سِتَّمِائَةٍ، فَيُجِيزُ الْوَصِيَّةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَالَ أَلْفٌ مَثَلًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ سِتُّمِائَةٍ، فَيَدَّعِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَجَازَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ جَمِيعُ الْعَبْدِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَعَلَى الثَّانِي: ثُلُثَا الْعَبْدِ وَتُسْعُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ ثُلُثَ الْمَالِ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَقَدْ أَجَازَ لَهُ سِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَا بَيْنَ الْأَلْفِ وَسِتِّمِائَةٍ الْمَظْنُونَةِ قِيمَةَ الْعَبْدِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفٌ، فَبَانَ أَكْثَرَ، قُبِلَ، وَلَيْسَ نَقْضًا لِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ، قَالَ: وَإِنْ أَجَازَ، وَقَالَ: أَرَدْتُ أَصْلَ الْوَصِيَّةِ، قُبِلَ. [لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ إِلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ] (وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ إِلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ: إِذَا كَانَتْ لِمُعَيَّنٍ يُمْكِنُ الْقَبُولُ مِنْهُ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ فَاعْتُبِرَ قَبُولُهُ كَالْهِبَةِ، قَالَ أَحْمَدُ: الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَاحِدَةٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْقَبُولُ بِاللَّفْظِ، بَلْ يَحْصُلُ بِهِ وَبِمَا قَامَ مَقَامَهُ كَالْهِبَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَهُ، بَطَلَتْ أَيْضًا، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ، أَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، ذَكَرَهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْبَيْعِ، وَيَجُوزُ الْقَبُولُ عَلَى التَّرَاخِي كَالْفَوْرِ، وَحِينَئِذٍ الْمِلْكُ لَهُ شَرْطَانِ، الْأَوَّلُ: الْقَبُولُ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ، فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ، أَوْ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ كَبَنِي تَمِيمٍ، أَوْ عَلَى مَصْلَحَةِ مَسْجِدٍ أَوْ حَجٍّ، لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى قَبُولٍ، وَلَزِمَتْ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقَبُولِ مِنْهُمْ مُتَعَذَّرٌ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَالْوَقْفِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَيُكْتَفَى بِهِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ ذُو رَحِمٍ مِنَ الْمُوصَى لَهُ، كَمَنَ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِلْفُقَرَاءِ وَأَبُوهُ مِنْهُمْ، لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ إِلَّا بِالْقَبْضِ (فَأَمَّا قَبُولُهُ وَرَدُّهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ (فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ صَادَفَتِ الْمُعْطَى مَيِّتًا، فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ وَهَبَ مَيِّتًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَوْصَى بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَلَا تَبْطُلُ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ (وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَهُ، بَطَلَتْ أَيْضًا) لِلرَّدِّ أَحْوَالٌ: مِنْهَا: أَنْ يَرُدَّهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلَا يَصِحُّ الرَّدُّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَقَعْ بَعْدُ، أَشْبَهَ رَدَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ إِيجَابِ الْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْقَبُولِ. وَمِنْهَا: أَنْ يَرُدَّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ الْقَبُولِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ فَيَصِحُّ الرَّدُّ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حَالَةٍ يَمْلِكُ قَبُولَهُ وَأَخْذَهُ، أَشْبَهَ عَفْوَ الشَّفِيعِ عَنْهَا بَعْدَ الْبَيْعِ. وَمِنْهَا: أَنْ يَرُدَّ بَعْدَ الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ، فَلَا يَصِحُّ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ رَدَّهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ إِلَّا أَنْ تَرْضَى الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ، فَتَكُونَ هِبَةً مِنْهُ لَهُمْ يَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطِهَا. وَمِنْهَا: أَنْ يَرُدَّ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَا يَصِحُّ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ فِيهِ بِالْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِيمَا كِيلَ، أَوْ وُزِنَ، دُونَ الْمُعَيَّنِ فِي الْأَشْهَرِ فِيهِمَا، وَقِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، فَكَمُتَحَجِّرٍ مَوَاتًا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 الْخِرَقِيُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَإِنْ قَبِلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ثَبَتَ الْمِلْكُ حِينَ الْقَبُولِ فِي الصَّحِيحِ، فَمَا حَدَثَ قَبْلَهُ مِنْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَيْ لِلْوَرَثَةِ مُطَالَبَتُهُ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنِ امْتَنَعَ، حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ، وَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا، وَكُلُّ مَوْضِعٍ صَحَّ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبُولِ، أَوِ الْقَبْضِ، فَالْمَرْدُودُ إِرْثٌ، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ إِذَنْ إِلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ وَلَا إِلَى غَيْرِهِمْ، وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ، فَلَهُ هِبَتُهُ وَتَمْلِيكُهُ لِوَارِثٍ وَغَيْرِهِ. فَرْعٌ: يَحْصُلُ الرَّدُّ بِقَوْلِهِ رَدَدْتُ الْوَصِيَّةَ، وَكَذَا لَا أَقْبَلُهَا، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: لَا أَقْبَلُهَا فَهِيَ لِوَرَثَتِهِ. (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ، أَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمَوْرُوثِ، فَيَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» ، وَكَخِيَارِ الْعَيْبِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْوَارِثُ جَمَاعَةً اعْتُبِرَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَإِنْ رَدَّ بَعْضٌ وَقَبِلَ آخَرُ، وَتَرَتَّبَ عَلَى كُلٍّ حُكْمُهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُوَلِّيًا عَلَيْهِ، تَقَيَّدَ وَلِيُّهُ بِفِعْلِ الْأَحَظِّ (وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَهُ بَطَلَتْ كَالْهِبَةِ (فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ) أَيْ: قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ، فَبَطَلَ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِثْلُهُ، وَحَكَى فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: الْبُطْلَانَ، عَنِ ابْنِ حَامِدٍ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ (وَإِنْ قَبِلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، ثَبَتَ الْمِلْكُ) لِلْمُوصَى لَهُ (حِينَ الْقَبُولِ فِي الصَّحِيحِ) مِنَ الْمَذْهَبِ، أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ عَيْنٍ لِمُعَيَّنٍ تَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ، فَلَمْ يَسْبِقِ الْمِلْكَ الْقَبُولُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَالْقَبُولُ مِنْ تَمَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 كَانَ مُتَّصِلًا تَبِعَهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِأَمَةٍ فَوَطِئَهَا الْوَارِثُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَأَوْلَدَهَا، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ، لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْمُوصِي، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِزَوْجَتِهِ فَأَوْلَدَهَا قَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَوَلَدُهُ   [المبدع في شرح المقنع] السَّبَبِ، وَالْحُكْمُ لَا يَتَقَدَّمُ سَبَبَهُ وَلَا شَرْطَهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ إِذَا قَبِلَ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ حِينَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ انْتِقَالُهُ بِالْقَبُولِ، وَجَبَ انْتِقَالُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُوجِبِ عِنْدَ الْإِيجَابِ كَالْهِبَةِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ الْمِلْكَ يَقِفُ مُرَاعًى، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ هِيَ قَبْلَ الْقَبُولِ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ أَوِ الْوَرَثَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْقَبُولُ: فَيَمْلِكُهُ قَهْرًا كَالْمِيرَاثِ، وَحَكَاهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ، وَلِهَذَا الِاخْتِلَافِ فَوَائِدُ نَبَّهَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى بَعْضِهَا. (فَمَا حَدَثَ قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الْقَبُولِ (مِنْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٌ) كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ، فَعَلَى هَذَا يُزَكُّونَهُ، وَقِيلَ: لِلْمَيِّتِ، وَقِيلَ: مُنْذُ مَاتَ الْوَصِيُّ فَيُزَكِّيهِ، وَفِي الْقَوَاعِدِ أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ إِنْ قُلْنَا: هُوَ عَلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، فَهُوَ لَهُ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ مِلْكُ الْمَيِّتِ، فَتَتَوَفَّرُ بِهِ التَّرِكَةُ فَيَزْدَادُ بِهِ الثُّلُثُ، وَإِنْ قُلْنَا: عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، فَنَمَاؤُهُ لَهُمْ خَاصَّةً، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: أَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ لَا يَتَقَدَّمُ الْقَبُولَ، وَأَنَّ النَّمَاءَ قَبْلَهُ لِلْوَرَثَةِ مَعَ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مَالِ الْمَيِّتِ، فَلَا يَتَوَفَّرُ بِهِ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ حِينَ الْمَوْتِ (وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا، تَبِعَهَا) كَمَا يَتْبَعُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ (وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِأَمَةٍ فَوَطِئَهَا الْوَارِثُ قَبْلَ الْقَبُولِ) أي قبول الموصى له (فَأَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهُ وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ (وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ مِنْ وَطْءِ مَمْلُوكَتِهِ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) لِأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي مِلْكِهِ (لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِأَحَدٍ، بَلِ انْعَقَدَ حُرًّا (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْمُوصِي) إِذَا قَبِلَهَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا، لَا يُقَالُ كَيْفَ قَضَيْتُمْ هُنَا بِعِتْقِهَا، وَهِيَ لَا تَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى بِدَلِيلِ نُفُوذِهِ مِنَ الْمَجْنُونِ وَالْمُرَاهِقِ، وَالشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ إِعْتَاقُهُمْ، لَكِنْ إِذَا وَطِئَهَا الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ قَبُولِهَا، كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا لَهَا، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ كَوَطْءِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ. (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِزَوْجَتِهِ، فَأَوْلَدَهَا قَبْلَ الْقَبُولِ، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ مِلْكًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 رَقِيقٌ، وَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِأَبِيهِ، فَمَاتَ قَبْلَ الْقَبُولِ، فَقَبِلَ ابْنُهُ، عَتَقَ الْمُوصَى بِهِ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَرِثْ شَيْئًا، ويحتمل أن يثبت الملك حين الموت فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ.   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ بَعْدُ (وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ) لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ (وَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِأَبِيهِ فَمَاتَ) الْمُوصَى لَهُ (قَبْلَ الْقَبُولِ، فَقَبِلَ ابْنُهُ) صَحَّ وَ (عَتَقَ الْمُوصَى بِهِ) وَهُوَ الْجَدُّ (حِينَئِذٍ) أَيْ: حِينَ الْقَبُولِ، وَلَمْ يَرِثْ مِنِ ابْنِهِ (شَيْئًا) لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ إِنَّمَا حَدَثَتْ حِينَ الْقَبُولِ بَعْدَ أَنْ صَارَ الْمِيرَاثُ لِغَيْرِهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ حِينَ الْمَوْتِ) كَالْبَيْعِ (فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ) فَيَكُونُ النَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ لِلْمُوصَى لَهُ كَالْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: أَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الرِّقِّ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ مَمْلُوكَةَ غَيْرِهِ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي الثَّالِثَةِ: يَكُونُ حُرَّ الْأَصْلِ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ، وَفِي الرَّابِعَةِ تَثْبُتُ حُرِّيَّتُهُ مِنْ حِينِ مَوْتِ الْمُوصِي، وَيَرِثُ مِنِ ابْنِهِ السُّدُسَ، وَلِلْخِلَافِ فَوَائِدُ أُخْرَى. مِنْهَا: لَوْ أَوْصَى بِأَمَةٍ لِزَوْجِهَا، فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَوْلَدَهَا، ثُمَّ قَبِلَهَا، فَإِنْ قِيلَ: يَمْلِكُهَا بِالْمَوْتِ، فَوَلَدُهُ حُرٌّ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَيَبْطُلُ نِكَاحُهُ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ قِيلَ: لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا بَعْدَ الْقَبُولِ، فَنِكَاحُهُ بَاقٍ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِلْوَارِثِ. وَمِنْهَا: لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِابْنِهِ، ثُمَّ وَصَّى بِهَا لِآخَرَ، وَهِيَ تَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ، لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُ الِابْنِ، وَعَلَى الثَّانِي عَكْسُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِأَرْضٍ، فَبَنَى الْوَارِثُ فِيهَا، أَوْ غَرَسَ قَبْلَ الْقَبُولِ، ثُمَّ قَبِلَ، فَفِي الْإِرْشَادِ إِنْ كَانَ الْوَارِثُ عَالِمًا بِالْوَصِيَّةِ قُلِعَ غَرْسُهُ وَبِنَاؤُهُ مَجَّانًا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، فَوَجْهَانِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ بِالْمَوْتِ أَمَّا إِنْ قِيلَ: إِنَّهَا قَبْلَ الْقَبُولِ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ، فَهُوَ كَبِنَاءِ مُشْتَرِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ وَغَرْسِهِ فَيَكُونُ مُحْتَرَمًا يَتَمَلَّكُ بِقِيمَتِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ بِيعَ شِقْصٌ فِي تَرِكَةِ الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، فَهُوَ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ فِي الشُّفْعَةِ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا. وَمِنْهَا جَرَيَانُهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ جَرَى فِي حَوْلِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: لِلْوَرَثَةِ، فَهَلْ يَجْرِي فِي حَوْلِهِمْ حَتَّى لَوْ تَأَخَّرَ الْقَبُولُ سَنَةً، كَانَتْ زَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ، أَمْ لَا لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ فِيهِ، وَتَزَلْزُلِهِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِهِ فَهُوَ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 فَصْلٌ وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ، فَإِذَا قَالَ: قَدْ رَجَعْتُ فِي وَصِيَّتِي، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، بَطَلَتْ، فَإِنْ قَالَ فِي الْمُوصَى بِهِ: هَذَا لِوَرَثَتِي أَوْ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ كَانَ رُجُوعًا، وَإِنْ وَصَّى بِهِ لِآخَرَ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] وَمِنْهَا: لَوْ نَقَصَ الْمُوصَى بِهِ فِي سِعْرٍ، أَوْ صِفَةٍ، فَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَقُومُ بِسِعْرِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ إِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ، اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ مِنَ التَّرِكَةِ بِسِعْرِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ عَلَى أَدْنَى صِفَاتِهِ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إِلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي مِلْكِهِ، فَلَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَالنَّقْصُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ، اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبُولِ سِعْرًا وَصِفَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَلَمْ يَحْكِ فِي الْمُغْنِي خِلَافًا، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ سِعْرُهُ بِيَوْمِ الْمَوْتِ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمُوصَى بِهِ تَعَلُّقًا قَطَعَ تَصَرُّفَ الْوَرَثَةِ فِيهِ فَيَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي. [جَوَازُ الرُّجُوعِ فِي الْوَصِيَّةِ] فصل (وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ) لِقَوْلِ عُمَرَ: يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ فِي وَصِيَّتِهِ، وَهُوَ اتِّفَاقٌ فِي غَيْرِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ تَتَنَجَّزُ بِالْمَوْتِ، فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ تَنْجِيزِهَا، كَهِبَةِ مَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ: يُغَيِّرُ مَا شَاءَ مِنْهَا إِلَّا الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ كَالتَّدْبِيرِ. وَجَوَابُهُ بِالْمَنْعِ، وَلَوْ سَلِمَ، فَالْوَصِيَّةُ تُفَارِقُ التَّدْبِيرَ، فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ كَتَعْلِيقِهِ عَلَى صِفَةٍ فِي الْحَيَاةِ (فَإِذَا قَالَ: قَدْ رَجَعْتُ فِي وَصِيَّتِي، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) كَغَيَّرْتُهَا، أَوْ فَسَخْتُهَا (بَطَلَتْ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الرُّجُوعِ (فَإِنْ قَالَ فِي الْمُوصَى بِهِ: هَذَا لِوَرَثَتِي) لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي كَوْنَهُ وَصِيَّةً (أَوْ) قَالَ: (مَا أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ كَانَ رُجُوعًا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِرُجُوعِهِ عَنِ الْأَوَّلِ وَصَرْفِهِ إِلَى الثَّانِي أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ (وَإِنْ وَصَّى بِهِ لِآخَرَ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: هُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 رَهَنَهُ، كَانَ رُجُوعًا، وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ، أَوْ أَزَالَ اسْمَهُ، فَطَحَنَ الْحِنْطَةَ أَوْ خَبَزَ الدَّقِيقَ أَوْ جَعَلَ الْخُبْزَ فَتِيتًا أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ أَوْ نَجَرَ الْخَشَبَةَ بَابًا وَنَحْوَهُ، أَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ، وَزَالَ اسْمُهَا، فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ رُجُوعٌ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَإِنْ وَصَّى لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: لِلثَّانِي، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يُؤْخَذُ بِآخِرِ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُنَافِي الْأُولَى، فَإِذَا أَتَى بِهَا كَانَ رُجُوعًا، كَمَا لَوْ قَالَ: هَذَا لِوَرَثَتِي، وَرُدَّ بِالْفَرْقِ، وَفِي التَّبْصِرَةِ لِلْأَوَّلِ، وَأَيُّهُمَا مَاتَ، فَهُوَ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ. فَرْعٌ: لَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِرَجُلٍ، ثُمَّ بِثُلُثِهِ لِآخَرَ، فَمُتَغَايِرَانِ، وَفِي الرَّدِّ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ وَصَّى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِرَجُلٍ، ثُمَّ وَصَّى بِهِ لِآخَرَ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا. (وَإِنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ، كَانَ رُجُوعًا) لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ يُنَافِي الْوَصِيَّةَ، وَالرَّهْنُ يُرَادُ لِلْبَيْعِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْقُلُ الْمِلْكَ حِينَ الْمَوْتِ، وَذَلِكَ بِقِيمَةِ الْقَابِلِيَّةِ لَهُ، وَالْقَابِلِيَّةُ لِلنَّقْلِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِيمَا رَهَنَهُ، وَكَذَا إِنْ كَانَ ثَوْبًا فَفَصَّلَهُ وَلَبِسَهُ، أَوْ جَارِيَةً فَأَحْبَلَهَا أَوْ أَوْلَدَهَا (وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ) أَوْ أَوْجَبَهُ فِي بَيْعِ هِبَةٍ، فَلَمْ يَقْبَلْ، أَوْ عَرَضَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ أَوْ هِبْتِهِ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ رُجُوعٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَالتَّدْبِيرَ أَقْوَى مِنَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّزُ بِالْمَوْتِ، فَيَسْبِقُ أَخْذَ الْمُوصَى لَهُ، وَجَحْدُهَا ظَاهِرٌ فِي الرُّجُوعِ، وَفِي الْبَاقِي يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ الرُّجُوعَ، وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَالتَّدْبِيرَ لَا يَخْرُجُ بِهِمَا عَنْ مِلْكِهِ، وَالْوَصِيَّةُ عَقْدٌ، فَلَا تَبْطُلُ بِالْجُحُودِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَكَإِيجَارِهِ، وَتَزْوِيجِهِ، وَلُبْسِهِ، وَسُكْنَاهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَتْ بِمُعَيَّنٍ، فَإِذَا كَانَتْ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَيَتْلَفُ أَوْ يَبِيعُهُ، ثُمَّ يَمْلِكُ مَالًا آخَرَ، فَهِيَ بَاقِيَةٌ، وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ. (وَإِنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ) وَلَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ غَالِبًا، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ (أَوْ أَزَالَ اسْمَهُ فَطَحَنَ الْحِنْطَةَ، أَوْ خَبَزَ الدَّقِيقَ، أَوْ جَعَلَ الْخُبْزَ فَتِيتًا، أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ، أَوْ نَجَرَ الْخَشَبَةَ بَابًا وَنَحْوَهُ، أَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ وَزَالَ اسْمُهَا، فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ رُجُوعٌ) صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ اسْمَهُ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ دُخُولِهِ فِي الِاسْمِ الدَّالِّ عَلَى الْمُوصَى بِهِ (وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رُجُوعٌ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 بِقَفِيزٍ مِنْ صَبْرَةٍ، ثُمَّ خَلَطَ الصَّبْرَةَ بِأُخْرَى، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، فَإِنْ زَادَ فِي الدَّارِ عِمَارَةً، أَوِ انْهَدَمَ بَعْضُهَا، فَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ   [المبدع في شرح المقنع] الْعُلَمَاءِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالثَّانِي، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ بَاقٍ أَشْبَهَ غَسْلَ الثَّوْبِ، وَهُوَ لَا يُسَمَّى غَزْلًا، كَمَا لَا يُسَمَّى الْغَزْلُ كِتَّانًا، وَكَذَا الْخِلَافُ إِذَا ضَرَبَ الْبَقَرَةَ، أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ، أَوْ بَنَى، أَوْ غَرَسَ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ رَزِينٍ فِي مُوَطَّئِهِ. فَرْعٌ إِذَا حَدَثَ بِالْمُوصَى بِهِ مَا يُزِيلُ اسْمَهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْمُوصِي، كَالْحَبِّ إِذَا سَقَطَ وَصَارَ زَرْعًا، وَالدَّارِ إِذَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ فَضَاءً، فَوَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا: الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ لَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ. (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِقَفِيزٍ مِنْ صَبْرَةٍ، ثُمَّ خَلَطَ الصَّبْرَةَ بِأُخْرَى لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا) لِأَنَّهُ كَانَ مَشَاعًا، وَبَقِيَ عَلَى إِشَاعَتِهِ، وَسَوَاءٌ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا، أَوْ دُونَهَا، أَوْ خَيْرٍ مِنْهَا، وَقِيلَ: إِنْ خَلَطَهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا، كَانَ رُجُوعًا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمَ الْمُوصَى بِهِ إِلَّا بِتَسْلِيمِ خَيْرٍ مِنْهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ تَسْلِيمُ خَيْرٍ مِنْهُ، فَصَارَ مُتَعَذِّرَ التَّسْلِيمِ (فَإِنْ زَادَ) الْمُوصِي (فِي الدَّارِ عِمَارَةً، أَوِ انْهَدَمَ بَعْضُهَا) فِي حَيَاةِ الْمُوصِي (فَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي الزِّيَادَةِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا الْوَصِيَّةُ، وَالْأَنْقَاضُ لَا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الدَّارِ، وَإِنَّمَا يَتْبَعُ الدَّارَ فِي الْوَصِيَّةِ مَا يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ، وَالثَّانِي: يَسْتَحِقُّهُمَا قَدَّمَهُ فِي الْحَاشِيَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَابِعَةٌ كَالسَّمْنِ، وَالْمُنْهَدِمُ قَدْ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ، فَتَبْقَى الْوَصِيَّةُ بِبَقَائِهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زِيَادَةَ الْمُوصَى فِيهَا لِلْوَرَثَةِ دُونَ الْمُنْهَدِمِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: الْأَنْقَاضُ، أَوِ الْعِمَارَةُ إِرْثٌ، وَقِيلَ: إِنْ صَارَتْ فَضَاءً فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ بَقِيَ اسْمُهَا أَخَذَهَا لَا مَا انْفَصَلَ مِنْهَا. فَرْعٌ: إِذَا بَنَى فِيهَا الْوَارِثُ، وَقَدْ خَرَجَتْ مِنَ الثُّلُثِ، رَجَعَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِقِيمَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 بِمُعَيَّنٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَهُوَ لَهُ، فَقَدِمَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَهُوَ لِلْأَوَّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: فَهُوَ لِلْقَادِمِ. فَصْلٌ وَيَخْرُجُ الْوَاجِبَاتُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ، وَإِنْ وَصَّى مَعَهَا   [المبدع في شرح المقنع] الْبِنَاءِ، وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنَ الدَّارِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ عِمَارَتِهِ، وَإِنْ جَهِلَ الْوَصِيَّةَ، فَلَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ غَيْرَ مَقْلُوعٍ. فَائِدَةٌ: نَقَلَ الْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ قَالَ: ثُلُثِي لِفُلَانٍ، وَيُعْطَى فُلَانٌ مِنْهُ مِائَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ إِلَى أَنْ يَمُوتَ، فَهُوَ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا، وَيُعْطَى هَذَا مِائَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَإِنْ مَاتَ وَفَضَلَ شَيْءٌ، رُدَّ إِلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ فَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْفَاذِهَا عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ الْمُوصِي. (وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمُعَيَّنٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ، فَهُوَ لَهُ، فَقَدِمَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، فَهُوَ لَهُ) لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لَهُ بِشَرْطِ قُدُومِهِ، وَقَدْ وُجِدَ، (وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَهُوَ لِلْأَوَّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ قَبْلَ قُدُومِهِ، انْتَقَلَ إِلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فِي الثَّانِي وَقُدُومِ الثَّانِي بَعْدَ مِلْكِ الْأَوَّلِ لَهُ وَانْقِطَاعِ حَقِّ الْمُوصَى مِنْهُ، فَبَقِيَ لِلْأَوَّلِ، (وَفِي الْآخَرِ فَهُوَ لِلْقَادِمِ) ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ لَهُ بِقُدُومِهِ، وَقَدْ وُجِدَ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: إِنْ حَمَلَتْ نَخْلَتِي بَعْدَ مَوْتِي، فَهُوَ لِفُلَانٍ، فَحَمَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ حَمْلَهَا بَعْدَ مِلْكِ الْوَرَثَةِ لِأَصْلِهَا. فَصْلٌ [تَخْرُجُ الْوَاجِبَاتُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْصَى بِهِمَا أَوْ لَمْ يُوصِ] فصل (وَيَخْرُجُ الْوَاجِبَاتُ) كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْصَى بِهَا، أَوْ لَمْ يُوصِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] ، وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 بِتَبَرُّعٍ، اعْتُبِرَ الثُّلُثُ مِنَ الْبَاقِي، فَإِنْ قَالَ: أَخْرِجُوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثِي، فَقَالَ الْقَاضِي: يُبْدَأُ بِهِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الثُّلُثِ شَيْءٌ، فَهُوَ لِصَاحِبِ التَّبَرُّعِ، وَإِلَّا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَقْدِيمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ: أَنَّهُ قَدَّمَهَا عَلَيْهِ، حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ. وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِهَا فِي الْآيَةِ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا أَشْبَهَتِ الْمِيرَاثَ فِي كَوْنِهَا بِلَا عِوَضٍ، فَكَانَ إِخْرَاجُهَا مَشَقَّةً عَلَى الْوَارِثِ، فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إِخْرَاجِهَا، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ " أَوْ " الَّتِي لِلتَّسْوِيَةِ، أَيْ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاهْتِمَامِ وَعَدَمِ التَّضْيِيعِ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَمَّا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ طَاعَةً وَخَيْرًا وَالدَّيْنُ غَالِبًا لِمَنْفَعَةٍ، وَهُوَ مَذْمُومٌ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، وَقَدْ تَعَوَّذَ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَبَدَأَ بِالْأَفْضَلِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْوَصِيَّةُ غَالِبًا تَكُونُ لِلضِّعَافِ، فَقُوِّيَ جَانِبُهَا بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ؛ لِئَلَّا يُطْمَعَ وَيُتَسَاهَلَ فِيهَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَحِينَئِذٍ إِنْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ قَامَ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ وَنَفَاذِهِ، وَإِلَّا فَالْوَارِثُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَتَوَلَّاهُ الْحَاكِمُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْوَارِثُ صغيرا وَلَا وَصِيَّ لَهُ. فَرْعٌ: إِذَا أَخْرَجَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَيِّتٍ زَكَاةً تَلْزَمُهُ بِإِذْنِ وَصِيِّهِ، أَوْ وَارِثِهِ أَجْزَأَتْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَهَا الْوَارِثُ، وَثَمَّ أَجْنَبِيٌّ أَخْرَجَهَا، وَلَمْ يُعْلِمْهُ، وَكَذَا الْحَجُّ وَالْكَفَّارَةُ. (وَإِنْ وَصَّى مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْوَاجِبَاتِ (بِتَبَرُّعٍ اعْتُبِرَ الثُّلُثُ مِنَ الْبَاقِي) أَيْ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْوَاجِبِ، فَلَوْ كَانَتْ تَرِكَتُهُ أَرْبَعِينَ، فَيُوصِي بِثُلُثِ مَالِهِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ عَشَرَةٌ، فَتُدْفَعُ أَوَّلًا، وَيُدْفَعُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ عَشَرَةٌ، وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ الدَّيْنِ (فَإِنْ قَالَ: أَخْرِجُوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثِي) أُخْرِجَ الثُّلُثُ، وَتُمِّمَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى مَا قَالَ الْمُوصِي، كَأَنَّهُ قَصَدَ إِرْفَاقَ وَرَثَتِهِ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ وَصَّى مَعَهَا بِتَبَرُّعٍ (فَقَالَ الْقَاضِي: يَبْدَأُ بِهِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ (فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الثُّلُثِ شَيْءٌ، فَهُوَ لِصَاحِبِ التَّبَرُّعِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِهِ قَبْلَ الْمِيرَاثِ وَالتَّبَرُّعِ، فَإِنْ عَيَّنَهُ فِي الثُّلُثِ، وَجَبَتِ الْبُدَاءَةُ بِهِ، وَمَا فَضَلَ لِلتَّبَرُّعِ (وَإِلَّا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ) أَيْ: إِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ لِلتَّبَرُّعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 أَبُو الْخَطَّابِ: تُزَاحَمُ بِهِ أَصْحَابُ الْوَصَايَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، وَيُتَمَّمَ الْوَاجِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَيَدْخُلُهُ الدَّوْرُ، فَلَوْ كَانَ الْمَالُ ثَلَاثِينَ وَالْوَاجِبُ عَشَرَةً وَالْوَصِيَّةُ عَشَرَةً، جُعِلَتْ تَتِمَّةُ الْوَاجِبِ شَيْئًا يَكُنِ الثُّلُثُ عَشَرَةً إِلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ بَيْنَهُمَا، لِلْوَاجِبِ خَمْسَةٌ إِلَّا سُدُسَ شَيْءٍ فَضَمَّ إِلَيْهِ شَيْئًا، تَكُنْ عَشَرَةً، فَتُجْبَرُ الْخَمْسَةُ بِسُدُسِ شَيْءٍ، يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ تَعْدِلُ خَمْسَةً، فَالشَّيْءُ سِتَّةٌ، وَيَحْصُلُ لِلْوَصِيِّ الْآخَرِ أَرْبَعَةٌ.   [المبدع في شرح المقنع] سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ بِشَيْءٍ إِلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ، فَيُعْطَى مَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تُزَاحَمُ بِهِ أَصْحَابُ الْوَصَايَا) فَيُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ (وَيُحْتَمَلُ) مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا وَهُوَ (أَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا كَالْمُوصَى لَهُمَا، (وَيُتَمَّمُ الْوَاجِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَفَائِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الثُّلُثِ مَا هُوَ مَحَلٌّ لَهُ (فَيَدْخُلُهُ الدَّوْرُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ الثُّلُثِ، حَتَّى يَعْلَمَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ، وَلَا يَعْلَمُ تَتِمَّتَهُ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْمُزَاحَمَةِ، وَلَا يَعْلَمُ مَا يُسْتَحَقُّ بِالْمُزَاحَمَةِ حَتَّى يَعْلَمَ الثُّلُثَ، فَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى الْعَمَلِ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ (فَلَوْ كَانَ الْمَالُ ثَلَاثِينَ وَالْوَاجِبُ عَشَرَةً وَالْوَصِيَّةُ عَشَرَةً، جُعِلَتْ تَتِمَّةُ الْوَاجِبِ شَيْئًا) وَنُكِّرَ؛ لِأَنَّهُ غير مَعْلُومٍ حَالًا لَا مَآلًا (يَكُنِ الثُّلُثُ عَشَرَةً إِلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ) لِأَنَّكَ إِذَا أَسْقَطْتَ شَيْئًا مِنْ ثُلُثَيْنِ يَكُنْ ثُلُثُهَا ذَلِكَ (بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْوَصِيَّةِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقَدْرِ (لِلْوَاجِبِ خَمْسَةٌ إِلَّا سُدُسَ شَيْءٍ) لِأَنَّهُ نِصْفُ مَا ذُكِرَ (فَضَمَّ إِلَيْهِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ تَتِمَّتُهُ (تَكُنْ عَشَرَةً) لِأَنَّ الشَّيْءَ سِتَّةٌ خَرَجَ مِنْهُ سُدُسٌ جَبْرًا لِلْخَمْسَةِ، فَتَبْقَى خَمْسَةٌ، وَخَمْسَةُ أَسْدَاسٍ تَعْدِلُ عَشَرَةً (فَتُجْبَرُ الْخَمْسَةُ بِسُدُسِ شَيْءٍ مِنَ الشَّيْءِ) لِيَخْرُجَ بِلَا كَسْرٍ (يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ تَعْدِلُ خَمْسَةً، فَالشَّيْءُ سِتَّةٌ) لِأَنَّ الْخَمْسَةَ إِذَا عَدَلَتْ خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ كَانَ كُلُّ سُدُسٍ يَعْدِلُ وَاحِدًا (وَيَحْصُلُ لِلْوَصِيِّ الْآخَرِ) وَهُوَ صَاحِبُ التَّبَرُّعِ (أَرْبَعَةٌ) ، وَفِي عَمَلِهَا طَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُقَسَّمَ الثُّلُثُ بِكَمَالِهِ بَيْنَ الْوَصَايَا بِالْقِسْطِ) ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنَ الْوَاجِبِ أَخَذْتَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَصَاحِبِ التَّبَرُّعِ بِالْقِسْطِ، فَيَحْصُلُ لِلْوَاجِبِ خَمْسَةٌ، وَيَبْقَى لَهُ خَمْسَةٌ، يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ دِينَارًا؛ لِأَنَّكَ نَسَبْتَ مَا لِصَاحِبِ التَّبَرُّعِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، فَكَانَتِ الْخَمْسَ، وَيَأْخُذُ مِنَ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةً. فَرْعٌ: إِذَا أَوْصَى بِالْوَاجِبِ، وَقَرَنَ بِهِ الْوَصِيَّةَ بِتَبَرُّعٍ مِثْلَ: حُجُّوا عَنِّي، وَأَدُّوا دَيْنِي، وَتَصَدَّقُوا عَنِّي، فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِرَانَ فِي اللَّفْظِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 بَابُ الْمُوصَى لَهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تَصِحُّ لِمُرْتَدٍ، وَتَصِحُّ لِمُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ، وَتَصِحُّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] لَا يَدُلُّ عَلَى التَّسَاوِي فِي الْحُكْمِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} [الأنعام: 141] . الْآيَةَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ مَا يُخْرِجُهُ مِنَ الثُّلُثِ، وَمَنْ مَاتَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، لَزِمَهُ أَنْ يُوصِي بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَكَذَا كُلُّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ. [بَابُ الْمُوصَى لَهُ] ُ هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي (تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] . قَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ لَهُمْ، فَصَحَّتْ لَهُمُ الْوَصِيَّةُ كَالْمُسْلِمِ، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّتُهَا مِنَ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْوَصِيَّةِ لِكَافِرٍ مَا إِذَا أَوْصَى لَهُ بِمُصْحَفٍ، أَوْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ، أَوْ سِلَاحٍ، أَوْ حَدِّ قَذْفٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، (وَمُرْتَدٍّ) كَالْهِبَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَلَكِنْ إِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُ وَعَنْ وَصِيَّتِهِ، بُدِئَ بِعِتْقِهِ، وَحَرْبِيٍّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [الممتحنة: 9] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَاتَلَنَا، لَا يَحِلُّ بِرُّهُ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ الْهِبَةِ لَهُ، وَالْوَصِيَّةُ فِي مَعْنَاهُ، وَقَضِيَّةُ عُمَرَ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيهِ إِذَا أَوْصَى لَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ، فَإِنْ كَانَتْ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا فَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَبَيْعِهِ مِنْهُ. فَرْعٌ: إِذَا أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ بِعَبْدٍ كَافِرٍ، فَأَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: إِنْ مُلِكَتْ بِالْقَبُولِ بَطَلَتْ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْمَوْتِ: فَلَا، وَقِيلَ: بَلَى، وَهُوَ أَوْلَى (وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى لَا تَصِحُّ لِمُرْتَدٍّ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، فَهُوَ كَالْمَيِّتِ، وَلِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْ مَالِهِ بِرِدَّتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَجَمَاعَةٍ، فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ بَقِي مِلْكُهُ، صَحَّ الْإِيصَاءُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ كَالْهِبَةِ لَهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ فَلَا، وَإِنْ وَقَفَ أَمْرُ مَالِهِ عَلَى إِسْلَامِهِ، فَأَسْلَمَ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا لَكَانَ أَوْلَى إِذِ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا. تَنْبِيهٌ: يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الْمُوصَى لَهُ، فَلَوْ قَالَ: ثُلُثِي لِأَحَدِ هَذَيْنِ، أَوْ لِجَارِهِ، أَوْ لِقَرَابَتِهِ مُحَمَّدٍ بَاسِمٍ مُشْتَرَكٍ، لَمْ يَصِحَّ، وَعَنْهُ: بَلَى، كَقَوْلِهِ: أَعْطُوا ثُلُثِي أَحَدَهُمَا، فِي الْأَصَحِّ، فَقِيلَ: يُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ، وَقِيلَ بِقُرْعَةٍ، وَجَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ بِصِحَّتِهَا بِمَجْهُولٍ وَمَعْدُومٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ: عَبْدِي غَانِمٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، وَلَهُ مِائَةٌ وَلَهُ عَبْدَانِ بِهَذَا الِاسْمِ، عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ هِيَ لَهُ مِنْ ثُلُثِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. (وَتَصِحُّ لِمُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَالَ بِالْعَقْدِ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَالْحُرِّ، وَتَصِحُّ لِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ، وَمُكَاتَبِ أَجْنَبِيٍّ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِجُزْءٍ شَائِعٍ أَوْ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْمُكَاتَبَ، وَلَا يَمْلِكُونَ مَالَهُ، فَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْ مُكَاتَبِي بَعْضَ كِتَابَتِهِ، وَضَعُوا مَا شَاءُوا، وَإِنْ قَالَ ضَعُوا نَجْمًا فَلَهُمْ وَضْعُ أَيِّ نَجْمٍ شَاءُوا سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ أَوِ اخْتَلَفَتْ، فَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَيَّ نَجْمٍ شَاءَ، رُدَّ ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَتِهِ، وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ نُجُومِهِ، وَضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهَا، وَإِنْ قَالَ: الْأَوْسَطَ، تَعَيَّنَ، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةً، تَعَيَّنَ الثَّالِثُ، أَوْ سَبْعَةً، تَعَيَّنَ الرَّابِعُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ، رُجِعَ إِلَى قَوْلِ الْوَرَثَةِ (وَمُدَبَّرِهِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا حِينَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، فَصَحَّتْ كَأُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ هُوَ وَالْوَصِيَّةُ، قُدِّمَ عِتْقُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَقُ بَعْضُهُ، وَيُمْلَكُ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا عُتِقَ مِنْهُ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ وَصَّى لِعَبْدِهِ وَصِيَّةً صَحِيحَةً، فَيُقَدَّمُ عِتْقُهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْمَالِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ الْقِنِّ بِمُشَاعٍ مِنْ مَالِهِ (وَأُمِّ وَلَدِهِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّابِعِينَ، وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ حِينَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، وَكَوَصِيَّتِهِ أَنَّ ثُلُثَ فَرَسِهِ، وَقْفٌ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ عَلَى وَلَدِهَا، نَقَلَهُ الْمَرْوَذِيُّ، وَإِنْ شَرَطَ عَدَمَ تَزْوِيجِهَا، فَفَعَلَتْ، وَأَخَذَتِ الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَقِيلَ: لَا كَوَصِيَّتِهِ بِعِتْقِ أَمَتِهِ عَلَى شَرْطِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 فَإِذَا قَبِلَهَا، فَهِيَ لِسَيِّدِهِ، وَتَصِحُّ لِعَبْدِهِ بِمَشَاعٍ كَثُلُثِ مَالِهِ، فَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ عَتَقَ، وَأَخَذَ فَاضِلَ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمُعَيَّنٍ، أَوْ بِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ، وَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا   [المبدع في شرح المقنع] (وَتَصِحُّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ اكْتِسَابُهُ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ كَالْحُرِّ، إِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْوَاضِحِ ـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ـ خِلَافُهُ، وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَبْدَ وَارِثِهِ، وَلَا قَاتِلَهُ إِنْ لَمْ يَصِرْ حُرًّا وَقْتَ نَقْلِ الْمِلْكِ (فَإِذَا قَبِلَهَا، فَهِيَ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ، وَكَسْبُهُ لِلسَّيِّدِ مَا لَمْ يَكُنْ حُرًّا، وَقْتَ مَوْتِ مُوصٍ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبُولِ، فَالْخِلَافُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَبُولَ الْعَبْدِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ كَالِاحْتِطَابِ، وَفِيهِ وَجْهٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنَ الْعَبْدِ، فَهُوَ كَبَيْعِهِ، وَرُدَّ: بِأَنَّهُ تَحْصِيلُ مَالٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى إِذْنِهِ كَالْمُبَاحِ. (وَتَصِحُّ لِعَبْدِهِ بِمَشَاعٍ كَثُلُثِ مَالِهِ) لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ تَضَمَّنَتِ الْعِتْقَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَصَحَّتْ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ (فَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ عَتَقَ) كَمَا إِذَا كَانَ ثُلُثُهُ مِائَةً، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةً أَوْ دُونَهَا، عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ ثُلُثَهُ مَشَاعًا، وَمِنْ جُمْلَتِهِ نَفْسُهُ، فَيَمْلِكُ ثُلُثَهَا، وَإِذَنْ يَعْتِقُ ذَلِكَ الْجُزْءُ لِتَعَذُّرِ مِلْكِ نَفْسِهِ، وَيَسْرِي إِلَى بَقِيَّتِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ، بَلْ أَوْلَى (وَأَخَذَ فَاضِلَ الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ) وَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُنَفَّذُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى لَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ رَقَبَتِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَعْتِقُ بِقَبُولِهِ إِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِبَعْضِ رَقَبَتِهِ، فَخَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَ مَا وَصَّى لَهُ بِهِ، وَفِي بَقِيَّتِهِ رِوَايَتَانِ. (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمُعَيَّنٍ) كَدَارٍ وَثَوْبٍ (أَوْ بِمِائَةٍ، لَمْ يَصِحَّ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، فَمَا وَصَّى لَهُ بِهِ، فَهُوَ لَهُمْ، فَكَأَنَّهُ وَصَّى لِوَرَثَتِهِ بِمَا يَرِثُونَهُ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ كَالْمَشَاعِ، وَعَلَيْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ مِنَ الْوَصِيَّةِ فَيَعْتِقُ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مُحَافَظَةٌ عَلَى تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمُكَلَّفِ مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 حَالَ الْوَصِيَّةِ، بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا، أَوْ لِأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَإِنْ وَصَّى لِمَنْ تَحْمِلُ   [المبدع في شرح المقنع] أَمْكَنَ إِذْ تَصْحِيحُ الْوَصِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، وَبَنَى الشِّيرَازِيُّ الْخِلَافَ عَلَى تَمْلِيكِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى رِوَايَةِ الصِّحَّةِ تُدْفَعُ الْمِائَةُ إِلَيْهِ فَإِنْ بَاعَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالْمِائَةُ لَهُمْ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إِذَا لَمْ يَشْرُطْهَا الْمُبْتَاعُ، وَعَنْهُ يَصِحُّ، وَيُعْطَى ثُلُثَ الْمُعَيَّنِ إِنْ خَرَجَ مَعَهُ مِنَ الثُّلُثِ، وَعَنْهُ: مَنْعُهَا، كَقِنِّ زَمَنِهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَعَنْهُ كَمَا لَهُ (وَحُكِي عَنْهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ وَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَجْرِي مَجْرَى الْمِيرَاثِ فِي الِانْتِقَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمِيرَاثَ وَصِيَّةً بِقَوْلِهِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11] الْآيَاتِ، وَالْحَمْلُ يَرِثُ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ مَعَ أَنَّهَا أَوْسَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ لِلْمُخَالِفِ فِي الدِّينِ، وَالْعَبْدِ، فَالْوَصِيَّةُ لَهُ أَوْلَى، لَكِنْ إِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا، بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ، لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ حَيًّا حِينَ الْوَصِيَّةِ، فَلَا يَثْبُتَانِ بِالشَّكِّ، وَسَوَاءٌ مَاتَ لِعَارِضٍ مِنْ ضَرْبِ بَطْنٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ وَضَعَتْهُ حَيًّا صَحَّتْ (إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ) لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ (بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ حِينِ الْوَصِيَّةِ (وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا) أَوْ بَائِنًا لِلْعِلْمِ بِوُجُودِهِ حَالَ الْوَصِيَّةِ، إِذِ التَّمْلِيكُ لَا يَصِحُّ لِمَعْدُومٍ، وَفِي الْمُغْنِي: أَنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ احْتُمِلَ حُدُوثُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ، فَلَمْ يُصَادِفْ مَوْجُودًا يَقِينًا، وَقَدْ وَهِمَ ابْنُ الْمُنَجَّا، فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْهُ لِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ، وَيُقَدَّمُ رَدُّهُ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُمَا، وَمَا وَطِئَا لِبُعْدٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ حَبْسٍ، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ (أَوْ لِأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ) أَيْ: إِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ، أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِوُجُودِهِ لَاحِقٌ بِأَبِيهِ، وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي وُجُودِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الشَّكِّ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ لُحُوقِ النَّسَبِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إِذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إِذَا كَانَتْ بَائِنًا لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 هَذِهِ الْمَرْأَةُ، لَمْ تَصِحَّ وَلَوْ قَتَلَ الْوَصِيُّ الْمُوصِي، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ جَرَحَهُ، ثُمَّ أَوْصَى لَهُ، فَمَاتَ مِنَ الْجُرْحِ، لَمْ تَبْطُلِ الْوَصِيَّةُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ وَصَّى لِصِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ، أَوْ لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ،   [المبدع في شرح المقنع] تَثْبُتُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ. [لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِمَعْدُومٍ] (وَإِنْ وَصَّى لِمَنْ تَحْمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَمْ تَصِحَّ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ، فَلَا تَصِحُّ لِلْمَعْدُومِ، بِخِلَافِ الْمُوصَى بِهِ، فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَجُودُهُ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ بِمَا تَحْمِلُ هَذِهِ الْجَارِيَةُ، وَكَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَحْدُثُ مِنْ وَلَدِهِ، أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ، وَرُدَّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْمِيرَاثِ، وَلَا تَحْصُلُ إِلَّا لِمَوْجُودٍ، وَالْوَقْفُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ إِثْبَاتُهُ لِلْمَعْدُومِ. (وَلَوْ قَتَلَ الْوَصِيُّ الْمُوصِي) وَلَوْ خَطَأً (بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ) قَالَهُ الثَّوْرِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْهَا، فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ عُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ: مَنْ جَرَحَ رَجُلًا خَطَأً، فَعَفَا الْمَجْرُوحُ، فَقَالَ: يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ تَصِحُّ، فَكَذَا الْوَصِيَّةُ، (وَإِنْ جَرَحَهُ، ثُمَّ أَوْصَى لَهُ، فَمَاتَ مِنَ الْجُرْحِ، لَمْ تَبْطُلْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْجُرْحِ صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا، لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مَا يُبْطِلُهَا، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَقَدَّمَتْ فَإِنَّ الْقَتْلَ طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا، فَيَبْطُلُ مَا هُوَ آكَدُ مِنْهَا، وَلِهَذَا جَمَعَ أَبُو الْخَطَّابِ بَيْنَ نَصَّيِ الْأَمَامِ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا: فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ سَوَاءٌ وَصَّى لَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ، أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا صَالِحًا لِلزُّهُوقِ، ثُمَّ وَصَّى لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ، فَبَطَلَتْ كَالْمِيرَاثِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَضَاهَتِ الْهِبَةَ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ (وَإِنْ وَصَّى لِصِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ) كَالْفُقَرَاءِ (أَوْ لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ، صَحَّ) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَبْوَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 صَحَّ، وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْقَدْرَ الَّذِي يُعْطَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ وَإِنْ وَصَّى لِكَتْبِ الْقُرْآنِ أَوِ الْعِلْمِ أَوْ لِمَسْجِدٍ أَوْ لِفَرَسٍ حَبِيسٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ، صَحَّ، فَإِنْ مَاتَ الْفَرَسُ، رُدَّ الْمُوصَى بِهِ أَوْ بَاقِيهِ إِلَى الْوَرَثَةِ. وَإِنْ وَصَّى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ صَرَفَهُ فِي الْقُرْبِ، وَقِيلَ عَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] الْبِرِّ، وَلِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ بِدَلِيلِ الزَّكَاةِ، وَالْوَقْفِ (وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْقَدْرَ الَّذِي يُعْطَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ فِي كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ لِكُلِّ صِنْفٍ حَيْثُ أَوْصَى لِجَمِيعِهِمْ ثُمْنُ الْوَصِيَّةِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِثَمَانِ قَبَائِلَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ، أَنَّ آيَةَ الزَّكَاةِ أُرِيدَ بِهَا مَنْ يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، وَالْوَصِيَّةُ أُرِيدَ بِهَا بَيَانُ مَنْ يَجِبُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، انْتَهَى. وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى وَاحِدٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَتَقَيَّدُ بِثُلُثِهِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، وَلَا يُصْرَفُ إِلَّا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ. فَرْعٌ: إِذَا أَوْصَى بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ، وَبِشَيْءٍ لِلْفُقَرَاءِ وَلِجِيرَانِهِ، وَزَيْدٌ مِنْهُمْ، لَمْ يُشَارِكْهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ وَصَّى لِقَرَابَتِهِ بِشَيْءٍ وَلِلْفُقَرَاءِ كَذَلِكَ، فَلِقَرِيبٍ فَقِيرٍ سَهْمَانِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ حُكْمِ كُلِّ صُورَةٍ إِلَى الْأُخْرَى، قَالَ شَيْخُنَا: قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ زَيْدًا يَتَعَيَّنُ، وَالْقَرَابَةُ لَفْظٌ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ الْفُقَرَاءُ وَغَيْرُهُمْ، فَصَلَحَ كُلُّ مَنْ وَصَفَهُ سَبَبًا؛ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِهِ، فَإِنَّهُ عَلَّقَ اسْتِحْقَاقَهُ بِوَصْفِهِ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ وَصْفَانِ صَارَ اسْتِحْقَاقُهُ بِهِمَا، بِخِلَافِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ عَلَّقَ اسْتِحْقَاقَهُ بِعَيْنِهِ، وَعَيْنُهُ تَتَعَدَّدُ. (وَإِنْ وَصَّى لِكَتْبِ الْقُرْآنِ، أَوِ الْعِلْمِ، أَوِ الْمَسْجِدِ، أَوْ لِفَرَسٍ حَبِيسٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ صَحَّ) لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ، فَصَحَّ بَذْلُ الْمَالِ فِيهِ كَالْوَصِيَّةِ لِلْفَقِيرِ، وَالْمُوصَى بِهِ لِلْمَسْجِدِ يصرف فِي مَصَالِحِهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَيَصْرِفُهُ النَّاظِرُ إِلَى الْأَهَمِّ وَالْأَصْلَحِ بِاجْتِهَادِهِ، فَلَوْ قَالَ: إِنْ مُتُّ فَبَيْتِي لِلْمَسْجِدِ، أَوْ فَأَعْطُوهُ مَالَهُ مِنْ مَالِي - تُوَجَّهُ صِحَّتُهُ، وَلَوْ أَرَادَ تَمْلِيكَ الْفَرَسِ أَوِ الْمَسْجِدِ، لَمْ يَصِحَّ (فَإِنْ مَاتَ الْفَرَسُ رُدَّ الْمُوصَى بِهِ، أَوْ بَاقِيهِ) إِنْ كَانَ أُنْفِقَ بَعْضُهُ (إِلَى الْوَرَثَةِ) لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ مَحِلُّ الْوَصِيَّةِ، وَجَبَ الرَّدُّ إِلَى الْوَرَثَةِ، كَوَصِيَّتِهِ بِعِتْقِ عَبْدِ زَيْدٍ، فَتَعَذَّرَ، أَوْ شِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ، أَوْ عَبْدِ زَيْدٍ بِهَا فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِ، فَاشْتَرَوْهُ بِدُونِهَا، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ إِلَى فَرَسٍ آخَرَ حَبِيسٍ فِي الْمَنْصُوصِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 يُصْرَفُ فِي أَرْبَعِ جِهَاتٍ: فِي الْأَقَارِبِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَعَنْهُ: فِدَاءُ الْأَسْرَى مَكَانَ الْحَجِّ وَإِنْ وَصَّى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ، صُرِفَ فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَنْفَدَ،   [المبدع في شرح المقنع] مَسَائِلُ: إِذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ، فَلَوْ رَدَّهَا، أَوْ وَهَبَ الْخِدْمَةَ، عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، خِلَافُهُ، وَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ بِأَلْفٍ، فَأَعْتَقُوا نَسَمَةً بِخَمْسِمِائَةٍ لَزِمَهُمْ عِتْقُ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ قَالَ: أَرْبَعَةٌ بِكَذَا، جَازَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا مَعْلُومًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَصَّى أَنْ يَشْتَرِيَ فَرَسًا لِلْغَزْوِ بِمُعَيَّنٍ، فَاشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ، فَبَاقِيهِ نَفَقَةٌ لَا إِرْبَ فِي الْمَنْصُوصِ. [إِذَا وَصَّى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ صَرَفَهُ فِي الْقُرَبِ] (وَإِنْ وَصَّى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ صَرَفَهُ فِي الْقُرَبِ) كُلِّهَا، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْعُمُومِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ إِلَّا بِدَلِيلٍ (وَقِيلَ عَنْهُ) أَيْ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (يُصْرَفُ فِي أَرْبَعِ جِهَاتٍ فِي الْأَقَارِبِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ) قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهِيَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ أَبْوَابَ الْبِرِّ، وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً إِلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُوصِي أَنَّهُ أَرَادَ الْمَشْهُورَ مِنْهَا، وَالْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ هِيَ أَشْهَرُ الْقُرَبِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ، وَالْمَسَاكِينُ مَصَارِفُ الصَّدَقَاتِ، وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ مِنْ أَكْبَرِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا سَوَاءٌ، لَكِنَّ الْغَزْوَ أَفْضَلُهَا، فَيُبْدَأُ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ (وَعَنْهُ فِدَاءُ الْأَسْرَى مَكَانَ الْحَجِّ) لِأَنَّ فِدَاءَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ مَنْفَعَةَ الْمُخَلَّصِ، وَنَفْعَ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَنَقَلَ الْمَرْوَذِيُّ عَنْهُ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ يُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فِي الْجِهَادِ، وَالْأَقَارِبِ، وَالْحَجِّ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ وَالتَّحْدِيدِ، بَلْ يَجُوزُ صَرْفُهَا فِي الْجِهَاتِ كُلِّهَا لِلْعُمُومِ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ غَيْرُ هَذِهِ الْجِهَاتِ مِنْ تَكْفِينِ مَيِّتٍ، وَإِصْلَاحِ طَرِيقٍ، وَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ، وَإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ - أَحْوَجَ مِنْ بَعْضِهَا وَأَحَقَّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 وَيُدْفَعُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرُ مَا يَحُجُّ بِهِ، وَإِنْ قَالَ: يَحُجُّ عَنِّي حَجَّةً بِأَلْفٍ، دُفِعَ الْكُلُّ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، فَلَهُ صَرْفُهُ فِي أَيِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرَبِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى وَصِيَّتِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ صَرْفُهُ إِلَى الْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالْأَفْضَلُ صَرْفُهُ إِلَى فُقَرَاءِ أَقَارِبِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَإِلَى مَحَارِمِهِ مِنَ الرَّضَاعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِلَى جِيرَانِهِ. (وَإِنْ وَصَّى) أَيْ: مَنْ لَا حَجَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ (أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ، صَرَفَ) مِنْ ثُلُثِهِ (فِي حَجَّةٍ) أَيْ مُؤْنَةِ حَجِّهِ، أَمَانَةً، أَوْ جَعَالَةً، أَوْ إِجَارَةً، إِنْ صَحَّ الْإِيجَارُ عَلَيْهِ مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ كَحَجِّهِ بِنَفْسِهِ، وَقِيلَ: أَوْ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ أَوْلَى (بَعْدَ أُخْرَى) رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا، نَصَّ عَلَيْهِ (حَتَّى يَنْفَدَ) لِأَنَّهُ وَصَّى بِهَا فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ، فَوَجَبَ صَرْفُهَا فِيهَا كَالْوَصِيَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَنْهُ لَا يَصْرِفُ مِنْهَا سِوَى مُؤْنَةِ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْبَقِيَّةُ إِرْثٌ، وَعَنْهُ: بَعْدَ حَجِّهِ لِلْحَجِّ، أَوْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَوْ لَمْ تَكْفِ الْأَلْفُ، أَوِ الْبَقِيَّةُ حَجَّ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ فِي ظَاهِرِ نُصُوصِهِ، وَعَنْهُ يُعَانُ بِهِ فِي حَجٍّ، قَالَ الْقَاضِي: وَحَكَاهُ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ سَوَّارٍ الْقَاضِي، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا (وَيَدْفَعُ) الْوَصِيُّ (إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ مَا يَحُجُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى نَفَقَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ، فَاقْتَضَى عِوَضَ الْمِثْلِ كَالتَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لَا يَحْمِلُ الثُّلُثَ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ فَرْضًا، أَوْ نَفْلًا، فَإِنْ كَانَ فَرْضًا، أَخَذَ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الثُّلُثِ، أَوِ الْقَدْرَ الْكَافِيَ لِحَجِّ الْفَرْضِ إِذَا كَانَ قَدْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَكْثَرَ أَخَذَهُ، وَصَرَفَ فِي الْغَرَضِ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ، وَبَاقِيهِ فِي حَجَّةٍ أُخْرَى حَتَّى يَنْفَدَ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَقَلَّ، تَمَّ قَدْرَ مَا يَكْفِي الْحَجَّ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا أَخَذَ الثُّلُثَ لَا غَيْرَ إِذَا لَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ، وَيَحُجُّ بِهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا. (وَإِنْ قَالَ: يَحُجُّ عَنِّي حَجَّةً بِأَلْفٍ، دُفِعَ الْكُلُّ إِلَى مَنْ يَحُجُّ) لِأَنَّهُ أَوْصَى بِهَا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 إِلَى مَنْ يَحُجُّ، فَإِنْ عَيَّنَهُ، فَقَالَ: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ بِأَلْفٍ، فَإِنْ أَبَى الْحَجَّ، وَقَالَ: اصْرِفُوا لِيَ الْفَضْلَ، لَمْ يُعْطَهُ، وَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ وَصَّى لِأَهْلِ سِكَّتِهِ، فَهُوَ لِأَهْلِ   [المبدع في شرح المقنع] حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِهَا، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهَا فَضْلٌ، فَهُوَ لِمَنْ يَحُجُّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إِرْفَاقَهُ، فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ، وَقِيلَ: إِرْثٌ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَلَا يَدْفَعُهَا إِلَى وَارِثٍ نَصَّ عَلَيْهِ، زَادَ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ لِلْوَارِثِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ إِذَا عَيَّنَهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى نَفَقَةِ الْمِثْلِ، وَفِي الْفُصُولِ: إِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، جَازَ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: لَا، كَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ (فَإِنْ عَيَّنَهُ، فَقَالَ: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ بِأَلْفٍ) صُرِفَ ذَلِكَ إِلَيْهِ (فَإِنْ أَبَى الْحَجَّ، وَقَالَ: اصْرِفُوا لِيَ الْفَضْلَ لَمْ يُعْطَهُ) لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَصَّى لَهُ بِالزِّيَادَةِ بِشَرْطِ الْحَجِّ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ) حَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ قَوْلًا؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَمْ يَقْبَلْهَا بِامْتِنَاعِهِ مِنْ فِعْلِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَالٍ فَرَدَّهُ، وَقِيلَ: فِي حَقِّهِ، وَقَدْ زَادَهُ بَعْضُ مَنْ أَذِنَ لَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا حَقٌّ لِلْحَجِّ، وَحَقٌّ لِلْمُوصَى لَهُ، فَإِذَا رَدَّهُ، بَطَلَ فِي حَقِّهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ: بِيعُوا عَبْدِي لِفُلَانٍ، وَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَقْدِرِ الْمُوصَى لَهُ بِفَرَسٍ فِي السَّبِيلِ عَلَى الْخُرُوجِ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَيَحُجُّ عَنْهُ بِأَقَلَّ مَا يُمْكِنُ مِنْ نَفَقَةٍ، أَوْ أُجْرَةٍ، وَالْبَقِيَّةُ إِرْثٌ كَالْفَرْضِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: حُجُّوا عَنِّي حَجَّةً، وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرًا مِنَ الْمَالِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْفَعُ إِلَى مَنْ يَحُجُّ إِلَّا قَدْرُ نَفَقَةِ الْمِثْلِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِهِ، فَلَا يَسْتَأْجِرُ إِلَّا نَفْسَهُ بِأَقَلِّ مَا يُمْكِنُ، وَمَا فَضَلَ، فَهُوَ لِلْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا أُعْطِيَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فِي الطَّرِيقِ، فَهُوَ مِنْ مَالِهِ، وَيَلْزَمُهُ إِتْمَامُ الْعَمَلِ، فَلَوْ وَصَّى بِثَلَاثِ حِجَجٍ إِلَى ثَلَاثِ نَفَرٍ، صَحَّ صَرْفُهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَفِي الرِّعَايَةِ عَكْسُهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِالنَّفَقَةِ، صَحَّ، وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: إِنْ وَصَّى بِأَلْفٍ يَحُجُّ بِهَا، صَرَفَ فِي كُلِّ حَجَّةٍ قَدْرَ نَفَقَتِهِ حَتَّى يَنْفُذَ، وَإِنْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 دَرْبِهِ، وَإِنْ وَصَّى لِجِيرَانِهِ، تَنَاوَلَ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مُسْتَدَارُ   [المبدع في شرح المقنع] فَمَا فَضَلَ لِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ قَالَ: يَحُجُّ عَنِّي زَيْدٌ بِأَلْفٍ، فَمَا فَضَلَ وَصِيَّةً لَهُ أَنْ يَحُجَّ، وَلَهُ تَأْخِيرُهُ لِعُذْرٍ، وَلَا يُعْطَى إِلَى أَيَّامِ الْحَجِّ، قَالَهُ أَحْمَدُ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: اشْتَرَى بِهِ مَتَاعًا يَتَّجِرُ بِهِ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ، قَدْ خَالَفَ، لَمْ يَقُلِ: أَتَّجِرُ بِهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ وَصِيٌّ بِإِخْرَاجِهَا نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنَفِّذٌ كَقَوْلِهِ تَصَدَّقْ عَنِّي، لَا يَأْخُذُ مِنْهُ، وَكَمَا لَا يَحُجُّ عَلَى دَابَّةٍ مُوصَى بِهَا فِي السَّبِيلِ. (وَإِنْ وَصَّى لِأَهْلِ سِكَّتِهِ، فَهُوَ لِأَهْلِ دَرْبِهِ) لِأَنَّ السِّكَّةَ الطَّرِيقُ، وَالدَّرْبَ طَرِيقٌ مُضَافٌ إِلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يُعْطَى مَنْ كَانَ سَاكِنًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، أَوْ طَرَأَ إِلَيْهِ بَعْدَهَا، وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِالْأَوَّلِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَهْلُ دَرْبِهِ وَسِكَّتِهِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ طَرِيقُهُمْ فِي دَرْبِهِ (وَإِنْ وَصَّى لِجِيرَانِهِ تَنَاوَلَ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «الْجَارُ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهَذَا نَصٌّ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إِنْ صَحَّ، وَإِلَّا فَالْجَارُ الْمُقَارِبُ، وَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ قَوْلًا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْطَى إِلَّا الْجَارُ الْمُلَاصِقُ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمُجَاوَرَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ دَارَ الْمُوصِي قَدْ تَكُونُ كَبِيرَةً فِي التَّرْبِيعِ فَيُسَامِتُهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ أَكْثَرُ مِنْ دَارٍ لِصِغَرِ الْمُسَامِتِ لَهَا، أَوْ يُسَامِتُهَا دَارَانِ، يَخْرُجُ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْهَا، فَيَزِيدُ عَلَى الْعَدَدِ، وَيُقَسَّمُ الْمَالُ عَلَى عَدَدِ الدُّورِ، وَكُلُّ حِصَّةِ دَارٍ تُقَسَّمُ عَلَى سُكَّانِهَا، وَجِيرَانُ الْمَسْجِدِ مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْجِيرَانُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ إِنْ جَمَعَهُمْ مَسْجِدٌ، فَإِنْ تَفَرَّقَ أَهْلُهَا فِي مَسْجِدَيْنِ صَغِيرَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَا عَظِيمَيْنِ، فَكُلُّ أَهْلِ مَسْجِدٍ جِيرَانٌ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مُسْتَدَارُ أَرْبَعِينَ دَارًا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَحْتَمِلُ، وَعَنْهُ: ثَلَاثِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، ذَكَرَهَا ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَابْنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 أَرْبَعِينَ دَارًا، وَإِنْ وَصَّى لِأَقْرَبِ قَرَابَتِهِ، وَلَهُ أَبٌ وَابْنٌ، فَهُمَا سَوَاءٌ، وَالْجَدُّ وَالْأَخُ سَوَاءٌ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَالْأَخِ عَلَى الْجَدِّ، وَالْأَخُ مِنَ الْأَبِ وَالْأَخُ مِنَ الْأُمِّ سَوَاءٌ، وَالْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَحَقُّ مِنْهُمَا.   [المبدع في شرح المقنع] الزَّاغُونِيِّ، قَالَ: وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَإِنْ وَصَّى لِأَقْرَبِ قَرَابَتِهِ) أَوْ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَوْ أَقْرَبِهِمْ بِهِ رَحِمًا، (وَلَهُ أَبٌ وَابْنٌ فَهُمَا سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْلِي بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا، تَعَيَّنَ بِلَا شَكٍّ (وَالْجَدُّ وَالْأَخُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْلِي بِالْأَبِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ (وَيُحْتَمَلُ) وَحَكَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَجْهًا (تَقْدِيمُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ) لِأَنَّهُ يُسْقِطُ تَعْصِيبَهُ، وَرُدَّ بِأَنَّ إِسْقَاطَ تَعْصِيبِهِ لَا يَمْنَعُ مُسَاوَاتِهِ، وَلَا كَوْنَهُ أَقْرَبَ مِنْهُ، بِدَلِيلِ ابْنِ الِابْنِ يُسْقِطُ تَعْصِيبَ مَنْ بَعْدَهُ (وَالْأَخِ عَلَى الْجَدِّ) لِأَنَّهُ يُدْلِي بِبُنُوَّةِ الْأَبِ، وَالْجَدُّ يُدْلِي بِالْأُبُوَّةِ، فَهُمَا كَالْأَبِ وَالِابْنِ، وَرُدَّ: بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْأَخِ عَلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ تَعْصِيبَ الْجَدِّ، بِخِلَافِ الِابْنِ، وَعُلِمَ مِنْهُ تَقْدِيمُ الِابْنِ عَلَى الْجَدِّ، وَالِابْنُ عَلَى ابْنِ الِابْنِ. تَنْبِيهٌ: الْبِنْتُ كَالِابْنِ، وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ، وَأَبُو الْأُمِّ، وَأُمُّ الْأَبِ، وَأُمُّ الْأُمِّ، كُلُّهُمْ سَوَاءٌ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ أَبِي الْأَبِ عَلَى أَبِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُهُ، ثُمَّ بَعْدَ الْأَوْلَادِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ، وَإِنْ سَفَلُوا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ، وَفِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَقْفِ، ثُمَّ بَعْدَ الْأَوْلَادِ الْأَجْدَادُ الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُمُ الْعَمُودُ الثَّانِي، ثُمَّ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ، ثُمَّ وَلَدُهُمْ، وَإِنْ سَفَلُوا وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْأَخَوَاتِ إِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ دُخُولِ وَلَدِ الْبَنَاتِ، وَالْعَمُّ مِنَ الْأَبِ وَالْعَمُّ مِنَ الْأُمِّ سَوَاءٌ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَكَذَلِكَ أَبْنَاؤُهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي (وَالْأَخُ مِنَ الْأَبِ وَالْأَخُ مِنَ الْأُمِّ سَوَاءٌ) لِأَنَّهُمَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُقَالُ: كَيْفَ سَوَّى بَيْنَهُمَا؛ إِذْ لَوْ أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا وَلَدُ الْأُمِّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمَنْ لَا يَدْخُلُ فِي الْقَرَابَةِ لَا يَدْخُلُ فِي أَقْرَبِ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخَرَّجٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، لَا عَلَى الْمَذْهَبِ (وَالْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَحَقُّ مِنْهُمَا) لِأَنَّ لَهُ قَرَابَتَيْنِ، فَهُوَ أَقْرَبُ مِمَّنْ لَهُ قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَوْ أَوْصَى لِعَصَبَتِهِ، فَهُوَ لِمَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 فَصْلٌ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَنِيسَةٍ، وَلَا لِبَيْتِ نَارٍ، وَلَا لِكُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] يَرِثُهُ بِالتَّعْصِيبِ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يَرِثُهُ فِي الْحَالِ أَوْ لَا، وَيَسْتَوِي فِيهِ قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ. فَرْعٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تَجْعَلُ الْقَرَابَةَ كُلَّ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقَرَابَةِ كَانَ حُكْمُهُمْ كَمَا سَلَفَ، وَإِنْ قُلْنَا الْقَرَابَةُ تَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْآبَاءِ، فَلَا تَدْخُلُ فِيهِمُ الْأُمُّ، وَلَا أَقَارِبُهَا. مَسْأَلَةٌ: أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَعْطَى ثَلَاثَةً، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، كَالْإِخْوَةِ، فَهُوَ لِجَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ثَلَاثَةٌ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، كُمِّلَتْ مِنَ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكْمُلْ مِنْهَا، فَمِنَ الثَّالِثَةِ. فَوَائِدُ: أَوْصَى بِإِحْرَاقِ ثُلُثِ مَالِهِ صَحَّ وَصُرِفَ فِي تَجْمِيرِ الْكَعْبَةِ، وَتَنْوِيرِ الْمَسَاجِدِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَفِي التُّرَابِ يُصْرَفُ فِي تَكْفِينِ الْمَوْتَى، وَفِي الْمَاءِ يصرف فِي عَمَلِ سُفُنٍ لِلْجِهَادِ، وَفِي الْهَوَاءِ قَالَ شَيْخُنَا مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ: يَتَوَجَّهُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ بَاذْهَنْجُ لِمَسْجِدٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُصَلُّونَ، وَفِيهِ شَيْءٌ. وَلَوْ وَصَّى بِكُتُبِ الْعِلْمِ لِآخَرَ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا كُتُبُ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَوْ أَوْصَى بِدَفْنِهَا لَمْ تُدْفَنْ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا بَأْسَ، وَقَالَ الْخَلَّالُ: الْأَحْوَطُ دَفْنُهَا. [الْجِهَاتُ الَّتِي لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهَا] فَصْلٌ (وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَنِيسَةٍ، وَلَا لِبَيْتِ نَارٍ) وَلَا لِعِمَارَتِهَا، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوصِي مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا (وَلَا لِكُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ لِأَنَّهَا كُتُبٌ مَنْسُوخَةٌ، وَالِاشْتِغَالُ غَيْرُ جَائِزٍ، لِمَا فِيهَا مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: لَوْ أَوْصَى بِحُصْرٍ لِبِيَعٍ وَقَنَادِيلِهَا لَا عَلَى قَصْدِ تَعْظِيمِهَا، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِكَوْنِهِمْ يَنْتَفِعُونَ بِهَا، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ، وَتَعْظِيمِ كَنَائِسِهِمْ، وَعَنْ أَحْمَدَ: صِحَّتُهَا مِنَ الذِّمِّيِّ لِخِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 لِمَلِكٍ، وَلَا لِمَيِّتٍ، وَلَا لِبَهِيمَةٍ، وَإِنْ وَصَّى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَعْلَمُ مَوْتَهُ، فَالْكُلُّ لِلْحَيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إِلَّا النِّصْفُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: أَوْصَى بِبِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ الْمُجْتَازُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ، صَحَّ، لِأَنَّ بِنَاءَ مَسَاكِنِهِمْ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا تَصِحُّ لِكَافِرٍ بِمُصْحَفٍ كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ بِدَلِيلِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ كَافِرٍ، فَأَسْلَمَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، بَطَلَتْ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ، ابْتُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ (وَلَا لِمَلِكٍ، وَلَا لِمَيِّتٍ، وَلَا لِبَهِيمَةٍ) وَلَا لِجِنِّيٍّ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ، فَلَمْ تَصِحَّ لَهُمْ كَالْهِبَةِ. فَرْعٌ: تَصِحُّ وَصِيَّةٌ لِحَبِيسٍ وَفَرَسِ زَيْدٍ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ وَيَصْرِفْهُ فِي عَلَفِهِ، فَإِنْ مَاتَ، فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ. (وَإِنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ) أَوْ مِائَةٍ (لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَعْلَمُ مَوْتَهُ، فَالْكُلُّ لِلْحَيِّ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّا: أَنَّهُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ، فَكَأَنَّهُ قَصَدَ الْوَصِيَّةَ لِلْحَيِّ وَحْدَهُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ هُوَ بَيْنَهُمَا كَالْمَنْصُوصِ فِي لَهُ وَلِجِبْرِيلَ، أَوِ الْحَائِطِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إِلَّا النِّصْفُ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ الْأَشْيَاخُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إِلَيْهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ، بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ، وَبَقِيَ نَصِيبُ الْحَيِّ، وَهُوَ النِّصْفُ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ) وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إِلَيْهِمَا، وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إِرَادَةِ الْآخَرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عَمَلًا بِالْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ، وَكَمَا لَوْ أَوْصَى لِحَيَّيْنِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. فَرْعٌ: أَوْصَى لِلَّهِ وَلِزَيْدٍ بِشَيْءٍ، فَنِصْفَانِ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ بِأَنَّ جَمِيعَهُ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ، وَإِنْ وَصَّى لِلرَّسُولِ، وَلِزَيْدٍ، صَحَّ، وَنِصْفُ الرَّسُولِ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 وَإِنْ وَصَّى لِوَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٍّ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَرَدَّ الْوَرَثَةُ، فَلِلْأَجْنَبِيِّ السُّدُسُ، وَإِنْ وَصَّى لَهُمَا بِثُلُثَيْ مَالِهِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَهُ الثُّلُثُ وَإِنْ وَصَّى بِمَالِهِ لِابْنَيْهِ وَأَجْنَبِيٍّ، فَرَدَّا وَصِيَّتَهُ، فَلَهُ التُّسْعُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَهُ الثُّلُثُ،   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ وَصَّى لِوَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٍّ بِثُلُثِ مَالِهِ) فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ وَصِيَّةَ الْوَارِثِ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، وَفِي الرَّدِّ أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَرَدَّ الْوَرَثَةُ، فَلِلْأَجْنَبِيِّ السُّدُسُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ السُّدُسُ، فَصَحَّ لِلْأَجْنَبِيِّ إِذْ لَا اعْتِرَاضَ لِلْوَرَثَةِ عَلَيْهِ، وَبَطَلَ سدس الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ، وَفِي الرِّعَايَةِ إِذَا أَوْصَى لِوَارِثٍ وَغَيْرِهِ بِثُلُثِهِ اشْتَرَكَا مَعَ الْإِجَازَةِ، وَمَعَ الرَّدِّ عَلَى الْوَارِثِ لِلْآخَرِ الثَّالِثِ، وَقِيلَ: نِصْفُهُ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُمَا بِثُلُثِهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى الْوَارِثِ فَقَطْ، وَإِنْ رَدَّ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ دُونَ وَصِيَّتِهِ عَيْنًا، فَهُوَ لَهُمَا، وَقِيلَ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَقِيلَ: لَهُ السُّدُسُ، وَيَبْطُلُ الْبَاقِي، وَلَوْ أُجِيزَ لِلْوَارِثِ وَحْدَهُ، فَلَهُ الثُّلُثُ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ إِذَنْ، وَقِيلَ: السُّدُسُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُمَا) أَيْ لِلْوَارِثِ، وَأَجْنَبِيٍّ (بِثُلُثَيْ مَالِهِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي) أَيْ: إِذَا أَبْطَلَ الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ تَعَيَّنَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يُزَاحِمُ الْأَجْنَبِيَّ مَعَ الْإِجَازَةِ، فَإِذَا رَدُّوا، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ تَلِفَ بِغَيْرِ رَدٍّ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ لَهُ الثُّلُثُ) لِأَنَّهُمْ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِبْطَالِ الثُّلُثِ، فَمَا دُونَ إِذَا كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَوْ جَعَلْنَا الْوَصِيَّةَ بَيْنَهُمَا لَمَلَكُوا إِبْطَالَ مَا زَادَ عَلَى السُّدُسِ، وَكَمَا لَوْ خَصُّوا الْوَارِثَ بِالْإِبْطَالِ، فَإِنْ قَالُوا: أَجَزْنَا وَصِيَّةَ الْوَارِثِ، وَرَدَدْنَا نِصْفَ وَصِيَّةِ الْأَجْنَبِيِّ، صَحَّ، وَاتَّبَعَ كَالْعَكْسِ، وَإِنْ أَجَازُوا أَنْ يَنْقُصُوا الْأَجْنَبِيَّ عَنْ نِصْفِ وَصِيَّتِهِ، لَمْ يَمْلِكُوا ذَلِكَ مُطْلَقًا فَإِنْ رَدُّوا جَمِيعَ وَصِيَّةِ الْوَارِثِ، وَنِصْفَ وَصِيَّةِ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَهُمْ ذَلِكَ، عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ يَتَوَفَّرُ الثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْأَجْنَبِيِّ. (وَإِنْ وَصَّى بِمَالِهِ لِابْنَيْهِ وَأَجْنَبِيٍّ، فَلَهُ التُّسْعُ عِنْدَ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ رَجَعَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَى الثُّلُثِ، وَالْمُوصَى لَهُ ابْنَانِ وَأَجْنَبِيٌّ، فَيَكُونُ لِلْأَجْنَبِيِّ التُّسُعُ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الثُّلُثِ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ لَهُ الثُّلُثُ) لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَبِالرَّدِّ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلُثُ عَمَلًا بِالْوَصِيَّةِ السَّالِمَةِ عَنِ الْمُزَاحِمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِثُلُثِهِ، فَلِزَيْدٍ التُّسْعُ. بَابُ الْمُوصَى بِهِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، كَالْآبِقِ، وَالشَّارِدِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَبِالْمَعْدُومِ كَالَّذِي تَحْمِلُ أَمَتُهُ أَوْ شَجَرَتُهُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ والمساكين بِثُلُثِهِ، فَلِزَيْدٍ التُّسُعُ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ وَصَّى لِثَلَاثِ جِهَاتٍ فَوَجَبَتِ التَّسْوِيَةُ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَبَكْرٍ وَخَالِدٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَهُ الْخُمْسُ، وَلِلْفُقَرَاءِ خُمْسَانِ، وَلِلْمَسَاكِينِ خُمْسَانِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ السُّدُسَ؛ لِأَنَّهُمَا هُنَا صِنْفٌ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ زَيْدٌ مِسْكِينًا أَنَّهُ لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِمْ إِذِ الْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِقَوْمٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ كَزَيْدٍ وَإِخْوَتِهِ فَهُوَ كَأَحَدِهِمْ فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ كَالَّتِي قَبْلَهَا، فَلَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ فَنِصْفَانِ، وَقِيلَ: كَأَحَدِهِمْ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لَأَهْلِ قَرْيَتِهِ، وَقِيلَ: أَوْ لِقَرَابَتِهِ بِلَفْظٍ عَامٍّ لَمْ يَعُمَّ كَافِرَهُمْ إِلَّا بِذِكْرِهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى كَافِرًا، عَمَّ مُسْلِمَهُمْ بِدُونِ ذِكْرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، أَوِ الْأَقَارِبُ كُلُّهُمْ كُفَّارًا، وَالْمُوصِي مُسْلِمًا عَمَّهُمْ، كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ كُفَّارًا، لَمْ يَعُمَّهُمْ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ. مَسْأَلَةٌ: أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَهُ أَقَارِبُ مَحَاوِيجُ، وَلَمْ يُوصِ لَهُمْ بِشَيْءٍ، وَلَمْ يَرِثُوهُ، فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ، وَلَوْ وَصَّى نَصْرَانِيٌّ بِثُلُثِهِ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ إِخْوَةٌ فُقَرَاءُ، أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ فَقَطْ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ وَصَّى لِوَلَدِ زَيْدٍ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا وَلَدُ وَلَدٍ دَخَلُوا فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ دُخُولُ وَلَدِ الْبَنِينَ فَقَطْ. [بَابُ الْمُوصَى بِهِ] ِ هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْهَا (تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، كَالْآبِقِ) فِي الرَّقِيقِ (وَالشَّارِدِ) مِنَ الدَّوَابِّ (وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) لِأَنَّهَا إِذَا صَحَّتْ بِالْمَعْدُومِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَلِأَنَّهَا أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ، وَهَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 أَبَدًا، أَوْ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمِائَةٍ لَا يَمْلِكُهَا، صَحَّ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِلَّا بَطَلَتِ وَتَصِحُّ بِمَا فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ كَالْكَلْبِ، وَالزَّيْتِ النَّجِسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي مَالٌ، فَلِلْمُوصَى   [المبدع في شرح المقنع] يُوَرَّثُ، فَيُوصَى بِهِ، وَلِلْوَصِيِّ السَّعْيُ فِي تَحْصِيلِهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، أَخَذَهُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحَمْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا، أَوْ حَمْلَ بَهِيمَةٍ مَمْلُوكَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، فَجَرَى مَجْرَى إِعْتَاقِهِ، فَإِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا، بَطَلَتْ، وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَعَلِمْنَا وُجُودَهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ، أَوْ حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَلَا، لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ، وَيُعْتَبَرُ إِمْكَانُ الْمُوصَى بِهِ، فَلَوْ وَصَّى بِمَا تَحْمِلُ أَمَتُهُ الْعَقِيمُ، أَوْ بِأَلْفِ قِنْطَارٍ مِنْ شَجَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: وَاخْتِصَاصُهُ بِهِ، فَلَوْ وَصَّى بِمَالِ غَيْرِهِ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَنْعَقِدْ (وَبِالْمَعْدُومِ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ بِالسَّلْمِ، وَالْمُسَاقَاةِ، فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ بِالْوَصِيَّةِ، (كَالَّذِي تَحْمِلُ أَمَتُهُ، أَوْ شَجَرَتُهُ أَبَدًا) أَيْ يَكُونُ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ (أَوْ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ) كَسَنَةٍ دُونَ مَا عَدَاهَا مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا، وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ السَّقْيُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ تَسْلِيمَهَا بِخِلَافِ مُشْتَرٍ (فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَهُوَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُوصَى لَهُ بِمُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ (وَإِلَّا بَطَلَتْ) لِأَنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ مَحَلًّا كَالْوَصِيَّةِ بِثُلُثِهِ، وَلَمْ تُخَلِّفْ شَيْئًا. فَرْعٌ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِإِنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَمَزْوَجَتِهِ، أَيْ: لَهُ أَمَةٌ فَيُوصِي بِهَا لِزَوْجِهَا، وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ وَقْتَ ثُبُوتِ مِلْكِهِ لَهَا. (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمِائَةٍ، لَا يَمْلِكُهَا، صَحَّ) إِذْ غَايَتُهُ أَنَّهَا مَعْدُومَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ صَحِيحَةٌ (فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، عِنْدَ الْمَوْتِ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا) صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ نُفُوذُهَا، (وَإِلَّا بَطَلَتْ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَتَصِحُّ بِمَا فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ كَالْكَلْبِ) الْمُعَلَّمِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ لِلصَّيْدِ، وَالْمَاشِيَةِ، وَالْحَرْثِ، وَقِيلَ: وَحِفْظِ الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا، وَتُقَرُّ الْيَدُ عَلَيْهِ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ، فَصَحَّتْ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَالْمَالِ، وَلِصِحَّةِ هِبَتِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ، لَمْ يَصِحَّ سَوَاءً قَالَ: مِنْ كِلَابِي، أَوْ مِنْ مَالِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَوْصَى بِشَاةٍ، وَلَا شَاةَ لَهُ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا بِالشِّرَاءِ، وَظَاهِرُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَجَمِيعُ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ لَهُ ثُلُثُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَجْهُولِ كَعَبْدٍ وَشَاةٍ، وَيُعْطَى مَا يَقَعُ   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِالْجَرْوِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهَا بِتَرْتِيبِهِ لِأَحَدِهَا، وَفِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَصِدْ بِهِ، أَوْ يَصِيدُ إِنِ احْتَاجَهُ، أَوْ لِحِفْظِ مَاشِيَةٍ، أَوْ زَرْعٍ، فَإِنْ حَصَلَ، فَخِلَافٌ، وَفِي الْوَاضِحِ الْكَلْبُ لَيْسَ مِمَّا يَمْلِكُهُ (وَالزَّيْتِ النَّجِسِ) إِذَا جَازَ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ كَالْخِنْزِيرِ، وَسَائِرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي مَالٌ) سِوَاهُ (فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) غَيْرُ الْمُوصَى بِهِ (فَجَمِيعُ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الْمَالِ خَيْرٌ مِنَ الْكَلْبِ، لِكَوْنِهِ لا قِيمَةَ لَهُ، فَالثُّلُثُ أَكْثَرُ مِنْهُ حِينَئِذٍ (وَفِي الْآخَرِ لَهُ ثُلُثُهُ) وَإِنْ كَثُرَ الْمَالُ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْوَصِيَّةِ عَلَى أَنْ يَسْلَمَ ثُلُثَا التَّرِكَةِ لِلْوَرَثَةِ، وَلَيْسَ فِي التَّرِكَةِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِ الْمُوصَى بِهِ. تَنْبِيهٌ: أَوْصَى لِرَجُلٍ بِكِلَابِهِ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَلَهُ الثُّلُثُ، وَلِلْأَوَّلِ ثُلُثُ الْكِلَابِ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ ثُلُثَيِ الْمَالِ، قَدْ جَازَتِ الْوَصِيَّةُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَلَمْ يُحْتَسَبْ عَلَى الْوَرَثَةِ بِالْكِلَابِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَإِذَا قُسِّمَتِ الْكِلَابُ بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ، قُسِّمَتْ عَلَى عَدَدِهَا، وَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ مَحَلًّا يَثْبُتُ الْحَقُّ فِيهِ، فَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ كَلْبٌ، فَيَتَوَجَّهُ الصِّحَّةُ نَظَرًا إِلَى حَالَةِ الْمَوْتِ لَا الْوَصِيَّةِ (وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَالْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَنَحْوِهِمَا) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ، فَلَا تَصِحُّ بِذَلِكَ كَالْهِبَةِ، وَقَدْ حَثَّ الشَّارِعُ عَلَى إِرَاقَةِ الْخَمْرِ وَإِعْدَامِهِ، فَلَمْ يُنَاسِبْ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ قُلْنَا: يَطْهُرُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ، وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ. 1 - (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَجْهُولِ كَعَبْدٍ وَشَاةٍ) لِأَنَّهَا إِذَا صَحَّتْ بِالْمَعْدُومِ، فَالْمَجْهُولُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَالْمَعْلُومِ (وَيُعْطَى) أَيْ: يُعْطِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَإِنِ اخْتَلَفَ الِاسْمُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْعُرْفِ كَالشَّاةِ فِي الْعُرْفِ لِلْأُنْثَى، وَالْبَعِيرِ وَالثَّوْرِ هُوَ فِي الْعُرْفِ لِلذَّكَرِ وَحْدَهُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، غَلَبَ الْعُرْفُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَغْلِبُ الْحَقِيقَةُ، وَالدَّابَّةُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَارِثُ (مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ) لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِعَبْدٍ، قَالَ الْقَاضِي: يُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا مِنْ ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى، وَصَحَّحَ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ لَا يُعْطَى إِلَّا ذَكَرًا؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَلِأَنَّهُ الْعُرْفُ، وَبِدَلِيلِ الْوَكَالَةِ، وَكَعَكْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ خُنْثَى، فَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ رَقِيقِهِ، شَمَلَ الْكُلَّ (وَإِنِ اخْتَلَفَ الِاسْمُ بِالْحَقِيقَةِ، وَالْعُرْفِ كَالشَّاةِ فِي الْعُرْفِ لِلْأُنْثَى وَالْبَعِيرِ وَالثَّوْرِ هُوَ فِي الْعُرْفِ لِلذَّكَرِ وَحْدَهُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِلذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، غَلَبَ الْعُرْفُ) فِي اخْتِيَارِ الْمُؤَلِّفِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالتَّبْصِرَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إِنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِعُرْفِهِ، وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْفَهْمِ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَغْلِبُ الْحَقِيقَةُ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَلِهَذَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامُ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَعَلَى هَذَا إِذَا أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَى، وَالضَّأْنَ، وَالْمَعَزَ، وَالْكَبِيرَةَ، وَالصَّغِيرَةَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا أُنْثَى كَبِيرَةً، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ، عُرْفُهُمْ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ، وَفِي الْخِلَافِ: الشِّيَاهُ: اسْمٌ لِجِنْسِ الْغَنَمِ، يَتَنَاوَلُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، وَالْكَبْشُ: الذَّكَرُ الْكَبِيرُ مِنَ الضَّأْنِ، وَالتَّيْسُ: الذَّكَرُ الْكَبِيرُ مِنَ الْمَعَزِ وَالْجَمَلِ الذَّكَرِ وَالنَّاقَةِ الْأُنْثَى، وَلَوْ قَالَ: عَشَرَةٌ مِنْ إِبِلِي، وَقَعَ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَقِيلَ إِنْ قَالَ: عَشَرَةٌ بِالْهَاءِ، فَهُوَ لِلذُّكُورِ، وَإِنْ قَالَ: بِغَيْرِ هَاءٍ، فَهُوَ لِلْإِنَاثِ، وَكَذَلِكَ الْغَنَمُ، وَفِي الْبَعِيرِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ، وَالثَّوْرُ الذَّكَرُ، وَالْبَقَرَةُ لِلْأُنْثَى (وَالدَّابَّةُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 وَالْحَمِيرِ وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ، صَحَّ، وَيُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا مِنْهُمْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُعْطَى وَاحِدًا بِالْقُرْعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيدٌ، لَمْ تَصِحَّ الوصية فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَتَصِحُّ فِي الْآخَرِ، وَيُشْتَرَى لَهُ مَا يُسَمَّى عَبْدًا، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْحَمِيرِ) قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ، فَإِنْ قَرَنَ بِهِ مَا يَصْرِفُهُ إِلَى أَحَدِهَا، كَقَوْلِهِ: دَابَّةٌ يُقَاتَلُ عَلَيْهَا، انْصَرَفَ إِلَى الْخَيْلِ، فَإِنْ قَالَ: دَابَّةٌ يُنْتَفَعُ بِظَهْرِهَا وَنَسْلِهَا، خَرَجَ مِنْهُ الْبِغَالُ، وَخَرَجَ مِنْهُ الذَّكَرُ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ عُرْفُ الْبَلَدِ، وَفِي التَّمْهِيدِ: فِي الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ الدَّابَّةُ لِلْفَرَسِ عُرْفًا، وَالْإِطْلَاقُ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، وَقَالَهُ فِي الْفُنُونِ عَنْ أُصُولِي يَعْنِي نَفْسَهُ، قَالَ: لِنَوْعِ قُوَّةٍ فِي الدَّبِيبِ؛ لِأَنَّهُ ذُو كَرٍّ وَفَرٍّ، انْتَهَى. وَالْفَرَسُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحِصَانُ لِلذَّكَرِ، وَعَكْسُهُ الْحُجْرَةُ، وَالْحِمَارُ لِلذَّكَرِ، وَالْأَتَانُ لِلْأُنْثَى. فَرْعٌ: لَا يَسْتَحِقُّ لِلدَّابَّةِ سَرْجًا، وَلَا لِلْبَعِيرِ رَحْلًا. (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ) وَشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ (صَحَّ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا أَقَلُّ مِنَ الْجَهَالَةِ فِي عَبْدٍ، وَقَدْ صَحَّتْ فِيهِ، فَلِأَنْ تَصِحُّ هُنَا مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَيُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا مِنْهُمْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّرِيفِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ تَنَاوَلَ وَاحِدًا، وَالْأَقَلُّ هُوَ الْيَقِينُ، فَيَكُونُ هُوَ الْوَاجِبُ، فَعَلَى هَذَا مَا يَدْفَعُهُ الْوَارِثُ مِنْ صَحِيحٍ أَوْ مَعِيبٍ، جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ، يَلْزَمُ قَبُولُهُ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُعْطَى وَاحِدًا بِالْقُرْعَةِ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ شِرَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانَ لَهُ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ كَالْعِتْقِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْفُرُوعِ شَيْئًا، وَفِي التَّبْصِرَةِ: هُمَا فِي لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيدٌ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْتَضِي عَبْدًا مِنَ الْمَوْجُودِينَ حَالَ الْوَصِيَّةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَا فِي الْكِيسِ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ، أَوْ بِدَارِهِ، وَلَا دَارَ لَهُ (وَتَصَحُّ فِي الْآخَرِ) لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَتِ الصِّفَةُ، بَقِيَ أَصْلُ الْوَصِيَّةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِأَلْفٍ لَا يَمْلِكُهَا، ثُمَّ مَلَكَهَا (وَيُشْتَرَى لَهُ مَا يُسَمَّى عَبْدًا) لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُ، فَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 كَانَ لَهُ عَبِيدٌ فَمَاتُوا إِلَّا وَاحِدًا، تَعَيَّنَتِ الْوَصِيَّةُ فِيهِ، فَإِنْ قُتِلُوا كُلُّهُمْ، فَلَهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ عَلَى قَاتِلِهِ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِقَوْسٍ وَلَهُ أَقْوَاسٌ لِلرَّمْيِ وَالْبُنْدُقِ وَالنَّدْفِ، فَلَهُ قَوْسُ النِّشَابِ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُهَا، إِلَّا أَنْ تَقْتَرِنَ بِهِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ إِلَى غَيْرِهِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَصِيَّةِ، وَكَقَوْلِهِ: عَبْدٌ مِنْ مَالِي، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ قَالَ: أَعْطُوهُ مِائَةً مِنْ أَحَدِ كِيسَيَّ، فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا شَيْءٌ - يُعْطَى مِائَةً؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إِعْطَاءَهُ، وَإِنْ مَلَكَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَوَجْهَانِ (فَإِنْ كَانَ لَهُ عَبِيدٌ فَمَاتُوا إِلَّا وَاحِدًا) أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ (تَعَيَّنَتِ الْوَصِيَّةُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْبَاقِي، وَهَذَا إِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، وَإِنْ تَلِفَ رَقِيقُهُ جَمِيعُهُمْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ بَعْدَهُ، بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنَ الْوَارِثِ، بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِمْ لِحُصُولِهَا فِي أَيْدِيهِمْ بِغَيْرِ فِعْلِهِمْ. فَرْعٌ: أَوْصَى بِعِتْقِ أَحَدِ عَبِيدِهِ الْمَوْجُودِينَ، صَحَّ، وَأَجْزَأَ عِتْقُ مَا يُسَمَّى عَبْدًا، وَقِيلَ: مَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ، وَهَلْ يَعْنِيهِ الْوَارِثُ أَوْ بِقُرْعَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لِلْعَبِيدِ تَعْيِينُ عِتْقِ أَحَدِهِمْ. (وَإِنْ قُتِلُوا كُلُّهُمْ فَلَهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ) إِمَّا بِاخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ، أَوْ بِالْقُرْعَةِ عَلَى الْخِلَافِ (عَلَى قَاتِلِهِ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ قَتَلَهُمْ كُلَّهُمْ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ قَتَلَ وَاحِدٌ عَبَدَ غَيْرِهِ، وَهَذَا إِذَا قُتِلُوا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. فَرْعٌ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِأُمِّ وَلَدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ جَازَ بَيْعُهَا وَلَمْ تُعْتَقْ بِمَوْتِهِ، وَإِلَّا فَلَا. (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِقَوْسٍ) صَحَّ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مُبَاحَةً، فَإِنْ كَانَ (لَهُ أَقْوَاسٌ لِلرَّمْيِ وَالْبُنْدُقِ وَالنَّدْفِ، فَلَهُ قَوْسُ النِّشَابِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (لِأَنَّهُ أَظْهَرُهَا) وَيُسَمَّى الْفَارِسِيَّ، وَقَوْسُ النَّبْلِ يُسَمَّى الْعَرَبِيَّ (إِلَّا أَنْ تَقْتَرِنَ بِهِ قَرِينَةٌ) كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ نَدَّافًا، أَوْ بُنْدُقَانِيًّا، أَوْ غَازِيًا، فَإِنَّهُ (تَصْرِفُ إِلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّ الْقَرِينَةَ كَالصَّرِيحِ، وَهَذَا إِذَا أَطْلَقَ، فَإِنْ وَصَفَهَا بِصِفَةٍ، أَوْ كَانَ لَهُ قَوْسٌ وَاحِدٌ تَعَيَّنَتْ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا كَالْوَصِيَّةِ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَهَا، وَقِيلَ: لَهُ غَيْرُ قَوْسِ بُنْدُقٍ، وَقِيلَ: مَا يُرْمَى بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 وَاحِدٌ مِنْهَا كَالْوَصِيَّةِ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِكَلْبٍ أَوْ طَبْلٍ، وَلَهُ مِنْهَا مُبَاحٌ وَمُحَرَّمٌ، انْصَرَفَ إِلَى الْمُبَاحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا مُحَرَّمٌ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ، وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا عُلِمَ مِنْ مَالِهِ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ، وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ، فَاسْتَحْدَثَ مَالًا، دَخَلَ ثُلُثُهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنْ قُتِلَ وَأُخِذَتْ دِيَتُهُ، فَهَلْ تَدْخُلُ الدِّيَةُ فِي الْوَصِيَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] عَادَةً، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَتَرَهَا؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا، وَقِيلَ: بَلَى، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا إِلَّا بِهِ فَكَانَ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا. (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِكَلْبٍ أَوْ طَبْلٍ وَلَهُ مِنْهَا مُبَاحٌ) كَكَلْبِ الصَّيْدِ، وَطَبْلِ الْحَرْبِ (وَمُحَرَّمٌ) كَضِدِّهِمَا وَكَالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ (انْصَرَفَ إِلَى الْمُبَاحِ) لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مُبَاحَةً، وَوُجُودُ الْمُحَرَّمِ كَعَدَمِهِ شَرْعًا، فَلَا يَشْمَلُهُ اللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِمَا مَعًا. 1 - (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا مُحَرَّمٌ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمُحَرَّمِ مَعْصِيَةٌ، فَلَمْ تَصِحَّ كَالْكَنِيسَةِ، فَلَوْ كَانَ طَبْلٌ إِذَا فُصِلَ صَلَحَ لِلْحَرْبِ، لَمْ يَصِحَّ، وَيَلْحَقُ بِطَبْلِ اللَّهْوِ الْمِزْمَارُ وَالطُّنْبُورُ وَعُودُ اللَّهْوِ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِ الْأَوْتَارُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مُهَيَّأٌ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ، وَتُبَاحُ الْوَصِيَّةُ بِالدُّفِّ الْمُبَاحِ لِلْخَبَرِ (وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا عُلِمَ مِنْ مَالِهِ) اتِّفَاقًا (وَمَا لَمْ يُعْلَمْ) أَيْ: تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ فِي ثُلُثِ الْمَوْجُودِ، وَإِنْ جَهِلَهُ، وَعَنْهُ إِنْ عَلِمَ بِهِ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَرَبِيعَةَ، إِلَّا فِي الْمُدَبَّرِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ لَفْظٌ عَامٌّ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَا يَعْلَمُ بِهِ مِنْ مَالِهِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِثُلُثِهِ. (وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ، فَاسْتَحْدَثَ مَالًا) قَبْلَ مَوْتِهِ (دَخَلَ ثُلُثُهُ فِي الْوَصِيَّةِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ التِّلَادِ وَالْمُسْتَفَادِ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ مِنْ مَالِهِ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ، وَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَعَنْهُ: يَعُمُّ الْمُتَجَدِّدَ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ، أَوْ قَوْلِهِ بِثُلُثِي يَوْمَ أَمُوتُ (وَإِنْ قُتِلَ) عَمْدًا، أَوْ خَطَأً (وَأُخِذَتْ دِيَتُهُ، فَهَلْ تَدْخُلُ الدِّيَةُ فِي الْوَصِيَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ: تَدْخُلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 فَإِنْ وَصَّى بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ نِصْفِ الدِّيَةِ، فَهَلْ تُحْسَبُ الدِّيَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنَ الثُّلُثَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَصْلٌ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُفْرَدَةِ، فَلَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمَنَافِعِ أَمَتِهِ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً   [المبدع في شرح المقنع] دِيَتُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْمَيِّتِ بَدَلَ نَفْسِهِ، وَنَفْسُهُ لَهُ، فَكَذَا بَدَلُهَا، قَالَ أَحْمَدُ: «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ الدِّيَةَ مِيرَاثٌ» ، فَتُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَجْهِيزُهُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحُوزُ وَرَثَتُهُ مِنْ أَمْلَاكِهِ مَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ بَعْدَ مَوْتِهِ كَصَيْدٍ وَقَعَ فِي أُحْبُولَةٍ نَصَبَهَا خِلَافًا لِلِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ فَيَتَوَجَّهُ فِي ضَمَانِ الْمَيِّتِ الْخِلَافُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذَلِكَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا تَدْخُلُ فِي وَصِيَّتِهِ، نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْمَوْتُ، فَلَا يَجُوزُ وُجُوبُهَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَقَدَّمُ سَبَبَهُ، إِذْ بِالْمَوْتِ تَزُولُ أَمْلَاكُهُ (فَإِنْ وَصَّى بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ نِصْفِ الدِّيَةِ، فَهَلْ تُحْسَبُ الدِّيَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنَ الثُّلُثَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَعَلَى الْأُولَى تُحْسَبُ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَتْ وصيته بِقَدْرِ نِصْفِ الدِّيَةِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، نَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِلَّا أُخْرِجَ مِنْهُ قَدْرُ ثُلُثِهَا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا تُحْسَبُ الدِّيَةُ، وَتَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ مِنْ تِلَادِ مَالِهِ دُونَ دِيَتِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَالِهِ، فَيَخْتَصُّ بِهَا الْوَرَثَةُ. [تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَنْفَعَةٍ مُفْرَدَةٍ] فَصْلٌ (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُفْرَدَةِ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا كَالْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّهَا هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَصَحَّتْ فِي الْحَيَاةِ كَالْمُقَارَنَةِ، وَسَوَاءٌ وَصَّى بِهَا أَبَدًا، أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، لَكِنْ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي سُكْنَى الدَّارِ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 مُعَيَّنَةً، صَحَّ، فَإِذَا أَوْصَى بِهَا أَبَدًا، فَلِلْوَرَثَةِ عِتْقُهَا وَبَيْعُهَا، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إِلَّا لِمَالِكِ نَفْعِهَا، وَلَهُمْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا وَأَخْذُ مَهْرِهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ   [المبدع في شرح المقنع] مِنَ الثُّلُثِ، أُجِيزَ مِنْهَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَقَالَ: إِذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً، لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ تَسْلِيمِ خِدْمَتِهِ سَنَةً، وَبَيْنَ ثُلُثِ الْمَالِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ، حَتَّى يُسْتَكْمَلَ مِنْهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ بَيْعَهُ بِيعَ، وَلَنَا أَنَّهَا وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، فَوَجَبَ تَنْفِيذُهَا عَلَى صِفَتِهَا، فَإِنْ أُرِيدَ تَقْوِيمُهَا، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُقَيَّدَةٌ بِمُدَّةٍ، قُوِّمَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، ثُمَّ تُقَوَّمُ الْمَنْفَعَةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَيُنْظَرُ كَمْ قِيمَتُهَا. فَرْعٌ: لِلْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِ الْعَبْدِ أَوِ الدَّارِ إِجَارَتُهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَلَهُ إِخْرَاجُ الْعَبْدِ عَنِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنَفْعِهِ، فَمَلَكَ إِخْرَاجَهُ، وَإِجَارَتَهُ كَالْمُسْتَأْجِرِ. (فَلَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمَنَافِعِ أَمَتِهِ أَبَدًا، أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، صَحَّ) لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِمَنْفَعَةٍ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ بِهَا (فَإِذَا أَوْصَى بِهَا أَبَدًا فَلِلْوَرَثَةِ عِتْقُهَا) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ، وَمَنَافِعُهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَا يُرْجَعُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِشَيْءٍ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَهَا صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ لَمْ تَعْتِقْ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِلرَّقَبَةِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا، فَإِنْ وَهَبَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ مَنَافِعَهُ لِلْعَبْدِ أَوْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ، صَحَّ، وَلِلْوَرَثَةِ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ، (وَ) لَهُمْ (بَيْعُهَا) لِأَنَّهَا أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا، فَصَحَّ بَيْعُهَا لِغَيْرِهَا، وَتُبَاعُ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ، وَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا تُبَاعُ؛ لِأَنَّ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْحَشَرَاتِ، وَرُدَّ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إِعْتَاقُهَا، وَتَحْصِيلُ وِلَايَتِهَا، وَثَوَابِ عِتْقِهَا بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ. (وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إِلَّا لِمَالِكِ نَفْعِهَا) لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ لَهُ الرَّقَبَةُ وَالْمَنْفَعَةُ، فَيَنْتَفِعُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِمَالِكِ الشَّجَرِ، وَبَيْعِ الزَّرْعِ لِمَالِكِ الْأَرْضِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَفِي كِتَابَتِهَا الْخِلَافُ. (وَلَهُمْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا) أَيْ: بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِتَزْوِيجِهَا؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا، وَصَاحِبَ الْمَنْفَعَةِ يَتَضَرَّرُ بِهِ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، جَازَ، وَإِنْ طَلَبَتِ التَّزْوِيجَ، وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهَا وَهُوَ مُقْدِمٌ عَلَيْهَا، وَوَلِيُّهَا مَالِكُ الرَّقَبَةِ، وَقِيلَ: هُمَا (وَ) لَهُمْ (أَخْذُ مَهْرِهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 الْبِضْعِ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مَهْرُهَا لِلْوَصِيِّ، وَإِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَلِلْوَرَثَةِ قِيمَةُ وَلَدِهَا عِنْدَ الْوَضْعِ عَلَى الْوَاطِئِ، وَإِنْ قُتِلَتْ، فَلَهُمْ قِيمَتُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَلِلْوَصِيِّ اسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَإِعَارَتُهَا، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا، وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًى،   [المبدع في شرح المقنع] وَجَبَ) فِي اخْتِيَارِ الْمُؤَلِّفِ، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ (لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبِضْعِ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا) مُفْرَدَةً، وَلَا مَعَ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ لِلرَّقَبَةِ، فَتَكُونُ لِصَاحِبِهَا (وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مَهْرُهَا لِلْوَصِيِّ) لِأَنَّهُ مِنْ مَنَافِعِهَا. (وَإِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ) لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ، يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا لِاعْتِقَادِ الْوَاطِئِ: أَنَّهُ وَطِئَ فِي مِلْكٍ، كَالْمَغْرُورِ بِأَمَةٍ (وَلِلْوَرَثَةِ قِيمَةُ وَلَدِهَا) لِأَنَّهُ امْتَنَعَ رِقُّهُ، فَوَجَبَ جَبْرُ مَا فَاتَ مِنْ رِقِّهِ (عِنْدَ الْوَضْعِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وُجِدَ، وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَضْعِ لَا تُعْلَمُ قِيمَتُهُ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُ أَوَّلِ حَالَةٍ يُعْلَمُ بِهَا (عَلَى الْوَاطِئِ) لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ رِقَّهُ (وَإِنْ قُتِلَتْ فَلَهُمْ قِيمَتُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ الْإِتْلَافَ صَادَفَ الرَّقَبَةَ، وَهُمْ مَالِكُوهَا، وَفَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ حَصَلَ ضِمْنًا. وَتَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ كَالْإِجَارَةِ (وَفِي الْآخَرِ يَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا) لِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ، تَعَلَّقَ بِبَدَلِهَا إِذَا لَمْ يَبْطُلْ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا وَيُفَارِقِ الزَّوْجَةَ وَالْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ يَبْطُلُ بِتَلَفِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ لِمَالِكِ النَّفْعِ (وَلِلْوَصِيِّ) أَيْ لِمَالِكِ نَفْعِهَا (اسْتِخْدَامُهَا) حَضَرًا وَسَفَرًا (وَإِجَارَتُهَا وَإِعَارَتُهَا) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ بِنَفْعِهَا، وَهَذَا مِنْهُ، فَإِنْ قَتَلَهَا وَارِثُهَا، فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ، قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَفِي التَّبْصِرَةِ: إِنْ قُتِلَتْ، فَرَقَبَةٌ بِثَمَنِهَا مَقَامَهَا، وَقِيلَ: لِمَالِكِ نَفْعِهَا، قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى (وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا) لِأَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ لَيْسَ بِزَوْجٍ، وَلَا مَالِكٍ لِلرَّقَبَةِ، وَالْوَطْءُ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِهِمَا، وَمَالِكُ الرَّقَبَةِ لَا يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَى هَلَاكِهَا، لَكِنْ أَيُّهُمَا وَطِئَهَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ؛ لِوُجُودِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ وَلَدَتْ، فَهُوَ حُرٌّ، فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ صَاحِبَ الْمَنْفَعَةِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا وَفِي نَفَقَتِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ فِي كَسْبِهَا، وَالثَّانِي: عَلَى مَالِكِهَا، وَالثَّالِثُ: عَلَى الْوَصِيِّ، وَفِي اعْتِبَارِهَا مِنَ الثُّلُثِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ جَمِيعُهَا   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ وَلَدِهَا عِنْدَ الْوَضْعِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ مَالِكَ الرَّقَبَةِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ، وَفِي وُجُوبِ قِيمَتِهِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ فِي اخْتِيَارِ الْمُؤَلِّفِ، وَلَهُ الْمَهْرُ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ، إِنْ كَانَ هُوَ الْوَاطِئُ، وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا: تَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ، إِذَا وَطِئَ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ وَلَدُهُ مَمْلُوكًا. (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًى، فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي حُكْمِهَا كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ، وَقِيلَ: هُوَ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّفْعِ الْمُوصَى بِهِ، وَلَا هُوَ مِنَ الرَّقَبَةِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا (وَفِي نَفَقَتِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ فِي كَسْبِهَا) لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إِيجَابُهَا عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ لِكَوْنِهِ لَا نَفْعَ لَهُ، وَعَلَى مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِكَوْنِهِ لَا رَقَبَةَ لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا إِيجَابُهَا فِي كَسْبِهَا، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى إِيجَابِهَا عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهَا مِنْ مَنَافِعِهَا، فَعَلَيْهِ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ، فَقِيلَ: تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَالثَّانِي: عَلَى مَالِكِهَا) أَيْ مَالِكِ الرَّقَبَةِ، ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الرَّقَبَةِ، فَكَانَتْ عَلَى مَالِكِهَا كَنَفَقَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْفَعَةٌ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَتَّبِعُ النَّفَقَةَ، وَوُجُوبُ التَّابِعِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمَتْبُوعِ عَلَيْهِ (وَالثَّالِثُ: عَلَى الْوَصِيِّ) أَيْ صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْعَهَا فَكَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ كَالزَّوْجِ، وَهَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْأَمَةِ، بَلْ حُكْمُ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَنَفْعُهَا بَعْدَ الْوَصِيِّ لِوَرَثَتِهِ قَطَعَ بِهِ فِي الِانْتِصَارِ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي هِبَةِ نَفْعِ دَارِهِ وَسُكْنَاهَا شَهْرًا وَتَسْلِيمِهَا، وَقِيلَ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي. (وَفِي اعْتِبَارِهَا مِنَ الثُّلُثِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 مِنَ الثُّلُثِ، وَالثَّانِي تَقُومُ بِمَنْفَعَتِهَا، ثُمَّ تَقُومُ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ، فَيُعْتَبَرُ مَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِرَقَبَتِهَا، وَلِآخَرَ بِمَنْفَعَتِهَا، صَحَّ، وَصَاحِبُ الرَّقَبَةِ كَالْوَارِثِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَجْهَانِ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَجْهُولَةٌ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهَا، فَوَجَبَ اعْتِبَارُ جَمِيعِهَا (أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ جَمِيعُهَا مِنَ الثُّلُثِ) يَعْنِي يُقَوَّمُ بِمَنْفَعَتِهَا، وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ ثَمَنِهَا مِنَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ أَمَةً لَا مَنْفَعَةَ لَهَا، لَا قِيمَةَ لَهَا غَالِبًا (وَالثَّانِي: تُقَوَّمُ بِمَنْفَعَتِهَا، ثُمَّ تُقَوَّمُ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ فَيُعْتَبَرُ مَا بَيْنَهُمَا) فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا بِمَنْفَعَتِهَا مِائَةً، وَمَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ عَشَرَةً، عَلِمْنَا أَنَّ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ تِسْعُونَ، وَكَذَا إِذَا أَوْصَى بِنَفْعِهَا وَقْتًا مُقَدَّرًا، مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ وَحْدَهُ مِنَ الثُّلُثِ؛ لِإِمْكَانِ تَقْوِيمِهِ مُفْرَدًا، وَيَصِحُّ بَيْعُهَا. وَإِنْ أَطْلَقَ فَمَعَ الرَّقَبَةِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلْ يُقَسِّطُهُ مِنَ التَّرِكَةِ، وَلَا يُقَوَّمُ عَلَى أَحَدِهِمَا. (وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِرَقَبَتِهَا، وَلِآخَرَ بِمَنْفَعَتِهَا، صَحَّ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَنْتَفِعُ بِعِتْقِهَا وَوَلَائِهَا وَبَيْعِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَالثَّانِي: ظَاهِرٌ (وَصَاحِبُ الرَّقَبَةِ كَالْوَارِثِ فِيمَا ذَكَرْنَا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكُهَا. تَنْبِيهٌ: أَوْصَى بِثَمَرِ شَجَرَةٍ لِزَيْدٍ، وَبِرَقَبَتِهَا لِعَمْرٍو، لَمْ يَمْلِكْ أَحَدُهُمَا إِجْبَارَ الْآخَرِ عَلَى سَقْيِهَا، وَلَا مَنْعَهُ مِنْهُ، إِذَا لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ يَبِسَتِ الشَّجَرَةُ، أَوْ بَعْضُهَا، فَهُوَ لِعَمْرٍو، وَإِنْ وَصَّى بِثَمَرَتِهَا، أَوْ حَمْلِ أَمَتِهِ أَوْ شَاتِهِ، فَلَمْ تَحْمِلْ تِلْكَ الْمُدَّةَ، فَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ، وَإِنْ قَالَ: لَكَ ثَمَرَتُهَا، أَوْ حَمْلُ الْحَيَوَانِ أَوَّلَ عَامٍ بِثَمَرٍ، أَوْ بِحَمْلٍ، صَحَّ، وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِلَبَنِ شَاتِهِ وَصُوفِهَا، أَوْ بِأَحَدِهِمَا، صَحَّ، وَيُقَوَّمُ الْمُوصَى بِهِ دُونَ الْعَيْنِ، وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِحَبِّ زَرْعِهِ، وَلِآخَرَ بِنَبْتِهِ صَحَّ، وَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنِ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْإِنْفَاقِ، فَفِي إِجْبَارِهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ، إِذَا انْهَدَمَ، وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِخَاتَمٍ، وَلِآخَرَ بِفَصِّهِ، صَحَّ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْتِفَاعُ بِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَأَيُّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ الْفَصِّ مِنْهُ، أُجِيبَ إِلَيْهِ، وَيُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى بَيْعِهِ أَوْ لُبْسِهِ، جَازَ (وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمُكَاتَبِهِ، صَحَّ) إِنْ صَحَّ بَيْعُهُ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 وَصَّى لِرَجُلٍ بِمُكَاتَبِهِ، صَحَّ، وَيَكُونُ كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ بِنَجْمٍ مِنْهَا، صَحَّ، وَإِنْ وَصَّى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ، وَبِمَا عَلَيْهِ لِآخَرَ صَحَّ، فَإِنْ أَدَّى، عَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْمَالِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ كَالْقِنِّ (وَيَكُونُ كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ، أَشْبَهَتِ الشِّرَاءَ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ، وَالْوَلَاءُ لَهُ كَالْمُشْتَرِي، وَإِنْ عَجَزَ، عَادَ رَقِيقًا لَهُ، فَإِنْ عَجَزَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، لَمْ تَبْطُلِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ رِقَّهُ لَا يُنَافِيهَا، وَإِنْ أَدَّى إِلَيْهِ بَطَلَتْ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ عَجَزَ وَرَقَّ، فَهُوَ لَكَ بَعْدَ مَوْتِي، فَعَجَزَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، صَحَّتْ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ مَوْتِهِ، بَطَلَتْ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ عَجَزَ بَعْدَ مَوْتِي، فَهُوَ لَكَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا إِذَا قَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ. (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ بِنَجْمٍ مِنْهَا، صَحَّ) لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِمَا لَيْسَ مُسْتَقِرًّا، كَمَا تَصِحُّ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي الْحَالِ كَحَمْلِ الْجَارِيَةِ، وَحِينَئِذٍ لِلْمُوصَى لَهُ اسْتِيفَاءُ الْمَالِ عِنْدَ حُلُولِهِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ، وَيَعْتِقُ بِأَحَدِهِمَا، وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَيْهِ، وَفِي الْخِلَافِ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا عَجَزَ فَأَرَادَ الْوَارِثُ تَعْجِيزَهُ، وَأَرَادَ الْوَصِيُّ إِنْظَارَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ، قُدِّمَ قَوْلُ الْوَارِثِ، وَمَتَى عَجَزَ فَهُوَ عَبْدٌ لِلْوَارِثِ، وَإِنْ وَصَّى بِمَا يُعَجِّلُهُ الْمُكَاتَبُ، صَحَّ، فَإِنْ عَجَّلَ شَيْئًا، فَهُوَ لِلْوَصِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ شَيْئًا حَتَّى حَلَّتْ نُجُومُهُ، بَطَلَتْ. (وَإِنْ وَصَّى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ، وَبِمَا عَلَيْهِ لِآخَرَ، صَحَّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الرَّقَبَةِ وَالدَّيْنِ مَمْلُوكٌ لِلْمُوصِي، فَصَحَّ كَغَيْرِهِ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ (فَإِنْ أَدَّى) أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ (عَتَقَ) لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْمُكَاتَبِ، وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ (وَإِنْ عَجَزَ فَهُوَ) قِنٌّ (لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ) حَيْثُ فَسَخَهَا؛ لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنَّمَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي، فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ (وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْمَالِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْبَاقِيَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ قَبَضَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ شَيْئًا، فَهُوَ لَهُ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي فَسْخِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الْعَجْزِ، قُدِّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ كَالْوَارِثِ، فَإِنْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً، فَأَوْصَى بِمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 فَصْلٌ وَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَتَلِفَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ، بَطَلَتِ   [المبدع في شرح المقنع] فِي ذِمَّتِهِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذِمَّتِهِ، وَيَصِحُّ بِمَا إِذَا قَالَ: بِمَا أَقْبِضُهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَيَصِحُّ فِيهَا بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ كَالصَّحِيحَةِ. فَرْعٌ: أَوْصَى بِعِتْقِ مُكَاتَبِهِ، أَوِ الْإِبْرَاءِ مِنْ دَيْنِهِ، اعْتُبِرَ مِنَ الثُّلُثِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا، أَوْ مَالَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إِبْرَاءٌ، وَبِالْعَكْسِ، فَاعْتُبِرَ أَقَلُّهُمَا، فَإِنِ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ، عَتَقَ وَبَرِئَ، وَإِنِ احْتَمَلَ بَعْضَهُ كَنِصْفِهِ، عَتَقَ مِنْهُ نِصْفُهُ، وَبَقِيَ نِصْفُهُ مُكَاتَبًا، وَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ فِي الْحَالِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْكِتَابَةِ، فَإِنْ قَالَ: ضَعُوا نَجْمًا بِمَا شَاءَ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ قَالَ: أَكْثَرَ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ، وُضِعَ فَوْقَ نِصْفِهِ، كَضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ نُجُومِهِ، وَأَكْبَرُهَا أَكْثَرُهَا مَالًا، وَأَوْسَطُهَا الثَّانِي: إِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً، وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَتْ خَمْسَةً، وَإِنْ قَالَ: مَا شَاءَ فَالْكُلُّ، وَقِيلَ: لَا كَمَا شَاءَ مِنْ مَالِهَا. مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ قَالَ: اشْتَرُوا بِثُلُثِي رِقَابًا وَأَعْتِقُوهُمْ، لَمْ يُصْرَفْ فِي الْمُكَاتَبِينَ، فَإِنِ اتَّسَعَ الثُّلُثُ لِثَلَاثَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَ أَقَلَّ مِنْهَا، فَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَلَاثَةً رَخِيصَةً، وَحِصَّةً مِنْ أَرْبَعٍ، فَالثَّلَاثَةُ الْغَالِيَةُ أَوْلَى، وَيُقَدَّمُ مَنْ بِهِ تَرْجِيحٌ مِنْ عِفَّةٍ وَدِينٍ وَصَلَاحٍ، وَلَا يُجْزِئُ إِلَّا رَقَبَةٌ مُسْلِمَةٌ سَالِمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ كَالْكَفَّارَةِ، وَإِنْ وَصَّى بِكَفَّارَةِ أَيْمَانٍ فَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. [حُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ إِذَا تَلِفَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ] فَصْلٌ (وَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ، كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِأَخِيكَ بِزَيْدٍ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِهِ تَوْكِيدًا؛ لِأَنَّ شَيْئًا نَكِرَةٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ (فَتَلِفَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ) قَبْلَ الْقَبُولِ (بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا مِمَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ غَيْرَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ زَمَانًا قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ، لَا وَقْتَ الْأَخْذِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى الْمُعَيَّنِ إِلَّا مَالٌ غَائِبٌ أَوْ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ مُوسِرٍ أَوْ مُعْسِرٍ، فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمُوصَى بِهِ، وَكُلَّمَا   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُعَيَّنَ، فَإِذَا ذَهَبَ، زَالَ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ، وَالتَّرِكَةُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي أَيْدِيهِمْ بِغَيْرِ فِعْلِهِمْ، وَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا (وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ الْمُعَيَّنِ (بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ، لِتَعَيُّنِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَخْذَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، فَتَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ دُونَ سَائِرِ مَالِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: فِيمَنْ خَلَّفَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا - قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ - وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِالْعَبْدِ، فَسُرِقَتِ الدَّنَانِيرُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَالْعَبْدُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ تَلِفَتِ التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقَبُولِ غَيْرَ الْمُوصَى بِهِ مُعَيَّنًا، فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهُ، إِنْ مَلَكَهُ عِنْدَ الْقَبُولِ، وَإِلَّا كُلُّهُ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ قَدْرُ الثُّلُثِ أَوْ أَقَلُّ، وَإِلَّا مَلَكَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ. (وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ زَمَانًا قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قِيمَةِ الْوَصِيَّةِ بِخُرُوجِهَا مِنَ الثُّلُثِ، وَعَدَمِ خُرُوجِهَا بِحَالَةِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَالِ فِيهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (لَا وَقْتَ الْأَخْذِ) هُوَ تَأْكِيدٌ فَيُنْظَرُ كَمْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ التَّرِكَةِ أَوْ دُونَهُ اسْتَحَقَّهُ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْمَالِ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ هَلَكَ الْمَالُ سِوَاهُ اخْتَصَّ بِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ حِينَ الْمَوْتِ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، فَلِلْمُوصَى لَهُ قَدْرُ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْمَالِ فَلَهُ ثُلُثَاهُ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَهُ فَلَهُ نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْمَالِ وَثُلُثَهُ، فَلَهُ خُمْسَاهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِالزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدٍ، قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَلَهُ مِائَتَانِ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَصَارَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ حِينَ الْمَوْتِ مِائَتَيْنِ، فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا ثُلُثُ الْمَالِ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَصَارَتْ مِائَةً، لَمْ يَزِدْ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ إِلَّا بِالْإِجَازَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعَمِائَةٍ، فَلِلْمُوصَى لَهُ النِّصْفُ، لَا يُزَادُ حَقُّهُ عَنْ ذَلِكَ، سَوَاءٌ نَقَصَ الْعَبْدُ أَوْ زَادَ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى الْمُعَيَّنِ إِلَّا مَالٌ غَائِبٌ أَوْ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ مُوسِرٍ أَوْ مُعْسِرٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمُوصَى بِهِ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ مُتَيَقَّنٌ، فَوَجَبَ تَسْلِيمُ ثُلُثِ الْمُعَيَّنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 اقْتُضِيَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْءٌ أَوْ حَضَرَ مِنَ الْغَائِبِ شَيْءٌ، مَلَكَ مِنَ الْمُوصَى بِهِ قَدْرَ ثُلُثِهِ حَتَّى يَمْلِكَهُ كُلَّهُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرِ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ عَبْدٍ فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَاهُ، فَلَهُ الثُّلُثُ الْبَاقِي، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بثُلُثِ ِثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ فَاسْتَحَقَّ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ وَقَبْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلِفَ، فَلَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي الْمُعَيَّنِ كُلِّهِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ، وَقِيلَ: لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ شُرَكَاؤُهُ فِي التَّرِكَةِ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ، مَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ (وَكُلَّمَا اقْتُضِيَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْءٌ أَوْ حَضَرَ مِنَ الْغَائِبِ شَيْءٌ، مَلَكَ مِنَ الْمُوصَى بِهِ قَدْرَ ثُلُثِهِ حَتَّى يَمْلِكَهُ كُلَّهُ) لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَقَدْ زَالَ. وَلَوْ خَلَّفَ ابْنًا وَتِسْعَةً عَيْنًا أَوْصَى بِهَا لِشَخْصٍ، وَعِشْرِينَ دِينَارًا دَيْنًا، فَلِلْوَصِيِّ ثُلُثُهَا ثَلَاثَةٌ، فَإِنِ اقْتَضَى ثَلَاثَةً، فَلَهُ مِنَ التِّسْعَةِ وَاحِدٌ حَتَّى يَقْتَضِيَ ثَمَانِيَةَ عَشْرَةَ، فَتَكْمُلُ لَهُ التِّسْعَةُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ، فَلِلِابْنِ السِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ تِسْعَةً، فَالِابْنُ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَيْنِ، وَالْوَصِيُّ ثُلُثَهَا، وَيَبْقَى ثُلُثُهَا مَوْقُوفًا، كُلَّمَا اسْتُوفِيَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْءٌ، فَلِلْوَصِيِّ مِنَ الْعَيْنِ قَدْرُ ثُلُثِهِ، فَإِذَا اسْتُوفِيَ الدَّيْنُ، كَمَلَ لِلْوَصِيِّ سِتَّةٌ، وَهِيَ ثُلُثُ الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِنِصْفِ الْعَيْنِ أَخَذَ الْوَصِيُّ ثُلُثَهَا، وَالِابْنُ نِصْفَهَا، وَيَبْقَى سُدُسُهَا مَوْقُوفًا، فَمَتَى اقْتَضَى مِنَ الدَّيْنِ ثُلُثَيْهِ، كَمَلَتْ وَصِيَّتُهُ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرِ) ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، أَيْ: يَعْتِقُ فِي الْحَالِ ثُلُثُهُ، وَكُلَّمَا اقْتُضِيَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْءٌ، أَوْ حَضَرَ مِنَ الْغَائِبِ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ حَتَّى يَعْتِقَ جَمِيعُهُ إِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وَفِي التَّرْغِيبِ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مِنْ تَنْجِيزِ عِتْقِ ثُلُثِهِ تَسْلِيمُ ثُلُثَيْهِ إِلَى الْوَرَثَةِ، وَتَسْلِيطُهُمْ عَلَيْهِمَا مَعَ تَوَقُّعِ عِتْقِهِمَا بِحُضُورِ الْمَالِ، وَهَذَا سَهْوٌ مِنْهُ، قَالَ: وَكَذَا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى أَحَدِ أَخَوَيِ الْمَيِّتِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، فَهَلْ يَبْرَأُ عَنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ، قَبْلَ تَسْلِيمِ نَصِيبِ أَخِيهِ، عَلَى الْوَجْهَيْنِ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسَاوِيًا لِلْعَيْنِ، وَأَوْصَى لِشَخْصٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، فَكُلَّمَا اقْتُضِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَهُ ثُلُثُهُ، وَلِلِابْنِ ثُلُثَاهُ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: هُوَ أَحَقُّ بِمَا يَخْرُجُ مِنَ الدَّيْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ وَصِيَّتَهُ. (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ عَبْدٍ، فَاسْتُحِقَّ ثُلُثَاهُ، فَلَهُ الثُّلُثُ الْبَاقِي) أَيْ: إِذَا أَوْصَى لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 مَاتَا، فَلَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَمِلْكُهُ غَيْرَ الْعَبْدِ مِائَتَانِ، فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ وَرُبُعُ الْعَبْدِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَإِنْ رَدُّوا، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سُدُسُ الْمِائَتَيْنِ وَسُدُسُ الْعَبْدِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ نِصْفُهُ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَالِهِمَا فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ خُمْسُ الْمِائَتَيْنِ وَعُشْرُ   [المبدع في شرح المقنع] بِمُعَيَّنٍ، فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ، فَلَهُ مَا بَقِيَ مِنْهُ إِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ كُلَّهُ مُوصًى بِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ فَاسْتَحَقَّهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا، وَقِيلَ: لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي، كَقَوْلِهِ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ، فَاسْتُحِقَّ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَوْ مَاتَا، فَلَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ مِنَ الْبَاقِي بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَقَدْ شَرَّكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَتِهِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ، وَقِيلَ: لَهُ الْبَاقِي، مَا لَمْ يَعْبُرْ ثُلُثَ قِيمَتِهِمْ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ صَبْرَةٍ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَتَلِفَ ثُلُثَاهَا، وَقِيلَ: ثُلُثُهَا. (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَمِلْكُهُ غَيْرَ الْعَبْدِ مِائَتَانِ) أَيْ: إِذَا أَوْصَى لِشَخْصٍ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ كَثُلُثِهِ، فَأُجِيزَ لَهُمَا، انْفَرَدَ صَاحِبُ الْمَشَاعِ بِوَصِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، ثُمَّ شَارَكَ صَاحِبَ الْمُعَيَّنِ فِيهِ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا فِيهِ، وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: (فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ لَا يُزَاحِمُهُ الْآخَرُ فِيهَا (وَرُبُعُ الْعَبْدِ) أَيْ: يَشْتَرِكَانِ فِيهِ؛ لِهَذَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ جَمِيعُهُ، فَابْسُطْهُ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ، وَهُوَ الثُّلُثُ يَصِيرُ الْعَبْدُ ثُلُثَهُ، وَاضْمُمْ إِلَيْهَا الثُّلُثَ الَّذِي لِلْآخَرِ، تَصِيرُ أَرْبَعَةً، ثُمَّ اقْسِمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، يَصِيرُ الثُّلُثُ رُبْعًا كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ، فَيَخْرُجُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مَا ذَكَرَهُ (وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ) ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى حَالِهِ الرَّدُّ، فَقَالَ (وَإِنْ رَدُّوا، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ (لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سُدُسُ الْمِائَتَيْنِ وَسُدُسُ الْعَبْدِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ نِصْفُهُ) وَطَرِيقُهُ أَنْ تُرَدَّ وَصِيَّتُهُمَا إِلَى ثُلُثِ الْمَالِ - وَهُوَ نِصْفُ وَصِيَّتِهِمَا - فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى نِصْفِ وَصِيَّتِهِ، فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثِ إِلَى سُدُسِ الْجَمِيعِ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْعَبْدِ إِلَى نِصْفِهِ (وَعِنْدِي) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ تَخْرِيجًا (أَنَّهُ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَالِهِمَا فِي حَالِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 الْعَبْدِ وَنِصْفُ عُشْرِهِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ رُبُعُهُ وَخُمْسُهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ مَكَانَ الثُّلُثِ، فَأَجَازُوا، فَلَهُ مِائَةٌ وَثُلُثُ الْعَبْدِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثَاهُ، وَإِنْ رَدُّوا،   [المبدع في شرح المقنع] الْإِجَازَةِ) كَسَائِرِ الْوَصَايَا (لِصَاحِبِ الثُّلُثِ خُمْسُ الْمِائَتَيْنِ وَعُشْرُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ عُشْرِهِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ رُبُعُهُ وَخُمْسُهُ) وَطَرِيقُهُ أَنْ تَضْرِبَ مُخْرَجَ الثُّلُثِ فِي مُخْرَجِ الرُّبُعِ تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ، وَرُبُعُ الْعَبْدِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، صَارَ لَهُ أَحَدَ عَشَرَ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَذَلِكَ تِسْعَةٌ، فَتَضُمُّهَا إِلَى سِهَامِ صَاحِبِ الثُّلُثِ، تَصِيرُ عِشْرِينَ سَهْمًا، فَفِي حَالِ الرَّدِّ يُجْعَلُ الثُّلُثُ عِشْرِينَ سَهْمًا، فَيَصِيرُ الْمَالُ سِتِّينَ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ تِسْعَةٌ مِنَ الْعَبْدِ، وَهُوَ رُبُعُهُ وَخُمْسُهُ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْمِائَتَيْنِ، وَهُوَ خُمْسُهَا، وَثُلَثُهُ مِنَ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ عُشْرُهُ، وَنِصْفُ عُشْرِهِ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ أَنْ نَقُولَ: حَصَلَ لَهُمَا فِي الْإِجَازَةِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ، وَثُلُثَانِ، وَنِسْبَةُ الثُّلُثِ إِلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، فَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهِ، فَيَحْصُلُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَرْبَعُونَ، وَهُوَ خُمْسُ الْمِائَتَيْنِ، وَمِنَ الْعَبْدِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهُوَ عُشْرُهُ وَنِصْفُ عُشْرِهِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَهِيَ رُبُعُهُ وَخُمْسُهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ فِي حَالِ الرَّدِّ، لَا تُجَاوِزُ الثُّلُثَ، فَهِيَ كَحَالَةِ الْإِجَازَةِ، رَجُلٌ خَلَّفَ خَمْسَمِائَةٍ، وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَوَصَّى بِسُدُسِ مَالِهِ لِشَخْصٍ، وَلِلْآخَرِ بِالْعَبْدِ، فَلَا أَثَرَ لِلرَّدِّ هُنَا، وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْمَشَاعِ سُدُسَ الْمَالِ، وَسُبْعَ الْعَبْدِ، وَلِلْآخَرِ سِتَّةُ أَسْبَاعِهِ، وَإِنْ جَاوَزَتِ الثُّلُثَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، رَدَدْتَ وَصِيَّتَهُمَا إِلَى الثُّلُثِ، وَقَسَّمْتَهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا أَنَّ صَاحِبَ الْمُعَيَّنِ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنَ الْمُعَيَّنِ، وَالْآخَرَ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، هَذَا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ، فَعَلَيْهِ يَأْخُذُ سُدُسَ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ الْجَمِيعِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ دُونَ وَصِيَّةِ صَاحِبِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ وَصَّىَ لَهُ بِشَيْءٍ شَرَكَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ أَفْرَدَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَسَّمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا حَالَةَ الرَّدِّ، عَلَى حَسَبِ مَا لَهُمَا فِي حَالَةِ الْإِجَازَةِ، كَسَائِرِ الْوَصَايَا. (وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ مَكَانَ الثُّلُثِ، فَأَجَازُوا، فَلَهُ مِائَةٌ) لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهَا (وَثُلُثُ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِنِصْفِهِ، وَلِلْآخَرِ بِكُلِّهِ، وَذَلِكَ نِصْفَانِ وَنِصْفٌ، فَيَرْجِعُ إِلَى الثُّلُثِ (وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثَاهُ) لِرُجُوعِ كُلِّ نِصْفٍ إِلَى ثُلُثٍ (وَإِنْ رَدُّوا، فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ رُبُعُ الْمِائَتَيْنِ، وَسُدُسُ الْعَبْدِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ) لِأَنَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ رُبُعُ الْمِائَتَيْنِ وَسُدُسُ الْعَبْدِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لِصَاحِبِ النِّصْفِ خُمْسُ الْمِائَتَيْنِ وَخُمْسُ الْعَبْدِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ خُمْسَاهُ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَالطَّرِيقُ فِيهَا أَنْ تَنْظُرَ مَا حَصَلَ لَهَا فِي حَالِ الْإِجَازَةِ، فَيُنْسَبُ إِلَيْهِ ثُلُثُ الْمَالِ، وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا كَانَ لَهُ فِي الْإِجَازَةِ بِمِثْلِ نِسْبَةِ الثُّلُثِ إِلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ يُنْسَبُ الثُّلُثُ إِلَى وَصِيَّتِهِمَا جَمِيعًا، وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا كان لَهُ فِي الْإِجَازَةِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِلْآخَرِ بِمِائَةٍ، وَلِثَالِثٍ بِتَمَامِ الثُّلُثِ، فَلَمْ يَزِدِ الثُّلُثُ عَلَى الْمِائَةِ، بَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ التَّمَامِ، وَيُقْسَمُ   [المبدع في شرح المقنع] فَيُرَدُّ إِلَى نِصْفِهِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ (لِصَاحِبِ النِّصْفِ خُمْسُ الْمِائَتَيْنِ، وَخُمْسُ الْعَبْدِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ خُمْسَاهُ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ بِالْعَبْدِ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَبِنِصْفِ الْمَالِ، وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، وَنِسْبَةُ الثُّلُثِ إِلَى ذَلِكَ بِالْخَمْسِينَ (وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِمَا مُتَقَارِبٌ (وَالطَّرِيقُ فِيهَا أَنْ تَنْظُرَ مَا حَصَلَ لَهَا فِي حَالِ الْإِجَازَةِ، فَيُنْسَبُ إِلَيْهِ ثُلُثُ الْمَالِ، وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا كَانَ لَهُ فِي الْإِجَازَةِ بِمِثْلِ نِسْبَةِ الثُّلُثِ إِلَيْهِ) لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُمَا فِي الْإِجَازَةِ الثُّلُثَانِ، وَنِسْبَةُ الثُّلُثِ إِلَيْهِمَا بِالنِّصْفِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ مَا حَصَلَ لَهُمَا فِي الْإِجَازَةِ، وَقَدْ كَانَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ مِنَ الْمِائَتَيْنِ نِصْفُهَا، فَلَهُ رُبُعُهَا، وَكَانَ لَهُ مِنَ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ، فَصَارَ لَهُ سُدُسُهُ، وَكَانَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثَاهُ، فَصَارَ لَهُ ثُلُثُهُ (وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) وَالْأَصْحَابِ (يُنْسَبُ الثُّلُثُ إِلَى وَصِيَّتِهِمَا جَمِيعًا، وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا كان لَهُ فِي الْإِجَازَةِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ) لِأَنَّهُ نِسْبَةُ الثُّلُثِ إِلَى وَصِيَّتِهِمَا بِالْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ وَالثُّلُثَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَالثُّلُثُ خُمْسَاهَا، فَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ خُمْسَاهُ، لِأَنَّهُ وَصِيَّتُهُ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الْخُمْسُ؛ لِأَنَّ خُمْسَا وَصِيَّتِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَمِلْكُهُ غَيْرَ الْعَبْدِ ثَلَاثُمِائَةٍ، فَفِي الْإِجَازَةِ لِصَاحِبِ النِّصْفِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَثُلُثُ الْعَبْدِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثَاهُ، وَفِي الرَّدِّ لِصَاحِبِ النِّصْفِ تُسْعًا بِالْمَالِ كُلِّهِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِهِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ وَخُمْسَيْنِ تُسْعِهِ، وَلِلْآخَرِ تُسْعُهُ، وَثُلُثُ خُمْسِهِ، وَمِنَ الْمَالِ ثَمَانُونَ، وَهُوَ رُبُعُهَا، وَسُدُسُ عُشْرِهَا. فَإِنْ وَصَّى لَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَلِلْآخَرِ بِالْعَبْدِ، فَفِي الْإِجَازَةِ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ نِصْفُهُ، وَالْبَاقِي كُلُّهُ لِلْآخَرِ، وَفِي الرَّدِّ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ خُمْسُهُ، وَهُوَ رُبُعُ الْعَبْدِ، وَسُدُسُ عُشْرِهِ، وَلِلْآخَرِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ. (وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِلْآخَرِ بِمِائَةٍ، وَلِثَالِثٍ بِتَمَامِ الثُّلُثِ) عَلَى الْمِائَةِ، (فَلَمْ يَزِدِ الثُّلُثُ عَلَى الْمِائَةِ) كَمَا إِذَا كَانَ الْمَالُ ثَلَاثَمِائَةٍ (بَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ التَّمَامِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوصَ لَهُ بِشَيْءٍ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 الثُّلُثُ بَيْنَ الْآخَرِينَ عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا، وَإِنْ زَادَ عَنِ الْمِائَةِ، فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ، نَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ عَلَى مَا قَالَ الْمُوصِي، وَإِنْ رَدُّوا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ وَصِيَّتِهِ عِنْدِي، وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لِصَاحِبِ التَّمَامِ شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ الْمِائَةُ لِصَاحِبِهَا، وَيَكُونَ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُزَاحِمَ بِهِ وَلَا يُعْطِيَهُ شَيْئًا، كَوَلَدِ الْأَبِ مَعَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي مُزَاحَمَةِ الْجَدِّ.   [المبدع في شرح المقنع] أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ، وَلَا دَارَ لَهُ، (وَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ) فِي حَالِ الرَّدِّ (بَيْنَ الْآخَرَيْنِ عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا، وَإِنْ زَادَ) الثُّلُثُ (عَنِ الْمِائَةِ) بِأَنْ كَانَ الْمَالُ سِتَّمِائَةٍ (فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ، نُفِّذَتِ الْوَصِيَّةُ عَلَى مَا قَالَ الْمُوصِي) فَيَأْخُذُ صَاحِبُ الثُّلُثِ مِائَتَيْنِ، وَكُلٌّ مِنَ الْوَصِيَّيْنِ مِائَةً (وَإِنْ رَدُّوا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ وَصِيَّتِهِ عِنْدِي) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا رَجَعَتْ إِلَى نِصْفِهَا، فَدَخَلَ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَالِهِ فِي الْوَصِيَّةِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا. (وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لِصَاحِبِ التَّمَامِ شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ الْمِائَةُ لِصَاحِبِهَا، وَيَكُونَ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْهَا) لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بَعْدَ تَمَامِ الْمِائَةِ لِصَاحِبِهَا، وَلَمْ يَفْضُلْ هُنَا لَهُ شَيْءٌ فَعَلَى قَوْلِهِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ نِصْفُهُ، وَلِصَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةٌ، وَلِصَاحِبِ التَّمَامِ نِصْفُ مَا فَوْقَ الْمِائَتَيْنِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ تِسْعَمِائَةٍ، وَرَدَّ الْوَرَثَةُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، وَلِصَاحِبِ الْمِائَةِ خَمْسُونَ، وَلِصَاحِبِ التَّمَامِ مِائَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ بِالثُّلُثَيْنِ، فَرَجَعَتْ إِلَى الثُّلُثِ، فَرَدَدْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى نِصْفِ وَصِيَّتِهِ، وَعَلَى الثَّانِي لِصَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةٌ لَا يُنْقَصُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلِصَاحِبِ التَّمَامِ خَمْسُونَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُزَاحَمَ بِهِ) هَذَا مِنْ تَمَامِ قَوْلِ الْقَاضِي، وَهُوَ أَنْ يُعَادَ بِهِ (وَلَا يُعْطِيهِ شَيْئًا كَوَلَدِ الْأَبِ مَعَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي مُزَاحَمَةِ الْجَدِّ) أَيْ: يُزَاحَمُ الْجَدُّ بِالْأَخِ مِنَ الْأَبِ، وَلَا يُعْطِيهِ شَيْئًا، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَصِيَّةُ صَاحِبِ التَّمَامِ هُنَا، وَيُقْسِمُ الْآخَرُ أَنَّ الثُّلُثَ كَانَ لَا وَصِيَّةَ لِغَيْرِهِمَا كَمَا إِذَا لَمْ يُجَاوِزِ الثُّلُثُ مِائَةً. مَسَائِلُ: الْأُولَى: تَرَكَ سِتَّمِائَةٍ، وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ، وَلِآخَرَ بِتَمَامِ الثُّلُثِ، اسْتَحَقَّ كُلٌّ مِنْهُمَا مِائَةً، وَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ، فَلِلْآخَرِ مِائَةٌ، وَإِنْ وَصَّى لِلْأَوَّلِ بِمِائَتَيْنِ، وَلِلْآخَرِ بِبَقِيَّةِ الثُّلُثِ، فَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي، سَوَاءٌ رُدَّتْ وَصِيَّةُ الْأَوَّلِ، أَوْ أَجَازَهَا، وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: إِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ إِذَا أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ مُعَيَّنٍ، فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِهِ مَضْمُومًا إِلَى الْمَسْأَلَةِ،   [المبدع في شرح المقنع] رَدَّ الْأَوَّلُ، فَلِلثَّانِي مِائَتَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لَنَا. الثَّانِيَةُ: أَوْصَى لِشَخْصٍ بِعَبْدٍ، وَلِلْآخَرِ بِتَمَامِ الثُّلُثِ، فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْمُوصِي قُوِّمَتِ التَّرِكَةُ بِدُونِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَتْ قِيمَتُهُ مِنْ ثُلُثِهَا، ثُمَّ الْبَقِيَّةُ لِوَصِيَّةِ التَّمَامِ، وَإِنْ رَدَّ صَاحِبُ وَصِيَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ مَاتَ قَبْلَهُ، أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِهِ، بَقِيَتْ وَصِيَّةُ الْآخَرِ. الثَّالِثَةُ: أَوْصَى لِشَخْصٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَيُعْطِي زَيْدًا مِنْهُ كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً حَتَّى يَمُوتَ، صَحَّ، فَإِنْ مَاتَ وَبَقِيَ شَيْءٌ، فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، نَصَّ عَلَيْهِ. الرَّابِعَةُ: أَوْصَى لِوَارِثٍ وَغَيْرِهِ بِثُلُثَيْ مَالِهِ اشْتَرَكَا مَعَ الْإِجَازَةِ، وَمَعَ الرَّدِّ لِلْآخَرِ الثُّلُثَ، وَقِيلَ: نِصْفَهُ كَوَصِيَّتِهِ لَهُمَا بِثُلُثِهِ، وَالرَّدُّ عَلَى الْوَارِثِ، وَإِنْ رَدُّوا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ لَا وَصِيَّةَ عَيْنًا، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: لِلْآخَرِ، وَقِيلَ: لَهُ السُّدُسُ، وَإِنْ أُجِيزَ لِلْوَارِثِ، فَلَهُ الثُّلُثُ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ، وَقِيلَ: السُّدُسُ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ] الْأَنْصِبَاءُ جَمْعُ نَصِيبٍ، كَصَدِيقٍ وَأَصْدِقَاءَ، وَالْأَجْزَاءُ جَمْعُ جُزْءٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ (إِذَا أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ مُعَيَّنٍ، فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِهِ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَلَا نُقْصَانٍ (مَضْمُومًا إِلَى الْمَسْأَلَةِ) أَيْ: يُؤْخَذُ مِثْلُ نَصِيبِ الْمُعَيَّنِ، وَيُزَادُ عَلَى مَا تَصِحُّ مِنْهُ مَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَزُفَرُ: يُعْطَى مِثْلَ نَصِيبِ الْمُعَيَّنِ أَوْ مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ، إِنْ كَانُوا يَتَسَاوَوْنَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ مَزِيدٍ، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ إِلَّا أَنَّ نَصِيبَ الْوَارِثِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ، فَلَوْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلَهُ ابْنٌ، فَالْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانُوا اثْنَانِ فَالْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ، ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانُوا يَتَفَاضَلُونَ نَظَرًا إِلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، فَأُعْطِيَ سَهْمًا مِنْ عَدَدِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 فَإِنْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلَهُ ابْنَانِ، فَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً، فَلَهُ الرُّبُعُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ بِنْتٌ، فَلَهُ التُّسْعَانِ وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِنَصِيبِ ابْنِهِ، فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، وَإِنْ وَصَّى بِضِعْفِ نَصِيبِ ابْنِهِ أَوْ بِضِعْفَيْهِ، فَلَهُ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ وَصَّى بِثَلَاثَةِ أَضْعَافِهِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَقَالَ أَصْحَابُنَا:   [المبدع في شرح المقنع] أَنْصِبَائِهِمْ لِتَفَاضُلِهِمْ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ جُعِلَ وَارِثُهُ أَصْلًا وَقَاعِدَةً، حُمِلَ عَلَيْهِ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ، وَجُعِلَ مَثَلًا لَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي مُسَاوَاتَهُمَا، فَلَوْ أُعْطِيَ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ لَمْ يُعْطَ مِثْلَ نَصِيبِهِ، وَلَا حَصَلَتِ التَّسْوِيَةُ (فَإِنْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلَهُ ابْنَانِ، فَلَهُ الثُّلُثُ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لِابْنِهِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ إِذَا خَرَجَ بَقِيَ ثُلُثَا الْمَالِ، لِكُلِّ ابْنٍ ثُلُثٌ (وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً، فَلَهُ الرُّبُعُ) لِمَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ بِنْتٌ، فَلَهُ التُّسْعَانِ) لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ سَبْعَةٍ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ، وَلِلْأُنْثَى سَهْمٌ، وَيُزَادُ عَلَيْهَا مِثْلُ نَصِيبِ ابْنٍ، فَتَصِيرُ تِسْعَةً، فَالِابْنَانِ مِنْهَا تُسْعَانِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ وَارِثًا، فَلَوْ كَانَ رَقِيقًا، أَوْ قَاتِلًا، أَوْ مُخَالِفًا لِدِينِهِ، أَوْ مَحْجُوبًا، لَمْ يَصِحَّ، وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِنَصِيبِ ابْنِهِ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَالْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَجَازِهِ، فَصَحَّ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِالْكِتَابَةِ، وَلِأَنَّهُ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ صَحَّ مَعَ تَضَمُّنِهِ الْوَصِيَّةَ بِنَصِيبِ وَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ (وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا هُوَ حَقٌّ لِلِابْنِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِدَارِ ابْنِي، أَوْ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ وَارِثِهِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي التَّوْلِيَةِ نَحْوَ: بِعْتُكَهُ بِمَا اشْتَرَيْتُهُ لِلْعُرْفِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي: بِعْتُكَهُ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ عَبْدَهُ، وَيَعْلَمَانِهِ، فَقَالُوا: يَصِحُّ، وَظَاهِرُهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا. (وَإِنْ وَصَّى بِضِعْفِ نَصِيبِ ابْنِهِ، أَوْ بِضِعْفَيْهِ، فَلَهُ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ وَصَّى بِثَلَاثَةِ أَضْعَافِهِ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَالْجَوْهَرِيِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: 75] ، وقَوْله تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} [سبأ: 37] ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ أَضْعَفَ الزَّكَاةَ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 ضِعْفَاهُ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ، وَثَلَاثَةُ أَضْعَافِهِ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ، كُلَّمَا زَادَ ضِعْفًا، زَادَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ، وَلَمْ يُسَمِّهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ مَا لِأَقَلِّهِمْ نَصِيبًا، فَلَوْ كَانُوا ابْنًا وَأَرْبَعَ زَوْجَاتٍ، صَحَّتْ مِنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، لِكُلِّ امْرَأَةٍ سَهْمٌ، وَلِلْوَصِيِّ سَهْمٌ يُزَادُ عَلَيْهَا، فَتَصِيرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ لَوْ كَانَ، فَلَهُ   [المبدع في شرح المقنع] نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، فَكَانَ يَأْخُذُ مِنَ الْمِائَتَيْنِ عَشَرَةً، فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الضِّعْفَ مِثْلَانِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الضِّعْفُ الْمِثْلُ، فَمَا فَوْقَهُ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الضِّعْفَيْنِ الْمِثْلَانِ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّحْوِيِّ، قَالَ: الْعَرَبُ تَتَكَلَّمُ الضِّعْفَ مُثَنًّى، فَتَقُولُ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي دِرْهَمًا فَلَكَ ضِعْفَاهُ، أَيْ: مِثْلَاهُ، وَإِفْرَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ أَحْسَنُ، يَعْنِي أَنَّ الْمُفْرَدَ وَالْمُثَنَّى هُنَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَكِلَاهُمَا يُرَادُ بِهِ الْمِثْلَانِ، وَإِذَا اسْتَعْمَلُوهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَجَبَ اتِّبَاعُهُمْ فِيهِ، وَإِنْ خَالَفْنَا الْقِيَاسَ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ: (ضِعْفَاهُ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ، وَثَلَاثَةُ أَضْعَافِهِ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى (كُلَّمَا زَادَ ضِعْفًا زَادَ مَرَّةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَثَرٍ، وَأَقَلُّ الْأَعْدَادِ الْمَرَّةُ، وَأَجَابَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} [البقرة: 265] قَالَ عِكْرِمَةُ: تَحْمِلُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] أَنَّ الْمُرَادَ مَرَّتَيْنِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] وَمُحَالٌ أَنْ تَجْعَلَ أَجْرَهَا عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَرَّتَيْنِ، وَعَذَابَهَا عَلَى الْفَاحِشَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يُرِيدُ تَضْعِيفَ الْحَسَنَاتِ عَلَى السَّيِّئَاتِ، هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ خَالَفَهُ غَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أُحِبُّ قَوْلَهُ، وَرَدَّهُ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَحِينَئِذٍ الضِّعْفُ مُحَالٌ وِفَاقَ (وَإِنْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، كَانَ لَهُ مِثْلُ مَا لِأَقَلِّهِمْ نَصِيبًا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَلَوْ خَصَّهُ بِهِ، فَهُوَ لَهُ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ، وَكَانَ تَأْكِيدًا (فَلَوْ كَانُوا ابْنًا وَأَرْبَعَ زَوْجَاتٍ، صَحَّتْ مِنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ) لِأَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجَاتِ سَهْمٌ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِنَّ، وَلَا يُوَافِقُ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُنَّ فِي ثَمَانِيَةٍ، تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ (لِكُلِّ امْرَأَةٍ سَهْمٌ) وَلِلِابْنِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ (وَلِلْوَصِيِّ سَهْمٌ يُزَادُ عَلَيْهَا، فَتَصِيرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ) وَلَوْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَلَدِهِ، وَلَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ، فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِ الْبِنْتِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَصَّى بِمِثْلِ أَكْثَرِهِمْ، أَوْ أَعْظَمِهِمْ نَصِيبًا، فَلَهُ ذَلِكَ مُضَافًا إِلَى الْمَسْأَلَةِ، فَيَكُونُ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُؤَلِّفِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، فَتَصِيرُ سِتِّينَ سَهْمًا. 1 - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 مِثْلُ مَالِهِ لَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، فَإِذَا كَانَ الْوَارِثُ أَرْبَعَةَ بَنِينَ فَلِلْوَصِيِّ السُّدْسُ، وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً، فَلَهُ الْخُمْسُ، وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ خَامِسٍ لَوْ كَانَ الْأَمْثَلُ نَصِيبَ سَادِسٍ لَوْ كَانَ، فَقَدْ أَوْصَى له بِالْخُمْسِ إِلَّا السُّدُسَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثِينَ سَهْمًا، وَتَصِحُّ مِنَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ، لَهُ مِنْهَا سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةَ عَشَرَ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ لَوْ كَانَ، فَلَهُ مِثْلُ مَالِهِ لَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ) أَيْ: يُقَدَّرُ الْوَارِثُ مَوْجُودًا، وَانْظُرْ مَا لِلْمُوصَى لَهُ مَعَ وُجُودِهِ، فَهُوَ لَهُ مَعَ عَدَمِهِ، وَطَرِيقُهُ أَنْ تَنْظُرَ: كَمْ تَصِحُّ مَسْأَلَتُهُمْ مَعَ عَدَمِ الْوَارِثِ، ثُمَّ كَمْ تَصِحُّ مَعَ وُجُودِهِ، ثُمَّ تَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، ثُمَّ تَقْسِمُ مَا ارْتَفَعَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوُجُودِ، فَمَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ أَضَفْتَهُ إِلَى مَا ارْتَفَعَ مِنَ الضَّرْبِ، وَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَاقْسِمْ مَا ارْتَفَعَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ (فَإِذَا كَانَ الْوَارِثُ أَرْبَعَةَ بَنِينَ، فَلِلْوَصِيِّ السُّدُسُ) لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَعَ عَدَمِ الْخَامِسِ الْمُقَدَّرِ وُجُودُهُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَمَعَ وُجُودِهِ مِنْ خَمْسَةٍ، فَتَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، تَكُنْ عِشْرِينَ تَقْسِمُهَا عَلَى خَمْسَةٍ يَخْرُجُ لِكُلِّ سَهْمٍ أَرْبَعَةٌ، فَتُضِيفُهَا إِلَى الْعِشْرِينَ فَتَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، لِلْمُوصَى لَهُ أَرْبَعَةٌ، وَهِيَ السُّدُسُ، وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ، وَهِيَ ثَمَنٌ وَنِصْفُ سُدُسٍ (وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَهُ الْخُمْسُ) وَلَوْ كَانُوا اثْنَيْنِ، فَلَهُ الرُّبُعُ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَوْ خَلَّفَتِ امْرَأَةٌ زَوْجًا وَأُخْتًا، وَأَوْصَتْ بِمِثْلِ نَصِيبِ خَامِسٍ لَوْ كَانَ، فَلِلْمُوصَى لَهُ الْخُمْسُ؛ لِأَنَّ لِلْأُمِّ الرُّبُعَ لَوْ كَانَتْ، فَتَجْعَلُ لَهُ سَهْمًا يُضَافُ إِلَى أَرْبَعَةٍ يَكُنْ خَمْسًا (وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ خَامِسٍ لَوْ كَانَ الْأَمْثَلُ نَصِيبَ سَادِسٍ لَوْ كَانَ فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِالْخُمْسِ إِلَّا السُّدُسَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى السُّدُسَ مِنَ الْخُمْسِ، وَطَرِيقُهَا: أَنْ تَضْرِبَ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، تَكُنْ ثَلَاثِينَ، خُمْسُهَا سِتَّةٌ، وَسُدُسُهَا خَمْسَةٌ، فَإِذَا اسْتَثْنَيْتَ الْخَمْسَةَ مِنَ السِّتَّةِ بَقِيَ سَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ، فَرَدَّهُ عَلَى الثَلَاثِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ يُزَادُ عَلَى الثَلَاثِينَ سَهْمًا) فَتَصِيرُ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ، أَعْطِ الْمُوصَى لَهُ سَهْمًا يَبْقَى ثَلَاثُونَ عَلَى أَرْبَعَةٍ، لَا تَنْقَسِمُ، وَتُوَافِقُ بِالنِّصْفِ، فَرَدَّهَا إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَاضْرِبْهَا فِي أَرْبَعَةٍ تَكُنْ سِتِّينَ، رُدَّ عَلَيْهَا سَهْمَيْنِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ، لَهُ مِنْهَا سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةَ عَشَرَ) وَبِالْجَبْرِ تَجْعَلُ الْمَالَ أَرْبَعَةً، وَشَيْئًا تَدْفَعُهُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ تُقَسِّمُهَا عَلَى خَمْسَةٍ، يَخْرُجُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَتُقَسِّمُهَا عَلَى سِتَّةٍ، يَخْرُجُ ثُلُثَانِ، فَتَسْقُطُ الثُّلُثَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ يَبْقَى سَهْمَانِ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَضْرِبُ الْأَرْبَعَةَ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ إِذَا أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ أَوْ حَظٍّ أَوْ شَيْءٍ أَوْ نَصِيبٍ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ مَا شَاءُوا،   [المبدع في شرح المقنع] مُخْرَجُ الثُّلُثِ وَالْخُمْسِ، تَكُنْ سِتِّينَ، تَزِيدُ عَلَيْهَا السَّهْمَيْنِ لِلْمُوصَى لَهُ، فَقَدْ حَصَلَ لَهُ خُمْسُ السِتِّينَ إِلَّا سُدُسُهَا، فَخُمْسُهَا اثْنَا عَشَرَ، وَسُدُسُهَا عَشَرَةٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى الْمُؤَلِّفِ: وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً، فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إِلَّا مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ خَامِسٍ لَوْ كَانَ، فَقَدْ أَوْصَى بِالْخُمْسِ إِلَّا السُّدُسَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَهَذِهِ هِيَ الصَّحِيحَةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْمَذْهَبِ الْمُوَافِقَةُ لِطَرِيقَةِ الْأَصْحَابِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا هِيَ مُشْكِلَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْأَصْحَابِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهَا لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدِ، وَابْنِ حَمْدَانَ، وَأَجَابَ الْحَارِثِيُّ عَنْهَا بِأَنَّ قَوْلَهُمْ: أَوْصَى لَهُ بِالْخُمْسِ إِلَّا السُّدُسَ، صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهُ نَصِيبَ الْخَامِسِ الْمُقَدَّرِ غَيْرَ مَضْمُومٍ، وَأَنَّ النَّصِيبَ هُوَ الْمُسْتَثْنَى، انْتَهَى. وَقَالَ النَّاظِمُ: وَقُرِئَ عَلَيْهِ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى، وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إِلَّا مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ سَادِسٍ، لَوْ كَانَ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْخُمْسِ إِلَّا السُّدُسَ. فَرْعٌ: إِذَا خَلَّفَ بِنْتًا وَاحِدَةً، وَوَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِهَا، فَهُوَ كَمَا وَصَّى بِنَصِيبِ ابْنٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا تَسْتَوْعِبُ الْمَالَ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، وَعِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الرَّدَّ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلُثُ، وَلَهَا نِصْفُ الْبَاقِي، وَالْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ خَلَّفَ أُخْتَيْنِ، وَوَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ إِحْدَاهُمَا، فَهِيَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَعِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الرَّدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ مَقْسُومَةٍ بَيْنَهُمْ، فَلَوْ خُلِّفَ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ، وَوَصَّى لِثَلَاثَةٍ بِمِثْلِ أَنْصِبَائِهِمْ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ مَعَ الْإِجَازَةِ، وَفِي الرَّدِّ عَلَى تِسْعَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ ثَلَاثَةٌ، وَالْبَاقِي لَهُمْ. [فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ] ِ (إِذَا أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ، أَوْ حَظٍّ، أَوْ شَيْءٍ، أَوْ نَصِيبٍ) أَوْ قِسْطٍ (فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ مَا شَاءُوا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ مَا يُعْطُونَهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، كَقَوْلِهِ: أَعْطُوا فُلَانًا مِنْ مَالِي، لِكَوْنِهِ لَا حَدَّ لَهُ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرْعِ، فَكَانَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ مِمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَفِيهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ: لَهُ السُّدُسُ بِمَنْزِلَةِ سُدُسٍ مَفْرُوضٍ، وَإِنْ لَمْ تَكْمُلْ فُرُوضُ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ كَانُوا عَصَبَةً، أُعْطِيَ سُدُسًا كَامِلًا، وَإِنْ كَمَلَتْ فُرُوضُهَا أُعِيلَتْ بِهِ، وَإِنْ عَالَتْ أُعِيلَ مَعَهَا، وَالثَّانِيَةُ: لَهُ سَهْمٌ مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ، مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ، وَالثَّالِثَةُ: لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَقَلِّ الْوَرَثَةِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] يُتَمَوَّلُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ إِلَّا حَظًّا، أُعْطِيَ مَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ إِحْدَاهُنَّ: لَهُ السُّدُسُ بِمَنْزِلَةِ سُدُسٍ مَفْرُوضٍ) نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى لِآخَرَ بِسَهْمٍ مِنَ الْمَالِ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّدُسَ» ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ السَّهْمَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السُّدُسُ، قَالَهُ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَتَنْصَرِفُ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ لَفَظَ بِهِ، (إِنْ لَمْ تَكْمُلْ فُرُوضُ الْمَسْأَلَةِ) كَبِنْتٍ، وَبِنْتِ ابْنٍ، (أَوْ كَانُوا عَصَبَةً) كَالْبَنِينَ أَوِ الْإِخْوَةِ، (أُعْطِيَ سُدُسًا كَامِلًا) ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى بِهِ، (وَإِنْ كَمَلَتْ فُرُوضُهَا أُعِيلَتْ بِهِ، وَإِنْ عَالَتْ أُعِيلَ مَعَهَا) ، كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ، وَقِيلَ: لَهُ سُدُسُهُ كُلُّهُ أَطْلَقَهُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرَّوْضَةِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنَ التَّفْصِيلِ، (وَالثَّانِيَةُ لَهُ سَهْمٌ مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ) مُضَافًا إِلَيْهَا، وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَأَبِي طَالِبٍ؛ لِأَنَّ سَهْمًا يَنْصَرِفُ إِلَى سِهَامِ فَرِيضَتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: فَرِيضَتِي، أَوْ كَذَا سَهْمًا لَكَ مِنْهُ أَسْهُمٌ، قَالَ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ: (مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ) فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ، فَلَهُ السُّدُسُ؛ لِأَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ، (وَالثَّالِثَةُ: لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَقَلِّ الْوَرَثَةِ) ، مَضْمُومًا إِلَيْهَا، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ يُطْلَقُ، وَيُرَادُ بِهِ النَّصِيبُ، وَالنَّصِيبُ هُنَا: هُوَ نَصِيبُ الْوَرَثَةِ، وَالْأَقَلُّ مِنْهَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ (مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ) كَذَا قَيَّدَهُ تَبَعًا لِلْقَاضِي وَجَمَعَ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ رُدَّ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ سَهْمٍ يَرِثُهُ ذَوَا قَرَابَةٍ. وَالْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ أَجْرَوْا هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى إِطْلَاقِهِمَا، نَظَرًا لِإِطْلَاقِ الْإِمَامِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مَسَائِلُ تُوَضِّحُ مَا ذُكِرَ، رَجُلٌ خَلَفَ أُمًّا وَبِنْتَيْنِ، وَأَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَعَلَى الْأُولَى تَكْمُلُ بِهِ السُّدُسُ، إِذْ مَسْأَلَتُهُمْ مِنْ سِتَّةٍ، تَرْجِعُ بِالرَّدِّ إِلَى خَمْسَةٍ، فَيُزَادُ عَلَيْهَا السَّهْمُ الْمُوصَى بِهِ، فَتَصِيرُ مِنْ سِتَّةٍ، وَكَذَا عَلَى الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَوْ كَانَتْ أُمًّا وَأُخْتًا، فَيُضَافُ إِلَيْهَا السُّدُسُ عَلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ يُضَافُ إِلَيْهَا مِثْلُ نَصِيبِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ نَصِيبِ وَارِثٍ فَتَصِيرُ مِنْ سَبْعَةٍ، وَعَلَى مَا قَيَّدَهُ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِلْقَاضِي لَهُ السُّدُسُ؛ لِأَنَّ النَّصِيبَ زَادَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتِ ابْنَتَانِ وَأَبَوَانِ، فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ بِالسَّهْمِ الْمُوصَى بِهِ إِلَى سَبْعَةٍ عَلَى الرِّوَايَاتِ، وَلَوْ كَانَتْ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ وَأُمٍّ، فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ، وَتَعُولُ بِالسَّهْمِ الْمُوصَى بِهِ إِلَى ثَمَانِيَةٍ عَلَى الرِّوَايَاتِ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأَبَوَيْنِ وَأَخَوَانِ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ وَأُمٍّ، فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ، وَبِالسَّهْمِ الْمُوصَى بِهِ عَلَى الْأُولَى إِلَى ثَمَانِيَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تَصِحُّ مِنِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ يُرَدُّ إِلَيْهَا السَّهْمُ فَتَصِيرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ تَصِحُّ مِنِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَيُزَادُ عَلَيْهَا أَقَلُّ أَنْصِبَاءِ الْوَرَثَةِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَتَصِيرُ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَلَوْ كَانَ زَوْجًا وَأُخْتًا، كَانَ لَهُ السُّبُعُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا جَدَّةٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ فِيمَا إِذَا أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، إِنْ صَحَّ أَنَّ السَّهْمَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، أَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ السَّابِقُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِسُدُسِ مَالِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ، خَلَفَ زَوْجَةً وَأُمًّا وَابْنًا، وَأَوْصَى لِآخَرَ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، فَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهَا تَصِحُّ عَلَى الْأُولَى مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَكَذَا عَلَى الثَّالِثَةِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَمَّا حُكْمُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ عَلَى الثَّالِثَةِ، وَفِي حُكْمِهِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ سَهْوٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى الزَّوْجَةَ وَالْأُمَّ فَرْضَهُمَا قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ نَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ صَحَّحَهَا عَلَى الْأُولَى مِنْ مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَعَلَى الْأُخْرَى مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ. فَرْعٌ: خَلَفَ أَبَوَيْنِ وَابْنَيْنِ، وَوَصَّى لِشَخْصٍ بِسُدُسٍ مِنْ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِسَهْمٍ مِنْهُ، جَعَلْتَ ذَا السَّهْمِ كَأَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَأَعْطَيْتَ صَاحِبَ السُّدُسِ سُدُسًا كَامِلًا، وَقَسَّمْتَ الْبَاقِيَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْوَصِيِّ عَلَى سَبْعَةٍ، وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَبْعَةٌ، وَلِصَاحِبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 السُّدُسِ وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ، أَخَذْتَهُ مِنْ مُخْرَجِهِ، فَدَفَعْتَهُ إِلَيْهِ، وَقَسَّمْتَ الْبَاقِيَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ إِلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا يُجِيزُوا لَهُ، فَتَفْرِضَ لَهُ الثُّلُثَ، وَتُقَسِّمَ الثُّلُثَيْنِ عَلَيْهَا، وَإِنْ وَصَّى بِجُزْأَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، أَخَذْتَهَا مِنْ مُخْرَجِهَا، وَقَسَّمْتَ الْبَاقِي عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ زَادَتِ عَلَى الثُّلُثِ، وَرَدَّ الْوَرَثَةُ، جَعَلْتَ السِّهَامَ الْحَاصِلَةَ لِلْأَوْصِيَاءِ ثُلُثَ الْمَالِ، وَدَفَعْتَ الثُّلُثَيْنِ إِلَى الْوَرَثَةِ، فَلَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِرُبُعِهِ، وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ، أَخَذْتَ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ مِنْ مُخْرَجِهِمَا سَبْعَةً مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، يَبْقَى خَمْسَةٌ لِلِابْنَيْنِ، إِنْ أَجَازَا، وَإِنْ رَدَّا جَعَلْتَ السَّبْعَةَ ثُلُثَ   [المبدع في شرح المقنع] السَّهْمِ سَهْمٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْطَى الْمُوصَى لَهُ بِالسَّهْمِ السُّبُعَ كَامِلًا، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ أُخْرَى، فَتَكُونُ لَهُ سِتَّةٌ، وَيَبْقَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ، عَلَى سِتَّةٍ لَا تَنْقَسِمُ، فَتَضْرِبُهَا فِي اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ. 1 - (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ، أَخَذْتَهُ مِنْ مُخْرَجِهِ) فَيَكُونُ ذَلِكَ صَحِيحًا، فَالثُّلُثُ مُخْرَجُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ (فَدَفَعْتَهُ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِهِ (وَقَسَّمْتَ الْبَاقِيَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ) لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ، فَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ، صَحَّتْ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ كَانَ ثَلَاثَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ صَحَّتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ (إِلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا يُجِيزُوا لَهُ) أَيْ: لِلْمُوصَى لَهُ (فَتَفْرِضُ لَهُ الثُّلُثَ، وَتُقَسِّمُ الثُّلُثَيْنِ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنِ انْقَسَمَتْ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ، ضُرِبَتِ الْمَسْأَلَةُ أَوْ وَفْقُهَا فِي مُخْرَجِ الْوَصِيَّةِ، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُمْ إِذَا أَجَازُوا، فَإِنَّهَا تَنْفُذُ فِي الْمُوصَى بِهِ مُطْلَقًا (وَإِنْ وَصَّى بِجُزْأيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَخَذْتَهَا مِنْ مُخْرَجِهَا، وَقَسَّمْتَ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ) أَيْ: مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ (فَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ، وَرَدَّ الْوَرَثَةُ جَعَلْتَ السِّهَامَ الْحَاصِلَةَ لِلْأَوْصِيَاءِ ثُلُثَ الْمَالِ) لِيُقَسَّمَ ذَلِكَ بَيْنَ الْأَوْصِيَاءِ بِلَا كَسْرٍ (وَدَفَعْتَ الثُّلُثَيْنِ إِلَى الْوَرَثَةِ) لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ (فَلَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِرُبُعِهِ، وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ، أَخَذْتَ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ مِنْ مُخْرَجِهِمَا سَبْعَةً مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ) لِأَنَّ مُخْرَجَ الثُّلُثِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، فَإِذَا ضَرَبْتَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ، كَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ فَثُلُثُهَا، وَرُبُعُهَا سَبْعَةٌ (يَبْقَى خَمْسَةٌ لِلِابْنَيْنِ إِنْ أَجَازَا) وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ سِتَّةٌ يَبْقَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 الْمَالِ، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ أَجَازَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، أَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا لَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، أَوْ أَجَازَ كُلُّ وَاحِدٍ لِوَاحِدٍ، فَاضْرِبْ وِفْقَ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ تَكُنْ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَسِتِّينَ، لِلَّذِي أُجِيزَ لَهُ سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، مَضْرُوبُ في وفق مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَلِلَّذِي رد عَلَيْهِ سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَلِلَّذِي أَجَازَ لَهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ   [المبدع في شرح المقنع] عَشَرَةٌ لِلِابْنَيْنِ (وَإِنْ رَدَّا، جَعَلْتَ السَّبْعَةَ ثُلُثَ الْمَالِ) مَقْسُومَةً بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلَاثَةٌ (فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ) يَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ، لِلِابْنَيْنِ نِصْفَيْنِ (وَإِنْ أَجَازَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، أَوْ أَجَازَ لَهُ أَحَدُهُمَا لَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، أَوْ أَجَازَ كُلُّ وَاحِدٍ لِوَاحِدٍ) فَوَافِقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، وَمَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَهُمَا مُتَّفِقَانِ بِالْأَثْلَاثِ (فَاضْرِبْ وَفْقَ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، تَكُنْ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَسِتِّينَ لِلَّذِي أُجِيزَ لَهُ سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ) فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَازَةُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَحْدَهُ، فَسَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ ثَمَانِيَةٌ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَهُوَ سَبْعَةٌ تَكُنْ سِتَّةً وَخَمْسِينَ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ نَصِيبُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ ثَلَاثَةٌ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ ثَمَانِيَةٌ، تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، فَصَارَ الْمَجْمُوعُ لِلْوَصِيَّيْنِ ثَمَانِينَ سَهْمًا، وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ بَيْنَ الِابْنَيْنِ، لِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ سَهْمًا، وَإِنْ أَجَازَا لِصَاحِبِ الرُّبُعِ وَحْدَهُ أَخَذْتَ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ سِتَّةً مَضْرُوبَةً فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَهُوَ سَبْعَةٌ، تَكُنِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ أَرْبَعَةٌ، تَضْرِبُهَا فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ، تَكُنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، فَصَارَ الْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةً وَسَبْعِينَ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ وَتِسْعُونَ لِلِابْنَيْنِ، وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ لَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَلِلَّذِي أَجَازَ لَهُمَا سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ خَمْسَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ سَبْعَةٍ، تَكُنْ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، وَلِلَّذِي رَدَّ سَهْمَهُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ سَبْعَةٌ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ، تَكُنْ سِتَّةً وَخَمْسِينَ، تَضُمُّهَا إِلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ تَكُنْ أَحَدًا وَتِسْعِينَ، يَبْقَى لِلْوَصِيَّيْنِ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ، بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (وَلِلَّذِي رُدَّ عَلَيْهِ سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ وَلِلَّذِي أَجَازَ لَهُمَا نَصِيبُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَلِلْآخَرِ سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 الْإِجَازَةِ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَلِلْآخَرِ سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى سَبْعَةٍ. فَصْلٌ وَإِنْ زَادَتِ الْوَصَايَا عَلَى الْمَالِ، عَمَلْتَ فِيهَا عَمَلَكَ فِي مَسَائِلِ الْعَوْلِ، فَإِذَا وَصَّى بِنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَرُبُعٍ وَسُدُسٍ أَخَذْتَهَا من اثْنَيْ عَشَرَ، وَعَالَتْ إِلَى خَمْسَةَ   [المبدع في شرح المقنع] وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى سَبْعَةٍ) لَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ مَا لِلْمُجَازِ لَهُ، وَالْمَرْدُودِ عَلَيْهِ، وَمَا لِلْمُجِيزِ، فَنَقُولُ: إِذَا أَجَازَ الِابْنَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، كَانَ لَهُ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، وَإِذَا رَدَّا عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، فَقَدْ نَقَصَهُ رَدُّهُمَا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنْ أَجَازَا لِصَاحِبِ الرُّبُعِ، كَانَ لَهُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، وَإِنْ رَدَّا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، فَنَقَصَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا تِسْعَةً يَبْقَى لَهُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَأَمَّا الِابْنَانِ، فَالَّذِي أَجَازَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ إِذَا أَجَازَ لَهُمَا كَانَ لَهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِمَا كَانَ لَهُ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، فَنَقَصَتْهُ الْإِجَازَةُ لَهُمَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ يَبْقَى لَهُ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَالَّذِي أَجَازَ لِصَاحِبِ الرُّبُعِ إِذَا أَجَازَ لَهُمَا كَانَ لَهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِمَا كَانَ لَهُ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، فَنَقَصَتْهُ الْإِجَازَةُ لَهُمَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ، مِنْهَا تِسْعَةٌ لِصَاحِبِ الرُّبُعِ بَقِيَ لَهُ سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَلِلْوَصِيَّيْنِ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، فَصَارَ الْمَجْمُوعُ لَهُمَا وَلِلِابْنَيْنِ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَسِتِّينَ. مَسْأَلَةٌ: أَوْصَى لِشَخْصٍ بِنِصْفِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِرُبُعِهِ، فَلِلْأَوَّلِ نِصْفُ الْمَالِ، وَلِلْآخَرِ رُبُعُهُ مَعَ الْإِجَازَةِ، وَإِنْ رَدَّ الْوَرَثَةُ، قَسَّمْتَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمَا، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثَاهُ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ، وَقَسَّمْتَ الثُّلُثَيْنِ عَلَى الْوَرَثَةِ، هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. [حُكْمُ مَا إِذَا زَادَتِ الْوَصَايَا عَلَى الْمَالِ] فَصْلٌ (وَإِنْ زَادَتِ الْوَصَايَا عَلَى الْمَالِ، عَمَلْتَ فِيهَا عَمَلَكَ فِي مَسَائِلِ الْعَوْلِ) نَصَّ عَلَيْهِ، أَيْ: تَجْعَلُ وَصَايَاهُمْ كَالْفُرُوضِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْوَرَثَةِ، إِذَا زَادَتْ عَلَى الْمَالِ (فَإِذَا وَصَّى بِنِصْفٍ وثلث وَرُبُعٍ وَسُدُسٍ أَخَذْتَهَا مِنْ) مُخْرَجِهَا (اثْنَيْ عَشَرَ، وَعَالَتْ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، فَتُقَسِّمُ الْمَالَ بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا (كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 عَشَرَ، فَتُقَسِّمُ الْمَالَ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ إِنْ أُجِيزَ لَهُمْ، وَالثُّلُثُ إِنْ رُدَّ عَلَيْهِمْ وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ، وَخَلَفَ ابْنَيْنِ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةٍ إِنْ أُجِيزَ لَهُمَا، وَالثُّلُثُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مَعَ الرَّدِّ، وَإِنْ أُجِيزَ لِصَاحِبِ الْمَالِ وَحْدَهُ، فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ التُّسْعُ، وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الْمَالِ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ، وَالْآخَرِ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا ثُلُثَا   [المبدع في شرح المقنع] (إِنْ أُجِيزَ لَهُمْ، وَالثُّلُثُ إِنْ رُدَّ عَلَيْهِمْ) فَتَصِحُّ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَأَصْلُهُ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِنِصْفِ مَالِهِ وَثُلُثِ مَالِهِ وَرُبُعِ مَالِهِ؟ قُلْتُ: لَا يَجُوزُ، قَالَ: قَدْ أَجَازُوهُ، قُلْتُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: أَمْسِكِ اثْنَيْ عَشَرَ فَأَخْرِجْ نِصْفَهَا سِتَّةً، وَثُلُثَهَا أَرْبَعَةً، وَرُبُعَهَا ثَلَاثَةً، فَاقْسِمِ الْمَالَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: يَأْخُذُ أَكْثَرُهُمْ وَصِيَّةً مَا يَفْضُلُ بِهِ عَلَى مَنْ دُونَهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمُ الْبَاقِيَ إِنْ أَجَازُوا، وَفِي الرَّدِّ لَا يُضْرَبُ لِأَحَدٍ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنْ نَقَصَ بَعْضُهُمْ عَنِ الثُّلُثِ، أَخَذَ أَكْثَرُهُمْ وَصِيَّةً مَا يَفْضُلُ بِهِ عَلَى مَنْ دُونَهُ كَرَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثَيْ مَالِهِ، وَنِصْفِهِ، وَثُلُثِهِ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى تِسْعَةٍ مَعَ الْإِجَازَةِ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ فِي الرَّدِّ كَمَسْأَلَةٍ فِيهَا زَوْجٌ وَأُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ نَظِيرَ الْأَوَّلِ مَسَائِلُ الْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ وَالدُّيُونِ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا نَظِيرَ لَهُ، مَعَ أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْمُوصِي وَوَصِيِّهِ، ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ الْفَرْضِ الْمَفْرُوضِ لَا يَنْفَرِدُ بِفَضْلِهِ، فَكَذَا فِي الْوَصَايَا. (وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ، وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةٍ إِنْ أُجِيزَ لَهُمَا، وَالثُّلُثُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مَعَ الرَّدِّ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّكَ إِذَا بَسَطْتَ الْمَالَ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ، كَانَ نِصْفَيْنِ، فَإِذَا ضَمَمْتَ إِلَيْهِمَا النِّصْفَ الْآخَرَ، صَارَتْ ثَلَاثَةً، فَيُقَسَّمُ الْمَالُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَيَصِيرُ النِّصْفُ ثُلُثًا كَزَوْجٍ وَأُمٍّ، وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، وَإِنْ رَدُّوا، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ لِصَاحِبِ الْمَالِ سَهْمَانِ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سَهْمٌ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ فِيمَنْ أَوْصَى بِمَالِهِ لِوَارِثِهِ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ، وَأُجِيزَ، فَلِلْأَجْنَبِيِّ ثُلُثُهُ، وَمَعَ الرَّدِّ هَلِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ لِلْأَجْنَبِيِّ؟ فِيهِ خِلَافٌ (وَإِنْ أُجِيزَ لِصَاحِبِ الْمَالِ وَحْدَهُ، فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ التُّسْعُ) لِأَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثُهُ وَهُوَ التُّسْعُ (وَالْبَاقِي) وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِ الْمَالِ (لِصَاحِبِ الْمَالِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّهُ مُوصًى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 الْمَالِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لَهُمَا، وَيَبْقَى التُّسْعَانِ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ أَجَازُوا لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَحْدَهُ، فَلَهُ النِّصْفُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْآخَرِ لَهُ الثُّلُثُ، وَلِصَاحِبِ الْمَالِ التُّسْعَانِ وَإِنْ أَجَازَ أحد الِابْنَيْنِ لَهُمَا، فَسَهْمُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ أَجَازَ لِصَاحِبِ الْمَالِ، دَفَعَ إِلَيْهِ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ أَوْ ثُلُثَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ أَجَازَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ، دَفَعَ إِلَيْهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَنِصْفَ سُدُسِهِ أَوْ ثُلُثِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ بِالْمَالِ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لَهُمَا لِمُزَاحَمَةِ صَاحِبِهِ لَهُ، فَإِذَا زَالَتِ الْمُزَاحَمَةُ فِي الْبَاقِي كَانَ لَهُ، وَفِي (الْآخَرِ لَيْسَ لَهُ إِلَّا ثُلُثَا الْمَالِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لَهُمَا) إِذِ الْإِجَازَةُ لَهُ وَحْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَازَةِ لَهُمَا، (وَيَبْقَى التُّسْعَانِ لِلْوَرَثَةِ) إِذْ لَا مُزَاحَمَةَ لَهُمْ فِيهِمَا ضَرُورَةُ أَخْذِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُوصَى لَهُ مَا وُصِّيَ لَهُ بِهِ، (وَإِنْ أَجَازُوا لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَحْدَهُ فَلَهُ النِّصْفُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لِلْمُزَاحَمَةِ، (وَفِي الْآخَرِ لَهُ الثُّلُثُ) الَّذِي كَانَ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ حَقًّا لِصَاحِبِ الْمَالِ أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ مِنْهُ بِالرَّدِّ، فَيَأْخُذُهُ الْوَارِثُ (وَلِصَاحِبِ الْمَالِ التُّسْعَانِ) أَيْ: عَلَى الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ ثُلُثَيِ الثُّلُثِ، وَهُمَا ذَلِكَ (وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ لَهُمَا، فَسَهْمُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ) وَحِينَئِذٍ فَلَا شَيْءَ لِلْمُجِيزِ، وَلِلِابْنِ الْآخَرِ الثُّلُثُ، وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَيَأْخُذُ مَالًا لَهُ ثُلُثٌ مَقْسُومٌ يَكُنْ ثَلَاثَةً، وَهُوَ تِسْعَةٌ لِلْمُوصَى لَهُمَا ثَلَاثَةٌ فِي الْأَصْلِ يَبْقَى سِتَّةٌ لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ يُقَسَّمُ نَصِيبُ الْمُجِيزِ لَهُمَا، فَيَصِيرُ لَهُمَا سِتَّةٌ مَقْسُومَةٌ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، لِصَاحِبِ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سَهْمَانِ، وَيَبْقَى لِلرَّادِّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ يَخْتَصُّ بِهَا. (وَإِنْ أَجَازَ) أَحَدُهُمَا (لِصَاحِبِ الْمَالِ دَفَعَ إِلَيْهِ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ أَوْ ثُلُثَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ) وَقَدْ سَبَقَا، فَيَكُونُ لِلْآخَرِ التُّسْعُ، وَلِلِابْنِ الْآخَرِ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الْمَالِ فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ، وَالتُّسْعُ الْبَاقِي لِلْمُجِيزِ، (وَإِنْ أَجَازَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ دُفِعَ إِلَيْهِ نِصْفُ مَا فِي يَدِهِ، وَنِصْفُ سُدُسِهِ أَوْ ثُلُثِهِ) عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ، فَيَدْفَعُ إِلَيْهِ نِصْفَ مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصْفُ، وَهُوَ تُسْعٌ وَنِصْفُ سُدُسٍ فِي وَجْهٍ، وَهُوَ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ وَرُبُعُهُ، وَفِي آخَرَ: يَدْفَعُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، فَيَصِيرُ لَهُ تُسْعَانِ، وَلِصَاحِبِ الْمَالِ تُسْعَانِ، وَلِلْمُجِيزِ تُسْعَانِ، وَالثُّلُثُ لِلَّذِي لَمْ يُجِزْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لِلَّذِي لَمْ يُجِزِ اثْنَا عَشَرَ، وَلِلْمُجِيزِ خَمْسَةٌ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ أَحَدَ عَشَرَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَنْصِبَاءِ إِذَا خَلَّفَ ابْنَيْنِ، وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ، فَفِيهَا وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَعِنْدَ الرَّدِّ يُقَسَّمُ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِصَاحِبِ الْمَالِ ثَمَانِيَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ مِنْ تِسْعَةٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ مِنْهَا سَهْمٌ، فَلَوْ أَجَازَ لَهُ الِابْنَانِ كَانَ لَهُ مِنْ تَمَامِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ، فَإِذَا أَجَازَ لَهُ أَحَدُهُمَا، لَزِمَهُ نِصْفُ ذَلِكَ سَهْمٌ وَنِصْفٌ وَرُبُعٌ، فَتَضْرِبُ مُخْرَجَ الرُّبُعِ فِي تِسْعَةٍ، تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَيِ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ فَرَضَا ذَلِكَ فِيمَا إِذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمَالِهِ، وَلِعَمْرٍو بِثُلُثِهِ، وَلَهُ ابْنَانِ، فَأَجَازَا، فَالْمَالُ أَرْبَاعًا لِزَيْدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلِعَمْرٍو رُبُعُهُ، وَإِنْ رَدَّا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ، وَإِنْ أَجَازَا لِزَيْدٍ، فَلِعَمْرٍو رُبُعُ الثُّلُثِ، وَالْبَقِيَّةُ لِزَيْدٍ أَعْطَى لَهُ وَصِيَّتَهُ، أَوِ الْمُمْكِنَ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ كَالْإِجَازَةِ لَهُمَا، وَإِنْ أَجَازَا لِعَمْرٍو، فَلَهُ تَتِمَّةُ الثُّلُثِ، وَقِيلَ تَتِمَّةُ الرُّبُعِ، وَلِزَيْدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ، وَإِنْ أَجَازَ ابْنٌ لَهُمَا أَخَذَا مَا مَعَهُ أَرْبَاعًا، وَإِنْ أَجَازَ لِزَيْدٍ أَخَذَ مَا مَعَهُ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَإِنْ أَجَازَ لِعَمْرٍو، أَخَذَ نِصْفَ تَتِمَّةِ الثُّلُثِ، وَقِيلَ نِصْفُ تَتِمَّةِ الرُّبُعِ، وَقِيلَ الثُّلُثُ أَوِ الرُّبُعُ. [فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَنْصِبَاءِ] فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَنْصِبَاءِ (إِذَا خَلَّفَ ابْنَيْنِ، وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ، فَفِيهَا وَجْهَانِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا (أَحَدُهُمَا) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ (لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَصِيٌّ آخَرُ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ (وَعِنْدَ الرَّدِّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُمَا بِثُلُثَيْ مَالِهِ، وَقَدْ رَجَعَتْ وَصِيَّتُهُمَا بِالرَّدِّ إِلَى نِصْفِهَا، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، وَالثَّانِي: لِصَاحِبِ النَّصِيبِ مِثْلَ مَا يَحْصُلُ لِابْنٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَأَخَذَ أَكْثَرَ مِنَ الِابْنِ، وَالْمُوصِي قَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، (وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَذَلِكَ التُّسْعَانِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ) ؛ لِأَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثَ الْمَالِ، يَبْقَى سَهْمَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 الثُّلُثُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ نِصْفَيْنِ، وَالثَّانِي: لِصَاحِبِ النَّصِيبِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لِابْنٍ، وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَذَلِكَ التُّسْعَانِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَعِنْدَ الرَّدِّ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُوصَى بِهِ النِّصْفَ خَرَجَ فِيهَا وَجْهٌ ثَالِثٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ، وَفِي الرَّدِّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ تِسْعَةٌ، وَلِصَاحِبِ النَّصِيبِ أَرْبَعَةٌ وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ وَبَيْنَ الِابْنَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَتَضْرِبُهَا فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ تِسْعَةً، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ ولكل ابن سهمان، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمَانِ، وَهِيَ تُسْعَانِ (وَعِنْدَ الرَّدِّ يُقَسَّمُ) الثُّلُثُ (بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ) الَّتِي كَانَتْ لَهُمَا فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ، وَلِصَاحِبِ النَّصِيبِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ، (وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُوصَى بِهِ النِّصْفَ) صَحَّتْ عَلَى الْأَوَّلِ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ، وَفِي الرَّدِّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّانِي تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ، وَفِي الرَّدِّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَيَزِيدُ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ (خَرَجَ فِيهَا وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَيْنِ حَقُّ الْوَرَثَةِ، وَهُوَ شَرِيكُهُمْ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ، (وَفِي الرَّدِّ يُقَسَّمُ الثَّالِثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ تِسْعَةٌ، وَلِصَاحِبِ النَّصِيبِ أَرْبَعَةٌ) بَيَانُهُ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَا تَلْزَمُهُمْ إِجَازَةُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فَإِذَا أَجَازُوهُ حُسِبَ مِنْ نَصِيبِهِمْ لِأَنَّهُمْ تَبَرَّعُوا بِهِ، وَيَبْقَى نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ عَلَى حَالِهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَالِ إِلَّا الثُّلُثُ فَيَبْقَى الثُّلُثَانِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الِابْنَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ لَهُ مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ فَتَجْعَلُ الْمَسْأَلَةَ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ، وَلِثُلُثِهِ ثُلُثٌ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُجَازٌ لَهُ، وَيُعْطَى صَاحِبُ النَّصِيبِ ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ أَرْبَعَةً صَارَ الْمَجْمُوعُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَبْقَى خَمْسَةٌ لِلِابْنَيْنِ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِمَا فَتَضْرِبُ عَدَدَهُمَا فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلِلْآخَرِ ثَمَانِيَةٌ يَبْقَى عَشَرَةٌ لِلِابْنَيْنِ، وَإِنْ رَدَّا قُسِّمَتِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُوصَى بِهِ الثُّلُثَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْمُوصَى فَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُوصَى بِهِ الثُّلُثَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ الثُّلُثُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَفِي الرَّدِّ تُقَسِّمُ الثُّلُثَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ التُّسْعُ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَانِ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ، وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ أَيْضًا، وَفِي الرَّدِّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ، وَعَلَى الثَّالِثِ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَانِ، فَهِيَ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 أَحَدِهِمَا، وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ بَاقِي الْمَالِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُ الْمَالِ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الْبَاقِي تُسْعَانِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَعَلَى الثَّانِي يَدْخُلُهَا الدَّوْرُ، وَلِعَمَلِهَا طُرُقٌ أَحَدُهَا: أَنْ يُجْعَلَ الْمَالُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَنَصِيبًا يُدْفَعُ النَّصِيبُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِنَصِيبِ ابْنٍ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الْبَاقِي سَهْمٌ وَيَبْقَى سَهْمَانِ، لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ، وَذَلِكَ هُوَ النَّصِيبُ، فَصَحَّتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَبِالْجَبْرِ تَأْخُذُ مَالًا تُلْقِي مِنْهُ نَصِيبًا وَثُلُثَ   [المبدع في شرح المقنع] تِسْعَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ اثْنَا عَشَرَ، وَلِصَاحِبِ النَّصِيبِ أَرْبَعَةٌ يَبْقَى سَهْمَانِ لِلِابْنَيْنِ، وَفِي الرَّدِّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُوصَى بِهِ جَمِيعَ الْمَالِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُقَسَّمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَحْصُلُ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلِابْنِ شَيْءٌ، وَهَذَا مِمَّا يُوهِنُ هَذَا الْوَجْهَ لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ، وَيَكُونُ الْكُلُّ لِصَاحِبِ الْمَالِ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ، وَفِي الرَّدِّ يَأْخُذُ صَاحِبُ الْمَالِ الثُّلُثَ، وَيَبْقَى الثُّلُثَانِ بَيْنَ صَاحِبِ النَّصِيبِ، وَبَيْنَ الِابْنَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ، وَعَلَى الثَّالِثِ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ اثْنَانِ مِنْ تِسْعَةٍ، وَلِصَاحِبِ الْمَالِ تِسْعَةٌ، فَتَصِحُّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ، وَفِي الرَّدِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ لِصَاحِبِ الْمَالِ تِسْعَةٌ، وَلِصَاحِبِ النَّصِيبِ اثْنَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ أَحَدَ عَشَرَ. 1 - (وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ بَاقِي الْمَالِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُ الْمَالِ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الْبَاقِي تُسْعَانِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ) وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ هَذَا مَعَ الْإِجَازَةِ، وَمَعَ الرَّدِّ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، (وَعَلَى الثَّانِي يَدْخُلُهَا الدَّوْرُ) لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ كُلٍّ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي وَنَصِيبِ ابْنٍ عَلَى الْآخَرِ (وَلِعَمَلِهَا طُرُقٌ) لِأَنَّهُ تَارَةً بِعَمَلِ الْمَجْهُولِ، وَتَارَةً بِالْجَبْرِ، وَتَارَةً بِالْمَنْكُوسِ (أَحَدُهَا: أَنْ يُجْعَلَ الْمَالُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ) وَإِنَّمَا جُعِلَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِيَكُونَ لِلْبَاقِي بَعْدَ النَّصِيبِ ثُلُثٌ (وَنَصِيبًا يُدْفَعُ النَّصِيبُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِنَصِيبِ ابْنٍ) لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِذَلِكَ (وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الْبَاقِي سَهْمٌ، يَبْقَى سَهْمَانِ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ وَذَلِكَ) أَيِ السَّهْمُ (هُوَ النَّصِيبُ) لِأَنَّهُ الَّذِي جُعِلَ لِكُلِّ ابْنٍ (فَصَحَّتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ) وَعَمَلُهَا بِطَرِيقِ الْبَابِ أَنْ تَضْرِبَ مَخْرَجَ كُلِّ وَصِيَّةٍ فِي الْأُخْرَى تَكُنْ تِسْعَةً، أَلْقِ مِنْهَا وَاحِدًا دَائِمًا مِنْ مُخْرَجِ الْوَصِيَّةِ بِالْجُزْءِ وَالنَّصِيبُ سَهْمَانِ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَفِي الشَّرْحِ تَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ عَدَدُ الْبَنِينَ مَعَ الْوَصِيِّ تَكُنْ تِسْعَةً انْقُصْ مِنْهَا وَاحِدًا تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَكَذَا تَعْمَلُ بِمَا يَرُدُّ عَلَيْكَ مِنْ هَذِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 الْبَاقِي يَبْقَى ثُلُثَا مَالٍ إِلَّا ثُلُثَيْ نَصِيبٍ يَعْدِلُ نَصِيبَيْنِ اجْبُرْهَا بِثُلُثَيْ نَصِيبٍ، وَزِدْ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى النَّصِيبَيْنِ يَبْقَى ثُلُثَا مَالٍ يَعْدِلُ نَصِيبَيْنِ وَثُلُثَيْنِ، ابْسُطِ الْكُلَّ أَثْلَاثًا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ، يَصِرْ مَالَيْنِ يَعْدِلُ ثَمَانِيَةَ أَنْصِبَاءَ، اقْلِبْ، فَاجْعَلِ الْمَالَ ثَمَانِيَةً وَالنَّصِيبَ اثْنَيْنِ، وَإِنْ شِئْتَ، قُلْتَ: لِلِابْنَيْنِ سَهْمَانِ، ثُمَّ تَقُولُ: هَذَا بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ ثُلُثُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ نِصْفِهِ يَصِرْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ زِدْ مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ تَصِرْ أَرْبَعَةً وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةَ الثَّانِي بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَسَائِلِ، (وَبِالْجَبْرِ) سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ الَّذِي فَوْقَ السِّهَامِ يَنْجَبِرُ (تَأْخُذُ مَالًا) أَيْ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِهِ ابْتِدَاءً لَا يُمْكِنُ (تُلْقِي مِنْهُ نَصِيبًا) وَهُوَ وَصِيَّةُ صَاحِبِ النَّصِيبِ (وَثُلُثَ الْبَاقِي) وَهُوَ وَصِيَّةُ الْآخَرِ مِنَ الْمَالِ، وَإِنَّمَا فُعِلَ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ الْبَاقِي حَتَّى يُقَسَّمَ عَلَى الْوَرَثَةِ (يَبْقَى ثُلُثَا مَالٍ إِلَّا ثُلُثَيْ نَصِيبٍ) لِأَنَّكَ لَمَّا أَسْقَطْتَ النَّصِيبَ، ثُمَّ أَرَدْتَ أَنْ تُسْقِطَ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ إِلَّا ثُلُثَ نَصِيبٍ فَيَحْتَاجُ إِلَى جَبْرِ النَّصِيبِ، فَإِذَا جُبِرَ، وَأُسْقِطَ مِنَ الْمَالِ ثُلُثٌ بَقِيَ ثُلُثَا مَالٍ إِلَّا ثُلُثَيْ نَصِيبٍ (يَعْدِلُ نَصِيبَيْنِ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَهُمُ اثْنَانِ (اجْبُرْهَا بِثُلُثَيْ نَصِيبٍ) بِلَا كَسْرٍ، (وَزِدْ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى النَّصِيبَيْنِ) لِيُقَابِلَ ذَلِكَ الْكَسْرَ الْمَجْبُورَ بِهِ (يَبْقَى ثُلُثَا مَالٍ يَعْدِلُ نَصِيبَيْنِ وَثُلُثَيْنِ) لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَرَثَةِ (ابْسُطِ الْكُلَّ أَثْلَاثًا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ) لِيَصِيرَ بِلَا كَسْرٍ (يَصِرْ مَالَيْنِ يَعْدِلُ ثَمَانِيَةَ أَنْصِبَاءَ) لِأَنَّ ثُلُثَيِ الْمَالِ إِذَا بُسِطَ أَثْلَاثًا، صَارَا مَالَيْنِ وَالنَّصِيبَيْنِ وَالثُّلُثَيْنِ إِذَا بُسِطَا أَثْلَاثًا صَارَا ثَمَانِيَةَ أَنْصِبَاءَ (اقْلِبْ فَاجْعَلِ الْمَالَ ثَمَانِيَةً، وَالنَّصِيبَ اثْنَيْنِ) وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إِلَى أَرْبَعَةٍ، (وَإِنْ شِئْتَ) هَذَا بَيَانُ طَرِيقِ الْمَنْكُوسِ (قُلْتَ: لِلِابْنَيْنِ سَهْمَانِ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ مِنْ عَدَدٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ مَالٌ (ثُمَّ تَقُولُ: هَذَا بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ ثُلُثُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ نِصْفِهِ) سَهْمًا (يَصِرْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ زِدْ مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ تَصِرْ أَرْبَعَةً) لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمٌ، وَلِلْآخَرِ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ، وَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ ثَلَاثَةً، وَهُوَ مُخْرَجُ الثُّلُثِ فِي ثَلَاثَةٍ، وَهُوَ عَدَدُ الْبَنِينَ مَعَ الْوَصِيِّ، تَكُنْ تِسْعَةً، انْقُصْ مِنْهَا وَاحِدًا يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَتُسَمَّى طَرِيقَ الْبَابِ، فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِرُبُعِ الْبَاقِي، قُلْتَ هَذَا بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ رُبُعُهُ فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ ثُلُثِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِخُمْسِ الْبَاقِي، قُلْتَ: هَذَا بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ خُمْسُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ رُبُعِهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ، وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ، وَلِآخَرَ بِنِصْفِ بَاقِي الْمَالِ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: يُعْطَى صَاحِبُ النَّصِيبِ مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَصِيَّةٌ أُخْرَى، وَالثَّانِي: يُعْطَى نَصِيبَهُ مِنْ ثُلُثَيِ الْمَالِ، وَالثَّالِثُ: يُعْطَى مِثْلَ نَصِيبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 النِّصْفِ، فَبِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ تَجْعَلُ الْمَالَ سِتَّةً وَنَصِيبَيْنِ يُدْفَعُ النَّصِيبُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ، وَإِلَى الْآخَرِ ثُلُثُ بَقِيَّةِ النِّصْفِ سَهْمًا، وَإِلَى أحد الِابْنَيْنِ نَصِيبًا، بَقِيَ خَمْسَةٌ لِلِابْنِ الْآخَرِ، فَالنَّصِيبُ خَمْسَةٌ، وَالْمَالُ سِتَّةَ عَشَرَ، وَبِالْجَبْرِ تَأْخُذُ مَالًا، وَتُلْقِي مِنْهُ نَصِيبًا   [المبدع في شرح المقنع] ابْنٍ بَعْدَ أَخْذِ صَاحِبِ النِّصْفِ وَصِيَّتَهُ فَيَدْخُلُهَا الدَّوْرُ، وَلَهَا طُرُقٌ: أَحَدُهَا: أَنْ تَأْخُذَ مُخْرَجَ النِّصْفِ، فَتُسْقِطَ مِنْهُ سَهْمًا يَبْقَى سَهْمٌ، فَهُوَ النَّصِيبُ، فَزِدْ عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ وَاحِدًا تَكُنْ أَرْبَعَةً، فَتَضْرِبُهَا فِي الْمُخْرَجِ، تَكُنْ ثَمَانِيَةً تُنْقِصُهَا سَهْمًا يَبْقَى سَبْعَةٌ، فَهِيَ الْمَالُ، لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمٌ، وَلِلْآخَرِ نِصْفُ الْبَاقِي ثَلَاثَةٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ. الثَّانِي: أَنْ تَزِيدَ سِهَامَ الْبَنِينَ نِصْفَ سَهْمٍ، وَتَضْرِبَهَا فِي الْمُخْرَجِ تَكُنْ سَبْعَةً. الثَّالِثُ: طَرِيقُ الْمَنْكُوسِ، وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ سِهَامَ الْبَنِينَ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ، فَتَقُولَ هَذَا بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ نِصْفُهُ، فَإِذَا أَرَدْتَ تَكْمِيلَهُ زِدْتَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ زِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ، تَكُنْ سَبْعَةً. الرَّابِعُ: أَنْ تَجْعَلَ الْمَالَ سَهْمَيْنِ وَنَصِيبًا تَدْفَعُ النَّصِيبَ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِهِ يَبْقَى سَهْمٌ لِلْبَنِينَ يَعْدِلُ ثَلَاثَةَ أَنْصِبَاءَ، فَالْمَالُ كُلُّهُ سَبْعَةٌ، وَبِالْجَبْرِ تَأْخُذُ مَالًا، وَتُلْقِي مِنْهُ نَصِيبًا يَبْقَى مَالُ الْأَنْصِبَاءِ، تَدْفَعُ نَصِيبَ الْبَاقِي إِلَى الْوَصِيِّ الْآخَرِ يَبْقَى نِصْفُ مَالٍ إِلَّا نِصْفَ نَصِيبٍ يَعْدِلُ ثَلَاثَةَ أَنْصِبَاءَ، اجْبُرْهُ بِنِصْفِ نَصِيبٍ، وَزِدْهُ عَلَيْهِ، يَبْقَى نَصِيبًا كَامِلًا يَعْدِلُ ثَلَاثَةً وَنِصْفًا، فَالْمَالُ سَبْعَةٌ. (وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةُ الثَّانِي بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنَ النِّصْفِ، فَبِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ) وَهِيَ أَنْ تَعْمَلَ بِالْمَجْهُولِ (تَجْعَلُ الْمَالَ سِتَّةً وَنَصِيبَيْنِ) لِيَكُونَ الْبَاقِي مِنَ النِّصْفِ بَعْدَ النَّصِيبِ لَهُ ثُلُثٌ صَحِيحٌ يَأْخُذُهُ الْمُوصَى لَهُ (يَدْفَعُ النَّصِيبَ إِلَى الْمُوصَى لَهُ، وَإِلَى الْآخَرِ ثُلُثَ بَقِيَّةِ النِّصْفِ سَهْمًا) لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُمَا بِذَلِكَ، (وَإِلَى أَحَدِ الِابْنَيْنِ نَصِيبًا) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِثْلَ مَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ النَّصِيبِ (بَقِيَ خَمْسَةٌ لِلِابْنِ الْآخَرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ حَقٌّ لِغَيْرِهِ (فَالنَّصِيبُ خَمْسَةٌ) لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا أَخَذَ الِابْنُ (وَالْمَالُ سِتَّةَ عَشَرَ) لِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ بَاقِي النِّصْفِ سَهْمٌ، يَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ خَمْسَةٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةٌ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ مَا يَبْقَى مِنَ النِّصْفِ سَهْمٌ يَبْقَى أَحَدَ عَشَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 وَثُلُثَ بَاقِي النِّصْفِ، يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ مَالٍ إِلَّا ثُلُثَيْ نَصِيبٍ يَعْدِلُ نَصِيبَيْنِ وَثُلُثَيْنِ، ابْسُطِ الْكُلَّ أَسْدَاسًا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ، وَاقْلِبْ وَحَوِّلْ، يَصِيرُ الْمَالُ سِتَّةَ عَشَرَ، وَالنَّصِيبُ خَمْسَةً، وَإِنْ خَلَّفَ أُمًّا وَبِنْتًا وَأُخْتًا، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ وَسُبُعِ مَا بَقِيَ، وَلِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ وَرُبُعِ مَا بَقِيَ، وَلِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ وَثُلُثِ مَا بَقِيَ، فَقُلْ مَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ مِنْ سِتَّةٍ، وَهِيَ بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ ثُلُثُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ نِصْفِهِ ثَلَاثَةً، ثُمَّ زِدْ مِثْلَ نَصِيبِ الْبِنْتِ، يَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، فَهِيَ بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ رُبُعُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ ثُلُثَهُ، وَمِثْلَ نَصِيبِ الْأُخْتِ، صَارَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهِيَ بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ سُبُعُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ سُدُسِهِ، وَمِثْلَ نَصِيبِ الْأُمِّ تَكُنِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ   [المبدع في شرح المقنع] لِلِابْنَيْنِ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ اثْنَا عَشَرَ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ أَحَدَ عَشَرَ هَذَا مَعَ الْإِجَازَةِ، وَفِي الرَّدِّ تَصِحُّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ، لِلْأَوَّلِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْآخَرِ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةٌ (وَبِالْجَبْرِ تَأْخُذُ مَالًا، وَتُلْقِي مِنْهُ نَصِيبًا وَثُلُثَ بَاقِي النِّصْفِ يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ مَالٍ إِلَّا ثُلُثَيْ نَصِيبٍ) لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِلْقَاءِ (يَعْدِلُ نَصِيبَيْنِ وَثُلُثَيْنِ) وَجُبْرَانُهُ لِيَزُولَ الْكَسْرُ (ابْسُطِ الْكُلَّ أَسْدَاسًا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ، وَاقْلِبْ، وَحَوِّلْ) أَيْ: بِأَنْ تَجْعَلَ أَجْزَاءَ الْمَالِ النَّصِيبَ، وَأَجْزَاءَ النَّصِيبِ الْمَالَ (يَصِيرُ الْمَالُ سِتَّةَ عَشَرَ) لِأَنَّ النَّصِيبَيْنِ، وَثُلُثَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ، (وَالنَّصِيبُ خَمْسَةٌ) لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ، وَإِنْ شِئْتَ، أَخَذْتَ نِصْفَ مَالٍ، أَلْقَيْتَ مِنْهُ نَصِيبًا، يَبْقَى نِصْفُ مَالٍ إِلَّا نَصِيبًا، أَلْقِ ثُلُثَهُ يَبْقَى ثُلُثُ مَالٍ إِلَّا ثُلُثَيْ نَصِيبٍ ضُمَّهُ إِلَى نِصْفِ الْمَالِ تَصِيرُ خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ إِلَّا ثُلُثَيْ نَصِيبٍ تَعْدِلُ نَصِيبَيْنِ، اجْبُرْ وَقَابِلْ تَصِيرُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ مَالٍ يَعْدِلُ نَصِيبَيْنِ وَثُلُثَيْنِ، ابْسُطِ الْكُلَّ أَسْدَاسًا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ، وَاقْلِبْ، يَكُنِ الْمَالُ سِتَّةَ عَشَرَ وَالنَّصِيبُ خَمْسَةٌ. 1 - (وَإِنْ خَلَّفَ أُمًّا وَبِنْتًا وَأُخْتًا، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ وَسُبُعِ مَا بَقِيَ، وَلِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ وَرُبُعِ مَا بَقِيَ، وَلِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ وَثُلُثِ مَا بَقِيَ، فَقُلْ مَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ مِنْ سِتَّةٍ) لِأَنَّ فِيهَا سُدُسًا وَنِصْفًا، وَمَا بَقِيَ (وَهِيَ) أَيِ السِّتَّةُ (بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ ثُلُثُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ نِصْفِهِ ثَلَاثَةً) تَكُنْ تِسْعَةً (ثُمَّ زِدْ مِثْلَ نَصِيبِ الْبِنْتِ) وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (يَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، فَهِيَ بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ رُبُعُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ ثُلُثَهُ) وَهُوَ أَرْبَعَةٌ (وَمِثْلَ نَصِيبِ الْأُخْتِ صَارَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهِيَ بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ سُبُعُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ سُدُسِهِ، وَمِثْلَ نَصِيبِ الْأُمِّ تَكُنِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ) هَذَا طَرِيقُ الْمَنْكُوسِ، فَتَدْفَعُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ سَهْمًا، وَسُبُعَ مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بَقِيَ ثُلُثُهُ، يَبْقَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تَدْفَعُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نصيب الأخت سَهْمَيْنِ، وَرُبُعُ الْبَاقِي أَرْبَعَةٌ، فَيَحْصُلُ لَهُ سِتَّةٌ، وَيَبْقَى اثْنَيْ عَشَرَ، تَدْفَعُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ ثُلُثَهُ، يَبْقَى تُسْعَهُ، تَدْفَعُ إِلَيْهِ ثُلُثَهَا ثَلَاثَةً يَصِيرُ لَهُ سِتَّةٌ، وَيَبْقَى سِتَّةٌ لِلْوَرَثَةِ هَذَا مَعَ الْإِجَازَةِ، وَمَعَ الرَّدِّ تَجْعَلُ الثُّلُثَ سِتَّةَ عَشَرَ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَصِيَّيْنِ الْآخَرَيْنِ سِتَّةٌ، وَلِلْوَرَثَةِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى مَسْأَلَتِهِمْ، وَتُوَافِقُهَا بِالْأَنْصَافِ، فَتَضْرِبُ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ، وَبِطَرِيقِ الْبَابِ تَضْرِبُ الْمَخَارِجَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ تَكُنْ أَرْبَعًا وَثَمَانِينَ، فَتُنْقِصُ مِنْهَا سُبُعَهَا، وَرُبُعَهَا، وَثُلُثَهَا، يَبْقَى ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ، فَهُوَ النَّصِيبُ، ثُمَّ تَقُولُ: الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، فَزِدْ مِثْلَ نَصِيبِ الْأُمِّ سَهْمًا، ثُمَّ انْقُصْ مِنْهُ سَبْعَةً يَبْقَى سِتَّةُ أَسْبَاعٍ، ثُمَّ مِثْلَ نصيب الأخت سَهْمَيْنِ، ثُمَّ انْقُصْ مِنْهَا رُبُعَهَا يَبْقَى سَهْمٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ زِدْ مِثْلَ نَصِيبِ الْبِنْتِ ثَلَاثَةً، ثُمَّ انْقُصْ مِنْهَا ثُلُثَهَا، يَبْقَى سَهْمَانِ فَيَجْمَعُ ذَلِكَ أَرْبَعَةً وَسَبْعِينَ، وَنِصْفَ سُبُعٍ، تُضِيفُهَا إِلَى الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ سِتَّةٌ تَكُنْ عَشَرَةً وَسُبُعَيْنِ، وَنِصْفَ سُبُعٍ، تَضْرِبُهَا فِي أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ تَبْلُغُ ثَمَانِمِائَةٍ وَسُبُعَيْنِ لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ يَبْقَى ثَمَانِمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ، أَعْطِهِ سُبُعَهَا مِائَةً وَأَحَدًا وَعِشْرِينَ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ سَهْمَانِ، وَهُوَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ يَبْقَى ثَمَانِمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَعْطِهِ رُبُعَهَا مِائَتَيْنِ، وَسِتَّةً، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ، وَهُوَ تِسْعَةٌ وَسِتُّونَ يَبْقَى ثَمَانِمِائَةٍ وَأَحَدٌ، أَعْطِهَا ثُلُثَهَا مِائَتَيْنِ وَسَبْعَةً وَسِتِّينَ، وَبِالْجَبْرِ تَأْخُذُ مَالًا وَتُلْقِي مِنْهُ مِثْلَ نَصِيبِ الْبِنْتِ ثَلَاثَةَ أَنْصِبَاءَ وَثُلُثُ الْبَاقِي يَبْقَى ثُلُثَا مَالٍ إِلَّا نَصِيبَيْنِ، أَلْقِ مِنْهَا مِثْلَ نَصِيبِ الْأُخْتِ نَصِيبَيْنِ وَرُبُعَ الْبَاقِي، يَبْقَى نِصْفُ الْمَالِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَنْصِبَاءَ أَلْقِ مِنْهَا مِثْلَ نَصِيبِ الْأُمِّ، يَبْقَى نِصْفُ مَالٍ إِلَّا أَرْبَعَةُ أَنْصِبَاءَ، أَلْقِ سُبُعَهَا، وَهُوَ نِصْفُ سُبُعِ مَالٍ، وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ نَصِيبٍ، يَبْقَى ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ مَالٍ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَنْصِبَاءَ، وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ نَصِيبٍ تَعْدِلُ أَنْصِبَاءَ الْوَرَثَةِ سِتَّةً اجْبُرْهَا بِثَلَاثَةِ أَنْصِبَاءَ، وَثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ نَصِيبٍ، ابْسُطِ الْكُلَّ أَسْبَاعًا، مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ يَصِيرُ النَّصِيبُ سِتَّةً وَسِتِّينَ، وَالْمَالُ ثَلَاثَةٌ، اقْلِبْ فَاجْعَلِ النَّصِيبَ ثَلَاثَةً، وَالْمَالَ سِتَّةً وَسِتِّينَ، ادْفَعْ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ نَصِيبًا، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَسُبُعُ الْبَاقِي تِسْعَةٌ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ، ادْفَعْ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نصيب الأخت نَصِيبَيْنِ سِتَّةِ أَسْهُمٍ وَرُبُعِ الْبَاقِي، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ يَبْقَى سِتَّةٌ، وَثَلَاثُونَ، ادْفَعْ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ ثَلَاثَةِ أَنْصِبَاءَ، وَهِيَ تِسْعَةٌ، وَثُلُثُ الْبَاقِي تِسْعَةٌ أَيْضًا يَبْقَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْوَرَثَةِ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُخْتِ سِتَّةٌ، وَلِلْبِنْتِ تِسْعَةٌ، وَهَذَا مَعَ الْإِجَازَةِ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إِلَى اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَمَعَ الرَّدِّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَتَصِحُّ مِنْ مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إِلَّا رُبُعُ الْمَالِ، فَخُذْ مَخْرَجَ الْكَسْرِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَزِدْ عَلَيْهِ رُبُعَهُ تَكُنْ خَمْسَةٌ، فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ ابْنٍ، وَزِدْ عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ وَاحِدًا وَاضْرِبْهُ فِي مَخْرَجِ الْكَسْرِ تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ، أَعْطِ الْمُوصَى لَهُ نَصِيبًا وَهُوَ خَمْسَةٌ وَاسْتَثْنِ مِنْهُ رُبُعَ الْمَالِ أَرْبَعَةً يَبْقَى لَهُ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ، وَإِنْ قَالَ: إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] وَأَرْبَعِينَ، وَالْأَحْسَنُ فِي عَمَلِهَا أَنْ تَقُولَ: مَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ مِنْ سِتَّةٍ يُعْطَى الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ ثَلَاثَةً وَثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنَ السِّتَّةِ سَهْمٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ سَهْمَانِ وَرُبُعُ مَا بَقِيَ وَهُوَ سَهْمٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ سَهْمٌ وَسُبُعُ مَا بَقِيَ وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ سَهْمٍ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ، وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ سَهْمٍ يُضَافُ إِلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ، وَهِيَ سِتَّةٌ تَكُنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ سَهْمٍ تَضْرِبُهَا فِي سَبْعَةٍ لِيَخْرُجَ الْكَسْرُ صَحِيحًا تَكُنْ مِائَةً وَثَلَاثَةً، فَمَنْ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَمَضْرُوبٌ فِي سَبْعَةٍ، فَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَلِلْأُمِّ سَبْعَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ وَثُلُثِ مَا بَقِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ وَرُبُعِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ اثْنَا عَشَرَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ صَحِيحَةٌ، وَتَعْمَلُ كُلَّمَا وَرَدَ عَلَيْكَ كَذَلِكَ. مَسْأَلَةٌ: خَلَّفَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا، وَأَوْصَتْ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ وَثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَلِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الزَّوْجِ وَنِصْفِ مَا بَقِيَ فَمَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَهِيَ مَالٌ ذَهَبَ نِصْفُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَهُ، تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ، وَمِثْلَ نَصِيبِ الزَّوْجِ ثَلَاثَةً، يَصِيرُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَهِيَ بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ ثُلُثُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ نِصْفَهُ، صَارَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَنِصْفًا، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ نصيب الأخت سَهْمَيْنِ تَكُنْ ثَلَاثِينَ وَنِصْفًا، ابْسُطْهَا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ أَحَدًا وَسِتِّينَ، لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ أَرْبَعَةٌ، يَبْقَى سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ، ادْفَعْ إِلَيْهِ ثُلُثَهَا تِسْعَةَ عَشَرَ، يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ، ادْفَعْ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الزَّوْجِ سِتَّةً يَبْقَى اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، ادْفَعْ إِلَيْهِ نِصْفَهَا يَبْقَى سِتَّةَ عَشَرَ لِلزَّوْجِ سِتَّةٌ، وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُخْتِ سِتَّةٌ، هَذَا مَعَ الْإِجَازَةِ، وَمَعَ الرَّدِّ تَجْعَلُ السِّهَامَ الْحَاصِلَةَ لِلْأَوْصِيَاءِ ثُلُثَ الْمَالِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ. (وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ، وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إِلَّا رُبُعَ الْمَالِ، فَخُذْ مُخْرَجَ الْكَسْرِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَزِدْ عَلَيْهِ رُبُعَهُ) لِأَنَّهُ مُسْتَثْنَى (تَكُنْ خَمْسَةً، فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ ابْنٍ، وَزِدْ عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ وَاحِدًا) تَكُنْ أَرْبَعَةً (وَاضْرِبْهُ فِي مُخْرَجِ الْكَسْرِ) أَرْبَعَةٍ (تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ أَعْطِ الْمُوصَى لَهُ نَصِيبًا، وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَاسْتَثْنِ مِنْهُ رُبُعَ الْمَالِ أَرْبَعَةً يَبْقَى لَهُ سَهْمٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ) وَإِنْ شِئْتَ خَصَصْتَ كُلَّ ابْنٍ بِرُبُعٍ، وَقَسَّمْتَ الرُّبُعَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَهُمْ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 رُبُعَ الْبَاقِي بَعْدَ النَّصِيبِ، فَزِدْ عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ سَهْمًا وَرُبُعًا، وَاضْرِبْهُ فِي الْمُخْرَجِ، تَكُنْ سَبْعَةَ عَشَرَ، لَهُ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ، وَإِنْ قَالَ: إِلَّا رُبُعَ الْمَالِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، جَعَلْتَ الْمُخْرَجَ ثَلَاثَةً، وَزِدْتَ عَلَيْهِ وَاحِدًا، تَكُنْ أَرْبَعَةً، فَهُوَ النَّصِيبُ، وَزِدْ عَلَى عدد الْبَنِينَ سَهْمًا وَثُلُثًا، اضْرِبْهُ فِي الْمَخْرَجِ يَكُنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، لَهُ سَهْمٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ وَلَا يَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ التَّطْوِيلُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا.   [المبدع في شرح المقنع] أَرْبَعَةٍ (وَإِنْ قَالَ إِلَّا رُبُعَ الْبَاقِي بَعْدَ النَّصِيبِ، فَزِدْ عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ سَهْمًا وَرُبُعًا) لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمُوصَى بِهِ، (وَاضْرِبْهُ فِي الْمُخْرَجِ) أَيْ: فِي مُخْرَجِ الْكَسْرِ (تَكُنْ سَبْعَةَ عَشَرَ، لَهُ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ) لِأَنَّ النَّصِيبَ خَمْسَةٌ، فَإِذَا سَقَطَ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ، بَقِيَ اثْنَا عَشَرَ، فَإِذَا سَقَطَ مِنْهَا رُبُعٌ وَهُوَ ثُلُثُهُ بَقِيَ مِنَ النَّصِيبِ سَهْمَانِ هُمَا لِلْمُوصَى لَهُ وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ، وَبِالْجَبْرِ تَأْخُذُ مَالًا، وَتَدْفَعُ مِنْهُ نَصِيبًا إِلَى الْوَصِيِّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ رُبُعُ الْبَاقِي، وَهُوَ رُبُعُ مَالٍ إِلَّا رُبُعَ نَصِيبٍ، صَارَ مَالٌ وَرُبُعٌ إِلَّا نَصِيبًا وَرُبُعًا يَعْدِلُ أَنْصِبَاءَ الْبَنِينَ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ، اجْبُرْ وَقَابِلْ يَخْرُجِ النَّصِيبُ خَمْسَةً، وَالْمَالُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَطَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَفْرِضَ الْمَالَ أَرْبَعَةً وَنَصِيبًا خُذْ مِنْهُ أَحَدًا، زِدْهُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ، فَلِكُلِّ ابْنٍ أَحَدٌ وَثُلُثَانِ، وَهُوَ النَّصِيبُ ابْسُطِ الْكُلَّ أَثْلَاثًا تَبْلُغُ سَبْعَةَ عَشَرَ، لِلْمُوصَى بِهِ النَّصِيبُ اثْنَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ. (وَإِنْ قَالَ إِلَّا رُبُعَ الْمَالِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ جَعَلْتَ الْمُخْرَجَ ثَلَاثَةً، وَزِدْتَ عَلَيْهِ وَاحِدًا تَكُنْ أَرْبَعَةً، فَهُوَ النَّصِيبُ، وَزِدْتَ عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ سَهْمًا، وَثُلُثًا) لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمُوصَى بِهِ (وَاضْرِبْهُ فِي الْمُخْرَجِ يَكُنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ لَهُ سَهْمٌ) لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِنَصِيبٍ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرْبَعَةٌ إِلَّا رُبُعَ الْبَاقِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ فَبَقِيَ لَهُ سَهْمٌ (وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ) وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: الْمَالُ كُلُّهُ ثَلَاثَةُ أَنْصِبَاءَ وَوَصِيَّةٌ، الْوَصِيَّةُ هِيَ نَصِيبٌ إِلَّا رُبُعَ الْبَاقِي، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ نَصِيبٍ، فَبَقِيَ رُبُعُ نَصِيبٍ، فَهُوَ الْوَصِيَّةُ، وَالْمَالُ كُلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَرُبُعُ، ابْسُطْهَا تَكُنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَإِنْ شِئْتَ، أَنْقِصِ الْجُزْءَ الْمُسْتَثْنَى أَحَدًا يَبْقَ ثَلَاثَةٌ، زِدْهَا نَصِيبًا، وَزِدْ مِنْهُ أَحَدًا عَلَيْهَا، فَالْأَرْبَعُ لِلْبَنِينَ، لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ وَثُلُثٌ وَهُوَ النَّصِيبُ، وَبِالْبَسْطِ تَبْلُغُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ (وَلَا يَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ التَّطْوِيلُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا) لِأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَوَصَّى لِعَمِّهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إِلَّا ثُلُثَ وَصِيَّةِ خَالِهِ، وَلِخَالِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إِلَّا رُبُعَ وَصِيَّةِ عَمِّهِ، فَاضْرِبْ مُخْرَجَ الثُّلُثِ فِي مُخْرَجِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 بَابُ الْمُوصَى إِلَيْهِ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ عَدْلٍ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مُرَاهِقًا أَوِ   [المبدع في شرح المقنع] الرُّبُعِ، يَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، أَنْقِصْهَا سَهْمًا يَبْقَى أَحَدَ عَشَرَ، فَهِيَ نَصِيبُ ابْنٍ، أَنْقِصْهَا سَهْمَيْنِ يَبْقَى تِسْعَةٌ، فَهِيَ وَصِيَّةُ الْخَالِ، وَإِنْ نَقَصَهَا ثَلَاثَةً، فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ، وَهِيَ وَصِيَّةُ الْعَمِّ، وَبِالْجَبْرِ تَجْعَلُ مَعَ الْعَمِّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَمَعَ الْخَالِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، ثُمَّ تَزِيدُ عَلَى الدَّرَاهِمِ دِينَارًا، وَعَلَى الدَّنَانِيرِ دِرْهَمًا يَبْلُغُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبًا، اجْبُرْ وَقَابِلْ، وَأَسْقِطِ الْمُشْتَرَكَ يَبْقَى مَعَكَ دِينَارَانِ تَعْدِلُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَاقْلِبْ وَحَوِّلْ تَصِرِ الدَّرَاهِمُ ثَمَانِيَةً وَالدَّنَانِيرُ تِسْعَةً. الثَّانِيَةُ: أَوْصَى لِعَمِّهِ بِعَشَرَةٍ إِلَّا رُبُعَ وَصِيَّةِ خَالِهِ، وَلِخَالِهِ بِعَشَرَةٍ إِلَّا خُمْسَ وَصِيَّةِ عَمِّهِ، فَاضْرِبِ الْمَخَارِجَ تَكُنْ عِشْرِينَ، أَنْقِصْهَا سَهْمًا تَكُنْ تِسْعَةَ عَشَرَ، فَهِيَ الْمَقْسُومُ عَلَيْهِ، ثُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْمَالِ أَرْبَعَةً، أَنْقِصْهَا سَهْمًا يَبْقَى ثَلَاثَةٌ، اضْرِبْهَا فِي الْعَشَرَةِ، ثُمَّ فِيمَا مَعَ الْعَمِّ، وَهُوَ خَمْسَةٌ، تَكُنْ مِائَةً وَخَمْسِينَ، اقْسِمْهَا عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ فَهِيَ وَصِيَّةُ عَمِّهِ يَخْرُجُ سَبْعَةٌ وَسَبْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا، فَهِيَ وَصِيَّةُ عَمِّهِ، وَاجْعَلْ مَعَ الْعَمِّ خَمْسَةً، وَانْقُصْهَا سَهْمًا، وَاضْرِبْهَا فِي عَشَرَةٍ، ثُمَّ فِي أَرْبَعَةٍ تَكُنْ مِائَةً وَسِتِّينَ، اقْسِمْهَا تَكُنْ مِائَةً، وَثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَهِيَ وَصِيَّةُ خَالِهِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنَ الثُّلُثِ، وَلِآخَرَ بِدِرْهَمٍ، فَاجْعَلِ الْمَالَ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ، وَثَلَاثَةَ أَنْصِبَاءَ، وَإِلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ دِرْهَمَيْنِ بَقِيَ سَبْعَةٌ وَنَصِيبَانِ، ادْفَعْ نَصِيبَيْنِ إِلَى ابْنَيْنِ، فَيَبْقَى سَبْعَةٌ لِلِابْنِ الثَّالِثِ، فَالنَّصِيبُ سَبْعَةٌ، وَالْمَالُ ثَلَاثُونَ، فَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ الثَّالِثَةُ بِدِرْهَمَيْنِ، فَالنَّصِيبُ سِتَّةٌ، وَالْمَالُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْمُوصَى إِلَيْهِ] لَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْوَصِيَّةِ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ لَمَّا عَبَرَ الْفُرَاتَ، أَوْصَى إِلَى عُمَرَ، وَأَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ سِتَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ: عُثْمَانُ وَابْنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 امْرَأَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا تَصِحُّ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ إِلَى الْفَاسِقِ، وَيَضُمُّ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَلِأَنَّهَا وَكَالَةٌ أَشْبَهَتِ الْوَدِيعَةَ، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّ عَدَمَ الدُّخُولِ فِيهَا أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنَ الْخَطَرِ، وَهُوَ لَا يَعْدِلُ بِالسَّلَامِ شَيْئًا، كَمَا كَانَ يَرَى عَدَمَ الِالْتِقَاطِ، وَتَرْكَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ شَاهِدٌ بِذَلِكَ. (تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ عَدْلٍ) مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ إِجْمَاعًا، وَلَوْ مَسْتُورًا أَوْ عَاجِزًا، وَيُضَمُّ إِلَيْهِ أَمِينٌ (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا) لِأَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي الْحَيَاةِ، فَصَحَّ أَنْ يُوصَى إِلَيْهِ كَالْحُرِّ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلْمُوصِي أَوْ لِغَيْرِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، لَكِنْ إِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ، اشْتُرِطَ إِذْنُ سَيِّدِهِ، وَخَصَّهُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ بِعَبْدِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ: لَا تَصِحُّ إِلَى عَبْدٍ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا عَلَى ابْنِهِ بِالْكَسْبِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ الْوَصِيَّةَ كَالْمَجْنُونِ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْمَرْأَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ كَالْعَبْدِ (أَوْ مُرَاهِقًا) بِكَسْرِ الْهَاءِ، وَهُوَ الْقَرِيبُ مِنَ الِاحْتِلَامِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ كَالْبَالِغِ فِي إِمْكَانِ التَّصَرُّفِ، فَصَحَّتْ إِلَيْهِ كَالْبَالِغِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ، وَفِي أُخْرَى تَصِحُّ إِلَى مُمَيِّزٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ وَكَالَتِهِ، فَيُعْتَبَرُ عَلَى هَذَا مُجَاوَزَةُ الْعَشْرِ، وَفِي الْمُغْنِي: لَا أَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ، وَالْمَذْهَبُ اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ، وَهُوَ مُوَلًّى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ، كَالطِّفْلِ (أَوِ امْرَأَةً) ، فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُجِزْهُ عَطَاءٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ قَاضِيَةً، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى إِلَى حَفْصَةَ، وَلِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَاتِ، أَشْبَهَتِ الرَّجُلَ، وَتَخَالَفَ الْقَضَاءُ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ لَهُ الْكَمَالُ فِي الْخِلْقَةِ وَالِاجْتِهَادِ (أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ حُرَّةً مِنْ أَصْلِ الْمَالِ عِنْدَ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ، (وَلَا تَصِحُّ إِلَى غَيْرِهِمْ) كَالطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 أَمِينًا، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، ثُمَّ وُجِدَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمَا، فَلَا يَلِيَانِ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَمْ تَصِحَّ إِلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَالْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينٍ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ كَالْمَجْنُونِ، وَكَذَا لَا تَصِحُّ إِلَى مَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّفِ لِسَفَهٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ هَرَمٍ، وَنَحْوِهِ، (وَعَنْهُ: تَصِحُّ إِلَى الْفَاسِقِ، وَيَضُمُّ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ أَمِينًا) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ جَمْعًا بَيْنَ نَظَرِ الْمُوصِي وَحِفْظِ الْمَالِ، وَشَرَطَهُ إِنْ أَمْكَنَ الْحِفْظُ بِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ تَصِحُّ إِلَيْهِ مُطْلَقًا، أَيْ: لَا يَفْتَقِرُ إِلَى أَمِينٍ، حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَأَخَذَهَا فِي الْمُغْنِي مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ إِذَا كَانَ مُتَّهَمًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ، وَلِأَنَّهُ أَهْلُ الِائْتِمَانِ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ إِيدَاعِهِ لَكِنَّ تَتِمَّةَ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَيُجْعَلُ مَعَهُ آخَرُ كَرِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، إِنْ كَانَ مُتَّهَمًا، ضُمَّ إِلَيْهِ أَمِينٌ يَعْلَمُ مَا جَرَى، وَلَا تُنْزَعُ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ، وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ فِي فِسْقٍ طَارِئٍ فَقَطْ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَتَرْجَمَةُ الْخَلَّالِ: هَلْ لِلْوَرَثَةِ ضَمُّ أَمِينٍ مَعَ الْوَصِيِّ الْمُتَّهَمِ، ثُمَّ إِنْ ضَمَّهُ بِأُجْرَةٍ مِنَ الْوَصِيَّةِ، تَوَجَّهَ جَوَازُهُ وَمِنَ الْوَصِيِّ، فِيهِ نَظَرٌ بِخِلَافِ ضَمِّهِ مَعَ الْفِسْقِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مَعَ وَصِيٍّ خَاصٍّ كُفْءٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ أُوصِيَ إِلَيْهِ بِإِخْرَاجِ حَجَّةٍ: وِلَايَةُ الدَّفْعِ، وَالتَّعْيِينُ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ، وَإِنَّمَا لِلْوَلِيِّ الْعَامِّ الِاعْتِرَاضُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ فِعْلِهِ مُحَرَّمًا فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا نَظَرَ، وَلَا ضَمَّ مَعَ وَصِيٍّ غَيْرِ مُتَّهَمٍ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ (وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ ثُمَّ وُجِدَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛) أَحَدُهُمَا - وَهُوَ الْأَصَحُّ - أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي الْوَصِيِّ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا شُرُوطُ الْعَقْدِ، فَيُعْتَبَرُ حَالُ وُجُودِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُعْتَبَرُ حَالَةُ الْمَوْتِ حَسْبُ، كَالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَلِأَنَّ شُرُوطَ الشَّهَادَةِ تُعْتَبَرُ حَالَةَ التَّحَمُّلِ، لَا الْأَدَاءِ، وَرُدَّ: بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِوَارِثٍ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ الْإِرْثِ وَخُرُوجُهَا مِنَ الثُّلُثِ لِلنُّفُوذِ وَاللُّزُومِ، فَاعْتُبِرَ بِحَالَتِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّهَا شُرُوطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، فَاعْتُبِرَ بِحَالَةِ الْعَقْدِ، وَلَا يَنْفَعُ وُجُودُهَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مَا بَيْنَهُمَا. 1 - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 وَجْهَيْنِ وَإِذَا أَوْصَى إِلَى وَاحِدٍ، وَبَعْدَهُ إِلَى آخَرَ، فَهُمَا وَصِيَّانِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَخْرَجْتُ الْأَوَّلَ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَقَامَ الْحَاكِمُ مَكَانَهُ أَمِينًا، وَكَذَلِكَ إِنْ فَسَقَ، وَعَنْهُ: يُضَمُّ إِلَيْهِ أَمِينٌ وَيَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِذَا أَوْصَى إِلَى وَاحِدٍ، وَبَعْدَهُ إِلَى آخَرَ، فَهُمَا وَصِيَّانِ) نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى إِلَيْهِمَا جَمِيعًا (إِلَّا أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَخْرَجْتُ) أَوْ عَزَلْتُ (الْأَوَّلَ) فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِعَزْلِهِ، فَانْعَزَلَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ، ثُمَّ عَزَلَهُ (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا) أَيِ: الْوَصِيَّيْنِ سَوَاءٌ أَوْصَى إِلَيْهِمَا مَعًا، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ (الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِنَظَرِهِ وَحْدَهُ كَالْوَكِيلَيْنِ (إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ) فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَتَى تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا أَقَامَ الْحَاكِمُ مَكَانَ الْغَائِبِ أَمِينًا، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي جَعْلِ الْمَالِ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ مِنْهُمَا، جُعِلَ فِي مَكَانٍ، يَكُونُ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا، وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْعَلُ عِنْدَ أَعْدَلِهِمَا، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ (أَقَامَ الْحَاكِمُ مَكَانَهُ أَمِينًا) لُزُومًا؛ لِأَنَّ الْمُوصِي لَمْ يَرْضَ بِنَظَرِهِ وَحْدَهُ، فَلَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِالثَّانِي لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وَجَدَ مِنْهُمَا مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْصِبَ مَكَانَهُمَا، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ وَجْهَانِ، كَذَا فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَا إِذَا أَطْلَقَ، فَإِنْ جُعِلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ، لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ إِقَامَةُ اثْنَيْنِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ، وَعَجَزَ الْآخَرُ عَنْهَا، أَوْ فَسَقَ أَقَامَ اثْنَيْنِ، كَمَا لَوْ عَجَزَا أَوْ فَسَقَا، وَقِيلَ: يَكْفِي وَاحِدٌ، (وَكَذَلِكَ إِنْ فَسَقَ) ، أَيْ يُقِيمُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا، (وَعَنْهُ: يُضَمُّ إِلَيْهِ أَمِينٌ) ، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَى الْفَاسِقِ وَالْكَلَامُ الْآنَ عَلَى الْفِسْقِ الطَّارِئِ، فَعِنْدَ الْمُؤَلِّفِ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ ابْتِدَاءً، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ، وَعَنْهُ: لَيْسَ   [المبدع في شرح المقنع] وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْبُطْلَانَ، وَيُقِيمُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ عَلَى الْفِسْقِ الطَّارِئِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَجْدِ يُبَدَّلُ بِأَمِينٍ، بِلَا نِزَاعٍ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّ فِي الِابْتِدَاءِ قَدْ رَضِيَهُ وَاخْتَارَهُ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِمَعْنًى رَآهُ فِيهِ، إِمَّا لِزِيَادَةِ حِفْظِهِ أَوْ إِحْكَامِ تَصَرُّفِهِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يَرْبُو عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْخِيَانَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَرَأَ فِسْقُهُ، فَحَالُ الْمُوصِي يَقْتَضِي أَنَّهُ إِنَّمَا رَضِيَ بِعَدْلٍ وَلَا عَدْلَ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْفِسْقِ الْمُقَارِنِ، وَالطَّارِئِ بَعِيدٌ، فَإِنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ كَاعْتِبَارِهَا فِي الِابْتِدَاءِ، سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ لِمَعْنًى يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الدَّوَامِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ التَّفْرِيقِ، فَاعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِي الدَّوَامِ أَوْلَى مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفِسْقَ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ، فَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمُوصِي مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ، وَأَوْصَى إِلَيْهِ رَاضِيًا بِتَصَرُّفِهِ مَعَ فِسْقِهِ، فَيُشْعِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى الْيَتِيمِ مَا يَمْنَعُهُ مِنَ التَّفْرِيطِ فِيهِ، وَخِيَانَتِهِ فِي مَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا طَرَأَ فِسْقُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَالِاعْتِبَارُ بِرِضَاهُ. (وَيَصِحُّ قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي) لِأَنَّهُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَصَحَّ قَبُولُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَكَالَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي وَقْتٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ، قَبْلَ الْوَقْتِ (وَبَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّهَا نَوْعُ وَصِيَّةٍ، فَصَحَّ قَبُولُهَا كَالْوَصِيَّةِ، وَمَتَى قَبِلَ صَارَ وَصِيًّا. فَرْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْوَصِيِّ جُعْلًا كَالْوَكَالَةِ، وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ جَائِزَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ، فَمُقَاسَمَتُهُ لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُمْ، (وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ) لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ كَالْوَكِيلِ، وَظَاهِرُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَضِدِّهَا (وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ) ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزَادَ عَلَيْهِ: لَا يَجُوزُ فِي حَيَاتِهِ إِلَّا بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْتِزَامِ وَصِيَّتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلِلْمُوصِي عَزْلُهُ مَتَى شَاءَ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إِلَّا فِي مَعْلُومٍ يَمْلِكُ الْمُوصِي فِعْلَهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَمَنَعَهُ بِذَلِكَ الْإِيصَاءَ إِلَى غَيْرِهِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ، وَحَنْبَلٌ: لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ إِنْ وَجَدَ حَاكِمًا، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِذَا لَمْ يُعْلِمْهُ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: إِنْ قَبِلَهَا، ثُمَّ غَيَّرَ الْوَصِيَّةَ فِيهَا، قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا إِذَا غَيَّرَ فِيهَا. مَسْأَلَةٌ: مَا أَنْفَقَهُ وَصِيٌّ مُتَبَرِّعٌ بِمَعْرُوفٍ فِي ثُبُوتِهَا، فَمِنْ مَالِ يَتِيمٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلِلْمُوصِي عَزْلُهُ مَتَى شَاءَ) كَالْمُوَكَّلِ (وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ) أَيْ: إِذَا أَطْلَقَ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ قَصَّرَ فِي تَوْلِيَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّفْوِيضُ كَالْوَكِيلِ (إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ) بِأَنْ يَقُولَ: أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تُوصِيَ إِلَى مَا شِئْتَ، أَوْ كُلُّ مَنْ أَوْصَيْتَ إِلَيْهِ، فَقَدْ أَوْصَيْتُ إِلَيْهِ، أَوْ هُوَ وَصِيٌّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَالْوَكِيلِ إِذَا أُمِرَ بِالتَّوْكِيلِ (وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ) مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَمَلَكَ الْوَصِيَّةَ كَالْأَبِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، فَإِنَّ الْأَبَ يَلِي مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةِ أَحَدٍ، وَحُكِيَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ، وَيَصِحُّ فِيمَا لَا يَتَوَلَّاهُ مِثْلُهُ، وَقِيلَ: إِنْ أُذِنَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ إِلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، جَازَ وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: أَوْصَيْتُ إِلَى زَيْدٍ، فَإِنْ مَاتَ، فَعَمْرٌو، صَحَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَصِيًّا إِلَّا أَنَّ عَمْرًا بَعْدَ زَيْدٍ، وَمِثْلُهُ: أَوْصَى إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ تَابَ ابْنِي عَنْ فِسْقِهِ، أَوْ قَدِمَ مِنْ غَيْبَتِهِ، أَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ رَشَدَ، صَارَ الثَّانِي وَصِيًّا عِنْدَ الشَّرْطِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، أَوْ هُوَ وَصِيِّي سَنَةً، ثُمَّ عَمْرٌو لِلْخَبَرِ: «أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ» ، وَالْوَصِيَّةُ كَالتَّأْمِيرِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ لَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِنَابَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهِيَ كَالْوَكَالَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَلِهَذَا هَلْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ، وَيَعْزِلَ مَنْ وَصَّى إِلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا فِي مَعْلُومٍ، وَلِلْمُوصِي عَزْلُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كَالْوَكِيلِ، فَلِهَذَا لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ إِذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ: الْإِمَامُ بَعْدِي فُلَانٌ، فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ فِي حَيَاتِي أَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُ، فَالْخَلِيفَةُ فُلَانٌ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَتَفْرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَإِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] صَحَّ، وَكَذَا فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ، وَإِنْ قَالَ: فُلَانٌ وَلِيُّ عَهْدِي، فَإِنْ وَلِيَ ثُمَّ مَاتَ فَفُلَانٌ بَعْدَهُ، لَمْ يَصِحَّ لِلثَّانِي، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ إِذَا وَلِيَ صَارَ إِمَامًا، وَصَارَ التَّصَرُّفُ، وَالنَّظَرُ، وَالِاخْتِيَارُ إِلَيْهِ، فَكَانَ الْعَهْدُ إِلَيْهِ فِيمَنْ يَرَاهُ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا جَعَلَ الْعَهْدَ إِلَى غَيْرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَتُعْتَبَرُ صِفَاتُهُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ لِلْمَعْهُودِ إِلَيْهِ إِمَامَةٌ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ وَلِيُّ الْأَمْرِ وِلَايَةَ الْحُكْمِ أَوْ وَظِيفَةً بِشَرْطِ شُغُورِهَا، أَوْ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ بَعْدَ مَوْتِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَالْقِيَامِ مَقَامَهُ، أَنَّ وِلَايَتَهُ تَبْطُلُ، وَأَنَّ النَّظَرَ وَالِاخْتِيَارَ لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ اعْتَبَرُوا وِلَايَةَ الْحُكْمِ بِالْوَكَالَةِ فِي مَسَائِلَ، فَإِنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عِتْقًا أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطٍ، بَطَلَ بِمَوْتِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ، فَتَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ انْتَهَى، وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ بِالْوَكَالَةِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ بِالْمَوْتِ لَا تَصِحُّ بِخِلَافِ الْوِلَايَةِ، كَمَا إِذَا عَهِدَ الْإِمَامُ لِآخَرَ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْوِلَايَةِ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ لَا الْحَيَاةِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ إِجْمَاعًا، وَتَبْطُلُ بِهِ، فَهِيَ ضِدُّ الْوَكَالَةِ بِصِحَّتِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ خَاصَّةً، وَالْوَكَالَةُ لَا تَصِحُّ إِلَّا فِي الْحَيَاةِ، فَهُمَا مُتَضَادَّتَانِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ صِحَّتُهَا فِي الْحَيَاةِ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْعَاهِدِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَزْلِهِ أَوْ جُنُونِهِ، يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ عَهْدُهُ، كَمَا لَوْ زَالَ مِلْكُ الْمُوصِي عَنِ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ. 1 - (وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إِلَّا فِي) تَصَرُّفٍ (مَعْلُومٍ) لِيَعْلَمَ الْمُوصَى إِلَيْهِ مَا وُصِّيَ بِهِ إِلَيْهِ لِيَحْفَظَهُ، وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ (يَمْلِكُ الْمُوصِي فِعْلَهُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَفْرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ، فَلَمْ يَجُزْ إِلَّا فِي مَعْلُومٍ يَمْلِكُهُ الْمُوصِي كَالْوَكَالَةِ، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالْأَطْفَالِ بَلْ ذُو الْوِلَايَةِ إِذَا أَوْصَى إِلَى مَنْ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ أَوْلَادِهِ الْمَجَانِينَ وَمَنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُمْ رُشْدٌ، صَحَّ بِأَنْ يَحْفَظَ مَالَهُمْ، وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْأَحَظِّ، فَأَمَّا مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ كَالْعُقَلَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَغَيْرِ أَوْلَادِهِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فِي الْحَيَاةِ. فَرْعٌ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِحَدٍّ، يَسْتَوْفِيهِ لَهُ لَا لِلْمُوصَى لَهُ (وَإِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ، لَمْ يَصِرْ وَصِيًّا فِي غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ التَّصَرُّفَ بِالْإِذْنِ مِنْ جِهَتِهِ، فَكَانَ مَقْصُورًا عَلَى مَا أَذِنَ فِيهِ كَالْوَكِيلِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَمْلِكُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهَا، وِلَايَةٌ تَنْتَقِلُ مِنَ الْأَبِ، فَلَا تَتَبَعَّضُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 يَصِرْ وَصِيًّا فِي غَيْرِهِ، وَإِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ، فَأَبَى الْوَرَثَةُ إِخْرَاجَ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، أَخْرَجَهُ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ، وَعَنْهُ: يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَحْبِسُ بَاقِيهِ حَتَّى يُخْرِجُوا وَإِنْ أَوْصَاهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ مُعَيَّنٍ فَأَبَى الْوَرَثَةُ ذَلِكَ، قَضَاهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] كَوِلَايَةِ الْحَدِّ، وَأُجِيبَ بِمَنْعِ وِلَايَتِهِ، وَلَوْ سَلِمَ فَاسْتَفَادَهَا بِالْقَرَابَةِ، وَهِيَ لَا تَتَبَعَّضُ، وَالْإِذْنُ يَتَبَعَّضُ، فَافْتَرَقَا، فَإِنْ وَصَّى إِلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ، وَأَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ، فَهَذَا وَصِيٌّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إِذَا كَانَ نَظِرًا لَهُمْ. (وَإِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ فَأَبَى الْوَرَثَةُ إِخْرَاجَ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ أَخْرَجَهُ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ) نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ يَتَعَلَّقُ بِأَجْزَاءِ التَّرِكَةِ، فَجَازَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ كَمَا يَدْفَعُ إِلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ (وَعَنْهُ يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ مُوصًى بِهِ، وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ، وَثُلُثَاهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَيَحْبِسُ بَاقِيهِ حَتَّى يُخْرِجُوا) لِأَنَّ إِخْرَاجَ بَقِيَّةِ الثُّلُثِ وَاجِبٌ، وَهَذَا وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ، وَفِي الْفُرُوعِ فِي جَوَازِ قَضَائِهِ بَاطِنًا، وَتَكْمِيلِ ثُلُثِهِ مِنْ بَقِيَّةِ مَالِهِ رِوَايَتَانِ، وَحَمَلَهَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ عَلَى حَالَتَيْنِ، فَالْأُولَى: مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَالُ جِنْسًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِ إِخْرَاجِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ: مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ أَجْنَاسًا؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِثُلُثِ كُلِّ جِنْسٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرِجَ عِوَضًا عَنْ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَرَاضِيهِمْ، وَحَكَى ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا عَنْ أَحْمَدَ يَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ وَيَطْلُبُهُمْ بِالثُّلُثِ، فَإِنْ فَرَّقَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ جُهِلَ مُوصًى لَهُ، فَتَصَدَّقَ هُوَ أَوْ حَاكِمٌ لَمْ يُضْمَنْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلْ يَرْجِعُ بِهِ كَوَفَاءِ الدَّيْنِ. (وَإِنْ أَوْصَاهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ مُعَيَّنٍ فَأَبَى الْوَرَثَةُ) أَوْ جَحَدُوا، وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُ (ذَلِكَ قَضَاهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ) أَيْ: بَاطِنًا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ سَوَاءٌ رَضُوا بِهِ أَوْ أَبَوْهُ، وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ إِلَّا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ رُجُوعَهُمْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فِي الدَّيْنِ: أَيَحِلُّ لَهُ إِنْ لَمْ يُنَفِّذْهُ؟ قَالَ: لَا، وَعَنْهُ: إِنْ أَذِنَ فِيهِ حَاكِمٌ جَازَ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ عَلِمَ الْوَصِيُّ أَنَّ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ حَقًّا، فَجَاءَ الْغَرِيمُ يُطَالِبُ الْوَصِيَّ، وَقَدَّمَهُ إِلَى الْقَاضِي يَسْتَحْلِفُهُ أَنَّ مَالِي فِي يَدَيْكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيِّتٍ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَنَّهُ يَقْضِي دَيْنَ الْمَيِّتِ إِنْ لَمْ يَخَفْ تَبِعَةً. وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إِلَى الْمُسْلِمِ، وَإِلَى مَنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِ، وَإِذَا قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي   [المبدع في شرح المقنع] حَقٌّ، قَالَ: لَا يَحْلِفْ، وَيُعْلِمُ الْقَاضِي بِالْقَضِيَّةِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ الْقَاضِي، فَهُوَ أَعْلَمُ، أَيْ: يُقِيمُ الْقَاضِي ثُبُوتَهُ، وَيَشْهَدُ بِمَا أَمَرَ بِهِ، فَلَوْ صَدَّقَهُ وَارِثٌ لَزِمَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ بَيِّنَةٌ، فَفِي لُزُومِ قَضَائِهِ نَقْلَا حَاكِمٍ، فَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ، مَا لَا يُصَدِّقُهُ وَارِثُهُ الْمُكَلَّفُ؛ لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. مَسْأَلَةٌ: يُسَنُّ الْإِيصَاءُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا شُرِعَ لَهُ الْوَصِيَّةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَحَاجَةُ نَفْسِهِ أَوْلَى، وَهَذَا فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَا يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ فِي الْحَالِ، فَأَمَّا الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ فِي الْحَالِ، فَالْوَصَاةُ بِهِ وَاجِبَةٌ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ. (وَعَنْهُ: فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيِّتٍ، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَنَّهُ يَقْضِي دَيْنَ الْمَيِّتِ إِنْ لَمْ يَخَفْ تَبِعَةً) يَعْنِي إِذَا خَافَ أَنْ يَطْلُبَهُ الْوَرَثَةُ بِمَا عَلَيْهِ، وَيُنْكِرُوا الدَّيْنَ عَلَى مُوَرِّثِهِمْ فَلَا يَقْضِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ رُجُوعَهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ذَلِكَ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ تَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ وَذِمَّةِ الْمَيِّتِ، وَفِي بَرَاءَةِ الْمَدِينِ بَاطِنًا بِقَضَاءِ دَيْنٍ يَعْلَمُهُ عَلَى الْمَيِّتِ الرِّوَايَتَانِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيِّتٍ، وَوَصَّى بِهِ لِزَيْدٍ، فَلَهُ دَفْعُهُ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى وَصِيِّ الْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ، وَلَا يَقْضِيهِ عَيْنًا، لَمْ يَبْرَأْ بِدَفْعِهِ إِلَّا إِلَى الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ جَمِيعًا، وَقِيلَ: يَبْرَأُ بِدَفْعِهِ إِلَى الْوَصِيِّ. فَرْعٌ: صَرَفَ أَجْنَبِيٌّ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ، وَقِيلَ: أَوْ لِغَيْرِهِ فِي جِهَتِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ وَصَّاهُ بِإِعْطَاءِ مُدَّعٍ دَيْنًا بِيَمِينِهِ، نَقَدَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: بِبَيِّنَةٍ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يُقْبَلُ مَعَ صِدْقِ الْمُدَّعِي، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: فِيمَنْ وَصَّاهُ بِدَفْعِ مَهْرِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَدْفَعْهُ فِي غَيْبَةِ الْوَرَثَةِ. [صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْكَافِرِ إِلَى الْمُسْلِمِ] (وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إِلَى الْمُسْلِمِ) لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 حَيْثُ شِئْتَ، أَوْ أَعْطِهِ مَنْ شِئْتَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ، وَلَا دَفْعُهُ إِلَى وَلَدِهِ وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ ذَلِكَ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ، وَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيْعِ بَعْضِ الْعَقَارِ، لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ أَوْ حَاجَةِ الصِّغَارِ، وَفِي بَيْعِ بَعْضِهِ نَقْصٌ، فَلَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ،   [المبدع في شرح المقنع] تَكُنِ التَّرِكَةُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ نَحْوَهُمَا، (وَإِلَى مَنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِ) فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي النَّسَبَ، قِيلَ: بِالْوَصِيَّةِ كَالْمُسْلِمِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْفَاسِقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فِي دِينِهِ، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ تَمْنَعُ الصِّحَّةَ، فَالْكَافِرُ أَوْلَى. (وَإِذَا قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْتَ أَوْ أَعْطِهِ) أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ (عَلَى مَنْ شِئْتَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ) فِي الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مِلْكِهِ بِالْإِذْنِ، فَلَا يَكُونُ قَابِلًا لَهُ لِوَكِيلٍ، وَقِيلَ: يَعْمَلُ بِالْقَرِينَةِ (وَلَا دَفْعُهُ إِلَى وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ كَهُوَ، وَأَبَاحَهُ الشَّيْخَانِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: مَعَ أَبِيهِ، وَذَكَرَهُ آخَرُونَ وَأَبِيهِ، وَلَمْ يَزِيدُوا، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إِلَى وَارِثِهِ، سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ: فِي مَنْعِ مَنْ يُمَوِّنُهُ وَجْهًا (وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ ذَلِكَ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ) وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ، فَكَذَا مَا ذَكَرَ، وَقِيلَ: لَهُ إِعْطَاءُ وَلَدِهِ وَسَائِرِ أَقَارِبِهِ إِذَا كَانُوا مُسْتَحِقِّينَ لَهُ دُونَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّفْرِيقِ، وَقَدْ وُجِدَ. مَسَائِلُ: إِذَا قَالَ: تَصَدَّقْ مِنْ مَالِي، احْتَمَلَ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ، وَاحْتَمَلَ مَا قَلَّ وَكَثُرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ مُعَيَّنًا، عَيَّنَهُ، ذَكَرَ فِي التَّمْهِيدِ: مَنْ أَوْصَى إِلَيْهِ بِحَفْرِ بِئْرٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، أَوْ فِي السَّبِيلِ، فَقَالَ: لَا أَقْدِرُ، فَقَالَ الْمُوصِي: افْعَلْ مَا تَرَى، لَمْ يَجُزْ حَفْرُهَا بِدَارِ قَوْمٍ لَا بِئْرَ لَهُمْ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ، نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ، فَلَمْ يَجِدْ عَرْصَةً، لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ عَرْصَةٍ يَزِيدُهَا فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: ادْفَعْ إِلَى يَتَامَى فُلَانٍ، فَإِقْرَارٌ بِقَرِينَةٍ وَإِلَّا وَصِيَّةٍ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيْعِ بَعْضِ الْعَقَارِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ، أَوْ حَاجَةِ الصِّغَارِ، وَفِي بَيْعِ بَعْضِهِ نَقْصٌ) أَيْ ضَرَرٌ (فَلَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ) إِذَا امْتَنَعُوا أَوْ غَابُوا، وَالصِّغَارِ نَصَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ، وَهُوَ أَقْيَسُ.   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ يَمْلِكُ بَيْعَ التَّرِكَةِ، فَمَلَكَ جَمِيعَهَا، كَمَا لَوْ كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا أَوِ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرِقَةً، وَكَالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، فَلَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ أَوَّلًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَقِيلَ: يَبِيعُ بِقَدْرِ دَيْنٍ وَوَصِيَّةٍ وَحِصَّةِ صِغَارٍ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: بَيْعُ الْوَصِيِّ الدُّورَ عَلَى الصِّغَارِ يَجُوزُ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ نَظَرًا لَهُمْ لَا عَلَى كِبَارٍ يُؤْنَسُ فِيهِمْ رُشْدٌ، هُوَ كَالْأَبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي النِّكَاحِ، قِيلَ لَهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَثْبَتَ وَصِيَّتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي؟ قَالَ: إِذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ (وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ) لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ بَيْعُ مِلْكِهِ لِيَزْدَادَ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ شَرِيكُهُمْ غَيْرَ وَارِثٍ (قَالَ: وَهُوَ أَقْيَسُ) وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُغْنِي، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكُلِّ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ. فَرْعٌ: إِذَا مَاتَ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ وَلَا وَصِيًّا، فَلِمَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَوْزُ تَرِكَتِهِ، وَيَبِيعُ مَا يَرَاهُ، وَقِيلَ: إِلَّا الْإِمَاءَ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الْجَوَارِي: أُحِبُّ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُنَّ الْحَاكِمُ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَنْ بَيْعِهِنَّ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُنَّ يَتَضَمَّنُ إِبَاحَةَ فُرُوجِهِنَّ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَيُكَفِّنُهُ مِنْهَا ثُمَّ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إِنْ نَوَاهُ وَلَا حَاكِمَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِذْنُ رَجَعَ، وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ كَإِمْكَانِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ مَعَ إِذْنِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 كِتَابُ الْفَرَائِضِ وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ. و َأَسْبَابُ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ: رَحِمٌ، وَنِكَاحٌ، وَوَلَاءٌ، لَا غَيْرَ،   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْفَرَائِضِ] [أَهَمِّيَّةُ عِلْمِ الْفَرَائِضِ] ِ جَمْعُ فَرِيضَةٍ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ فَرَضَ وَأَفْرَضَ، وَسُمِّيَ الْبَعِيرُ الْمَأْخُوذُ فِي الزَّكَاةِ فَرِيضَةً فَعِيلَةً بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْفَرْضِ، وَهُوَ التَّقْدِيرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أَيْ: قَدَّرْتُمْ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى الْقَطْعِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] أَيْ: مَقْطُوعًا، وَبِمَعْنَى الْحَزِّ، يُقَالُ: فَرَضَ الْقَوْسَ، وَفَرَضْتُهُ: الْحَزُّ الَّذِي فِيهِ الْوَتَرُ، وَفُرْضَةُ النَّهْرِ، أَيْ: ثُلْمَتُهُ، وَبِمَعْنَى التَّبْيِينِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أَيْ: بَيَّنَ، وَبِمَعْنَى الْإِنْزَالِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القصص: 85] أَيْ أَنْزَلَ، وَبِمَعْنَى الْإِحْلَالِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب: 38] أَيْ أَحَلَّ، وَبِمَعْنَى الْعَطَاءِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا أَصَبْتُ مِنْهُ فَرْضًا. وَلَمَّا كَانَ عِلْمُ الْفَرَائِضِ مُشْتَمِلًا عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي لِمَا فِيهِ مِنَ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ، وَالْمَقَادِيرِ الْمُنْقَطِعَةِ، وَالْعَطَاءِ الْمُجَرَّدِ، وَقَدْ بَيَّنَ لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ وَأَحَلَّهُ لَهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ، وَيُقَالُ لِلْعَالِمِ بِهِ: فَرْضِيٌّ وَفَارِضٌ وَفَرِيضٌ، كَعَالِمٍ وَعَلِيمٍ، حَكَاهُ الْمُبَرِّدُ. وَقَدْ وَرَدَ التَّحْرِيضُ عَلَى تَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا، فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ، فَإِنِّيَ امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ، فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَلَفْظُهُ لَهُ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا، فَإِنَّهَا نِصْفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْعِلْمِ، وَهُوَ يُنْسَى، وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ أَهْلُ السَّلَامَةِ: لَا نَتَكَلَّمُ فِيهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ، وَقِيلَ: عُلِمَ مَعْنَاهُ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ، فَإِنَّ حَالَ النَّاسِ اثْنَانِ، حَيَاةٌ وَوَفَاةٌ، فَالْفَرَائِضُ تَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي، وَسَائِرُ الْعُلُومِ بِالْأَوَّلِ، وَقِيلَ: هُوَ نِصْفٌ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِتَعَلُّمِ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْفَرَائِضِ مِائَةَ حَسَنَةٍ، وَبِغَيْرِهَا مِنَ الْعُلُومِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ الْمَشَقَّةِ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَأَحْسَنُهَا أَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ اخْتِيَارِيٌّ وَاضْطِرَارِيٌّ، فَالِاخْتِيَارِيُّ إِنْ شَاءَ دَخَلْتَ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ شَاءَ رُدَّ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَالِاضْطِرَارِيُّ يُدْخَلُ فِي مِلْكِهِ إِجْبَارًا، وَرُدَّ، وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا تَحَدَّثْتُمْ فَتَحَدَّثُوا فِي الْفَرَائِضِ، وَإِذَا لَهَوْتُمْ فَالْهَوْا بِالرَّمْيِ، وَكَانَ لَا يُوَلِّي أَحَدًا حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ، وَحُكِيَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ رَأَى فِي مَنَامِهِ دَخَلَ بُسْتَانًا، فَأَكَلَ مِنْ جَمِيعِ ثَمَرِهِ إِلَّا الْعِنَبَ الْأَبْيَضَ، فَقَصَّهُ عَلَى شَيْخِهِ الْأَوْزَاعِيِّ، فَقَالَ: تُصِيبُ مِنَ الْعُلُومِ كُلِّهَا إِلَّا الْفَرَائِضَ، فَإِنَّهَا جَوْهَرُ الْعِلْمِ، كَمَا أَنَّ الْعِنَبَ الْأَبْيَضَ جَوْهَرُ الْعِنَبِ. (وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ) فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَرَائِضَ هِيَ نَفْسُ الْقِسْمَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرِهِ وَهِيَ الْعِلْمُ بِقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَهُوَ جَمْعُ مِيرَاثٍ، وَهُوَ الْمَالُ الْمُخَلَّفُ عَنِ الْمَيِّتِ، أَصْلُهُ مِوْرَاثُ انْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِهَا، وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَيُقَالُ لَهُ: التُّرَاثُ. [أَسْبَابُ التَّوَارُثِ] (وَأَسْبَابُ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ: رَحِمٌ) وَهُوَ الْقَرَابَةُ مِنْ جِهَةِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَنَحْوِهِمَا، إِذْ بِهَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] (وَنِكَاحٌ) وَهُوَ عَقْدُ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِنْ عَرِيَ عَنِ الْوَطْءِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] الْآيَةَ (وَوَلَاءٌ) وَهُوَ الْإِنْعَامُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَاقَدَةِ وَإِسْلَامِهِ عَلَى يَدَيْهِ، وَكَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] النَّسَبِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، شَبَّهَ الْوَلَاءَ بِالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ يُوَرَّثُ بِهِ، فَكَذَا الْوَلَاءُ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ الْعَتِيقَ لَا يَرِثُ مُعْتِقَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ: بَلَى عِنْدَ عَدَمٍ الوارث، وَقَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ، نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا أَدْرِي، وَفِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ مِنْهُ يُنْفَقُ عَلَى الْمُنْعِمِ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَوْسَجَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ أَنَّ «رَجُلًا مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا إِلَّا عَبْدًا أَعْتَقَهُ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِيرَاثَهُ» . وَعَوْسَجَةَ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ، لَكِنْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ، وَلَوْ سَلِمَتْ صِحَّتُهُ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ عَلَى جِهَةِ الْمَصْلَحَةِ لَا مِيرَاثًا (لَا غَيْرَ) لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّوَارُثِ بِهَا إِلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَانَتْ تَرِكَتُهُ صَدَقَةً لَمْ تُوَرَّثْ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ) مَعَ عَدَمِهِنَّ (بِالْمُوَالَاةِ) ، وَهِيَ الْمُؤَاخَاةُ (وَالْمُعَاقَدَةِ) وَهِيَ الْمُحَالَفَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، يَقُولُ الرَّجُلُ: دَمِي دَمُكَ، وَمَالِي مَالُكُ، تَنْصُرُنِي وَأَنْصُرُكَ، وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ (وَإِسْلَامِهِ عَلَى يَدَيْهِ) لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ، فَهُوَ مَوْلَاهُ يَرِثُهُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ، وَكَذَا الْتِقَاطُهُ (وَكَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ) أَيْ: مَكْتُوبَيْنِ فِي دِيوَانٍ وَاحِدٍ، قَالَهُ فِي الْمُطْلِعِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَحَكَاهُ فِي الشَّرْحِ قَوْلًا، وَظَاهِرُ الْمَتْنِ: أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الرِّوَايَةِ، وَفِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ أَوْ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 وَالْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ مِنَ الذُّكُورِ عَشَرَةٌ: الِابْنُ، وَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ، وَالْأَبُ، وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَابْنُ الْأَخِ إِلَّا مِنَ الْأُمِّ، وَالْعَمُّ وَابْنُهُ كَذَلِكَ، وَالزَّوْجُ، وَالْمَوْلَى الْمُنْعِمُ، وَمِنَ الْإِنَاثِ سَبْعٌ: الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ، وَالْأُمُّ، وَالْجَدَّةُ، وَالْأُخْتُ، وَالْمَرْأَةُ، وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ،   [المبدع في شرح المقنع] قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ {وَأُولُو الأَرْحَامِ} [الأنفال: 75] الْآيَةَ، فَتَوَارَثُوا بِالنَّسَبِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. [مَنْ يَرِثُ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ] (وَالْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ مِنَ الذُّكُورِ عَشَرَةٌ: الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةَ، وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] ، {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 40] (وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] وَالْجَدُّ تَنَاوَلَهُ النَّصُّ؛ لِدُخُولِ وَلَدِ الِابْنِ فِي عُمُومِ الْأَوْلَادِ، وَقِيلَ: ثَبَتَ فَرْضُهُ بِالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْطَاهُ السُّدُسَ (وَالْأَخُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ) فَالْأَخُ مِنَ الْأُمِّ، ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] ، وَمِنَ الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتِ الْفُرُوضُ، فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ، (وَابْنُ الْأَخِ إِلَّا مِنَ الْأُمِّ) فَإِنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَالْعَمُّ، وَابْنُهُ كَذَلِكَ) أَيْ: مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبِ، وَعَمُّ الْأَبِ كَذَلِكَ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَمُّ مِنَ الْأُمِّ، وَلَا ابْنُهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنَ الْعَصَبَاتِ (وَالزَّوْجُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] الْآيَةَ، (وَالْمَوْلَى الْمُنْعِمُ) أَيِ: الْمُعْتِقُ، سَمَّوْا بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَى الْعَبْدِ بِعِتْقِهِ وَتَخْلِيصِهِ مِنْ أَسْرِ الرِّقِّ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَالذُّكُورُ كُلُّهُمْ عَصَبَاتٌ إِلَّا الزَّوْجَ، وَالْأَخَ مِنَ الْأُمِّ وَالْأَبِ وَأَبُوهُ مَعَ الِابْنِ (وَمِنَ الْإِنَاثِ سَبْعٌ: الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ، وَالْأُمُّ، وَالْجَدَّةُ، وَالْأُخْتُ، وَالْمَرْأَةُ، وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْإِنَاثُ كُلُّهُنَّ إِذَا انْفَرَدْنَ عَنْ أَخَوَاتِهِنَّ ذَوَاتُ فَرْضٍ إِلَّا الْمُعْتَقَةَ، وَالْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 وَالْوَارِثُ ثَلَاثَةٌ: ذُو فَرْضٍ، وَعَصَبَاتٌ، وَذُو رَحِمٍ. بَابُ مِيرَاثِ ذَوِي الْفُرُوضِ وَهُمْ عَشَرَةٌ: الزَّوْجَانِ، وَالْأَبَوَانِ، وَالْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ، وَالْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ، وَالْأُخْتُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَالْأَخُ مِنَ الْأُمِّ، فَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ إِذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ،   [المبدع في شرح المقنع] أَصْلٌ: إِذَا اجْتَمَعَ الْوَارِثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لَمْ يَرِثْ مِنْهُمْ إِلَّا الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ، وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْوَارِثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ، وَرِثَ مِنْهُنَّ خَمْسَةٌ، الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ وَالْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبِ، وَالَّذِي يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنَ الصِّنْفَيْنِ وَارِثًا: الْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (وَالْوَارِثُ ثَلَاثَةٌ: ذُو فَرْضٍ، وَعَصَبَاتٌ) إِجْمَاعًا (وَذُو رَحِمٍ) عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِ وَسَيَأْتِي، فَإِنْ مَاتَ، وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ، قَالَهُ أَحْمَدُ كَالْمَالِ الضَّائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنِ ابْنِ عَمٍّ، وَإِنْ بَعُدَ غَالِبًا، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَعَنْهُ: يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْإِرْثِ كَمَا يَحْتَمِلُ عَنْهُ الدِّيَةَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَرِثُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُمُ الْوَارِثُونَ، وَأَجَابُوا عَنِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ ابْنِ عَمٍّ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِاحْتِمَالِ مَانِعٍ، وَأَيْضًا وُجُودُ ابْنِ عَمٍّ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَإِنَّ ابْنَ الزِّنَى وَالْمَنْفِيَّ بِلِعَانٍ قَدْ يَكُونُ الْمَيِّتُ مِنْ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ، وَهَذَا إِذَا انْتَظَمَ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ، فَاخْتَارَ ابْنُ كَجٍّ: أَنَّهُ يُصْرَفُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ، وَنَقَلَهُ الْأَئِمَّةُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. [بَابُ مِيرَاثِ ذَوِي الْفُرُوضِ] ِ بَدَأَ الْمُؤَلِّفُ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمُ الْأَصْلُ وَلَهُمْ فُرُوضٌ مُقَدَّرَةٌ لَا تَسْقُطُ. (وَهُمْ عَشَرَةٌ: الزَّوْجَانِ، وَالْأَبَوَانِ، وَالْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ، وَالْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ، وَالْأُخْتُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ) أَيْ: مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبِ أَوِ الْأُمِّ (وَالْأَخُ مِنَ الْأُمِّ) فَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأُمٍّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 وَالنِّصْفُ مَعَ عَدَمِهِمَا، وَلِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ إِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، وَالرُّبُعُ مَعَ عَدَمِهِمَا. فَصْلٌ وَلِلْأَبِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ يَرِثُ فِيهَا السُّدُسَ بِالْفَرْضِ، وَهِيَ مَعَ ذُكُورِ الْوَلَدِ،   [المبدع في شرح المقنع] يُسَمَّوْنَ بَنِي الْأَخْيَافِ، وَالْأَخْيَافُ: الْأَخْلَاطُ، فَهُمْ مِنْ أَخْلَاطِ الرِّجَالِ، وَلَيْسُوا هُمْ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلِلْأَبِ يُسَمَّوْنَ بَنِي الْعَلَّاتِ؛ لِأَنَّ أُمَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ تَسْقِهِ لَبَنَ رَضَاعِهَا، وَلِلْأَبَوَيْنِ يُسَمُّونَ بَنِي الْأَعْيَانِ، سُمُّوا بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَعْيَانُ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ» ، (فَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ إِذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ) ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى، (أَوْ وَلَدُ ابْنٍ) يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ وَلَدِ الْبِنْتِ، فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَإِنْ وَرَّثْنَا ذَوِي الْأَرْحَامِ. (وَالنِّصْفُ مَعَ عَدَمِهِمَا) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ النَّصُّ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الْوَلَدِ، وَوَلَدُهُ مُلْحَقٌ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ حَجْبُهُ بِالِاسْمِ أَوِ الْمَعْنَى، فَقِيلَ: بِالِاسْمِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى وَلَدًا، فَتَدُلُّ الْآيَةُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَقِيقَةً وَلَدُ الصُّلْبِ إِلَّا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ وَلَدَ الِابْنِ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلَدِ فِي الْحَجْبِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَا يَحْجِبُ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا بَدَأَ بِالْأَوْلَادِ كَمَا فِي الْقُرْآنِ؟ قِيلَ: بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهَمُّ عِنْدَ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ آكَدُ، وَمُرَادُ الْفَرْضِيِّينَ التَّعْلِيمُ وَالتَّقْرِيبُ عَلَى الْأَفْهَامِ، وَالْكَلَامُ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَقَلُّ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِمَا. (وَلِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ إِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، وَالرُّبُعُ مَعَ عَدَمِهِمَا) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12] الْآيَةَ، وَالزَّوْجَاتُ كَالزَّوْجَةِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُنَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الرُّبُعَ وَهُنَّ أَرْبَعٌ، لَأَخَذْنَ جَمِيعَ الْمَالِ، وَزَادَ فَرْضُهُنَّ عَلَى فَرْضِ الزَّوْجِ، وَمِثْلُهُنَّ الْجَدَّاتُ، فَأَمَّا سَائِرُ الْأَقَارِبِ كَالْبَنَاتِ، وَبَنَاتِ الِابْنِ، وَالْأَخَوَاتِ الْمُفْتَرِقَاتِ، فَإِنَّ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ مِنْهُنَّ مِثْلَ مَا لِلِابْنَتَيْنِ، وَزِدْنَ عَلَى فَرْضِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ الَّذِي يَرِثُ فِي دَرَجَتِهِنَّ لَا فَرْضَ لَهُ إِلَّا وَلَدُ الْأُمِّ، فَإِنَّ ذَكَرَهُمْ وَأُنْثَاهُمُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالرَّحِمِ وَقَرَابَةِ الْأُمِّ الْمُجَرَّدَةِ. [أَحْوَالُ الْأَبِ] فَصْلٌ (وَلِلْأَبِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ يَرِثُ فِيهِ السُّدُسَ بِالْفَرْضِ، وَهِيَ مَعَ ذُكُورِ الْوَلَدِ، أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 أَوْ وَلَدِ الِابْنِ، وَحَالٌ يَرِثُ فِيهَا بِالتَّعْصِيبِ، وَهِيَ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ، وَحَالٌ يَجْتَمِعُ لَهُ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ، وَهِيَ مَعَ إِنَاثِ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ. فَصْلٌ وَلِلْجَدِّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ، وَحَالٌ رَابِعٌ وَهِيَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَدِ الِابْنِ) لِلنَّصِّ السَّابِقِ، وَالْمُرَادُ بِوَلَدِ الِابْنِ هُنَا الذَّكَرُ. (وَحَالٌ يَرِثُ فِيهَا بِلَا تَعْصِيبٍ، وَهِيَ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] أَضَافَ الْمِيرَاثَ لَهُمَا، وَجَعَلَ لَهَا الثُّلُثَ، فَكَانَ الْبَاقِي لِلْأَبِ، وَهَذَا شَأْنُ التَّعْصِيبِ، وَهَذَا الْحَالُ مِمَّا امْتَازَ بِهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ. (وَحَالٌ يَجْتَمِعُ لَهُ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ، وَهِيَ مَعَ إِنَاثِ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ) لِلنَّصِّ، وَقَدْ سَأَلَ الْحَجَّاجُ الشَّعْبِيَّ عَمَّنْ مَاتَ عَنْ أَبٍ وَبِنْتٍ، فَقَالَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: أَصَبْتَ فِي الْمَعْنَى، وَأَخْطَأْتَ فِي اللَّفْظِ، هَلَّا قُلْتَ: لِلْأَبِ السُّدُسُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ، فَقَالَ: أَخْطَأْتُ، وَأَصَابَ الْأَمِيرُ. مَسْأَلَةٌ: يَقَعُ الْإِرْثُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فِي صُوَرٍ كَزَوْجٍ مُعْتَقٍ، وَزَوْجَةٍ مُعْتَقَةٍ، وَأَخٍ لِأُمٍّ هُوَ ابْنُ عَمٍّ، وَهُوَ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْأُبُوَّةُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ. [أَحْوَالُ الْجَدِّ] فَصْلٌ (وَلِلْجَدِّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ) أَيْ: لِأَنَّهُ أَبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] ، وَقَوْلِ يُوسُفَ: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ} [يوسف: 38] . الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا» وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِ ابْنِ ابْنِهِ، وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ، وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَيُمْنَعُ مِنْ دَفْعِ زَكَاتِهِ إِلَيْهِ كَالْأَبِ، وَقَدْ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّدُسَ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، لَكِنَّهُ يَسْقُطُ بِالْأَبِ، وَيَنْقُصُ عَنْ رُتْبَتِهِ فِي إِحْدَى الْعُمَرِيَّتَيْنِ، فَإِنَّ لِلْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبِ، فَإِنَّهُ يُقَاسِمُهُمْ كَأَخٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ، فَيَأْخُذُهُ، وَالْبَاقِي لَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ أَخَذَ فَرْضَهُ، ثُمَّ لِلْجَدِّ الْأَحَظُّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ كَأَخٍ أَوْ ثُلُثُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَحَالٌ رَابِعٌ، وَهِيَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبِ، فَإِنَّهُ يُقَاسِمُهُمْ كَأَخٍ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْأَخَ ذَكَرٌ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ، فَلَمْ يُسْقِطْهُ الْجَدُّ كَالِابْنِ، وَلِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي بِالْأَبِ: الْجَدُّ بِالْأُبُوَّةِ وَالْأَخُ بِالْبُنُوَّةِ، وَقَرَابَةُ الْبُنُوَّةِ لَا تَنْقُصُ عَنْ قَرَابَةِ الْأُبُوَّةِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَتْ أَقْوَى مِنْهَا، فَإِنَّ الِابْنَ يُسْقِطُ تَعْصِيبَ الْأَبِ، وَلِذَلِكَ مَثَّلَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِشَجَرَةٍ أَنْبَتَتْ غُصْنًا، فَانْفَرَقَ مِنْهُ غُصْنَانِ، كُلٌّ مِنْهُمَا أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى أَصْلِ الشَّجَرَةِ، وَمَثَّلَهُ زَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِوَادٍ خَرَجَ مِنْهُ نَهْرٌ انْفَرَقَ مِنْهُ جُزْءٌ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْوَادِي (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ فَيَأْخُذُهُ، وَالْبَاقِي لَهُمْ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَقَدْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ، وَالضَّابِطُ: أَنَّ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ إِنْ كَانُوا مِثْلَيْهِ، فَالْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ سِيَّانِ، وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ: جَدٌّ وَأَخَوَانِ، جَدٌّ وَأَخٌ وَأُخْتَانِ، جَدٌّ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ، وَإِنْ كَانُوا دُونَ مِثْلَيْهِ، فَالْمُقَاسَمَةُ خَيْرٌ لَهُ، وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ: جَدٌّ وَأَخٌ، جَدٌّ وَأُخْتَانِ، جَدٌّ وَأَخٌ وَأُخْتٌ، جَدٌّ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، جَدٌّ وَأُخْتٌ، وَإِنْ كَانُوا فَوْقَ الْمِثْلَيْنِ، فَالثُّلُثُ خَيْرٌ لَهُ، وَوَجْهُهُ بِأَنَّ الْجَدَّ وَالْأُمَّ إِذَا اجْتَمَعَا أَخَذَ الْجَدُّ مِثْلَيْ مَا تَأْخُذُ الْأُمُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْخُذُ إِلَّا الثُّلُثَ، وَالْإِخْوَةُ لَا يُنْقِصُونَ الْأُمَّ مِنَ السُّدُسِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُنْقِصُوا الْجَدَّ مِنْ ضِعْفِ السُّدُسِ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ، كَمَا يُسْقِطُهُمُ الْأَبُ، اخْتَارَهَا أَبُو حَفَصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالْآجُرِّيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الصِّدِّيقِ، وَعُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَهُ الْمُزَنِيُّ، وَابْنُ سُرَيْجٍ، وَابْنُ اللَّبَّانِ؛ لِأَنَّهُ أَبٌ بِالنُّصُوصِ السَّابِقَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ، يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا، وَلَا يَجْعَلُ أَبَ الْأَبِ أَبًا، وَلِأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الْأَخِ؛ لِأَنَّ لَهُ إِيلَادًا، وَلَوِ ازْدَحَمَتِ الْفُرُوضُ، سَقَطَ الْأَخُ دُونَهُ، لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كَيْفِيَّةِ إِرْثِهِ مَعَهُمْ، هُوَ قَوْلُ زَيْدٍ، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ مَرْفُوعًا، «قَالَ أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ، وَأَقْرَؤُهَا لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيٌّ، وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدٌ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ إِرْسَالَهُ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ أَخَذَ فَرْضَهُ) لِلنَّصِّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 الْبَاقِي، أَوْ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنِ الْفَرْضِ إِلَّا السُّدُسُ، فَهُوَ لَهُ، وَسَقَطَ مَنْ مَعَهُ مِنْهُمْ إِلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ، وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ وَجَدٌّ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، ثُمَّ يُقَسَّمُ نِصْفُ الْأُخْتِ وَسُدُسُ الْجَدِّ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَتَضْرِبُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا، تَكُنْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ،   [المبدع في شرح المقنع] (ثُمَّ لِلْجَدِّ الْأَحَظُّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ كَأَخٍ) لِأَنَّهَا لَهُ مَعَ عَدَمِ الْفُرُوضِ، فَكَذَا مَعَ وُجُودِهَا (وَثُلُثُ الْبَاقِي) لِأَنَّ مَا أَخَذَ بِالْفَرْضِ كَأَنَّهُ مَعْدُومٌ، قَدْ ذَهَبَ مِنَ الْمَالِ، فَصَارَ ثُلُثُ الْبَاقِي بِمَنْزِلَةِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ (أَوْ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ مَعَ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى، فَمَعَ غَيْرِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَضَابِطُهُ أَنَّهُ مَتَى زَادَ الْإِخْوَةُ عَنِ اثْنَيْنِ، أَوْ مَنْ يَعْدِلُهُمْ مِنَ الْإِنَاثِ، فَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْمُقَاسَمَةِ، وَإِنْ نَقَصُوا عَنْ ذَلِكَ فَلَا حَظَّ لَهُ فِي ثُلُثِ الْبَاقِي، وَمَتَى زَادَتِ الْفُرُوضُ عَنِ النِّصْفِ، فَلَا حَظَّ لَهُ فِي ثُلُثِ الْبَاقِي، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنِ النِّصْفِ، فَلَا حَظَّ لَهُ فِي السُّدُسِ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ النِّصْفَ، فَقَدِ اسْتَوَى السُّدُسُ وَثُلُثُ الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ اثْنَيْنِ، وَالْفَرْضُ النِّصْفَ، اسْتَوَتِ الْأَحْوَالُ كُلُّهَا (فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنِ الْفَرْضِ إِلَّا السُّدُسُ، فَهُوَ لَهُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَطْعَمَهُ السُّدُسَ، وَلَا يُنْقَصُ عَنْهُ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ، وَحَكَى الشَّعْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَأَخٍ مُطْلَقًا، فَقَالَ فِي سَبْعَةِ إِخْوَةٍ وَجَدٍّ: الْجَدُّ ثَامِنُهُمْ (وَسَقَطَ مَنْ مَعَهُ مِنْهُمْ) أَيْ: مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، كَأُمٍّ وَابْنَتَيْنِ وَجَدٍّ وَأُخْتٍ أَوْ أَخٍ (إِلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ) قِيلَ: سُمِّيَتْ بِهِ لِتَكْدِيرِ أُصُولِ زَيْدٍ فِي الْأَشْهَرِ عَنْهُ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَفْرِضُ لِلْأُخْتِ مَعَ الْجَدِّ إِلَّا فِيهَا، وَلَا يُعِيلُ مَسَائِلَ الْجَدِّ وَأَعَالَهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جَمَعَ سِهَامَ الْفَرْضِ، وَقَسَّمَهَا عَلَى التَّعْصِيبِ، وَقِيلَ: إِنَّ زَيْدًا كَدَّرَ عَلَى الْأُخْتِ مِيرَاثَهَا، فَأَعْطَاهَا النِّصْفَ، ثُمَّ اسْتَرْجَعَهُ مِنْهَا، وَقِيلَ: إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ عَنْهَا رَجُلًا اسْمُهُ أَكْدَرُ، فَأَفْتَى فِيهَا، وَقِيلَ: اسْمُ الْمَرْأَةِ أَكْدَرَةُ، وَقِيلَ: اسْمُ زَوْجِهَا، وَقِيلَ: اسْمُ السَّائِلِ، وَقِيلَ: لِتَكَدُّرِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ (وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ وَجَدٌّ) فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إِلَى تِسْعَةٍ، فَعَالَتْ بِمِثْلِ نِصْفِهَا (فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، ثُمَّ يُقَسَّمُ نِصْفُ الْأُخْتِ وَسُدُسُ الْجَدِّ) وَهُمَا أَرْبَعَةٌ (بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ) لَا تَصِحُّ وَلَا تُوَافِقُ (فَتَضْرِبُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا، تَكُنْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ) وَمِنْهَا تَصِحُّ، فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةٍ (لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ) يَبْقَى اثْنَا عَشَرَ بَيْنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ، وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ، وَلَا يَعُولُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَدِّ غَيْرُهَا، وَلَا يُفْرَضُ لِأُخْتٍ مَعَ جَدٍّ إِلَّا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَوْجٌ، فَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ، وَتُسَمَّى الْخَرْقَاءَ؛   [المبدع في شرح المقنع] الْجَدِّ وَالْأُخْتِ (وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ) وَيُعَايَا بِهَا، فَيُقَالُ: أَرْبَعَةٌ وَرِثُوا مَالَ مَيِّتٍ، فَأَحَدُهُمْ أَخَذَ ثُلُثَهُ، وَالثَّانِي ثُلُثَ مَا بَقِيَ، وَالثَّالِثُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ، وَالرَّابِعُ مَا بَقِيَ، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: مَا فَرْضُ أَرْبَعَةٍ تَوَزَّعَ بَيْنَهُمْ ... مِيرَاثُ مَيِّتِهِمْ بِفَرْضٍ وَاقِعِ فَلِوَاحِدٍ ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَثُلُثُ مَا ... يَبْقَى لِثَانِيهِمْ بِحُكْمٍ جَامِعِ وَلِثَالِثٍ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُلُثُ الَّذِي ... يَبْقَى وَمَا يَبْقَى نَصِيبُ الرَّابِعِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: أَخَذَ أَحَدُهُمْ جُزْءًا مِنَ الْمَالِ، وَأَخَذَ الثَّانِي نِصْفَ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَأَخَذَ الثَّالِثُ نِصْفَ ذَلِكَ الْجُزْئَيْنِ، وَأَخَذَ الرَّابِعُ نِصْفَ الْأَجْزَاءِ، فَإِنَّ الْجَدَّ أَخَذَ ثَمَانِيَةً، وَالْأُخْتَ أَرْبَعَةً، وَالْأُمَّ سِتَّةً، وَهِيَ نِصْفُ مَا حَصَلَ لَهُمَا، وَالزَّوْجَ تِسْعَةً، وَهُوَ نِصْفُ مَا حَصَلَ لَهُمْ (وَلَا يَعُولُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَدِّ غَيْرُهَا، وَلَا يُفْرَضُ لِأُخْتٍ مَعَ جَدٍّ إِلَّا فِيهَا) هَذَا مَذْهَبُ زَيْدٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَإِنَّمَا أَصْحَابُهُ قَاسُوهَا عَلَى أُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا، لَسَقَطَتْ، وَلَيْسَ فِي الْفَرِيضَةِ مَنْ يُسْقِطُهَا، وَمَذْهَبُ الصِّدِّيقِ وَمُوَافِقِيهِ إِسْقَاطُ الْأُخْتِ، فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَهُوَ قُوَيْلٌ، حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَمَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، فَتَعُولُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ، وَجَعَلَا لِلْأُمِّ السُّدُسَ، لِكَيْلَا تُفَضَّلَ عَلَى الْجَدِّ، وَمَذْهَبُ عَلِيٍّ كَزَيْدٍ، غَيْرَ أَنَّ زَيْدًا ضَمَّ نِصْفَ الْأُخْتِ إِلَى سُدُسِ الْجَدِّ، وَقَسَّمَهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَوْجٌ، فَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ عَلَى ثَلَاثَةٍ) فَأَصْلُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِلْأُمِّ وَاحِدٌ يَبْقَى اثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَا يَصِحُّ، فَتَضْرِبُهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (فَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ) هَذَا قَوْلُ زَيْدٍ وَوَافَقَهُ الْأَكْثَرُ (وَتُسَمَّى الْخَرْقَاءَ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهَا وَوَلَدُ الْأَبِ كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ إِذَا انْفَرَدُوا، فَإِنِ اجْتَمَعُوا، عَادَّ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ الْجَدَّ بِوَلَدِ الْأَبِ، ثُمَّ أَخَذُوا مِنْهُمْ مَا حَصَلَ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ أُخْتًا وَاحِدَةً، فَتَأْخُذُ تَمَامَ النِّصْفِ، وَمَا فَضَلَ لَهُمْ وَلَا يَتَّفِقُ   [المبدع في شرح المقنع] كَأَنَّ الْأَقْوَالَ خَرَقَتْهَا بِكَثْرَتِهَا، وَتُسَمَّى الْمُسَبَّعَةَ؛ لِأَنَّ فِيهَا سَبْعَةَ أَقْوَالٍ، وَالْمُسَدَّسَةَ؛ لِأَنَّ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ تَرْجِعُ فِيهَا إِلَى سِتَّةٍ، وَالْمُثَلَّثَةَ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ جَعَلَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ نِصْفَانِ، وَيُقَالُ لَهَا: الْعُثْمَانِيَّةُ، وَالْمُرَبَّعَةَ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ جَعَلَهَا مِنِ اثْنَيْنِ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ كَقَوْلِ عُمَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ لِلْأُخْتِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ سَهْمٌ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى، وَلَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسُّدُسِ تَأَدُّبًا، وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَالْمُخَمَّسَةَ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ فِيهَا خَمْسَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ لَا يُثْبِتُ الرِّوَايَةَ عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ، وَالشَّعْبِيَّةَ، وَالْحَجَّاجِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّاجَ امْتَحَنَ فِيهَا الشَّعْبِيَّ، فَأَصَابَ فَعَفَا عَنْهُ، فَإِنَّ عُدِمَ الْجَدُّ سُمِّيَتِ الْمُبَاهَلَةَ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ بَاهَلَنِي بَاهَلْتُهُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ فِي مَالٍ وَاحِدٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا. 1 - (وَوَلَدُ الْأَبِ كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ إِذَا انْفَرَدُوا) لِأَنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُمْ فِي بُنُوَّةِ الْأَبِ الَّتِي سَاوَوْا بِهَا الْجَدَّ (فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَادَّ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ الْجَدَّ بِوَلَدِ الْأَبِ) أَيْ: زَاحَمَ بِهِ، وَتُسَمَّى الْمُعَادَةَ (ثُمَّ أَخَذُوا مِنْهُمْ مَا حَصَلَ لَهُمْ) لِأَنَّ الْجَدَّ وَالِدٌ، فَإِذَا حَجَبَهُ أَخَوَانِ وَارِثَانِ، جَازَ أَنْ يَحْجُبَهُ أَخٌ وَارِثٌ وَأَخٌ غَيْرُ وَارِثٍ، كَالْأُمِّ، وَأَنَّ وَلَدَ الْأَبِ يَحْجُبُونَهُ إِذَا انْفَرَدُوا، فَيَحْجُبُونَهُ مَعَ غَيْرِهِمْ كَالْأُمِّ، وَيُفَارِقُ وَلَدُ الْأُمِّ، فَإِنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُهُمْ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْجُبُوهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْأَبِ، فَإِنَّ الْجَدَّ لَا يَحْجُبُهُمْ، وَأَمَّا الْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَإِنَّهُ أَقْوَى تَعْصِيبًا مِنَ الْأَخِ لِلْأَبِ، فَلَا يَرِثُ مَعَهُ شَيْئًا، كَمَا لَوِ انْفَرَدَ عَنِ الْجَدِّ، فَيَأْخُذُ مِيرَاثَهُ، كَمَا لَوِ اجْتَمَعَ ابْنٌ وَابْنُ ابْنٍ، لَا يُقَالُ: الْجَدُّ يَحْجُبُ وَلَدَ الْأُمِّ، وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا إِنَّهُ هُوَ وَالْأُخْوَةُ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ، وَلَمْ يَأْخُذُوا مِيرَاثَهَا؛ لِأَنَّ الْجَدَّ وَوَلَدَ الْأُمِّ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ مُخْتَلِفٌ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَنْ يُحْجَبُ، وَلَا يَأْخُذُ مِيرَاثَ الْمَحْجُوبِ، وَهَاهُنَا سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْأُخْوَةِ الْمِيرَاثَ: الْأُخُوَّةُ وَالْعُصُوبَةُ، فَأَيُّهُمَا قَوِيَ حَجَبَ الْآخَرَ، وَأَخَذَ مِيرَاثَهُ، وَالْمُعَادَةُ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهَا، فَلَوِ اسْتُغْنِيَ عَنْهَا، فَلَا مُعَادَةَ، كَجَدٍّ وَأَخَوَيْنِ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأَخٍ مِنْ أَبٍ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ أُخْتًا وَاحِدَةً، فَتَأْخُذَ تَمَامَ النِّصْفِ) لِأَنَّ فَرْضَهَا لَا يَزِيدُ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 هَذَا فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا فَرْضٌ غَيْرُ السُّدُسِ، فَإِذَا كَانَ جَدٌّ، وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ، وَأُخْتٌ مِنْ أَبٍ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ: لِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ، ثُمَّ رَجَعَتِ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَأَخَذَتْ مَا فِي يَدِ أُخْتِهَا كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَخٌ مِنْ أَبٍ، فَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، يَبْقَى لِلْأَخِ وَأُخْتِهِ السُّدُسُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أُمٌّ، فَلَهَا السُّدُسُ، وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لَهُمْ وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ، وَتُسَمَّى مُخْتَصَرَةَ زَيْدٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَخٌ   [المبدع في شرح المقنع] نِصْفٍ، (وَمَا فَضَلَ لَهُمْ) أَيْ: لِوَلَدِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِكَوْنِ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَى، وَقَدْ زَالَتْ أَوْلَوِيَّتُهُ بِاسْتِكْمَالِ حَقِّهِ (وَلَا يَتَّفِقُ هَذَا فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا فَرْضٌ غَيْرُ السُّدُسِ) لِأَنَّ أَدْنَى مَا يَأْخُذُ الْجَدُّ: الثُّلُثُ مِنَ الْبَاقِي، وَالْأُخْتُ: النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَعْدَهُمَا السُّدُسُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَفْضُلَ لَهُمْ شَيْءٌ، كَمَسْأَلَةٍ فِيهَا أُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأَخٌ أَوْ أُخْتٌ لِأَبٍ (فَإِذَا كَانَ جَدٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ، وَأُخْتٌ مِنْ أَبٍ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ) لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ، فَتُجْعَلُ كَأُخْتَيْنِ (لِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ، ثُمَّ رَجَعَتِ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَأَخَذَتْ مَا فِي يَدِ أُخْتِهَا كُلَّهُ) لِتَسْتَكْمِلَ النِّصْفَ. (وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَخٌ مِنْ أَبٍ، فَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ) لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُ، (وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ) لِأَنَّهَا أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ (يَبْقَى لِلْأَخِ وَأُخْتِهِ السُّدُسُ) فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ بَيْنَهُمَا (عَلَى ثَلَاثَةٍ) لِلْعُصُوبَةِ، فَتَضْرِبُهَا فِي سِتَّةٍ (فَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) لِلْأُخْتِ تِسْعَةٌ، وَلِلْجَدِّ سِتَّةٌ، وَتَسْتَوِي هُنَا الْمُقَاسَمَةُ، وَثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلِلْأَخِ سَهْمَانِ وَأُخْتُهُ سَهْمٌ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أُمٌّ فَلَهَا السُّدُسُ) لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضُهَا مَعَ الْإِخْوَةِ (وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي) لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوِي لَهُ الْمُقَاسَمَةُ، وَثُلُثُ الْبَاقِي (وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ) لِأَنَّهُ فَرْضُهَا (وَالْبَاقِي لَهُمْ) أَيْ: لِوَلَدِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ، فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ (وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ) وَإِنْ قَاسَمَ الْإِخْوَةَ، أُعْطِيَتِ الْأُمُّ السُّدُسَ، يَبْقَى خَمْسَةٌ مَقْسُومَةٌ عَلَى الْجَدِّ وَالْأَخِ وَأُخْتَيْنِ عَلَى سِتَّةٍ، فَتَضْرِبُهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، لِلْأُمِّ سِتَّةٌ، وَلِلْجَدِّ عَشَرَةٌ، وَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، يَبْقَى سَهْمَانِ عَلَى الْأَخِ مِنَ الْأَبِ وَأُخْتِهِ لَا تَصِحُّ، فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ تَكُنْ مِائَةً وَثَمَانِيَةً، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إِلَى نِصْفِهَا أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهَا تَتَّفِقُ بِالنِّصْفِ، فَلِهَذَا قَالَ: (وَتُسَمَّى مُخْتَصَرَةَ زَيْدٍ، فَإِنْ كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 آخَرُ، صَحَّتْ مِنْ تِسْعِينَ، وَتُسَمَّى تِسْعِينِيَّةَ زَيْدٍ. فَصْلٌ وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ لَهَا السُّدُسُ، وَهِيَ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ، أَوْ وَلَدِ الِابْنِ، أَوِ   [المبدع في شرح المقنع] مَعَهُمْ أَخٌ آخَرُ) فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ: ثَلَاثَةٌ، وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي: خَمْسَةٌ، وَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ النِّصْفُ: تِسْعَةٌ، يَبْقَى سَهْمٌ لِأَوْلَادِ الْأَبِ عَلَى خَمْسَةٍ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِمْ، فَاضْرِبْهَا فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ (صَحَّتْ مِنْ تِسْعِينَ) فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَضْرُوبٌ فِي خَمْسَةٍ (وَتُسَمَّى تِسْعِينِيَّةَ زَيْدٍ) وَهَذَا التَّفْرِيعُ كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ مَعَ الْجَدِّ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ، وَعَلَى مَعْنَاهُ تَبَعًا لَهُ. مَسَائِلُ: أُمٌّ وَأُخْتَانِ وَجَدٌّ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرٌ لَهُ يَبْقَى خَمْسَةٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ بِنْتٌ وَأَخٌ وَجَدٌّ، لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أُخْتُهُ فَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ، بِنْتَانِ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأُخْتٌ وَجَدٌّ لِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَكَانَهَا أَخٌ، فَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، وَإِنْ كَانَ أُخْتَانِ، صَحَّتْ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَيَسْتَوِي السُّدُسُ وَالْمُقَاسَمَةُ، زَوْجَةٌ وَبِنْتٌ وَأُخْتٌ وَجَدٌّ، الْبَاقِي بَيْنَ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْأُخْتِ أَخٌ أَوْ أُخْتَانِ، فَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ، وَتَصِحُّ مَعَ الْأَخِ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ، وَمَعَ الْأُخْتَيْنِ مِنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ زَادُوا فُرِضَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ، فَانْتَقَلَتْ إِلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ تَصِحُّ عَلَى الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الزَّوْجَةِ ابْنَتَانِ، أَوْ أَكْثَرُ أَوْ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ أَوْ بِنْتٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ، فَرَضْتَ لِلْجَدِّ السُّدُسَ، يَبْقَى لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ سَهْمٌ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. [أَحْوَالُ الْأُمِّ] فَصْلٌ (وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ لَهَا السُّدُسُ، وَهِيَ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] وَوَلَدُ الْوَلَدِ وَلَدٌ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي وَلَدِ الْوَلَدِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا مُجَاهِدٌ (أَوِ الِاثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) كَامِلِي الْحُرِّيَّةِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 الِاثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وَحَالٌ لَهَا الثُّلُثُ، وَهِيَ مَعَ عَدَمِ هَؤُلَاءِ، وَحَالٌ لَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَهِيَ مِنْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ لَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ، وَحَالٌ رَابِعٌ، وَهِيَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا أَبٌ لِكَوْنِهِ   [المبدع في شرح المقنع] ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَحْجُبُهَا عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ، وَحُكِيَ عَنْ مُعَاذٍ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الِاثْنَيْنِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَفْظُ الْإِخْوَةِ هُنَا يَتَنَاوَلُ الْأَخَوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْجَمْعِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ مِنْ غَيْرِ كَمِّيَّةٍ. وَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ - وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ - إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ احْتَجَّ عَلَى عُثْمَانَ، وَقَالَ: كَيْفَ نَرُدُّهَا إِلَى السُّدُسِ بِالْأَخَوَيْنِ، وَلَيْسَا بِإِخْوَةٍ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَسْتَطِيعُ رَدَّ شَيْءٍ كَانَ قَبْلِي، وَمَضَى فِي الْبُلْدَانِ، وَتَوَارَثَ النَّاسُ بِهِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجْمَاعِ قَبْلَ مُخَالَفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: حَجَبَهَا قَوْمُكَ يَا غُلَامُ، وَلِأَنَّهُ حَجْبٌ يَتَعَلَّقُ بِتَعَدُّدٍ، فَكَانَ الِاثْنَانِ أَوَّلَهُ، كَحَجْبِ الْبَنَاتِ لِبَنَاتِ الِابْنِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً} [النساء: 176] الْآيَةَ، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي أَخٍ وَأُخْتٍ، وَقَدْ أُكِّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ جَعَلُوا الِاثْنَيْنِ جَمْعًا حَقِيقَةً وَقَدْ أَغْرَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، فَقَالَ: لَا يَحْجُبُهَا إِلَّا ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ ذُكُورٍ، وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ فِي حَجْبِهَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلَوْ كَانَا غَيْرَ وَارِثِينَ، لِسُقُوطِهِمَا بِالْأَبِ، لَا بِمَانِعٍ قَامَ بِهِمَا. (وَحَالٌ لَهَا الثُّلُثُ وَهِيَ مَعَ عَدَمِ هَؤُلَاءِ) أَيْ: مَعَ عَدَمِ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ ابْنِهِ أَوِ اثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانُوا، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] (وَحَالٌ لَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَهِيَ مِنْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ لَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ) وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ تُسَمَّيَانِ الْعُمَرِيَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِذَلِكَ، وَوَافَقَهُ عُثْمَانُ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَهَا ثُلُثُ الْمَالِ كُلِّهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ لَهَا الثُّلُثَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْإِخْوَةِ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ أَحْمَدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ اللَّبَّانِ، وَقَالَهُ ابْنُ شُرَيْحٍ: فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، وَفَصَّلَ ابْنُ سِيرِينَ، فَقَالَ كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، وَكَقَوْلِ ابْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 وَلَدَ زِنًى، أَوْ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ، فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ تَعْصِيبُهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ نَفَاهُ، فَلَا يَرِثُهُ هُوَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ عَصَبَاتِهِ، وَتَرِثُ أُمُّهُ وَذَوُو الْفُرُوضِ مِنْهُ فُرُوضَهُمْ، وَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ،   [المبدع في شرح المقنع] عَبَّاسٍ فِي امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا لَهَا ثُلُثَ الْمَالِ فِي الْأُولَى، لَفَضَّلْنَاهَا عَلَى الْأَبِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَفِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْحُجَّةُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَوْلَا انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ إِذَا جَمَعَتْ أَبَوَيْنِ وَذَا فَرْضٍ كَانَ لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتٌ، وَيُخَالِفُ الْأَبُ الْجِدَّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ فِي دَرَجَتِهَا وَالْجَدَّ أَعْلَى مِنْهَا، وَلِأَنَّ مِيرَاثَهَا هُوَ مَا سِوَى مِيرَاثِ الزَّوْجَيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَادَ عَلَى ثُلُثِ مَا وَرِثَهُ الْأَبَوَانِ، وَلِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إِنَّمَا يَأْخُذُهُ بِالسَّبَبِ، وَمَا يُؤْخَذُ بِالسَّبَبِ 1 كَالطَّارِئِ عَلَى التَّرِكَةِ، فَإِذًا الْبَاقِي بَعْدَهُ يَكُونُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنِ اثْنَيْنِ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، وَالثَّانِيَةُ تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَإِنَّمَا قَالُوا: لَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَلَمْ يَقُولُوا: سُدُسَ الْمَالِ مِنَ الْأُولَى، وَرُبْعَهُ مِنَ الثَّانِيَةِ، مُحَافَظَةً عَلَى الْأَدَبِ فِي مُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ، وَعُبِّرَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " اعْتِبَارًا بِالْحَاصِلِ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ سِيرِينَ تَفْرِيقٌ فِي مَوْضِعٍ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّهُ مَعَ الزَّوْجِ يَأْخُذُ مِثْلَ مَا أَخَذَتِ الْأُمُّ كَذَلِكَ مَعَ الْمَرْأَةِ قِيَاسًا عَلَيْهِ. (وَحَالٌ رَابِعٌ، وَهِيَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا أَبٌ لِكَوْنِهِ وَلَدَ زِنَى) لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إِلَى الزَّانِي (أَوْ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ تَعْصِيبُهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ نَفَاهُ) أَيْ: إِذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، وَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، انْتَفَى وَلَدُهَا عَنْهُ، وَانْقَطَعَ تَعْصِيبُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُلَاعِنِ (فَلَا يَرِثُهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ عَصَبَاتِهِ، وَتَرِثُ أُمُّهُ وَذَوُو الْفُرُوضِ مِنْهُ فُرُوضَهُمْ) وَيَنْقَطِعُ التَّوَارُثُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِ اللِّعَانِ وَرِثَهُ الْآخَرُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، فَإِنْ تَمَّ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ، لَمْ يَتَوَارَثَا فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ التَّفْرِيقُ كَالرَّضَاعِ، وَالثَّانِيَةُ: يَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ حَصَلَ التَّفْرِيقُ بِاللِّعَانِ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَفْرِيقِهِ، لَكِنْ لَوْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَمَامِهِ، لَمْ تَقَعِ الْفُرْقَةُ، وَلَمْ يَنْقَطِعِ التَّوَارُثُ فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا فِي تَوَارُثِ الزَّوْجَيْنِ، فَأَمَّا الْوَلَدُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْتَفِي عَنِ الْمُلَاعِنِ إِذَا تَمَّ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ فِي اللِّعَانِ، لَمْ يَنْتَفِ عَنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 وَعَنْهُ: أَنَّهَا هِيَ عَصَبَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ، فَعَصَبَتُهَا عَصَبَتُهُ، فَإِذَا خَلَّفَ أُمًّا وَخَالًا، فَلِأُمِّهِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُلَاعِنِ، وَلَمْ يَنْقَطِعِ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْتَفِي بِزَوَالِ الْفِرَاشِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَفَى الْوَلَدَ عَنِ الْمُلَاعِنِ، وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي لِعَانِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَمْلًا فِي الْبَطْنِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " إِنْ قَذَفَهَا، وَلَاعَنَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَرِثَتْهُ، وَقِيلَ: لَا، وَإِنْ قَذَفَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَلَاعَنَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَافْتَرَقَا فَمَاتَ، فَرِوَايَتَانِ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، لَمْ يَرِثْهُ، فَإِنْ نَفَى فِي لِعَانِهِ وَلَدَهَا، انْقَطَعَ نَسَبُهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَتَوَارَثَا، فَإِنِ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدُ، لَحِقَهُ وَتَوَارَثَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ دُونَ زَوْجِهَا، وَأُلْحِقَ بِهَا، فَهُوَ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ، وَكَذَا لَوِ ادَّعَاهُ الزَّانِي، وَقُوَّةُ اللِّعَانِ وَالزِّنَى وَفُرُوعِهِمَا وَلَدَاهُ، وَلَا يُورَثُونَ بِأُخُوَّةِ الْأَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَعَصَبَتُهُ) بَعْدُ ذُكُورُ وَلَدِهِ، وَإِنْ نَزَلَ (عَصَبَةُ أُمِّهِ) فِي الْإِرْثِ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَحَنْبَلٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَقَالَهُ جَمْعٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» الْخَبَرَ، وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ أَقَارِبُ أُمِّهِ، وَلَوْ كَانَتْ عَصَبَةً كَأَبِيهِ لَحَجَبَتِ الْإِخْوَةَ، وَلِأَنَّ مَوْلَاهَا مَوْلَى أَوْلَادِهَا، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَصَبَتُهَا عَصَبَتَهُ كَالْأَبِ، فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلَاةً، فَمَا بَقِيَ فَلِمَوْلَاهَا، وَإِلَّا جُعِلَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا هِيَ عَصَبَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ، فَعَصَبَتُهَا عَصَبَتُهُ) نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ وَمُهَنَّا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ جَعَلَ مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنْ، وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ: عَتِيقَهَا، وَلَقِيطَهَا، وَمِيرَاثَ وَلَدِهَا الَّتِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَلِأَنَّهَا قَامَتْ مَقَامَ الْأَبِ فِي انْتِسَابِهِ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ مَقَامَهُ فِي حِيَازَةِ مِيرَاثِهِ، وَلِأَنَّهُمْ عَصَبَاتٌ أَدْلَوْا بِهَا، فَلَمْ يَرِثُوا مَعَهَا كَأَقَارِبِ الْأَبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 الثُّلُثُ وَبَاقِيهِ لِلْخَالِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْكُلُّ لِلْأُمِّ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَخٌ لِأُمٍّ، فَلَهُ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لَهُ، أَوْ لِلْأُمِّ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِذَا مَاتَ ابْنُ ابْنِ مُلَاعَنَةٍ، وَخَلَّفَ أُمَّهُ وَجَدَّتَهُ، فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، وَبَاقِيهِ لِلْجَدَّةِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهَذِهِ جَدَّةٌ وَرِثَتْ مَعَ أُمٍّ أَكْثَرَ مِنْهَا.   [المبدع في شرح المقنع] مَعَهُ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ لَهُمَا ذُو فَرْضٍ رُدَّ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ عَدِمَ فَعَصَبَتُهَا عَصَبَتُهُ، فَعَلَى الْأُولَى يَرِثُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ مَعَ بِنْتِهِ لَا أُخْتِهِ، وَيُعَايَا بِهَا، وَلَوْ خَلَّفَ خَالًا وَخَالَةً، أَوْ خَالًا وَمَوْلَى أُمٍّ، فَالْمَالُ لِلْخَالِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا مَاتَ عَتِيقُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ عَنِ الْمُلَاعِنَةِ وَعَصَبَتِهَا، فَقِيلَ: الْمَالُ لِعَصَبَتِهَا عَلَى الرِّوَايَاتِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعْصِيبِهَا، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ ذَا سَهْمٍ، فَالْمَالُ لِعَصَبَةِ أُمِّهِ فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَنَقَلَ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ: أَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ. (فَإِذَا خَلَّفَ أُمًّا وَخَالًا، فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) لِأَنَّهُ فَرْضُهَا (وَبَاقِيهِ لِلْخَالِ) أَيْ: عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهَا (وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْكُلُّ لِلْأُمِّ) لِأَنَّهَا عَصَبَتُهُ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ يُسْتَوْعَبُ الْمَالُ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَذْهَبُ زَيْدٍ الْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَخٌ لِأُمٍّ، فَلَهُ السُّدُسُ) لِأَنَّهُ فَرْضُهُ (وَالْبَاقِي لَهُ) أَيْ: لِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهَا دُونَ الْخَالِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ (أَوْ لِلْأُمِّ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ) وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ أَخْذِ الْأُمِّ الثُّلْثَ، وَالْأَخِ السُّدُسَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمَا كَانَ لِلْأُمِّ شَيْءٌ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وِفَاقًا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا مَوْلَى أُمٍّ، فَلَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زَيْدٌ وَمُوَافِقُوهُ: لَهُ الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأُمِّهِ عَصَبَةٌ إِلَّا مَوْلَاهَا، فَالْبَاقِي لَهُ إِذَا قُلْنَا: عَصَبَتُهَا عَصَبَتُهُ، وَعَلَى الْأُخْرَى: هُوَ لِلْأُمِّ، وَقَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةُ ابْنِهَا (وَإِذَا مَاتَ ابْنُ ابْنِ مُلَاعَنَةٍ، وَخَلَّفَ أُمَّهُ وَجَدَّتَهُ) أُمَّ أَبِيهِ الْمُلَاعَنَةَ (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) لِأَنَّهُ فَرْضُهَا (وَبَاقِيهِ لِلْجَدَّةِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُلَاعَنَةُ، فَهِيَ عَصَبَتُهُ، فَيَكُونُ لَهَا الْبَاقِي (وَهَذِهِ جَدَّةٌ وَرِثَتْ مَعَ أُمٍّ أَكْثَرَ مِنْهَا) فَيُعَايَا بِهَا؛ لِأَنَّهَا وَرِثَتِ الثُّلُثَيْنِ مَعَ إِرْثِ الْأُمِّ الثُّلُثَ، فَهُوَ مِثْلَا نَصِيبِهَا؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ عَلَى رِوَايَةٍ، فَيَكُونُ لَهَا الْبَاقِي، وَعَلَى الْأُخْرَى: الْكُلُّ لِلْأُمِّ، الثُّلُثُ بِالْفَرْضِ، وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، فَإِذَا مَاتَ ابْنُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ عَنْ عَمِّهِ وَعَمِّ أَبِيهِ، فَالْمَالُ لِعَمِّهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: عَمُّ الْأَبِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَصَبَاتِ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَقْرَبُهُمْ مِنَ الْمَيِّتِ، لَا مِنْ آبَائِهِ، فَأَمَّا وَلَدُ بِنْتِ الْمُلَاعَنَةِ، فَلَيْسَتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 فَصْلٌ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُنَّ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ،   [المبدع في شرح المقنع] الْمُلَاعَنَةُ عَصَبَةً لَهُمْ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَإِنْ مَاتَ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ، وَخَلَّفَ ابْنَهُ، وَإِنْ نَزَلَ وَأُمُّهُ، فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلِابْنِ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا. [أَحْوَالُ الْجَدَّاتِ] فَصْلٌ (وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ) وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا، وَحَكَى غَيْرُهُ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهَا فَقَامَتْ مَقَامَهَا، عِنْدَ عَدَمِهَا كَالْجَدِّ، وَأُجِيبُ بِمَا رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ قَالَ: «جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَسَأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَعْطَاهَا السُّدُسَ، فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَشَهِدَ مِثْلَهُ فَأَنْفَذَهُ لَهَا، ثُمَّ جَاءَتِ الثَّانِيَةُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَأَلَتْهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، لَكِنْ هُوَ ذَاكَ السُّدُسُ، فَإِذَا اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا، وَأَيُّكُمَا خَلَتْ بِهِ، فَهُوَ لَهَا» ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُنَّ لَا يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ فَرْضًا، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ: ثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَعْطَى أُمَّ الْأُمِّ دُونَ الْأَبِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ - وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا - يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَعْطَيْتَ الَّتِي إِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا، وَمَنَعْتَ الَّتِي لَوْ مَاتَتْ وَرِثَهَا، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا إِجْمَاعٌ، وَشَرْطُهُ إِذَا تَحَاذَيْنَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بَعْضُهُنَّ أَقْرَبَ كَانَ الْمِيرَاثُ لَهَا، وَلَا خِلَافَ فِي تَوْرِيثِ جَدَّتَيْنِ: أُمِّ الْأُمِّ، وَأُمِّ الْأَبِ، وَكَذَا إِنْ عَلَتَا، وَكَانَتَا فِي الْقُرْبِ سَوَاءً، كَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمِّ أُمِّ أَبٍ. (فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُنَّ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ، فَالْمِيرَاثُ لِأَقْرَبِهِنَّ) سَوَاءً كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، فَهُوَ لِلْقُرْبَى إِجْمَاعًا، وَكَذَا إِنْ كَانَا مِنْ جِهَتَيْنِ، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، فَبِالِاتِّفَاقِ أَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 فَالْمِيرَاثُ لِأَقْرَبِهِنَّ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَلَا يَرِثُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ: أُمُّ الْأُمِّ، وَأُمُّ الْأَبِ، وَأُمُّ الْجَدِّ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أُمَّهَاتِهِنَّ، وَإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُهُنَّ، فَأَمَّا أُمُّ أَبِي الْأُمِّ، وَأُمُّ أَبِي الْجَدِّ، فَلَا مِيرَاثَ لَهُمَا،   [المبدع في شرح المقنع] الْمِيرَاثَ لَهَا دُونَ الْبُعْدَى، إِذِ الْأَقْرَبُ يَحْجُبُ الْأَبْعَدَ كَالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَنَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ (وَعَنْهُ أَنَّ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ) بَلْ تُشَارِكُهَا، وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهِيَ الْمَنْصُوصَةُ حَتَّى إِنَّ الْقَاضِيَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ لَمْ يَحْكِ الْأُولَى إِلَّا عَنِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ الَّتِي تُدْلِي بِهِ الْجَدَّةُ لَا يَحْجُبُ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، فَالَّتِي تُدْلِي بِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَحْجُبَهَا، وَبِهَذَا فَارَقَتِ الْقُرْبَى مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، فَإِنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ، وَهِيَ تَحْجُبُ جَمِيعَ الْجَدَّاتِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ قَوْلَهُمُ: الْأَبُ لَا يُسْقِطُهَا، قُلْنَا: لِأَنَّهُنَّ لَا يَرِثْنَ مِيرَاثَهُ، وَإِنَّمَا يَرِثْنَ بِمِيرَاثِ الْأُمَّهَاتِ لِكَوْنِهِنَّ أُمَّهَاتٍ، وَلِذَلِكَ أَسْقَطَتْهُنَّ الْأُمُّ، أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ، الْمِيرَاثُ لِلْأُولَى بِلَا نِزَاعٍ. أُمُّ أَبٍ، وَأُمُّ أُمِّ أُمٍّ، الْمِيرَاثُ لِلْأُولَى عَلَى الْأَوْلَى، وَعَلَى الثَّانِيَةِ، هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا. (وَلَا يَرِثُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ) قَالَهُ أَحْمَدُ فِي غَيْرِ زِيَادَةٍ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدٍ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ: ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ» وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَشَارَ إِلَيْهِمُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: (أُمُّ الْأُمِّ، وَأُمُّ الْأَبِ، وَأُمُّ الْجَدِّ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أُمَّهَاتِهِنَّ، وَإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُهُنَّ) يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يُوَرِّثُونَ مِنَ الْجَدَّاتِ ثَلَاثًا: ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَوَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: لَا يَرِثُ أَكْثَرُ مِنْ جَدَّتَيْنِ، وَحَكَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ، إِذَا كُنَّ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، إِلَّا مَنْ أَدْلَتْ بِأَبٍ غَيْرِ وَارِثٍ كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ، قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: وَبِهَذَا قَالَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ يَرِثْنَ، وَإِنْ عَلَوْنَ أُمُومَةً، وَقِيلَ: وَأُبُوَّةً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 وَالْجَدَّاتُ الْمُتَحَاذِيَاتُ أُمُّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ، وَأُمُّ أَبِي أَبٍ، وَتَرِثُ الْجَدَّةُ، وَابْنُهَا حَيٌّ، وَعَنْهُ: لَا تَرِثُ.   [المبدع في شرح المقنع] (فَأَمَّا أُمُّ أَبِي الْأُمِّ، وَأُمُّ أَبِي الْجَدِّ، فَلَا مِيرَاثَ لَهُمَا) وَكَذَا كُلُّ جَدَّةٍ تُدْلِي بِغَيْرِ وَارِثٍ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: تَرِثُ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِغَيْرِ وَارِثٍ، فَلَمْ تَرِثْ كَالْأَجَانِبِ، وَلِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ الْمُسْتَحِقَّةِ بِنَفْسِهَا، لَا بِسَبَبٍ آخَرَ (وَالْجَدَّاتُ الْمُتَحَاذِيَاتُ) أَيِ: الْمُتَسَاوِيَاتُ فِي الدَّرَجَةِ بِحَيْثُ لَا تَكُونُ وَاحِدَةٌ أَعْلَى مِنَ الْأُخْرَى، وَلَا أَنْزَلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْجَدَّاتِ إِنَّمَا يَرِثْنَ كُلُّهُنَّ إِذَا كُنَّ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، فَمَتَى كَانَ بَعْضُهُنَّ أَقْرَبَ كَانَ الْمِيرَاثُ لَهَا، ثُمَّ مَثَّلَ الْمُتَحَاذِيَاتِ (أُمُّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ، وَأُمُّ أَبِي أَبٍ) فَهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي الدَّرَجَةِ، وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ فِي الثَّلَاثِ، وَأَمَّا فِي الْأَرْبَعِ، فَأُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ أُمِّ أَبٍ، وَأُمُّ أُمِّ أَبِي أَبٍ، وَأُمُّ أَبِي أَبِي أَبٍ، وَفِي الْخَامِسَةِ خَمْسًا، وَفِي السَّادِسَةِ سِتًّا، فَإِذَا أَرَدْتَ تَنْزِيلَ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ وَغَيْرِهِنَّ، فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَيِّتِ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى جَدَّتَيْنِ: أُمَّ أُمِّهِ، وَأُمَّ أَبِيهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ جَدَّتَيْنِ، فَهُمَا أَرْبَعٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَمَانٍ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ أَرْبَعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَيَكُونُ لِوَالِدِهِمَا ثَمَانٍ، وَعَلَى هَذَا كُلَّمَا عَلَوْنَ تَضَاعَفَ عَدَدُهُنَّ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ كَثُرْنَ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَزِيدَ فَرْضُهُنَّ عَلَى السُّدُسِ (وَتَرِثُ الْجَدَّةُ وَابْنُهَا حَيٌّ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: «أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّدُسَ أُمُّ أَبٍ مَعَ ابْنِهَا، وَابْنُهَا حَيٌّ» ، رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّ الْجَدَّاتِ أُمَّهَاتٌ يَرِثْنَ مِيرَاثَ الْأُمِّ لَا مِيرَاثَ الْأَبِ، فَلَا يُحْجَبْنَ بِهِ كَأُمَّهَاتِ الْأُمِّ (وَعَنْهُ: لَا تَرِثُ) بَلْ هِيَ مَحْجُوبَةٌ بِابْنِهَا، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ، فَلَا تَرِثُ مَعَهُ كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ، وَأُمِّ الْأُمِّ مَعَ الِابْنِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا كَانَتْ أُمَّ الْأَبِ أَوِ الْجَدِّ، أَمَّا لَوْ كَانَ ابْنُهَا عَمًّا لِلْمَيِّتِ أَوْ عَمَّ أَبٍ، فَلَا خِلَافَ فِي تَوْرِيثِهَا، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَتَبِعَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْلِي بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 وَإِذَا اجْتَمَعَتْ جَدَّةٌ ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ مَعَ أُخْرَى، فَلَهَا ثُلُثَا السُّدُسِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَلِلْأُخْرَى ثُلُثُهُ.   [المبدع في شرح المقنع] مَسَائِلُ: أُمُّ أَبٍ وَأَبٌ، لَهَا السُّدُسُ عَلَى الْأُولَى، وَالْبَاقِي لَهُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ الْكُلُّ لَهُ. أُمُّ أَبٍ، وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ، فَعَلَى الْأُولَى السُّدُسُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ هُوَ لِأُمِّ الْأُمِّ، وَقِيلَ: نِصْفُهُ مُعَادَةً، وَالْبَاقِي لَهُ. أُمُّ أَبٍ، وَأُمُّ أُمِّ أُمٍّ، وَأَبٌ. السُّدُسُ لِأُمِّ الْأَبِ، وَمَنْ حَجَبَ الْجَدَّةَ بِابْنِهَا، أَسْقَطَ أُمَّ الْأَبِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ، فَقِيلَ: السُّدُسُ كُلُّهُ لِأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الَّتِي كَانَتْ تَحْجُبُهَا أَوْ تُزَاحِمُهَا قَدْ سَقَطَ حُكْمُهَا، فَصَارَتْ كَالْمُعْدَمَةِ، وَقِيلَ: بَلْ لَهَا نِصْفُ السُّدُسِ، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا انْحَجَبَتْ بِأُمِّ الْأَبِ، ثُمَّ انْحَجَبَتْ أُمُّ الْأَبِ بِالْأَبِ، فَصَارَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْأَبِ. (وَإِذَا اجْتَمَعَتْ جَدَّةٌ ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ ابْنُ ابْنِ الْمَرْأَةِ بِنْتَ بِنْتِهَا، فَيُولَدُ لَهُمَا وَلَدٌ، فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ أُمَّ أَبٍ وَأُمَّ أَبِي أَبِيهِ (مَعَ أُخْرَى، فَلَهَا) أَيْ: فِلِذَاتِ الْقَرَابَتَيْنِ (ثُلُثَا السُّدُسِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ) أَيْ: قَوْلِ أَحْمَدَ (وَلِلْأُخْرَى ثُلُثُهُ) كَذَلِكَ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَنِيُّ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا أَخَذَا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَجُوسِ، أَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِجَمِيعِ قَرَابَتِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا أَرَادَا بِذَلِكَ قِيَاسَهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي ابْنِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ زَوْجًا أَوْ أَخًا لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا شَخْصٌ ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ تَرِثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً، فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَ بِهِمَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَتَيْنِ إِذَا كَانَتَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ تَرِثْ بِهِمَا جَمِيعًا، كَالْأَخِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ، فَإِنَّ الْأَخَ مِنَ الْأَبَوَيْنِ تَرَجَّحَ بِقَرَابَتِهِ عَلَى الْأَخِ مِنَ الْأَبِ، وَعَنْهُ: بِأَقْوَاهُمَا، فَلَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمَّتِهِ فَجَدَّتُهُ أُمُّ أُمِّ أُمِّ وَلَدِهِمَا، وَأُمُّ أَبِي أَبِيهِ. بِنْتُ خَالَتِهِ فَجَدَّتُهُ أُمُّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ، فَإِنْ أَدْلَتِ الْجَدَّةُ بِثَلَاثِ جِهَاتٍ، تَرِثُ بِهَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تُجْمَعَ مَعَهَا جَدَّةٌ أُخْرَى وَارِثَةٌ عِنْدَ مَنْ لَا يُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 فَصْلٌ وَلِلْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ النِّصْفُ، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا، فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ، وَبَنَاتُ الِابْنِ   [المبدع في شرح المقنع] [فَرْضُ الْبَنَاتِ] فَصْلٌ (وَلِلْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ) مِنَ الصُّلْبِ (النِّصْفُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وَقَضَاؤُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وَهُوَ إِجْمَاعٌ إِلَّا رِوَايَةً شَذَّتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الِاثْنَتَيْنِ فَرْضُهُمَا النِّصْفُ أَخْذًا بِالْمَفْهُومِ، وَالْآيَةُ ظَاهِرَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا زَادَ عَلَى اثْنَتَيْنِ، وَوَجْهُ دَلَالَتِهَا عَلَيْهِمَا أَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ جَابِرٌ، قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ: هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدٍ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَابْنُ عَمِّهِمَا أَخَذَ مَالَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا شَيْئًا مِنْ مَالٍ، قَالَ: " يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ "، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عَمِّهِمَا، فَقَالَ: أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَوَقَعَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ قَالَ لِأَخِي سَعْدٍ، فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى فَرْضِ مَا زَادَ عَلَى الِاثْنَتَيْنِ، وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى فَرْضِ الِاثْنَتَيْنِ، فَهَذَا مِنَ السُّنَّةِ بَيَانٌ وَنَسْخٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَوْرِيثِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَ {فَوْقَ} [النساء: 11] فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، ادُّعِيَ زِيَادَتُهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] أَيْ: اضْرِبُوا الْأَعْنَاقَ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَجَمَاعَةٌ، إِذِ الْأَسْمَاءُ لَا تَجُوزُ زِيَادَتُهَا لِغَيْرِ مَعْنًى، وَ (فَوْقَ) فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] غَيْرُ زَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ يَكُونُ فِي أَعْلَى الْعُنُقِ فِي الْمَفْصِلِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَ، وَلِأَنَّ الْأَخَوَاتِ أَضْعَفُ مِنَ الْبَنَاتِ، وَقَدْ جَعَلَ لِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ أَيْضًا مَعَ بُعْدِ الدَّرَجَةِ، فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ مَعَ قُرْبِ الدَّرَجَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَاخْتُلِفَ فِيمَا ثَبَتَ بِهِ فَرْضُ الِاثْنَتَيْنِ، فَقِيلَ: بِالْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ حُكْمَ الْبِنْتِ وَحُكْمَ الثَّلَاثِ بَنَاتٍ دُونَ حُكْمِ الْبِنْتَيْنِ، وَذَكَرَ حُكْمَ الْأُخْتِ وَالْأُخْتَيْنِ دُونَ مَا زَادَ، فَوَجَبَ حَمْلُ كُلٍّ مِنَ الْآيَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لِظُهُورِ الْمَعْنَى، وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الْقِيَاسِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 بِمَنْزِلَةِ الْبَنَاتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَنَاتٌ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتٌ وَبَنَاتُ ابْنٍ، فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبَنَاتِ الِابْنِ - وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ، فَيُعَصِّبُهُنَّ فِيمَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنِ اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: بِالسُّنَّةِ، وَقِيلَ: بِالْبَيِّنَةِ، وَقِيلَ: بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ: بِالْقِيَاسِ، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَجَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، لَكِنْ قَالَ الشَّرِيفُ الْأُرْمَوِيُّ: صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَصَارَ إِجْمَاعًا، إِذِ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ حُجَّةٌ. وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَهُوَ لَوْ كَانَ مَعَ وَاحِدَةٍ كَانَ حَظُّهَا الثُّلُثَ، فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ يَجِبَ لَهَا مَعَ أُخْتِهَا. 1 - (وَبَنَاتُ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ الْبَنَاتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَنَاتٌ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ بِنْتَ الِابْنِ بِنْتُهُ، كَمَا أَنَّ ابْنَ الِابْنِ ابْنُهُ، وَلِدُخُولِهِ فِي الْمَنْصُوصِ، سَوَاءً كَانَتْ بَنَاتُ الِابْنِ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ أَوْ آبَاءٍ، فَإِنَّهُنَّ يَشْتَرِكْنَ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: إِذَا لَمْ يَكُنْ بِنْتَانِ؛ لِأَنَّ بَنَاتَ الِابْنِ لَا يَرِثْنَ مَعَ الْبِنْتَيْنِ شَيْئًا، (فَإِنْ كَانَتْ بِنْتٌ وَبَنَاتُ ابْنٍ، فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبَنَاتِ الِابْنِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ) ، بِالْإِجْمَاعِ، وَاخْتَصَّتِ الْبِنْتُ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ لَهَا، وَالِاسْمُ يَتَنَاوَلُهَا حَقِيقَةً فَبَقِيَ السُّدُسُ لِبَنَاتِ الِابْنِ تَمَامَ الثُّلُثَيْنِ وَعَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: «سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ، وَابْنَةِ ابْنٍ، وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَائْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي، فَسَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذَنْ، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ، فَلِلْأُخْتِ، فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى، فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ) أَيْ: مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ (ذَكَرٌ) فِي دَرَجَتِهِنَّ (فَيُعَصِّبُهُنَّ فِيمَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةَ، وَانْفَرَدَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لِبَنَاتِ الِابْنِ الْأَضَرُّ بِهِنَّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ أَوِ السُّدُسِ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ بِنْتَ الِابْنِ لَا يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 الثُّلُثَيْنِ، سَقَطَ بَنَاتُ الِابْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ فَيُعَصِّبُهُنَّ فِيمَا بَقِيَ. فَصْلٌ: وَفَرْضُ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ مِثْلُ فَرْضِ الْبَنَاتِ سَوَاءً، فَإِنْ كَانَ لَهُ أُخْتٌ، فَلَهَا النِّصْفُ مِمَّا تَرَكَ، وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبِ مَعَهُنَّ كَبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْبَنَاتِ سَوَاءً، إِلَّا أَنَّهُنَّ لَا   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ، وَقَدْ نَاقَضَ فِي الْمُقَاسَمَةِ إِذَا كَانَ يَضُرُّ بِهِنَّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَهُنَّ السُّدُسَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (وَإِنِ اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ سَقَطَ بَنَاتُ الِابْنِ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ لِلْأَوْلَادِ إِذَا كَانُوا نِسَاءً إِلَّا الثُّلُثَيْنِ، قَلِيلَاتٍ كُنَّ أَوْ كَثِيرَاتٍ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَخْرُجْنَ عَنْ كَوْنِهِنَّ نِسَاءً مِنَ الْأَوْلَادِ، وَقَدْ ذَهَبَ الثُّلُثَانِ، وَالْمُشَارَكَةُ مُمْتَنِعَةٌ؛ لِأَنَّهُنَّ دُونَ دَرَجَتِهِنَّ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ) كَأَخِيهِنَّ أَوِ ابْنِ عَمِّهِنَّ، أَوْ أُنْزِلَ مِنْهُنَّ كَابْنِ أَخِيهِنَّ أَوِ ابْنِ عَمِّهِنَّ أَوِ ابْنِ ابْنِ عَمِّهِنَّ (فَيُعَصِّبُهُنَّ فِيمَا بَقِيَ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، هَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ غَيْرِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ، فَإِنَّهُ خَالَفَ الصَّحَابَةَ فِي سِتِّ مَسَائِلَ هَذِهِ إِحْدَاهُنَّ فَجَعَلَ الْبَاقِيَ لِلذَّكَرِ دُونَ أَخَوَاتِهِ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَرِثْنَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثَيْنِ بِدَلِيلِ مَا لَوِ انْفَرَدْنَ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ قَدْ دَخَلْنَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] بِدَلِيلِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُنَّ، لَوْ لَمْ يَكُنْ بَنَاتٌ، وَعَدَمُ الْبَنَاتِ لَا يُوجِبُ لَهُنَّ هَذَا الِاسْمَ، وَلِأَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى يَقْتَسِمُونَ الْمَالَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ يَجِبُ أَنْ يُقَسِّمَهَا الْفَاضِلُ عَنْهُ كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَالْإِخْوَةِ مَعَ الْأَخَوَاتِ. [فَرْضُ الْأَخَوَاتِ] فَصْلٌ (وَفَرْضُ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ مِثْلُ فَرْضِ الْبَنَاتِ سَوَاءً) إِجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبِ مَعَهُنَّ كَبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْبَنَاتِ سَوَاءً) فَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ لَهَا النِّصْفُ، وَأُخْتٌ أَوْ أَخَوَاتٌ مِنْ أَبٍ لَهُنَّ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، فَإِنِ اسْتَكْمَلَ الْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، سَقَطَ الْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 يُعَصِّبُهُنَّ إِلَّا أَخُوهُنَّ، وَالْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ يَرِثْنَ مَا فَضَلَ كَالْإِخْوَةِ، وَلَيْسَتْ لَهُنَّ مَعَهُنَّ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ. فَصْلٌ وَلِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، فَلَهُمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَرْضِ الْأَخَوَاتِ شَيْءٌ (إِلَّا أَنَّهُنَّ لَا يُعَصِّبُهُنَّ إِلَّا أَخُوهُنَّ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُودٍ وَأَتْبَاعِهِ، فَقَالَ: إِذَا اسْتَكْمَلَ الْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، فَالْبَاقِي لِلذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَجَعَلَ لَهُنَّ الْأَضَرَّ بِهِنَّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ أَوِ السُّدُسَ، وَالْبَاقِي لِلذُّكُورِ كَمَا فَعَلَ فِي وَلَدِ الِابْنِ مَعَ الْبَنَاتِ، وَهُنَا لَا يُعَصِّبُهَا إِلَّا أَخُوهَا، فَلَوِ اسْتَكْمَلَ الْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَثَمَّ أَخَوَاتٌ لِأَبٍ وَابْنُ أَخٍ لَهُنَّ، لَمْ يَكُنْ لِلْأَخَوَاتِ شَيْءٌ، وَكَانَ الْبَاقِي لِابْنِ أَخٍ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّ ابْنَ الِابْنِ ابْنٌ، وَإِنْ نَزَلَ، وَابْنُ الْأَخِ لَيْسَ بِأَخٍ، (وَالْأَخَوَاتُ) مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبِ (مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ يَرِثْنَ مَا فَضَلَ كَالْإِخْوَةِ) فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا شَيْءَ لِلْأَخَوَاتِ، وَقَالَ فِي بِنْتٍ وَأُخْتٍ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ؟ يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] فَجَعَلَ لَهَا النِّصْفَ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُخْتَ لَا يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ مَعَ الْوَلَدِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ بِالتَّعْصِيبِ، كَالْأَخِ (وَلَيْسَتْ لَهُنَّ مَعَهُنَّ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ) وَقَدْ وَافَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى ثُبُوتِ مِيرَاثِ الْأَخِ مَعَ الْوَلَدِ، مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ الْأَخُ لِاشْتِرَاطِهِ فِي تَوْرِيثِهَا مِنْهَا عَدَمَ الْوَلَدِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَالْمُبَيِّنُ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ جَعَلَ لِلْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ، وَبِنْتِ الِابْنِ الْبَاقِي عَنْ فَرْضِهِمَا، وَهُوَ الثُّلُثُ. [أَحْوَالُ وَلَدِ الْأُمِّ] فَصْلٌ (وَلِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَدُ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعْدٍ: (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ) ؛ (فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَلَهُمُ الثُّلُثُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] (بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ) إِذِ الشَّرِكَةُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ كَمَا لَوْ وَصَّى أَوْ أَقَرَّ لَهُمْ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إِلَّا رِوَايَةً شَذَّتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَضَّلَ الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً} [النساء: 176] الْآيَةَ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ، أَوِ الْأَبُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلٍ شَاذٍّ. تَنْبِيهٌ: الْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ مَا عَدَا الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ، نُصَّ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنِ الصِّدِّيقِ، وَقَالَهُ زَيْدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَالْكُوفَةِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ: وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ ... عَنِ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْإِكْلِيلِ الَّذِي يُحِيطُ بِالرَّأْسِ، وَلَا يَعْلُو عَلَيْهِ، فَكَأَنَّ الْوَرَثَةَ مَا عَدَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ، قَدْ أَحَاطُوا بِالْمَيِّتِ مِنْ حَوْلِهِ، لَا مِنْ طَرَفِهِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، كَإِحَاطَةِ الْإِكْلِيلِ بِالرَّأْسِ، فَأَمَّا الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ، فَهُمَا طَرَفَا الرَّجُلِ، فَإِذَا ذَهَبَا كَانَ بَقِيَّةُ النَّسَبِ كَلَالَةً، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْكَلَالَةُ الْمَيِّتُ نَفْسُهُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ، وَقِيلَ: الْكَلَالَةُ قَرَابَةُ الْأُمِّ، وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْمَيِّتُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ كَلَالَةٌ، وَيُسَمَّى وَارِثُهُ كَلَالَةً، وَلَا خِلَافَ أَنَّ اسْمَ الْكَلَالَةِ يَقَعُ عَلَى الْإِخْوَةِ مِنَ الْجِهَاتِ كُلِّهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ يَسْقُطُ الْجَدُّ بِالْأَبِ، وَكُلُّ جَدٍّ بِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَالْجَدَّاتُ بِالْأُمِّ، وَوَلَدُ الِابْنِ   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ] فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ الْحَجْبُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِجَابِ، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنَ الْمِيرَاثِ بِوُجُودِ وَارِثٍ أَقْرَبَ مِنْهُ يَمْنَعُهُ مِنْ كُلِّ الْمِيرَاثِ أَوْ بَعْضِهِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ حَاجِبُ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ إِلَيْهِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ: حَجْبُ نُقْصَانٍ، كَحَجْبِ الزَّوْجِ مِنَ النِّصْفِ إِلَى الرُّبُعِ بِالْوَلَدِ، وَالزَّوْجَةِ مِنَ الرُّبُعِ إِلَى الثُّمُنِ بِهِ، وَالْأُمِّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، وَحَجْبُ حِرْمَانٍ: وَهُوَ أَنْ يُسْقِطَ الشَّخْصُ غَيْرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا (يَسْقُطُ الْجَدُّ بِالْأَبِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِهِ، وَمَنْ أَدْلَى بِشَخْصٍ لَا يَرِثُ مَعَ وُجُودِهِ إِلَّا وَلَدَ الْأُمِّ (وَكُلُّ جِدٍّ) يَسْقُطُ (بِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ يُدْلِي بِهِ، فَهُوَ كَإِسْقَاطِ الْجَدِّ بِالْأَبِ (وَالْجَدَّاتِ بِالْأُمِّ) سَوَاءً كُنَّ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوِ الْأُمِّ، بِلَا خِلَافٍ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ الْجَدَّاتِ يَرِثْنَ بِالْوِلَادَةِ، فَكَانَتِ الْأُمُّ أَوْلَى مِنْهُنَّ؛ لِمُبَاشَرَتِهَا الْوِلَادَةَ (وَوَلَدُ الِابْنِ بِالِابْنِ) بِالْإِجْمَاعِ لِقُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ أَبًا، فَهُوَ يُدْلِي بِهِ، فَسَقَطَ بِهِ كَمَا يُسْقِطُ الْأَبُ الْجَدَّ، وَإِنْ كَانَ عَمَّهُ، فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، فَيَسْقُطُ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَلْحِقُوا. . . .» الْخَبَرَ (وَوَلَدُ الْأَبَوَيْنِ بِثَلَاثَةٍ: بِالِابْنِ وَابْنِهِ وَالْأَبِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ إِرْثَهُمْ فِي الْكَلَالَةِ، وَهِيَ اسْمٌ لِمَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ. (وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبِ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ) لِأَنَّهُمْ إِذَا حَجَبُوا الشَّقِيقَ، فَهُوَ أَوْلَى (وَبِالْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ) لِقُوَّتِهِ بِزِيَادَةِ الْقُرْبِ، وَعَنْ عَلِيٍّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَأَنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ، يَرِثُ الرَّجُلُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 بِالِابْنِ، وَوَلَدُ الْأَبَوَيْنِ بِثَلَاثَةٍ: بِالِابْنِ وَابْنِهِ وَالْأَبِ، وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبِ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَبِالْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأُمِّ بِأَرْبَعَةٍ بِالْوَلَدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَوَلَدِ الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ.   [المبدع في شرح المقنع] دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ. وَعَنْ أَحْمَدَ يَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ، وَالْأَبُ بِجَدٍّ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، كَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ وَالْآجُرِّيِّ، لَكِنْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَيْسَ الْجَدُّ أَبًا فِي قَوْلِ زَيْدٍ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» ، إِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. (وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأُمِّ بِأَرْبَعَةٍ بِالْوَلَدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَوَلَدِ الِابْنِ، وَالْأَبِ وَالْجَدِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} [النساء: 12] وَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا، فَقَالَ: «أَمَا سَمِعْتَ الْآيَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] وَهِيَ مَنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَرِثُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا، وَالْجَدُّ أَبٌ، وَوَلَدُ الِابْنِ ابْنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ: لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْأَخَوَيْنِ الثُّلُثُ، وَقِيلَ عَنْهُ: لَهُمَا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْإِخْوَةُ كُلُّهُمْ بِالْجَدِّ، فَكَيْفَ يُوَرِّثُهُمْ مَعَ الْأَبِ. فَرْعٌ: مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ، نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِي أَخٍ مَمْلُوكٍ، وَابْنِ أَخٍ حُرٍّ: الْمَالُ لِابْنِ أَخِيهِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ. أَصْلٌ: مِنَ الْوَرَثَةِ مَنْ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ، وَهُوَ الزَّوْجَانِ، وَالْأَبَوَانِ، وَالِابْنُ، وَالْبِنْتُ؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 بَابُ الْعَصَبَاتِ وَهُمْ عَشَرَةٌ: الِابْنُ، وَابْنُهُ، وَالْأَبُ، وَأَبُوهُ، وَالْأَخُ، وَابْنُهُ إِلَّا مِنَ الْأُمِّ، وَالْعَمُّ، وَابْنُهُ كَذَلِكَ، وَمَوْلَى النِّعْمَةِ، وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبُهُمْ، وَيَسْقُطُ بِهِ مَنْ بَعُدَ، وَأَقْرَبُهُمُ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ لَا حَاجِبَ لَهُمْ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْإِرْثِ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ لَا يَسْقُطُ إِرْثُهُ بِحَالٍ. [بَابُ الْعَصَبَاتِ] وَهُوَ جَمْعُ عَصَبَةٍ، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْعَصَبِ، وَهُوَ الْمَنْعُ، سُمِّيَتِ الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ؛ لِتَقَوِّي بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَنَعَةٌ بِالْآخَرِ، وَقِيلَ: الْعَصَبَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْعِصَابَةِ، وَهِيَ الْعِمَامَةُ؛ لِأَنَّهَا تُحِيطُ بِجَمِيعِ الرَّأْسِ، كَذَلِكَ الْعَصَبَةُ يُحِيطُونَ بِالْمَيِّتِ مِنَ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا، وَقِيلَ: أَصْلُهَا الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ، وَمِنْهُ عَصَبُ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ مُعِينٌ لَهُ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْمُدَافَعَةِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ الْوَارِثُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ، أَوْ مَنْ يُحْرِزُ الْمَالَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ كَالْمُعْتَقِ، وَكُلُّ ذَكَرٍ بِسَبَبٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أُنْثَى كَالِابْنِ، وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ كَالْبِنْتِ، وَبِنْتِ الِابْنِ، وَالْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ، وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ، كَلٌّ بِأَخِيهَا، وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ كَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ. (وَهُمْ عَشَرَةٌ: الِابْنُ، وَابْنُهُ، وَالْأَبُ، وَأَبُوهُ، وَالْأَخُ، وَابْنُهُ إِلَّا مِنَ الْأُمِّ) لِأَنَّ الْأَخَ مِنَ الْأُمِّ صَاحِبُ فَرْضٍ، وَابْنُ الْأَخِ مِنَ الْأُمِّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَالْعَمُّ وَابْنُهُ كَذَلِكَ) أَيْ: مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبِ، وَأَمَّا الْعَمُّ مِنَ الْأُمِّ، وَابْنُ الْعَمِّ مِنَ الْأُمِّ، فَلَيْسَا عَصَبَةً؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، (وَمَوْلَى النِّعْمَةِ) ، أَيِ: الْمُعْتِقُ (وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ) أَيِ: الْمُعْتِقَةُ (وَأَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبُهُمْ وَيَسْقُطُ بِهِ) أَيْ: بِالْأَقْرَبِ (مَنْ بَعُدَ) وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَأَقْرَبُهُمُ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ نَزَلَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] وَالْعَرَبُ تَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ، إِذِ الْفَرْعُ أَقْرَبُ مِنَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ جُزْءُ الْمَيِّتِ، وَجُزْءُ الشَّيْءِ أَقْرَبُ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ، وَاعْتُبِرَ بِالْجُزْءِ الْمُتَّصِلِ، فَإِنَّ إِصْبَعَكَ جُزْؤُكَ الْمُتَّصِلُ، فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ أَصْلِكَ بِالْجِنْسِ فَكَذَلِكَ جُزْؤُكَ الْمُنْفَصِلُ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْفَصِلَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمَا جُزْءٌ وَاحِدٌ لَا فَرْقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 نَزَلَ، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ مِنَ الْأَبِ، ثُمَّ مِنِ ابْنِ الْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ مِنَ الْأَبِ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ الْأَعْمَامُ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ كَذَلِكَ وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ،   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَهُمَا، فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُتَّصِلَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ أَصْلِهِ، فَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ كَذَلِكَ، وَابْنُ الِابْنِ مُلْحَقٌ بِهِ إِجْمَاعًا، وَإِنْ قُلْنَا: لَفْظُ الْوَلَدِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ (ثُمَّ الْأَبُ) لِأَنَّ سَائِرَ الْعَصَبَاتِ يُدْلُونَ بِهِ (ثُمَّ الْجَدُّ) لِأَنَّهُ أَبٌ، وَلَهُ إِيلَادٌ وَتَعْصِيبٌ (وَإِنْ عَلَا) مَا لَمْ يَكُنْ إِخْوَةٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا، فَلَهُمْ حُكْمُ مَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: الْجَدُّ يُفَارِقُ الْأَبَ فِي مَسَائِلَ: الْأَبُ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ، وَالْجَدُّ يُقَاسِمُهُمْ، الْأَبُ يَرُدُّ الْأُمَّ فِي الْعُمَرِيَّتَيْنِ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى ثُلُثِ الْبَاقِي، وَلَا يَرُدُّهَا الْجَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِيهَا فِي الدَّرَجَةِ، الْأَبُ يُسْقِطُ الْجَدَّ، وَلَا يَسْقُطُ هُوَ بِحَالٍ (ثُمَّ الْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ) لِأَنَّهُ جُزْءُ أَبِيهِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ مِنَ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي قَرَابَةِ الْأَبِ، وَتَرَجَّحَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ، (ثُمَّ مِنَ الْأَبِ) ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، (ثُمَّ مِنِ ابْنِ الْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِأَبِيهِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ تَقْدِيمَ الْأَخِ مِنَ الْأَبِ عَلَيْهِ (ثُمَّ) ابْنُ الْأَخِ (مِنَ الْأَبِ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ، وَإِنْ نَزَلُوا) لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِهِمْ، وَقُدِّمُوا عَلَى الْأَعْمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ وَأَوْلَادَهُمْ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ، وَالْأَعْمَامَ مِنْ وَلَدِ الْجَدِّ. (ثُمَّ الْأَعْمَامُ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ كَذَلِكَ) أَيِ الْأَعْمَامُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ يُقَدَّمُونَ عَلَى الْأَعْمَامِ مِنَ الْأَبِ، وَابْنُ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمِّ مِنَ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِمَنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ (ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ) لِمَا ذَكَرْنَا (ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ كَذَلِكَ) لَا يَرِثُ بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ، وَإِنْ (نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ) نُصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ، فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ: «مَا أَبْقَتِ الْفُرُوضُ، فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَأَوْلَى هُنَا بِمَعْنَى أَقْرَبَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَحَقَّ، لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِبْهَامِ وَالْجَهَالَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ هُوَ الْأَحَقُّ، وَقَوْلُهُ: " ذَكَرٍ "، هُوَ تَأْكِيدٌ أَوِ احْتِرَازٌ مِنَ الْخُنْثَى، أَوْ لِاخْتِصَاصِ الرِّجَالِ بِالتَّعْصِيبِ، فَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً، وَأَبُوهُ ابْنَتَهَا، فَوَلَدُ الْأَبِ عَمٌّ، وَوَلَدُ الِابْنِ خَالٌ، فَيَرِثُهُ الْخَالُ دُونَ الْعَمِّ، وَلَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 وَأَوْلَى وَلَدِ كُلِّ أَبٍ أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَوَوْا فَأَوْلَاهُمْ مَنْ كَانَ لِأَبَوَيْنِ، وَإِذَا انْقَرَضَ الْعَصَبَةُ مِنَ النَّسَبِ، وَرِثَ الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ، ثُمَّ عَصَبَاتُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الذُّكُورِ يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ، وَيَمْنَعُونَهُنَّ الْفَرْضَ، وَيَقْتَسِمُونَ مَا وَرِثُوا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهُمُ: الِابْنُ، وَابْنُهُ، وَالْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، وَالْأَخُ مِنَ الْأَبِ، وَمَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْعَصَبَاتِ، يَنْفَرِدُ الذُّكُورُ بِالْمِيرَاثِ دون الإناث، وَهُمُ الْإِخْوَةُ وَالْأَعْمَامُ وَبَنُوهُمْ، وَابْنُ الِابْنِ   [المبدع في شرح المقنع] خَلَّفَ أَخًا، وَابْنَ ابْنِهِ هَذَا، وَهُوَ أَخُو زَوْجَتِهِ، وَرِثَهُ دُونَ أَخِيهِ، وَيُعَايَا بِهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا: وَرِثَتْ زَوْجَةٌ ثُمُنَ التَّرِكَةِ، وَأَخُوهَا الْبَاقِي، فَلَوْ كَانَ الْإِخْوَةُ سَبْعَةً، وَرِثُوهُ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ نَكَحَ الْأُمَّ، فَوَلَدُهُ عَمُّ وَلَدِ الِابْنِ وَخَالِهِ، وَلَوْ نَكَحَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أُمَّ الْآخَرِ، فَهُمَا الْقَائِلَتَانِ: مَرْحَبًا بِابْنَيْنَا وَزَوْجَيْنَا، وَابْنَيْ زَوْجَيْنَا، وَوَلَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَمُّ الْآخَرِ. (وَأَوْلَى وَلَدِ كُلِّ أَبٍ أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ) حَتَّى فِي أُخْتٍ لِأَبٍ، وَابْنِ أَخٍ مَعَ بِنْتٍ، نُصَّ عَلَيْهِ (فَإِنِ اسْتَوَوْا، فَأَوْلَاهُمْ مَنْ كَانَ لِأَبَوَيْنِ) وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ، وَأَخٍ مِنْ أَبٍ مَعَ بِنْتٍ (وَإِذَا انْقَرَضَ الْعَصَبَةُ مِنَ النَّسَبِ وَرِثَ الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا تَرَى فِي مَالِهِ؟ فَقَالَ: إِذَا لَمْ يَدَعْ وَارِثًا، فَهُوَ لَكَ» (ثُمَّ عَصَبَاتُهُ مِنْ بَعْدِهِ) لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِهِ، الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ، ثُمَّ مَوْلَاهُ، وَلَا شَيْءَ لِمَوَالِي أَبِيهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ مُبَاشَرَةً، وَوَلَاءُ الْمُبَاشَرَةِ أَقْوَى، ثُمَّ الرَّدُّ، ثُمَّ الرَّحِمُ، وَعَنْهُ: تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَلَاءِ، وَعَنْهُ: الرَّدُّ بَعْدَ الرَّحِمِ، ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ بَعْدَهَا (وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الذُّكُورِ يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ، وَيَمْنَعُونَهُنَّ الْفَرْضَ، وَيَقْتَسِمُونَ مَا وَرِثُوا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهُمُ الِابْنُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةَ، فَجَعَلَ الْمِيرَاثَ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا لِلذَّكَرِ مِثْلَيِ الْأُنْثَى مِنْ غَيْرِ فَرْضٍ لَهَا، وَلَوْ كَانَتْ وَحْدَهَا لِفَرْضٍ لَهَا، وَلَوْ فُرِضَ لَهَا مَعَهُ لَأَدَّى إِلَى تَفْضِيلِهَا عَلَيْهِ، أَوِ الْمُسَاوَاةِ أَوِ الْإِسْقَاطِ، فَكَانَتِ الْمُقَاسَمَةُ أَعْدَلَ (وَابْنُهُ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ (وَالْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَخُ مِنَ الْأَبِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] وَلَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً، لَفُرِضَ لَهَا، وَلِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَمَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْعَصَبَاتِ يَنْفَرِدُ الذُّكُورُ بِالْمِيرَاثِ دُونَ الْإِنَاثِ) أَيْ: لَا حَقَّ لَهُنَّ فِيهِ مَعَهُمْ (وَهُمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 يُعَصِّبُ مَنْ بِإِزَائِهِ مِنْ أَخَوَاتِهِ وَبَنَاتِ عَمِّهِ، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَيُعَصِّبُ مَنْ أَعْلَى مِنْهُ مِنْ عَمَّاتِهِ، وَبَنَاتِ عَمِّ أَبِيهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ فَرْضٌ، وَلَا يُعَصِّبُ مَنْ أُنْزِلَ مِنْهُ، وَكُلَّمَا نَزَلَتْ دَرَجَتُهُ زَادَ فِيمَنْ يُعَصِّبُهُ قَبِيلٌ آخَرُ، وَمَتَى كَانَ بَعْضُ بَنِي الْأَعْمَامِ زَوْجًا أَوْ أَخًا لِأُمٍّ، أَخَذَ فَرْضَهُ، وَشَارَكَ الْبَاقِينَ فِي تَعْصِيبِهِمْ وَإِذَا اجْتَمَعَ ذُو فَرْضٍ   [المبدع في شرح المقنع] بَنُو الْإِخْوَةِ، وَالْأَعْمَامِ، وَبَنُوهُمْ) لِأَنَّ أَخَوَاتِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ بِذَوَاتِ فَرْضٍ، وَلَا يَرِثْنَ مُنْفَرِدَاتٍ، فَلَا يَرِثْنَ مَعَ إِخْوَتِهِنَّ شَيْئًا، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَابْنُ الِابْنِ يُعَصِّبُ مَنْ بِإِزَائِهِ مِنْ أَخَوَاتِهِ، وَبَنَاتِ عَمِّهِ) لِأَنَّهُ ذَكَرٌ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] (وَيُعَصِّبُ مَنْ أَعْلَى مِنْهُ مِنْ عَمَّاتِهِ، وَبَنَاتِ عَمِّ أَبِيهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ فَرْضٌ) فَإِنَّهُ لَا يُعَصِّبُهُنَّ، بَلْ يَكُونُ بَاقِي الْمَالِ لَهُ، وَلَا يُشَارِكُ أَهْلَ الْفَرْضِ فِي فَرْضِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِ الْفَرْضِ (وَلَا يُعَصِّبُ مَنْ أُنْزِلَ مِنْهُ) لِأَنَّهُ لَوْ عَصَّبَهُ، لَاقْتَضَى مُشَارَكَتَهُ، وَالْأَبْعَدُ لَا يُشَارِكُ الْأَقْرَبَ (وَكُلَّمَا نَزَلَتْ دَرَجَتُهُ، زَادَ فِيمَنْ يُعَصِّبُهُ قَبِيلٌ) هُوَ الْجَمَاعَةُ تَكُونُ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا، وَالْجَمْعُ قُبُلٌ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (آخَرُ) لِأَنَّهُ يُعَصِّبُ مَنْ بِإِزَائِهِ فَيَزْدَادُ الْقَبِيلُ الَّذِي بِإِزَائِهِ، فَإِذَا خَلَّفَ خَمْسَ بَنَاتِ ابْنٍ، بَعْضُهُنَّ أَنْزَلُ مِنْ بَعْضٍ، لَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ، كَانَ لِلْعُلْيَا النِّصْفُ، وَلِلثَّانِيَةِ السُّدُسُ، وَسَقَطَ سَائِرُهُنَّ، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا أَخُوهَا أَوِ ابْنُ عَمِّهَا، فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَسَقَطَ سَائِرُهُنَّ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الثَّانِيَةِ عَصَبَتُهَا، كَانَ الْبَاقِي، وَهُوَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الثَّالِثَةِ فَالْبَاقِي، وَهُوَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الرَّابِعَةِ فَالْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْخَامِسَةِ، فَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ مِنَ الْخَامِسَةِ، فَكَذَلِكَ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا اخْتِلَافًا بِتَوْرِيثِ بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ بَنِي الِابْنِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الثُّلُثَيْنِ. مَسْأَلَةٌ: لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ مَنْ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَعَمَّتَهُ وَعَمَّةَ أَبِيهِ وَجَدَّهُ وَبَنَاتِ أَعْمَامِهِ وَبَنَاتِ أَعْمَامِ أَبِيهِ وَجَدَّهُ، إِلَّا الْمُسْتَقِلُّ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ (وَمَتَى كَانَ بَعْضُ بَنِي الْأَعْمَامِ زَوْجًا أَوْ أَخًا لِأُمٍّ، أَخَذَ فَرْضَهُ، وَشَارَكَ الْبَاقِينَ فِي تَعْصِيبِهِمْ) فِي قَوْلِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 وَعَصَبَةٍ بُدِئَ بِذِي الْفَرْضِ فَأَخَذَ فَرْضَهُ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَصَبَةِ، وَإِنِ اسْتَغْرَقَتِ الْفُرُوضُ   [المبدع في شرح المقنع] عَبَّاسٍ، وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَجَمْعٌ: الْمَالُ لِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَفَضَلَهُ بِأُمٍّ، فَصَارَا كَأَخَوَيْنِ، أَوْ عَمَّيْنِ، أَحَدُهُمَا لِأَبَوَيْنِ، وَالْآخَرُ لِأَبٍ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ يُفْرَضُ لَهَا بِهَذَا الرَّحِمِ، فَإِذَا أَخَذَ ذَلِكَ الْفَرْضَ، سَقَطَ هَذَا الرَّحِمُ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ الْعَمِّ الْآخَرِ، فَلَهُمَا مَا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ بَعْدَ الْفُرُوضِ، فَلَوْ كَانَ أَبْنَاءُ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا زَوْجٌ فَلَهُ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، فَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَخًا لِأُمٍّ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأَخِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأَخِ سَهْمَانِ، وَتَرْجِعُ إِلَى ثَلَاثَةٍ، وَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْبَاقِي لِلْأَخِ، فَتَكُونُ مِنِ اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَا ابْنَيْ عَمِّ أَحَدُهُمَا ابْنُ أَخٍ لِأُمٍّ، أَوِ ابْنُ أُخْتٍ لِأُمٍّ، الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَيْسَ لِهَذَا الَّذِي هُوَ ابْنُ أَخٍ، أَوِ ابْنُ أُخْتٍ لِأُمٍّ مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ. فَإِنْ قُلْتَ: أَلَيْسَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ابْنَ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ كَانَ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، وَإِذَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ أَدْلَى بِرَحِمِ جَدَّةِ الْمَيِّتِ أُمِّ أَبِيهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ ابْنُ أَخٍ يُدْلِي بِرَحِمِ أُمِّ الْمَيِّتِ، وَأُمُّ الْمَيِّتِ أَوْلَى مِنْ جَدَّتِهِ، فَهَلَّا كَانَ الَّذِي يُدْلِي بِرَحِمِهَا أَوْلَى مِمَّنْ يُدْلِي بِرَحِمِ الْجَدَّةِ؟ فَالْجَوَابُ: إِنَّمَا يَفْضُلُ بَعْضُ بَنِي الْأَبِ عَلَى سَائِرِهِمْ إِذَا أَدْلَى بِأُمٍّ هِيَ نَظِيرَةٌ لِلْأَبِ الَّذِي أَدْلَى بَعْضُهُمْ بِرَحِمِ أُمِّ غَيْرِ تِلْكَ الْأُمِّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ بِذَلِكَ مَزِيَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَقُولُ فِي ابْنِ عَمٍّ لِأَبٍ هُوَ خَالٌ مِنْ أُمٍّ، لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ بَنِي الْعَمِّ مِنَ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ يُدْلِي بِجَدَّةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِرَحِمِ أُمِّ الْأُمِّ، وَهِيَ غَيْرُ الْأُمِّ الَّتِي فِي حَدِّ جِهَةِ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِذَلِكَ مَزِيَّةٌ، وَلَوْ كَانَ لِذَلِكَ مَزِيَّةٌ، لَقُلْنَا فِي ابْنِ عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنِ عَمٍّ لِأَبٍ: هُوَ ابْنُ خَالٍ مِنْ أُمٍّ، الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، لِأَنَّهُمَا يُدْلِيَانِ بِجَدٍّ وَجَدَّةٍ، فَلَمَّا لَمْ يُقَلْ ذَلِكَ، عُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُدْلِيَ بِأُمٍّ هِيَ نَظِيرَةُ الْأَبِ الْمُدْلَى بِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُدْلِيَ بِأُمٍّ هِيَ غَيْرُهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ مِنْهَا إِلَى الْمَيِّتِ، ذَكَرَهُ الْوَنِّيُّ. وَمَحَلُّ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَنْ يُسْقِطُ الْأَخَ مِنَ الْأُمِّ، وَإِنْ كَانَا ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ وَبِنْتٌ، أَوْ بِنْتُ ابْنٍ، فَلِلْبِنْتِ أَوْ لِبِنْتِ الِابْنِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَسَقَطَ الْإِخْوَةُ مِنَ الْأُمِّ. 1 - (وَإِذَا اجْتَمَعَ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ، بُدِئَ بِذِي الْفَرْضِ، فَأَخَذَ فَرْضَهُ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَصَبَةِ) لِخَبَرِ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» (وَإِنِ اسْتَغْرَقَتِ الْفُرُوضُ الْمَالَ، فَلَا شَيْءَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 الْمَالَ، فَلَا شَيْءَ لِلْعَصَبَةِ، كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ وَإِخْوَةٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَسَقَطَ سَائِرُهُمْ، وَتُسَمَّى الْمُشْرَكَةُ وَالْحِمَارِيَّةُ إِذَا كَانَ فِيهَا إِخْوَةٌ لِأَبَوَيْنِ، وَلَا كَانَ مَكَانَهُمْ أَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ عَالَتْ إِلَى عَشَرَةٍ، وَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْفُرُوخِ.   [المبدع في شرح المقنع] لِلْعَصَبَةِ) لِأَنَّ الْعَاصِبَ يَرِثُ الْفَاضِلَ، وَلَا فَاضِلَ هُنَا (كَزَوْجٍ، وَأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ) الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، (لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَسَقَطَ سَائِرُهُمْ) أَيْ بَاقِيهِمْ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: الْكُلُّ يَشْتَرِكُونَ فِي الثُّلُثِ، وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ سَوِيَّةً، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَزَيْدٍ لِأَنَّهُمْ سَاوَوْا وَلَدَ الْأُمِّ فِي الْقَرَابَةِ، وَقَرَابَتُهُمْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ إِنْ لَمْ يَزِدْهُمْ قُرْبًا وَاسْتِحْقَاقًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْقِطَهُمْ (وَتُسَمَّى الْمُشَرَّكَةَ) أَيْ: بِفَتْحِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ التَّشْرِيكُ (وَالْحِمَارِيَّةَ إِذَا كَانَ فِيهَا إِخْوَةٌ لِأَبَوَيْنِ) ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْأَبَوَيْنِ لَمَّا أُسْقِطُوا، قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِعُمَرَ: هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا، فَمَا زَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا قُرْبًا فَشَرَّكَ بَيْنَهُمْ، قَالَ الْعَنْبَرِيُّ: الْقِيَاسُ مَا قَالَ عَلِيٌّ، وَالِاسْتِحْسَانُ: مَا قَالَ عُمَرُ، قَالَ الْخَبْرِيُّ: وَهَذِهِ وَسَاطَةٌ مَلِيحَةٌ، وَعِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ، إِلَّا أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ الْمُجَرَّدَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَمِنَ الْعَجَبِ ذَهَابُ الشَّافِعِيِّ إِلَيْهِ هَاهُنَا مَعَ تَخْطِئَتِهِ لِلذَّاهِبِينَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ قَوْلِهِ مَنِ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ (وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُمْ) أَيْ: مَكَانَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ (أَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ عَالَتْ إِلَى عَشَرَةٍ) أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ لِلْأَبِ الثُّلُثَانِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، فَتَصِيرُ عَشَرَةً (وَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْفُرُوخِ) ؛ لِأَنَّهَا عَالَتْ بِمِثْلَيْ ثُلُثِهَا، وَهِيَ أَكْثَرُ مَا تَعُولُ إِلَيْهِ الْفَرَائِضُ، سُمِّيَتِ الْأَرْبَعَةُ الزَّائِدَةُ بِالْفُرُوخِ، وَالسِّتَّةُ بِالْأُمِّ، وَتُسَمَّى الشُّرَيْحِيَّةُ؛ لِأَنَّ رَجُلًا أَتَى شُرَيْحًا، وَهُوَ قَاضٍ بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: مَا نَصِيبُ الزَّوْجِ مِنْ زَوْجَتِهِ؟ قَالَ: النِّصْفُ مَعَ غَيْرِ الْوَلَدِ، وَالرُّبُعُ مَعَهُ، فَقَالَ: امْرَأَتِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مَاتَتْ، وَخَلَّفَتْنِي، وَأُمَّهَا، وَأُخْتَيْهَا مِنْ أُمِّهَا، وَأُخْتَيْهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا، فَقَالَ: لَكَ إِذَنْ ثَلَاثَةٌ مِنْ عَشَرَةٍ فَخَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ عِنْدِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: لَمْ أَرَ كَقَاضِيكُمْ، لَمْ يُعْطِنِي نِصْفًا وَلَا رُبْعًا، فَكَانَ شُرَيْحٌ إِذَا لَقِيَهُ يَقُولُ: إِنَّكَ تَرَانِي حَاكِمًا ظَالِمًا، وَأَرَاكَ فَاسِقًا فَاجِرًا؛ لِأَنَّكَ تَكْتُمُ الْقَضِيَّةَ وَتُشِيعُ الْفَاحِشَةَ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: أُمُّ الْأَرَامِلِ، وَهِيَ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ، وَجَدَّتَانِ، وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ، وَثَمَانِ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ كُلَّهُنَّ إِنَاثٌ، وَتُسَمَّى الْمُسْبِعَةُ وَالدِّينَارِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمُعَايَاةِ: مَاتَ مَيِّتٌ، وَخَلَّفَ وَرَثَةً، وَسَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا، صَارَ لِكُلِّ امْرَأَةٍ دِينَارٌ وَاحِدٌ، فَأَصْلُهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَيُعَايَا بِهَا، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: قُلْ لِمَنْ يُقَسِّمُ الْفَرَائِضَ وَاسْأَلْ ... إِنْ سَأَلْتَ الشُّيُوخَ وَالْأَحْدَاثَا مَاتَ مَيِّتٌ عَنْ سَبْعَ عَشْرَةَ أُنْثَى ... مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى فَحُزْنَ التُّرَاثَا أَخَذْتَ هَذِهِ كَمَا أَخَذْتَ تِلْ ... كَ عَقَارًا , وَدِرْهَمًا , وَأَثَاثَا الثَّانِيَةُ: الدِّينَارِيَّةُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ، وَأُمٌّ، وَبِنْتَانِ، وَاثْنَا عَشَرَ أَخًا، وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَلِيٍّ: إِنَّ أَخِي مِنْ أَبِي وَأُمِّي مَاتَ، وَتَرَكَ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ، وَأَصَابَنِي مِنْهُ دِينَارٌ وَاحِدٌ، فَقَالَ: لَعَلَّ أَخَاكِ خَلَّفَ مِنَ الْوَرَثَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: قَدِ اسْتَوْفَيْتِ حَقَّكِ، فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتِّمِائَةٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ أَنَّهَا تُسَمَّى الْعَامِرِيَّةَ، فَإِنَّ الْأُخْتَ سَأَلَتْ عَامِرًا الشَّعْبِيَّ فَأَجَابَ بِمَا تَقَدَّمَ. الثَّالِثَةُ: مَسْأَلَةُ الِامْتِحَانِ، وَهِيَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَخَمْسُ جَدَّاتٍ، وَسَبْعُ بَنَاتٍ، وَتِسْعَةُ إِخْوَةٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمُعَايَاةِ: مَاتَ رَجُلٌ، وَخَلَّفَ وَرَثَةً عَدَدُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ، فَلَمْ تَصِحَّ مَسْأَلَتُهُمْ إِلَّا مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَهْمًا، وَجُزْءُ السَّهْمِ فِيهَا أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَسِتُّونَ. الرَّابِعَةُ: ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ لِأَبَوَيْنِ، أَصْغَرُهُمْ زَوْجٌ لَهُ ثُلُثَانِ، وَلَهُمَا ثُلُثٌ، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ ... وَكُلُّهُمُ إِلَى خَيْرٍ فَقِيرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 بَابُ أُصُولِ الْمَسَائِلِ الْفُرُوضُ سِتَّةٌ، وَهِيَ نَوْعَانِ: نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ وَثُلُثَانِ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ، وَهِيَ   [المبدع في شرح المقنع] فَحَازَ الْأَكْبَرَانِ هُنَاكَ ثُلْثًا ... وَبَاقِي الْمَالِ أَحْرَزَهُ الصَّغِيرُ الْخَامِسَةُ: امْرَأَةٌ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ وَلَدًا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِأَخِيهِ لِأَبِيهِ، وَلَهُ خَمْسَةُ ذُكُورٍ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ مِثْلَهُمْ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ مِثْلَهُمْ، ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهَا الْأَوَّلُ، وَرِثَ خَمْسَةٌ نِصْفًا، وَخَمْسَةٌ ثُلُثًا، وَخَمْسَةٌ سُدُسًا، وَيُعَايَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: خَمْسَةَ عَشَرَ ذُكُورًا وَرِثُوا مَالَ مَيِّتٍ لِذَلِكَ، فَأَوْلَادُ الزَّوْجِ الثَّانِي مِنْهَا، هُمْ إِخْوَةٌ لِأُمٍّ، وَأَوْلَادُ عَمِّهِ وَأَوْلَادُهُ مِنْ غَيْرِهَا أَوْلَادُ عَمٍّ فَقَطْ، وَأَوْلَادُهَا مِنَ الْأَجْنَبِيِّ إِخْوَةٌ لِأُمٍّ فَقَطْ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَلَاثِينَ. [بَابُ أُصُولِ الْمَسَائِلِ] ِ وَمَعْنَى أُصُولِ الْمَسَائِلِ: الْمَخَارِجُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهَا فُرُوضُهَا، وَالْمَسَائِلُ جَمْعُ مَسْأَلَةٍ، وَهُوَ مَصْدَرُ سَأَلَ سُؤَالًا وَمَسْأَلَةً، فَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ بِمَعْنَى مَسْأَلَةٍ، أَيْ مَسْئُولَةٍ بِمَعْنَى سَأَلَ عَنْهَا، وَفِيهِ الْعَوْلُ أَيْضًا، يُقَالُ: عَالَتْ، أَيْ: ارْتَفَعَتْ، وَهُوَ ازْدِحَامُ الْفَرَائِضِ، بِحَيْثُ لَا يَتَّسِعُ لَهَا الْمَالُ، فَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، وَيُقَسَّمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ فُرُوضِهِمْ، كَمَا يُقَسَّمُ مَالُ الْمُفْلِسِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَطَاءٌ: لَا تَعُولُ الْمَسَائِلُ، وَيَلْزَمُهُ مَسْأَلَةٌ فِيهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ مِنْ أُمٍّ، فَإِنْ حَجَبَ الْأُمَّ إِلَى السُّدُسِ، خَالَفَ مَذْهَبَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ إِخْوَةٍ، وَإِنْ نَقَّصَ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ، رَدَّ النَّقْصَ عَلَى مَنْ لَمْ يُهْبِطْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَرْضٍ إِلَى مَا بَقِيَ، وَإِنْ أَعَالَ الْمَسْأَلَةَ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَتَرَكَ مَذْهَبَهُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": وَلَا نَعْلَمُ الْيَوْمَ قَائِلًا بِمَذْهَبِهِ. (الْفُرُوضُ) الْمُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى (سِتَّةٌ وَهِيَ نَوْعَانِ: نِصْفٌ) بَدَأَ الْفَرْضِيُّونَ بِهِ لِكَوْنِهِ مُفْرَدًا، قَالَهُ السُّبْكِيُّ، قَالَ: وَكُنْتُ أَوَدُّ لَوْ بَدَءُوا بِالثُّلُثَيْنِ؛ لَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِهِ حَتَّى رَأَيْتُ ابْنَ الْمُنَجَّا، وَالْحُسَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْوَنِّيَّ، بَدَأا بِهِ، فَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ، وَهُوَ فَرْضُ خَمْسَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 تَخْرُجُ مِنْ سَبْعَةِ أُصُولٍ: أَرْبَعَةٌ لَا تَعُولُ، وَثَلَاثَةٌ تَعُولُ، فَالَّتِي لَا تَعُولُ: هِيَ مَا كَانَ فِيهَا فَرْضٌ وَاحِدٌ أَوْ فَرْضَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، فَالنِّصْفُ وَحْدَهُ مِنِ اثْنَيْنِ، وَالثُّلُثُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الثُّلُثَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالرُّبُعُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ النِّصْفِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالثُّمُنُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ النِّصْفِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، فَهَذِهِ الَّتِي لَا تَعُولُ، وَأَمَّا الَّتِي تَعُولُ: فَهِيَ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا فَرْضٌ أَوْ فَرْضَانِ مِنْ نَوْعَيْنِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ النِّصْفِ سُدُسٌ أَوْ ثُلُثٌ أَوْ ثُلُثَانِ، فَهِيَ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَرُبُعٌ) وَهُوَ فَرْضُ اثْنَيْنِ (وَثُمُنٌ) وَهُوَ فَرْضٌ وَاحِدٌ (وَثُلُثَانِ) وَهُوَ فَرْضُ أَرْبَعَةٍ (وَثُلُثٌ) وَهُوَ فَرْضُ اثْنَيْنِ (وَسُدُسٌ) وَهُوَ فَرْضُ سَبْعَةٍ (وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ سَبْعَةِ أُصُولٍ: أَرْبَعَةٌ لَا تَعُولُ، وَثَلَاثَةٌ تَعُولُ) لِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا فَرْضٌ مُفْرَدٌ، فَأَصْلُهَا مِنْ مُخْرَجِهِ، وَإِنِ اجْتَمَعَ مَعَهُ فَرْضٌ مِنْ نَوْعِهِ، فَأَصْلُهَا مِنْ مُخْرَجِ أَقَلِّهِمَا؛ لِأَنَّ مُخْرَجَ الْكَبِيرِ دَاخِلٌ فِي مُخْرَجِ الصَّغِيرِ (فَالَّتِي لَا تَعُولُ، هِيَ مَا كَانَ فِيهَا فَرْضٌ) ، وَمَا بَقِيَ (أَوْ فَرْضَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ) كَنِصْفَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ زَوْجٌ، وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَتُسَمَّى الْيَتِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ مُتَسَاوِيَانِ، وُرِّثَ بِهِمَا الْمَالُ، وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا (فَالنِّصْفُ وَحْدَهُ مِنِ اثْنَيْنِ، وَالثُّلُثُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الثُّلُثَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالرُّبُعُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ النِّصْفِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالثُّمُنُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ النِّصْفِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، فَهَذِهِ الَّتِي لَا تَعُولُ) لِأَنَّ الْعَوْلَ ازْدِحَامُ الْفُرُوضِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ هُنَا. (وَأَمَّا الَّتِي تَعُولُ، فَهِيَ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا فَرْضٌ أَوْ فَرْضَانِ مِنْ نَوْعَيْنِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ النِّصْفِ سُدُسٌ أَوْ ثُلُثٌ أَوْ ثُلُثَانِ، فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ) لِأَنَّ مُخْرَجَ النِّصْفِ مِنِ اثْنَيْنِ، وَالسُّدُسِ مِنْ سِتَّةٍ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِيهِ، فَيُكْتَفَى بِهِ، وَمُخْرَجُ الثُّلُثِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالنِّصْفُ مِنِ اثْنَيْنِ، فَضُرِبَ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَكُنْ سِتَّةً، وَذَلِكَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مُخْرَجُ السُّدُسِ. زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ، أَبَوَانِ وَابْنَتَانِ (وَتَعُولُ) وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي السِّهَامِ نَقْصٌ فِي أَنْصِبَاءِ الْوَرَثَةِ إِلَى سَبْعَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ إِحْدَاهُمَا مِنْ أَبَوَيْنِ وَالْأُخْرَى مِنْ أَبٍ، وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأُمٍّ، وَتُسَمَّى الْمُبَاهَلَةَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِيهَا، فَأَشَارَ الْعَبَّاسُ بِالْعَوْلِ، وَاتَّفَقَتِ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ، لَكِنْ لَمْ يُظْهِرِ النَّكِيرَ فِي حَيَاتِهِ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ، دَعَا إِلَى الْمُبَاهَلَةِ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ، إِنَّ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالَجٍ عَدَدًا، لَمْ يَجْعَلْ فِي الْمَالِ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا إِذَا ذَهَبَ النِّصْفَانِ، فَأَيْنَ مَحَلُّ الثُّلُثِ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمُوا مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ، وَأَخَّرُوا مَنْ أَخَّرَ اللَّهُ، مَا عَالَتْ مَسْأَلَةٌ قَطُّ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إِلَى عَشَرَةٍ، وَلَا تَعُولُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنِ اجْتَمَعَ مَعَ الرُّبُعِ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ فَهِيَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ عَلَى الْأَفْرَادِ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ، وَلَا تَعُولُ إِلَى أَكْثَرَ   [المبدع في شرح المقنع] أَظْهَرْتَ هَذَا زَمَنَ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مَهِيبًا فَهِبْتُهُ. وَإِلَى تِسْعَةٍ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، وَيُسَمَّى عَوْلُهَا الْغَرَّاءَ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْمُبَاهَلَةِ، وَاشْتَهَرَ الْقَوْلُ بِهَا (إِلَى عَشَرَةٍ) كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ مِنْ أُمٍّ، وَهِيَ أُمُّ الْفُرُوخِ. وَمَنْ عَالَتْ مَسْأَلَتُهُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ أَوْ تِسْعَةٍ أَوْ عَشَرَةٍ، لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ إِلَّا امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ زَوْجٍ (وَلَا تَعُولُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي مَسْأَلَةٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفٍ وَنِصْفٍ وَثُلُثَيْنِ (وَإِنِ اجْتَمَعَ مَعَ الرُّبُعِ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ) أَيِ الثُّلُثَانِ أَوِ الثُّلُثُ أَوِ السُّدُسُ (فَهِيَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ) لِأَنَّ مُخْرَجَ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ لَا مُوَافَقَةَ بَيْنَهُمَا، فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ، وَالرُّبُعُ وَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِالْأَنْصَافِ، فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ يَبْلُغْ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ فِي هَذَا الْأَصْلِ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِأَجْلِ فَرْضِ الرُّبُعِ، وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِمَا كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَخَمْسَةِ بَنِينَ. (وَتَعُولُ عَلَى الْإِفْرَادِ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ) فَعَوْلُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْهَا إِذَا كَانَ مِنَ الْوَرَثَةِ مَنْ لَهُ رُبُعٌ وَنِصْفٌ وثلث، كَزَوْجَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ. وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ لَهُ رُبُعٌ، وَسُدُسٌ، وَثُلُثَانِ كَزَوْجَةٍ وَجَدَّةٍ، وَأُخْتَيْنِ مِنْ أَبَوَيْنِ. وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ رُبُعٌ، وَنِصْفٌ، وَسُدُسَانِ، كَزَوْجٍ، وَبِنْتٍ، وَبِنْتِ ابْنٍ، وَأُمٍّ، وَعَوْلُ خَمْسَةَ عَشَرَ، كَزَوْجٍ، وَأَبَوَيْنِ، وَابْنَتَيْنِ، وَعَوْلُ سَبْعَةَ عَشَرَ اثْنَتَانِ: كَثَلَاثِ نِسْوَةٍ وَجَدَّتَيْنِ، وَأَرْبَعِ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ، وَثَمَانِيَةِ أَخَوَاتٍ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ، وَتُسَمَّى أُمَّ الْأَرَامِلِ، وَمَتَى عَالَتْ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ فِيهَا إِلَّا رَجُلًا، وَإِنَّمَا كَانَ عَوْلُ هَذَا الْأَصْلِ عَلَى الْأَفْرَادِ؛ لِأَنَّ فِيهَا فَرْضًا يُبَايِنُ سَائِرَ فُرُوضِهَا، وَهُوَ الرُّبُعُ، فَإِنَّهُ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ فَرْدٌ، وَسَائِرُ فُرُوضِهَا أَزْوَاجٌ، فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ، عَلِمْتَ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ تَعُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْتَارًا، الْأَوَّلُ بِمِثْلِ نِصْفِ سُدُسِهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ بِمِثْلِ رُبُعِهَا وَسُدُسِهَا، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَلَيْسَ فِي العدد الأصم مَا يَكُونُ أَصْلًا لِلْمَسْأَلَةِ، وَتَنْقَسِمُ مِنْهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَسَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي سَائِرِ الْعَوْلِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 مِنْ ذَلِكَ، وَإِنِ اجْتَمَعَ مَعَ الثُّمُنِ سُدُسٌ أَوْ ثُلُثَانِ فَاجْعَلْهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَلَا تَعُولُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، وَتُسَمَّى الْبَخِيلَةُ؛ لِقِلَّةِ عَوْلِهَا، وَالْمِنْبَرِيَّةُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْهَا عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: صَارَ ثُمُنُهَا تِسْعًا.   [المبدع في شرح المقنع] (وَلَا تَعُولُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) بِالسَّبْرِ (وَإِنِ اجْتَمَعَ مَعَ الثُّمُنِ سُدُسٌ أَوْ ثُلُثَانِ فَاجْعَلْهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ) فَإِنَّكَ تَضْرِبُ مُخْرَجَ الثُّمُنِ فِي مُخْرَجِ الثُّلُثَيْنِ، أَوْ فِي وَفْقِ مُخْرَجِ السُّدُسِ تَبْلُغُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ نَذْكُرِ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الثُّمُنِ، لِكَوْنِهِ فَرْضَ الزَّوْجَةِ مَعَ الْوَلَدِ، وَلَا يَكُونُ الثُّلُثُ فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا وَلَدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِوَلَدِ الْأُمِّ، وَالْوَلَدُ يُسْقِطُهُمْ، وَلِلْأُمِّ بِشَرْطِ عَدَمِ الْوَلَدِ زَوْجَةٌ وَأُمٌّ وَابْنَتَانِ، وَمَا بَقِيَ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ وَأَرْبَعُ جَدَّاتٍ، وَسِتَّةَ عَشَرَ بِنْتًا، وَأُخْتٌ. (وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ لَهُ ثُمُنٌ، وَنِصْفٌ، وَثَلَاثَةُ أَسْدَاسٍ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأَبَوَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ ثُمُنُ سُدُسَانِ وَثُلُثَانِ كَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ، وَلَا يَكُونُ الْمَيِّتُ فِي هَذَا الْأَصْلِ إِلَّا رَجُلًا، بَلْ لَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، إِلَّا وَهُوَ رَجُلٌ (وَلَا تَعُولُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا) بِالسَّبْرِ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " رِوَايَةٌ إِلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ يَحْجِبُ الزَّوْجَيْنِ بِالْوَلَدِ الْكَافِرِ وَالْقَاتِلِ وَالرَّقِيقِ، وَلَا يُوَرِّثُهُمْ فَعَلَى قَوْلِهِ: إِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ وَأُمٌّ وَسِتُّ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، وَوَلَدٌ كَافِرٌ، فَلِلْأَخَوَاتِ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ، وَلِلْأُمِّ وَالْمَرْأَةِ السُّدُسُ وَالثُّمُنُ سَبْعَةً، وَتَعُولُ إِلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ (وَتُسَمَّى الْبَخِيلَةُ لِقِلَّةِ عَوْلِهَا) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْأُصُولِ عَوْلًا، وَلَمْ تَعُلْ إِلَّا بِمِثْلِ ثُمُنِهَا (وَالْمِنْبَرِيَّةُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْهَا عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: صَارَ ثُمُنُهَا تِسْعًا) وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ، يَعْنِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَ لَهَا الثُّمُنُ ثَلَاثَةً مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَصَارَ لَهَا بِالْعَوْلِ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ التُّسْعُ. تَنْبِيهٌ: إِنَّمَا اخْتُصَّتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بِالْعَوْلِ دُونَ الْأَرْبَعَةِ لِوَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَوْلَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا كَثُرَتِ الْفَرَائِضُ، فَزَادَتِ الْأَجْزَاءُ عَلَى الْمُخْرَجِ، وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا الِاثْنَانِ، فَلِأَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمُخْرَجُ اثْنَيْنِ لَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ إِلَّا نِصْفَيْنِ أَوْ نِصْفًا، وَمَا بَقِيَ، وَلَا يَجْتَمِعُ فِي فَرِيضَةٍ ثَلَاثَةُ أَنْصَافٍ، لِيَحْصُلَ الْعَوْلُ، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ، فَلِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي مَسْأَلَةٍ ثُلُثَانِ وَثُلُثَانِ، وَلَا ثُلُثٌ وَثُلُثٌ وَثُلُثَانِ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ، فَلِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي مَسْأَلَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 فَصْلٌ فِي الرَّدِّ وَإِذَا لَمْ تَسْتَوْعِبِ الْفُرُوضُ الْمَالَ، وَلَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ، رُدَّ الفاضل عَلَى ذَوِي   [المبدع في شرح المقنع] مُخْرَجُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفٍ وَرُبُعٍ، وَأَمَّا الثَّمَانِيَةُ، فَلِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي مَسْأَلَةٍ مُخْرَجُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ أَكْثَرُ مِنْ نَصِفٍ وَثُمُنٍ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إِذَا كَانَتْ مِنِ اثْنَيْنِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ عَصَبَةٍ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ إِلَّا فِي زَوْجٍ وَأُخْتٍ إِذْ لَا تَزَاحُمَ، وَإِذَا كَانَتْ مِنِ اثْنَيْنِ، فَكَذَلِكَ إِلَّا فِي أُخْتَيْنِ لِأَبٍ، وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ، وَكَذَا إِذَا كَانَتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا وُجُودُ عَاصِبٍ، فَلِهَذَا قَبِلَتِ الْعَوْلَ. الثَّانِي: أَنَّ الْأُصُولَ قِسْمَانِ: تَامٌّ، وَنَاقِصٌ، فَالتَّامُّ: هُوَ الَّذِي إِذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ الصَّحِيحَةُ كَانَتْ مِثْلَهُ أَوْ أَزْيَدَ، فَالسِّتَّةُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ لَهَا سُدُسًا، وَثُلُثًا، وَنِصْفًا، فَتَسَاوَتْ، وَالِاثْنَا عَشَرَ لَهَا سُدُسٌ وَرُبُعٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ، فَزَادَتْ، وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ لَهَا ثُمُنٌ وَسُدُسٌ وَرُبُعٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ، فَالْمَجْمُوعُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، فَهَذِهِ تَعُولُ، وَالنَّاقِصُ: هُوَ الَّذِي إِذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهُ كَالِاثْنَيْنِ لَيْسَ لَهَا جُزْءٌ صَحِيحٌ إِلَّا النِّصْفُ، وَهُوَ وَاحِدٌ، وَالثَّلَاثَةُ ثُلُثٌ وَاحِدٌ، وَالثُّلُثَانِ تَضْعِيفُ الثُّلُثِ، وَالْأَرْبَعَةُ لَيْسَ لَهَا إِلَّا رُبُعٌ وَنِصْفٌ، وَهُمَا ثَلَاثَةٌ، وَالثَّمَانِيَةُ لَيْسَ لَهَا إِلَّا ثُمُنٌ وَرُبُعٌ وَنِصْفٌ، فَهَذِهِ لَا تَعُولُ؛ لِأَنَّكَ إِذَا جَمَعْتَ سِهَامَهَا الصَّحِيحَةَ نَقَصْتَ عَنْهَا. فَائِدَةٌ: الْمَسَائِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: عَادِلَةٌ، وَهِيَ الَّتِي يَسْتَوِي مَالُهَا وَفُرُوضُهَا، وَعَائِلَةٌ: وَهِيَ الَّتِي تَزِيدُ فُرُوضُهَا عَنْ مَالِهَا، وَمَرْدُودَةٌ: وَهِيَ الَّتِي يَفْضُلُ مَالُهَا عَنْ فُرُوضِهَا، وَلَا عَصَبَةَ فِيهَا، وَشَرَعَ فِي شَأْنِهَا فَقَالَ: [فَصْلٌ فِي الرَّدِّ] فَصْلٌ فِي الرَّدِّ (وَإِذَا لَمْ يَسْتَوْعِبِ الْفُرُوضَ الْمَالُ) كَمَا إِذَا خَلَّفَ بَنَاتٍ وَأَخَوَاتٍ (وَلَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ، رُدَّ الْفَاضِلُ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ بِقَدْرِ فُرُوضِهِمْ) كَالْغُرَمَاءِ يَقْتَسِمُونَ مَالَ الْمُفْلِسِ بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ (إِلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ) فِي قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 الْفُرُوضِ بِقَدْرِ فُرُوضِهِمْ، إِلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ، فَإِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ وَاحِدًا، أَخَذَ الْمَالَ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ فَرِيقًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَبَنَاتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ، اقْتَسَمُوهُ كَالْعَصَبَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ، فَخُذْ عَدَدَ سِهَامِهِمْ مِنْ أَصْلِ سِتَّةٍ وَاجْعَلْهُ أَصْلَ مَسْأَلَتِهِمْ، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْأَمْصَارِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا يُرَدُّ عَلَى وَلَدِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ، وَلَا جَدَّةٍ مَعَ ذِي سَهْمٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ زَيْدٌ: الْفَاضِلُ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ فَوْقَ فَرْضِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] وَمَنْ رَدَّ عَلَيْهَا أَعْطَاهَا الْكُلَّ، وَلِأَنَّهَا ذَاتُ فَرْضٍ مُسَمًّى، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا كَالزَّوْجِ، وَجَوَابُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] وَقَدْ رَجَّحُوا بِالْقُرْبِ إِلَى الْمَيِّتِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» وَلِحَدِيثِ، وَاثِلَةَ «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ» وقَوْله تَعَالَى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لَهَا زِيَادَةٌ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَالزَّوْجَانِ لَيْسَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا اتِّفَاقًا، إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى زَوْجٍ، وَلَعَلَّهُ كَانَ عَصَبَةً، أَوْ ذَا رَحِمٍ، فَأَعْطَاهُ كَذَلِكَ (فَإِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ وَاحِدًا) كَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ أُخْتٍ أَوْ بِنْتٍ (أَخَذَ الْمَالَ كُلَّهُ) بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ إِذْ لَا مُزَاحِمَ لَهُ (وَإِنْ كَانَ فَرِيقًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَبَنَاتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ اقْتَسَمُوهُ) لِأَنَّهُمُ اسْتَوَوْا فِيهِ (كَالْعَصَبَةِ) مِنَ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ، فَإِنِ انْكَسَرَ عَلَيْهِمْ، ضَرَبْتَ عَدَدَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ (فَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ، فَخُذْ عَدَدَ سِهَامِهِمْ مِنْ أَصْلِ سِتَّةٍ) أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ كُلَّهَا تَخْرُجُ مِنْ سِتَّةٍ إِلَّا الرُّبُعَ وَالثُّمُنَ، فَإِنَّهُمَا فَرْضَا الزَّوْجَيْنِ، وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الرَّدِّ (وَاجْعَلْهُ أَصْلَ مَسْأَلَتِهِمْ) فَيَنْقَسِمُ الْمَالُ عَلَيْهَا، وَيَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ أُصُولٍ (فَإِنْ كَانَا سُدُسَيْنِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 كَانَا سُدُسَيْنِ كَجَدَّةٍ وَأَخٍ مِنْ أُمٍّ، فَهِيَ مِنِ اثْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْجَدَّةِ أُمٌّ، فَهِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَكَانَهَا أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ، فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا أُخْتٌ لِأَبٍ، فَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ، وَلَا تَزِيدُ عَلَى هَذَا أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ زَادَتْ سُدُسًا آخَرَ، لَكُمِّلَ الْمَالُ، فَإِنِ انْكَسَرَ عَلَى فَرِيقٍ مِنْهُمْ، ضَرَبْتَهُ فِي عَدَدِ سِهَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ مَسْأَلَتِهِمْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَأَعْطِهِ فَرْضَهُ مِنْ أَصْلِ مَسْأَلَتِهِ، وَاقْسِمِ الْبَاقِيَ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] كَجَدَّةٍ وَأَخٍ مِنْ أُمٍّ، فَهِيَ مِنِ اثْنَيْنِ) لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَالْأَخِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ، أَصْلُهَا اثْنَانِ، ثُمَّ يُقَسَّمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا، لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي بِمِثْلِ مَا يُدْلِي بِهِ الْآخَرُ (وَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْجَدَّةِ أُمٌّ، فَهِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ) لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ، ثُمَّ يُقَسَّمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِلْأُمِّ سَهْمَانِ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِمِثْلَيِ الْأَخِ وَلِلْآخَرِ سَهْمٌ (وَإِنْ كَانَ مَكَانَهَا أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ، فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ) لِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْمَالُ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ، لأن الأخت تُدْلِي بِثَلَاثَةِ أَمْثَالِ الْأَخِ (وَإِنْ كَانَ مَعَهَا أُخْتٌ لِأَبٍ، فَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ) لِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ النِّصْفُ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْدَاسٍ، وَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ السُّدُسُ، وَلِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ، وَكَذَا ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، وَأُمٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ وَبِنْتَانِ وَجَدَّةٍ (وَلَا تَزِيدُ عَلَى هَذَا أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ زَادَتْ سُدُسًا آخَرَ لَكَمُلَ الْمَالُ) وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ يُرَدُّ (فَإِنِ انْكَسَرَ عَلَى فَرِيقٍ مِنْهُمْ، ضَرَبْتَهُ) أَيْ: ضَرَبْتَ عَدَدَ الْفَرِيقِ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ (فِي عَدَدِ سِهَامِهِمْ) أَيْ: سِهَامِ الْوَرَثَةِ جَمِيعِهِمْ (لِأَنَّهُ أَصْلُ مَسْأَلَتِهِمْ) كَمَا صَارَتِ السِّهَامُ فِي الْعَوْلِ، هِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي يُضْرَبُ فِيهَا الْعَدَدُ. بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ اثْنَيْنِ أَرْبَعُ جَدَّاتٍ، وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ، لِلْجَدَّاتِ سَهْمٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، فَتَضْرِبُ عَدَدَهُنَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ اثْنَانِ تَكُنْ ثَمَانِيَةً، لِلْأَخِ أَرْبَعَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ. أَصْلٌ: ثَلَاثَةٌ: أُمٌّ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مِنْ أُمٍّ، لِلْإِخْوَةِ سَهْمَانِ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِنَّ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ تَكُنْ تِسْعَةً، وَمِنْهَا تَصِحُّ. أَصْلٌ: أَرْبَعَةٌ: أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، لَهُنَّ سَهْمٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُنَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ. أَصْلٌ: خَمْسَةٌ: أُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُنَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ عِشْرِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَأَعْطِهِ فَرْضَهُ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِذَا كَانَتْ زَوْجَةٌ، وَمَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي لَهُمْ، وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَفِي غَيْرِ هَذَا تُضْرَبُ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ، فَإِذَا كَانَ زَوْجٌ وَجَدَّةٌ، وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ، فَمَسْأَلَةُ الزَّوْجِ مِنِ اثْنَيْنِ، وَمَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنِ اثْنَيْنِ، تَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، تَكُنْ أَرْبَعَةً، أَوْ إِنْ كَانَ مَكَانَ الزَّوْجِ زَوْجَةٌ، ضَرَبْتَ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ فِي أَرْبَعَةٍ، تَكُنْ ثَمَانِيَةً، وَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْجَدَّةِ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] أَصْلِ مَسْأَلَتِهِ، وَاقْسِمِ الْبَاقِيَ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِذَا كَانَتْ زَوْجَةٌ وَمَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ) كَأُمٍّ وَأَخٍ مِنْ أُمٍّ، وَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ مِنْ أُمٍّ (فَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي لَهُمْ) فَلِلْأُمِّ مِنَ الْأُولَى سَهْمَانِ، وَلِلْأَخِ سَهْمٌ، وَمِنَ الثَّانِيَةِ لِلْأُمِّ سَهْمٌ، وَلِلْأَخَوَيْنِ سَهْمَانِ (وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ) أَيْ: فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، فَإِنِ انْكَسَرَ عَلَى عَدَدٍ مِنْهُمْ، كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ مِنْ أُمٍّ، ضَرَبْتَ أَرْبَعَةً فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ، تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ فَأَصْلُ الزَّوْجِ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُوَافِقَهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةُ الزَّوْجِ مِنِ اثْنَيْنِ، فَالْبَاقِي بَعْدَ نَصِيبِهِ سَهْمٌ لَا يُوَافِقُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ، فَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِ ثَلَاثَةٌ، وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الزَّوْجِ لَهُ الرُّبُعُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتَةِ وَلَدٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ مَعَ الْوَلَدِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ امْرَأَةً، فَالْبَاقِي بَعْدَ الثُّمُنِ سَبْعَةٌ، وَلَا تُوَافِقُ السَّبْعَةُ عَدَدًا أَقَلَّ مِنْهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ لَا تَزِيدُ عَلَى خَمْسَةٍ أَبَدًا، وَلِهَذَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ: (وَفِي غَيْرِ هَذَا تَضْرِبُ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ) ، فَمَا بَلَغَ فَإِلَيْهِ تَنْتَقِلُ الْمَسْأَلَةُ، وَإِذَا أَرَدْتَ الْقِسْمَةَ فَلِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَرْضُهُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّدِّ سِهَامُهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ مَضْرُوبٌ فِي الْفَاضِلِ عَنْ فَرِيضَةِ الزَّوْجِ، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ لَهُ، إِنْ كَانَ وَاحِدًا، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَسَمْتَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ، ضَرَبْتَهُ أَوْ وَفِّقْهُ فِيمَا انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ، وَتَصِحُّ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِ التَّصْحِيحِ، وَيَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي خَمْسَةِ أُصُولٍ ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ. (فَإِذَا كَانَ زَوْجٌ وَجَدَّةٌ وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ، فَمَسْأَلَةُ الزَّوْجِ مِنِ اثْنَيْنِ) لِأَنَّ فَرْضَهُ النِّصْفُ، وَمُخْرَجُهُ مِنِ اثْنَيْنِ (وَمَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنِ اثْنَيْنِ) فَسَهْمٌ عَلَى اثْنَيْنِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُوَافِقُ (تَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَكُنْ أَرْبَعَةً أَوْ إِنْ كَانَ مَكَانَ الزَّوْجِ زَوْجَةٌ) بِأَنْ كَانَتْ زَوْجَةً وَجَدَّةً وَأَخًا لِأُمٍّ (ضَرَبْتَ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ فِي أَرْبَعَةٍ تَكُنْ ثَمَانِيَةً) وَلَا يَكُونُ الْكَسْرُ فِي هَذَا الْأَصْلِ إِلَّا عَلَى الْجَدَّاتِ (وَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْجَدَّةِ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ) بِأَنْ كَانَ مَعَهَا زَوْجَةٌ وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 انْتَقَلْتَ إِلَى سِتَّةَ عَشَرَ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الزَّوْجَةِ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ، انْتَقَلْتَ إِلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ جَدَّةٌ صَارَتْ مِنْ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ تَصِحُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.   [المبدع في شرح المقنع] (انْتَقَلْتَ إِلَى سِتَّةَ عَشَرَ) فَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَاحِدٌ، بَقِيَ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ، وَلَا تُوَافِقُ، فَاضْرِبْ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ، لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ ثَلَاثَةٌ. (وَإِنْ كَانَ مَعَ الزَّوْجَةِ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ، انْتَقَلْتَ إِلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ) لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ وَاحِدٌ، يَبْقَى سَبْعَةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لَا تُوَافِقُ، فَاضْرِبْ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، تَكُنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ سَبْعَةٌ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ جَدَّةٌ) فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً وَبِنْتًا وَبِنْتَ ابْنٍ وَجَدَّةً، فَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ وَاحِدٌ، بَقِيَ سَبْعَةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَهِيَ خَمْسَةٌ، فَاضْرِبْ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى (صَارَتْ مِنْ أَرْبَعِينَ) لِلزَّوْجَةِ خَمْسَةٌ، وَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ سَبْعَةٌ، وَلِلْجَدَّةِ سَبْعَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مِمَّنْ يَأْخُذُ الْفَاضِلَ، فَلَا تَنْتَقِلُ الْمَسْأَلَةُ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ، لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَالْبَاقِي لِلْبِنْتِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ (ثُمَّ تَصِحُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) أَيْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إِذَا انْكَسَرَ سَهْمُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ، ضَرَبْتَهُ فِيمَا انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ بِنْتًا، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ جَدَّةٍ. مَسْأَلَةٌ: الزَّوْجَاتُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، فَتَضْرِبُ فِيهَا فَرِيضَةَ الرَّدِّ، وَهُوَ خَمْسَةٌ، تَكُنْ أَرْبَعِينَ لِلزَّوْجَاتِ خَمْسَةٌ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقُ، يَبْقَى خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ، لِلْجَدَّاتِ خُمْسُهَا سَبْعَةٌ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشْرَةَ، تُوَافَقُ بِالْأَسْبَاعِ، فَيَرْجِعْنَ إِلَى اثْنَيْنِ، وَيَبْقَى لِلْبَنَاتِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ تُوَافَقُ بِالْأَسْبَاعِ، فَيَرْجِعْنَ إِلَى ثَلَاثَةٍ، وَالِاثْنَتَانِ يَدْخُلَانِ فِي عَدَدِ الزَّوْجَاتِ، فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ، تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ فِي أَرْبَعِينَ تَكُنْ أَرْبَعَمِائَةً وَثَمَانِينَ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مَضْرُوبٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ الَّذِي هُوَ جُزْءُ السَّهْمِ، وَإِنْ شِئْتَ صَحِّحْ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهَا كَفَرْضِ الزَّوْجِيَّةِ النِّصْفَ مَثَلًا، وَلِلرُّبُعِ ثُلُثًا، وَلِلثُّمُنِ سُبُعًا، وَابْسُطْ مِنْ مُخْرَجِ الْكَسْرِ لِيَزُولَ. مَسْأَلَةٌ: أَبَوَانِ وَابْنَتَانِ مِنْ سِتَّةٍ، ثُمَّ مَاتَتْ إِحْدَى الْبَنَاتِ، وَخَلَّفَتْ مَنْ خَلَّفَتْ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا، فَقَدْ خَلَّفَتْ أُخْتًا وَجَدًّا، وَجَدَّةً مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، تُوَافِقُ مَا مَاتَتْ عَنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 بَابُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ إِذَا لَمْ يَنْقَسِمْ سَهْمُ فَرِيقٍ عَلَيْهِمْ قِسْمَةً صَحِيحَةً، فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إِنْ كَانَتْ عَائِلَةً، ثُمَّ يَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقِ مِثْلُ مَا كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] الْأُخْتُ بِالْأَنْصَافِ، فَتَضْرِبُ نِصْفَ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ، ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأُولَى مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ تِسْعَةً، وَمِنَ الثَّانِيَةِ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَا مَاتَتْ عَنْهُ، وَهُوَ سَهْمٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى، فَقَدَ خَلَّفَتْ أُخْتًا وَجَدَّةً، وَجَدُّ الْأُمِّ سَاقِطٌ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ تُوَافِقُ مَا مَاتَتْ عَنْهُ بِالْأَنْصَافِ، فَتَضْرِبُ نِصْفَ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ، وَتُسَمَّى الْمَأْمُونِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُونَ سَأَلَ عَنْهَا يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْقَضَاءَ، فَقَالَ لَهُ فِي الْجَوَابِ: الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، فَعَلِمَ أَنَّهُ عَرَفَهَا، فَقَالَ لَهُ: كَمْ سِنُّكَ؟ فَفَطِنَ يَحْيَى أَنَّهُ اسْتَصْغَرَهُ، فَقَالَ: سِنُّ مُعَاذٍ لَمَّا وَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَمَنَ، وَسِنُّ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ لَمَّا وَلَّاهُ مَكَّةَ، فَاسْتَحْسَنَ جَوَابَهُ، وَوَلَّاهُ الْقَضَاءَ. [بَابُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ تَصْحِيحِهَا، وَمَعْنَى التَّصْحِيحِ: أَنْ يُحَصِّلَ عَدَدًا إِذَا قُسِّمَ عَلَى الْوَرَثَةِ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ، خَرَجَ نَصِيبُ كَلِّ فَرْدٍ سَهْمٌ صَحِيحٌ بِلَا كَسْرٍ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ هَذَا الْفَرْضُ مِنْ عَدَدٍ دُونَهُ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: الْفَاضِلُ، وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ جُزْءِ السَّهْمِ، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَابَلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: مُقَابَلَةُ السِّهَامِ مِنْ مَسْأَلَةِ التَّأْصِيلِ، وَرُءُوسِ أَصْحَابِهَا، وَالثَّانِي: مُقَابَلَةُ رُءُوسِ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْوَرَثَةِ بِنَوْعٍ آخَرَ، حَيْثُ لَا يَصِحُّ انْقِسَامُ سِهَامِ النَّوْعِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ بَقِيَ أَوْ رَجَعَ إِلَى وَفْقٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا انْقَسَمَتْ سِهَامٌ كل وفق عَلَيْهِمْ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الضَّرْبِ بِأَنْ يَتْرُكَ الْمَيِّتُ زَوْجَةً وَثَلَاثَةَ إِخْوَةٍ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، لِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ سَهْمٌ، وَالْبَاقِي لِلْإِخْوَةِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. (إِذَا لَمْ يَنْقَسِمْ سَهْمُ فَرِيقٍ عَلَيْهِمْ قِسْمَةً صَحِيحَةً) أَيْ: بِلَا كَسْرٍ (فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ) أَيْ: عَدَدَ رُءُوسِ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثَةِ إِخْوَةٍ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ سَهْمٌ، وَلِلْإِخْوَةِ سَهْمَانِ لَا تَصِحُّ، وَلَا تُوَافِقُ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ سِتَّةٌ، تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ (وَعَوْلِهَا) أَيْ: تَضْرِبُ عَدَدَهُمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَوْلِهَا (إِنْ كَانَتْ عَائِلَةً) كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَخَمْسَةِ بَنَاتٍ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 لِجَمَاعَتِهِمْ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَدَدُهُمْ سِهَامَهُمْ بِنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَجْزَاءِ، فَيُجْزِيكَ ضَرْبٌ وَفْقَ عَدَدِهِمْ، ثُمَّ يَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَفْقُ مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ، وَإِنِ انْكَسَرَ عَلَى فَرِيقَيْنِ أو أَكْثَرَ، وَكَانَتْ مُتَمَاثِلَةً كَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةٍ اجْتَزَأْتَ بِأَحَدِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاسِبَةً، وَهُوَ أَنْ تَنْسُبَ الْأَقَلَّ إِلَى الْأَكْثَرِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ كَنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، اجْتَزَأْتَ بِأَكْثَرِهَا، وَضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَبَايِنَةً، ضَرَبْتَ   [المبدع في شرح المقنع] أَصْلُهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ اثْنَانِ، وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ، لَا تَنْقَسِمُ عَلَى عَدَدِهِنَّ، وَلَا تُوَافِقُ، فَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ، تَكُنْ خَمْسَةً وَسِتِّينَ (ثُمَّ يَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقِ مِثْلَ مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ) فَفِي الْأُولَى لِكُلِّ أَخٍ سَهْمَانِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لِكُلِّ بِنْتٍ ثَمَانِيَةٌ (إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَدَدُهُمْ سِهَامَهُمْ بِنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَجْزَاءِ) كَمَا لَوْ كَانَ الْإِخْوَةُ أَرْبَعَةً، فَإِنَّ سِهَامَهُمْ تُوَافِقُهُمْ بِالنِّصْفِ، وَهُوَ اثْنَانِ (فَيُجْزِيكَ ضَرْبُ وَفْقِ عَدَدِهِمْ، ثُمَّ يَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَفْقُ مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ) فَزَوْجَةٌ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ ابْنًا، لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَالْبَاقِي وَهُوَ سَبْعَةٌ لِلْبَنِينَ لَا تَصِحُّ، وَتُوَافَقُ بِالْأَسْبَاعِ، فَاضْرِبْ وَفْقَ الْبَنِينَ وهو سهمان فِي ثَمَانِيَةٍ تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ، لِلزَّوْجَةِ سَهْمٌ فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وَلِلْبَنِينَ سَبْعَةٌ فِي اثْنَيْنِ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ، لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ، وَهُوَ وَفْقُ مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ سَبْعَةٌ وَوَفْقُهَا هَذَا سَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ بِالْأَسْبَاعِ. (وَإِنِ انْكَسَرَ عَلَى فَرِيقَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ) لَمْ يَخْلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: إِمَّا الْمُمَاثَلَةُ، أَوِ الْمُنَاسَبَةُ، أَوِ التَّبَايُنُ، أَوِ الْمُوَافَقَةُ، وَأَشَارَ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ: (وَكَانَتْ مُتَمَاثِلَةً كَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةٍ، اجْتَزَأْتَ بِأَحَدِهَا) وَطَرِيقُ قِسْمَتِهَا كَطَرِيقِ الْقِسْمَةِ، فِيمَا إِذَا كَانَ الْكَسْرُ عَلَى فَرِيقٍ وَاحِدٍ كَثَلَاثَةِ إِخْوَةٍ لِأُمٍّ، وَثَلَاثَةِ إِخْوَةٍ لِأَبٍ لِوَلَدِ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الْأَبِ، أَصْلُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ، سَهْمُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ لَا يَنْقَسِمُ، وَلَا يُوَافِقُ، فَيَكْتَفِي بِأَحَدِ الْعَدَدَيْنِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، فَاضْرِبْهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ تِسْعَةً لِوَلَدِ الْأُمِّ سَهْمٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ، وَلِوَلَدِ الْأَبِ اثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ مِثْلُ مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ، وَلَوْ كَانَ وَلَدُ الْأَبِ سِتَّةً، وَافَقَتْ سِهَامُهُمْ بِالنِّصْفِ، فَيَرْجِعُ عَدَدُهُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ، وَكَانَ الْعَمَلُ كَمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاسِبَةً، وَهُوَ أَنْ تَنْسُبَ الْأَقَلَّ إِلَى الْأَكْثَرِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ كَنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، اجْتَزَأْتَ بِأَكْثَرِهَا، وَضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا) إِنْ كَانَتْ عَائِلَةً كَجَدَّتَيْنِ وَأَرْبَعَةِ إِخْوَةٍ لِأَبٍ، لِلْجَدَّتَيْنِ السُّدُسُ، وَلِلْإِخْوَةِ مَا بَقِيَ، أَصْلُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، فَمَا بَلَغَ ضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَافِقَةً كَأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ وَعَشَرَةٍ ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، ثُمَّ وَافَقْتَ بَيْنَ مَا بَلَغَ وَبَيْنَ الثَّالِثِ وَضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، ثُمَّ اضرب مَا مَعَكَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَوْلِهَا إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ سِتَّةٍ، وَعَدَدُهُمْ لَا يُوَافِقُ سِهَامَهُمْ، وَعَدَدُ الْجَدَّاتِ نِصْفُ عَدَدِ الْإِخْوَةِ، فَاجْتَزِئْ بِالْأَكْثَرِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، وَاضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، لِلْجَدَّاتِ سَهْمٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِأَرْبَعَةٍ، وَلِلْإِخْوَةِ خَمْسَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِعِشْرِينَ، لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ، وَلَوْ كَانَ عَدَدُ الْإِخْوَةِ عِشْرِينَ لَوَافَقَتْهُمْ سِهَامُهُمْ بِالْأَخْمَاسِ، فَيَرْجِعُ عَدَدُهُمْ إِلَى أَرْبَعَةٍ، وَالْعَمَلُ كَذَلِكَ، وَمَسْأَلَةُ الْعَوْلِ اثْنَا عَشَرَ أُخْتًا لِأَبٍ، وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ، وَسِتُّ جَدَّاتٍ، الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ، وَالثَّلَاثُ رُبُعُ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَالسِّتُّ نِصْفُهَا، فَاضْرِبِ اثْنَيْ عَشَرَ فِي سَبْعَةٍ، تَكُنْ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ. (وَإِنْ كَانَتْ مُتَبَايِنَةً) أَيْ لَا يُمَاثِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، وَلَا يُنَاسِبُهُ، وَلَا يُوَافِقُهُ (ضَرَبْتَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، فَمَا بَلَغَ) فَهُوَ جُزْءُ السَّهْمِ (ضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ) فَمَا بَلَغَ، فَمِنْهُ تَصِحُّ أُمٌّ، وَثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ لِأُمٍّ، وَأَرْبَعَةٌ لِأَبٍ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، لِوَلَدِ الْأُمِّ سَهْمَانِ لَا يُوَافِقُهُمْ، وَلِوَلَدِ الْأَبِ ثَلَاثَةٌ لَا تُوَافِقُهُمْ، وَالْعَدَدَانِ مُتَبَايِنَانِ، فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَهُوَ جُزْءُ السَّهْمِ، فَاضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، لِلْأُمِّ سَهْمٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ بِمِثْلِهَا، وَلِوَلَدِ الْأُمِّ فِي اثْنَيْ عَشَرَ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَانِيَةٌ، وَلِوَلَدِ الْأَبِ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، لِكُلِّ وَاحِدٍ تِسْعَةٌ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِأَحَدِهِمْ قَبْلَ التَّصْحِيحِ، فَاضْرِبْ سِهَامَ فَرِيقٍ فِي الْفَرِيقِ الْآخَرِ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ، فَلِفَرِيقِهِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ سَهْمَانِ اضْرِبْهَا فِي عَدَدِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ تَكُنْ ثَمَانِيَةً، فَهِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ ثَلَاثَةٌ، اضْرِبْهَا فِي عَدَدِ وَلَدِ الْأُمِّ تَكُنْ تِسْعَةً، فَهِيَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَعَوْلِهَا) إِنْ كَانَتْ عَائِلَةً كَخَمْسِ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَجَدَّةٍ، أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ، وَالْعَدَدَانِ مُتَبَايِنَانِ، فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ، تَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، اضْرِبْهَا فِي سَبْعَةٍ، تَكُنْ مِائَةً وَخَمْسَةً (وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَافِقَةً) بِجُزْءٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ الطَّبِيعِيَّةِ (كَأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ وَعَشَرَةٍ) فَإِنَّهَا تُوَافَقُ بِالْأَنْصَافِ (ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي) جَمِيعِ (الْآخَرِ، ثُمَّ وَافَقْتَ بَيْنَ مَا بَلَغَ، وَبَيْنَ الثَّالِثِ) أَيِ: الْمَوْقُوفِ (وَضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، ثُمَّ اضْرِبْ مَا مَعَكَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 كَانَتْ عَائِلَةً، فَمَا بَلَغَ، فَمِنْهُ تَصِحُّ، فَإِذَا أَرَدْتَ الْقِسْمَةَ، فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ   [المبدع في شرح المقنع] أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إِنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَمَا بَلَغَ، فَمِنْهُ تَصِحُّ) سِتُّ جَدَّاتٍ، وَتِسْعُ بَنَاتٍ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ أَخًا، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، وَالْأَعْدَادُ مُتَوَافِقَةٌ بِالْأَثْلَاثِ، فَتَوَقَّفِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا، ثُمَّ اضْرِبْ وَفْقَ الْجَدَّاتِ، وَهُوَ اثْنَانِ فِي جَمِيعِ الْآخَرِ، وَهُوَ تِسْعَةٌ، تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَوْقُوفِ مُوَافَقَةٌ، فَاضْرِبْ وَفْقَهَا، وَهُوَ سِتَّةٌ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ تَبْلُغْ تِسْعِينَ، هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ، فَاضْرِبْهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، تَبْلُغْ خَمْسَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ، هَذَا إِذَا كَانَتِ الْأَعْدَادُ ثَلَاثَةً فَمَا فَوْقَ، فَإِنْ كَانَ عَدَدَانِ مُتَوَافِقَانِ، فَإِنَّكَ تَرُدُّ أَحَدَهُمَا إِلَى وَفْقِهِ، وَتَضْرِبُهُ فِي جَمِيعِ الْآخَرِ، فَمَا بَلَغَ، ضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَزَوْجٍ وَسِتِّ جَدَّاتٍ، وَتِسْعِ أَخَوَاتٍ، فَيَتَّفِقَانِ بِالْأَثْلَاثِ، فَتَرُدُّ الْجَدَّاتِ إِلَى ثُلُثِهِنَّ، وَتَضْرِبُهَا فِي عَدَدِ الْأَخَوَاتِ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهِيَ جُزْءُ السَّهْمِ، ثُمَّ تَضْرِبُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ مِائَةً وَثَمَانِيَةً، وَمِنْهَا تَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ الْكَسْرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْيَازٍ، نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَتْ مُتَمَاثِلَةً كَثَلَاثِ جَدَّاتٍ، وَثَلَاثِ بَنَاتٍ، وَثَلَاثَةِ أَعْمَامٍ، ضَرَبْتَ أَحَدَهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْدَ التَّصْحِيحِ مِثْلُ مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاسِبَةً كَجَدَّتَيْنِ، وَخَمْسِ بَنَاتٍ، وَعَشَرَةِ أَعْمَامٍ، اجْتَزَأْتَ بِأَكْثَرِهَا، وَهِيَ الْعَشَرَةُ، وَضَرَبْتَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ، تَكُنْ سِتِّينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَبَايِنَةً، كَمَا إِذَا كَانَ الْأَعْمَامُ ثَلَاثَةً، ضَرَبْتَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ تَبْلُغْ ثَلَاثِينَ، وَهِيَ جُزْءُ السَّهْمِ، ثُمَّ تَضْرِبُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ مِائَةً وَثَمَانِينَ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَافِقَةً، فَعَلْتَ كَمَا سَبَقَ، فَإِنْ تَمَاثَلَ اثْنَانِ مِنْهَا، وَبَايَنَهَا الثَّالِثُ أَوْ وَافَقَهُمَا، ضَرَبْتَ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِي الثَّالِثِ أَوْ فِي وَفْقِهِ إِنْ وَافَقَ، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ جُزْءُ السَّهْمِ، تَضْرِبُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ تَنَاسَبَ اثْنَانِ، وَبَايَنَهُمَا الثَّالِثُ، ضَرَبْتَ أَكْثَرَهُمَا فِي جَمِيعِ الثَّالِثِ أَوْ فِي وَفْقِهِ إِنْ كَانَ مُوَافِقًا، ثُمَّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ تَوَافَقَ اثْنَانِ، وَبَايَنَهُمَا الثَّالِثُ، ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ، ثُمَّ فِي الثَّالِثِ، وَإِنْ تَبَايَنَ اثْنَانِ، وَوَافَقَهُمَا الثَّالِثُ، كَأَرْبَعَةِ أَعْمَامٍ، وَسَبْعِ جَدَّاتٍ، وَتِسْعِ بَنَاتٍ، أَجْزَأَكَ ضَرْبُ أَحَدِ الْمُتَبَايِنَيْنِ فِي الْآخَرِ، ثُمَّ تَضْرِبُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيُسَمَّى هَذَا الْمَوْقُوفَ الْمُقَيَّدَ؛ لِأَنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا لَمْ تَقِفْ إِلَّا السِّتَّةَ، فَلَوْ وَقَفْتَ التِّسْعَةَ مَثَلًا، وَرَدَدْتَ السِّتَّةَ إِلَى اثْنَيْنِ، لَدَخَلَا فِي الْأَرْبَعَةِ، وَأَجْزَأَكَ ضَرْبُ الْأَرْبَعَةِ فِي التِّسْعَةِ، وَلَوْ وَقَفْتَ الْأَرْبَعَةَ، وَرَدَدْتَ السِّتَّةَ إِلَى ثَلَاثَةٍ، دَخَلْتَ فِي التِّسْعَةِ، وَكَفَاكَ ضَرْبُ الْأَرْبَعَةِ فِي التِّسْعَةِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْأَعْدَادُ الثَّلَاثَةُ مُتَوَافِقَةً، فَإِنَّهُ يُسَمَّى الْمَوْقُوفَ الْمُطْلَقَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 الْمَسْأَلَةِ مَضْرُوبٌ فِي الْعَدَدِ الَّذِي ضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَمَا بَلَغَ، فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً، قَسَمْتَهُ عَلَيْهِمْ.   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي عَمَلِهَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَهُوَ طَرِيقُ الْكُوفِيِّينَ، وَالثَّانِي: طَرِيقُ الْبَصْرِيِّينَ، وَهُوَ أَنْ تَقِفَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ، وَتُوَافِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرَيْنِ، وَتَرُدَّهُمَا إِلَى وَفْقِهِمَا، ثُمَّ تَنْظُرَ فِي الْوَفْقَيْنِ، فَإِنْ كَانَا مُتَمَاثِلَيْنِ، ضَرَبْتَ أَحَدَهُمَا فِي الْمَوْقُوفِ، وَإِنْ كَانَا مُتَنَاسِبَيْنِ، ضَرَبْتَ أَكْثَرَهُمَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَا مُتَبَايِنَيْنِ، ضَرَبْتَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ، ثُمَّ فِي الْمَوْقُوفِ، وَإِنْ كَانَا مُتَوَافِقَيْنِ، ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، ثُمَّ فِي الْمَوْقُوفِ، فَمَا بَلَغَ، ضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، كَعَشْرِ جَدَّاتٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ عَمًّا وَخَمْسَةَ عَشَرَ بِنْتًا، نِصْفُ الْعَشَرَةِ تُوَافِقُهَا الِاثْنَيْ عَشَرَ بِالنِّصْفِ، فَتَرْجِعُ إِلَى سِتَّةٍ، وَتُوَافِقُهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِالْأَخْمَاسِ، فَتَرْجِعُ إِلَى ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي السِّتَّةِ، فَتَضْرِبُهَا فِي الْعَشَرَةِ تَكُنْ سِتِّينَ، ثُمَّ فِي الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ، وَإِنْ وَقَفْتَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، رَجَّعْتَ الْعَشَرَةَ إِلَى نِصْفِهَا خَمْسَةٍ، وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ إِلَى ثُلُثِهَا خَمْسَةٍ، وَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ، فَتَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ، تَكُنْ سِتِّينَ، وَإِنْ وَقَفْتَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ، رَجَّعْتَ الْعَشَرَةَ إِلَى اثْنَيْنِ، وَالِاثْنَيْ عَشَرَ إِلَى أَرْبَعَةٍ، وَدَخَلَ الِاثْنَانِ فِي الْأَرْبَعَةِ، فَتَضْرِبُهَا فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ، تَكُنْ سِتِّينَ، ثُمَّ فِي الْمَسْأَلَةِ. فَائِدَةٌ: الطَّرِيقُ فِي مَعْرِفَةِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُنَاسَبَةِ وَالْمُبَايَنَةِ أَنْ تُلْقِيَ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ مِنْ أَكْثَرِهِمَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَإِنْ فَنِيَ، فَالْعَدَدَانِ مُتَنَاسِبَانِ، وَإِنْ لَمْ يَفْنَ، وَلَكِنْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ، أَلْقِهَا مِنَ الْعَدَدِ الْأَقَلِّ، فَإِنْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ، أَلْقِهَا مِنَ الْبَقِيَّةِ الْأُولَى، وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ تُلْقِي كُلَّ بَقِيَّةٍ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا، حَتَّى تَصِلَ إِلَى عَدَدٍ يُغْنِي الْمُلْقَى مِنْهُ غَيْرُ الْوَاحِدِ، فَأَيُّ بَقِيَّةِ فَنِيَ مِنْهَا غَيْرَ الْوَاحِدِ، فَالْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ بِجُزْءِ تِلْكَ الْبَقِيَّةِ إِنْ كَانَتِ اثْنَيْنِ، فَبِالْأَنْصَافِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً فَبِالْأَثْلَاثِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةً فَبِالْأَرْبَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَحَدَ عَشَرَ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَبِجُزْءِ ذَلِكَ، وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ، فَالْعَدَدَانِ مُتَبَايِنَانِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَنَاسُبِ الْعَدَدَيْنِ أَنَّكَ إِذَا زِدْتَ عَلَى الْأَقَلِّ مِثْلَهُ أَبَدًا سَاوَى الْأَكْثَرَ، وَمَتَى قَسَمْتَ الْأَكْثَرَ عَلَى الْأَقَلِّ، انْقَسَمَ قِسْمَةً صَحِيحَةً، وَمَتَى نَسَبْتَ الْأَقَلَّ إِلَى الْأَكْثَرِ، نَسَبْتَ إِلَيْهِ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي النِّصْفِ فَمَا دُونَهُ. (فَإِذَا أَرَدْتَ الْقِسْمَةَ، فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَضْرُوبٌ فِي الْعَدَدِ الَّذِي ضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ) وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى جُزْءَ السَّهْمِ (فَمَا بَلَغَ، فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] كَانُوا جَمَاعَةً قَسَمْتَهُ عَلَيْهِمْ) وَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ. قَاعِدَةٌ: اعْلَمْ أَنَّ الْحِسَابَ أَرْبَعُ مَنَازِلَ: آحَادٌ، وَعَشَرَاتٌ، وَمِئِينَ، وَأُلُوفٌ، فَالْآحَادُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى تِسْعَةٍ، وَلَيْسَ الْوَاحِدُ بِعَدَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاؤُهُ، وَالْعَشَرَاتُ مِنْ عَشَرَةٍ إِلَى تِسْعِينَ، وَالْمِئُونَ مِنْ مِائَةٍ إِلَى تِسْعِمِائَةٍ، وَالْأُلُوفُ مِنْ أَلْفٍ إِلَى تِسْعَةِ آلَافٍ، وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ لَهَا تِسْعَةُ عُقُودٍ، فَالْآحَادُ عُقُودُهَا وَاحِدٌ، اثْنَانِ إِلَى تِسْعَةٍ، وَالْعَشَرَاتُ عُقُودُهَا عَشَرَةٌ، عِشْرُونَ، وَكَذَا إِلَى تِسْعِينَ، وَالْمِئَاتُ عُقُودُهَا مِائَةٌ، مِائَتَانِ إِلَى تِسْعِمِائَةٍ، وَالْأُلُوفُ عُقُودُهَا أَلْفٌ أَلْفَانِ إِلَى تِسْعَةِ آلَافٍ. وَالضَّرْبُ يَنْقَسِمُ إِلَى مُفْرَدٍ، وَمُرَكَّبٍ، فَالْأَوَّلُ: مَا كَانَ مِنْ ضَرْبِ مَرْتَبَةٍ فِي مَرْتَبَةٍ وَهُوَ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ، وَالضَّرْبُ عِبَارَةٌ عَنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْمَضْرُوبَيْنِ بِعَدَدِ آحَادِ الْآخَرِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: خَمْسَةٌ فِي سِتَّةٍ، أَيْ: كَمْ تَضْعِيفُ الْخَمْسَةِ سِتَّ مَرَّاتٍ، وَالسِّتَّةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَالْآحَادُ فِي أَيِّ مَرْتَبَةٍ ضَرَبْتَ، كَانَ لِلْوَاحِدِ مَا يَرْتَفِعُ بِهِ، وَأُخِذَ مِنْ تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَجَاوُزٍ لَهَا، فَإِذَا قَالَ: اضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ، فَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَحَدًا، فَإِنْ قَالَ: فِي خَمْسِينَ، فَاجْعَلْهَا خَمْسَةً، وَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ، تَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةٌ، تَكُنْ مِائَةً وَخَمْسِينَ، فَإِنْ قَالَ: فِي خَمْسِمِائَةٍ، فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةً، تَكُنْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فَإِنْ قَالَ: فِي خَمْسَةِ آلَافٍ، فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفًا. وَالْعَشَرَاتُ فِي مِثْلِهَا مِئَاتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةٌ، وَلِكُلِّ عَشَرَةٍ أَلْفٌ، وَفِي الْمِئَاتِ أُلُوفٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ، وَلِكُلِّ عَشَرَةٍ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَفِي الْأُلُوفِ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَلِكُلِّ عَشَرَةٍ مِائَةُ أَلْفٍ، مِثَالُهُ: ثَلَاثُونَ فِي أَرْبَعِينَ، اضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ، تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، خُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةً تَكُنْ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: فِي أَرْبَعِمِائَةٍ، كَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَإِنْ قَالَ: فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، كَانَتْ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَالْمِئَاتُ فِي مِثْلِهَا عَشَرَاتُ أُلُوفٍ، وَفِي الْأُلُوفِ مِئَاتُ أُلُوفٍ، مِثَالُهُ: أَرْبَعُمِائَةٍ فِي سِتِّمِائَةٍ؛ تَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي سِتَّةٍ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، فَتَكُونَ مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَإِنْ قَالَ: فِي خَمْسَةِ آلَافٍ، كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَأَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ. وَالْأُلُوفُ فِي مِثْلِهَا أُلُوفُ أُلُوفٍ، مِثَالُهُ: أَرْبَعَةُ آلَافٍ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ، تَكُنْ عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفٍ، فَإِذَا تَكَرَّرَتْ لَفَظَاتُ الْأُلُوفِ، فَأَسْقِطْهَا مِنَ الْخَمْسِينَ، وَاحْفَظْ عَدَدَهَا، ثُمَّ اضْرِبِ الْبَاقِيَ بَعْدَ إِلْقَائِهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَا، فَمَا بَلَغَ أَضَفْتَ إِلَيْهِ لَفَظَاتِ الْأُلُوفِ الْمَحْفُوظَةِ، مِثَالُهُ: ثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفٍ فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفٍ تَحْفَظُ لَفَظَاتِ الْأُلُوفِ، وَهِيَ خَمْسٌ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] ثُمَّ تَضْرِبُ ثَلَاثِينَ فِي سِتِّمِائَةٍ بِأَنْ تَضْرِبَ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، تَأْخُذُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفًا؛ لِأَنَّ عَشَرَةً فِي مِائَةِ أَلْفٍ، تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَتُضِيفُ إِلَيْهَا لَفَظَاتِ الْأُلُوفِ الْخَمْسِ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفٍ. نَوْعٌ مِنْهُ فِي الْمُرَكَّبِ، إِذَا قَالَ: اضْرِبْ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي سِتَّةَ عَشَرَ، فَالْبَابُ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ إِلَى تِسْعَةَ عَشَرَ أَنْ تَضُمَّ آحَادَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ إِلَى الْآخَرِ جَمِيعِهِ تَكُنْ أَحَدًا وَعِشْرِينَ، تَأْخُذُ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةً، وَتَضُمُّ إِلَيْهِ ضَرْبَ الْآحَادِ فِي الْآحَادِ، تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، فَإِنْ قَالَ: ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ فِي سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، ضَمَمْتَ الْآحَادَ أَحَدَهُمَا إِلَى الْآخَرِ، تَكُنْ ثَلَاثِينَ، وَتُضَعِّفُهَا لِأَجْلِ الْعِشْرِينَ تَكُنْ سِتِّينَ، تَأْخُذُ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةً تَكُنْ سِتَّمِائَةٍ، وَتَضُمُّ إِلَيْهَا سَبْعَةً فِي ثَلَاثَةٍ يَكُنِ الْجَمِيعُ سِتَّمِائَةٍ وَأَحَدًا وَعِشْرِينَ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى هَذَا إِلَى تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ، إِذَا تَسَاوَتِ الْعَشَرَاتُ فِي الْمَضْرُوبَيْنِ، تُضَعِّفُهُ بِعَدَدِهَا مِثْلَ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، تَضُمُّ آحَادَ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ تَكُنْ أَحَدًا وَأَرْبَعِينَ، فَتُضَعِّفُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَاتِ ثَلَاثٌ، تَكُنْ مِائَةً وَثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ، تَأْخُذُ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةً، فَتَكُونُ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَتَضُمُّ إِلَيْهِ مَضْرُوبَ خَمْسَةٍ فِي سِتَّةٍ تَكُنْ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ، فَإِنِ اخْتَلَفَ عُقُودُ الْعَشَرَاتِ فِيهِمَا، فَكَرِّرْ أَحَدَ الْمَضْرُوبَيْنِ بِعَدَدِ عَشَرَاتِ الْآخَرِ، وَكَرِّرْ آحَادَ الْآخَرِ بِعَدَدِ عَشَرَاتِ الْمُكَرَّرِ، فَمَا بَلَغَ، فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةً، وَضُمَّ إِلَيْهِ الْمُرْتَفِعَ مِنْ ضَرْبِ الْآحَادِ فِي الْآحَادِ، مِثَالُهُ: ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثِينَ فِي أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، فَكَرِّرِ الْأَرْبَعَةَ وَالْأَرْبَعِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، تَكُنْ مِائَةً وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَكَرِّرِ الثَّلَاثَةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ تَصِرْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ، فَتَأْخُذُ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةً، وَتُضِيفُ إِلَيْهِ مَضْرُوبَ ثَلَاثَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ، تَكُنْ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ. قَاعِدَةٌ نَافِعَةٌ فِي الضَّرْبِ: وَهِيَ إِذَا كَانَ أَحَدُ الْمَضْرُوبَيْنِ يُنْسَبُ إِلَى مَرْتَبَةٍ فَوْقَهُ، أَوْ يَنْقَسِمُ عَلَى مَرْتَبَةٍ دُونَهُ، فَانْظُرْ أَيَّهُمَا أَوْضَحُ نِسْبَةً إِلَى مَرْتَبَةٍ فَوْقَهُ أَوْ دُونَهُ، وَاعْرِفْ نِسْبَةَ ذَلِكَ أَنَّهُ النِّصْفُ، أَوِ الْخُمْسُ، أَوِ الْعُشْرُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، ثُمَّ خُذْ بِقَدْرِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنَ الْعَدَدِ الْآخَرِ، ثُمَّ إِنْ كُنْتَ نَسَبْتَ الْعَدَدَ الْأَوَّلَ إِلَى الْعُشْرِ، فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةً، وَإِنْ نَسَبْتَهُ إِلَى مِائَةٍ، فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةً، وَإِنْ نَسَبْتَهُ إِلَى الْأَلْفِ، فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفًا، وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ: الْأَوَّلُ: فِي النِّسْبَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ فِي تِسْعَةٍ وَسِتِّينَ نِسْبَةَ الْمَضْرُوبِ إِلَى الْعَشَرَةِ بِالثُّلُثِ، فَخُذْ ثُلُثَ الْمَضْرُوبِ فِيهِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ، وَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةً تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَهَكَذَا إِلَى آخِرِهِ. الثَّانِي: فِي النِّسْبَةِ إِلَى الْمِائَةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ، الْمَضْرُوبُ ثُمُنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 فَصْلٌ   [المبدع في شرح المقنع] الْمِائَةِ، فَخُذْ ثُمُنَ الْمَضْرُوبِ فِيهِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ، وَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةً، تَكُنْ ثَمَانِمِائَةٍ، وَهَكَذَا إِلَى آخِرِهِ. الثَّالِثُ: فِي النِّسْبَةِ إِلَى الْأَلْفِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فِي مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، نِسْبَةَ الْمَضْرُوبِ إِلَى الْأَلْفِ بِالثُّمُنِ، فَخُذْ ثُمُنَ الْمَضْرُوبِ فِيهِ، وَهُوَ ثَلَاثُونَ، وَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفًا، تَكُنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَإِنْ قَالَ: مِائَةً وَثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ فِي مِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ، إِنْ شِئْتَ نَقَّصْتَ الِاثْنَيْنِ، وَأَخَذْتَ رُبُعَ الْمِائَةِ وَالثَّلَاثَةِ وَعِشْرِينَ، وَأَخَذْتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفًا، ثُمَّ ضَرَبْتَ اثْنَيْنِ فِي مِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ، وَزِدْتَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ شِئْتَ زِدْتَ اثْنَيْنِ عَلَى الْمِائَةِ وَالثَّلَاثَةِ وَعِشْرِينَ؛ لِيَكُونَ ثُمُنَ الْأَلْفِ، وَأَخَذْتَ ثُمُنَ الْمِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَجَعَلْتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفًا، ثُمَّ ضَرَبْتَ الِاثْنَيْنِ فِي مِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَنَقَّصْتَهُ مِنَ الْمَبْلَغِ، وَأَيَّهُمَا فَعَلْتَ، خَرَجَ الْجَوَابُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا وَتِسْعَمِائَةٍ وَسِتَّةً وَتِسْعِينَ، وَإِنْ قَالَ: اضْرِبْ مِائَةً وَاثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ وَتِسْعِينَ، ضَرَبْتَ مِائَةً فِي مِائَةٍ تَكُنْ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَنَقَّصْتَ مِنْ ذَلِكَ ضَرْبَ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّاقِصَ فِي الزَّائِدِ نَاقِصٌ، وَالزَّائِدَ فِي الزَّائِدِ، وَالنَّاقِصَ فِي النَّاقِصِ زَائِدَانِ. فَصْلٌ وَاعْتَبِرْ صِحَّةَ ضَرْبِكَ بِالْمِيزَانِ، وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ عُقُودِ الْمَضْرُوبِ، وَعَدَدَ عُقُودِ الْمَضْرُوبِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ، أَلْقَيْتَ مِنْهُ تِسْعَةً أَبَدًا، وَضَرَبْتَ الْبَاقِيَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ، فَمَا بَلَغَ أَخَذْتَ عُقُودَهُ وَحَفِظْتَهَا، إِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ أَسْقَطْتَ مِنْهَا تِسْعَةً أَبَدًا، وَحَفِظْتَ الْبَاقِيَ، ثُمَّ أَخَذْتَ عُقُودَ مَا ارْتَفَعَ مَعَكَ مِنَ الضَّرْبِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَحِسَابُكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ زَادَ وَنَقَصَ، فَالْحِسَابُ خَطَأٌ، فَإِذَا قَالَ: اضْرِبْ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فِي ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، فَالْجَوَابُ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةٍ وَثَمَانُونَ، وَاعْتِبَارُ صِحَّةِ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ عُقُودَ الْمَضْرُوبِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ، وَعُقُودَ الْمَضْرُوبِ فِيهِ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ، فَتُلْقِيَ مِنْهَا تِسْعَةً يَبْقَى ثَلَاثَةٌ، تَضْرِبُهَا فِي ثَمَانِيَةٍ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، تَأْخُذُ عُقُودَهَا تَكُنْ سِتَّةً، وَهِيَ الْمِيزَانُ، فَقَابِلْ بِهَا عُقُودَ جَوَابِكَ، وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ تُلْقِي مِنْهَا تِسْعَةً يَبْقَى سِتَّةٌ، فَقَدْ صَحَّ الْحِسَابُ. 1 - فَصْلٌ فِي ضَرْبِ الْكُسُورِ فِي الْكُسُورِ، وَهُوَ نِسْبَةٌ، فَقَوْلُكَ: كَمْ ثُلُثٌ فِي سَبْعَةٍ؛ فَمَعْنَاهُ: كَمْ ثُلُثُ السَّبْعَةِ؛ وَقَوْلُكَ: رُبُعٌ فِي رُبُعٍ، جَوَابُهُ: رُبُعُ رُبُعٍ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِنِصْفِ ثُمُنٍ، وَإِذَا قِيلَ: سُبُعٌ فِي تِسْعٍ، فَجَوَابُهُ: سُبُعُ تِسْعٍ، وَكَذَا: ثُمُنٌ فِي عُشْرٍ، جَوَابُهُ: ثُمُنُ عُشْرٍ، وَالْأَصْلُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 بَابُ الْمُنَاسَخَاتِ وَمَعْنَاهَا أَنْ يَمُوتَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ قَبْلَ قَسْمِ تَرِكَتِهِ، وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ،   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ أَحَدَ الْكَسْرَيْنِ فِي الْآخَرِ، وَتَنْسُبَ مِنْهُ مَا يَكُونُ مِنْ ضَرْبِ الْكَسْرِ فِي الْكَسْرِ، مِثَالُهُ: رُبُعٌ فِي سُدُسٍ، تَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي سِتَّةٍ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَتَضْرِبُ وَاحِدًا فِي وَاحِدٍ، وَتَنْسُبُهُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تَكُنْ ثُلُثَ ثُمُنٍ، فَإِنْ قَالَ: كَمْ خُمْسَانِ فِي ثَلَاثَةِ أَسْبَاعٍ؛ فَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي سَبْعَةٍ، تَكُنْ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، وَاضْرِبِ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ سِتَّةً، انْسُبْهَا مِنَ الْمَبْلَغِ يَكُنْ سُبْعًا وَخُمْسَ سُبْعٍ، فَإِنْ قَالَ: اضْرِبْ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسٍ فِي عِشْرِينَ ضَرَبْتَ عَدَدَ الْكُسُورِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فِي عِشْرِينَ تَكُنْ سِتِّينَ، اقْسِمْهَا عَلَى مُخْرَجِ الْكَسْرِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَهُوَ الْجَوَابُ، فَإِنْ قَالَ: خَمْسَةُ أَسْبَاعٍ فِي مِائَةٍ ضَرَبْتَ خَمْسَةً فِي مِائَةٍ، وَقَسَمْتَ الْمُرْتَفِعَ عَلَى سَبْعَةٍ، تَخْرُجُ أَحَدًا وَسَبْعِينَ وَثَلَاثَةَ أَسْبَاعٍ، فَإِنْ قَالَ: ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، ضَرَبْتَ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، تَكُنْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ، تَقْسِمُهَا عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، تَخْرُجُ ثَلَاثَةً وَسِتَّةَ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَإِنْ قَالَ: ثُلُثٌ وَرُبُعٌ فِي خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ، أَخَذْتَ مُخْرَجَ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ، وَضَرَبْتَهُ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَةً، ثُمَّ تَضْرِبُ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ، وَهُوَ سَبْعَةٌ فِي خَمْسَةٍ تَكُنْ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، تَنْسُبُهُ مِنَ الْمَبْلَغِ بِالْأَجْزَاءِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ هِيَ سُدُسٌ، وَيَبْقَى جُزْءٌ، فَيَكُونُ الْجَوَابُ سُدُسًا، وَجُزْءًا مِنْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ. [بَابُ الْمُنَاسَخَاتِ] النَّسْخُ - لُغَةً - إِبْطَالُ الشَّيْءِ وَإِزَالَتُهُ، يُقَالُ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ إِذَا أَذْهَبَتْهُ وَحَلَّتْ مَحَلَّهُ، وَسُمِّيَتْ مُنَاسَخَةَ الْفَرَائِضِ، وَهُوَ مَوْتُ وَرَثَةٍ بَعْدَ وَرَثَةٍ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ بِذَلِكَ، لِزَوَالِ حُكْمِ الْأَوَّلِ وَرَفْعِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَالَ تَنَاسَخَتْهُ الْأَيْدِي، وَهُوَ مِنْ عَوِيصِ الْفَرَائِضِ، وَيَجْرِي مَجْرَى التَّصْحِيحِ فِي الْمَعْنَى. (وَمَعْنَاهَا أَنْ يَمُوتَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ قَبْلَ قَسْمِ تَرِكَتِهِ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى الْمُنَاسَخَاتِ اصْطِلَاحًا (وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ) مَعْلُومَةٌ بِالْحَصْرِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ وَرَثَةُ الثَّانِي يَرِثُونَهُ عَلَى حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ مِنَ الْأَوَّلِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً لَهُمْ، فَاقْسِمِ الْمَالَ بَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمَوْتَى لَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَإِخْوَةٍ خَلَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَنِيهِ، فَاجْعَلْ مَسَائِلَهُمْ كَعَدَدٍ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمْ سِهَامُهُمْ وَصَحِّحْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ التَّصْحِيحِ. الثَّالِثُ: مَا عَدَا ذَلِكَ، فَصَحِّحْ مَسْأَلَةَ الْأَوَّلِ، وَانْظُرْ مَا صَارَ   [المبدع في شرح المقنع] (أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ وَرَثَةُ الثَّانِي يَرِثُونَهُ عَلَى حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ مِنَ الْأَوَّلِ مِثْلَ أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً لَهُمْ، فَاقْسِمِ الْمَالَ بَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ) كَأَرْبَعَةِ بَنِينَ، وَثَلَاثِ بَنَاتٍ مَاتَتْ بِنْتٌ، ثُمَّ ابْنٌ، ثُمَّ بِنْتٌ، ثُمَّ ابْنٌ، بَقِيَ ابْنَانِ وَبِنْتٌ، فَاقْسِمِ الْمَالَ عَلَى خَمْسَةٍ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى عَمَلٍ، وَكَذَا تَقُولُ فِي أَبَوَيْنِ وَزَوْجَةٍ وَابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ، مَاتَتْ بِنْتٌ ثُمَّ الزَّوْجَةُ ثُمَّ ابْنٌ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْأُمُّ، فَقَدْ صَارَتِ الْمَوَارِيثُ كُلُّهَا بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ الْبَاقِيَيْنِ أَثْلَاثًا، وَاسْتَغْنَتْ عَنْ عَمَلِ الْمَسَائِلِ، وَرُبَّمَا اخْتُصِرَتِ الْمَسَائِلُ بَعْدَ التَّصْحِيحِ بِالْمُوَافَقَةِ بَيْنَ السِّهَامِ، فَإِذَا صَحَّتِ الْمَسْأَلَةُ، نَظَرْتَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ لِجَمِيعِهَا كَسْرٌ يَتَّفِقُ فِيهِ جَمِيعُ السِّهَامِ، رَدَدْتَ الْمَسْأَلَةَ إِلَى ذَلِكَ الْكَسْرِ، وَرَدَدْتَ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ إِلَيْهِ؛ لِيَكُونَ أَسْهَلَ فِي الْعَمَلِ كَزَوْجَةٍ، وَبِنْتٍ، وَابْنٍ، مَاتَتِ الْبِنْتُ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ مِنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، لِلزَّوْجَةِ بِحَقِّهَا سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلِابْنِ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، تَتَّفِقُ سِهَامُهَا بِالْأَثْمَانِ، فَتَرُدُّهَا إِلَى ثُمُنِهَا تِسْعَةً، لِلزَّوْجَةِ سَهْمَانِ، وَلِلِابْنِ سَبْعَةٌ. (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمَوْتَى لَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَإِخْوَةٍ خَلَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَنِيهِ) كَرَجُلٍ تُوُفِّيَ، وَتَرَكَ أَرْبَعَةَ بَنِينَ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنِ ابْنَيْنِ، وَالثَّانِي عَنْ ثَلَاثَةٍ، وَالثَّالِثُ عَنْ أَرْبَعَةٍ، وَالرَّابِعُ عَنْ سِتَّةٍ، فَالْأُولَى مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالثَّانِيَةُ مِنِ اثْنَيْنِ، وَالثَّالِثَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالرَّابِعَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالْخَامِسَةُ مِنْ سِتَّةٍ (فَاجْعَلْ مَسَائِلَهُمْ كَعَدَدٍ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمْ سِهَامُهُمْ) لِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ لِمُسْتَحِقِّهَا، فَهِيَ كَالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ (وَصَحِّحْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ التَّصْحِيحِ) لِأَنَّ الْمَسَائِلَ كَالْأَعْدَادِ، أَرْبَعَةٌ، فَالْاثْنَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالثَّلَاثَةُ فِي السِّتَّةِ، وَالْأَرْبَعَةُ تُوَافِقُ السِّتَّةَ بِالْأَنْصَافِ، فَتَضْرِبُ نِصْفَ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ تَضْرِبُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَكُنْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لِوَرَثَةِ كُلِّ ابْنٍ اثْنَا عَشَرَ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنَيِ الْأَوَّلِ سِتَّةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي الثَّانِي أَرْبَعَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 لِلثَّانِي مِنْهَا، فَاقْسِمْهُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ، فَإِنِ انْقَسَمَ، صَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى، كَرَجُلٍ خَلَّفَ امْرَأَةً وَبِنْتًا وأخا، ثُمَّ مَاتَتِ الْبِنْتُ، وَخَلَّفَتْ زَوْجًا وَبِنْتًا وَعَمَّهَا، فَإِنَّ لَهَا أَرْبَعَةً، وَمَسْأَلَتُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ، فَصَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَصَارَ لِلْأَخِ أَرْبَعَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ، وَافَقْتَ بَيْنَ سِهَامِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، ثُمَّ ضَرَبْتَ وَفْقَ مَسْأَلَتِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأُولَى مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي، مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ أُمًّا   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ بَنِي الثَّالِثِ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي الرَّابِعِ سَهْمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَبَايِنَةً، ضَرَبْتَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، فَمَا بَلَغَ، ضَرَبْتَهُ فِي الْأُولَى، كَمَا لَوْ خَلَّفَ أَحَدُ الْإِخْوَةِ ابْنَيْنِ، وَالْآخَرُ ثَلَاثَةً، وَالْآخَرُ خَمْسَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُتَمَاثِلَةً اجْتَزَأْتَ بِأَحَدِهَا، كَمَا لَوْ خَلَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ ابْنَيْنِ. (الثَّالِثُ: مَا عَدَا ذَلِكَ) وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَنْقَسِمَ سِهَامُ الْمَيِّتِ الثَّانِي عَلَى مَسْأَلَتِهِ، الثَّانِي: أَنْ لَا يَنْقَسِمَ عَلَيْهَا، بَلْ يُوَافِقَهَا، الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَنْقَسِمَ عَلَيْهَا، وَلَا يُوَافِقَهَا (فَصَحِّحْ مَسْأَلَةَ الْأَوَّلِ، وَانْظُرْ مَا صَارَ لِلثَّانِي مِنْهَا، فَاقْسِمْهُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ) بَعْدَ أَنْ تُصَحِّحَهَا (فَإِنِ انْقَسَمَ، صَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى كَرَجُلٍ خَلَّفَ امْرَأَةً، وَبِنْتًا، وَأَخًا) هِيَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ (ثُمَّ مَاتَتِ الْبِنْتُ، وَخَلَّفَتْ زَوْجًا وَبِنْتًا وَعَمَّهَا، فَإِنَّ لَهَا) مِنَ الْأُولَى (أَرْبَعَةً وَمَسْأَلَتُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ) لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ سَهْمٌ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ سَهْمَانِ، وَالْبَاقِي، وَهُوَ سَهْمٌ لِلْعَمِّ (فَصَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَصَارَ لِلْأَخِ أَرْبَعَةٌ) مِنْ أَخِيهِ ثَلَاثَةٌ، وَمِنْ بِنْتِ أَخِيهِ سَهْمٌ. مِنْ ذَلِكَ أُمٌّ وَعَمٌّ، مَاتَ الْعَمُّ عَنْ بِنْتٍ وَعَصَبَةُ الْأُولَى مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالثَّانِيَةُ مِنِ اثْنَيْنِ، فَصَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ مَاتَتِ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ عَنِ ابْنَتَيْنِ، وَمَنْ خَلَّفَتْ صَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ خَمْسَةٍ. بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأَخٌ، مَاتَتِ الْبِنْتُ عَنِ ابْنَتَيْنِ وَعَمِّهَا، فَصَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ سِتَّةٍ، وَصَارَ لِلْأَخِ ثَلَاثَةٌ (وَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ، وَافَقْتَ بَيْنَ سِهَامِهِ، وَمَسْأَلَتِهِ، ثُمَّ ضَرَبْتَ وَفْقَ مَسْأَلَتِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) لِيَخْرُجَ بِلَا كَسْرٍ (ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأُولَى مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي) لِأَنَّ بِهِ يُعْلَمُ قَدْرُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ (مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ أُمًّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 لِلْبِنْتِ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ مَسْأَلَتَهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، تُوَافِقُ سِهَامَهَا بِالرُّبُعِ، فَتُرْجِعُ إِلَى رُبُعِهَا ثَلَاثَةً، تَضْرِبُهَا فِي الْأُولَى، تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ سِهَامُهُ مَسْأَلَتَهُ، ضَرَبْتَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى، وَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأُولَى مَضْرُوبٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَضْرُوبٌ فِي سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي، مِثْلَ أَنْ تَخْلُفَ الْبِنْتُ بِنْتَيْنِ، فَإِنَّ مَسْأَلَتَهَا تَعْدِلُ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، تَضْرِبُهَا فِي الْأُولَى تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً، وَتَعْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ مَاتَ ثَالِثٌ، جَمَعْتَ سِهَامَهُ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَيَانِ، وَعَمِلْتَ فيها عَمَلَكَ فِي مَسْأَلَةِ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ تَصْنَعُ فِي الرَّابِعِ وَمَنْ بَعْدَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] لِلْبِنْتِ فِي مَسْأَلَتِنَا) أَيْ: فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (فَإِنَّ مَسْأَلَتَهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ) لِأَنَّ فِيهَا نِصْفًا، وَرُبُعًا، وَسُدُسًا (تُوَافَقُ سِهَامُهَا بِالرُّبُعِ) لِأَنَّ لَهَا مِنَ الْأُولَى أَرْبَعَةً، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ مُوَافَقَةٌ بِالْأَرْبَاعِ (فَتُرْجِعُ إِلَى رُبُعِهَا ثَلَاثَةً) لِأَنَّهَا وَفْقُهَا (تَضْرِبُهَا فِي الْأُولَى) وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ (تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ) لِلْمَرْأَةِ مِنَ الْأُولَى سَهْمٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ، وَلِلْأَخِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ، وَلِلزَّوْجِ مِنَ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ الْوَفْقُ بِثَلَاثَةٍ، وَلِلْبِنْتِ سِتَّةٌ فِي وَاحِدٍ بِسِتَّةٍ، وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ فِي وَاحِدٍ بِسَهْمَيْنِ، وَلِلْعَمِّ سَهْمٌ، وَمِنْ ذَلِكَ زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَسِتُّ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ مَاتَتْ إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ، وَخَلَّفَتْ مَنْ خَلَّفَتْ، فَالْأُولَى مِنْ عَشَرَةٍ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ سِتَّةٍ؛ لِأَنَّهَا خَلَّفَتْ أُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ مِنْ أَبٍ تَضْرِبُهَا فِي الْأُولَى، وَمِنْهَا تَصِحُّ. (وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ سِهَامُهُ مَسْأَلَتَهُ ضَرَبْتَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى، وَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأُولَى مَضْرُوبٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَضْرُوبٌ فِي سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي، مِثْلَ أَنْ تُخَلِّفَ الْبِنْتُ بِنْتَيْنِ) فَيَكُونُ تَرَكَ امْرَأَةً وَبِنْتًا وَأَخًا، ثُمَّ مَاتَتِ الْبِنْتُ عَنْ أَرْبَعَةٍ، وَخَلَّفَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَابْنَتَيْنِ (فَإِنَّ مَسْأَلَتَهَا) مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ (تُعْدَلُ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ) لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا سِهَامُهَا، وَلَا تُوَافِقُهَا (تَضْرِبُهَا فِي الْأُولَى) وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ (تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً، وَتَعْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) لِلْمَرْأَةِ مِنَ الْأُولَى سَهْمٌ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَلِلْأَخِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَلِلزَّوْجِ مِنَ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَلِلْبِنْتَيْنِ ثَمَانِيَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ. (فَإِنْ مَاتَ ثَالِثٌ، جَمَعْتَ سِهَامَهُ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَيَانِ، وَعَمِلْتَ فِيهَا عَمَلَكَ فِي مَسْأَلَةِ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ) أَيْ: فَانْظُرْ نَصِيبَهُ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنِ انْقَسَمَ عَلَى مَسْأَلَتِهِ، فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ وَوَافَقَ فَاضْرِبْ وَفْقَ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَاضْرِبْ جَمِيعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، مِثَالُهُ: زَوْجٌ وَأُمٌّ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، فَالْأُولَى مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مَاتَتِ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، وَخَلَّفَتْ زَوْجًا، وَمَنْ خَلَّفَتْ، فَمَسْأَلَتُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَسِهَامُهَا سِتَّةٌ، تَتَّفِقَانِ بِالنِّصْفِ، فَتَضْرِبُ نِصْفَ مَسْأَلَتِهَا فِي الْأُولَى، تَكُنْ سِتِّينَ، ثُمَّ مَاتَتِ الْأُولَى، وَخَلَّفَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا وَبِنْتَهَا وهي الْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ، فَمَسْأَلَتُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَلَهَا مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا لَا تُوَافِقُ، فَتَضْرِبُ مَسْأَلَتَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ الثَّلَاثُ. (وَكَذَلِكَ تَصْنَعُ فِي الرَّابِعِ) أَيْ: كَمَا فُعِلَ فِي الثَّالِثِ، كَرَجُلٍ خَلَّفَ زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَتَرَكَ أَخًا لِأَبَوَيْنِ وَمَنْ خَلَّفَ، ثُمَّ مَاتَتِ الْأُمُّ، وَخَلَّفَتْ أُمًّا وَعَمًّا، وَمَنْ خَلَّفَتْ، ثُمَّ مَاتَتْ إِحْدَى الْبِنْتَيْنِ، وَخَلَّفَتْ زَوْجًا، وَمَنْ خَلَّفَتْ تَصِحُّ الْأُولَى مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تُوَافِقُ تَرِكَةَ الْأَبِ بِالْأَرْبَاعِ، ثُمَّ مَاتَتِ الْأُمُّ عَنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَخَلَّفَتْ أُمًّا وَبِنْتَيِ ابْنٍ وَعَمًّا، فَمَسْأَلَتُهَا مِنْ سِتَّةٍ، وَتَرِكَتُهَا تُوَافِقُهَا بِالْأَثْلَاثِ، ثُمَّ مَاتَتْ إِحْدَى الْبِنْتَيْنِ عَنْ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا، فَمَسْأَلَتُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَتَرِكَتُهَا تُوَافِقُهَا بِالْأَنْصَافِ، فَتَصِحُّ الْمَسَائِلُ الْأَرْبَعُ مِنْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَسِتَّةٍ وَتِسْعِينَ، لِلزَّوْجَةِ مِنَ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ مِائَتَانِ وَأَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ، وَلِلْبِنْتِ الْبَاقِيَةِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِأَخِي الْمَيِّتِ الثَّانِي أَرْبَعُونَ، وَلِأُمِّ الثَّالِثَةِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، وَلِعَمِّهَا كَذَلِكَ، وَلِزَوْجِ الرَّابِعَةِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ، فَالْقِيرَاطُ فِيهَا بِأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ (وَ) تَصْنَعُ فِي (مَنْ بَعْدَهُ) مِنْ خَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ، كَامْرَأَةٍ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ، وَأَرْبَعِ أَخَوَاتٍ مِنْ أَبَوَيْنِ، وَأُخْتَيْنِ مِنْ أُمٍّ، وَأُمٍّ، ثُمَّ مَاتَتِ الْأُمُّ عَنْ زَوْجٍ، وَأَخٍ، وَمَنْ خَلَّفَتْ، ثُمَّ مَاتَتْ إِحْدَى أَخَوَاتِ الْأَبَوَيْنِ عَنْ ثَلَاثِ بَنِينَ وَبِنْتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَتْ أُخْرَى عَمَّنْ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُمْ أُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ، وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ، ثُمَّ مَاتَتْ أُخْرَى عَنْ زَوْجٍ وَبِنْتَيْنِ وَابْنٍ، الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إِلَى عَشَرَةٍ. مَاتَتِ الْأُمُّ عَنْ زَوْجٍ وَسِتِّ بَنَاتٍ وَأَخٍ، مَسْأَلَتُهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، وَمَا فِي يَدِهَا سَهْمٌ لَا تَصِحُّ وَلَا تُوَافِقُ، فَاضْرِبْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ فِي عِشَرَةٍ، تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ لِلزَّوْجِ مِنَ الْأُولَى ثَلَاثَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، تَبْلُغُ مِائَةً وَثَمَانِيَةً، وَلِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ مِنَ الْأُولَى أَرْبَعَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، تَبْلُغُ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ، وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ سَهْمَانِ مَضْرُوبَةٌ فِيهَا، تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَلِزَوْجِ الْأُمِّ مِنَ الثَّانِيَةِ تِسْعَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي نَصِيبِ الْأُمِّ، وَهُوَ سَهْمٌ بِتِسْعَةٍ، وَلِلْبَنَاتِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مَضْرُوبَةٌ فِيهِ تَكُنْ كَذَلِكَ، وَلِلْأَخِ ثَلَاثَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي سَهْمٍ تَكُنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 بَابُ قَسْمِ التَّرِكَاتِ إِذَا خَلَّفَ تَرِكَةً مَعْلُومَةً، فَأَمْكَنَكَ نِسْبَةَ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنَ الْمَسْأَلَةِ، فَأَعْطِهِ   [المبدع في شرح المقنع] ثَلَاثَةً، ثُمَّ مَاتَتِ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، وَحِصَّتُهَا مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، وَمَسْأَلَتُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ، فَنَصِيبُهَا صَحِيحٌ عَلَى مَسْأَلَتِهَا، لِكُلِّ ابْنٍ عَشَرَةٌ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ خَمْسَةٌ، ثُمَّ مَاتَتِ الْأُخْتُ الْأُخْرَى عَنْ أَرْبَعِينَ سَهْمًا، وَمَسْأَلَتُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، وَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ، وَتُوَافَقُ بِالْأَنْصَافِ، فَاضْرِبْ نِصْفَ مَسْأَلَتِهَا - وَهُوَ ثَلَاثَةٌ - فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ تَبْلُغُ أَلْفًا وَثَمَانِينَ، لِزَوْجِ الْمَيِّتَةِ الْأُولَى مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ، تَكُنْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ لِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ من الأوليين ثَمَانُونَ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، لِكُلِّ أُخْتٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ من الأوليين كَذَلِكَ، وَلِزَوْجِ الْأُمِّ تِسْعَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ، تَبْلُغُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، وَلِلْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ مِنَ الثَّالِثَةِ أَرْبَعُونَ سَهْمًا مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ، ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثُونَ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ مِنَ الرَّابِعَةِ أَرْبَعَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِ الْمَيِّتَةِ، وَهُوَ عِشْرُونَ، تَكُنْ ثَمَانِينَ، لِكُلِّ أُخْتٍ أَرْبَعُونَ، وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ سَهْمَانِ مَضْرُوبَانِ فِي عِشْرِينَ تَكُنْ أَرْبَعِينَ، لِكُلِّ أُخْتٍ عِشْرُونَ، ثُمَّ مَاتَتِ الأخت الْأُخْرَى مِنَ الْأَبَوَيْنِ عَنْ مِائَةٍ وَسِتِّينَ سَهْمًا، وَمَسْأَلَتُهَا تَصِحُّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ، فَتَرِكَتُهَا صَحِيحَةٌ عَلَى مَسْأَلَتِهَا، لِزَوْجِهَا أَرْبَعُونَ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سِتُّونَ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ ثَلَاثُونَ، قِيرَاطُهَا بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ قَسْمِ التَّرِكَاتِ] ِ اعْلَمْ أَنَّ الْقِسْمَةَ وَالنِّسْبَةَ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِمَا فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُنَاسَخَاتِ، فَالْقِسْمَةُ هِيَ مَعْرِفَةُ نَصِيبِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: هُوَ سُؤَالٌ عَنْ عَدَدٍ مَا فِي الْمَقْسُومِ مِنْ أَمْثَالِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا إِذَا ضَرَبْتَ الْخَارِجَ بِالْقِسْمَةِ مِنَ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ، سَاوَى الْمَقْسُومَ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: اقْسِمْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ عَلَى تِسْعَةٍ، أَيْ: كَمْ نَصِيبُ الْوَاحِدِ مِنَ التِّسْعَةِ، أَوْ كَمْ فِي السِّتَّةِ وَالثَّلَاثِينَ مِثْلُ التِّسْعَةِ، وَإِذَا ضَرَبْتَ الْخَارِجَ بِالْقِسْمَةِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فِي التِّسْعَةِ، كَانَ مِثْلَ الْمَقْسُومِ، وَالنِّسْبَةُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْمَنْسُوبِ مِنَ الْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ، وَالْعَدَدُ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَوَّلٌ، وَثَانٍ، وَمُشْتَرَكٌ، فَالْأَوَّلُ: مَا لَا يَصِحُّ لَهُ كَسْرٌ كَأَحَدَ عَشَرَ، وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَالنِّسْبَةُ إِلَى هَذَا النَّوْعِ بِالْأَجْزَاءِ، وَالثَّانِي: هُوَ كُلُّ عَدَدٍ لَهُ كَسْرٌ دُونَ الْعَشَرَةِ، مِثْلَ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ الَّتِي سُدُسُهَا ثَمَانِيَةٌ وَثُمُنُهَا سِتَّةٌ، وَمِثْلَ مِائَةٍ الَّتِي نَصِفُ عُشْرِهَا خَمْسَةٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ بِأَلْفَاظِ الْكُسُورِ التِّسْعَةِ وَمَا تَرَكَّبَ مِنْهَا، وَالْمُشْتَرَكُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ كَسْرٌ فَوْقَ الْعَشَرَةِ، وَهُوَ مَا تَرَكَّبَ مِنَ الْأَجْزَاءِ الصُّمِّ كَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ الَّتِي رُبُعُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَمِائَةٌ وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، الَّتِي نِصْفُ سُدُسِهَا أَحَدَ عَشَرَ، وَالنِّسْبَةُ إِلَى هَذَا الْعَدَدِ بِالْأَجْزَاءِ وَالْكُسُورِ مَعًا، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَنْسُبَ إِلَى عَدَدٍ، اسْتَخْرَجْتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنَ التَّرِكَةِ، وَإِنْ شِئْتَ قَسَمْتَ التَّرِكَةَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، وَضَرَبْتَ الْخَارِجَ بِالْقَسْمِ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ، فَمَا اجْتَمَعَ فَهُوَ نَصِيبُهُ، وَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ سِهَامَهُ فِي التَّرِكَةِ، وَقَسَمْتَهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَمَا خَرَجَ، فَهُوَ نَصِيبُهُ وَإِنْ شِئْتَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهُ كُلَّ كَسْرٍ يَصِحُّ مِنْهُ، بِأَنْ تَنْظُرَ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ الْعَدَدُ مِنَ الْأَعْدَادِ دُونَ الْعَشَرَةِ إِذَا أَرَدْتَ مِنْ كَمْ يَتَرَكَّبُ الْعَدَدُ بِأَنْ تَقْسِمَهُ عَلَى عَشَرَةٍ، وَعَلَى تِسْعَةٍ، ثُمَّ إِلَى الِاثْنَيْنِ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ انْقَسَمَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَرَكَّبُ مِنْهُ كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، هِيَ تَضْعِيفُ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ بِعَشَرَةٍ، فَالْوَاحِدُ مِنْهَا ثُلُثُ رُبُعِ عُشْرٍ، وَالْأَرْبَعَةُ ثُلُثُ عُشْرٍ تَسْتَخْرِجُ النِّسْبَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَعْدَادِ الْمُتَرَكِّبَةِ مِنْهَا، فَإِذَا أَضْعَفْتَ عَدَدَيْنِ مِنْهَا أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، كَانَتْ نِسْبَتُهُ بِلَفْظِ الثَّالِثِ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا أَضْعَفْتَ الثَّلَاثَةَ بِالْأَرْبَعَةِ، كَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَذَلِكَ الْعُشْرُ وَهُوَ مُخْرَجُ لَفْظِ الْعَدَدِ الثَّالِثِ، وَإِنْ أَضْعَفْتَ الْأَرْبَعَةَ بِالْعَشَرَةِ، كَانَ الثُّلُثَ، وَإِنْ أَضْعَفْتَ الثَّلَاثَةَ بِالْعَشَرَةِ، كَانَ الرُّبُعَ. (إِذَا خَلَّفَ تَرِكَةً مَعْلُومَةً، فَأَمْكَنَكَ نِسْبَةَ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنَ الْمَسْأَلَةِ، فَأَعْطِهِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنَ التَّرِكَةِ) كَامْرَأَةٍ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ، الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالتَّرِكَةُ أَرْبَعُونَ دِينَارًا، فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ خُمْسُ الْمَسْأَلَةِ، فَلَهُ خُمْسُ التَّرِكَةِ، ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ ثُلُثَا خُمْسِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَهُ ثُلُثَا الثَّمَانِيَةِ، وَكَذَلِكَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَثُلُثُ دِينَارٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْبِنْتَيْنِ مِثْلُ مَا لِلْأَبَوَيْنِ كِلَيْهِمَا، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ وَثُلُثَانِ (وَإِنْ شِئْتَ قَسَمْتَ التَّرِكَةَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، وَضَرَبْتَ الْخَارِجَ بِالْقَسْمِ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ، فَمَا اجْتَمَعَ فَهُوَ نَصِيبُهُ) فَفِي مَسْأَلَتِنَا إِذَا قَسَمْتَهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ كَانَ الْخَارِجُ دِينَارَيْنِ وَثُلُثَيْنِ، فَإِذَا ضَرَبْتَهَا فِي نَصِيبِ الزَّوْجِ - وَهُوَ ثَلَاثَةٌ - كَانَتْ ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ، وَإِذَا ضَرَبْتَهَا فِي نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، كَانَتْ خَمْسَةً وَثُلُثًا، وَإِذَا ضَرَبْتَهَا فِي نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْبِنْتَيْنِ، كَانَتْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَثُلُثَيْنِ (وَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ سِهَامَهُ فِي التَّرِكَةِ، وَقَسَمْتَهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ) فَإِذَا ضَرَبْتَ نَصِيبَ الزَّوْجِ، - وَهُوَ ثَلَاثَةٌ - فِي التَّرِكَةِ كَانَتْ مِائَةً وَعِشْرِينَ، فَإِذَا قَسَمْتَهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ - وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ - خَرَجَ بِالْقَسْمِ ثَمَانِيَةٌ، وَإِذَا ضَرَبْتَ نَصِيبَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ فِيهَا، كَانَ ثَمَانِينَ، فَإِذَا قَسَمْتَهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ، خَرَجَ خَمْسَةٌ وَثُلُثٌ، وَإِذَا ضَرَبْتَ نَصِيبَ كَلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْبِنْتَيْنِ فِيهَا، كَانَتْ مِائَةً وَسِتِّينَ، فَإِذَا قَسَمْتَهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ، خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ عَشَرَةٌ وَثُلُثَانِ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْأَعْدَادِ الصُّمِّ، لَمْ يُمْكِنِ الْعَمَلُ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَا نِسْبَةَ فِيهَا كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَابْنَتَيْنِ، وَالتَّرِكَةُ خَمْسُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 مَسَائِلِ الْمُنَاسَخَاتِ، قَسَمْتَ التَّرِكَةَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثُمَّ أَخَذْتَ نَصِيبَ الثَّانِي، فَقَسَمْتَهُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ، وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّرِكَةِ مُوَافَقَةٌ، فَوَافِقْ بَيْنَهُمَا، وَاقْسِمْ وَفْقَ التَّرِكَةِ عَلَى وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ أَرَدْتَ الْقِسْمَةَ عَلَى قَرَارِيطِ   [المبدع في شرح المقنع] دِينَارًا، الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، إِذَا قَسَّمْتَ عَلَيْهَا التَّرِكَةَ، خَرَجَ بِالْقَسْمِ لِكُلٍّ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، وَأَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِينَارٍ، تَضْرِبُ ذَلِكَ فِي سِهَامِ الزَّوْجِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ، يَجْتَمِعُ لَهُ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا وَسَبْعَةُ أَجْزَاءٍ، وَتَضْرِبُ نَصِيبَ الْأُمِّ يَكُنْ سَبْعَةَ دَنَانِيرَ وَتِسْعَةَ أَجْزَاءٍ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ ضِعْفُ ذَلِكَ، وَإِنْ ضَرَبْتَ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي الْخَمْسِينَ، وَقَسَمْتَهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ خَرَجَ مَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ شِئْتَ فِي مَسَائِلِ الْمُنَاسَخَاتِ، قَسَّمْتَ التَّرِكَةَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، ثُمَّ أَخَذْتَ نَصِيبَ الثَّانِي، فَقَسَمْتَهُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ) كَرَجُلٍ تُوُفِّيَ، وَخَلَّفَ أَرْبَعَ بَنِينَ، وَأَرْبَعِينَ دِينَارًا فَإِذَا قَسَّمْتَهَا عَلَيْهِمْ خَرَجَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةٌ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ زَوْجَةٍ وَإِخْوَتِهِ، فَمَسْأَلَتُهُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، فَإِذَا قَسَمْتَ عَلَيْهَا الْعَشَرَةَ، كَانَ لِلزَّوْجَةِ دِينَارَانِ وَنِصْفٌ، وَلِكُلِّ أَخٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ زَوْجَةٍ وَإِخْوَتِهِ، فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، فَإِذَا قَسَمْتَ مَجْمُوعَ مَالِهِ مِنْهُمَا، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ، كَانَ لِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَثُمُنٌ، وَلِكُلِّ أَخٍ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ، وَثُمُنُ مَجْمُوعِ مَا حَصَلَ لِلْأَخَوَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ مِنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا، وَثُمُنُ دِينَارٍ وَنِصْفُ ثُمُنٍ. (وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّرِكَةِ مُوَافَقَةٌ فَوَافِقْ بَيْنَهُمَا، وَاقْسِمْ وَفْقَ التَّرِكَةِ عَلَى وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ) مِثَالُهُ: زَوْجَةٌ وَأُمٌّ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالتَّرِكَةُ عِشْرُونَ دِينَارًا مَاتَتِ الْأُمُّ، وَخَلَّفَتْ أَبَوَيْنِ وَمَنْ خَلَّفَتْ، فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ لِلْأُمِّ مِنَ الْأُولَى سَهْمَانِ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى السِّتَّةِ، وَتُوَافِقُهَا بِالنِّصْفِ، فَتَضْرِبُ نِصْفَ السِّتَّةِ فِي الْأُولَى تَكُنْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ، وَإِنْ شِئْتَ، نَسَبْتَ كُلَّ وَارِثٍ، وَأَعْطَيْتَهُ مِنَ التَّرِكَةِ مِثْلَيْ تِلْكَ النِّسْبَةِ، فَلِلْمَرْأَةِ تِسْعَةٌ - وَهِيَ خُمْسُ الْمَسْأَلَةِ - فَلَهَا خُمْسُ التَّرِكَةِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، لِلْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ ثَمَانِيَةٌ - وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِ الْخُمْسِ - فَلَهَا مِنَ التَّرِكَةِ ثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِ خُمْسِهَا، وَهِيَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَخَمْسَةُ أَتْسَاعِ دِينَارٍ، وَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ عِشْرُونَ - وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ الْمَسْأَلَةِ - فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ التَّرِكَةِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وَثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِ دِينَارٍ، وَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ سِتَّةٌ - وَهِيَ تُسْعُ الْمَسْأَلَةِ وَخُمْسُ تُسْعِهَا - فَلَهَا مِنَ التَّرِكَةِ دِينَارَانِ، وَثُلُثَانِ، وَإِنْ شِئْتَ قَسَمْتَ الْعِشْرِينَ عَلَى خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَضَرَبْتَ الْخَارِجَ بِالْقَسْمِ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ، فَيَخْرُجُ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ شِئْتَ، ضَرَبْتَ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي التَّرِكَةِ، وَقَسَمْتَ مَا بَلَغَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبٌ، وَإِنْ شِئْتَ وَافَقْتَ بَيْنَ التَّرِكَةِ وَالْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ هُنَا تُوَافَقُ بِالْأَخْمَاسِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 الدِّينَارِ، فَاجْعَلْ عَدَدَ الْقَرَارِيطِ كَالتَّرِكَةِ الْمَعْلُومَةِ، وَاعْمَلْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ كَانَتِ   [المبدع في شرح المقنع] فَتَرُدُّ الْمَسْأَلَةَ إِلَى تِسْعَةٍ، وَالتَّرِكَةَ إِلَى أَرْبَعَةٍ، وَتَضْرِبُ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي أَرْبَعَةٍ، وَتَقْسِمُهُ عَلَى تِسْعَةٍ، يَخْرُجُ مَا ذَكَرْنَا. (وَإِنْ أَرَدْتَ الْقِسْمَةَ عَلَى قَرَارِيطِ الدِّينَارِ) وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا فِي عُرْفِ بَلَدِنَا (فَاجْعَلْ عَدَدَ الْقَرَارِيطِ كَالتَّرِكَةِ الْمَعْلُومَةِ، وَاعْمَلْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ قَبْلُ فَإِذَا أَرَدْتَ قِسْمَةَ السِّهَامِ الْكَثِيرَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَاجْعَلِ التَّرِكَةَ كُلَّهَا قَرَارِيطَ، فَإِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ دِينَارَيْنِ وَقِيرَاطَيْنِ، فَابْسُطِ الْكُلَّ قَرَارِيطَ تَكُنْ خُمْسَيْنِ، ثُمَّ اعْمَلْ عَلَى نَحْوِ مَا إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ كُلُّهَا دَنَانِيرَ، فَإِنْ كَانَتِ السِّهَامُ كَثِيرَةً، وَأَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ سَهْمَ الْقِيرَاطِ، فَانْظُرْ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْهُ الْعَدَدُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَرَكَّبَ مِنْ ضَرْبِ عَدَدٍ فِي عَدَدٍ، فَانْسُبْ أَحَدَهُمَا إِلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ إِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا، وَخُذْ مِنَ الْعَدَدِ الْآخَرِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ، فَمَا كَانَ، فَهُوَ لِكُلِّ قِيرَاطٍ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، قَسَمْتَهُ عَلَيْهَا، فَمَا خَرَجَ بِالْقَسْمِ، فَاضْرِبْهُ فِي الْعَدَدِ الْآخَرِ، فَمَا بَلَغَ، فَهُوَ نَصِيبُ الْقِيرَاطِ كَسِتِّمِائَةٍ، فَإِنَّهَا مُتَرَكِّبَةٌ مِنْ ضَرْبِ عِشْرِينَ فِي ثَلَاثِينَ، فَانْسُبِ الْعِشْرِينَ إِلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، تَكُنْ نِصْفَهَا وَثُلُثَهَا، فَخُذْ نِصْفَ الثَّلَاثِينَ وَثُلُثَهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، فَهِيَ سَهْمُ الْقِيرَاطِ، وَإِنْ شِئْتَ قَسَمْتَ الثَّلَاثِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَيَخْرُجُ بِالْقَسْمِ سَهْمٌ وَرُبُعٌ، فَاضْرِبْهَا فِي الْعِشْرِينَ تَكُنْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَهِيَ سَهْمُ الْقِيرَاطِ، فَإِنْ كَانَ فِي سَهْمِ الْقِيرَاطِ كَسْرٌ بَسَطْتَهَا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ، وَنَسَبْتَهَا مِنْهَا، مِثَالُهُ: زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ، مَاتَتِ الْأُمُّ وَخَلَّفَتْ أُمًّا وَزَوْجًا وَأُخْتًا مِنْ أَبَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَيْنِ مِنْ أُمٍّ، فَالْأُولَى مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ عِشْرِينَ، فَتَضْرِبُ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْأُخْرَى تَكُنْ مِائَةً وَخَمْسِينَ، وَسَهْمُ الْقِيرَاطِ سِتَّةٌ وَرُبُعٌ، ابْسُطْهَا أَرْبَاعًا، تَكُنْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، فَهَذِهِ سَهْمُ الْقِيرَاطِ، فَلِلْبِنْتِ مِنَ الْأُولَى أَرْبَعَةٌ فِي عَشَرَةٍ، تَكُنْ أَرْبَعِينَ، فَلَهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعُ قَرَارِيطَ تَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ، اضْرِبْهَا فِي مُخْرَجِ الْكَسْرِ تَكُنْ سِتَّةً، اقْسِمْهَا عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ تَكُنِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ، فَصَارَ لَهَا سِتَّةٌ وَخُمُسَانِ، وَلِلْأَبِ مِنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ، فَلَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةٌ، وَابْسُطِ السَّهْمَ الْبَاقِيَ أَرْبَاعًا تَكُنْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ خُمْسٍ، وَلِزَوْجِ الْأُولَى ثَلَاثُونَ فَلَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةُ قَرَارِيطَ، وَابْسُطِ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ، تَكُنْ عِشْرِينَ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ قِيرَاطٍ، وَلِأُمِّ الثَّانِيَةِ سَهْمَانِ ابْسُطْهَا أَرْبَاعًا، تَكُنْ خَمْسَةَ قَرَارِيطَ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ خُمْسِ قِيرَاطٍ، وَكَذَلِكَ لِكُلِّ أُخْتٍ مِنْ أُمٍّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 التَّرِكَةُ سِهَامًا مِنْ عَقَارٍ كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْمَعَهَا مِنْ قَرَارِيطِ الدِّينَارِ، وَتُقَسِّمَهَا عَلَى مَا قُلْنَا، وَإِنْ شِئْتَ وَافَقْتَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ، وَضَرَبْتَ الْمَسْأَلَةَ أَوْ وَفْقَهَا فِي مُخْرَجِ سِهَامِ الْعَقَارِ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ فِي الْمَسْأَلَةِ مَضْرُوبٌ فِي السِّهَامِ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ سِتَّةٌ ابْسُطْهَا أَرْبَاعًا، تَكُنْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ قِيرَاطٍ، وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ خُمُسٍ. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ، وَمَا ضَاهَاهَا مِنَ الْأَمْصَارِ، جَعَلُوا الدِّرْهَمَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ حَبَّةً، وَالدَّانِقَ ثَمَانِ حَبَّاتٍ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ، وَصَيَّرُوا الدِّرْهَمَ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَالْقِيرَاطَ أَرْبَعَ حَبَّاتٍ، وَجَعَلُوا الدِّرْهَمَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ طَسُّوجًا، وَالطَّسُّوجُ حِينَئِذٍ حَبَّتَانِ وَالدِّينَارُ سِتِّينَ حَبَّةً، وَلَيْسَ بَيْنَ النَّاسِ اخْتِلَافٌ أَنَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَزْنُهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَالْمِثْقَالُ: دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّكَ إِذَا قَسَمْتَ الْعَشَرَةَ عَلَى السَّبْعَةِ خَرَجَ وَاحِدٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ، فَيَكُونُ الدِّرْهَمُ نِصْفَ مِثْقَالٍ وَخَمْسَةً؛ لِأَنَّ السَّبْعَةَ مِنَ الْعَشَرَةِ نِصْفُهَا وَخُمْسُهَا، وَأَمَّا الدِّينَارُ، فَهُوَ ثَمَانُ دَوَانِيقَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دَانِقٍ مِنْ دَوَانِيقِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، فَإِذَا زِدْتَ عَلَى سِتَّةٍ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِهَا، صَارَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ، وَالدِّينَارُ سَبْعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَسُبْعُ قِيرَاطٍ مِنْ قَرَارِيطِ الدِّرْهَمِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ طُسُّوجًا وَسُبْعُ طُسُّوجٍ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَسِتُّونَ حَبَّةً، وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ حَبَّةٍ مِنْ حَبَّاتِ الدِّرْهَمِ، وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ نِصْفُ الْمِثْقَالِ وَخُمْسُهُ، وَالْمِثْقَالُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا، فَنِصْفُهَا وَخُمْسُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَنِصْفُ الدِّرْهَمِ سَبْعَةُ قَرَارِيطَ، وَثُلُثُ الدِّرْهَمِ أَرْبَعَةُ قَرَارِيطَ وَثُلُثَا قِيرَاطٍ مِنْ قَرَارِيطِ الدِّينَارِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ قَرَارِيطَ وَحَبَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِيرَاطَ ثَلَاثُ حَبَّاتٍ. (فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ سِهَامًا مِنْ عَقَارٍ كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) فَلَكَ فِي عَمَلِهَا طَرِيقَانِ، وَهُوَ الْمُنَبَّهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْمَعَهَا مِنْ قَرَارِيطِ الدِّينَارِ) وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا فِي عُرْفِنَا (وَتَقْسِمَهَا عَلَى مَا قُلْنَا) فَعَلَى هَذَا إِذَا جَمَعْتَهَا عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ قَرَارِيطِ الدِّينَارِ، كَانَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَجَعَلْتَهَا كَأَنَّهَا دَنَانِيرُ، ثُمَّ قَسَمْتَ ذَلِكَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَزَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ، الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، هِيَ رُبُعُهَا وَثُمُنُهَا، فَلَهُ رُبُعُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَثُمُنُهَا، وَهُوَ خَمْسَةُ قَرَارِيطَ وَرُبُعٌ، وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ، هِيَ رُبُعُ التَّرِكَةِ، فَلَهَا رُبُعُ الْقَرَارِيطِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ، وَلِلْأُخْتِ مِثْلُ الزَّوْجِ، فَانْقَسَمَتْ بِغَيْرِ ضَرْبٍ (وَإِنْ شِئْتَ وَافَقْتَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ إِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ (وَضَرَبْتَ الْمَسْأَلَةَ، أَوْ وَفْقَهَا فِي مُخْرَجِ سِهَامِ الْعَقَارِ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَضْرُوبٌ فِي السِّهَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 الْمَوْرُوثَةِ مِنَ الْعَقَارِ أَوْ فِي وَفْقِهَا، فَمَا كَانَ فَانْسُبْهُ مِنَ الْمَبْلَغِ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمَوْرُوثَةِ مِنَ الْعَقَارِ، أَوْ فِي وَفْقِهَا، فَمَا كَانَ فَانْسُبْهُ مِنَ الْمَبْلَغِ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ) مِثَالُهُ: زَوْجٌ، وَأَبَوَانِ، وَابْنَتَانِ، وَالتَّرِكَةُ رُبُعُ دَارٍ وَخُمْسُهَا، الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، تُوَافَقُ السِّهَامُ الْمَوْرُوثَةُ فِي الْعَقَارِ بِالثُّلُثِ، فَإِنَّهَا تِسْعَةٌ، فَتَرُدُّ الْمَسْأَلَةَ إِلَى خَمْسَةٍ، ثُمَّ تَضْرِبُهَا فِي مُخْرَجِ سِهَامِ الْعَقَارِ، وَهِيَ عِشْرُونَ، تَكُنْ مِائَةً، فَلِلزَّوْجِ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْخُمْسُ، ثَلَاثَةٌ فِي وَفْقِ سِهَامِ الْعَقَارِ، ثَلَاثَةُ تِسْعَةٍ مِنْ مِائَةٍ، وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدَّارِ، وَخُمْسُ خُمْسِهَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثَةٍ سِتَّةً، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ عُشْرِ الدَّارِ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ ضِعْفُ ذَلِكَ، وَهُوَ عُشْرٌ، وَخُمْسُ عُشْرٍ، وَإِنْ شِئْتَ نَسَبْتَ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنَ الْمَسْأَلَةِ، فَمَا بَلَغَ أَعْطَيْتَهُ مِنْهَا بِقَدْرِ نِسْبَةِ السِّهَامِ إِلَى سِهَامِ الْعَقَارِ، فَلِلزَّوْجِ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْخُمْسُ فَلَهُ خُمْسُ التَّرِكَةِ، وَكَذَلِكَ نَفْعَلُ فِي الْبَوَاقِي، وَإِنْ لَمْ تُوَافِقِ السِّهَامُ الْمَوْرُوثَةُ الْمَسْأَلَةَ ضَرَبْتَ الْمَسْأَلَةَ جَمِيعَهَا فِي مُخْرَجِ سِهَامِ الْعَقَارِ، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَضْرُوبٌ فِي السِّهَامِ، فَمَا بَلَغَ، فَانْسُبْهُ مِنَ الْعَدَدِ الْمُجْتَمِعِ، فَمَا خَرَجَ بِالنِّسْبَةِ، فَلَهُ مِثْلُ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنَ الدِّينَارِ. وَحِسَابُ الْمَجْهُولَاتِ: زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَأُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَخَذَ الزَّوْجُ بِمِيرَاثِهِ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ دِينَارًا، كَمِ التَّرِكَةُ؟ فَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ، أَنْ تَقْسِمَ مَا أَخَذَهُ عَلَى سِهَامِهِ، فَيَخْرُجُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَاضْرِبْهَا فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ تَكُنْ مِائَةً وَعِشْرِينَ، وَهِيَ التَّرِكَةُ، وَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ مَا أَخَذَهُ فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ، تَكُنْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ، وَقَسَمْتَ ذَلِكَ عَلَى سِهَامِ الزَّوْجِ، يَخْرُجُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ مَا أَخَذَهُ فِي سِهَامِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَقَسَمْتَ ذَلِكَ عَلَى سِهَامِهِ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَاقِي التَّرِكَةِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: سِهَامُ مَنْ بَقِيَ مِثْلَ سِهَامِهِ مَرَّةً وَثَلَاثِينَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي خَمْسَةً وَسَبْعِينَ، فَإِنْ أَخَذَ وَارِثٌ بِدَيْنِهِ وَإِرْثِهِ جُزْءًا مِنَ التَّرِكَةِ، كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ، صَحَّحْتَ الْمَسْأَلَةَ، وَأَسْقَطْتَ مِنْهَا سَهْمَهُ، وَضَرَبْتَ مَا بَقِيَ فِي مُخْرَجِ الْجُزْءِ الَّذِي أَخَذَهُ، فَمَا ارْتَفَعَ مِنْهَا مَنْزِلَةٌ، ثُمَّ أَسْقِطْ مِنَ الْمُخْرَجِ مَا أَخَذَهُ، وَاضْرِبْ مَا بَقِيَ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ، فَمَا بَلَغَ فَإِرْثٌ، وَبَاقِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] الْآيَةَ، وَذَلِكَ إِذَا قَسَّمَ الْقَوْمُ الْمِيرَاثَ، فَقَالَ خَطَّابُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: قَسَمَ لِي أَبُو مُوسَى بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ كَانَتْ قَبْلَ الْفَرَائِضِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُمْ كُلُّ قَرَابَةٍ لَيْسَ بِذِي فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ، وَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ صِنْفًا: وَلَدُ الْبَنَاتِ، وَوَلَدُ الْأَخَوَاتِ، وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ، وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ، وَالْعَمُّ مِنَ الْأُمِّ، وَالْعَمَّاتُ، وَالْأَخْوَالُ، وَالْخَالَاتُ، وَأَبُو الْأُمِّ، وَكُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ أَوْ بِأَبٍ أَعْلَى مِنَ الْجَدِّ، وَمَنْ أَدْلَى بِهِمْ، وَيَرِثُونَ بِالتَّنْزِيلِ، وَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ] ِ هَذَا الْبَابُ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَبَيَانِ مِيرَاثِهِمْ، وَالْأَرْحَامُ جَمْعُ رَحِمٍ بِوَزْنِ كَتِفٍ، وَفِيهِ اللُّغَاتُ الْأَرْبَعُ فِي الْفَخْذِ، وَهُوَ بَيْتُ مَنْبِتِ الْوَلَدِ، وَوِعَاؤُهُ فِي الْبَطْنِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرَّحِمُ رَحِمُ الْأُنْثَى، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَالرَّحِمُ: الْقَرَابَةُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ: هِيَ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي، وَهُوَ النَّسَبُ وَالِاتِّصَالُ الَّذِي يَجْمَعُ وَالِدَهُ، فَسُمِّيَ الْمَعْنَى بِاسْمِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ، ثُمَّ يُطْلَقُ الرَّحِمُ عَلَى كُلِّ قَرَابَةٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا قَرَابَةٌ مَخْصُوصَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَهُمْ كُلُّ قَرَابَةٍ لَيْسَ بِذِي فَرْضٍ، وَلَا عَصَبَةٍ) وَهُمْ أَحَدُ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورِينَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَعْدَادِهِمْ، فَقَالَ (وَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ صِنْفًا: وَلَدُ الْبَنَاتِ، وَوَلَدُ الْأَخَوَاتِ، وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ، وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ، وَالْعَمُّ مِنَ الْأُمِّ، وَالْعَمَّاتُ، وَالْأَخْوَالُ، وَالْخَالَاتُ، وَأَبُو الْأُمِّ، وَكُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ، أَوْ بِأَبٍ أَعْلَى مِنَ الْجَدِّ، وَمَنْ أَدْلَى بِهِمْ) فَهَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَهُمْ وَارِثُونَ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ، وَلَا ذُو فَرْضٍ مِنْ أَهْلِ الرَّدِّ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَقَالَهُ شُرَيْحٌ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَعَلْقَمَةٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَحَكَاهُ الْخَبْرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ، وَكَانَ زَيْدٌ لَا يُوَرِّثُهُمْ، وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِمَا نَحْوَهُ، وَقَالَهُ الزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَالشَّافِعِيُّ، لِمَا رَوَى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ إِلَى قُبَاءَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا» رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّ الْعَمَّةَ، وَبِنْتَ الْأَخِ لَا يَرِثَانِ مَعَ إِخْوَتِهِمَا، فَلَا يَرِثَانِ مُنْفَرِدَتَيْنِ كَالْأَجْنَبِيَّاتِ، وَلِأَنَّ انْضِمَامَ الْأَخِ إِلَيْهِمَا يُقَوِّيهِمَا، بِدَلِيلِ أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ يُعَصِّبُهُنَّ أَخُوهُنَّ، فَإِذَا لَمْ تَرِثْ هَاتَانِ مَعَ أَخِيهِمَا، فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْمَوَارِيثَ إِنَّمَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا، وَجَوَابُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] أَيْ: أَحَقُّ بِالتَّوَارُثِ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَانَ التَّوَارُثُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ بِالْحِلْفِ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: دَمِي دَمُكَ، وَمَالِي مَالُكَ تَنْصُرُنِي وَأَنْصُرُكَ، وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، فَيَتَعَاقَدَانِ الْحِلْفَ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، فَيَتَوَارَثَانِ بِهِ دُونَ الْقَرَابَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، وَصَارَ التَّوَارُثُ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ، وَلَمْ يُهَاجِرْ، وَرِثَهُ الْمُهَاجِرُونَ دُونَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ} [الأنفال: 75] الْآيَةَ، وَعَنِ الْمِقْدَادِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمَا، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَرَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ نَحْوَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَإِلَى هَذَا الْحَدِيثِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ شَخْصٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَدْلَى بِهِ، فَتَجْعَلَ وَلَدَ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ كَأُمَّهَاتِهِمْ،   [المبدع في شرح المقنع] أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ نَحْوَهُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا خَالٌ، فَلَا وَارِثَ لَهُ، كَمَا يُقَالُ: الْجُوعُ زَادُ مَنْ لَا زَادَ لَهُ، وَالْمَاءُ طِيبُ مَنْ لَا طِيبَ لَهُ، وَالصَّبْرُ حِيلَةُ مَنْ لَا حِيلَةَ لَهُ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْخَالِ السُّلْطَانَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: يَرِثُ مَالَهُ وَيَرِثُهُ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا ذَلِكَ، وَأَنَّهُ سَمَّاهُ وَارِثًا، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ النَّفْيَ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِثْبَاتِ، كَقَوْلِهِمْ: يَا عِمَادَ مَنْ لَا عِمَادَ لَهُ، وَيَا سَنَدَ مَنْ لَا سَنَدَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ ذُو قَرَابَةِ فَيَرِثُ، كَذَوِي الْفَرْضِ، وَلِأَنَّهُ سَاوَى النَّاسَ فِي الْإِسْلَامِ، وَزَادَ عَلَيْهِمْ بِالْقَرَابَةِ، فَكَانَ أَوْلَى بِمَالِهِ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا كَانَ أَحَقَّ فِي الْحَيَاةِ بِصَدَقَتِهِ وَصِلَتِهِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ بِوَصِيَّتِهِ مَعَ أَنَّ حَدِيثَهُمْ مُرْسَلٌ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُ مَعَ ذَوِي الْفَرْضِ وَالْعَصَبَاتِ، وَقَوْلُهُ: لَا يَرِثَانِ مَعَ إِخْوَتِهِمَا، لِأَنَّهُمَا أَقْوَى، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ إِنَّمَا يُثْبَتُ بِالنَّصِّ، وَلَا نَصَّ هُنَا، مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَالْإِرْثُ بِالرَّدِّ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمْ، قَالَ الْخَبْرِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُمَا وَرَّثَا الْخَالَ مَعَ الْبِنْتِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَصَبَةٌ، أَوْ مَوْلًى؛ لِئَلَّا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ. 1 - (وَيَرِثُونَ بِالتَّنْزِيلِ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُمْ يَرِثُونَ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، فَجَعَلُوا أَوْلَادَهُمْ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ، ثُمَّ أَوْلَادَ الْأَخَوَاتِ، ثُمَّ الْأَخْوَالَ، وَالْخَالَاتِ، وَالْعَمَّاتِ، وَأَوْلَاهُمْ مَنْ كَانَ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ لِأُمٍّ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِهِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْخَبْرِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَيُسَمَّى مَذْهَبُهُمْ قَوْلَ أَهْلِ الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا بَاقِي الْمُوَرِّثِينَ لَهُمْ، فَيُسَمَّوْنَ بِالْمُنَزِّلِينَ، وَهُمْ فِيهِ عَلَى مَذْهَبٍ، وَإِنَّمَا الْقَوْلُ عَلَى قَوْلِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنَ الْمُنَزِّلِينَ، وَبِهِ يُفْتِي أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْيَوْمَ لِعَدَمِ بَيْتِ الْمَالِ. (وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ شَخْصٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَدْلَى بِهِ) لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَةَ الْوَارِثِ الَّذِي يُدْلِي بِهِ، وَقَسَّمُوا نَصِيبَ الْوَارِثِ بَيْنَ الْمُدْلِينَ بِهِ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ مِنْهُ، فَإِنْ بَعُدُوا، نَزَلُوا دَرَجَةً دَرَجَةً حَتَّى يَصِلُوا إِلَى مَنْ يَمُتُّونَ بِهِ، فَيَأْخُذُونَ مِيرَاثَهُ. (فَيَجْعَلَ وَلَدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ، وَوَلَدَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ كَآبَائِهِمْ، وَالْأَخْوَالَ وَالْخَالَاتِ وَأَبَا الْأُمِّ كَالْأُمِّ، وَالْعَمَّاتِ وَالْعَمَّ مِنَ الْأُمِّ كَالْأَبِ، وَعَنْهُ: كَالْعَمِّ. ثُمَّ يَجْعَلَ نَصِيبَ كُلِّ   [المبدع في شرح المقنع] الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ، كَأُمَّهَاتِهِمْ، وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ، وَوَلَدَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ كَآبَائِهِمْ، وَالْأَخْوَالَ، وَالْخَالَاتِ، وَأَبَا الْأُمِّ كَالْأُمِّ، وَالْعَمَّاتِ، وَالْعَمَّ مِنَ الْأُمِّ كَالْأَبِ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَنْزِيلِ الْعَمَّةِ أَبًا، وَالْخَالَةِ أُمًّا، لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ، وَفِي ابْنِ الْمُنَجَّا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «الْعَمَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا أَبٌ، وَالْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا أُمٌّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّ الْأَبَ أَقْوَى جِهَاتِ الْعَمَّةِ، وَالْأُمَّ أَقْوَى جِهَاتِ الْخَالَةِ، فَتَعَيَّنَ تَنْزِيلُهُمَا بِهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا، كَبِنْتِ الْأَخِ، وَبِنْتِ الْعَمِّ، فَإِنَّهُمَا يُنَزَّلَانِ مَنْزِلَةَ أَبَوَيْهِمَا دُونَ أَخَوَيْهِمَا، وَلِأَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ لَهُمَا قَرَابَاتٌ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَوْرِيثُهُمَا بِجَمِيعِهَا، وَرِثْنَاهَا بِالْأَقْوَى، كَالْمَجُوسِ عِنْدَ مَنْ لَا يُوَرِّثُهُمْ بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِمْ، وَكَالْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَإِنَّا نُوَرِّثُهُ بِالتَّعْصِيبِ، وَهِيَ جِهَةُ أَبِيهِ دُونَ قَرَابَةِ أُمِّهِ (وَعَنْهُ) أَنَّ الْعَمَّةَ وَالْعَمَّ مِنَ الْأُمِّ (كَالْعَمِّ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَهُ عَلْقَمَةُ، وَمَسْرُوقٌ، فَعَلَى هَذِهِ يَجْعَلُهُنَّ كُلَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَاهُمْ، وَعَنْهُ: الْعَمَّةُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كَجَدٍّ، فَعَلَى هَذِهِ الْعَمَّةُ لِأُمٍّ، وَالْعَمُّ لِأُمٍّ، كَالْجَدَّةِ أُمِّهِمَا، وَهَلْ عَمَّةُ الْأَبِ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ كَالْجَدِّ أَوْ كَعَمِّ الْأَبِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ كَأَبِي الْجَدِّ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْجَدِّ، أَوْ بِأَخِيهِ، أَوْ بِأُمِّهِ، وَهَلْ عَمُّ الْأَبِ مِنَ الْأُمِّ، وَعَمَّةُ الْأَبِ لِأُمٍّ كَالْجَدِّ، أَوْ كَعَمِّ الْأَبِ مِنْ أَبَوَيْنِ، أَوْ كَأُمِّ الْجَدِّ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَيْسَا كَأَبِي الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُمَا. مَسَائِلُ: بِنْتُ بِنْتٍ، وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتُ أَخٍ، فَالْبَاقِي لَهَا، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا خَالَةٌ، فَلِبِنْتِ الْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ، وَلِلْخَالَةِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ، فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْخَالَةِ عَمَّةٌ، حَجَبَتْ بِنْتَ الْأَخِ، وَأَخَذَتِ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ الْعَمَّةَ كَالْأَبِ، فَيَسْقُطُ مَنْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ، وَمَنْ نَزَّلَهَا عَمًّا، جَعَلَ الْبَاقِيَ لِبِنْتِ الْأَخِ، وَأَسْقَطَ بِهَا الْعَمَّةَ، وَمَنْ نَزَّلَهَا جَدًّا، قَاسَمَ بِهَا ابْنَةَ الْأَخِ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَمَنْ نَزَّلَهَا جَدَّةً، جَعَلَ لَهَا السُّدُسَ، وَلِبِنْتِ الْأَخِ الْبَاقِي، وَفِي قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ: لَا تَرِثُ بِنْتُ الْأَخِ مَعَ بِنْتِ الْبِنْتِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 وَارِثٍ لِمَنْ أَدْلَى بِهِ، فَإِنْ أَدْلَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِوَاحِدٍ، وَاسْتَوَتْ مَنَازِلُهُمْ مِنْهُ، فَنَصِيبُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ سَوَاءٌ؛ وَعَنْهُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا وَلَدَ الْأُمِّ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُسَوَّى بَيْنَهُمْ إِلَّا الْخَالَ وَالْخَالَةَ وَإِذَا كَانَ ابْنٌ وَبِنْتُ أُخْتٍ وَبِنْتُ أُخْتٍ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَا مَعَ بِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ شَيْئًا. (ثُمَّ يَجْعَلُ نَصِيبَ كَلِّ وَارِثٍ لِمَنْ أَدْلَى بِهِ) كَمَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ أَدْلَى جَمَاعَةٌ بِوَاحِدٍ، وَاسْتَوَتْ مَنَازِلُهُمْ مِنْهُ) بِأَنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ (فَنَصِيبُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ) كَإِرْثِهِمْ مِنْهُ (ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ سَوَاءٌ) نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَحَنْبَلٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ فِي الْخَالِ وَالْخَالَةِ يُعْطَوْنَ بِالسَّوِيَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالرَّحِمِ الْمُجَرَّدَةِ، فَاسْتَوَى ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، كَوَلَدِ الْأُمِّ (وَعَنْهُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) نَقَلَهُ الْمَرْوَذِيُّ، وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَعَامَّةُ الْمُنَزَّلِينَ كَالْأَوْلَادِ، وَلِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مُعْتَبَرٌ بِغَيْرِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُمْ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ لِاسْتِيعَابِهِمُ الْمَالَ بِهِ، وَلَا عَلَى الْعَصَبَةِ الْبَعِيدِ؛ لِانْفِرَادِ الذَّكَرِ بِهِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمْ بِالْقُرْبِ مِنَ الْعَصَبَاتِ (إِلَّا وَلَدَ الْأُمِّ) وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ يُسَوِّي ذَكَرَهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْفَرْعِ مَا لِلْأَصْلِ، إِلَّا فِي قَوْلِ مَنْ أَمَاتَ السَّبَبَ، فَإِنَّ عِنْدَهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُسَوَّى بَيْنَهُمْ، إِلَّا الْخَالَ، وَالْخَالَةَ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، فِي التَّذْكِرَةِ، وَقَالَ: اسْتِحْسَانًا، يَعْنِي أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ التَّسْوِيَةُ، خَرَجَ مِنْهُ الْخَالُ وَالْخَالَةُ، عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْخَالُ وَالِدٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ أُمٌّ، وَالْخَالَةُ أُمٌّ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ» فَإِنْ صَحَّ فَيُعَكَّرُ عَلَيْهِ تَنْزِيلُ الْخَالِ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا أَعْلَمُ لَهُ مُوَافِقًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَلَا عَلِمْتُ وَجْهَهُ. قَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَجِدْ هَذَا بِعَيْنِهِ عَنْ أَحْمَدَ، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي ذَكَرٍ وَأُنْثَى، أَبُوهُمَا وَأُمُّهُمَا وَاحِدٌ، فَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتْ آبَاؤُهُمْ وَأُمَّهَاتُهُمْ كَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ الْمُفْتَرِقِينَ وَالْعَمَّاتِ الْمُفْتَرِقَاتِ، أَوْ إِذَا أَدْلَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِغَيْرِ مَنْ أَدْلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 أُخْرَى، فَلِبِنْتِ الْأُخْتِ وَحْدَهَا النِّصْفُ، وَلِلْأُخْرَى وَأَخِيهَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَنَازِلُهُمْ مِنَ الْمُدْلَى بِهِ، جَعَلْتَهُ كَالْمَيِّتِ، وَقَسَّمْتَ نَصِيبَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، كَثَلَاثِ خَالَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، وَثَلَاثِ عَمَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، فَالثُّلُثُ بَيْنَ الْخَالَاتِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْعَمَّاتِ كَذَلِكَ، فَاجْتَزِئْ بِإِحْدَاهُمَا، وَاضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ،   [المبدع في شرح المقنع] بِهِ الْآخَرُ كَابْنِ بِنْتٍ، وَبِنْتِ بِنْتٍ أُخْرَى، فَلَهُ مَوْضِعٌ يُذْكَرُ فِيهِ، مِثَالُهُ: ابْنُ أُخْتٍ مَعَهُ أُخْتُهُ، أَوِ ابْنُ بِنْتٍ مَعَهُ أُخْتُهُ، الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَأَثْلَاثًا عَلَى الثَّانِيَةِ، بِنْتُ بِنْتٍ، وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ، هِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ عِنْدَ الْمَنَزِّلِينَ جَمِيعِهِمْ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْقَرَابَةِ، الْمَالُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتَا بِنْتِ ابْنٍ أُخْرَى، فَكَأَنَّهُمْ بِنْتَا ابْنٍ وَبِنْتٍ، فَمَسْأَلَتُهُمْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ. (وَإِذَا كَانَ ابْنٌ، وَبِنْتُ أُخْتٍ، وَبِنْتُ أُخْتٍ أُخْرَى، فَلِبِنْتِ الْأُخْتِ وَحْدَهَا النِّصْفُ) لِأَنَّهُ حَقُّ أُمِّهَا (وَلِلْأُخْرَى وَأَخِيهَا، النِّصْفُ بَيْنَهُمَا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، فَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْمَنَزِّلِينَ فِي أَنَّ لِوَلَدِ كُلِّ أُخْتٍ مِيرَاثُهَا، وَهُوَ النِّصْفُ، فَمَنْ سَوَّى جَعَلَ النِّصْفَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالنِّصْفَ الْآخَرَ لِلْأُخْرَى، وَمَنْ فَصَلَ جَعَلَهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِلِابْنِ النِّصْفُ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ الرُّبُعُ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لِوَلَدِ الْأُخْتِ الْأُولَى الثُّلُثَانِ، بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَلِلْأُخْرَى الثُّلُثُ، وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ. (وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَنَازِلُهُمْ مِنَ الْمُدْلَى بِهِ، جَعَلْتَهُ كَالْمَيِّتِ) لِأَنَّ جِهَةَ اخْتِلَافِ الْمَنَازِلِ تَظْهَرُ بِذَلِكَ (وَقَسَّمْتَ نَصِيبَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ) لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ، وَالْمَيِّتُ يُقَسَّمُ نَصِيبُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ، بِحَسَبِ مَنَازِلِهِمْ مِنْهُ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، بِقَوْلِهِ: (كَثَلَاثِ خَالَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، وَثَلَاثِ عَمَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، فَالثُّلُثُ بَيْنَ الْخَالَاتِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ) ؛ لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِالْأُمِّ (وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْعَمَّاتِ كَذَلِكَ) لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِالْأَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمَنَازِلُهُمْ مِنْهُ مُخْتَلِفَةٌ، فَكَأَنَّ الْمَيِّتَ ظَنَّهُ أَبًا وَأُمًّا، فَمَا صَارَ لِلْأُمِّ بَيْنَ إِخْوَتِهَا عَلَى خَمْسَةٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَمَّاتِ، فَصَارَ الْكَسْرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى خَمْسَةٍ (فَاجْتُزِئَ بِإِحْدَاهِمَا) أَيْ: أَحَدُهُمَا يُجْزِئُ عَنِ الْآخَرِ (وَاضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ) لِأَنَّ فِيهَا ثُلُثًا، وَكُلٌّ مِنَ الْقَبِيلَيْنِ مَسْأَلَتُهُ مِنْ سِتَّةٍ، فَتَرْجِعُ بِالرَّدِّ إِلَى خَمْسَةٍ، وَسَهْمُ كُلِّ قَبِيلٍ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى مَسْأَلَةٍ، وَلَا يُوَافَقُ، فَاكْتَفِ بِأَحَدِهِمَا لِتَمَاثُلِهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 تَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، لِلْخَالَةِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ سَهْمٌ، وَلِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ سَهْمٌ، وَلِلْعَمَّةِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ سَهْمَانِ، وَلِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ سَهْمَانِ، فَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ أَخْوَالٍ مُفْتَرِقِينَ، فَلِلْخَالِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْخَالِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَبُو أُمٍّ، أَسْقَطَهُمْ، كَمَا يُسْقِطُ الْأَبُ الْإِخْوَةَ. وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَ بَنَاتِ عُمُومَةٍ مُفْتَرِقِينَ،   [المبدع في شرح المقنع] وَاضْرِبْهُ (تَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ) فَلِلْخَالَاتِ سَهْمٌ فِي خَمْسَةٍ مَقْسُومَةٍ بَيْنَهُنَّ (لِلْخَالَةِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ سَهْمٌ، وَلِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ سَهْمٌ) لِأَنَّ الثُّلُثَ قَدْ صَارَ لِلْأُمِّ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَ إِخْوَتِهِمْ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتٌ لَهَا مُتَفَرِّقَاتٌ، فَيُقَسَّمُ نَصِيبُهَا بَيْنَهُنَّ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ (وَلِلْعَمَّةِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ سَهْمَانِ، وَلِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ سَهْمَانِ) وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْمُنَزِّلِينَ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْقَرَابَةِ، لِلْعَمَّةِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَلِلْخَالَةِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ الثُّلُثُ، وَسَقَطَ سَائِرُهُمْ، وَقَالَ نُعَيْمٌ، وَإِسْحَاقُ: الْخَالَاتُ كُلُّهُنَّ سَوَاءٌ، فَيَكُونُ نَصِيبُهُنَّ بَيْنَهُنَّ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَكَذَلِكَ نَصِيبُ الْعَمَّاتِ بَيْنَهُنَّ عَلَى ثَلَاثَةٍ، يَتَسَاوُونَ فِيهِ، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِسْعَةٍ، فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ إِنْ كَانَ مَعَ الْخَالَاتِ خَالٌ مِنْ أُمٍّ، وَمَعَ الْعَمَّاتِ عَمٌّ مِنْ أُمٍّ، فَسَهْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عِنْدَ الْمُنَزِّلِينِ (وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ أَخْوَالٍ مُفْتَرِقِينَ، فَلِلْخَالِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْخَالِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ) كَمَا لَوْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ إِخْوَةٍ مُفْتَرِقِينَ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْأَخُ مِنَ الْأَبِ بِالْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، كَسُقُوطِ الْخَالِ مِنَ الْأَبِ بِهِ، فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ) أَيْ: مَعَ الْأَخْوَالِ (أَبُو أُمٍّ أَسْقَطَهُمْ، كَمَا يُسْقِطُ الْأَبُ الْإِخْوَةَ) لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ يُدْلِي مِثْلَ حُكْمِ الْمُدْلَى بِهِ، وَالْأَبُ الْمُدْلَى بِهِ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ، فَكَذَا أَبُو الْأُمِّ الْمُدْلَى بِهِ يُسْقِطُهُمْ، قَالَ فِي الْفُنُونِ: خَالَةُ الْأَبِ كَأُخْتِهَا الْجَدَّةِ أُمِّ الْأَبِ، وَتَقَدَّمَ: هَلِ الْعَمَّةُ كَأَبٍ، أَمْ لَا؟ وَلَمَّا أَسْقَطَتِ الْأُمُّ أُمَّهَاتِ الْأَبِ كَأُمَّهَاتِهَا، عُلِمَ أَنَّ كُلَّهُنَّ يُدْلِينَ بِالْأُمُومَةِ مَعَ جِهَةِ الْأُبُوَّةِ، وَالْعَجَبُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَنَّ قَرَابَتَيِ الْأَبِ مِنْ جَانِبَيْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، كَجِهَتَيْنِ، وَجِهَةُ الْأُمُومَةِ مَعَ جِهَةِ الْأُبُوَّةِ كَجِهَةٍ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. مَسْأَلَةٌ: ثَلَاثَةُ أَخْوَالٍ مُفْتَرِقِينَ، مَعَهُمْ أَخَوَاتُهُمْ، وَعَمٌّ، وَعَمَّةٌ مِنْ أُمٍّ، الثُّلُثُ بَيْنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 فَالْمَالُ لِبِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ وَحْدَهَا وَإِنْ أَدْلَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِجَمَاعَةٍ، قَسَّمْتَ الْمَالَ   [المبدع في شرح المقنع] الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ عَلَى سِتَّةٍ، لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ مِنَ الْأُمِّ، الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَثُلُثَاهُ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ عِنْدَ مَنْ فَضَلَ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْمُنَزِّلِينَ، وَالثَّانِيَةُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ فِيهِمَا. (وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَ بَنَاتِ عُمُومَةٍ مُفْتَرِقِينَ، فَالْمَالُ لِبِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ وَحْدَهَا) نُصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُنَّ أُقِمْنَ مَقَامَ آبَائِهِنَّ، فَبِنْتُ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهَا، وَبِنْتُ الْعَمِّ مِنَ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهَا، وَبِنْتُ الْعَمِّ مِنَ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهَا، وَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَخَلَّفَ ثَلَاثَةَ أَعْمَامٍ مُفْتَرِقِينَ، كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، لِسُقُوطِ الْعَمِّ مِنَ الْأَبِ بِهِ، وَالْآخِرِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: الْمَالُ بَيْنَ بِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، وَبِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأُمِّ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لِبِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، كَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ، وَرَدَّهُ فِي " الْمُغْنِي " بِأَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ آبَائِهِنَّ، وَفَارَقَ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ؛ لِأَنَّ آبَاءَهُنَّ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ، وَيَرِثُ الْأَخُ مِنَ الْأُمِّ مَعَ الْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، بِخِلَافِ الْعُمُومَةِ، وَقِيلَ: عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ: الْمَالُ لِبِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ دَرَجَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، فَيَسْقُطُ بِهِ الْعَمُّ، قَالَ الْخَبْرِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ قَوْلًا مِنْ رَأْيِهِ يُفْضِي إِلَى هَذَا، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْأُبُوَّةَ جِهَةً، وَالْعُمُومَةَ جِهَةً أُخْرَى، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": وَلَوْ عُلِمَ إِفْضَاءُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى هَذَا، لَمْ يُذْهَبْ إِلَيْهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَإِسْقَاطِ الْقَوِيِّ بِالضَّعِيفِ، وَالْقَرِيبِ بِالْبَعِيدِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ، أَنَّ الْحُكْمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 بَيْنَ الْمُدْلَى بِهِمْ كَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، فَمَا صَارَ لِكُلِّ وَارِثٍ، فَهُوَ لِمَنْ أَدْلَى بِهِ، وَإِنْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، عَمِلْتَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ سَبَقَ إِلَى الْوَارِثِ وَرِثَ وَأَسْقَطَ غَيْرَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ جِهَتَيْنِ، فَيُنْزِلَ الْبَعِيدَ حَتَّى يَلْحَقَ بِوَارِثِهِ، سَوَاءٌ سَقَطَ بِهِ الْقَرِيبُ أَوْ لَا، كَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ، وَبِنْتِ أَخٍ لِأُمٍّ، الْمَالُ لِبِنْتِ   [المبدع في شرح المقنع] فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْعُمُومَةَ لَيْسَتْ جِهَةً مُنْفَرِدَةً، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَكَذَا الْخِلَافُ إِنْ كَانَ مَعَهُنَّ بِنْتُ عَمِّهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْجَمِيعِ بِنْتُ أَخِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، فَالْكُلُّ لَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ أَدْلَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِجَمَاعَةٍ، قَسَّمْتَ الْمَالَ بَيْنَ الْمُدْلَى بِهِمْ، كَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ) لِأَنَّهُمْ أَصْلُ مَنْ أَدْلَى بِهِمْ (فَمَا صَارَ لِكُلِّ وَارِثٍ فَهُوَ لِمَنْ أَدْلَى بِهِ) إِذَا لَمْ يَسْبِقْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِأَنَّهُمْ وُرَّاثُهُ، فَإِذَا خَلَّفَ ثَلَاثَ بَنَاتِ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ، وَثَلَاثَ بَنَاتِ أُخْتٍ لِأَبٍ، وَثَلَاثَ بَنَاتِ أُخْتٍ لِأُمٍّ، وَثَلَاثَ بَنَاتِ عَمٍّ، اقْسِمِ الْمَالَ بَيْنَ الْمُدْلَى بِهِ، فَلِبَنَاتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ النِّصْفُ، وَلِبَنَاتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ السُّدُسُ، وَلِلْآخَرِينَ كَذَلِكَ، وَالْبَاقِي هُوَ سَهْمٌ لِلْعَمِّ، ثُمَّ اقْسِمْ نَصِيبَ كَلِّ وَارِثٍ عَلَى وَرَثَتِهِ، فَنَصِيبُ الْأُخْتِ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى بَنَاتِهَا، صَحِيحٌ عَلَيْهِنَّ، وَنَصِيبُ الْأُخْتِ لِلْأَبِ عَلَى بَنَاتِهَا، لَا يَصِحُّ، وَلَا يُوَافَقُ، وَكَذَا نَصِيبُ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ، وَالْأَعْدَادُ مُتَمَاثِلَةٌ، فَاجْتَزِئْ بِبَعْضِهَا، وَاضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِبَنَاتِ الْأُخْتِ لِلْأَبَوَيْنِ تِسْعَةٌ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةٌ، وَلِبَنَاتِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ ثَلَاثَةٌ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمٌ، وَلِبَنَاتِ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ كَذَلِكَ، وَلِبَنَاتِ الْعَمِّ مِثْلُهُنَّ. (وَإِنْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، عَمِلْتَ عَلَى ذَلِكَ) كَأَبِي الْأُمِّ، وَالْأَخْوَالِ، فَأَسْقِطِ الْأَخْوَالَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ، وَثَلَاثُ بَنَاتِ إِخْوَةٍ مُفْتَرِقِينَ، لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلَّتِي مِنَ الْأَبَوَيْنِ كَآبَائِهِنَّ (وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ سَبَقَ إِلَى الْوَارِثِ وَرِثَ) وَلَوْ بَعُدَ عَنِ الْمَيِّتِ (وَأَسْقَطَ غَيْرَهُ) إِذَا كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَبِنْتِ بِنْتٍ، وَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ، الْمَالُ لِلْأُولَى؛ لِأَنَّ الْقَرِيبَ يَرِثُ، وَيُسْقِطُ الْبَعِيدَ، وَكَخَالَةٍ، وَأُمِّ أَبِي أُمٍّ، الْمِيرَاثُ لِلْخَالَةِ؛ لِأَنَّهَا تَلْقَى الْأُمَّ بِأَوَّلِ دَرَجَةٍ (إِلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ جِهَتَيْنِ، فَيُنَزَّلُ الْبَعِيدُ حَتَّى يَلْحَقَ بِوَارِثِهِ) فَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ (سَوَاءٌ سَقَطَ بِهِ الْقَرِيبُ أَوْ لَا) عِنْدَ الْمُنَزِّلِينِ فِي ذَلِكَ (كَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ، وَبِنْتِ أَخٍ لِأُمٍّ، الْمَالُ لِبِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ) لِأَنَّ جَدَّتَهَا - وَهِيَ الْبِنْتُ - تُسْقِطُ الْأَخَ مِنَ الْأُمِّ، وَمَنْ وَرَّثَ الْأَقْرَبَ، جَعَلَهُ لِبِنْتِ الْأَخِ، وَحَكَى هَذَا فِي " التَّرْغِيبِ " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 بِنْتِ الْبِنْتِ. وَالْجِهَاتُ أَرْبَعٌ: الْأُبُوَّةُ، وَالْأُمُومَةُ، وَالْبُنُوَّةُ، وَالْأُخُوَّةُ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ الْعُمُومَةَ جِهَةً خَامِسَةً، وَهُوَ مُفْضٍ إِلَى إِسْقَاطِ بِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ بِبِنْتِ   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَةً، فَقَالَ: الْإِرْثُ لِلْجِهَةِ الْقُرْبَى مُطْلَقًا، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": ابْنُ بِنْتٍ، وَابْنُ أُخْتٍ لِأُمٍّ، لَهُ السُّدُسُ، وَلِابْنِ الْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، نَقَلَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ فِي خَالَةٍ، وَبِنْتِ خَالَةٍ، وَبِنْتِ ابْنِ عَمٍّ، لِلْخَالَةِ الثُّلُثُ، وَلِابْنَةِ ابْنِ الْعَمِّ الثُّلُثَانِ، وَلَا تُعْطَى بِنْتُ الْخَالَةِ شَيْئًا، وَنَقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ قَوْلًا حَسَنًا، إِذَا كَانَتْ خَالَةٌ، وَبِنْتُ ابْنِ عَمٍّ، تُعْطَى الْخَالَةُ الثُّلُثَ، وَبِنْتُ ابْنِ الْعَمِّ الثُّلُثَيْنِ. فَرْعٌ: إِذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَخَذَ الْمَالَ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً، فَأَدْلَوْا بِشَخْصٍ وَاحِدٍ، كَخَالَةٍ، وَأُمِّ أَبِي أُمٍّ، وَابْنِ خَالٍ، فَالْمَالُ لِلْخَالَةِ؛ لِأَنَّهَا تَلْقَى الْأُمَّ بِأَوَّلِ دَرَجَةٍ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْمُنَزِّلِينَ، إِلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ، وَشَرِيكٍ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً، فَإِنَّهُمْ أَمَاتُوا الْأُمَّ، وَجَعَلُوا نَصِيبَهَا لِوَرَثَتِهَا، وَيُسَمَّى قَوْلُهُمْ قَوْلَ مَنْ أَمَاتَ السَّبَبَ، وَاسْتَعْمَلَهُ بَعْضُ الْفَرْضِيِّينَ فِي جَمِيعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ. 1 - (وَالْجِهَاتُ) الَّتِي يَرِثُ بِهَا ذَوُو الْأَرْحَامِ (أَرْبَعٌ: الْأُبُوَّةُ، وَالْأُمُومَةُ، وَالْبُنُوَّةُ، وَالْأُخُوَّةُ) لِأَنَّ الْمُدْلَى بِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ آخِرًا أَنَّهَا ثَلَاثٌ، وَأَنَّ الْأُخُوَّةَ لَيْسَتْ مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا يَرِثُ أَسْبَقُهُمْ إِلَى الْوَارِثِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ أَوْلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا هُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، فَعَلَى هَذَا الْعَمُّ يُدْلِي بِالْأُبُوَّةِ، وَالْخَالُ يُدْلِي بِالْأُمُومَةِ، وَبَنَاتُ الِابْنِ بِالْبُنُوَّةِ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ بِالْأُخُوَّةِ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إِسْقَاطُ بِنْتِ عَمِّهِ، مَعَ بُعْدِهَا كَبِنْتِ أَخٍ، وَيَلْزَمُ عَلَى جِهَةِ الْبُنُوَّةِ إِسْقَاطُهَا لِبِنْتِ بِنْتِ أَخٍ (وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْعُمُومَةُ جِهَةٌ خَامِسَةٌ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 الْعَمِّ مِنَ الْأُمِّ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ، وَمَا نَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا، وَمَنْ أَمَتَّ بِقَرَابَتَيْنِ، وَرِثَ بِهِمَا، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ عَدَّ الْجِهَاتِ، وَبَيَّنَهَا إِلَّا أَبَا الْخَطَّابِ، فَإِنَّهُ عَدَّهَا خَمْسَ جِهَاتٍ (وَهُوَ مُفْضٍ إِلَى إِسْقَاطِ بِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ بِبِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأُمِّ، وَبِنْتِ الْعَمَّةِ) لِأَنَّ بِنْتَ الْعَمِّ مِنَ الْأُمِّ وَبِنْتَ الْعَمَّةِ يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ، وَبِنْتَ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ تُدْلِي بِأَبِيهَا، وَهُوَ عَمٌّ، وَالْأَبُ يُسْقِطُ الْعَمَّ (وَمَا نَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا) وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ أَحْمَدَ مَعَ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّ قَوْلَهُ قِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ دَرَجَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَالْأَبُ يُسْقِطُ الْعَمَّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْبُنُوَّةُ كُلُّهَا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنْهُ: كُلُّ وَلَدٍ لِلصُّلْبِ جِهَةٌ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدِي، وَعَنْهُ: كُلُّ وَارِثٍ جِهَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتُ بِنْتِ بِنْتٍ، وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ، إِنْ قُلْنَا: كُلُّ وَلَدٍ لِلصُّلْبِ جِهَةٌ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: الْمَالُ لِلثَّانِيَةِ، لِسَبْقِهَا إِلَى الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتُ بِنْتِ بِنْتٍ أُخْرَى، فَالْمَالُ لِوَلَدِ بِنْتِ الصُّلْبِ عَلَى الْأَوْلَى عَمَّةٌ وَابْنُ خَالٍ لَهُ الثُّلُثُ، وَلَهُ الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا خَالَةُ أُمٍّ، سَقَطَ بِهَا ابْنُ الْخَالِ، وَكَانَ لَهَا السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْعَمَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ قُلْنَا: كُلُّ وَارِثٍ جِهَةٌ، فَلَا شَيْءَ لِلْخَالَةِ، وَإِذَا كَانَ خَالَةُ أُمٍّ، وَخَالَةُ أَبٍ، فَالْمَالُ لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، كَجَدَّتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أُمُّ أَبِي أُمٍّ، أَسْقَطَتْهُمَا عِنْدَ مَنْ جَعَلَ كُلَّ وَارِثٍ جِهَةً، وَعَلَى الْمَذْهَبِ، تَسْقُطُ هِيَ دُونَهُمَا، وَإِذَا كَانَ ابْنُ ابْنِ أُخْتٍ لِأُمٍّ، وَبِنْتُ ابْنِ بِنْتِ أَخٍ لِأَبٍ، فَلَهُ السُّدُسُ، وَلَهَا الْبَاقِي، وَيَلْزَمُ مَنْ جَعَلَ الْأُخُوَّةَ جِهَةً، أَنْ يَجْعَلَ الْمَالَ لِلْبِنْتِ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، حَيْثُ يَجْعَلُ أُخْتَيْنِ أَهْلَ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. بِنْتُ بِنْتِ بِنْتٍ، وَبِنْتُ بِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ، وَبِنْتُ أَخٍ، الْمَالُ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ، وَسَقَطَتِ الثَّانِيَةُ، إِلَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ وَنُعَيْمٍ، فَإِنَّهَا تُشَارِكُهُمَا، وَمَنْ وَرَّثَ الْأَقْرَبَ جَعَلَهُ لِبِنْتِ الْأَخِ؛ لِأَنَّهَا أَسْبَقُ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْقَرَابَةِ، هُوَ لِلْأُولَى وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ، وَهِيَ أَقْرَبُ مِنَ الثَّانِيَةِ. (وَمَنْ أَمَتَّ) أَيْ: أَدْلَى (بِقَرَابَتَيْنِ) مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَرِثَ بِهِمَا) بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُوَرِّثِينَ، إِلَّا مَا يُحْكَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّهُمْ لَا يُوَرِّثُونَ إِلَّا بِقَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَصِحُّ فِي نَفْسِهِ، وَلَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ شَخْصٌ لَهُ جِهَتَانِ لَا يُرَجَّحُ بِهِمَا كَالْأَخِ إِذَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ، وَحِسَابُهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَا الْقَرَابَتَيْنِ كَشَخْصَيْنِ، وَعَنْهُ: يَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا، فَنَقُولُ فِي ابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 كَانَ مَعَهُمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَعْطَيْتَهُ فَرْضَهُ غَيْرَ مَحْجُوبٍ وَلَا مُعَاوِلٍ، وَقَسَّمْتَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ، كَمَا لَوِ انْفَرَدُوا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَسَّمَ الْفَاضِلُ عَنِ الزَّوْجِ بَيْنَهُمْ، كَمَا يُقَسَّمُ بَيْنَ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ زَوْجًا وَبِنْتَ بِنْتٍ وَبِنْتَ أُخْتٍ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الْآخَرِ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، لِبِنْتِ الْبِنْتِ   [المبدع في شرح المقنع] هُوَ ابْنُ بِنْتٍ أُخْرَى، وَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ أُخْرَى: لِلِابْنِ الثُّلُثَانِ، وَلِلْبِنْتِ الثُّلُثُ، فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُمَا وَاحِدَةً، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ عِنْدَ مَنْ سَوَّى، وَلِأُخْتِهِ الرُّبُعُ، وَمَنْ فَضَّلَ، جَعَلَ لَهُ النِّصْفَ، وَالثُّلُثَ، وَلِأُخْتِهِ السُّدُسَ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُنَزِّلِينَ، بِنْتَا أُخْتٍ مِنْ أُمٍّ، إِحْدَاهُمَا بِنْتُ أَخٍ مِنْ أَبٍ، وَبِنْتُ أَخٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، هِيَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، سِتَّةٌ لِبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، وَأَرْبَعَةٌ لِذَاتِ الْقَرَابَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا، وَلَهَا سَهْمٌ مِنْ جِهَةِ أُمِّهَا، وَلِلْأُخْرَى سَهْمٌ، عَمَّتَانِ مِنْ أَبٍ، إِحْدَاهُمَا خَالَةٌ مِنْ أُمٍّ، وَخَالَةٌ مِنْ أَبَوَيْنِ، هِيَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ لِذَاتِ الْقَرَابَتَيْنِ خَمْسَةٌ، وَلِلْعَمَّةِ الْأُخْرَى أَرْبَعَةٌ، وَلِلْخَالَةِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ ثَلَاثَةٌ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ عَمٌّ مِنْ أُمٍّ، هُوَ خَالٌ مِنْ أَبٍ، صَحَّتْ مِنْ تِسْعِينَ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، أَعْطَيْتَهُ فَرْضَهُ) لِلْآيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ (غَيْرَ مَحْجُوبٍ، وَلَا مُعَاوِلٍ) قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ مَنْ وَرَّثَهُمْ أَنَّهُمْ يَرِثُونَ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَا فَضُلَ عَنْ مِيرَاثِهِ مِنْ غَيْرِ حَجْبٍ، وَلَا مُعَاوَلَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَنَصَّ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُحْجَبَانِ بِذَوِي الْأَرْحَامِ، وَهُمْ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى، وَلِأَنَّ ذَا الرَّحِمِ لَا يَرِثُ مَعَ ذِي فَرْضٍ، وَإِنَّمَا وَرِثَ مَعَهُ هُنَا؛ لِكَوْنِ أَنَّ أحد الزَّوْجَيْنِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (وَقَسَّمْتَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ، كَمَا لَوِ انْفَرَدُوا) قَالَهُ إِمَامُنَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَعَامَّةُ مَنْ وَرَّثَهُمْ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْفَرْضِ أَخَذَ فَرْضَهُ، كَأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُخَلِّفْ إِلَّا ذَلِكَ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَسَّمَ الْفَاضِلُ عَنِ الزَّوْجِ بَيْنَهُمْ، كَمَا يُقَسَّمُ بَيْنَ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ) وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَضِرَارٍ وَظَاهِرِ الْخِرَقِيِّ، وَذَكَرَهُ فِي " التَّعْلِيقِ " وَ " الْوَاضِحِ "؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ إِرْثُهُمْ. وَهَذَا الْخِلَافُ إِنَّمَا يَقَعُ فِي مَسْأَلَةٍ، فِيهَا مَنْ يُدْلِي بِذِي فَرْضٍ، وَمَنْ يُدْلِي بِعَصَبَةٍ، فَأَمَّا إِنْ أَدْلَى جَمِيعُهُمْ بِذِي فَرْضٍ، أَوْ عَصَبَةٍ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " (فَإِذَا خَلَّفَتْ زَوْجًا، وَبِنْتَ بِنْتٍ، وَبِنْتَ أُخْتٍ) لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ (فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَتَصِحُّ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 سَهْمَانِ، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ سَهْمٌ، وَلَا يَعُولُ مِنْ مَسَائِلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ إِلَّا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَشَبَهُهَا، وَهِيَ خَالَةٌ وَسِتُّ بَنَاتٍ: سِتُّ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ تَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ.   [المبدع في شرح المقنع] أَرْبَعَةٍ (وَعَلَى الْآخَرِ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، لِبِنْتِ الْبِنْتِ سَهْمَانِ، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ سَهْمٌ) وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، فَلَوْ كَانَ زَوْجَةً، وَبِنْتَ بِنْتٍ، وَبِنْتَ أُخْتٍ لِأَبٍ، فَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي الْبَقِيَّةُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ، لِبِنْتِ الْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُخْرَى ثَلَاثَةٌ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ، فَتَضْرِبُ سَبْعَةً فِي أَرْبَعَةٍ. مَسْأَلَةٌ: زَوْجَةٌ، وَابْنَتَا ابْنَتَيْنِ، وَابْنَتَا أُخْتَيْنِ، لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَلِبِنْتَيِ الْبِنْتَيْنِ ثُلُثَا الْبَاقِي، وَهُوَ النِّصْفُ، وَلِبِنْتَيِ الْأُخْتَيْنِ الْبَاقِي، وَهُوَ الرُّبُعُ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَعَلَى الْآخَرِ تَفْرِضُ الْمَسْأَلَةَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَلَيْسَ لَهَا ثُلُثَانِ، فَتَضْرِبُهَا فِي ثَلَاثَةٍ، تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَلِلْبِنْتَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِبِنْتَيِ الْأُخْتَيْنِ الْبَاقِي، وَهُوَ خَمْسَةٌ، ثُمَّ تُعْطِي الزَّوْجَةَ الرُّبُعَ، وَتَقْسِمُ الْبَاقِيَ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا، لِلْبِنْتَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِبِنْتَيِ الْأُخْتَيْنِ خَمْسَةٌ، وَالْأَحَدُ وَعِشْرُونَ ثَلَاثَةُ أَرْبُعٍ تُكْمِلُهَا، بِأَنْ تَزِيدَ عَلَيْهَا سَبْعَةً، تَكُنْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، لِلزَّوْجَةِ سَبْعَةٌ، وَلِلْبِنْتَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِبِنْتَيِ الْأُخْتَيْنِ خَمْسَةٌ، لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا، فَتَضْرِبُهَا فِي اثْنَيْنِ، تَكُنْ سِتَّةً وَخَمْسِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ. (وَلَا يَعُولُ مِنْ مَسَائِلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ إِلَّا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَشَبَهُهَا) وَهِيَ أَصْلُ سِتَّةٍ (وَهِيَ خَالَةٌ، وَسِتُّ بَنَاتٍ: سِتُّ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ) لِلْخَالَةِ السُّدُسُ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ، وَلِبِنْتَيِ الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِبِنْتَيِ الْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ (تَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ) لِأَنَّ الْعَوْلَ الزَّائِدَ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَقَوْلُهُ: وَشَبَهُهَا، أَيْ: لَيْسَ الْعَوْلُ مُخْتَصًّا بِعَيْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ يَجْرِي فِيهَا، وَفِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْأُمِّ أَوِ الْجَدَّةِ، وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْأَخَوَاتِ الْمُتَفرِّقَاتِ مِمَّنْ يَأْخُذُ الْمَالَ كُلَّهُ بِالْفَرْضِ، كَخَالَةٍ أَوْ أَبِي أُمٍّ، وَبِنْتِ أَخٍ لِأُمٍّ، وَثَلَاثِ بَنَاتِ ثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 بَابُ مِيرَاثِ الْحَمْلِ إِذَا مَاتَ عَنْ حَمْلٍ يَرِثُهُ، وَطَالَبَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِالْقِسْمَةِ، وَقَفْتَ نَصِيبَ ذَكَرَيْنِ، إِنْ كَانَ نَصِيبُهُمَا أَكْثَرَ، وَإِلَّا وَقَفْتَ نَصِيبَ ابْنَتَيْنِ، وَدَفَعْتَ إِلَى مَنْ لَا يَحْجُبُهُ الْحَمْلُ   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ مِيرَاثِ الْحَمْلِ] ِ الْحَمْلُ، بِفَتْحِ الْحَاءِ: مَا فِي بَطْنِ الْحُبْلَى، وَبِكَسْرِهَا: مَا يُحْمَلُ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ رَأْسٍ، وَفِي حَمْلِ الشَّجَرَةِ قَوْلَانِ، حَكَاهُمَا ابْنُ دُرَيْدٍ، وَيُقَالُ: امْرَأَةٌ حَامِلٌ وَحَامِلَةٌ، إِذَا كَانَتْ حُبْلَى، فَإِذَا حَمَلَتْ شَيْئًا عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ رَأْسِهَا، فَهِيَ حَامِلَةٌ لا غير. (إِذَا مَاتَ عَنْ حَمْلٍ يَرِثُهُ) وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يُتَبَيَّنَ، فَإِنِ امْتَنَعُوا (وَطَالَبَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِالْقِسْمَةِ) أُجِيبُوا إِلَيْهَا، وَلَمْ يُعْطَوْا كُلَّ الْمَالِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، فَيُدْفَعُ إِلَى مَنْ لَا يَنْقُصُهُ الْحَمْلُ كَمَالَ مِيرَاثِهِ، وَإِلَى مَنْ يَنْقُصُهُ أَقَلَّ مِيرَاثِهِ، وَلَا يُدْفَعُ إِلَى مَنْ يَسْقُطُ شَيْءٌ، فَأَمَّا مَنْ يُشَارِكُهُ، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: يُوقَفُ لِلْحَمْلِ شَيْءٌ، وَيُدْفَعُ إِلَى شُرَكَائِهِ الْبَاقِي. نَادِرَةٌ: حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَرَدَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، أَنَّ امْرَأَةً بِالْيَمَنِ وَضَعَتْ شَيْئًا كَالْكَرِشِ، فَظُنَّ أَنْ لَا وَلَدَ فِيهِ، فَأُلْقِيَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَحَمِيَ، تَحَرَّكَ، فَأُخِذَ، فَشُقَّ، فَخَرَجَ مِنْهُ سَبْعَةُ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ، وَعَاشُوا جَمِيعًا، وَكَانُوا خَلْقًا سَوِيًّا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي أَعْضَادِهِمْ قِصَرٌ، قَالَ: وَصَارَعَنِي أَحَدُهُمْ، فَصَرَعَنِي، فَكُنْتُ أُعَيَّرُ بِهِ، وَيُقَالُ: صَرَعَكَ سُبْعُ رَجُلٍ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَسِتِّمِائَةٍ، عَنْ رَجُلٍ ضَرِيرٍ بِدِمَشْقَ، أَنَّهُ قَالَ: وَلَدَتِ امْرَأَتِي سَبْعَةً فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ، ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ مَنْعُ الْمِيرَاثِ مِنْ أَجْلِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَرْأَةِ حَمْلٌ (وَقَفْتَ نَصِيبَ ذَكَرَيْنِ) لَأَنَّ وِلَادَةَ التَّوْأَمَيْنِ كَثِيرٌ مُعْتَادٌ، فَلَمْ يَجُزِ النُّقْصَانُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ، وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ (إِنْ كَانَ نَصِيبُهُمَا أَكْثَرَ) كَرَجُلٍ مَاتَ عَنِ امْرَأَةٍ وَابْنٍ وَحَمْلٍ، فَمَسْأَلَتُهُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلذَّكَرَيْنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبِ ابْنَتَيْنِ (وَإِلَّا وَقَفْتَ نَصِيبَ ابْنَتَيْنِ) أَيْ: إِنْ كَانَ نَصِيبُهُمَا أَكْثَرَ، كَرَجُلٍ مَاتَ عَنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 أَقَلَّ مِيرَاثِهِ، وَلَا يُدْفَعُ إِلَى مَنْ يُسْقِطُهُ شَيْئًا، فَإِذَا وُضِعَ الْحَمْلُ، دَفَعْتَ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ، وَرَدَدْتَ الْبَاقِيَ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ.   [المبدع في شرح المقنع] امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَحَمْلٍ، فَمَسْأَلَتُهُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلِابْنَتَيْنِ مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبِ ذَكَرَيْنِ، وَضَابِطُهُ: أَنَّ الْفُرُوضَ مَتَى زَادَتْ عَلَى ثُلُثِ الْمَالِ، فَمِيرَاثُ الْإِنَاثِ أَكْثَرُ، وَهَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَاللُّؤْلُئِيُّ، وَقَالَ شَرِيكٌ، وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ: إِنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُ أَرْبَعَةٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ، وَأَبُو يُوسُفَ: وَيُوقَفُ نَصِيبُ غُلَامٍ، وَيُؤْخَذُ ضَمِينٌ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُشْتَرَطُ لِوَقْفِ النَّصِيبِ الْمَذْكُورِ كَوْنُهُ وَارِثًا، وَأَنْ يَطْلُبَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الْقِسْمَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبُوهَا بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى حَالِهِ إِلَى الْوَضْعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَدَفَعْتَ إِلَى مَنْ لَا يَحْجُبُهُ الْحَمْلُ أَقَلَّ مِيرَاثِهِ) لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، كَرَجُلٍ مَاتَ عَنِ امْرَأَةٍ وَحَمْلٍ، فَبِتَقْدِيرِ خُرُوجِهِ حَيًّا، لَهَا الثُّمُنُ، وَبِتَقْدِيرِ خُرُوجِهِ مَيِّتًا، لَهَا الرُّبُعُ، فَيُدْفَعُ إِلَيْهَا الثُّمُنُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ (وَلَا يُدْفَعُ إِلَى مَنْ يُسْقِطُهُ شَيْئًا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ خُرُوجُ الْحَمْلِ حَيًّا، وَهُوَ يُسْقِطُ الْمَوْجُودَ، فَلَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ مَعَ الشَّكِّ فِي اسْتِحْقَاقِهِ، كَرَجُلٍ خَلَّفَ امْرَأَةً وَحَمْلًا، وَثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، فَالْوَلَدُ الذَّكَرُ يُسْقِطُ الْأَخَوَاتِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا. (فَإِذَا وُضِعَ الْحَمْلُ دَفَعْتَ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ) لِأَنَّهُ حَقُّهُ (وَرَدَدْتَ الْبَاقِيَ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُمْ، لَكِنْ إِنْ كَانَ يَرِثُ الْمَوْقُوفَ كُلَّهُ، كَمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَخَذَهُ كُلَّهُ، وَإِنْ أَعْوَزَ شَيْئًا، رَجَعَ عَلَى مَنْ فِي يَدِهِ، وَهَلْ يَجْرِي فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ مِنْ مَوْتِهِ، لَحَكَمْنَا لَهُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا حَتَّى مَنَعْنَا بَاقِيَ الْوَرَثَةِ، أَوِ الْآنَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي زَكَاةِ مَالِ الصَّبِيِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْمَعَالِي قَالَ: وَلَوْ وَصَّى لِحَمْلٍ وَمَاتَ، فَوَضَعَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَبِلَ وَلِيُّهُ، مَلَكَ الْمَالَ، وَهَلْ يَنْعَقِدُ حَوْلَهُ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَبُولِ؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُوطَأُ، فَوَضَعَتْ لِمُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَقُلْنَا: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، فَفِي وُجُوبِ زَكَاةِ مَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْوَضْعِ وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ الْحَمْلُ لَا يَرِثُ إِلَّا إِذَا كَانَ ذَكَرًا، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَدِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 فصل وَإِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صَارِخًا، وَرِثَ وَوَرَّثَ، وَفِي مَعْنَاهُ الْعُطَاسُ وَالتَّنَفُّسُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَيِّتِ، أَوْ عَمِّهِ، أَوْ أَخِيهِ، كَبِنْتٍ وَعَمٍّ وَامْرَأَةِ أَخٍ حامل، لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي مَوْقُوفٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَرُبَّمَا كَانَ الْحَمْلُ لَا يَرِثُ، إِلَّا إِذَا كَانَ أُنْثَى، كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةِ أَبٍ حَامِلٍ، يُوقَفُ سَهْمُهُ مِنْ سَبْعَةٍ، فَإِنْ وَلَدَتْهُ أُنْثَى أَخَذَتْهُ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ ذَكَرًا، أَوْ ذَكَرَيْنِ، أَوْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، اقْتَسَمَهُ الزَّوْجُ وَالْأُخْتُ، وَكَذَلِكَ إِنْ تَرَكَتْ أُخْتًا لِأَبٍ، لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهَا شَيْءٌ لِجَوَازِ أَنْ تَلِدَ ذَكَرًا فَيُسْقِطَهَا. فَصْلٌ (وَإِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صَارِخًا) سُمِّيَ الصُّرَاخُ اسْتِهْلَالًا تَجَوُّزًا، وَأَصْلُهُ أَنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْهِلَالَ، صَاحُوا عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، وَاجْتَمَعُوا، فَأَرَاهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَسُمِّيَ الصَّوْتُ عِنْدَ اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ اسْتِهْلَالًا، ثُمَّ سُمِّيَ الصَّوْتُ مِنَ الْمَوْلُودِ اسْتِهْلَالًا؛ لِأَنَّهُ صَوَّتَ عِنْدَ وُجُودِ شَيْءٍ يُجْتَمَعُ لَهُ، وَيُفْرَحُ بِهِ، وَفَسَّرَ الْجَوْهَرِيُّ الِاسْتِهْلَالَ بِالصُّرَاخِ، وَكَذَا الْمُؤَلِّفُ، لِيُنَبِّهَ بِذَلِكَ عَلَى حَيَاتِهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ جُعِلَ حَالًا كَانَ فِيهِ إِشْعَارٌ بِانْفِكَاكِ الِاسْتِهْلَالِ عَنْهُ، وَكَذَا إِنْ جُعِلَ تَمْيِيزًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي إِلَّا بَعْدَ مَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَالتَّفْسِيرُ يَأْبَاهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60] (وَرِثَ، وَوَرَّثَ) نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَفِي " الرَّوْضَةِ "، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِغَيْرِ الِاسْتِهْلَالِ، وَفِي لَفْظٍ ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَاقَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «قَالَ فِي الصَّبِيِّ: إِذَا وَقَعَ صَارِخًا، فَاسْتَهَلَّ وَرِثَ وَتَمَّتْ دِيَتُهُ وَسُمِّيَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ حَيًّا وَلَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ تَتِمَّ دِيَتُهُ وَفِيهِ غُرَّةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 وَالِارْتِضَاعُ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ، وَأَمَّا الْحَرَكَةُ وَالِاخْتِلَاجُ، فَلَا تَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُهُ، فَاسْتَهَلَّ ثُمَّ انْفَصَلَ مَيِّتًا لَمْ يَرِثْ، وَعَنْهُ: يَرِثُ، وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] (وَفِي مَعْنَاهُ الْعُطَاسُ وَالتَّنَفُّسُ وَالِارْتِضَاعُ) وَكَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَزَادَ الْبُكَاءَ، رَوَى يُوسُفُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: يَرِثُ السَّقْطُ وَيُورَثُ إِذَا اسْتَهَلَّ، فَقِيلَ لَهُ: مَا الِاسْتِهْلَالُ؟ قَالَ: إِذَا صَاحَ أَوْ عَطَسَ أَوْ بَكَى، فَعَلَى هَذَا: كُلُّ صَوْتٍ يُوجَدُ مِنْهُ تُعْلَمُ بِهِ حَيَاتُهُ، فَهُوَ اسْتِهْلَالٌ، وَقَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَالْقَاسِمُ، لِأَنَّهُ صَوْتٌ عُلِمَتْ بِهِ حَيَاتُهُ، أَشْبَهَ الصُّرَاخَ، وَعَنْهُ: إِذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِصَوْتٍ أَوْ حَرَكَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَرِثَ، وَثَبَتَ لَهُ أَحْكَامُ الْمُسْتَهِلِّ، وَقَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي مَعْنَى الِاسْتِهْلَالِ، فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُهُ (وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ) كَالْبُكَاءِ وَالْحَرَكَةِ الطَّوِيلَةِ، وَلَوْ قَالَ: وَإِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ كَالْكَافِي لَكَانَ أَوْلَى، لَكِنْ خَصَّهُ طَائِفَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَرِثُ إِلَّا إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا، وَذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْمَوْتِ، وَهُوَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ، وَكَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ يَطَؤُهَا، لَمْ يَرِثْ إِلَّا أَنْ يُقِرَّ الْوَرَثَةُ بِهِ، الثَّانِي: أَنْ تَضَعَهُ حَيًّا، فَإِنْ وَضَعَتْهُ مَيِّتًا لَمْ يَرِثْ إِجْمَاعًا (وَأَمَّا الْحَرَكَةُ) الْيَسِيرَةُ (وَالِاخْتِلَاجُ فَلَا تَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ) فَإِنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِجُ لَا سِيَّمَا إِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَانٍ ضَيِّقٍ، فَتَضَامَّتْ أَجْزَاؤُهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَانٍ فَسِيحٍ، فَإِنَّهُ يَتَحَرَّكُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ، ثُمَّ إِنْ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ، فَلَا يُعْلَمُ كَوْنُهَا مُسْتَقِرَّةً؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، فَإِنَّ غَالِبَ الْحَيَوَانَاتِ تَتَحَرَّكُ بَعْدَ الذَّبْحِ حَرَكَةً شَدِيدَةً، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إِذَا تَحَرَّكَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ، وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ. (وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُهُ، فَاسْتَهَلَّ، ثُمَّ انْفَصَلَ مَيِّتًا لَمْ يَرِثْ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا وَأَشْكَلَ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، فَهُوَ الْمُسْتَهِلُّ.   [المبدع في شرح المقنع] يَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا، وَهُوَ حَيٌّ أَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ (وَعَنْهُ: يَرِثُ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا وَأَشْكَلَ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، فَهُوَ الْمُسْتَهِلُّ) ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا، فَتَعَيَّنَتِ الْقُرْعَةُ، كَطَلَاقِ إِحْدَى نِسَائِهِ، وَالسَّفَرِ بِهَا، وَالْبَدَاءَةِ بِالْقَسْمِ لَهَا، وَفِي الْخَبْرِيِّ: لَيْسَ فِي هَذَا عَنِ السَّلَفِ نَصٌّ، وَقَالَ الْفَرْضِيُّونَ: تُعْمَلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْحَالَيْنِ، وَيُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ الْيَقِينَ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي حَتَّى يَصْطَلِحُوا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ الِاحْتِمَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَحَلُّهُ مَا اخْتُلِفَ إِذَا مِيرَاثُهُمَا بِأَنْ كَانَ ذَكَرًا وَأُنْثَى، فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ عَكْسُهُ، فَلَا فَرْقَ. تَمَامٌ: رَجُلٌ خَلَّفَ أُمَّهُ وَأَخَاهُ وَأُمَّ وَلَدٍ حَامِلًا مِنْهُ، فَوَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى، فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُعْلَمْ، فَالْجَوَابُ: إِنْ كَانَ الِابْنُ الْمُسْتَهِلُّ، فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لَهُ، تَرِثُ أُمُّهُ الثُّلُثَ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ، فَعَلَى هَذَا تَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَةَ، ثَلَاثَةٌ لِأُمِّ الْمَيِّتِ، وَلِأُمِّ الْوَلَدِ خَمْسَةٌ، وَلِلْعَمِّ عَشَرَةٌ، وَإِنْ كَانَتِ الْبِنْتُ فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَمُوتُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: لِأُمِّهَا سَهْمٌ، وَلِعَمِّهَا سَهْمَانِ، وَالسِّتَّةُ تَدْخُلُ فِي الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةٍ فَسُدُسُ الْأُمِّ لَا يَتَغَيَّرُ، وَلِلْعَمِّ مِنَ السِّتَّةِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَلَهُ مِنَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، عَشَرَةٌ فِي وَاحِدٍ، فَهَذَا الْيَقِينُ فَيَأْخُذُهُ، وَلِأُمِّ الْوَلَدِ خَمْسَةٌ فِي سَهْمٍ، وَسَهْمٌ فِي ثَلَاثَةٍ، فَتَأْخُذُهَا، وَتَقِفُ سَهْمَيْنِ بَيْنَ الْأَخِ وَأُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِمَا. فَرْعٌ: إِذَا مَاتَ كَافِرٌ عَنْ حَمْلٍ مِنْهُ، لَمْ يَرِثْهُ، نُصَّ عَلَيْهِ لِحُكْمِهِ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ وَضْعِهِ، وَقِيلَ: يَرِثُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْإِسْلَامِ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ، كَالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ، وَلِأَنَّهُ يَرِثُ إِجْمَاعًا، فَلَا يَسْقُطُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَكَذَا إِنْ كَانَ مِنْ كَافِرٍ غَيْرِهِ، فَأَسْلَمَتْ أُمُّهُ قَبْلَ وَضْعِهِ مِثْلَ أَنْ يُخَلِّفَ أُمَّهُ حَامِلًا مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ احْتِمَالٌ بِأَنَّهُ يَرِثُ حَيْثُ ثَبَتَ النَّسَبُ. فَائِدَةٌ: إِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ بِحُرٍّ فَأَحْبَلَهَا، فَقَالَ السَّيِّدُ: إِنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا، فَأَنْتِ وَهُوَ قِنَّانِ، وَإِلَّا حُرَّانِ، فَهِيَ الْقَائِلَةُ: إِنْ أَلِدْ ذَكَرًا لَمْ أَرِثْ وَلَمْ تَرِثْ وَإِلَّا وَرِثْنَا، وَمَنْ خَلَّفَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَإِخْوَةً لِأُمٍّ وَامْرَأَةَ أَبٍ حَامِلًا، فَهِيَ الْقَائِلَةُ: إِنْ أَلِدْ أُنْثَى وَرِثْتُ لَا ذَكَرًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 بَابُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ وَإِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ، ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا، انْتُظِرَ بِهِ تَمَامَ تِسْعِينَ سنة مِنْ يَوْمِ وُلِدَ، وَعَنْهُ: يُنْتَظَرُ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَهَا الْهَلَاكُ كَالَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، أَوْ فِي مَفَازَةٍ مُهْلِكَةٍ، كَالْحِجَازِ، أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَالَ الْحَرْبِ، أَوْ فِي الْبَحْرِ إِذَا   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ] ِ هُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ: فَقَدْتُ الشَّيْءَ أَفْقِدُهُ فَقْدًا وَفِقْدَانًا بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا. (وَإِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ) أَيْ: لَمْ يُعْلَمْ (لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا) كَالسِّيَاحَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْأَسْرِ (انْتُظِرَ بِهِ تَمَامَ) أَيْ تَتِمَّةَ (تِسْعِينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ وُلِدَ) هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجُشُونِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَيَاةُ، وَالْغَالِبُ أَنْ لَا يَعِيشَ أَكْثَرَ مِنْهَا (وَعَنْهُ: يُنْتَظَرُ أَبَدًا) فَلَا يُقَسَّمُ مَالُهُ، وَلَا تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ حَتَّى يُعْلَمَ مَوْتُهُ، أَوْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ لَا يَعِيشُ فِي مِثْلِهَا، فَيَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِنَصٍّ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا، وَكَغَيْبَةِ ابْنِ تِسْعِينَ سَنَةً، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَعَنْهُ: يُنْتَظَرُ أَبَدًا حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ، وَعَنْهُ: زَمَنًا لَا يَعِيشُ مِثْلَهُ غَالِبًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ: يُنْتَظَرُ بِهِ تَمَامَ سَبْعِينَ سَنَةً مَعَ سَنَةِ يَوْمِ فُقِدَ لِأَثَرٍ، وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ يَحْتَمِلُ عِنْدِي أَرْبَعَ سِنِينَ لِقَضَاءِ عُمَرَ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي مَهْلَكَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً مُنْذُ وُلِدَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، فَلَوْ فُقِدَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ، لَمْ يُقَسَّمْ مَالُهُ حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ سِتُّونَ سَنَةً أُخْرَى، فَيُقَسَّمُ حِينَئِذٍ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، إِنْ كَانُوا أَحْيَاءً، وَإِنْ مَاتَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ مُضِيِّ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَخَلَّفَ وَرَثَةً، لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ، وَكَانَ مَالُهُ لِلْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ، فَإِنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُ الْمَفْقُودِ، رُدَّ الْمَوْقُوفُ إِلَى وَرَثَةِ مَوْرُوثِ الْمَفْقُودِ، وَلَمْ يَكُنْ لِوَرَثَةِ الْمَفْقُودِ، وَحَكَى الْخَبْرِيُّ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَهُ، وَالَّذِي ذَكَرْنَاهُ حَكَاهُ ابْنُ اللَّبَّانِ عَنِ اللُّؤْلُئِيِّ (وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَهَا الْهَلَاكُ كَالَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ) كَمَنْ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ، أَوْ فِي حَاجَةٍ قَرِيبَةٍ، فَلَا يَعُودُ (أَوْ فِي مَفَازَةٍ) هِيَ وَاحِدَةُ الْمَفَاوِزِ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: سُمِّيَتْ بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 غَرِقَتْ سَفِينَتُهُ، انْتُظِرَ بِهِ تَمَامَ أَرْبَعِ سِنِينَ، ثُمَّ يُقَسَّمُ مَالُهُ وَعَنْهُ: التَّوَقُّفُ، فَإِنْ مَاتَ مُوْرُوثُهُ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، دُفِعَ إِلَى كُلِّ وَارِثٍ الْيَقِينُ، وَوُقِفَ الْبَاقِي، فَإِنْ قَدِمَ أَخَذَ   [المبدع في شرح المقنع] تَفَاؤُلًا بِالسَّلَامَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَتْ مَفَازَةً مِنْ فَازَ يَفُوزُ، إِذَا مَاتَ، حَكَاهَا ابْنُ الْقَطَّاعِ، فَيَكُونُ مِنَ الْأَضْدَادِ (مَهْلَكَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَاللَّامِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، حَكَاهُمَا أَبُو السَّعَادَاتِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الْمِيمِ مَعَ كَسْرِ اللَّامِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَهْلَكَتْ فَهِيَ مُهْلِكَةٌ، وَهِيَ أَرْضٌ يَكْثُرُ فِيهَا الْهَلَاكُ (كَالْحِجَازِ، أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَالَ الْحَرْبِ، أَوْ فِي الْبَحْرِ إِذَا غَرِقَتْ سَفِينَتُهُ) فَسَلِمَ قَوْمٌ دُونَ آخَرِينَ (انْتُظِرَ بِهِ تَمَامَ أَرْبَعِ سِنِينَ) لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ (ثُمَّ يُقَسَّمُ مَالُهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى اعْتِدَادِ امْرَأَتِهِ، وَحِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ مَعَ الِاحْتِيَاطِ لِلْأَبْضَاعِ، فَفِي الْمَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هَلَاكُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَا يَعِيشُ مِثْلَهَا، وَعَنْهُ: مَعَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يُبَاحُ لِامْرَأَةٍ التَّزَوُّجُ فِيهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَعَنْهُ: هُوَ كَالْقَسْمِ قَبْلَهُ، وَفِي " الْوَاضِحِ "، وَعَنْهُ: زَمَنًا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ، وَقِيلَ: تِسْعِينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِي عَبْدٍ مَفْقُودٍ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْحُرِّ، وَنَقَلَ مُهَنَّا، وَأَبُو طَالِبٍ: هُوَ عَلَى النِّصْفِ. فَرْعٌ: يُزَكَّى الْمَالُ قَبْلَ قَسْمِهِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لِمَا مَضَى، نُصَّ عَلَيْهِ. (وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ) فِي أَمْرِهِ، وَقَالَ: قَدْ هِبْتَ الْجَوَابَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أُحِبُّ السَّلَامَةَ، وَلِأَنَّ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ مُتَعَارِضَانِ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْنَ صُوَرِ الْفِقْدَانِ. (فَإِنْ مَاتَ مَوْرُوثُهُ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، دُفِعَ إِلَى كُلِّ وَارِثٍ الْيَقِينُ) هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ (وَوُقِفَ الْبَاقِي) حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، أَوْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الِانْتِظَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مُسْتَحِقُّهُ، أَشْبَهَ بِالَّذِي يَنْقُصُ نَصِيبُهُ بِالْحَمْلِ، فَتُعْمَلُ الْمَسْأَلَةُ بِأَنَّهُ حَيٌّ، ثُمَّ بِأَنَّهُ مَيِّتٌ، ثُمَّ اضْرِبْ أَحَدَهُمَا أَوْ وَفْقَهَا فِي الْأُخْرَى، وَاجْتَزِئْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 نَصِيبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَالِهِ وَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى مَا زَادَ عَنْ نَصِيبِهِ، فَيُقَسِّمُوهُ.   [المبدع في شرح المقنع] بِإِحْدَاهُمَا إِنْ كَانَ ثُلُثًا، أَوْ بِأَكْثَرِهِمَا إِنْ تَنَاسَبَتَا، وَيَأْخُذُ الْيَقِينَ الْوَارِثُ مِنْهُمَا، وَمَنْ كَانَ سَاقِطًا فِي إِحْدَاهُمَا لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا. زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَأُخْتٌ، وَجَدٌّ، وَأَخٌ مَفْقُودٌ، مَسْأَلَةُ الْمَوْتِ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، الْأَكْدَرِيَّةُ، وَمَسْأَلَةُ الْحَيَاةِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهُمَا يَتَّفِقَانِ بِالْأَتْسَاعِ، فَتَبْلُغُ بِالضَّرْبِ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَيَاةِ، وَالثُّلُثُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ، فَيُعْطَى الثُّلُثَ، وَلِلْأُمِّ التُّسْعَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ، وَالسُّدُسُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَيَاةِ، فَتُعْطَى السُّدُسَ، وَلِلْجَدِّ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ، وَتِسْعَةٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَيَاةِ، فَيُعْطَى التِّسْعَةَ، وَلِلْأُخْتِ ثَمَانِيَةٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَيَاةِ، تَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْقُوفَةً، أَخَذَتِ الْأُمُّ ثَلَاثَةً، وَالْأُخْتُ خَمْسَةً وَالْجَدُّ سَبْعَةً عَلَى رِوَايَةِ رَدِّ الْمَوْقُوفِ إِلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى رِوَايَةِ قِسْمَةِ نَصِيبِهِ مِمَّا وُقِفَ عَلَى وَرَثَتِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ مِثْلَا الْأُخْتِ، يَبْقَى تِسْعَةٌ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُمَا وَجْهَانِ، وَقِيلَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَجْدِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْوَنِّيِّ: أَنْ تَعْمَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ فَقَطْ، وَتَقِفَ نَصِيبَهُ إِنْ وَرِثَ، وَفِي أَخْذِ ضَمِينٍ مِمَّنْ مَعَهُ زِيَادَةٌ وَجْهَانِ. (فَإِنْ قَدِمَ، أَخَذَ نَصِيبَهُ) لِأَنَّهُ، وُقِفَ مِنْ أَجْلِهِ، وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَأْخُذَهُ كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ مَفْقُودٍ (وَإِنْ لَمْ يَأْتِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَالِهِ) لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِهِ، أَشْبَهَ سَائِرَ مَالِهِ؛ وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مَتَى بَانَ الْمَفْقُودُ حَيًّا يَوْمَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، فَلَهُ حَقُّهُ، وَالْبَاقِي لِمُسْتَحِقِّهِ، وَإِنْ بَانَ مَيِّتًا، فَالْمَوْقُوفُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ: وَكَذَا إِنْ جُهِلَ وَقْتُ مَوْتِهِ، وَإِنِ انْقَضَتْ مُدَّةُ تَرَبُّصِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ، قُسِّمَ مَا وُقِفَ لِلْمَفْقُودِ عَلَى وَرَثَتِهِ يَوْمَئِذٍ، كَسَائِرِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحَيَاتِهِ، جُزِمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ: يُرَدُّ إِلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ، جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ، وَالتَّهْذِيبِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي حَيَاتِهِ حِينَ مَاتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 بَابُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى وَهُوَ الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ وَفَرْجُ امْرَأَةٍ، فَيُعْتَبَرُ بِمَبَالِهِ، فَإِنْ بَالَ أَوْ سَبَقَ بَوْلُهُ مِنْ ذَكَرِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] مُوْرُوثُهُ، فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ، كَالْجَنِينِ، فَعَلَى هَذَا: لَا يَجُوزُ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ أَنْ يقْضِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ بَهِيمَتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ كَسَائِرِ مَالِهِ (وَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى مَا زَادَ عَنْ نَصِيبِهِ فَيُقَسِّمُوهُ) اخْتَارَهُ ابْنُ اللَّبَّانِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْوَنِّيُّ، وَقَالَ: لَا فَائِدَةَ أَنْ يُنْقَصَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيَاةِ، وَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: لَكَ أَنْ تُصَالِحَ عَلَى بَعْضِهِ، بَلْ إِنْ جَازَ ذَلِكَ، فَالْأَوْلَى: أَنْ تُقَسَّمَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَيَاةِ، وَتَقِفَ نَصِيبَ الْمَفْقُودِ لَا غَيْرَ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَضِهِ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّ إِبَاحَةَ الصُّلْحِ عَلَيْهِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ وَقْفِهِ، وَوُجُوبُ وَقْفِهِ لَا يَمْنَعُ الصُّلْحَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ تَجْوِيزَ أَخْذِ الْإِنْسَانِ حَقَّ غَيْرِهِ بِرِضَاهُ وَصُلْحِهِ، لَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ أَخْذِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَحِينَئِذٍ لَهُمْ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى كُلِّ الْمَوْقُوفِ إِنْ حَجَبَ أَحَدًا وَلَمْ يَرِثْ، أَوْ كَانَ أَخًا لِأَبٍ عَصَّبَ أُخْتَهُ مَعَ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قُسِّمَ مَالُهُ، ثُمَّ قَدِمَ، أَخَذَ مَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ، وَالتَّالِفُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا قُسِّمَ بِحَقٍّ لَهُمْ، وَعَنْهُ: مَضْمُونٌ، صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَإِنْ حَصَلَ لِأَسِيرٍ مِنْ وَقْفٍ، تَسَلَّمَهُ وَحَفِظَهُ وَكِيلُهُ، وَمَنْ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ بَعْدُ جَمِيعًا، وَاخْتَارَ فِي " الْفُرُوعِ ": يَكْفِي وَكِيلُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَنْ أُشْكِلَ نَسَبُهُ فَكَمَفْقُودٍ، وَمَفْقُودَانِ فَأَكْثَرُ كَخَنَاثَى فِي تَنْزِيلٍ. [بَابُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى] وَجَمْعُهُ: الْخَنَاثَى كَالْحَبَالَى (وَهُوَ الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ وَفَرْجُ امْرَأَةٍ) وَكَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": أَوْ لَهُ ثَقْبٌ فِي مَكَانِ الْفَرْجِ يَخْرُجُ مِنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ سَبَقَ مِنْ فَرْجِهِ، فَهُوَ امْرَأَةٌ، وَإِنْ خَرَجَا مَعًا، اعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا، فَإِنِ اسْتَوَيَا، فَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنْ كَانَ يُرْجَى انْكِشَافُ حَالِهِ، وَهُوَ الصَّغِيرُ أُعْطِيَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ الْيَقِينُ، وَوُقِفَ الْبَاقِي حَتَّى يَبْلُغَ فَيَظْهَرَ فِيهِ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ مِنْ نَبَاتِ لِحْيَتِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْبَوْلُ (فَيُعْتَبَرُ بِمَبَالِهِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ إِجْمَاعُ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ، فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَهُوَ امْرَأَةٌ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، رَوَاهُ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ خُرُوجَ الْبَوْلِ أَعَمُّ الْعَلَامَاتِ لِوُجُودِهَا فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَسَائِرُ الْعَلَامَاتِ إِنَّمَا تُوجَدُ بَعْدَ الْكِبَرِ كَنَبَاتِ اللِّحْيَةِ، وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى فِيهِ بِذَلِكَ عَامِرُ بْنُ ظَرِبٍ الْعَدْوَانِيُّ. (فَإِنْ بَالَ أَوْ سَبَقَ بَوْلُهُ مِنْ ذَكَرِهِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ سَبَقَ مِنْ فَرْجِهِ فَهُوَ امْرَأَةٌ) نُصَّ عَلَيْهِ، أَيْ: إِذَا بَالَ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ سَبَقَ بَوْلُهُ مِنْهُ، فَالْحُكْمُ لَهُ (وَإِنْ خَرَجَا مَعًا، اعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا) فِي الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: قَدْرًا وَعَدَدًا؛ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا، وَالثَّانِي: لَا يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهُمَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْفَرَجِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْخَرْقَ الَّذِي يَكُونُ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ قَدْ يَكُونُ مُتَّسِعًا بِحَيْثُ لَا يَتَجَاوَزُهُ إِلَّا يَسِيرًا، وَهَلْ يُعْتَبَرُ السَّبْقُ فِي الِانْقِطَاعِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَفِي التَّبْصِرَةِ: يُعْتَبَرُ أَطْوَلُهُمَا خُرُوجًا، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ؛ لِأَنَّ بَوْلَهُ يَمْتَدُّ، وَبَوْلَهَا يَسِيلُ، وَقَدَّمَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْكَثْرَةَ عَلَى السَّبْقِ، وَقَالَ هُوَ وَالْقَاضِي: إِنْ خَرَجَا مَعًا، حُكِمَ لِلْمُتَأَخِّرِ أَيْ لِآخِرِهِمَا انْقِطَاعًا، وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: يُوقَفُ إِلَى جَانِبِ حَائِطٍ، فَإِنْ بَالَ عَلَيْهِ، فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ شَلْشَلَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ فَهُوَ امْرَأَةٌ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ مَزِيَّةٌ لِإِحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ، فَيُعْتَبَرُ بِهَا كَالسَّبْقِ. (فَإِنِ اسْتَوَيَا) فِي وُجُودِ الْبَوْلِ مِنْهُمَا، وَعَدَمِ سَبْقِهِ وَكَثْرَتِهِ فِي أَحَدِهِمَا (فَهُوَ مُشْكِلٌ) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ أَمْرَيْهِ عَلَى الْآخَرِ (فَإِنْ كَانَ يُرْجَى انْكِشَافُ حَالِهِ، وَهُوَ الصَّغِيرُ) وَاحْتِيجَ إِلَى قَسْمِ تَرِكَةِ مَنْ يَرِثُهُ (أُعْطِيَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ الْيَقِينُ) أَيْ: يُعْطَى مَنْ يَرِثُ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورِيَّتِهِ وَأُنُوثِيَّتِهِ الْأَقَلَّ مِمَّا يَرِثُ فِيهِمَا، وَلَا يُعْطَى مَنْ يُسْقِطُهُ فِي أَحَدِ الْحَالَيْنِ شَيْئًا، وَمَنْ لَا يَخْتَلِفُ مِيرَاثُهُ مِنْهُمَا، يُعْطَى حَقَّهُ كَامِلًا (وَوُقِفَ الْبَاقِي حَتَّى يَبْلُغَ) فِي قَوْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ مِنَ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ يُئِسَ مِنْ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ أَوْ عَدِمَ الْعَلَامَاتِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، أُعْطِيَ نِصْفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى، فَإِذَا كَانَ مَعَ الْخُنْثَى بِنْتٌ وَابْنٌ جَعَلْتَ لِلْبِنْتِ أَقَلَّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ وَهُوَ سَهْمَانِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْجُمْهُورِ، فَيُعْمَلُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ عَلَامَةِ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالسِّنِّ أَوِ الْإِنْبَاتِ، وَبِهِ يَنْكَشِفُ الْأَمْرُ (فَيَظْهَرُ فِيهِ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ مِنْ نَبَاتِ لِحْيَتِهِ، وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ أَوْ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ مِنَ الْحَيْضِ، وَنَحْوِهِ) كَتَفَلُّكِ ثَدْيَيْهِ أَوْ سُقُوطِهِمَا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَكَذَا إِنْ حَاضَ مِنْ فَرْجِهِ، وَأَنْزَلَ مِنْ ذَكَرِهِ، فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا، فَوَجْهَانِ، وَإِنْ وُجِدَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، فَلَا ذَكَرَ وَلَا أُنْثَى، وَفِي " الْجَامِعِ ": لَا فِي إِرْثٍ وَدِيَةٍ؛ لِأَنَّ لِلْغَيْرِ حَقًّا، وَقِيلَ: أَوِ انْتَشَرَ بَوْلُهُ عَلَى كَثِيبِ رَمْلٍ، أَوِ اشْتَهَى النِّسَاءَ، فَذَكَرٌ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، وَقَالَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: تُعَدُّ أَضْلَاعُهُ، فَإِنْ كَانَتْ سِتَّةَ عَشَرَ، فَرَجُلٌ، وَإِنْ كَانَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ، فَأُنْثَى؛ لِأَنَّ أَضْلَاعَهَا أَكْثَرُ بِوَاحِدٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى قَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ وَالْأَصْحَابُ: لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا وَقَعَ فِي الْخُنْثَى إِشْكَالٌ (وَإِنْ يَئِسَ مِنْهُ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ أَوْ عَدَمِ الْعَلَامَاتِ بَعْدَ بُلُوغِهِ) أَيْ: لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْعَلَامَاتِ الْمَذْكُورَةِ، أَوِ اخْتَلَطَتْ، فَأَمْنَى مِنْ كُلٍّ مِنَ الْفَرْجَيْنِ، فَيُسَمَّى مُشْكِلًا، وَحِينَئِذٍ (أُعْطِيَ نِصْفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى) نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُنْكِرٌ، وَأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَاللُّؤْلُئِيُّ وَخَلْقٌ؛ لِأَنَّ حَالَتَيْهِ تَسَاوَتَا، فَوَجَبَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ حُكْمِهِمَا، كَمَا لَوْ تَدَاعَى نَفْسَانِ دَارًا بِأَيْدِيهِمَا، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، وَلَيْسَ نُوَرِّثُهُ بِأَسْوَأِ حَالِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لَهُ يُنْتَظَرُ، وَفِيهِ تَضْيِيعٌ مَعَ تَعَيُّنِ اسْتِحْقَاقِ الْوَرَثَةِ لَهُ، فَيُعْطَى هُوَ نِصْفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى، وَيُعْطَى مَنْ مَعَهُ نِصْفَ مَالِهِ حَالَةَ الذُّكُورِيَّةِ، وَنِصْفَ مَالِهِ حَالَةَ الْأُنُوثِيَّةِ، إِلَّا أَنْ يَرِثَ بِأَحَدِهِمَا، فَيُعْطَى نِصْفَهُ، وَسَوَاءً كَانَ الْخُنْثَى وَمَنْ مَعَهُ يَتَزَاحَمَانِ مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، كَوَلَدٍ خُنْثَى وَعَمٍّ، يُزَاحِمُ الْعَمَّ فِي تَعْصِيبِهِ بِبُنُوَّتِهِ، فَيَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِ الْبَاقِي، وَالْعَمُّ يُزَاحِمُهُ بِعُمُومَتِهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى فَرْضِ الْبِنْتِ، أَوْ كَوَلَدٍ خُنْثَى وَأَبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، كَالْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ الْمُتَّفِقِينَ. (فَإِذَا كَانَ مَعَ الْخُنْثَى بِنْتٌ وَابْنٌ، جَعَلْتَ لِلْبِنْتِ أَقَلَّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ، وَهُوَ سَهْمَانِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 وَلِلذَّكَرِ أَرْبَعَةً، وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةً. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَعْمَلُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ، ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى، ثُمَّ تَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا أَوْ وَفْقَهَا فِي الْأُخْرَى إِنِ اتَّفَقَتَا، وَتَجْتَزِئُ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِلذَّكَرِ أَرْبَعَةً، وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةً) وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَاللُّؤْلُئِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا وَلَدٌ إِذَا كَانَ فِيهِمْ خُنْثَى، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى أَصْلِنَا، فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الِابْنِ أَخٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْعَصَبَاتِ، فَلَهُ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْخُنْثَى وَالْبِنْتِ عَلَى خَمْسَةٍ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا) وَيُسَمَّى مَذْهَبَ الْمُنَزِّلِينَ (تَعْمَلُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ، ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى) لِأَنَّ لَهُ حَالَيْنِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنِ اعْتِبَارِهِمَا (ثُمَّ تَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا) إِنْ تَبَايَنَتَا (أَوْ وَفْقَهَا فِي الْأُخْرَى إِنِ اتَّفَقَتَا، وَتَجْتَزِئُ بِإِحْدَاهُمَا إِنْ تَمَاثَلَتَا أَوْ بِأَكْثَرِهِمَا إِنْ تَنَاسَبَتَا، وَتَضْرِبُهَا فِي اثْنَيْنِ، ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ مَضْرُوبٌ فِي الْأُخْرَى أَوْ فِي وَفْقِهَا) فَفِي الْمُتَبَايِنِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ. مَسْأَلَةٌ: الذُّكُورَةُ مِنْ خَمْسَةٍ وَالْأُنُوثَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، فَاضْرِبْ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَكُنْ عِشْرِينَ، ثُمَّ فِي اثْنَيْنِ تَكُنْ أَرْبَعِينَ، لِلْبِنْتِ سَهْمٌ فِي خَمْسَةٍ، وَسَهْمٌ فِي أَرْبَعَةٍ: تِسْعَةً، وَلِلذَّكَر ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ فِي خَمْسَةٍ، وَسَهْمَانِ فِي أَرْبَعَةٍ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَهِيَ دُونُ ثُلُثِ الْأَرْبَعِينَ، وَعَلَى قَوْلِ الثَّوْرِيِّ، وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَ الْأَصْحَابِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَيُخَالِفُ فِي بَعْضِهَا، فَعَلَى قَوْلِهِ، تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِسْعَةٍ، لِلْخُنْثَى الثُّلُثُ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ وَرَّثَهُ بِالدَّعْوَى فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الْيَقِينِ، فَوَافَقَ قَوْلَ الْمُنَزِّلِينَ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لِلذَّكَرِ الْخُمْسَانِ بِيَقِينٍ، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ، وَهُوَ يَدَّعِي النِّصْفَ عِشْرِينَ، وَلِلْبِنْتِ الْخُمْسُ بِيَقِينٍ ثَمَانِيَةٌ، وَهِيَ تَدَّعِي الرُّبُعَ، وَلِلْخُنْثَى الرُّبُعُ بِيَقِينٍ، وَهِيَ يَدَّعِي الْخُمْسَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ يَدَّعِيهَا الْخُنْثَى كُلَّهَا، فَيُعْطِيهِ نِصْفَهَا ثَلَاثَةً مَعَ الْعَشَرَةِ الَّتِي مَعَهُ، صَارَ لَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالِابْنُ يَدَّعِي أَرْبَعَةً، فَيُعْطِيهِ نِصْفَهَا اثْنَيْنِ، صَارَ لَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَالْبِنْتُ تَدَّعِي سَهْمَيْنِ، فَتَدْفَعُ إِلَيْهَا سَهْمًا صَارَ لَهَا تِسْعَةً، وَمَنْ وَرَّثَهُ بِالدَّعْوَى مِنْ أَصْلِ الْمَالِ، فَعَلَى قَوْلِهِمْ يَكُونُ الْمِيرَاثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى هُنَا نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَخُمُسَانِ، مُخْرَجُهُمَا مِنْ عِشْرِينَ، يُعْطَى الِابْنُ النِّصْفَ عَشَرَةً، وَالْبِنْتُ خَمْسَةً، وَالْخُنْثَى ثَمَانِيَةً، تَكُنْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ، وَفِي التَّوَافُقِ زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَوَلَدُ أَبٍ خُنْثَى، فَالذُّكُورِيَّةُ مِنْ سِتَّةٍ، وَالْأُنُوثِيَّةُ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 بِإِحْدَاهُمَا إِنْ تَمَاثَلَتَا، أَوْ بِأَكْثَرِهِمَا إِنْ تَنَاسَبَتَا، وَتَضْرِبُهَا فِي اثْنَيْنِ، ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ مَضْرُوبٌ فِي الْأُخْرَى أَوْ فِي وَفْقِهَا، أَوْ تَجْمَعُ مَالَهُ مِنْهُمَا إِنْ تَمَاثَلَتَا وَإِنْ كَانَا خُنْثَيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ نَزَّلْتَهُمْ بِعَدَدِ أَحْوَالِهِمْ، وَقَالَ أَبُو   [المبدع في شرح المقنع] ثَمَانِيَةٍ، وَبَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ، فَاضْرِبْ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ فِي اثْنَيْنِ، تَكُنْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، وَفِي التَّمَاثُلِ زَوْجَةٌ وَوَلَدٌ خُنْثَى وَعَمٌّ، فَالذُّكُورِيَّةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَالْأُنُوثِيَّةُ كَذَلِكَ، فَاجْتَزِئْ بِإِحْدَاهُمَا، وَاضْرِبْهَا فِي حَالَيْنِ تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ، وَفِي التَّنَاسُبِ أُمٌّ وَبِنْتٌ وَوَلَدٌ خُنْثَى وَعَمٌّ، فَالذُّكُورِيَّةُ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَالْأُنُوثَةُ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَصِحُّ مِنْهَا، وَهِيَ تُنَاسِبُ الْأُولَى بِالثُّلُثِ، فَاجْتَزِئْ بِأَكْثَرِهِمَا، وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَاضْرِبْهَا فِي حَالَيْنِ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَتَجْمَعُ. (أَوْ تَجْمَعُ مَالَهُ مِنْهُمَا إِنْ تَمَاثَلَتَا) فَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى يَرِثُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَوَلَدِ أَبٍ خُنْثَى، فَمُقْتَضَى قَوْلِ الثَّوْرِيِّ أَنْ يُجْعَلَ لِلْخُنْثَى نِصْفَ مَا يَرِثُهُ فِي حَالِ إِرْثِهِ، وَهُوَ نِصْفُ سَهْمٍ، فَتَضُمُّهُ إِلَى سِهَامِ الْبَاقِينَ، وَهِيَ سِتَّةٌ، ثُمَّ تَبْسُطُهَا أَيْضًا، لِيَزُولَ الْكَسْرُ، فَيَصِيرَ لَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ لَهُ مِنْهَا سَهْمٌ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ نِصْفَيْنِ، وَقَدْ عَمِلَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي التَّنْزِيلِ فَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ: لِلْخُنْثَى سَهْمَانِ، وَهِيَ نِصْفُ سُبُعٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْآخَرِينَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. فَائِدَةٌ: الْخَنَاثَى مِنَ الْوَرَثَةِ سِتَّةٌ: مَسْأَلَةُ الْوَلَدِ وَوَلِدِ الِابْنِ، وَالْأَخِ وَوَلَدِهِ، وَالْعَمِّ وَوَلَدِهِ، فَالزَّوْجَانِ، وَالْأَبَوَانِ، وَالْجَدَّانِ، يُتَصَوَّرُ فِيهِمْ ذَلِكَ، وَالْخِلَافُ يَقَعُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْوَلَدِ، وَوَلَدِ الِابْنِ، فَالْأَخِ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَلَيْسَ لِلْإِنَاثِ مِنْهُمْ مِيرَاثٌ، فَيَكُونُ لِلْخُنْثَى مِنْهُمْ نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ الْخَبْرِيُّ. (وَإِنْ كَانَا خُنْثَيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ نَزَّلْتَهُمْ بِعَدَدِ أَحْوَالِهِمْ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَضِرَارٍ، وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ، كَإِعْطَائِهِمُ الْيَقِينَ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَعَلَى هَذَا تَجْعَلُ لِلِاثْنَيْنِ أَرْبَعَةَ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ ذَكَرًا، وَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ أُنْثَى، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا، وَأَنْ يَكُونُوا إِنَاثًا، وَلِلثَّلَاثَةِ ثَمَانِيَةٌ، أَوْ لِلْأَرْبَعَةِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْخَمْسَةِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ تَجْمَعُ مَا لَهُمْ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، فَتُقَسِّمُهُ عَلَى عَدَدِ أَحْوَالِهِمْ، فَمَا خَرَجَ بِالْقَسْمِ فَهُوَ لَهُمْ إِنْ كَانُوا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 الْخَطَّابِ: تُنَزِّلُهُمْ حَالَيْنِ، مَرَّةً ذُكُورًا وَمَرَّةً إِنَاثًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. فصل   [المبدع في شرح المقنع] جِهَاتٍ جَمَعْتَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْأَحْوَالِ، وَقَسَمْتَهُ عَلَى عَدَدِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، فَالْخَارِجُ بِالْقَسْمِ هُوَ نَصِيبُهُ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) وِفَاقًا لِأَبِي يُوسُفَ (تُنْزِلُهُمْ حَالَيْنِ مَرَّةً ذُكُورًا وَمَرَّةً إِنَاثًا) كَمَا تَصْنَعُ بِالْوَاحِدِ (وَالْأَوَّلُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِمَالِ، فَيَعْدِلُ بَيْنَهُمْ، وَعَلَى الثَّانِي: يُعْطِي بِبَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. ابْنٌ وَخُنْثَيَانِ: مَسْأَلَةُ الذُّكُورِيَّةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالْأُنُوثِيَّةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَذُكُورِيَّةُ أَحَدِهِمَا، وَأُنُوثِيَّةُ الْآخَرِ مِنْ خَمْسَةٍ: لِلْمُقَدَّرِ وَلِوَرَثَتِهِ سَهْمَانِ، وَلِلْآخَرِ سَهْمٌ، فَاجْتَزِئْ بِأَحَدِهِمَا لِتَمَاثُلِهِمَا، وَاضْرِبْ بَقِيَّةَ الْأَحْوَالِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ، لِتَبَايُنِهَا تَكُنْ سِتِّينَ، ثُمَّ فِي الْأَحْوَالِ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، فَلَهُمَا فِي حَالِ الذُّكُورِيَّةِ ثُلُثَا الْمَالِ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ، وَفِي حَالِ الْأُنُوثَةِ نِصْفُهُ، وَهُوَ ثَلَاثُونَ، وَفِي حَالِ ذُكُورِيَّةِ أَحَدِهِمَا، وَأُنُوثِيَّةِ الْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَهُوَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، وَفِي الْحَالِ الْأُخْرَى كَذَلِكَ، فَإِذَا جَمَعْتَ ذَلِكَ كَانَ مَا ذَكَرْنَا فَاقْسِمْهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ تَكُنْ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ وَنِصْفًا، لِكُلِّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ وَنِصْفٌ وَرُبُعٌ، ثُمَّ اضْرِبْ نَصِيبَ كَلِّ وَاحِدٍ فِي أَرْبَعَةٍ، يَصِحُّ لِكُلِّ خُنْثَى أَحَدٌ وَسَبْعُونَ، وَلِلِابْنِ ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، وَإِذَا كَانَ وَلَدٌ خُنْثَى وَوَلَدُ أَخٍ خُنْثَى وَعَمٌّ، فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ، فَالْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَا أُنْثَيَيْنِ، فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ، فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ عِنْدَ مَنْ نَزَّلَهُمْ حَالَيْنِ: لِلْوَلَدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ، وَلِلْعَمِّ رُبُعُهُ، وَمَنْ نَزَّلَهُمْ أَحْوَالًا كَانَتْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ: لِلْوَلَدِ الْمَالُ فِي حَالَيْنِ، وَالنِّصْفُ فِي حَالَيْنِ، فَلَهُ رُبُعُ ذَلِكَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ، وَلِوَلَدِ الْأَخِ نِصْفُ الْمَالِ فِي حَالٍ، فَلَهُ رُبُعُهُ، وَهُوَ الثُّمُنُ، وَلِلْعَمِّ مِثْلُ ذَلِكَ، وَهَذَا أَعْدَلُ، وَمَنْ قَالَ بِالدَّعْوَى فِيمَا زَادَ عَلَى الْيَقِينِ، قَالَ: لِلْوَلَدِ النِّصْفُ يَقِينًا، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَتَدَاعُونَهُ، فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ حُكْمَ الْخُنْثَى، وَبَيَّنَهُ بِأَحْسَنِ طَرِيقٍ، وَفَصَّلَهُ أَبْلَغَ تَفْصِيلٍ، فَلْيُرَاجَعْ هُنَاكَ. فَصْلٌ قَالَ الْمُؤَلِّفَ: وَجَدْنَا فِي عَصْرِنَا شَبِيهًا بِالْخُنْثَى لَمْ يَذْكُرْهُ الْفَرْضِيُّونَ، شَخْصَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 بَابُ مِيرَاثِ الْغَرْقَى وَمَنْ عُمِّيَ مَوْتُهُ إِذَا مَاتَ مُتَوَارَثَانِ، فَجُهِلَ أَوَّلُهُمَا مَوْتًا كَالْغَرْقَى وَالْهَدْمَى، وَاخْتَلَفَ وُرَّاثُهُمَا فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ فِي امْرَأَةٍ وَابْنِهَا مَاتَا، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَوَرِثْتُهُ، وَقَالَ أَخُوهَا: مَاتَ ابْنُهَا، فَوَرِثْتُهُ، لَمَّا مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا: أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَيَكُونُ مِيرَاثُ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ لِأَخِيهَا وَزَوْجِهَا نِصْفَيْنِ، ذَكَرَهَا الْخِرَقِيُّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُقَسَّمُ   [المبدع في شرح المقنع] لَيْسَ لَهُمَا فِي قُبُلِهِمَا مَخْرَجٌ، وَلَا ذَكَرٌ، وَلَا فَرْجٌ، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَذَكَرُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي قُبُلِهِ إِلَّا لُحْمَةٌ نَابِتَةٌ كَالرَّبْوَةِ يَرْشَحُ مِنْهَا الْبَوْلَ رَشْحًا عَلَى الدَّوَامِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا، فَسَأَلَنَا عَنِ الصَّلَاةِ، وَالتَّحَرُّزِ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَخْرَجٌ وَاحِدٌ، فِيمَا بَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ مِنْهُ يَتَغَوَّطُ، وَمِنْهُ يَبُولُ، وَأُخْبِرْتُ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْبَسُ لِبَاسَ النِّسَاءِ وَيُخَالِطُهُنَّ وَيَغْزِلُ مَعَهُنَّ، وَيَعُدُّ نَفْسَهُ امْرَأَةً، قَالَ: وَحُدِّثْتُ أَنَّ فِي بَعْضِ بِلَادِ الْعَجَمِ شَخْصًا لَيْسَ لَهُ قُبُلٌ وَلَا دُبُرٌ، وَإِنَّمَا يَتَقَيَّأُ مَا يَأْكُلُهُ وَيَشْرَبُهُ، فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ فِي مَعْنَى الْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِمَبَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَامَةٌ أُخْرَى، فَهُوَ مُشْكِلٌ، يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حُكْمُهُ فِي مِيرَاثِهِ. [بَابُ مِيرَاثِ الْغَرْقَى وَمَنْ عُمِّيَ مَوْتُهُ] أَيْ: خَفِيَ، وَلَمْ يُعْلَمْ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْبَابَ عَقِبَ الْمَفْقُودِ؛ لِأَنَّهُ جَهْلٌ يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي الْإِرْثِ، وَهُنَا يُوجِبُ حِرْمَانَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. (إِذَا مَاتَ مُتَوَارَثَانِ فَجُهِلَ أَوَّلُهُمَا مَوْتًا كَالْغَرْقَى) هُوَ جَمْعُ غَرِيقٍ كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ (وَالْهَدْمَى) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ هَدِيمٍ بِمَعْنَى مَهْدُومٍ، كَجَرِيحٍ بِمَعْنَى مَجْرُوحٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ، وَلَمْ أَرَ هَذَا مَنْقُولًا (وَاخْتَلَفَ وُرَّاثُهُمَا فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا) أَيْ: ادَّعَى وَرَثَةُ كُلِّ مَيِّتٍ سَبْقَ الْآخَرِ، وَلَا بَيِّنَةَ، أَوْ تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَةُ، وَلَمْ يَتَوَارَثَا، نُصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: بَلَى، وَخَرَّجُوا مِنْهَا الْمَنْعَ فِي جَهْلِهِمُ الْحَالَ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (فَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ فِي امْرَأَةٍ وَابْنِهَا مَاتَا، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَوَرِثْتُهُ، وَقَالَ أَخُوهَا: مَاتَ ابْنُهَا فَوَرِثْتُهُ لَمَّا مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا: أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْكِرُ مَا ادُّعِيَ بِهِ عَلَيْهِ، وَالْمُنْكِرُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ (وَيَكُونُ مِيرَاثُ الِابْنِ لِأَبِيهِ) لِأَنَّهُ وَارِثُهُ الْحَيُّ الْمُتَيَقَّنُ، وَغَيْرُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ (وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ لِأَخِيهَا وَزَوْجِهَا نِصْفَيْنِ) لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ يَرِثَانِهَا يَقِينًا، وَغَيْرُهُمَا مَشْكُوكٌ فِيهِ (ذَكَرَهَا الْخِرَقِيُّ) فِي الدَّعَاوَى، وَهُوَ قَوْلُ الصِّدِّيقِ وَزَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 مِيرَاثُ كُلِّ مَيِّتٍ عَلَى الْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ دُونَ مَنْ مَاتَ مَعَهُ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَوْتَى يَرِثُ صَاحِبَهُ مِنْ تِلَادِ مَالِهِ دُونَ مَا وَرِثَهُ مِنَ الْمَيِّتِ مَعَهُ، ثُمَّ يُقَدَّرُ أَحَدُهُمَا مَاتَ أَوَّلًا، وَيُوَرَّثُ الْآخَرُ مِنْهُ، ثُمَّ يُقَسَّمُ مَا وَرِثَهُ مِنْهُ عَلَى الْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ، ثُمَّ يُصْنَعُ بِالثَّانِي كَذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ غَرِقَ أَخَوَانِ، أَحَدُهُمَا مَوْلَى زَيْدٍ،   [المبدع في شرح المقنع] وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ (وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُقَسَّمُ مِيرَاثُ كُلِّ مَيِّتٍ عَلَى الْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ دُونَ مَنْ مَاتَ مَعَهُ) وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْمُتَوَارَثَانِ مَعًا، وَعَلِمَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ، فَلَا إِرْثَ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ تَوْرِيثِهِ كَوْنُهُ حَيًّا حِينَ مَوْتِ الْآخَرِ (وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ) وَقَدْ نُصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ (أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَوْتَى يَرِثُ صَاحِبَهُ مِنْ تِلَادِ مَالِهِ) أَيْ: مَالِهِ الْقَدِيمِ الْأَصْلِ (دُونَ مَا وَرِثَهُ مِنَ الْمَيِّتِ مَعَهُ) وَهُوَ الْمُسْتَحْدَثُ، وَيُقَالُ لَهُ: الطَّارِفُ، وَالطَّرِيفُ، وَسَوَاءٌ جَهِلَ الْوَرَثَةُ كَيْفَ مَاتَ أَوْ تَحَقَّقُوا السَّابِقَ، وَجَهِلُوا عَيْنَهُ (ثُمَّ يُقَدَّرُ أَحَدُهُمَا مَاتَ أَوَّلًا، وَيُوَرَّثُ الْآخَرُ مِنْهُ، ثُمَّ يُقَسَّمُ مَا وَرِثَهُ مِنْهُ عَلَى الْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ، ثُمَّ يَصْنَعُ بِالثَّانِي كَذَلِكَ) فَيُقَدَّرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَاتَتْ أَوَّلًا، فَوَرِثَهَا زَوْجُهَا وَابْنُهَا أَرْبَاعًا، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا وَرِثَهُ الِابْنُ فَيُدْفَعُ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ، وَهُمُ الْأَبُ، فَيَجْتَمِعُ لَهُ جَمِيعُ مَالِهِ، ثُمَّ يُقَدَّرُ أَنَّ الِابْنَ مَاتَ أَوَّلًا، فَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ أَثْلَاثًا، ثُمَّ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْأُمِّ فَيُقَسِّمُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهَا الْأَحْيَاءِ، وَهُمْ أَخُوهَا وَزَوْجُهَا نِصْفَيْنِ، فَيَحْصُلُ لِلْأَخِ السُّدُسُ مِنْ مَالِ الِابْنِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ، وَحَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " عَنْ جَمْعٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَقَعَ الطَّاعُونُ بِالشَّامِ عَامَ عَمْوَاسٍ، فَجُعِلَ أَهْلُ الْبَيْتِ يَمُوتُونَ عَنْ آخِرِهِمْ، فَكُتِبَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يُوَرَّثُوا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَرُوِيَ عَنْ إِيَاسٍ الْمُزَنِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ قَوْمٍ وَقَعَ عَلَيْهِمْ بَيْتٌ، فَقَالَ: يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» . وَحَمَلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ نَصَّ أَحْمَدَ الَّذِي حَكَاهُ الْخِرَقِيُّ اخْتِصَاصَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 وَالْآخَرُ مَوْلَى عَمْرٍو، وَصَارَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَوْلَى الْآخَرِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ: يَصِيرُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَوْلَاهُ، وَهُوَ أَحْسَنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.   [المبدع في شرح المقنع] بِمَا إِذَا ادَّعَى وَارِثُ كُلِّ مَيِّتٍ بِأَنَّ مَوْرُوثَهُ كَانَ آخِرَهُمَا مَوْتًا، فَأَمَّا مَعَ الْجَهْلِ، فَيُوَرَّثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مَعَ التَّدَاعِي يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا اتَّفَقُوا عَلَى الْجَهْلِ، لِكَوْنِهَا لَا تُشْرَعُ حِينَئِذٍ، وَاحْتَجَّ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى بِمَا رَوَى سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُوَيْسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ قَتْلَى الْيَمَامَةِ وَصِفِّينَ وَالْحَرَّةِ لَمْ يَرِثْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَرَّثُوا عَصَبَتَهُمُ الْأَحْيَاءَ، وَقَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِمْ: أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ تُوُفِّيَتْ هِيَ وَابْنُهَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ، فَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَلَمْ تَرِثْهُ وَلَمْ يَرِثْهَا. وَلِأَنَّ شَرْطَ التَّوَارُثِ حَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ، وَلَيْسَ بِمَعْلُومٍ، فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ فِي شَرْطِهِ، وَلِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي حَيَاتِهِ حِينَ يَرِثُ مَوْرُوثَهُ، فَلَا يَرِثُهُ كَالْحَمْلِ إِذَا وَضَعَتْهُ مَيِّتًا، وَلَا تَوْرِيثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَطَأٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُمَا مَعًا، أَوْ يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا، وَتَوْرِيثُ السَّابِقِ بِالْمَوْتِ خَطَأٌ يَقِينًا، مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، فَكَيْفَ يُعْمَلُ بِهِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ سُرَيْجٍ وَطَائِفَةٌ: يُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ الْيَقِينَ، وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ، أَوْ يَصْلُحُوا، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَأَبْطَلَهُ فِي " الْمُغْنِي " بِأَنَّهُ يَقْتَضِي إِلَى أَنْ يُعْطِيَ الْأَخَ مَا لَا يَدَّعِيهِ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ يَقِينًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي مِنْ مَالِ الِابْنِ أَكْثَرَ مِنْ سُدُسِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْهُ. فَرْعٌ: لَوْ عُلِمَ السَّابِقُ ثُمَّ نُسِيَ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ جُهِلَ، وَقِيلَ: بِالْقُرْعَةِ، قَالَ الْأَزَجِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ تَجْرِ الْقَرْعَةُ لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي النَّسَبِ، وَقَالَ الْوَنِّيُّ: يُعْمَلُ بِالْيَقِينِ، وَيُوقَفُ مَعَ الشَّكِّ. (فَعَلَى هَذَا لَوْ غَرِقَ أَخَوَانِ: أَحَدُهُمَا مَوْلَى زَيْدٍ، وَالْآخَرُ مَوْلَى عَمْرٍو، وَصَارَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَوْلَى الْآخَرِ) لِأَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ مَوْتُ مَوْلَى زَيْدٍ أَوَّلًا اسْتَحَقَّ مِيرَاثَهُ أَخُوهُ، ثُمَّ يُدْفَعُ إِلَى وَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ، وَهُوَ مَوْلَاهُ، صَارَ مَالُ مَوْلَى زِيدٍ لِعَمْرٍو، ثُمَّ هَكَذَا يُقَدَّرُ فِي مَوْلَى عَمْرٍو (وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يُوَرَّثْ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ (يَصِيرُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَوْلَاهُ، وَهُوَ أَحْسَنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) لِمَا تَقَدَّمَ، وَمَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ، وَقَفَ مَالَهُمَا، وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ مَوْلَاهُ آخِرُهُمَا مَوْتًا، حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ مِيرَاثِهِ فيرثه،   [المبدع في شرح المقنع] إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَأَخَذَ مَالَ مَوْلَاهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا أُخْتٌ، فَمَنْ وَرَّثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، جَعَلَ لَهَا الثُّلُثَيْنِ مِنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالنِّصْفَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَإِنْ خَلَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجَةً وَبِنْتًا، فَمَنْ لَمْ يُوَرِّثْ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، صَحَّحَهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ: لِامْرَأَتِهِ الثُّمُنُ، وَلِابْنَتِهِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِمَوْلَاهُ، وَمَنْ وَرَّثَهُمْ جَعَلَ الْبَاقِيَ لِأَخِيهِ، ثُمَّ قَسَّمَهُ بَيْنَ وَرَثَةِ أَخِيهِ عَلَى ثَمَانِيَةٍ، ثُمَّ ضَرَبَهَا فِي الثَّمَانِيَةِ الْأُولَى، فَصَحَّتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ: لِامْرَأَتِهِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِابْنَتِهِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، وَلِامْرَأَةِ أَخِيهِ ثُمُنُ الْبَاقِي ثَلَاثَةٌ، وَلِابْنَتِهِ اثْنَا عَشَرَ، وَلِمَوْلَاهُ الْبَاقِي تِسْعَةٌ. مَسْأَلَةٌ: لَوْ عَيَّنَ الْوَرَثَةُ وَقْتَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَشَكُّوا هَلْ مَاتَ الْآخَرُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؛ وَرِثَ مَنْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ مِنَ الْآخَرِ؛ إِذِ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَقِيلَ: لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا بِحَالٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَلَوْ مَاتَ أَخَوَانِ عِنْدَ الزَّوَالِ، أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ، وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ، وَرِثَ الَّذِي مَاتَ بِالْمَغْرِبِ مِنَ الَّذِي مَاتَ بِالْمَشْرِقِ لِمَوْتِهِ قَبْلَهُ، بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الزَّوَالِ، قَالَهُ فِي " الْفَائِقِ ". [بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ] [مِيرَاثُ أَهْلِ الذِّمَّةِ] بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَهُوَ جَمْعُ مِلَّةٍ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، إِفْرَادًا وَجَمْعًا، وَهِيَ: الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ. (لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ) قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بَيْنَ النَّاسِ اخْتِلَافٌ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَمُعَاوِيَةَ خِلَافُهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 وَعَنْهُ: لَا يَرِثُ وَإِنْ عَتَقَ عَبْدٌ بَعْدَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، وَقَبْلَ الْقَسْمِ لَمْ يَرِثْ وَجْهًا وَاحِدًا،   [المبدع في شرح المقنع] وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقُيِّدَ الْكَافِرُ بِالْأَصْلِيِّ، وَهُوَ مُرَادٌ (وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ: مَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ بَيْنَهُمَا مُنْقَطِعَةٌ، فَلَمْ يَتَوَارَثَا (إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ مِيرَاثِهِ فَيَرِثَهُ) نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا لِمَا رَوَى سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ قَسْمُ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَضَى بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْحَثُّ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا: إِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ الْبَعْضِ، وَرِثَ مَا بَقِيَ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا، فَتَصَرُّفُهُ فِي التَّرِكَةِ وَحِيَازَتُهَا كَقِسْمَتِهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا قُسِّمَتِ التَّرِكَةُ، وَتَعَيَّنَ حَقُّ كُلِّ وَارِثٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَاسْتَثْنَى الْخِرَقِيُّ وَالْمَجْدُ وَالْجَدُّ الْمِيرَاثَ بِالْوَلَاءِ، وَهُوَ: مَا إِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنَّهُ يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ عَلَى الْمَذْهَبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 وَيَرِثُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، إِنِ اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ وَهُمْ ثَلَاثُ مِلَلٍ: الْيَهُودِيَّةُ،   [المبدع في شرح المقنع] لِثُبُوتِهِ (وَعَنْهُ: لَا يَرِثُ) نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَصَحَّحَهَا جَمَاعَةٌ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» الْخَبَرَ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ قَدِ انْتَقَلَ عَنْهُ بِالْمَوْتِ، فَلَمْ يُشَارِكْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ كَمَا لَوِ اقْتَسَمُوا، أَوْ كَانَ رَقِيقًا، فَأُعْتِقَ، فَعَلَيْهَا يَرِثُ عَصَبَةَ سَيِّدِهِ الْمُوَافِقِ لِدِينِهِ، وَوَرَّثَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمُسْلِمَ مِنْ ذَمِّيٍّ؛ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ قَرِيبُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَلِوُجُوبِ نَصْرِهِمْ، وَلَا يَنْصُرُونَنَا. (وَإِنْ عَتَقَ عَبْدٌ بَعْدَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، وَقَبْلَ الْقَسْمِ، لَمْ يَرِثْ وَجْهًا وَاحِدًا) نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ، وَقَالَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَنَعَهُ مُطْلَقًا، خَرَجَ مِنْهُ مَا سَبَقَ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَعَنْهُ: يَرِثُ، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، كَمَنْ أَسْلَمَ، وَقَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمَكْحُولٌ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَالْمَذْهَبُ تَوْرِيثُ مَنْ أَسْلَمَ، لَا مَنْ عَتَقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْظَمُ الطَّاعَاتِ وَالْقُرَبِ، وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّأْلِيفِ عَلَيْهِ، فَوَرَدَ الشَّرْعُ بِتَوْرِيثِهِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَثَرِ فِي تَوْرِيثِ مَنْ أَسْلَمَ، لَكَانَ النَّظَرُ أَنْ لَا يَرِثَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ حِينَ الْمَوْتِ. فَرْعٌ: لَوْ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ، فَدَبَّرَهُ، يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَلَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ حِينَ الْمَوْتِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ فِي آخِرِ حَيَاتِي عَتَقَ، وَوَرِثَ فِي الْأَصَحِّ لِحُرِّيَّتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ. (وَيَرِثُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِنِ اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْإِرْثِ اخْتِلَافُ الدِّينِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، لَكِنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ فِي ذَلِكَ، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ أُسَامَةَ (وَهُمْ ثَلَاثُ مِلَلٍ) هَذَا رِوَايَةُ (الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ كِتَابٌ، وَأَحْكَامٌ وَشَرَائِعُ غَيْرُ الْأُخْرَى (وَدِينُ سَائِرِهِمْ) أَيْ: بَاقِيهِمْ كَالْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَدِينُ سَائِرِهِمْ، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أديانهم لَمْ يَتَوَارَثُوا، وَعَنْهُ: يَتَوَارَثُونَ، وَلَا يَرِثُ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا، وَلَا حَرْبِيٌّ ذِمِّيًّا، ذَكَرَهَ الْقَاضِي،   [المبدع في شرح المقنع] الْأَوْثَانِ، فَإِنَّهُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُهُمْ بِأَنَّهُ لَا كِتَابَ لَهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ وَعَطَاءٍ وَجَمْعٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَيْئًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ الْمُوَالَاةَ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَهُمْ، أَشْبَهَ اخْتِلَافَهُمْ بِالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ، وَعَنْهُ: الْكُفْرُ مِلَلٌ مُخْتَلِفَةٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ يَنْفِي تَوَارُثَهُمْ، وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ أَحْمَدَ تَصْرِيحًا بِذِكْرِ انْقِسَامِ الْمِلْكِ، فَعَلَى هَذَا لَا تَوَارُثَ بَيْنَهَا، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِلَلًا كَثِيرَةً، فَتَكُونُ الْمَجُوسِيَّةُ مِلَّةً، وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِلَّةً، وَعُبَّادُ الشَّمْسِ مِلَّةً، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ، لَا مُوَالَاةَ بَيْنَهُمْ، وَلَا اتِّفَاقَ فِي دِينٍ، وَقَوْلُ مَنْ حَصَرَ الْمِلَّةَ بِعَدَمِ الْكِتَابِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ عَدَمِيٌّ، لَا يَقْتَضِي حُكْمًا، وَعَنْهُ: مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، نَقَلَهَا حَرْبٌ، فَعَلَيْهَا يَتَوَارَثُونَ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] عَامٌّ فِي جَمِيعِهِمْ، فَالصَّابِئَةُ، قِيلَ: كَالْيَهُودِ، وَقِيلَ: كَالنَّصَارَى. (وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَدْيَانُهُمْ لَمْ يَتَوَارَثُوا) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ (وَعَنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَوَارَثَا، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا، إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ قُتِلَ فِي رِدَّتِهِ، فَمَا لَهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَنْهُ: أنه لِوَرَثَتِهِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي اخْتَارَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] : يَتَوَارَثُونَ) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَكَمَفْهُومِ حَدِيثِ أُسَامَةَ، قَالَ فِي الشَّرْحِ، وَهَذَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (وَلَا يَرِثُ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا، وَلَا حَرْبِيٌّ ذِمِّيًّا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) وَقَالَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّهْذِيبِ اتِّفَاقًا لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَوَارَثَا) نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ ": وَهُوَ الْأَقْوَى فِي الْمَذْهَبِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتِ الدَّارُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي أَنَّ الْمِلَّةَ الْوَاحِدَةَ يَتَوَارَثُونَ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ دِيَارُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ فِي النُّصُوصِ تَقْتَضِي تَوْرِيثَهُمْ، وَلَمْ يَرِدْ بِتَخْصِيصِهِمْ نَصٌّ، وَلَا إِجْمَاعٌ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِمْ قِيَاسٌ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهَا، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى التَّوْرِيثِ مَوْجُودٌ، فَيُعْمَلُ بِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقِيقِ الْمَانِعِ. مَسْأَلَةٌ: يَتَوَارَثُ حَرْبِيٌّ وَمُسْتَأْمَنٌ، وَذِمِّيٌّ وَمُسْتَأْمَنٌ، وَفِي الْمُنْتَخَبِ: يَرِثُ مُسْتَأْمَنًا وَرَثَتُهُ بِدَارِ حَرْبٍ؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ، وَفِي التَّرْغِيبِ: هُوَ فِي حُكْمِ ذِمِّيٍّ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: الْمُسْتَأْمَنُ يَمُوتُ هُنَا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ (وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا نِكَاحُ نِسَائِهِ، وَلَوِ انْتَقَلَ إِلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ تَزُولُ أَمْلَاكُهُ الثَّابِتَةُ لَهُ أَوِ اسْتِقْرَارُهَا، فَلِأَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ مِلْكٌ أَوْلَى (إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ) فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ، وَلَوِ ارْتَدَّ مُتَوَارَثَانِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، لَكِنْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا ارْتَدَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَرِثَهُ الْآخَرُ، وَيَخْرُجُ فِي مِيرَاثِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ كَذَلِكَ (وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قُتِلَ) أَوْ مَاتَ (فِي رِدَّتِهِ فَمَالُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالصَّحِيحُ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ، فَلَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، وَلِأَنَّ مَالَهُ مَالُ مُرْتَدٍّ، أَشْبَهَ الَّذِي كَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لِأَهْلِ دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُمْ، فَلَا يَرِثُونَهُ كَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) رُوِيَ عَنِ الصِّدِّيقِ، وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمْعٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ كَمَرَضِ مَوْتِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، أَنَّ عَلَى الْأُولَى: يَأْخُذُونَهُ فَيْئًا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: إِرْثًا. (وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي اخْتَارَهُ) رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ يَرِثُهُ أَهْلُ دِينِهِ كَالْحَرْبِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَرِثُهُ، فَهُوَ فَيْءٌ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ تِلَادِ مَالِهِ وَطَارِئِهِ، فَإِنِ ارْتَدَّ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، وُقِفَ مَالُهُ إِلَى أَنْ يَمُوتَ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِحُكْمِ الزِّنْدِيقِ، وَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ الْكُفْرَ، الَّذِي كَانَ يُسَمَّى مُنَافِقًا فِي عَصْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حُكْمُهُ كَالْمُرْتَدِّ، قَالَ فِي " الْفُصُولِ ": وَآكَدُ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْمُرَادُ إِذَا لَمْ يَتُبْ أَوْ تَابَ وَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَاحْتَجَّ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ: بِكَفِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ بِإِظْهَارِ الشَّهَادَةِ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِبَاطِنِهِمْ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْمُنَافِقَ يَرِثُ وَيُورَثُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْخُذْ مِنْ تَرِكَةِ مُنَافِقٍ شَيْئًا، وَلَا جَعَلَهُ فَيْئًا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمِيرَاثَ مَدَارُهُ عَلَى النُّصْرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَاسْمُ الْإِسْلَامِ يَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي الظَّاهِرِ إِجْمَاعًا، وَلَا لِحُكْمِ الدَّاعِيَةِ، وَهُوَ إِذَا دُعِيَ إِلَى بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ، فَمَالُهُ فَيْءٌ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَهْمِيِّ، وَعَلَى الْأَصَحِّ أَوْ غَيْرِ دَاعِيَةٍ وَهُمَا فِي غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 فَصْلٌ وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَجُوسُ أَوْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا، وَرِثُوا بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِمْ فَإِذَا خَلَّفَ أُمَّهُ –   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِي الْجَهْمِيِّ، إِذَا مَاتَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا نَصَارَى مَنْ يَشْهَدُهُ؟ قَالَ: أَنَا لَا أَشْهَدُهُ، يَشْهَدُهُ مَنْ شَاءَ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافُهَا. [مِيرَاثُ الْمَجُوسِيِّ] فَصْلٌ (وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَجُوسُ أَوْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا، وَرِثُوا بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِمْ) إِنْ أَمْكَنَ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَجَمْعٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ اللَّبَّانِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ، فَإِذَا كَانَتِ الْأُمُّ أُخْتًا، وَجَبَ إِعْطَاؤُهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا فِي الْآيَتَيْنِ كَالشَّخْصَيْنِ، وَلِأَنَّهُمَا قَرَابَتَانِ تَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً، وَلَا تَحْجِبُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى إِذَا كَانَا فِي شَخْصَيْنِ، وَلَا تَرْجِيحَ فِيهِمَا، فَيَرِثُ بِهِمَا جَمِيعًا، كَزَوْجٍ هُوَ ابْنُ عَمٍّ، وَابْنُ عَمٍّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ، وَعَنْهُ: يَرِثُ بِأَقْوَى الْقَرَابَتَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ، رُوِيَ عَنْ زَيْدٍ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ؛ لِأَنَّهُمَا قَرَابَتَانِ لَا يُوَرَّثُ بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ، فَلَا يُوَرَّثُ بِهِمَا فِي غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَجَوَابُهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: لَمْ يَحْكِ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَبِأَنَّ الْقَرَابَتَيْنِ فِي الْأَصْلِ تُسْقِطُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، إِذَا كَانَا فِي شَخْصَيْنِ، فَكَذَا إِذَا كَانَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُمْ: لَا تُوَرَّثُ بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ لِعَدَمِ وُجُودِهِمَا فَلَوْ تُصُوِّرَ وُجُودُهُمَا، كَزَوْجٍ هُوَ ابْنُ عَمٍّ وَرِثَ بِهِمَا. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي يَجْتَمِعُ بِهَا قَرَابَتَانِ، وَيَصِحُّ الْإِرْثُ بِهِمَا سِتٌّ: إِحْدَاهُنَّ فِي الذُّكُورِ، وَهِيَ عَمٌّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ، وَخَمْسٌ فِي الْإِنَاثِ، وَهِيَ بِنْتٌ، هِيَ أُخْتٌ، أَوْ بِنْتُ ابْنٍ، وَأُمٌّ هِيَ أُخْتٌ، وَأُمُّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ، وَأُمُّ أَبٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمِّ، وَمَتَى كَانَتِ الْبِنْتُ أُخْتًا، وَالْمَيِّتُ رَجُلٌ، فَهِيَ أُخْتٌ لِلْأُمِّ، وَمَتَى كَانَ امْرَأَةً فَهِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ، فَإِنْ قِيلَ: أُمٌّ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ، أَوْ أُمٌّ، أَوْ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ، وَأُمُّ أَبٍ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ، فَهُوَ مُحَالٌ. (فَإِذَا خَلَّفَ أُمَّهُ - وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ أَبِيهِ - وَعَمًّا، وَرِثَتِ الثُّلُثَ بِكَوْنِهَا أُمًّا، وَالنِّصْفَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ أَبِيهِ - وَعَمًّا، وَرِثَتِ الثُّلُثَ بِكَوْنِهَا أُمًّا، وَالنِّصْفَ بِكَوْنِهَا أُخْتًا، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا أُخْتٌ أُخْرَى، لَمْ تَرِثْ بِكَوْنِهَا أُمًّا إِلَّا السُّدُسُ؛ لِأَنَّهَا انْحَجَبَتْ بِنَفْسِهَا وَبِالْأُخْرَى، وَلَا يَرِثُونَ بِنِكَاحِ ذَوِي الْمَحَارِمِ، وَلَا بِنِكَاحٍ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمُوا.   [المبدع في شرح المقنع] بِكَوْنِهَا أُخْتًا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ) لِخَبَرِ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أُخْتٌ أُخْرَى، لَمْ تَرِثْ بِكَوْنِهَا أُمًّا إِلَّا السُّدُسَ) وَعَلَّلَهُ (لِأَنَّهَا انْحَجَبَتْ بِنَفْسِهَا وَبِالْأُخْرَى) لِأَنَّ الْأُمَّ تُرَدُّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ بِالْأُخْتَيْنِ، وَمَنْ وَرَّثَهَا بِأَقْوَى الْقَرَابَتَيْنِ، وَرَّثَهَا الثُّلُثَ بِكَوْنِهَا أُمًّا، وَلَمْ يَحْجِبْهَا بِنَفْسِهَا، وَقَدْ تَحْجُبُ هِيَ نَفْسَهَا، وَهُوَ مَا إِذَا تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ، فَأَوْلَدَهَا بِنْتًا، ثُمَّ مَاتَ، فَلَهَا السُّدُسُ، وَلِابْنَتِهِ النِّصْفُ، وَلَا يَرِثُ أُمَّهُ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَلَا ابْنَتَهُ بِالْأُخُوَّةِ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا، فَيَكُونُ إِذًا قَدْ حَجَبَتْ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا. مَسْأَلَةٌ: مَجُوسِيٌّ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ، فَأَوْلَدَهَا بِنْتًا، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا، وَعَنْ عَمٍّ، فَلَهَا الثُّلُثَانِ، وَالْبَقِيَّةُ لِلْعَمِّ، وَلَا تَرِثُ الْكُبْرَى بِالزَّوْجِيَّةِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، فَإِنْ مَاتَتِ الْكُبْرَى بَعْدَهُ، فَالْمَالُ لِلصُّغْرَى؛ لِأَنَّهَا بِنْتٌ وَأُخْتٌ، فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْكُبْرَى، فَلَهَا نِصْفٌ وَثُلُثٌ، وَالْبَقِيَّةُ لِلْعَمِّ، وَمَنْ وَرَّثَ بِأَقْوَاهُمَا لَمْ يُوَرِّثْهَا بِالْأُخُوَّةِ شَيْئًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، ثُمَّ لَوْ تَزَوَّجَ الصُّغْرَى، فَوَلَدَتْ بِنْتًا، وَخَلَّفَ مَعَهُنَّ عَمًّا، فَلَبِنَاتِهِ الثُّلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَمِّ، وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَهُ ابْنَتُهُ الْكُبْرَى، فَلِلْوُسْطَى النِّصْفُ؛ لِأَنَّهَا بِنْتٌ، وَمَا بَقِيَ لَهَا وَلِلصُّغْرَى؛ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ لِأَبٍ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، فَهَذِهِ بِنْتُ بِنْتٍ، وَرِثَتْ مَعَ بِنْتٍ فَوْقَ السُّدُسِ، وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَهُ الْوُسْطَى، فَالْكُبْرَى أُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ، وَالصُّغْرَى بِنْتٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ، فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَمَا بَقِيَ لَهُمَا بِالتَّعْصِيبِ، وَإِنْ مَاتَتِ الصُّغْرَى بَعْدَهَا فَأُمُّ أُمِّهَا أُخْتٌ لِأَبٍ، فَلَهَا الثُّلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَمِّ، وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَهُ بِنْتُهُ الصُّغْرَى، فَلِلْوُسْطَى بِأَنَّهَا أُمٌّ السُّدُسُ، وَحَجَبَتْ نَفْسَهَا، وَلَهُمَا الثُّلُثَانِ، بِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ لِأَبٍ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَمِّ، وَلَا تَرِثُ الْكُبْرَى بِأَنَّهَا جَدَّةٌ مَعَ أُمٍّ، فَهَذِهِ جَدَّةٌ حَجَبَتْ أُمًّا، وَوَرِثَتْ مَعَهَا، وَمَنْ حَجَبَ نَفْسَهُ عَمِلَ بِهِ. (وَلَا يَرِثُونَ بِنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (وَلَا بِنِكَاحٍ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ) كَمَنْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا (لَوْ أَسْلَمُوا) لِأَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَالْمَجُوسُ وَغَيْرُهُمْ فِي هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 بَابُ ميراث المطلقة إِذَا طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضٍ غَيْرِ مَخُوفٍ، أَوْ غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ طَلَاقًا بَائِنًا، قُطِعَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا لَمْ يَقْطَعْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ طَلَاقًا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ، بِأَنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] سَوَاءٌ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُمْ إِذَا اعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ، وَأَقَرُّوا عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ يَرِثُونَ بِهِ، سَوَاءٌ وُجِدَ بِشُرُوطِهِ الصَّحِيحَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَا، كَمَنْ تَزَوَّجَ بِلَا شُهُودٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ يُقَرُّ عَلَيْهِ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْإِرْثُ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَفِي بَعْضِ الْأَنْكِحَةِ خِلَافٌ، وَاسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ، فِي أَنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَالْمَجُوسِيُّ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ؛ لِإِقْرَارِهِمْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ أَسْلَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أُقِرَّا، وَإِلَّا فَلَا، فَعَلَيْهِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، لَمْ يَتَوَارَثَا، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ تَوَارَثَا، وَنُؤوِّلُ كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. [بَابُ مِيرَاثِ الْمُطَلَّقَةِ] ِ أَيْ غَيْرَ مَشْدُودَةٍ، وَلَا مُمْسَكَةٍ بِعَقْدِ النِّكَاحِ (إِذَا طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضٍ غَيْرِ مَخُوفٍ أَوْ غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ طَلَاقًا بَائِنًا، قُطِعَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ التَّوَارُثَ سَبَبُهُ الزَّوْجِيَّةُ، وَهِيَ مَعْدُومَةٌ هُنَا، وَلِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي مَرَضٍ غَيْرِ مَخُوفٍ حُكْمُ الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ، وَحِينَئِذٍ إِذَا طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، فَبَانَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، لَمْ يَتَوَارَثَا إِجْمَاعًا لِزَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْمِيرَاثِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ، ثُمَّ صَحَّ مِنْهُ، وَمَاتَ بَعْدَهُ، لَمْ تَرِثْهُ (وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا لَمْ يَقْطَعْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ) سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ. (وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ طَلَاقًا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ بِأَنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ) أَيْ: فِي مَرَضِهِ، فَأَجَابَهَا، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَارٍّ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، صَحَّحَهَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ، فَهُوَ كَمَنْ سَأَلَتْهُ طَلْقَةً، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: إِذَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، لَمْ تَرِثْهُ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا خَالَعَهَا (أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى فِعْلٍ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 فِعْلٍ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَفَعَلَتْهُ، أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ فِي الصِّحَّةِ، فَوُجِدَ فِي الْمَرَضِ، أَوْ طَلَّقَ مَنْ لَا يَرِثُ كَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، فَعَتَقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ، فَهُوَ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا الْمِيرَاثَ، مِثْلَ أَنْ طَلَّقَهَا ابْتِدَاءً،   [المبدع في شرح المقنع] فَفَعَلَتْهُ) أَوْ خَيَّرَهَا، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى مَشِيئَتِهَا، فَشَاءَتْ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَارٍّ، وَلِزَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ بِأَمْرٍ لَا يُتَّهَمُ فِيهِ، لَكِنْ إِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا، فَفَعَلَتْ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ وَرِثَتْهُ؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ فِيهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " (أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ فِي الصِّحَّةِ) لَيْسَ مِنْ صُنْعِهِمَا، وَلَا مِنْ صُنْعِهَا، وَلَهَا مِنْهُ بُدٌّ (فَوُجِدَ فِي الْمَرَضِ) كَقُدُومِ زَيْدٍ مَثَلًا، لَمْ تَرِثْهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً أُخْرَى فِيهِمَا بِالْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ فِي الْمَرَضِ، فَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِهِ فِي الْمَرَضِ، وَرِثَتْهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ فِي الْمَرَضِ، وَلَوْ قَالَ فِي الصِّحَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ لَمْ أَضْرِبْ غُلَامِي، فَلَمْ يَضْرِبْهُ حَتَّى مَاتَ وَرِثَتْهُ، وَلَا يَرِثُهَا إِنْ مَاتَتْ، وَإِنْ مَاتَ الْغُلَامُ وَالزَّوْجُ مَرِيضٌ طُلِّقَتْ، وَكَانَ كَتَعْلِيقِهِ عَلَى مَجِيءِ زَيْدٍ، وَكَذَا إِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أُوفِكِ مَهْرَكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ وَفَّاهَا مَهْرَهَا، فَأَنْكَرَتْهُ صَدَقَ الزَّوْجُ فِي تَوْرِيثِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَصْدُقْ فِي بَرَاءَتِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَوْ قَالَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ: إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَذَلِكَ نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ: إِذَا مَرِضْتُ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهُوَ كَطَلَاقِ الْمَرِيضِ سَوَاءٌ أَوْ إِنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ ثَلَاثًا، لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ، وَكَانَ كَطَلَاقِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يُبْطِلُ حَقَّ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَا لَهَا (أَوْ طَلَّقَ) الْمُسْلِمُ فِي الْمَرَضِ طَلَاقًا بَائِنًا (مَنْ لَا يَرِثُ كَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، فَعَتَقَتْ أَوْ أَسَلَمَتْ) ثُمَّ مَاتَ عَقِبَهَا (فَهُوَ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) أَيْ: لَمْ يَرِثَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَارٍّ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَوَرِثَاهُ كَغَيْرِهِمَا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي " الْمُغْنِي " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، فَفَعَلَتْهُ، أَوْ قَالَ لِلذِّمِّيَّةِ أَوِ الْأَمَةِ: إِذَا أَسْلَمْتِ أَوْ عَتَقْتِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ عُلِمَ أَنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ قَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا، فَطَلَّقَهَا الْيَوْمَ، وَرِثَتْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَلَمْ يَرِثْهَا، وَهَلْ تَرِثُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَوْ تَرِثُهُ   [المبدع في شرح المقنع] ، وَالْكَافِي، فَلَوْ قَالَ لَهُمَا: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ غَدًا، فَعَتَقَتِ الْأَمَةُ، وَأَسْلَمَتِ الذِّمِّيَّةُ لَمْ يَرِثَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَارٍّ. 1 - (فَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا الْمِيرَاثَ مِثْلَ أَنْ طَلَّقَهَا) ثَلَاثًا، وَفِي الْمُحَرَّرِ أَبَانَهَا - وَهُوَ أَوْلَى - فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ (ابْتِدَاءً) وَرِثَتْهُ إِذَا مَاتَ فِي قَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَشُرَيْحٍ وَعُرْوَةٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ، فَلَا تَرِثُ كَالْبَائِنِ فِي الصِّحَّةِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بِاخْتِيَارِهَا، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ عُثْمَانَ وَرَّثَ تَمَاضُرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ، فَبَتَّهَا، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ خِلَافُ هَذَا، بَلْ رَوَى عُرْوَةُ أَنَّ عُثْمَانَ، قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنْ مِتَّ، لَأُوَرِّثَنَّهَا مِنْكَ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ قَصْدًا فَاسِدًا، فَعُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، كَالْقَاتِلِ الْقَاصِدِ اسْتِعْجَالَ الْمِيرَاثِ (أَوْ عَلَّقَهُ) أَيِ: الثَّلَاثَ (عَلَى فِعْلٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ) شَرْعًا (كَالصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ (وَنَحْوِهَا) كَالصَّوْمِ الْوَاجِبِ، أَوْ عَقْلًا، كَأَكْلٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهَا تَضْطَرُّ إِلَى فِعْلِ ذَلِكَ، فَتَعْلِيقُهُ عَلَيْهِ كَتَنْجِيزِهِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَكَذَا إِنْ عَلَّقَهُ عَلَى كَلَامِهَا لِأَبَوَيْهَا، أَوْ أَحَدِهِمَا قُطِعَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ وَ " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، وَفِي الْمُحَرَّرِ، وَكَلَامُ أَبِيهَا (فَفَعَلَتْهُ) وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً بِعِوَضٍ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ قَذَفَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَلَاعَنَهَا فِي مَرَضِهِ، وَقِيلَ: لِلْحَدِّ لَا لِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَرِثَتْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ، وَإِنْ آلَى مِنْهَا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ صَحَّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَرَضِهِ، وَبَانَتْ بِالْإِيلَاءِ، لَمْ تَرِثْهُ ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (أَوْ قَالَ لِلذِّمِّيَّةِ أَوِ الْأَمَةِ: إِذَا أَسْلَمْتِ أَوْ عَتَقْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ) ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْحِرْمَانِ ظَاهِرٌ فِيهِ؛ لِكَوْنِهِ رَتَّبَ الطَّلَاقَ عَلَى الْمُوجِبِ لِلْإِرْثِ (أَوْ عَلِمَ أَنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ قَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا، فَطَلَّقَهَا) أَيْ: أَبَانَهَا (الْيَوْمَ) لِأَنَّهُ فَارٌّ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ أَكْرَهَ الِابْنُ امْرَأَةَ   [المبدع في شرح المقنع] لِعَدَمِ الْفِرَارِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَكَذَا إِذَا وَطِئَ عَاقِلٌ - وَقِيلَ: مُكَلَّفٌ - حَمَاتَهُ، أَوْ عَلَّقَ إِبَانَتَهَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى مَرَضِهِ، أَوْ عَلَى فِعْلٍ لَهُ، فَفَعَلَهُ فِي مَرَضِهِ، أَوْ عَلَى تَرِكَةٍ، نَحْوَ: لَأَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْكِ، أَوْ وَكَّلَ فِي صِحَّتِهِ مَنْ يُبِينُهَا مَتَى شَاءَ، فَأَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ (وَرِثَتْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ) رِوَايَةً وَاحِدَةً لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى (وَلَمْ يَرِثْهَا) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبَيْنُونَةِ قَطْعُ التَّوَارُثِ، خُولِفَ فِي الزَّوْجَةِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ (وَهَلْ تَرِثُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَوْ تَرِثُهُ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْأَشْهَرُ: أَنَّهَا تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَجَمْعٍ، لِمَا رَوَى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَ أُمَّهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَوَرِثَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلِأَنَّ سَبَبَ تَوْرِيثِهَا فِرَارُهُ مِنْ مِيرَاثِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَزُولُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَشَرْطُهُ: مَا لَمْ تَرْتَدَّ، وَالْأَظْهَرُ أَوْ تُسْلِمْ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَرِثُ بَعْدَ الْعِدَّةِ، اخْتَارَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَوْرِيثِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا، ثُمَّ مَاتَ، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، فَتَرِثُهُ الْخَمْسُ، وَعَنْهُ، وَصَحَّحَهَا فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّ رُبُعَهُ لِلْمَبْتُوتَةِ، وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِلْأَرْبَعِ، إِنْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ، وَإِلَّا فَلِلثَّلَاثِ السَّوَابِقِ بِالْعَقْدِ، وَقِيلَ: كُلُّهُ لِلْمَبْتُوتَةِ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ، أَوْ مَاتَتْ، فَحَقُّهَا لِلْجُدُدِ فِي عَقْدٍ، وَإِلَّا فَلِلسَّابِقَةِ إِلَى كَمَالِ أَرْبَعٍ بِالْمَتْبُوعَةِ، وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَرِوَايَتَانِ، أَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ عَدَمَ الْإِرْثِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَرَضِهِ أَرْبَعَ رِوَايَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ: لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَالْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ ثَبَتَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِفِرَارِهِ، وَهَذَا فَارٌّ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِيرَاثُ وَجَبَ تَكْمِيلُ الصَّدَاقِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ عِدَّةَ وَفَاةٍ، وَقِيلَ: طَلَاقٍ، وَالثَّانِيَةُ: لَهَا الْمِيرَاثُ وَالصَّدَاقُ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ عَلَيْهَا، فَلَا تَجِبُ بِفِرَارِهِ، وَالثَّالِثَةُ: لَهَا الْمِيرَاثُ وَنِصْفُ الصَّدَاقِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَهِيَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [البقرة: 237] الْآيَةَ، وَالرَّابِعَةُ: لَا تَرِثُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَلَهَا نِصْفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 أَبِيهِ عَلَى مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا لَمْ يُقْطَعْ مِيرَاثُهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ امْرَأَةٌ سِوَاهَا، وَإِنْ فَعَلَتْ   [المبدع في شرح المقنع] الصَّدَاقِ، وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى تَنْصِيفِ الصَّدَاقِ، وَنَفَى الْعِدَّةَ عَنِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ، فَلَيْسَتْ زَوْجَةً وَلَا مُعْتَدَّةً مِنْ نِكَاحٍ أَشْبَهَتِ الْمُطَلَّقَةَ فِي الصِّحَّةِ، فَإِنْ خَلَا بِهَا، وَأَنْكَرَ الْوَطْءَ وَصَدَّقَتْهُ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِلْوَفَاةِ، وَيَكْمُلُ لَهَا الصَّدَاقُ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ تَكْفِي فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ (فَإِنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ تَرِثْهُ) لِأَنَّهَا فَعَلَتْ بِاخْتِيَارِهَا مَا يُنَافِي نِكَاحَ الْأَوَّلِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَسَخَتِ النِّكَاحَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَاقِيَةً مَعَ الزَّوْجِ الثَّانِي، أَوْ بَانَتْ مِنْهُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. (وَإِنْ أَكْرَهَ الِابْنُ) وَهُوَ عَاقِلٌ وَارِثٌ (امْرَأَةَ أَبِيهِ) أَوْ جَدِّهِ الْمَرِيضِ (عَلَى مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا) مِنْ وَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَمْ يُقْطَعْ مِيرَاثُهَا) لِأَنَّهُ قَصَدَ حِرْمَانَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَبَانَهَا زَوْجُهَا، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ زَادَ إِرْثُهُ أَوْ نَقَصَ، أَوْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ أُخَرُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، أَوْ فَاتَ إِرْثُهُ بِقَتْلٍ أَوْ حَجْبٍ، فَإِنْ طَاوَعَتْهُ، فَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهَا مُشَارِكَةٌ لَهُ فِيمَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا، أَشَبَهَ مَا لَوْ خَالَعَتْهُ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ امْرَأَةٌ) وَارِثَةٌ (سِوَاهَا) فَإِنَّ الْمُسْتَكْرَهَةَ لَا تَرِثُ؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الِابْنُ مَجْنُونًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا، أَوِ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ، وَهُوَ نَائِمٌ، لَمْ تَرِثْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَالِاعْتِبَارُ بِالتُّهْمَةِ حَالَ الْإِكْرَاهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ صَارَ ابْنُ الِابْنِ وَارِثًا بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ تَرِثْ؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حَالَ الْوَطْءِ وَعَكْسُهُ لَوْ كَانَ وَارِثًا حَالَ الْوَطْءِ، فَعَادَ مَحْجُوبًا، وَرِثَتْ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ حِينَ الْوَطْءِ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ إِنِ انْتَفَتِ التُّهْمَةُ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا الْإِرْثَ أَوْ بَعْضَهُ، لَمْ تَرِثْهُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ لَوْ تَزَوَّجَ فِي مَرَضِهِ مُضَارَّةً لِيَنْتَقِضَ إِرْثَ غَيْرِهَا، وَأَقَرَّتْ بِهِ، لَمْ تَرِثْهُ، وَمَعْنَى كَلَامِ شَيْخِنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ تَرِثُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ لِلْمَرِيضِ امْرَأَتَانِ، فَاسْتَكْرَهَ ابْنُهُ إِحْدَاهُمَا، لَمْ تَرِثْهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، لِكَوْنِ مِيرَاثِهَا لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَإِنِ اسْتَكْرَهَ الثَّانِيَةَ بَعْدَهَا، وَرِثَتْ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِمَا، فَإِنِ اسْتَنْكَرَهُمَا مَعًا، وَرِثَتَا مَعًا. مَسْأَلَةٌ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ إِذَا وَطِئَ حَمَاتَهُ أَنَّ امْرَأَتَهُ تَبِينُ مِنْهُ، وَتَرِثُهُ، سَوَاءً طَاوَعَتْهُ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ زَائِلَ الْعَقْلِ حِينَ الْوَطْءِ، لَمْ تَرِثْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ، فَلَا يَكُونُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 فِي مَرَضِ مَوْتِهَا مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا، لَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُ زَوْجِهَا، وَإِنْ خَلَّفَ زَوْجَاتٍ، نِكَاحُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدٌ، أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَإِذَا طَلَّقَ   [المبدع في شرح المقنع] فَارًّا، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ بِنْتَ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ زَائِلُ الْعَقْلِ، فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا عَاقِلًا وَرِثَتْ؛ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا صَحِيحًا، وَفِي الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: تُنْشَرُ الْحُرْمَةُ كَالْوَطْءِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا كَالنَّظَرِ، وَخَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي النَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ وَالْخَلْوَةِ لِشَهْوَةٍ وَجْهًا لَهُ: يُنْشَرُ الْحُرْمَةُ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ. 1 - (وَإِنْ فَعَلَتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا) بِأَنْ تُرْضِعَ زَوْجَهَا الصَّغِيرَ أَوْ تَرْتَدَّ، سَقَطَ مِيرَاثُهَا (لَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُ زَوْجِهَا) لِأَنَّهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَلَمْ يُسْقِطْ فِعْلُهَا مِيرَاثَ الْآخَرِ كَالزَّوْجِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالزَّوْجُ فِي إِرْثِهَا إِذَا قَطَعَتْ نِكَاحَهَا مِنْهُ كَفِعْلِهِ، وَكَذَا رِدَّةُ أَحَدِهِمَا، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ، وَالْأَشْهَرُ: لَا، وَكَذَا خَرَّجَ الشَّيْخُ فِي سَائِرِ الْأَقَارِبِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أُعْتِقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، أَوْ كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا، فَأُجِّلَ سَنَةً، وَلَمْ يُصِبْهَا حَتَّى مَرِضَتْ فِي آخِرِ الْحَوْلِ، فَاخْتَارَتْ فُرْقَتَهُ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَتَوَارَثَا، ذَكَرَهُ ابْنُ اللَّبَّانِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَقَةِ إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي مَرَضِهَا، لَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ لَا لِلْفِرَارِ، وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَةَ أَخِيهِ صَغِيرَةً، فَفَسَخَتِ النِّكَاحَ فِي مَرَضِهَا، لَمْ يَرِثْهَا الزَّوْجُ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ مِنْ أَصْلِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: خِلَافُهُ، وَلَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ لِلْفِرَارِ فَلَمْ يَرِثْهَا، كَمَا لَوْ فَسَخَتِ الْمُعْتَقَةُ نِكَاحَهَا (وَإِنْ خَلَّفَ زَوْجَاتٍ، نِكَاحُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدٌ) قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَوْ مُنْقَطِعٌ قَطْعًا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهَا (أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ) لِأَنَّهَا تُزِيلُ الْإِبْهَامَ، فَشُرِعَتْ كَالْعِتْقِ (فَمَنْ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْأَصْحَابُ، لِأَنَّ الْقُرْعَةَ تُعَيِّنُهَا. فَرْعٌ: لَوْ قَبَِّلَهَا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ، لَمْ تَرِثْهُ لِخُرُوجِهَا مِنْ حَيِّزِ التَّمَلُّكِ وَالتَّمْلِيكِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِي مَرَضِهِ، فَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، وَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ، فَالْمِيرَاثُ لِلزَّوْجَاتِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ بَيْنَ الثَّمَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَيَتَوَجَّهُ خِلَافٌ كَمَنْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَإِذَا طَلَّقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِي مَرَضِهِ، فَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، وَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ، فَالْمِيرَاثُ لِلزَّوْجَاتِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ بَيْنَ الثَّمَانِ) جَعَلَ ابْنُ الْمُنَجَّا هَذَا الْخِلَافَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، هَلْ تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ؛ وَالْأَصَحُّ الْإِرْثُ، فَعَلَى هَذَا الصَّحِيحُ هُنَا أَنَّ الْمِيرَاثَ بَيْنَ الثَّمَانِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَنَقَلَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّ الْمِيرَاثَ هَلْ هُوَ لِلْمُطَلَّقَاتِ، أَوْ بَيْنَ الثَّمَانِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَيْنَ الْمُطَلَّقَاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ يَرِثْنَ مَا كُنَّ يَرِثْنَ، وَكُنَّ يَرِثْنَ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ، فَكَذَا بَعْدَ تَزْوِيجِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ بَيْنَ الثَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ إِذَا وَرِثْنَ، وَقَدْ مَضَى نِكَاحُهُنَّ، فَلِأَنْ تَرِثَ الزَّوْجَاتُ، وَنِكَاحُهُنَّ بَاقٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ نَكَحَ غَيْرَهَا، ثُمَّ مَاتَ، لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَمُوتَ فِي عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ، فَتَرِثَاهُ جَمِيعًا فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلْمُطَلَّقَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْمَرِيضِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ مَا كَانَتْ تَرِثُ قَبْلَ طَلَاقِهَا، وَهُوَ جَمِيعُ الْمِيرَاثِ، فَكَذَا بَعْدَهُ، وَرَدَّهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": بِأَنَّهَا إِنَّمَا تَرِثُ مَا كَانَتْ تَرِثُ لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا، لَمْ تَرِثْ إِلَّا نِصْفَ مِيرَاثِ الزَّوْجَاتِ، فَكَذَا إِذَا طَلَّقَهَا، فَعَلَى هَذَا: لَوْ تَزَوَّجَ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ، فَلِلْمُطَلَّقَةِ رُبُعُ مِيرَاثِ الزَّوْجَاتِ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رُبُعُهُ، الثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ، فَيَكُونُ الْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلزَّوْجَاتِ، وَعَنْهُ: لِلْأَرْبَعِ، كَمَا لَوْ مَاتَ فِي عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا كُنَّ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ، فَطَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ نَكَحَ أُخْرَى فِي عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ، أَوْ طَلَّقَهَا، وَنَكَحَ أُخْتَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَبَاقِي الزَّوْجَاتِ الْأَوَائِلِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَفِي مِيرَاثِهَا رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَا مِيرَاثَ لَهَا، فَيَكُونُ لِبَاقِي الزَّوْجَاتِ، وَالثَّانِيَةُ: تَرِثُ مَعَهُنَّ، وَلَا شَيْءَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 بَابُ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ إِذَا أَقَرَّ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ بِوَارِثٍ لِلْمَيِّتِ، فَصَدَّقَهُمْ أَوْ كَانَ صَغِيرًا، ثَبَتَ نَسَبُهُ   [المبدع في شرح المقنع] لِلْمَنْكُوحَةِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ الْخَامِسَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ، صَحَّ نِكَاحُهَا، وَهَلْ تَرِثُ الْمُطَلَّقَةُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: عَدَمُ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَوْرِيثُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ، أَوْ أُخْتَانِ، أَوْ حِرْمَانُ الزَّوْجَاتِ الْمَنْصُوصُ عَلَى مِيرَاثِهِنَّ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِلزَّوْجَاتِ دُونَ الْمُطَلَّقَةِ، وَالثَّانِيَةُ: تَرِثُ الْمُطَلَّقَةُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْخَمْسِ، وَالثَّانِي: يَكُونُ لِلْمُطَلَّقَةِ وَالْمَنْكُوحَاتِ الْأَوَائِلِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَنْ يَحْرِمَهُنَّ مِيرَاثَهُنَّ بِالطَّلَاقِ، فَكَذَا يُمْنَعُ مِنْ تَنْقِيصِهِنَّ مِنْهُ، وَرَدَّ الْمُؤَلِّفُ كِلَا الْوَجْهَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا، فَرَدَّهُ نَصُّ الْكِتَابِ عَلَى تَوْرِيثِ الزَّوْجَاتِ، فَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ؛ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ نِكَاحَهُنَّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَلَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعْنَ فِي مِيرَاثِهِ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا فِي مَرَضِهِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، وَنَكَحَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ، ثُمَّ مَاتَ فِي مَرَضِهِ فَعَلَى الْمُخْتَارِ تَرِثُهُ الْمَنْكُوحَاتُ خَاصَّةً، وَعَلَى الثَّانِي فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَيْنَ الثَّمَانِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِلْمُطَلَّقَاتِ، وَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَالْمِيرَاثُ لَهُنَّ فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُطَلَّقَاتِ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ طَلَاقًا يَقْطَعُ الْمِيرَاثَ، فَأَنْكَرَ، لَمْ تَرِثْهُ إِنْ مَاتَ إِذَا كَانَتْ مُقِيمَةً عَلَى قَوْلِهَا، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَ " الْفُرُوعِ ". [بَابُ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ] الْإِقْرَارُ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ (إِذَا أَقَرَّ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ) وَلَوْ مَعَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ أَنَّهُ وَاحِدٌ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (بِوَارِثٍ لِلْمَيِّتِ، فَصَدَّقَهُمْ أَوْ كَانَ صَغِيرًا) أَوْ مَجْنُونًا، وَسَوَاءً كَانَ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ (ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِرْثُهُ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبِلَ قَوْلَ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، لَمَّا ادَّعَى نَسَبَ وَلِيدَةِ أَبِيهِ، وَقَالَ: هَذَا أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي، فَأَثْبَتَ نَسَبَهُ مِنْهُ» ، وَلِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ فِي مِيرَاثِهِ وَدُيُونِهِ وَسَائِرِ حُقُوقِهِ، فَكَذَا فِي النَّسَبِ، وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ ثَبَتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 وَإِرْثُهُ، سَوَاءً كَانُوا جَمَاعَةً أَوْ وَاحِدًا، وَسَوَاءً كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ يَحْجُبُ الْمُقِرَّ أَوْ لَا يَحْجُبُهُ كَأَخٍ يُقِرُّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ مِنْهُمْ عَدْلَانِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، أَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ أَقَرَّ بِهِ وَعَلَى الْمُقِرِّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ فَضْلَ مَا فِي   [المبدع في شرح المقنع] الْإِرْثُ، وَاشْتَرَطَ فِي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ التَّصْدِيقَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ إِقْرَارٌ، فَاشْتَرَطَ تَصْدِيقَ الْمُقَرِّ لَهُ كَالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، وَفِي الصَّغِيرِ يُكْتَفَى بِصِغَرِهِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِهِ، فَقَبِلَ الْإِقْرَارَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ كَالْمَالِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالنَّسَبِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُنْكِرٍ لَا يَرِثُ لِمَانِعِ رِقٍّ وَنَحْوِهِ، إِنْ كَانَ مَجْهُولَ النِّسَبِ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْإِرْثُ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ (سَوَاءً كَانُوا) أَيْ: الْمُقِرِّينَ (جَمَاعَةً أَوْ وَاحِدًا) لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، فَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ بِغَيْرِهِ (وَسَوَاءً كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ يَحْجُبُ الْمُقِرَّ، أَوْ لَا يَحْجُبُهُ كَأَخٍ يُقِرُّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ) أَوِ ابْنُ ابْنٍ يُقِرُّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَإِرْثُهُ، وَيَسْقُطُ الْمُقِرُّ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَهُ شُرَيْحٌ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ مَانِعٌ مِنَ الْإِرْثِ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ النَّصِّ، وَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ وَارِثًا حَالَةَ الْإِقْرَارِ، وَقِيلَ: لَا يَرِثُ مُسْقَطٌ، اخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ سِوَى الْقَاضِي، وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ تَوْرِيثَهُ يُفْضِي إِلَى إِسْقَاطِ تَوْرِيثِهِ فَسَقَطَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ، لَخَرَجَ الْمُقِرُّ عَنْ كَوْنِهِ وَارِثًا، فَيَبْطُلُ إِقْرَارُهُ، فَعَلَيْهِ نَصِيبُهُ بِيَدِ الْمُقِرِّ، وَقِيلَ: بِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ بَلَغَ الصَّغِيرُ، وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ، فَصَدَّقَا الْمُقِرَّ، يَثْبُتُ إِرْثُهُمَا مِنَ الْمُقِرِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْتَبَرُ إِقْرَارُ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى الْمُعْتِقُ إِذَا كَانَا مِنَ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَتْ بِنْتًا، صَحَّ لِإِرْثِهَا بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِابْنٍ لِلْآخَرِ مِنْ غَيْرِهِ، فَصَدَّقَهُ نَائِبُ الْإِمَامِ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ مَنْصِبُ الْوَرَثَةِ، قَالَ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ لَهُ اسْتِيفَاءُ قَوَدٍ، لَا وَارِثَ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَخَذَ نِصْفَ مَا بِيَدِ الْمُقِرِّ. (وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ) لِوَارِثٍ مُشَارِكٍ لَهُمْ فِي الْمِيرَاثِ (لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) بِالْإِجْمَاعِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَلَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ، دُونَ الْمُنْكِرِ، وَلَا إِثْبَاتُهُ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ الْآخَرَ مُنْكِرٌ، فَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ تُوجَدْ شَهَادَةٌ يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ، وَلَوْ كَانَ الْمُقِرُّ عَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، وَعَنْهُ: إِنْ أَقَرَّ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى أَبِيهِمَا بِدَيْنٍ أَوْ نَسَبٍ، ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ إِعْطَاءٌ لَهُ حُكْمُ شَهَادَةٍ وَإِقْرَارٍ، وَفِي اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ مِنْهُمَا رِوَايَتَانِ (إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ مِنْهُمْ) أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ (عَدْلَانِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 يَدِهِ عَنْ مِيرَاثِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بِأَخٍ، فَلَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ، فَلَهَا خُمْسُ مَا فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَضْلٌ، فَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ بِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَلَدَهُ (أَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ أَقَرَّ بِهِ) ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنَ الْمُقِرِّينَ الْوَارِثِينَ، وَيُشَارِكُهُمْ فِي الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، فَثَبَتَ النَّسَبُ بِهَا كَالْأَجَانِبِ، وَلِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى غَيْرِ مُوَرِّثِهِمَا لَقُبِلَ، فَكَذَا إِذَا شَهِدَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا، جَزَمَ بِهِ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ أَخًا، وَمَاتَ الْمُقِرُّ عَنِ ابْنِ عَمٍّ وَرِثُوهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ وَيَرِثُهُ الْأَخُ، وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ وَلَدِ الْمُقِرِّ الْمُنْكِرِ لَهُ تَبَعًا، فَتَثْبُتُ الْعُمُومَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " خِلَافٌ مَعَ كَوْنِهِ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْ أَبِي الْمُقِرِّ أَوْ مَعْرُوفَ النِّسَبِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُقِرُّ، وَخَلَفُهُ وَالْمُنْكِرُ، فَإِرْثُهُ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ خَلَفُهُ فَقَطْ، وَرِثَهُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إِقْرَارَهُ كَوَصِيَّةٍ، فَيَأْخُذُ الْمَالَ فِي وَجْهٍ، وَثُلُثَهُ فِي آخَرَ، وَقِيلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ (وَعَلَى الْمُقِرِّ) إِذَا لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ (أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ فَضْلَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ مِيرَاثِهِ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ (فَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بِأَخٍ، فَلَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ) ، نَقَلَهُ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ فِي يَدِهِ النِّصْفَ، وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا الثُّلُثَ، فَالسُّدُسُ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُقَرِّ بِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ النِّصْفِ (وَإِنْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ، فَلَهَا خُمْسُ مَا فِي يَدِهِ) لِأَنَّ فِي يَدِهِ النِّصْفَ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّ خُمْسَيْنِ، فَنِصْفُ الْخُمْسِ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُقَرِّ بِهَا، وَهُوَ خُمْسُ مَا فِي يَدِهِ، هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادٌ: يُقَاسِمُهُ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا وَأَنْتَ سَوَاءٌ فِي مِيرَاثِ أَبِينَا، وَمَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ التَّالِفِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ: إِنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِالْفَاضِلِ عَنْ مِيرَاثِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمُعَيَّنٍ، وَكَإِقْرَارِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ، وَالتَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، فَلَا يَسْتَحِقُّ مَا فِي يَدِهِ إِلَّا الثُّلُثَ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِبَيِّنَةٍ. فَرْعٌ: خَلَّفَ ابْنًا، فَأَقَرَّ بِأَخٍ، ثُمَّ جَحَدَهُ، لَمْ يُقْبَلْ جَحْدُهُ، وَلَزِمَهُ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ بِهِ، فَوَجْهَانِ، ذَكَرَهُمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ جَحْدِهِ بِآخَرَ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إِلَى الْأَوَّلِ شَيْئًا، لَزِمَهُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ دَفْعُ النِّصْفِ كُلِّهِ إِلَى الثَّانِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ لِلثَّانِي، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالثَّانِي مِنْ غَيْرِ جَحْدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 وَإِذَا خَلَّفَ أَخًا مِنْ أَبٍ وَأَخًا مِنْ أُمٍّ، فَأَقَرَّا بِأَخٍ مِنْ أَبَوَيْنِ، ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَأَخَذَ مَا فِي يَدِ الْأَخِ مِنَ الْأَبِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ مِنَ الْأَبِ وَحْدَهُ أَخَذَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ مِنَ الْأُمِّ وَحْدَهُ، أَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ سِوَاهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَطَرِيقُ الْعِلْمِ أَنْ تَضْرِبَ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، وَتَدْفَعَ إِلَى الْمُقِرِّ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، وَإِلَى الْمُنْكِرِ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ، وَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ. فَلَوْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخَوَيْنِ، فَصَدَّقَهُ أَخُوهُ فِي   [المبدع في شرح المقنع] الْأَوَّلِ، فَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ، ثُمَّ جَحَدَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَلْزَمْهُ لِلثَّانِي شَيْءٌ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي: يُدْفَعُ إِلَيْهِ نِصْفُ مَا فِي يَدِهِ، وَعَلَى الثَّالِثِ: يَلْزَمُهُ دَفْعُ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، دُونَ الثَّانِي (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَضْلٌ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ بِهِ) لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى غَيْرِهِ. 1 - (وَإِذَا خَلَّفَ أَخًا مِنْ أَبٍ، وَأَخًا مِنْ أُمٍّ، فَأَقَرَّا بِأَخٍ مِنْ أَبَوَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ) لِإِقْرَارِ كُلِّ الْوَرَثَةِ بِهِ (وَأَخَذَ مَا فِي يَدِ الْأَخِ مِنَ الْأَبِ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، وَأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُقَرِّ بِهِ، إِذْ هُوَ مَحْجُوبٌ بِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ مِنَ الْأَبِ وَحْدَهُ أَخَذَ مَا فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ يُسْقِطُهُ فِي الْمِيرَاثِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ سَهْوٌ (وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) لِأَنَّ كُلَّ الْوَرَثَةِ لَمْ يُقِرُّوا بِهِ، وَإِقْرَارُهُمْ شَرْطٌ فِي ثُبُوتِهِ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ مِنَ الْأُمِّ وَحْدَهُ، أَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ سِوَاهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي يَدِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا أَقَرَّ بِأَخَوَيْنِ مِنْ أُمٍّ، فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إِلَيْهِمَا ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ فِي يَدِهِ السُّدُسَ، وَبِإِقْرَارِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الْمِيرَاثِ إِلَّا التُّسْعَ، فَيَبْقَى فِي يَدِهِ نِصْفُ التُّسْعِ، وَهُوَ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ (وَطَرِيقُ الْعَمَلِ) فِي هَذَا الْبَابِ (أَنْ تَضْرِبَ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ) لِأَنَّ بِهِ يَظْهَرُ مَا لِلْمُقِرِّ وَمَا لِلْمُنْكِرِ، وَمَا يَفْضُلُ، وَتُرَاعَى الْمُوَافَقَةُ (وَتَدْفَعُ إِلَى الْمُقِرِّ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، وَإِلَى الْمُنْكِرِ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ، وَمَا فَضُلَ فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ) فَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بِأَخٍ، فَمَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالْإِنْكَارُ مِنِ اثْنَيْنِ، فَاضْرِبْ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى لِتَبَايُنِهِمَا، تَكُنْ سِتَّةً: لِلْمُقِرِّ سَهْمٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي الْإِنْكَارِ بِاثْنَيْنِ، وَلِلْمُنْكِرِ سَهْمٌ مِنَ الْإِنْكَارِ فِي الْإِقْرَارِ بِثَلَاثَةٍ، يَبْقَى سَهْمٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْفَاضِلُ، وَهُوَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ فِي يَدِهِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 أَحَدِهِمَا، ثَبَتَ نَسَبُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَصَارُوا ثَلَاثَةً، ثُمَّ تَضْرِبُ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، لِلْمُنْكِرِ سَهْمٌ مِنَ الْإِنْكَارِ فِي الْإِقْرَارِ أَرْبَعَةً، وَلِلْمُقِرِّ سَهْمٌ مِنَ الْإِقْرَارِ فِي الْإِنْكَارِ ثَلَاثَةً، وَلِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِنْ صَدَقَ الْمُقِرُّ مِثْلُ سَهْمِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ مِثْلُ سَهْمِ الْمُنْكِرِ، وَمَا فَضَلَ لِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ سَهْمَانِ فِي حَالِ التَّصْدِيقِ، وَسَهْمٌ فِي حَالِ الْإِنْكَارِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَأْخُذُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُنْكِرِ فِي حَالِ التَّصْدِيقِ إِلَّا رُبُعَ مَا فِي يَدِهِ، وَصَحَّحَهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ: لِلْمُنْكِرِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخَوَيْنِ سَهْمَانِ وَإِنْ خَلَّفَ ابْنًا فَأَقَرَّ بِأَخَوَيْنِ بِكَلَامٍ   [المبدع في شرح المقنع] (فَلَوْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخَوَيْنِ، فَصَدَّقَهُ أَخُوهُ فِي أَحَدِهِمَا ثَبَتَ نَسَبُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ) لِإِقْرَارِ كُلِّ الْوَرَثَةِ بِهِ (فَصَارُوا ثَلَاثَةً ثُمَّ تَضْرِبُ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ) وَهِيَ أَرْبَعَةٌ (فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ) وَهِيَ ثَلَاثَةٌ (تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ) لِمَا ذَكَرْنَا (لِلْمُنْكِرِ سَهْمٌ مِنَ الْإِنْكَارِ فِي الْإِقْرَارِ أَرْبَعَةً، وَلِلْمُقِرِّ سَهْمٌ مِنَ الْإِقْرَارِ فِي الْإِنْكَارِ ثَلَاثَةً، وَلِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِنْ صَدَّقَ الْمُقِرَّ مِثْلُ سَهْمِهِ) لِأَنَّهُ مُقِرٌّ (وَإِنْ أَنْكَرَهُ مِثْلُ سَهْمِ الْمُنْكِرِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَمَا فَضَلَ لِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ سَهْمَانِ فِي حَالِ التَّصْدِيقِ، وَسَهْمٌ فِي حَالِ الْإِنْكَارِ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَاضِلُ، وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَأْخُذُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُنْكِرِ فِي حَالِ التَّصْدِيقِ إِلَّا رُبُعَ مَا فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُمْ أَرْبَعَةٌ، (وَصَحَّحَهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ) ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مِنِ اثْنَيْنِ، وَالْمُقَرُّ بِهِ يَسْتَحِقُّ رُبُعَ مَا فِي يَدِ الْمُنْكِرِ، فَاضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي اثْنَيْنِ بِثَمَانِيَةٍ (لِلْمُنْكِرِ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِقُّ أَرْبَعَةً، أَخَذَ مِنْهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ رُبُعَهَا بَقِيَ ثَلَاثَةٌ (وَلِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ سَهْمٌ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ رُبُعَ مَا فِي يَدِ الْمُقَرِّ بِهِمَا (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخَوَيْنِ سَهْمَانِ) لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِقُّ أَرْبَعَةً خَرَجَ مِنْهَا سَهْمٌ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَسَهْمٌ لِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ، بَقِيَ اثْنَانِ لِلْآخَرِ، وَذَكَرَ ابْنُ اللَّبَّانِ أَنَّ هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ يُقِرُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا الثُّلُثَ، وَقَدْ حَضَرَ مَنْ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ، فَوَجَبَ دَفْعُهَا إِلَيْهِ، وَنَظِيرُهُ لَوِ ادَّعَى إِنْسَانٌ دَارًا فِي يَدِ آخَرَ، فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: إِنَّمَا هِيَ لِلْمُدَّعِي، فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ إِلَيْهِ، وَقَدْ رَدَّ الْخَبْرِيُّ عَلَى ابْنِ اللَّبَّانِ قَوْلَهُ، وَقَالَ: يَبْقَى مَعَ الْمُنْكِرِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ، وَهُوَ لَا يَدَّعِي إِلَّا الثُّلُثَ، وَقَدْ حَضَرَ مَنْ يَدَّعِي هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهَا، فَيَجِبُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنْ يَضُمَّ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ السُّدُسَ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُقِرِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 مُتَّصِلٍ، ثَبَتَ نَسَبُهُمَا سَوَاءً اتَّفَقَا أَوِ اخْتَلَفَا، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَثْبُتَ نَسَبُهُمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا، فَإِنْ أُقِرَّ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ، أُعْطِيَ الْأَوَّلُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَالثَّانِي ثُلُثَ مَا فِي   [المبدع في شرح المقنع] بِهِ، فَيَضُمَّهُ إِلَى النِّصْفِ الَّذِي هُوَ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُمَا فَيُقَسِّمَانِهِ أَثْلَاثًا، فَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ، لِلْمُنْكِرِ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْآخَرَيْنِ سَهْمَانِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُلْزِمُ الْمُقِرَّ أَكْثَرَ مِنَ الْفَضْلِ عَنْ مِيرَاثِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِمَا، وَالْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ لَا يَنْقُصُ مِيرَاثُهُ عَنِ الرُّبُعِ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِلَّا التُّسْعَانِ، وَقِيلَ فِي حَالِ الْإِنْكَارِ: يَدْفَعُ الْمُقِرُّ بِهِمَا إِلَيْهِمَا نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَأْخُذُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُنْكِرِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، فَيَحْصُلُ لِلْمُنْكِرِ الثُّلُثُ، وَلِلْمُقِرِّ الرُّبُعُ، وَلِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ السُّدُسُ وَالثُّمُنُ، وَلِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ الثُّمُنُ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلْمُنْكِرِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ سَبْعَةٌ، وَلِلْمُقِرِّ سِتَّةٌ، وَلِلْمُخْتَلِفِ ثَلَاثَةٌ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ أَصَحُّ. (وَإِنْ خَلَّفَ ابْنًا فَأَقَرَّ بِأَخَوَيْنِ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ، ثَبَتَ نَسَبُهُمَا) مُطْلَقًا (سَوَاءٌ اتَّفَقَا) مَعَ إِقْرَارِ الِابْنِ بِهِمَا أَوِ اخْتَلَفَا، أَيْ: تَجَاحَدَا؛ لِأَنَّ نَسَبَهُمَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ كُلٍّ مِنَ الْوَرَثَةِ قَبْلَهُمَا، فَلَمْ تُعْتَبَرْ مُوَافَقَةُ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَثْبُتَ نَسَبُهُمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا) لَأَنَّ الْإِقْرَارَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْ كُلِّ الْوَرَثَةِ، وَيَدْفَعُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ فَإِنْ صُدِّقَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ، وَجَحَدَهُ الْآخَرُ، ثَبَتَ نَسَبُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَفِي الْآخَرِ وَجْهَانِ: فَإِنْ كَانَا تَوْءَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى إِنْكَارِ الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ تَجَاحَدَا مَعًا أَوْ جَحَدَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، وَمَتَى أَقَرَّ الْوَارِثُ بِأَحَدِهِمَا، ثَبَتَ نَسَبُ الْآخَرِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ صَغِيرَيْنِ مَعًا، ثَبَتَ نَسَبُهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي فِيهِ احْتِمَالَانِ. (فَإِنْ أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ أُعْطِيَ الْأَوَّلُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِأُخُوَّتِهِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ إِرْثُهُ، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مَقْسُومَةً عَلَى اثْنَيْنِ (وَالثَّانِي ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ) وَهُوَ السُّدُسُ؛ لِأَنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْأَوْلَادَ ثَلَاثَةٌ، فَأَحَدُهُمْ يَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ فَقَطْ (وَثَبَتَ نَسَبُ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ كُلُّ الْوَرَثَةِ، (وَيَقِفُ نَسَبُ الثَّانِي عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 يَدِهِ، وَثبت نسب الْأَوَّلِ، وَيَقِفُ نَسَبُ الثَّانِي عَلَى تَصْدِيقِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِامْرَأَةٍ لِلْمَيِّتِ، لَزِمَهُ مِنْ إِرْثِهَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ: مَاتَ أَبِي وَأَنْتَ أَخِي،   [المبدع في شرح المقنع] تَصْدِيقِهِ) لِأَنَّهُ صَارَ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَكَذَا إِنْ كَانَا تَوْءَمَيْنِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَإِنْ كُذِّبَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ مُصَدِّقٌ بِهِ ثَبَتَ نَسَبُ الثَّلَاثَةِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ نَسَبُ الْأَوَّلِ، وَيَأْخُذُ الثَّانِي ثُلُثَيْ مَا فِي يَدِهِ، وَثُلُثَ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ. (وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِامْرَأَةٍ لِلْمَيِّتِ، لَزِمَهُ مِنْ إِرْثِهَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) أَيْ يَلْزَمُهُ مَا يَفْضُلُ فِي يَدِهِ لَهَا عَنْ حَقِّهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِابْنٍ، وَفِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا كُلُّهُمْ، أَوْ شَهِدَ بِالنِّكَاحِ اثْنَانِ مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، ثَبَتَ كُلُّ إِرْثِهَا، فَإِنْ مَاتَ الْمُنْكَرُ، فَأَقَرَّ بِهِ ابْنُهُ، فَهَلْ يَكْمُلُ إِرْثُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمْ بِأَخٍ وَأُخْتٍ، فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فِي الْأَخِ، وَالْآخَرُ فِي الْأُخْتِ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُمَا، وَيَدْفَعُ الْمُقِرُّ بِهِمَا إِلَيْهِمَا ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَدْفَعُ الْمُقِرُّ بِالْأَخِ إِلَيْهِ رُبُعَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَدْفَعُ الْمُقِرَّ بِالْأُخْتِ إِلَيْهَا سُبُعَ مَا فِي يَدِهِ، فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ: سَهْمُ الْمُقِرِّ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ عَلَى تِسْعَةٍ: لَهُ سِتَّةٌ، وَلَهُمَا ثَلَاثَةٌ، وَسَهْمُ الْمُقِرِّ بِالْأَخِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ: لَهُ ثَلَاثَةٌ وَلِأُخْتِهِ سَهْمٌ، وَسَهْمُ الْمُقِرِّ بِالْأُخْتِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى سَبْعَةٍ: لَهُ سِتَّةٌ، وَلَهَا سَهْمٌ، وَكُلُّهَا مُتَبَايِنَةٌ، فَاضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي سَبْعَةٍ فِي تِسْعَةٍ، ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ سَبْعَمِائَةٍ وَسِتَّةً وَخَمْسِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ، لِلْمُقِرِّ بِهِمَا سِتَّةٌ فِي أَرْبَعَةٍ فِي سَبْعَةٍ بِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَسِتِّينَ، وَلِلْمُقِرِّ بِالْأُخْتِ سِتَّةٌ فِي أَرْبَعَةٍ فِي تِسْعَةٍ بِمِائَتَيْنِ وَسِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْمُقِرِّ بِالْأَخِ ثَلَاثَةٌ فِي سَبْعَةٍ فِي تِسْعَةٍ بِمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَثَمَانِينَ، وَلِلْأَخِ الْمُقَرِّ بِهِ سَهْمَانِ فِي أَرْبَعَةٍ فِي سَبْعَةٍ سِتَّةً وَخَمْسِينَ، وَسَهْمٌ فِي سَبْعَةٍ فِي تِسْعَةٍ بِثَلَاثَةٍ وَسِتِّينَ، فَيَجْتَمِعُ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ، وَلِلْأُخْتِ سَهْمٌ فِي أَرْبَعَةٍ فِي سَبْعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ، وَسَهْمٌ فِي أَرْبَعَةٍ فِي تِسْعَةٍ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، يَجْتَمِعُ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَصَادُقِهِمَا وَتَجَاحُدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا عَنْ مِيرَاثِهِ. وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ: مَاتَ أَبِي وَأَنْتَ أَخِي، أَوْ مَاتَ أَبُونَا وَنَحْنُ ابْنَاهُ (فَقَالَ: هُوَ أَبِي، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 فَقَالَ: هُوَ أَبِي وَلَسْتَ بِأَخِي، لَمْ يُقْبَلْ إِنْكَارُهُ، وَإِنْ قَالَ: مَاتَ أَبُوكَ وَأَنَا أَخُوكَ، قَالَ: لَسْتَ أَخِي، فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْمُقِرِّ بِهِ، وَإِنْ قَالَ: مَاتَتْ زَوْجَتِي، وَأَنْتَ أَخُوهَا، قَالَ: لَسْتَ بِزَوْجِهَا، فَهَلْ يُقْبَلُ إِنْكَارُهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَصْلٌ وَإِذَا أَقَرَّ مَنْ أُعِيلَتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ بِمَنْ يُزِيلُ الْعَوْلَ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ، أَقَرَّتْ إِحْدَاهُمَا بِأَخٍ، فَاضْرِبْ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، تَكُنْ سِتَّةً وَخَمْسِينَ، وَاعْمَلْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْمُنْكِرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْمُقِرَّةِ سَبْعَةٌ، يَبْقَى   [المبدع في شرح المقنع] وَلَسْتَ بِأَخِي، لَمْ يُقْبَلْ إِنْكَارُهُ) لِأَنَّهُ نَسَبَ الْمَيِّتَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ أَبُوهُ، وَأَقَرَّ بِمُشَارَكَةِ الْمُقِرِّ فِي مِيرَاثِهِ بِطَرِيقِ الْأُخُوَّةِ، فَلَمَّا أَنْكَرَ أُخُوَّتَهُ، لَمْ يَثْبُتْ إِقْرَارُهُ بِهِ، وَبَقِيَتْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ أَبُوهُ دُونَهُ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ، كَمَا لَوِ ادَّعَى ذَلِكَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: لِلْمُقَرِّ، وَقِيلَ: لِلْمُقِرِّ بِهِ (وَإِنْ قَالَ: مَاتَ أَبُوكَ، وَأَنَا أَخُوكَ، قَالَ: لَسْتَ أَخِي، فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْمُقِرِّ بِهِ) لِأَنَّهُ صَدَرَ الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ أَبُوهُ، وَذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَ الْمِيرَاثِ لَهُ، ثُمَّ ادَّعَى مُشَارَكَتَهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ لِلْأَوَّلِ، فَإِذَا أَنْكَرَ أُخُوَّتَهُ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى هَذَا الْمُقِرِّ. (وَإِنْ قَالَ: مَاتَتْ زَوْجَتِي، وَأَنْتَ أَخُوهَا، قَالَ: لَسْتَ بِزَوْجِهَا، فَهَلْ يُقْبَلُ إِنْكَارُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُقْبَلُ إِنْكَارُ الْأَخِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَفْتَقِرُ إِلَى إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ لِمَا سَبَقَ، وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ نَسَبَ الْمَيِّتَ إِلَيْهِ بِالزَّوْجِيَّةِ فِي ابْتِدَاءِ إِقْرَارِهِ كَمَا نَسَبَ الْأُبُوَّةَ فِي قَوْلِهِ: مَاتَ أَبِي، وَيُفَارِقُهَا فِي أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مِنْ شَرْطِهَا الْإِشْهَادُ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِعْلَانُ بِهَا وَاشْتِهَارُهَا، فَلَا يَكَادُ يَخْفَى بِخِلَافِ النِّسَبِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِفَاضَةِ غَالِبًا. [إِقْرَارُ مَنْ أُعِيلَتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ] فَصْلٌ (وَإِذَا أَقَرَّ مَنْ أُعِيلَتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ بِمَنْ يُزِيلُ الْعَوْلَ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ) أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ (أَقَرَّتْ إِحْدَاهُمَا بِأَخٍ، فَاضْرِبْ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ) وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ نَاشِئَةٌ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي اثْنَيْنِ (فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ) وَهِيَ سَبْعَةٌ (تَكُنْ سِتَّةً وَخَمْسِينَ، وَاعْمَلْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) مُرْتَفِعَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ مَالُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ فِي ثَمَانِيَةٍ (وَلِلْمُنْكِرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ) مُرْتَفِعَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ (وَلِلْمُقِرَّةِ سَبْعَةٌ) لِأَنَّ لَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 تِسْعَةٌ لِلْأَخِ، فَإِنْ صَدَقَهَا الزَّوْجُ فَهُوَ يَدَّعِي أَرْبَعَةً، وَالْأَخُ يَدَّعِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ. وَلِلْمُقَرِّ بِهِ مِنَ السِّهَامِ تِسْعَةٌ، فَاقْسِمْهَا عَلَى سِهَامِهِمْ، لِكُلِّ سَهْمَيْنِ سَهْمًا، لِلزَّوْجِ سَهْمَانِ، وَلِلْأَخِ سَبْعَةٌ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أُخْتَانِ لِأُمٍّ، فَإِذَا ضَرَبْتَ وفق مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، كَانَتِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْأُخْتِ الْمُنْكِرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْمُقِرَّةِ ثَلَاثَةٌ يَبْقَى فِي يَدِهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ، لِلْأَخِ مِنْهُمَا سِتَّةٌ، يَبْقَى سَبْعَةٌ لَا يَدَّعِيهَا أَحَدٌ، فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: تُقَرُّ   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ سَهْمًا مَضْرُوبًا فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ (يَبْقَى تِسْعَةٌ لِلْأَخِ) لِأَنَّهَا الْفَاضِلُ (فَإِنْ صَدَقَهَا الزَّوْجُ فَهُوَ يَدَّعِي أَرْبَعَةً) وَهِيَ تَمَامُ النِّصْفِ (وَالْأَخُ يَدَّعِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ رُبُعُ الْمَالِ (وَلِلْمُقِرِّ بِهِ مِنَ السِّهَامِ تِسْعَةٌ، فَاقْسِمْهُمَا) أَيْ: التِّسْعَةَ (عَلَى سِهَامِهِمْ) الْمُدَّعَى بِهِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ (لِكُلِّ سَهْمَيْنِ سَهْمًا، لِلزَّوْجِ سَهْمَانِ) مُضَافَانِ إِلَى مَا أَخَذَهُ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ تَكُنْ سِتَّةً وَعِشْرِينَ (وَلِلْأَخِ سَبْعَةٌ) مُضَافَةٌ إِلَى مَا أَخَذَهُ، فَإِنْ أَقَرَّتِ الْأُخْتَانِ، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ، دَفَعَ إِلَى كُلِّ أُخْتٍ سَبْعَةً، وَإِلَى الْأَخِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، يَبْقَى أَرْبَعَةٌ، يُقِرَّانِ بِهَا لِلزَّوْجِ، وَهُوَ مُنْكِرُهَا، وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَتَأْتِي (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أُخْتَانِ لِأُمٍّ) فَتَكُونُ مَسْأَلَةُ الْإِنْكَارِ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إِلَى تِسْعَةٍ، وَمَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ فِيهَا نِصْفًا وَثُلُثًا، وَمَا بَقِيَ وَهُوَ سَهْمٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يُوَافَقُ، فَاضْرِبْ سِتَّةً فِي أَرْبَعَةٍ تَبْلُغْ ذَلِكَ، فَإِذَا نَظَرْتَ بَيْنَهُمَا فَهُمَا مُتَّفِقَانِ بِالْأَثْلَاثِ (فَإِذَا ضَرَبْتَ وَفْقَ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ كَانَتِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ) وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ (أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) مُرْتَفِعَةٌ مِمَّا ذَكَرْنَا (وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ) سَهْمَانِ فِي ثَمَانِيَةٍ (سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْأُخْتِ الْمُنْكِرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ) مُرْتَفِعَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ (وَلِلْمُقِرِّ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّ لَهَا سَهْمًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ، مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ بِثَلَاثَةٍ (يَبْقَى فِي يَدِهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ) أَيْ: مِنَ الِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ (لِلْأَخِ مِنْهُمَا سِتَّةٌ) ضِعْفُ نَصِيبِهَا (يَبْقَى سَبْعَةٌ لَا يَدَّعِيهَا أَحَدٌ) لِاسْتِكْمَالِ كُلِّ وَاحِدٍ حَقَّهُ (فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا) قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ (تُقِرُّ فِي يَدِ الْمُقِرَّةِ) لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهَا أَحَدٌ (وَالثَّانِي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 فِي يَدِ الْمُقِرَّةِ، وَالثَّانِي: تُؤْخَذُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَالثَّالِثُ: يُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُقِرَّةِ وَالزَّوْجِ وَالْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ، عَلَى حَسَبِ مَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَهُمْ، فَإِنْ صَدَقَ الزَّوْجُ الْمُقِرَّةَ، فَهُوَ يَدَّعِي اثْنَيْ عَشَرَ، وَالْأَخُ يَدَّعِي سِتَّةً، يَكُونَانِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَلَا تُوَافِقُهَا، فَاضْرِبْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مَضْرُوبٌ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَعَلَى هَذَا تَعْمَلُ مَا وَرَدَ عَلَيْكَ.   [المبدع في شرح المقنع] يُؤْخَذُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا أَرْبَابَ لَهَا (وَالثَّالِثُ: يُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُقِرَّةِ وَالزَّوْجِ وَالْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ عَلَى حَسَبِ مَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَهُمْ) لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، فَإِنَّ الْمُقِرَّةَ إِذَا كَانَتْ صَادِقَةً، فَهُوَ لِلزَّوْجِ وَالْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ، وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، فَهُوَ لَهَا، وَإِذَا كَانَ لَهُمْ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، قُسِّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الِاحْتِمَالِ، كَمَا قَسَّمْنَا مِيرَاثَ الْخُنْثَى، وَبَيْنَ مَنْ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلْمُقِرَّةِ النِّصْفُ، وَلِلزَّوْجِ وَالْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ النِّصْفُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي حَالٍ لِلْمُقِرَّةِ، وَفِي حَالٍ لَهُمَا، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ تَجْعَلُ نِصْفَ الزَّوْجِ وَالْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ عَلَى خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّ لَهُ النِّصْفَ، وَلَهُمَا الثُّلُثَ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ فِي سِتَّةٍ، فَتُقْسَمُ السَّبْعَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَشَرَةٍ، لِلْمُقِرَّةِ خَمْسَةٌ، وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وللأخت سهمان فَإِذَا أَرَدْتَ تَصْحِيحَ الْمَسْأَلَةِ، فَاضْرِبْهَا وَهِيَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ فِي عَشَرَةٍ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مَضْرُوبٌ فِي عَشَرَةٍ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبٌ فِي سَبْعَةٍ. (فَإِنْ صَدَّقَ الزَّوْجُ الْمُقِرَّةَ فَهُوَ يَدَّعِي اثْنَيْ عَشَرَ) لِأَنَّ لَهُ النِّصْفَ، وَهُوَ هُنَا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، مَعَهُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، بَقِيَ مَا ذُكِرَ (وَالْأَخُ يَدَّعِي سِتَّةً) لِأَنَّهُ هُوَ، وَأُخْتَاهُ يَدَّعُونَ أَرْبَعَةً مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، مَضْرُوبَةً فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، لَهُ نِصْفُهَا (يَكُونَانِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الثَّلَاثَةَ عَشَرَ، وَلَا تُوَافِقُهَا، فَاضْرِبْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) لِانْكِسَارِهَا عَلَى الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) وَهُوَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ تَكُنْ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَسِتَّةٍ وَتِسْعِينَ (ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مَضْرُوبٌ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ) فَلِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ مِائَتَانِ، ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ كُلُّ قَتْلٍ مَضْمُونٍ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، يَمْنَعُ الْقَاتِلَ مِيرَاثَ الْمَقْتُولِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَلِلْمُنْكِرَةِ كَذَلِكَ، وَلِلْمُقِرَّةِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ، وَلِلْأَخِ سِتَّةٌ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ، ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ، وَلِلزَّوْجِ اثْنَا عَشَرَ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَخَمْسِينَ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إِلَى مِائَتَيْنِ وَسِتَّةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ السِّهَامَ كُلَّهَا تَتَّفِقُ بِالْأَسْدَاسِ (وَعَلَى هَذَا تُعْمِلُ مَا وَرَدَ عَلَيْكَ) مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهَا مِثْلُهَا مَعْنًى، فَكَذَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهَا عَمَلًا. مَسْأَلَةٌ: ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ لِأَبٍ، ادَّعَتِ امْرَأَةٌ أَنَّهَا أُخْتُ الْمَيِّتِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَصَدَّقَهَا الْأَكْبَرُ، وَقَالَ الْأَوْسَطُ: هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ، وَقَالَ الْأَصْغَرُ: هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ، فَالْأَكْبَرُ يَدْفَعُ إِلَيْهَا نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَدْفَعُ الْأَوْسَطُ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَدْفَعُ الْأَصْغَرُ سُبُعَ مَا بَقِيَ، وَتَصِحُّ مِنْ مِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ مَسْأَلَتِهِمْ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَمَسْأَلَةُ الْأَكْبَرِ مِنِ اثْنَيْنِ، وَالثَّانِي مِنْ سِتَّةٍ، وَالثَّالِثِ مِنْ سَبْعَةٍ، وَالِاثْنَانِ دَاخِلَانِ فِي السِّتَّةِ، فَتَضْرِبُ سِتَّةً فِي سَبْعَةٍ بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، فَهَذَا مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَتَأْخُذُ مِنَ الْأَكْبَرِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَمِنَ الْأَوْسَطِ سَبْعَةً - وَهُوَ السُّدُسُ - وَمِنَ الْأَصْغَرِ سِتَّةً - وَهُوَ السُّبُعُ - فَصَارَ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ. فَرْعٌ: إِذَا مَاتَ رَجُلٌ، وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، وَتَرَكَ بِنْتًا، فَأَقَرَّ الْبَاقِي بِأَخٍ لَهُ مِنْ أَبِيهِ، فَفِي يَدِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَهُ رُبُعًا، وَسُدُسًا، فَيَفْضَلُ فِي يَدِهِ ثُلُثٌ يَرُدُّهُ عَلَى الْمُقِرِّ بِهِ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِهِ الْبِنْتُ وَحْدَهَا، فَفِي يَدِهَا الرُّبُعُ، وَهِيَ تَزْعُمُ أَنَّ لَهَا السُّدُسَ يَفْضَلُ فِي يَدِهَا نِصْفُ السُّدُسِ، تَدْفَعُهُ إِلَى الْمُقَرِّ لَهُ. [بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ] ِ عَقَدَ هَذَا الْبَابَ لِبَيَانِ إِرْثِ الْقَاتِلِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّرْجَمَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ بِالنَّفْيِ وَالْقَتْلِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ، فَالْمَضْمُونُ مُوجِبٌ لِلْحِرْمَانِ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (كُلُّ قَتْلٍ مَضْمُونٍ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَارَّةٍ) كَمَنْ رَمَى إِلَى صَفِّ الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا (يَمْنَعُ الْقَاتِلَ مِيرَاثَ الْمَقْتُولِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ، صَغِيرًا كَانَ الْقَاتِلُ أَوْ كَبِيرًا، وَمَا لَا يُضْمَنُ   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاثٌ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا، صَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْفَرَائِضِ، وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ، لَمْ يُأْمَنْ مِنْ دَاعِرٍ مُسْتَعْجِلٍ الْإِرْثَ أَنْ يَقْتُلَ مُورِّثَهُ، فَيَفْنَى الْعَالَمُ، فَاقْتَضَتِ الْمَصْلَحَةُ حِرْمَانَهُ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ قَطْعُ الْمُوَالَاةِ، وَهِيَ سَبَبُ الْإِرْثِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمَقْتُولَ يَرِثُ مِنْ قَاتِلِهُ مِثْلَ أَنْ يَجْرَحَ مُوَرِّثَهُ، ثُمَّ يَمُوتَ قَبْلَ الْمَجْرُوحِ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، وَسَوَاءٌ انْفَرَدَ بِهِ أَوْ شَارَكَ غَيْرَهُ، فَلَوْ شَهِدَ عَلَى مُوَرِّثِهِ مَعَ جَمَاعَةٍ ظُلْمًا بِقَتْلٍ لَمْ يَرِثْهُ (سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا) بِالْإِجْمَاعِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُمَا وَرَّثَاهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ تَنَاوَلَتْهُ بِعُمُومِهَا، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ لِشُذُوذِهِ، وَقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنَّ عُمَرَ أَعْطَى دِيَةَ ابْنِ قَتَادَةَ الْمَذْحِجِيِّ لِأَخِيهِ دُونَ أَبِيهِ، وَكَانَ حَذَفَهُ بِسَيْفٍ فَقَتَلَهُ، وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ الْوَارِثَ رُبَّمَا اسْتَعْجَلَ مَوْتَ مُوَرِّثِهِ لِيَأْخُذَ مَالَهُ، كَمَا فَعَلَ الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ قِصَّةَ الْبَقَرَةِ (أَوْ خَطَأً) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ: أَنَّهُ يَرِثُ مِنَ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةُ تُخَصِّصُ قَاتِلَ الْعَمْدِ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ فِيمَا سِوَاهُ. وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ لَا يَرِثُ مِنْ غَيْرِهَا كَقَاتِلِ الْعَمْدِ، وَالْمُخَالِفِ فِي الدِّينِ، سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَطَلَبًا لِلتَّحَرُّزِ عَنْهُ، لَكِنْ ذَكَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا كَالْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، وَقَتْلِ الْعَادِلِ الْبَاغِيَ أَوِ   [المبدع في شرح المقنع] أَبُو الْوَفَاءِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّهُ يَرِثُ مَنْ لَا قَصْدَ لَهُ مِنْ صَبِيٍّ مَجْنُونٍ، وَإِنَّمَا يُحْرَمُ مَنْ يُتَّهَمُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْوَفَاءِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُظْهِرُ الْجُنُونَ لِيَقْتُلَهُ، وَقَدْ يُحَرِّضُ عَاقِلٌ صَبِيًّا، فَحَسَمْنَا الْمَادَّةَ كَالْخَطَأِ (بِمُبَاشَرَةٍ) كَانَ الْخَطَأُ كَمَنْ رَمَى صَيْدًا، فَأَصَابَ مُوَرِّثَهُ (أَوْ سَبَبٍ) كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا، فَسَقَطَ فِيهَا مُوَرِّثُهُ (صَغِيرًا كَانَ الْقَاتِلُ أَوْ كَبِيرًا) لِأَنَّهُ قَاتِلٌ فَتَشْمَلُهُ الْأَدِلَّةُ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ مَصْلَحَتَهُ، كَضَرْبِ الْأَبِ وَالزَّوْجِ لِلتَّأْدِيبِ، وَكَسَقْيِهِ الدَّوَاءَ، وَبَطِّ جُرْحِهِ، وَالْمُعَالَجَةِ إِذَا مَاتَ بِهِ، وَفِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً، فَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا، لَمْ تَرِثْ مِنَ الْغُرَّةِ شَيْئًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ، فَمَاتَ، لَمْ يَرِثْهُ، وَإِنَّهُ إِنْ سَقَاهُ دَوَاءً أَوْ فَصَدَهُ، أَوْ بَطَّ سَلْعَتَهُ لِحَاجَةٍ، فَوَجْهَانِ، وَإِنَّ فِي الْحَافِرِ احْتِمَالَيْنِ، وَمِثْلُهُ نَصْبُ سِكِّينٍ، وَوَضْعُ حَجَرٍ، وَرَشُّ مَاءٍ، وَإِخْرَاجُ جَنَاحٍ، انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا، وَجَزَمَ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنَّهُ إِذَا أَدَّبَ وَلَدَهُ، فَمَاتَ، يُمْنَعُ الْإِرْثَ، وَظَاهِرُ الشَّرْحِ إِذَا لَمْ يَقْصِدْ مَصْلَحَتَهُ. (وَمَا لَا يُضْمَنُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا كَالْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا) كَمَنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ، أَوْ بِالْمُحَارَبَةِ، وَكَذَا إِنْ شَهِدَ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ أَوِ الْقِصَاصَ، نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ فِي أَرْبَعَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا عَلَى أُخْتِهِمْ بِالزِّنَا، فَرُجِمَتْ، فَرَجَمَهَا مَعَ النَّاسِ: يَرِثُونَهَا؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ قَتَلَةٍ، وَيَتَوَجَّهُ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودٍ كَذَلِكَ (أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مَأْذُونًا فِيهِ، فَلَمْ يُمْنَعِ الْمِيرَاثَ، كَمَا لَوْ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ، فَأَفْضَى إِلَى تَلَفِهِ (وَقَتْلِ الْعَادِلِ الْبَاغِيَ، أَوِ الْبَاغِي لِلْعَادِلِ، فَلَا يَمْنَعُ) صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الْعُدْوَانِ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ، وَنَفْيًا لِلْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ، فَلَوْ مَنَعَ هُنَا، لَكَانَ مَانِعًا مِنِ اسْتِيفَاءِ الْوَاجِبِ، أَوِ الْحَقِّ الْمُبَاحِ اسْتِيفَاؤُهُ (وَعَنْهُ: لَا يَرِثُ الْبَاغِي الْعَادِلَ، وَلَا الْعَادِلُ الْبَاغِيَ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَهَاتَانِ رِوَايَتَانِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى لَا يَرِثُ الْبَاغِي الْعَادِلَ، جَزَمَ بِهَا الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلِاَفَيْهَا، وَالْمُغْنِي وَالتَّبْصِرَةِ وَالتَّرْغِيبِ؛ لِأَنَّ الْبَاغِيَ آثِمٌ ظَالِمٌ، فَنَاسَبَ أَنْ لَا يَرِثَ مَعَ دُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَادِلِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الْفِعْلِ مُثَابٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ نَفْيَ الْإِرْثِ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ وَجَمْعٌ إِنْ جَرَحَهُ الْعَادِلُ لِيَصِيرَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، وَرِثَهُ، لَا إِنْ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ ابْتِدَاءً، قَالَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 الْبَاغِي لِلْعَادِلِ، فَلَا يَمْنَعُ، وَعَنْهُ: لَا يَرِثُ الْبَاغِي الْعَادِلَ، وَلَا الْعَادِلُ الْبَاغِيَ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ قَاتِلٍ لَا يَرِثُ. بَابُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ لَا يَرِثُ الْعَبْدُ وَلَا يُورَثُ، سَوَاءٌ كَانَ قِنًّا، أَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، فَأَمَّا   [المبدع في شرح المقنع] الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَلِأَنَّ الْعَادِلَ إِذَا مُنِعَ مِنَ الْإِرْثِ مَعَ الْإِذْنِ، جَازَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ كُلُّ قَاتِلٍ؛ لِأَنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ (فَيَخْرُجُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ قَاتِلٍ لَا يَرِثُ) بِحَالٍ فِي رِوَايَةٍ هِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَعُمُومُ الْأَدِلَّةِ يَشْهَدُ لَهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى سَدِّ الذَّرِيعَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَرَّمَ الْمِيرَاثَ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى اتِّخَاذِ الْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَسِيلَةً، وَفِي مَسْأَلَتِنَا حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ يَمْنَعُ إِقَامَةَ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاءَ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ، وَلَا يُفْضِي إِلَى اتِّخَاذِ قَتْلٍ مُحَرَّمٍ، فَهُوَ ضِدُّ مَا ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ. مَسْأَلَةٌ: أَرْبَعَةُ إِخْوَةٍ قَتَلَ أَكْبَرُهُمُ الثَّانِي، ثُمَّ قَتَلَ الثَّالِثُ الْأَصْغَرَ، سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَ الثَّانِي صَارَ لِلثَّالِثِ وَالْأَصْغَرِ نِصْفَيْنِ، فَلَمَّا قَتَلَ الثَّالِثُ الْأَصْغَرَ، لَمْ يَرِثْهُ دُونَهُ الْأَكْبَرُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ نِصْفُ دَمِ نَفْسِهِ، وَمِيرَاثُ الْأَصْغَرِ جَمِيعُهُ، فَيَسْقُطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ لِمِيرَاثِهِ بَعْضَ دَمِ نَفْسِهِ، وَلَهُ الْقِصَاصُ مِنَ الثَّالِثِ، وَيَرِثُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، فَإِنِ اقْتَصَّ مِنْهُ وَرِثَهُ وَوَرِثَ إِخْوَتَهُ الثَّلَاثَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ] بَابٌ مِيرَاثُ الْمُعَتَقِ بَعْضُهُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَانِعَ مِنَ الْإِرْثِ، وَهُوَ الرِّقُّ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَالْقَتْلِ الْمَضْمُونِ، وَمَنْ يَرِثُ بَعْضُهُ (لَا يَرِثُ الْعَبْدُ) نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي رَجُلٍ مَاتَ، وَتَرَكَ أَبًا مَمْلُوكًا يُشْتَرَى مِنْ مَالِهِ وَيُعْتَقُ، ثُمَّ يَرِثُ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ، وَعَنْ أَحْمَدَ: يَرِثُ عِنْدَ عَدَمِ وَارِثٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَبُو الْبَقَاءِ فِي النَّاهِضِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَلِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَوْرُوثًا، فَمَنَعَ كَوْنَهُ وَارِثًا كَالْمُرْتَدِّ، وَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ، وَتَكُونُ لِمَوْلَاهُ، وَقِيَاسُهُمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ، فَمَا كَسَبَهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ فَلِوَرَثَتِهِ، وَيَرِثُ وَيُحْجَبُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْحَمْلِ يَنْتَقِضُ بِمُخْتَلِفِي الدِّينِ (وَلَا يُورَثُ) إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ فَيُورَثُ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ قِيلَ بِهِ، فَمِلْكُهُ نَاقِصٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، يَنْتَقِلُ إِلَى سَيِّدِهِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» إِلَى آخِرِهِ، إِذِ السَّيِّدُ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهِ وَأَكْسَابِهِ، فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ (سَوَاءٌ كَانَ قِنًّا) قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: هُوَ وَأَبُوهُ مَمْلُوكَانِ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ الرَّقِيقُ الْكَامِلُ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَرُبَّمَا قَالُوا عَبِيدٌ قِنَانٌ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقِنَّةٍ (أَوْ مُدَبَّرًا) لِأَنَّ فِيهِ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْعُبُودِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَاعَهُ (أَوْ مُكَاتَبًا) لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إِذَا لَمْ يَمْلِكْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: إِذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ كِتَابَتِهِ، وَعَجَزَ عَنِ الرُّبُعِ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ إِيتَاؤُهُ ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّهُ إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي، صَارَ حُرًّا يَرِثُ وَيُورَثُ، فَإِذَا مَاتَ لَهُ مَنْ يَرِثُهُ وَرَثَ، وَإِنْ مَاتَ، فَلِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ، لِأَثَرٍ سَيَأْتِي (أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّهَا رَقِيقَةٌ يَجْرِي فِيهَا جَمِيعُ أَحْكَامِ الرِّقِّ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ. فَرْعٌ: الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ إِذَا لَمْ تُوجَدْ، كَذَلِكَ. (فَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ فَمَا كَسَبَهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ قَدْ هَايَأَ سَيِّدَهُ عَلَى مَنْفَعَتِهِ، فَاكْتَسَبَ فِي أَيَّامِهِ، أَوْ وَرِثَ شَيْئًا، فَإِنَّ الْمِيرَاثَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ (فَلِوَرَثَتِهِ، وَيَرِثُ) إِذَا مَاتَ لَهُ مَنْ يَرِثُهُ (وَيُحْجَبُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ) فِي قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا الْبَرْمَكِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْعَبْدِ يُعْتَقُ بَعْضُهُ: يَرِثُ وَيُورَثُ عَلَى مَا عَتَقَ مِنْهُ» وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا كَانَ الْعَبْدُ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ رَقِيقًا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 الْحُرِّيَّةِ، فَإِذَا كَانَتْ بِنْتٌ وَأُمٌّ، نِصْفُهُمَا حُرٌّ، وَأَبٌ حُرٌّ، فَلِلْبِنْتِ بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا نِصْفُ مِيرَاثِهَا، وَهُوَ الرُّبُعُ، وَلِلْأُمِّ مَعَ حُرِّيَّتِهَا وَرِقِّ الْبِنْتِ الثُّلُثُ، وَالسُّدُسُ مَعَ حُرِّيَّةِ الْبِنْتِ، فَقَدْ حَجَبَتْهَا حُرِّيَّتُهَا عَنِ السُّدُسِ، فَبِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا تَحْجُبُهَا عَنْ نِصْفِهِ، يَبْقَى لَهَا الرُّبُعُ لَوْ كَانَتْ حُرَّةً، فَلَهَا بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا نِصْفُهُ، وَهُوَ الثُّمُنُ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ، وَإِنْ شِئْتَ نَزَّلْتَهُمْ أَحْوَالًا كَتَنْزِيلِ الْخَنَاثَى، وَإِذَا كَانَ عَصَبَتَانِ، نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرٌّ   [المبدع في شرح المقنع] وَرِثَ بِقَدْرِ الْحُرِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلِّ بَعْضٍ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْآخَرُ مِثْلَهُ، وَقِيَاسًا لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَقَالَ زَيْدٌ: لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْعَبْدِ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ، وَجَعَلَ مَالَهُ لِمَالِكِ بَاقِيهِ، قَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَالِكِ بَاقِيهِ عَلَى مَا عَتَقَ مِنْهُ مِلْكٌ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ ذُو رَحِمٍ (فَإِذَا كَانَتْ بِنْتٌ وَأُمٌّ، نِصْفُهُمَا حُرٌّ، وَأَبٌ حُرٌّ، فَلِلْبِنْتِ بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا نِصْفُ مِيرَاثِهَا) لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَامِلَةَ الْحُرِّيَّةِ، لَكَانَ لَهَا النِّصْفُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا نِصْفُهُ (وَهُوَ الرُّبْعُ) لِأَنَّهُ نِصْفُ النِّصْفِ (وَلِلْأُمِّ مَعَ حُرِّيَّتِهَا وَرِقِّ الْبِنْتِ الثُّلُثُ) لِأَنَّهُ مِيرَاثُهَا حِينَئِذٍ (وَالسُّدُسُ مَعَ حُرِّيَّةِ الْبِنْتِ، فَقَدْ حَجَبَتْهَا حُرِّيَّتُهَا عَنِ السُّدُسِ، فَبِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا تَحْجُبُهَا عَنْ نِصْفِهِ، يَبْقَى لَهَا الرُّبُعُ) وَهُوَ نِصْفُ النِّصْفِ (لَوْ كَانَتْ حُرَّةً، فَلَهَا بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا نِصْفُهُ، وَهُوَ الثُّمُنُ) لِأَنَّهُ نِصْفُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْحُرِّيَّةِ الْكَامِلَةِ (وَالْبَاقِي لِلْأَبِ) لِأَنَّ لَهُ السُّدُسَ بِالْفَرْضِ، وَمَا بَقِيَ بَعْدَهُ بِالتَّعْصِيبِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ (وَإِنْ شِئْتَ نَزَّلْتَهُمْ أَحْوَالًا كَتَنْزِيلِ الْخَنَاثَى) فَنَقُولُ: إِنْ كَانَتَا حُرَّتَيْنِ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ سَهْمٌ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ، وَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ، فَالْمَالُ لِلْأَبِ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ وَحْدَهَا حُرَّةً، فَلَهَا النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ، فَهِيَ مِنِ اثْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ وَحْدَهَا حُرَّةً، فَلَهَا الثُّلُثُ، فَهِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَكُلُّهَا تَدْخُلُ فِي السِّتَّةِ، فَتَضْرِبُهَا فِي الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، لِلْبِنْتِ سِتَّةٌ، وَهِيَ الرُّبْعُ؛ لِأَنَّ لَهَا النِّصْفَ فِي حَالَيْنِ، وَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ لَهَا السُّدُسَ فِي حَالٍ، وَالثُّلُثَ فِي حَالٍ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ فِي حَالٍ، وَالثُّلُثُ فِي حَالٍ، وَالنِّصْفُ فِي حَالٍ، وَالثُّلْثَانِ فِي حَالٍ، صَارَ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إِلَى ثَمَانِيَةٍ. (وَإِذَا كَانَ عَصَبَتَانِ) لَا يَحْجُبُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرٌّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 كَالْأَخَوَيْنِ، فَهَلْ تَكْمُلُ الْحُرِّيَّةُ فِيهِمَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَحْجُبُ الْآخَرَ كَابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَكْمُلُ.   [المبدع في شرح المقنع] كَالْأَخَوَيْنِ، فَهَلْ تَكْمُلُ الْحُرِّيَّةُ فِيهِمَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا تَكْمُلُ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ عَلِيٍّ، قَالَهُ الْخَبَرِيُّ، فَتُضَمُّ الْحُرِّيَّةُ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى مَا فِي الْآخَرِ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَمُلَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَرِثَا جَمِيعًا مِيرَاثَ ابْنٍ حُرٍّ؛ لِأَنَّ نِصْفَيْ شَيْءٍ شَيْءٌ كَامِلٌ، ثُمَّ يُقَسَّمُ مَا وَرِثَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: يَكْمُلُ، وَكَذَا إِذَا كَانَ ثُلُثَا أَحَدِهِمْ حُرًّا، وَثُلُثُ الْآخَرِ كَذَلِكَ، فَيُقَسَّمُ حِينَئِذٍ مَا وَرِثَاهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، فَإِنْ نَقَصَ مَا فِيهِمَا مِنَ الْحُرِّيَّةِ عَنْ جُزْءٍ كَامِلٍ، وَرِثَا بِقَدْرِ مَا فِيهِمَا، وَإِنْ زَادَ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ الْجُزْآنِ فِيهِمَا، سَوَاءٌ قُسِّمَ مَا وَرِثَاهُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا أُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا فِيهِ، وَالثَّانِي: لَا تَكْمُلُ، وَهُوَ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَمُلَتْ لَمْ يَظْهَرْ لِلرِّقِّ فَائِدَةٌ، وَكَانَا فِي مِيرَاثِهِمَا كَالْحُرِّيَّةِ، وَعَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ مَالِهِ فِي حَالِ حُرِّيَّتِهِمَا، وَهُوَ هُنَا الرُّبْعُ، وَالثَّانِي: بِطَرِيقِ الْخِطَابِ، وَمَعْنَاهُ: لَوْ خَاطَبْتَهُمَا، لَقُلْتَ لِلْحُرِّ: لَكَ الْمَالُ لَوْ كَانَ أَخُوكَ رَقِيقًا، وَنِصْفُهُ لَوْ كَانَ حُرًّا، فَعَلَى هَذَا لِكُلِّ وَاحِدٍ رُبُعٌ وَثُمُنٌ، وَلَوْ كَانَ ابْنٌ وَبِنْتٌ، نِصْفُهُمَا حُرٌّ، وَعَمٌّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ، وَنِصْفُهُ عَلَى الثَّانِي، وَخَمْسَةُ أَثْمَانِهِ عَلَى الثَّالِثِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ أُمٌّ، فَلَهَا السُّدُسُ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ، هَلْ لَهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ الْبَاقِي بَعْدَ السُّدُسِ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَعَلَى الثَّانِي، هَلْ لَهَا نِصْفُ الْمَالِ، أَوْ نِصْفُ الْبَاقِي بَعْدَ السُّدُسِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَحْجُبُ الْآخَرَ، كَابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ) فَوَجْهَانِ (فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَكْمُلُ) لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكْمُلُ مِمَّا يُسْقِطُهُ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُنَافِيهِ، فَإِنْ كَانَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا حُرًّا، فَلِلِابْنِ النِّصْفُ، وَلَا شَيْءَ لِابْنِهِ عَلَى الْأَوْسَطِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ الرُّبُعُ، وَعَلَى الثَّالِثِ النِّصْفُ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَوَرَّثَهُمْ بَعْضُهُمْ بِالْخِطَابِ، وَتَنْزِيلِ الْأَحْوَالِ، وَحُجِبَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ عَلَى مِثَالِ تَنْزِيلِ الْخَنَاثَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. مَسْأَلَةٌ: أُمٌّ وَأَخَوَانِ بِأَحَدِهِمَا رِقٌّ، لَهَا ثُلُثٌ، وَحَجَبَهَا أَبُو الْخَطَّابِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ، فَبِنِصْفِهَا عَنْ نِصْفِ سُدُسٍ. تَنْبِيهٌ: يُرَدُّ عَلَى ذِي فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ لَمْ يَرْثِ بِقَدْرِ نِسْبَةِ الْحُرِّيَّةِ مِنْهُمَا، فَلِبِنْتٍ نَصْفُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 بَابُ الْوَلَاءِ كُلُّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا، أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِرَحِمٍ أَوْ كتابة أو تَدْبِيرٍ أَوِ اسْتِيلَادٍ أَوْ وَصِيَّةٍ   [المبدع في شرح المقنع] حُرٌّ النِّصْفُ بِفَرْضٍ وَرَدٍّ، وَلِابْنٍ مَكَانَهَا النِّصْفُ بِالْعُصُوبَةِ، وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلِابْنَيْنِ نِصْفُهُمَا حُرَّانِ، لَمْ نُورِّثْهَا الْمَالَ الْبَقِيَّةَ، مَعَ عَدَمِ عَصَبَةٍ، وَلِبِنْتٍ وَجَدَّةٍ نِصْفُهُمَا حُرٌّ، الْمَالُ نِصْفَيْنِ بِفَرْضٍ وَرَدٍّ، وَمَعَ حُرِّيَّتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِمَا، الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا بِقَدْرِ فَرْضَيْهِمَا، وَمَعَ حُرِّيَّةِ ثُلُثِهِمَا، الثُّلْثَانِ بَيْنَهُمَا، وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ، ابْنٌ نِصْفُهُ حُرٌّ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ آخَرُ، فَلَهُمَا الْمَالُ فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ: لَهُمَا نِصْفُهُ، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ، لَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا النِّصْفُ، وَلَوْ كَانَا رَقِيقَيْنِ، لَمْ يَكُنْ لَهُمَا شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْأَكْبَرُ حُرًّا، لَكَانَ الْمَالُ لَهُ، وَبِالْعَكْسِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ مَالٌ وَنِصْفٌ، فَلَهُ رُبُعُ ذَلِكَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ابْنٌ آخَرُ ثُلُثُهُ حُرٌّ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةٍ، كَمَا تُقَسَّمُ مَسْأَلَةُ الْمُبَاهَلَةِ، وَعَلَى الثَّانِي: يُقَسَّمُ النِّصْفُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةٍ، وَفِي وَجْهٍ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، ثُمَّ يُقَسَّمُ السُّدْسُ بَيْنَ صَاحِبَيِ النِّصْفَيْنِ نِصْفَيْنِ. [بَابُ الْوَلَاءِ] بَابٌ الْوَلَاءُ أَيْ: بَابُ مِيرَاثِ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ، فَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِيرَاثِ هُنَا الْوَلَاءُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يُتَوَارَثُ بِهَا، وَالْوَلَاءُ بِفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودٌ، وَهُوَ ثُبُوتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِالْعِتْقِ، أَوْ تَعَاطِي سَبَبِهِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ رَقِيقًا عَلَى أَيِّ جِهَةٍ صَارَ لَهُ عَصَبَةً فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ التَّعْصِيبِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مِنَ النَّسَبِ كَالْمِيرَاثِ، وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ وَالْعَقْلِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] الْآيَةَ، يَعْنِي الْأَدْعِيَاءَ، مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ الْوَلَاءُ عَنِ النَّسَبِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» رَوَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْخَلَّالُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَفِيهِ «لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» شَبَّهَهُ بِالنَّسَبِ، وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَحْرَمِيَّةُ، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ، وَتُرَدُّ الشَّهَادَةُ، وَنَحْوُهَا بِخِلَافِ الْوَلَاءِ. (كُلُّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا) وَفِي الْفُرُوعِ: رَقِيقًا، وَهِيَ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ، فَسَرَى إِلَى بَقِيَّتِهِ، فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ إِجْمَاعًا، حَيْثُ لَمْ يُعْتِقْهُ عَنْ نَذْرِهِ أَوْ كَفَّارَتِهِ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ حَرْبِيًّا، فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، فَإِنْ جَاءَ الْمُعَتَقُ مُسْلِمًا، فَالْوَلَاءُ بِحَالِهِ، وَإِنَّ سُبِيَ مَوْلَى النِّعْمَةِ، لَمْ يَرِثْ مَا دَامَ عَبْدًا، فَإِنْ عَتَقَ فَعَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ، وَلَهُ الْوَلَاءُ عَلَى عَتِيقِهِ، وَهَلْ يَثْبُتُ لِمُعْتِقِ السَّيِّدِ، وَلَاءٌ عَلَى مُعْتِقِهِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مَوْلَاهُ، فَأَعْتَقَهُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَسَرَهُ مَوْلَاهُ، فَكَذَلِكَ، وَإِنَّ سُبِيَ الْمُعْتَقُ، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ، فَأَعْتَقَهُ، بَطُلَ وَلَاءُ الْأَوَّلِ، وَصَارَ لِلثَّانِي عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ أَعْتَقَ ذِمِّيٌّ عَبْدًا، فَهَرَبَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَاسْتُرِقَّ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْحُرُّ سَوَاءٌ، وَإِنْ أَعَتَقَ مُسْلِمٌ كَافِرًا، فَهَرَبَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ، لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ، فَعَلَى هَذَا إِنِ اسْتُرِقَّ، فَالْوَلَاءُ لِلثَّانِي، وَقِيلَ: لِلْأَوَّلِ، وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَعْتَقَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا، أَوْ أَعْتَقَهُ ذِمِّيٌّ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَسُبِيَ لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُ، وَإِنِ اشْتُرِيَ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا التَّوْبَةُ أَوِ الْقَتْلُ (أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِرَحِمٍ) يَعْنِي: إِذَا مَلَكَهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهُ، وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ وُهِبَهُ أَوْ إِرْثٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (أَوْ كِتَابَةٍ) يَعْنِي إِذَا كَاتَبَهُ، فَأَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ، عَتَقَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى سَيِّدِهِ أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِكِتَابَتِهِ، وَهِيَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَحَكَى ابْنُ سُرَاقَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نَفْسَهُ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ أَجْنَبِيٌّ، فَأَعْتَقَهُ، وَهَذَا قُوَيْلٌ عِنْدَنَا، وَرُدَّ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 بِعِتْقِهِ، فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، وَعَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ زَوْجَةٍ مُعْتَقَةٍ أَوْ مِنْ أَمَتِهِ، وَعَلَى مُعْتَقِيهِ وَمُعْتَقِي أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَمُعْتَقِيهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا، وَيَرِثُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مِنَ النَّسَبِ، ثُمَّ يَرِثُ بِهِ عَصَبَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ، الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَعَنْهُ فِي الْمُكَاتَبِ إِذَا أَدَّى   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بَعِوَضٍ حَالَ عِتْقٍ، وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ كَالْمُكَاتَبِ، وَفِيهِ قَوْلٌ (أَوْ تَدْبِيرٌ) أَيْ: عَتَقَ عَلَيْهِ بِالتَّدْبِيرِ، فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ (أَوِ اسْتِيلَادٍ) يَعْنِي: إِذَا عُتِقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا فَوَلَاؤُهَا لَهُ يَرِثُهَا أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُعْتَقُ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا، فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ، وَقَالَ عَلِيٌّ: لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُعْتِقْهَا، وَلَهُ بَيْعُهَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَابِرِ بْنُ زَيْدٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا عُتِقَتْ بِفِعْلِهِ مِنْ مَالِهِ، فَكَانَ وَلَاؤُهَا لَهُ، كَمَا لَوْ عُتِقَتْ بِقَوْلِهِ (أَوْ وَصِيَّةٍ بِعِتْقِهِ) أَيْ: إِذَا أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَأُعْتِقَ، فَالْوَلَاءُ لَهُ، وَكَذَا إِنْ وَصَّى بِهِ، وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي (فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ) أَيْ: ثَبَتَ لِلْمُعْتِقِ عَلَى الْمُعْتَقِ، إِلَّا إِذَا أَعْتَقَ قِنٌّ قِنًّا مَلَكَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَعَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ زَوْجَةٍ مُعْتَقَةٍ أَوْ مِنْ أَمَتِهِ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ نِعْمَتِهِمْ وَعِتْقُهُمْ بِسَبَبِهِ، وَلِأَنَّهُمْ فَرْعٌ، وَالْفَرْعُ: يَتْبَعُ أَصْلَهُ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ زَوْجَةٍ مُعْتَقَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ، فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُمْ حُرَّةَ الْأَصْلِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَيَتْبَعُونَهَا فِي عَدَمِ الْوَلَاءِ، إِذْ لَيْسَ عَلَيْهَا وَلَاءٌ (وَعَلَى مُعْتَقِيهِ وَمُعْتَقِي أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَمُعْتَقِيهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا) لِأَنَّهُ وَلِيُّ نِعْمَتِهِمْ، وَبِسَبَبِهِ عَتَقُوا، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُمْ بِالْعِتْقِ (وَيَرِثُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مِنَ النَّسَبِ) أَيْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعَتَقِ عَصَبَةٌ، وَلَا ذُو فَرْضٍ، فَهُوَ لِلْمَوْلَى؛ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ مَرْفُوعًا «الْمِيرَاثُ لِلْعَصَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَلِلْمَوْلَى» وَلِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنَ الْوَلَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، سُقُوطُ الْقِصَاصِ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الْوَلَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَصَبَةٌ، أَوْ ذُو فَرْضٍ يَسْتَغْرِقُ فُرُوضُهُمُ الْمَالَ، فَلَا شَيْءَ لِلْمَوْلَى بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَلَوْ كَانَ ذُو فَرْضٍ لَا تَسْتَغْرِقُ الْمَالَ، فَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى. (ثُمَّ يَرِثُ بِهِ عَصَبَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ) سَوَاءٌ كَانَ ابْنًا، أَوْ أَخًا، أَوْ أَبًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْعَصَبَاتِ، وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 إِلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ وَلَاءَهُ لَهُمْ، وَإِنْ أَدَّى إِلَيْهِمَا فَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا، وَمَنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ حُرَّ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُعَتَقِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: «الْمَوْلَى أَخٌ فِي الدِّينِ، وَمَوْلَى نِعْمَةٍ، يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُعْتَقِ» وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَ بِهِ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ كَالنَّسَبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ فَلِمَوْلَاهُ (وَعَنْهُ فِي الْمُكَاتَبِ إِذَا أَدَّى إِلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ وَلَاءَهُ لَهُمْ) لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَيْهِمْ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَوْهُ (وَإِنْ أَدَّى إِلَيْهِمَا، فَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتْبَعُ الْأَدَاءَ، وَفِي التَّبْصِرَةِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ، وَفِي الْمُبْهِجِ: إِنْ أَعْتَقَ كُلُّ الْوَرَثَةِ الْمَكَاتَبَ نَفَذَ، وَالْوَلَاءُ لِلرِّجَالِ، وَفِي النِّسَاءِ رِوَايَتَانِ (وَمَنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ حُرَّ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ، فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) أَيْ: إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حُرَّ الْأَصْلِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا، سَوَاءٌ كَانَ الْآخَرُ عَرَبِيًّا أَوْ مَوْلًى؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إِنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ، فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْأَبُ رَقِيقًا فِي انْتِفَاءِ الرِّقِّ وَالْوَلَاءِ، فَلَأَنْ يَتْبَعَهَا فِي نَفْيِ الْوَلَاءِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ، فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهُ فِيمَا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، بِحَيْثُ يَصِيرُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمَوْلَى أَبِيهِ، فَلَأَنْ يَتْبَعَهُ فِي سُقُوطِ الْوَلَاءِ عَنْهُ أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، مَعْلُومَ النَّسَبِ أَوْ مَجْهُولَهُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: هَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ، ثَبَتَ الْوَلَاءُ عَلَى وَلَدِهِ لِمَوْلَى الْأُمِّ، إِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً، وَعَلَّلَهُ الْخَبَرِيُّ بِأَنَّ مُقْتَضَى ثُبُوتِهِ لِمَوْلَى الْأُمِّ مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ لِحُرِّيَّةِ الْأَبِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً، فَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْأَبَ حُرٌّ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، أَشْبَهَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ، إِذِ الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّينَ الْحُرِّيَّةُ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَوْلًى، وَالْأُمُّ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَالْمَذْهَبُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَنْ أَبَوْهُ حُرُّ الْأَصْلِ وَأَمُّهُ عَتِيقَةٌ، فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَلِي لِمَوْلَى أُمِّهِ. وَمَنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَتِيقَةً، وَأَبُوهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَلِي كَمَوْلَى أَبِيهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِمُعْتَقَةٍ لِقَوْمٍ أَوْ بِحُرَّةِ الْأَصْلِ، فَأَوْلَدَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَدَ أَنَّ وَلَاءَ أَوْلَادِهِ لِمَوْلَى أَبِيهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 الْأَصْلِ، وَلَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ، فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً، أَوْ فِي زَكَائِهِ، أَوْ نَذْرِهِ، أَوْ كَفَّارَتِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَمَا رَجَعَ فِي مِيرَاثِهِ، رَدٌّ فِي مِثْلِهِ، يَشْتَرِي بِهِ رِقَابًا يَعْتِقُهُمْ، وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَجِيزِ، وَفِي حُرِّ الْأَصْلِ: إِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً، فَعَتَقَ وَلَدُهَا عَلَى سَيِّدِهَا، فَلَهُ وَلَاؤُهُ. (وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً) كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُكَ سَائِبَةً، كَأَنَّهُ يَجْعَلُهُ لِلَّهِ، أَوْ أَعْتَقْتُكَ وَلَا وَلَاءَ لِي عَلَيْكَ، وَأَصْلُهُ مِنْ تَسْيِيبِ الدَّوَابِّ، وَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ الْعِتْقِ، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، حَكَاهُمَا الشَّيْخَانِ، فَأَشْهَرُهُمَا - وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، حَتَّى إِنَّ الْقَاضِي وَالشَّرِيفَ وَأَبَا الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنَ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ لَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا - أَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَعْتَقَ سَائِبَةً، فَمَاتَ، فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ بِمَالِهِ رِقَابًا، فَأَعْتَقَهُمْ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ: بِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِلَّهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَفِي عَقْلِهِ لِكَوْنِهِ مُعْتِقًا، وَانْتِفَاءِ الْوَلَاءِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، جَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهُوَ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَعَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إِنِّي أَعْتَقْتُ عَبْدًا، وَجَعَلْتُهُ سَائِبَةً فَمَاتَ، وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُسِيِّبُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُسِيِّبُونَ، وَأَنْتَ وَلِيُّ نِعْمَتِهِ، وَإِنْ تَأَثَّمْتَ وَتَحَرَّجْتَ فِي شَيْءٍ، فَنَحْنُ نَقْبَلُهُ، وَنَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ سَعِيدٌ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ أَنَّ عُمَرَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَا فِي مِيرَاثِ السَّائِبَةِ: هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ (أَوْ فِي زَكَائِهِ أَوْ نَذْرِهِ أَوْ كَفَّارَتِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ) لِلْعُمُومِ، وَلِأَنَّ عَائِشَةَ اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَهُوَ يُوجِبُ الْعِتْقَ، وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لَهَا، (وَالثَّانِيَةُ: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ مَالِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَى السَّاعِي، فَاشْتَرَى بِهَا وَأَعْتَقَ، وَكَمَا لَوْ دَفَعَ إِلَى الْمُكَاتَبِ مَالًا، فَأَدَّاهُ فِي كِتَابَتِهِ، وَفَارَقَ الَّذِي اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ أَعْتَقَهُ مِنْ مَالِهِ، وَالْعِتْقُ فِي الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ الْعِتْقَ فِي الزَّكَاةِ (وَمَا رَجَعَ مِنْ مِيرَاثِهِ رَدٌّ فِي مِثْلِهِ، يَشْتَرِي بِهِ رِقَابًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 بِلَا أَمْرِهِ، فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ، وَإِذَا قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَالولاء لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ، وَالثَّمَنُ   [المبدع في شرح المقنع] يُعْتِقُهُمْ) هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي السَّائِبَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَنَظَرًا إِلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ مَحْضًا لِلَّهِ، فَيَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْجِهَةِ، وَهَلْ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ النَّائِبُ عَنِ اللَّهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، أَوْ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الَّذِي يُعْتِقُ مِنْ زَكَاتِهِ: إِنْ وَرِثَ مِنْهُ شَيْئًا، جَعْلَهُ فِي مِثْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ الْعِتْقُ فِي الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ فِي السَّائِبَةِ وَالْمُعْتَقِ فِي الْوَاجِبِ: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، بَلْ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا خَلَّفَ السَّائِبَةُ ذَا فَرْضٍ، لَا يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ، أَخَذَ فَرْضَهُ، وَاشْتَرَى بِبَاقِيهِ رِقَابًا يُعْتِقُهُمْ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ، فَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَمُعْتِقًا، فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي فِي الْعِتْقِ، إِذْ جِهَةُ الْعِتْقِ هِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ لِلْوَلَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلسَّيِّدِ، وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَعَلَى الْآخَرِ: الْجَمِيعُ لِلْبِنْتِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، إِذِ الرَّدُّ مُقَدَّمٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ، بِلَا أَمْرِهِ، فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْآخَرِ، فَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُنَوِّهْ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْوَجِيزِ، تَبَعًا لِلْقَاضِي: أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ عَنْ مَيِّتٍ فِي وَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَنِ الْمَيِّتِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الِاحْتِيَاجُ إِلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ شَرْطِهَا الدُّخُولُ فِي مِلْكِ الْمُكَفِّرِ عَنْهُ، وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْعِتْقُ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إِلَّا بِوَصِيَّةٍ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ، وَإِنْ تَبَرَّعَ بِعِتْقِهِ عَنْهُ، وَلَا تَرِكَةَ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ كَإِطْعَامٍ وَكُسْوَةٍ أَمْ لَا؟ جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْوَلَاءُ، وَلَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ بِدُونِ الْمُعْتِقِ عَنْهُ، فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ تَبَرَّعَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ، فَأَوْجُهٌ: ثَالِثُهَا: يُجْزِئُهُ فِي إِطْعَامٍ وَكُسْوَةٍ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ) صَحَّ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَكَانَ (فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ، وَلِمَا ذَكَرَهُ حَالَاتٌ، نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ) فَفَعَلَ قَبْلَ فِرَاقِهِ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 عَلَيَّ، فَفَعَلَ، فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، وَإِنْ قَالَ الْكَافِرُ لِرَجُلٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ   [المبدع في شرح المقنع] بَعْدَهُ (فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، فَيُقَدَّرُ ابْتِيَاعُهُ مِنْهُ، ثُمَّ تَوْكِيلُهُ فِي عِتْقِهِ لِيَصِحَّ، أَشْبَهَ مَا لَوِ ابْتَاعَهُ مِنْهُ ثُمَّ وَكَّلَهُ فِي عِتْقِهِ، وَكَإِطْعَامِهِ طَعَامَهُ عَنْهُ وَالْكُسْوَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُمَلِّكَهُ إِيَّاهُ، فَيُعْتِقَهُ هُوَ، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يُجْزِئُهُ عَنْ وَاجِبٍ مَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبَهُ، وَيُلْزِمُهُ عِوَضَهُ بِالْتِزَامِهِ، وَعَنْهُ: يُلْزِمُهُ مَا لَمْ يَنْفِهِ، وَعَنْهُ: الْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ لِلْمَسْؤُولِ لَا لِلسَّائِلِ، إِلَّا حَيْثُ الْتَزَمَ الْعِوَضَ، وَفِي التَّرْغِيبِ: لَوْ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنْ كَفَارَتِي، وَلَكَ عَلَيَّ مِائَةٌ، فَأَعْتَقَهُ، عَتَقَ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ، وَيَلْزَمْهُ الْمِائَةُ وَالْوَلَاءُ لَهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: ثُمَّ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي بِهَذَا الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، مَلَكَهُ، وَعَتَقَ كَالْهِبَةِ، وَالْمِلْكُ يَقِفُ عَلَى الْقَبْضِ فِي هِبَةٍ بِلَفْظِهَا لَا بِلَفْظِ الْعِتْقِ، بِدَلِيلِ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ قَبْلَ إِعْتَاقِهِ، وَيَجُوزُ جَعْلُهُ قَابِضًا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ أَوْ وَهَبْتُكَ هَذَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: هُوَ حُرٌّ، عَتَقَ وَقُدِّرَ الْقَبُولُ حُكْمًا. (وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ، وَالثَّمَنُ عَلَيَّ) أَوْ أَعْتِقُهُ عَنْكَ، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ (فَفَعَلَ، فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى السَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ جُعْلًا عَلَى الْإِعْتَاقِ فَلَزِمَهُ بِالْعَمَلِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: مَنْ بَنَى لِي هَذَا حَائِطًا، فَلَهُ كَذَا، اسْتَحَقَّهُ بِعَمَلِهِ (وَالْوَلَاءُ) وَالْعِتْقُ (لِلْمُعْتِقِ) أَيِ: الْمَسْؤُولِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعْتَاقِهِ عَنْهُ، وَلَا قَصَدَ بِهِ الْمُعْتِقُ ذَلِكَ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي صَرْفَهُ إِلَيْهِ، فَيَبْقَى لِلْمَسْؤُولِ عَمَلًا بِالْخَبَرِ، وَيُجْزِئُهُ عَنْ وَاجِبٍ فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: لَا يُجْزِئُ عَنِ الْوَاجِبِ، وَيَقَعُ عَنِ الْعِتْقِ، وَالْوَلَاءُ لِلسَّائِلِ، قَالَ فِي الْمُحَرِّرِ: وَفِيهِ بُعْدٌ. تَنْبِيهٌ: بَقِيَ هُنَا صُورَتَانِ، الْأُولَى: إِذَا قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي، وَأَطْلَقَ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعِوَضُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، إِذِ الْغَالِبُ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ الْعِوَضُ، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، الثَّانِي: إِذَا قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي مَجَّانًا، لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ بِلَا نِزَاعٍ، وَالْوَلَاءُ وَالْعِتْقُ لِلسَّائِلِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ مُكَاتَبَكَ عَلَى أَلْفٍ، فَفَعَلَ، عَتَقَ، وَلَزِمَ الْقَائِلَ أَلْفٌ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ، وَقِيلَ: لِلْقَائِلِ، فَلَوْ قَالَ: اقْبَلْهُ عَلَى دِرْهَمٍ، فَلَغْوٌ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ. (وَإِنْ قَالَ الْكَافِرُ لِرَجُلٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ الْمُسْلِمَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، فَفَعَلَ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 الْمُسْلِمَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، فَفَعَلَ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُبَايِنُهُ فِي دِينِهِ، فَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَهَلْ يَرِثُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: لَا يَرِثُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ لَهُ عَصَبَةٌ عَلَى دِينِ الْمُعْتَقِ، وَرِثَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا، وَرِثَ الْمُعْتِقُ رِوَايَةً وَاحِدَةً.   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، أَحَدُهُمَا: وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ: أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ زَمَنًا يَسِيرًا، فَاغْتُفِرَ هَذَا الضَّرَرُ الْيَسِيرُ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِلْأَبَدِ، وَهُوَ نَفْعٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَهَيِّئًا لِلطَّاعَاتِ، وَإِكْمَالِ الْقُرُبَاتِ، وَحِينَئِذٍ الْوَلَاءُ لِلْكَافِرِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، وَلَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الصِّحَّةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ، وَهُوَ كَالْمُحَقَّقِ، وَثُبُوتُ الْمُحَقَّقِ مَنْفِيٌّ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الصِّغَارِ، فَكَذَلِكَ ثُبُوتُ مَا يُشْبِهُهُ، وَحَكَاهُمَا فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَتَيْنِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُبَايِنُهُ فِي دِينِهِ، فَلَهُ وَلَاؤُهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتِقٌ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَبِالْعَكْسِ، (وَهَلْ يَرِثُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: لَا يَرِثُ) وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ أَصَحُّ فِي الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ؛ لِخَبَرِ أُسَامَةَ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» وَلِأَنَّهُ مِيرَاثٌ، فَمَنَعَهُ اخْتِلَافُ الدِّينِ كَمِيرَاثِ النَّسَبِ، وَالْمِيرَاثُ بِالنَّسَبِ أَقْوَى، فَإِذَا مُنِعَ الْأَقْوَى، فَالْأَضْعَفُ أَوْلَى، وَالثَّانِيَةُ: يَرِثُهُ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ: الْوَلَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الرِّقِّ، فَلَمْ يَضُرَّ تَبَايُنُ الدِّينِ، بِخِلَافِ الْإِرْثِ بِالنَّسَبِ (لَكِنْ) أَيْ: عَلَى الْأُولَى (إِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ: لِلسَّيِّدِ (عَصَبَةٌ عَلَى دِينِ الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (وَرِثَهُ) أَيْ: الْعَصَبَةُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ مِنَ الْعَصَبَةِ مُخَالِفًا لِدِينِ الْمَيِّتِ، وَالْأَبْعَدُ عَلَى دِينِهِ (وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنَ السَّيِّدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 فَصْلٌ وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاءِ إِلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ، أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ، وَعَنْهُ: فِي بِنْتِ الْمُعْتِقِ خَاصَّةً تَرِثُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَا يَرِثُ مِنْهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْمُعْتِقِ (وَرِثَ الْمُعْتِقُ) بِكَسْرِ التَّاءِ (رِوَايَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَتَوَارَثَا كَالْمُتَنَاسِبَيْنِ؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. [مَا يَرِثُهُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاءِ] فَصْلٌ (وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاءِ إِلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ) وَأَوْلَادُهُمَا وَمَنْ جَرُّوا وَلَاءَهُ (أَوْ كَاتَبْنَ، أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ) هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، قَالَ: «مِيرَاثُ الْوَلَاءِ لِلْكُبْرِ مِنَ الذُّكُورِ، وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاءِ إِلَّا وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ» وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ، وَالْمَوْلَى الْمُعْتِقُ مِنَ الْمَوْلَى الْمُنْعِمِ بِمَنْزِلَةِ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ، فَوَلَدُهُ مِنَ الْعَتِيقِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ، وَلَا يَرِثُ مِنْهُمْ إِلَّا الذُّكُورُ خَاصَّةً، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ إِلَّا عَتِيقَ ابْنِ مُلَاعَنَةٍ، فَإِنَّ الْمُلَاعَنَةَ تَرِثُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ إِنْ عُدِمَ الِابْنُ، وَقُلْنَا: هِيَ الْعَصَبَةُ وَإِلَّا عَصَبَتَهَا (وَعَنْهُ فِي بِنْتِ الْمُعْتِقِ خَاصَّةً تَرِثُ) نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَوَهِمَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي حِكَايَتِهَا عَنْهُ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَإِلَيْهَا مَيْلُ الْمَجْدِ فِي الْمُنْتَقَى، وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ مَوْلًى لِحَمْزَةَ تُوُفِّيَ، وَتَرَكَ ابْنَتَهُ، وَابْنَةَ حَمْزَةَ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَتَهُ النِّصْفَ، وَابْنَةَ حَمْزَةَ النِّصْفَ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَدْ رَوَى إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَإِسْحَاقُ: أَنَّ الْمَوْلَى كَانَ لِحَمْزَةَ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ: بِأَنَّ الْمَوْلَى كَانَ لِابْنَةِ حَمْزَةَ، قَالَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَسَأَلَهُ: هَلْ كَانَ الْمَوْلَى لِحَمْزَةَ أَوْ لِابْنَتِهِ؟ فَقَالَ: لِابْنَتِهِ، فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ وَرِثَتْ بِوَلَاءِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُعْتِقَةُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، وَيُرَشِّحُهُ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، «عَنْ بِنْتِ حَمْزَةَ، وَهِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 ذَوَا فَرْضٍ، إِلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ، يَرِثَانِ السُّدُسَ مَعَ الِابْنِ، وَالْجَدُّ يَرِثُ الثُّلُثَ مَعَ   [المبدع في شرح المقنع] أُخْتُ ابْنِ شَدَّادٍ لِأُمِّهِ، قَالَتْ: مَاتَ مَوْلَايَ، وَتَرَكَ ابْنَةً، فَقَسَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنَتِهِ، فَجَعَلَ لِيَ النِّصْفَ، وَلَهَا النِّصْفَ» . وَرُدَّ بِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى ضَعِيفٌ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْوَاقِعَةِ، فَلَا مُعَارَضَةَ، وَلَوْ سَلِمَ الِاتِّحَادُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُضِيفَ مَوْلَى الْوَالِدِ إِلَى الْوَلَدِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ يَرِثُ بِهِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَرِثُ مَعَ عَدَمِ عَصَبَةٍ، وَعَنْهُ: تَرِثُ مَعَ أَخِيهَا، فَلَوْ اشْتَرَى هُوَ وَأُخْتِهِ أَبَاهُمَا، فَعَتَقَ، ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ مَاتَ عَتِيقُهُ بَعْدَ أَبِيهِ، وِرْثَهُ ابْنُهُ لِابْنَتِهِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَرِثَانِهِ أَثْلَاثًا، فَلَوْ نَكَحَتْ عَتِيقَهَا، وَأَحْبَلَهَا، فَهِيَ الْقَائِلَةُ: إِنْ أَلِدْ أُنْثَى، فَالنِّصْفُ، وَذَكَرًا، فَالثُّمُنُ، وَإِنْ لَمْ أَلِدْ فَالْجَمِيعُ (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَيْهِ. مَسَائِلُ: إِذَا خَلَّفَ بِنْتَ مُعْتِقِهِ وَابْنَ عَمِّ مُعَتِقِهِ، فَلَا شَيْءَ لِلْبِنْتِ، وَجَمِيعُ الْمَالِ لِابْنِ عَمِّ الْمُعْتِقِ، عَلَى الْأُولَى، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ، وَلَوْ خَلَّفَ الْمُعْتَقُ بِنْتَهُ وَبِنْتَ مُعْتَقِهِ، فَالْمَالُ كُلُّهُ لِابْنَتِهِ عَلَى الْأُولَى بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ لِابْنَتِهِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ مُعَتَقِهِ النِّصْفُ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ بِنْتِ مُعْتَقِهِ أُخْتَ مُعْتَقِهِ، فَلَا شَيْءَ لَهَا قَوْلًا وَاحِدًا. (وَلَا يَرِثُ مِنْهُ) بِالْوَلَاءِ (ذَوَا فَرْضٍ) كَالْأَخِ مِنَ الْأُمِّ، وَالزَّوْجِ، إِذَا لَمْ يَكُونَا ابْنَيْ عَمٍّ (إِلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ، يَرِثَانِ السُّدُسَ مَعَ الِابْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْوَلَاءِ، فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ، وَاخْتَارَ أَبُو إِسْحَاقَ سُقُوطَهُمَا مَعَ ابْنٍ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدٍ، وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ، وَهُمَا يَرِثَانِ مَعَهُ بِالْفَرْضِ، وَلَا يَرِثُ بِالْوَلَاءِ ذُو فَرْضٍ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ عَصَبَةُ وَارِثٍ، فَاسْتَحَقَّ مِنَ الْوَلَاءِ كَالْأَخَوَيْنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ مِنَ الْأَبِ، بَلْ هُمَا فِيهِ سَوَاءٌ، وَكِلَاهُمَا عَصَبَةٌ لَا يُسْقِطُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، بَلْ يَتَفَاضَلَانِ فِي الْمِيرَاثِ، وَكَذَا فِي الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ، وَفِي الِانْتِصَارِ رُبَّمَا حَمَلْنَا تَوْرِيثَ أَبٍ سُدُسًا بِفَرْضٍ مَعَ ابْنٍ عَلَى رِوَايَةِ تَوْرِيثِ بِنْتِ الْمَوْلَى، فَيَجِيءُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَرِثُ قَرَابَةَ الْمَوْلَى بِالْوَلَاءِ عَلَى نَحْوِ مِيرَاثِهِمْ. (وَالْجَدُّ يَرِثُ الثُّلُثَ مَعَ الْأُخْوَةِ، إِذَا كَانَ أَحَظَّ لَهُ) أَيْ: إِذَا زَادَ عَدَدُ الْبَنِينَ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 الْأُخْوَةِ، إِذَا كَانَ أَحَظَّ لَهُ، وَالْوَلَاءُ لَا يُوَرَّثُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ، وَلَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ،   [المبدع في شرح المقنع] اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ ذَلِكَ مَعَهُمْ فِي غَيْرِ الْوَلَاءِ، فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ، وَإِنْ خَلَّفَ الْمُعْتِقُ أَخَاهُ وَجَدَّهُ، فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَعَنْ زَيْدٍ: الْمَالُ لِلْأَخِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ الْأَبِ، وَالْجَدُّ أَبُوهُ، وَالِابْنُ أَحَقُّ مِنَ الْأَبِ، وَمَنْ جَعَلَ الْجَدَّ أَبًا، وَرَّثَهُ وَجَدَّهُ، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ: إِنَّ الْجَدَّ كَأَخٍ، وَإِنْ كَثُرُوا، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَهُوَ أَقْيَسُ، وَيُعَادُ الْأُخْوَةُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ الْجَدَّ بِالْأُخْوَةِ مِنَ الْأَبِ، ثُمَّ يَأْخُذُوا مَا حَصَلَ لَهُمْ كَالْمِيرَاثِ، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: هُوَ عَلَى عَدَدِهِمْ، وَرَدَ بِالْمِيرَاثِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِالْأَخَوَاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَرِثْنَ مُنْفَرِدَاتٍ، وَكَالْأُخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ، وَوَلَدِ الْأَبِ إِذَا انْفَرَدْنَ مَعَ الْجَدِّ كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ. مَسَائِلُ: إِذَا خَلَّفَ جَدَّ مَوْلَاهُ، وَابْنَ أَخِي مَوْلَاهُ، فَالْمَالُ لِلْجَدِّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَمَا لَوْ خَلَّفَ جَدَّ مَوْلَاهُ وَعَمَّ مَوْلَاهُ، فَلَوْ تَرَكَ جَدَّ أَبِي مَوْلَاهُ، وَعَمَّ مَوْلَاهُ، فَهُوَ لِلْجَدِّ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ لِلْعَمِّ وَبَنِيهِ، وَإِنْ سَفَلُوا دُونَ جَدِّ الْأَبِ. فَرْعٌ: لَا يَرِثُ الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلِ مُعَتَقَهِ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَحُكِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهُمَا وَرَّثَاهُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَعْقِلُ عَنْهُ. (وَالْوَلَاءُ لَا يُوَرَّثُ وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَبَّهَهُ بِالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ لَا يُوَرَّثُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ، وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ إِنَّمَا يَحِلُّ بِإِنْعَامِ السَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ بِالْعِتْقِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَنْتَقِلُ عَنِ الْعِتْقِ فَكَذَا الْوَلَاءُ (وَلَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ) أَيْ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ، وَلَا وَقْفُهُ، وَلَا أَنْ يَأْذَنَ لِمَوْلَاهُ، فَيُوَالِيَ مَنْ شَاءَ، لَكِنْ رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ مَيْمُونَةَ وَهَبَتْ وَلَاءَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ مُكَاتَبًا. وَرُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا: أَنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 وَهُوَ لِلْكُبْرِ خَاصَّةً فَإِذَا مَاتَ الْمُعْتِقُ، وَخَلَّفَ عَتِيقَهُ وَابْنَيْنِ، فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَعْدَهُ عَنِ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ، فَالْمِيرَاثُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ، وَإِنْ مَاتَ الِابْنَانِ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْمَوْلَى، وَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا ابْنًا، وَالْآخَرُ تِسْعَةً، وَإِنْ بَيَّنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ، لِكُلِّ وَاحِدٍ   [المبدع في شرح المقنع] وَهَبَتْ وَلَاءَ مَوَالِيهَا لِلْعَبَّاسِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَذِنْتُ لِمَوْلَايَ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ، فَيَجُوزُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ، وَبِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ» وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُورَثُ بِهِ، فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ كَالْقَرَابَةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ عَنِ الْمُعْتِقِ بِمَوْتِهِ، وَلَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ، وَإِنَّمَا يَرِثُونَ الْمَالَ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ، وَهُوَ لِلْمُعْتِقِ (وَهُوَ لِلْكُبْرِ خَاصَّةً) أَيْ: أَنَّهُ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ أَقْرَبُ عَصَبَاتِ السَّيِّدِ إِلَيْهِ يَوْمَ مَاتَ عَتِيقُهُ لَا يَوْمَ مَاتَ السَّيِّدُ، هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، وَالْمَشْهُورُ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: حَدِيثُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَحْرَزَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ، فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانَ» يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ، فَهَذَا الَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ النَّاسِ قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدٌ، ثَنَا هُشَيْمٌ، ثَنَا أشعث بْنُ سَوَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَزَيْدًا وَابْنَ مَسْعُودٍ جَعَلُوا الْوَلَاءَ لِلْكُبْرِ. وَالثَّانِيَةُ، وَنَقَلَهَا حَنْبَلٌ وَابْنُ الْحَكَمِ: إِنَّ الْوَلَاءَ يُوَرَّثُ كَالْمَالِ، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا فِي حَيَاتِهِ، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، لَكِنْ يَخْتَصُّ بِهِ الْعَصَبَةُ (فَإِذَا) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَتَوْضِيحٌ لَهَا (مَاتَ الْمُعْتِقُ، وَخَلَّفَ عَتِيقَهُ وَابْنَيْنِ، فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَعْدَهُ عَنِ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ، فَالْمِيرَاثُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمُعْتِقِ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ يَوْمَ مَاتَ الْمُعْتَقُ، قَالَ أَحْمَدُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَعْطِهِ أَكْبَرَ خُزَاعَةَ» لَيْسَ أَكْبَرَهُمْ سِنًّا، وَلَكِنْ أَقْرَبَهُمْ إِلَى خُزَاعَةَ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ، وَرِثَ ابْنَاهُ الْوَلَاءَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إِلَى ابْنِهِ (وَإِنْ مَاتَ الِابْنَانِ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْمَوْلَى، وَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا ابْنًا، وَالْآخَرُ تِسْعَةً) ، فَوَلَاؤُهُ (وإن بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ) نَصَّ عَلَيْهِ (لِكُلِّ وَاحِدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 عَشَرَةٌ، وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ وَأُخْتُهُ أَبَاهُمَا أَوْ أَخَاهُمَا، فَعَتَقَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ، ثُمَّ مَاتَ مَوْلَاهُ، وَرِثَهُ الرَّجُلُ دُونَ أُخْتِهِ، وَإِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ، وَخَلَّفَتِ ابْنَهَا، وَعَصَبَتُهَا غَيْرُهُ وَمَوْلَاهَا، فَوَلَاؤُهُ لِابْنِهَا، وَعَقْلُهُ عَلَى عَصَبَتِهَا.   [المبدع في شرح المقنع] عَشَرَةٌ) لِأَنَّ الْجَمِيعَ إِلَى الْقُرْبِ إِلَى السَّيِّدِ يَوْمَ مَاتَ الْعَتِيقُ سَوَاءٌ، وَعَلَى الْأُخْرَى، وَنَصَّ عَلَيْهَا هُنَا فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لِابْنِ الِابْنِ النِّصْفُ إِرْثًا عَنْ أَبِيهِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عَلَى بَنِي الِابْنِ الْآخَرِ عَلَى تِسْعَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. فَرْعٌ: إِذَا لَمْ يُخَلِّفْ عَصَبَةً مِنْ نَسَبِ مَوْلَاهُ، فَمَالُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، ثُمَّ لِأَقْرَبِ عَصَبَاتِهِ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْعَصَبَاتُ، وَمَوَالِي عَصَبَاتِهِمْ، فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. (وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ وَأُخْتُهُ أَبَاهُمَا أَوْ أَخَاهُمَا، فَعَتَقَ عَلَيْهِمَا) يَعْنِي: بِالْمِلْكِ (ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ) فَمِيرَاثُهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا بِالنَّسَبِ (ثُمَّ مَاتَ مَوْلَاهُ، وَرِثَهُ الرَّجُلُ) لِأَنَّهُ ابْنُ الْمُعْتِقِ أَوْ أَخُوهُ، فَوَرِثَهُ بِالنَّسَبِ (دُونَ أُخْتِهِ) لِأَنَّهَا مَوْلَاةُ الْمُعْتِقِ، وَعَصَبَةُ الْمُعْتَقِ تُقَدَّمُ عَلَى مَوْلَاهُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا سَبْعِينَ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْعِرَاقِ، فَأَخْطَئُوا فِيهَا، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، إِلَّا عَلَى مَا نَقَلَهُ الْخِرَقِيُّ فِي بِنْتِ الْمُعْتِقِ خَاصَّةً، وَحِينَئِذٍ إِذَا اشْتَرَيَا أَبَاهُمَا، كَانَ مِيرَاثُ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا خَلَّفَ بِنْتَ مَوْلَاهُ وَمَوْلَى أَبِيهِ، فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ مِنْ جِهَةِ مُبَاشَرَتِهِ الْعِتْقَ، فَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِ أَبِيهِ. فَائِدَةٌ: امْرَأَةٌ حُرَّةٌ لَا وَلَاءَ عَلَيْهَا، وَأَبَوَاهَا رَقِيقَانِ، فَيُتَصَوَّرُ إِذَا كَانُوا كُفَّارًا، فَتُسْلِمُ هِيَ وَيُسْبَى أَبَوَاهَا، وَيُسْتَرِقَّانِ، وَإِذَا كَانَ أَبُوهَا عَبْدًا تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ، عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَوَلَدَتْهَا ثُمَّ مَاتَتْ. (وَإِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ، وَخَلَّفَتِ ابْنَهَا، وَعَصَبَتُهَا غَيْرُهُ وَمَوْلَاهَا، فَوَلَاؤُهُ لِابْنِهَا، وَعَقْلُهُ عَلَى عَصَبَتِهَا) لِمَا رَوَى إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: اخْتَصَمَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ فِي مَوْلَى صَفِيَّةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَوْلَى عَمَّتِي، وَأَنَا أَعْقِلُ عَنْهُ، وَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَوْلَى أُمِّي وَأَنَا أَرِثُهُ، فَقَضَى عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ بِالْعَقْلِ، وَقَضَى لِلزُّبَيْرِ بِالْمِيرَاثِ، رَوَاهُ سَعِيدٌ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الِابْنَ لَيْسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 فَصْلٌ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ كُلُّ مَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ، لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِحَالٍ، فَأَمَّا إِنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ مُعْتَقَةً، فَأَوْلَدَهَا، فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوَالِي أُمِّهِ، فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ سَيِّدُهُ، انْجَرَّ وَلَاءُ وَلَدِهِ   [المبدع في شرح المقنع] مِنَ الْعَصَبَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْهَا كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، يَقُولُ: الْوَلَاءُ لَهُ، وَالْعَقْلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَادَ بَنَوْهَا، فَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَتِهَا، وَنَقَلَ عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَلَاؤُهُ لِعَصَبَةِ بَنِيهَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْوَلَاءِ يُورَثُ، ثُمَّ لِعَصَبَةِ بِنْتِهَا، وَقِيلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَمْ يُفَرِّقِ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْأَكْثَرُ كَالْمَتْنِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: أَمَّا الرَّجُلُ الْمُعْتِقُ، فَإِنَّهُ يَعْقِلُ عَنْ مُعْتَقَهِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعَقْلِ، وَيَعْقِلُ ابْنُهُ وَأَبُوهُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ عَصَبَاتِهِ وَعَشِيرَتِهِ، فَلَا يَلْحَقُ ابْنَهُ مِنْ نَفْيِ الْعَقْلِ بِابْنِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْقِلُ ابْنَهَا. [فَصْلٌ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ] فَصْلٌ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ (كُلُّ مَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ) لِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ (لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِحَالٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، وَلِأَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي النِّعْمَةِ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ حَقٌّ عَنْ مُسْتَحَقِّهِ، خُولِفَ فِيمَنِ اشْتَرَى أَبَا مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ تَبَعًا لِأُمِّهِمْ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ (فَأَمَّا إِنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ مُعْتَقَةً فَأَوْلَدَهَا) فَوَلَدُهُ مِنْهَا أَحْرَارٌ (فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوَالِي أُمِّهِ) لِأَنَّهُمْ سَبَبُ الْإِنْعَامِ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِكَوْنِهِ انْعَتَقَ بِعِتْقِ أُمِّهِ (فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ سَيِّدُهُ، انْجَرَّ وَلَاءُ وَلَدِهِ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى مُعْتِقِ الْعَبْدِ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ خَيْبَرَ رَأَى فِتْيَةً لُعْسًا، فَأَعْجَبَهُ ظُرْفُهُمْ وَجَمَالُهُمْ، فَسَأَلَ عَنْهُمْ، فَقِيلَ: مَوَالِي رَافِعِ بْنِ خُدَيْجٍ، وَأَبُوهُمْ مَمْلُوكٌ لِآلِ الْحُرَقَةِ، فَاشْتَرَى الزُّبَيْرُ أَبَاهُمْ، فَأَعْتَقَهُ، وَقَالَ لِأَوْلَادِهِ: انْتَسِبُوا إِلَيَّ، فَإِنَّ وَلَاءَكُمْ لِي، فَقَالَ رَافِعٌ: بَلْ هُوَ لِي، فَإِنَّهُمْ عَتَقُوا بِعِتْقِ أُمِّهِمْ، فَاحْتَكَمُوا إِلَى عُثْمَانَ، فَقَضَى بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ، وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، وَلِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا كَانَ مَمْلُوكًا لَمْ يَصْلُحْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 إِلَيْهِ، وَلَا يَعُودُ إِلَى مَوَالِي الْأُمِّ بِحَالٍ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْجَدَّ، لَمْ يُجَرَّ وَلَاؤُهُمْ، فِي أَصَحِّ   [المبدع في شرح المقنع] وَارِثًا، وَلَا وَلِيًّا فِي نِكَاحٍ، فَكَانَ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ، يَنْقَطِعُ نَسَبُهُ عَنْ أَبِيهِ، فَثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، وَانْتَسَبَ إِلَيْهَا، فَإِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ، صَلُحَ لِلِانْتِسَابِ، وَعَادَ وَارِثًا وَلِيًّا، فَعَادَتِ النِّسْبَةُ إِلَيْهِ وَإِلَى مَوَالِيهِ، كَمَا لَوِ اسْتَلْحَقَ الْمُلَاعِنُ وَلَدَهُ. فَائِدَةٌ: اللَّعَسُ سَوَادٌ فِي الشَّفَتَيْنِ تَسْتَحْسِنُهُ الْعَرَبُ، وَمِثْلُهُ اللَّمْيَاءُ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ ... وَفِي اللِّثَاتِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَبُ (وَلَا يَعُودُ إِلَى مَوَالِي الْأُمِّ بِحَالٍ) أَيْ: إِذَا انْجَرَّ الْوَلَاءُ إِلَى مَوَالِي الْأَبِ، ثُمَّ انْقَرَضُوا، عَادَ الْوَلَاءُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَى مَوَالِي الْأُمِّ بِحَالٍ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَجْرِي مَجْرَى الِانْتِسَابِ، وَلَوِ انْقَرَضَ الْأَبُ وَآبَاؤُهُ، لَمْ يَعُدِ النَّسَبُ إِلَى الْأُمِّ، فَكَذَا الْوَلَاءُ، فَعَلَيْهِ لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِ الْأَبِ، كَانَ وَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوَالِي أَبِيهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، فَإِنْ نَفَاهُ بِاللِّعَّانِ، عَادَ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ، فَإِنْ عَادَ، فَاسْتَلْحَقَهُ عَادَ الْوَلَاءُ إِلَى مَوَالِي الْأَبِ. فَرْعٌ: حُكْمُ الْمُكَاتَبِ يَتَزَوَّجُ فِي كِتَابَتِهِ، فَيُولَدُ لَهُ ثُمَّ يُعْتَقُ، حُكْمُ الْقِنِّ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ، وَكَذَا الْمُدَبَّرُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ عَبِيدٌ. أَصْلٌ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَنْجَرُّ الْوَلَاءُ إِلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْأَبُ عَبْدًا حِينَ الْوِلَادَةِ، فَإِنْ كَانَ حُرًّا، وَزَوْجَتُهُ مَوْلَاةً، فَإِنْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهِ بِحَالٍ، وَإِنْ كَانَ مَوْلًى، ثَبَتَ الْوَلَاءُ عَلَى وَلَدِهِ لِمَوَالِيهِ أَبَدًا، وَلَا جَرَّ فِيهِ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ مَوْلَاةً، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا بِحَالٍ، وَهُمْ أَحْرَارٌ بِحُرِّيَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، فَوَلَدُهَا رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا، فَإِنْ أَعْتَقَهُمْ، فَوَلَاؤُهُمْ لَهُ مُطْلَقًا، لَا يَنْجَرُّ عَنْهُ بِحَالٍ. الثَّالِثُ: أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ مَاتَ عَلَى الرِّقِّ، لَمْ يَنْجَرَّ الْوَلَاءُ بِحَالٍ، فَإِنِ اخْتَلَفَ سَيِّدُ الْعَبْدِ وَمَوْلَى الْأُمِّ فِي الْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ سَيِّدُهُ: مَاتَ حُرًّا بَعْدَ جَرِّ الْوَلَاءِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَوْلَى الْأُمِّ، قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. (وَإِنْ أَعْتَقَ الْجَدَّ) قَبْلَهُ (لَمْ يُجَرَّ وَلَاؤُهُمْ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) قَالَ أَحْمَدُ: الْجَدُّ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: يَجُرُّهُ وَإِنِ اشْتَرَى الِابْنُ أَبَاهُ، عَتَقَ عَلَيْهِ، وَلَهُ ولاؤه ووَلَاءُ إِخْوَتِهِ، وَيَبْقَى وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهِ، وَإِنِ اشْتَرَى الْوَلَدُ عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْعَتِيقُ أَبَا مُعْتِقِهِ، فَأَعْتَقَهُ، ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ، وَجَرَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهِ، وَصَارَ كُلُّ   [المبدع في شرح المقنع] يَجُرُّ الْوَلَاءَ، لَيْسَ هُوَ كَالْأَبِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَلَاءِ لِمُسْتَحَقِّهِ، وَإِنَّمَا خُولِفَ هَذَا الْأَصْلُ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ يَنْجَرُّ بِعِتْقِ الْأَبِ، وَالْجَدُّ لَا يُسَاوِيهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْأَبَ بَعْدَ الْجِدِّ جَرَّهُ عَنْ مَوْلَى الْجَدِّ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الْجَدُّ لَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُ وَلَدِهِ، وَلِأَنَّ الْجَدَّ يُدْلِي بِغَيْرِهِ، وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُرَّ الْوَلَاءَ كَالْأَخِ (وَعَنْهُ: يَجُرُّهُ) أَيْ: إِلَى مَوْلَاهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ جَرَّهُ عَنْ مَوَالِي الْجِدِّ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ فِي التَّعْصِيبِ، وَأَحْكَامِ النَّسَبِ، فَكَذَا فِي جَرِّ الْوَلَاءِ، وَعَلَيْهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ؛ لِأَنَّ الْبَعِيدَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ كَالْقَرِيبِ، وَعَنْهُ: إِنْ عَتَقَ وَالْأَبُ مَيِّتٌ، جَرَّ الْوَلَاءَ، وَإِنْ عَتَقَ وَالْأَبُ حَيٌّ، فَلَا، سَوَاءٌ عَتَقَ الْأَبُ أَوْ مَاتَ قِنًّا، ذَكَرَهَا الْخَلَّالُ. فَرْعٌ: إِذَا تَزَوُّجَ مُعَتَقٌ بِمُعْتَقَةٍ، فَأَوْلَدَهَا وَلَدَيْنِ، فَوَلَاؤُهُمَا لِمَوَالِي أَبِيهِمَا، فَإِنْ نَفَاهُمَا بِاللَّعَّانِ، عَادَ الْوَلَاءُ إِلَى مَوَالِي أُمِّهِمَا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، فَمِيرَاثُهُ لِأُمِّهِ وَمَوَالِيهَا، فَإِنْ أَكْذَبَ أَبُوهُمَا نَفْسَهُ، لَحِقَهُ نَسَبُهُمَا، وَاسْتَرْجَعَ الْمِيرَاثَ مِنْ مَوْلَى الْأُمِّ. (وَإِنِ اشْتَرَى الِابْنُ أَبَاهُ، عَتَقَ عَلَيْهِ) بِالْمِلْكِ لِلْخَبَرِ (وَلَهُ وَلَاؤُهُ) لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ شِرَائِهِ، فَكَانَ لَهُ الْوَلَاءُ، كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْعِتْقِ (وَوَلَاءُ إِخْوَتِهِ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبِيهِمْ (وَيَبْقَى وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ) فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهِ) وَشَذَّ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، فَقَالَ: يَجُرُّهُ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ ثَابِتًا عَلَى أَبَوَيْهِ دُونَهُ، مَعَ كَوْنِهِ مَوْلُودًا فِي حَالَةِ رِقِّهِمَا، وَلَيْسَ لَنَا مِثْلُ هَذَا فِي الْأُصُولِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوْلَى نَفْسِهِ يَعْقِلُ عَنْهَا وَيَرِثُهَا وَيُزَوِّجُهَا. (وَإِنِ اشْتَرَى الْوَلَدُ عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْعَتِيقُ أَبَا مُعْتِقِهِ، فَأَعْتَقَهُ، ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ) أَيْ: فَإِنَّهُ يَجُرُّ وَلَاءَ سَيِّدِهِ، فَيَكُونُ لِهَذَا الْوَلَدِ عَلَى مُعْتِقِهِ الْوَلَاءُ بِإِعْتَاقِهِ إِيَّاهُ (وَجَرَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهِ) أَيْ: لِلْعَتِيقِ وَلَاءُ مُعْتِقِهِ بِوَلَائِهِ عَلَى أَبَوَيْهِ (وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَى الْآخَرِ) مَوْلَى الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَالْمُعْتِقُ مَوْلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ أَبَاهُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ مُعْتِقِهِ؛ لِيَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إِلَى الْمُعْتِقِ بِشِرَاءِ أَبِيهِ، فَلَوْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ، لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَى الْآخَرِ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا، ثُمَّ سَبَى الْعَبْدُ مُعْتِقَهُ فَأَعْتَقَهُ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَاءُ صَاحِبِهِ. فَصْلٌ فِي دَوْرِ الْوَلَاءِ إِذَا اشْتَرَى ابْنٌ وَبِنْتُ مُعْتَقَةٍ أَبَاهُمَا، عَتَقَ عَلَيْهِمَا، وَصَارَ ولاؤه بينهما نِصْفَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِأَحَدٍ (وَمِثْلُهُ لَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا، ثُمَّ سَبَى الْعَبْدُ مُعْتِقَهُ) أَيْ أَسَرَ سَيِّدَهُ (فَأَعْتَقَهُ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَاءُ صَاحِبِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْعِمٌ عَلَى الْآخَرِ بِخَلَاصِ رَقَبَتِهِ مِنَ الرِّقِّ، فَإِنْ سَبَى الْمُسْلِمُونَ الْعَتِيقَ الْأَوَّلَ فَرُقَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ، فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ ثَانِيًا، وَقِيلَ: لِلْأَوَّلِ، وَقِيلَ: لَهُمَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ: لَا يَنْجَرُّ مَا كَانَ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الرِّقِّ مِنْ وَلَاءِ وَلَدٍ، أَوْ عَتِيقٍ إِلَى الْأَخِيرِ، وَكَذَا عَتِيقُ ذِمِّيٍّ، وَقِيلَ: أَوْ مُسْلِمٍ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا تَزَوَّجَ وَلَدُ الْمُعْتَقَةِ بِمُعْتَقَةٍ، فَأَوْلَدَهَا، فَاشْتَرَى جَدَّهُ، عَتَقَ عَلَيْهِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَوَلَاءُ أَبِيهِ، وَسَائِرِ أَوْلَادِ جَدِّهِ، وَوَلَاءُ الْمُشْتَرِي لِمَوْلَى أُمِّ أَبِيهِ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِمُعْتَقَةٍ، فَأَوْلَدَهَا، فَتَزَوَّجَ الْوَلَدُ بِمُعْتَقَةِ رَجُلٍ، فَأَوْلَدَهَا، فَوَلَاءُ هَذَا لِمَوْلَى أُمِّ أَبِيهِ فِي وَجْهٍ؛ لِأَنَّ لَهُ الْوَلَاءَ عَلَى أَبِيهِ، فَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَوْلَى جَدِّهِ، وَفِي آخَرَ: وَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ الثَّابِتَ عَلَى أَبِيهِ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. الثَّالِثَةُ: تَزَوَّجَ مُعْتَقٌ بِمُعْتَقَةٍ، فَأَوْلَدَهَا بِنْتًا، وَتَزَوَّجَ عَبْدٌ بِمُعْتَقَةٍ، فَأَوْلَدَهَا ابْنًا، فَتَزَوَّجَ هَذَا الْوَلَدُ بِبِنْتِ الْمُعْتَقَيْنِ، فَأَوْلَدَهَا وَلَدًا، فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَى أُمِّ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ الْوَلَاءَ عَلَى أَبِيهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ بِمَمْلُوكٍ، فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَى أَبِيهَا؛ لِأَنَّ وَلَاءَهَا لَهُ، فَإِنْ كَانَ أَبُوهَا ابْنَ مَمْلُوكٍ وَمُعْتَقَةٍ، فَالْوَلَاءُ لِمَوْلَى أُمِّ أَبِي الْأُمِّ، عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَوْلَى أُمِّ أَبِي الْأُمِّ، يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى أَبِي الْأُمِّ مُقَدَّمًا عَلَى أُمِّهِمَا، وَثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِمَا. [فَصْلٌ فِي دَوْرِ الْوَلَاءِ] فَصْلٌ فِي دَوْرِ الْوَلَاءِ مَعْنَى دَوْرِ الْوَلَاءِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَالِ مَيِّتٍ قِسْطٌ إِلَى مَالِ مَيِّتٍ آخَرَ، بِحُكْمِ الْوَلَاءِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 وَجَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ وَلَاءِ صَاحِبِهِ، وَيَبْقَى نِصْفُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ، وَرِثَاهُ أَثْلَاثًا، وَإِنْ مَاتَتِ الْبِنْتُ بَعْدَهُ، وَرِثَهَا أَخُوهَا بِالنَّسَبِ، فَإِذَا مَاتَ أَخُوهَا، فَمَالُهُ لِمَوَالِيهِ، وَهُمْ أُخْتُهُ وَمَوَالِي أُمِّهِ، فَلِمَوَالِي أُمِّهِ النِّصْفُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِمَوَالِي أُخْتِهِ، وَهُمْ أَخُوهَا وَمَوَالِي أُمِّهَا، فَلِمَوَالِي أُمِّهَا نِصْفُ ذَلِكَ، وَهُوَ الرُّبُعُ، فَيَبْقَى الرُّبُعُ، وَهُوَ الْجُزْءُ الدَّائِرُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْأَخِ، وَعَادَ إِلَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] ثُمَّ يَرْجِعَ مِنْ ذَلِكَ الْقِسْطِ جُزْءٌ إِلَى الْمَيِّتِ الْآخَرِ بِحُكْمِ الْوَلَاءِ أَيْضًا، فَيَكُونَ هَذَا الْجُزْءُ الرَّاجِعُ قَدْ دَارَ بَيْنَهُمَا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الدَّوْرُ فِي مَسْأَلَةٍ، حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا شُرُوطٌ: أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَأَنْ يَمُوتَ فِي مَسْأَلَةٍ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَأَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْهُمَا يَجُوزُ إِرْثُ الْمَيِّتِ. (إِذَا اشْتَرَى ابْنٌ وَبِنْتُ مُعْتَقَةٍ أَبَاهُمَا، عَتَقَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ (وَصَارَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عَتَقَ عَلَيْهِ نِصْفَهُ (وَجَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ وَلَاءِ صَاحِبِهِ) لِأَنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ تَابِعٌ لِوَلَاءِ الْوَالِدِ (وَيَبْقَى نِصْفُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ) لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهِ (فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ، وَرِثَاهُ أَثْلَاثًا) لِأَنَّ مِيرَاثَ النَّسَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلَاءِ، وَمِيرَاثُ النَّسَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَإِنْ مَاتَتِ الْبِنْتُ بَعْدَهُ، وَرِثَهَا أَخُوهَا بِالنَّسَبِ) وَمِيرَاثُ الْأَخِ مِنَ الْأُخْتِ بِالنَّسَبِ ظَاهِرٌ (فَإِذَا مَاتَ أَخُوهَا، فَمَالُهُ لِمَوَالِيهِ) لِأَنَّهُ لَا مُنَاسِبَ لَهُ (وَهُمْ أُخْتُهُ وَمَوَالِي أُمِّهِ، فَلِمَوَالِي أُمِّهِ النِّصْفُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِمَوَالِي أُخْتِهِ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ (وهُمْ أَخُوهَا وَمَوَالِي أُمِّهَا، فَلِمَوَالِي أُمِّهَا نِصْفُ ذَلِكَ، وَهُوَ الرُّبُعُ) لِأَنَّ وَلَاءَ الْأُخْتِ بَيْنَ الْأَخِ، وَمَوَالِي الْأُخْتِ نِصْفَانِ (فَيَبْقَى الرُّبُعُ، وَهُوَ الْجُزْءُ الدَّائِرُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْأَخِ، وَعَادَ إِلَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ) قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَنِّيُّ: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، قَالَ فِي الشَّرْحِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ دَائِرًا أَنْ يَدُورَ أَبَدًا، وَفِي كُلِّ دَوْرَةٍ يَصِيرُ لِمَوْلَى الْأُمِّ نِصْفُهُ، وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْفَذَ كُلُّهُ إِلَى مَوَالِي الْأُمِّ (وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ) قَالَهُ الْقَاضِي، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ (لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ) أَيْ: مُعَيَّنَ، وَقِيلَ: يُرَدُّ عَلَى سِهَامِ الْمَوَالِي أَثْلَاثًا، لِمَوَالِي أُمِّهِ الثُّلُثَانِ، وَلِمَوَالِي أُمِّهَا الثُّلُثُ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إِلَّا أَنَّ مَكَانَ الِابْنِ بِنْتٌ، فَاشْتَرَتْ أَبَاهَا، عَتَقَ عَلَيْهَا، وَجَرَّ وَلَاءَ أُخْتِهَا، فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] فَلِابْنَتَيْهِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ، وَالْبَاقِي لِمُعْتِقِهِ بِالْوَلَاءِ، فَإِنْ مَاتَتِ الْبِنْتُ الَّتِي لَمْ تَشْتَرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَالُهَا لِأُخْتِهَا، نِصْفُهُ بِالنَّسَبِ، وَنِصْفُهُ بِأَنَّهَا مَوْلَاةُ أَبِيهَا، وَلَوْ مَاتَتِ الَّتِي اشْتَرَتْهُ، فَلِأُخْتَيْهَا النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِمَوَالِي أُمِّهَا، فَإِنِ اشْتَرَتِ الْبِنْتَانِ أَبَاهُمَا، عَتَقَ عَلَيْهِمَا، وَجَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ وَلَاءِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَرِثَهُ ابْنَتَاهُ بِالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، فَإِنْ مَاتَتْ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلِأُخْتِهَا النِّصْفُ بِالنَّسَبِ، وَنِصْفُ الْبَاقِي بِمَا جَرَّ الْأَبُ إِلَيْهَا مِنْ وَلَاءِ نِصْفِهَا، فَإِنْ مَاتَتْ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأَبِ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، فَصَارَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ، وَالرُّبُعُ الْبَاقِي لِمَوَالِي أُمِّهَا، فَإِنْ مَاتَتْ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ أَبِيهَا، فَمَالُهَا لَهُ، ثُمَّ إِذَا مَاتَ الْأَبُ، فَلِلْبَاقِيَةِ نِصْفُ مِيرَاثِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهَا بِنْتُهُ، وَنِصْفُ الْبَاقِي، وَهُوَ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهَا مَوْلَاةٌ، يَبْقَى الرُّبُعُ لِمَوَالِي الْبِنْتِ الَّتِي مَاتَتْ قَبْلَهُ، فَإِنْ مَاتَتِ الْبَاقِيَةُ بَعْدَهُمَا، فَمَالُهَا لِمَوَالِيهَا، نِصْفُهُ لِمَوَالِي أُمِّهَا، وَنِصْفُهُ لِمَوَالِي أُخْتِهَا الْمَيِّتَةِ، وَهُمْ أُخْتُهَا وَمَوَالِي أُمِّهَا، فَنِصْفُهُ لِمَوَالِي أُمِّهَا، وَهُوَ الرُّبُعُ، وَالرُّبُعُ الْبَاقِي يَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الْمِيِّتَةِ، فَهَذَا الْجُزْءُ الدَّائِرُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْمِيِّتَةِ، ثُمَّ دَارَ إِلَيْهَا، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْعِتْقِ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ، وَالْمُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ لَهُ كَسْبٌ، فَأَمَّا مَنْ لَا قُوَّةٌ لَهُ وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْعِتْقِ] [تَعْرِيفُ العتق وَفَضْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ فِيهِ] ِ وَهُوَ لُغَةً: الْخُلُوصُ، وَمِنْهُ عِتَاقُ الْخَيْلِ وَالطَّيْرِ، أَيْ: خَالِصُهَا، وَسُمِّيَ بِهِ الْبَيْتُ الْحَرَامُ ; لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ، وَفِي الشَّرْعِ: تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ وَتَخْلِيصُهَا مِنَ الرِّقِّ، وَخُصَّتْ بِهِ الرَّقَبَةُ، وَإِنْ تَنَاوَلَ الْعِتْقُ الْجَمِيعَ ; لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لَهُ كَالْغُلِّ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ الْخُرُوجِ، فَإِذَا أُعْتِقَ، فَكَأَنَّ رَقَبَتَهُ أُطْلِقَتْ مِنْ ذَلِكَ، يُقَالُ: عَتَقَ الْعَبْدُ، وَأَعْتَقْتُهُ أَنَا، فَهُوَ عَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ، وَهُمْ عُتَقَاءُ، وَأَمَةٌ عَتِيقٌ وَعَتِيقَةٌ، وَإِمَاءٌ عَتَائِقُ وَعُتْقٌ، بِمَعْنَى: فَاعِلٍ لَا مَفْعُولٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: عَتَقَ الْعَبْدُ، فَهُوَ مَعْتُوقٌ، وَقِيلَ: تَسْمِيَتُهُ مَعْتُوقًا لَحْنٌ، وَقِيلَ: لَا، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَحُصُولِ الْقُرْبَةُ بِهِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] و {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ امْرَءًا مُسْلِمًا، اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. (وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ) وَأَعْظَمِهَا ; لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ وَالْأَيْمَانِ، وَجَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِكَاكًا لِمُعْتِقِهِ مِنَ النَّارِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصَ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ، وَمِلْكَ نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ، وَتَكْمِيلَ أَحْكَامِهِ، وَتَمْكِينَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ عَلَى حَسَبِ إِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَفِي التَّبْصِرَةِ: هُوَ أَحَبُّهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَفْضَلُ الرِّقَابِ أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَغْلَاهَا ثَمَنًا، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 كَسْبٌ، فَلَا يُسْتَحَبُّ عِتْقُهُ وَلَا كِتَابَتُهُ. وَيَحْصُلُ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ وَالْمِلْكِ، فَأَمَّا الْقَوْلُ، فَصَرِيحُهُ لَفْظُ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ، كَيْفَ صُرِفَا، وَكِنَايَتُهُ: خَلَّيْتُكَ، وَالْحَقْ بِأَهْلِكَ، وَاذْهَبْ   [المبدع في شرح المقنع] فَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَافِرَةً، وَيُثَابُ عَلَى عِتْقِهِ، قَالَ فِي الْفُنُونِ: لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَبِرِّقِ الذُّرِّيَّةِ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ، بَلْ مِحْنَةٍ وَبَلْوَى. فَائِدَةٌ: الْأَفْضَلُ عِتْقُ ذَكَرٍ، وَعَنْهُ: أُنْثَى لِأُنْثَى، وَعَنْهُ: أَمَتَيْنِ، كَعِتْقِهِ رَجُلًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَزْوِيجُهُ بِهَا، وَيَصِحُّ مِمَّنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، وَعَنْهُ: وَهِبَتُهُ. (وَالْمُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ لَهُ كَسْبٌ) فَيَسْتَغْنِي بِهِ، أَيْ: يَجُرُّ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ، فَلَا يَبْقَى عَيْلَةً وَلَا مُحْتَاجًا (فأَمَّا مَنْ لَا قُوَّةٌ لَهُ وَلَا كَسْبٌ، فَلَا يُسْتَحَبُّ عِتْقُهُ وَلَا كِتَابَتُهُ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِ نَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ، وَصَارَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَيُحْمَلُ بِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ كِتَابَتُهُ ;وعنه: الأنثى لِخَوْفِ مُحَرَّمٍ، كَقَطْعِ طَرِيقٍ، أَوْ جَارِيَةٍ يُخَافُ عَلَيْهَا الزِّنَا وَالْفَسَادُ، فَإِنْ ظُنَّ إِفْضَاؤُهُ إِلَيْهِ، حَرُمَ، وَيَصِحُّ عِتْقُهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ كَمَنْ بَاعَ وَاشْتَرَى بِقَصْدِ الْحَرَامِ. [مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ] [الْأَوَّلُ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ] (وَيَحْصُلُ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ) فَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَوِ الْمَكَانِ، عَتَقَ مُطْلَقًا (وَالْمِلْكِ) وَسَيَأْتِي، قَالَ فِي الْكَافِي: وَالِاسْتِيلَادُ، وَلَا يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ ; لِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ، فَكَانَ كَالطَّلَاقِ (فَأَمَّا الْقَوْلُ، فَصَرِيحُهُ لَفْظُ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ) لِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ، فَانْقَسَمَ إِلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ كَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ وَرَدَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا (كَيْفَ صُرِفَا) وَكَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ مُضَارِعٍ ; لِأَنَّهُ وَعْدٌ وَأَمْرٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِنْشَاءِ، وَلَا هُوَ خَبَرٌ فَيُؤَاخَذُ بِهِ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ نِيَّةَ وُقُوعِهِ كَالْكِنَايَةِ، فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا: تَنَحَّيْ يَا حُرَّةُ، فَإِذَا هِيَ أَمَتُهُ، عُتِقَتْ. وَعَنْهُ: لَا، قَالَ السَّامِرِيُّ: وَأَصْلُ ذَلِكَ الرِّوَايَتَانِ فِي اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي صَرِيحِ الْعِتْقِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 حَيْثُ شِئْتَ وَنَحْوُهَا، وَفِي قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ، وَلَا سُلْطَانَ، وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْكَ، وَفَكَكْتُ رَقَبَتَكَ، وَأَنْتَ مَوْلَايَ، وَأَنْتَ لِلَّهِ، وَأَنْتَ سَائِبَةٌ، رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ صَرِيحٌ فك رقبة، وَالْأُخْرَى: كِنَايَةٌ، وَفِي قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ:   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ، يُرِيدُ عِفَّتَهُ وَكَرْمَ خُلِقِهِ، أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَهُوَ يُعَاتِبُهُ، قَالَ: إِذَا كَانَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَعْتِقَ، رَجَوْتُ أَنْ لَا يَعْتِقَ، وَأَنَا أَهَابُ الْمَسْأَلَةَ ; لِأَنَّهُ نَوَى بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ، وَإِنْ طَلَبَ اسْتِحْلَافَهُ، حَلَفَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ يُعْتَقُ وَلَوْ كَانَ هَازِلًا، لَا مِنْ نَائِمٍ وَنَحْوِهِ. (وَكِنَايَتُهُ: خَلَّيْتُكَ، وَالْحَقْ بِأَهْلِكَ، وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ، وَنَحْوُهَا) كَقَوْلِهِ: أَطْلَقْتُكَ، وَحَبْلُكَ عَلَى غَارِبِكَ، فَهَذَا إِنْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ، عَتَقَ، وَإِلَّا فَلَا ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، فَلَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا عُرْفُ اسْتِعْمَالٍ، وَفِي التَّبْصِرَةِ: أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ ; لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِزَالَةِ، فَجَازَ أَنْ يُكَنَّى بِهِ عَنِ الْعِتْقِ كَالطَّلَاقِ (وَفِي قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ وَلَا سُلْطَانَ وَلَا مِلْكَ) ، وَلَا خِدْمَةَ (لِي عَلَيْكَ، وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْكَ، وَفَكَكْتُ رَقَبَتَكَ، وَأَنْتَ مَوْلَايَ، وَأَنْتَ لِلَّهِ، وَأَنْتَ سَائِبَةٌ، رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ (إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ صَرِيحٌ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْعِتْقَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] يَعْنِي الْعِتْقَ، فَكَانَتْ صَرِيحَةً كَالْعِتْقِ (وَالْأُخْرَى: كِنَايَةٌ) صَحَّحَهَا السَّامِرِيُّ، وَهِيَ الْأَشْهُرُ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِتْقِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكَ، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا كِنَايَةٌ، وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ: وَهَبْتُكَ لِلَّهِ صَرِيحٌ، وَسَوَّى الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَنْتَ لِلَّهِ، وَفِي الْمُوجَزِ: هِيَ وَرَفَعْتُ يَدَيْ عَنْكَ إِلَى اللَّهِ كِنَايَةٌ (وَفِي قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ) لَيْسَ بِصَرِيحٍ اتِّفَاقًا، وَفِي (رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كِنَايَةٌ) جَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهَا فِي الشَّرْحِ فِي: أَنْتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ، رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَإِذا قَالَ لِعَبْدِهِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ: أَنْتَ ابْنِي، لَمْ يَعْتِقْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ وَإِذَا أَعْتَقَ حَامِلًا، عَتَقَ جَنِينُهَا إِلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا عَتَقَ وَحْدَهُ. وَأَمَّا الْمِلْكُ، فَمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] حَرَامٌ، كَقَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ، وَالْأُخْرَى: لَا يُعْتَقُ بِهِ، وَإِنْ نَوَى ; لِأَنَّ الرِّقَّ مِلْكٌ لَا يُسْتَدْرَكُ بِالرَّجْعَةِ، فَلَمْ يَزَلْ بِمَا ذُكِرَ كَمِلْكِ بَقِيَّةِ الْمَالِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ، أَنَّهَا لَا تُعْتَقُ ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَفْظٌ وُضِعَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنِ الْمَنْفَعَةِ، فَلَمْ يَزُلْ بِهِ الْمِلْكُ عَنِ الرَّقَبَةِ، كَفَسْخِ الْإِجَارَةِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلِيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَعَنْهُ: كِنَايَةٌ يُعْتَقُ بِهِ إِنْ نَوَى ; لِأَنَّ الرِّقَّ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ عَلَى الْآدَمِيِّ، فَيَزُولُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَالْآخَرِ، وَكَالْحُرِّيَّةِ فِي إِزَالَةِ النِّكَاحِ، وَعَنْهُ لَا تُطَلَّقُ إِذَا أَضَافَ إِلَيْهَا الْحُرِّيَّةَ. (وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ أَنْتَ ابْنِي، لَمْ يُعْتَقْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) كَقَوْلِهِ لِمَنْ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ: أَنْتَ ابْنِي فِي الْأَصَحِّ كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُكَ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ، وَفِي الِانْتِصَارِ: إِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ ابْنِي، وَلِعَبْدِهِ: أَنْتَ بِنْتِي: لَمْ يُعْتَقْ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ) هَذَا وَجْهٌ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ; لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ حُرِّيَّتُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا، وَالْأَوَّلُ: الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَتَحَقَّقُ كَذِبُهُ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِطِفْلٍ: هَذَا أَبِي، وَلِطِفْلَةٍ: هَذِهِ أُمِّي، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ، وَهِيَ أَسَنُّ مِنْهُ: هَذِهِ ابْنَتِي، أَوْ قَالَ لَهَا وَهُوَ أَسَنُّ مِنْهَا: هَذِهِ أُمِّي، لَمْ تُطَلَّقْ، فَكَذَا هُنَا، أَمَّا إِذَا أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ، لِجَوَازِ كَوْنِهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَقِيلَ: لَا لِكَذِبِهِ شَرْعًا، وَمِثْلَهُ لِأَصْغَرَ: أَنْتَ أَبِي، وَفِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مِثْلُهُ يُوَلَدُ لِمِثْلِهِ مُطْلَقًا عَتَقَ، وَإِلَّا فَلَا. (وَإِذَا أَعْتَقَ حَامِلًا، عَتَقَ جَنِينُهَا) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ، بِدَلِيلِ دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ (إِلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ) فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ، وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ أَحْمَدُ: أَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعِتْقِ، وَلَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ فِي الْبَيْعِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَفِيهِ وَجْهٌ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، عَتَقَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا يُعْتَقُ إِلَّا عَمُودَا النَّسَبِ، وَإِنْ مَلَكَ   [المبدع في شرح المقنع] اسْتِثْنَاؤُهُ كَالْبَيْعِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُهُمْ، وَكَمَا لَوِ اسْتَثْنَى بَعْضَ أَعْضَائِهَا، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْحَمْلَ مَعْلُومٌ، فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ لِلْخَبَرِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْعِلْمُ بِصِفَاتِ الْعِوَضِ، وَالْعِتْقُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ انْفِرَادُهُ عَنْهَا، بِخِلَافِهِ هُنَا. (وَإِنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا، عَتَقَ وَحْدَهُ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْإِنْسَانِ الْمُنْفَرِدِ، وَلِهَذَا يُوَرَّثُ الْجَنِينُ إِذَا ضُرِبَ بَطْنُ أُمِّهِ، فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا، فَإِنَّهُ يَحْجُبُ مَوْرُوثَهُ عَنْهُ، كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا، وَكَتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يُوضَعَ حَيًّا، فَيَكُونُ كَمَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِشَرْطٍ، وَإِنْ أَعْتَقَ مَنْ حَمْلُهَا لِغَيْرِهِ، كَالْمُوصَى بِهِ، ضَمِنَ قِيمَتَهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يُعْتَقُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ [الثَّانِي: الْعِتْقُ بِالْمِلْكِ] (وَأَمَّا الْمِلْكُ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي (فَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ) وَلَوْ حَمْلًا (عَتَقَ عَلَيْهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَهُوَ حُرٌّ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا مِثْلُهُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَتَادَةُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، لَكِنْ قَالَ: أَحْمَدُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ كَعَمُودَيِ النَّسَبِ، وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ وَافَقَهُ فِي دِينِهِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانُوا مِنَ الْأَوْلَادِ، وَإِنْ سَفَلُوا، أَوْ مِنَ الْآبَاءِ وَإِنْ عَلَوْا مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ، كَمَا قُلْنَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، كَالْأَخِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 وَلَدَهُ مِنَ الزِّنَا، لَمْ يُعْتَقْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ، وَإِنْ مَلَكَ سَهْمًا   [المبدع في شرح المقنع] وَأَوْلَادِهِ، وَإِنْ نَزَلُوا، وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَإِنْ عَلَوْا دُونَ أَوْلَادِهِمْ (وَعَنْهُ: لَا يُعْتَقُ إِلَّا عَمُودَا النَّسَبِ) قَالَ فِي الْكَافِي: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِغَيْرِهِمْ، وَفِي الِانْتِصَارِ: لَنَا فِيهِ خِلَافٌ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: لَا نَفَقَةَ لِغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّهُ آكَدُ مِنَ التَّعْلِيقِ، فَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى مِلْكِهِ، عَتَقَ بِمِلْكِهِ، لَا بِتَعْلِيقِهِ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا عِتْقَ بِمِلْكٍ، وَعَنْهُ: إِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ لَمْ يُعْتَقْ، وَفِي إِجْبَارِهِ عَلَى عِتْقِهِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ: لَا يُعْتَقُ حَمْلٌ حَتَّى يُولَدَ فِي مِلْكِهِ حَيًّا، فَلَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ بِأَمَتِهِ، فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ جَدِّهِ، فَهَلْ هُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ أَوْ حُرٌّ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ. فَرْعٌ: عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِشِرَاءِ رَحِمٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ، وَلَا مَحْرَمٍ بِرِضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَهُوَ حُرٌّ» فَالرَّضَاعَةُ لَيْسَتْ بِرَحِمٍ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتِ السُّنَّةُ بِأَنْ يُبَاعَ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ بَيْعَ أَخِيهِ لِرِضَاعٍ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. (وَإِنْ مَلَكَ وَلَدَهُ مِنَ الزِّنَا، لَمْ يُعْتَقْ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) الْمَذْهَبُ أَنَّ أَحْكَامَ الْوَلَدِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيهِ، وَهِيَ الْمِيرَاثُ، وَعَدَمُ الْحَجْبِ، وَالْمَحْرَمِيَّةُ، وَوُجُوبُ الْإِنْفَاقِ، وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ مَلَكَ أَبَاهُ مِنْ زِنًا، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ) لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ حَقِيقَةً، وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ تَحْرِيمِ التَّزْوِيجِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ وَلَدَهُ الْمُخَالِفَ لَهُ فِي الدِّينِ، عَتَقَ عَلَيْهِ، مَعَ انْتِفَاءِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، لَكِنْ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ بِنْتِهِ مِنَ الزِّنَا أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ (وَإِنْ مَلَكَ سَهْمًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ مُوسِرٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ إِلَّا مَا مَلَكَ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ، لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إِلَّا مَا مَلَكَ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَعَنْهُ: إِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبُ الشَّرِيكِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ، فَجَدَعَ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، عَتَقَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ عَلَيْهِ كُلِّيًّا) سَوَاءٌ مَلَكَهُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، كَالْهِبَةِ وَالِاغْتِنَامِ وَالْوَصِيَّةِ، بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، كَالْمِيرَاثِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا يُعْتَقُ بِهِ الْكُلُّ يُعْتَقُ بِهِ الْبَعْضُ، كَالْإِعْتَاقِ بِالْقَوْلِ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ إِلَّا مَا مَلَكَ) لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ، لَمْ يُعْتَقْ، وَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ الْجُزْءُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَكَانَ الْمِلْكُ بِاخْتِيَارِهِ، سَرَى إِلَى بَاقِيهِ، وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ كُلُّهُ (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ ; لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إِلَّا مَا مَلَكَ، سَوَاءٌ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ، وَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ، فَلَمْ يَسْرِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ فَعَلَ سَبَبَ الْعِتْقِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، فَسَرَى، وَلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَفَارَقَ الْإِرْثَ، فَإِنَّهُ حَصَلَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَلَا قَصْدِهِ، وَكَمَا لَوْ جَرَحَ إِنْسَانًا. (وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ، لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إِلَّا مَا مَلَكَ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ إِلَى إِعْتَاقِهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبُ الشَّرِيكِ، إِنْ كَانَ مُوسِرًا) لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بَعْضُهُ، وَهُوَ مُوسِرٌ، فَسَرَى إِلَى بَاقِيهِ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ فَقَبِلَهُ، وَالْمُوسِرُ هُنَا: الْقَادِرُ حَالَةَ الْعِتْقِ عَلَى قِيمَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا، كَالْفِطْرَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُعْتَقُ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إِعْتَاقِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إِلَّا مَا مَلَكَ، وَهَلْ يَسْتَسْعِي الْعَبْد فِي بَاقِيهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَرْعٌ: إِذَا وَرِثَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ جُزْءًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا، عَتَقَ، وَلَمْ يَسْرِ إِلَى بَاقِيهِ، وَكَذَا إِنْ وُهِبَ لَهُمَا، أَوْ وُصِّيَ لَهُمَا بِهِ، وَهُمَا مُعْسِرَانِ، فَعَلَى الْوَلِيِّ الْقَبُولُ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِمَا بَاقِيهِ، إِذَا مَلَكَا بَعْضَهُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ. (وَإِنْ مَثَّلَ) كَضَرَبَ، وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الثَّاءِ، وَقَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: مَثَّلْتُ بِالْحَيَوَانِ أُمَثِّلُ مَثَلًا: إِذَا قَطَّعْتُ أَطْرَافَهُ، وَبِالْقَتْلِ: إِذَا جَدَعْتُ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ، وَنَحْوَهُ (بِعَبْدِهِ) وَلَوْ عَبَّرَ بِرَقِيقِهِ لَعَمَّ (فَجَدَعَ أَنْفَهُ، أَوْ أُذُنَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ) كَحَرْقِ عُضْوٍ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 الْقَاضِي: وَالْقِيَاسُ أَنه لا يُعْتَقَ، وَإِذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ، فَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] حَرَّقَهُ بِالنَّارِ (عَتَقَ، نَصَّ عَلَيْهِ) أَيْ: بِلَا حُكْمٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ زِنْبَاعًا جَدَعَ عَبْدًا، فَأَتَى الْعَبْدُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، لَا مُكَاتَبَ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَلَا يَحْصُلُ بِضَرْبِهِ وَخَدْشِهِ، وَفِي اعْتِبَارِ الْقَصْدِ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَجْهَانِ، وَالْأَشْهُرُ ثُبُوتُهُ وَلَوْ زَادَ ثَمَنُهُ بِجبٍّ أَوْ خِصَاءٍ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ حَلُّ الزِّيَادَةِ (وَقَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ) كَالْمُكَاتَبِ ; لِأَنَّ سَيِّدَهُ، لَمْ يُعْتِقْهُ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ، وَلَا كِنَايَةٍ، فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، أَشَبَهَ جِنَايَتَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، لِثُبُوتِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَحِينَئِذٍ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ. فَرْعٌ: إِذَا وَطِئَ جَارِيَتَهُ الْمُبَاحَةَ لَهُ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَأَفْضَاهَا، عُتِقَتْ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَإِنْ أَكْرَهَ رَجُلًا يَزْنِي بِهَا، فَأَفْضَاهَا، فَاحْتِمَالَانِ. (وَإِذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ، فَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ) نَصَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَنَسٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ بِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لِغُلَامِهِ عُمَيْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، فَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ كَانَا لِلسَّيِّدِ، فَأَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِي الْآخَرِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ (وَعَنْهُ: لِلْعَبْدِ) وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، لِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 لِلْعَبْدِ، وَإِذَا أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدٍ مُعَيَّنًا أَوْ مُشَاعًا، عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا   [المبدع في شرح المقنع] لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: يَرْوِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، وَكَانَ صَاحِبَ فَقْهٍ، وَحُكْمُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إِذَا مَاتَ سَيِّدُهَا وَالْمُكَاتَبِ وَلَهُمْ أَمْوَالٌ، حُكْمُ الْعَبْدِ. (وَإِذَا أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ) غَيْرَ شَعْرٍ وَسِنٍّ وَظُفْرٍ (مُعَيَّنًا) كَرَأْسِهِ، وَإِصْبَعِهِ (أَوْ مُشَاعًا) كَعُشْرِهِ أَوْ نِصْفِهِ (عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَعْنَاهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ بَعْضِ رَقِيقِهِ، فَزَالَ جَمِيعُهُ كَالطَّلَاقِ، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى السِّعَايَةِ، وَلَا يَنْبَنِي عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا، أَوْ نَصَبَ سِكِّينًا، فَتَلَفَ عَبْدُهُ أَوْ بَعْضُهُ، أَوْ دَاوَاهُ وَهُوَ غَيْرُ صَادِقٍ، أَوْ حَدَّهُ وَزَادَ سَوْطًا، أَوْ ضَرَبَهَا عَلَى غُسْلٍ مِنْ حَيْضٍ لِيَطَأَهَا، فَهَلْ تُعْتَقُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا قَالَ لِحُرٍّ: اشْتَرِنِي مِنْ سَيِّدِي بِهَذَا الْمَالِ، وَأَعْتَقَنِي فَفَعَلَ، عَتَقَ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي لِسَيِّدِهِ مِثْلُ ثَمَنِهِ الْمُسَمَّى، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، بَطُلَ الْعِتْقُ وَالشِّرَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا حُرَّةٌ، وَلَمْ يَنْوِ، حَرُمَ وَطْؤُهُمَا مَعًا بِدُونِ قُرْعَةٍ، فَإِنْ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا، لَمْ تُعْتَقِ الْأُخْرَى، كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا، ثُمَّ نَسِيَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ. الرَّابِعَةُ: إِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إِنْ صَلَّيْتِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، فَأَنْتِ حُرَّةً قَبْلَهُ، فَصَلَّتْ كَذَلِكَ، عُتِقَتْ، وَقِيلَ: لَا، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي ; لِبُطْلَانِ الصِّفَةِ بِتَقْدِيمِ الْمَشْرُوطِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَقْرَرْتُ بِكِ لِزَيْدٍ، فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهُ، فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ، صَحَّ إِقْرَارُهُ فَقَطْ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَقْرَرْتُ بِكِ لَهُ، فَأَنْتِ حُرَّةٌ سَاعَةَ إِقْرَارِي، لَمْ يَصِحَّا. الْخَامِسَةُ: إِذَا قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ، أَوْ أَمَتِي، وَلَمْ يَنْوِ الْبَعْضَ، عَتَقَ الْكُلُّ، وَقِيلَ: أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ، وَفِي الْمُغْنِي: إِذَا قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ، وَأَمَتِي حُرَّةٌ، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تُطَلَّقُ الْكُلُّ وَيُعْتَقْنَ ; لِأَنَّ الْوَاحِدَ الْمُضَافَ يَعُمُّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] الْآيَةَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 لَهُ فِي عَبْدٍ، وَهُوَ مُوسِرٌ بِقِيمَةٍ بَاقِيَهٍ، عَتَقَ كُلُّهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ لِشَرِيكِهِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مُبْهَمَةٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِحْدَاكُنَّ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهُوَ أَصَحُّ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَإِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ) أَيْ: أَعْتَقَ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ (وَهُوَ مُوسِرٌ بِقِيمَةِ بَاقِيهِ، عَتَقَ كُلُّهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدَ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُغْنِي مُقْتَضَى نَصِّهِ: لَا يُبَاعُ لَهُ أَصْلُ مَالٍ، أَوْ كَاتَبَهُ، فَأَدَّى إِلَيْهِ (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ لِشَرِيكِهِ) أَيْ: قِيمَةُ أَنْصِبَاءِ شُرَكَائِهِ وَالْوَلَاءُ لَهُ، قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الْبَتِّيُّ: لَا يُعْتَقُ إِلَّا حِصَّةُ الْمُعْتِقِ، وَنَصِيبُ الْبَاقِينَ بَاقٍ عَلَى الرِّقِّ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَجَوَابُهُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَعَلَ خَلَاصَهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ شَرِيكٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: «هُوَ حَرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ شَرِيكٌ» . تَنْبِيهٌ: الْقِيمَةُ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْعِتْقِ ; لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ، وَفِي الْإِرْشَادِ وَجْهٌ: يَوْمَ تَقْوِيمِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهَا، رَجَعَ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ، فَيُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْمُعْتِقِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 أَعْتَقَهُ شَرِيكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِيهِ عِتْقٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يعتق إِلَّا نَصِيبهُ، وَيَبْقَى حَقُّ شَرِيكِهِ فِيهِ، وَعَنْهُ: يُعْتَقُ كُلُّهُ، وَيَسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لِثَلَاثَةٍ، لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهُ، وَلِآخَرِ ثُلُثُهُ، وَلِلثَّالِثِ سُدُسُهُ، فَأَعْتَقَ صَاحِبُ النِّصْفِ وَصَاحِبُ السُّدُسِ مَعًا، وَهُمَا مُوسِرَانِ، عَتَقَ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: يُعْتَقُ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَلَوْ أَعْتَقَ شَرِيكَهُ قَبْلَهَا، فَوَجْهَانِ، وَلَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، لَا قِيمَةُ النِّصْفِ، وَهَلْ يُقَوَّمُ كَامِلًا وَلَا عِتْقَ فِيهِ أَوْ قَدْ عَتَقَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، الْأَوَّلُ: قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. (وَإِنْ أَعْتَقَهُ شَرِيكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ) وَقَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ (لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِيهِ عِتْقٌ) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حُرًّا بِعِتْقِ الْأَوَّلِ لَهُ، وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ إِلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، لَمْ يُعْتِقْ إِلَّا نَصِيبَهُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (وَيَبْقَى حَقُّ شَرِيكِهِ فِيهِ) أَيْ: بَاقٍ عَلَى الرِّقِّ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ شَرِيكُهُ، عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ، فَكَانَ يُشَاهِرُهُ، شَهْرَ عَبْدٍ، وَشَهْرَ حُرٍّ (وَعَنْهُ: يُعْتَقُ كُلُّهُ، وَيَسْتَسْعِى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ) نَصَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الجوزي والشيخ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ، إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ، فَاسْتَسْعَى بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ بِهَا إِقْرَارَ حَقِّهِ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ، فَيَسْتَسْعِي الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ ; لِأَنَّهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَحْرَارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ إِعْتَاقٌ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، كَالْكِتَابَةِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَدْ طَعَنَ بِهِ الْأَئِمَّةُ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَيْسَ فِي الِاسْتِسْعَاءِ شَيْءٌ يَثْبُتُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَأَمَّا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ وَمَعْمَرٌ، فَلَمْ يَذْكُرُوهُ، وَقَدْ ذَكَرَ هَمَّامٌ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ وَفُتْيَاهُ. فَرْعٌ: يُعْتَقُ عَلَى الْمُوسِرِ بِبَعْضِهِ بِقَدْرِهِ فِي الْمَنْصُوصِ. (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لِثَلَاثَةٍ، لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهُ، وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ، وَلِلثَّالِثِ سُدُسُهُ، فَأَعْتَقَ صَاحِبُ النِّصْفِ، وَصَاحِبُ السُّدُسِ مَعًا) بِأَنْ تَلَفَّظَا بِالْعِتْقِ مَعًا، أَوْ عَلَّقَاهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ وَكَلَّا لِشَخْصٍ فِي عِتْقِهِ (وَهُمَا مُوسِرَانِ) لِاخْتِصَاصِهِ بِالسِّرَايَةِ (عَتَقَ عَلَيْهِمَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 عَلَيْهِمَا، وَضَمِنَا حَقَّ شَرِيكِهِمَا فِيهِ نِصْفَيْنِ، وَصَارَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَضْمَنَاهُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِيهِ. وَإِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ، وَهُوَ مُوسِرٌ، سَرَى إِلَى بَاقِيهِ فِي آخر الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ: أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ   [المبدع في شرح المقنع] وَضَمِنَا حَقَّ شَرِيكِهِمَا فِيهِ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ الْعِتْقَ بِمَنْزِلَةِ الْإِتْلَافِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُمَا، فَيَتَسَاوَيَانِ فِي ضَمَانِهِ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا جُرْحًا، وَالْآخَرُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَتُفَارِقُ الشُّفْعَةَ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ نَصِيبِ الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ، فَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ، وَلِأَنَّ الضَّمَانَ هَاهُنَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ مِنْهُمَا، وَفِي الشُّفْعَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا (وَصَارَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) لِأَنَّا إِذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ الثُّلُثَ مُعْتَقٌ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهُ سُدُسٌ، إِذَا ضَمَمْنَاهُ إِلَى النِّصْفِ، صَارَا ثُلُثَيْنِ، وَالسُّدُسُ الْآخَرُ إِلَى سُدُسِ الْمُعْتَقِ، صَارَا ثُلُثًا، وَيُحْتَمَلُ هَذَا الِاحْتِمَالُ لِأَبِي الْخَطَّابِ (أَنْ يَضْمَنَاهُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِيهِ) لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَصَلَتْ بِإِعْتَاقِ مِلْكِهِمَا، وَمَا وَجَبَ بِسَبَبِ الْمِلْكِ، كَانَ عَلَى قَدْرِهِ، كَالنَّفَقَةِ، وَاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ، فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا، لِصَاحِبِ السُّدُسِ رُبُعُهُ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ صَاحِبَ النِّصْفِ، وَصَاحِبَ الثُّلُثِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِصَاحِبِ النِّصْفِ الثُّلُثُ وَالرُّبُعُ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ الرُّبُعُ وَالسُّدُسُ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ خُمْسَاهُ، وَالْعَبْدُ عَلَى ثَلَاثِينَ سَهْمًا، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهِيَ نِصْفٌ وَنِصْفُ خُمْسٍ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَا عَشَرَ، وَذَلِكَ خُمْسَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ صَاحِبَ الثُّلُثِ وَالسُّدُسِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثٌ وَرُبُعٌ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ رُبُعٌ وَسُدُسٌ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ النِّصْفُ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمَا، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ الثُّلُثَانِ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ الثُّلُثُ، وَالضَّمَانُ وَالْوَلَاءُ تَابِعَانِ لِلسِّرَايَةِ. [إِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ] (وَإِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ، وَهُوَ مُوسِرٌ، سَرَى إِلَى بَاقِيهِ فِي آخِرِ الْوَجْهَيْنِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، لِعُمُومِ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَلِمَا عَلَّلَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ، وَلِأَنَّهُ تَقْوِيمُ مُتْلَفٍ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، كَتَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَهُمَا مُوسِرَانِ، فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا لِاعْتِرَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُرِّيَّتِهِ، وَصَارَ مُدَّعِيًا عَلَى شَرِيكِهِ قِيمَةَ حَقِّهِ مِنْهُ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ لَمْ يُعْتَقْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وإِنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ، عَتَقَ   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِي: لَا يَسْرِي، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ; لِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيرَ الْمِلْكِ، وَالْكَافِرُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمُسْلِمَ، وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِضَمَانِ تَمْلِيكٍ، إِنَّمَا هُوَ ضَمَانُ إِتْلَافٍ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، إِذْ لَوْ صَحَّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَاءٌ، وَالْفَرْضُ أَنَّ لَهُ الْوَلَاءَ عَلَى مَا عَتَقَ عَلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ يُعْتَقُ، وَالْمَحْذُورُ مَغْمُورٌ بِمَا حَصَلَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعِتْقِ. (وَإِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَهُمَا مُوسِرَانِ، فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا ; لِاعْتِرَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُرِّيَّتِهِ) أَيْ: مُعْتَرِفٌ بِحُرِّيَّةِ نَصِيبِهِ، شَاهِدٌ عَلَى شَرِيكِهِ بِحُرِّيَّةِ نِصْفِهِ الْآخَرِ ; لِأَنَّهُ يَقُولُ لِشَرِيكِهِ: أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ، فَسَرَى الْعِتْقُ إِلَى نَصِيبِي، فَعَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْكَ، وَلَزِمَكَ قِيمَةُ نَصِيبِي، فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا لِاعْتِرَافِهِمَا بِحُرِّيَّتِهِ (وَصَارَ مُدَّعِيًا عَلَى شَرِيكِهِ قِيمَةَ حَقِّهِ مِنْهُ) فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَبَرِئَا، فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا، قَضَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَا جَمِيعًا، سَقَطَ حَقُّهُمَا لِتَمَاثُلِهِمَا (وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ ; لِأَنَّهُ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَنْتَ الْمُعْتِقُ، وَوَلَاؤُهُ لَكَ، لَا حَقَّ لِي فِيهِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْحَالِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ; لِتَسَاوِي الْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ فِي الِاعْتِرَافِ وَالدَّعْوَى، فَإِنِ اعْتَرَفَ بِهِ أَحَدُهُمَا، ثَبَتَ لَهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ لَهُ سِوَاهُ، وَلَزِمَهُ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ; لِاعْتِرَافِهِ بِهِمَا، وَلَهُ وَلَاؤُهُ كُلُّهُ، وَإِلَّا فَلِبَيْتِ الْمَالِ (وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ، لَمْ يُعْتَقْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّ عِتْقَ الْمُعْسِرِ لَا يَسْرِي إِلَى غَيْرِهِ، بَلْ هُوَ شَاهِدٌ عَلَى صَاحِبِهِ، بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ، فَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، فَلَا أَثَرَ لِكَلَامِهِمَا، وَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ، عُمِلَ بِشَهَادَتِهِمَا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجُرُّ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا، وَقُبِلَ فِي الْعِتْقِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، فَإِنْ حَلَفَ مَعَهُمَا، عَتَقَ كُلُّهُ، وَإِنْ حَلَفَ مَعَ أَحَدِهِمَا، عَتَقَ نِصْفُهُ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَيَبْقَى نِصْفُهُ رَقِيقًا، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُصَدَّقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَذَكَرَهُ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ، وَلَا شَهَادَةَ لِخَصْمٍ عَلَى خَصْمِهِ (وَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ، عَتَقَ حِينَئِذٍ) لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِحُرِّيَّتِهِ (وَلَمْ يَسْرِ إِلَى نَصِيبِهِ) لِأَنَّ السِّرَايَةَ فَرْعُ الْإِعْتَاقِ، وَلَمْ يُوجَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَسْرِ إِلَى نَصِيبِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُعْتَقُ جَمِيعُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، أُعْتِقَ نَصِيبُ الْمُعْسِرِ وَحْدَهُ، وَإِذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ: إِذَا أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ، فَنَصِيبِي حُرٌّ، فَأَعْتَقَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ ; لِاعْتِرَافِهِ أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَهُ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي إِعْتَاقَهُ، بَلْ يَعْتَرِفُ بِأَنَّ الْمُعْتِقَ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَلِّصٌ لَهُ مِمَّنْ يَسْتَرِقُّهُ، فَهُوَ كَالْأَسِيرِ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُعْتَقُ جَمِيعُهُ) لِأَنَّهُ شِرَاءٌ حَصَلَ بِهِ الْإِعْتَاقُ أَشْبَهَ شِرَاءَ بَعْضِ وَلَدِهِ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فِي شَهَادَتِهِ، لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ، وَهَلْ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ إِنْ أَعْتَقَهُ؛ فِيهِ احْتِمَالَانِ، فَإِنِ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ، فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا كُلُّهُ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، أُعْتِقَ نَصِيبُ الْمُعْسِرِ وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حُرًّا بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ الْمُوسِرِ، الَّذِي يَسْرِي عِتْقُهُ، وَلَمْ يُعْتَقْ نَصِيبُ الْمُوسِرِ ; لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ الْمُعْسِرَ الَّذِي لَا يَسْرِي عِتْقُهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، فَعَتَقَ وَحْدَهُ، وَلَا تُقَبْلُ شَهَادَةُ الْمُعْسِرِ ; لِأَنَّهُ يَجُرُّ نَفْعًا بِهَا ; لِكَوْنِهِ يُوجِبُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ بَيِّنَةٌ سِوَاهُ، فَحَلَفَ الْمُوسِرُ، وَبَرِئَ مِنَ الْقِيمَةِ وَالْعِتْقِ مَعًا، وَلَا وَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ فِي نَصِيبِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ، وَلَا لِلْمُوسِرِ كَذَلِكَ، فَإِنْ عَادَ الْمُعْسِرُ، فَأَعْتَقَهُ وَادَّعَاهُ، ثَبَتَ لَهُ. (وَإِذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ: إِذَا أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ، فَنَصِيبِي حُرٌّ، فَأَعْتَقَ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ) نَصِيبُهُ بِالْعِتْقِ، وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ بِالسِّرَايَةِ، هَذَا اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ، وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ، وَلَا يَقَعُ عِتْقُهُ ; لِأَنَّ السِّرَايَةَ سَبَقَتْ، فَمَنَعَتْ عِتْقَ الشَّرِيكِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَلَهُ وَلَاؤُهُ كُلُّهُ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ عَلَى الْقَائِلِ كُلُّهُ بِالشَّرْطِ، وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُمَا (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، عَتَقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 كُلُّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، عَتَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبُهُ، وَإِنْ قَالَ: إِن أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ، فَنَصِيبِي حُرٌّ مَعَ نَصِيبِكَ، فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ، عَتَقَ عَلَيْهِمَا، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا.   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبُهُ) لِأَنَّ عِتْقَ الْمُعْسِرِ لَا يَسْرِي إِلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ، فَوَقَعَ عِتْقُ الشَّرِيكِ ; لِأَنَّهُ وُجِدَ بِشَرْطِ عِتْقِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُمَا (وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ، فَنَصِيبِي حُرٌّ مَعَ نَصِيبِكَ، فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ، عَتَقَ عَلَيْهِمَا) فِي الْأَصَحِّ (مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا) وَلَمْ يَلْزَمِ الْمُعْتِقَ شَيْءٌ ; لِأَنَّ عِتْقَ شَرِيكِهِ وَقَعَ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ ضَرُورَةَ قَوْلِهِ: فَنَصِيبِي حُرٌّ مَعَ نَصِيبِكَ، فَلَمْ تَجِدِ السِّرَايَةُ مَحَلًّا ; لِأَنَّهَا لَا تُوجَدُ إِلَّا بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ لِنَصِيبِهِ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ كُلُّهُ عَلَى الْمُعْتِقِ ; لِأَنَّ إِعْتَاقَ نَصِيبِهِ شَرْطُ عِتْقِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى شَرْطِهِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا قَالَ إِذَا أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ، فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَ إِعْتَاقِكَ، وَقَعَا مَعًا إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُعْتَقُ كُلُّهُ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَلَا يَقَعُ إِعْتَاقُ شَرِيكِهِ ; لِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ فِي زَمَنٍ مَاضٍ، وَقَالَ السَّامِرِيُّ: يُعْتَقُ جَمِيعُهُ عَلَى الْقَائِلِ، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ. الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَ نِصْفُ عَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيِ الْقِيمَةِ، لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا، فَأَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي صِحَّتِهِ، عَتَقَ وَسَرَى إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَ النِّصْفَ الْآخَرَ، عَتَقَ ; لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ عِتْقِهِ، وَلَمْ يَسْرِ ; لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ. الثَّالِثَةُ: إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ مَتَى شِئْتَ، أَوْ حَيْثُ شِئْتَ، لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يَشَاءَ بالقول فَوْرًا، أَوْ تَرَاخِيًا، وَكَذَا: أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شِئْتَ، وَقِيلَ: يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّخْيِيرِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ، احْتَمَلَ أَنْ يُعْتَقَ فِي الْحَالِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُعْتَقَ حَتَّى يَشَاءَ، وَإِنْ قَالَ: جَعَلْتُ عِتْقَكَ إِلَيْكَ، أَوْ خَيَّرْتُكَ، وَنَوَى تَفْوِيضَ الْعِتْقِ إِلَيْهِ، فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ، عَتَقَ، وَيَتَوَجَّهُ كَطَلَاقٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 فَصْلٌ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ، كَدُخُولِ الدَّارِ، وَمَجِيءِ الْأَمْطَارِ، وَلَا يَمْلِكُ إِبْطَالَهَا بِالْقَوْلِ، وَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ، عَادَتِ الصِّفَةُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ وُجِدَتْ فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَهَلْ تَعُودُ بِعَوْدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَتَبْطُلُ   [المبدع في شرح المقنع] [يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ] فَصْلٌ (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ كَدُخُولِ الدَّارِ، وَمَجِيءِ الْأَمْطَارِ) لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، فَصَحَّ كَالتَّدْبِيرِ (وَلَا يَمْلِكُ إِبْطَالَهَا) أَيْ: إِبْطَالَ الصِّفَاتِ (بِالْقَوْلِ) لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ شَيْئًا، فَلَمْ يَمْلِكْ إِبْطَالَهُ بِالْقَوْلِ، كَالنَّذْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً: إِنَّ لَهُ ذَلِكَ كَالْبَيْعِ (وَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ) كَإِجَارَتِهِ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ، إِذِ الْعِتْقُ لَا يَقَعُ إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَلَهُ وَطْءُ الْأَمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، كَالتَّدْبِيرِ، وَعَنْهُ: لَا ; لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ غَيْرُ تَامٍّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ، فَمَتَى جَاءَ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، عَتَقَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ، لَمْ يُعْتَقْ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي أَلْفًا، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَهَذِهِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ، لَا سَبِيلَ لِلسَّيِّدِ وَلَا لِلْعَبْدِ إِلَى إِبْطَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ، فَإِنْ أَبْرَأَهُ السَّيِّدُ مِنَ الْأَلْفِ، لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ، وَلَمْ يُعْتَقْ إِلَّا بِمَجِيئِهَا، وَمَا بَقِيَ فِي يَدِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْأَلْفِ مِنْ كَسْبِهِ، يَكُونُ لِسَيِّدِهِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. فَرْعٌ: لَا يُعْتَقُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ بِكَامِلِهَا، كَالْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِصِفَةٍ، فَوُجِدَ بِوُجُودِ بَعْضِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إِنْ أَكَلْتَ رَغِيفًا، فَأَكَلَ نِصْفَهُ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِأُمُورٍ، مِنْهَا: أَنَّ مَوْضُوعَ الشَّرْطِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمَشْرُوطُ بِدُونِ شَرْطِهِ. (فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ) بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهُ (عَادَتِ الصِّفَةُ) لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَتَحَقُّقَ الشَّرْطِ مَوْجُودَانِ فِي مِلْكِهِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ وُجِدَتْ فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَهَلْ تَعُودُ بِعَوْدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهَا لَا تَعُودُ ; لِأَنَّهَا انْحَلَّتْ بِوُجُودِهَا فِي مِلْكِهِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَإِذَا وُجِدَ مَرَّةً، انْحَلَّتِ الْيَمِينُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 الصِّفَةُ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، فَهَلْ يَصِحُّ وَيُعْتَقُ بِذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَهَا فَأَنْتَ   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ: تَعُودُ ; لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدِ الصِّفَةُ الَّتِي يُعْتَقُ بِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ مُقَدَّرٌ فِي الصِّفَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا دَخَلْتَ الدَّارَ وَأَنْتَ فِي مِلْكِي، فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، وَفَرَّقَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ يَنْبَنِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْعِتْقُ بِخِلَافِهِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ عَمْرٍو: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ، فَأَنْتَ وَعَبْدِي زَيْدٌ حُرَّانِ، فَبَاعَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ، وَقَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَعَبْدِي زَيْدٌ حُرٌّ، ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ دَخَلَتْهَا، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ عِتْقَ زَيْدٍ وَعَدَمَهُ. (وَتَبْطُلُ الصِّفَةُ بِمَوْتِهِ) لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ، فَتَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ بِزَوَالِهِ، كَالْبَيْعِ (فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، فَهَلْ يَصِحُّ، وَيُعْتَقُ بِذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى - وَهِيَ الْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ - أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةُ لا تنعقد ; لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِفَةٍ تُوجَدُ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ بَعْدَ بَيْعِي إِيَّاكَ، فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ لَهُ بَعْدَ إِقْرَارِ مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُعْتَقْ، كَالْمُنَجَّزِ. وَالثَّانِيَةُ: يُعْتَقُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ صَرَّحَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِإِعْتَاقِهِ، وَبِبَيْعِ سِلْعَتِهِ، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا، وَيُفَارِقُ التَّصَرُّفَ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فِي ثُلُثِهِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْبَيْعِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: هَذَا لَا يَكُونُ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَالثَّانِيَةُ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَدَخَلَهَا فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ صَارَ مُدَبَّرًا، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ قَالَ: إِنْ مَلَكْتُ فُلَانًا، فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ قَالَهُ   [المبدع في شرح المقنع] يُعْتَقُ إِذَا وُجِدَتِ الصِّفَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ أَبِي مُوسَى ; لِأَنَّ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ تُوجِبُ وُقُوعَ الْعِتْقِ عِنْدَ شَرْطِهِ ضَرُورَةً، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَبْلَ الْعِتْقِ مِلْكًا لِلْوَارِثِ، وَكَسْبُهُ لَهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَعَلَى الْأُولَى، لَا يَمْلِكُ الْوَرَثَةُ بَيْعَهُ قَبْلَ فِعْلِهِ كَمُوصًى بِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَهَا، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَدَخَلَهَا فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، صَارَ مُدَبَّرًا) لِأَنَّهُ وُجِدَ شَرْطُ التَّدْبِيرِ، وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا لَمْ يَدْخُلْهَا فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الْحُرِّيَّةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي سَبْقَ دُخُولِ الدَّارِ فِي الْحَيَاةِ، وَأَنَّهُ لِلشَّرْطِ، إِذِ الشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْ سَبْقِهِ الْجَزَاءَ (فَإِنْ قَالَ) الْحُرُّ (إِنْ مَلَكْتُ فُلَانًا، فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا لَا يَصِحُّ، وَلَا يُعْتَقُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَخَلْقٍ، وَفِي الْمُغْنِي: هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «لَا عِتْقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَعْلِيقَهُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَالثَّانِيَةُ: يُعْتَقُ إِذَا مَلَكَهُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَاخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ مَقْصُودٌ مِنَ الْمِلْكِ، وَالنِّكَاحُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ لِلَّهِ، وَلَا فِيهِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إِلَى حَالٍ مَلَكَ عِتْقَهُ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي مِلْكِهِ (وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 الْعَبْدُ، لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: آخِرُ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ، فَهُوَ حُرٌّ، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الصِّفَةِ، فَمَلَكَ عَبِيدًا، ثُمَّ مَاتَ، فَآخِرُهُمْ حُرٌّ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ، أَوْ كَسْبِهِ لَهُ، وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ حَيًّا، ثُمَّ مَيِّتًا لم يُعْتَقُ الْأَوَّلُ،   [المبدع في شرح المقنع] قَالَهُ الْعَبْدُ، لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْعِتْقُ حِينَ التَّعْلِيقِ ; لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ مَلَكَ، فَهُوَ مِلْكٌ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَلِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْحُرِّ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَتَقَ، وَمَلَكَ: عَتَقَ كَالْحُرِّ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ الْحُرُّ: أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ، فَهُوَ حُرٌّ، انْبَنَى عَلَى الْعِتْقِ، قَبْلَ الْمِلْكِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بَعْدَ وَاحِدٍ شَيْئًا، فَوَجْهَانِ، وَإِنْ مَلَكَ اثْنَيْنِ مَعًا، فَقِيلَ بِعِتْقِهِمَا ; لِأَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ وُجِدَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا، كَالْمُسَابَقَةِ، وَعَكْسِهِ، وَقِيلَ: وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا فِي أَوَّلِ غُلَامٍ أَوِ امْرَأَةٍ تَطْلُعُ، فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ طَالِقٌ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ لَفْظَهَا: أَوَّلُ مَنْ يَطْلُعُ مِنْ عَبِيدِي. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ: إِنْ كَلَّمْتُكَ، فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ مَلَكَهُ، ثُمَّ كَلَّمَهُ، لَمْ يُعْتَقْ. (وَإِنْ قَالَ: آخِرُ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ، فَهُوَ حُرٌّ، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الصِّفَةِ) أَيْ: صِحَّةِ التَّعْلِيقِ ; لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ عُلِّقَتْ عَلَى الِاتِّصَافِ بِالْآخِرِيَّةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِي الْآخِرِ (فَمَلَكَ عَبِيدًا، ثُمَّ مَاتَ، فَآخِرُهُمْ حُرٌّ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ مَلَكَهُ، وَيَكُونُ (أَوْ كَسْبُهُ لَهُ) وَإِنْ كَانَ أَمَةً، كَانَ أَوْلَادُهَا أَحْرَارًا مِنْ حِينِ وَلَدَتْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ حُرَّةٍ، وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا، فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا ; لِأَنَّهُ وَطِئَ حُرَّةً أَجْنَبِيَّةً، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إِذَا اشْتَرَاهَا، حَتَّى يَشْتَرِيَ غَيْرَهَا ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَشْتَرِ بَعْدَهَا غَيْرَهَا، فَهِيَ آخِرٌ فِي الْحَالِ، فَإِنْ مَلَكَ اثْنَتَيْنِ، فَكَأَوَّلٍ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ: أَنْتَ حُرٌّ مِنْ مَالِي أَوْ فِي مَالِي، لَمْ يُعْتَقْ، وَإِنْ رَضِيَ سَيِّدُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: كُلُّ مَوْلُودٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، عَتَقَ كُلُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ، فَإِنْ بَاعَهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ، لَمْ يُعْتَقْ وَلَدُهَا لِوِلَادَتِهَا لَهُ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ. (وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ حَيًّا ثُمَّ مَيِّتًا، لَمْ يُعْتَقِ الْأَوَّلُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 وَإِنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا، ثُمَّ حَيًّا، عَتَقَ الثَّانِي، وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَأُشْكِلَ الْآخِرُ مِنْهُمَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتْبَعُ وَلَدُ الْمُعْتَقَةِ بِالصِّفَةِ أُمَّهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا بِهِ حَالَ عِتْقِهَا، أَوْ حَالَ تَعْلِيقِ عِتْقِهَا، وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَعَلَيْكَ أَلْفٌ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ عِتْقِهِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ الشَّرِيفِ: أَنَّهُ يُعْتَقُ الْحَيُّ (وَإِنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ حَيًّا، عَتَقَ الثَّانِي) لِوُجُودِ شَرْطِهِ (وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَأُشْكِلَ الْآخِرُ مِنْهُمَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِعَيْنِهِ، فَوَجْهُ إِخْرَاجِهِ بِالْقُرْعَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِحْدَاكُمَا حُرٌّ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ مَيِّتًا، ثُمَّ حَيًّا، فَعَنْهُ: يُعْتَقُ الْحَيُّ، ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ، وَعَنْهُ: لَا وهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ إِنَّمَا وُجِدَ مِنَ الْمَيِّتِ، وَلَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعِتْقِ فَانْحَلَّتِ الْيَمِينُ بِهِ، وَإِنْ قَالَ: آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ حَيًّا ثُمَّ مَيِّتًا، ثُمَّ لَمْ تَلِدْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا، فَفِي عِتْقِ الْحَيِّ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ قَالَ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتِ اثْنَيْنِ، وَأُشْكِلَ أَوَّلُهُمَا خُرُوجًا، عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَعَنْهُ: يُعْتَقَانِ جَمِيعًا، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ، أَنَّ مَعْنَاهُمَا: أَنَّ أَمَدَ مَنْعِ السَّيِّدِ مِنْهُمَا هَلْ هُوَ الْقُرْعَةُ أَوْ الِانْكِشَافُ، وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ: لَا يُعْتَقُ وَلَدٌ حَدَثٌ كَتَعْلِيقِهِ بِمِلْكِهِ. (وَلَا يَتْبَعُ وَلَدُ الْمُعْتَقَةِ بِالصِّفَةِ أُمَّهُ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) أَيْ: إِذَا حَمَلَتْ بَعْدَ التَّعْلِيقِ، وَوَضَعَتْ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، ثُمَّ وُجِدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يُعْتَقِ الْوَلَدُ ; لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ حَالَ التَّعْلِيقِ، وَلَا فِي حَالِ الْعِتْقِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ، قِيَاسًا عَلَى وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بِأَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ يُعْتَقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، سَوَاءٌ كَانَتِ الْأُمُّ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ، أَوْ بَاعَهَا، أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ، وَوَلَدُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ لَا يُعْتَقُ إِلَّا بِعِتْقِ أُمِّهِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا بِهِ حَالَ عِتْقِهَا، أَوْ حَالَ تَعْلِيقِ عِتْقِهَا) أَيْ: إِذَا عُلِّقَ عِتْقُ أُمِّهِ بِصِفَةٍ وَهِيَ حَامِلٌ، تَبِعَهَا وَلَدُهَا كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، فَإِنْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، ثُمَّ وُجِدَتْ، عَتَقَ ; لِأَنَّهُ تَابِعٌ فِي الصِّفَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي الْبَطْنِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا حَالَ التَّعْلِيقِ، ثُمَّ وُجِدَتِ الصِّفَةُ، وَهِيَ حَامِلٌ، عُتِقَتْ هِيَ وَحَمْلُهَا ; لِأَنَّ الْعِتْقَ وُجِدَ فِيهَا وَهِيَ حَامِلٌ، فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا كَالْمُنَجَّزِ. فَرْعٌ: إِذَا بَطَلَتِ الصِّفَةُ بِبَيْعٍ أَوْ مَوْتٍ لَمْ يُعْتَقِ الْوَلَدُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُعْتَقًا بِصِفَةٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 عَلَى أَلْفٍ، عَتَقَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْعَبْدُ، لَمْ يُعْتَقْ، وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَقْبَلَ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي سَنَةً، فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَقْبَلْ، لَمْ يُعْتَقْ رِوَايَةً وَاحِدَةً.   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَعَلَيْكَ أَلْفٌ أَوْ عَلَى أَلْفٍ، عَتَقَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ذَكَرَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ عِوَضًا لَمْ يَقْبَلْهُ، فَلَمْ يُعْتَقْ بِهِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، كَقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَعَلَيْكَ مِائَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ (وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْعَبْدُ، لَمْ يُعْتَقْ) نَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ; لِأَنَّ السَّيِّدَ قَصَدَ الْمُعَاوَضَةَ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلِ الْعَبْدُ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى الْمَالُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ (وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ، أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَقْبَلَ) فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، لَمْ يُعْتَقْ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ ; لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يُعْتَقْ بِدُونِ قَبُولِهِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بِمِائَةٍ أَوْ بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِمِائَةٍ ; لِأَنَّ عَلَى تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ وَالْعِوَضِ {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] و {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] وَلَوْ قَالَ فِي النِّكَاحِ: زَوَّجْتُكَ فُلَانَةً ابْنَتِي عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، فَقَبِلَ الْآخَرُ، صَحَّ، وَوَجَبَ الصَّدَاقُ، وَقَوْلُهُ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجِينِي نَفْسَكِ، كَقَوْلِهِ: عَلَى مِائَةٍ، وَإِنْ أَبَاهُ، لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ بِقَبُولِهَا مَجَّانًا، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُعْتَقُ إِلَّا بِالْأَدَاءِ، فَإِنْ بَاعَهُ نَفْسَهُ، بِمَالٍ فِي يَدِهِ، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعُتِقَ فِي الْحَالِ، وَفِي الْوَلَاءِ رِوَايَتَانِ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي سَنَةً فَكَذَلِكَ) أَيْ: يُعْتَقُ بِلَا قَبُولٍ، وَتَلْزَمُهُ الْخِدْمَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَقْبَلْ، لَمْ يُعْتَقْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ قَصْدَ الْمُعَاوَضَةِ فِيهَا ظَاهِرٌ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قَبِلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَلَزِمَتْهُ خِدْمَتُهُ سَنَةً، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ كَمَالِ السَّنَةِ، رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنَ الْخِدْمَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْعِوَضِ، رَجَعَ إِلَى قِيمَتِهِ، كَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَبْدِ، وَهَلْ لِلسَّيِّدِ بَيْعُهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، نَقَلَ حَرْبٌ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا مِنَ الْعَبْدِ، أَوْ مِمَّنْ شَاءَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا لَوِ اسْتَثْنَى خِدْمَتَهُ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ، وَذَكَرُوا صِحَّتَهُ فِي الْوَقْفِ، وَهَذَا مَثَّلَهُ بِخِلَافِ شَرْطِ الْبَائِعِ خِدْمَةَ الْمَبِيعِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 فَصْلٌ وَإِذَا قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ، عَتَقَ عَلَيْهِ مُدَبَّرُوهُ، وَمُكَاتَبُوهُ، وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَشِقْصٌ يَمْلِكُهُ وَإِنْ قَالَ: أَحَدُ عَبْدَيَّ حُرٌّ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ تَقَعْ له الْقُرْعَةُ فَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] فُرُوعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ خَدَمْتَنِي سَنَةً، فَأَنْتَ حُرٌّ، لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يَخْدِمَهُ، فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ فِيهَا، لَمْ يُعْتَقْ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بِشَرْطِ أَنْ تَخْدِمَ زَيْدًا بَعْدَ مَوْتِي سَنَةً، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعُتِقَ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَبْرَأَهُ زَيْدٌ مِنَ الْخِدْمَةِ، عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ: بَعْدَ سَنَةٍ، فَإِنْ كَانَتِ الْخِدْمَةُ لِبَيْعَةٍ، وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ، فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ، قَبْلَ تَمَامِهَا، عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِبَقِيَّةِ الْخِدْمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِذَا قَالَ لِجَارِيَةٍ: إِنْ خَدَمْتِ ابْنِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَ، فَأَنْتِ حُرَّةٌ، لَمْ تُعْتَقْ حَتَّى تَخْدِمَهُ إِلَى أَنْ يَكْبَرَ وَيَسْتَغْنِيَ عَنِ الرِّضَاعِ. إِذَا قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي مِائَةً، فَأَنْتِ حُرٌّ، فَتَعْلِيقٌ مَحْضٌ لَا يُبْطِلُهُ مَا دَامَ مَلَكَهُ، وَلَا يُعْتَقُ بِإِبْرَاءٍ، بَلْ يَدْفَعُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَا فَضُلَ عَنْهَا لِسَيِّدِهِ، وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مِلْكِهِ، إِذْ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي مِائَةً، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَتَتِ بِمِائَةٍ مَغْصُوبَةٍ، فَفِي وُقُوعِهِمَا احْتِمَالَانِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْعِتْقُ مِثْلُهُ، إِذَا قَالَ اشْتَرِنِي مِنْ سَيِّدِي بِهَذَا الْمَالِ، وَأَعْتِقْنِي، فَفَعَلَ، عَتَقَ، وَلَزِمَ مُشْتَرِيهِ الْمُسَمَّى، وَكَذَا إِنِ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ إِنْ لَمْ تَتَعَيَّنِ النُّقُودُ، وَإِلَّا بَطَلَا، وَعَنْهُ: أَجَبْنَ عَنْهُ. [إِذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ عَلَيْهِ مُدَبَّرُوهُ] فَصْلٌ (وَإِذَا قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ، عَتَقَ عَلَيْهِ مُدَبَّرُوهُ وَمُكَاتَبُوهُ، وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَشِقْصٌ يَمْلِكُهُ) وَعَبْدُ عَبْدِهِ الْمَأْذُونُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنِ اسْتَوْعَبَهُمْ دَيْنُ الْمَأْذُونِ ; لِأَنَّ لَفْظَهُ عَامٌّ فِيهِمْ، فَيُعْتَقُوا كَمَا لَوْ عَيَّنَهُمْ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا يُعْتَقُ شِقْصٌ، حَتَّى يَنْوِيَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ كُلَّهُ. فَرْعٌ: إِذَا عَلَّقَ بِشَرْطٍ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ، فَسَوَاءٌ إِنْ صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَتَاوِيهِ (وَإِنْ قَالَ: أَحَدُ عَبْدَيَّ حُرٌّ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ، وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ الْجَمِيعَ، وَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ ثُلُثِهِ (فَمَنْ تَقَعْ لَهُ الْقُرْعَةُ، فَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 حُرٌّ مِنْ حِينِ أَعْتَقَهُ، وَإِنْ مَاتَ، أَقْرَعَ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيِّ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا، ثُمَّ أُنْسِيَهُ، أُخْرِجَ بِالْقُرْعَةِ، فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَهَا أَنَّ الْمُعْتَقَ غَيْرُهُ، عَتَقَ، وَهَلْ يَبْطُلُ عِتْقُ الْأَوَّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] حُرٌّ مِنْ حِينِ أَعْتَقَهُ) لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ التَّعْيِينُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَا لِلْوَارِثِ بَعْدَهُ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ هَذَا بِعَيْنِهِ، قُبِلَ مِنْهُ، وَعُتِقَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ حِينِ أَعْتَقَهُ، يُرِيدُ أَنَّ الْعَبْدَ إِنْ كَانَ اكْتَسَبَ مَالًا بَعْدَ الْعِتْقِ، فَهُوَ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ، لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ اكْتُسِبَ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ (وَإِنْ مَاتَ، أَقْرَعَ الْوَرَثَةُ) لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ مَوْرُوثِهِمْ (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيِّ) فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَيِّتِ حَسِبْنَاهُ مِنَ التَّرِكَةِ، وَقَوَّمْنَاهُ حِينَ الْإِعْتَاقِ، سَوَاءٌ مَاتَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ، أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ، فَعَلَيْهِ إِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْحَيِّ، نُظِرَ فِي الْمَيِّتِ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ أَوْ بَعْدَهُ، قَبْلَ قَبْضِ الْوَارِثِ، لَمْ يُحْسَبْ مِنَ التَّرِكَةِ، فَتَكُونُ التَّرِكَةُ لِلْحَيِّ وَحْدَهُ، فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْإِعْتَاقِ ; لِأَنَّهُ حِينَ الْإِتْلَافِ، وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ التَّرِكَةِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ حِيَنِ الْمَوْتِ إِلَى حِينِ قَبْضِ الْوَارِثِ، وَقِيلَ: يُحْسَبُ الْمَيِّتُ مِنَ التَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْوَارِثِ لَهُ حُسِبَ مِنَ التَّرِكَةِ ; لِأَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِمْ، وَجَعَلْنَاهُ كَالْحَيِّ فِي تَقْوِيمِهِ مَعَهُ. (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ أُنْسِيَهُ، أُخْرِجَ بِالْقُرْعَةِ) فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ، وَقَالَهُ اللَّيْثُ ; لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ الْعِتْقِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَتَقَ جَمِيعُهُمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْرَعْ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عِتْقِ مَنْ عَيَّنَهُ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِذَا قَالَ: أَعْتَقْتُ هَذَا، عَتَقَ، وَرَقَّ الْبَاقُونَ، وَإِنْ قَالَ: أَعْتَقْتُ هَذَا، لَا بَلْ هَذَا، عُتِقَا جَمِيعًا، وَكَذَا إِقْرَارُ وَارِثٍ (فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَهَا) أَيْ: بَعْدَ الْقُرْعَةِ (أَنَّ الْمُعْتَقَ غَيْرُهُ عُتِقَ) لِتَبَيُّنِ أَمْرِهِ (وَهَلْ يَبْطُلُ عِتْقُ الْأَوَّلِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يَبْطُلُ، وَيُرَدُّ إِلَى الرِّقِّ ; لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ الْمُعْتَقُ، فَيُعْتَقُ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقْرَعْ. وَالثَّانِي: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: أَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَبَيَّنَتِ الْحَرِيَّةُ فِيهِ بِالْقُرْعَةِ، فَلَا تَزُولُ كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ، وَكَمَا لَوْ كَانَتِ الْقُرْعَةُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 فَصْلٌ وَإِن أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ، اعْتُبِرَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ دَبَّرَهُ، وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَهُ، فَيُعْتَقُ جَمِيعُهُ وَعَنْهُ: لَا يُعْتَقُ إِلَّا مَا أَعْتَقَ، وَإِنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَوْ دَبَّرَهُ، وَثُلُثِهِ يَحْتَمِلُ بَاقِيَةُ، أُعْطِيَ الشَّرِيكُ، وَلَوْ كَانَ جَمِيعُهُ حُرًّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى: لَا يَعْتِقُ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] [إِذَا أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ اعْتُبِرَ مِنْ ثُلُثِهِ] فَصْلٌ (وَإِنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ (وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ اعْتُبِرَ مِنْ ثُلُثِهِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُجِزْ عِتْقَ الَّذِي أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، إِلَّا ثُلُثَهُمْ، وَلِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَالٍ، أَشْبَهَ الْهِبَةَ، وَكَالتَّدْبِيرِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، فَعَلَى هَذَا: مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إِنْ أَجَازَهُ الْوَارِثُ، جَازَ، وَإِنْ رَدَّهُ، بَطَلَ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ دَبَّرَهُ) بِأَنْ قَالَ: إِذَا مُتُّ، فَنِصْفُ عَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ مَاتَ (وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّهُ يَزُولُ التَّدْبِيرُ كَالْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ ; لِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ لِبَعْضِ عَبْدِهِ (فَيُعْتَقُ جَمِيعُهُ) كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَشَرْطُهُ كَمَا ذَكَرَهُ: أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ الْمَرِيضِ يَحْتَمِلُهُ ; لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ بِالْمُبَاشِرَةِ فِي الزَّائِدِ عَنِ الثُّلُثِ لَا يَصِحُّ، فَلِأَنْ لَا يَسْرِي فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ سَيِّدِهِ، عَتَقَ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ (وَعَنْهُ: لَا يُعْتَقُ إِلَّا مَا أَعْتَقَ) لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ، فَلَمْ يَسْرِ كَتَعْلِيقِهِ بِالصِّفَةِ فِي الْحَيَاةِ. فَرْعٌ: إِذَا دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ، صَحَّ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ لِشَرِيكِهِ فِي الْحَالِ شَيْءٌ، فَإِذَا مَاتَ، عَتَقَ الْجُزْءُ الْمُدَبَّرُ، إِذَا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَفِي سِرَايَتِهِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْخِلَافُ. (وَإِنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَوْ دَبَّرَهُ وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ بَاقِيَهُ، أُعْطِيَ الشَّرِيكُ) أَيْ: قِيمَةَ بَاقِيهِ بِتَقْدِيرِ الْحُكْمِ بِالْحُرِّيَّةِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ» (وَلَوْ كَانَ جَمِيعُهُ حُرًّا، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَيُعْطَى الشَّرِيكُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنَ الثُّلُثِ ; لِأَنَّ مِلْكَ الْمُعْتِقُ لِثُلُثِ الْمَالِ تَامُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالتَّبَرُّعِ، فَهُوَ كَمَالُ الصَّحِيحِ الْمُوسِرِ (وَالْأُخْرَى: لَا يَعْتِقُ إِلَّا مَا مَلَكَ مِنْهُ) أَيْ: حِصَّتَهُ فَقَطْ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ إِلَى وَرَثَتِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 مَا مَلَكَ مِنْهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ في مَرَضه سِتَّةَ أَعْبُدٍ، قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُهُمْ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُمْ، بِيعُوا فِي دَيْنِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ ثُلْثُهُمْ، وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ، فَأَعْتَقْنَا   [المبدع في شرح المقنع] بِمَوْتِهِ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ يَقْضِي مِنْهُ الشَّرِيكَ، لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي: مَا أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ سَرَى، وَمَا دَبَّرَهُ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، فَلَا، فَالرِّوَايَةُ فِي سِرَايَةِ الْعِتْقِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَصَحُّ، وَالرِّوَايَةُ فِي وُقُوفِهِ فِي التَّدْبِيرِ أَصَحُّ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْحَيَاةِ يَنْفُذُ حَالَ مِلْكِ الْمُعْتِقِ، وَصِحَّةُ تَصَرُّفِهِ، وَتَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثِهِ كَتَصَرُّفِ الصَّحِيحِ فِي مَالِهِ كُلِّهِ، وَأَمَّا التَّدْبِيرُ وَالْوَصِيَّةُ، فَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِهِ فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِ الْمُعْتِقِ وَتَصَرُّفَاتِهِ (وَلَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ، قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُهُمْ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُمْ، بِيعُوا فِي دَيْنِهِ) وَجُمْلَتُهُ: أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا أَعْتَقَ عَبِيدَهُ، أَوْ دَبَّرَهُمْ وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ ثُلْثِهِ فِي الظَّاهِرِ، فَأَعْتَقْنَاهُمْ، ثُمَّ مَاتَ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُمْ، تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ عِتْقِهِمْ، فَيُبَاعُونَ فِي الدَّيْنِ، وَيَكُونُ عِتْقُهُمْ وَصِيَّةً، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمِيرَاثِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلِهَذَا يُبَاعُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] الْآيَةَ، وَرَدَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَبْدًا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ ثُلُثُهُمْ) هَذَا رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، فَعَلَى هَذَا: يُعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي ; لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِهِ، كَتَصَرُّفِ الصَّحِيحِ فِي مَالِهِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلِأَنَّهُ تَبَرَّعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِمَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنَ الثُّلُثِ، فَقُدِّمَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَالْهِبَةِ، فَإِنْ قَالَ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نُمْضِي الْعِتْقَ، وَنَقْضِي الدَّيْنَ، لَمْ يَنْفُذْ فِي وَجْهٍ ; لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مَانِعًا مِنْهُ، فَيَكُونُ بَاطِلًا، وَلَا يَصِحَّ بِزَوَالِ الْمَانِعِ بَعْدَهُ، وَفِي آخَرَ: يَنْفُذُ الْعِتْقُ ; لِأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ الدَّيْنُ، وَجَبَ نُفُوذُهُ، وَقِيلَ: أَصْلُهُمَا إِذَا تَصَرَّفَ الْوَرَثَةُ فِي التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، وَقُضِيَ الدَّيْنُ، هَلْ يَنْفُذُ فِيهِ؟ وَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا أَعْتَقَ الْمَرِيضُ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَأَقْرَعَ الْوَرَثَةُ، فَأَعْتَقُوا وَاحِدًا وَأَرَقُّوا اثْنَيْنِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ نِصْفَهُمْ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ الْقُرْعَةُ، وَالثَّانِي: لَا، فَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: اقْضُوا ثُلْثَيِ الدَّيْنِ، وَهُوَ بِقِدْرِ قِيمَةِ نِصْفِ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 ثُلُثَهُمْ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ يُخْرَجُونَ مِنْ ثُلُثِهِ، عَتَقَ مَنْ أُرِقَّ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ جَزَّأْنَاهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، كُلَّ اثْنَيْنِ جُزْءًا، وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ، عَتَقَ، وَرَقَّ الْبَاقُونَ.   [المبدع في شرح المقنع] بَقِيَا، إِمَّا مِنَ الْعَبِيدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَيَجِبُ رَدُّ نِصْفِ الْعَبْدِ الَّذِي عَتَقَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا خَرَجَتْ لِأَحَدِهِمَا، وَكَانَ بِقَدْرِ السُّدُسِ مِنَ التَّرِكَةِ، عَتَقَ وَبِيعَ الْآخَرُ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ، عَتَقَ بِقَدْرِ السُّدُسِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ عَتَقَ، وَعَتَقَ مِنَ الْآخَرِ تَمَامُ السُّدُسِ. (وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ فَأَعْتَقْنَا ثُلُثَهُمْ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ، يُخْرِجُونَ مِنْ ثُلُثِهِ، عَتَقَ مَنْ أُرِقَّ مِنْهُمْ) أَيْ: إِذَا أَعْتَقَ عَبِيدَهُ فِي مَرَضِهِ، لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُمْ إِلَّا الثُّلُثُ، وَيَرِقَّ الثُّلْثَانِ، إِذَا لَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ بِقَدْرِ ثُلُثَيْهِمْ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُمْ عُتِقُوا حِينَ أَعْتَقَهُمْ ; لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ نَافِذٌ، وَقَدْ بَانَ أَنَّهُمْ ثُلُثُ مَالِهِ، وَخَفَاءُ ذَلِكَ عَلَيْنَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَوْجُودًا، فَلَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْعِتْقِ وَاقِعًا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُونَ أَحْرَارًا مِنْ حِينِ أَعْتَقَهُمْ وَكَسْبُهُمْ لَهُمْ. وَإِنْ كَانَ تَصَرَّفَ فِيهِمْ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ، كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ تَصَرَّفُوا، فَحُكْمُهُمْ كَالْأَحْرَارِ، فَلَوْ تَزَوَّجَ مِنْهُمْ عَبْدٌ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، كَانَ نِكَاحُهُ صَحِيحًا، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِمْ، عَتَقَ ثُلُثَاهُمْ ; لِأَنَّهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ بِقَدْرِ نَصْفِهِمْ، عَتَقَ نِصْفُهُمْ، وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ ثُلُثِهِمْ، عَتَقَ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِهِمْ، وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ، جَزَّأْنَاهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ كُلَّ اثْنَيْنِ جُزْءًا، وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ، وَرَقَّ الْبَاقُونَ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ} [آل عمران: 44] وقَوْله تَعَالَى {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ فِي مَرَضِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَجَزَّأَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وَقَالَ لَهُ قَوْلًا سَدِيدًا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيُّ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الْقُرْعَةِ خَمْسُ سُنَنٍ، وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِعْمَالِهَا فِي الْقِسْمَةِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 فصل في كيفية القرعة وَإِنْ كَانُوا ثَمَانِيَةً، فَإِنْ شَاءَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمَيْ حُرِّيَّةٍ، وَخَمْسَةِ رِقٍّ، وَسَهْمٍ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ السَّفَرَ، بِإِحْدَى نِسَائِهِ، وَكَذَا إِذَا تَشَاحَّ الْأَوْلِيَاءُ فِي التَّزْوِيجِ، أَوْ مَنْ يَتَوَلَّى الْقِصَاصَ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ فِي تَفْرِيقِهِ ضَرَرٌ، فَوَجَبَ جَمْعُهُ بِالْقُرْعَةِ كَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ مَعَ الطَّلَبِ، وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ قَوْلُ الْخَصْمِ: إِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ، ثُمَّ لَوْ سَلَّمَ، فَالْحُجَّةُ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا، فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَسَاوِي الْقِيمَةِ وَالْعَدَدِ فِيهِمْ، كَثَلَاثَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ تِسْعَةٍ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ قِيمَةِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانُوا مُتَسَاوِيَ الْعَدَدِ دُونَ الْقِيمَةِ، كَسِتَّةِ أَعْبُدٍ قِيمَةُ اثْنَيْنِ ثَلَاثُمِائَةٍ، وَاثْنَيْنِ مِائَتَانِ مِائَتَانِ، وَاثْنَيْنِ مِائَةٌ مِائَةٌ، جَعَلْتَ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيمَتُهُمَا أَرْبَعُمِائَةٍ جُزْءًا، وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّذَيْنِ قِيمَتُهُمَا مِائَةٌ مِائَةٌ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُولَيَيْنِ جُزْءًا، وَظَاهِرُ الْمَتْنِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعْتِقَهُمْ فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ دُفُعَاتٍ، وَأَنَّ الْعَطَايَا يُسَاوَى بَيْنَ مُتَقَدِّمِهَا وَمُتَأَخِّرِهَا. 1 - فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ سَعِيدٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ: يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِالْخَوَاتِيمِ، أَقْرَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي ثَوْبٍ، فَأَخْرَجَ خَاتَمَ هَذَا وَخَاتَمَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: يُخْرِجُونَهُمَا، ثُمَّ يُدْفَعُ إِلَى رَجُلٍ، فَيُخْرِجُ مِنْهُمَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: بِأَيِّ شَيْءٍ خَرَجَتْ مِمَّا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ رِقَاعًا أَوْ خَوَاتِيمَ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ: الْأَوْلَى أَنْ يَقْطَعَ رِقَاعًا صِغَارًا مُسْتَوِيَةً، ثُمَّ تُجْعَلُ فِي بَنَادِقِ شَمْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، مُتَسَاوِيَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ تُلْقَى فِي حِجْرِ وَاحِدٍ لَمْ يَحْضُرْ، وَيُغَطَّى عَلَيْهَا بِثَوْبٍ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: أَدْخِلْ يَدَكَ، فَأَخْرَجَ بُنْدُقَةً، فَيَفُضُّهَا، وَيَعْلَمُ مَا فِيهَا، وَفِي كَيْفِيَّتِهَا، طُرُقٌ سَتَأْتِي فِي الْقِسْمَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَإِنْ كَانُوا ثَمَانِيَةً فَإِنْ شَاءَ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمَيْ حُرِّيَّةٍ، وَخَمْسَةِ رِقٍّ، وَسَهْمٍ لِمَنْ ثُلُثَاهُ حُرٌّ) لِأَنَّ الْغَرَضَ خُرُوجُ الثُّلُثِ بِالْقُرْعَةِ، فَكَيْفَ اتَّفَقَ، حَصَلَ ذَلِكَ الْغَرَضُ (وَإِنْ شَاءَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 لِمَنْ ثُلُثَاهُ حُرٌّ، وَإِنْ شَاءَ جَزَّأَهُمْ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَثَلَاثَةِ رِقٍّ، ثُمَّ أَعَادَ الْقُرْعَةَ بَيْنَهُمْ لِإِخْرَاجِ مَنْ ثُلْثَاهُ حُرٌّ، وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ، جَازَ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَتَانِ، وَالْآخَرُ ثَلَاثُمِائَةٍ جَمَعْتَ قِيمَتَهُمَا، وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَجَعَلْتَهَا الثُّلُثَ، ثُمَّ أَقْرَعْتَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ ضَرَبْتَهُ فِي ثَلَاثَةٍ، تَكُنْ سِتَّمِائَةٍ، ثُمَّ نَسَبْتَ مِنْهُ خُمُسَ الْمِائَةِ، يَكُنِ الْعِتْقُ فِيهِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْآخَرِ، عَتَقَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَتْسَاعِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَأْتِي مِنْ هَذَا، فَسَبِيلُهُ أَنْ يُضْرَبَ فِي ثَلَاثَةٍ لِيَخْرُجَ بِلَا كَسْرٍ، وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدًا مِنْ ثَلَاثَةِ أعبد، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ، أَقَرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَّيْنِ، فَإِنْ وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى الْمَيِّتِ، رَقَّ   [المبدع في شرح المقنع] جَزَّأَهُمْ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ، وَثَلَاثَةِ رِقٍّ، ثُمَّ أَعَادَ الْقُرْعَةَ بَيْنَهُمْ لِإِخْرَاجِ مَنْ ثُلْثَاهُ حُرٌّ) لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ اثْنَيْنِ جُزْءًا، وَيُقْرِعُ بَيْنَهُمْ بِمَا ذُكِرَ ; لِيُظْهِرَ التَّفْرِيقُ الْمُعْتَقَ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُعِيدُ الْقُرْعَةَ ; لِيُظْهِرَ مَنْ ثُلْثَاهُ حُرٌّ (وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ، جَازَ) بِأَنْ يَجْعَلَ ثَلَاثَةً جُزْءًا، وَثَلَاثَةً جُزْءًا، وَاثْنَيْنِ جُزْءًا، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى الِاثْنَيْنِ، عُتِقَا، وَيُكْمِلُ الثُّلُثَ بِالْقُرْعَةِ مِنَ الْبَاقِينَ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِثَلَاثَةٍ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمَيْ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمِ رِقٍّ، ثُمَّ أُعِيدَتِ الْقُرْعَةُ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ، عَتَقَ ثُلْثَاهُ، فَإِنْ كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ عَبْدَيْنِ، أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمِ رِقٍّ عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَتَانِ، وَالْآخَرُ ثَلَاثُمِائَةٍ جَمَعْتَ قِيمَتَهُمَا، وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَجَعَلْتَهَا الثُّلُثَ) هَذَا إِذَا لَمْ يُجِزَ الْوَرَثَةُ عِتْقَهُمَا، عَتَقَ ثُلُثُهُمَا، وَكَمُلَ الثُّلُثُ فِي أَحَدِهِمَا، فَتَجْمَعُ قِيمَتَهُمَا، فَتَكُونُ خَمْسَمِائَةٍ (ثُمَّ أَقْرَعْتَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ ضَرَبْتَهُ فِي ثَلَاثَةٍ) أَيْ: تَضْرِبُ قِيمَتَهُ فِي ثَلَاثَةٍ، وَنَسَبْنَا قِيمَتَهَا إِلَى الْمُرْتَفَعِ بِالضَّرْبِ، فَمَا خَرَجَ مِنَ النِّسْبَةِ، عَتَقَ مِنَ الْعَبْدِ بِقَدْرِهِ (تَكُنْ سِتَّمِائَةٍ، ثُمَّ نَسَبْتَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ) لِأَنَّهَا الثُّلُثُ تَقْدِيرًا (يَكُنِ الْعِتْقُ فِيهِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ) لِأَنَّ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ سِتَّمِائَةٍ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا (وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْآخَرِ) وَهُوَ الَّذِي قِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ (عَتَقَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَتْسَاعِهِ) لِأَنَّكَ إِذَا ضَرَبْتَ قِيمَتَهُ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ، كَانَتْ تِسْعَمِائَةٍ، فَإِذَا نَسَبْتَ خَمْسَمِائَةٍ، كَانَتْ خَمْسَةَ أَتْسَاعِهَا (وَكُلُّ شَيْءٍ يَأْتِي مِنْ هَذَا، فَسَبِيلُهُ أَنْ يُضْرَبَ فِي ثَلَاثَةٍ، لِيَخْرُجَ بِلَا كَسْرٍ) هَذَا قَوْلُ مَنْ يَرَى جَمْعَ الْعِتْقِ فِي بَعْضِ الْعَبْدِ بِالْقُرْعَةِ (وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدًا) أَيْ: غَيْرَ مُعَيَّنٍ (مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ، أَقَرَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 الْآخَرَانِ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِ الْحَيَّيْنِ، عَتَقَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنْ أَعْتَقَ الثَّلَاثَةَ فِي مَرَضِهِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ، وَيَسْقُطَ حُكْمُ الْمَيِّتِ.   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَّيْنِ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ: يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا دُونَ الْمَيِّتِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَإِنْ وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى الْمَيِّتِ، رَقَّ الْآخَرَانِ) كَمَا لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً (وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِ الْحَيَّيْنِ، عَتَقَ، إِذَا خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ) لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ مُعْتَبَرٌ مِنَ الثُّلُثِ، بِخِلَافِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْرُطْ فِيهَا ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ كَانَ وَقَفَ الثُّلُثَ، فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ، فَالزَّائِدُ عَنِ الثُّلُثِ هَلَكَ عَلَى مَالِكِهِ، وَإِنْ كَانَ، فَلَا يُعْتِقُ من الآخرين شَيْئًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ إِلَّا وَاحِدًا. (وَإِنْ أَعْتَقَ الثَّلَاثَةَ فِي مَرَضِهِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) أَيْ: يُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَّيْنِ ; لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ إِنَّمَا تَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، لَا يُقَالُ: لَيْسَ حُكْمُ عِتْقِ الثَّلَاثَةِ ليس كَحُكْمِه عِتْقِ أَحَدِهِمْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنَ الْآخَرَيْنِ، فَمَعَ وُقُوعِ الْقُرْعَةِ عَلَيْهِ تَكْمُلُ مِنَ الْآخَرَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي نَفْسِ الْقُرْعَةِ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْقِيمَةِ (وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ وَيَسْقُطَ حُكْمُ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي خُرُوجِهِ مِنَ الثُّلُثِ بِحَالَةِ الْمَوْتِ، وَحَالَةُ الْمَوْتِ إِنَّمَا كَانَ لَهُ الْعَبْدَانِ، وَهُمَا كُلُّ مَالِهِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ فِي مَرَضِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ. فَرْعٌ: لَوْ وَكَلَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْآخَرَ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ، فَقَالَ الْوَكِيلُ: نَصِيبِي حُرٌّ، عَتَقَ، وَسَرَى إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، عَتَقَ، وَسَرَى إِلَى نَصِيبِهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَالْوَلَاءُ لِلْمُوَكَّلِ، وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ الْعَبْدِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا، احْتَمَلَ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى نَصِيبِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ; لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِعْتَاقِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَيْهِمَا لِتَسَاوِيهِمَا، وَأَيُّهُمَا حَكَمْنَا بِالْعِتْقِ عَلَيْهِ، ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ ; لِأَنَّ الْوَكِيلَ إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، فَسَرَى إِلَى الْآخَرِ، لَمْ يَضْمَنْهُ ; لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْعِتْقِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 باب التدبير وهو تعليق العتق بالموت، ويعتبر من الثلث ويصح من كل من تصح وصيته،   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ التَّدْبِيرِ] سُمي تدبيراً، لأن الوفاة دبر الحياة، يقال: دبره تدبيراً: إذا علق عتقه بموته، يقال: أعتقه عن دبر، أي بعد الموت، وقال ابن عقيل: هو مشتق من إدباره من الدنيا، ولا يستعمل في كل شيء بعد الموت من وصية ووقف وغيره، فهو لفظ يخص به العتق بعد الموت، والأصل فيه حديث جابر أن رجلاً من الأنصار أعتق غلاماً له عن دبر ولم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمائة درهم، فدفعها إليه. متفق عليه، وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن من دبر عبده أو أمته، ولم يرجع عن ذلك حتى مات، والمدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء الدين وإنفاذ وصاياه، وكان السيد بالغاً جائز التصرف: أنه يعتق. (وهو تعليق العتق بالموت) هذا بيان لمعنى التدبير شرعاً، ولا تصح وصيته به (ويعتبر من الثلث) أي: إنما يعتق إذا خرج من ثلث المال في قول أكثر العلماء، ورُوي عن ابن مسعود وغيره: أنه من رأس المال، ونقله حنبل عن الإمام قياساً على أم الولد، وجوابه: بأنه تبرع بعد الموت، فكان من الثلث كالوصية، وما نقله حنبل لا عمل عليه، قال أبو بكر: هو قول قديم رجع عنه إلى ما قاله الجماعة، فعلى هذا إذا لم يخرج منه، وأجاز الورثة، عتق جميعه، وإلا عَتَقَ مِنْهُ مِقْدَارُ الثُّلُثِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 وصريحه لفظ العتق والحرية المعلقين بالموت، ولفظ التدبير وما تصرف منها، ويصح مطلقاً ومقيداً بأن يقول: إن مت فمن مرضي هذا أو عامي هذا، فأنت حر   [المبدع في شرح المقنع] وَهَلْ يُسْتَسْعَى فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: فِي الصِّحَّةِ مُطْلَقًا. فَرْعٌ: إِذَا اجْتَمَعَ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَالتَّدْبِيرِ، قُدِّمَ الْعِتْقُ، وَإِنِ اجْتَمَعَ هُوَ وَالْوَصِيَّةُ بِعِتْقِهِ، تَسَاوَيَا لِوُجُودِهِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ التَّدْبِيرُ لِحُصُولِهِ بِلَا مُهْلَةٍ. (وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مَنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ وَكَانَ يَعْرِفُهُ، وَالْجَارِيَةُ إِذَا جَاوَزَتِ التِّسْعَ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، وَالْجَارِيَةُ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعًا، فَهِيَ امْرَأَةٌ، وَلِأَنَّهُ سِنٌّ يُمْكِنُ بُلُوغُهَا فِيهِ، وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنَ الْمَجْنُونِ، وَيَصِحُّ مِنَ الْكَافِرِ، وَلَوْ حَرْبِيًّا وَمُرْتَدًّا، إِنْ تَبَيَّنَّا مِلْكَهُ لَهُ، فَأَسْلَمَ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا، بَطُلَ فِي الْأَصَحِّ (وصَرِيحُهُ لَفْظُ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِالْمَوْتِ) كَقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي، فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُدَبَّرًا، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (وَلَفْظُ التَّدْبِيرِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا) غَيْرُ أَمْرٍ وَمُضَارِعٍ، فَإِذَا قَالَ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ، أَوْ دَبَّرْتُكَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ، وَكِنَايَاتُ الْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ تَكُونُ لِلتَّدْبِيرِ إِذَا أَضَافَ إِلَيْهِ ذِكْرَ الْمَوْتِ (وَيَصِحُّ مُطْلَقًا) أَيْ: مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ آخَرَ، نَحْوَ: إِنْ مِتُّ، فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُدَبَّرٌ (وَمُقَيَّدًا) لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى شَرْطٍ، فَصَحَّ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا، كَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِغَيْرِ الْمَوْتِ (بِأَنْ يَقُولَ: إِنْ مِتُّ فَمِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ عَامِي هَذَا) أَوْ فِي بَلَدِي هَذَا (فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُدَبَّرٌ) لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ خَاصٌّ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ خَاصٍّ مِثْلَ أَنْ يُعَلِّقَهُ عَلَى صِفَةٍ، كَـ: إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ، فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، فَهَذَا لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا فِي الْحَالِ ; لِأَنَّهُ علقَ التدبير بِشَرْطٍ، فَإِذَا وُجِدَ صَارَ مُدَبَّرًا وَعُتِقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، وُجِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يُعْتَقْ ; لِأَنَّ إِطْلَاقَ الشَّرْطِ يَقْتَضِي وَجُودَهُ فِي الْحَيَاةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَلَّقَ عَلَيْهِ عِتْقًا مُنَجَّزًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 أو مدبر. وإن قال: متى شئت، فأنت مدبر، فمتى شاء في حياة السيد، صار مدبراً وإن قال: إن شئت، فأنت مدبر، فقياس المذهب أنه كذلك، وقال أبو الخطاب: إن شاء في المجلس، صار مدبراً، وإلا فلا، وإذا قال: قد رجعت في تدبيري، أو   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعَانِ، الْأَوَّلُ: إِذَا قَالَ: إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَقَرَأَهُ جَمِيعَهُ، صَارَ مُدَبَّرًا بِخِلَافِ قِرَاءَةِ بَعْضِهِ، فَإِنْ قَالَ: إِذَا قَرَأْتَ قُرْآنًا، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَقَرَأَ بَعْضَهُ، صَارَ مُدَبَّرًا ; لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى عَرَّفَهُ بِاللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. الثَّانِي: إِذَا قَالَا لِعَبْدِهِمَا: إِنْ مُتْنَا، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِلْحَرِيَّةِ بِمَوْتِهِمَا جَمِيعًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَلَا يُعْتَقُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ، وَلَا بِبَيْعِ وَارِثِهِ حَقَّهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ: إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا، فَنُصِيبُهُ حُرٌّ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بَعْدَ آخِرِهِمَا مَوْتًا، فَإِنْ جَازَ تَعْلِيقُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا عَلَيْهِمَا، وَإِلَّا عَتَقَ نَصِيبُ الْآخَرِ مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ، وَفِي سِرَايَتِهِ إِنِ احْتَمَلَهُ ثُلُثُهُ الرِّوَايَتَانِ. (وَإِنْ قَالَ: مَتَى شِئْتَ، فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، فَمَتَى شَاءَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، صَارَ مُدَبَّرًا) بِعِتْقٍ بِمَوْتِهِ ; لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ عَلَى التَّرَاخِي، فَمَتَى وُجِدَتِ الْمَشِيئَةُ، وُجِدَ الشَّرْطُ، كَقَوْلِهِ: إِذَا شِئْتَ، أَوْ أَيَّ وَقْتٍ شِئْتَ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ، بَطُلَتْ، فَإِنْ قَالَ: مَتَى شِئْتَ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ أَيَّ وَقْتٍ شِئْتَ بَعْدَ مَوْتِي، فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ، فَعَلَيْهِ يَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي وَمَا كَسَبَهُ قَبْلَ مَشِيئَتِهِ، فَهُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ، بِخِلَافِ الْمُوصَى بِهِ، فَإِنَّ فِي كَسْبِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَجْهَيْنِ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ شِئْتَ، فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَذَلِكَ) أَيْ: أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي كَمَتَى شِئْتَ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ شَاءَ فِي الْمَجْلِسِ، صَارَ مُدَبَّرًا، وَإِلَّا فَلَا) لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ كَالِاخْتِيَارِ (وَإِذَا قَالَ: قَدْ رَجَعْتُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 قد أبطلته، لم يبطل، لأنه تعليق للعتق بصفة، وعنه: يبطل كالوصية وله بيع المدبر وهبته، وإن عاد إليه عاد التدبير، وعنه: لا يباع إلا في الدين، وعنه: لا تباع الأمة   [المبدع في شرح المقنع] تَدْبِيرِي، أَوْ قَدْ أَبْطَلْتُهُ، لَمْ يَبْطُلْ) فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ (لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ) وَكَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلَتُ الدَّارَ، فَأَنْتَ حُرٌّ (وَعَنْهُ: يَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ نَفْسَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ وَصِيَّةً، فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْقَوْلِ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ آخَرَ، فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَمْلٍ لَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ رَجَعَ فِي حَامِلٍ، فَفِي حَمْلِهَا وَجْهَانِ لَا بَعْدَ وَضْعِهِ، وَالرِّوَايَتَانِ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِصَرِيحِ التَّعْلِيقِ، أَوْ صَرِيحِ الْوَصِيَّةِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ فِي الْأَمَةِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ، لَمْ يَرْجِعْ إِنْ قُلْنَا: تَعْلِيقٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: إِذَا أَدَّيْتَ إِلَى وَرَثَتِي أَلْفًا، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَقَدْ رَجَعَ عَنْ تَدْبِيرِهِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: كَمَا لَوْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ وَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَإِنْ دَبَّرَهُ كُلَّهُ، ثُمَّ رَجَعَ فِي نِصْفِهِ، صَحَّ إِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي جَمِيعِهِ، فإن غير التدبير، فَكَانَ مُطْلَقًا، فَجَعَلَهُ مُقَيَّدًا، صَارَ مُقَيَّدًا إِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ، وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا، فَأَطْلَقَهُ، صَحَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ ; لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ. (وَلَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَهِبَتُهُ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ بَيْعِهِ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا فِي الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ، مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا، وَإِنْ لَمْ يوص بِهِ (وَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ) بَعْدَ الْبَيْعِ (عَادَ التَّدْبِيرُ) لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَبَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ التَّدْبِيرَ هَلْ هُوَ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَعُودُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (وَعَنْهُ: لَا يُبَاعُ إِلَّا فِي الدَّيْنِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الْعِتْقِ الْمُحَقَّقِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، فَلِأَنْ يُقَدَّمُ عَلَى مَا انْعَقَدَ فِيهِ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَعَنْهُ: لِحَاجَةٍ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْكَافِي ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إِنَّمَا بَاعَهُ لِحَاجَةِ صَاحِبِهِ (وَعَنْهُ: لَا تُبَاعُ الْأَمَةُ خَاصَّةً) لِأَنَّ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا إِبَاحَةً لِفَرْجِهَا، وَتَسْلِيطَ مُشْتَرِيهَا عَلَى وَطْئِهَا، مَعَ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِي بَيْعِهَا وَحَلِّهَا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَا نَعْلَمُ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا عَنْ غَيْرِ إِمَامِنَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، قَالَ الْجُوزْجَانِيُّ: صَحَّتْ أَحَادِيثُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ بِاسْتِقَامَةِ الطُّرُقِ، وَالْخَبَرُ إِذَا صَحَّ، اسْتُغْنِيَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، فَلَمْ يُمْنَعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 خاصة، وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها، فهو بمنزلتها ولا يتبعها ولدها من قبل   [المبدع في شرح المقنع] الْبَيْعُ، كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلَتُ الدَّارَ، فَأَنْتَ حُرٌّ، وَخَبَرُهُمْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ ; لِأَنَّ عِتْقَهَا ثَبَتَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ سَيِّدِهَا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ، أَوْ دَبَّرَ الْحَمْلَ، ثُمَّ بَاعَ أَمَتَهُ، فَكَاسْتِثْنَائِهِ فِي الْبَيْعِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَفِي الرَّوْضَةِ: لَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ فِي الدَّيْنِ، وَفِي بَيْعِهَا فِيهِ رِوَايَتَانِ، (وَمَا وَلَدَتِ الْمُدَبَّرَةُ بَعْدَ تَدْبِيرِهَا، فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا) الْوَلَدُ الْحَادِثُ بَعْدُ التدبير لَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حَالَ تَدْبِيرِهَا، وَيَعْلَمُ ذَلِكَ، بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِهِ، فَيَدْخُلَ مَعَهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، فَإِنْ بَطَلَ التدبير فِي الْأُمِّ، لَمْ يَبْطُلْ فِي وَلَدِهَا ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَصْلًا. الثَّانِي: أَنْ تَحْمِلَ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ، فَهُوَ يَتْبَعُ أُمَّهُ مُطْلَقًا، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْهُ: أَنَّ وَلَدَهَا عَبْدٌ إِذَا لَمْ يَشْرُطِ الْوَلِيُّ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا، وَلَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، وَلِأَنَّ عِتْقَهَا مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، أَشْبَهَ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهَا بِدُخُولِ الدَّارِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِهِ وَجَابِرٍ: إِنَّ وَلَدَهَا بِمَنْزِلَتِهَا، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ الْأُمَّ اسْتَحَقَّتِ الْحَرِيَّةَ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا كَأُمِّ الْوَلَدِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ فِي الْأُمِّ لِمَعْنًى اخْتَصَّ بِهَا فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَتْبَعِ الثُّلُثَ لَهُمَا جَمِيعًا، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا (وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا مِنْ قِبَلِ التَّدْبِيرِ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ وَلَا فِي الِاسْتِيلَادِ، فَفِي التَّدْبِيرِ أَوْلَى، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، أَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَ عَنْ عمه فِي الرَّجُلِ يُدَبِّرُ الْجَارِيَةَ وَلَهَا وَلَدٌ، قَالَ: وَلَدُهَا مَعَهَا، وَحَمَلَهَا الْمُؤَلِّفُ عَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامَيْهِ، وَعُلِمَ أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرِ لَا يَتْبَعُ أَبَاهُ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ الْوَلَدَ إِنَّمَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، وَعَنْهُ - وَهِيَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ -: الْجَزْمُ بِهَا فِي وَلَدِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 التدبير، وله وطء مدبرته، فإن أولدها بطل تدبيرها، وإذا دبر المكاتب، أو كاتب المدبر، جاز، فإن أدى، عتق، وإن مات سيده قبل الأداء، عتق إن حمل الثلث ما بقي من كتابته، وإلا عتق منه بقدر الثلث، وسقط من الكتابة بقدر ما   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ أَمَتِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التَّسَرِّي بِهَا يَكُونُ مُدَبَّرًا ; لِأَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ أَمَتِهِ فَتَبَعُهُ كَالْحُرِّ، وَفِي الرِّعَايَةِ: لَا يَكُونُ وَلَدُ الْمُدَبَّرِ مِنْ أَمَتِهِ مِثْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ يَتْبَعُ أُمَّهُ (وَلَهُ وَطْءُ مُدَبَّرَتِهِ) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَمَمْلُوكَتِهِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَ ذَلِكَ غَيْرَ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ، وَطْءُ بِنْتِ مُدَبَّرَتِهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَ أُمَّهَا (فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ تَدْبِيرُهَا) لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنَ التَّدْبِيرِ، فَأَبْطَلَهُ كَالنِّكَاحِ مَعَ الْمِلْكِ (وَإِذَا دَبَّرَ الْمُكَاتَبَ) جَازَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِعِتْقِهِ بِصِفَةٍ، وَهُوَ يَمْلِكُ إِعْتَاقَهُ فَيَمْلِكُ التَّعْلِيقَ، وَإِنْ قِيلَ: هُوَ وَصِيَّةٌ (أَوْ كَاتَبَ الْمُدَبَّرَ، جَازَ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ; لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إِنْ كَانَ عِتْقًا بِصِفَةٍ، لَمْ يَمْنَعِ الْكِتَابَةَ، وَكَذَا إِنْ كَانَ وَصِيَّةً، كَمَا لَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ، ثُمَّ كَاتَبَهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَبْطُلُ بِهَا إِذَا قُلْنَا: هُوَ وَصِيَّةٌ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِهِ لِرَجُلٍ، ثُمَّ كَاتَبَهُ (فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ) لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الْمُكَاتَبِ (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، عَتَقَ) لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الْمُدَبَّرِ (إِنْ حَمَلَ الثُّلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ) لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يُعْتَبَرُ فِي عِتْقِهِ بِالتَّدْبِيرِ خُرُوجُهُ مِنَ الثُّلُثِ، وَبَطَلَتِ الْكِتَابَةُ (وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ) حَيْثُ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ مِنَ الثُّلُثِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا مَانِعَ لَهُ (وَسَقَطَ مِنَ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ) لِانْتِفَاءِ مَحَلِّهَا بِالْعِتْقِ (وَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ فِيمَا بَقِيَ) لِأَنَّ مَحَلَّهَا لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ، فَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ نِصْفُهُ مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَ نِصْفُهُ، وَسَقَطَ نِصْفُ الْكِتَابَةِ، وَبَقِيَ نِصْفُهُ، وَالَّذِي يُحْسَبُ مِنَ الثُّلْثِ إِنَّمَا هُوَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ وَقْتَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ; لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا، لَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ، وَمَنْ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ، كَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَكَذَا بَعْدَهُ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَعِنْدِي أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 عتق وهو على الكتابة فيما بقي، وإذا دبر شركاً له في عبد، لم يسر إلى نصيب شريكه فإن أعتق شريكه، سرى إلى المدبر، وغرم قيمته لسيده، ويحتمل أن يسري في الأول دون الثاني وإذا أسلم مدبر الكافر، لم يقر في يده، وترك في   [المبدع في شرح المقنع] يُعْتَقَ وَيَتْبَعَهُ وَلَدُهُ وَأَكْسَابُهُ ; لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ إِبْطَالَ كِتَابَتِهِ ; لِكَوْنِهَا عِقْدًا لَازِمًا مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ إِسْقَاطَ حَقِّهِ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَهُ كَسْبُهُ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: مَا لَا بُدَّ مِنْ كَسْبِهِ، وَكَمَا لَوِ ادَّعَى الْمُدَبَّرُ أَنَّهُ كَسَبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَمْكَنَ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ وَلَدِهِ (وَإِذَا دُبِّرَ) وَهُوَ مُوسِرٌ (شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ لَمْ يَسْرِ إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ) لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ، فَلَمْ يَسْرِ، كَتَعْلِيقِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ، وَيُفَارِقُ الِاسْتِيلَادَ، فَإِنَّهُ آكَدُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا، لَمْ يَبْطُلِ اسْتِيلَادُهَا، وَالْمُدَبَّرُ بِخِلَافِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ، عَتَقَ نُصِيبُهُ إِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وَفِي سِرَايَتِهِ إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ رِوَايَتَانِ (فَإِنْ أَعْتَقَ شَرِيكُهُ) نَصِيبَهُ (سَرَى إِلَى الْمُدَبَّرِ، وَغَرِمَ قِيمَتَهُ لِسَيِّدِهِ) إِنْ كَانَ مُوسِرًا لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ إِذَا سَرَى إِلَى إِبْطَالِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنَ الْوَلَاءِ، وَالْوَلَاءُ أَوْلَى مَا ذُكِرَ فِيهِ لَا أَصْلَ لَهُ، وَيَبْطُلُ بِمَا إِذَا عَلَّقَ عِتْقَ نَصِيبِهِ بِصِفَةٍ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْرِيَ فِي الْأَوَّلِ) وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ ; لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ، فَسَرَى كَأُمِّ الْوَلَدِ (دُونَ الثَّانِي) أَيْ: لَا يَسْرِي ; لِأَنَّهُ قَدِ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبٌ اسْتَحَقَّ الْوَلَاءَ عَلَى الْعَبْدِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إِبْطَالُهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا دَبَّرَا عَبْدَهُمَا مَعًا، صَحَّ، وَلَا يُعْتَقُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَلَا بِبَيْعِ وَارِثِهِ حَقَّهُ، ثُمَّ إِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ، فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِ حَقِّ الْآخَرِ وَجْهَانِ، وَفِي الشَّرْحِ: إِذَا دَبَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ حَقَّهُ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَبَقِيَ نَصِيبُ الْآخَرِ عَلَى التَّدْبِيرِ، إِنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ يَفِي، فَهَلْ يَسْرِي؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: إِذَا مِتْنَا، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا، فَنِصْفُهُ حُرٌّ، وَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا تَعْلِيقٌ لِلْحَرِيَّةِ بِمَوْتِهِمَا جَمِيعًا، فَإِنْ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ، فَمَا مَعَهُ إِذَنْ إِرْثٌ، وَعَنْهُ: بَلْ هُوَ لَهُ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، كَمَا لَوْ بَقِيَ مُدَّةً، فَادَّعَاهُ كَسْبًا بَعْدَ مَوْتِهِ حَلَفَ لَهُ، فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 يد عدل حتى ينفق عليه من كسبه، وما فضل لسيده، وإن أعوز، فعليه تمامه إلا أن يرجع في التدبير، ونقول بصحة الرجوع فيجبر على بيعه، ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين، وهل يحكم عليه بشاهد وامرأتين، أو بشاهد ويمين العبد؟ على روايتين. وإذا قتل المدبر سيده بطل تدبيره.   [المبدع في شرح المقنع] أَقَامَ بَيِّنَةً، قُدِّمَتْ عَلَى بَيِّنَةِ الْوَرَثَةِ، وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْقِنَّ، أَوْ كَاتَبَهُ، أَوْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ، فَمَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ، وَعَنْهُ: لَهُ وَعِتْقُهُ مُكَاتَبَهُ، قِيلَ: إِبْرَاءٌ مِمَّا بَقِيَ، وَقِيلَ: فَسْخٌ كَعِتْقِهِ فِي كَفَّارَةٍ. (وَإِذَا أَسْلَمَ مُدَبَّرُ الْكَافِرِ، لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ) أَيْ: أَمَرْنَاهُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ، لِئَلَّا يَبْقَى الْكَافِرُ مَالِكًا لِمُسْلِمٍ كَغَيْرِ الْمُدَبَّرِ، وَكَمَا لَوْ أَسْلَمَ مُكَاتَبُهُ وَعَجَزَ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ إِنِ اسْتَدَامَ تَدْبِيرُهُ، وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا، وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ حَتَّى يُعْتَقَ بِمَوْتِهِ (وَتُرِكَ فِي يَدِ عَدْلٍ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ) لِأَنَّهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ (وَمَا فَضُلَ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ (وَإِنْ أَعْوَزَ، فَعَلَيْهِ تَمَامُهُ) لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى السَّيِّدِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ (إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ فِي التَّدْبِيرِ، وَنَقُولُ بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ، فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ) وَلَا يُتْرَكُ فِي يَدِ عَدْلٍ ; لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقَرُّ عَلَى اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: إِنَّ الْمُدَبَّرَ إِذَا كَانَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ أَنَّهُ يُجْبَرُ سَيِّدُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَمَنْ أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ) أَيْ: إِذَا ادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ، أَنَّهُ دَبَّرَهُ، صَحَّتْ دَعْوَاهُ ; لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ، فَإِنْ أَنْكَرَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُدَبَّرِ بَيِّنَةٌ، قُبِلَ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَجَحْدُهُ التَّدْبِيرَ لَيْسَ رُجُوعًا إِنْ جُعِلَ عِتْقًا بِصِفَةٍ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، فَإِنْ جُعِلَ رُجُوعًا، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ جَوَّزْنَا الرُّجُوعَ وَحَلَفَ عَلَيْهِ، صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَوَرِثَهُ سَيِّدُهُ، فَكَالْخِلَافِ مَعَ السَّيِّدِ، إِلَّا أَنَّ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ، بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَأَيْمَانُهُمْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَيَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَرَثَةِ، فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ، عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَلَمْ يَسْرِ إِلَى بَاقِيهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدَيْنِ الْعَدَالَةُ بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِيهِمَا (وَهَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْعَبْدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 بَابُ الْكِتَابَةِ وَهِيَ بَيْعُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ يَعْلَمُ فِيهِ خَيْرًا، وَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] إِحْدَاهُمَا، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ: أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ إِثْبَاتُ الْحَرِيَّةِ، وَتَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ، فَلَا يَثْبَتُ ذَلِكَ إِلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ. (وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ) لِأَنَّهُ قَصَدَ اسْتِعْجَالَ الْعِتْقِ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ، فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، كَمَنْعِ الْمِيرَاثِ بِقَتْلِ الْمُوِّرِثِ، وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ، فَيَبْطُلُ بِالْقَتْلِ كَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ لِكَوْنِهَا آكَدُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ حِرْمَانِ الْإِرْثِ وَإِبْطَالِ وَصِيَّةِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ قِيلَ: لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَوْتِ، فَالتَّدْبِيرُ أَوْلَى نَظَرًا لِلْعِتْقِ. فَرْعٌ: إِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ، لَمْ يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ، وَيُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ، وَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ بَيْعَهُ أَوْجَبَ فِدَاءَهُ عَلَى سَيِّدِهِ، كَأُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ بَيْعِهِ، عَتَقَ وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ فِي تَركة سَيِّدَهُ، وَإِنْ فَدَاهُ سَيِّدُهُ، بَقِيَ تَدْبِيرُهُ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ بِهَا، فَبَاقِيهِ مُدَبَّرٌ، وَإِنْ جَنَى عَلَى الْمُدَبِّرِ، فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ، وَجَبَتْ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ، وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ بِهَلَاكِهِ، لَا يُقَالُ: قِيمَتُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَالْمَوْقُوفِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَازِمٌ، فَتَعَلَّقَ الْحَقُّ بِبَدَلِهِ وَالتَّدْبِيرُ غَيْرُ لَازِمٍ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إِبْطَالُهُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقِ الْحَقُّ بِبَدَلِهِ. [بَابُ الْكِتَابَةِ] سُمِّيَتْ بِهِ ; لِأَنَّ السَّيِّدَ يَكْتُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كِتَابًا بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِهِ مِنَ الْكَتْبِ، وَهُوَ الضَّمُّ ; لِأَنَّ الْمُكَاتِبَ يَضُمُّ بَعْضَ النُّجُومِ إِلَى بَعْضٍ، وَمِنْهُ سُمِّي الْحِرْزُ كَتْبًا، وَالْكَتِيبَةُ كَتِيبَةً ; لِانْضِمَامِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ. وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ: عِتْقٌ عَلَى مَالٍ مُنَجَّمٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إِذَا ابْتَغَاهَا بقيمته مِنْ سَيِّدِهِ، أُجْبِرَ عَلَيْهَا، وَهَلْ تُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا إِلَى أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ ; لِأَنَّ النُّجُومَ هِيَ الْأَوْقَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ، إِذِ الْعَرَبُ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ الْحِسَابَ، وَإِنَّمَا تَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ بِطُلُوعِ النُّجُومِ، فَسُمِّيَتِ الْأَوْقَاتُ نُجُومًا، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا سُهَيْلٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ طَلَعْ ... فَابْنُ اللَّبُونِ الْحِقُّ وَالْحِقُّ الْجَذَعْ (وَهِيَ بَيْعُ الْعَبْدِ) لَوْ قَالَ: الرَّقِيقُ لَعَمَّ (نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى الْكِتَابَةِ شَرْعًا، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مَعْلُومًا، يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، مُنَجَّمًا يُعْلَمُ قِسْطُ كُلِّ نَجْمٍ وَمُدَّتُهُ أَوْ مَنْفَعَتُهُ مُؤَجَّلَةً، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَعَانَ غَارِمًا أَوْ غَازِيًا أَوْ مُكَاتَبًا فِي كِتَابَتِهِ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَإِذَا كَاتَبَ رَقِيقَهُ وَلَهُ مَالٌ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُكَاتَبُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْهُ لِلرَّقِيقِ (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ يَعْلَمُ فِيهِ خَيْرًا) لِلنَّصِّ (وَهُوَ الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَأَسْقَطَ الْأَمَانَةَ فِي الْوَاضِحِ وَالْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إِذَا ابْتَغَاهَا بِقِيمَتِهِ مِنْ سَيِّدِهِ) (أُجْبِرَ عَلَيْهَا) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، ذكره الحلواني، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَاهُ سِيرِينَ كَانَ عَبْدًا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَ سِيرِينُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَرَفَعَ الدِّرَّةَ عَلَيْهِ، وَقَرَأَ الْآيَةَ، فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ، وَقَدَّمَ فِي الرَّوْضَةِ الْإِبَاحَةَ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ بِعُوَضٍ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَالِاسْتِسْعَاءِ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ، وَقَوْلُ عُمَرَ يُخَالِفُهُ فِعْلُ أَنَسٍ، قَالَ أَحْمَدُ: الْخَيْرُ صِدْقٌ وَصَلَاحٌ وَوَفَاءٌ بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 كَاتَبَ الْمُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ، صَحَّ، وَيُحْتَمَلُ أَلا يَصِحَّ، وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ، وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَتَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ،   [المبدع في شرح المقنع] قُوَّةٌ عَلَى الْكَسْبِ وَالْأَمَانَةِ، وَفَسَّرَهُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: غِنَاءٌ وَإِعْطَاءٌ لِلْمَالِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ لَا تَجِبُ إِجَابَتُهُ (وَهَلْ تُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا - وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْمَذْهَبُ -: أَنَّهَا تُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَمَسْرُوقٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ ; لِأَنَّ فِيهَا إِضْرَارًا بِالْمُسْلِمِينَ، وَجَعْلَهُ كَلًّا وَعِيَالًا عَلَيْهِمْ، مَعَ تَفْوِيتِ نَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَى سَيِّدِهِ. وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ -: لَا تُكْرَهُ ; لِأَنَّ بَرِيرَةَ كَاتَبَتْ وَلَا حِرْفَةَ لَهَا، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: إِنْ كَانَ يَجِدُ مَنْ يَكْفِيَهُ مَؤُونَتَهُ، لَمْ تُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَتْ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةٍ أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا كَانَتْ لَا كَسْبَ لَهَا، فَإِنَّهَا تُكْرَهُ لَهَا إِجْمَاعًا (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ كَاتَبَ الْمُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ، صَحَّ) لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ صَحِيحٌ فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ، فَكَذَا فِيهَا (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِحَّ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، كَالْمَجْنُونِ، وَبَنَاهُ فِي الشَّرْحِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إِعْتَاقٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ، كَالْعِتْقِ بِغَيْرِ مَالٍ، وَكَمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ إِذَنِ وَلَيِّهِ، وَإِنْ كَاتَبَ الْمُكَلَّفُ عَبْدَهُ الطِّفْلَ أَوِ الْمَجْنُونَ، لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ إِذَا قَالَ: إِذَا أَدَّيْتُمَا إِلَيَّ فَأَنْتُمَا حُرَّانِ، عُتِقَا بِالْأَدَاءِ صِفَةً لَا كِتَابَةً، وَمَا فِي أَيْدِيهِمَا لِسَيِّدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ، فَوَجْهَانِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي الْعِتْقَ (وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ، صَحَّ) لِأَنَّهُ مُمَيِّزٌ، وَالْمَصْلَحَةُ لَهُ فِي الْعِتْقِ بِخَلَاصِهِ مِنَ الرِّقِّ، كَالْبَالِغِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 فَإِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ، فَأَنْتَ حُرٌّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشْتَرَطَ قَوْلُهُ أَوْ نِيَّتُهُ، وَلَا تَصِحُّ إِلَّا عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ مُنَجَّمٍ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، يَعْلَمُ قَدْر مَا يُؤَدّي فِي كُلِّ نَجْمٍ، وَقِيلَ: تَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: وَإِذَا كَاتَبَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَا، صَحَّ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، أَوْ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَإِنْ أَسْلَمَ مُكَاتَبُ الذِّمِّيِّ، لَمْ تَنْفَسِخِ الْكِتَابَةُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ، فَإِنْ عَجَزَ، أُجْبِرَ، فَإِنِ اشْتَرَى مُسْلِمًا وَكَاتَبَهُ، لَمْ تَصِحَّ الْكِتَابَةُ ; لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَصِحُّ، وَإِنْ دَبَّرَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ كَاتَبَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ الَّذِي أَسْلَمَ فِي يَدِهِ، صَحَّ، وَإِنْ كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ، صَحَّ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: لَا ; لِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ، وَجَوَابُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ} [الأحزاب: 27] وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ تَقْتَضِي صِحَّةَ أَمْلَاكِهِمْ، فَتَقْتَضِي صِحَّةَ تَصَرُّفَاتِهِمْ (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ) لِأَنَّهَا إِمَّا بَيْعٌ، وَإِمَّا تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى الْأَدَاءِ، وَكَلَاهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَوْلُ (وَتَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا) لِأَنَّهُ لَفْظُهَا الْمَوْضُوعُ لَهَا، فَانْعَقَدَتْ بِهِ كَلَفْظِ النِّكَاحِ، وَيُشْتَرَطُ مَعَهُ قَبُولُهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالتَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهَا (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) ذَلِكَ، بَلْ قَالَ (فَإِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ، فَأَنْتَ حُرٌّ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْكِتَابَةِ، فَانْعَقَدَ بِهِ كَصَرِيحِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشْتَرَطَ قَوْلُهُ) هَذَا وَجْهٌ فِي التَّرْغِيبِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَقِيلَ: (أَوْ نِيَّتُهُ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي الْمَعْنَى تَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى الْأَدَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّلَفُّظِ بِهِ أَوْ نِيَّتِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي الصِّحَّةِ، فَإِنْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ، اعْتُبِرَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءوسِ الْمَسَائِلِ: مِنَ الْكُلِّ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا عَلَى عِوَضٍ) مُبَاحٍ (مَعْلُومٍ مُنَجَّمٍ نَجْمَيْنِ) لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا ; لِأَنَّ جَعْلَهُ حَالًّا يُفْضِي إِلَى الْعَجْزِ عَنْ أَدَائِهِ، وَفُسِخَ الْعَقْدُ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةَ الصَّحَابَةِ عَقَدُوهَا كَذَلِكَ، وَلَوْ جَازَتْ حَالَّةً لَفُعِلَ (فَصَاعِدًا) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: نَجْمٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: نَجْمَانِ، وَنَجْمَانِ أَحَبُّ إِلَيَّ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ نَجْمَيْنِ ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي: تَصِحُّ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ، وَلَهُ الْوَسَطُ، وَتَصِحُّ عَلَى مَالٍ وَخِدْمَةٍ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَتِ الْخِدْمَةُ أَوْ تَأَخَّرَتْ، وَإِذَا أَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ أَوْ أُبْرِئَ   [المبدع في شرح المقنع] مُشْتَقَّةٌ مِنَ الضَّمِّ، فَوَجَبَ افْتِقَارُهَا إِلَى نَجْمَيْنِ، لِيَحْصُلَ الضَّمُّ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ وفي الشرح: إنه قياس المذهب (يَعْلَمُ قَدْرَ مَا يُؤَدِّي فِي كُلِّ نَجْمٍ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَسَوَاءٌ سَاوَتِ الْمُدَّةُ أَوِ اخْتَلَفَتْ، وَعَلَيْهِ فِي تَوْقِيتِهَا بِسَاعَتَيْنِ، أَمْ يُعْتَبَرُ مَا لَهُ وَقَعَ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ، فِيهِ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ (وَقِيلَ: تَصِحُّ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ) قَالَه ابْنُ أَبِي مُوسَى ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْجِيلُ، فَجَازَ إِلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ كَالسَّلَمِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّأْجِيلِ إِمْكَانُ التَّسْلِيمِ عِنْدَهُ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِالنَّجْمِ الْوَاحِدِ، وَفِي التَّرْغِيبِ فِي كِتَابَةِ مَنْ نِصْفُهُ حُرُّ كِتَابَةٍ حَالَّةً وَجْهَانِ، وَفِي الْكَافِي: وَالْأَحْوَطُ نَجْمَانِ فَصَاعِدًا، انْتَهَى، فَإِنْ قَالَ: يُؤَدِّي إِلَيَّ فِي كُلِّ عَامٍ مِائَةً، جَازَ، وَيَكُونُ أَجَلُ كُلِّ مِائَةٍ عِنْدِ انْقِضَاءِ السَّنَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَرُدَّ بِقَوْلِ بَرِيرَةَ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَإِنَّ الْأَجَلَ إِذَا تَعَلَّقَ بِمُدَّةٍ تَعَلَّقَ بِأَحَدِ طَرَفَيْهَا، فَإِنْ كَانَ بِحَرْفِ " إِلَى " تَعَلَّقَ بِأَوَّلِهَا، كَقَوْلِهِ: إِلَى شَهْرِ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ بِحَرْفِ " فِي " كَانَ إِلَى آخِرِهَا ; لِأَنَّهُ جَعَلَ جَمِيعَهَا وَقْتًا لِأَدَائِهَا (وَقَالَ الْقَاضِي) وَأَصْحَابُهُ (تَصِحُّ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ) صَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ كَمَهْرٍ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ الْمُطْلَقُ فِيهِ عِوَضًا كَالْعَقْلِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْكِتَابَةِ كَالثَّوَابِ الْمُطْلَقِ، وَيُفَارِقُ الْعَقْلَ ; لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ مُقَدَّرٍ فِي الشَّرْعِ، وَهُنَا عِوَضٌ مُقَدَّرٌ فِي عَقْدٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ الْمُطْلَقَ لَا تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْعَبْدِ الْمُطْلَقِ (وَلَهُ الْوَسَطُ) وَهُوَ السِّنْدِيُّ ; لِأَنَّهُ كَذَلِكَ عَقْدُهُ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ، فَكَذَا هُنَا (وَتَصِحُّ عَلَى مَالٍ وَخِدْمَةٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ، فَلْيَكُنْ فِيهَا كَذَلِكَ (سَوَاءٌ تَقَدَّمَتِ الْخِدْمَةُ أَوْ تَأَخَّرَتْ) لِأَنَّ تَقَدُّمَهَا وَتَأَخُّرَهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا صَالِحَةً لِلْعِوَضِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَصِحُّ عَلَى الْخِدْمَةِ الْحَالَّةِ لَا الْمَالِ، فَإِنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ فِي الْمَالِ، إِنَّمَا كَانَ لِئَلَّا يَتَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْ أَدَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 مِنْهُ، عَتَقَ، وَمَا فَضُلَ فِي يَدِهِ، فَهُوَ لَهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي صَارَ حُرًّا، وَيُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ، كَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ   [المبدع في شرح المقنع] الْعِوَضِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْخِدْمَةِ، فَإِنْ كَاتَبَهُ فِي الشَّهْرِ الْقَابِلِ، صَحَّ، كَالْمُحَرَّمِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَلَوْ قَدَّمَهَا فَأَوَّلَهَا عَقِيبَ الْعَقْدِ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ، وَمَحَلُّهُ سَلْخُ الشَّهْرِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ عَيَّنَاهُ وَجْهَانِ، لِاتِّحَادِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ شَرَطَهُ بَعْدَ الشَّهْرِ بِيَوْمٍ أَوْ أَكَثُرَ، صَحَّ، وَإِنْ شَرَطَهُ حَالًّا فَلَا (وَإِذَا أَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ) فَقَبَضَهُ هُوَ أَوْ وَلِيٌّ مَجْنُونٌ، وَلَوْ مِنْ مَجْنُونٍ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ (أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ) وَالْأَصَحُّ: أَوْ بَعْضِ وَرَثَتِهِ الْمُوسِرِ مِنْ حَقِّهِ (عَتَقَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يُعْتَقُ قَبْلَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، قَالَ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ كِتَابَتِهِ، وَبِمَفْهُومِهِ: أَنَّهُ إِذَا أَدَّاهَا لَا يَبْقَى عَبْدًا (وَمَا فَضُلَ فِي يَدِهِ فَهُوَ لَهُ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ قَبْلَ الْعِتْقِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي صَارَ حُرًّا) لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ لَهُ مَا يُؤَدِّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَأَمَرَهُنَّ بِالْحِجَابِ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ لِمَا يُؤَدِّيهِ، وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِ الْكِتَابَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدَّاهُ (وَيُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ) أَيْ: إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْأَدَاءِ، أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ الْقَادِرِ عَلَيْهَا، فَإِنْ هَلَكَ مَا فِي يَدِهِ قَبْلَ أَدَائِهِ، صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ مَعَ حُرِّيَّتِهِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يُعْتَقْ قَبْلَ الْأَدَاءِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ أَلْفًا، فَعَلَيْهَا: إِنْ أَدَّى عَتَقَ، وَقِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ عَلَى قَاتِلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ، لَمْ يُعْتَقْ، وَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْأَدَاءِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُؤَدِّيهُ الْإِمَامُ عَنْهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَجْزًا، وَلَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ الْفَسْخَ فِي الْأَصَحِّ، وَيَمْلِكُ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ، وَإِذَا عُجِّلَتِ الْكِتَابَةُ قَبْلَ مَحَلِّهَا، لَزِمَ السَّيِّدَ الْأَخْذُ، وَعَتَقَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ إِذَا   [المبدع في شرح المقنع] الْكَسْبِ، وَلَا يَمْلِكُهُ إِنْ مَلَكَ وَفَاءً عَلَى الْأَصَحِّ (فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ) مَاتَ رَقِيقًا وَانْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ (كَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) أَيْ: إِذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ، وَقُلْنَا: لَا يُعْتَقُ بِمِلْكِهِ، انْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ وَارِثٌ مُوسِرٌ حَقَّهُ، سَرَى فِي الْأَصَحِّ، وَضَمِنَ حَقَّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ أُبْرِئَ مِنْ بَعْضِ النُّجُومِ، لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْأَصَحِّ (وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ) أَيْ يُعْتَقُ وَيَمُوتُ حُرًّا، فَيَكُونَ لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاوِيَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ حُرًّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ ; لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ تَنْفَسِخْ بِالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَتُفَارِقُ الْكِتَابَةُ الْبَيْعَ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِتَلَفِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً، فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ وَيَمُوتُ رَقِيقًا، وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْفَتْوَى، إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ أَدَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي (وَإِذَا عُجِّلَتِ الْكِتَابَةُ قَبْلَ مَحَلِّهَا لَزِمَ السَّيِّدَ الْأَخْذُ وَعَتَقَ) هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ) هَذَا رِوَايَةُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْمَالِ إِلَّا عِنْدَ نُجُومِهِ ; لِأَنَّ بَقَاءَ الْمُكَاتَبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فِي مِلْكِهِ حَقٌّ لَهُ، وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُعْتَقْ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ وَالْخِرَقِيُّ قَوْلَهُمَا فِيهِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا لَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ كَالَّذِي لَا يَخْتَلِفُ قَدِيمُهُ وَلَا حَدِيثُهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَؤُنَةٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ عِنْدِي أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا ذَكَرْنَاهُ فِي السَّلَمِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ فِي غَيْرِ تَفْصِيلٍ اعْتِمَادًا عَلَى إِطْلَاقِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ، رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَإِذَا قَدَّمَهُ، فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَسَقَطَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، لَا يُقَالُ: إِذَا عَلَّقَ عِتْقَ رَقِيقِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 كَانَ فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ، وَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ وَإِذَا أَدَّى وَعَتَقَ، فَوَجَدَ السَّيِّدُ بِالْعِوَضِ عَيْبًا، فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ.   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى فِعْلٍ فِي وَقْتٍ، فَفَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ ; لِأَنَّهُ مَلَكَ صِفَةً مُجَرَّدَةً لَا يَعْتِقُ إِلَّا بِوُجُودِهَا، وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةٌ يُبْرَأُ فِيهَا بِأَدَاءِ الْعِوَضِ، فَافْتَرَقَا. فَرْعٌ: لَوْ أَحْضَرَ مَالَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْضَهُ لِيُسَلِّمَهُ، فَقَالَ السَّيِّدُ: هُوَ حَرَامٌ، وَأَنْكَرَهُ الْمُكَاتَبُ، قُبِلَ قَوْلُهُ وَوَجَبَ قَبْضُهُ وَيُعْتَقُ، وَإِنْ أَقَامَ السَّيِّدُ بَيِّنَةً بِتَحْرِيمِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ، وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيفُ عَبْدِهِ أَنَّهُ حَلَالٌ، فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ سَيِّدُهُ، وَلَهُ قَبْضُهُ مِنْ دَيْنٍ آخَرَ عَلَيْهِ، وَتَعْجِيزُهُ، وَفِي تَعْجِيزِهِ قَبْلَ أَخْذِ ذَلِكَ عَنْ جِهَةِ الدَّيْنِ وَجْهَانِ، وَإِنْ حَلَفَ الْعَبْدُ، قِيلَ لِسَيِّدِهِ: إِمَّا أَنْ تَأْخُذَهُ، أَوْ تَبْرَأَ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى أَخَذَهُ الْحَاكِمُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ وَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ) مِثْلَ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى نَجْمَيْنِ إِلَى سَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ: عَجِّلْ لِي خَمْسَمِائَةٍ حَتَّى أَضَعَ عَنْكَ الْبَاقِيَ، أَوْ قَالَ: صَالِحْنِي عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ، جَازَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ ; لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَلَا هُوَ مِنَ الدُّيُونِ الصَّحِيحَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا الْعَقْدَ وَسِيلَةً إِلَى الْعِتْقِ، وَأَوْجَبَ فِيهِ التَّأْجِيلَ مُبَالَغَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَتَخْفِيفًا عَنِ الْمُكَاتَبِ، وَإِذَا أَمْكَنَهُ التَّعْجِيلُ عَلَى وَجْهٍ، يَسْقُطُ عَنْهُ بَعْضُ مَا عَلَيْهِ، كَانَ أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ وَالْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، فَعَلَى هَذَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّعْجِيلِ، صَحَّ رُجُوعُهُ. فَرْعٌ: إِذَا صَالَحَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، صَحَّ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُؤَجَّلٍ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ بِيعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ، أَوْ عَنِ الْحِنْطَةِ بِشَعِيرٍ، لَمْ يَجُزِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ ; لِأَنَّهُ بِيعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْمُصَالَحَةُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ مِنْ شَرْطِهِ التَّأْجِيلُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ، فَعَلَى قَوْلِهِ تَجُوزُ الْمُصَالَحَةُ كَيْفَ مَا كَانَتْ كَعَبْدِهِ الْقِنِّ وَسَيِّدِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَإِذَا أَدَّى وَعَتَقَ، فَوَجَدَ السَّيِّدُ بِالْعِوَضِ عَيْبًا، فَلَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 فَصْلٌ وَيَمَلِكُ الْمُكَاتَبُ أَكْسَابَهُ، وَمَنَافِعَهُ، وَالْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ، وَالْإِجَارَةَ، وَالِاسْتِئْجَارَ، وَالسَّفَرَ، وَأَخْذَ الصَّدَقَةِ، وَالْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَرَقِيقِهِ، وَكُلَّ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمَالِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ) إِذَا بَانَ بِالْعِوَضِ عَيْبٌ فَأَمْسَكَهُ، اسْتَقَرَّ الْعِتْقُ ; لِأَنَّ إِمْسَاكَهُ الْمَعِيبَ رَاضِيًا بِهِ رِضًا مِنْهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَجَرَى مَجْرَى إِبْرَائِهِ، إِنِ اخْتَارَ إِمْسَاكَهُ، وَأَخَذَ أَرْشَ الْعَيْبِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ رَدَّهُ، أَخَذَ عِوَضَهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَوْ قِيمَتُهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ: إِنْهُ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ ; لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ، فَإِذَا حَكَمَ بِوُقُوعِهِ لَمْ يَبْطُلْ، أَشْبَهَ الْخُلْعَ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَوَجَّهُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ، وَيَحْكُمُ بِارْتِفَاعِ الْعِتْقِ ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بِالتَّرَاضِي كَالْمَبِيعِ، أَمَّا إِذَا دَفَعَ مَالَ الْكِتَابَةِ، فَبَانَ مُسْتَحِقًّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ ; لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا الدَّفْعِ كَعَدَمِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ. [يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ أَكْسَابَهُ وَمَنَافِعَهُ وَالْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ] فَصْلٌ (وَيَمَلِكُ الْمُكَاتَبُ أَكْسَابَهُ وَمَنَافِعَهُ وَالْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ) بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِأَدَاءِ عِوَضِهِ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ إِلَّا بِالِاكْتِسَابِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ أَقْوَى جِهَاتِ الِاكْتِسَابِ، فَإِنْهُ قَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ: «أَنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ» (وَالْإِجَارَةَ، وَالِاسْتِئْجَارَ) كَالْبَيْعِ (وَالسَّفَرَ) قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا ; لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْكَسْبِ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرٍ تَحِلُّ نُجُومُ كِتَابَتِهِ قَبْلَ قُدُومِهِ، كَالْغَرِيمِ الَّذِي يَحِلُّ الدَّيْنُ عَلَيْهِ قَبْلَ مُدَّةِ سَفَرِهِ (وَأَخْذَ الصَّدَقَةِ) وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَحَبَّةً ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لِلْمُكَاتَبِينَ الْأَخْذَ مِنَ الْوَاجِبَةِ، فَالْمُسْتَحَبَّةُ أَوْلَى (وَالْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَرَقِيقِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا غِنًى عَنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْوَلَدِ، أَيْ: التَّابِعُ لَهُ كَوَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ، فَإِنْ عَجَزَ، وَلَمْ يَفْسَخْ سَيِّدُهُ كِتَابَتَهُ، فَتَلْزَمُ النَّفَقَةُ لِسَيِّدِهِ، وَلِلْمُكَاتَبِ النَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ لِسَيِّدِهِ، وَفِيهِ مِنْ مُكَاتَبِهِ لِسَيِّدِهِ احْتِمَالَانِ (وَكُلَّ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمَالِ) أَيْ: يَمْلِكُ كُلَّ تَصَرُّفٍ فِيهِ صَلَاحُ الْمَالِ كَأَدَاءِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَجَرَيَانِ الرِّبَا بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّهُ صَارَ لِمَا بَذَلَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 شَرَطَ أَنْ لَا يُسَافِرَ، وَلَا يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ، فَهَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلَا يَتَسَرَّى، وَلَا يَتَبَرَّعَ، وَلَا يُقْرِضَ، وَلَا يُحَابِيَ، وَلَا يَقْتَصَّ مِنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ رَقِيقِهِ، وَلَا يَعْتِقَ، وَلَا يُكَاتِبَ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَوَلَاءُ مَنْ يُعْتِقُهُ   [المبدع في شرح المقنع] مِنَ الْعِوَضِ كَالْحُرِّ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ، وَالْأَخْذُ بِهَا مِنْ سَيِّدِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَعَكْسُهُ لَوِ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ شِقْصًا لِسَيِّدِهِ فِيهِ شَرِكَةٌ، فَلَهُ الْأَخْذُ مِنَ الْمُكَاتَبِ. (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَافِرَ، وَلَا يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ، فَهَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: إِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُسَافِرَ، فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ، قَالَهُ الْقَاضِي وَجَمْعٌ ; لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ كَشَرْطِ تَرْكِ الِاكْتِسَابِ. وَالثَّانِي، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَصِحُّ شَرْطُهُ ; لِأَنَّ لَهُ فِيهِ فَائِدَةً، فَلَزِمَ كَمَا لَوْ شَرَطَ نَقْدًا مَعْلُومًا، فَعَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، فَإِنْ سَافَرَ، فَلَهُ رَدُّهُ إِنْ أَمْكَنَهُ، وَإِلَّا مَلَكَ تَعْجِيزَهُ، وَرَدَّهُ إِلَى الرِّقِّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِشَرْطِهِ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ كَإِمْكَانِهِ رَدَّهُ، وَأَمَّا إِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَنَّهُ إِنْ خَالَفَ مَرَّةً لَمْ يُعَجِّزْهُ بِخِلَافِ الْمَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا رَآهُ يَسْأَلُ النَّاسَ مَرَّةً فِي مَرَّةٍ، عَجَّزَهُ، كَمَا إِذَا حَلَّ نَجْمٌ فِي نَجْمٍ، وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، وَلَا يُطْعِمُهُ مِنْ صَدَقَتِهِمْ وَأَوْسَاخِهِمْ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لَهُمْ سَهْمًا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَلَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ حِينَئِذٍ، كَمَا لَا يَصِحُّ شَرْطُ نَوْعٍ مِنَ التِّجَارَةِ. فَرْعٌ: إِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْعَيْبِ وَالدَّيْنِ صَحِيحٌ ; لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ، وَيَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ بِذِمَّتِهِ ; لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، فَلَيْسَ مِنَ السَّيِّدِ غُرُورٌ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ. (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلَا يَتَسَرَّى، وَلَا يَتَبَرَّعَ، وَلَا يُقْرِضَ، وَلَا يُحَابِيَ، وَلَا يَقْتَصَّ مِنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ رَقِيقِهِ، وَلَا يُعْتِقُ، وَلَا يُكَاتِبَ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» وَلِأَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ مِنْ كَسْبِهِ، وَرُبَّمَا عَجَزَ فَيَرِقُّ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ نَاقِصَ الْقِيمَةِ، أَمَّا إِذَا أَذِنَ سَيِّدُهُ، جَازَ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ، فَإِذَا أَذِنَ، فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَلَقِنِّ، لَصَحَّ، فَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ وَلَا أَمَتَهُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنِ الْقَاضِي: لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فَقَطْ ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضًا فِي تَزْوِيجِهَا، وَلَنَا أَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ ضَرَرًا، وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَمَهْرُهَا، وَهِيَ تُمَلِّكُ الزَّوْجَ بِعضَهَا وَيَنْقُصُ قِيمَتَهَا، وَتُسَلِّمُ نَفْسَهَا لَيْلًا وَكَسْبُهَا لِسَيِّدِهَا. الثَّانِيَةُ: إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي، جَازَ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِهِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنَ التَّسَرِّي، وَعَنْ أَحْمَدَ: الْمَنْعُ، وَعَنْهُ: عَكْسُهُ، وَرُدَّ بِأَنَّ عَلَى السَّيِّدِ ضَرَرًا، فَمُنِعَ مِنْهُ كَالتَّزْوِيجِ، لَكِنْ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ ; لِأَنَّهُ وَلَدُهُ، وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى كِتَابَتِهِ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ، وَعَتَقَ الْوَلَدُ ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ، أَشْبَهَ الْجُزْءَ، وَإِنْ عَجَزَ، عَادَ إِلَى الرِّقِّ. الثَّالِثَةُ: لَيْسَ لَهُ اسْتِهْلَاكُ مَالِهِ، وَلَا هِبَتُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ فَيَعُودُ إِلَيْهِ، وَيَجُوزُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِهِ. الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَا يُقْرِضُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ; لِأَنَّهُ بِفَرْضِيَّةِ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ بِفَلْسٍ أَوْ مَوْتِ الْمُقْتَرِضِ، وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا قَرْضَهُ بِرَهْنٍ. الْخَامِسَةُ: أَنْ لَا يُحَابِيَ الْمَالَ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ; لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَمُنِعَ مِنْهُ كَالْهِبَةِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى السَّيِّدِ. السَّادِسَةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ رَقِيقِهِ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ; لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ لِمَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 وَيُكَاتِبُهُ لِسَيِّدِهِ، وَلَا يُكَفِّرَ بِالْمَالِ، وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِ السيِّدِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ أَوْ يُضَارِبَ بِمَالِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ ذَوِي رَحِمِهِ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] مَصَالِحِ مِلْكِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْهُ، صَارَ وَسِيلَةً إِلَى إِقْدَامِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. السَّابِعَةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ رَقِيقِهِ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. (وَوَلَاءُ مَنْ يُعْتِقُهُ وَيُكَاتِبُهُ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَلِأَنْ يَثْبُتَ عَلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: لَهُ إِنْ عَتَقَ (وَلَا يُكَفِّرَ بِالْمَالِ) لِأَنَّهُ عَبْدٌ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاةٌ وَلَا نَفَقَةُ قَرِيبِهِ (وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ) صَحَّحَهَا فِي الْمُغْنِي، وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لِلسَّيِّدِ، وَقَدْ أَذِنَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ لَا الْوُجُوبِ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ، لَكَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِفْضَائِهِ إِلَى تَفْوِيتِ الْحُرِّيَّةِ، فَلَمْ يَجِبِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ كَالتَّبَرُّعِ (وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ أَوْ يُضَارِبَ بِمَالِهِ) أَوْ يَبِيعَ نِسَاءً، وَلَوْ بَرهن وَهِبَته بِعِوَضٍ وَقَوَده مِنْ بَعْضِ رَقِيقِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِهِ إِذَا كَفَلَ بَعْضٌ بَعْضًا وَحْدَهُ، وَعِتْقُهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ وَقَوَدُهُ لِنَفْسِهِ مِمَّنْ جَنَى عَلَى طَرَفِهِ بِلَا إِذْنٍ (يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى السَّيِّدِ، وَرُبَّمَا فِيهِ غَرَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنْهُ أَسْلَمَ مَالَهُ لِغَيْرِهِ. وَالثَّانِي: بَلَى ; لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلرِّبْحِ، أَشْبَهَ الِاسْتِدَانَةَ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ إِنِ احْتَاجَ إِلَى إِنْفَاقِ مَالِهِ فِيهِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَهُ أَنْ يَحُجَّ مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحُجُّ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْحَجُّ مِنْ غَيْرِ إِنْفَاقِ مَالِهِ، فَيَجُوزُ إِذَا لَمْ يَأْتِ نَجْمُهُ. الثَّانِيَةُ: لَا تَجُوزُ هَدِيَّةٌ لِلْمَأْكُولِ وَإِعَارَةُ دَوَابِّهِ وَالتَّوْسِعَةُ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ، وَيَحْتَمِلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ إِذَا وُهِبُوا لَهُ، أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِمَالِهِ، وَمَتَى مَلَكَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُمْ، وَلَهُ كَسْبُهُمْ وَحُكْمُهُمْ حُكْمُهُ، فَإِنْ عَتَقَ، عَتَقُوا، وَإِنْ رَقَّ، صَارُوا رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ، وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ يَتْبَعُهَا، وَإِنِ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ، انْفَسَخَ   [المبدع في شرح المقنع] الْجَوَازَ، وَلَا يَضْمَنُ، قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: لَهُ إِطْعَامُ الطَّعَامِ لِضِيفَانِهِ، وَإِعَارَةُ أَوَانِي مَنْزِلِهِ مُطْلَقًا. الثَّالِثَةُ: إِذَا شَرَطَ الْخِدْمَةَ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَفِي الِانْتِصَارِ: يَسْتَمْتِعُ بِجَارِيَتِهِ وَيَسْتَخْدِمُهَا وَيَتَصَرَّفُ بِمَشِيئَتِهِ إِلَّا بِتَبَرُّعٍ (وَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ ذَوِي رَحِمِهِ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُؤَدِّي إِلَى إِتْلَافِ مَالِهِ، فَإِنْهُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْهِبَةِ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ) رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ كَتَمَلُّكِهِمْ بِالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ، إِذْ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِنْ عَجَزَ، فَهُمْ عَبِيدٌ، وَإِنْ عَتَقَ، لَمْ يَضُرَّ السَّيِّدَ عِتْقُهُمْ، وَمِثْلُهُ الْفِدَاءُ، قَالَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ: يَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ، وَيَصِحُّ شِرَاءُ مَنْ يُعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالتَّرْغِيبِ، فَإِنْ عَجَزَ عُتِقُوا (وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ إِذَا وُهِبُوا لَهُ، أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِمَالِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَبُولِ إِتْلَافُ مَالٍ وَلَا ضَرَرٌ، مَعَ أَنَّهُ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ بِتَقْدِيرِ الْأَدَاءِ، وَذَلِكَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا (وَمَتَى مَلَكَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُمْ) وَلَا إِخْرَاجُهُمْ عَنْ مِلْكِهِ ; لِأَنَّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ جُزْئِهِ، فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَبَعْضِهِ (وَلَهُ كَسْبُهُمْ) لِأَنَّهُمْ مَمَالِيكُهُ (وَحُكْمُهُمْ حُكْمُهُ) لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لَهُ (فَإِنْ عَتَقَ عَتَقُوا) أَيْ: لِأَنَّهُ إِذَا أَدَّى عَتَقَ وَكَمُلَ مِلْكُهُ فِيهِمْ، فَعَتَقُوا حِينَئِذٍ، وَوَلَاؤُهُمْ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ، وَاخْتَارَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهِ لَهُمْ، وَإِنْ أَعْتَقَهُمُ الْمُكَاتَبُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَتَقُوا (وَإِنْ رَقَّ صَارُوا رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ) وَنَفَقَتُهُمْ عَلَى الْمُكَاتَبِ ; لِأَنَّهُمْ عَبِيدُهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُمُ السَّيِّدُ لَمْ يُعْتَقُوا ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَبِيدًا لَهُ (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ، فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ (وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ يَتْبَعُهَا) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ، فَسَرَى إِلَى الْوَلَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 نِكَاحُهَا، وَإِنِ اسْتَوْلَدَ أَمَتَهُ، فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] كَالِاسْتِيلَادِ، فَإِنْ عَتَقَتْ بِالْأَدَاءِ أَوِ الْإِبْرَاءِ، عَتَقَ، وَسَوَاءٌ كَانَ حَمْلًا حَالَ الْكِتَابَةِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهَا، فَأَمَّا قَبْلَ الْكِتَابَةِ، فَلَا يَتْبَعُهَا ; لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَهَا بِالْعِتْقِ، لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا، فَلِأَنْ لَا يَتْبَعَهَا فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَرْعٌ: قِيمَةُ الْوَلَدِ إِنْ تَلَفَ وَكَسْبُهُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِأُمِّهِ، وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُ، عَادَ رَقِيقًا، فَإِنْ خَلَّفَ وَفَاءً، انْبَنَى عَلَى فَسْخِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ عُتِقَتْ بِغَيْرِ الْأَدَاءِ أَوِ الْإِبْرَاءِ، لَمْ يُعْتَقْ وَلَدُهَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ وَلَدَهَا دُونَهَا، صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا، وَوَلَدُ بِنْتِهَا كَبِنْتِهَا، وَوَلَدُ ابْنِهَا حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ. (وَإِنِ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ) أَوِ الْمُكَاتَبَةُ زَوْجَهَا، صَحَّ ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، وَإِذَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ (انْفَسَخَ نِكَاحُهَا) لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَلِكُ الْيَمِينِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ، وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ، فَمَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ. (وَإِنِ اسْتَوْلَدَ أَمَتَهُ، فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) الْمَذْهَبُ: أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا ; لِأَنَّهَا مُسْتَوْلَدَتُهُ، أَشْبَهَتْ مُسْتَوْلَدَةَ الْحُرِّ. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهَا حَمَلَتْ بِمَمْلُوكٍ في غير مِلْكٍ تَامٍّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 فَصْلٌ وَلَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ، وَلَا يَبِيعُهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ، وَإِنْ جَنَى فَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً، فَعَلَيْهِ أَرْفَقُ الْأَمْرَيْنِ بِهِ مِنْ إِنْظَارِهِ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ مُكَاتَبَتَهُ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ، وَإِنْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ، أَوْ وَطِئَ أُمَّهَا، فَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَيُؤَدَّبُ، وَلَا يُبْلَغُ بِهِ الْحَدُّ، وَإِنْ شَرَطَ وَطْأَهَا، فَلَا مَهْرَ   [المبدع في شرح المقنع] [لَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ شَيْئًا مِنْ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ] فَصْلٌ (وَلَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى نَفْسَهُ، وَلَا يَبْقَى ذَلِكَ لِبَائِعِهِ كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَارَدُ عَلَيْهِ مَلِكَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (وَلَا يَبِيعُهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَعَ سَيِّدِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، فَيَحْرُمُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا فِي الْأَصَحِّ، إِلَّا فِي مَالِ الْكِتَابَةِ (وَإِنْ جَنَى فَعَلَيْهِ) فَلَا قِصَاصَ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ (أَرْشُ جِنَايَتِهِ) لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِانْدِمَالِ الْجُرْحِ، فَإِنْ قُتِلَ فَهَدْرٌ (وَإِنْ حَبْسَهُ مُدَّةً) وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ: أَوْ مَنَعَهُ مُدَّةً (فَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى السَّيِّدِ (أَرْفَقُ الْأَمْرَيْنِ بِهِ مِنْ إِنْظَارِهِ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ) لِأَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُ مَا فَاتَهُ مِثْلٌ (أَوْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنَافِعَهُ، فَلَزِمَهُ عِوَضُهَا كَالْعَبْدِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَرْفَقُهُمَا بِمُكَاتَبِهِ ; لِأَنَّهُ وَجَدَ سَبَبَهَا، فَكَانَ لَهُ أَنْفَعُهُمَا، فَإِنْ قَهْرَهُ أَجْنَبِيٌّ، لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَإِنْ قَهْرَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ، لَمْ يَلْزِمِ السَّيِّدَ إِنْظَارُهُ ; لِأَنَّ الْحَبْسَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ مُكَاتَبَتَهُ) لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنِ اسْتِخْدَامِهَا، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، فَمُنِعَ مِنْ وَطْئِهَا كَالْمُعْتَقَةِ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ) فَلَهُ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، لِبَقَاءِ أَصْلِ الْمِلْكِ كَرَاهِنٍ يَطَأُ بِشَرْطٍ، ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْمُنْتَخَبِ، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَفِي الشَّرْحِ، وَقِيلَ: لَهُ وَطْؤُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَشْغَلُهَا عَنِ الْكَسْبِ (وَإِنْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ، أَوْ وَطِئَ أُمَّهَا، فَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ) وَلِأَنَّهُ عِوَضُ شَيْءٍ مُسْتَحَقٍّ لِلْكِتَابَةِ، فَكَانَ لَهَا كَبَقِيَّةِ مَنَافِعِهَا، وَسَوَاءٌ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ أَوْ طَاوَعَتْهُ ; لِأَنَّهُ عِوَضُ مَنْفَعَتِهَا فَوَجَبَ لَهَا كَأُجْرَةِ خِدْمَتِهَا، وَقِيلَ: إِنْ طَاوَعَتْهُ، فَلَا (وَيُؤَدَّبُ) لِأَنَّهُ وَطِئَ وَطْئًا مُحَرَّمًا (وَلَا يُبْلَغُ بِهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْمُكَاتَبَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 لَهَا عَلَيْهِ، وَمَتَى وَلَدَتْ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ، فَإِنْ أَدَّتْ عَتَقَتْ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهَا، عَتَقَتْ وَسَقَطَ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهَا، وَمَا فِي يَدِهَا لَهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ عَجْزِهَا، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إِذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ، وَإِنْ كَاتَبَ اثْنَانِ جَارِيَتَهُمَا، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] مَمْلُوكَةٌ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ، وَالْآخَرُ جَاهِلًا عُزِّرَ الْعَالِمُ، وَعُذِرَ الْجَاهِلُ (وَإِنْ شَرَطَ وَطْأَهَا، فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ صِحَّةِ اشْتِرَاطٍ، وَكَذَا لَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَهُ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا بِشَرْطٍ، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَهُوَ حُرٌّ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ ; لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَا تَبْطُلُ كِتَابَتُهَا بِذَلِكَ. أَصْلٌ: لَيْسَ لَهُ وَطْءُ بِنْتِ مُكَاتَبَتِهِ، فَإِنْ وَطِئَهَا عُزِّرَ، وَمَهْرُهَا حُكْمُهُ حُكْمُ كَسْبِهَا يَكُونُ لِأُمِّهَا تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا، فَإِنْ أَحْبَلَهَا (وَمَتَى وَلَدَتْ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وُلَدٍ لَهُ) وَالْوَلَدُ حُرٌّ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَلَا قِيمَةُ وَلَدِهَا عَلَى الْأَشْهَرِ، وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ جَارِيَةِ مُكَاتَبَتِهِ وَلَا مُكَاتَبِهِ اتِّفَاقًا، فَإِنْ فَعَلَ، عُزِّرَ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَمَهْرُهَا لِسَيِّدِهَا، وَلَا تَجِبُ قِيمَةُ وَلَدِهَا عَلَى الْأَصَحِّ (وَمَتَى وَلَدَتْ مِنْهُ، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ، فَإِنْ أَدَّتْ عُتِقَتْ) بِالْكِتَابَةِ ; لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهَا، وَمَا فَضُلَ مِنْ كَسْبِهَا، فَهُوَ لَهَا، وَإِنْ عَجَزَتْ، وَرُدَّتْ إِلَى الرِّقِّ، بَطُلَ حُكْمُ كِتَابَتِهَا، وَبَقِيَ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ مُنْفَرِدًا، وَمَا فِي يَدِهَا لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا (فَإِنْ مَاتَ) السَّيِّدُ قَبْلَ عَجْزِهَا (قَبْلَ أَدَائِهَا، عُتِقَتْ) لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ لَهَا شَيْئَانِ يَقْتَضِيَانِ الْعِتْقَ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ، عُتِقَتْ بِهِ (وَسَقَطَ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهَا) لِأَنَّهَا عُتِقَتْ بِغَيْرِ الْكِتَابَةِ (وَمَا فِي يَدِهَا لَهَا) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّ الْعِتْقَ إِذَا وَقَعَ فِي الْكِتَابَةِ لَا يُبْطِلُ حُكْمَهَا، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا لَهَا، وَالْعِتْقُ لَا يَقْتَضِي زَوَالَهُ عَنْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ عُتِقَتْ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ عَجْزِهَا) فَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ ; لِأَنَّهَا قَدْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ بِالْعَجْزِ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا) أَيْ: أَكْثَرُهُمْ (هُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا) لِأَنَّهَا عُتِقَتْ بِحُكْمِ الِاسْتِيلَادِ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْكِتَابَةِ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إِذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ) لِأَنَّ عِتْقَهُ بِالْمُبَاشَرَةِ كَعِتْقِهَا بِالِاسْتِيلَادِ، فَوَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُكْمِ، لَكِنْ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْإِعْتَاقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 وَطِئَاهَا، فَلَهَا الْمَهْرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَيَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا، وَهَلْ يَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَةِ وَلَدِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، فَأُلْحِقَ بِهِمَا، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا يُعْتَقُ نِصْفُهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَبَاقِيهَا بِمَوْتِ الْآخَرِ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا يَسْرِي اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمَا إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ إِلَّا أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] عَنْهُ يَكُونُ بِرِضًا فِي الْعِتْقِ، فَيَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِإِعْطَائِهَا مَالَهَا، وَالْعِتْقُ بِالِاسْتِيلَادِ يَحْصُلُ بِغَيْرِ رِضَا الْوَرَثَةِ وَاخْتِيَارِهِمْ، فَلَا يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ (وَإِنْ كَاتَبَ اثْنَانِ جَارِيَتَهُمَا، ثُمَّ وَطِئَاهَا، فَلَهَا الْمَهْرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْوَطْءَ يُوجِبُ الْمَهْرَ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا حِينَ وَطْئِهَا الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ مَهْرُ بِكْرٍ، وَعَلَى الْآخَرِ مَهْرُ ثَيِّبٍ، فَإِنْ أَفْضَاهَا أَحَدُهُمَا بِوَطْئِهِ، فَعَلَيْهِ لَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ قَدْرُ نَقْصِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَاجِبِ فِي إِفْضَاءِ الْحُرِّ. (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا) أُدِّبَ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، ثُمَّ إِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ (صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِحُرٍّ فِي شَيْءٍ يَمْلِكُ بَعْضَهُ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلسِّرَايَةِ ; لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنَ الْعِتْقِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنَ الْمَجْنُونِ، وَيَنْفُذُ مِنْ جَارِيَةِ ابْنِهِ وَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَرَضِ (وَيَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا) قِنًّا ; لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ رِقَّهَا بِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَدَّاهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَفِي ذِمَّتِهِ، هَذَا ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ ; لِأَنَّ الْإِحْبَالَ أَقْوَى مِنَ الْعِتْقِ، وَفِي ضَمَانِ نِصْفِ مَهْرِهَا وَجْهَانِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ نَصِفُهَا، مُكَاتَبًا، وَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ (وَهَلْ يَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَةِ وَلَدِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ ; لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ فِي مِلْكِهِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَالثَّانِيَةُ، يلزمه وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ سَبِيلِ هَذَا النِّصْفِ: أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِشَرِيكِهِ، فَقَدْ أَتْلَفَ رِقَّهُ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهَا إِنْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ التَّقْوِيمِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَاطِئِ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ التَّقْوِيمِ غَرِمَ نِصْفَ قِيمَتِهِ (وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، فَأُلْحِقَ بِهِمَا، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِمَا (يُعْتَقُ نِصْفُهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَبَاقِيهَا بِمَوْتِ الْآخَرِ) لِأَنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 يَعْجِزَ، فَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، قُوِّمَ عَلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِلَّا فَلَا. فَصْلٌ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ، وَمُشْتَرِيهِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُكَاتَبِ، فَإِنْ أَدَّى إِلَيْهِ، عَتَقَ،   [المبدع في شرح المقنع] كُلٌّ مِنْهُمَا (وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا يَسْرِي اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمَا إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ، وَلِمُكَاتَبِهَا عَلَيْهَا الْوَلَاءُ، وَفِي السِّرَايَةِ إِبْطَالٌ لِذَلِكَ (فَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ) لِأَنَّ لَهُ حَالَةً يَسْرِي فِيهَا، وَحَالَةً لَا يَسْرِي فِيهَا (فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ) لِأَنَّ اسْتِيلَادَ الْمُوسِرِ مُوجِبٌ لِلسِّرَايَةِ فِي الرَّقِيقِ، وَحِينَئِذٍ فَنَصِفُهَا أُمُّ وَلَدٍ، وَنِصْفُهَا مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَدَّتْ عُتِقَتْ، وَإِنْ عَجَزَتْ فُسِخَتِ الْكِتَابَةُ، وَقُوِّمَتْ عَلَى الْوَاطِئِ، وَصَارَ جَمِيعُهَا أُمَّ وَلَدٍ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا كَانَ الْوَاطِئُ مُعْسِرًا، لَمْ يَسْرِ إِحْبَالُهُ إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ; لِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ، فَلَمْ يَسْرِ مَعَ الْإِعْسَارِ كَالْقَوْلِ، وَيَصِيرُ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنْ عَجَزَتِ اسْتَقَرَّ الرِّقُّ فِي نِصْفِهَا، وَثَبَتَ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ لِنِصْفِهَا. [جَوَازُ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ] فَصْلٌ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ) نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «جَاءَتْ بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عُدَّةً، وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ فَعَرَضَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا، فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ، ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: بِيعَتْ بَرِيرَةُ بِعِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْ أَنْكَرَهُ، وَلَا أَعْلَمُ خَبَرًا يُعَارِضُهُ، وَلَا أَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ دَلِيلًا عَلَى عَجْزِهَا، وَتَأَوَّلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ عَجَزَتْ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، بَلْ قَوْلُهَا: أَعِينِينِي، دَلِيلٌ عَلَى بَقَائِهَا عَلَى الْكِتَابَةِ (وَمُشْتَرِيهِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهُ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَمْ تَنْفَسِخْ بِهِ كَالنِّكَاحِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا إِذَا كَانَ مَاضِيًا فِيهَا، مُؤَدِّيًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 وَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ، عَادَ قِنًّا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ، فَلَهُ الرَّدُّ أَوِ الْأَرْشُ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنِ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُكَاتَبَيْنِ الْآخَرَ، صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ، وَبَطَلَ شِرَاءُ الثَّانِي، سَوَاءٌ كَانَا لِوَاحِدٍ أَوْ لِاثْنَيْنِ، وَإِنْ جَهِلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَسَدَ   [المبدع في شرح المقنع] مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِهِ فِي أَوْقَاتِهَا (فَإِنْ أَدَّى إِلَيْهِ، عَتَقَ) دُونَ وَلَدِهِ (وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَإِنْ عَجَزَ عَادَ قِنًّا لَهُ) لِأَنَّ حُكْمَهُ مَعَ بَائِعِهِ كَذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ فَلَهُ الرَّدُّ) وَأَخْذُ الثَّمَنِ (أَوِ) الْإِمْسَاكُ مَعَ (الْأَرْشِ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَقْصٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَقَدِ انْعَقَدَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، أَشْبَهَ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْكَسْبِ، فَمَنَعَ الْبَيْعَ كَالَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ كِتَابَتِهِ لَا بِقَدْرِهَا، حَكَاهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَفِي الْوَاضِحِ فِي مُدَبَّرٍ كَذَلِكَ، أَيْ: عَلَى الْخِلَافِ كَعَبْدٍ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ، وَحُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِهِ وَهِبَتُهُ كَبَيْعِهِ، وَعَنْهُ: الْمَنْعُ مِنْ هِبَتِهِ قَصْرًا عَلَى الْمَوْرِدِ، فَأَمَّا وَقْفُهُ، فَلَا يَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الِاسْتِقْرَارِ. فَرْعٌ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ الدَّيْنُ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ نُجُومِهِ لِدَيْنِ السَّلَمِ، فَإِنْ سَلَّمَ الْمُكَاتَبُ إِلَى الْمُشْتَرِي نُجُومَهُ، فَقِيلَ: يُعْتَقُ وَيَبْرَأُ الْمُكَاتَبُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَبَضَهُ، وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ، رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَمَالُ الْكِتَابَةِ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ، وَيَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي إِلَى الْبَائِعِ، لَمْ يَصِحَّ تَسْلِيمُهُ ; لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُكَاتَبِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ (وَإِنِ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُكَاتَبَيْنِ الْآخَرَ، صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ التَّصَرُّفَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ (وَبَطَلَ شِرَاءُ الثَّانِي) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ سَيِّدَهُ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَنَاقُضِ الْأَحْكَامِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَنَا مَوْلَاكَ، وَلِي وَلَاؤُكَ، وَإِنْ عَجَزْتَ صِرْتَ لِي رَقِيقًا (سَوَاءٌ كَانَا لِوَاحِدٍ أَوْ لِاثْنَيْنِ) لِأَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ سَيِّدَهُ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا (وَإِنْ جَهِلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَسَدَ الْبَيْعَانِ) اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَنِكَاحِ الْوَلِيَّيْنِ إِذَا أَشْكَلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا، وَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إِلَى فَسْخٍ، وَلَا إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 الْبَيْعَانِ، وَإِنْ أَسَرَ الْعَدُوُّ الْمُكَاتَبَ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ، فَأَحَبَّ سَيِّدُهُ، أَخَذَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ، وَإِلَّا فَهُوَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مبقي عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ. فَصْلٌ وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، فَعَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْكِتَابَةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتَحَاصَّانِ، وَإِنْ عَتَقَ، فَعَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ، وَإِنْ عَجَزَ، فَلِسَيِّدِهِ تَعْجِيزُهُ إِنْ كَانَتِ   [المبدع في شرح المقنع] قُرْعَةٍ، وَأَجْرَاهُ الْقَاضِي مَجْرَى الْوَلِيَّيْنِ، فَعَلَى هَذَا يَفْسَخُ الْحَاكِمُ الْبَيْعَيْنِ فِي رِوَايَةٍ، وَيُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فِي أُخْرَى (وَإِنْ أَسَرَ الْعَدُوُّ الْمُكَاتَبَ، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فَأَحَبَّ سَيِّدُهُ، أَخَذَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ) أَيْ: يَأْخُذُهُ سَيِّدُهُ بِمَا اشْتَرَاهُ الْغَيْرُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا إِذَا اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ، وَهَلْ يُحْتَسَبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا عِنْدَ الْكَافِرِ؛ فِيهَا وَجْهَانِ، رَجَّحَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ يُحْتَسَبُ بِهَا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُحِبَّ سَيِّدُهُ أَخْذَهُ (فَهُوَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مبقي عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا تَبْطُلُ بِالْبَيْعِ، فَلِأَنْ لَا تَبْطُلَ بِالْكَسْرِ بِطْرِيقِ الْأَوْلَى، يُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ ; لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ قَدْ أَدَّى كِتَابَتَهُ، وَوَلَاؤُهُ لَهُ ; لِأَنَّهُ مُعْتِقُهُ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لِسَيِّدِهِ: أَعْتِقْ مُكَاتَبَكَ عَلَى كَذَا، فَفَعَلَ، عَتَقَ وَلَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ بِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِذَا أَدَّى حَرْبِيٌّ عَنْ مُكَاتَبٍ دَيْنَ الْكِتَابَةِ بِلَا إِذْنِهِ، لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ قَضَى دَيْنًا آخَرَ، رَجَعَ بِهِ إِنْ نَوَاهُ. [إِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ] فَصْلٌ (وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَعَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ) أَيْ: إِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ، تَعَلَّقَ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: جِنَايَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يَرْجِعُ بِهَا سَيِّدُهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ، يَبْدَأُ بِأَدَاءِ الْجِنَايَةِ (مُقَدَّمًا عَلَى الْكِتَابَةِ) سَوَاءٌ حَلَّ نَجْمٌ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ جِنَايَتَهُ تُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمِلْكِ إِذَا كَانَ قِنًّا، فَعَلَى حَقِّهِ فِي الْمُكَاتَبِ أَوْلَى (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتَحَاصَّانِ) لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَتَسَاوَيَا، وَكَذَا إِنْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ (وَإِنْ عَتَقَ، فَعَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ) أَيْ: إِذَا أَدَّى مُبَادِرًا، وَلَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، عَتَقَ، وَاسْتَقَرَّ الْفِدَاءُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَفَدَاهُ سَيِّدُهُ، وَإِلَّا فُسِخَتِ الْكِتَابَةُ وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ، فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ، وَالْوَاجِبُ فِي الْفِدَاءِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كَامِلَةً، وَإِنْ لَزِمَتْهُ دُيُونُ مُعَامَلَةٍ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَيَكُونُ الْأَرْشُ فِي ذِمَّتِهِ، فَيَضْمَنُ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَيَفْدِيهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ عَتَقَهُ السَّيِّدُ، فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَحَلَّ الِاسْتِحْقَاقِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ (وَإِنْ عَجَزَ، فَلِسَيِّدِهِ تَعْجِيزُهُ إِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْأَرْشَ حَقٌّ لَهُ، فَكَانَ لَهُ تَعْجِيزُهُ إِذَا عَجَزَ عَنْهُ كَمَالُ الْكِتَابَةِ (وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَفَدَاهُ سَيِّدُهُ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا لَمِلْكٍ، فَدَاهُ، فَكَذَا هُنَا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ (فَسُخِتِ الْكِتَابَةُ وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ) قِنًّا، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ ; لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ السَّيِّدِ ; لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ يَتَعَلَّقُ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ السَّيِّدِ، فَإِنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: جِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ يَفْدِيهِ إِنْ شَاءَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِهِ أَقُولُ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ، فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ) أَيْ: عَلَى السَّيِّدِ فِدَاءُ الْجَانِي ; لِأَنَّهُ فَوَّتَ تَسْلِيمَ الرَّقَبَةِ إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ فِدَاؤُهُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ (وَالْوَاجِبُ فِي الْفِدَاءِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ) لِأَنَّ الْأَقَلَّ إِنْ كَانَ الْقِيمَةَ، فَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا الرَّقَبَةَ وَالْقِيمَةُ بَدَلٌ عَنْهَا ; لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْمَالِيَّةِ لَا الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، فَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْهَا ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِمَّا جُنِيَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: جِنَايَتُهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، وَعَنْهُ: وَسَيِّدُهُ بِالْأَرْشِ كُلِّهِ (وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كَامِلَةً) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ جَنَى عَبْدُهُ غَيْرَ الْجَانِي، وَامْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهِ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدًا، فَلِسَيِّدِهِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لَهُ، وَجَبَ ; لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَعَ سَيِّدِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَيَفْدِي نَفْسَهُ بِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنِ اخْتَارَ السَّيِّدُ تَأْخِيرَ الْأَرْشِ، وَتَقْدِيمَ مَالِ الْكِتَابَةِ جَازَ، وَيُعْتَقُ إِذَا أَدَّى، خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ، وَحُكْمُ وَرَثَةِ السَّيِّدِ مَعَ الْمُكَاتَبِ حُكْمُ سَيِّدِهِ مَعَهُ، فَإِنْ جَنَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 فَصْلٌ وَالْكِتَابَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، لَا يَدْخُلُهَا الْخِيَارُ، وَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا فَسْخَهَا، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَلَا جُنُونِهِ وَلَا الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَيُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ إِلَى سَيِّدِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] جِنَايَاتٍ اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ، فَلِوَلِيِّهِ الِاسْتِيفَاءُ، وَيُبْطَلُ حُقُوقُ الْآخَرِينَ، فَإِنْ عُفِيَ إِلَى مَالٍ، فَكَجِنَايَةِ الْمَالِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ، أَوْ فَدَاهُ، لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشُهَا مُجْتَمِعَةً عَلَى الْأَشْهَرِ (وَإِنْ لَزِمَتْهُ دُيُونُ مُعَامَلَةٍ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ) لَا رَقَبَتِهِ، وَمُقَدَّمُهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ، فَلِهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ مَالٌ، فَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ تَعْجِيزُهُ بِخِلَافِ الْأَرْشِ، وَدَيْنِ الْكِتَابَةِ (يُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ) أَيْ: إِذَا عَجَزَ عَنْهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَالَ يَسَارِهِ، وَعَنْهُ: وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي، فَيَتَسَاوَى الْإِقْدَامُ، وَيَمْلِكُ تَعْجِيزَهُ، وَيَشْتَرِكُ رَبُّ الدَّيْنِ وَالْأَرْشِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِفَوْتِ الرَّقَبَةِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ دَيْنُ الْمُعَامَلَةِ، وَلِغَيْرِ الْمَحْجُورِ تَقْدِيمُ أَيِّ دَيْنٍ شَاءَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ هَلْ يُقَدَّمُ دَيْنُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى السَّيِّدِ كَحَالَةِ الْحَيَاةِ، أَمْ يَتَحَاصَّانِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَهَلْ يَتَصَرَّفُ سَيِّدُهُ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ مَعَ غَرِيمٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. [الْكِتَابَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ لَا يَدْخُلُهَا الْخِيَارُ] فَصْلٌ (وَالْكِتَابَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ لَا يَدْخُلُهَا الْخِيَارُ) وَلِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ (وَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا فَسْخَهَا) كَسَائِرِ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ) كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ الْعَقْدُ دُونَ الشَّرْطِ، وَكَذَا كُلُّ شَرْطٍ فَاسِدٍ فِيهَا (وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (ولَا جُنُونِهِ وَلَا الْحَجْرِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَمْ تَنْفَسِخْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَالْبَيْعِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إِنْ أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ، يُحْتَسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ وَيُعْتَقُ (وَيُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ إِلَى سَيِّدِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ وَغَيْرِهِمْ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَوْضُوعُهَا الْعِتْقُ بِتَقْدِيرِ الْأَدَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ، وَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِيهِ، وَلِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى الْوَرَثَةِ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ، فَهُوَ كَالْأَدَاءِ إِلَى مُورِّثِهِمْ، وَيَكُونُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ كَسَائِرِ دُيُونِهِ، وَإِذَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 حَلَّ نَجْمٌ وَلَمْ يُؤَدِّهِ، فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ، وَعَنْهُ: لَا يُعَجَّزُ حَتَّى يَحِلَّ عَلَيْهِ نَجْمَانِ. وَعَنْهُ: لَا يُعَجَّزُ حَتَّى يَقُولَ: قَدْ عَجَزْتُ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فَسْخُهَا بِحَالٍ، وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَرَثَةِ، فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ يَخْتَصُّ بِهِ عَصَبَتُهُ، وَعَنْهُ: لِلْوَرَثَةِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ بَاعَهُ الْوَرَثَةُ، أَوْ وَهَبُوهُ، فَاحْتِمَالَانِ، وَكَذَا يُعْتَقُ بِالْإِبْرَاءِ، وَفِي الِاعْتِيَاضِ وَجْهَانِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. (وَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ، وَلَمْ يُؤَدِّهِ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ) أَيْ: فَسْخُ الْكِتَابَةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ، فَكَانَ لَهُ الْفَسْخُ، كَمَا لَوْ أَعْسَرَ الْمُشْتَرِي بِبَعْضِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَعَنْهُ: لَا يُعَجَّزُ حَتَّى يَحِلَّ عَلَيْهِ نَجْمَانِ) هَذَا ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَكَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْحَابِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا يُرَدُّ الْمُكَاتَبُ إِلَى الرِّقِّ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ اعْتُبِرَ فِيهِ التَّنْجِيمُ لِإِرْقَاقِ الْعَبْدِ، فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا هُوَ أَرْفَقُ لَهُ، وَإِذَا قُلْنَا: لِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ، لَمْ تَنْفَسِخِ الْكِتَابَةُ بِالْعَجْزِ، بَلْ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُكَاتَبِ بِمَا حَلَّ مِنْ نُجُومِهِ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ، فَإِنِ اخْتَارَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ، لَمْ يَمْلِكِ الْعَبْدُ الْفَسْخَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنِ اخْتَارَ الْفَسْخَ، فَلَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ حُضُورِ حَاكِمٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِنَابَةُ، لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ سَعِيدٌ (وَعَنْهُ: لَا يُعَجَّزُ حَتَّى يَقُولَ: قَدْ عَجَزْتُ) حَكَاهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى ; لِأَنَّ فَوَاتَ الْعِوَضِ لَا يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ، وَعَنْهُ: إِنْ أَدَّى أَكْثَرَ مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يُرَدَّ إِلَى الرِّقِّ، وَيُتْبَعْ بِمَا بَقِيَ، وَيَلْزَمْهُ إِنْظَارُهُ ثَلَاثًا كَبَيْعِ عِوَضٍ، وَمِثْلُهُ مَالُ غَائِبٍ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ يَرْجُو قُدُومَهُ، وَدَيْنٌ حَالٌّ عَلَى مَلِيءٍ وَمُودِعٍ، وَأَطْلَقَ جَمْعٌ: لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ اسْتِيفَاؤُهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ (وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فَسْخُهَا بِحَالٍ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي ; لِأَنَّهَا سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ، وَفِيهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي فَسْخِهَا إِبْطَالُ لِذَلِكَ الْحَقِّ (وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْعَقْدَ لَحِظَهُ، فَمَلَكَ فَسَخَهُ كَمُرْتَهِنٍ وَكَاتِّفَاقِهِمَا، وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا بِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ لَهُ، فَإِذَا رَضِيَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ ثُمَّ مَاتَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ حَتَّى يَعْجِزَ، وَيَجِبَ عَلَى سَيِّدِهِ أَنْ يُؤْتِيَهُ بِرُبُعِ مَالِ الْكِتَابَةِ إِنْ شَاءَ وَضَعَهُ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ قَبَضَهُ   [المبدع في شرح المقنع] بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ سَقَطَ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ (وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ) بِرِضَاهَا (ثُمَّ مَاتَ) السَّيِّدُ أَوْ وَرِثَ زَوْجَتَهُ الْمُكَاتَبَةَ (انْفَسَخَ النِّكَاحُ) عَلَى الْمَذْهَبِ فَيُعَايَا بِهَا ; لِأَنَّ زَوْجَتَهُ تَمْلِكُهُ أَوْ تَمْلِكُ سَهْمًا مِنْهُ، فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا كَمَا لَوِ اشْتَرَتْهُ، وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أُمُورٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ، وَثَانِيهَا: أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا، وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ وَارِثَهُ، فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافُ دِينٍ أَوْ كَاتَبَ قَاتِلَهُ، فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ ; لِأَنَّهَا مَا مَلَكَتْهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ حَتَّى يَعْجِزَ) لِأَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَإِنَّمَا تَمْلِكُ نَصِيبَهَا مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ، وَفِي الِانْتِصَارِ نَصَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ انْتِقَالَ مَا يُقَابِلُهُ إِلَى الْوَرَثَةِ، فَعَلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ بِمُعَيَّنٍ، وَالْكِتَابَةُ تَمْنَعُ الِانْتِقَالَ، فَلَا فَسْخَ، وَعَلَى رِوَايَةٍ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ، فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ، وَالْحُكْمُ فِي سَائِرِ النِّسَاءِ كَالْحُكْمِ فِي الْبِنْتِ (وَيَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ أَنْ يُؤْتِيَهُ) شَيْئًا مِمَّا كُوتِبَ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ إِعْطَاؤُهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَاخْتَلَفَ مُوجِبُهُ، فَقَدَّرَهَا إِمَامُنَا (بِرُبُعِ مَالِ الْكِتَابَةِ) رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا، وَأَوْجَبَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ مَا اخْتَارَهُ السَّيِّدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُقَدِّرُهُ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ كَالْمُتْعَةِ (إِنْ شَاءَ وَضَعَهُ عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ قَبَضَهُ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ التَّخْفِيفُ عَنِ الْمُكَاتَبِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي النُّصْحِ وَأَعُونُ عَلَى حُصُولِ الْعِتْقِ، فَيَكُونَ أَفْضَلَ مِنَ الْإِيتَاءِ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ رِوَايَةٌ وَقَدَّمَهَا: لَا يَجِبُ إِيتَاءُ الرُّبُعِ، وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ، فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ إِنْ أَعْطَاهُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِهِ، جَازَ، وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهَا، وَقِيلَ: لَا، وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، جَازَ لَهُ أَخْذُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْأَشْهَرِ، وَوَقْتُ الْوُجُوبِ حِينَ الْعِتْقِ، وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ أَدَّى إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَعَجَزَ عَنِ الرُّبُعِ، عَتَقَ، وَلَمْ تَنْفَسِخِ الْكِتَابَةُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ إِيتَائِهِ، فَهُوَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ (فَإِنْ أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ) وَعَنْهُ: أَوْ أَكْثَرَ (وَعَجَزَ عَنِ الرُّبُعِ عَتَقَ) وَلِسَيِّدِهِ الْفَسْخُ فِي أَنَصِّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا، وَفِي التَّرْغِيبِ فِي عِتْقِهِ بِالتَّقَاصِّ رِوَايَتَانِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَجْزَ، وَقَالَ: لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ بَعْضِ النُّجُومِ أَوْ أَدَّاهُ، لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ بِمِثْلِ النُّجُومِ، عَتَقَ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلَمْ تَنْفَسِخِ الْكِتَابَةُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ) وَنَسَبَهُ فِي الْكَافِي إِلَى الْأَصْحَابِ ; لِعَجْزِهِ عَنْ مَا وَجَبَ دَفْعُهُ إِلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَعْتِقَ، وَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا، وَلِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ حَقٍّ لَهُ، فَلَمْ تَتَوَقَّفْ حُرِّيَّتُهُ عَلَى أَدَائِهِ كَأَرْشِ جِنَايَةِ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يُتْبَعُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ (وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ) اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَزَيْدٍ وَعَائِشَةَ، أَنَّهُمْ قَالُوا: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَقَّفُ الْعِتْقُ عَلَى أَدَاءِ الْجَمِيعِ، وَإِنْ وَجَبَ رَدُّ الْبَعْضِ إِلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلِلَّهِ عَلَيَّ رَدُّ رُبُعِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ بَعْضِهَا، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، أَوْ رَدَّ فِي الْكِتَابَةِ، وَكَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ صَدَقَةٍ مَفْرُوضَةٍ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: هُوَ لِسَيِّدِهِ، وَالْأُخْرَى: يُجْعَلُ فِي الْمُكَاتَبِينَ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي: يُرَدُّ إِلَى أَرْبَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَلَوْ قَالَ لِمُكَاتَبِهِ: مَتَى عَجَزْتَ بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَهَذَا تَعْلِيقٌ لِلْحُرِّيَّةِ عَلَى صِفَةٍ تَحْدُثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَفِيهِ خِلَافٌ، فَعَلَى الصِّحَّةِ إِنِ ادَّعَى الْعَجْزَ قَبْلَ حُلُولِ النُّجُومِ، لَمْ يَعْتِقْ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَعْجِزُ عَنْهُ. فَرْعٌ: إِذَا كَاتَبَهُ، ثُمَّ أَسْقَطَ عَنْهُ مَالَ الْكِتَابَةِ بَرِئَ وَعَتَقَ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى سَيِّدِهِ بِالْقَدْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 فَصْلٌ وَإِذَا كَاتَبَ عَبِيدًا لَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ، صَحَّ، وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَاتَبًا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، يَعْتِقُ بِأَدَائِهَا، وَيَعْجِزُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا وَحْدَهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْعِوَضُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ، وَلَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ   [المبدع في شرح المقنع] الَّذِي كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِيتَاؤُهُ، وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْقَدْرَ الَّذِي يَلْزَمُهُ إِيتَاؤُهُ وَاسْتوفى الْبَاقِي، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَخَرَّجَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّدَاقِ، وَلَا يَصِحُّ بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَاهُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا كَاتَبَ لثَلَاثَة عَبْدًا فَادَّعَى الْأَدَاءَ إِلَيْهِمْ، فَصَدَّقَهُ اثْنَانِ وَأَنْكَرَهُ الثَّالِثُ، شَارَكَهُمَا فِيمَا أَقَرَّا بِقَبْضِهِ، وَنَصُّهُ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ، وَفِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ. [كَاتَبَ عَبِيدًا لَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ] فَصْلٌ (وَإِذَا كَاتَبَ عَبِيدًا لَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ صَحَّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بَيْعٌ، فَصَحَّ عَقْدُهَا عَلَى جَمَاعَةٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِ ثَلَاثَةٍ لِبَائِعٍ: اشْتَرَيْتُ أَنَا زَيْدًا، وَهَذَا عَمْرًا، وَهَذَا بَكْرًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ (وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ) يَوْمَ الْعَقْدِ ; لِأَنَّهُ حِينَ الْمُعَاوَضَةِ، وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ، فَيُقَسَّطَ عَلَى الْمُعَوِّضِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا، وَكَمَا لَوِ اشْتَرَى عَبِيدًا، فَرُدَّ وَاحِدٌ بِعَيْبٍ (وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَاتَبًا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ يَعْتِقُ بِأَدَائِهَا وَيُعَجَّزُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا وَحْدَهُ) لِأَنَّ الْحِصَّةَ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ الْمَنْقُودِ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَامِنٌ عَنِ الْبَاقِينَ، فَسَدَ الشَّرْطُ، وَصَحَّ الْعَقْدُ، وَعَنْهُ: صِحَّةُ الشَّرْطِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: غَلَبَتْ فِيهَا الصِّفَةُ، فَتَكُونُ جَائِزَةً، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ أَوْ عَتَقَ، سَقَطَ قَدْرُ حِصَّتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ الْأَعْلَوْنَ قِيمَةً: أَدَّيْنَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِنَا، وَقَالَ الْأَدْنَوْنَ قِيمَةً: بَلْ عَلَى عَدَدِنَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي التَّسْوِيَةَ إِنْ جَعَلَ الْعِوَضَ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْعِوَضُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ) وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتَوَجَّهُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْعِوَضَ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 مِنْهُمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ، لم يعتقه واحد منهم حتى تؤدى الكتابة كلها، فَلَوِ اخْتَلَفُوا بَعْدَ الْأَدَاءِ فِي قَدْرِ مَا أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي أَدَاءً قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ عَبْدِهِ، فَإِنْ أَدَّى، عَتَقَ كُلُّهُ وَتَجُوزُ كِتَابَةُ حِصَّتِهِ مِنَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرِكِ بِغَيْرِ إِذَنْ شَرِيكِهِ، فَإِذَا أَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ وَمِثْلَهُ لِسَيِّدِهِ الْآخَرِ، عَتَقَ كُلُّهُ إِنْ كَانَ الَّذِي كَاتَبَهُ مُوسِرًا، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَدَائِهِ، عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] رُؤُوسِهِمْ ; لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَيْهِمْ إِضَافَةً وَاحِدَةً، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ بِشَيْءٍ (وَلَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ) وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُقَدَّرٌ فِيهَا قَوْلُ السَّيِّدِ وفي المغني: مَتَى أَدَّيْتُمْ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ، (لم يعتق واحد منهم حتى تؤدى الكتابة كلها) الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِعِوَضٍ (فَلَوِ اخْتَلَفُوا بَعْدَ الْأَدَاءِ فِي قَدْرِ مَا أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي أَدَاءً قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَدَاءُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ فِيهِ لِاعْتِضَادِهِ بِالظَّاهِرِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِذَا كَاتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ عِدَّتَهُمْ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ، فَقَدْ دَخَلُوا فِي الْكِتَابَةِ أَيْضًا (وَيَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ عَبْدِهِ) لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، فَصَحَّتْ فِي بَعْضِهِ كَالْبَيْعِ، وَيَمْلِكُ مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ، وَفِي التَّرْغِيبِ: يُقَسَّمُ كَسْبُهُ بَيْنَ سَيِّدِهِ وَبَيْنَ مَالِكِ بَاقِيهِ نِصْفَيْنِ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى: يَوْمًا لَهُ وَيَوْمًا لِمَالِكِ بَاقِيهِ، يَعْنِي إِذَا كَاتَبَ نِصْفَهُ (فَإِنْ أَدَّى، عَتَقَ كُلُّهُ) لِأَنَّهُ إِذَا سَرَى فِيهِ الْعِتْقُ إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَإِلَى مِلْكِهِ أَوْلَى (وَتَجُوزُ كِتَابَةُ حِصَّتِهِ مِنَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيكِهِ) لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَجَازَ بِغَيْرِ إِذْنِ الشَّرِيكِ كَالْبَيْعِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ كَانَ مُعْسِرًا، فَلَا بُدَّ مِنْ إِذْنِ شَرِيكِهِ (فَإِذَا أَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ، وَمِثْلَهُ لِسَيِّدِهِ الْآخَرِ، عَتَقَ كُلُّهُ، إِنْ كَانَ الَّذِي كَاتَبَهُ مُوسِرًا) لِأَنَّ بَعْضَهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ، فَيَسْرِي إِلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ نَصِيبَهُ بِالْعِتْقِ (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْحِصَّةَ عَلَى مَالِكِهَا لِإِتْلَافِهَا بِالْعِتْقِ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ (فَإِنْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَدَائِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ، إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 الْقَاضِي: لَا يَسْرِي إِلَى نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ، فَيَقُومَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَاتَبَا عَبْدَهُمَا، جَازَ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى التَّسَاوِي أَوِ التَّفَاضُلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِمَا إِلَّا عَلَى التَّسَاوِي، فَإِذَا كَمُلَ أَدَاؤُهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ، عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَدَّى إِلَى أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ، لَمْ يَعْتِقْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فَيَعْتِقَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَعْتِقَ.   [المبدع في شرح المقنع] عَبْدٍ» وَهَذَا دَاخِلٌ فِي عُمُومِهِ، وَلِأَنَّهُ عِتْقٌ لِجُزْءٍ مِنَ الْعَبْدِ مِنْ مُوسِرٍ غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَسَرَى إِلَى بَاقِيهِ كَالْقِنِّ، وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مُكَاتَبًا ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَبَاقِيهِ عَلَى الْكِتَابَةِ، فَإِنْ عَجَزَ، عَادَ الْجُزْءُ الْمُكَاتَبُ رَقِيقًا، إِلَّا عَلَى رِوَايَةِ الِاسْتِسْعَاءِ (وَقَالَ الْقَاضِي) وَأَبُو بَكْرٍ: (لَا يَسْرِي إِلَى نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ قَدِ انْعَقَدَ لِلْمُكَاتَبِ سَبَبُ الْوَلَاءِ، فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُهُ (إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ فَيَقُومَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ) لِأَنَّهُ عَادَ قِنًّا، فَلَا يُفْضِي إِلَى الْمَحْذُورِ الْمَذْكُورِ (وَإِنْ كَاتَبَا عَبَدَهُمَا، جَازَ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى التَّسَاوِي أَوِ التَّفَاضُلِ) لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَجَازَ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ مُتَسَاوِيًا، وَمُتَفَاضِلًا كَالْبَيْعِ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِمَا إِلَّا عَلَى التَّسَاوِي) يَعْنِي عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ، فَيَتَسَاوَيَانِ فِي الْأَدَاءِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ شَيْئًا، لَمْ يَصِحَّ، وَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَذِنَ فِي الْقَبْضِ، فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ، فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: يَصِحُّ ; لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ، فَجَازَ بِإِذْنِهِ. وَالثَّانِي: لَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَمْ يَقَعْ إِذْنُهُ فِيهِ (فَإِذَا كَمُلَ أَدَاؤُهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ، عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ نَصِيبَهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ، فَيَسْرِي إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ (وَإِنْ أَدَّى إِلَى أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ، لَمْ يَعْتِقْ) لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ بِأَدَاءِ مَالِ الْغَيْرِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فَيَعْتِقَ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ السَّيِّدِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ، صَحَّ الْأَدَاءُ، وَحِينَئِذٍ يَقَعُ الْعِتْقُ لِحُصُولِ الْأَدَاءِ الصَّحِيحِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَعْتِقَ) لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ، وَمَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ مِلْكٌ لَهُ، فَإِذَا أَذِنَ السَّيِّدُ فِيهِ لَمْ يُنَفِّذْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 فَصْلٌ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْكِتَابَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ عِوَضِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي وَفَاءِ مَالِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ، فَإِنْ أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ، أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ، ثَبَتَ الْأَدَاءُ وَعَتَقَ.   [المبدع في شرح المقنع] [إِنِ اخْتَلَفَا فِي الْكِتَابَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهَا] فَصْلٌ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْكِتَابَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ عِوَضِهَا) أَوْ جِنْسِهِ أَوْ أَجَلِهِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) أَيْ: مَعَ يَمِينِهِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهَا الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْكِتَابَةِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّيِّدِ، كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي الْعَقْدِ. وَالثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْكَاتِبِ، نَصَرَهَا الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ ; لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، فَيَدْخُلَ فِي الْعُمُومِ، وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِمَالٍ، وَأَجَابَ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّهُ إِنْمَا قُدِّمَ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَا مَعَ السَّيِّدِ، إِذِ الْأَصْلُ فِي الْمُكَاتَبِ وَكَسْبِهِ أَنَّهُ لِسَيِّدِهِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمُكَاتَبِ وَكَسْبِهِ، وَإِنْمَا وَقَعَ فِيمَا حَصَلَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثَةُ: يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي عِوَضِ الْقَائِمِ بَيْنَهُمَا، فَوَجَبَ التَّحَالُفُ إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ كَالْبَيْعِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُغْنِي بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا صَارَ إِلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْمُكَاتَبِ وَكَسْبِهِ أَنَّهُ لِسَيِّدِهِ، فَلِذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ ; لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ مُفيدٌ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، إِذِ الْحَاصِلُ بِالتَّحَالُفِ فَسْخُ الْكِتَابَةِ، وَرَدُ الرَّقِيقِ إِلَى رِقِّهِ، وَهَذَا حَاصِلٌ مِنْ جَعْلِ الْقَوْلِ قَوْلَ السَّيِّدِ، فَإِنْ تَحَالَفَا قَبْلَ الْعِتْقِ، فُسِخَ الْعَقْدُ إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، رَجَعَ السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ، وَرَجَعَ الْعَبْدُ بِمَا أَدَّاهُ. (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي وَفَاءِ مَالِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ ; لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَيُمْهَلُ الْمُكَاتَبُ ثَلَاثًا (فَإِنْ أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا) ذَكَرًا (وَحَلَفَ مَعَهُ، أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ، ثَبَتَ الْأَدَاءُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 فَصْلٌ وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ فِي أَنَّهُ إِذَا أَدَّى عَتَقَ، وَلَا يَعْتِقُ بِالْإِبْرَاءِ، وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَجُنُونِهِ وَالْحَجْرِ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَتَقَ) لِأَنَّ النِّزَاعَ بَيْنَهُمَا فِي أَدَاءِ الْمَالِ، وَالْمَالُ يُقْبَلُ فِيهِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: فِي غَيْرِ النَّجْمِ الْأَخِيرِ، وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مُكَاتَبَيْهِ الْوَفَاءَ، عَتَقَ مَنْ عَيَّنَهُ، وَحَلَفَ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ عَيْنَهُ، حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَعُيِّنَ بِقُرْعَةِ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمَا مُكَاتَبًا، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يُعَيِّنْ، فَوَارِثُهُ كَهُوَ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ السَّيِّدُ بِقَبْضِ مَالِ الْكِتَابَةِ، عَتَقَ الْعَبْدُ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ، وَلَوْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلَوْ قَالَ: اسْتَوْفَيْتُ كِتَابَتِي كُلَّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ زِيدَ عَتَقَ، وَلَمْ يُؤَيِّدْ الِاسْتِثْنَاءَ وَلَوْ فِي مَرَضِهِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلَّفُ. [الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ] فَصْلٌ (وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) أَوْ مَجْهُولٍ (يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ فِي أَنَّهُ إذا أَدَّى عَتَقَ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، كَسَائِرِ الْكِتَابَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَاخْتَارَ فِي الِانْتِصَارِ، إِنْ أَتَى بِالتَّعْلِيقِ كَقَوْلِهِ: إِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنْهُ يَعْتِقُ بِالصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَا بِالْكِتَابَةِ، فَأَمَّا الْكِتَابَةُ الَّتِي لَا يَكُونُ عِوَضُهَا مُحَرَّمًا، فَإِنْهَا تُسَاوِي الصَّحِيحَةَ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ صَرَّحَ بِالصِّفَةِ بِأَنْ يَقُولَ: إِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ، فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ لَمْ يَقُلْ. الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَهُ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا أَعْطَاهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي كَتْبِهِ. الرَّابِعُ: إِذَا كَاتَبَ جَمَاعَةً كِتَابَةً فَاسِدَةً، فَأَدَّى أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ، عَتَقَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِهَا فِي الصَّحِيحَةِ، وَعَنْهُ: بُطْلَانُهَا بِعِوَضٍ مُحَرَّمٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ (وَلَا يَعْتِقُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 لِلسَّفَهِ، وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ أَخْذَ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ فَضَلَ عَنِ الْأَدَاءِ فَضْلٌ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، وَهَلْ يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا فِيهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ، وَلَا الْجُنُونِ، وَلَا الْحَجْرِ، وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إِلَى الْوَارِثِ. بَابٌ أَحْكَامُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَإِذَا عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَوَضَعَتْ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ إِنْسَانٍ، صَارَتْ بِذَلِكَ أُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْإِبْرَاءِ) لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ صِفَةٌ أَوْ لَا، وَأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الْكِتَابَةِ (وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ) لِأَنَّ الْفَاسِدَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ، لَا يَئُولُ إِلَى اللُّزُومِ، فَانْفَسَخَتْ بِذَلِكَ كَالْوَكَالَةِ (وَجُنُونِهِ وَالْحَجْرِ لِلسَّفَهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الْمُعَاوَضَةُ، وَالصِّفَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ هُنَا ; لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَلِيَغْلِبَ فِي هَذِهِ الْكِتَابَةِ حُكْمُ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ (وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ أَخْذَ مَا فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَمَالُهُ (وَإِنْ فَضَلَ عَنْ الْأَدَاءِ فَضْلٌ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ; لِأَنَّهُ عَتَقَ بِالصِّفَةِ لَا بِالْمُعَاوَضَةِ، وَقَالَ القاضي وتبعه فِي الْمُغْنِي: مَا فَضَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ، فَهُوَ لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَهَلْ يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا فِيهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا، وَهُوَ أَقَيْسُ وَأَصَحُّ: لَا يَتْبَعُهَا ; لِأَنَّهُ إِنْمَا تَبِعَ فِي الصَّحِيحَةِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَالثَّانِي: يَتْبَعُ كَالصَّحِيحَةِ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الْإِيتَاءِ فِيهِ، وَكَذَا جَعَلَ مَنْ أَوْلَدَهَا أُمَّ وَلَدِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ فِي الصِّحَّةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ، وَلَا الْجُنُونِ، وَلَا الْحَجْرِ) لِأَنَّ الْفَاسِدَةَ كَالصَّحِيحَةِ فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ، وَفِي تَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ وَذَوِي رَحِمِهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْفَسْخِ، وَلِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إِلَى الْعِتْقِ، وَمَا ذُكِرَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ تَحْصِيلًا لِلْمَطْلُوبِ الشَّرْعِيِّ (وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إِلَى الْوَارِثِ) عَلَى قَوْلِهِ لِكَوْنِهَا لَا تَنْفَسِخُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَى الْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ مُورِثِهِ. [بَابُ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ] بَابٌ أَحْكَامُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ الْأَحْكَامُ جَمْعُ حُكْمٍ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْقَضَاءُ وَالْحِكْمَةُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: خِطَابُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 وَلَدٍ لَهُ، فَإِذَا مَاتَ، عَتَقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا، وَإِنْ وَضَعَتْ جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ،   [المبدع في شرح المقنع] اللَّهِ الْمُفِيدُ فَائِدَةً شَرْعِيَّةً، وَأَحْكَامُهُنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ بَيْعِهِنَّ، وَجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِنَّ وَنَحْوِهِ. وَأُمَّهَاتٌ جَمْعُ أُمٍّ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، وَأُمَّاتٌ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ، وَقِيلَ: الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ، وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ، وَقَدْ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِجَوَازِ التَّسَرِّي، وَهُوَ إِجْمَاعٌ بِلَا شَكٍّ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] وَاشْتُهِرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَوْلَدَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ، وَعَمِلَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ، مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أُمَّهَاتُهُمْ أُمَّ أَوْلَادٍ (وإِذَا عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَوَضَعَتْ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ إِنْسَانٍ، صَارَتْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) نَقُولُ: يُشْتَرَطُ لِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَحْمِلَ بِهِ فِي مِلْكِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ، فَأَمَّا إِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَنْ تَضَعَ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، أَسْقَطَتْهُ، أَوْ كَانَ تَامًّا، رَوَى الْأَثْرَمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا وَإِنْ كَانَ سِقْطًا، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ وَأَبُو الْحَارِثِ: يُغَسَّلُ السِّقْطُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةٍ يَوْمَ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَتَعْتِقُ الْأَمَةُ إِذَا دَخَلَ فِي الْخَلْقِ الرَّابِعِ. وَقَدَّمَ فِي الْإِيضَاحِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ شَرْطًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنْ تَحَمِلَ بِحُرٍّ (فَإِذَا مَاتَ، عَتَقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا) فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى عِتْقَهُنَّ ; لِأَنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِتْلَافٌ حَصَلَ بِسَبَبِ حَاجَةٍ أَصْلِيَّةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ فِي أَكْلٍ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: إِنْ جَازَ بَيْعُهَا، لَمْ تَعْتِقْ بِمَوْتِهِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ إِنْ لَمْ تَضَعْ، وَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا فِي بَطْنِهَا، عَتَقَتْ، وَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ لِمَا فِي بَطْنِهَا حَتَّى يُعْلَمَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلًا، عَتَقَ الْجَنِينُ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وَعَنْهُ: تَصِيرُ. وَأَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ أَحْكَامُ الْأَمَةِ فِي الْإِجَارَةِ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، فَمَا فِي يَدِهَا فَهُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلْ لَهَا، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ رِوَايَتَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ وَالْعَفِيفَةِ وَالْفَاجِرَةِ، وَالْمُسْلِمِ وَالْفَاجِرِ وَضِدَّهِمَا فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ، وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَلَامًا، قَالَ الْمُؤَلِّفُ عَقِبَهُ: فَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِالْمُسْلِمَةِ، وَالْعَفِيفَةِ دُونَ ضِدِّهِمَا. (وَإِنْ وَضَعَتْ جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ) مِثْلَ الْمُضْغَةِ وَنَحْوِهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ (فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَلَدٍ، وَعِتْقُهَا مَشْرُوطٌ بِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ، فَعَلَى هَذَا لَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ الْمُتْلِفِ لَهُ غُرَّةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، فَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَبَيَّنَ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ، فَعَلَى ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ ثِقَاتٍ مِنَ الْقَوَابِلِ، أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ ; لِأَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْ نُطْفَةً، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وَكَذَا إِذَا أَلْقَتْ عَلَقَةً، قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ وَالْمُؤَلِّفُ فِي الْكَافِي، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى أَنَّهَا تَعْتِقُ، وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ أَنْ يُرَى خَلْقُهُ، وَيُعْلَمَ أَنَّهُ وَلَدٌ (وَإِنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَشُبْهَةٍ (ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلًا عَتَقَ الْجَنِينُ) لِأَنَّهُ ابْنُهُ، وَقَدْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ (وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ مَلَكَهَا حَامِلًا، فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا ; لِأَنَّهَا لَمْ تَعْلُقْ فِي مِلْكِهِ، أَشْبَهَ لَوِ اشْتَرَاهَا بَعْدَ الْوَضْعِ (وَعَنْهُ: تَصِيرُ) أُمَّ وَلَدٍ فِي الْحَالَيْنِ ; لِأَنَّ لِحُرْمَةِ الْبَعْضِ أَثَرًا فِي تَحْرِيرِ الْجَمِيعِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَهَا، قَالَ أَحْمَدُ: مَا سَمِعْنَا فِيهِ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى تَلِدَ فِي مِلْكِهِ، وَعَنْهُ: إِنْ مَلَكَهَا حَامِلًا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَقَالَ فِي الْكَافِي وَتَبِعَهُ ابْنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْوَطْءِ وَسَائِرِ أُمُورِهَا، إِلَّا فِيمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ فِي رَقَبَتِهَا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوُقُوفِ، أَوْ مَا يُرَادُ لَهُ كَالرَّهْنِ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَا عَمَلَ   [المبدع في شرح المقنع] حَمْدَانَ: أَوْ وَطِئَهَا فِي أَثْنَاءِ حَمْلِهَا أَوْ وَسَطِهِ ; لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى تَحْبَلَ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ، وَيَحْرُمُ بَيْعُ الْوَلَدِ وَيَعْتِقُهُ نَصًّا (وَأَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ أَحْكَامُ الْأَمَةِ فِي الْإِجَارَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْوَطْءِ) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ أَشْبَهَتِ الْقِنَّ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ، فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» أَوْ قَالَ: مِنْ بَعْدِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الرِّقِّ، فَعَلَى هَذَا لِسَيِّدِهَا كَسْبُهَا (وَسَائِرِ أُمُورِهَا) كَالتَّزْوِيجِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِمَاءِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَوْنُهَا لَا تَرِثُ، بَلْ تَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، وَيُحَدُّ قَاذِفُهَا، وَتُسْتَرُ سَتْرَ الْحُرَّةِ عَلَى رِوَايَةٍ، نَعَمْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ طَرَأَ الِاسْتِيلَادُ عَلَى التَّدْبِيرِ أَبْطَلَهُ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: قُلْتُ: يَصِحُّ إِنْ جَازَ بَيْعُهَا، وَقُلْنَا: عِتْقٌ بِصِفَةٍ، وَقَدْ يُرَدُّ مَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ لَا يَطَؤهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا، فَجَعَلَ الْعِلَّةَ عَدَمَ الْبَيْعِ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، أَنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا (إِلَّا فِيمَا يَنْقُلُ الْمِلْكُ فِي رَقَبَتِهَا كَالْبَيْعِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ، وَلَا يُوهَبْنَ، وَلَا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا السَّيِّدُ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «ذُكِرَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْمُغيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُبَيْدَةَ، قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ، فَقَالَ شَاوَرَنِي عُمَرُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَرَأَيْتُ أَنَا وَعُمَرُ أَنْ أُعْتِقَهُنَّ، فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ، وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ، فَلَمَّا وَلِيتُ رَأَيْتُ فِيهِنَّ رَأْيًا، قَالَ عُبَيْدَةُ: فَرَأْيُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْإِجْمَاعِ (وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ أَوْ مَا يُرَادُ لَهُ) أَيْ: لِلْبَيْعِ (كَالرَّهْنِ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي انْعِقَادَ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ وَيُبْطِلُهُ (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنْ وَلَدَتْ مَنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا، فَلِوَلَدِهَا حُكْمُهَا فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، سَوَاءٌ عَتَقَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، فَهَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِمُدَّةِ   [المبدع في شرح المقنع] مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَخْذًا مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَسَأَلَهُ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ تَذْهَبُ فِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ؛ قَالَ: أَكْرَهُهُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: لَا يُعْجِبُنِي: فَجَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ ذَلِكَ رِوَايَةً، وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَهُ دَاوُدُ، وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بِعْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ أَحْمَدُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، فَقِيلَ: لَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَهَلْ هَذَا الْخِلَافُ شُبْهَةٌ؟ فِيهِ نِزَاعٌ، وَالْأَقْوَى شُبْهَةٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَإِنَّهُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ لَوْ وَطِئَ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ، هَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ أَوْ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ؟ أَمَّا التَّعْزِيرُ، فَوَاجِبٌ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يَجُوزُ الْبَيْعُ ; لِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ لَا يَرْفَعُهُ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ: إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ (وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ) وَلَيْسَ هَذَا رِوَايَةً مُخَالِفَةً لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ ; لِأَنَّ السَّلَفَ يُطْلِقُونَ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ كَثِيرًا، وَمَتَى كَانَ التَّحْرِيمُ مُصَرَّحًا بِهِ، وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ جَابِرٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي ذَلِكَ، وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ، وَلَمْ يَظْهَرِ النَّهْيُ لِمَنْ بَاعَ ; لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ، وَكَانَ مُشْتَغِلًا بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، ثُمَّ ظَهَرَ ذَلِكَ زَمَنَ عُمَرَ، فَأَظْهَرَ الْمَنْعَ اعْتِمَادًا عَلَى النَّهْيِ لِتَعَذُّرِ النَّسْخِ حِينَئِذٍ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْإِسْفَرَايِينِيُّ وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَالْبَغَوِيُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ (ثُمَّ إِنْ وَلَدَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ (مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا) مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَلِوَلَدِهَا حُكْمُهَا) أَيْ: فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِبَنَاتِهَا ; لِأَنَّهُ دَخَلَ بِأُمِّهِنَّ قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا: وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ، إِلَّا أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: هُمْ عَبِيدٌ (فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لِأُمِّهِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَتَبِعَهَا فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ (سَوَاءٌ عَتَقَتْ) الْأُمُّ (أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ) لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرِّيَّةِ قَدِ انْعَقَدَ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِنَفْسِ الْعِتْقِ، فَكَمَا لَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ النَّسَبُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ، فَإِنْ أَعَتَقَ أُمَّ الْوَلَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 حَمْلِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا جُنَّتْ أُمَّ الْوَلَدِ، فَدَاهَا سَيِّدُهَا بِقِيمَتِهَا أَوْ دُونَهَا، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ فِدَاؤُهَا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهِ، فَإِنْ عَادَتْ، فَجنَتْ، فَدَاهَا أَيْضًا. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ   [المبدع في شرح المقنع] أَوِ الْمُدَبَّرَةَ، لَمْ يُعْتَقْ وَلَدُهَا، وَإِنْ أَعَتَقَ وَلَدَهَا لَمْ يُعْتَقَا بِعِتْقِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ، عَتَقَ وَلَدُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، فَهَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِمُدَّةِ حَمْلِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَفَقَةِ الْحَامِلِ، فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ لِلْحَمْلِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ; لِأَنَّ الْحَمْلَ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْمِيرَاثِ، فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلْحَامِلِ، فَلَهَا النَّفَقَةُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ شَغَلَهَا بِحَمْلِهِ، فَكَانَ عِوَضُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ دَارًا كَانَتْ أُجْرَتُهَا عَلَيْهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ، هَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهَا فِي الْكُلِّ أَوْ فِي حِصَّةِ وَلَدِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (وَإِذَا جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ) تَعَلَّقَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا بِرَقَبَتِهَا كَالْقِنِّ (فَدَاهَا سَيِّدُهَا) لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ بَيْعُهَا (بِقِيمَتِهَا أَوْ دُونِهَا) أَيْ: بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا، فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ فِدَائِهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَى سَيِّدِهَا، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَهُ أَيْضًا، وَجَبَ فِدَاؤُهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْفِدَاءِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا زَادَ فِدَاؤُهَا، وَإِنْ كَسَبَتْ بَعْدَ جِنَايَتِهَا شَيْئًا، فَهُوَ لِسَيِّدِهَا، وَكَذَلِكَ وَلَدُهَا، وَإِنْ فَدَاهَا حَالَ حَمْلِهَا، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَامِلًا، وَإِنْ أَتْلَفَهَا سَيِّدُهَا، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَإِنْ نَقَصَهَا، فَعَلَيْهِ نَقْصُهَا (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ فِدَاؤُهَا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهِ) كَالْقِنِّ فِي رِوَايَةٍ بَالِغَةٍ مَا بَلَغَتْ لِمَنْعِهِ مِنْ تَسْلِيمِهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهَا لِلْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْقِنِّ (فَإِنْ عَادَتْ، فَجنتْ، فَدَاهَا أَيْضًا) نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ ; لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ جَانِيَةٌ، فَلَزِمَهُ فِدَاؤُهَا كَالْأَوَّلِ (وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِذِمَّتِهَا) أَيْ: يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، قَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ حِذَارًا مِنْ إِصْرَارِ السَّيِّدِ بِتَكْرَارِ الْفِدَاءِ مَعَ مَنْعِهِ مِنْ بَيْعِهَا، وَلِأَنَّهَا جَانِيَةٌ، فَلَمْ يَلْزَمِ السَّيِّدَ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فَدَاهَا، وَعَلَى هَذِهِ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: قُلْتُ يرجع الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا يَخُصُّهُ مِمَّا أَخَذَهُ كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي الْأَكْثَرِ، وَقَيَّدَهَا الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي الْمُغْنِي، حَاكِيًا لَهُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ بِمَا إِذَا فَدَاهَا أَوَّلًا بِقِيمَتِهَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 ذَلِكَ بِذِمَّتِهَا. وَإِنْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَمْدًا فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ، فَإِنْ عَفَوا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً، فَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا، وَتَعْتِقُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ.   [المبدع في شرح المقنع] وَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ لَوْ فَدَاهَا أَوَّلًا بِالْأَرْشِ، لَزِمَهُ فَدَاؤُهَا ثَانِيًا بِمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهَا بِلَا خِلَافٍ. فَرْعٌ: إِذَا جَنَتْ جِنَايَاتٍ قَبْلَ الْفِدَاءِ، تَعَلَّقَ أَرْشُ الْجَمِيعِ بِرَقَبَتِهَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا كُلِّهَا إِلَّا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا، أَوْ أَرْشُ جَمِيعِهَا، وَيَشْتَرِكُ الْجَمِيعُ فِي الْوَاجِبِ لَهُمْ، فَإِنْ أَبْرَأَ بَعْضَهُمْ مِنْ حَقِّهِ، تَوَفَّرَ الْوَاجِبُ عَلَى الْبَاقِينَ، إِذَا كَانَتْ كُلُّهَا قَبْلَ الْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْعَفْوُ عَنْهَا بَعْدَ فِدَائِهِ تَوَفَّرَ أَرْشُهَا عَلَى سَيِّدِهَا. (وَإِنْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَمْدًا فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ) إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، وَهُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ، فَلَا قِصَاصَ، وَكَذَا إِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ وَرِثَ بَعْضَ الدَّمِ، وَحِينَئِذٍ إِذَا لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ، فَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا، وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَعَنْهُ: يَقْتُلُهَا أَوْلَادُهُ مِنْ غَيْرِهَا (فَإِنْ عَفَوْا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا) كَذَا أَطْلَقَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وُجِدَتْ مِنْهَا، وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ، فَوَجَبَ عَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ وَابْنُ حَمْدَانَ: عَلَيْهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَرْشُ جِنَايَتِهَا، وَلَعَلَّ إِطْلَاقَ الْأُولَى مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ إِذِ الْغَالِبُ أَنَّ قِيمَةَ الْأَمَةِ لَا تَزِيدُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ; لِأَنَّ عِنْدَ آخِرِ جُزْئِيَّاتِ الْمَقْتُولِ عَتَقَتْ، وَوَجَبَ الضَّمَانُ (وَتَعْتِقُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) لِأَنَّ الْمُقْتَضَى فِي عِتْقِهَا قَدْ زَالَ، إِذْ لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَعْتِقَ كَالْقَاتِلِ لَا يَرِثُ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا وَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ كَمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَذَلِكَ النَّسَبُ سَبَبٌ لِلَازِمِهِ، فَكَمَا جَازَ تَخَلُّفُ الْإِرْثِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ بِالنَّصِّ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّفَ الْعِتْقُ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهِ ; لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، قَالَ السَّامِرِيُّ: إِذَا قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 فَصْلٌ وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ، مُنِعَ مِنْ غِشْيَانِهَا، {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَأُجْبِرَ عَلَى نَفَقَتِهَا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ، حَلَّتْ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهَا، عَتَقَتْ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَسْتَسْعِي فِي حَيَاتِهِ وَتَعْتِقُ وَإِذَا. وَطِئَ   [المبدع في شرح المقنع] عَتَقَتْ، قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ كَالْمُدَبَّرَةِ ; لِأَنَّ الْحَدَّ يُحْتَاطُ لِإِسْقَاطِهِ، وَيُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ) نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، قَالَ: إِذَا كَانَ لَهَا ابْنٌ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّ لَهَا يَعْنِي مَنْعَ بَيْعِهَا وَارِثَهَا، أَشْبَهَتِ الْحُرَّةَ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَالْمُؤَلِّفِ أَطْلَقُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَظَاهِرُهَا التَّقْيِيدُ، فَيَكُونُ الْمَذْهَبُ عَدَمَ حَدِّهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ بِمَا إِذَا كَانَ لَهَا ابْنٌ حُرٌّ ; لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إِلَّا بِذَلِكَ، وَيَنْبَغِي إِجْرَاءُ الْخِلَافِ بِمَا إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ حُرٌّ، وَنَظِيرُهُ لَوْ قَذَفَ أَمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً لَهَا ابْنٌ، أَوْ زَوْجٌ مُسْلِمَانِ فَهَلْ يُحَدُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. [إِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ] فَصْلٌ (وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا ; لِأَنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُمْ (أَوْ مُدَبَّرَتُهُ، مُنِعَ مِنْ غِشْيَانِهَا) حِذَارًا مِنْ أَنْ يَطَأَ مُشْرِكٌ مُسْلِمَةً ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] الْآيَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مِلْكَهُ يُقَرُّ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ ; لِأَنَّ عِتْقَهَا مَجَّانًا فِيهِ إِضْرَارٌ بِالسَّيِّدِ، وَبِالسِّعَايَةِ فِيهِ إِضْرَارٌ بِهَا لِإِلْزَامِهَا الْكَسْبَ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا (وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) لِئَلَّا يَتَلَذَّذَ بِهَا، وَلَا يَخْلُو بِهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ (وَأُجْبِرَ عَلَى نَفَقَتِهَا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهَا (فَإِنْ أَسْلَمَ، حَلَّتْ لَهُ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهَا، عَتَقَتْ) نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، وَتُسَلَّمُ إِلَى امْرَأَةٍ ثِقَةٍ تَكُونُ عِنْدَهَا، وَتَقُومُ بِأَمْرِهَا، وَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى أَجْرٍ أَوْ أُجْرَةِ مَسْكَنٍ، فَعَلَى سَيِّدِهَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا، وَالْفَاضِلَ مِنْهُ لِسَيِّدِهَا، وَإِنْ عَجَزَ كَسْبُهَا عَنْ نَفَقَتِهَا، فَهَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ نَفَقَتُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ وَطِئَهَا الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَوْلَدَهَا، فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا، فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ، وَإِنْ جَهِلَ إِيلَادَ شَرِيكِهِ أَوْ أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ   [المبدع في شرح المقنع] نَفَقَتَهَا عَلَى سَيِّدِهَا وَكَسْبَهَا لَهُ، وَنَقَلَ مُهَنَّا أَنَّهَا تَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى بَيْعِهَا، وَلَا إِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَيْهَا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُثْبِتِ الثَّانِي أَيْضًا، فَقَالَ: أَظُنُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَطْلَقَ ذَلِكَ لَمُهَنَّا عَلَى سَبِيلِ الْمُنَاظَرَةِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُسْتَسْعَى فِي حَيَاتِهِ وَتُعْتَقُ) نَقَلَهَا مُهَنَّا، قَالَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّ بَيْعَهَا وَعِتْقَهَا مَجَّانًا مَنْفِيَّانِ، وَكَذَلِكَ إِقْرَارُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إِقْرَارِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَسَلَكَ بِهَا طَرِيقَهُ، وَهُوَ الِاسْتِسْعَاءُ (وَإِذَا وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ) حُرِّمَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ وَأُدِّبَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَقُدِحَ فِي عَدَالَتِهِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ مِنْهُ، فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِمَا، وَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِشَرِيكِهِ طَالَمَا طَاوَعَتْهُ أَوْ لَا، وَنَقَلَ حَرْبٌ إِنْ كَانَتْ بِكْرًا، فَقَدْ نَقَصَ مِنْهَا، فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ وَالثَّيِّبُ لَمْ تَنْقُصْ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ (فَإِنْ أَوْلَدَهَا، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) أَيْ: إِذَا وضعت مَا يُتَبَيَّنُ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ خَالِصَةً لَهُ، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ، مُوسِرًا كَانَ الْوَاطِئُ أَوْ مُعْسِرًا ; لِأَنَّ الْإِيلَادَ أَقْوَى مِنَ الْإِعْتَاقِ بِدَلِيلِ نُفُوذِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمَرِيضِ وَالْمَجْنُونِ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِوَالِدِهِ ; لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي مَحَلٍّ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَهَا فِي الْإِحْرَامِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ حُرًّا، وَنِصْفُهُ رَقِيقًا كَأُمِّهِ، وَكَوَلَدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِلَّ انْعِقَادُ الْوَلَدِ مِنْ حُرٍّ وَقِنٍّ (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ) كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا، وَعَنْهُ: وَنِصْفُ مَهْرِهَا، وَعَنْهُ: وَنِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ (فَإِنْ وَطِئَهَا الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَوْلَدَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) لِأَنَّهُ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ نِصْفَهُ انْتَقَلَ إِلَى الْوَاطِئِ الْأَوَّلِ بِالِاسْتِيلَادِ (فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ) كَوَطْءِ الْأَمَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ ; لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ، وَالْوَلَدُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ (وَإِنْ جَهِلَ إِيلَادَ شَرِيكِهِ أَوْ أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَوَلَدُهُ حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (وَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 لَهُ، فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَعِنْدَ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُعْسِرًا، لَمْ يَسْرِ اسْتِيلَادُهُ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا يَعْتِقُ نِصْفُهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَهَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] يَوْمَ الْوِلَادَةِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى مَالِكِ أُمِّهِ، وَقَبْلَ الْوِلَادَةِ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ، وَإِلَّا فَهُمْ رَقِيقٌ. وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا (وَعِنْدَ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُعْسِرًا لَمْ يَسْرِ اسْتِيلَادُهُ) كَالْعِتْقِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِالْمَالِكِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ مِنَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، لَمْ يَسْرِ مَعَ الْإِعْسَارِ، فَكَذَلِكَ الِاسْتِيلَادُ (وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا يَعْتِقُ نِصْفُهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ ذَلِكَ نَصِيبُهُ، وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ، وَيَكْمُلُ عِتْقُهَا بِمَوْتِ الْآخَرِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ لِظُهُورِهِ (وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَهَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا يَسْرِي عِتْقُهُ ; لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ صَاحِبِهِ الَّذِي انْعَقَدَ سَبَبُهُ بِالِاسْتِيلَادِ. وَالثَّانِي: يُقَوَّمُ عَلَيْهِ ; لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ أَوْلَى وَأَصَحُّ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنَ الْأَمَةِ الْقِنِّ، وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنَ الْإِعْتَاقِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَلَّ مِلْكُهُ مِنْهَا. خَاتِمَةٌ: إِذَا وَطِئَ حُرٌّ وَوَالِدُهُ أَمَةً لِأَهْلِ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ مِنْهُمْ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ، فَالْمَهْرُ، فَإِنْ أَحْبَلَهَا، فَأُمُّ وَلَدِهِ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا، وَعَنْهُ: وَمَهْرُهَا، وَعَنْهُ: قِيمَةُ الْوَلَدِ، وَكَذَا الْأَبُ يُولِدُ جَارِيَةَ ابْنِهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ هُنَا: لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ التَّعْزِيرِ وَالْحَدِّ، فَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَطِئَهَا، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ فِي الْمَنْصُوصِ، وَيُحَدُّ فِي الْأَصَحِّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ عَالِمًا تَحْرِيمَهُ، وَلَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْمَيْمُونِيُّ خِلَافَهُ، فَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ، عُزِّرَ، وَلَمْ يُحَدَّ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَلَا يَلْحَقُهُ النَّسَبُ خِلَافًا لِلْقَاضِي، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ حُرِّمَ بَيْعُ الْوَلَدِ وَيُعْتِقُهُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيُسْتَحَبُّ، وَفِي وُجُوبِهِ خِلَافٌ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِذَا تَزَوَّجَ بِكْرًا، فَدَخَلَ بِهَا، فَإِذَا هِيَ حُبْلَى، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْهَا، وَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَكَ، فَإِذَا وُلِدَ فَاجْلِدُوهَا، وَلَهَا الصَّدَاقُ، وَلَا حَدَّ، لَعَلَّهَا اسْتُكْرِهَتْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِمَعْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهِ، وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَفِي الْهَدْيِ، قِيلَ: لَمَّا كَانَ وَلَدَ زِنًا، وَقَدْ غَرَّتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، وَغَرِمَ صَدَاقَهَا، أَخْدَمَهُ وَلَدَهَا، وَجَعَلَهُ لَهُ كَالْعَبْدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَقَّهُ عُقُوبَةً لِأُمِّهِ عَلَى زِنَاهَا وَغَرَرِهَا، وَيَكُونُ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَقِيلَ: كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يُسْتَرَقُّ الْحُرُّ فِي الدَّيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ النِّكَاحِ] [تَعْرِيفُ النِّكَاحِ] 1 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 كِتَابُ النِّكَاحِ النِّكَاحُ سُنَّةٌ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلُ مِنَ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ، إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] كِتَابُ النِّكَاحِ النِّكَاحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْوَطْءُ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَسُمِّيَ التَّزْوِيجُ نِكَاحًا ; لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوَطْءِ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو غُلَامُ ثَعْلَبٍ: الَّذِي حَصَّلْنَاهُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنِ الْكُوفِيِّينَ، وَعَنِ الْمُبَرِّدِ عَنِ الْبَصْرِيِّينَ - أَنَّهُ الْجَمْعُ، قَالَ الشَّاعِرُ: أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ... عَمْرَكَ اللَّهَ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الْوَطْءُ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدَ، وَعَنِ الزَّجَّاجِيِّ أَنَّهُ بِمَعْنَاهُمَا جَمِيعًا. وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ: فَرَّقَتِ الْعَرَبُ فَرْقًا لَطِيفًا، فَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ فُلَانَةً: أَرَادُوا تَزْوِيجَهَا، وَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ امْرَأَتَهُ أَرَادُوا مُجَامَعَتَهَا. وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ عَقْدُ التَّزْوِيجِ، فَعِنْدَ إِطْلَاقِ لَفْظِهِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ مَا لَمْ يَصْرِفْهُ دَلِيلٌ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّهُ الْأَشْهَرُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ; وَلِهَذَا قِيلَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لَفْظُ النِّكَاحِ بِمَعْنَى الْوَطْءِ إِلَّا قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَلِصِحَّةِ نَفْيِهِ عَنِ الْوَطْءِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْمَجَازِ ; وَلِقَوْلِ الْعَرَبِ: أَنْكَحْنَا الْفَرَا فَسَتَرَى، أَيْ: أَضْرَبْنَا فَحْلَ حُمُرِ الْوَحْشِ آتُنَهُ، فَسَتَرَى مَا يَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا، فَضُرِبَ مَثَلًا لِلْأَمْرِ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْعُدَّةِ "، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 نَفْسِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ بِتَرْكِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَيُسْتَحَبُّ   [المبدع في شرح المقنع] لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَتَحْرِيمُ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا الْأَبُ اسْتَنْفَدْنَاهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ، قَالَهُ فِي " الْوَسِيلَةِ "، و" الْفُرُوعِ "، وَقِيلَ: حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا ; لِأَنَّ الْأَشْهَرَ اسْتِعْمَالُ لَفْظَةِ النِّكَاحِ بِإِزَاءِ الْعَقْدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِسَانِ أَهْلِ الْعَرَبِ، وَالِاشْتِرَاكُ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَلَوْ قُدِّمَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ لَكَانَ اسْمًا عُرْفِيًّا، يَجِبُ صَرْفُ اللَّفْظِ إِلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَنَصَّ الْقَاضِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا ; لِقَوْلِنَا بِتَحْرِيمِ مَوْطُوءَةِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ تَزْوِيجٍ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَذَلِكَ لِوُرُودِهِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ كَالْإِجَارَةِ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى} [النور: 32] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ. [حُكْمُ النِّكَاحِ] (النِّكَاحُ سُنَّةٌ) وَهُوَ مَنْ لَهُ شَهْوَةٌ وَلَا يَخَافُ الزِّنَا ; لِأَنَّ فِعْلَهُ رَاجِحٌ عَلَى تَرْكِهِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّقَهُ بِالِاسْتِطَاعَةِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا (وَالِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلُ مِنَ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ) كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ، وَنَحْوِهِمَا (إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ) أَيِ: الزِّنَا (بِتَرْكِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ) فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَيُقْدِمُ عَلَى حَجٍّ وَاجِبٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ، وَخَافَ الْعَنَتَ، فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ، وَيَكُونُ أَفْضَلَ لَهُ مِنَ الْحَجِّ، وَالْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الْمُتَطَوِّعِ بِهَا، وَزَادَ أَحْمَدُ، فَبَلَغَ بِهِ إِلَى الْوُجُوبِ مَعَ الشَّرْطَيْنِ، وَهُمَا: أَنْ تَتُوقَ نَفْسُهُ، وَيَخَافَ الْعَنَتَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ (وَعَنْهُ: إِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ لِظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَمُرَادُهُمْ إِذَا كَانَ ذَا شَهْوَةٍ. الثَّالِثُ: مَنْ لَهُ شَهْوَةٌ، وَلَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّزْوِيجُ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 تَخَيُّرُ ذَاتِ الدِّينِ الْوَلُودِ الْبِكْرِ الْحَسِيبَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ. وَيَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ النَّظَرُ   [المبدع في شرح المقنع] نَوَافِلِ الطَّاعَاتِ، قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ دَعَاكَ إِلَى غَيْرِ التَّزْوِيجِ، فَقَدْ دَعَاكَ إِلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَتِ الْعُزْبَةُ مَنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ. الرَّابِعُ: مَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ، وَهُوَ مَنْ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ، خِلْقَةً أَوْ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ، فَمُبَاحٌ لَهُ فِي الْأَشْهَرِ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ مَصْلَحَةُ النِّكَاحِ، وَيُلْزِمُ نَفْسَهُ وَاجِبَاتٍ وَحُقُوقًا لَعَلَّهُ يَعْجِزُ عَنْهَا. وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ، قَالَ السَّامَرِّيُّ: اخْتَارَهَا الْقَاضِي ; لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَحُكِيَ عَنْهُ: يَلْزَمُ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي " التَّرْغِيبِ " و" الْمَنْصُوصِ "، حَتَّى لِفَقِيرٍ، وَجَزَمَ فِي " النَّظْمِ ": لَا يَتَزَوَّجُ فَقِيرٌ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَكَذَا قَيَّدَهَا ابْنُ رَزِينٍ بِالْمُوسِرِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِيهِ نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْمَنِّيِّ: أَنَّ النِّكَاحَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالِاشْتِغَالَ بِهِ أَوْلَى كَالْجِهَادِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ عَلَى الْأَعْيَانِ، تَرَكْنَاهُ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَمَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ ; لِأَنَّهُ يُتَلَقَّى مِنَ الشَّارِعِ، وَإِنَّمَا صَحَّ مِنَ الْكَافِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ عِمَارَةِ الدُّنْيَا، كَعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": إِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهِ، هَلْ يَجِبُ الْوَطْءُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالْأَشْهَرُ لَا يُكْتَفَى بِمَرَّةٍ، وَفِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ: بَلَى لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: الْمُتَبَتِّلُ الَّذِي لَمْ يَتَزَوَّجْ قَطُّ، قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِتَسَرٍّ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهُ، وَلَا يُلْزَمُ نِكَاحَ أَمَةٍ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَجَمَعَ: يُبَاحُ، وَالصَّبْرُ عَنْهُ أَوْلَى. وَأَوْجَبَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، وَالْمُخَالِفُ اسْتَحَبَّهُ ; فَلِهَذَا جَوَابُهُ عَنِ الْآيَةِ: مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ صَارَ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ. فَرْعٌ: لَهُ النِّكَاحُ بِدَارِ حَرْبٍ ضَرُورَةً، وَبِدُونِهَا وَجْهَانِ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَسَرَّى، إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ: لَا يَطْلُبُ الْوَلَدَ، وَيَجِبُ عَزْلُهُ إِنْ حَرُمَ نِكَاحُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَإِلَّا اسْتُحِبَّ ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ ". [مَا يُسْتَحَبُّ فِي الزَّوْجَةِ] (وَيُسْتَحَبُّ تَخَيُّرُ ذَاتِ الدِّينِ الْوَلُودِ الْبِكْرِ الْحَسِيبَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ) ; لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَجِمَالِهَا، وَحَسَبِهَا، وَدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَدَلِيلُ الْأَوْصَافِ، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مُكَاثِرٌ بِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ، فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، فَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ; وَلِأَنَّ وَلَدَ الْحَسِيبَةِ رُبَّمَا أَشْبَهَ أَهْلَهَا، وَنَزَعَ إِلَيْهِمْ، وَيُقَالُ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَانْظُرْ إِلَى نَسَبِهَا، أَيْ: حَسَبِهَا، وَأَمَّا الْأَجْنَبِيَّةُ ; فَلِأَنَّ وَلَدَهَا أَنْجَبُ ; وَلِهَذَا يُقَالُ: اغْتَرِبُوا، أَيِ: انْكِحُوا الْغَرَائِبَ ; وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ الْعَدَاوَةُ فِي النِّكَاحِ، وَإِفْضَاؤُهَا إِلَى الطَّلَاقِ، فَيُؤَدِّي إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْمَأْمُورِ بِصِلَتِهَا، وَيُقَالُ: الْغَرَائِبُ أَنْجَبُ، وَبَنَاتُ الْعَمِّ أَصْبَرُ، وَيَخْتَارُ الْجَمِيلَةَ لِلْأَثَرِ ; وَلِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِنَفْسِهِ، وَذَاتَ الْعَقْلِ، وَيَجْتَنِبُ الْحَمْقَاءَ، وَأَنْ يَكُونَ لَهَا لَحْمٌ، وَشَعْرٌ حَسَنٌ، وَكَانَ يُقَالُ: النِّسَاءُ لُعَبٌ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يَتَخَيَّرُ مَا يَلِيقُ بِمَقْصِدِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُذْكَرَ لَهُ مَا يَصْلُحُ لِلْمَحَبَّةِ مِنْ بَيْتٍ مَعْرُوفٍ بِالدِّينِ وَالْقَنَاعَةِ. وَقَالَ السَّامَرِّيُّ وَالْمَجْدُ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ، لَيْتَ إِذَا تَزَوَّجَ ثِنْتَيْنِ يُثَلِّثُ. مُهِمَّاتٌ: أَحْسَنُ مَا تَكُونُ الزَّوْجَةُ: بِنْتُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَى الْعِشْرِينَ، وَيَتِمُّ نَسُوهَا إِلَى الثَّلَاثِينَ، ثُمَّ تَقِفُ إِلَى الْأَرْبَعِينَ، وَأَحْسَنُهُنَّ التُّرْكِيَّاتُ، وَأَصْلَحُهُنَّ الْجَلَبُ الَّتِي لَمْ تَعْرِفْ أَحَدًا، وَلْيَعْزِلْ عَنِ الْمَمْلُوكَةِ إِلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ جَوْدَةَ دِينِهَا، وَقُوَّةَ مَيْلِهَا إِلَيْهِ، وَإِيَّاكَ وَالِاسْتِكْثَارَ مِنْهُنَّ، فَإِنَّهُنَّ يُشَتِّتْنَ الشَّمْلَ، وَيُكْثِرْنَ الْهَمَّ، وَمِنَ التَّغْفِيلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الشَّيْخُ صَبِيَّةً، وَأَصْلَحُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 إِلَى وَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ بِهَا، وَعَنْهُ: لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، كَالرَّقَبَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، وَلَهُ النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ وَإِلَى الرَّأْسِ وَالسَّاقَيْنِ مِنَ الْأَمَةِ الْمُسْتَامَةِ، وَمِنْ ذَوَاتِ   [المبدع في شرح المقنع] مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ أَنْ يَمْنَعَ الْمَرْأَةَ مِنَ الْمُخَالَطَةِ لِلنِّسَاءِ ; فَإِنَّهُنَّ يُفْسِدْنَهَا عَلَيْهِ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ مُرَاهِقٌ، وَلَا يَأْذَنُ لَهَا فِي الْخُرُوجِ. [جَوَازُ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الْمَخْطُوبَةِ] (وَيَجُوزُ) وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِالِاسْتِحْبَابِ (لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا) فَقَطْ قَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، و" الرِّعَايَةِ " ; لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ، وَيُكَرِّرُ النَّظَرَ إِلَيْهَا، وَيَتَأَمَّلُ مَحَاسِنَهَا مُطْلَقًا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إِجَابَتُهُ، لَا نَظَرَ تَلَذُّذٍ وَشَهْوَةٍ وَلَا لِرِيبَةٍ، وَلَا خِلَافَ فِي إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ (مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ بِهَا) ; لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ ; وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَعَنْهُ: لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، كَالرَّقَبَةِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " ; لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا مِنْ يَدٍ أَوْ جِسْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَذِنَ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا، عُلِمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي النَّظَرِ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا ; إِذْ لَا يُمْكِنُ إِفْرَادُ الْوَجْهِ بِالنَّظَرِ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِي الظُّهُورِ، وَقِيلَ: وَرَأْسٍ وَسَاقٍ، وَعَنْهُ: وَكَفٍّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا عِنْدَ الْخِطْبَةِ حَاسِرَةً. (وَلَهُ النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ، وَإِلَى الرَّأْسِ، وَالسَّاقَيْنِ مِنَ الْأَمَةِ الْمُسْتَامَةِ) ; لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ ; وَلِأَنَّ رُؤْيَةَ مَا ذَكَرَ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ ; لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَغَيْرِهِ مِنَ التِّجَارَةِ، وَحُسْنُهَا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا، وَعَنْهُ: سِوَى عَوْرَةِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: كَمَخْطُوبَةٍ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 مَحَارِمِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَنْظُرُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَلِلْعَبْدِ النَّظَرُ إِلَيْهِمَا مِنْ مَوْلَاتِهِ، وَلِغَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ كَالْكَبِيرِ وَالْعِنِّينِ وَنَحْوِهِمَا النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ، وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ، وَلِلشَّاهِدِ وَالْمُبْتَاعِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا وَمَنْ تُعَامِلُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] بَأْسَ أَنْ يُقَلِّبَهَا - إِذَا أَرَادَ شِرَاءً - مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ ; لِأَنَّهُ لا حُرْمَة لَهَا، قَالَ الْقَاضِي: أَجَازَ تَقْلِيبَ الصَّدْرِ وَالظَّهْرِ، بِمَعْنَى: لَمْسِهِ مِنْ فَوْقِ الثِّيَابِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَامَةً، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهَا، وَهُوَ وَجْهٌ (و) لَهُ النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ (مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ) أَيْ: الصَّحِيحُ إِبَاحَةُ النَّظَرِ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا مِنْهُنَّ لِلْحَاجَةِ ; وَلِأَنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا يَرَانِي (وَعَنْهُ: لَا يَنْظُرُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إِلَّا إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) ; لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] يَعْنِي وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَوْرَةِ، وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ: مَنْ حُرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ ; بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ تَحْرِيمِ مُصَاهَرَةٍ، فَأَمَّا أُمُّ الْمَزْنِيِّ وَابْنَتُهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ، وَإِنْ حَرُمَ نِكَاحُهُنَّ كَالْمُحَرَّمَةِ بِاللَّعَّانِ، وَكَذَا بِنْتُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَأُمُّهَا ; فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ. فَرْعٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يَنْظُرُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ، وَلَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ مُشْتَرَكَةً ; لِعُمُومِ النَّظَرِ، إِلَّا مِنْ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ، وَنَصُّهُ: إِنَّهُ يَحْرُمُ نَظَرُ خَصِيٍّ وَمَجْبُوبٍ إِلَى أَجْنَبِيَّةٍ. (وَلِلْعَبْدِ النَّظَرُ إِلَيْهِمَا) أَيْ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ (مِنْ مَوْلَاتِهِ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] ; وَلِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ، إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ النَّظَرَ إِلَى شَعْرِهَا، رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَأَبَاحَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَرَجَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَجَعَلَهُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَذَكَرَ السَّامَرِّيُّ فِي النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لِلْحَاجَةِ، وَلَا يَخْلُو بِهَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا عَلَى الْأَصَحِّ (وَلِغَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ كَالْكَبِيرِ وَالْعِنِّينِ وَنَحْوِهِمَا - النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ) أَيْ: إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} [النور: 31] أَيْ غَيْرُ أُولِي الْحَاجَةِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: هُوَ الَّذِي لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، (وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ) كَالَّذِي لَهُ أَرَبٌ (وَلِلشَّاهِدِ وَالْمُبْتَاعِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا) ; لِتَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهَا، (وَمَنْ تُعَامِلُهُ) ; الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 وَلِلطَّبِيبِ النَّظَرُ إِلَى مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى نَظَرِهِ، وَلِلصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ غَيْرِ ذِي الشَّهْوَةِ النَّظَرُ إِلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ، فَإِنْ كَانَ ذَا شَهْوَةٍ، فَهُوَ كَذِي الْمَحْرَمِ، وَعَنْهُ: كَالْأَجْنَبِيِّ. وَلِلْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ النَّظَرُ إِلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ،   [المبدع في شرح المقنع] لِيَعْرِفَهَا بِعَيْنِهَا، فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالدَّرْكِ، وَنَصُّهُ: وَكَفَّيْهَا مَعَ الْحَاجَةِ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يَنْظُرَانِ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، وَنَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ: يَنْظُرُ الْبَائِعُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا إِنْ كَانَتْ عَجُوزًا، وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى أَكْرَهُ ذَلِكَ، (وَلِلطَّبِيبِ النَّظَرُ إِلَى مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى نَظَرِهِ) وَلَمْسِهِ حَتَّى دَاخِلِ الْفَرَجِ ; لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا حَكَّمَ سَعْدًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَكَانَ يَكْشِفُ عَنْ مُؤْتَزَرِهِمِ» ; لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا، وَفِي " الْفُرُوعِ ": يَجُوزُ أَنْ يَسْتَطِبَّ ذِمِّيًّا إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ صَاحِبُ " النَّظْمِ " فِي وَجْهٍ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَخْذَ الدَّوَاءِ مِنْ كَافِرٍ لَا يَعْرِفُ مُفْرَدَاتِهِ، قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَخْلِطُوهُ سُمًّا أَوْ نَجَسًا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي دَوَاءٍ مُبَاحٍ وَكَرِهَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَأَنْ يَسْتَطِبَّهُ بِلَا ضَرُورَةٍ. خَاتِمَةٌ: مَنْ يَلِي خِدْمَةَ مَرِيضٍ وَمَرِيضَةٍ فِي اسْتِنْجَاءٍ، وَوُضُوءٍ، وَغَيْرِهَا كَطَبِيبٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا حَالِقٌ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ حَلْقَ عَانَتِهِ نَصًّا. (وَلِلصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ غَيْرِ ذِي الشَّهْوَةِ النَّظَرُ إِلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ) ; لِأَنَّهُ لَا شَهْوَةَ لَهُ، أشْبهَ الطِّفْل ; وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لِلرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا. وَقَالَ فِي " الشَّرْحِ ": الطِّفْلُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ لَا يَجُبِ الِاسْتِتَارُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ (فَإِنْ كَانَ ذَا شَهْوَةٍ، فَهُوَ كَذِي الْمَحْرَمِ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ النَّظَرُ لَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، (وَعَنْهُ: كَالْأَجْنَبِيِّ) ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَالِغِ فِي الشَّهْوَةِ، وَمِثْلُهُ بِنْتُ تِسْعٍ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَوْلَ أَحْمَدَ رِوَايَةً عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا بَلَغَتِ الْحَيْضَ، فَلَا تَكْشِفُ إِلَّا وَجْهَهَا» وَنَقَلَ جَعْفَرٌ فِي الرَّجُلِ عِنْدَهُ الْأَرْمَلَةُ وَالْيَتِيمَةُ: لَا يَنْظُرُ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِنَظَرِ الْوَجْهِ بِلَا شَهْوَةٍ (وَلِلْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ النَّظَرُ إِلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ) وَلَوْ أَمْرَدٌ يَنْظُرُ غَيْرَ الْعَوْرَةِ ; لِأَنَّ النِّسَاءَ الْكَوَافِرَ كُنَّ يَدْخُلْنَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَكُنْ يَحْتَجِبْنَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 وَعَنْهُ: أَنَّ الْكَافِرَةَ مَعَ الْمُسْلِمَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ، وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ وَيَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الْغُلَامِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَلَا أُمِرْنَ بِحِجَابٍ ; لِأَنَّ الْحَجْبَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَا يُوجَدُ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ ; وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَوْرَةِ بِالنَّهْيِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى غَيْرِهَا، (وَعَنْهُ: إِنَّ الْكَافِرَةَ مَعَ الْمُسْلِمَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] يَنْصَرِفُ إِلَى الْمُسْلِمَاتِ، فَلَوْ جَازَ لِلْكَافِرَةِ النَّظَرُ لَمْ يَبْقَ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ، وَعَنْهُ: مَنْعُهَا مِنْ مُسْلِمَةٍ مِمَّا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا، وَعَلَى ذَلِكَ يَقْبَلُهَا لِضَرُورَةٍ. [مَا يُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ] (وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ) نَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ: «اعْتَدِّي فِي بَيْتِ أُمِّ مَكْتُومٍ» ; وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهَا كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتُرُهَا بِرِدَائِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ; وَلِأَنَّهُ لَوْ مُنِعْنَ النَّظَرَ، لَوَجَبَ عَلَى الرِّجَالِ الْحِجَابُ ; لِئَلَّا يَنْظُرْنَ إِلَيْهِمْ كَمَا تُؤْمَرُ النِّسَاءُ بِهِ (وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ) لَهَا النَّظَرُ إِلَّا إِلَى مِثْلِ مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْهَا، قَدَّمَهُ السَّامَرِّيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِحَدِيثِ نَبْهَانَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا لَا تُبْصِرَانِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: نَبْهَانُ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ أَصَحُّ، وَالْحُجَّةُ بِهِ لَازِمَةٌ ; وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُحَرَّمَ عَلَى الرِّجَالِ خَوْفُ الْفِتْنَةِ، وَهُوَ فِي الْمَرْأَةِ أَبْلَغُ ; فَإِنَّهَا أَشَدُّ شَهْوَةً، وَأَقَلُّ عَقْلًا، وَقِيلَ: تَنْظُرُ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، وَقِيلَ: لَا وَقْتَ مِهْنَةٍ أَوْ غَفْلَةٍ. تَنْبِيهٌ: نَقَلَ الْأَثْرَمُ: يَحْرُمُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنَقَلَ فِي " الْفُنُونِ "، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُنَّ، وَقَالَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ: يَجُوزُ لَهُنَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً ; الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا لِشَهْوَةٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسِهِ، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ أَمَتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُنَّ فِي حُكْمِ الْأُمَّهَاتِ فِي الْحُرْمَةِ وَالتَّحْرِيمِ، فَجَازَ مُفَارَقَتُهُنَّ بَقِيَّةَ النِّسَاءِ فِي هَذَا، وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: فَرْضُ الْحِجَابِ يَخْتَصُّ بِهِنَّ، فُرِضَ عَلَيْهِنَّ - بِلَا خِلَافٍ - فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، لَا يَجُوزُ كَشْفُهَا لِشَهَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا يَجُوزُ إِظْهَارُ شُخُوصِهِنَّ وَلَوْ مُسْتَتِرَاتٍ إِلَّا لِضَرُورَةِ الْبِرَازِ، وَجَوَّزَ جَمَاعَةٌ - وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً - نَظَرَ رَجُلٍ مِنْ حُرَّةٍ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَالْمَذْهَبُ لَا، وَيَجُوزُ غَيْرَ عَوْرَةِ صَلَاةٍ مِنْ أَمَةٍ وَمَنْ لَا تُشْتَهَى، وَفِي تَحْرِيمِ تَكْرَارِ نَظَرِ وَجْهٍ مُسْتَحْسَنٍ وَجْهَانِ. (وَيَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الْغُلَامِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ) ; لِأَنَّهُ ذَكَرٌ، أَشْبَهَ الْمُلْتَحِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لِشَهْوَةٍ، فَإِنْ خَافَ ثَوَرَانَهَا فَوَجْهَانِ، وَهُمَا فِي كَرَاهَتِهِ إِلَى أَمْرَدَ، ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " (وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا لِشَهْوَةٍ) ; لِمَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَمَعْنَى الشَّهْوَةِ: أَنْ يَتَلَذَّذَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَمَنِ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ إِجْمَاعًا، وَنَصُّهُ: وَخَوْفُهَا، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَحَرَّمَ ابْنُ عَقِيلٍ - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ - النَّظَرَ مَعَ شَهْوَةِ تَخْنِيثٍ وَسِحَاقٍ وَدَابَّةٍ يَشْتَهِيهَا، وَلَا يَعُفُّ عَنْهَا. مَسَائِلُ: صَوْتُ الْأَجْنَبِيَّةِ لَيْسَ عَوْرَةً عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِسَمَاعِهِ وَلَوْ بِقِرَاءَةٍ، وَاللَّمْسُ قِيلَ: كَالنَّظَرِ، وَقِيلَ: أَوْلَى، وَإِذَا شُبِّهَ خُنْثَى بِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَلَهُ حُكْمُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعَ رَجُلٍ كَامْرَأَةٍ، وَمَعَ امْرَأَةٍ كَرَجُلٍ، وَتَحْرُمُ الْخَلْوَةُ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ فِي الْكُلِّ مُطْلَقًا وَلَوْ بِحَيَوَانٍ يَشْتَهِي الْمَرْأَةَ أَوْ تَشْتَهِيهِ كَالْقِرْدِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْخَلْوَةُ بِأَمْرَدَ حَسَنٍ وَمُضَاجَعَتُهُ كَامْرَأَةٍ، وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ تَأْدِيبٍ وَتَعْلِيمٍ. [لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسِهِ] (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسِهِ) بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهَا ; لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؛ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» قَالَ السَّامَرِّيُّ: حَتَّى الْفَرْجَ، إِلَّا فِي حَالِ الطَّمْثِ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ النَّظَرُ فِيهِ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِ الشَّهْوَةَ عَادَةً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ، وَلَا التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الرَّجْعِيَّةِ، وَيَجُوزُ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالْبَائِنِ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ، وَهَلْ يَجُوزُ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] سَأَلَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ مَسِّ الرَّجُلِ فَرْجَ زَوْجَتِهِ وَعَكْسِهِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ، أَرْجُو أَنْ يُعْظِمَ أَجْرَهُمَا، نَقَلَ الْأَثْرَمُ فِي الرَّجُلِ يَضَعُ الصَّغِيرَةَ فِي حِجْرِهِ وَيُقَبِّلُهَا: إِنْ لَمْ يَجِدْ شَهْوَةً فَلَا بَأْسَ (وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ أَمَتِهِ) ; لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الزَّوْجَةِ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ أَمَتُهُ الْمُزَوَّجَةُ الْمَجُوسِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ سُرِّيَّتَهُ بَدَلَ أَمَتِهِ ; لِأَنَّهُ يُخْرِجُهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ سُرِّيَّةً، فَإِنَّ لَهُ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَلَمْسَهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ أَمَتَهُ الْمُبَاحَةَ لَهُ، وَهُوَ أَجْوَدُهَا لِسَلَامَتِهِ عَمَّا ذُكِرَ، فَإِنْ زَوَّجَهَا، نَظَرَ غَيْرَ عَوْرَةٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": كَمَحْرَمٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: كَأَمَةِ غَيْرِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": يُكْرَهُ نَظَرُ عَوْرَتِهِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَدِيمَهُ. مَسْأَلَةٌ: يَحْرُمُ نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ النَّظَرُ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، إِذَا أَمِنَ الْفِتْنَةَ وَنَظَرَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا حَرَجَ فِي النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الْعَجُوزِ وَالْبَرْزَةِ الْهِمَّةِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الشَّوْهَاءُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ حَمْدَانَ، وَزَادَ: يُبَاحُ نَظَرُ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهَا، وَمُضَاجَعَتُهَا، وَالسَّلَامُ عَلَيْهَا. [التَّصْرِيحُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ وَالتَّعْرِيضِ بِخِطْبَةِ الرَّجْعِيَّةِ] فَصْلٌ. (وَلَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ) وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا النِّكَاحَ (بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] ; وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَحْمِلَهَا الْحِرْصُ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا، وَالتَّعْرِيضُ بِخِلَافِهِ، (وَلَا) يَجُوزُ (التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الرَّجْعِيَّةِ) ; لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ، (وَيَجُوزُ) التَّعْرِيضُ (فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالْبَائِنِ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ) أَوْ فَسْخٍ لِتَحْرِيمِهَا عَلَى زَوْجِهَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 وَجْهَيْنِ، وَالتَّعْرِيضُ نَحْوُ قَوْلِهِ: إِنِّي فِي مِثْلِكِ لَرَاغِبٌ، وَلَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ. وَتُجِيبُهُ: مَا يُرْغَبُ عَنْكَ، وَإِنْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ، وَنَحْوُهُ. وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِنْ أُجِيبَ، فَإِنْ رُدَّ حَلَّ، فَإِنْ لَمْ تُعْلَمِ الْحَالُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] كَالْفَسْخِ بِالرَّضَاعِ، أَوِ اللَّعَّانِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ; وَلِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَأَمَّا الْبَائِنُ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ كَالْمُخْتَلِعَةِ، وَالْبَائِنِ بِفَسْخٍ لِعَيْبٍ أَوْ إِعْسَارٍ وَنَحْوِهِ، فَلِزَوْجِهَا التَّصْرِيحُ بِخِطْبَتِهَا، وَالتَّعْرِيضُ ; لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ نِكَاحُهَا فِي عِدَّتِهَا (وَهَلْ يَجُوزُ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ ; لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَكَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَالثَّانِي: لَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَبِيحَهَا أَشْبَهَتِ الرَّجْعِيَّةَ، وَهِيَ فِي الْجَوَابِ كَهُوَ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ، فَإِنْ صَرَّحَ بِالْخِطْبَةِ، أَوْ عَرَّضَ فِي مَوْضِعٍ يَحْرُمُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ حِلِّهَا - صَحَّ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ (وَالتَّعْرِيضُ نَحْوُ قَوْلِهِ: إِنِّي فِي مِثْلِكِ لَرَاغِبٌ، وَلَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ) ; لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا لَمَّا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا: «فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي - وَفِي لَفْظٍ - لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ» (وَتُجِيبُهُ: مَا يُرْغَبُ عَنْكَ، وَإِنْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ وَنَحْوُهُ) ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي الْغَرَضِ، وَشَبِيهٌ بِالتَّعْرِيضِ. [لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ] (وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) الْخِطْبَةُ بِالْكَسْرِ: خِطْبَةُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ، وَبِالضَّمِّ: حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ ذِمِّيًّا فِي ذِمِّيَّةٍ (إِنْ أُجِيبَ) تَصْرِيحًا لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ; وَلِأَنَّ فِيهِ إِيقَاعَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: هِيَ مَكْرُوهٌ، كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى قَوْلِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: أَكْرَهُهُ، وَرُدَّ بِأَنَّ ظَاهِرَ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ ; وَلِذَلِكَ حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي ; لِتَصْرِيحِهِ بِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ، فَإِنِ ارْتَكَبَ النَّهْيَ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ، كَالْخِطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لَا يَصِحُّ كَالْبَيْعِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَمْ يُقَارِنِ الْعَقْدَ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي صِحَّتِهِ، وَكَذَا الْأَشْهَرُ لَوْ أُجِيبَ تَعْرِيضًا، إِنْ عَلِمَ ; لِعُمُومِ النَّهْيِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 وَالتَّعْوِيلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَابَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً فَعَلَى الْوَلِيِّ. وَيُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ مَسَاءَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَأَنْ يُخْطَبَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِخُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ ; لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، (فَإِنْ رُدَّ حَلَّ) ; لِمَا رَوَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ، فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَإِنْ لَمْ تُعْلَمِ الْحَالُ) هَلْ أُجِيبَ أَمْ لَا (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ ; لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَالثَّانِي: بَلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ الْمَيْمُونِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِجَابَةِ، وَمِثْلُهُ: لَوْ تَرَكَ الْخِطْبَةَ، أَوْ أُذِنَ لَهُ، أَوْ سُكِتَ عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ ذِمِّيًّا لَمْ تَحْرُمِ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَنْصَحُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ حَرَامٌ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَرُدَّ بِأَنَّ لَفْظَ النَّهْيِ خَاصٌّ بِالْمُسْلِمِ، وَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ مِثْلَهُ، وَلَيْسَ الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ، وَلَا حُرْمَتُهُ كَحُرْمَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي جَوَازُ خِطْبَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى خِطْبَةِ أُخْتِهَا، وَصَرَّحَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " بِالْمَنْعِ، وَلَعَلَّ الْعِلَّةَ تُسَاعِدُهُ (وَالتَّعْوِيلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَابَةِ) عَلَيْهَا (إِنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً) أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَلَوْ أَجَابَ الْوَلِيُّ وَرَغِبَتْ هِيَ عَنِ النِّكَاحِ كَانَ الْأَمْرُ أَمْرَهَا، (وَإِنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً فَعَلَى الْوَلِيِّ) ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، فَكَانَ الْعِبْرَةُ بِهِ لَا بِهَا، وَفِي " الْمُغْنِي ": إِذَا كَرِهَتِ الْمُجْبَرَةُ الْمُجَابَ، وَاخْتَارَتْ غَيْرَهُ - سَقَطَ حُكْمُ إِجَابَةِ وَلَيِّهَا ; لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا مُقَدَّمٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَرِهَتْهُ، وَلَمْ تَخْتَرْ سِوَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ الْإِجَابَةُ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي قَوْلِ عُمَرَ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ مِنَ الْأَبِ لِلْأَيِّمِ فِي التَّزْوِيجِ، وَاخْتِيَارِ الْأَكْفَاءِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ. [اسْتِحْبَابُ عَقْدِ النِّكَاحِ مَسَاءَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ] (وَيُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ مَسَاءَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 وَأَنْ يُقَالَ لِلْمُتَزَوِّجِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا وَعَلَيْكُمَا، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ. وَإِذَا زُفَّتْ إِلَيْهِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] «امْسُوا بِالْأَمْلَاكِ ; فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ ; وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى مَقْصُودِهِ، وَأَقَلُّ لِانْتِظَارِهِ، وَقَدِ اسْتَحَبَّ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ هَذَا الْيَوْمَ ; لِأَنَّهُ شَرِيفٌ وَيَوْمُ عِيدٍ، وَفِيهِ خُلِقَ آدَمُ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» وَفِي " الْغُنْيَةِ ": الْخَمِيسُ وَالْجُمُعَةُ وَالْمَسَاءُ بِهِ أَوْلَى، (وَأَنْ يُخْطَبَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِخُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) قَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] » الْآيَاتِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَظَاهِرُهُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً، خِلَافًا لِدَاوُدَ، وَإِنْ أُخِّرَتْ عَنْهُ جَازَ، وَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهَا {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] الْآيَةَ وَقَبْلَهَا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالنِّكَاحِ، وَنَهَى عَنِ السِّفَاحِ، وَكَانَ أَحْمَدُ إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ انْصَرَفَ (وَأَنْ يُقَالَ لِلْمُتَزَوِّجِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا وَعَلَيْكُمَا، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ) ; لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا رأى إِنْسَانًا تَزَوَّجَ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، (وَإِذَا زُفَّتِ إِلَيْهِ) أَيْ: أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ (قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا) أَيْ: خَلَقْتَهَا وَطَبَعْتَهَا ( «عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ - وَلَفْظُهُ لَهُ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، مَرْفُوعًا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 بَابٌ أَرْكَانُ النِّكَاحِ وَشُرُوطُهُ فَأَرْكَانُهُ: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِيجَابُ إِلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ بِالْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُهُمَا، أَوْ بِمَعْنَاهُمَا الْخَاصِّ بِكُلِّ لِسَانٍ لِمَنْ لَا يُحْسِنُهُمَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَالْقَبُولُ: قَبِلْتُ هَذَا النِّكَاحَ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَفْظُهُ قَالَ: «إِذَا أَفَادَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوْ خَادِمًا أَوْ دَابَّةً، فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا، وَلْيَقُلْ. . .» إِلَى آخِرِهِ. [أَرْكَانُ النِّكَاحِ وَشُرُوطُهُ] [أَرْكَانُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ] بَابٌ أَرْكَانُ النِّكَاحِ وَشُرُوطُهُ أَرْكَانُ الشَّيْءِ: أَجْزَاءُ مَاهِيَّتِهِ، فَالْمَاهِيَّةُ لَا تُوجَدُ بِدُونِ جُزْئِهَا، فَكَذَا الشَّيْءُ لَا يَتِمُّ بِدُونِ رُكْنِهِ، وَالشَّرْطُ: مَا يَنْتَفِي الْمَشْرُوطُ بِانْتِفَائِهِ، وَلَيْسَ جُزْءًا لِلْمَاهِيَّةِ (فَأَرْكَانُهُ: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) ; لِأَنَّ مَاهِيَّةَ النِّكَاحِ مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا، وَمُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْهِمَا. (وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِيجَابُ إِلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ) إِجْمَاعًا ; لِوُرُودِهِمَا فِي نَصِّ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وَلَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِهِمَا ; إِذِ الْعَادِلُ عَنْهُمَا مَعَ مَعْرِفَتِهِ لَهُمَا عَادِلٌ عَنِ اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَ الْقُرْآنُ بِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً فَقَالَ: مَلَّكْتُكَ بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، قُلْتُ: وَرَدَ فِيهِ: زَوَّجْتُكَهَا، وَزَوَّجْنَاكَهَا، وَأَنْكَحْتُهَا - مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ رَوَى بِالْمَعْنَى ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَوْ يَكُونُ خَاصًّا بِهِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَبْقَى حُجَّةً، وَكَذَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقْتُهَا، وَجَعَلْتُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا (بِالْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُهُمَا أَوْ، بِمَعْنَاهُمَا الْخَاصِّ بِكُلِّ لِسَانٍ لِمَنْ لَا يُحْسِنُهُمَا) ; لِأَنَّ ذَلِكَ فِي لُغَتِهِ نَظِيرُ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ فِي الْعَرَبِيَّةِ (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ) التَّعَلُّمُ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ " و الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُحْسِنُ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ: قَبِلْتُ، أَوْ قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ: أَزَوَّجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلِلْمُتَزَوِّجِ: أَقَبِلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ - صَحَّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِحَّ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ تَرَاخَى عَنْهُ، صَحَّ مَا   [المبدع في شرح المقنع] " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَصَحَّ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ كَعَاجِزٍ. وَالثَّانِي، وَقَدَّمَهُ السَّامَرِّيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ: أَنْ يَلْزَمَهُ كَالتَّكْبِيرِ. (وَالْقَبُولُ) مِنَ الزَّوْجِ أَوْ وَكِيلِهِ (قَبِلْتُ هَذَا النِّكَاحَ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ) كَرَضِيتُهُ (فِي حَقِّ مَنْ لَا يُحْسِنُ) وَلَوْ هَازِلًا، وتلجئة كَالْإِيجَابِ، وَقِيلَ: وَبِكِتَابَةٍ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ خَرَّجَ صِحَّتَهُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ، وَخَرَّجَهُ هُوَ فِي " عُمُدِ الْأَدِلَّةِ " مِنْ جَعْلِهِ عِتْقَ أَمَتِهِ مَهْرَهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَنْعَقِدُ بِمَا عَدَّهُ النَّاسُ نِكَاحًا بِأَيِّ لُغَةٍ وَلَفْظٍ وَفِعْلٍ كَانَ، وَإِنَّ مِثْلَهُ كُلُّ عَقْدٍ، وَإِنَّ الشَّرْطَ بَيْنَ النَّاسِ مَا عَدُّوهُ شُرُوطًا، فَالْأَسْمَاءُ تُعْرَفُ حُدُودُهَا تَارَةً بِالشَّرْعِ، وَتَارَةً بِاللُّغَةِ، وَتَارَةً بِالْعُرْفِ، وَكَذَلِكَ الْعُقُودُ (فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ: قَبِلْتُ) أَوْ تَزَوَّجْتُ (أَوْ قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ: أَزَوَّجْتَ؛ قَالَ: نَعَمْ، وَلِلْمُتَزَوِّجِ: أَقَبِلْتَ؛ قَالَ: نَعَمْ - صَحَّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، أَمَّا فِي الْأُولَى ; فَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ، فَصَحَّ النِّكَاحُ كَالْبَيْعِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ ; فَلِأَنَّ الْمَعْنَى: نَعَمْ زَوَّجْتُ، نَعَمْ قَبِلْتُ هَذَا التَّزْوِيجَ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44] كَانَ إِقْرَارًا مِنْهُمْ بِوِجْدَانِ مَا وَعَدَهُمْ رَبُّهُمْ حَقًّا، وَبِدَلِيلِ الْإِقْرَارِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ) ; لِأَنَّ لَفْظَ: زَوَّجْتُهُ، وَقَبِلْتُ هَذَا النِّكَاحَ رُكْنٌ فِي الْعَقْدِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِدُونِهِمَا، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الثَّانِيَةِ. فَرْعٌ: يَنْعَقِدُ نِكَاحُ أَخْرَسٍ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ كِتَابَةٍ، وَذَكَرَ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَنَّ فِي كِتَابَةِ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ وَجْهَيْنِ، أَوْلَاهُمَا: عَدَمُ الصِّحَّةِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَإِنْ أَوْجَبَ ثُمَّ جُنَّ قَبْلِ الْقَبُولِ، بَطَلَ كَمَوْتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي إِغْمَائِهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ نَامَ لَمْ يَبْطُلِ الْإِيجَابُ. (وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ، لَمْ يَصِحَّ) سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْمَاضِي: كَتَزَوَّجْتُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ، بَطَلَ الْإِيجَابُ، وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ. فَصْلٌ وَشُرُوطُهُ خَمْسَةٌ، أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي وَلَهُ بَنَاتٌ،   [المبدع في شرح المقنع] ابْنَتَكَ، فَيَقُولُ: زَوَّجْتُكَ، أَوْ بِلَفْظِ الطَّلَبِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، فَيَقُولُ زَوَّجْتُكَهَا ; لِأَنَّ الْقَبُولَ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْإِيجَابِ، فَإِذَا وُجِدَ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا ; لِعَدَمِ مَعْنَاهُ، وَكَمَا لَوْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ ; لِأَنَّهُ وَجَدَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ فِيهِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ الْإِيجَابُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ هَذِهِ الصِّيغَةُ، وَأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ هَذَا اللَّفْظُ، بَلْ يَصِحُّ بِأَيِّ لَفْظٍ أَدَّى الْمَعْنَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ، أَنَّ الْخُلْعَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَإِنْ تَرَاخَى) الْقَبُولُ (عَنْهُ) أَيْ: عَنِ الْإِيجَابِ (صَحَّ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) ; لِأَنَّ حُكْمَ الْمَجْلِسِ حُكْمُ حَالَةِ الْعَقْدِ ; بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِيمَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِيهِ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ; وَلِأَنَّهُ مَعَ التَّشَاغُلِ يُعَدُّ كَالْمُعْرِضِ عَنِ الْإِيجَابِ، فَلَمْ يَصِحَّ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ رَدَّهُ، (وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الْقَبُولِ (بَطَلَ الْإِيجَابُ) ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ قَدْ وُجِدَ مِنْ جِهَتِهِ بِالتَّفَرُّقِ (وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ) نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَلَيْهَا لَا بُدَّ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْمَجْلِسِ، وَأَصْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: إِنَّ رَجُلًا مَضَى إِلَيْهِ قَوْمٌ، فَقَالُوا لَهُ: زَوِّجْ فُلَانًا، قَالَ: زَوَّجْتُهُ عَلَى أَلْفٍ، فَرَجَعُوا إِلَى الزَّوْجِ، فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ - يَكُونُ هَذَا نِكَاحًا وَيَتَوَارَثَانِ؛ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ مَنْ قَبِلَ الْعَقْدَ - وَفِيهِ نَظَرٌ. [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ] فَصْلٌ (وَشُرُوطُهُ خَمْسَةٌ، أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ) ; لِأَنَّ كُلَّ عَاقِدٍ وَمَعْقُودٍ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِمَا، كَالْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعِ ; وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ بِدُونِ التَّعْيِينِ كَالْبَيْعِ. تَنْبِيهٌ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ كَالْإِجَارَةِ لَا فِي حُكْمِ الْمُعَيَّنِ، وَفِيهِ قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الْأَعْيَانَ مَمْلُوكَةٌ، لِأَجْلِهَا يُحْتَمَلُ الْمَنْعُ ; لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لِلَّهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَاتِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ، صَحَّ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَضَعَتْ زَوْجَتَيِ ابْنَةً، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، لَمْ يَصِحَّ. فَصْلٌ الثَّانِي: رِضَا الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ إِلَّا الْأَبُ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَوْ سَلَّمَ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ، فَمَلَّكَهُ إِتْلَافَهَا وَلَا ضَمَانَ بِخِلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ، (فَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي، وَلَهُ بَنَاتٌ، لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ، وَلَمْ يُوجَدْ (حَتَّى يُشِيرَ إِلَيْهَا، أَوْ يُسَمِّيَهَا، أَوْ يَصِفَهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ) ; لِوُجُودِ التَّعْيِينِ، (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ، صَحَّ) ; لِأَنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ إِنَّمَا حَصَلَ مِنَ التَّعَدُّدِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، فَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ فَاطِمَةَ وَهُوَ اسْمُهَا، وَلَمْ يَقُلْ مَعَ ذَلِكَ: ابْنَتِي، لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ فَاطِمَةَ بِنْتَ فُلَانٍ، احْتَاجَ أَنْ يَرْفَعَ نَسَبَهَا حَتَّى يَبْلُغَ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ عَنِ النِّسَاءِ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُ ابْنَتَانِ: كُبْرَى اسْمُهَا عَائِشَةُ، وَصُغْرَى اسْمُهَا فَاطِمَةُ، فَقَالَ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَائِشَةَ، وَقَبِلَ الْمُزَوَّجُ - وَهُمَا يَنْوِيَانِ الصُّغْرَى - لَمْ يَصِحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الَّتِي نَوَيَاهَا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ يُرِيدُ الْكُبْرَى، وَالزَّوْجُ يَقْصِدُ الصُّغْرَى، لَمْ يَصِحَّ، كَمَا إِذَا خَطَبَ امْرَأَةً وَزُوِّجَ بِغَيْرِهَا ; لِأَنَّ الْقَبُولَ وُجِدَ فِي غَيْرِ مَنْ وُجِدَ الْإِيجَابُ فِيهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ مَا يَصْرِفُ الْقَبُولَ إِلَى الصُّغْرَى مِنْ خِطْبَةِ غَيْرِهَا، وَلَوْ نَوَى الْوَلِيُّ الصُّغْرَى، وَالزَّوْجُ الْكُبْرَى، أَوْ نَوَى الْوَلِيُّ الْكُبْرَى، وَلَمْ يَدْرِ الزَّوْجُ أَيَّتَهُمَا هِيَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَصِحُّ التَّزْوِيجُ ; لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِيهَا فِي الَّتِي تَنَاوَلَهَا لَفْظُهمَا، وَعَلَى الْآخَرِ: يَصِحُّ فِي الَّتِي تَنَاوَلَهَا لَفْظُهُمَا، وَعَلَى الصَّرِيحِ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَقَطْ (وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَضَعَتْ زَوْجَتَيِ ابْنَةً، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطٍ وَهُوَ مُجَرَّدُ وَعْدٍ، كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ حَمْلَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ. [الشَّرْطُ الثَّانِي رِضَا الزَّوْجَيْنِ] (الثَّانِي: رِضَا الزَّوْجَيْنِ) أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا ; لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُمَا، فَاعْتُبِرَ تَرَاضِيهِمَا بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 تَزْوِيجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ، وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِنَّ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ   [المبدع في شرح المقنع] كَالْبَيْعِ (فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ، (إِلَّا الْأَبُ، لَهُ تَزْوِيجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) أَيْ: لِلْأَبِ خَاصَّةً تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ - أَذِنَ أَوْ كَرِهَ - وِفَاقًا ; لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى زَيْدٍ، فَأَجَازَاهُ جَمِيعًا ; وَلِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ تَوْلِيَةٍ، فَكَانَ لَهُ تَزْوِيجُهُ كَابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي إِجْبَارِهِ مُرَاهِقًا نَظَرٌ، وَيَتَوَجَّهُ كَأُنْثَى أَوْ عَبْدٍ مُمَيِّزٍ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ قُبِلَ، ذَكَرَهُ فِي " الْإِيضَاحِ " (وَالْمَجَانِينُ) ; لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمْ، فَكَانَ لَهُ وَلَاءُ تَزْوِيجِهِمْ كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ; لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي جَازَ التَّزْوِيجُ مِنْ أَجْلِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُزَوِّجُ بَالِغًا إِلَّا إِذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ أَمَارَاتُ الشَّهْوَةِ بِاتِّبَاعِ النِّسَاءِ لِلْمَصْلَحَةِ ، وَقِيلَ: بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: وَاحِدَةٌ، وَفِي أَرْبَعٍ وَجْهَانِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهُ بِحَالٍ ; لِأَنَّهُ رَجُلٌ، فَلَا يَمْلِكُ إِجْبَارَهُ كَالْعَاقِلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ فَالْبَالِغُ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ مَنْ يَخْنُقُ فِي الْأَحْيَانِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. فَرْعٌ: يُزَوِّجُهُمَا حَاكِمٌ لِحَاجَةٍ، وَظَاهِرُ الْإِيضَاحِ لَا، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَفِي " الْفُصُولِ "، وَغَيْرِهِ حَاجَةُ نِكَاحٍ فَقَطْ، وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " بِكُفْءٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ (وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِنَّ) أَيْ: تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ - بِغَيْرِ خِلَافٍ - إِذَا زَوَّجَهَا بِكُفْءٍ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تُزَوَّجُ ثُمَّ تُطَلَّقُ، وَلَا إِذْنَ لَهَا فَتُعْتَبَرُ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِي وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَهُ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ، فَهِيَ امْرَأَةٌ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ الْقَاضِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. فَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً، فَلَهُ إِجْبَارُهَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ ; لِحَدِيثِ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَإِنْ أُجْبِرَتْ، أُخِذَ بِتَعْيِينِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَهَلْ لَهُ تَزْوِيجُ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالسَّيِّدُ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] كُفُؤا لَا بِتَعْيِينِ الْمُجْبِرِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِجْبَارِ بِشُرُوطٍ: أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ، بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُزَوَّجُ مُعْسِرًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَبِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَأَنْ يُزَوِّجَهَا بِنَقْدِ الْبَلَدِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ إِلَّا بِإِذْنِهَا) ; لِأَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ تِسْعًا تَصْلُحُ لِلْبُلُوغِ، أَشْبَهَتِ الْبَالِغَةَ، وَلَهَا بَعْدَ التِّسْعِ إِذْنٌ صَحِيحَةٌ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: لَا إِذْنَ لَهَا كَمَالٍ، وَيُحْتَمَلُ فِي ابْنِ تِسْعٍ يُزَوَّجُ بِإِذْنِهِ، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَإِذْنُهُ نُطْقٌ، وَلَا يَكْفِي صَمْتُهُ (وَهَلْ لَهُ تَزْوِيجُ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) الْمَذْهَبُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ بَطَّةَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَرَجَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، كَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَفِي ثَالِثٍ: تُزَوَّجُ ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ بِإِذْنِهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تُزَوَّجُ الثَّيِّبُ إِلَّا بِإِذْنِهَا فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ إِلَّا الْحَسَنَ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 تَزْوِيجُ إِمَائِهِ الْأَبْكَارِ وَالثَّيِّبِ، وَعَبِيدِهِ الصِّغَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، وَلَا يَمْلِكُ إِجْبَارَ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ، وَيُحْتَمَلُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصَّغِيرِ أَيْضًا. وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجُ كَبِيرَةٍ   [المبدع في شرح المقنع] «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ» رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ ; وَلِأَنَّهَا عَالِمَةٌ بِالْمَقْصُودِ مِنَ النِّكَاحِ، فَلَمْ يَجُزْ إِجْبَارُهَا عَلَيْهِ كَالرَّجُلِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا نِسْوَةً ثِقَاتٍ يَنْظُرْنَ مَا فِي نَفْسِهَا، وَالْأُمُّ بِذَلِكَ أَوْلَى. (وَالسَّيِّدُ لَهُ تَزْوِيجُ إِمَائِهِ الْأَبْكَارِ، وَالثَّيِّبِ، وَعَبِيدِهِ الصِّغَارِ، بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ) وَفِيهِ مَسَائِلُ، الْأُولَى: أَنَّ السَّيِّدَ لَهُ تَزْوِيجُ إِمَائِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِنَّ، هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ عُقِدَ عَلَى مَنْفَعَتِهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ، أَشْبَهَتِ الْإِجَارَةَ، وَنَقَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ يُزَوِّجُ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ مِنْ غُلَامِهِ بِغَيْرِ مَهْرٍ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي إِلَّا بِمَهْرٍ وَشُهُودٍ، قِيلَ: فَإِنْ أَبَتْ؛ قَالَ: يُزَوِّجُهَا السَّيِّدُ بِإِذْنِهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ السَّيِّدَ لَا يُجْبِرُ الْأَمَةَ الْكَبِيرَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَيْسَتْ بِمَالٍ ; بِدَلِيلِ الْمُعْسِرَةِ لَا تُلْزَمُ بِالتَّزَوُّجِ، وَلَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ اتِّفَاقًا، وَمِلْكُ السَّيِّدِ لَهَا كَمِلْكِهِ لِمَنْفَعَةِ بُضْعِ زَوْجَتِهِ، وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ يَشْمَلُ الْمُدَبَّرَةَ وَالْمُعَلَّقَ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ وَأُمَّ الْوَلَدِ ; لِمُسَاوَاتِهِنَّ لِلْأَمَةِ، وَفِي مِلْكِهِ إِجْبَارُ الْمُكَاتَبَةِ وَجْهَانِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا حُرًّا لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَا إِنْكَاحَهَا وَحْدَهُ، وَيُعْتَبَرُ إِذْنُهَا وَإِذْنُ مَالِكِ الْبَقِيَّةِ كَأَمَةٍ لِاثْنَيْنِ، وَيَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا: زَوَّجْتُكَهَا. الثَّانِيَةُ (أن السيد له تزويج عبده الصغير بغير إذنه) وَهِيَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ: إِنَّ لَهُ إِجْبَارَهُ قِيَاسًا عَلَى الِابْنِ الصَّغِيرِ، بَلْ أَوْلَى ; لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ عَلَيْهِ، وقال أبو الخطاب: يحتمل أن لا يملك تزويجه. (وَلَا يَمْلِكُ إِجْبَارَ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ) ; لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ إِجْبَارَهُ عَلَيْهِ كَالطَّلَاقِ (وَيُحْتَمَلُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصَّغِيرِ أَيْضًا) هَذَا وَجْهٌ حَكَاهُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 إِلَّا بِإِذْنِهَا، إِلَّا الْمَجْنُونَةَ لَهُمْ تَزْوِيجُهَا إِذَا ظَهَرَ مِنْهَا الْمَيْلُ إِلَى الرِّجَالِ، وَعَنْهُ: لَهُمْ   [المبدع في شرح المقنع] " الِانْتِصَارِ " كَالْكَبِيرِ، وَالْمَذْهَبُ: إِجْبَارُهُ كَالْمَجْنُونِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَالْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى السَّيِّدِ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ. (وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ) كَالْجَدِّ وَالْأَخِ، وَنَحْوِهِمَا (تَزْوِيجُ كَبِيرَةٍ إِلَّا بِإِذْنِهَا) لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَا يُسَاوِيهِ، وَفِي تَزْوِيجِ الْأَبِ الْكَبِيرَةَ الْبَالِغَةَ خِلَافٌ، فَلَزِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ - قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ، يُجْبِرُ (إِلَّا الْمَجْنُونَةَ) فِي اخْتِيَارِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالشَّيْخَيْنِ (لَهُمْ تَزْوِيجُهَا إِذَا ظَهَرَ مِنْهَا الْمَيْلُ إِلَى الرِّجَالِ) ; لِحَاجَتِهَا لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ، وَصِيَانَتِهَا عَنِ الْفُجُورِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَحَاكِمٍ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي " الْمُغْنِي ": يَنْبَغِي أَنْ تُزَوَّجَ إِذَا قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ: تَزُولُ عِلَّتُهَا بِالتَّزْوِيجِ كَالشَّهْوَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهَا، وَقِيلَ - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ -: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةُ إِجْبَارٍ، فَلَا تَثْبُتُ لِغَيْرِ الْأَبِ، كَالْعَاقِلَةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُوصَى لَهُ فِي النِّكَاحِ، أَمَّا مَعَ وُجُودِهِ، فَحُكْمُهُ كَالْأَبِ (وَلَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ بِحَالٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ; لِمَا رُوِيَ «أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ ابْنَةَ أَخِيهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَرُفِعَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّهَا يَتِيمَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ إِلَّا بِإِذْنِهَا» ، وَالصَّغِيرَةُ لَا إِذْنَ لَهَا كَمَالٍ (وَعَنْهُ: لَهُمْ ذَلِكَ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] دَلَّتْ بِمَفْهُومِهَا أَنَّ تَزْوِيجَهَا إِذَا أَقْسَطُوا جَائِزٌ، وَقَدْ فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ بِذَلِكَ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": كَحَاكِمٍ، وَلَعَلَّهُ كَالْأَبِ، بَلْ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" الرِّعَايَةِ " مَا يُخَالِفُهُ، وَذَكَرَ فِي " الْمُجَرَّدِ ": لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجُهُ ; لِأَنَّهُ يَلِي مَالَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا عِنْدَ عَدَمِهِمْ ; بِدَلِيلِ مَا نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ، أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ صَبِيَّةٍ بِنْتِ ثَمَانِ سِنِينَ، مَاتَ أَبُوهَا، وَيُرِيدُ الْعُصْبَةُ أَنْ يُزَوِّجُوهَا، قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تُسْتَأْمَرَ، وَلَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا عَمٌّ، أَوِ ابْنُ عَمٍّ، أَوْ عُصْبَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ، فَعَلَى هَذَا يُفِيدُ الْحِلَّ، وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مِنَ الْإِرْثِ وَنَحْوِهُ، وَفِي " الْفُصُولِ ": لَا، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ فِي يَتِيمَةٍ زُوِّجَتْ قَبْلَ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 ذَلِكَ، وَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ، وَعَنْهُ: لَهُمْ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ بِإِذْنِهَا، وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ، وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثُّيُوبَةِ بِوَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ، فَأَمَّا زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِأُصْبُعٍ أَوْ وَثْبَةٍ، فَلَا تُغَيِّرُ حِفْظَ الْإِذْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] تُدْرِكَ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا - هَلْ يَتَوَارَثَانِ؟ قَالَ: فِيهِ اخْتِلَافٌ، قَالَ قَتَادَةُ: لَا يَتَوَارَثَانِ، وَمِثْلُهُ كُلُّ نِكَاحٍ لُزُومُهُ مَوْقُوفٌ، وَلَفْظُ الْقَاضِي: نَسْخُهُ مَوْقُوفٌ، وَكُلُّ نِكَاحٍ صِحَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَالْأَحْكَامُ مِنَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ مُنْتَفِيَةٌ فِيهِ. (وَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ) ; لِتَسْتَدْرِكَ مَا فَاتَهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي صَغِيرٍ مِثْلِهَا، وَقَاسَهُ الْمُؤَلِّفُ وَجَمَاعَةٌ عَلَيْهَا، فَدَلَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ فِي صَغِيرٍ زَوَّجَهُ عَمُّهُ، قَالَ: إِنْ رَضِيَ بِهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فُسِخَ، (وَعَنْهُ: لَهُمْ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ بِإِذْنِهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَالَهُ جَمْعٌ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْوَى دَلِيلًا ; لِأَنَّ الْقَوْلَ بِهَا جَمْعٌ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ وَقُيِّدَتْ بِالتِّسْعِ ; لِأَنَّهَا تَصِيرُ عَارِفَةً بِمَا يَضُرُّهَا وَيَنْفَعُهَا، فَتَظْهَرُ فَائِدَةُ اسْتِئْذَانِهَا ; وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ: فَعَلَى هَذَا لَا خِيَارَ لَهَا إِذَا بَلَغَتْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الرِّعَايَةِ "، وَذَكَرَهُ نصا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إِذْنُهَا، فَلَهَا الْخِيَارُ، (وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ) بِلَا خِلَافٍ (وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ) ; لِلْأَخْبَارِ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ مَرْفُوعًا، قَالَ: «الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ رِضَاهَا صُمَاتُهَا فَإِنْ ضَحِكَتْ أَوْ بَكَتْ فَكَذَلِكَ، وَنُطْقُهَا أَبْلَغُ ;» لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثُّيُوبَةِ بِوَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ) وَعَلَى الْأَصَحِّ ; لِعُمُومِ الْخَبَرِ ; لِأَنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي اقْتَضَتِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبِكْرِ - مُبَاضَعَةُ الرِّجَالِ وَمُخَالَطَتُهُمْ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمُصَابَةِ بِالزِّنَا ; وَلِهَذَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَوْ أَوْصَى لِثَيِّبٍ دَخَلَا (فَأَمَّا زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِأُصْبُعٍ أَوْ وَثْبَةٍ فَلَا تُغَيِّرُ صِفَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 فَصْلٌ الثَّالِثُ: الْوَلِيُّ، فَلَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ، فَإِنْ زَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] الْإِذْنِ) ; لِعَدَمِ الْمُبَاضَعَةِ وَالْمُخَالَطَةِ، وَكَمَا لَوْ وُطِئَتْ فِي الدُّبُرِ، وَعَكْسُ هَذَا لَوْ عَادَتْ بَكَارَتُهَا بِوَطْءٍ بَعْدَ زَوَالِهَا فَهِيَ فِي حُكْمِ الثَّيِّبِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وِفَاقًا لِوُجُودِ الْمُبَاضَعَةِ، وَعَنْهُ: زَوَالُ عُذْرَتِهَا مُطْلَقًا وَلَوْ بِوَطْءِ دُبُرٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ يَشْمَلُ الْأَبَ وَغَيْرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَقَالَ فِي " التَّعْلِيقِ ": إِنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ إِذْنَ الْبِكْرِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَبِ - النُّطْقُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْذَانِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ مَعْرِفَتُهَا بِهِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْوَلِيُّ] [حُكْمُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ] فَصْلٌ (الثَّالِثُ: الْوَلِيُّ، فَلَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ لِلْأَصْحَابِ ; لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَهُوَ لِنَفْيِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ ; بِدَلِيلِ مَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلَيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، بَاطِلٌ، بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَادَّعَى الْقَاضِي أَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، لَا يُقَالُ: يُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ ; لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ، أَيْ: لَا نِكَاحَ شَرْعِيّ أَوْ مَوْجُود فِي الشَّرْعِ إِلَّا بِوَلِيٍّ. وَالثَّانِي: يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ، مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِهَا لِنَفْسِهَا ; لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِنَّ ; وَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا، فَصَحَّ مِنْهُ كَبَيْعِ أَمَتِهَا، قِيلَ: لَا مَفْهُومَ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ ; لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِالنَّهْيِ عَنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 يَصِحَّ، وَعَنْهُ: لَهَا تَزْوِيجُ أَمَتِهَا وَمُعْتَقَتِهَا، فَيَخْرُجُ مِنْهُ صِحَّةُ تَزْوِيجِ نَفْسِهَا بِإِذْنِ وَلَيِّهَا، وَتَزْوِيجِ غَيْرِهَا بِالْوِكَالَةِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ. وَأَحَقُّ النَّاسِ بِنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَبُوهَا   [المبدع في شرح المقنع] الْعَضْلِ هُمُ الْأَوْلِيَاءُ، وَنَهْيُهُمْ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِهِمْ ; إِذِ الْعَضْلُ لُغَةً: الْمَنْعُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعَضْلِ الْحِسِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ ; لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَضْلَ مِنْهُمْ يَصِحُّ دُونَ الْأَجَانِبِ، ثُمَّ إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ حِينَ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهِ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَوَّجَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَعْقِلٍ وِلَايَةٌ، وَأنَّ الْحُكْمَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ لَما عُوتِبَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إِلَيْهِنَّ ; فَلِأَنَّهُنَّ مَحَلٌّ لَهُ (فَإِنْ زَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا أَوْ غَيْرَهَا، لَمْ يَصِحَّ) ; لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ ; وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْمُونَةٍ عَلَى الْبُضْعِ ; لِنَقْصِ عَقْلِهَا، وَسُرْعَةِ انْحِدَارِهَا، فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيضُهُ إِلَيْهَا كَالْبَذْرِ فِي الْمَالِ (وَعَنْهُ: لَهَا تَزْوِيجُ أَمَتِهَا) ; لِأَنَّهَا ملكُهَا، وَوِلَايَتُهَا عَلَيْهَا لَهَا، فَكَانَ لَهَا تَزْوِيجُهَا كَالسَّيِّدِ (وَمُعْتَقَتِهَا) ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ كَانَتْ لَهَا عَلَيْهَا، فَوَجَبَ اسْتِصْحَابُهَا ; وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالْمِلْكِ، (فَيَخْرُجُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ هَذَا الْقَوْلِ (صِحَّةُ تَزْوِيجِ نَفْسِهَا بِإِذْنِ وَلَيِّهَا، وَتَزْوِيجُ غَيْرِهَا بِالْوِكَالَةِ) ; لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ أَهْلًا لِمُبَاشَرَةِ تَزْوِيجِ أَمَتِهَا وَمُعْتَقَتِهَا، فَلِأَنْ تَكُونَ أَهْلًا لِمُبَاشَرَةِ وَتَزْوِيجِ نَفْسِهَا وَغَيْرِهَا بِالْوِكَالَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ تَوَلَّتْ نِكَاحَ بِنْتِ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ; وَلِأَنَّهَا شَخْصٌ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ بِنَفْسِهِ، فَيَتَوَلَّى عَقْدَ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ كَالْغُلَامِ، وَعَنْهُ: تُزَوِّجُ نَفْسَهَا مُطْلَقًا، وَخَصَّهُ الْمُؤَلِّفُ بِحَالِ الْعُذْرِ كَمَا إِذَا عُدِمَ الْوَلِيُّ أَوِ السُّلْطَانُ، وَاخْتُلِفَ فِي مَأْخَذِهَا، فَابْنُ عَقِيلٍ أَخَذَهَا مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي دِهْقَانِ الْقَرْيَةِ يُزَوِّجُ مَنِ الْأَوْلَى لَهَا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَاكِمِهَا، وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَخَذَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى مِمَّا أَخَذَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِالْآيَةِ، وَبِقَوْلِهِ: فَإِنْ طَلَّقَهَا، فَأَبَاحَ فِعْلَهَا فِي نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْوَلِيِّ ; وَبِدَلِيلِ خِطْبَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُمَّ سَلَمَةَ، فَإِنَّ أَهْلَ التَّارِيخِ قَالُوا: إِنَّهُ كَانَ ابْنَ سِتِّ سِنِينَ، وَمِثْلُهُ لَا تَصِحُّ وِلَايَتُهُ، وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَذِيِّ: مَا أَرَاهُ صَحِيحًا ; لِأَنَّ عَائِشَةَ فَعَلَتْ بِخِلَافِهِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَقِيتُ الزُّهْرِيَّ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، قَالَهُ أَحْمَدُ، (وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ) ; لِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ نَزَلَ ثُمَّ أَخُوهَا لِأَبَوَيْهَا ثُمَّ لِأَبِيهَا، وَالتَّسْوِيَةُ   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرْنَا، وَصَوْنًا لَهَا عَنْ مُبَاشَرَةِ مَا يَشْعُرُ بِوَقَاحَتِهَا وَرُعُونَتِهَا وَمَيْلِهَا إِلَى الرِّجَالِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تُبَاشِرَ النِّكَاحَ تَحْصِيلًا لِذَلِكَ، وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ تَقَدَّمَ، وَهُوَ نِكَاحُ الْبَائِنَةِ فِي أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ، وَتَزْوِيجِهِ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ، كَمَا لَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ فِي حَقِّهِ، وَحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ عَنْ إِمَامِنَا تَصْحِيحُهُ، وَالْحَمْلُ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرِوَايَةُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَهُوَ ثِقَةٌ كَبِيرٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِلَّا الْبُخَارِيُّ ; لِأَحَادِيثَ انْفَرَدَ بِهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُرَدُّ بِهِ الْحَدِيثُ، وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ» . . . إِلَى آخِرِهِ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَصِيرِ إِلَى الْبُطْلَانِ ; لِأَنَّ الْمَجَازَ مِنَ الْقَوْلِ لَا يَجُوزُ تَأْكِيدُهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ. فَعَلَى هَذَا إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَكَفُضُولِيٍّ، فَإِنْ أَبَى فَسَخَهُ حَاكِمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: إِذَا حَكَمَ بِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ حَاكِمٌ، أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي لَهُ حَاكِمًا، لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَقِيلَ يُنْقَضُ هُنَا، وَاخْتَارَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ، فَإِنْ وَطِئَ فِيهِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ ; لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُخْتَلَفٌ فِي حِلِّهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ ; لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي نِكَاحٍ مَنْصُوصٍ عَلَى بُطْلَانِهِ. [أَحَقُّ النَّاسِ بِالْوِلَايَةِ] (وَأَحَقُّ النَّاسِ بِنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَبُوهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} [الأنبياء: 90] ; لِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْهِبَةِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ ; لِأَنَّ الْأَبَ أَكْمَلُ نَظَرًا، وَأَشَدُّ شَفَقَةً، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ ; بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مِنْ مَالِهِ وَلَهُ مِنْ مَالِهَا، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَيْهِ كَالْمِيرَاثِ، وَأَخَذَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " مِنْ نَقْلِ حَنْبَلٍ: الْعُصْبَةُ: مَنْ أَحْرَزَ الْمَالَ (ثُمَّ أَبُوهُ، وَإِنْ عَلَا) عَلَى الْأَشْهَرِ ; لِأَنَّ الْجَدَّ لَهُ إِيلَادٌ وَتَعَصُّبٌ، أَشْبَهَ الْأَبَ (ثُمَّ ابْنُهَا، ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ نَزَلَ) ; لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمِيرَاثِ، وَلِلِابْنِ وِلَايَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ، وَبَيْنَ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ، وَالْأَخِ مِنَ الْأَبِ، ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ وَإِنْ سَفَلُوا، ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُهُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنَ الْعَصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] جَمَاعَةٍ ; لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ وَلَا غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ لِابْنِهَا: يَا عُمَرُ قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَوَّجَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهَا وَلِيًّا شَاهِدًا أَيْ: حَاضِرًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّهُ ابْنُهَا عُمَرُ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ ; لِأَنَّ وُجُودَهُ كَالْعَدَمِ ; لِصِغَرِهِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَزَوَّجَهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: كَانَ عُمُرُ عُمَرَ حِينَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تِسْعَ سِنِينَ، وَأنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ عُمُرُهُ حِينَ التَّزْوِيجِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ (ثُمَّ أَخُوهَا لِأَبَوَيْهَا) كَالْمِيرَاثِ (ثُمَّ لِأَبِيهَا) فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " كَالْإِرْثِ وَعَلَى اسْتِحْقَاقِهِ بِالْوَلَاءِ، وَأَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ مِنَ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ النِّسَاءُ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِيهِ (وَعَنْهُ: تَقْدِيمُ الِابْنِ عَلَى الْجَدِّ) اخْتَارَهَا الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالسَّامَرِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ كَالْمِيرَاثِ، وَعَنْهُ عَلَى هَذِهِ: يُقَدَّمُ الْأَخُ عَلَى الْجَدِّ ; لِإِدْلَائِهِ بِالْبُنُوَّةِ، وَعَنْهُ: سَوَاءٌ لِامْتِيَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُرَجِّحٍ (وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ) ; لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمِيرَاثِ وَالتَّعْصِيبِ (وَبَيْنَ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْأَخِ مِنَ الْأَبِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَحَرْبٍ، وَأَبِي الْحَارِثِ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَمُعْظَمِ أَصْحَابِهِ ; لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْجِهَةِ الَّتِي تُسْتَفَادُ مِنْهَا فِي الْوِلَايَةِ، وَهِيَ الْعُصُوبَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَاسْتَوَيَا فِي النِّكَاحِ، كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ أَبٍ، وَقَرَابَةُ الْأُمِّ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي النِّكَاحِ. (ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ، وَإِنْ سَفَلُوا) كَالْمِيرَاثِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: ابْنُ الْأَخِ مِنَ الْأَبِ مُسَاوٍ لِابْنِ الْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ (ثُمَّ الْعَمُّ، ثُمَّ ابْنُهُ) ; لِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ كَانَا أَبْنَاءَ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ، فَقَالَ الْقَاضِي وَطَائِفَةٌ: هُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخِلَافِ فِي ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَبَوَيْنِ وَالْآخَرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 عَصَبَاتُهُ مِنْ بَعْدِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، ثُمَّ السُّلْطَانُ. فَأَمَّا الْأَمَةُ، فَوَلِيُّهَا سَيِّدُهَا، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] مِنَ الْأَبِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُمَا سَوَاءٌ ; لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي التَّعْصِيبِ وَالْإِرْثِ بِهِ، وَجِهَةُ الْأُمِّ يُورَثُ بِهَا مُنْفَرِدَةً وَلَا تَرْجِيحَ بِهَا. (ثُمَّ الأقرب فَالْأَقْرَبُ مِنَ الْعَصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ) ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مَبْنَاهَا عَلَى النَّظَرِ وَالشَّفَقَةِ، وَمَظِنَّةُ ذَلِكَ الْقَرَابَةُ، وَالْأَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ هُوَ الْأَقْرَبُ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِالْوِلَايَةِ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي النِّكَاحِ لَا تَثْبُتُ إِلَّا لِمَنْ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَلِي بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ، وَأَوْلَى وَلَدِ كُلِّ أَبٍ أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (ثُمَّ الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ) أَيِ: الْمُعْتِقُ (ثُمَّ عَصَبَاتُهُ مِنْ بَعْدِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) ; لِأَنَّهُمْ عَصَبَاتٌ، يَرِثُونَ وَيَعْقِلُونَ، فَكَذَلِكَ يُزَوِّجُونَ، وَقُدِّمَ هُنَا الْمُنَاسِبُونَ كَالْمِيرَاثِ، فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْمُعْتِقِ عَلَى أَبِيهِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا قُدِّمَ هُنَاكَ لِزِيَادَةِ شَفَقَتِهِ وَكَمَالِ نَظَرِهِ، وَهُنَا النَّظَرُ لِأَقْرَبِ الْعُصْبَةِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَبُوهَا عَلَى ابْنِهَا كَالْأَصْلِ (ثُمَّ السُّلْطَانُ) ; لِمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، قَالَ أَحْمَدُ: الْقَاضِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْأَمِيرِ فِي هَذَا، انْتَهَى، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ بُغَاةٍ إِذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى بَلَدٍ، فَإِنْ عُدِمَ، وَكَّلَتْ، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ مَنْ ذَكَرَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَسْلَمَتْ عَلَى يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَهَا عَلَى الْأَشْهَرِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ كَالْإِرْثِ وَلَا وَالِي الْبَلَدِ، وَعَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَاضِي، وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْجَوَازَ مُطْلَقًا لِلضَّرُورَةِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ مُطْلَقًا، قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ، لَيْسَ مَعَهُمَا وَلِيٌّ وَلَا شُهُودٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، وَإِنْ خَافَ الزِّنَا بِهَا، وَعَنْهُ: يُزَوِّجُهَا عَدْلٌ بِإِذْنِهَا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَخَذَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقِفُ عَلَى وَلِيٍّ، وَنُصُوصُ أَحْمَدَ تَمْنَعُهُ، وَأَخَذَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ دِهْقَانِ الْقَرْيَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَزْوِيجُ الْأَيَامَى فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ أَبَاهُ حَاكِمٌ إِلَّا بِظُلْمٍ كَطَلَبِهِ جُعْلًا لَا يَسْتَحِقُّهُ، صَارَ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ، فَقِيلَ: تُوَكِّلُ مَنْ يُزَوِّجُهَا، وَقِيلَ: لَا تَتَزَوَّجُ، وَالصَّحِيحُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ: يُزَوِّجُهَا ذُو السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَالْعَضْلِ (فَأَمَّا الْأَمَةُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 كَانَتْ لِامْرَأَةٍ، فَوَلِيُّهَا وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا، وَلَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا. وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ الْحُرِّيَّةُ،   [المبدع في شرح المقنع] حَتَّى الْآبِقَةُ (فَوَلِيُّهَا سَيِّدُهَا) إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِهَا، فَكَانَ إِلَيْهِ كَإِجَارَتِهَا وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ فَاسِقًا، فَإِنْ كَانَ لَهَا سَيِّدَانِ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِإِذْنِهَا (فَإِنْ كَانَتْ لِامْرَأَةٍ، فَوَلِيُّهَا وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا) هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ مِنَ الرِّوَايَاتِ، صَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوِلَايَةِ لَهَا ; لِأَنَّهَا مَالُهَا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ فِي حَقِّهَا لِانْتِفَاءِ عِبَارَتِهَا فِي النِّكَاحِ، وَحِينَئِذٍ تَثْبُتُ لِأَوْلِيَائِهَا، يُؤَيِّدُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، وَلَا تُنْكِحُ مَنْ سِوَاهَا» وَرُوِيَ عَنْهُ مرفوعا بمعناه، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَالنَّهْيُ دَلِيلُ الْفَسَادِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ (وَلَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا) أَيْ: شَرْطُهَا إِذْنُهَا لِوَلِيِّهَا ; لِأَنَّ الْأَمَةَ لَهَا، وَالتَّصَرُّفَ فِي مَالِ الرَّشِيدَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِذْنِهَا، فَإِنْ كَانَتْ سيدتها غير رَشِيدَة أَوْ لِغُلَامٍ أو مَجْنُونٍ، فَوَلِيُّهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ ; لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي نَفْعِهَا كَإِجَارَتِهَا، وَيُعْتَبَرُ فِي إِذْنِهَا النُّطْقُ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا، قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ ; إِذِ الصُّمَاتُ إِنَّمَا اكْتُفِيَ بِهِ فِي تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا لِحَيَائِهَا، وَهِيَ لَا تَسْتَحِي مِنْ تَزْوِيجِ أَمَتِهَا، وَعَنْهُ: أَيُّ رَجُلٍ أَذِنَتْ لَهُ سَيِّدَتُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تُبَاشِرَهُ هِيَ ; لِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ الْمِلْكُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتِ الْمُبَاشَرَةُ لِنَقْصِ الْأُنُوثَةِ، فَمَلَّكَتِ التَّوْكِيلَ كَالْمَرِيضِ وَالْغَائِبِ، وَعَنْهُ: تَعْقِدُهُ هِيَ، فَعِبَارَتُهَا عَلَى هَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ بِأَنَّ التَّزْوِيجَ عَلَى الْمِلْكِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ ; بِدَلِيلِ تَزْوِيجِ الْفَاسِقِ مَمْلُوكَتَهُ. فَرْعٌ: عَتِيقَتُهَا كَأَمَتِهَا إِنْ طَلَبَتْ وَأَذِنَتْ، وَقُلْنَا: يَلِي عَلَيْهَا فِي رِوَايَةٍ، وَلَوْ عَضَلَتِ الْمَوْلَاةُ زَوَّجَ وَلِيُّهَا، فَفِي إِذْنِ سُلْطَانٍ وَجْهَانِ، وَيُجْبِرُهَا مَنْ يُجْبِرُ الْمَوْلَاةَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 وَالذُّكُورِيَّةُ، وَاتِّفَاقُ الدِّينِ وَالْعَقْلِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ وَعَدَالَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] [مَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ] (وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ الْحُرِّيَّةُ) فَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى، وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَجْهٌ: يَلِي عَلَى ابْنَتِهِ، ثُمَّ جَوَّزَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": هَلْ لِلْعَبْدِ وِلَايَةٌ عَلَى الْحُرَّةِ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ (وَالذُّكُورِيَّةُ) فَلَا وِلَايَةَ لِامْرَأَةٍ ; لِعَدَمِ تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا، وَقَدْ سَبَقَ، (وَاتِّفَاقُ الدِّينِ) وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا إِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ ; إِذِ الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِإِجْمَاعِ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا أَجَازَ نِكَاحَ أَخٍ، وَرَدَّ نِكَاحَ أَبٍ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، وَالْمُسْلِمُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى كَافِرَةٍ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] (وَالْعَقْلُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ نَظَرًا لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لَا يُمْكِنُهُ النَّظَرُ، وَلَا يَلِي عَلَى نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ - بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَسَوَاءٌ فِيهِ الصَّغِيرُ، وَمَنْ ذَهَبَ عقله بِجُنُونٍ، أَوْ كِبَرٍ كَالشَّيْخِ الْهَرَمِ، فَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمَنْ يُجَنُّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَلَا تزول وِلَايَتُهُمَا عَلَى الْأَشْهَرِ ; لِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ كَالنَّوْمِ ; وَلِذَلِكَ لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وَفِي " الْفُرُوعِ ": إِنْ جُنَّ أَحْيَانًا، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ نَقَصَ عَقْلُهُ بِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ أَحْرَمَ، انْتُظِرَ، نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ فِي مَجْنُونٍ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ وَعَدَالَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ يُعْتَبَرُ لَهَا كَمَالُ الْحَالِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ قَاصِرٌ ; لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَعَلَى هَذَا يُزَوِّجُ ابْنُ عَشْرٍ ; لِأَنَّهُ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَطَلَاقُهُ، فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ كَالْبَالِغِ، وَعَنْهُ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَأَمَّا الْعَدَالَةُ، فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ - فِي رِوَايَةٍ - وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَعَلَيْهَا يُزَوِّجُ فَاسِقٌ ; لِأَنَّهُ يَلِي نِكَاحَ نَفْسِهِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَالثَّانِيَةُ، وَهِيَ أَنَصُّهُمَا: تُشْتَرَطُ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ; لِمَا رَوَى الشَّالَنْجِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 الْأَقْرَبُ طِفْلًا أَوْ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، وَإِنْ عَضَلَ الْأَقْرَبُ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، وَعَنْهُ: يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، وَهِيَ مَا لَا تُقْطَعُ إِلَّا بِكُلْفَةٍ   [المبدع في شرح المقنع] سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ أَوْ سُلْطَانٍ، وَعَنْ جَابِرٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا رَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ ; وَلِأَنَّهَا إِحْدَى الْوِلَايَتَيْنِ، فَنَافَاهَا الْفِسْقُ كَوِلَايَةِ الْمَالِ، وَعَلَيْهَا يُكْتَفَى بِمَسْتُورِ الْحَالِ عَلَى مَا جَزَمَ الشَّيْخَانِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ السُّلْطَانُ الرَّشِيدُ، وَحَكَى ابْنُ حَمْدَانَ ثَالِثَةً: أَنَّ الْفَاسِقَ يَلِي نِكَاحَ عَتِيقَتِهِ فَقَطْ كَمَا قَبْلَ الْعِتْقِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا قُلْنَا: الْوِلَايَةُ الشَّرْطِيَّةُ تَبْقَى مَعَ الْفِسْقِ، فَالْوِلَايَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَوْلَى، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; إِذِ الْوِلَايَةُ الشَّرْطِيَّةُ يُلْحَظُ فِيهَا حَظُّ الْمُوصِي وَنَظَرُهُ، بِخِلَافِهِ هُنَا. أَصْلٌ: يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّشْدُ بِأَنْ يَعْرِفَ مَصَالِحَ النِّكَاحِ، وَمَعْرِفَةَ الْكُفْءِ، فَلَا يَضَعُهَا عِنْدَ مَنْ لَا يَحْفَظُهَا وَلَا يُكَافِئُهَا، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِالْمَصَالِحِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَفِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ ": هُوَ ضِدُّ السَّفِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ نُطْقُهُ إِذَا فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ، وَالْأَصَحُّ: وَلَا بَصَرُهُ ; لِأَنَّ شُعَيْبًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهُوَ أَعْمَى ; وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَحْثِ وَالسَّمَاعِ. (وَإِذَا كَانَ الْأَقْرَبُ طِفْلًا أَوْ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا، زَوَّجَ الْأَبْعَدُ) مِنْ عُصْبَتِهَا ; لِأَنَّ وُجُودَهُمْ كَالْعَدَمِ، وَقَوْلُهُ: طِفْلًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ به غير الْمُمَيِّزَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُرْفِ، فَعَلَيْهِ تَصِحُّ وِلَايَةُ الْمُمَيِّزِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مُقَيَّدًا بِابْنِ عَشْرٍ، أَشْبَهَ الْبَالِغَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ به غير الْبَالِغَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] (وَإِنْ عَضَلَ الْأَقْرَبُ) فَلَمْ يُزَوِّجْهَا بِكُفْءٍ رَضِيَتْهُ، وَرَغِبَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ بِمَا صَحَّ مَهْرًا (زَوَّجَ الْأَبْعَدُ) نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ جُنَّ، وَحَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] قَالَ: وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ. لَكِنْ لَوْ رَضِيَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ، كَانَ لِلْوَلِيِّ مَنْعُهَا مِنْهُ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي تَعْيِينِ الْكُفْءِ، قُدِّمَ تَعْيِينُهَا عَلَيْهِ حَتَّى أنَّهُ يُعْضَلُ بِالْمَنْعِ وَيُفَسَّقُ بِهِ إِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ التَّكَرُّرَ (وَعَنْهُ: يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِقَوْلِهِ: «فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَالْحَاكِمُ نَائِبٌ عَنْهُ، وَكَمَا لَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 وَمَشَقَّةٍ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْكِتَابُ، أَوْ يَصِلُ فَلَا يُجِيبُ عَنْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: مَا لَا تَقْطَعُهُ الْقَافِلَةُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً، وَعَنْ أَحْمَدَ: إِذَا كَانَ الْأَبُ بَعِيدَ السَّفَرِ، زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ   [المبدع في شرح المقنع] كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَامْتَنَعَ مِنْ قَضَائِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوِلَايَةِ وَالدَّيْنِ مِنْ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ الْوِلَايَةَ حَقٌّ للمولى والدين حق عَلَيْهِ، وَثَانِيهَا: أَنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ عَنْهُ بِفِسْقٍ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْوِلَايَةَ تُعْتَبَرُ فِي بَقَائِهَا الْعَدَالَةُ، وَقَدْ زَالَتْ بِالْعَضْلِ وَالدَّيْنَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ، نَعَمْ إِذَا اشْتَجَرُوا جَمِيعًا زَوَّجَ الْحَاكِمُ (وَإِنْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، زَوَّجَ الْأَبْعَدُ) ; لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ التَّزْوِيجُ مِنَ الْأَقْرَبِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى مَنْ يَلِيهِ، كَمَا لَوْ جُنَّ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَيْسَ فِيهِ سَلْب الأقرب مِنَ الْوِلَايَةِ، لَكِنْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، بِدَلِيلِ مَا لَوْ زَوَّجَ الأقرب الْغَائِب فِي مَكَانِهِ، أَوْ وَكَّلَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ ثُمَّ غَابَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَ ثُمَّ جُنَّ، وَفِي " التَّعْلِيقِ ": إِذَا زَوَّجَ أَوْ وَكَّلَ فِي الْغَيْبَةِ، فَالْوِلَايَةُ بَاقِيَةٌ ; لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، وَإِلَّا سَقَطَتْ، وَحَكَى قَوْلًا كَالْأَوَّلِ، وَذَكَرَ فِي " الِانْتِصَارِ " وَجْهًا: لَا تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ مَالٍ إِلَيْهِ بِالْغَيْبَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَمْ تَكُنْ أَمَةً، فَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ (وَهِيَ مَا لَا تُقْطَعُ إِلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخَانِ ; لِأَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَعُدُّونَ ذَلِكَ مُضِرًّا، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ ; فَإِنَّ التَّحْدِيدَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ وَلَا تَوْقِيفَ، (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْكِتَابُ) كَمَنْ هُوَ فِي أَقْصَى بِلَادِ الْهِنْدِ (أَوْ يَصِلُ فَلَا يُجِيبُ عَنْهُ) قَدْ أَوْمَأَ أَحْمَدُ إِلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، قَالَ: الْمُنْقَطِعُ الَّذِي لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْأَخْبَارُ ; لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ تَتَعَذَّرُ مُرَاجَعَتُهُ، فَيَلْحَقُ الضَّرَرُ بِانْتِظَارِهِ (وَقَالَ الْقَاضِي) فِي " تَعْلِيقِهِ "، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " خِلَافِهِ الصَّغِيرِ " وَهُوَ رِوَايَةُ (مَا لَا تَقْطَعُهُ الْقَافِلَةُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً) كَسَفَرِ الْحِجَازِ ; لِأَنَّ الْكُفْءَ يَنْتَظِرُ سَنَةً، وَلَا يَنْتَظِرُ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَيَلْحَقُ الضَّرَرُ بِتَرْكِ تَزْوِيجِهَا، (وَعَنْ أَحْمَدَ: إِذَا كَانَ الْأَبُ بَعِيدَ السَّفَرِ، زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ) ; لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ بَعِيدًا، وَعَلَّقَ عَلَيْهِ رُخَصَ السَّفَرِ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ رِوَايَةَ: أَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ كَمَا فِي الْعَضْلِ ; إِذِ الْأَبْعَدُ مَحْجُوبٌ بِالْأَقْرَبِ، وَالْوِلَايَةُ بَاقِيَةٌ، فَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِيهَا، وَقِيلَ مَا تَسْتَضِرُّ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ، إِلَّا إِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ فِي وَجْهٍ، وَلَا يَلِي مُسْلِمٌ نِكَاحَ كَافِرَةٍ، إِلَّا سَيِّدَ الْأَمَةِ أَوْ وَلِيَّ سَيِّدَتِهَا أَوِ السُّلْطَانَ، وَيَلِي الذِّمِّيُّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنَ الذِّمِّيِّ وَهَلْ يَلِيهِ مِنْ مُسْلِمٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. و َإِذَا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ،   [المبدع في شرح المقنع] الزَّوْجَةُ، وَقِيلَ: فَوْتُ كُفْءٍ رَاغِبٍ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ كَأَسِيرٍ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ، أَوْ كَانَ مَجْهُولًا لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ عُصْبَةٌ ثُمَّ عُلِمَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، أَوْ زُوِّجَتْ بِنْتُ مُلَاعَنَةٍ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهَا أَبٌ، فَكَبَعِيدٍ، وَإِنْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ بِدُونِ ذَلِكَ فَكَفُضُولِيٍّ، وَإِنْ تَزَوَّجَ لِغَيْرِهِ، فَقِيلَ: لَا يَصِحُّ كَذِمَّتِهِ، وَقِيلَ: كَفُضُولِيٍّ، وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ، فَمَلَّكَهَا مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَجَازَهُ فَوَجْهَانِ. [لَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ] (وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] (إِلَّا إِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ فِي وَجْهٍ) وَكَذَا مُكَاتَبَتُهُ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ ; لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، أَشْبَهَتِ الْمُسْلِمَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ رَزِينٍ: وَبِنْتُهُ. وَالثَّانِي: لَا يَلِيهِ وَهُوَ أَوْلَى لِلْإِجْمَاعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُبَاشِرُ تَزْوِيجَ الْمُسْلِمِ أَوْ يُبَاشِرُهُ بِإِذْنِهِ مُسْلِمٌ أَوِ الْحَاكِمُ؛ فِي أَوْجِهٍ (وَلَا يَلِي مُسْلِمٌ نِكَاحَ كَافِرَةٍ) ; لِلنَّصِّ ; وَلِأَنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ، فَلَمْ يَلِهِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا (إِلَّا سَيِّدَ الْأَمَةِ) فَلَهُ تَزْوِيجُهَا ; لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ (أَوْ وَلِيَّ سَيِّدَتِهَا) ; لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ بِالْمِلْكِ ; وَلِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى التَّزْوِيجِ، وَلَا وَلِيَّ لَهَا غَيْرَ سَيِّدِهَا (أَوِ السُّلْطَانَ) ; لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ عَلَى مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا، وَوِلَايَتُهُ عَامَّةٌ عَلَى أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَالْكَافِرَةُ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ، فَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا كَالْمُسْلِمَةِ (وَيَلِي الذِّمِّيُّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنَ الذِّمِّيِّ) لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لَهَا فَوَلِيَهُ كَالْمُسْلِمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ، وَعَبَّرَ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " بِالْكَافِرِ (وَهَلْ يَلِيهِ مِنْ مُسْلِمٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَلِيهِ ; لِلْآيَةِ وَالْمُسَاوَاةِ، وَالثَّانِي: لَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا الْحَاكِمُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ. وَوَكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا، وَوَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ بِمَنْزِلَتِهِ، وَعَنْهُ: لَا تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ فِيهِ صَغَارًا عَلَى الْمُسْلِمِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَلِي مَالَهَا، قَالَهُ الْقَاضِي، وَفِي تَعْلِيقِ ابْنِ الْمَنِّيِّ فِي وِلَايَةِ الْفَاسِقِ: لَا يَلِيهِ كَافِرٌ إِلَّا عَدْلٌ فِي دِينِهِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا، فَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى الْقَدْحِ فِي نَسَبِ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْمَالِ. [إِذَا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ] (وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ. . .» الْخَبَرُ ; وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَمْ تَثْبُتْ أَحْكَامُهُ مِنَ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالتَّوَارُثِ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ (وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ) ; لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، رَوَاهُ النَّاسُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَذْكُرُوا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَحِينَئِذٍ فَالشَّهَادَةُ تُعْتَبَرُ حَالَةَ الْعَقْدِ ; لِأَنَّهَا شَرْطٌ لَهُ، فَتُعْتَبَرُ مَعَهُ كَالْقَبُولِ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّدَاقِ نَمَاءُ مِلْكٍ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَلَا تَوَارُثَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مَا لَوْ رُفِعَ إِلَى الْحَاكِمِ أَجَازَهُ، وَرِثَهُ الْآخَرُ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَلْزَمُهُ الْإِجَازَةُ، فَهُوَ كَالصَّحِيحِ. فَرْعٌ: إِذَا زُوِّجَتْ مَنْ يُعْتَبَرُ إِذْنُهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا، وَقُلْنَا: يَقِفُ عَلَى إِجَازَتِهَا، فَهِيَ بِالنُّطْقِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إِذَا زَوَّجَ أَجْنَبِيَّةً لَيْسَ مِنَ الْعَصَبَاتِ بَطَلَ النِّكَاحُ مِنْ أَصْلِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. [التَّوْكِيلُ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ] (وَوَكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا) ; لِتَوْكِيلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَا رَافِعٍ فِي تَزْوِيجِ مَيْمُونَةَ، وَعَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ فِي تَزْوِيجِ أُمِّ حَبِيبَةَ ; وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَصَحَّ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَالْبَيْعِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا مُجْبَرًا أَوْ غَيْرَ مُجْبَرٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ إِذْنُهَا فِي التَّوْكِيلِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكَّلُ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ، ذَكَرَهُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ إِلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُصْبَةٌ. وَإِذَا اسْتَوَى   [المبدع في شرح المقنع] " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يُوَكَّلُ غَيْرُ مُجْبَرٍ بِلَا إِذْنٍ إِلَّا حَاكِمٌ، وَقِيلَ: وَلَا مُجِيزٌ، وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي عَلَى الْخِلَافِ فِي تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحَاكِمَ يَمْلِكُهُ مُطْلَقًا، وَيَجُوزُ فِي تَزْوِيجِ مُعَيَّنٍ أَوْ مَنْ شَاءَ أَوْ مَنْ يَرْضَاهُ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنَ التَّوْكِيلِ الْمُطْلَقِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ لِغَيْرِ مُجْبَرٍ، وَقِيلَ: وَلَهُ فَلَوْ مَنَعَتِ الْوَلِيَّ مِنَ التَّوْكِيلِ امْتَنَعَ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَعَلَى الْأَشْهَرِ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ مَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْمُوَكِّلِ ; لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَمَنْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ الْوِلَايَةُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ ; لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقَرَابَةِ ; بِدَلِيلِ قَبُولِهِمُ النِّكَاحَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ وَكَّلَ الزَّوْجُ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ، صَحَّ، وَقِيلَ: لَا كَالْإِيجَابِ، وَبِالْجُمْلَةِ يَتَقَيَّدُ وَكِيلٌ أَوْ وَلِيٌّ مُطْلَقٌ بِالْكُفْءِ إِنِ اشْتَرَطَ، ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ مُطْلَقًا كَـ زَوِّجْ مَنْ شِئْتَ، وَمُقَيَّدٌ كَـ زَوِّجْ فُلَانًا بِعَيْنِهِ. (وَوَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ بِمَنْزِلَتِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ثَابِتَةٌ، فَجَازَتِ الْوَصِيَّةُ بِهَا كَوِلَايَةِ الْمَالِ ; وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي حَيَاتِهِ، فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ كَالْمَالِ، فَعَلَى هَذَا يُجْبِرُ مَنْ يُجْبِرُهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (وَعَنْهُ: لَا تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ تَنْتَقِلُ إِلَى غَيْرِهِ شَرْعًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوصِيَ بِهَا كَالْحَضَانَةِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْوَصِيِّ فِي وَضْعِهَا عِنْدَ غَيْرِ كُفْءٍ لَهَا، فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَكَوِلَايَةِ الْحَاكِمِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُصْبَةٌ) هَذَا رِوَايَةٌ حَكَاهَا الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " وَالْحُلْوَانِيُّ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عُصْبَةٌ لَمْ تَسْتَقِرَّ حِذَارًا مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّهِمْ، وَإِلَّا اسْتُفِيدَتْ لِعَدَمِ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ، فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالنِّكَاحِ مِنْ كُلِّ ذِي وِلَايَةٍ، وَهَلْ لِلْوَصِيِّ الْوَصِيَّةُ بِهَا أَوْ يُوكِلُ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: جَوَازُهُ، ذَكَرَهُ فِي " النَّوَادِرِ "، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ لَهُ تَزْوِيجَ صَغِيرٍ بِوَصِيَّةٍ كَصَغِيرَةٍ، وَفِي الْخِرَقِيِّ: أَوْ وَصِيٍّ نَاظِرٍ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي و" الْمُحَرَّرِ ": الْوَصِيِّ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 الْأَوْلِيَاءُ فِي الدَّرَجَةِ، صَحَّ التَّزْوِيجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ أَفْضَلِهِمْ، ثُمَّ أَسَنِّهِمْ، وَإِنْ تَشَاحُّوا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَزَوَّجَ، صَحَّ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ زَوَّجَ اثْنَانِ وَلَمْ يَعْلَمِ السَّابِقُ، فُسِخَ النِّكَاحَانِ، وَعَنْهُ: يُقْرَعُ   [المبدع في شرح المقنع] تَقِيُّ الدِّينِ، وَإِنَّ وَصِيَّ الْمَالِ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَ ; لِأَنَّهُ يَلِي مَالَهُ، أَشْبَهَ الْأَبَ، وَخَرَجَ مِنْهُ أَنَّ الْجَدَّ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَ إِنْ قُلْنَا: يَلِي مَالَهُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا لَا يُزَوَّجُ الصَّغِيرُ. [إِذَا اسْتَوَى أَوْلِيَاءُ النِّكَاحِ فِي الدَّرَجَةِ] (وَإِذَا اسْتَوَى الْأَوْلِيَاءُ فِي الدَّرَجَةِ) كَالْأُخْوَةِ أَوْ بَنِيهِمْ (صَحَّ التَّزْوِيجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) إِذَا أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ ; لِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَالْأَوْلَى: تَقْدِيمُ أَفْضَلِهِمْ) ; لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنَ الْمَفْضُولِ (ثُمَّ أَسَنِّهِمْ) ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ، لَمَا تَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ: كَبِّرْ كَبِّرْ أَيْ: يُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ (وَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ) ; لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الْحَقِّ فَلُجِئَ إِلَى الْقُرْعَةِ كَالْمَرْأَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ زَيْدٍ: يُقَدَّمُ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَسَنُّ، ثُمَّ أَفْضَلُ، ثُمَّ يُقْرَعُ، (فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَزَوَّجَ، صَحَّ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ) صَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " و" الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ تَزْوِيجٌ صَدَرَ مِنْ وَلِيٍّ كَامِلِ الْوِلَايَةِ كَالْمُنْفَرِدِ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِإِزَالَةِ الْمُشَاحَّةِ. وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ ; لِأَنَّهُ بِالْقُرْعَةِ صَارَ أَوْلَى، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ، أَمَّا إِذَا أَذِنَتْ لِوَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ، وَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ (وَإِنْ زَوَّجَ اثْنَانِ) لِاثْنَيْنِ بِإِذْنِهِمَا وَعُلِمَ السَّابِقُ، فَالنِّكَاحُ لَهُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ ; لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَهَا الْمُسَمَّى، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ، أَمَرَ الْآخَرَ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ يُجَدِّدُ الْقَارِعُ نِكَاحَهُ، وَإِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ مِنْ أَمَتِهِ، جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ مِثْلُ ابْنِ الْعَمِّ وَالْمَوْلَى وَالْحَاكِمُ، إِذَا أَذِنَتْ لَهُ فِي نِكَاحِهَا، فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ حَتَّى   [المبدع في شرح المقنع] قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُصِبْهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَعْتَدَّ مِنَ الثَّانِي، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْهُ لَحِقَ بِهِ، (و) إِنْ (لَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ) أَيْ: جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا (فُسِخَ النِّكَاحَانِ) أَيْ: فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُ هُوَ الصَّحِيحَ، وَالْجَمْعُ مُتَعَذِّرٌ، فَلُجِئَ إِلَى الْفَسْخِ لِإِزَالَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالسَّامَرِّيُّ: لِلزَّوْجَيْنِ الْفَسْخُ، وَلَعَلَّهُ يُرِيدَانِ بِإِذْنِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُطَّلِقَانِهَا، وَنَصُّهُ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَعَنْهُ: النِّكَاحُ مَفْسُوخٌ، ذَكَرَهُ فِي " النَّوَادِرِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " ; لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إِمْضَاؤُهُمَا، وَتَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، (وَعَنْهُ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) ; لِأَنَّهَا تُزِيلُ الْإِبْهَامَ، (فَمَنْ قَرَعَ، أَمَرَ الْآخَرَ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ يُجَدِّدُ الْقَارِعُ نِكَاحَهُ) بِإِذْنِهَا ; لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا قَدْ صَارَتْ لَهُ بِالتَّجْدِيدِ، وَعَنْهُ: تَكُونُ لِمَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ طَلَاقُ الْآخَرِ لَهَا، فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنْ جَهِلَ وُقُوعَهُمَا مَعًا بَطَلَا كَالْعِلْمِ بِهِ، وَإِنْ عَلِمَ سَبْقَهُ وَنَسِيَ، فَقِيلَ: كَجَهْلِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَقِفُ لِيُعْلَمَ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا بِالسَّبْقِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنِ ادَّعَى عِلْمَهَا بِالسَّبْقِ فَأَنْكَرَتْ، لَمْ تُسْتَحْلَفْ. أَصْلٌ: إِذَا مَاتَتْ، فَلِأَحَدِهِمَا نِصْفُ مِيرَاثِهَا بِقُرْعَةِ من غير يَمِينٍ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِالسَّبْقِ لِأَحَدِهِمَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنَ الْآخَرِ، وَهِيَ تَدَّعِي مِيرَاثَهَا مِمَّنْ أَقَرَّتْ لَهُ، فَإِنْ كَانَ ادَّعَى ذَلِكَ أَيْضًا، دُفِعَ إِلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا - إِنْ أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِالسَّبْقِ، فَلَهَا مِيرَاثُ أَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ. مَسْأَلَةٌ: يُقَدَّمُ أَصْلَحُ الْخَاطِبِينَ مُطْلَقًا، نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ، وَفِي " النَّوَادِرِ ": يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارَ لِمُوَلِّيَتِهِ شَابًّا حَسَنَ الصُّورَةِ. (وَإِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ مِنْ أَمَتِهِ) أَوْ بِنْتِهِ، أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ بِبِنْتِ أَخِيهِ، أَوْ زَوَّجَ وَصِيٌّ فِي نِكَاحٍ صَغِيرًا بِصَغِيرَةٍ تَحْتَ حِجْرِهِ (جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ) فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ; لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ أَوِ الْوِلَايَةِ، (وَكَذَلِكَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ، مِثْلُ ابْنِ الْعَمِّ وَالْمَوْلَى وَالْحَاكِمُ، إِذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقْتُكِ، وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ،   [المبدع في شرح المقنع] أَذِنَتْ لَهُ فِي نِكَاحِهَا، فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ) لِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لِأُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُكِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ وُجِدَ فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ رَجُلَيْنِ، وَكَمَا لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَكْفِي الْإِيجَابُ، فَيَقُولُ: زَوَّجْتُ فُلَانًا فُلَانَةً، أَوْ تَزَوَّجْتُهَا إِنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجَ ; لِفِعْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مَعَهُ الْقَبُولُ، وَقِيلَ: تَوْلِيَةُ طَرَفَيْهِ تَخْتَصُّ بِمُجْبَرٍ، (وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ) نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ ; لِأَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ خَطَبَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا، فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا ; وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مِلْكِهِ بِالْإِذْنِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْهِ كَالْبَيْعِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا إِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ، وَعَلَى هَذِهِ إِنْ وَكَّلَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ النِّكَاحَ وَتَوَلَّى هُوَ الْإِيجَابَ جَازَ، كَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، أَوْ وَكَّلَهُ الْوَلِيُّ فِي الْإِيجَابِ وَالزَّوْجُ فِي الْقَبُولِ، فَوَجْهَانِ، وَعَلَى الْأَوْلَى: إِلَّا بِنْتَ عَمِّهِ وَعَتِيقَتَهُ الْمَجْنُونَتَيْنِ، فَيُشْتَرَطُ وَلِيٌّ غَيْرُهُ أَوْ حَاكِمٌ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَذِنَتْ لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا وَلَمْ تُعَيِّنِ الزَّوْجَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَوِّجَهَا نَفْسَهُ ; لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِذْنِ يَقْتَضِي تَزْوِيجَهَا غَيْرَهُ كَوَلَدِهِ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَبِيرًا قَبِلَ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَالْخِلَافُ فِي تَوَلِّي طَرَفَيِ الْعَقْدِ. (وَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ) بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ - نَصَّ عَلَيْهِ -: (أَعْتَقْتُكِ، وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ، صَحَّ) الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: مَا أَصْدَقَهَا؛ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: «وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَأْنَفَ عَقْدًا، وَمَتَى ثَبَتَ الْعِتْقُ صَدَاقًا ثَبَتَ النِّكَاحُ ; إِذِ الصَّدَاقُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ عَلِيٍّ، وَفَعَلَهُ أَنَسٌ ; وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ إِحْدَى الْمَنْفَعَتَيْنِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 صَحَّ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ نِكَاحَهَا بِإِذْنِهَا، فَإِنْ أَبَتْ ذَلِكَ، فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا.   [المبدع في شرح المقنع] فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ عِوَضًا عَنْهُ، دَلِيلُهُ مَنْفَعَةُ الْخِدْمَةِ، كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُكِ عَلَى خِدْمَةِ سَنَةٍ، لَا يُقَالُ: هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ ; إِذْ مِنْ خَصَائِصِهِ النِّكَاحُ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَلَا شُهُودٍ ; لِأَنَّا نَقُولُ: الْغَرَضُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَقَدَ بِمَهْرٍ وَإِذْنٍ، فَحُكْمُ أَمَتِهِ حُكْمُهُ فِي صَفِيَّةَ، وَمِثْلُهُ: جَعَلْتُ عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَهَا، أَوْ عَكْسٌ، أَوْ عَلَى أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا، أَوْ عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَكِ وَعِتْقِي صَدَاقُكِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُشْتَرَطُ مَعَ قَوْلِهِ: تَزَوَّجْتُهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْأَمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا، وَأَنْ يَقْصِدَ بِالْعِتْقِ جَعْلَهُ صَدَاقًا. تَنْبِيهٌ: أُورِدَ عَلَى الْقَاضِي إِذَا قَالَ: جَعَلْتُ عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَ ابْنَتِكَ، لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، فَكَذَا فِي نَفْسِهِ، فَأَجَابَ: لَا يَصِحُّ ; لِتَقَدُّمِ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ، فَلَوْ قَالَ الْأَبُ ابْتِدَاءً: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَلَى عِتْقِ أُخْتِكَ، فَقَالَ: قَبِلْتُ، لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَصِحَّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا قَالَ: زَوَّجْتُ أَمَتِي مِنْ فُلَانٍ، وَجَعَلْتُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا: الْوَقْتُ الَّذِي جَعَلَ الْعِتْقَ صَدَاقًا كَانَ يَمْلِكُ إِجْبَارَهَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، (فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا) نَصَّ عَلَيْهِ ; إِذِ التَّسْمِيَةُ صَحِيحَةٌ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِهَا كَغَيْرِهَا، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إِلَى الرُّجُوعِ فِي الرِّقِّ بَعْدَ زَوَالِهِ، رَجَعَ فِي بَدَلِهِ وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ يَوْمَ عِتْقِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ، فَهَلْ يَنْتَظِرُ الْقُدْرَةَ أَوْ يَسْتَسْعِي؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ، قَالَ الْقَاضِي: أَصْلُهَا: الْمُفْلِسُ إِذَا كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ، هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الِاكْتِسَابِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ نِكَاحَهَا بِإِذْنِهَا) ، نَقَلَ الْمَرْوَذِيُّ أَنَّهُ يُوَكِّلُ رَجُلًا، فَأَخَذَ الْقَاضِي وَأَتْبَاعُهُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ ; إِذْ بِالْعِتْقِ تَمْلِكُ نَفْسَهَا، فَيُعْتَبَرُ رِضَاهَا كَمَا لَوْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا ; وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إِيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ، وَهُمَا رُكْنَاهُ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِهِمَا ; وَلِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يُجْبِرُهُ، أَشْبَهَ رَقَبَةَ الْحُرِّ، وَنُوزِعَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي حِكَايَةِ رِوَايَةٍ بِعَدَمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 فَصْلٌ الرَّابِعُ: الشَّهَادَةُ، فَلَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ، وَإِنْ كَانَا   [المبدع في شرح المقنع] الصِّحَّةِ، وَجَعَلَ الرِّوَايَةَ: أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ بِدُونِ رِضَاهَا ; إِذِ الْعِتْقُ وَقَعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَأُجِيبَ عَنْ مِلْكِهَا نَفْسَهَا: بِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَّصِلَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِانْفِصَالِ قَبْلَ تَمَامِهِ، فَلَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهَا عَلَى نَفْسِهَا إِلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ، وَالسَّيِّدُ كَانَ يَمْلِكُ إِجْبَارَهَا عَلَى النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، فَكَذَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَعَنْ عَقْدِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ: بِأَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا خَرَجَ مَخْرَجَ الصَّدَاقِ صَارَ الْإِيجَابُ كَالْمُضْمَرِ فِيهِ، وَالْقَابِلُ هُوَ الْمُوجِبُ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَعَنِ الْعِتْقِ لَيْسَ بِمَالٍ: بِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُصُولُ مَالٍ - وَهُوَ تَمْلِيكُ الرَّقِيقِ مَنَافِعَ نَفْسِهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ، (فَإِنْ أَبَتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا) ; لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَرَجَعَ إِلَى الْقِيمَةِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ. فَرْعٌ: إِذَا ارْتَدَّتْ أَوْ فَعَلَتْ مَا يُفْسَخُ بِهِ نِكَاحُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ - رَجَعَ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ قِيمَتِهَا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَسْتَأْنِفُ نِكَاحَهَا بِإِذْنِهَا، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: لَا يُعْتَبَرُ إِذْنُهَا، وَمَهْرُهَا الْعِتْقُ. فَعَلَى مُخْتَارِ الْقَاضِي إِنِ امْتَنَعَتْ لَزِمَهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ إِذَا لَمْ يُلْزَمْ بِالنِّكَاحِ، وَلَمْ يَرْضَ بِالشُّرُوطِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ، بَلْ أَوْلَى. [فَصْلٌ الشَّرْطُ الرَّابِعُ الشَّهَادَةُ] فصل (الرَّابِعُ: الشَّهَادَةُ) وَهِيَ مِنَ الشُّرُوطِ لِصِحَّتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَهُ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ; لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلَيِّهَا وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْهَا مَرْفُوعًا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْبَغَايَا اللَّائِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ إِلَّا عَبْدُ الْأَعْلَى وَوَقَفَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، قَالَ: وَالْوَقْفُ أَصَحُّ، وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ أَرْبَعَةٍ: الْوَلِيُّ، وَالزَّوْجُ، وَالشَّاهِدَانِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 ضَرِيرَيْنِ، وَعَنْهُ: يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ فَاسِقَيْنِ، وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَمُرَاهِقَيْنِ عَاقِلَيْنِ، وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ مُسْلِمٍ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْعَقِدَ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةً، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] الِاحْتِيَاطُ لِلْأَبْضَاعِ وَصِيَانَةُ الْأَنْكِحَةِ عَنِ الْجُحُودِ، (فَلَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ) دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْعُقُودِ ; لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ - وَهُوَ الْوَلَدُ - لِئَلَّا يَجْحَدَهُ أَبُوهُ، فَيَضِيعُ نَسَبُهُ، (عَدْلَيْنِ) ; لِلْأَخْبَارِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَكْفِي مَسْتُورُ الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ فِي الْأَمْوَالِ ; لِتَعَذُّرِ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ فِي الْبَاطِنِ غَالِبًا ; لِوُقُوعِ النِّكَاحِ فِي الْبَوَادِي وَبَيْنَ عَوَامِّ النَّاسِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ كَغَيْرِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ " بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا تُعْرَفُ الرِّوَايَةُ عَنِ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ، (ذَكَرَيْنِ) ; لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ: مَضَتِ السُّنَّةُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَلَا النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْأَمْوَالِ " ; وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِهِنَّ كَالْحُدُودِ. (بِالِغَيْنِ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا شَهَادَةَ لَهُ. (عَاقِلَيْنِ) ; لِأَنَّ الْمَجْنُونَ وَالطِّفْلَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، (وَإِنْ كَانَا ضَرِيرَيْنِ) ; لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلٍ، فَصَحَّتْ مِنَ الْأَعْمَى كَشَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَتَيَقَّنَ الصَّوْتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشُكُّ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُرِيَّةُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْمُرَادُ: حُضُورُهُمَا سَوَاءٌ حَضَرَا قَصْدًا أَوِ اتِّفَاقًا، فَلَوْ حَضَرَا وَسَمِعَا الْإِجَابَةَ وَالْقَبُولَ، صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا الصَّدَاقَ. (وَعَنْهُ: يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ فَاسِقَيْنِ) ; لِأَنَّهُ تَحَمُّلٌ، فَلَمْ تُعْتَبَرْ فِيهِ الْعَدَالَةُ كَسَائِرِ التَّحَمُّلَاتِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ مَنْ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِقَوْلِهِ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِ كَالصَّبِيِّ، فَلَوْ بَانَا بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُمَا فَاسِقَانِ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ - ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ - ; لِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا فَقَطْ، وَقِيلَ: لَا ; لِعَدَمِ شَرْطِهِ (وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ (وَمُرَاهِقَيْنِ عَاقِلَيْنِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ; وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ تَحَمُّلُهُ، فَصَحَّتْ شَهَادَتُهُ كَالْبَيْعِ. (وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ مُسْلِمٍ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ; وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» ; وَلِأَنَّهُ نِكَاحُ مُسْلِمٍ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ، كَنِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ مُسْلِمَيْنِ أَوِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ أَصَمَّيْنِ وَلَا أَخْرَسَيْنِ، وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ عَدُوَّيْنِ أَوِ ابْنَيِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَعَنْهُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ.   [المبدع في شرح المقنع] الزَّوْجُ وَحْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْعَقِدَ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةً) بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ بِقَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، (وَلَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ أَصَمَّيْنِ) ; لِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُ الْعَقْدَ لِيَشْهَدَ بِهِ (وَلَا أَخْرَسَيْنِ) ; لِأَنَّ النُّطْقَ شَرْطٌ، وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ عَدُوَّيْنِ أَوِ ابْنَيِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا؛) أَوِ الْوَلِيِّ، أَوْ مُتَّهِمٍ لِرَحِمٍ مِنْ أَحَدِهِمْ (عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَنْعَقِدُ ; لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا نِكَاحُ غَيْرِ هَذَا الزَّوْجِ، فَانْعَقَدَ بِهِمَا نِكَاحُهُ كَسَائِرِ الْعُدُولِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى عَدُوِّهِ، وَكَذَا الِابْنُ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي أَهْلِ الصَّنَائِعِ الرَّذِيلَةِ، كَالْحَجَّامِ وَنَحْوِهِ (وَعَنْهُ: إِنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ) بَلْ تُسَنُّ فِيهِ كَعَقْدِ غَيْرِهِ، فَيَصِحُّ بِدُونِهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَزَوَّجَ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَلَا شُهُودٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ فِي الشَّاهِدَيْنِ فِي النِّكَاحِ خَبَرٌ، وَكَذَا قَالَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَذِيِّ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَقَضِيَّةُ الْمَوْهُوبَةِ نَفْسِهَا قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، وَالْأَحَادِيثُ يَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَالْجُمْهُورُ قَدْ أَطْلَقُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَيَّدَهَا الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكْتُمُوهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُهُ التَّوَاصِي بِكِتْمَانِهِ، وَعَنْهُ: بَلَى، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَدَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ، قَالَ: وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ: هَلْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ هَذَا الزَّوْجِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، أَوْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا حَاكِمٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، قَالَ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ: إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ، قَالَ: فَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِحَضْرَةِ شُهُودٍ فَلَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ: إِنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا، أَوْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا حَاكِمٌ - مَعَ قَوْلِهِ: إِنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، قَالَ السَّامَرِّيُّ: كُلُّ ذَلِكَ يَتَخَرَّجُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ هَلْ هِيَ شَرْطٌ أَمْ لَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 فَصْلٌ الْخَامِسُ: كَوْنُ الْمَرْءِ كفؤا لَهَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَلَوْ رَضِيَتِ الْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ بِغَيْرِهِ، لَمْ يَصِحَّ، وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَهِيَ أَصَحُّ، لَكِنْ إِنْ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ   [المبدع في شرح المقنع] [الشَّرْطُ الْخَامِسُ كَوْنُ الرَّجُلِ كُفْءً لَهَا] فَصْلٌ. (الْخَامِسُ: كَوْنُ الرَّجُلِ كفؤا لَهَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورَةُ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ ; لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرُوِيَ مُرْسَلًا، قِيلَ: هُوَ أَصَحُّ، وَقَالَ عُمَرُ: لَأَمْنَعَنَّ تَزْوِيجَ ذَوَاتِ الْأَحْسَابِ إِلَّا مِنَ الْأَكْفَاءِ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ جَابِرٌ مَرْفُوعًا: «لَا يَنْكِحُ النِّسَاءَ إِلَّا الْأَكْفَاءُ» ضَعَّفَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ سَلْمَانُ لِجَرِيرٍ: إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَا نَتَقَدَّمُ فِي صَلَاتِكُمْ، وَلَا نَنْكِحُ نِسَاءَكُمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ فَضَّلَكُمْ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَاحْتَجَّ بِهِمَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ ; وَلِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي حَقِّ مَنْ يَأْتِي مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ زُوِّجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهَا، فَإِنْ عُدِمَ حَالَ الْعَقْدِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنْ وُجِدَتْ حَالَ الْعَقْدِ ثُمَّ عُدِمَتْ بَعْدَهُ لَمْ يَبْطُلِ النِّكَاحُ، وَلِلْمَرْأَةِ الْفَسْخُ كَعِتْقِهَا تَحْتَ عَبْدٍ، وَقِيلَ: لَا كَوَلِيِّهَا، وَكَطَوْلِ حُرَّةٍ مَنْ نَكْحَ أَمَةً، وَفِي ثَالِثٍ: لَهُمُ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَعْدُومَةً قَبْلَ الْعَقْدِ، (فَلَوْ رَضِيَتِ الْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ بِغَيْرِهِ) أَيْ: بِغَيْرِ كُفْءٍ - (لَمْ يَصِحَّ) ; لِفَوَاتِ الشَّرْطِ ; وَلِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَهُمْ، وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ بِبَيْعِهِ مَالَهَا بِدُونِ ثَمَنِهِ - مَعَ أَنَّ الْمَالَ أَخَفُّ مِنَ النِّكَاحِ ; لِدُخُولِ الْبَدَلِ فِيهِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْمُحَابَاةِ، وَيُحْكَمُ بِالنُّكُولِ فِيهِ - وَبِأَنَّ مَنْعَهَا تَزْوِيجَ نَفْسِهَا كَيْلَا يَضَعَهَا فِي غَيْرِ كُفْءٍ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ ; لِتَوَهُّمِ الْعَارِ فِيهِ، فَهَاهُنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 وَالْأَوْلِيَاءُ جَمِيعُهُمْ، فَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ الْفَسْخُ، فَلَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بِغَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا، فَلِلْإِخْوَةِ الْفَسْخُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَالْكَفَاءَةُ: الدِّينُ وَالْمَنْصِبُ، فَلَا تُزَوَّجُ عَفِيفَةٌ بِفَاجِرٍ،   [المبدع في شرح المقنع] أَوْلَى ; وَلِأَنَّ لِلَّهِ فِيهِ نَظَرًا ; وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ إِذَا زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ يَكُونُ فَاسِقًا. (وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ) لِلصِّحَّةِ، بَلْ لِلِّزُومِ (وَهِيَ أَصَحُّ) اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهِيَ أَوْلَى ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَتَيْهِ مِنْ عُثْمَانَ وَأَبِي الْعَاصِي، وَلَا شَكَّ أَنَّ نَسَبَهُ فَوْقَ نَسَبِهِمَا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَوْلَاهُ، وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ» ، وَفِي الْبُخَارِيِّ: أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدَ ابْنَةَ الْوَلِيدِ، وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَتَزَوَّجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَانَتْ تَحْتَ بِلَالٍ، وَمَا رُوِيَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُهَا (لَكِنْ إِنْ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ جَمِيعُهُمْ، فَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ الْفَسْخُ) ، وَيَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا ; لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي مِنِ ابْنِ أَخِيهِ ; لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُعَلِّمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَيَكُونُ الْفَسْخُ فَوْرًا، وَكَذَا وَتَرَاخِيًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَهِيَ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ وَالْمَرْأَةِ، وَلِلْأَبْعَدِ الْفَسْخُ مَعَ رِضَا الْأَقْرَبِ ; لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْعَارِ فِي الْأَشْهَرِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (فَلَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بِغَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا، فَلِلْأُخْوَةِ الْفَسْخُ، نَصَّ عَلَيْهِ) ; لِأَنَّ الْأَخَ وَلِيٌّ فِي حَالٍ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ، فَمَلَكَ الْفَسْخَ كَالْوَلِيِّ الْمُسَاوِي، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفَسْخَ يَفْتَقِرُ إِلَى حَاكِمٍ. فَرْعٌ: الْكَفَاءَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الرَّجُلِ فَقَطْ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا مُكَافِئَ لَهُ، وَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 وَلَا عَرَبِيَّةٌ بِعَجَمِيٍّ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، وَعَنْهُ: لَا تُزَوَّجُ قُرَشِيَّةٌ لِغَيْرِ قُرَشِيٍّ، وَلَا هَاشِمِيَّةٌ لِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ، وَعَنْهُ: أَنَّ   [المبدع في شرح المقنع] تَزَوَّجَ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " احْتِمَالٌ: يُخَيَّرُ مُعْتَقٌ تَحْتَ أَمَةٍ، وَفِي " الْوَاضِحِ " احْتِمَالٌ: يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ إِذَا اسْتَغْنَى عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ بِحُرَّةٍ بَطَلَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: قَوْلُهُمْ: لَا أَصْلَ، أَيْ: لَا حَسَبَ وَلَا فَضْلَ، أَيْ: لَا مَالَ، وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: حَقٌّ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْمَرْأَةِ فَقَطْ. (وَالْكَفَاءَةُ: الدِّينُ وَالْمَنْصِبُ) هَذَا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِلَيْهَا مَيْلُ الْمُؤَلِّفِ، أَمَّا الدِّينُ ; فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا} [السجدة: 18] ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الِاسْتِوَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّ الْفَاسِقَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ: غَيْرُ مَأْمُونٍ، مَسْلُوبُ الْوِلَايَةِ، نَاقِصٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ خَلْقِهِ، قَلِيلُ الْحَظِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَأَمَّا الْمَنْصِبُ: فَهُوَ النَّسَبُ ; لِحَدِيثِ عُمَرَ: مَا الْأَكْفَاءُ؟ قَالَ: فِي الْحَسَبِ. رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ ; وَلِأَنَّ الْعَرَبَ يَعُدُّونَ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ، وَيَأْنَفُونَ مِنْ نِكَاحِ الْمَوَالِي، وَيَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ وَعَارٌ (فَلَا تُزَوَّجُ عَفِيفَةٌ بِفَاجِرٍ، وَلَا عَرَبِيَّةٌ بِعَجَمِيٍّ) ; لِفَقْدِ الْعِفَّةِ وَالْمَنْصِبِ (وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ أَكْفَاءٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَوَّجَ ابْنَتَيْهِ عُثْمَانَ وَأَبَا الْعَاصِ، وَزَوَّجَ عَلِيٌّ عُمَرَ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ، وَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَتَزَوَّجَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ أُخْتَهَا سُكَيْنَةَ، وَتَزَوَّجَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ كُلَّهُمْ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءُ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ» إِلَّا أَنَّ خَالِدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، (وَسَائِرُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ) وَإِنْ تَفَاضَلُوا فِي الشَّرَفِ كَالْعَرَبِ (وَعَنْهُ: لَا تُزَوَّجُ قُرَشِيَّةٌ لِغَيْرِ قُرَشِيٍّ، وَلَا هَاشِمِيَّةٌ لِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ) حَكَاهَا الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ "، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخَانِ ; إِذِ الْعَرَبُ فَضَلَتِ النَّاسَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُرَيْشٌ أَخَصُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ، وَبَنُو هَاشِمٍ أَخَصُّ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» وَرَدَّ الشَّيْخُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 الْحَرِيَّةَ وَالصِّنَاعَةَ وَالْيَسَارَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ، فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ بِعَبْدٍ، وَلَا بِنْتُ بَزَّازٍ بِحَجَّامٍ، وَلَا بِنْتُ تَانِئٍ بِحَائِكٍ، وَلَا مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ.   [المبدع في شرح المقنع] تَقِيُّ الدِّينِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَنْصُوصُ عَنْهُ - كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي - أَنَّ قُرَيْشًا بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ أَكْفَاءٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَنْ قَالَ: الْهَاشِمِيَّةُ لَا تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَارِقٌ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ; إِذْ نَصُّهُ: تَزْوِيجُ الْهَاشِمِيَّاتِ مِنْ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِنَّ بِغَيْرِ الْهَاشِمِيِّينَ - ثَابِتٌ فِي السُّنَّةِ ثُبُوتًا لَا يَخْفَى. (وَعَنْهُ: أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالصِّنَاعَةَ وَالْيَسَارَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ) أَيْ: مَعَ الدِّينِ وَالنَّسَبِ، فَتَكُونُ خَمْسَةً، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ "، وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ، وَصَحَّحَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْيَسَارِ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ ; فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ بَرِيرَةَ حِينَ عُتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، وَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الِاسْتِدَامَةِ فَفِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى ; وَلِأَنَّ الرِّقَّ نَقْصُهُ كَثِيرٌ وَضَرَرُهُ بَيِّنٌ ; فَإِنَّهُ مَشْغُولٌ عَنِ امْرَأَتِهِ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ، وَلَا يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ وَلَا عَلَى وَلَدِهِ، وَأَمَّا الصِّنَاعَةُ ; فَلِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَشْبَهَ نَقْصَ النَّسَبِ، وَقَدْ رُوِيَ: «الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، قَبِيلَةٌ لِقَبِيلَةٍ، وَحَيٌّ لِحَيٍّ، وَرَجُلٌ لِرَجُلٍ، إِلَّا حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ» ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ "، وَذَكَرَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ لَمَّا سَأَلَهُ مُهَنَّا، وَأَمَّا الْيَسَارُ ; فَلِأَنَّ فِي عُرْفِ النَّاسِ التَّفَاضُلَ فِي ذَلِكَ ; وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ أَخْبَرَتْهُ بِخُطَّابِهَا، فَقَالَ لَهَا: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ» ; وَلِأَنَّ عَلَى الْمُوسِرَةِ ضَرَرًا فِي إِعْسَارِ زَوْجِهَا ; لِإِخْلَالِهِ بِنَفَقَتِهَا وَنَفَقَةِ وَلَدِهَا (فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ بِعَبْدٍ) لِانْتِفَاءِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، وَلَا بِمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ مَسَّهُ أَوْ مَسَّ آبَاءَهُ الرِّقُّ، هَلْ يَكُونُ كُفْء الحُرَّةِ الْأَصْلِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ (وَلَا بِنْتُ بَزَّازٍ) بَيَّاعُ الْبَزِّ (بِحَجَّامٍ) ; لِانْتِفَاءِ الِاسْتِوَاءِ فِي الصَّنْعَةِ (وَلَا بِنْتُ تَانِئٍ) بِالْهَمْزِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَهُوَ صَاحِبُ الْعَقَارِ وَالْمَالِ (بِحَائِكٍ) ; لِانْتِفَاءِ الْيَسَارِ، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ كَثْرَةُ الْمَالِ، فَالْعِبْرَةُ بِالْغَالِبِ (وَلَا مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مُتَوَلِّيًا، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَعَلَى هَذَا بَقِيَّةُ الصَّنَائِعِ الْمُزْرِيَةِ كَالْقَيِّمِ وَالْحَمَّامِيِّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ، وَعَنْهُ: لَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْصٍ لَازِمٍ كَالْمَرَضِ، وَقِيلَ: نَسَّاجٌ كَحَائِكٍ، وَوَلَدُ الزِّنَا قِيلَ: هُوَ كُفْءٌ لِذَاتِ نَسَبٍ، وَعَنْهُ: لَا كَعَرَبِيَّةٍ، زَادَ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ غَيْرَ الْمُنْتَسِبِ إِلَى الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ الْمَشْهُورِينَ لَيْسَ كُفُؤًا لِلْمُنْتَسِبِ إِلَيْهِمَا. تَنْبِيهٌ: اخْتُلِفَ فِي الْكَفَاءَةِ، هَلْ هِيَ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ أَوْ لِلُّزُومِ؛ وَأَنَّهَا هَلْ تُعْتَبَرُ فِي اثْنَيْنِ أَوْ جِهَةٍ؛ وَقَدْ سَبَقَ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَجَمْعٌ: كَمَا فِي الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ، وَقَالَ فِي " الْمُجَرَّدِ ": وَمَحَلُّهُمَا فِي الدِّينِ وَالْمَنْصِبِ، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ فَلَا يَبْطُلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَجَمَعَ الْمَجْدُ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ فِيهَا ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ، يَخْتَصُّ الْبُطْلَانُ بِالدِّينِ وَالْمَنْصِبِ. وَقَالَ فِي " الْمُجَرَّدِ ": يَخْتَصُّ الْبُطْلَانُ بِالنَّسَبِ فَقَطْ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ لِفَقْرٍ أَوْ رِقٍّ، وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ نَصًّا بِإِقْرَارِ النِّكَاحِ مَعَ عَدَمِ الدِّينِ وَالْمَنْصِبِ، وَنَصَّ عَلَى التَّفْرِيقِ بِالْحِيَاكَةِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. فَرْعٌ: يَجُوزُ لِلْعَجَمِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» هُوَ فِي الصَّدَقَةِ، وَفِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: الْمَنْعُ، وَمَنْ أَسْلَمَ كُفْءٌ لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ الْجَهْمِيَّ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا الْوَاقِفِيُّ إِذَا كَانَ يُخَاصِمُ، وَقَالَ: لَا يُزَوِّجُ بِنْتَهُ مِنْ حَرُورِيٍّ وَلَا رَافِضِيٍّ وَلَا قَدَرِيٍّ، فَإِنْ كَانَ لَا يَدْعُو فَلَا بَأْسَ. مَسْأَلَةٌ: لَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ بِخُلُوِّهَا عَنِ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ: وَلَا الْإِشْهَادُ عَلَى إِذْنِهَا، وَقِيلَ: بَلَى، وَلَا يُزَوِّجُهَا الْعَاقِدُ نَائِبَ الْحَاكِمِ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ حَتَّى يَعْلَمَ إِذْنَهَا، وَإِنِ ادَّعَى زَوْجٌ إِذْنَهَا وَأَنْكَرَتْ، صَدَقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": تَصْدُقُ الثَّيِّبُ ; لِأَنَّهَا تُزَوَّجُ بِإِذْنِهَا ظَاهِرًا، بِخِلَافِ الْبِكْرِ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِلَا إِذْنِهَا، وَفِي دَعْوَى الْوَلِيِّ إِذْنُهَا كَذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَوْلُهَا وَإِنِ ادَّعَتِ الْإِذْنَ فَأَنْكَرَ وَرَثَتُهُ، صَدَقَتْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 بَابٌ الْمُحَرَّمَاتُ فِي النِّكَاحِ وَهُنَّ ضَرْبَانِ: مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْأَبَدِ، وَهُنَّ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا : الْمُحَرَّمَاتُ بِالنَّسَبِ، وَهُنَّ سَبْعٌ: الْأُمَّهَاتُ: وَهُنَّ الْوَالِدَةُ وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَالْبَنَاتُ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، وَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلْنَ، وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ، وَبَنَاتُ الْأَخِ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ، وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا، وَالْعَمَّاتُ   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ] [الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى الْأَبَدِ] [الْمُحَرَّمَاتُ بِالنَّسَبِ] (وَهُنَّ ضَرْبَانِ: مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْأَبَدِ) أَيِ: التَّأْبِيدُ (وَهُنَّ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا: الْمُحَرَّمَاتُ بِالنَّسَبِ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّسَبِ الْحَاصِلِ بِنِكَاحٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، أَوْ حَرَامٍ، وَسَنَذْكُرُهُ (وَهُنَّ سَبْعٌ) يَجْمَعُهَا قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ (الْأُمَّهَاتُ) وَهُنَّ كُلُّ مَنِ انْتُسِبَ إِلَيْهِنَّ بِوِلَادَةٍ، سَوَاءٌ وَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الْأُمِّ حَقِيقَةً - وَهِيَ الَّتِي وَلَدَتْكَ - أَوْ مَجَازًا وَهِيَ الَّتِي وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ وَإِنْ عَلَتْ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَهُنَّ الْوَالِدَةُ، وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْنَ) وَهُنَّ جَدَّتَاكَ أُمُّ أُمِّكَ وَأُمُّ أَبِيكَ، وَجَدَّتَا أُمِّكَ، وَجَدَّتَا أَبِيكَ، وَجَدَّتَا جَدَّتَيْكَ، وَجَدَّتَا أَجْدَادِكَ، وَارِثَاتٍ كُنَّ أَوْ غَيْرَ وَارِثَاتٍ، كُلُّهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ذَكَرَ هَاجَرَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، وَقَالَ: تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ، وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَبِينَا آدَمَ وَأُمِّنَا حَوَّاءَ» (وَالْبَنَاتُ مِنْ حَلَالٍ) وَهِيَ كُلُّ أُنْثَى انْتَسَبَتْ إِلَيْكَ بِوِلَادَتِكَ، كَابْنَةٍ (أَوْ حَرَامٍ) وَشَمَلَ ابْنَتَهُ مِنَ الزِّنَا ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي امْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: «انْظُرُوهُ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحماءَ» يَعْنِي: الزَّانِيَ، وَاسْتَدَلَّ أَحْمَدُ «بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنَ ابْنِ زَمْعَةَ ;» لِلشَّبَهِ الَّذِي رَأَى بِعُتْبَةَ، وَيَكْفِي فِي التَّحْرِيمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا بِنْتُهُ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لِغَيْرِهِ، قَالَهُ فِي " التَّعْلِيقِ "، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الشَّبَهَ كَافٍ ; وَلِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ، فَحَرُمَتْ كَتَحْرِيمِ الزَّانِيَةِ عَلَى وَلَدِهَا، وَكَالْمَنْفِيَّةِ بِاللِّعَانِ، لَا يُقَالُ: لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا، وَلَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَكَهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ ; لِأَنَّ تَخَلُّفَ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا يُوجِبُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ رَقِيقَةً، أَوْ مُخَالِفَةً لِدِينِهِ (وَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلْنَ) مِنْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ ; لِصِحَّةِ تَنَاوُلِ الِاسْمِ لِلْجَمِيعِ (وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ) أَيِ: الْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ مِنَ الْأَبِ وَمِنَ الْأُمِّ ; لِشُمُولِ الْآيَةِ لَهُنَّ (وَبَنَاتُ الْأَخِ وبنات الأخت) مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 وَالْخَالَاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَلَا تُحَرَّمُ بَنَاتُهُنَّ. الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ، وَيَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. الْقِسْمُ الثَّالِث ُ: الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَهُنَّ أَرْبَعٌ: أُمَّهَاتُ   [المبدع في شرح المقنع] أَيِّ جِهَةٍ كَانُوا (وَأَوْلَادُهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا) ; لِلْآيَةِ، (وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ) فَيَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ كُلُّ أُخْتٍ لِأَبٍ، وَإِنْ بَعُدَتْ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَمِنْ جِهَةِ أُمِّهِ، وَفِي الْخَالَاتِ كُلُّ أُخْتٍ لِأُمٍّ، وَإِنْ بَعُدَتْ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَمِنْ جِهَةِ أُمِّهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ جَدٍّ أَبٌ، وَكُلَّ جَدَّةٍ أُمٌّ، فَكُلُّ أُخْتٍ لَهَا عَمَّةٌ وَخَالَةٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ خَالَةُ الْعَمَّةِ لِأَبٍ، وَعَمَّةُ الْخَالَةِ لِأُمٍّ (وَلَا تَحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} [الأحزاب: 50] وَالْأَصْلُ الْمُسَاوَاةُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ دَخَلَتْ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَضَابِطُهُ: أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ حُرِّمَتْ حُرِّمَتِ ابْنَتُهَا إِلَّا خَمْسٌ: أُمُّ الزَّوْجَةِ وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَحَلِيلَةُ الِابْنِ وَحَلِيلَةُ الْأَبِ، وَمَنْ حُرِّمَتْ حُرِّمَتْ أُمُّهَا إِلَّا خَمْسٌ: الْبِنْتُ وَالرَّبِيبَةُ وَبِنْتُ الْأَخِ وَحَلِيلَةُ الِابْنِ وَحَلِيلَةُ الْأَبِ. أَصْلٌ: يَحْرُمُ زَوْجَاتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ مَنْ فَارَقَهَا، وَهُنَّ أَزْوَاجُهُ دُنْيَا وَأُخْرَى. [الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ] (الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ، وَيَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَالْبَقِيَّةُ بِالْقِيَاسِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ وَالْمُؤَلِّفِ ; وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَحْرُمُ مِنَ الرِّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: نِكَاحُ ابْنِ الرَّجُلِ مِنْ لَبَنِهِ بِمَنْزِلَةِ نِكَاحِ ابْنِهِ مِنْ صُلْبِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَمْ يَقُلِ الشَّارِعُ مَا يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ، فَأُمُّ امْرَأَتِهِ بِرَضَاعٍ، وَامْرَأَةُ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ الَّتِي لَمْ تُرْضِعْهُ، وَبَنَتُ امْرَأَتِهِ بِلَبَنِ غَيْرِهِ، حُرِّمْنَ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا بِالنَّسَبِ، وَلَا نَسَبَ وَلَا مُصَاهَرَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ، فَلَا تَحْرِيمَ، وَقَدِ اسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِلَّا أُمَّ أُخْتِهِ وَأُخْتَ ابْنِهِ، فَإِنَّهُمَا لَا يَحْرُمَانِ، وَالصَّوَابُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ عَدَمُ اسْتِثْنَائِهِمَا ; لِأَنَّ أُمَّ أُخْتِهِ إِنَّمَا حَرُمَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; لِكَوْنِهَا زَوْجَةَ أَبِيهِ، وَهُوَ تَحْرِيمٌ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا تَحْرِيمَ نَسَبٍ، وَأُخْتَ ابْنِهِ ; لِأَنَّهَا رَبِيبَتُهُ. فَرْعٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّضَاعِ وَالْمَحْظُورِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " بِأَنَّهُ إِجْمَاعٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 نِسَائِهِ، وَحَلَائِلُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ، فَيَحْرُمْنَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ دُونَ بَنَاتِهِنَّ، وَالرَّبَائِبُ وَهُنَّ بَنَاتُ نِسَائِهِ اللَّاتِي دَخَلَ بِهِنَّ دُونَ اللَّاتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ، فَإِنْ مِتْنَ قَبْلَ الدُّخُولِ،   [المبدع في شرح المقنع] [الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ] (الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَهُنَّ أَرْبَعٌ: أُمَّهَاتُ نِسَائِهِ) أَيْ: إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، حُرُمَ عَلَيْهِ كُلُّ أُمٍّ لَهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً - بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَعَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ إِلَّا بِالدُّخُولِ بِابْنَتِهَا، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَهُوَ عَامٌّ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَبِيبَتَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو حَفْصٍ، (وَحَلَائِلُ آبَائِهِ) سُمِّيَتِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ: حَلِيلَةٌ ; لِأَنَّهَا مَحَلُّ إِزَارِ زَوْجِهَا، وَهِيَ مُحَلَّلَةٌ لَهُ أَيْ: فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَةُ أَبِيهِ، قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا، مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَقَالَ الْبَرَاءُ: «لَقِيتُ خَالِي وَمَعَهُ الرَّايَةُ قَالَ: أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا امْرَأَةُ أَبِيهِ أَوِ امْرَأَةُ جَدِّهِ لِأَبِيهِ، وَجَدِّهُ لِأُمِّهِ - قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ وَطِئَهَا بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ (وَأَبْنَائِهِ) أَيْ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجُ بِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَابْنِ بِنْتِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (فَيَحْرُمْنَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ) ; لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ كَانَ نِكَاحُ الْأَبِ الْكَافِرِ فَاسِدًا، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِجْمَاعًا، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ الْمُفِيدِ لِلْحِلِّ وَالْفَاسِدِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " ; لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالصَّحِيحِ إِلَّا الْحِلَّ وَالْإِحْلَالَ وَالْإِحْصَانَ وَالْإِرْثَ، وَتُنْصَفُ الصَّدَاقُ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " التَّعْلِيقِ " خِلَافُهُ (دُونَ بَنَاتِهِنَّ) أَيْ: يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ رَبِيبَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (وَالرَّبَائِبُ: وَهُنَّ بَنَاتُ نِسَائِهِ اللَّاتِي دَخَلَ بِهِنَّ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] (دُونَ اللَّاتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ) ; لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْحِجْرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 فَهَلْ تَحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ مَيِّتَةً أَوْ صَغِيرَةً، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ بَاشَرَ امْرَأَةً، أَوْ نَظَرَ إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] الْغَالِبِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا مَفْهُومَ لَهُ اتِّفَاقًا، وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً، وَارِثَةً أَوْ غَيْرَ وَارِثَةٍ، مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، فَإِذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَا، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ - وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - أَنَّهُ يُرَخِّصُ فِيهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ (فَإِنْ مِتْنَ قَبْلَ الدُّخُولِ) أَوْ مَاتَتْ (فَهَلْ تَحْرَمُ بَنَاتُهُنَّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] وَكَالطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ، لَا يَجْرِي مَجْرَى الدُّخُولِ فِي الْإِحْلَالِ وَالْإِحْصَانِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ قِيَاسًا عَلَى تَكْمِيلِ الْعِدَّةِ وَالصَّدَاقِ. (وَيَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ) اتِّفَاقًا (وَالْحَرَامِ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَفِيهَا دَلَالَةٌ تَصْرِفُهُ إِلَى الْوَطْءِ دُونَ الْعَقْدِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا} [النساء: 22] وَهَذَا التَّغْلِيظُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَطْءِ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ ; وَلِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ الْمُبَاحِ تَعَلَّقَ بِالْمَحْظُورِ، كَوَطْءِ الْحَائِضِ ; وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُفْسِدُهُ الْوَطْءُ بِالشُّبْهَةِ، وَأَفْسَدَهُ الْوَطْءُ الْحَرَامُ كَالْإِحْرَامِ، وَذَكَرَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" الْمُغْنِي "، و" التَّرْغِيبِ ": وَلَوْ بِوَطْءِ دُبُرٍ، وَقِيلَ: لَا، وَنَقَلَ بِشْرُ بْنُ مُوسَى: لَا يُعْجِبُنِي، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْحَلَالَ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَالْحَرَامُ مُبَايِنٌ لِلْحَلَالِ (فَإِنْ كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ مَيِّتَةً أَوْ صَغِيرَةً) لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ كَالرَّضَاعِ، وَالثَّانِي - وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ -: لَا يَنْشُرُهَا ; لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَعَلَّقُ بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْوَطْءِ، وَذَلِكَ يُبْطِلُهَا، وَفِي الْمَذْهَبِ: هُوَ كَنِكَاحٍ، فِيهِ شُبْهَةٌ وَجْهَانِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 فَرْجِهَا، أَوْ خَلَا بِهَا لِشَهْوَةٍ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ تَلَوَّطَ بِغُلَامٍ، حَرُمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمُّ الْآخَرِ وَابْنَتُهُ، وَعَنْ أَبِي الْخَطَّابِ: هُوَ كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ بَاشَرَ امْرَأَةً أَوْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِهَا) أَوْ قَبَّلَهَا (أَوْ خَلَا بِهَا لِشَهْوَةٍ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَفِيهِ مَسَائِلُ. الْأُولَى: إِذَا بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ، فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْشُرُهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِشَهْوَةٍ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ، كَالْوَطْءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ ظَاهِرٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرَجِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَنَّهُ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. الثَّانِيَةُ: إِذَا نَظَرَ إِلَى فَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَنْشُرُهَا كَالنَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ، وَالثَّانِيَةُ: يَنْشُرُهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَنْشُرُهَا اللَّمْسُ، رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنْهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ وَإِلَى بَقِيَّةِ الْبَدَنِ، ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ، وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ وَابْنُ هَانِئٍ، مِنْهَا أَوْ مِنْهُ إِذَا كَانَ لِشَهْوَةٍ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ ; فَإِنَّ غَيْرَ الْفَرْجِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَنْشُرْهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ، وَهَذَا فِيمَنْ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ فَمَا زَادَ، وَعَنْهُ: سَبْعٌ إِذَا أَصَابَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا. الثَّالِثَةُ: إِذَا خَلَا بِهَا لِشَهْوَةٍ قَبْلَ الْوَطْءِ، فَرِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا - وَهِيَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُؤَلِّفِ -: لَا يَنْشُرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّظَرَ كِنَايَةٌ عَنِ الدُّخُولِ. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى ; لِأَنَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ الدُّخُولَ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْخَلْوَةِ، وَالْعُرْفُ عَلَى ذَلِكَ، يُقَالُ: دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ، إِذَا كَانَ بَنَى بِهَا وَإِنْ لَمْ يَطَأْ، وَأَمَّا إِذَا فَعَلَتْ هِيَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَهُ (وَإِنْ تَلَوَّطَ بِغُلَامٍ، حَرُمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمُّ الْآخَرِ وَابْنَتُهُ) أَيْ: يَحْرُمُ بِوَطْءِ الْغُلَامِ مَا يَحْرُمُ بِوَطْءِ الْمَرْأَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ، فَيَنْشُرُ الْحُرْمَةَ إِلَى مَنْ ذُكِرَ كَوَطْءِ الْمَرْأَةِ (وَعَنْد أَبِي الْخَطَّابِ: هُوَ كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ) فَيَكُونُ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لشَهْوَةً ; لِكَوْنِهِ وَطَئا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَى تَحْرِيمٍ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى النِّسَاءِ ; لِأَنَّ وَطْأَهَا سَبَبٌ لِلْبُغْضَةِ، وَيُوجِبُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْمُلَاعَنَةُ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ إِلَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ، فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فصل: الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ إِلَى أَمدٍ، وَهُنَّ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمُحَرَّمَاتُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ، فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَهْرَ، وَيَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، وَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ بِهِ فِرَاشًا، قَالَ ابْنُ الْبَنَّا وَابْنُ عَقِيلٍ: وَكَذَا دَوَاعِيهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ. [الْمُلَاعَنَةُ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ] (الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْمُلَاعَنَةُ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ) إِذَا لَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ ; لِقَوْلِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: مَضَتِ السُّنَّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، رَوَاهُ الْجُوزْجَانِيُّ، وَنَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (إِلَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ، فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَحْرُمُ ; لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ; وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ قَبْلَ الْجَلْدِ وَالتَّكْذِيبِ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ بِالتَّكْذِيبِ كَالرَّضَاعِ. وَالثَّانِيَةُ: تَحِلُّ، نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّهَا الْأَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ صَارَتْ شُبْهَتُهُ بِحَالِهَا قَبْلَ الْمُلَاعَنَةِ، وَهِيَ حِينَئِذٍ حَلَالٌ، وَعَنْهُ: بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يُفَرِّقِ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، أَمَّا إِذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَا وَجْهَ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ قِيلَ: لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِفُرْقَةِ الْحَاكِمِ، فَلَا تَحْرُمُ حَتَّى يَقُولَ: حَلَّتْ لَهُ، وَظَاهِرُهُ إِذَا كَانَ اللِّعَانُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَلَا حَدَّ، قَوْلًا وَاحِدًا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوِ ابْنَتَهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ ; لِأَنَّهُ طَرَأَ عَلَيْهَا مَا يُحَرِّمُهَا، أَشْبَهَ الرَّضَاعَ. [الْمُحَرَّمَاتُ إِلَى أَمَدٍ] [الْمُحَرَّمَاتُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ] فَصْلٌ (الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ إِلَى أَمَدٍ) أَيْ: غَايَةٍ (وَهُنَّ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمُحَرَّمَاتُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ، فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، حُرَّتَيْنِ أَوْ أَمَتَيْنِ، أَوْ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ مِنْ أَبَوَيْنِ، أَوْ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ، قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ، لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ، أَوْ تَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا فِي عِدَّةِ الْأُخْرَى سَوَاءٌ كَانَتْ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً - فَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ، وَإِنِ اشْتَرَى أُخْتَ امْرَأَتِهِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] (وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ، وَفِي " التَّمْهِيدِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَإِفْضَاؤُهُ إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَيَحْصُلُ تَخْصِيصُ قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَضَابِطُهُ: كُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا ذَكَرًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى حَرُمَ نِكَاحُهُ، وَلِهَذَا حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ أَخِيهَا ; لِأَنَّ الْأَخَ لَا يُبَاحُ لَهُ بِنْتُ أُخْتِهِ، وَابْنُ الْأُخْتِ لَا تُبَاحُ لَهُ خَالَتُهُ، وَأُبِيحَ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتَيْ عَمَّيْنِ وَبِنْتَيْ خَالَيْنِ، وَبِنْتَيْ عَمَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ خَالَتَيْنِ ; لِأَنَّ ابْنَ الْعَمِّ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ عَمِّهِ، وَابْنُ الْخَالِ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ خَالَتِهِ، وَهَلْ يُكْرَهُ لِأَجْلِ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ إِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً أَوْ لَا يُكْرَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ عَمَّةٍ وَخَالَةٍ، بِأَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَابْنُهُ أُمُّهَا، فَوُلِدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ، وَبَيْنَ عَمَّتَيْنِ بِأَنْ يَنْكِحَ أُمَّ رَجُلٍ وَالْآخَرُ أُمَّهُ، فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ، وَبَيْنَ خَالَتَيْنِ بِأَنْ يَنْكِحَ كُلٌّ مِنْهُمَا ابْنَةَ الْآخَرِ لَا بَيْنَ أُخْتِ رَجُلٍ مِنْ أَبِيهِ وَبَيْنَ أُخْتِهِ مِنْ أُمِّهِ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ، وَلَا بَيْنَ مَنْ كَانَتْ زَوْجَةَ رَجُلٍ، وَبِنْتُهُ مِنْ غَيْرِهَا (فَإِنَّ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ) وَاحِدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ مَعًا (لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، (وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ، أَوْ تَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا فِي عِدَّةِ الْأُخْرَى سَوَاءٌ كَانَتْ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً، فَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ) ; لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ، فَاخْتَصَّ الْبُطْلَانُ بِهِ، لَكِنْ إِنْ جُهِلَ السَّابِقُ فُسِخَ النِّكَاحَانِ، وَعَنْهُ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا - صَحَّ، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنِ اشْتَرَاهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، صَحَّ، فَإِنْ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا، لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْأُولَى بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَزْوِيجٍ، وَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَهْرِ، وَيَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةَ: لَا ; لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَرْعٌ: إِذَا تَزَوَّجَ أُمًّا وَبِنْتًا فِي عَقْدٍ، صَحَّ فِي حَقِّ الْبِنْتِ فَقَطْ، وَقِيلَ: يَفْسُدُ فِي حَقِّهِمَا كَالْأُخْتَيْنِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأُمَّ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، فَاخْتَصَّتْ بِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِذَا تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ، يَخْتَارُ إِحْدَاهُمَا، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ إِحْدَاهُمَا بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ (وَإِنِ اشْتَرَى أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا، صَحَّ) ; لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُرَادُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَلِغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ شِرَاءُ الْمَجُوسِيَّةِ وَأُخْتِهِ مِنَ الرَّضَاعِ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا بِغَيْرِ الشِّرَاءِ (وَلَمْ يَحِلَّ له وَطْؤُهَا حَتَّى يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) ; لِئَلَّا يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِرَاشِ وَجَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (وَإِنِ اشْتَرَاهُنَّ) أَوْ مَلَكَهُنَّ (فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، صَحَّ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُرَادُ لِغَيْرِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْعَقْدِ، وَإِذَا جَازَ شِرَاءُ وَاحِدَةٍ عَلَى الْأُخْرَى، فَمَعًا أَوْلَى (فَإِنْ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا) جَازَ ; لِأَنَّ الْأُخْرَى لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: لَا يَقْرُبُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ و (لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْأُولَى بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ) وَلَوْ بِبَيْعٍ لِلْحَاجَةِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ رَجَبٍ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ (أَوْ تَزْوِيجٍ) بَعْدَ اسْتِبْرَاءٍ (وَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا تَحِلُّ لَهُ إِذَا أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ تَزْوِيجٍ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ زَالَ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَتِ الْأُولَى صَغِيرَةً، وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ إِلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَشَرَطَ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ: (وَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ) ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُخْتُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ; لِئَلَّا يَكُونَ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ، فَهُوَ كَنِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، لَا يُقَالُ: هَذَا الشَّرْطُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، إِذْ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ غَيْرُ حَامِلٍ ; لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةٍ، وَعَلَى الْمَنْعِ يُمْكِنُ أَنْ يَتَضَرَّرَ بِالْعِتْقِ، وَلَكِنْ مِنْ صُوَرِ الْإِخْرَاجِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِتَحْرِيمِهَا بِكِتَابَةٍ وَرَهْنٍ وَبَيْعٍ بِشَرْطِ خِيَارٍ وَجْهَانِ، وَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ، لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى، وَعَنْهُ: لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ، وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا، لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ، فَإِنْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] يَكْفِي مُجَرَّدُ تَحْرِيمِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ -: أَحَلَّتْهَا آيَةٌ، وَحَرَّمَتْهَا أُخْرَى، يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] (فَإِنْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى) فِي ظَاهِرِ نُصُوصِهِ ; لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ فِرَاشًا، وَقَدْ رَجَعَتْ إِلَيْهِ الَّتِي كَانَتْ فِرَاشًا، فَحَرُمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِكَوْنِ الْأُخْرَى فِرَاشًا، كَمَا لَوِ انْفَرَدَتْ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُغْنِي ": إِنْ عَادَتْ قَبْلَ وَطْءِ أُخْتِهَا فَهِيَ الْمُبَاحَةُ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": بَلْ أَيَّتَهُمَا شَاءَ، وَأَنَّهَا إِنْ عَادَتْ بَعْدَ وَطْءِ أُخْتِهَا فَأُخْتُهَا الْمُبَاحَةُ، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: هَذَا إِذَا لَمْ يَجِبِ اسْتِبْرَاءٌ، فَإِنْ وَجَبَ لَمْ يَلْزَمْهُ تَرْكُ أُخْتِهَا، وَهُوَ حَسَنٌ، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَزِمَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُمَا حَتَّى تَحْرُمَ إِحْدَاهُمَا، وَأَبَاحَ الْقَاضِي وَطْءَ الْأُولَى بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ الثَّانِيَةِ (وَعَنْهُ: لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ) حَكَاهَا الْقَاضِي وَالشَّيْخَانِ مُعْتَمِدِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ تَقُولُ: إِنَّهُ حَرَامٌ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ، وَامْتَنَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ إِثْبَاتِ ذَلِكَ رِوَايَةً، وَهَذَا أَدَبٌ فِي الْفَتْوَى، كَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِلُهُ السَّلَفُ، لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ التَّحْرِيمِ، يَقُولُونَ: يُنْهَى عَنْهُ. فَرْعٌ: لَوْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ مُسْلِمَةً وَمَجُوسِيَّةً، فَلَهُ وَطْءُ الْمُسْلِمَةِ، ذَكَرَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ ". (وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ) أَوْ أَعْتَقَ سُرِّيَّتَهُ (ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا، لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، قَالَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّ النِّكَاحَ تَصِيرُ الْمَرْأَةُ بِهِ فِرَاشًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَرِدَ عَلَى فِرَاشِ الْأُخْتِ كَالْوَطْءِ (وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَصِحُّ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ الْوَطْءُ، فَجَازَ أَنْ يَرِدَ عَلَى وَطْءِ الْأُخْتِ، وَلَا يُبِيحُ كَالشِّرَاءِ (وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَحْرُمَ الْمَوْطُوءَةُ) ; لِئَلَّا يَكُونَ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنَ النِّكَاحِ ; بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَوْ سُلِّمَ تَسَاوِيهِمَا، فَسَبَقَ مِلْكُ الْيَمِينَ مُعَارِضَهُ، وَعَنْهُ: تَحْرِيمُهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إِحْدَاهُمَا، وَكَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى، وَلَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ تَحْرِيمِ سُرِّيَّتِهِ ثُمَّ رَجَعَتِ السُّرِّيَّةُ إِلَيْهِ، لَكِنَّ النِّكَاحَ بِحَالِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ سُرِّيَّتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ رِوَايَتَانِ، وَلَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا فِي الْأَصَحِّ (فَإِنْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى) ; لِأَنَّ الْأُولَى عَادَتْ إِلَى الْفِرَاشِ، فَاجْتَمَعَا فِيهِ، فَلَمْ تُبَحْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَبْلَ إِخْرَاجِ الْأُخْرَى عَنِ الْفِرَاشِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا وَطِئَ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا لَمْ يَجُزْ فِي الْعِدَّةِ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَفِي وَطْءِ أَرْبَعٍ غَيْرَهَا أَوِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ وَجْهَانِ، وَمَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ حَرُمَ نِكَاحُهَا فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: إِنْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ حَرُمَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهِيَ أَشْهَرُ، وَعَنْهُ: إِنْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً مِنْ زَوْجٍ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ، حَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا. (وَلَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ أَبَاحَ تِسْعًا لِقَوْلِهِ: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ ; وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاتَ عَنْ تِسْعٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَتَرْكٌ لِلسُّنَّةِ، فَإِنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» وَأَمَرَ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ حِينَ أَسْلَمَ عَلَى خَمْسٍ أَنْ يُفَارِقَ وَاحِدَةً مِنْهَن، رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ. فَإِذَا مُنِعَ مِنَ الِاسْتِدَامَةِ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعٍ فَالِابْتِدَاءُ أَوْلَى، وَالْوَاوُ أُرِيدَ بِهَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ} [فاطر: 1] الْآيَةَ، لَيْسَ لِكُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ، ذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى جَوَازُ التَّزْوِيجِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، وَفِي شَرِيعَةِ عِيسَى لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ ; لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ، فَرَاعَتْ شَرِيعَتُنَا مَصْلَحَةَ النَّوْعَيْنِ (وَلَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ) إِجْمَاعًا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ طَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي: مُحَرَّمَاتٌ لِعَارِضٍ يَزُولُ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ زَوْجَةِ غَيْرِهِ، وَالْمُعْتَدَّةُ   [المبدع في شرح المقنع] وَسَنَدُهُ أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ قَالَ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْكِحُ إِلَّا اثْنَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَبِهِ يَتَخَصَّصُ عُمُومُ الْآيَةِ، أَوْ يُقَالُ: الْآيَةُ إِنَّمَا تَنَاوَلَتِ الْحُرَّ ; لِأَنَّ فِيهَا {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ، وَلَوْ مَلَكَ فَنَفْسُ مِلْكِهِ لَا يُبِيحُ التَّسَرِّي. فَرْعٌ: مَنْ عُتِقَ نِصْفُهُ أَوْ أَكْثَرُ، لَهُ جَمْعُ ثَلَاثٍ، نَصَّ عَلَيْهِ كَالْحَدِّ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ سِوَى اثْنَتَيْنِ ; لِأَنَّهُمَا قَدْ ثَبَتَا لَهُ وَهُوَ عَبْدٌ، فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَإِنْ طَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ) أَيْ: نِهَايَةُ عَدَدِهِ (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) أَمَّا إِذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ بَائِنًا أَوْ فَسْخًا، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ; لِأَنَّ بَعْضَ الْأَحْكَامِ بَاقِيَةٌ، فَيَمْتَنِعَانِ مِنْهُ كَالرَّجْعِيِّ بِخِلَافِ مَوْتِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَكَذَّبَتْهُ، فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَبَدَلِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا تَسْقُطُ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ وَنَسَبُ الْوَلَدِ، بَلِ الرَّجْعَةُ. فَرْعٌ: يَجُوزُ نِكَاحُ أَمَتِهِ فِي عِدَّةِ حُرَّةٍ، إِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَكَانَ خَائِفًا لِلْعَنَتِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا ; لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ. تَذْنِيبٌ: فِي " الْفُنُونِ " قَالَ فَقِيهٌ: شَهْوَةُ الْمَرْأَةِ فَوْقَ شَهْوَةِ الرَّجُلِ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ. فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ: لَوْ كَانَ هَذَا مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعٍ، وَيَنْكِحَ مَا شَاءَ مِنَ الْإِمَاءِ، وَلَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَجُلٍ، وَلَهَا مِنَ الْقَسْمِ الرُّبُعُ، وَحَاشَا حِكْمَتُهُ أَنْ تُضَيِّقَ عَلَى الْأَحْوَجِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُهُ -: فُضِّلَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ جُزْءًا مِنَ اللَّذَّةِ - أَوْ قَالَ -: مِنَ الشَّهْوَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْقَى عَلَيْهِنَّ الْحَيَاءَ، وَقَوَّي فِي " إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " أَنَّ الرَّجُلَ أَشَدُّ شَهْوَةً مِنَ الْمَرْأَةِ، وَأَنَّ حَرَارَتَهُ أَقْوَى مِنْ حَرَارَةِ الْمَرْأَةِ، وَالشَّهْوَةُ تَتْبَعُهَا الْحَرَارَةُ ; بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا جَامَعَ امْرَأَةً أَمْكَنَهُ مُجَامَعَةَ غَيْرِهَا فِي الْحَالِ. [مُحَرَّمَاتٌ لِعَارِضٍ يَزُولُ] فَصْلٌ (النَّوْعُ الثَّانِي: مُحَرَّمَاتٌ لِعَارِضٍ يَزُولُ) ; لِأَنَّ زَوْجَةَ غَيْرِهِ إِنَّمَا حُرِّمَتْ لِأَجْلِ ذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 مِنْهُ، وَالْمُسْتَبْرِئَةُ مِنْهُ، وَتَحْرُمُ الزَّانِيَةُ حَتَّى تَتُوبَ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَمُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا حَتَّى   [المبدع في شرح المقنع] الْغَيْرِ (فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ زَوْجَةِ غَيْرِهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ (وَالْمُعْتَدَّةُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ غَيْرِهِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: 235] (وَالْمُسْتَبْرِئَةُ مِنْهُ) ; لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ ; وَلِأَنَّ إِبَاحَةَ نِكَاحِهَا يُفْضِي إِلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَهُوَ مَحْذُورٌ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ. (وَتَحْرُمُ الزَّانِيَةُ حَتَّى تَتُوبَ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) نَصَّ عَلَيْهِمَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] ; وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَحَرُمَتْ كَالْمُعْتَدَّةِ، وَيُشْتَرَطُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، أَمَّا عَلَى الزَّانِي، فَلِأَنَّ وَلَدَهَا لَا يَلْحَقُ بِهِ، فَيُفْضِي نِكَاحُهُ بِهَا إِلَى اشْتِبَاهِ مَنْ لَا يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِأَحَدٍ مِمَّنْ يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِهِ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ ; فَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ إِذَا حَمَلَتْ مِنَ الزِّنَا فَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ; وَلِأَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ غَيْرِهِ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْحَوَامِلِ، وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ نِكَاحُهَا كَمَا لَوْ لَمْ تَحْمِلْ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ، وَيَحْرُمُ النِّكَاحُ فِيهَا ; لِاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَتُشْتَرَطُ التَّوْبَةُ مِنْهُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] وَهِيَ قَبْلَ التَّوْبَةِ فِي حُكْمِ الزِّنَا، فَإِذَا تَابَتْ زَالَ ذَلِكَ، وَتَوْبَتُهَا كَغَيْرِهَا، صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَنَصُّهُ: الِامْتِنَاعُ مِنَ الزِّنَا بَعْدَ الدَّعَايَةِ إِلَيْهِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَظَاهِرُهُ: لَا تُشْتَرَطُ التَّوْبَةُ مِنَ الزَّانِي، وَعَنْهُ: بَلَى إِنْ نَكَحَهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنِ الْأَصْحَابِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا إِذَا تَابَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، حَلَّتْ لِلزَّانِي وَغَيْرِهِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ. فَائِدَةٌ: إِذَا زَنَتِ امْرَأَةُ رَجُلٍ، أَوْ زَنَى زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ - لَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَعَنْ جَابِرٍ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ، وَعَنِ الْحَسَنِ مِثْلُهُ، وَلَنَا أَنَّ دَعْوَاهُ الزِّنَا عَلَيْهَا لَا يُبَيِّنُهَا، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ يَنْفَسِخُ بِهِ لَانْفَسَخَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ كَالرَّضَاعِ ; وَلِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ أَشْبَهَتِ السَّرِقَةَ، وَلَكِنِ اسْتَحَبَّ أَحْمَدُ مُفَارَقَتَهَا إِذَا زَنَتْ، وَقَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُمْسِكَ مِثْلَ هَذِهِ، وَلَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَالْأَوْلَى بِحَيْضَةٍ (وَمُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَالْمُحرِمَةُ حَتَّى تَحِلَّ. وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ كَافِرٍ بِحَالٍ، وَلَا لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ كَافِرَةٍ إِلَّا حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: الْوَطْءُ، فَدَلَّ أَنَّهَا إِذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ حَلَّتْ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ غَايَةً لِتَحْرِيمِهَا، وَحِلُّهَا مَوْقُوفٌ عَلَى طَلَاقِ الثَّانِي وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهِ (وَالْمُحَرَّمَةُ حَتَّى تَحِلَّ) ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ ; وَلِأَنَّهُ عَارِضٌ مَنَعَ الطِّيبَ، فَمَنَعَ النِّكَاحَ كَالْمُعْتَدَّةِ. [لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ كَافِرٍ وَلَا لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ كَافِرَةٍ] (وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ كَافِرٍ بِحَالٍ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ وَكِيلًا (وَلَا لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ كَافِرَةٍ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ عَبْدًا، وصَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَلَا نِكَاحُ مُرْتَدَّةٍ وَإِنْ تَدَيَّنَتْ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ ; لِأَنَّهَا لَا تُقَرُّ عَلَى دِينِهَا، وَلَا مَجُوسِيَّةٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا كِتَابٌ (إِلَّا حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ) فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] ; وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، لَا يُقَالُ: مَا تَقَدَّمَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إِبَاحَتِهِنَّ لِشِرْكِهِنَّ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: آيَةُ الْمَائِدَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُمَا ; لِأَنَّ لَفْظَ الْمُشْرِكِينَ لَا يَتَنَاوَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1] وَنَصَّ عَلَى الْحَرَائِرِ ; لِأَنَّ الْإِمَاءَ يَأْتِي حُكْمُهُنَّ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ، وَكَرِهَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كَقَوْلِ أَكْثَرِهِمْ كَذَبَائِحِهِمْ بِلَا حَاجَةٍ، وَشَمَلَ الْحَرْبِيَّاتِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " و" الْفُرُوعِ " ; لِدُخُولِهِنَّ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ; حَمْلًا لِآيَةِ الْمَنْعِ عَلَى ذَلِكَ، وَآيَةُ الْجَوَازِ عَلَى غَيْرِ الْحَرْبِيَّاتِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ، وَإِنِ اضْطُرَّ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَعَ الضَّرُورَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ، فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا   [المبدع في شرح المقنع] وَعَلَّلَ الْإِمَامُ الْمَنْعَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ ; لِئَلَّا يُسْتَعْبَدَ وَيَصِيرَ عَلَى دِينِهِمْ، وَمُقْتَضَاهُ: لَا يَتَزَوَّجُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ إِنْ كَانَتْ مُغَيَّبَةً، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ آيِسَةً وَصَغِيرَةً. تَنْبِيهٌ: أَهْلُ الْكِتَابِ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ، كَالسَّامِرَةِ، وَالْفِرِنْجِ، وَالْأَرْمَنِ، وَأَمَّا الصَّابِئَةُ فَقَالَ أَحْمَدُ: هُمْ مِنْ جِنْسِ النَّصَارَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَسْبِتُونَ، فَأَلْحَقَهُمْ بِالْيَهُودِ وَفِي " الْمُغْنِي ": الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ الْيَهُودَ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ وَخَالَفَهُمْ فِي فُرُوعِهِ - فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَنْ خَالَفَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ، فَلَا، وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ كَالْمُتَمَسِّكِ بِصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، وَشِيثَ، وَزَبُورِ دَاوُدَ، فَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ عَلَى الصَّحِيحِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، فَلَا تَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ} [الأنعام: 156] الْآيَةَ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ، أَوْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ، فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ، الْأُولَى: قَطَعَ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي " - أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُهَا ; لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَنْ يَحِلُّ وَمَنْ لَا يَحِلُّ، كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى ; لِأَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ، فَتَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، وَحَكَى ابْنُ رَزِينٍ ثَالِثَةً: أَنَّهَا تَحِلُّ إِذَا كَانَ أَبُوهَا كِتَابِيًّا ; لِأَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا خَطَأٌ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالدِّينِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقِ الْحُكْمَ بِالنَّسَبِ الْبَتَّةَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " رَدًّا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ دُونَ النَّسَبِ، وَالدِّينُ الْمُحَرَّمُ مَوْجُودٌ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ دُونَ النَّسَبِ، وَظَاهِرُهُ إِذَا كَانَ أبواه غير كِتَابِيَّيْنِ، فَالتَّحْرِيمُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ عَنْهُ: لَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اعْتِبَارًا بِنَفْسِهِ (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَحِلُّ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْأَثْرَمُ: مَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ كَرِهَهُ إِلَّا عَلِيًّا ; وَلِأَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ فَتَشْمَلُهَا الْآيَةُ ; وَلِأَنَّ بَنِي تَغْلِبَ يُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ بِبَذْلِ الْمَالِ، فَتَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ كَأَهْلِ الْكِتَابِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ، وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ إِلَّا أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ، وَلَا يَجِدُ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَفِيهِ الشَّرْطَانِ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ: لَا، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ; وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُن دَخَلْنَ فِي دِينِ الْكُفْرِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ، وَقِيلَ: هُمَا فِي بَقِيَّةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنَ الْعَرَبِ، فَإِنْ شَكَّ فِيهِ فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُمَا يَحْرُمَانِ. فَرْعٌ: لَا يَنْكِحُ مَجُوسِيٌّ كِتَابِيَّةً، وَقِيلَ: وَلَا كِتَابِيٌّ مَجُوسِيَّةً. [لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ] (وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ) رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوُ عِشْرِينَ نَفْسًا، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] ; وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا نَقْصُ الرِّقِّ وَالْكُفْرِ، أَشْبَهَتِ الْمَجُوسِيَّةَ، فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا الْكُفْرُ وَعَدَمُ الْكِتَابِ ; وَحِذَارًا مِنِ اسْتِرْقَاقِ الْوَلَدِ (وَعَنْهُ: يَجُوزُ) ; لِأَنَّهَا تَحِلُّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَتَحِلُّ بِالنِّكَاحِ كَالْمُسْلِمَةِ، فَعَلَى هَذَا تَحِلُّ لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا وَلِلْحُرِّ بِشَرْطِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ تَلِدَ أَوَّ لًا، وَلَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِمُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " (وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ، إِلَّا أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ، وَلَا يَجِدُ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ) أَيْ: لَيْسَ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً مُسْلِمَةً إِلَّا بِوُجُودِ شَرْطَيْنِ: عَدَمُ الطَّوْلِ، وَخَوْفُ الْعَنَتِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] فَشَرَطَهُمَا تَعَالَى لِنِكَاحِ الْأَمَةِ، وَالْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ عُدِمَ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَكَمَا إِذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنَ الْعَبْدِ، فَإِنَّ لَهُ نِكَاحَهَا شَرْطٌ لِتَسَاوِيهِمَا. وَالثَّانِي: يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ الْكَافِرِ، وَقَيَّدَ الْأَمَةَ بِكَوْنِهَا مُسْلِمَةً ; احْتِرَازًا مِنَ الْكَافِرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَلَا مَعَ الشَّرْطَيْنِ، وَالْعَنَتُ فَسَّرَهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو يَعْلَى، وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُؤَلِّفُ: بِالزِّنَا، وَفَسَّرَهُ الْمَجْدُ: لِحَاجَةِ الْمُتْعَةِ، أَوِ الْخِدْمَةِ لِكِبَرٍ أَوْ سَقَمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ ابْنُ حَمْدَانَ قَوْلًا، وَالطَّوْلُ، قَالَ أَحْمَدُ - تَبَعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ -: السَّعَةُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَجِدُ صَدَاقَ حُرَّةٍ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَزَادَ عَلَيْهِ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا نَفَقَتَهَا، وَزَادَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 أَيْسَرَ، أَوْ نَكَحَ حُرَّةً، فَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، فَلَمْ تَعُفَّهُ، وَلَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ أُخْرَى، فَهَلْ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ أُخْرَى؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ (وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ) ; لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ خَائِفٍ الْعَنَتَ ; لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى صِيَانَةِ وَلَدِهِ مِنَ الرِّقِّ، فَهُوَ كَالْقَادِرِ عَلَى نِكَاحِ مُؤْمِنَةٍ، وَإِنْ شَرَطَ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ صَارَ حُرًّا، ذَكَرَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَفِي " إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ "، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَوَجَدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ - أَنَّ لَهُ نِكَاحَ الْأَمَةِ، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " ; لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَصَرَّحَ الْأَكْثَرُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ، فَمَنْ وَجَدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَنْ يَأْمَنُ الْعَنَتَ، فَيَفُوتُ الشَّرْطُ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَقَدْ دَخَلَ فِي كَلَامِهِ الْمَجْبُوبُ وَنَحْوُهُ، لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِشَرْطِهِ، وَأَنَّ لَهُ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْوَلُودِ، وَإِنْ وَجَدَ آيِسَةً، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَعَدَمِ جَوَازِ نِكَاحِهَا مَعَ فَقْدِ شَرْطِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَلِدُ لِصِغَرٍ أَوْ رَتْقٍ وَنَحْوِهِمَا، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ الِاقْتِرَاضُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَلَا التَّزَوُّجُ بِصَدَاقٍ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا ; دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ الصَّدَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، نَعَمْ، لَوْ رَضِيَتْ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَاحْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " فَلَوْ وَجَدَ حُرَّةً بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لَزِمَهُ لِلِاسْتِطَاعَةِ، قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَلَا يُرَدُّ الْيَتِيمُ عَلَى وَجْهٍ ; لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ عَامَّةٌ، وَنِكَاحُ الْأَمَةِ لِلضَّرُورَةِ وَفِي " التَّرْغِيبِ ": مَا لَمْ يَعُدْ سَرَفًا، وَحُرَّةٌ لَا تُوطَأُ لِصِغَرٍ أَوْ غَيْبَةٍ كَعَدَمٍ، فِي الْمَنْصُوصِ، وَكَذَا مَرِيضَةٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَفِيهِ وَجْهَانِ، وَفِيهِ مَنْ نِصْفُهَا حُرٌّ أَوْلَى مِنْ أَمَةٍ ; لِأَنَّ إِرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَوْلَى مِنْ جَمِيعِهِ. فَرْعٌ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي خَشْيَةِ الْعَنَتِ وَعَدَمِ الطَّوْلِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِيَدِهِ قَالَ: فَادَّعَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ قَبْلَ قَوْلِهِ ; لِأَنَّهُ حُكْمٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَفِيهِ الشَّرْطَانِ، ثُمَّ أَيِسَر أَوْ نَكَحَ حُرَّةً، فَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِذَا أَيْسَرَ بَعْدَ نِكَاحِهَا لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَجْزُومِ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ عَدَمَ اسْتِطَاعَةِ الطَّوْلِ شَرْطُ نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَلَمْ تُعْتَبَرِ اسْتِدَامَتُهُ كَخَوْفِ الْعَنَتِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ، فَإِذَا زَالَتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ اسْتِدَامَتُهُ كَأَكْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنَ الْإِمَاءِ أَرْبَعًا إِذَا كَانَ الشَّرْطَانِ قَائِمَيْنِ فِيهِ. وَلِلْعَبْدِ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا عَلَى حُرَّةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْمَيْتَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي " الْمُغْنِي " مِنْ حَيْثُ إِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ ابْتِدَاءٌ لِلْأَكْلِ، بِخِلَافِ عَادِمِ الطَّوْلِ فإنه غير مُبْتَدِئٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَدِيمٌ، وَفِي تَزَوُّجِ الْحُرَّةِ يَنْبَنِي عَلَى انْفِسَاخِهِ بِالْيَسَارِ وَعَدِمِهِ، وَجَعَلَهُمَا فِي " التَّرْغِيبِ " فِي زَوَالِ خَوْفِ الْعَنَتِ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ ": يَكُونُ طَلَاقًا لَا فَسْخًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ إِذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى أَمَةٍ يَكُونُ طَلَاقًا لِلْأَمَةِ ; لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَسْأَلَةُ إِسْحَاقَ مُفْرَدَةٌ. (وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، فَلَمْ تَعُفَّهُ، وَلَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ أُخْرَى فَهَلْ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ أُخْرَى؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: يَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «لَا تَتَزَوَّجْ مِنَ الْإِمَاءِ إِلَّا وَاحِدَةً ;» وَلِأَنَّ تَحْتَهُ زَوْجَةً، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، وَهِيَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ خَائِفٌ الْعَنَتَ، عَادِمٌ لِطَوْلِ حُرَّةٍ، أَشْبَهَ مَنْ لَا زَوْجَةَ تَحْتَهُ، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ (قَالَ الْخِرَقِيُّ: لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنَ الْإِمَاءِ أَرْبَعًا إِذَا كَانَ الشَّرْطَانِ قَائِمَيْنِ فِيهِ) ; لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أُبِيحَ مِنْ أَجْلِهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ - الشَّرْطَانِ، فَإِذَا وُجِدَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِمَا، وَقَدْ يُقَالُ: لَهُ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً إِذَا عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَعُفَّهُ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَحَكَى الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَحَمَلَهُ فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " عَلَى مَا إِذَا خَشِيَ الْعَنَتَ، وَفَسَّرَهُ هُنَا بِمَا إِذَا كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ غَائِبَةٌ أَوْ مَرِيضَةٌ أَوْ نَحْوُهُمَا. [لِلْعَبْدِ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ] (وَلِلْعَبْدِ نِكَاحُ الْأَمَةِ) وَإِنْ فَقَدَ الشَّرْطَيْنِ ; لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لَهَا، فَلَمْ يُعْتَبَرْ كَالْحُرِّ مَعَ الْحُرَّةِ، وَمُدْبِرٌ كَذَلِكَ، وَكَذَا مَكَاتِبٌ وَمُعْتَقٌ بَعْضُهُ، مَعَ أَنَّ الْعِلْمَ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فِيهِمَا أَوْ فِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ (وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا عَلَى حُرَّةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْمَذْهَبُ - وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ": لَهُ ذَلِكَ لِلْمُسَاوَاةِ، وَكَالْحُرِّ مَعَ الْحُرَّةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا ; لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِبُضْعِ حُرَّةٍ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْحُرِّ (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ (فِي الْعَقْدِ، جَازَ) ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 جَازَ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ، وَلَا لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ وَلَا أَمَةَ ابْنِهِ، وَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِهِ، وَإِنِ اشْتَرَى الْحُرُّ زَوْجَتَهُ، انْفَسَخَ نِكَاحُهَا،   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهُمَا يَجُوزُ إِفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ، فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْأَمَتَيْنِ (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَجُوزَ) هَذَا رِوَايَةٌ ; لِأَنَّهُ جَمَعَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يَصِحُّ فِي الْحُرَّةِ فَقَطْ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَفِي " الْمُوجَزِ ": فِي عَبْدٍ، رِوَايَةٌ عَكْسُهَا، وَكَذَا فِي " التَّبْصِرَةِ " ; لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ، صَحَّ فِيهِمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمَذْهَبِ. فَرْعٌ: وَكِتَابِيٌّ وَفِي " الْوَسِيلَةِ ": وَمَجُوسِيٌّ، وَفِي " الْمَجْمُوعِ ": وَكُلُّ كَافِرٍ كَمُسْلِمٍ فِي نِكَاحِ أَمَةٍ، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ: فَإِنِ اعْتُبِرَ فِيهِ الْإِسْلَامُ، اعْتُبِرَ فِي الْكِتَابِيِّ كَوْنُهَا كِتَابِيَّةً. (وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ) بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ مُتَنَاقِضَانِ (وَلَا لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ) ; لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ تُفِيدُ إِبَاحَةَ الْبُضْعِ، فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ عَقْدٍ أَضْعَفَ مِنْهُ (وَلَا أَمَةَ ابْنِهِ) دُونَ أَمَةِ وَالِدِهِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا ; لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَفِيهِ وَجْهٌ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا مُكَاتَبَتَهُ (وَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِهِ) ; لِأَنَّ الرِّقَّ قَطَعَ وِلَايَتَهُ عَنِ ابْنِهِ وَمَالِهِ، فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ، وَيَصِحُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْحَدَّ، لَكِنْ لَا يَجْعَلُ الْأَمَةَ أُمَّ وَلَدٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ ". فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أُمِّ سَيِّدِهِ وَلَا سَيِّدَتِهِ - خِلَافًا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ. (وَإِنِ اشْتَرَى الْحُرُّ) وَعَبَّرَ فِي " الْفُرُوعِ " بِمِلْكِ، وَهُوَ أَوْلَى (زَوْجَتَهُ، انْفَسَخَ نِكَاحُهَا) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِمُنَافَاةِ الْحُكْمَيْنِ ; وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُوجِبُ لِلْمَرْأَةِ حُقُوقًا تَمْنَعُهَا مِنَ الْقَسْمِ، فَانْفَسَخَ بِالْمِلْكِ ; لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَا لَا يُوَافِقُهُ، وَكَذَا إِنْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ مَلَكَتْهُ هِيَ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ، وَفِي الْأَصَحِّ أَوْ مُكَاتَبَتُهُ، وَفِي " الشَّرْحِ " إِذَا مَلَكَتْ بَعْضَ زَوْجِهَا، وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ طَلَاقًا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَلَا يَصِحُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 وَإِنِ اشْتَرَاهَا ابْنُهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ مُحَرَّمَةٍ وَمُحَلَّلَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَهَلْ يَصِحُّ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا، حَرُمَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، إِلَّا إِمَاءَ أَهْلَ الْكِتَابِ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنِ اشْتَرَاهَا ابْنُهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ ; لِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ كَمِلْكِهِ فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ وَحُرْمَةِ الِاسْتِيلَادِ، فَكَذَا هَذَا. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا بِمِلْكِ الِابْنِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا، كَمَا لَوْ مَلَكَهَا أَجْنَبِيٌّ، فَلَوْ بَعَثَتْ إِلَيْهِ زَوْجَتُهُ: حَرُمْتُ عَلَيْكَ وَنَكَحْتُ غَيْرَكَ وَعَلَيْكَ نَفَقَتِي وَنَفَقَةَ زَوْجِي، فَقَدْ مَلَكَتْ زَوْجَهَا، وَتَزَوَّجَتِ ابْنَ عَمِّهَا، فَلَوْ قَبِلَ مَلَكَتْ زَوْجَهَا، وَتَزَوَّجَتْ مُعْتِقَهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ، وَكَانَ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْهُ ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَ لَهَا مُعْتِقٌ وَلَيْسَ لَهُ نَفَقَةٌ، فَنَفَقَتُهُ عَلَى مُعْتِقَتِهِ ; لِأَنَّهَا عَصَبَتُهُ. فَرْعٌ: إِذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِتِسْعِ نِسْوَةٍ، فَأَقَلَّ، حَرُمْنَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ بِعَشَرَةٍ، وَقِيلَ يَتَحَرَّى، فَإِنْ كَانَتْ بِنِسَاءِ قَبِيلَةٍ، فَلَهُ نِكَاحُ إِحْدَاهُنَّ، وَفِي وُجُوبِ التَّحَرِّي وَجْهَانِ، وَفِي " الشَّرْحِ " أَنَّ حَنْبَلًا نُقِلَ عَنْهُ فِي رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ زَوَّجَ إِحْدَاهُنَّ بِرَجُلٍ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَّتَهُنَّ زَوَّجَهَا - أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ، فَهِيَ الَّتِي تَرِثُهُ انْتَهَى. وَإِنِ اشْتَبَهَتْ مُطَلَّقَتُهُ - دُونَ الثَّلَاثِ - بِزَوْجَتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ بِمُعْتَقَتِهِ، تَحَرَّى فِي الْأَصَحِّ. (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ مْحَرَّمَةٍ وَمُحَلَّلَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَهَلْ يَصِحُّ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يَفْسُدُ فِيهِمَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ: تَصِحُّ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً وَأَمَةً، وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهَا مَحَلٌّ قَابِلٌ لِلنِّكَاحِ، أُضِيفَ إِلَيْهَا عَقْدٌ صَادِرٌ مِنْ أَهْلِهِ، لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا فِيهِ مِثْلُهَا، فَصَحَّ كَمَا لَوِ انْفَرَدَتْ بِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهَا مِنَ الْمُسَمَّى بِقِسْطٍ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَقِيلَ: لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى (وَمَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا حرُمَ وطؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ إِذَا حَرُمَ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إِلَى الْوَطْءِ، فَلِأَنْ يَحْرُمَ الْوَطْءُ بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَجَوَّزَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَأَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ (إِلَّا إِمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ ; الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 فَصْلٌ وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا قَالَ: أَنَا رَجُلٌ، لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَعْدُ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ، لَمْ يَنْكِحْ إِلَّا رَجُلًا، فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِرَجُلٍ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ.   [المبدع في شرح المقنع] لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ، وَإِنَّمَا حَرُمَ نِكَاحُهَا ; لِمَا فِيهِ مِنْ إِرْقَاقِ الْوَلَدِ وَإِبْقَائِهِ مَعَ كَافِرَةٍ، وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي التَّسَرِّي، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ. [نِكَاحُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ] فَصْلٌ (وَلَا يَحِلُّ) أَيْ: لَا يَصِحُّ (نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ) نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ جِهَةَ مَا يُبِيحُ لَهُ النِّكَاحَ، فَلَمْ يَبُحْ لَهُ كَمَا لَوِ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا قَالَ: أَنَا رَجُلٌ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ فِي الْحَيَوَانَاتِ بِمَيْلِ الذَّكَرِ، وَبِالْعَكْسِ، وَهَذَا الْمَيْلُ فِي النَّفْسِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَرُجِعَ فِيهِ إِلَيْهِ ; لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا رُجِعَ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي حَيْضِهَا وَعِدَّتِهَا، وَهَذَا فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِحُكْمِهِ. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَعْدُ) ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِتَحْرِيمِهِ ; وَلِأَنَّهُ إِذَا ادَّعَى غَيْرَ الْأَوَّلِ، يَكُونُ مُكَذِّبًا بِالنَّفَقَةِ، مُدَّعِيًا دَعْوَى يُنَاقِضُ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ، فَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ كَالْإِنْكَارِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ لَمْ يَنْكِحْ إِلَّا رَجُلًا) ; لِمَا ذَكَرْنَا (فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ) ; لِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهِ، وَلَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِلَّا جَمِيعُهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَوْلِهِ: أَنَا رَجُلٌ بِتَحْرِيمِ الرِّجَالِ، وَأَنَا امْرَأَةٌ بِتَحْرِيمِ النِّسَاءِ (وَلَوْ تَزَوَّجَ بِرَجُلٍ ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ) ; لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إِسْقَاطِ حَقِّ الْغَيْرِ، فَإِذَا زَالَ النِّكَاحُ، فَلَا مَهْرَ ; لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": إِنْ عَادَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ بِمُتَزَوِّجٍ مُنِعَ نِكَاحُ الصِّنْفَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ عِنْدِي، وَظَاهِرُهُ: قَوْلُ أَصْحَابِنَا: لَا يُمْنَعُ مِنَ الصِّنْفِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 بَابٌ الشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ وَهِيَ قِسْمَانِ: صَحِيحٌ مِثْلُ اشْتِرَاطِ زِيَادَةٍ فِي الْمَهْرِ أَوْ نَقْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى، فَهَذَا صَحِيحٌ لَازِمٌ إِنْ وَفَى بِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْأَوَّلِ إِنْ عَادَ إِلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ أَوَّلًا وَقَدْ نَكَحَ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ مِنَ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَفِي نِكَاحِهِ لِمَا يَسْتَقْبِلُ الْوَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: لَا يَحْرُمُ فِي الْجَنَّةِ زِيَادَةٌ عَلَى الْعَدَدِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَغَيْرُهُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [بَابُ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ] [الشُّرُوطُ الصَّحِيحَةُ] بَابٌ الشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ (وَهِيَ قِسْمَانِ: صَحِيحٌ) وَفَاسِدٌ، لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَانْقَسَمَ إِلَى ذَلِكَ كَالْبَيْعِ، وَالْأَوَّلُ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا: شَرْطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَتَسْلِيمِ الْمَرْأَةِ، وَتَمْكِينِهِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَهَذَا لَا أَثَرَ لَهُ، وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ، وَالثَّانِي: شَرْطُ مَا تَنْتَفِعُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (مِثْلُ اشْتِرَاطِ زِيَادَةٍ فِي الْمَهْرِ أَوْ نَقْدٍ مُعَيَّنٍ) ، فَهَذَا صَحِيحٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ (أَوْ) شَرَطَ أَنْ (لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ; لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ - مَرْفُوعًا - قَالَ: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ، مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ; وَلِعُمُومَاتِ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ ; وَلِأَنَّ الشَّارِعَ حَرَّمَ مَالَ الْغَيْرِ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا لَمْ تَرْضَ بِبَذْلِ فَرْجِهَا إِلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ وَشَأْنُ الْفَرْجِ أَعْظَمُ مِنَ الْمَالِ، فَإِذَا حَرُمَ الْمَالُ إِلَّا بِالتَّرَاضِي، فَالْفَرْجُ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ الْأَثْرَمَ رَوَى أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا، ثُمَّ أَرَادَ نَقْلَهَا، فَخَاصَمُوهُ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: لَهَا شَرْطُهَا، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُ، وَحَكَاهَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَنْ شَيْخِهِ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَعَنْ عَمْرِ بْنِ عَوْفٍ «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ، وَإِنْ شَرَطَ لَهَا طَلَاقَ ضُرَّتِهَا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ صَحِيحٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاطِلٌ ; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» .   [المبدع في شرح المقنع] وَجَوَابُهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، أَيْ: فِي حُكْمِهِ وَشَرْعِهِ، وَهَذِهِ مَشْرُوعَةٌ، وَمَنْ نَفَاهُ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّهَا لَا تُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ ": يَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ بِالْغُرْمِ عَلَى الْإِخْرَاجِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَسَرَّى فَهَذَا صَحِيحٌ) ; لِقَوْلِ عُمَرَ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ ; وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، كَاشْتِرَاطِ نَقْدٍ مُعَيَّنٍ (لَازِمٌ إِنْ وَفَى بِهِ، وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ) كَاشْتِرَاطِ صِفَةٍ فِي الْمَبِيعِ، كَكَوْنِهِ كَاتِبًا أَوْ صَانِعًا، وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ خِلَافُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْمُؤَلِّفِ - وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمَنْصُوصُ الْإِمَامِ: أَنَّهُ كَالشَّرْطِ فِيهِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ وَالْعُقُودِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: لَا يُؤَثِّرُ إِلَّا إِذَا اشْتَرَطَتْ فِي الْعَقْدِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي فِي مَوَاضِعَ، وَاخْتَارَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ كَالشُّرُوطِ. وَالثَّالِثُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ شَرْطٍ يَجْعَلُ الْعَقْدَ غَيْرَ مَقْصُودٍ، كَالتَّوَاطُؤِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ تَلْجِئَةٌ، لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَيُؤَثِّرُ، وَبَيْنَ شَرْطٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا كَاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ، فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ. (وَإِنْ شَرَطَ لَهَا طَلَاقَ ضُرَّتِهَا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ صَحِيحٌ) وَهُوَ رِوَايَةٌ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ لَهَا فِيهِ نَفْعًا وَفَائِدَةً، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَتْ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، لَكِنْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: (وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاطِلٌ) هَذَا قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ (لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْأَشْهَرُ مِثْلُهُ بَيْعُ أَمَتِهِ، قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي: فَاسِدٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، أَحَدُهَا: مَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ، أَحَدُهَا: نِكَاحُ الشِّغَارِ، وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلِيَّتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلَ " وَغَيْرِهَا: إِذَا شَرَطَتْ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا إِذَا أَرَادَتِ انْتِقَالًا، لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ تَصَرُّفِ الزَّوْجِ بِحُكْمِ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ شَرَطَتْ أَنْ تَسْتَدْعِيَهُ إِلَى النِّكَاحِ وَقْتَ حَاجَتِهَا وَإِرَادَتِهَا، وَهُنَا شَرَطَتِ التَّسْلِيمَ عَلَى نَفْسِهَا فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ، فَاقْتَصَرَتْ بِالشَّرْطِ فِي تَصَرُّفِهِ فِيهَا عَلَى بَعْضِ مَا تَسْتَحِقُّهُ مِنَ التَّصَرُّفِ بِإطْلَاقِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنَعٍ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَى مَكَانٍ وَعَدَدٍ، فَلَا يَخُصُّ الشَّرْعُ الزَّوْجَةَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الزَّوْجِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ لَا يَبْعُدُ صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ شَرْطِهَا طَلَاقُ ضُرَّتِهَا. أَصْلٌ: ذَكَرَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ فِي " الْهَدْيِ " فِي قِصَّةِ بَنِي هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ لَمَّا اسْتَأْذَنُوا أَنْ يُزَوِّجُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ قَالَ فِيهِ: إِنَّهُ تَضَمَّنَ هَذَا مَسْأَلَةَ الشَّرْطِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَ أَنَّهُ يُؤْذِي فَاطِمَةَ، وَيُرِيبُهَا، وَيُؤْذِيهِ وَيُرِيبُهُ، وَأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا زَوَّجَهُ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْعَقْدِ، وَفِي ذِكْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صِهْرَهُ الْآخَرَ بِأَنَّهُ حَدَّثَهُ فَصَدَقَهُ، وَوَعَدَهُ فَوَفَى لَهُ - تَعْرِيضٌ لِعَلِيٍّ، وَأَنَّهُ قَدْ جَرَى مِنْهُ وَعْدٌ لَهُ بِذَلِكَ، فَحَثَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَشْرُوطَ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا، وَأَنَّ عَدَمَهُ يَمْلِكُ بِهِ الْفَسْخَ، فَقَوْمٌ لَا يُخْرِجُونَ نِسَاءَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، أَوِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتٍ لَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَى نِسَائِهِمْ ضُرَّةً، وَيَمْنَعُونَ الْأَزْوَاجَ مِنْهُ، أَوْ تُعْلَمُ عَادَةً أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُمَكِّنُ مِنْ إِدْخَالِ الضُّرَّةِ عَلَيْهَا - كَانَ ذَلِكَ كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا، وَهَذَا مُطَّرِدٌ عَلَى قَوَاعِدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَحْمَدَ: أَنَّ الشَّرْطَ الْعُرْفِيَّ كَاللَّفْظِيِّ، وَبِهَذَا أَوْجَبُوا الْأُجْرَةَ عَلَى مَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى قَصَّارٍ، الْمَسْأَلَةُ الْمَشْهُورَةُ. فَرْعٌ: مَتَى بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الشَّرْطِ، نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: وَإِنْ أَعْطَتْهُ مَالًا، وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا - يَرُدُّ عَلَيْهَا الْمَالَ إِذَا تَزَوَّجَ، وَأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إِلَيْهَا مَالًا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَتَزَوَّجَتْ - يُرَدُّ الْمَالُ إِلَى وَرَثَتِهِ. [الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ] [مَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ] [نِكَاحُ الشِّغَارِ] فَصْلٌ (الْقِسْمُ الثَّانِي: فَاسِدٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: مَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ، أَحَدُهَا: نِكَاحُ الشِّغَارِ) قِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لِقُبْحِهِ تَشْبِيهًا بِرَفْعِ الْكَلْبِ رِجْلَهُ لِيَبُولَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 مَهْرَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ سَمُّوا مَهْرًا، صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَالثَّانِي:   [المبدع في شرح المقنع] يُقَالُ: شَغَرَ الْكَلْبُ، إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: هُوَ الرَّفْعُ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ رَفَعَ رِجْلَهُ لِلْآخَرِ عَمَّا يُرِيدُ، وَقِيلَ: هُوَ الْبُعْدُ، كَأَنَّهُ بَعُدَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنَ الْخُلُوِّ، يُقَالُ: شَغَرَ الْمَكَانُ إِذَا خَلَا، وَمَكَانٌ شَاغِرٌ: أَيْ: خَالٍ، وَشَغَرَ الْكَلْبُ: إِذَا رَفَعَ رِجْلَهُ ; لِأَنَّهُ أَخْلَى ذَلِكَ الْمَكَانَ مِنْ رِجْلِهِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ فَرْجٌ بِفَرْجٍ، فَالْفُرُوجُ كَمَا لَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ، فَلِأَنْ لَا يُعَارَضَ بُضْعٌ بِبُضْعٍ أَوْلَى ; وَلِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَقْدَيْنِ سَلَفًا فِي الْآخَرِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَبِعْتُكَ ثَوْبِي بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي ثَوْبَكَ بِمِائَةٍ، (وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلِيَّتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا) فَهَذَا بَاطِلٌ ; لِمَا رَوَى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الشِّغَارِ» ، وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَبُو دَاوُدَ جَعَلَ تَفْسِيرَهُ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ، وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ، وَالنَّفْيُ لِنَفْيِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ ; وَيُؤَيِّدُهُ فِعْلُ الصَّحَابَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ أَنَّهُمَا فَرَّقَا فِيهِ، وَصَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَعَ - رِوَايَةً بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ، وَصِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ إِذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ، أَوْ إِنْ جَاءَهَا بِالْمَهْرِ فِي وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ، والشَّرْطُ بَاطِلٌ ; إِذْ فَسَادُ التَّسْمِيَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهِ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ (فَإِنْ سَمُّوا مَهْرًا) مُسْتَقِلًّا غَيْرَ قَلِيلٍ حِيلَةً (صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ; لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِذِ التَّفْسِيرُ إِنْ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ نَافِعٍ فَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ بِمَا لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ، فَيَقَعُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ) وَأَبُو بَكْرٍ فِي " الْخِلَافِ "، وَحَكَاهُ فِي " الْجَامِعِ " رِوَايَةً: أنَّهُ (لَا يَصِحُّ) ; لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ، وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَحَلَّهَا طَلَّقَهَا، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ بِغَيْرِ   [المبدع في شرح المقنع] الْعَبَّاسِ أَنْكَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ ابْنَتَهُ، وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَتَهُ، وَقَدْ كَانَا جَعَلَا صَدَاقًا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ أَحْمَدَ ضَعَّفَهُ مِنْ قِبَلِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَبِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا جَعَلَا صَدَاقًا قَلِيلًا حِيلَةً، وَحَكَى الْمَجْدُ قَوْلًا وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ قَوْلِهِ: وَتَضَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَهْرَ الْأُخْرَى فَقَطْ لِلتَّصْرِيحِ بِالتَّشْرِيكِ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُؤَلِّفُ، أَنَّهُ مَتَى صَرَّحَ بِالتَّشْرِيكِ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، قَوْلًا وَاحِدًا، فَهَذِهِ الصُّورَةُ عِنْدَهُمْ مُخْرِجَةٌ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ يَصِحُّ مَعَهُ بِتَسْمِيَةٍ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا اخْتَارَهُ: أَنَّ بُطْلَانَهُ لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ الْمَهْرِ، وَمَتَى قُلْنَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ إِذَا سَمَّيَا صَدَاقًا، فَقِيلَ: تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِنْ سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا صَدَاقًا دُونَ الْأُخْرَى، فَسَدَ نِكَاحُهُمَا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَفْسَدُ فِي الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهَا صَدَاقًا، وَفِي الْأُخْرَى رِوَايَتَانِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: زَوَّجْتُكَ جَارِيَتِي هَذِهِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ، وَيَكُونَ رَقِيقُهَا صَدَاقًا لِابْنَتِكَ - لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ، وَإِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ رَقَبَةَ الْجَارِيَةِ صَدَاقًا لَهَا، صَحَّ، وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً، وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا، صَحَّ النِّكَاحُ، وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ. [نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ] (وَالثَّانِي: نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ) وَهُوَ حَرَامٌ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ (وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَحَلَّهَا) لِلْأَوَّلِ (طَلَّقَهَا) أَوْ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، أَوْ زَوَّجْتُكَهَا إِلَى أَنْ تَطَأَهَا، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَلِكَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 شَرْطٍ، لَمْ يَصِحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ وَيَصِحُّ. الثَّالِثُ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَلْعَنُ عَلَى فِعْلٍ جَائِزٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَفَسَادِهِ، وَتَسْمِيَتُهُ مُحَلِّلًا لِقَصْدِهِ الْحِلَّ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحْصُلُ فِيهِ الْحِلُّ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ» وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَا أَوُتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إِلَّا رَجَمْتُهُمَا، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنَ التَّابِعِينَ ; وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ إِلَى مُدَّةٍ، وَفِيهِ شَرْطٌ يَمْنَعُ بَقَاءَهُ، أَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ، وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ، وَصِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ، لَكِنَّهُ خَرَّجَهَا مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يَصِحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ; لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى ابْنُ شَاهِينَ فِي غَرَائِبِ السُّنَنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، فَقَالَ: لَا نِكَاحَ إِلَّا نِكَاحُ رَغْبَةٍ» ، لَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ وَظَاهِرُهُ شَامِلٌ إِذَا اشْتَرَطَا التَّحْلِيلَ حَالَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ السَّابِقَ كَالْمُقَارِنِ، إِلَّا أَنَّ هُنَا النِّيَّةَ كَافِيَةٌ فِي الْمَنْعِ، فَغَايَتُهُ أَنَّهَا أُكِّدَتْ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ، نَعَمْ، لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ نَوَى فِيهِ نِكَاحًا، فَالْمُؤَلِّفُ يُصَحِّحُهُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقُولُ: إِنَّ الشَّرْطَ السَّابِقَ كَالْمُقَارِنِ، فَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ مَعَهُ الْعَقْدُ (وَقِيلَ: يُكْرَهُ وَيَصِحُّ) قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا، وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ ; فَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ، وَأَمَّا صِحَّتُهُ ; فَلِأَنَّهُ عَقْدٌ خَلَا عَنْ شَرْطٍ يُفْسِدُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا بِغَيْرِ الْإِحْلَالِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ، عَنْ أَحْمَدَ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَفِي نَفْسِهِ طَلَاقُهَا - فَكَرِهَهُ، فَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِالصِّحَّةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ شَيْخِنَا، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، إِذْ رِوَايَةُ حَرْبٍ فِيمَنْ نَوَى الطَّلَاقَ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي النِّكَاحِ، وَالْمُحَلِّلُ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: إِذَا نَوَى التَّطْلِيقَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ كَنِيَّةِ التَّحْلِيلِ، وَنَصُّ أَحْمَدَ يَشْهَدُ لَهُمْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] أَصْلٌ: لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ وَهَبَهَا الْعَبْدَ أَوْ بَعْضَهُ لِيَنْفَسِخَ نِكَاحُهَا، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَمُحَلِّلٍ، وَلَوْ دَفَعَتْ مَالًا هِبَةً لِمَنْ تَثِقُ بِهِ لِيَشْتَرِيَ مَمْلُوكًا، فَاشْتَرَاهُ وَزَوَّجَهُ بِهَا ثُمَّ وَهَبَهُ لَهَا - انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَحْلِيلٌ مَشْرُوطٌ وَلَا مَنْوِيٌّ مِمَّنْ تُؤَثِّرُ نِيَّتُهُ وَشَرْطُهُ - وَهُوَ الزَّوْجُ - وَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلِيِّ، قَالَهُ فِي " إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " وَقَالَ: صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ ذَلِكَ يُحِلُّهَا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ ": وَمَنْ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِ لَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ. [نِكَاحُ الْمُتْعَةِ] (الثَّالِثُ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ) نَقَلَ عَنْهُ ابْنَاهُ، وَحَنْبَلٌ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ حَرَامٌ ; لِمَا رَوَى عَلِيٌّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: «رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ عَامَ أَوْطَاسٍ ثَلَاثَةَ أَيَامٍ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا» وَعَنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ «أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتْحَ مَكَّةَ، قَالَ: فَأَقَمْنَا بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، فَأَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ، ثُمَّ إِنَّهُ حَرَّمَهَا» وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ، عَنْ سَبْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ» . وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ عَضَّدَهُ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّخْلِيَةِ، وَالِاسْتِدَامَةُ أَسْهَلُ مِنَ الِابْتِدَاءِ، وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّكَاحِ مِنَ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ، وَالتَّوَارُثِ - لَا يَجْرِي فِيهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ ; إِذْ هِيَ لَازِمَةٌ لِلنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ، وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ: اجْتَنِبْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ، فَأَثْبَتَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ فِي " الْخِلَافِ " رِوَايَةً، وَأَبَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْهَا، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقُولُ: تَوَقَّفَ عَنْ لَفْظِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَنْفِهِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَجَازَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِلَى مُدَّةٍ، وَنِكَاحٌ يُشْرَطُ فِيهِ طَلَاقُهَا فِي وَقْتٍ، أَوْ عَلَّقَ ابْتِدَاءَهُ عَلَى شَرْطٍ، كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إِنْ رَضِيَتْ أُمُّهَا، فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَصْحَابِهِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ، وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَلَا نَخْتَصِي، فَنَهَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا بَعْدُ أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ} [المائدة: 87] » الْآيَةَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ثُبُوتِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ نُسِخَ الْجَمِيعُ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً، ثُمَّ نُسِخَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ، ثُمَّ أُبِيحَتْ، ثُمَّ حُرِّمَتْ عَامَ الْفَتْحِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا أَحَلَّهُ اللَّهُ، ثُمَّ حَرَّمَهُ، ثُمَّ أَحَلَّهُ ثُمَّ حَرَّمَهُ، إِلَّا الْمُتْعَةَ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ (وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِلَى مُدَّةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَعْلُومَةً كَإِلَى شَهْرٍ، أَوْ مَجْهُولَةٍ كَنُزُولِ الْمَطَرِ، وَسَوَاءٌ وَقَعَ بِشَرْطِهِ أَوْ لَا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ وَفِي نِيَّتِهِ طَلَاقُهَا، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: نِكَاحُ مُتْعَةٍ، وَالصَّحِيحُ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ حَبْسُ امْرَأَتِهِ وَحَسْبُهُ إِنْ وَافَقَتْهُ، وَإِلَّا طَلَّقَهَا، وَقَالَ الشَّرِيفُ: وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِنْ عَقَدَ بِقَلْبِهِ تَحْلِيلَهَا لِلْأَوَّلِ، أَوِ الطَّلَاقَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ - لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ. [نِكَاحٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ طَلَاقُهَا] (وَنِكَاحٌ يُشْرَطُ فِيهِ طَلَاقُهَا) فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ، وَهُوَ شَرْطٌ مَانِعٌ مِنْ بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ الْعَقْدُ دُونَ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ مُطْلَقًا، وَشَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ شَرْطًا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَطَأَهَا، وَكَمَا لَوْ نَوَى إِنْ وَافَقَتْهُ وَإِلَّا طَلَّقَهَا (أَوْ عَلَّقَ ابْتِدَاءَهُ) أَيِ: النِّكَاحُ (عَلَى شَرْطٍ، كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إِنْ رَضِيَتْ أُمُّهَا، فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ) ; لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَبَطَلَ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ كَالْبَيْعِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: إِلَّا زَوَّجْتُ أَوْ قَبِلْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، وَغَيْرُهُ: مُسْتَقْبَلٌ، فَيَصِحُّ عَلَى مَاضٍ وَحَاضِرٍ، كَزَوَّجْتُكَ هَذِهِ إِنْ كَانَتْ بِنْتِي، أَوْ كُنْتُ وَلِيَّهَا، أَوِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا - وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ - أَوْ شِئْتَ، فَقَالَ: شِئْتُ وَقَبِلْتُ وَنَحْوُهُ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ دُونَ شَرْطِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي " تَعْلِيقِهِ " بِشَرْطٍ، وَالْأَنَصُّ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 أَصْلِهِ. النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ، أَوْ يَقْسِمَ لَهَا أَكْثَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ الْأُخْرَى أَوْ أَقَلَّ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ. الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ، أَوْ إِنْ جَاءَهَا بِالْمَهْرِ فِي وَقْتٍ، وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ رِوَايَتَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] كَلَامِهِ: جَوَازُهُ كَالطَّلَاقِ، قَالَ: وَالْفَرْقُ بِأَنَّ هَذَا مُعَاوَضَةٌ أَوْ إِيجَابٌ، وَذَاكَ إِسْقَاطٌ غَيْرُ مُؤَثِرٍ، وَبِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِنَذْرِ التَّبَرُّرِ بِالْجَعَالَةِ. مَسَائِلُ: إِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إِنْ تَزَوَّجْتُكِ نِكَاحًا صَحِيحًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهُ - فَلَا عِتْقَ وَلَا نِكَاحَ، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فِي الصَّدَاقِ، وَيُكْرَهُ تَقْلِيدُ مُفْتٍ بِهَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَجَمْعٌ: أَنَّهَا كَغَيْرِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَلَا يُثْبِتُ أَحْكَامَ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ خِلَافًا، بَلْ وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَابْنُ بَطَّةَ أَنَّهُ كَزِنًا، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ إِلَى الْمَمَاتِ، وَإِذَا عَزَمَ عَلَى تَزْوِيجِهِ بِالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَوَعَدَهَا سِرًّا - كَانَ أَشَدَّ تَحْرِيمًا مِنَ التَّصْرِيحِ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ إِجْمَاعًا، لَا سِيَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَيُعْطِيهَا مَا يُحَلِّلُ بِهِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ] (النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ، أَوْ يَقْسِمَ لَهَا أَكْثَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ الْأُخْرَى أَوْ أَقَلَّ) أَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَدَمَ وَطْءٍ وَنَحْوَهُ (فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) ; لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ ; وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِسْقَاطَ حُقُوقٍ تَجِبُ بِالْعَقْدِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ، فَبَطَلَ كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ (وَيَصِحُّ النِّكَاحُ) نَصَّ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ شَرَطَ فِيهِ صَدَاقًا مُحَرَّمًا، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعِوَضِ، فَجَازَ أَنْ يَصِحَّ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالْعِتْقِ، وَقِيلَ: يَفْسُدُ، وَنَقَلَ الْمَرْوَذِيُّ: إِذَا تَزَوَّجَ النَّهَارِيَّاتِ أَوِ اللَّيْلِيَّاتِ لَيْسَ مِنْ نِكَاحِ الْإِسْلَامِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إِذَا تَزَوَّجَ عَلَى شَرْطٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُقِيمَ - جَدَّدَ النِّكَاحَ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِيمَا إِذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَطَأَ أَوْ لَا يُنْفِقَ، أَوْ إِنْ فَارَقَ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ بِشَرْطِ تَرْكِ الْوَطْءِ فَقَطْ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ تَوَقُّفَهُ فِي الشَّرْطِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَيَخْرُجُ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَ صِحَّتَهُ كَشَرْطِهِ تَرْكَ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بِأَنَّ لَهُ مُخَلِّصًا كَمِلْكِهِ طَلَاقَهَا وَأَجَابَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْمَهْرَ، وَابْنُ عَقِيلٍ سَوَّى بَيْنَهُمَا، فَإِنْ صَحَّ وَطَلَبَتْهُ فَارَقَهَا وَأَخَذَ الْمَهْرَ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ. [أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ] (الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ، أَوْ إِنْ جَاءَهَا بِالْمَهْرِ فِي وَقْتٍ، وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) ; لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (وَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 فَصْلٌ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً، فَلَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ شَرَطَهَا كِتَابِيَّةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً، فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَهُ الْخِيَارُ، كَمَا إِذَا شَرَطَهَا أَمَةً فَبَانَتْ حُرَّةً، فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَهَا بِكْرًا، أَوْ جَمِيلَةً، أَوْ نَسِيبَةً، أَوْ شَرَطَ نَفْيَ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا يَنْفَسِخُ بِهَا النِّكَاحُ، فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ - فَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً   [المبدع في شرح المقنع] " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ، أَشْبَهَ الْعِتْقَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا ; لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ثابتا لَازِمًا، فَنَافَاهُ الشَّرْطُ وَأَبْطَلَهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ صِحَّتَهَا، وَبَعْدَهَا الْقَاضِي، وَاخْتَارَ الصِّحَّةَ فِيهِمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ، وَقَالَ: وَإِنْ بَطَلَ لَمْ يَلْزَمِ الْعَقْدُ بِدُونِهِ، وَشَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْمَهْرِ كَذَا، وَقِيلَ: يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَإِنَّ طَلَّقَ بِشَرْطِ خِيَارٍ وَقَعَ. [إِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً] فَصْلٌ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً، فَلَهُ الْخِيَارُ) أَيْ: خِيَارُ الْفَسْخِ ; لِأَنَّهُ نَقْصٌ، وَضَرَرُهُ يَتَعَدَّى إِلَى الْوَلَدِ (وَإِنْ شَرَطَهَا كِتَابِيَّةً) أَوْ ظَنَّهَا مُسْلِمَةً وَلَمْ تُعْرَفْ بِتَقَدُّمِ كُفْرٍ (فَبَانَتْ مُسْلِمَةً، فَلَا خِيَارَ لَهُ) ; لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَهُ الْخِيَارُ) ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهَا، وَفِي " الشَّرْحِ ": إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا مُسْلِمَةً، فَبَانَتْ كَافِرَةً، فَلَهُ الْخِيَارُ (كَمَا إِذَا شَرَطَهَا أَمَةً) وَكَانَ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ (فَبَانَتْ حُرَّةً، فَلَا خِيَارَ لَهُ) ; لِأَنَّ وَلَدَهُ يَسْلَمُ مِنَ الرِّقِّ، وَيَتَمَكَّنُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَكَذَا إِذَا شَرَطَهَا ذَاتَ نَسَبٍ، فَبَانَتْ أَشْرَفَ مِنْهُ أَوْ عَلَى صِفَةٍ دَنِيئَةٍ، فَبَانَتْ خَيْرًا مِنْ شَرْطِهَا (وَإِنْ شَرَطَهَا بِكْرًا، أَوْ جَمِيلَةً، أَوْ نَسِيبَةً، أَوْ شَرَطَ نَفْيَ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا يُفْسَخُ بِهَا النِّكَاحُ) كَالْعَمَى وَالشَّلَلِ (فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ، فَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، أَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: لَا خِيَارَ لَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُرَدُّ لَهُ بِعَيْبٍ سِوَى الْعُيُوبِ السَّبْعَةِ، فَلَا يُرَدُّ بِمُخَالَفَةِ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ شَرَطَتْ ذَلِكَ فِي الرَّجُلِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 يَظُنُّهَا حُرَّةً، فَأَصَابَهَا وَوَلَدَتْ مِنْهُ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَيَفْدِيهِمْ بِمِثْلِهِمْ يَوْمَ وِلَادَتِهِمْ وَيَرْجِعُ   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ: لَهُ الْفَسْخُ، اخْتَارَهَا فِي " التَّرْغِيبِ " و" الرِّعَايَةِ "، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ; لِأَنَّهَا صِفَاتٌ مَقْصُودَةٌ، فَصَحَّ شَرْطُهَا كَالْحُرِيَّةِ، وَقِيلَ: لَهُ الْفَسْخُ فِي شَرْطِ النَّسَبِ خَاصَّةً وَفِي " الْإِيضَاحِ "، وَاخْتَارَهُ فِي الْفُصُولِ فِي شَرْطِ بِكْرٍ، إِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ رَجَعَ بِمَا بَيْنَ الْمَهْرَيْنِ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ، وَفِي " الْفُنُونِ " فِي شَرْطِ أبِكْرٍ: يَحْتَمِلُ فَسَادَ الْعَقْدِ ; لِأَنَّ لَنَا قَوْلًا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى صِفَةٍ فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ، بَطَلَ الْعَقْدُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ وَإِنْ غَرَّتْهُ وَقَبَضَتْهُ، وَإِلَّا سَقَطَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. تَذْنِيبٌ: إِذَا ظَنَّهَا بِكْرًا فَلَمْ تَكُنْ، فَلَا فَسْخَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ شَرَطَتْهُ حُرًّا أَوْ ظَنَّتْهُ فبان عبدا، بَطَلَ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَلَهَا الْفَسْخُ، فَإِنْ فَسَخَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ، فَلَا مَهْرَ، وَبَعْدَ أَحَدِهِمَا بِحَسَبِ الْمُسَمَّى وَالْعِدَّةِ، وَإِنْ شَرَطَهُ بِصِفَةٍ غَيْرِ الْحُرِّيَّةِ فَبَانَ أَقَلَّ، لَمْ يُخَيَّرْ، وَفِي النَّسَبِ إِنْ لَمْ يُخِلَّ بِالْكَفَاءَةِ وَجْهَانِ، وَإِنْ خَرَجَ مُمَاثِلًا لَهُ، فَوَجْهَانِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ": إِنَّ شَرْطَهَا فِيهِ أَبْلَغُ مِنْ شَرْطِهِ فِيهَا ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ طَلَاقَهَا وَلَا تَمْلِكُ طَلَاقَهُ، وَفِي " الْكَافِي ": إِنْ غُرِّتِ الْأَمَةُ بِعَبْدٍ فَتَزَوَّجَتْهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، فَلَهَا الْخِيَارُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ. [إِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً يَظُنُّهَا حُرَّةً] (وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً يَظُنُّهَا حُرَّةً) أَوْ شَرَطَهَا حُرَّةً، وَاعْتَبَرَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " مُقَارَنَتَهُ - لَمْ يَبْطُلِ الْعَقْدُ بِالْغُرُورِ، لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْفَرَسَ، فَإِذَا هُوَ حِمَارٌ ; لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ الشَّخْصُ دُونَ الصِّفَاتِ، فَلَا يُؤَثِّرُ عَدَمُهُ فِي صِحَّتِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْحَسْنَاءَ، فَإِذَا هِيَ شَوْهَاءُ، وَذَاتُهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَالْبَيْعُ يُؤَثِّرُ فِيهِ فَوَاتُ الصِّفَاتِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ (فَأَصَابَهَا وَوَلَدَتْ مِنْهُ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتَهُ، كَمَا إِذَا اشْتَرَى أَمَةً، فَبَانَتْ مَغْصُوبَةً بَعْدَ أَنْ أَوْلَدَهَا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: كَمَا يَنْعَقِدُ وَلَدُ الْقُرَشِيِّ قُرَشِيًّا بِاعْتِقَادِهِ (وَيَفْدِيهِمْ) عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ ; لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ; وَلِأَنَّهُ نَمَاءُ مَمْلُوكِهِ، فَسَبِيلُهُ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِمَالِكِهَا، وَقَدْ فَوَّتَهُ الزَّوْجُ بِاعْتِقَادِهِ الْحَرِيَّةَ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ فَوَّتَهُ بِفِعْلِهِ، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا فِدَاءَ عَلَيْهِ ; لِانْعِقَادِ الْوَلَدِ حُرًّا، وَالْحُرُّ لَا يَمْلِكُ، وَرَوَى الْخَلَّالُ هَذِهِ، وَقَالَ: أَحْسَبُهُ قَوْلًا، رُوِيَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ; لِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى الْفِدَاءِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، وَإِنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الْفِدَاءِ فَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا، وَبَيْنَ التَّرْكِ فَيَكُونُ رَقِيقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ، شَرْطَ أَنْ تَضَعَهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ، وَصِفَةُ الْفِدَاءِ وَوَقْتُهُ تَقَدَّمَا فِي الْغَصْبِ (بِمِثْلِهِمْ يَوْمَ وِلَادَتِهِمْ) ; لِقَوْلِ عُمَرَ: مَكَانُ كُلِّ غُلَامٍ بِغُلَامٍ، وَكُلِّ جَارِيَةٍ بِجَارِيَةٍ، وَعَنْهُ: يَفْدِيهِمْ بِقِيمَتِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " ; لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ، فَيُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ فِيهِمَا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، وَقَدْ نَكَحَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا - فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَاخْتَارَ الْفَسْخَ، فَلَا مَهْرَ ; لِأَنَّ الْفَسْخَ لِعُذْرٍ مِنْ جِهَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَبُحْ لَهُ، فَبَاطِلٌ كَعِلْمِهِ، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ: يَصِحُّ، وَلَهُ الْخِيَارُ، وَبِنَاه فِي " الْوَاضِحِ " عَلَى الْكَفَاءَةِ، وَحِينَئِذٍ لَا مَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَهُ هَلْ يَجِبُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، فَلَا مَهْرَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ ; لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَكَذَا بَعْدَهَا عَلَى رَأْيِ الْمُؤَلِّفِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يَجِبُ (وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ) أَيْ: مِنَ الْمَهْرِ وَقِيمَةِ الْأَوْلَادِ - فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ; لِقَضَاءِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَأَمْرِهِ بِإِتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ فِي " الْوَاضِحِ "، وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ لَاسِيَّمَا وَقَدِ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ الْمُقَابِلَةَ لَهُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ ; لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: كُنْتُ أَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ ثُمَّ إِنِّي هِبْتُهُ، وَكَأَنِّي أَمِيلُ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ، وَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْخِدْمَةِ إِذَا غَرِمَهَا، وَظَاهِرُهُ الرُّجُوعُ مَعَ الظَّنِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ; إِذِ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ قَضَوْا بِالرُّجُوعِ لَمْ يَسْتَفْصِلُوا، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ خِلَافَهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ وَابْنُ حَمْدَانَ، وَعَنِ الْقَاضِي: لَا يَرْجِعُ إِلَّا مَعَ شَرْطٍ مُقَارِنٍ لَا مَعَ تَقَدُّمِهِ ; لِأَنَّهُ مُفْرِطٌ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَى ظَنِّهِ. تَنْبِيهٌ: الْغَارِمُ مَنْ عَلِمَ أَنَّهَا أَمَةٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ، نَصَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ أَوِ الْمَرْأَةُ أَوْ وَكِيلُهَا أَوْ أَجْنَبِيٌّ، فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ وَقَالَ: هِيَ حُرَّةٌ عُتِقَتْ، وَبِغَيْرِهَا لَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ، وَلَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ، نَعَمْ، إِنْ قُلْنَا: إِنَّ الزَّوْجَ لَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ، وَجَبَ لِلسَّيِّدِ ; لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي ; لِأَنَّ شَرْطَهُ الْمُقَارَنَةُ، وَإِنْ كَانَ وَكَيْلَهَا، رَجَعَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، بَلْ صَرِيحُهُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْمُقَامِ مَعَهَا، فَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْرُورُ عَبْدًا، فَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ، وَيَفْدِيهِمْ إِذَا عُتِقَ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَةِ ابْنَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ، فَفِي الرُّجُوعِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا - هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْمُؤَلِّفِ -: لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا لِمَكَانِ الْغُرُورِ، وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا أَوْ ذِمَّتِهَا عَلَى وَجْهَيِ اسْتِدَانَةِ الْعَبْدِ بِدُونِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، وَالثَّانِي - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ -: لَا رُجُوعَ ; إِذِ الْوَلَدُ مِلْكُ السَّيِّدِ، وَهِيَ لَا تَمْلِكُ بَذْلَ ذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ طَرَفِهَا، وَلِمُسْتَحَقِّ الْفِدَاءِ مُطَالَبَةُ الْغَارِّ أَوَّلًا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ) ; لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، أَشْبَهَ الْمَنْكُوحَةَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بِلَا رِضًا، وَكَذَا إِنْ تَزَوَّجَهَا بِلَا رِضَا سَيِّدِهَا أَوِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": أنَّ الْمَغْرُورَ الْحُرَّ لَا يَبْطُلُ نِكَاحُهُ فِي وَجْهٍ، بَلْ لَهُ الْخِيَارُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ) بِالشَّرْطَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْحُرِّ، وَفِي الْعَبْدِ أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ (فَلَهُ الْخِيَارُ) ; لِأَنَّهُ غُرَّ بِحُرِّيَتِهَا، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ غُرَّتْ بِحُرِّيَتِهِ ; وَلِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِهِ بِالْوَلَدِ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا (فَإِنْ رَضِيَ بِالْمُقَامِ مَعَهَا، فَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ رَقِيقٌ) ; لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ إِذَنْ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، نَصَّ عَلَيْهِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِ عُمَرَ، وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ عُلِّقَتْ بِهِ قَبْلَ الرِّضَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَعَلَّلَهُ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَضْعِ، أَمَّا هُنَا فَقَدْ جَعَلَ الْحُكْمَ مَنُوطًا بِالْعُلُوقِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ، وَإِنِ اخْتَارَ فَسْخَ النِّكَاحِ انْفَسَخَ، وَعُمُومُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْعَبْدِ كَالْحُرِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ لِتَسَاوِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: مَنْ غُرَّ بِحُرِّيَّةِ مُكَاتَبَةٍ أَوْ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ - فَكَالْأَمَةِ وَلَا مَهْرَ فِي الْأَصَحِّ ; لِمُكَاتَبَةٍ غَارَّةٍ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَوَلَدُهَا مُكَاتَبٌ، فَيَغْرَمُ أَبُوهُ قِيمَتَهُ لَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا يَجِبُ لَهَا الْبَعْضُ فَيَسْقُطُ، وَوَلَدُهَا يَغْرَمُ أَبُوهُ قَدْرَ رِقِّهِ، وَلَوْ أَوْهَمَتْهُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ سُرِّيَّتُهُ بِظَنِّهِ فَمَوْطُوءَةٌ بِشُبْهَةٍ أَوْ أَوْهَمَهُ سَيِّدُهَا بِهِ فَلَا مَهْرَ، وَإِنْ جَهِلَتْ تَحْرِيمَهُ وَيُغَرَّرُ عَالِمُهُ، ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ: وَإِنْ جَهِلَ فَسَادَ نِكَاحٍ كَتَغْرِيرِ غَارٍّ كَأُخْتِهِ مِنَ رَضَاعٍ - فَالْمَهْرُ عَلَى الْغَارِّ. (وَإِنْ كَانَ الْمَغْرُورُ عَبْدًا فَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ) ; لِأَنَّهُ سَاوَى الْحُرَّ فِي اعْتِقَادِ حُرِّيَّتِهِ (وَيَفْدِيهِمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 غَرَّهُ. وَإِنْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، أَوْ تَظُنُّهُ حُرًّا فَبَانَ عَبْدًا، فَلَهَا الْخِيَارُ. فَصْلٌ وَإِنْ عُتِقَتِ الْأَمَةُ وَزَوْجُهَا حُرٌّ، فَلَا خِيَارَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا عُتِقَ) كَالْحُرِّ ; لِفَوَاتِ الرِّقِّ الْمُسْتَحَقِّ، لَكِنَّ الْحُرَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدَاءُ فِي الْحَالِ كَبَقِيَّةِ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ لَهُ، أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا مَالَ لَهُ فِي الْحَالِ، فَيَتَأَخَّرُ الْفِدَاءُ إِلَى وَقْتِ مِلْكِهِ وَيَسَارِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ، وَبَنَاهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " عَلَى الْخِلَافِ فِي اسْتِدَانَتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، وَبَنَاهُ الْمُؤَلِّفُ عَلَى خُلْعِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهَا، وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي " التَّرْغِيبِ " كَجِنَايَتِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ فِعْلِهِ بِخِلَافِ الْفِدَاءِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجْنِ فِي عِتْقِهِمْ، وَإِنَّمَا عُتِقُوا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ) كَالْحُرِّ، لَكِنْ يَرْجِعُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى حِينِ الْغُرْمِ ; حِذَارًا مِنْ أَنْ يَجِبَ لَهُ مَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، نَعَمْ، يَتَعَلَّقُ الْفِدَاءُ بِرَقَبَتِهِ يَرْجِعُ بِهِ السَّيِّدُ فِي الْحَالِ. [إِنْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ فَبَانَ عَبْدًا] (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، أَوْ تَظُنُّهُ حُرًّا، فَبَانَ عَبْدًا، فَلَهَا الْخِيَارُ) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ لِلْعَبْدِ إِذَا غُرَّ بِأَمَةٍ، ثَبَتَ لَهَا إِذَا غُرَّتْ بِعَبْدٍ، وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْعَقْدِ ; لِأَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ ; وَلِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ حُرَّةً وَكَانَتْ حُرِّيَّةُ الزَّوْجِ شَرْطًا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخِيَارُ ; لِأَنَّهُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ، وَالْخِيَارُ يَعْتَمِدُ الصِّحَّةَ، وَحِينَئِذٍ فَإِنِ اخْتَارَتِ الْإِمْضَاءَ فَلِأَوْلِيَائِهَا الِاعْتِرَاضُ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ. [إِنْ عُتِقَتِ الْأَمَةُ وَزَوْجُهَا حُرٌّ] فَصْلٌ (وَإِنْ عُتِقَتِ الْأَمَةُ وَزَوْجُهَا حُرٌّ) أَوْ بَعْضُهُ (فَلَا خِيَارَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) هَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْأَكْثَرِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَهَا الْخِيَارُ ; لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ بَرِيرَةَ، وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 عَبْدًا، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَلَهَا الْفَسْخُ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، فَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ فَسْخِهَا، أَوْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا - بَطَلَ خِيَارُهَا، فَإِنِ ادَّعَتِ الْجَهْلَ بِالْعِتْقِ - وَهُوَ مِمَّا   [المبدع في شرح المقنع] » وَجَوَابُهُ أَنَّهَا كَافَأَتْ زَوْجَهَا فِي الْكَمَالِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَتِ الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ مُسْلِمٍ، وَعَنِ الْخَبَرِ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ بَرِيرَةَ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا، وَقَالَتْ: لَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَوْلُ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ عَائِشَةُ عَمَّةُ الْقَاسِمِ وَخَالَةُ عُرْوَةَ، فَرِوَايَتُهُمَا عَنْهَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ أَجْنَبِيٍّ يَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، فَلَهَا الْخِيَارُ مِنْ فَسْخِ النِّكَاحِ) بِالْإِجْمَاعِ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَيَّرَ بَرِيرَةَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَإِنِ اخْتَارَتِ الْفَسْخَ فَلَهَا فِرَاقُهُ، وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ فَلَا ; لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا، فَإِنْ عُتِقَ بَعْضُهَا، فَلَا خِيَارَ لَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَعَنْهُ: أَوْ مُعْتَقٌ بَعْضُهُ، وَعَنْهُ: لَيْسَ فِيهِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهَا، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِذَا عُتِقَتْ تَحْتَ مُعْتَقٍ بَعْضُهُ، فَلَهَا الْفَسْخُ (وَلَهَا الْفَسْخُ) عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ تَرْضَ بِهِ (بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ) ; لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مُجْتَهَدٍ فِيهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَالْفَسْخِ لِلْإِعْسَارِ، فَإِنِ اخْتَارَتِ الْفِرَاقَ كَانَ فَسْخًا وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، قَالَ أَحْمَدُ: الطَّلَاقُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ; وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَةِ، فَكَانَتْ فَسْخًا كَمَا لَوِ اخْتَلَفَ دِينُهَما أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يُنفْسَخُ نِكَاحُهُ بِرَضَاعِهَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، أَوْ فَسَخْتُ هَذَا النِّكَاحَ انْفَسَخَ، وَلَوْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي، وَنَوَتِ الْمُفَارَقَةَ - كَانَ كِنَايَةً فِي الْفَسْخِ (فَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ فَسْخِهَا) بَطَلَ خِيَارُهَا ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِالرِّقِّ، وَقَدْ زَالَ بِعِتْقِهِ، فَسَقَطَ كَالْمَبِيعِ إِذَا زَالَ عَيْبُهُ (أَوْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا، بَطَلَ خِيَارُهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَفْصَةَ - رَوَاهُ مَالِكٌ ; «وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَبَرِيرَةَ: فَإِنْ قَرَبَكِ، فَلَا خِيَارَ لَكِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَلِمَتْ بِالْخِيَارِ أَوْ لَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ إِذَا لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 يَجُوزُ جَهْلُهُ - أَوِ الْجَهْلَ بِمِلْكِ الْفَسْخِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَبْطُلُ خِيَارُهَا، عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ. وَخِيَارُ الْمُعْتَقَةِ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً، فَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ وَعَقَلَتْ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا الِاخْتِيَارُ عَنْهَا، فَإِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا، وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ عُتِقَتِ الْمُعْتَدَّةُ   [المبدع في شرح المقنع] تَعْلَمْ، فَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَ عِلْمِهَا، فَلَا خِيَارَ لَهَا، فَعَلَيْهِ إِذَا وَطِئَهَا و (ادَّعَتِ الْجَهْلَ بِالْعِتْقِ - وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ جَهْلُهُ) مِثْلُ أَنْ يُعْتِقَهَا سَيِّدُهَا فِي بَلَدٍ آخَرَ (أَوِ الْجَهْلُ بِمِلْكِ الْفَسْخِ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ، فَالظَّاهِرُ صِدْقُهَا، فَلَوْ كَانَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ وَاشْتُهِرَ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " قِيلَ: يَجُوزُ جَهْلُهُ، وَقِيلَ: لَا يُخَالِفُهَا ظَاهِرٌ، فَلَا فَسْخَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَبْطُلُ خِيَارُهَا، عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ) ; لِقَوْلِ حَفْصَةَ لِامْرَأَةٍ عُتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ مَا لَمْ يَمَسَّكِ، فَلَيْسَ لَكِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ. رَوَاهُ مَالِكٌ ; وَلِأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ، فَيَسْقُطُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مَعَ الْجَهَالَةِ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفِي " الْوَجِيزِ ": فَإِنِ ادَّعَتْ جَهْلًا بِعِتْقِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ، وَعَكْسُهُ الْجَهْلُ بِمِلْكِ الْفَسْخِ. (وَخِيَارُ الْمُعْتَقَةِ عَلَى التَّرَاخِي) فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَفْصَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ لَهَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا ; وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، فَثَبَتَ كَخِيَارِ الْقِصَاصِ (مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا) ; لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ رِجَالًا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أُعْتِقَتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَطَأْهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا. فَرْعٌ: أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التَّزْوِيجِ بِأَمَةٍ فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا فِي الْمَشْهُورِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفْسَخَ نِكَاحُهُمَا بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ إِذَا اسْتَغْنَى عَنْ نِكَاحِ أَمَةٍ بِحُرَّةٍ (فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً فَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ) سِنًّا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا فِيهِ (وَعَقَلَتْ) وَلَا خِيَارَ لَهُمَا فِي الْحَالِ ; لِأَنَّهُ لَا عَقْلَ لَهُمَا وَلَا قَوْلَ مُعْتَبَرٌ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِذَا بَلَغَتْ سَبْعَ سِنِينَ (وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا الِاخْتِيَارُ عَنْهَا) ; لِأَنَّ هَذَا طَرِيقة الشَّهْوَةُ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ الْوَلِيُّ كَالْقِصَاصِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 الرَّجْعِيَّةُ، فَلَهَا الْخِيَارُ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ، فَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَمَتَى اخْتَارَتِ الْمُعْتَقَةُ الْفُرْقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَلَا مَهْرَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِسَيِّدِهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَا خِيَارَ لَهَا،   [المبدع في شرح المقنع] (فَإِنْ طُلِّقَتْ) بَائِنًا (قَبْلَ اخْتِيَارِهَا - وَقَعَ الطَّلَاقُ) وَبَطَلَ خِيَارُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَيُعْتَدُّ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُعْتَقْ، وَقَالَ الْقَاضِي: طَلَاقُهُ مَوْقُوفٌ، فَإِنِ اخْتَارَتِ الْفَسْخَ فَلَمْ يَقَعْ، وَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ وَقَعَ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": فِي وُقُوعِهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا ; لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ، فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي إِذَا طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ اخْتَارَتِ الْفَسْخَ - سَقَطَ مَهْرُهَا ; لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْفَسْخِ، وَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ ; لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالطَّلَاقِ (وَإِنْ عُتِقَتِ الْمُعْتَدَّةُ الرَّجْعِيَّةُ) أَوْ عُتِقَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا (فَلَهَا الْخِيَارُ) ; لِأَنَّ نِكَاحَهَا بَاقٍ، وَلَهَا فِي الْفَسْخِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّهَا لَا تَأْمَنُ رَجْعَتَهُ إِذَا لَمْ يُفْسَخْ، فَإِنْ قِيلَ: يَنْفَسِخُ حِينَئِذٍ، فَيَحْتَاجُ إِلَى عِدَّةٍ أُخْرَى، وَإِذَا فَسَخَتْ فِي الْعِدَّةِ بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ، (فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ فَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا - وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " -: أَنَّهُ يَسْقُطُ خِيَارُهَا ; لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَ حِرْمَانِهَا فِي الْبَيْنُونَةِ وَذَلِكَ يُنَافِي الِاخْتِيَارَ: وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ ; لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَصِحُّ فِيهَا اخْتِيَارُ الْمُقَامِ، فَصَحَّ اخْتِيَارُ الْفَسْخِ كَصُلْبِ النِّكَاحِ، فَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا لَمْ يَسْقُطْ ; لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَسُكُوتُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا. (وَمَتَى اخْتَارَتِ الْمُعْتَقَةُ الْفُرْقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ) وَكَذَا إِنِ اخْتَارَتِ الْفَسْخَ قَبْلَ الدُّخُولِ ; لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ، فَإِذَا اخْتَارَتِ الْمُقَامَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مُسْقِطٌ، وَالْوَاجِبُ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا (وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا مَهْرَ) لَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ أَوِ ارْتَدَّتْ أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يَفْسَخُ نِكَاحَهَا (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِسَيِّدِهَا نِصْفُ الْمَهْرِ) وَنَقَلَهُ مُهَنَّا عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ; لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَهَا الْخِيَارُ، وَإِنْ عُتِقَ الزَّوْجَانِ مَعًا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَعَنْهُ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا.   [المبدع في شرح المقنع] غَيْرِهِ، وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ لِلسَّيِّدِ لَكِنْ بِوَاسِطَتِهَا، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَلَوْ كَانَتْ مُفَوَّضَةً فَفُرِضَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ ; لِأَنَّهُ وَجَبَ فِي مِلْكِهِ لَا بِالْفَرْضِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، وَجَبَ، وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْضِ، فَلَا يُبْنَى إِلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْمُتْعَةِ حَيْثُ يَجِبُ لِوُجُوبِهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَا خِيَارَ لَهَا) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْأَكْثَرُ ; لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ، فَلَا يُفْسَخُ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهَذِهِ يُخْتَلَفُ فِيهَا، فَلَوْ زَوَّجَ مُدَبَّرَةً لَهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ بِعَبْدٍ عَلَى مِائَتَيْنِ مَهْرًا، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ - عُتِقَتْ، وَلَا فَسْخَ قَبْلَ الدُّخُولِ، لِئَلَّا يَسْقُطَ الْمَهْرُ أَوْ يَتَنَصَّفَ، فَلَا يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ فَيَرِقُّ بَعْضُهَا فَيَمْتَنِعُ الْفَسْخُ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَهَا الْخِيَارُ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ أَكْمَلَ مِنْهُ، فَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ، كَمَا لَوْ عَتَقَت جَمِيعًها، أَمَّا لَوْ كَانَ مُوسِرًا، فَإِنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي، وَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا إِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الِاسْتِسْعَاءِ. فَرْعٌ: إِذَا عُتِقَ زَوْجُ الْأَمَةِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ ; لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ تُعْتَبَرُ فِي الرَّجُلِ فَقَطْ، فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مُطْلَقًا، فَبَانَتْ أَمَةً فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَلَوْ نَكَحَتْ رَجُلًا مُطْلَقًا فَبَانَ عَبْدًا، فَلَهَا الْخِيَارُ، وَكَذَا فِي الِاسْتِدَامَةِ، لَكِنْ إِنْ عُتِقَ وَوَجَدَ الطَّوْلَ لِحُرَّةٍ، فَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (وَإِنْ عُتِقَ الزَّوْجَانِ مَعًا، فَلَا خِيَارَ لَهَا) فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَالنِّكَاحُ بَاقٍ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمَا وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْعَبْدِ لَوْ طَرَأَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لَمَنَعَتِ الْفَسْخَ، فَإِذَا قَارَنَتْ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ كَالْإِسْلَامِ، وَعَنْهُ: لَهَا الْخِيَارُ كَمَا لَوْ عُتِقَتْ قَبْلَهُ (وَعَنْهُ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ مَعْنًى يُزِيلُ الْمِلْكِ عَنْهُمَا لَا إِلَى مَالِكٍ، فَجَازَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْفُرْقَةُ كَالْمَوْتِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": مَعْنَاهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ إِذَا وَهَبَ عَبْدَهُ سُرِّيَّةً، وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي بِهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا جَمِيعًا - لَمْ يُصِبْهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 بَابٌ حُكْمُ الْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ الْعُيُوبُ الْمُثْبِتَةُ لِلْفَسْخِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا: مَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ، وَهُوَ شَيْئَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا قَدْ قُطِعَ ذَكَرُهُ، أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا مَا لَا يُمْكِنُ الْجِمَاعُ بِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِمَا رَوَى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَمَّا إِذَا كَانَتِ امْرَأَتَهُ فَعِتْقًا - لَمْ يَنْفَسِخْ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ بِإِعْتَاقِهَا وَحْدَهَا، فَلِأَنْ لَا يَنْفَسِخَ بِإِعْتَاقِهِمَا مَعًا أَوْلَى، وَهَذِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ هِيَ كَاحْتِمَالٍ فِي " الْوَاضِحِ " فِي عِتْقِهِ وَحْدَهُ بِنَاءً عَلَى غِنَاهُ عَنْ أَمَةٍ بِحُرَّةٍ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ إِنْ وَجَدَ طَوْلًا، فَلَوْ أُعْتِقَ نِصْفُهَما فَهُوَ كَمَا لَوْ عُتِقَا مَعًا. مَسْأَلَةٌ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَهُ عَبْدٌ وَأَمَةٌ مُتَزَوِّجَانِ - الْبُدَاءَةُ بِعِتْقِ الرَّجُلِ ; لِئَلَّا يَثْبُتَ لِلْمَرْأَةِ خِيَارٌ عَلَيْهِ، فَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ حُكْمِ الْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ] [مَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ] [أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا قَدْ قُطِعَ ذَكَرُهُ] بَابٌ حُكْمُ الْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ خِيَارُ الْفَسْخِ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ ; لِلْعَيْبِ يَجِدُهُ فِي الْآخَرِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُهُمْ - وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ الْحُرَّةَ لَا تُرَدُّ بِعَيْبٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا، فَإِنَّ لَهَا الْخِيَارَ، فَإِنِ اخْتَارَتِ الْفِرَاقَ، فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ، وَلَا يَكُونُ فَسْخًا ; لِأَنَّ وُجُودَ الْعَيْبِ لَا يَقْتَضِي فَسْخَ النِّكَاحِ كَالْعَمَى وَنَحْوِهِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ يَمْنَعُ الْوَطْءَ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ كَالْجَبِّ، وَالرَّجُلُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَالْمَرْأَةِ، «وَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً فَأَبْصَرَ بِكَشْحِهَا بَيَاضًا فَقَالَ: خُذِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيدٌ. (الْعُيُوبُ الْمُثْبِتَةُ لِلْفَسْخِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ) لِأَنَّ مِنْهَا مَا يَخْتَصُّ الرِّجَالَ، وَمِنْهَا مَا يَخْتَصُّ النِّسَاءَ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا (أَحَدُهَا: مَا يَخْتَصُّ الرِّجَالَ وَهُوَ شَيْئَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا قَدْ قُطِعَ ذَكَرُهُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا مَا لَا يُمْكِنُ الْجِمَاعُ بِهِ) ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنَ النِّكَاحِ، أَشْبَهَ الْعِنَّةَ، بَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ بِخِلَافِ الْعِنَّةِ، وَحِينَئِذٍ الْعُيُوبُ الْمُثْبِتَةُ لِلْفَسْخِ ثَمَانِيَةٌ: الْجَبُّ، وَالْعِنَّةُ، وَالْقَرَنُ، وَالْعَفَلُ، وَالْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ سَبْعَةٌ، فَالْقَرَنُ وَالْعَفَلُ وَاحِدٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي إِمْكَانِ الْجِمَاعِ بِالْبَاقِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عِنِّينًا لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ، فَإِنِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ، أُجِّلَ سَنَةً مُنْذُ تَرَافُعِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ الرَّتْقُ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ، وَحَكَاهُ عَنْ أَهْلِ الْأَدَبِ، فَبَعْضُهَا يَتَعَذَّرُ الْوَطْءُ مَعَهُ، وَبَعْضُهَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ، وَبَعْضُهَا يُخْشَى تَعَدِّيهِ إِلَى النَّفْسِ وَالنَّسْلِ (فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي إِمْكَانِ الْجِمَاعِ بِالْبَاقِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي شَيْئًا يُعَضِّدُهُ الْحَالُ ; وَلِأَنَّهُ بِالْقَطْعِ يَضْعُفُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ) كَمَا لَوْ ادَّعَى الْوَطْءَ فِي الْعِنَّةِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ ذَكَرُهُ قَصِيرًا مَا لَمْ تَكُنْ بِكْرًا، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " ". [أَنْ يَكُونَ عِنِّينًا لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ] (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عِنِّينًا لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ) الْعِنِّينُ: هُوَ الْعَاجِزُ عَنِ الْوَطْءِ، وَرُبَّمَا اشْتَهَاهُ وَلَا يُمْكِنُهُ، مُشْتَقٌّ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ: إِذَا عَرَضَ، وَقِيلَ: الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ وَلَا يَنْتَشِرُ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْعِنَّةِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالثِّقَةِ، عُمِلَ بِهَا، وَإِلَّا حَلَفَ الْمُنْكِرُ، وَقُبِلَ قَوْلُهُ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا يُغْمَى عَلَيْهِ ثُمَّ يَزُولُ، فَذَلِكَ مَرَضٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ، وَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ وَدَامَ بِهِ الْإِغْمَاءُ فَهُوَ الْجُنُونُ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عِنَّةٌ، فَهُوَ عَيْبٌ تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ بِهِ الْفَسْخُ بَعْدَ أَنْ تُضْرَبَ لَهُ مُدَّةٌ يُخْتَبَرُ بِهَا، وَيُعْلَمُ حَالُهُ بِهَا فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ (فَإِنِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ) وَأُقِيمَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ (أُجِّلَ سَنَةً مُنْذُ تَرَافُعِهِ) ; لِقَوْلِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ، رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَكَالْجَبِّ، وَخَبَرُ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ: إِنمَّا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ هَذَا الثَّوْبِ - لَا حُجَّةَ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ إِنَّمَا تُضْرَبُ مَعَ اعْتِرَافِهِ وَطَلَبِ الْمَرْأَةِ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الرَّجُلَ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنِّي لَأَعْرُكُهَا عَرْكَ الْأَدِيمِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ طَلَاقِهِ، فَلَا مَعْنَى لِضَرْبِ الْمُدَّةِ، وَحِينَئِذٍ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْهَا مَا اعْتَزَلَتْهُ فَقَطْ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " ; وَلِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرَضًا، فَتُضْرَبُ لَهُ سَنَةٌ لِتَمُرَّ بِهِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ، وَقِيلَ: شَمْسِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ يَبَسٍ زَالَ فِي الرُّطُوبَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رُطُوبَةٍ زَالَ فِي فَصْلِ الْيَبَسِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بُرُودَةٍ زَالَ فِي الْحَرَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ انْحِرَافِ مِزَاجٍ زَالَ فِي فَصْلِ الِاعْتِدَالِ، فَإِذَا مَضَتِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ وَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْأَهْوِيَةُ، وَلَمْ يَزَلْ، عُلِمَ أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 فَإِنْ وَطِئَ فِيهَا، وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ أَنَّهُ وَطِئَهَا مَرَّةً، بَطَلَ كَوْنُهُ عِنِّينًا، فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، أَوْ وَطِئَ غَيْرَهَا - لَمْ تَزُلِ الْعِنَّةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَزُولَ، فَإِنِ ادَّعَى   [المبدع في شرح المقنع] خِلْقَةٌ، قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الطِّبِّ قَالُوا: الدَّاءُ لَا يُسْجَنُ فِي الْبَدَنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، ثُمَّ يَظْهَرُ. وَابْتِدَاءُ السَّنَةِ مُنْذُ تَرَافُعِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْقَائِلِينَ بِتَأْجِيلِهِ بِخِلَافِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ (فَإِنْ وَطِئَ فِيهَا وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ عِنَّتُهُ، فَيَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ: أَنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ، وَيُفْسَخُ فِي الْحَالِ كَالْجَبِّ ; وَلِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْفَسْخِ قَدْ وُجِدَ، وَزَوَالُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْأَجَلَ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إِذَا ادَّعَتْ عَدَمَ وَطْئِهَا لِعِنَّتِهِ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَنْكَرَ وَهِيَ عَذْرَاءُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ - فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا ثَبَتَ عَجْزُهُ، وَأُجِّلَ سَنَةً فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ (فَإِنِ اعْتَرَفَتْ أَنَّهُ وَطِئَهَا مَرَّةً بَطَلَ كَوْنُهُ عِنِّينًا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَجَدَّدَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْوَطْءِ، فَبَطَلَ كَوْنُهُ عِنِّينًا ; لِأَنَّ حُقُوقَ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ تَثْبُتُ بِوَطْءٍ وَاحِدٍ، فَكَذَا هَذَا، وَأَمَّا الْجَبُّ، فَقَدْ تَحَقَّقَ بِهِ الْعَجْزُ، فَافْتَرَقَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَوْلَجَ الْحَشَفَةَ فِي الْفَرْجِ زَالَتْ عِنَّتُهُ، فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا كَفَاهُ تَغْيِيبُ قَدْرِهَا مِنَ الْبَاقِي فِي الْأَصَحِّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ إِحْرَامٍ، نَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَالْإِبَاحَةُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي مَحَلِّهِ، فَخَرَجَ مِنْهَا كَالْمَرِيضَةِ، وَالْإِخْرَاجُ لَا يُخْرِجُ مِنَ الْعِنَّةِ إِلَّا بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْبَاقِي (فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، أَوْ وَطِئَ غَيْرَهَا، لَمْ تَزُلِ الْعِنَّةُ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّ الدُّبُرَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ ; وَلِأَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِهَا ; لِأَنَّ الفسخ لدفع الضَّرَرَ الْحَاصِلَ بِالْعَجْزِ عَنْ وَطْئِهَا، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا وَإِنْ وَطِئَ غَيْرَهَا، (وَيَحْتَمِلُ أَنْ تزول) هَذَا وَجْهٌ حَكَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 أَنَّهُ وَطِئَهَا، وَقَالَتْ: إِنَّهَا عَذْرَاءُ، فَشَهِدَ بِذَلِكَ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُخْلَى   [المبدع في شرح المقنع] و" الْفُرُوعِ "، رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ; وَلِأَنَّ الْعِنَّةَ جِبْلَةٌ، فَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ وَالنِّسَاءِ ; وَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ أَصْعَبُ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ أَقْدَرَ، وَهَذَا مُخْتَارُ ابْنِ عَقِيلٍ وَمُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَصَابَهَا، ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَعَنَّ عَنْهَا - فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ عَنِ امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى فَفِي نِكَاحٍ دُونَ آخَرَ أَوْلَى ; لِأَنَّهَا قَدْ تَطْرَأُ بِهِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَصِحُّ، بَلْ مَتَى وَطِئَ امْرَأَةً زَالَتْ عِنَّتُهُ أَبَدًا. (وَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ وَطِئَهَا، وَقَالَتْ: إِنَّهَا عَذْرَاءُ، فَشَهِدَ بِذَلِكَ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ; لِأَنَّ بَكَارَتَهَا أَكْذَبَتِ الزَّوْجَ ; إِذِ الْوَطْءُ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ مُتَعَذِّرٌ، وَيُقْبَلُ فِي بَقَاءِ عُذْرَتِهَا امْرَأَةٌ ثِقَةٌ كَالرَّضَاعِ، وَعَنْهُ: ثِقَتَانِ، وَيُؤَجَّلُ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّ عُذْرَتَهَا عَادَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ قُبِلَ قَوْلُهَا ; لِأَنَّ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، وَإِنْ كَانَ مُتَصَوَّرًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُسْتَحْلَفُ (وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: إِذَا لَمْ يَشْهَدْ لَهَا أَحَدٌ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ وَعَدَمُ الْعَيْبِ، وَكَذَا إِذَا ادَّعَتْ أَنَّ عُذْرَتَهَا زَالَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) مَعَ يَمِينِهِ إِنِ ادَّعَاهُ ابْتِدَاءً، وَإِنِ ادَّعَاهُ بَعْدَ ثُبُوتِ عِنَّتِهِ وَتَأْجِيلِهِ قُبِلَ قَوْلُهَا ; لِأَنَّ هَذَا يَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ; وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي سَلَامَةَ الْعَقْدِ وَسَلَامَةَ نَفْسِهِ مِنَ الْعُيُوبِ، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، قَالَ الْقَاضِي: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يُسْتَحْلَفَ (وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا) نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِصَابَةِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُخْلَى مَعَهَا فِي بَيْتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: أَخْرِجْ مَاءَكَ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنِيٍّ، جُعِلَ عَلَى النَّارِ، فَإِنْ ذَابَ فَهُوَ مَنِيٌّ، وَبَطَلَ قَوْلُهَا) نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ مُهَنَّا، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو الْحَارِثِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ; إِذْ بِذَلِكَ يَظْهَرُ صِدْقُهُ أَوْ صِدْقُهَا ; إِذِ الْغَالِبُ أَنَّ الْعِنِّينَ لَا يُنْزِلُ، فَمَعَ الْإِنْزَالِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ كَذِبُهَا، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَعَ عَدَمِ الْإِنْزَالِ يَظْهَرُ صِدْقُهَا، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَمَعَ الْإِنْزَالِ إِذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 مَعَهَا فِي بَيْتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: أَخْرِجْ مَاءَكَ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنِيٍّ، جُعِلَ عَلَى النَّارِ، فَإِنْ ذَابَ فَهُوَ مَنِيٍّ، وَبَطَلَ قَوْلُهَا. فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي: يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ، وَهُوَ شَيْئَانِ: الرَّتْقُ، وَهُوَ كَوْنُ الْفَرْجِ مَسْدُودًا لَا مَسْلَكَ لِلذَّكَرِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْقَرَنُ وَالْعَفَلُ، وَهُوَ لَحْمٌ يَحْدُثُ فِيهِ يَسُدُّهُ، وَقِيلَ:   [المبدع في شرح المقنع] أَنْكَرَتْ أَنَّهُ يُخْتَبَرُ، فَيُجْعَلُ عَلَى النَّارِ، فَإِنْ ذَابَ فَهُوَ مَنِيٌّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِهِ، وَإِنْ يَبِسَ وَتَجَمَّعَ فَهُوَ بَيَاضُ بَيْضٍ، فَإِنْ ضَعُفَ عَنْ إِخْرَاجِهِ قُبِلَ قَوْلُهَا ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ يُزَوَّجُ امْرَأَةً لَهَا دِينٌ وَحَظٌّ مِنْ جَمَالٍ، فَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهُ قَرَبَهَا كُذِّبَتِ الْأُولَى، وَخُيِّرَتِ الثَّانِيَةُ بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهِ، وَيَكُونُ صَدَاقُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ، وَمَهْرَاهُمَا فِي مَالِهِ، وَاعْتُمِدَ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى سَمُرَةَ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا زَوْجُهَا، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأَمَرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَتْ زَوْجَةُ مَجْنُونٍ عِنَّتَهُ، ضُرِبَتْ لَهُ مُدَّةٌ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ، وَهَلْ يَبْطُلُ بِحُدُوثِهِ فَلَا يَفْسَخُ الْوَلِيُّ؟ فِيهِ خِلَافٌ. أ [مَا يَخْتَصُّ النِّسَاءَ] فَصْلٌ (الْقِسْمُ الثَّانِي: يَخْتَصُّ النِّسَاءَ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَهُوَ شَيْئَانِ: الرَّتْقُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالتَّاءِ يَعْنِي مُلْتَصِقًا لَا يَدْخُلُ الذَّكَرُ فِيهِ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ مَصْدَرُ امْرَأَةٍ رَتْقَاءَ، أَيْ: بَيِّنَةُ الرَّتْقِ لَا يُسْتَطَاعُ جِمَاعُهَا ; لِارْتِتَاقِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْهَا (وَهُوَ كَوْنُ الْفَرَجِ مَسْدُودًا لَا مَسْلَكَ لِلذَّكَرِ فِيهِ) قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِيفَاءِ مَقْصُودِ النِّكَاحِ، أَشْبَهَ الْجَبَّ وَالْعِنَّةَ ; وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي النِّكَاحِ، فَجَازَ رَدُّهَا بِعَيْبٍ كَالصَّدَاقِ (وَكَذَلِكَ الْقَرَنُ وَالْعَفَلُ، وَهُوَ لَحْمٌ يَحْدُثُ فِيهِ يَسُدُّهُ) كَذَا قِيلَ، أَمَّا الْقَرَنُ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ - قَرِنَتِ الْمَرْأَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ، تَقْرَنُ قَرَنًا، بِفَتْحِهَا فِيهِمَا إِذَا كَانَ فِي فَرْجِهَا قَرَنٌ وَهُوَ الْعَظْمُ، أَوْ غُدَّةٌ مَانِعَةٌ مِنْ سُلُوكِ الذَّكَرِ، وَأَمَّا الْعَفَلُ - بِوَزْنِ فَرَسٍ -: شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَحَيَاءِ النَّاقَةِ شَبِيهٌ بِمَا يَكُونُ فِي خُصْيَةِ الرَّجُلِ (وَقِيلَ: الْقَرَنُ عَظْمٌ، وَالْعَفَلُ: رَغْوَةٌ فِيهِ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ، وَرَغْوَةُ اللَّبَنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 الْقَرَنُ: عَظْمٌ، وَالْعَفَلُ: رَغْوَةٌ فِيهِ تَمْنَعُ لَذَّةَ الْوَطْءِ. الثَّانِي: الْفَتْقُ، وَهُوَ انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ، وَقِيلَ: انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ. الثَّالِثُ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ، وَالْجُنُونُ، سَوَاءٌ كَانَ مُطْبِقًا، أَوْ يَخْنُقُ فِي الْأَحْيَانِ، فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ يَثْبُتُ بِهَا خِيَارُ الْفَسْخِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَصْلٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْبَخَرِ وَهُوَ نَتَنُ الْفَمِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: نَتَنٌ فِي الْفَرْجِ   [المبدع في شرح المقنع] مَعْرُوفَةٌ، وَزَبَدُ كُلِّ شَيْءٍ: رَغْوَتُهُ (تَمْنَعُ لَذَّةَ الْوَطْءِ) قَالَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: هُمَا وَالرَّتْقُ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ. 1 - (الثَّانِي: الْفَتْقُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْفَتْقُ - بِالتَّحْرِيكِ - مَصْدَرُ قَوْلِكَ: امْرَأَةٌ فَتْقَاءُ، وَهِيَ الْمُنْفَتِقَةُ الْفَرْجِ خِلَافُ الرَّتْقَاءِ (وَهُوَ انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " (وَقِيلَ: انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " ; لِأَنَّ فِيهِ تَنْفِيرًا، أَشْبَهَ انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": إِذَا انْخَرَقَ مَخْرَجَا الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ فِي الْفَرْجِ، فَهَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. [عُيُوبٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا] (الثَّالِثُ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ، فَرَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضًا، فَقَالَ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ» فَثَبَتَ الْخِيَارُ بِالْبَرَصِ، وَبَاقِي الْعُيُوبِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ ; وَلِأَنَّهُمَا يُثِيرَانِ نَفْرَةً فِي النَّفْسِ تَمْنَعُ قُرْبَانَ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ، وَيُخْشَى تَعَدِّيهِ إِلَى النَّفْسِ وَالنَّسْلِ (وَالْجُنُونُ) ; لِأَنَّهُ يُثِيرُ النَّفْرَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَيُخَافُ ضَرَرُهُ (سَوَاءٌ كَانَ مُطْبِقًا) أَيْ: دَائِمًا (أَوْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ) أَيْ: يَعْتَرِيهِ وَقْتًا دُونَ آخَرَ ; لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَسْكُنُ إِلَى مَنْ هَذِهِ حَالُهُ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": جُنُونٌ غَالِبٌ، وَفِي " الْمُغْنِي ": أَوْ إِغْمَاءٌ لَا إِغْمَاءَ مَرِيضٍ لَمْ يَدُمْ (فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ يَثْبُتُ بِهَا خِيَارُ الْفَسْخِ رِوَايَةً وَاحِدَةً) وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ. 1 - فَصْلٌ (وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْبَخَرِ وَهُوَ مِنَ الْفَمِ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ يُثِيرُ نَفْرَةً كَالْبَرَصِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 يَثُورُ عِنْدَ الْوَطْءِ، وَاسْتِطْلَاقِ الْبَوْلِ، وَالنَّجْوِ، وَالْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ فِي الْفَرْجِ، وَالْبَاسُورِ، وَالنَّاسُورِ، وَالْخِصَاءِ، وَهُوَ قَطْعُ الْخُصْيَتَيْنِ، وَالسَّلِّ، وَهُوَ سَلُّ الْبَيْضَتَيْنِ، وَالْوِجَاءِ، وَهُوَ رَضُّهُمَا، وَفِي كَوْنِهِ خُنْثَى. وَفِي مَا إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلَهُ، أَوْ حَدَثَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: نَتَنٌ فِي الْفَرْجِ يَثُورُ عِنْدَ الْوَطْءِ) ; لِأَنَّ النَّفْرَةَ حَاصِلَةٌ بِهِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يُسَمَّى بَخَرًا، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي بَخَرَ رِوَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: يَسْتَعْمِلُ لَهُ السِّوَاكَ، وَيَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ وَرَقَ آسٍ مَعَ زَبِيبٍ مَنْزُوعِ الْعَجَمِ قَدْرَ جَوْزَةٍ، وَاسْتِعْمَالُ الْكَرَفْسِ، وَمَضْغُ النَّعْنَاعِ جَيِّدٌ فِيهِ. (وَاسْتِطْلَاقِ الْبَوْلِ) أَيْ لَا يَزَالُ يَنْقَضُّ (وَالنَّجْوِ) وَهُوَ الْغَائِطُ (وَالْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ فِي الْفَرْجِ) وَاحِدُهَا قَرْحٌ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا - كَالضَّعْفِ، وَالضُّعْفُ (وَالْبَاسُورِ) وَهُوَ عِلَّةٌ تَخْرُجُ فِي الْمَقْعَدَةِ (وَالنَّاسُورِ) بِالنُّونِ: الْعِرْقُ الَّذِي لَا يَزَالُ يَنْقَضُّ (وَالْخِصَاءِ) بِالْمَدِّ، خَصَيْتُ الْفَحْلَ خَصْيًا: إِذَا سَلَلْتُ أُنْثَيَيْهِ وَقَطَعْتُهُمَا، أَوْ قَطَعْتُ ذَكَرَهُ (وَهُوَ قَطْعُ الْخُصْيَتَيْنِ، وَالسَّلِّ وَهُوَ سَلُّ الْبَيْضَتَيْنِ، وَالْوِجَاءِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ مَمْدُودًا (وَهُوَ رَضُّهُمَا) وَفِي " الْمُطْلِعِ ": وَهُوَ رَضُّ عُرُوقِ الْبَيْضَتَيْنِ حَتَّى تَنْفَضِخَ، فَيَكُونُ شَبِيهًا بِالْخِصَاءِ (وَفِي كَوْنِهِ خُنْثَى) سَوَاءٌ كَانَ مُشْكِلًا أَوْ لَا، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَخَصَّهُ فِي " الْمُغْنِي " بِالْمُشْكِلِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " عَكْسُهُ، وَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِذَلِكَ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَثْبُتُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ، وَلَا يُخْشَى تَعَدِّيهِ، أَشْبَهَ الْعَمَى، بَلْ يُقَالُ: إِنَّ الْخَصِيَّ أَقْدَرُ عَلَى الْجِمَاعِ، وَالْخُنْثَى فِيهِ خِلْقَةٌ زَائِدَةٌ كَالْيَدِ الزَّائِدَةِ. وَالثَّانِي: بَلَى ; لِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا وَعَارًا، وَيُثِيرُ نَفْرَةً، وَأَلْحَقَ بِذَلِكَ فِي " الْمُوجَزِ " بَوْلَ كَبِيرَةٍ فِي الْفِرَاشِ، وَالْقَرْعَ فِي الرَّأْسِ، وَلَهُ رَائِحَةُ مُنْكَرَةٌ: وَجْهَانِ. [إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلَهُ أَوْ حَدَثَ بِهِ الْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ] (وَفِي مَا إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلَهُ) لَا خِيَارَ ; لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَالثَّانِي - وَهُوَ الْأَصَحُّ -: ثُبُوتُهُ ; لِوُجُودِ سَبَبِهِ، أَشْبَهَ الْعَبْدَ الْمَغْرُورَ بِأَمَةٍ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَأْنَفُ مِنْ عَيْبِ غَيْرِهِ، وَلَا يَأْنَفُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ الْعَيْبُ فِيهِمَا أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 بِهِ الْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ هَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَقْتَ الْعَقْدِ، أَوْ قَالَ: قَدْ رَضِيتُ بِهِ مَعِيبًا، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا مِنْ وَطْءٍ، أَوْ تَمْكِينٍ   [المبدع في شرح المقنع] يُثْبِتُ الْخِيَارَ، إِلَّا أَنْ يَجِدَ الْمَجْبُوبُ الْمَرْأَةَ رَتْقَاءً، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُمَا الْخِيَارُ ; لِامْتِنَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ بِعَيْبِ نَفْسِهِ، وَاخْتَارَ فِي " الْفُصُولِ " إِنْ لَمْ يَطَأْ لِبَظَرٍ بِهَا فَرَتْقَاءُ (أَوْ حَدَثَ بِهِ الْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ هَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وفِي الشَّرْحِ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ ; لِأَنَّهُ عَيْبٌ أَثْبَتَ الْخِيَارَ مُقَارِنًا، فَأَثْبَتَهُ طَارِئًا كَالْإِعْسَارِ وَالرِّقِّ، وَالثَّانِي: لَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ ; لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، أَشْبَهَ الْحَادِثَ بِالْمَبِيعِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ ; لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي الْإِجَارَةِ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا فَسْخَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، كَعَوَرٍ، وَعَمًى، وَقَطْعِ يَدٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": هَلْ يَحُطُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِقَدْرِ النَّقْصِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيلَ لِشَيْخِنَا: لِمَ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْعُيُوبِ وَغَيْرِهَا؟ قِيلَ: قَدْ عُلِمَ أَنَّ عُيُوبَ الْفَرْجِ الْمَانِعَةُ مِنَ الْوَطْءِ بِهَا فِي الْعَادَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النِّكَاحِ الْوَطْءُ بِخِلَافِ اللَّوْنِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تُقَلَّبُ كَمَا تُقَلَّبُ الْأَمَةُ، وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ رِضًا مُطْلَقًا وَهُوَ لَمْ يَشْتَرِطْ صِفَةً، فَبَانَتْ بِدُونِهَا، وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ، وَذَكَرَ صَاحِبُ " الْهَدْيِ " فِي قَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ خَرَسٍ أَوْ طَرَشٍ وَكَذَا كُلُّ عَيْبٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ النِّكَاحِ، فَوَجَبَ الْخِيَارُ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الْبَيْعِ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ رَدَّ الْمَرْأَةِ بِمَا تُرَدُّ بِهِ الْأَمَةُ فِي الْبَيْعِ، حَكَاهُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيُّ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: الشَّيْخُوخَةُ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبٌ، وَلَوْ بَانَ عَقِيمًا فَلَا خِيَارَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُبَيِّنَ لَهَا. (فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ قَالَ: قَدْ رَضِيتُ بِهِ مَعِيبًا) فَلَا خِيَارَ لَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ، أَشْبَهَ مُشْتَرِي الْمَبِيعِ، وَإِنْ ظَنَّهُ يَسِيرًا فَبَانَ كَثِيرًا فَلَا خِيَارَ لَهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا رَضِيَ بِعَيْبٍ فَبَانَ غَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَرْضَ بِهِ وَلَا يَحْسَبُهُ، وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ، وَإِنْ فُسِخَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى، وَقِيلَ: عَنْهُ مَهْرُ الْمِثْلِ،   [المبدع في شرح المقنع] رَضِيَ بِعَيْبٍ فَزَادَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا خِيَارَ لَهُ ; لِأَنَّ رِضَاهُ بِهِ رِضًا بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ (أَوْ وُجِدَ مِنْهُ دَلَالَةٌ عَلَى الرِّضَا مِنْ وَطْءٍ، أَوْ تَمْكِينٍ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ) ; لِأَنَّهُ عَيْبٌ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، فَبَطَلَ بِمَا ذُكِرَ كَالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ عَلَى التَّرَاخِي، لَا يَسْقُطُ إِلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، إِلَّا فِي الْعِنَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. [لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ] (وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) ; لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ كَالْفَسْخِ بِالْإِعْسَارِ وَالْعِنَّةِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ، فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِ بِفَسْخِهِ هُوَ أَوْ بِرَدِّهِ إِلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَفِي " الْوَجِيزِ ": يَتَوَلَّاهُ هُوَ، وَإِنْ فَسَخَ مَعَ عِنِّيَتِهِ، أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مُتَلَاعِنَيْنِ بَعْدَ عِنِّيَتِهِمَا - فَفِيهِ خِلَافٌ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": لَا يُطْلَقُ عَلَى عِنِّينَيْنِ كَوَلِيٍّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا تَحْرُمُ أَبَدًا، وَعَنْهُ: كَلِعَانٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ هُوَ الْفَاسِخَ، وَإِنَّمَا يَأْذَنُ، وَيَحْكُمُ بِهِ، فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ، فَهُوَ فِعْلُهُ. فَرْعٌ: إِذَا زَالَ الْعَيْبُ فَلَا فَسْخَ، وَكَذَا إِنْ عِلْمَ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَمَنْعَهُ فِي " الْمُغْنِي " فِي عِنِّينٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُصَرَّاةِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِي غَيْرِهِ مِثْلُهُ (فَإِنَ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ) سَوَاءٌ كَانَ الْفَاسِخُ الزَّوْجَ أَوِ الزَّوْجَةَ ; لِأَنَّ الْفَسْخَ إِنْ كَانَ مِنْهَا، فَالْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا كَرَضَاعِ زَوْجَةٍ لَهُ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ، فَإِنَّمَا فُسِخَ لِعَيْبٍ بِهَا دَلَّسَهُ بِالْإِخْفَاءِ، فَصَارَ الْفَسْخُ كَأَنَّهُ مِنْهَا، لَا يُقَالُ: هَلَّا جَعَلَ فَسْخَهَا لِعَيْبِهِ كَأَنَّهُ مِنْهُ لِحُصُولِهِ بِتَدْلِيسِهِ ; لِأَنَّ الْعِوَضَ مِنَ الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهِمَا، فَإِذَا اخْتَارَتِ الْفَسْخَ مَعَ سَلَامَةِ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ - رَجَعَ الْعِوَضُ إِلَى الْعَاقِدِ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ مِنْ جِهَتِهَا عِوَضٌ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ ; لِأَجْلِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهَا، لَا لِأَجْلِ تَعَذُّرِ مَا اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَتِهِ عِوَضًا، فَافْتَرَقَا (وَإِنْ فُسِخَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ وُجِدَ بِأَرْكَانِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ، وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ.   [المبدع في شرح المقنع] وَشُرُوطِهِ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الصِّحَّةِ ; وَلِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَيَسْتَقِرُّ بِالْخَلْوَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِحَادِثٍ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِرِدَّتِهَا ; وَفِيهِ مُسَمًّى صَحِيحٌ، فَوَجَبَ كَغَيْرِ الْمَعِيبَةِ وَالْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ، وَكَمَا لَوْ طَرَأَ الْعَيْبُ (وَقِيلَ: عَنْهُ مَهْرُ الْمِثْلِ) ; لِأَنَّ الْفَسْخَ اسْتَنَدَ إِلَى الْعَقْدِ، فَصَارَ كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَقِيلَ: عَنْهُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي فَسْخِ الزَّوْجِ لِشَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ قَدِيمٍ، وَقِيلَ فِيهِ يُنْسَبُ قَدْرُ نَقْصِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَجْلِ ذَلِكَ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَامِلًا، فَيَسْقُطُ مِنَ الْمُسَمَّى بِنِسْبَتِهِ فَسَخَ أَوْ أَمْضَى، وَقَاسَهُ فِي الْخِلَافِ عَلَى الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ مُسَمًّى بِلَاحِقٍ وَمِثْلٌ بِسَابِقٍ. فَرْعٌ: الْخَلْوَةُ هُنَا كَالْوَطْءِ فِي تَقْرِيرِ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ. (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ) أَوِ الْوَكِيلِ، رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ، وَكَمَا لَوْ غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَذْهَبَ - رِوَايَةً وَاحِدَةً - أَنَّهُ يَرْجِعُ، قَالَ أَحْمَدُ: كُنْتُ أَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، فَهِبْتُهُ، فَمِلْتُ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ (وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ) وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُ ضِمْنَ مَا اسْتَوْفَى بَدَلَهُ وَهُوَ الْوَطْءُ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا فَأَكَلَهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَلِمَ، غَرِمَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالصَّدَاقِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ إِلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جِدًّا أَوْ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَرَاهَا فَالتَّقْرِيرُ فِي جِهَتِهِ عَلِمَ أَوْ لَا، وَمِثْلُهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَارِّ وَلَوْ زُوِّجَ امْرَأَةً، فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِ غَيْرَهَا، وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ، وَتُجَهَّزُ زَوْجَتُهُ بِالْمَهْرِ الْأَوَّلِ، نَصَّ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِهَا عَيْبٌ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَلَهَا الصَّدَاقُ، وَلَا يَرْجِعُ فِيهِمَا، وَإِذَا بَانَتْ بِالْفَسْخِ فَلَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ إِنْ كَانَتْ حَائِلًا، كَالْبَائِنِ بِالثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ، وَالْحَمْلُ لَاحِقٌ بِهِ، وَقِيلَ: لَا ; لِأَنَّهَا بَائِنٌ، وَفِي السُّكْنَى رِوَايَتَانِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 فَصْلٌ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ، أَوْ مَجْنُونَةٍ، وَلَا سَيِّدِ أَمَةٍ، تَزْوِيجُهَا مَعِيبًا، وَلَا لِوَلِيِّ كَبِيرَةٍ تَزْوِيجُهَا بِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا، فَإِنِ اخْتَارَتِ الْكَبِيرَةُ نِكَاحَ مَجْبُوبٍ أَوْ عِنِّينٍ، لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهَا، وَإِنِ اخْتَارَتْ نِكَاحَ مَجْنُونٍ، أَوْ مَجْذُومٍ، أَوْ أَبْرَصَ فَلَهُ مَنْعُهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ عَلِمَتِ الْعَيْبَ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ حَدَثَ بِهِ، لَمْ يَمْلِكْ إِجْبَارَهَا عَلَى الْفَسْخِ.   [المبدع في شرح المقنع] [لَيْسَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ وَلَا سَيِّدِ أَمَةٍ تَزْوِيجُهَا مَعِيبًا] فَصْلٌ (وَلَيْسَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ) حُرَّةٍ (أَوْ مَجْنُونَةٍ وَلَا سَيِّدِ أَمَةٍ تَزْوِيجُهَا مَعِيبًا) ; لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لَهُمْ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ، وَلَا حَظَّ لَهُنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ، فَإِنْ زَوَّجَهُنَّ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صَحَّ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى مَعِيبًا لَا يَعْلَمُ عَيْبَهُ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا وَعَكْسُهُ، وَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ إِذَنْ، أَوْ يَنْتَظِرُهَا؛ فِيهِ وَجْهَانِ. وَفِي " الرِّعَايَةِ " الْخِلَافُ إِنْ أَجْبَرَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِيضَاحِ " مَعَ جَهْلِهِ وَيُخَيَّرُ، وَمِثْلُهُ تَزْوِيجُ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ بِمَعِيبَةٍ (وَلَا لِوَلِيِّ كَبِيرَةٍ تَزْوِيجُهَا بِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ إِذَا عَلِمَتْ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَالِامْتِنَاعُ أَوْلَى. فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ صَحَّ مَعَ جَهْلِهِ بِهِ، وَالْأَصَحُّ لَهُ الْفَسْخُ إِذَا عَلِمَ (فَإِنِ اخْتَارَتِ الْكَبِيرَةُ نِكَاحَ مَجْبُوبٍ أَوْ عِنِّينٍ، لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهَا) فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، وَالضَّرَرَ مُخْتَصٌّ بِهَا، وَالثَّانِي: لَهُ مَنْعُهَا ; لِأَنَّهُ ضَرَرٌ دَائِمٌ رُبَّمَا أَفْضَى إِلَى الشِّقَاقِ، فَيَتَضَرَّرُ وَلِيُّهَا وَأَهْلُهَا، فَمَلَكَ الْوَلِيُّ مَنْعَهَا، كَمَا لَوْ أَرَادَتْ نِكَاحَ غَيْرَ كُفْءٍ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُزَوِّجَهَا بِعِنِّينٍ، وَإِنْ رَضِيَتِ السَّاعَةَ تَكْرَهُ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِنَّ النِّكَاحَ، وَيُعْجِبُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْجِبُنَا (وَإِنِ اخْتَارَتْ نِكَاحَ مَجْنُونٍ، أَوْ مَجْذُومٍ، أَوْ أَبْرَصَ - فَلَهُ مَنْعُهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) ; لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا دَائِمًا وَعَارًا عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا، أَشْبَهَ مِنْ تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ ; وَلِأَنَّهُ يُخْشَى تَعَدِّيهِ إِلَى الْوَلَدِ، وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكُ مَنْعَهَا ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، أَشْبَهَ الْمَجْبُوبَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ وَرَضِيَا بِهِ - صَحَّ النِّكَاحُ، وَيُكْرَهُ لَهُمَا ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا وَإِنْ رَضِيَتِ الْآنَ تَكْرَهُ فِيمَا بَعْدُ، وَقِيلَ: وَلِبَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ الْمَنْعُ ; لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُمْ، أَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ (وَإِنْ عَلِمَتِ الْعَيْبَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ حَدَثَ بِهِ لَمْ يَمْلِكْ إِجْبَارَهَا عَلَى الْفَسْخِ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ; لِأَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَجِبُ بِهِ، وَتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَيُقَرُّونَ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَا اعْتَقَدُوا حِلَّهَا، وَلَمْ يَرْتَفِعُوا إِلَيْنَا، وَعَنْهُ فِي مَجُوسِيٍّ تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً، أَوِ اشْتَرَى نَصْرَانِيَّةً: يَحُولُ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ، فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَى نِكَاحٍ مُحَرَّمٍ، وَإِنْ أَسْلَمُوا، أَوْ تَرَافَعُوا إِلَيْنَا فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، لَمْ نُمْضِهِ إِلَّا عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] دَوَامِهِ ; لِأَنَّهَا لَوْ دَعَتْ وَلِيَّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِعَبْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إِجَابَتُهَا، وَلَوْ عُتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ لَمْ يَمْلِكْ إِجْبَارَهَا عَلَى الْفَسْخِ. [بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ] [حُكْمُ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ] بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ (وَحُكْمُهُ حُكْمُ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَجِبُ بِهِ، وَتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ) أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ يَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ: مِنْ وُقُوعِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالْقَسْمِ وَالْإِبَاحَةِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالْإِحْصَانِ، وَكَذَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ ; لِأَنَّهُ طَلَاقٌ عَاقِلٌ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَوَقَعَ كَطَلَاقِ الْمُسْلِمِ، وَدَلِيلُ صِحَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] و {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: 11] وَحَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ تَقْتَضِي زَوْجِيَّةً صَحِيحَةً ; وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ، لَا مِنْ سِفَاحٍ» وَإِذَا ثَبَتَ صِحَّتُهَا ثَبَتَ أَحْكَامُهَا كَأَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَ الْكَافِرُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ وَأَصَابَهَا ثُمَّ أَسْلَمَا، لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا، فَهِيَ عِنْدُهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا ذُكِرَ فِي بَابِهِ. (وَيُقَرُّونَ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَا اعْتَقَدُوا حِلَّهَا) فِي شَرْعِهِمْ (وَلَمْ يَرْتَفِعُوا إِلَيْنَا) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ أَسْلَمَ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ، وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ كَيْفِيَّتِهَا خُصُوصًا أَهْلَ هَجَرَ ; لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَسْتَبِيحُونَ نِكَاحَ مَحَارِمِهِمْ ; وَلِأَنَّ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ، فَلَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ كَالزِّنَا، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ عَقَدَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ: إِنَّهُ يُقَرُّ مَا لَمْ يَرْتَفِعُوا إِلَيْنَا (وَعَنْهُ فِي مَجُوسِيٍّ تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً واشْتَرَى نَصْرَانِيَّةً: يَحُولُ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ) ; لِأَنَّهُ لَا مَسَاغَ لَهُ عِنْدَنَا ; وَلِأَنَّ عَلَيْنَا ضَرَرًا فِي ذَلِكَ بِتَحْرِيمِ أَوْلَادِ النَّصْرَانِيَّةِ عَلَيْنَا ; وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ، أَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُسْلِمِ الْفَاسِدِ (فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَى نِكَاحٍ مُحَرَّمٍ) وَأَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نِكَاحِ مَحَارِمِهِمْ ; لِقَوْلِ عُمَرَ: فَرِّقُوا بَيْنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ، لَمْ نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ عَقْدِهِمْ، بَلْ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً نِكَاحُهَا كَذَاتِ مَحْرَمِهِ، وَمَنْ هِيَ فِي عِدَّتِهَا، أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي نِكَاحِهَا مَتَى شَاءَ أَوْ مُدَّةً هُمَا فِيهَا، أَوْ مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا - فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا أُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً فَوَطِئَهَا، أَوْ طَاوَعَتْهُ - وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا، أُقِرَّا، وَإِلَّا فَلَا،   [المبدع في شرح المقنع] كُلِّ رَحِمٍ مِنَ الْمَجُوسِ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي مَجُوسِيٍّ مَلَكَ أَمَةً نَصْرَانِيَّةً: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا ; لِأَنَّ النَّصَارَى لَهُمْ دِينٌ، فَلَوْ مَلَكَ نَصْرَانِيٌّ مَجُوسِيَّةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُبَاحُ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ (فَإِنْ أَسْلَمُوا) وَأَتَوْنَا (أَوْ تَرَافَعُوا إِلَيْنَا) قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ (فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ) لِنَعْقِدَهُ لَهُمْ (لَمْ نُمْضِهِ إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ) كَأَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ، مِنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ ; لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى عَقْدٍ يُخَالِفُ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] أَيْ: بِالْعَدْلِ (وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ) حَتَّى وَلَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تُبَاحُ إِذَنْ كَعَقْدِهِ فِي عِدَّةٍ فَرَغَتْ أَوْ بِلَا شُهُودٍ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، أَوْ بِلَا وَلِيٍّ، وَصِيغَةٍ أَوْ عَلَى أُخْتٍ مَاتَتْ (لَمْ نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ عَقْدِهِمْ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إِذَا أَسْلَمَا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ - أَنَّ لَهُمَا الْمُقَامَ عَلَى نِكَاحِهِمَا، مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَوْ رَضَاعٌ (بَلْ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً نِكَاحُهَا كَذَاتِ مَحْرَمَهِ، وَمَنْ هِيَ فِي عِدَّتِهَا، أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي نِكَاحِهَا مَتَى شَاءَ أَوْ مُدَّةً هُمَا فِيهَا، أَوْ مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا - فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) ; لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ أَضْعَفُ مِنِ الِابْتِدَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَجُزِ الِابْتِدَاءُ - وَهُوَ أَقْوَى - فَلِأَنْ لَا تَجُوزَ الِاسْتِدَامَةُ وَهِيَ أَضْعَفُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَكَذَا إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نِكَاحُ مُتْعَةٍ، فَإِنِ اعْتَقَدَا فَسَادَ الشَّرْطِ وَحْدَهُ أُقِرَّا (وَإِلَّا أُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ) ; لِعَدَمِ وُجُودِ مَا يُبْطِلُهُ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ فِي الْمُفْسِدِ مُؤَبَّدًا، أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَإِذَا أَسْلَمَا، وَالْمَرْأَةُ بِنْتُهُ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ زِنًا، أَوْ هِيَ فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى الْعَقْدِ - فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ، فَرِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ، وَفِي حُبْلَى مِنْ زِنًا، وَشَرَطَ الْخِيَارَ فِيهِ مُطْلَقًا أَوْ إِلَى مُدَّةٍ هُمَا فِيهَا وَجْهَانِ. (وَإِنْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً فَوَطِئَهَا، أَوْ طَاوَعَتْهُ، وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا) ثُمَّ أَسْلَمَا (أُقِرَّا) ; لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لَهُ اعْتِقَادُهُ الْحِلَّ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا لَمْ يُعْتِقَاهُ لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَنْكِحَتِهِمْ، وَحُكْمُ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى صَحِيحًا، أَوْ فَاسِدًا قَبَضَتْهُ، اسْتَقَرَّ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ تَقْبِضْهُ، فُرِضَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.   [المبدع في شرح المقنع] " الْمُغْنِي "، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": لَا يُقَرُّونَ (وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى صَحِيحًا) قُبِضَ أَوْ لَمْ يُقْبَضْ (أَوْ فَاسِدًا قَبَضَتْهُ، اسْتَقَرَّ) ; لِأَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ إِلَى مَا فَعَلُوهُ يُؤَكِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 275] ; وَلِأَنَّ التَّعَرُّضَ لِلْمَقْبُوضِ بِإِبْطَالِهِ يُسْبَقُ ; لِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ، وَكَثْرَةِ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي الْحَرَامِ ; وَلِأَنَّ فِي التَّعَرُّضِ إِلَيْهِمْ تَنْفِيرًا لَهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا عُفِيَ عَمَّا تَرَكُوهُ مِنَ الْفَرَائِضِ ; وَلِأَنَّهُمْ تَقَابَضُوا بِحُكْمِ الشِّرْكِ، فَبَرِئَتْ ذِمَّةُ مَنْ عَلَيْهِ مِنْهُ، كَمَا لَوْ تَبَايَعُوا بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضُوا (وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا) كَالْخَمْرِ (لَمْ تَقْبِضْهُ) وَلَمْ يُسَمَّ لَهَا شَيْءٌ (فُرِضَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) ; لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي التَّسْمِيَةِ الْفَاسِدَةِ إِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً، فَكَذَا الْكَافِرَةُ ; وَلِأَنَّ الْخَمْرَ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ لَهَا فِي خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ مُعَيَّنٍ، وَلَهَا فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ قِيمَتُهُ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي، فَلَوْ أَسْلَمَا فَانْقَلَبَتْ خَلًّا وَطَلَّقَ، فَفِي رُجُوعِهِ بِنِصْفِهِ وَجْهَانِ، وَلَوْ تَلِفَ الْخَلُّ ثُمَّ طَلَّقَ، فَفِي رُجُوعِهِ بِنِصْفِ مِثْلِهِ احْتِمَالَانِ. فَرْعٌ: إِذَا قَبَضَتْ بَعْضَ الْمُسَمَّى الْفَاسِدِ، وَجَبَ قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَتُعْتَبَرُ الْحِصَّةُ فِيمَا يَدْخُلُهُ الْكَيْلُ أَوِ الْوَزْنُ بِهِ، وَفِي مَعْدُودٍ قِيلَ: بِعَدِّهِ، وَقِيلَ: بِقِيمَتِهِ عِنْدَهُمْ، وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ مِنْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَهْرًا قَبَضَتْهُ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَحْمَدُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ تَكُونُ تَحْتَ أَخِيهَا أَوْ أَبِيهَا، فَيُطَلِّقُهَا أَوْ يَمُوتُ عَنْهَا، فَتُرْفَعُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ -: لَا مَهْرَ لَهَا ; لِأَنَّهُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَهَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؟ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُسْلِمِ إِذَا وَطِئَ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ بِشُبْهَةٍ، انْتَهَى. فَلَوْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا أَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِفَرْضِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 فَصْلٌ وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا، أَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنْ أَسْلَمَتِ الْكِتَابِيَّةُ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ - غَيْرُ الْكِتَابِيِّينَ - قَبْلَ الدُّخُولِ يُفْسَخُ النِّكَاحُ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةَ، فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا، فَلَهَا نِصْفُ   [المبدع في شرح المقنع] [الزَّوْجَيْنِ إِذَا أَسْلَمَا مَعًا] فَصْلٌ (وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا) بِأَنْ تَلَفَّظَا بِالْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا إِجْمَاعًا ; لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ مُفْسِدٌ لِلنِّكَاحِ بِمُجَرَّدِ سَبْقِ أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ: يَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِدَلِيلِ الْقَبْضِ ; لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى النُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ مَعًا مُتَعَذِّرٌ، فَلَوِ اعْتُبِرَ ذَلِكَ لَوَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَ كُلِّ مُسْلِمَيْنِ إِلَّا فِي الشَّاذِّ النَّادِرِ (أَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ) سَوَاءٌ كَانَ كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ - قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ (فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) ; لِأَنَّ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ، فَالِاسْتِمْرَارُ أَوْلَى (وَإِنْ أَسْلَمَتِ الْكِتَابِيَّةُ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ غَيْرُ الْكِتَابِيِّينَ) كَالْوَثَنِيِّينَ وَالْمَجُوسِيِّينَ (قَبْلَ الدُّخُولِ - يُفْسَخُ النِّكَاحُ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] إِذْ لَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ; وَلِأَنَّ دِينَهَما اخْتَلَفَ، فَلَمْ يَجُزِ اسْتِمْرَارُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَتَعَجَّلَتِ الْفُرْقَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لَا طَلَاقًا كَالرِّدَّةِ (فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةَ فَلَا مَهْرَ لَهَا) رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوِ ارْتَدَّتْ، وَعَنْهُ: لَهَا نَصِفُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ مِنْهُ بِامْتِنَاعِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ فَعَلَتِ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّتْ، وَفَرَّقَ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ التَّعْلِيقَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِيهِ الْبَتَّةَ، وَعَنْهُ: إِنْ سَبَقَهَا، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ (وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا، فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ مِنْ جِهَتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا (وَعَنْهُ: لَا مَهْرَ لَهَا) ; لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِتَأَخُّرِهَا عَنِ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ مِنْ جِهَتِهَا ; وَلِأَنَّ فِي إِيجَابِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 الْمَهْرِ، وَعَنْهُ: لَا مَهْرَ لَهَا. وَإِنْ قَالَتْ: أَسْلَمْتَ قَبْلِي، وَأَنْكَرَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ قَالَ: أَسْلَمْنَا مَعًا فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ، فَأَنْكَرَتْهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الثَّانِي قَبْلَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَهْرِ عَلَيْهِ تَنْفِيرًا لَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ فَسْخُ النِّكَاحِ مَعَ وُجُوبِ الْمَهْرِ. (وَإِنْ قَالَتْ: أَسْلَمْتَ قَبْلِي، وَأَنْكَرَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ; لِأَنَّهَا تَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ، وَهُوَ يَدَّعِي سُقُوطَهُ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْمَهْرِ إِذَا سَبَقَهَا بِالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا عَلَى الْأُخْرَى فَلَا (وَإِنْ قَالَ: أَسْلَمْنَا مَعًا فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ، فَأَنْكَرَتْهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَالثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهَا ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا، إِذْ يَبْعُدُ اتِّفَاقُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ قِيلَ: الْعِبْرَةُ بِالْمَجْلِسِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّاهِرِ مُتَعَيِّنٌ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَا: سَبَقَ أَحَدُنَا وَلَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ، فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمُهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْ فَلَا شَيْءَ لَهَا ; لِأَنَّهَا تَشُكُّ فِي اسْتِحْقَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ يَشُكُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الثَّانِي قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَوَاهُ عَنْهُ خَمْسِينَ رَجُلًا، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، لِمَا «رَوَى ابْنُ شُبْرُمَةَ قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْلِمُ الرَّجُلُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ قَبْلَهُ، فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا» وَرُوِيَ «أَنَّ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَأَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ صَفْوَانُ، فَلَمْ يُفَرِّقِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ بَيْنَهُمَا نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ» ، رَوَاهُ مَالِكٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَشُهْرَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ إِسْنَادِهِ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «وَأَسْلَمَتْ أُمُّ حَكِيمٍ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 انْقِضَائِهَا، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِلَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ حِينَ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وَطِئَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَلَمْ يُسْلِمْ، فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ أَسْلَمَ، فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ، فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمَ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْفُرْقَةَ تَتَعَجَّلُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَوَاجِبٌ بِكُلِّ حَالٍ.   [المبدع في شرح المقنع] الْيَمَنِ، فَارْتَحَلَتْ إِلَيْهِ، وَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ، وَقَدِمَ فَبَايَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا» قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ وَزَوْجُهَا مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إِلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، إِلَّا أَنْ يَقْدُمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، رَوَى ذَلِكَ مَالِكٌ. (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُسْلِمِ الثَّانِي قَبْلَ انْقِضَائِهَا (تَبَيَّنَّا أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ حِينَ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ) ; لِأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ اخْتِلَافُ الدِّينِ، فَوَجَبَ أَنْ تُحْتَسَبَ الْفُرْقَةُ مِنْهُ كَالطَّلَاقِ (فَعَلَى هَذَا لَوْ وَطِئَهَا فِي عِدَّتِهَا وَلَمْ يُسْلِمْ، فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) ; لِأَنَّهُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، وَيُؤَدَّبُ (وَإِنْ أَسْلَمَ، فَلَا شَيْءَ لَهَا) ; لِأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي نِكَاحِهِ (وَإِذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ، فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ) ; لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ، فَكَانَ لَهَا النَّفَقَةُ ; لِكَوْنِهِ يَتَمَكَّنُ مِنَ اسْتِمْتَاعِهَا كَالرَّجْعِيَّةِ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا أَوْ لَا (وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمَ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) ; لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى تَلَافِي نِكَاحِهَا، أَشْبَهَتِ الْبَائِنَ (فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ وَهُوَ يَدَّعِي سُقُوطَهَا. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَإِنْ قَالَ: أَسْلَمَتْ بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِنْ إِسْلَامِي، فَلَا نَفَقَةَ لَكِ فِيهِمَا، وَقَالَتْ: بَعْدَ شَهْرٍ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَأَمَّا إِنِ ادَّعَى هُوَ مَا يَفْسَخُ النِّكَاحَ وَأَنْكَرَتْهُ، انْفَسَخَ. فَرْعٌ: لَوْ لَاعَنَ، ثُمَّ أَسْلَمَ - صَحَّ لِعَانُهُ، وَإِلَّا فَسَدَ، فَفِي الْحَدِّ إِذَنْ وَجْهَانِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": لَهُمَا فِيمَنْ ظَنَّ صِحَّةَ نِكَاحٍ فَلَاعَنَ ثُمَّ بَانَ فَسَادُهُ. (وَعَنْهُ: أَنَّ الْفُرْقَةَ تَتَعَجَّلُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ) اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَصَاحِبُهُ، وَقَدَّمَهَا السَّامَرِّيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَنَصَرَهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] الْآيَةَ، وَهِيَ تَدُلُّ مِنْ وَجْهِ عُمُومٍ {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] فَأَمَرَ بِرَدِّ الْمَهْرِ، وَلَوْ لَمْ تَقَعِ الْفُرْقَةُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ لَمَا أَمَرَ بِرَدِّ الْمَهْرِ، وقَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] وَأَبَاحَ نِكَاحَهُنَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَوْلِهِ: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] يَكُونُ مَنْسُوخًا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي حَالِ كُفْرِهِمْ ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَبِأَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ الْمَهْرِ إِلَى الزَّوْجِ إِذَا جَاءَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، ثُمَّ نَسَخَ وُجُوبَ دَفْعِ الْمَهْرِ إِلَيْهِ، وَبِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْعِدَّةِ. وَالثَّالِثَةُ: الْوَقْفُ بِإِسْلَامِ الْكِتَابِيَّةِ وَالِانْفِسَاخِ بِغَيْرِهَا. وَالرَّابِعَةُ: الْوَقْفُ مُطْلَقًا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْفُرْقَةَ حَيْثُ تَقَعُ تَقَعُ فِي الْحَالِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى حَاكِمٍ، وَلَا إِلَى عَرْضِ الزَّوْجِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَغَيْرِهَا نَصَّ عَلَيْهِ ; «لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَسْلَمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، ثُمَّ أَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ بِمَكَّةَ، فَأَقَرَّهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِكَاحِهِمَا ;» وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ كَالْبَيْعِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَتَخَلَّفَ الْآخَرُ حَتَّى انقضت الْعِدَّةِ - انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَعَنْ أَحْمَدَ: تُرَدُّ إِلَى زَوْجِهَا وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ ; لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ لَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ. وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ نُزُولِ تَحْرِيمِ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْكُفَّارِ، أَوْ تَكُونَ حَامِلًا اسْتَمَرَّ حَمْلُهَا، أَوْ مَرِيضَةً لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَ حِيَضٍ حَتَّى أَسْلَمَ زَوْجُهَا، أَوْ تَكُونَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 فَصْلٌ وَإِنِ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَا مَهْرَ لَهَا إِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ، فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَتِ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَهَلْ تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةَ أَوْ تَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] رُدَّتْ إِلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَمَهْرٍ جَدِيدٍ» قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا ضَعِيفٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يَثْبُتُ، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَجْوَدُ إِسْنَادًا، وَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهَا إِذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ بَقَاءَ نِكَاحِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، مَا لَمْ تَنْكِحْ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْأَمْرُ إِلَيْهَا، وَلَا حُكْمَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا حَقَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ وَهُوَ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ، وَكَذَا عَبْدُهُ إِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا، وَأَنَّهَا مَتَى أَسْلَمَتْ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الْعِدَّةِ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ إِنِ اخْتَارَ. (وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَوَاجِبٌ) بَعْدَ الدُّخُولِ (بِكُلِّ حَالٍ) يَعْنِي: إِذَا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ ; لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا قَبَضَتْهُ اسْتَقَرَّ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ تَقْبِضْهُ، أَوْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا شَيْءٌ، فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. [ارْتِدَادُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ هُمَا مَعًا] فَصْلٌ (وَإِنِ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) أَوْ هُمَا مَعًا (قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] ; وَلِأَنَّهُ اخْتِلَافُ دِينٍ يَمْنَعُ الْإِصَابَةَ، فَأَوْجَبَ فَسْخَ النِّكَاحِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ تَحْتَ كَافِرٍ (وَلَا مَهْرَ لَهَا إِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ) ; لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ قِبَلِهَا (وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ) ; لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ جِهَتِهِ أَشْبَهَ طَلَاقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَتِ التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةً فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَإِنْ كَانَتِ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَهَلْ تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ أَوْ تَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 هُوَ الْمُرْتَدَّ، فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنِ انْتَقَلَ أَحَدُ الْكِتَابِيِّينَ إِلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَرِدَّتِهِ. فَصْلٌ وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، اخْتَارَ مِنْهُنَّ   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الْكَافِي " و" الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ، رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالثَّوْرِيِّ ; لِأَنَّ مَا أَوْجَبَ فَسْخَ النِّكَاحِ اسْتَوَى فِيهِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ كَالرَّضَاعِ، وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ أَشْهَرُ -: تَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَإِسْلَامِ الْحَرْبِيَّةِ تَحْتَ الْحَرْبِيِّ، وَالرَّضَاعُ تَحْرِيمُ الْمَرْأَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِ الْفَسْخِ إِلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ) ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَلَافِي نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهِ فَهِيَ كَزَوْجِ الرَّجْعِيَّةِ (وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) ; لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى تَلَافِي نِكَاحِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ كَمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ. تَتِمَّةٌ: إِذَا وَطِئَهَا أَوْ طَلَّقَ، وَلَمْ تَتَعَجَّلِ الْفُرْقَةُ فَفِي الْمَهْرِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ خِلَافٌ فِي " الِانْتِصَارِ ". (وَإِنِ انْتَقَلَ أَحَدُ الْكِتَابِيِّينَ إِلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ) أَوْ تَمَجَّسَ كِتَابِيٌّ تَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ (فَهُوَ كَرِدَّتِهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ بِالْجِزْيَةِ، أَشْبَهَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَإِنْ تَمَجَّسَتْ دُونَهُ فَوَجْهَانِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا انْتَقَلَ إِلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ كَالْيَهُودِيِّ يَتَنَصَّرُ، فَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يُقَرُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَشْبَهَ غَيْرَ الْمُتَنَقِّلِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقَرُّ ; لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى دِينٍ قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِهِ، فَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ. فَرْعٌ: مَنْ هَاجَرَ إِلَيْنَا بِذِمَّةٍ مُؤَبَّدَةٍ أَوْ مُسْلِمًا أَوْ مُسْلِمَةً، وَالْآخَرُ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ. [إِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ] فَصْلٌ (وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ) وَكُنَّ كِتَابِيَّاتٍ (اخْتَارَ مِنْهُنَّ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 أَرْبَعًا، وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُنَّ إِلَى أَنْ يَخْتَارَ، فَإِنْ طَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ أَوْ وَطِئَهَا كَانَ اخْتِيَارًا لَهَا، وَإِنْ طَلَّقَ الْجَمِيعَ ثَلَاثًا، أَقْرَعَ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، خِلَافًا لِلْقَاضِي (أَرْبَعًا) وَلَوْ مِنْ شَابٍّ إِنْ كَانَ مُكَلَّفًا وَإِلَّا وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يُكَلَّفَ (وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ) ; «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ - وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ - فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي لَفْظٍ «اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ حُمَيْضَةَ بْنِ الشَّمَرْدَلِ، وَقَدْ ضُعِّفَا، وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ عُقُودٍ، اخْتَارَ الْأَوَائِلَ أَوِ الْأَوَاخِرَ، وَلَفْظُ الِاخْتِيَارِ نَحْوُ: اخْتَرْتُ هَؤُلَاءِ أَوْ أَمْسَكْتُهُنَّ، أَوِ اخْتَرْتُ حَبْسَهُنَّ أَوْ نِكَاحَهُنَّ، أَوْ أَمْسَكْتُ هَؤُلَاءِ، أَوْ تَرَكْتُ هَؤُلَاءِ، فَإِنْ أَسْقَطَ " اخْتَرْتُ "، فَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: يَلْزَمُهُ فِرَاقُ بَقِيَّتِهِنَّ، وَالْمَهْرُ لِمَنِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِالِاخْتِيَارِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقُرْعَةِ هُنَا ; لِأَنَّهَا قَدْ تَقَعُ عَلَى مَنْ لَا يُحِبُّهَا، فَيُفْضِي إِلَى تَنْفِيرِهِ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ، وَعِدَّةُ الْمَتْرُوكَاتِ مُنْذُ اخْتَارَ ; لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ حَصَلَتْ بِهِ، وَقِيلَ: مُنْذُ أَسْلَمَ ; لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ الْحَقِيقِيَّةَ حَصَلَتْ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِيَارُ بَيْنَ مَحَلِّهَا، فَإِنْ أَسْلَمَ الْبَعْضُ وَلَيْسَ الْبَاقِي كِتَابِيَّاتٍ - مَلَكَ إِمْسَاكًا وَفَسْخًا فِي مُسْلِمَةٍ فَقَطْ، وَلَهُ تَعْجِيلُ إِمْسَاكٍ مُطْلَقًا، وَتَأْخِيرُهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْبَقِيَّةِ أَوْ يُسْلِمْنَ (فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ) ; لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ وَهُوَ يَمْتَنِعُ مِنْهُ، فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَإِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِحَبْسٍ، ثُمَّ تَعْزِيرٍ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَخْتَارَ عَنْهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَوْلَى ; لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ (وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُنَّ إِلَى أَنْ يَخْتَارَ) ; لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ عَلَيْهِ، وَهُنَّ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ (فَإِنْ طَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ) فَقَدِ اخْتَارَهَا فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي زَوْجَةٍ، فَإِنْ قَالَ: فَارَقْتُ، أَوِ اخْتَرْتُ هَؤُلَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ اخْتِيَارًا لِغَيْرِهِنَّ لِلْخَبَرِ ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْفِرَاقِ صَرِيحٌ فِيهِ، وَقِيلَ: اخْتِيَارٌ لِلْمُفَارَقَاتِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَاخْتَارَ فِي " التَّرْغِيبِ " أَنَّ لَفْظَ الْفِرَاقِ هُنَا لَيْسَ طَلَاقًا وَلَا اخْتِيَارًا لِلْخَبَرِ فَإِنْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا كَانَ طَلَاقًا وَاخْتِيَارًا (أَوْ وَطِئَهَا كَانَ اخْتِيَارًا لَهَا) فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي مِلْكٍ كَوَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِشَرْطِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 بَيْنَهُنَّ، فَأَخْرَجَ بِالْقُرْعَةِ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ، وَلَهُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي، وَإِنْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَهَلْ يَكُونُ اخْتِيَارًا لَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ مَاتَ فَعَلَى الْجَمِيعِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُنَّ أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، وَالْمِيرَاثُ   [المبدع في شرح المقنع] الْخِيَارِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " وَجْهٌ كَرَجْعَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ فِي حَقِّ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لَا يُوجِبُ الرَّجْعَةَ (وَإِنْ طَلَّقَ الْجَمِيعَ ثَلَاثًا، أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ، فَأَخْرَجَ بِالْقُرْعَةِ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ) ; لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ الْإِقْرَاعِ (وَلَهُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي) ; لِأَنَّهُنَّ لَمْ يُطَلَّقْنَ مِنْهُ، وَشَرْطُهُ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَاتِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ "، لِئَلَّا يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ، وَقِيلَ: لَا قُرْعَةَ، وَيَحْرُمْنَ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَإِنْ وَطِئَ الْكُلَّ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ. فَرْعٌ: أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ، اخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، فَإِذَا اخْتَارَ تَبَيَّنَّا أَنَّ طَلَاقَهُ وَقَعَ بِهِنَّ ; لِأَنَّهُنَّ زَوْجَاتٌ، وَيَعْتَدِدْنَ مِنْ حِينِ طَلَاقِهِ، وَبَانَ الْبَوَاقِي بِاخْتِيَارِهِ لِغَيْرِهِنَّ، وَلَا يَقَعُ بِهِنَّ طَلَاقُهُ، وَلَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَاتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ طَلَاقَهُنَّ قَبْلَ إِسْلَامِهِنَّ فِي زَمَنٍ لَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ فِيهِ، فَإِذَا أَسْلَمْنَ تَجَدَّدَ لَهُ الِاخْتِيَارُ حِينَئِذٍ. (وَإِنْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَهَلْ يَكُونُ اخْتِيَارًا لَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ "، أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا، جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " و" الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ يَصِحُّ فِي غَيْرِ زَوْجَتِهِ. وَالثَّانِي: بَلَى ; لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِ زَوْجِهِ، فَإِنْ قَذَفَهَا لَمْ يَكُنِ اخْتِيَارًا (وَإِنْ مَاتَ) وَلَمْ يَخْتَرْ (فَعَلَى الْجَمِيعِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ الزَّوْجَاتِ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهُنَّ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُنَّ أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ) وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ ; لِأَنَّهَا أَطْوَلُ الْعِدَّتَيْنِ فِي حَقِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ اعْتَدَّتْ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقَرْاءٍ، أَوْ أَرْبَعَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 لِأَرْبَعٍ مِنْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ، اخْتَارَ مِنْهُمَا وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَتَا أُمًّا وَبِنْتًا، فَسَدَ نِكَاحُ الْأُمِّ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ، فَسَدَ نِكَاحُهُمَا.   [المبدع في شرح المقنع] أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُخْتَارَةً وَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، أَوْ مُفَارِقَةً، وَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، فَأَوْجَبْنَا أَطْوَلَهُمَا لِتُقْضَى بِهِ الْعِدَّةُ بِيَقِينٍ، كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الْكَافِي "، وَقَالَ فِي الشَّرْحِ عَنِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: لَا يَصِحُّ، وَحَكَاهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ (وَالْمِيرَاثُ لِأَرْبَعٍ مِنْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ) فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ الْمِيرَاثَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَلَا زَوْجِيَّةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ، فَإِنِ اخْتَرْنَ الصُّلْحَ جَازَ كَيْفَمَا اصْطَلَحْنَ. فَرْعٌ: إِذَا أَسْلَمْنَ مَعَهُ ثُمَّ مِتْنَ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ، فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ، وَيَكُونُ لَهُ مِيرَاثُهُنَّ، وَلَا يَرِثُ الْبَاقِيَاتِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنَ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْضُهُنَّ فَمِتْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنَ الْجَمِيعِ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمِ الْبَوَاقِي لَزِمَ النِّكَاحُ فِي الْمَيِّتَاتِ، وَإِنْ وَطِئَ الْجَمِيعَ قَبْلَ إِسْلَامِهِنَّ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ، فَاخْتَارَ أَرْبَعًا فَلَيْسَ لَهُنَّ إِلَّا الْمُسَمَّى، وَلِسَائِرِهِنَّ الْمُسَمَّى بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ لِلْوَطْءِ الثَّانِي، وَإِنْ وَطِئَهُنَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِنَّ فَالْمَوْطُوءَاتُ أَوَّلًا الْمُخْتَارَاتُ، وَالْبَاقِي أَجْنَبِيَّاتٌ، وَالْحُكْمُ فِي الْمَهْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ، اخْتَارَ مِنْهُمَا وَاحِدَةً) ; لِمَا رَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ فَيْرُوزَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ، قَالَ: «فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُطَلِّقَ إِحْدَاهُمَا» ; وَلِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ، وَإِنَّمَا حَرُمَ الْجَمْعُ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَوْ طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ إِسْلَامِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَالْأُخْرَى فِي حِبَالِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا ; لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ إِحْدَاهُمَا مَعَهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ، تَعَيَّنَتْ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ تَكُنِ الْأُخْرَى كِتَابِيَّةً (وَإِنْ كَانَتَا أُمًّا وَبِنْتًا فَسَدَ نِكَاحُ الْأُمِّ) وَحَرُمَتْ عَلَى الْأَبَدِ ; لِمَا رَوَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 فَصْلٌ وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ إِمَاءٌ، فَأَسْلَمْنَ، وَكَانَ فِي حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَمَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ، وَإِلَّا فَسَدَ نِكَاحُهُنَّ، وَإِنْ أَسْلَمَ وَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ; وَلِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ; وَلِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ ابْنَتَهَا فِي حَالِ شِرْكِهِ (وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا) وَحَرُمَتَا عَلَى الْأَبَدِ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا، وَالْمَهْرُ لِلْأُمِّ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ. [إِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ إِمَاءٌ فَأَسْلَمْنَ] فَصْلٌ (وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ إِمَاءٌ فَأَسْلَمْنَ معه، وَكَانَ فِي حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ فَمَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ) أَيْ: يَكُونُ عَادِمًا لِلطَّوْلِ خَائِفًا الْعَنَتَ (فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ) ; لِأَنَّ شُرُوطَ النِّكَاحِ تُعْتَبَرُ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، أَيْ: فَيَخْتَارُ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعِفُّهُ فَلَهُ أن يختار مِنْهُنَّ مَنْ تُعِفُّهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى لَا يَخْتَارُ إِلَّا وَاحِدَةً (وَإِلَّا فَسَدَ نِكَاحُهُنَّ) أَيْ: إِذَا لَمْ يُوجَدِ الشَّرْطَانِ فَإِنَّهُ يَفْسَدُ نِكَاحُ الْكُلِّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا حَالَ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَمْلِكِ اخْتِيَارَهَا كَالْمُعْتَدَّةِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ هُنَا أَنْ يَخْتَارَ، بَلْ تَبِينُ بِمُجَرَّدِ إِسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْنَ إِلَّا بَعْدَ الْعِدَّةِ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ وَإِنْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ. (وَإِنْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى أَعْسَرَ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ) ; لِأَنَّ شَرَائِطَ النِّكَاحِ تُعْتَبَرُ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَتْ إِحْدَاهُنَّ وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي بَعْدَ إِعْسَارِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ ; لِأَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ دَخَلَ بِإِسْلَامِ الْأول، فَلَوْ أَسْلَمَتِ الْأُولَى وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَمْ يُسْلِمِ الْبَوَاقِي حَتَّى أَيْسَرَ - لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنَ الْبَوَاقِي ; لِأَنَّ الْأُولَى اجْتَمَعَتْ مَعَهُ فِي حَالٍ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا، وَلَوْ أَسْلَمَ وَأَسْلَمَتْ مَعَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَلَمْ يَخْتَرْ حَتَّى أَيْسَرَ - كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ ; لِأَنَّ تَغَيُّرَ حَالِهِ لَا يُسْقِطُ مَا ثَبَتَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 مُوسِرٌ، فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى أَعْسَرَ، فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ إِحْدَاهُنَّ بَعْدَهُ، ثُمَّ عُتِقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي - فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ، وَإِنْ عُتِقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاخْتِيَارُ مِنَ الْبَوَاقِي، وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ، فَأَسْلَمَتِ الْحُرَّةُ فِي عِدَّتِهَا قَبْلَهُنَّ أَوْ بَعْدَهُنَّ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ، وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ وَتَحْتَهُ إِمَاءٌ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، ثُمَّ عُتِقَ، فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَعُتِقَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ إِلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ فِيهِ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ أَسْلَمَتْ إِحْدَاهُنَّ بَعْدَهُ، ثُمَّ عُتِقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي - فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ) ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ حَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَحَالَ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ كَانَتْ أَمَةً (وَإِنْ عُتِقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاخْتِيَارُ مِنَ الْبَوَاقِي) ; لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِعِصْمَةِ حُرَّةٍ مِنْ حِينِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ (وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ، فَأَسْلَمَتِ الْحُرَّةُ فِي عِدَّتِهَا قَبْلَهُنَّ أَوْ بَعْدَهُنَّ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ) ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى حُرَّةٍ، فَلَا يَخْتَارُ أَمَةً، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمِ الْإِمَاءُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ - بِنَّ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَإِنْ أَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ، بِنَّ مِنْ حِينِ إِسْلَامِ الْحُرَّةِ، وَابْتِدَاءُ الْعَقْدِ مِنْ حِينِ الْبَيْنُونَةِ، فَإِنْ مَاتَتِ الْحُرَّةُ بَعْدَ إِسْلَامِهَا، لَمْ يَتَغَيَّرِ الْحُكْمُ بِمَوْتِهَا، وَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْحُرَّةِ قَبْلَ إِسْلَامِهَا، بَانَتْ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنَ الْإِمَاءِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحُرَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْإِمَاءِ قَبْلَ إِسْلَامِهَا وَقَضَاءِ عِدَّتِهَا، وَإِنْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا قَبْلَ إِسْلَامِهَا، ثُمَّ لَمْ يُسْلِمْ، لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنَ الْإِمَاءِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي عِدَّتِهَا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ، وَوَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ، وَبِنَّ الْإِمَاءُ بِثُبُوتِ نِكَاحِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ وَتَحْتَهُ إِمَاءٌ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ) أَوْ فِي الْعِدَّةِ (ثُمَّ عُتِقَ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ) اثْنَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ حَالَ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ كَانَ عَبْدًا، يَجُوزُ لَهُ الِاخْتِيَارُ مِنَ الْإِمَاءِ (فَإِنْ أَسْلَمَ وَعُتِقَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ إِلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ فِيهِ) ; لِأَنَّهُ فِي حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ حُرًّا، فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْحُرِّ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ ; لِثُبُوتِ خِيَارِهِ حُرًّا، وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَرْبَعٍ، فَأَسْلَمَتْ ثِنْتَانِ، ثُمَّ عُتِقَ، فَأَسْلَمَتَا، فَهَلْ تَتَعَيَّنُ الْأَوَّلِيَّانِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَلَا مَهْرَ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 كِتَابُ الصَّدَاقِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي النِّكَاحِ، وَيُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُ، وَأَلَّا يُعَرَّى النِّكَاحُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الصَّدَاقِ] [تَعْرِيفُ الصداق وَحُكْمُهُ] ِ وَهُوَ الْعِوَضُ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ، وَفِيهِ لُغَاتٌ: صَدَاقٌ - بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا، وَصَدُقَةٌ - بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّ الدَّالِّ، وَصُدْقَةٌ - بِسُكُونِ الدَّالِ فِيهِمَا مَعَ ضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِهَا، وَلَهُ أَسْمَاءٌ: الصَّدَاقُ وَالصَّدُقَةُ، وَالْمَهْرُ، وَالنِّحْلَةُ، وَالْفَرِيضَةُ، وَالْأَجْرُ، وَالْعَلَائِقُ، وَالْعُقْرُ، وَالْحِبَاءُ، وَقَدْ نُظِمَتْ فِي بَيْتٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: صَدَاقٌ وَمَهْرُ نِحْلَةٍ وَفَرِيضَةٌ ... حِبَاءٌ وَأَجْرٌ ثُمَّ عُقْرُ عَلَائِقِ يُقَالُ: أَصْدَقْتُ الْمَرْأَةَ وَمَهَرْتُهَا، وَلَا يُقَالُ: أَمْهَرْتُهَا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَفِي " النِّهَايَةِ " (وَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي النِّكَاحِ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وَقِيلَ: النِّحْلَةُ: الْهِبَةُ، وَالصَّدَاقُ فِي مَعْنَاهَا، وَقِيلَ: نِحْلَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلنِّسَاءِ، وقَوْله تَعَالَى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنْ دَخَلَ بِهَا، فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: مَهْيَمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، قَالَ: مَا أَصْدَقْتَهَا؟ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، قَوْلُهُ: (وَزْنَ نَوَاةٍ) ، هُوَ اسْمٌ لِمَا زِنْتُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 وَأَلَّا يَزِيدَ عَلَى صَدَاقِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَنَاتِهِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ   [المبدع في شرح المقنع] خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً، وَقِيلَ: كَانَتْ قَدْرَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ، وَقِيلَ: كَانَتْ رُبْعَ دِينَارٍ. (وَيُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُ) ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَعْظَمُ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُنَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَقَالَ عُمَرُ: لَا تُغَالُوا في بِصُدُقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ، لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (وَأَلَّا يُعَرَّى النِّكَاحُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ) بَلْ يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْعَقْدِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُزَوِّجُ وَيَتَزَوَّجُ، وَلَمْ يَكُنْ يُخْلِي ذَلِكَ مِنْ صَدَاقٍ مَعَ أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ، وَقَالَ لِلَّذِي زَوَّجَهُ الْمَوْهُوبَةَ: «هَلْ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ; وَلِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ، وَلَيْسَ ذِكْرُهُ شَرْطًا وِفَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] ; وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالنِّكَاحِ الْوَصْلَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ، وَبَالَغَ فِي " التَّبْصِرَةِ " فَكَرِهَ تَرْكَهُ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُبْطِلُونَ هَذَا النِّكَاحَ إِذَا خُوصِمُوا فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ. [أَقَلُّ الصَّدَاقِ وَأَكْثَرُهُ وَمَا يُجْزِئُ فِيهِ] (وَأَلَّا يَزِيدَ عَلَى صَدَاقِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَنَاتِهِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَقَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ صَدَاقَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَزْوَاجِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ» ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " و" الْوَجِيزِ " و" الْفُرُوعِ ": أَلَّا يَزِيدَ عَلَى مُهُورِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 وَلَا أَكْثَرُهُ، بَلْ كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَعَيْنٍ وَدَيْنٍ، وَمُعَجَّلٍ وَمُؤَجَّلٍ، وَمَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ، كَرِعَايَةِ غَنَمِهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً،   [المبدع في شرح المقنع] وَبَنَاتِهِ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَقَدَّمَ فِي " التَّرْغِيبِ ": لَا يُزَادُ عَلَى مَهْرِ بَنَاتِهِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ ; لِمَا رَوَى أَبُو الْعَجْفَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: «مَا أَصْدَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرُ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، لَكِنْ أَبُو الْعَجْفَاءِ فِيهِ ضَعْفٌ. (وَلَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ) وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَجَازَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَزَوَّجَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ابْنَتَهُ بِدِرْهَمَيْنِ ; وَلِأَنَّهُ بَدَلُ مَنْفَعَتِهَا، فَجَازَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ كَالْبَيْعِ (وَلَا أَكْثَرُهُ) بِالْإِجْمَاعِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ أَصْدَقَ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ عَلِيٍّ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَقَالَ عُمَرُ: خَرَجْتُ وأَنَا أُرِيدَ أَنْ أَنْهَى عَنْ كَثْرَةِ الصَّدَاقِ، فَذَكَرْتُ هَذَا {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ: الْقِنْطَارُ مِائَةُ رَطْلٍ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: بَلْ مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَبْعُونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ (بَلْ كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا) أَوْ أُجْرَةً (جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ) ; لِأَنَّهُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ، أَشْبَهَ عِوَضَ الْبَيْعِ، لَكِنْ قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلِنِصْفِهِ قِيمَةٌ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفٌ يُتَمَوَّلُ عَادَةً بِحَيْثُ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَقِيَ لَهَا مِنَ النِّصْفِ مَالٌ حَلَالٌ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": لَهُ أَوْسَطُ النُّقُودِ ثُمَّ أَدْنَاهَا (وَعَيْنٍ وَدَيْنٍ، وَمُعَجَّلٍ وَمُؤَجَّلٍ، وَمَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ، كَرِعَايَةِ غَنَمِهَا مُدَّةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 وَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَرَدِّ عَبْدِهَا مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً كَرَدِّ عَبْدِهَا أَيْنَ كَانَ، وَخِدْمَتِهَا فِيمَا شَاءَتْ - لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ أَبْوَابٍ   [المبدع في شرح المقنع] مَعْلُومَةً) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] ; وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ يَجُوزُ الْعِوَضُ عَنْهَا فِي الْإِجَارَةِ، فَجَازَتْ صَدَاقًا كَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْحُرِّ كَالْمَمْلُوكِ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْكِحُوا الْأَيَامَى، وَأَدُّوا الْعَلَائِقَ، قِيلَ: مَا الْعَلَائِقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ: مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ وَلَوْ قَضِيبٌ مِنْ أَرَاكٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنَافِعُ الْحُرِّ صَدَاقًا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ (وَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَرَدِّ عَبْدِهَا مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) ; لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْمَبِيعِ كَالْمُحَرَّمِ، وَالْمَعْدُومِ، وَالْمَجْهُولِ، وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، كَالْمَبِيعِ مِنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَمَا لَا يُتَمَوَّلُ عَادَةً كَقِشْرِ جَوْزَةٍ، وَحَبَّةِ حِنْطَةٍ - لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا ; لِأَنَّهُ نَقَلَ الْمِلْكَ فِيهِ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ ذَلِكَ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً كَرَدِّ عَبْدِهَا أَيْنَ كَانَ وَخِدْمَتِهَا فِيمَا شَاءَتْ لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مَجْهُولًا، كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ ; لِأَنَّ الْحُمْلَانَ مَجْهُولٌ لَا يُوقَفُ لَهُ عَلَى حُدُودٍ. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا كَرَقَبَتِهِ، وَمَنْفَعَةِ الْبُضْعِ، وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ الْأَصَحُّ -: أَنَّهُ يَصِحُّ بِدَلِيلِ قِصَّةِ مُوسَى، وَقِيَاسًا عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَبْدِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ كَانَتْ خِدْمَةً مَعْلُومَةً كَبِنَاءِ حَائِطٍ صَحَّ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً، مِثْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا بِعَبْدِهَا الْآبِقِ أَيْنَ كَانَ، وَيَخْدِمَهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ أَرَادَتْ، فَلَا يَصِحُّ، وَلَا يَضُرُّ جَهْلٌ يَسِيرٌ، وَغَرَرٌ يُرْجَى زَوَالُهُ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى شِرَائِهِ لَهَا عَبْدَ زَيْدٍ، صَحَّ فِي الْمَنْصُوصِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ شِرَاؤُهُ بِقِيمَتِهِ، فَلَهَا قِيمَتُهُ، وَكَذَا عَلَى دَيْنٍ سَلَمٍ، وَآبِقٍ، وَمَغْصُوبٍ يُحَصِّلُهُ، وَمَبِيعٍ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ) كَالْخَمْرِ، وَالْمَعْدُومِ، وَالْآبِقِ، وَالْمَجْهُولِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 مِنَ الْفِقْهِ، أَوِ الْحَدِيثِ، أَوْ قَصِيدَةٍ مِنَ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ، صَحَّ، فَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا، لَمْ يَصِحَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيَتَعَلَّمُهَا ثُمَّ يُعَلِّمُهَا، فَإِنْ تَعَلَّمَتْهَا مِنْ غَيْرِهِ، لَزِمَهُ أُجْرَةُ تَعَلُّمِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ تَعْلِيمِهَا، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأُجْرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) ; لِأَنَّ فَسَادَ الْعِوَضِ يَقْتَضِي رَدَّ الْمُعَوَّضِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ، فَوَجَبَ قِيمَتُهُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَنِ اشْتَرَى بِثَمَنٍ فَاسِدٍ، فَقَبَضَ الْمَبِيعَ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ، وَعَنْهُ: يَفْسُدُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ فَسَادَ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ عَدَمِهِ، وَعَدَمُهُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ، كَذَا هَذَا، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ إِلَّا بِبَدَلٍ، وَلَمْ يُسَلَّمِ الْبَدَلُ، وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْعِوَضِ فَوَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِخَمْرٍ، فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ أَبْوَابٍ مِنَ الْفِقْهِ، أَوِ الْحَدِيثِ، أَوْ قَصِيدَةٍ مِنَ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ) أَوْ أَدَبٍ، أَوْ صَنْعَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ، وَهُوَ مُعَيَّنٌ (صَحَّ) ; لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِهِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، كَمَنَافِعِ الدَّارِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَتَعَلَّمُهَا ثُمَّ يُعَلِّمُهَا (فَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا لَمْ يَصِحَّ) عَلَى الْمَذْهَبِ، كَذَا قِيلَ، وَاخْتَارَهُ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا شَيْئًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ عَلَى الْخِيَاطَةِ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أُعَلِّمَكِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُجَرَّدِ " ; لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا مَالًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَعَلَى هَذَا (يَتَعَلَّمُهَا ثُمَّ يُعَلِّمُهَا) أَوْ يُقِيمُ لَهَا مَنْ يُعَلِّمُهَا، لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِغَيْرِهَا فَقَالَتْ: عَلِّمْهَا الْقَصِيدَةَ الَّتِي تُرِيدُ تَعْلِيمِي إِيَّاهَا، أَوْ أَتَاهَا بِغَيْرِهِ يُعَلِّمُهَا، لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ فِي الْأَشْهَرِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي عَيْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إِيقَاعُهُ فِي غَيْرِهَا ; وَلِأَنَّ الْمُعَلِّمِينَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّعْلِيمِ (فَإِنْ تَعَلَّمَتْهَا مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ أُجْرَةُ تَعَلُّمِهَا) ; لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ بِالْوَاجِبِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى بَدَلِهِ، وَكَذَا إِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهَا، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا خِيَاطَةَ ثَوْبٍ فَتَعَذَّرَ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ عَلَّمَهَا وَأَنْكَرَتْهُ، قُبِلَ قَوْلُهَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَإِنْ عَلَّمَهَا ثُمَّ أُنْسِيَتْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَقَّنَهَا الْجَمِيعَ وَكُلَّمَا لَقَّنَهَا شَيْئًا أُنْسِيَتْهُ - لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ فِي الْأَشْهَرِ (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ تَعْلِيمِهَا، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأُجْرَةِ) ; لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، فَلَا يُؤْمَنُ فِي تَعْلِيمِهَا مِنَ الْفِتْنَةِ، وَبَعْدَ الدُّخُولِ كُلُّهَا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعَلِّمَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 يُعَلِّمَهَا نِصْفَهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَعْلِيمِهَا، رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَجْرِ، وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُعَيَّنٍ، لَمْ يَصِحَّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ قِرَاءَةٍ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ. وَإِنْ تَزَوَّجَ نِسَاءً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ خَالَعَهُنَّ   [المبدع في شرح المقنع] نِصْفَهَا) هَذَا رِوَايَةٌ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، أَشْبَهَ سَمَاعَ كَلَامِهَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَعَلَى هَذَا يُعَلِّمُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ بِهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَفِي تَعْلِيمِهَا الْكُلَّ الْوَجْهَانِ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَعْلِيمِهَا، رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَجْرِ) ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَالرُّجُوعُ بِنِصْفِ التَّعْلِيمِ مُتَعَذِّرٌ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى بَدَلِهِ - وَهُوَ نِصْفٌ - وَإِنْ سَقَطَ مَهْرُهَا رَجَعَ بِالْكُلِّ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُعَيَّنٍ، لَمْ يَصِحَّ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّ الْفُرُوجَ لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِالْمَالِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَنْ {تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] وَالطَّوْلُ: الْمَالُ ; لِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ قُرْبَةٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا كَالصَّوْمِ (وَعَنْهُ: يَصِحُّ) ذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّهَا الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " ; لِحَدِيثِ الْمَوْهُوبَةِ ; وَلِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، فَجَازَ جَعْلُ ذَلِكَ صَدَاقًا كَتَعْلِيمِ قَصِيدَةٍ مِنَ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ، وَقِيلَ: إِنْ جَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَحَدِيثُ الْمَوْهُوبَةِ قِيلَ: مَعْنَاهُ: زَوَّجْتُكَهَا ; لِأَنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، كَمَا زَوَّجَ طَلْحَةَ عَلَى إِسْلَامِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ، يُؤَيِّدُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ غُلَامًا عَلَى سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَكُونُ بَعْدَكَ مَهْرًا» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالنَّجَّادُ، فَعَلَى هَذَا تُعَيَّنُ السُّورَةُ أَوِ الْآيَةُ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعَيَّنْ يَصِيرُ مَجْهُولًا مُفْضِيًا إِلَى الْمُنَازَعَةِ (وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ قِرَاءَةٍ) مِنَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ ; لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ) ; لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ، وَالْقِرَاءَاتِ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا مَا هُوَ صَعْبٌ، كَقِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَهِشَامٍ، وَوُقُوفُهُمَا عَلَى الْمَدِّ، أَشْبَهَ تَعْيِينَ الْآيَاتِ، فَإِنْ أَطْلَقَ فَعَرَّفَ الْبَلَدَ، فَإِنْ تَعَلَّمَتْهُ مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنَّ عَلَّمَهَا ثُمَّ سَقَطَ، رَجَعَ بِالْأُجْرَةِ، وَمَعَ تَنَصُّفِهِ بِنِصْفِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُعَلِّمْهَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ مَا يَلْزَمُهُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ "، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ سَمَاعُهُ بِلَا حَاجَةٍ، وَعَنْهُ: يُعَلِّمُهَا مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 بِعِوَضٍ وَاحِدٍ - صَحَّ، وَيُقْسَمُ الْعِوَضُ بَيْنَهُنَّ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ. فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَالثَّمَنِ، وَإِنْ أَصْدَقَهَا دَارًا غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ دَابَّةٍ - لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] مُلْحَقٌ: بَقِيَّةُ الْقُرَبِ كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ تَخْرُجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَاضِحِ ". تَنْبِيهٌ: إِذَا أَصْدَقَ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَصِحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَفِي الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ بِقَصْدِهَا الِاهْتِدَاءَ بِهِ ; وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْجُنُبَ يُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَعَ إِيمَانِهِ وَاعْتِقَادِهِ، فَالْكَافِرُ أَوْلَى، وَالسَّمَاعُ غَيْرُ الْحِفْظِ، وَكَذَا إِذَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شَيْءٍ مِنَ التَّوْرَاةِ أَوِ الْإِنْجِيلِ، وَلَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ ; لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَمُبَدَّلٌ. [إِنْ تَزَوَّجَ نِسَاءً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ خَالَعَهُنَّ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ] (وَإِنْ تَزَوَّجَ نِسَاءً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ خَالَعَهُنَّ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ - صَحَّ) ; لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي الْجُمْلَةِ مَعْلُومٌ، فَلَمْ تُؤَثِّرْ جَهَالَةُ مَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ مِنْ رَجُلٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ - وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي " التَّرْغِيبِ " -: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ; لِأَنَّ مَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَعْلُومٍ (وَيُقْسَمُ الْعِوَضُ بَيْنَهُنَّ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ) أَيْ: مُهُورُ مِثْلِهِنَّ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْقِيمَةِ وَجَبَ تَقْسِيطُ الْعِوَضِ بَيْنَهُمَا بِالْقِيمَةِ، كَمَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا (وَفِي الْآخَرِ يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِنَّ إِضَافَةً وَاحِدَةً، فَكَانَ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لَهُنَّ أَوْ أَقَرَّ لَهُنَّ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": وَكَمَا لَوْ قَالَ بَيْنَهُنَّ، وَقِيلَ: فِي الْخُلْعِ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ الْمُسَمَّاةِ. فَرْعٌ: تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِصَدَاقٍ وَاحِدٍ، وَقُلْنَا: يَصِحُّ فِي الْأُخْرَى، فَلَهَا حِصَّتُهَا مِنَ الْمُسَمَّى، وَقِيلَ: مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ نِكَاحٍ وَبَيْعٍ - صَحَّ فِي الْأَشْهَرِ، فَعَلَى هَذَا يُقَسَّطُ الْعِوَضُ عَلَى قَدْرِ صَدَاقِهِمَا وَقِيمَةِ الْمَبِيعِ. [يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ مَعْلُومًا] فَصْلٌ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَالثَّمَنِ) ; لِأَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَاشْتَرَطَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 يَصِحَّ، وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ، وَلَهَا الْوَسَطُ، وَهُوَ السِّنْدِيُّ، وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ   [المبدع في شرح المقنع] كَوْنَهُ مَعْلُومًا كَالْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ ; لِأَنَّ غَيْرَ الْمَعْلُومِ مَجْهُولٌ، لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ كَالْمُحَرَّمِ، لَكِنْ لَا يَضُرُّ جَهْلٌ يَسِيرُ، وَغَرَرٌ يُرْجَى زَوَالُهُ فِي الْأَصَحِّ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا دَارًا غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ دَابَّةً - لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّ الصَّدَاقَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا (وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ) ; لِلْجَهَالَةِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ) ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْعَلَائِقُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» ; وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ ثَبَتَ فِيهِ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ الْمَقْصُودُ فِيهِ الْمَالُ، فَثَبَتَ مُطْلَقًا كَالدِّيَةِ ; وَلِأَنَّ جَهَالَةَ التَّسْمِيَةِ هَذِهِ أَقَلُّ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَحكي فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " عَنِ الْقَاضِي: يَصِحُّ مَجْهُولًا مَا لَمْ تَزِدْ جَهَالَتُهُ عَلَى جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، كَعَبْدٍ، وَفَرَسٍ، مِنْ جِنْسٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ كَانَ دَابَّةً أَوْ حَيَوَانًا لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْوَسَطِ (وَلَهَا الْوَسَطُ، وَهُوَ السِّنْدِيُّ) بِالْعِرَاقِ ; لِأَنَّ الْأَعْلَى التُّرْكِيُّ، وَالْأَسْفَلَ الزِّنْجِيُّ، وَالْوَسَطَ السِّنْدِيُّ وَالْمَنْصُورِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْخَبَرُ الْمُرَادُ بِهِ: مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ مِمَّا يَصْلُحُ عِوَضًا بِدَلِيلِ سَائِرِ مَا لَا يَصْلُحُ، وَالدِّيَةُ ثَبَتَتْ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ، وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْقِيَاسِ فِي تَقْدِيرِهَا، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ أَصْلًا، ثُمَّ الْحَيَوَانُ الثَّابِتُ فِيهَا مَوْصُوفٌ مُقَدَّرٌ بِقِيمَتِهِ، فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْمُطْلَقُ، وَأَمَّا كَوْنُ جَهَالَةِ الْمُطْلَقِ أَقَلَّ مِنْ جَهَالَةِ قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَمَمْنُوعٌ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْقَبَائِلِ يَكُونُ لِنِسَائِهِمْ مَهْرٌ، لَا يَكَادُ يَخْتَلِفُ إِلَّا بِالثِّيُوبَةِ وَالْبَكَارَةِ، فَيَكُونُ إِذًا مَعْلُومًا. (وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ) ; لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ، أَوْ دَابَّةً، أَوْ ثَوْبًا (وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَصِحُّ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " كَمَوْصُوفٍ، وَكَمَا لَوْ عَيَّنَ ثُمَّ نَسِيَ، وَهَذَا مِمَّا لَا نَظِيرَ لَهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَتَأَوَّلَ أَبُو بَكْرٍ نَصَّ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ أَشْكَلَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَعَلَى هَذَا يُعْطِي مِنْ عَبِيدِهِ وَسَطَهُمْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ (و) الْأَشْهَرُ: أَنَّ (لَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَهَا أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ، وَكَذَلِكَ يُخْرِجُ إِذَا أَصْدَقَهَا دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ، أَوْ قَمِيصًا مِنْ قُمْصَانِهِ، وَنَحْوَهُ، وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مَوْصُوفًا، صَحَّ، وَإِنْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، أَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا وَسَطًا، وَجَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، أَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَجَاءَتْهُ بِقِيمَتِهِ - لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا ذَلِكَ، وَإِنْ أَصْدَقَهَا طَلَاقَ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، فَإِنْ فَاتَ طَلَاقُهَا بِمَوْتِهَا، فَلَهَا مَهْرُهَا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ) نَقَلَهْ مُهَنَّا ; لِأَنَّهُ إِذَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا اسْتَحَقَّتْ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَشُرِعَتِ الْقُرْعَةُ مُمَيِّزَةً، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدٌ عَبْدَهُ، وَقِيلَ: يُعْطِيهَا مَا اخْتَارَهُ، وَقِيلَ: مَا اخْتَارَتْ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ (وَكَذَلِكَ يُخْرِجُ إِذَا أَصْدَقَهَا دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ، أَوْ قَمِيصًا مِنْ قُمْصَانِهِ، وَنَحْوَهُ) ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا سَبَقَ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مَوْصُوفًا صَحَّ) ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، وَالصِّفَةُ تُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ الْمُعَيَّنِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا (وَإِنْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، أَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا وَسَطًا، وَجَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، أَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَجَاءَتْهُ بِقِيمَتِهِ - لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ) فِي الْأَشْهَرِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا ذَلِكَ) قِيَاسًا عَلَى الْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ عَبْدًا بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا أَخْذُ قِيمَتِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا، وَالْأَثْمَانُ أَصْلٌ فِي الدِّيَةِ كَالْإِبِلِ، فَيَلْزَمُ الْوَلِيُّ الْقَبُولَ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ ; وَلِأَنَّ الدِّيَةَ خَارِجَةٌ عَنِ الْقِيَاسِ، ثُمَّ قِيَاسُ الْعِوَضِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْوَاضِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عُقُودَ الْمُعَاوَضَةِ، ثُمَّ يَنْتَقِضُ بِالْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ. فَرْعٌ: إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا، صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَبَتْ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ، فَلَهَا قِيمَتُهُ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا طَلَاقَ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا» ; وَلِأَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ ثَمَنًا فِي بَيْعٍ، وَلَا أَجْرًا فِي إِجَارَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ صَدَاقًا، كَالْمَنَافِعِ الْمُحَرَّمَةِ، فَعَلَى هَذَا لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ نِصْفُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوِ الْمُتْعَةِ، عِنْدَ مَنْ يُوجِبُهَا فِي التَّسْمِيَةِ الْفَاسِدَةِ (وَعَنْهُ: يَصِحُّ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ لَهَا فَائِدَةً وَنَفْعًا لِمَا يَحْصُلُ لَهَا فِي الرَّاحَةِ بِطَلَاقِهَا، مِنْ مُقَاسَمَتِهَا، وَالْغَيْرَةِ مِنْهَا، فَصَحَّ جَعْلُهُ صَدَاقًا، كَخِيَاطَةِ ثَوْبِهَا، وَعِتْقِ أَمَتِهَا (فَإِنْ فَاتَ طَلَاقُهَا بِمَوْتِهَا، فَلَهَا مَهْرُهَا) أَيْ مَهْرُ الضُّرَّةِ (فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ) ; لِأَنَّهُ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا لَمْ يَصِلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ كَانَ أَبُوهَا حَيًّا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ أَبُوهَا مَيِّتًا - لَمْ تَصِحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ، وَأَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ لَمْ يَصِحَّ فِي قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَصِحُّ وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدَتِهِ: أَعْتِقِينِي   [المبدع في شرح المقنع] إِلَيْهَا فَكَانَ لَهَا قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَخَرَجَ حُرًّا، وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ مَهْرَ مِثْلِهَا ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَلَا مِثْلَ لَهُ، وَكَذَا جَعْلُهُ إِلَيْهَا إِلَى سَنَةٍ، وَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنَ الْمَهْرِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْقُطُ، فَهَلْ تَرْجِعُ إِلَى مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ إِلَى مَهْرِ الْأُخْرَى؛ فِيهِ وَجْهَانِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ كَانَ أَبُوهَا حَيًّا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ أَبُوهَا مَيِّتًا - لَمْ تَصِحَّ) التَّسْمِيَةُ (نَصَّ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا ; لِأَنَّ حَالَ الْأَبِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، فَيَكُونُ مَجْهُولًا ; وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَحِينَئِذٍ لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا، وَعَنْهُ: يَصِحُّ ; لِأَنَّ الْأَلْفَ مَعْلُومَةٌ، وَإِنَّمَا جُهِلَ الثَّانِي، وَهُوَ وَمُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ، وَأَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ - لَمْ يَصِحَّ فِي قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا) ; لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا، وَكَذَا إِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ دَارِهَا، وَعَلَى أَلْفَيْنِ إِنْ أَخْرَجَهَا (وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَصِحُّ) هَذِهِ التَّسْمِيَةُ هُنَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي: فِيهِمَا رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الشَّرْطَيْنِ، فَلَمْ تَصِحَّ كَالْبَيْعِ، وَالثَّانِيَةُ: تَصِحُّ ; لِأَنَّ أَلْفًا مَعْلُومَةٌ، وَإِنَّمَا جُهِلَتِ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ عَلَى شَرْطٍ، فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ كَانَ زِيَادَةً فِي الصَّدَاقِ، وَالزِّيَادَةُ فِيهِ صَحِيحَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، يَعْنِي: الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ فِيهِمَا، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ لَا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ، فَلَوْ قَالَ: إِنْ مَاتَ أَبُوكِ فَقَدْ زِدْتُكِ فِي صَدَاقِكِ أَلْفًا - لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ تَلْزَمِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ مَوْتِ الْأَبِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّرْطَ يَتَجَدَّدُ فِي قَوْلِهِ: إِنْ كَانَ لِي زَوْجَةٌ، أَوْ إِنْ كَانَ أَبُوكِ حَيًّا، وَلَا الَّذِي جَعَلَ الْأَلْفَ فِيهِ مَعْلُومَ الْوُجُودِ لِتَكُونَ الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ زِيَادَةً عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ نَصِّ أَحْمَدَ عَلَى بُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ، وَنَصِّهِ عَلَى صِحَّتِهَا - بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا غَرَضٌ يَصِحُّ بَدَلَ الْعِوَضِ فِيهِ - وَهُوَ كَوْنُ أَبِيهَا مَيِّتًا - وَخُلُوُّهَا عَنْ ضُرَّةٍ مِنْ أَكْبَرِ أَغْرَاضِهَا، وَكَذَلِكَ قَرَارُهَا فِي دَارِهَا بَيْنَ أَهْلِهَا، وَفِي وَطْئِهَا، فَعَلَى هَذَا يَمْتَنِعُ قِيَاسُ إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَكِ، فَأَعْتَقَتْهُ عَلَى ذَلِكَ - عُتِقَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا فَرَضَ الصَّدَاقَ مُؤَجَّلًا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَحَلَّ الْأَجَلِ - صَحَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَمَحَلُّهُ الْفُرْقَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا تَصِحُّ. فَصْلٌ وَإِنْ أَصْدَقَهَا خَمْرًا، أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ مَالًا مَغْصُوبًا صَحَّ النِّكَاحُ، وَوَجَبَ مَهْرُ   [المبدع في شرح المقنع] وَرَدَتْ مِنَ الْمَسَائِلِ أُلْحِقَ بِمَا يُشْبِهُهَا، وَلَا يَكُونُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ إِلَّا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. (وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدَتِهِ: أَعْتِقِينِي عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَكِ، فَأَعْتَقَتْهُ عَلَى ذَلِكَ - عُتِقَ) ; لِأَنَّ سَيِّدَتَهُ أَعْتَقَتْهُ (وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) ; لِأَنَّ النِّكَاحَ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلزَّوْجِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ تُمَلِّكَهُ دَارًا، وَكَذَا إِنْ قَالَتْ لِعَبْدِهَا: أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِي، لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَيُعْتَقُ وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ ; لِأَنَّهَا اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ شَرْطًا هُوَ حَقٌّ لَهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَمَا لَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ تَهَبَهُ دِينَارًا لِيُقَبِّلَهَا ; وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مِنَ الرَّجُلِ لَا عِوَضَ لَهُ، بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ (وَإِذَا فَرَضَ الصَّدَاقَ مُؤَجَّلًا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَحَلَّ الْأَجَلِ - صَحَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) ; لِأَنَّ لِذَلِكَ عُرْفًا، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ، وَيُحْمَلَ عَلَيْهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا وَحَالًّا، وَبَعْضُهُ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَجَازَ فِيهِ ذَلِكَ كَالثَّمَنِ، وَمَتَى أُطْلِقَ اقْتَضَى الْحُلُولَ، كَمَا لَوْ أُطْلِقَ ذِكْرُ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَرَطَهُ مُؤَجَّلًا إِلَى وَقْتٍ فَهُوَ إِلَى أَجَلِهِ (وَمَحَلُّهِ الْفُرْقَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) ; لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ تَرْكُ الْمُطَالَبَةِ بِالصَّدَاقِ إِلَى حِينِ الْفُرْقَةِ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ، فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مَعْلُومًا (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا تَصِحُّ) التَّسْمِيَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَحِينَئِذٍ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ مُدَّةً مَجْهُولَةً، كَقُدُومِ زَيْدٍ، وَنَحْوِهِ - لَمْ يَصِحَّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَحْتَمِلُ إِذَا كَانَ الْأَجَلُ مَجْهُولًا أَنْ يَكُونَ حَالًّا، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُهُ - فِي رِوَايَةٍ - وَفِي أُخْرَى، مَنَعَهُ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مُحَرَّمٍ كَخَمْرٍ. [إِنْ أَصْدَقَهَا خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَالًا مَغْصُوبًا] فَصْلٌ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَالًا مَغْصُوبًا - صَحَّ النِّكَاحُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 الْمِثْلِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُعْجِبُهُ اسْتِقْبَالُ النِّكَاحِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَخَرَجَ حُرًّا، أَوْ مَغْصُوبًا، أَوْ عَصِيرٍ، فَبَانَ خَمْرًا فَلَهَا قِيمَتُهُ، وَإِنْ وَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا، فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِ أَرْشِهِ أَوْ رَدِّهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَبْطُلُ بِجَهَالَةِ الْعِوَضِ، فَلَا يَفْسُدُ بِتَحْرِيمِهِ، كَالْخُلْعِ ; وَلِأَنَّ فَسَادَ الْعِوَضِ لَا يَزِيدُ عَلَى عَدَمِهِ (ووَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) فِي قَوْلِهِمْ ; لِأَنَّ فَسَادَ الْعِوَضِ يَقْتَضِي رَدَّ الْمُعَوَّضِ، فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَنَ اشْتَرَى ثَوْبًا بِثَمَنٍ فَاسِدٍ، فَتَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ; لِأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ اعْتُبِرَ قِيمَتُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَالْمَبِيعِ، لَا يُقَالُ: إِنَّمَا وَجَبَ لِحَقِّ اللَّهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَقَلُّ الْمَهْرِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُعْجِبُهُ اسْتِقْبَالُ النِّكَاحِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ) وَشَيْخُهُ الْخَلَّالُ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ عِوَضَهُ مُحَرَّمًا، أَشْبَهَ نِكَاحَ الشِّغَارِ، وَخَرَّجَ عَلَيْهَا فِي الْوَاضِحِ فَسَادَهُ بِتَعْوِيضٍ كَمَبِيعٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي " الْإِيضَاحِ "، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى مِثْلُ مَغْصُوبٍ أَوْ قِيمَتِهِ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": إِنْ بَاعَهُ رَبُّهُ قَبِلَهُ بِثَمَنٍ، لَزِمَهُ، وَعَنْهُ: مِثْلُ خَمْرٍ خَلًّا (وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ) وَكَلَامُ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَأَمَّا إِذَا فَسَدَ الصَّدَاقُ لِجَهَالَتِهِ، أَوْ عَدَمِهِ، أَوِ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ، فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا وَبَيْنَ مَنْ سَمَّى لَهَا مُحَرَّمًا كَالْخَمْرِ، أَوْ مَجْهُولًا كَالثَّوْبِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَهَا الْمُتْعَةُ ; لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِهَا، وَالثَّانِيَةُ: يجِبُ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ; لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ، فَيَنْتَصِفُ بِهِ كَالْمُسَمَّى. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَخَرَجَ حُرًّا، أَوْ مَغْصُوبًا، أَوْ عَصِيرٍ فَبَانَ خَمْرًا - فَلَهَا قِيمَتُهُ) ; لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِمَا سَمَّى لَهَا، وَتَسْلِيمُهُ مُمْتَنِعٌ ; لِكَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِجَعْلِهِ صَدَاقًا، فَوَجَبَ الِانْتِقَالُ إِلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ ; لِأَنَّهَا بَدَلٌ، وَلَا تَسْتَحِقُّ مَهْرَ الْمِثْلِ ; لِعَدَمِ رِضَاهَا بِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَلْحَظَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا لَكَانَ لَهَا مِثْلُهُ لَا قِيمَتُهُ، كَمَا لَوِ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ مِثْلِيٌّ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ، وَالْعَصِيرُ مَحْمُولٌ عَلَى عَصِيرٍ عُدِمَ مِثْلُهُ ; إِذِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَصِيرٌ مِثْلُهُ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَ فِي " الْإِيضَاحِ " مَهْرَ مِثْلِهَا (وَإِنْ وَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا، فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِ أَرْشِهِ أَوْ رَدِّهِ وَأَخْذِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 فَصْلٌ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا، صَحَّ، وَكَانَا جَمِيعًا مَهْرَهَا، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] قِيمَتِهِ) ; لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَثَبَتَتِ الْخِيَرَةُ فِيهِ بَيْنَ أَخْذِ الْأَرْشِ أَوِ الْبَدَلِ وَأَخْذِ الْقِيمَةِ كَالْمَبِيعِ الْمَعِيبِ، وَكَذَا عِوَضُ الْخُلْعِ الْمُنْجَزِ، وَعَنْهُ: إِنْ أَمْسَكَهُ فَلَا أَرْشَ، وَمَا عُقِدَ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ وَجَبَ بَذْلُهُ فَقَطْ. فَرْعٌ: إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدَيْنِ، فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا حُرًّا أَوْ مَغْصُوبًا، صَحَّ الصَّدَاقُ فِي مِلْكِهِ، وَلَهَا قِيمَةُ الْآخَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ قِيمَتُهَا، وَإِنْ بَانَ نِصْفُهُ مُسْتَحَقًّا أَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ، فَبَانَتْ تِسْعُمِائَةٍ خُيِّرَتْ بَيْنَ أَخْذِهِ، وَقِيمَةِ الْفَائِتِ، وَبَيْنَ قِيمَةِ الْكُلِّ. [إِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا] فَصْلٌ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا، صَحَّ) ; لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ لَصَحَّ، فَكَذَا إِذَا شَرَطَ الْبَعْضَ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ شُعَيْبًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمِهِ، وَذَلِكَ اشْتِرَاطٌ لِنَفْسِهِ ; لِأَنَّ لِلْوَالِدِ الْأَخْذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ; وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، فَإِذَا شَرَطَ شَيْئًا لِنَفْسِهِ مِنْ مَهْرِ ابْنَتِهِ، كَانَ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ مَالِهَا (وَكَانَا جَمِيعًا مَهْرَهَا) وَهَذَا فِي أَبٍ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ أَوْ شَرْطُهُ لَهُ، وَحَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ تَيْمِيَةَ رِوَايَةَ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَقِيلَ: يَبْطُلَانِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: شَرْطُهُ مَا لَمْ يُجْحِفْ بِابْنَتِهِ، فَإِنْ أَجْحَفَ بِهَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، وَكَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، رَجَعَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ مِمَّا أَخَذَ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُ الْأَبِ، فَالْكُلُّ لَهَا دُونَهُ. وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا،   [المبدع في شرح المقنع] الْجَمِيعُ لَهَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَضَعَّفَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِجْحَافُ ; لِعَدَمِ مِلْكِهَا لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ "، وَأَبِي الْخَطَّابِ - أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ (فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ) بَعْدَ قَبْضِهِمَا (رَجَعَ عَلَيْهَا) ; لِأَنَّهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ (وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ مِمَّا أَخَذَ) ; لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ أَلْفًا، فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَقِيلَ: إِلَّا فِي شَرْطٍ جَمِيعُهُ لَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إِذَا قَبَضَتِ الْأَلْفَيْنِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا سَقَطَ عَنِ الزَّوْجِ أَلْفٌ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَلْفٌ لِلزَّوْجَةِ، يَأْخُذُ الْأَبُ مِنْهَا مَا شَاءَ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ ; لِأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ النِّصْفَ، وَلَمْ يُحَصِّلْ مِنَ الصَّدَاقِ إِلَّا النِّصْفَ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، فَلَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ الْجَمِيعَ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ - رَجَعَ فِي نِصْفِ مَا أَعْطَى الْأَبَ ; لِأَنَّهُ الَّذِي فَرَضَهُ لَهَا، فَيَرْجِعُ فِي نِصْفِهِ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ فِيمَا أَخَذَ؛ لِأَنَّا قَدَّرْنَا أَنَّ الْجَمِيعَ صَارَ لَهَا، وَلَوِ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ تَرْجِعُ فِي الْأَلْفِ الَّتِي قَبَضَهَا الْأَبُ لَهُ أَوْ عَلَيْهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُ الْأَبِ) كَالْجَدِّ وَالْأَخِ (فَالْكُلُّ لَهَا دُونَهُ) وَكَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا اشْتَرَطَهُ عِوَضٌ فِي تَزْوِيجِهَا فَيَكُونُ صَدَاقًا لَهَا، كَمَا لَوْ جَعَلَهُ لَهَا، وَلَيْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَيَقَعُ الِاشْتِرَاطُ لَغْوًا، وَفِي " التَّرْغِيبِ " فِي الْأَبِ رِوَايَةٌ كَذَلِكَ. [وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا] (وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ) صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً (بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَرِهَتْ) ؛ «لِأَنَّ عُمَرَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: لَا تُغَالُوا فِي صُدُقِ النِّسَاءِ، فَمَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً» ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 وَإِنْ كَرِهَتْ، وَإِنْ فَعَلَ غَيْرُهُ بِإِذْنِهَا صَحَّ، وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ الِاعْتِرَاضُ، وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَلْزَمَ الزَّوْجَ إِلَّا الْمُسَمَّى، وَالْبَاقِي عَلَى الْوَلِيِّ، كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّ، وَلَزِمَ   [المبدع في شرح المقنع] الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ اتِّفَاقًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ دُونَ صَدَاقِ مِثْلِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ النِّكَاحِ الْعِوَضَ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ السَّكَنُ وَالِازْدِوَاجُ، وَوَضْعُ الْمَرْأَةِ فِي مَنْصِبٍ عِنْدَ مَنْ يَكْفُلُهَا وَيَصُونُهَا، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْأَبِ مَعَ تَمَامِ شَفَقَتِهِ وَحُسْنِ نَظَرِهِ - أَنَّهُ لَا يَنْقُصُهَا مِنَ الصَّدَاقِ إِلَّا لِتَحْصِيلِ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَعُقُودُ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْعِوَضُ، لَا يُقَالُ: كَيْفَ يُمَلَّكُ الْأَبُ تَزْوِيجَ الْبِنْتِ الْكَبِيرَةِ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَأْذَنَ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ دُونَ قَدْرِ الْمَهْرِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ تَتْمِيمُهُ كَبَيْعِهِ بَعْضَ مَالِهَا بِدُونِ ثَمَنِهِ لِسُلْطَانٍ يُظَنُّ بِهِ حِفْظُ الْبَاقِي، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَقِيلَ: لِبِنْتٍ كَبِيرَةٍ؛ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهَا، وَفِي " الرَّوْضَةِ " إِلَّا أَنْ تَرْضَى بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ قَبْلَ لُزُومِهِ (وَإِنْ فَعَلَ غَيْرُهُ بِإِذْنِهَا) وَكَانَتْ رَشِيدَةً (صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَإِذَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِهِ، سَقَطَ، كَبَيْعِ سِلْعَتِهَا (وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ الِاعْتِرَاضُ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ تَمَحَّضَ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا، بِخِلَافِ تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ (وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ بُضْعِهَا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ نَقْصُهَا مِنْهُ، وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَسَادُ التَّسْمِيَةِ وَعَدَمُهَا (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَلْزَمَ الزَّوْجَ إِلَّا الْمُسَمَّى) هَذَا رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ غَيْرُهُ، وَكَمَنَ زُوِّجَ بِدُونِ مَا عَيَّنْتَهُ لَهُ (وَالْبَاقِي عَلَى الْوَلِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ (كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ) وَفِي " الشَّرْحِ "، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ -: تَمَامُ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فَاسِدَةٌ، وَيَضْمَنُهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَهَا بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ الثيب الكبيرة وُجُوبُ التَّمَامِ. (وَإِنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ مَلْحُوظٌ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، فَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِلْمَصْلَحَةِ، فَكَذَا يَصِحُّ هُنَا تَحْصِيلُهُ لَهَا (وَلَزِمَ ذِمَّةَ الِابْنِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُ، فَكَانَ بَدَلُهُ عَلَيْهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ مَعَ رِضَاهُ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، فَهَلْ يَضْمَنُهُ الْأَبُ؛ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا فِي " الْمُغْنِي " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 ذِمَّةَ الِابْنِ، وَلِلْأَبِ قَبْضُ صَدَاقِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا، وَلَا يَقْبِضُ صَدَاقَ الْبِنْتِ الْكَبِيرَةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَفِي الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ رِوَايَتَانِ. فَصْلٌ وَإِنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى صَدَاقٍ مُسَمًّى، صَحَّ وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَتَيْنِ - أَشْهُرُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ كَثَمَنِ مَبِيعِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا أَصَحُّ، وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُهُ الْأَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، كَمَا لَوْ نَطَقَ بِالضَّمَانِ وَلِلْعُرْفِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ، وَفِي النَّوَادِرِ نَقَلَ صَالِحٌ كَالنَّفَقَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَى ابْن، كَذَا قَالَ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ النَّفَقَةَ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُوطَأُ قَالَ: إِنْ كَانَ لَهَا مَالٌ أُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْهُ، وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ مَعَ الْمَنْعِ مِنْ قِبَلِهِ لَا مِنْ قِبَلِهِمْ. فَرْعٌ: إِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، سَقَطَ نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ دَفْعِ الْأَبِ الصَّدَاقَ، رَجَعَ نِصْفُهُ إِلَى الِابْنِ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِيهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ قَضَى الصَّدَاقَ عَنِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنِ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَالرُّجُوعُ فِي جَمِيعِهِ كَالرُّجُوعِ فِي نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ (وَلِلْأَبِ قَبْضُ صَدَاقِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ) أَيِ: الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا (بِغَيْرِ إِذْنِهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَهَا، فَكَانَ لَهُ قَبْضُهُ كَثَمَنِ مَبِيعِهَا، وَالسَّفِيهَةُ وَالْمَجْنُونَةُ كَذَلِكَ (وَلَا يَقْبِضُ صَدَاقَ الْبِنْتِ الْكَبِيرَةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا) إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً؛ لِأَنَّهَا الْمُتَصَرِّفَةُ فِي مَالِهَا، فَاعْتَبَرَ إِذْنُهَا فِي قَبْضِهِ كَثَمَنِ مَبِيعِهَا (وَفِي الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ) الْعَاقِلَةِ (رِوَايَتَانِ) الْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَقْبِضُهُ إِلَّا بِإِذْنِهَا إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً، كَالثَّيِّبِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ إِجْبَارَهَا عَلَى النِّكَاحِ، أَشْبَهَتِ الصَّغِيرَ، زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": مَا لَمْ تمْنَعْهُ، فَعَلَيْهَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ بِقَبْضِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى أَبِيهَا بِمَا بَقِيَ لَا بِمَا أَنْفَقَ. [إِنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى صَدَاقٍ مُسَمًّى] فَصْلٌ (وَإِنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى صَدَاقٍ مُسَمًّى، صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَحِقَ سَيِّدَهُ، فَإِذَا أُسْقِطَ حَقُّهُ سَقَطَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ وَلَوْ أَمْكَنَهُ حُرَّةً، وَيَمْلِكُ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ إِذَا طَلَّقَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي تَنَاوُلِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ احْتِمَالَانِ (وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ ذِمَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا، وَجَبَ فِي رَقَبَتِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ خُمُسَا الْمُسَمَّى، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَإِنْ زَوَّجَ السَّيِّدُ   [المبدع في شرح المقنع] سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ بِرِضَا السَّيِّدِ، فَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ كَالدَّيْنِ، وَكَذَا النَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ، وَالْمَسْكَنُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ: تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِفِعْلِهِ، أَشْبَهَ جِنَايَتَهُ، وَعَنْهُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا، وَعَنْهُ: بِذِمَّتَيْهِمَا بِذِمَّةِ الْعَبْدِ أَصَالَةً، وَذِمَّةِ سَيِّدِهِ ضَمَانًا، وَعَنْهُ بِكَسْبِهِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ أَلْزَمَ السَّيِّدَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ أَوْجَبَهُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ كسب، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخُ؛ لِعَدَمِ كَسْبِ الْعَبْدِ، وَلِلسَّيِّدِ اسْتِخْدَامُهُ وَمَنْعُهُ مِنَ الِاكْتِسَابِ، وَمَنْ عَلَّقَهُ بِكَسْبِهِ فَلِلْمَرْأَةِ الْفَسْخُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنَ التَّكَسُّبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ أَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَسْقُطِ الْمَهْرُ عَنِ السَّيِّدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَإِنَّهَا تَتَجَدَّدُ، فَيَكُونُ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَعَلَى الْعَبْدِ إِذَا أُعْتِقَ. (وَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيَّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، لَكِنْ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَفِيهِ كَلَامٌ، وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَأَنْكَرَهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا؛ وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ فَقَدَ شَرْطَهُ فَكَانَ بَاطِلًا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: هُوَ كَفُضُولِيٍّ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقِفُ عَلَى الْفَسْخِ فَوَقَفَ عَلَى الْإِجَازَةِ كَالْوَصِيَّةِ (فَإِنْ دَخَلَ بِهَا) وَوَطِئَهَا (وَجَبَ فِي رَقَبَتِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، فَعَلَى هَذَا يُبَاعُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ، وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ أُجْرِيَ مُجْرَى الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلضَّمَانِ بِغَيْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 عَبْدَهُ أَمَتَهُ، لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقِيلَ: يَجِبُ وَيَسْقُطُ، وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ حُرَّةً، ثُمَّ بَاعَهَا الْعَبْدُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، تَحَوَّلَ صَدَاقُهَا أَوْ نِصْفُهُ - إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ - إِلَى ثَمَنِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] إِذْنِ الْوَلِيِّ (وَعَنْهُ: يَجِبُ خُمُسَا الْمُسَمَّى) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ (اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ) وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ؛ لِمَا رَوَى خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ غُلَامًا لِأَبِي مُوسَى تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ فَرِّقْ بَيْنَهُمَا، وَخُذْ لَهَا الْخُمُسَيْنِ مِنْ صَدَاقِهَا، وَكَانَ صَدَاقُهَا خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ أَحَدُ مُوجِبَيِ الْوَطْءِ، فَجَازَ أَنْ يَنْقُصَ فِيهِ الْعَبْدُ عَنِ الْحُرِّ كَالْحَدِّ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَهْرُ يَجِبُ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَقْدُ النِّكَاحِ، وَعَقْدُ الصَّدَاقِ، وَإِذْنُ السَّيِّدِ فِي النِّكَاحِ، وَإِذْنُهُ فِي الصَّدَاقِ، وَالدُّخُولُ، فَبَطَلَ ثَلَاثَةٌ مِنْ قِبَلِ السَّيِّدِ، فَبَقِيَ مِنْ قِبَلِهِ اثْنَانِ وَهُوَ: التَّسْمِيَةُ، وَالدُّخُولُ. وَعَنْهُ: إِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ عَبْدٌ فَلَهَا خُمُسَا الْمَهْرِ، وَإِلَّا فَلَهَا الْمَهْرُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَقِيلَ: يَجِبُ خُمُسَا مَهْرِ الْمِثْلِ، وَعَنْهُ: الْمُسَمَّى، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُعْطِي شَيْئًا، قُلْتُ: تَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ؟ قَالَ: أَذْهَبُ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ الْقِيَاسُ. تَنْبِيهٌ: السَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَهْرٍ وَاجِبٍ، كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا مَهْرَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَاهِرِ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي " الْمُحَرَّرِ ": إِنْ عَلِمَا التَّحْرِيمَ - وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَوْ عَلِمَتْهُ هِيَ (وَإِنْ زَوَّجَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ) وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ (وَقِيلَ: يَجِبُ وَيَسْقُطُ) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، و" الْمُسْتَوْعِبِ "، و" الرِّعَايَةِ "، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي " التَّبْصِرَةِ "؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو مِنْ مَهْرٍ، ثُمَّ يَسْقُطُ لِتَعَذُّرِ إِتْيَانِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَيُتْبِعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ سِنْدِيٍّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " (وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ حُرَّةً، ثُمَّ بَاعَهَا الْعَبْدُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، تَحَوَّلَ صَدَاقُهَا أَوْ نِصْفُهُ - إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ - إِلَى ثَمَنِهِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إِذَا بَاعَهُ لَهَا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهَا فَعَلَى حُكْمِ مُقَاصَصَةِ الدَّيْنَيْنِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ تَحَوَّلَ مَهْرُهَا إِلَى ثَمَنِهِ، كَشِرَاءِ غَرِيمٍ عَبْدًا مَدِينًا، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتَيْهِمَا سَقَطَ الْمَهْرُ لِمِلْكِهَا الْعَبْدُ، وَالسَّيِّدُ تَبَعٌ لَهُ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 وَإِنْ بَاعَهَا إِيَّاهُ بِالصَّدَاقِ صَحَّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِحَّ قَبْلَ الدُّخُولِ. فَصْلٌ وَتَمْلِكُ الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى بِالْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ، فَلَهَا التَّصَرُّفُ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ ضَامِنُهُ، وَيَبْقَى الثَّمَنُ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ بِنَاءً عَلَى مَنْ ثَبَتَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدٍ ثُمَّ مَلَكَهُ، فَفِي سُقُوطِهِ وَجْهَانِ، وَالنِّصْفُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَالْجَمِيعِ إِنْ لَمْ يَسْقُطْ فِي رِوَايَةٍ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " الْمُذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِحَالٍ (وَإِنْ بَاعَهَا إِيَّاهُ بِالصَّدَاقِ صَحَّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِغَيْرِ الْعَبْدِ، فَكَذَا لَهُ، وَفِي رُجُوعِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِنِصْفِهِ أَوْ جَمِيعِهِ الرِّوَايَتَانِ، وَبَطَلَ النِّكَاحُ إِذَنْ (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِحَّ قَبْلَ الدُّخُولِ) هَذَا رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ، وَمِنْ سُقُوطِ الْمَهْرِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُهُ، وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاخْتَارَ وَلَدُ صَاحِبِ " التَّرْغِيبِ ": إِنْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ أَوْ ذِمَّتِهِ، وَسَقَطَ مَا فِي الذِّمَّةِ بِمِلْكٍ طَارِئٍ - بَرِئَتْ ذِمَّةُ السَّيِّدِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ، فَيَكُونُ فِي الصِّحَّةِ بَعْدَ الدُّخُولِ الرِّوَايَتَانِ قَبْلَهُ، وَإِنْ جَعَلَهُ مَهْرَهَا بَطَلَ الْعَقْدُ، كَمَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ عَلَى رَقَبَةِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى الِابْنِ لَوْ مَلَكَهُ، إِذْ نُقَدِّرُهُ لَهُ قَبْلَهَا بِخِلَافِ إِصْدَاقِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَنْفَسِخْ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. [تَمْلِكُ الزَّوْجَةُ الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى بِالْعَقْدِ] فَصْلٌ (وَتَمْلِكُ الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى بِالْعَقْدِ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِزَارَكَ جَلَسْتَ وَلَا إِزَارَ لَكَ» فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ كُلَّهُ لِلْمَرْأَةِ، وَلَا يَبْقَى لِلرَّجُلِ فِيهِ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يُمْلَكُ بِهِ الْعِوَضُ، فَمُلِكَ بِهِ الْعِوَضُ كَامِلًا كَالْبَيْعِ، وَعَنْهُ: تَمْلِكُ نِصْفَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ، وَسُقُوطُ نَصْفِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 فِيهِ، وَنَمَاؤُهُ لَهَا، وَزَكَاتُهُ، وَنَقْصُهُ، وَضَمَانُهُ - عَلَيْهَا، إِلَّا أَنْ يَمْنَعَهَا قَبْضَهُ، فَيَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ - فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدٍ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ -: إِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَتْهُ فَهُوَ لَهَا، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ، لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا إِلَّا بِقَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَقَفِيزٍ مِنْ صَبْرَةٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهَا، وَلَمْ يَمْلِكِ التَّصَرُّفَ فِيهِ إِلَّا بِقَبْضِهِ كَالْمَبِيعِ. وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] بِالطَّلَاقِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ جَمِيعِهِ بِالْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوِ ارْتَدَّتْ سَقَطَ جَمِيعُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَلَكَتْ نِصْفَهُ (فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ، فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهَا، فَكَانَ لَهَا ذَلِكَ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهَا (وَنَمَاؤُهُ لَهَا، وَزَكَاتُهُ، وَنَقْصُهُ، وَضَمَانُهُ - عَلَيْهَا) سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ، مُتَّصِلًا كَانَ النَّمَاءُ أَوْ مُنْفَصِلًا، وَعَلَيْهَا زَكَاتُهُ إِذَا تَمَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْمِلْكِ، وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهَا، وَلَوْ زَكَّتْ ثُمَّ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ ضَمَانُ الزَّكَاةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَلَكَتْهُ بِالْبَيْعِ (إِلَّا أَنْ يَمْنَعَهَا قَبْضُهُ، فَيَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ أَوْ بِمَنْزِلَتِهِ، وَإِنْ زَادَ فَالزِّيَادَةُ لَهَا، وَإِنْ نَقَصَ فَالنَّقْصُ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِهِ نَاقِصًا وَبَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ أَكَثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إِلَى يَوْمِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا زَادَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَالزِّيَادَةُ لَهَا، وَإِنْ نَقَصَ فَالنَّقْصُ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ (وَعَنْهُ: فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدٍ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ -: إِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَتْهُ فَهُوَ لَهَا، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ نَقَلَهَا مُهَنَّا، فَعَلَى هَذَا (لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا إِلَّا بِقَبْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ فِي رِوَايَةٍ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ جَعَلَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ ضَمِنَهُ الزَّوْجُ بِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، وَإِلَّا قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَقَفِيزٍ مِنْ صَبْرَةٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهَا، وَلَمْ يَمْلِكِ التَّصَرُّفَ فِيهِ إِلَّا بِقَبْضِهِ كَالْمَبِيعِ) نَقُولُ: حُكْمُ الصَّدَاقِ حُكْمُ الْمَبِيعِ فِي أَنَّ مَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَا يَجُوزُ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ إِلَّا بِقَبْضِهِ، وَمَا عَدَاهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضٍ، وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: مَا كَانَ مُتَعَيِّنًا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا كَقَفِيزٍ مِنْ صَبْرَةٍ، وَرَطْلِ زَيْتٍ مِنْ دِنٍّ - لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ كَالْمَبِيعِ، وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقِيلَ: مَا لَا يَنْقُصُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ كَالْمَهْرِ، وَعِوَضِ الْخُلْعِ - يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَا يَنْفَسِخُ لِلسَّبَبِ الَّذِي مُلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 قَبَضَتْ صَدَاقَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَدْخُلَ حَتَّى يُطَالِبَ بِهِ وَيَخْتَارَ، فَمَا يَنْمِي قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ لَهَا، فَإِنْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً رَجَعَ فِي نِصْفِ الْأَصْلِ، وَالزِّيَادَةُ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ دَفْعِ نِصْفِهِ زَائِدًا وَبَيْنَ دَفْعِ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ،   [المبدع في شرح المقنع] بِهَلَاكِهِ كَالْوَصِيَّةِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هِبَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا صَدَاقَهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّمَا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهَا، وَمَا لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ، إِلَّا أَنْ يَمْنَعَهَا قَبْضُهُ، فَيَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ، كَمَا نُصَّ عَلَى الْعَبْدِ إِذَا فُقِئَتْ عَيْنُهُ - وَحَيْثُ قَبِلَ - فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِذَا تَلِفَ لَمْ يَبْطُلِ الصَّدَاقُ بِتَلَفِهِ، وَيَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ. [يَنْتَصِفُ الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ] (وَإِنْ قَبَضَتْ صَدَاقَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ - رَجَعَ بِنِصْفِهِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا) بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [البقرة: 237] الْآيَةَ (وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ لَكُمْ أَوْ لَهُنَّ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَيْنُونَةَ النِّصْفِ لَهُ أَوْ لَهَا بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ سَبَبٌ تَمَلَّكَ بِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى اخْتِيَارِهِ كَالْإِرْثِ فَعَلَى هَذَا مَا يَحْدُثُ مِنَ النَّمَاءِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَدْخُلَ) فِي مِلْكِهِ (حَتَّى يُطَالِبَ بِهِ وَيَخْتَارَ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إِلَّا بِالْمِيرَاثِ، وَكَالشَّفِيعِ (فَمَا يَنْمِي قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ لَهَا) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهَا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ، فَهُوَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ عَلَى مِلْكِ الزَّوْجَةِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": أَصْلُهَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِيمَنْ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَعَلَى الْمَنْصُوصِ: لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ لَهَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَعَلَى الثَّانِي وَجْهَانِ (فَإِنْ) كَانَ الصَّدَاقُ (زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً) كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ (رَجَعَ فِي نِصْفِ الْأَصْلِ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ، وَقَدْ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى أَحَدٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُهُ (وَالزِّيَادَةُ لَهَا) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهَا، وَعَنْهُ: يَرْجِعُ بِنِصْفِهِمَا (وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً) كَالسَّمْنِ، وَتَعَلُّمِ صِنَاعَةٍ، وَبَهِيمَةٍ حَمَلَتْ (فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ دَفْعِ نِصْفِهِ زَائِدًا) وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ (وَبَيْنَ دَفْعِ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهَا إِنِ اخْتَارَتْ دَفْعَ نِصْفِ الْأَصْلِ زَائِدًا كَانَ لَهَا ذَلِكَ إِسْقَاطًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا خُيِّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ أَخْذِهِ نَاقِصًا، وَبَيْنَ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا أَوْ مُسْتَحَقًّا بِدَيْنٍ أَوْ شُفْعَةٍ، فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا،   [المبدع في شرح المقنع] لِحَقِّهَا مِنَ الزِّيَادَةِ، وَإِنِ اخْتَارَتْ دَفْعَ نِصْفِ قِيمَتِهِ كَانَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا دَفْعُ نِصْفِ الْأَصْلِ زَائِدًا؛ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا عَنْهُ، وَحِينَئِذٍ تَعَيَّنَتِ الْقِيمَةُ كَالْإِتْلَافِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَجِبَ دَفْعُهُ بِزِيَادَتِهِ كَالْمُنْفَصِلَةِ وَأَوْلَى، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": لَهَا نَمَاؤُهُ بِتَعْيِينِهِ، وَعَنْهُ: بِقَبْضِهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ قِيمَةُ نِصْفِهِ يَوْمَ الْفُرْقَةِ عَلَى أَدْنَى صِفَةٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ قَبْضِهِ، وَفِي " الْكَافِي ": أَوِ التَّمْكِينِ مِنْهُ، فَإِنْ قُلْنَا: يُضْمَنُ الْمَهْرُ بِالْعَقْدِ، اعْتُبِرَتْ صِفَةُ وَقْتِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": الْمَهْرُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ قَبْضِهِ هَلْ هُوَ بِيَدِهِ أَمَانَةٌ فَمَئُونَةُ دَفْنِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ إِلَّا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ (وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا) بِغَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ (خُيِّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ أَخْذِهِ) أَيْ: أَخْذِ نِصْفِهِ (نَاقِصًا) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اخْتَارَ ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ (وَبَيْنَ نِصْفِ الْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ نَاقِصًا ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ: هَلْ لَهُ أَرْشُ النَّقْصِ كَمَا هُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " كَالْمَبِيعِ الْمَعِيبِ، أَوْ لَا أَرْشَ كَوَاجِدِ مَتَاعِهِ عِنْدَ الْمُفْلِسِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ (وَقْتَ الْعَقْدِ) ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَحَرَّرَ الْمَجْدُ ذَلِكَ فَجَعَلَهُ فِي الْمُتَمَيِّزِ، إِذَا قُلْنَا عَلَى الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ بِالْعَقْدِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ؛ إِذِ الزِّيَادَةُ الْمُتَمَيِّزَةُ في غير المتميز صُورَةٌ نَادِرَةٌ، وَفِي " الشَّرْحِ ": إِذَا كَانَ نَاقِصًا مُتَمَيِّزًا كَعَبْدَيْنِ تَلِفَ أَحَدُهُمَا، رَجَعَ بِنِصْفِ الْبَاقِي وَنِصْفِ قِيمَةِ التَّالِفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا كَشَابٍّ صَارَ شَيْخًا، فَنِصْفُ قِيمَتِهِ، أَوْ نَسِيَ صِنَاعَةً، فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَقْتَ مَا أَصْدَقَهَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ النَّقْصِ عَلَيْهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ نِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِنِصْفِهِ نَاقِصًا، فَتُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا زَادَ مِنْ وَجْهٍ وَنَقَصَ مِنْ وَجْهٍ، كَعَبْدٍ صَغِيرٍ كَبُرَ، وَمَصُوغٍ كَسَرَتْهُ، وَأَعَادَتْهُ صِنَاعَةً أُخْرَى، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ، وَكَذَا حَمْلُ أَمَةٍ، وَفِي الْبَهِيمَةِ زِيَادَةُ مَا لَمْ يُفْسِدِ اللَّحْمَ وَزَرْعُ وَغَرْسُ بَعْضِ الْأَرْضِ (وَإِنْ كَانَ تَالِفًا أَوْ مُسْتَحَقًّا بِدَيْنٍ أَوْ شُفْعَةٍ فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ) إِذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ كَالْإِتْلَافِ (وَقْتَ الْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ مِلْكًا لِلزَّوْجَةِ؛ لِكَوْنِهَا نَمَاءَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مِثْلِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الْقِيمَةُ أَقَلُّ مَا كَانَتْ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إِلَى يَوْمِ الْقَبْضِ،   [المبدع في شرح المقنع] مِلْكِهَا، فَلَا يَجُوزُ تَقْوِيمُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِكَوْنِهِ تَقْوِيمًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا، فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ يُضْمَنُ فِي الْإِتْلَافِ بِالْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مُشَابَهَةً وَمُمَاثَلَةً لِحَقِّهِ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الْقِيمَةُ أَقَلُّ مَا كَانَتْ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إِلَى يَوْمِ الْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَصَ فِي يَدِهِ، كَانَ ضمانه عَلَيْهِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمَرْأَةِ إِلَّا بِقَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي رِوَايَةٍ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَقَلَّ، لَمْ يَلْزَمْهَا إِلَّا نِصْفُهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهَا، أَشْبَهَتِ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقَبْضِ أَقَلَّ، لَمْ يَلْزَمْهَا أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهَا؛ لِأَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الْقِيمَةِ مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ غَرَامَةٌ لَهَا، فَكَيْفَ تَجِبُ لَهُ عَلَيْهَا؛ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِيهَا: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَفْتَقِرُ الْمِلْكُ فِيهِ إِلَى قَبْضٍ، وَلَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ. 1 - مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهُوَ فِي يَدِهَا، كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهِ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُ، وَلَا يَلْزَمُ، إِذْ لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا، فَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ عَادَ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ، وَإِنْ أَسْلَمَ فُلَانٌ حَقَّ الْوَلَدِ، سَقَطَ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِبَدَلِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ كَوَصِيَّةٍ، لَمْ يَمْنَعِ الرُّجُوعَ كَعَارِيَةٍ، وَكَذَا إِذَا دَبَّرَتْهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي نِصْفِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُبَاعُ، لَمْ يَجُزِ الرُّجُوعُ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ لَازِمًا لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ كَنِكَاحٍ وَإِجَارَةٍ، خُيِّرَ بَيْنَ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِهِ نَاقِصًا وَبَيْنَ نِصْفِ قِيمَتِهِ، فَإِنْ رَجَعَ فِي نِصْفِ الْمُسْتَأْجِرِ صَبَرَ حَتَّى تَنْفَسِخَ الْإِجَارَةُ. الثَّالِثَةُ: إِذَا أَصْدَقَهَا نَخْلًا فَاطَّلَعَتْ، أَبَّرَ أَوْ لَمْ يُؤَبِّرْ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ - فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهَانِ فِيمَا أَبَّرَ. الرَّابِعَةُ: إِذَا أَصْدَقَهَا أَرْضًا فَزَرَعَتْهَا، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الشَّجَرِ إِذَا أَثْمَرَ سَوَاءٌ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُفَارِقُ الزَّرْعُ الثَّمَرَةَ فِي أَنَّهَا إِذَا بَذَلَتْ نِصْفَ الْأَرْضِ مَعَ نِصْفِ الزَّرْعِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، فَلَوْ أَصْدَقَهَا ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ أَرْضًا فَبَنَتْهَا، فَبَذَلَ قِيمَةَ زِيَادَتِهِ لِتَمَلُّكِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ خِلَافًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 وَإِنْ نَقَصَ الصَّدَاقُ فِي يَدِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَهَلْ تَضْمَنُ نَقْصَهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: نَقَصَ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَقَالَتْ: بَعْدَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَالزَّوْجُ: هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فَإِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَأَيُّهُمَا عَفَا لِصَاحِبِهِ عَمَّا وَجَبَ لَهُ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] الْخَامِسَةُ: أَصْدَقَهَا صَيْدًا، ثُمَّ طَلَّقَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِإِرْثٍ فَنِصْفُ قِيمَتِهِ، وَإِلَّا فَهَلْ يُقَدِّمُ حَقَّ اللَّهِ فَيُرْسِلُهُ، وَيَغْرَمُ لَهَا قِيمَةَ النِّصْفِ، أَمْ حَقَّ الْآدَمِيِّ فَيُمْسِكُهُ، وَيَبْقَى مِلْكُ الْمُحْرِمِ ضَرُورَةً، أَمْ هُمَا سَوَاءٌ، فَيُخَيَّرَانِ، فَإِنْ أَرْسَلَهُ بِرِضَاهَا غُرِّمَ لَهَا، وَإِلَّا بَقِيَ مُشْتَرِكًا، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": مَبْنِيٌّ عَلَى حُكْمِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ بَيْنَ مُحِلٍّ وَمُحْرِمٍ، وَفِيهِ أَوْجُهٌ. (وَإِنْ نَقَصَ الصَّدَاقُ فِي يَدِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَهَلْ تَضْمَنُ نَقْصَهُ؛ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) أَمَّا إِذَا مَنَعَتْهُ مِنْهُ بَعْدَ طَلَبِهِ، وَتَلِفَ، فَعَلَيْهَا الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهَا غَاصِبَةٌ، وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ مُطَالَبَتِهِ فَوَجْهَانِ، أَصْلُهُمَا: الزَّوْجُ إِذَا تَلِفَ الصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ فِي يَدِهِ قَبْلَ مُطَالَبَتِهَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي يَدِهَا بِغَيْرِ فِعْلِهَا، وَلَا عُدْوَانَ مِنْ جِهَتِهَا، فَلَمْ تَضْمَنْهُ كَالْوَدِيعَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْمُطَالَبَةِ قَبْلَ قَوْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مُنْكَرَةٌ، وَالثَّانِي: عَلَيْهَا الضَّمَانُ، أَشْبَهَ الْمَبِيعَ إِذَا ارْتَفَعَ الْعَقْدُ بِالْفَسْخِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ الْمُتَمَيِّزُ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: نَقَصَ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَقَالَتْ: بَعْدَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهَا مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهَا، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ النَّقْصَ فِي الصَّدَاقِ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَنَّهَا لَا تَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَضْمُونًا بَعْدَهُ كَمَا يُضْمَنُ قَبْلَهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاخْتِلَافِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا فَاتَ النِّصْفُ مَشَاعًا فَلَهُ النِّصْفُ الْبَاقِي، وَكَذَا مُعَيَّنًا مِنَ النِّصْفِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": لَهُ نِصْفُ الْبَقِيَّةِ وَنِصْفُ قِيمَةِ التَّالِفِ أَوْ مِثْلِهِ، وَإِنْ قَبَضَتِ الْمُسَمَّى فِي الذِّمَّةِ، فَكَالْمُعَيَّنِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُرْجَعُ بِنَمَائِهِ مُطْلَقًا، وَيُعْتَبَرُ فِي تَقْوِيمِهِ صِفَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَفِي وُجُوبِ رَدِّهِ بِعَيْنِهِ وَجْهَانِ. [الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ] (وَالزَّوْجُ: هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَلِيُّ الْعُقْدَةِ الزَّوْجُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ ابْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 الْمَهْرِ - وَهُوَ جَائِزُ الْأَمْرِ فِي مَالِهِ - بَرِئَ مِنْهُ صَاحِبُهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ الْأَبُ، فَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نِصْفِ مَهْرِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ إِذَا طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ.   [المبدع في شرح المقنع] لَهِيعَةَ، وَرَوَاهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ بَعْدَ الْعَقْدِ هُوَ الزَّوْجُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] وَالْعَفْوُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى هُوَ عَفْوُ الزَّوْجِ عَنْ حَقِّهِ، أَمَّا عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ مَالِ الْمَرْأَةِ، فَلَيْسَ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ لِلزَّوْجَةِ، فَلَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إِسْقَاطَهُ كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَلَا يَمْتَنِعُ الْعُدُولُ عَنِ خطاب الْحَاضِرِ إِلَى الْغَائِبِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] وَعَفْوُهُ أَنْ يَسُوقَ إِلَيْهَا الْمَهْرَ كَامِلًا؛ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ لَوْ رَجَعَ إِلَيْهِ صَدَاقُ زَوْجَتِهِ أَوْ نِصْفُهُ - لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِرِضَاعٍ أَوْ نَحْوِهِ - لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِ الْعَفُوُ عَنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرِ (فَإِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ) فَإِنَّهُ يَتَنَصَّفُ الْمَهْرَ بَيْنَهُمَا (فَأَيُّهُمَا عَفَا لِصَاحِبِهِ عَمَّا وَجَبَ لَهُ مِنَ الْمَهْرِ - وَهُوَ جَائِزُ الْأَمْرِ فِي مَالِهِ - بَرِئَ مِنْهُ صَاحِبُهُ) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْعَافِي الزَّوْجَ أَوِ الزَّوْجَةَ إِذَا كَانَ جَائِزَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، وَلَا يَصِحُّ عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنِ الصَّدَاقِ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، نَصَّ عَلَيْهِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ الْأَبُ) نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ: وَمَثَّلَهُ سَيِّدُ الْأُمَّةِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ بَعْدَ الطَّلَاقِ إِلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ الْأَزْوَاجَ بِخِطَابِ الْمُوَاجَهَةِ، ثُمَّ خَاطَبَ الْأَوْلِيَاءَ فَقَالَ: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وَهُوَ خِطَابُ غَيْبَةٍ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَعْفُو لِلْمُطَلَّقَاتِ عَنْ أَزْوَاجِهِنَّ، فَلَا يُطَالِبْنَهُمْ بِنِصْفِ الْمَهْرِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ أَبًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَلِي مَالَهَا، لَكِنْ قَالَ أَبُو حَفْصٍ: مَا أَرَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ إِلَّا قَوْلًا قَدِيمًا، فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ بِجَوَازِ عَفْوِ الْأَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ إِسْقَاطُ دُيُونِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَلَا إِعْتَاقُ عَبِيدِهِ، وَلَا تَصَرُّفِهِ إِلَّا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُمْ (فَلَهُ) أَيْ: لِلْأَبِ (أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نِصْفِ مَهْرِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ) وَالْمَجْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ وَلِيًّا عَلَى مَالِهَا، فَإِنَّ الْكَبِيرَةَ الْعَاقِلَةَ تَلِي مَالَ نَفْسِهَا، وَفِي " الْمُغْنِي " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 فَصْلٌ إِذَا أَبْرَأَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ - رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَإِنِ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهَلْ يَرْجِعُ   [المبدع في شرح المقنع] و" الْكَافِي ": بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ، وَاخْتَارَ جَمْعٌ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُوجَزِ ": وَبِكْرٌ بَالِغَةٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " أَصْلُهُ هَلْ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ بِالْبُلُوغِ (إِذَا طُلِّقَتْ) لِأَنَّهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ مُعْتَرِضَةٌ لِإِتْلَافِ الْبُضْعِ (قَبْلَ الدُّخُولِ) ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ قَدْ أَتْلَفَ الْبُضْعَ، فَلَا يَعْفُو عَنْ بَدَلٍ مُتْلَفٍ، وَسَوَاءٌ فِيهِ عَفْوُهُ أَوْ عَفْوُهَا، وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " بِصِغَرٍ وَكِبَرٍ وَبَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةَ الْوَلِيِّ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَمْدَانَ قَوْلًا: لِلْأَبِ الْعَفُوُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَا لَمْ تَلِدْ أَوْ تَبْقَى فِي بَيْتِهَا سَنَةً بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ الْحَجْرِ عَلَيْهَا، وَقَدَّمَ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ دَيْنًا، فَلَا يَعْفُوَ عَنْ عَيْنٍ، فَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْهِبَةِ. [إِذَا أَبْرَأَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ] فَصْلٌ (إِذَا أَبْرَأَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ - رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهَا أَبْرَأَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ مُسْتَأْنَفًا، فَلَمْ يَمْنَعِ اسْتِحْقَاقَ النِّصْفِ، كَمَا لَوْ وَهَبَتْهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَوَهَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ لِلزَّوْجِ (وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ) ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الصَّدَاقِ يُعَجَّلُ لَهُ بِالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَا يَقْتَضِي ضَمَانًا، وَعَنْهُ: يَرْجِعُ مَعَ الْهِبَةِ دُونَ الْإِبْرَاءِ، صَحَّحَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إِسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": أَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْإِبْرَاءِ أَيُّهُمَا يَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ إِذَا مَضَى أَحْوَالٌ، وَهُوَ دَيْنٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": هَلْ هُوَ إِسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ، وَإِنْ وَهَبَتْهُ بَعْضَهُ ثُمَّ تَنَصَّفَ رَجَعَ بِنِصْفِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ، وَنِصْفُ الْمَوْهُوبِ اسْتَقَرَّ مَلِكُهَا لَهُ، فَلَا تَرْجِعُ بِهِ، وَنِصْفُهُ الَّذِي لَمْ يَسْتَقِرَّ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ. فَرْعٌ: إِذَا خَالَعَتْهُ بِنِصْفِ صَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ - صَحَّ، وَكَانَ الصَّدَاقُ كُلُّهُ لَهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 عَلَيْهَا بِجَمِيعِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنَ الزَّوْجِ كَطَلَاقِهِ وَخَلْعِهِ، وَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَالرِّضَاعِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ بِهَا الْمَهْرُ بَيْنَهُمَا. وَكُلُّ فُرْقَةٍ   [المبدع في شرح المقنع] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ خَالَعَتْهُ بِمِثْلِ جَمِيعِ الصَّدَاقِ فِي ذِمَّتِهَا - صَحَّ، وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ، فَإِنْ خَالَعَتْهُ بِصَدَاقِهَا كُلِّهِ، فَكَذَا فِي وَجْهٍ، وَفِي الْآخَرِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ. مَسْأَلَةٌ: بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مِنَ الثَّمَنِ، أَوْ قَبَضَهُ مِنْهُ ثُمَّ وَهَبَهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِيَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا، فَهَلْ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ وَالْمُطَالِبَةُ بِالثَّمَنِ أَوْ أَخْذُ أَرْشِ الْعَيْبِ مَعَ إِمْسَاكِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّدَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَالِهَا، فَوَهَبَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْبَائِعَ، ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ، فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَضْرِبَ بِالثَّمَنِ مَعَ الْغُرَمَاءِ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا عَادَ إِلَى الْبَائِعِ مِنْهُ شَيْءٌ. فَرْعٌ: تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِأَدَاءِ الْمَهْرِ، ثُمَّ سَقَطَ أَوْ تَنَصَّفَ، فَالرَّاجِعُ لِلزَّوْجِ، وَقِيلَ: لِلْأَجْنَبِيِّ، وَمِثْلُهُ أَدَاءُ ثَمَنٍ، ثُمَّ يُفْسَخُ بِعَيْبٍ وَرُجُوعِ مُكَاتَبٍ أُبْرِئَ مِنْ كِتَابَتِهِ بِالْإِيتَاءِ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ فِيهِ لَا رُجُوعَ. (وَإِنِ ارْتَدَّتِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيعِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) مَأْخَذُهُمَا مَا سَبَقَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِهِ. [كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنَ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ بِهَا الْمَهْرُ] (وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنَ الزَّوْجِ كَطَلَاقِهِ وَخَلْعِهِ) سَوَاءٌ سَأَلَتْهُ أَوْ سَأَلَهُ أَجْنَبِيٌّ (وَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَالرِّضَاعِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ بِهَا الْمَهْرُ بَيْنَهُمَا) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الْآيَةَ ثَبَتَ فِي الطَّلَاقِ، وَالْبَاقِي قِيَاسًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَعَنْهُ: إِذَا أَسْلَمَ فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، وَإِنَّمَا تَنَصَّفَ الْمَهْرَ بِالْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ جَانِبُ الزَّوْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا، وَهُوَ خُلْعُهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَصَارَ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَا مُتْعَةَ لَهَا، وَأَنَّ الْمُخَالَعَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ، وَعُلِّلَ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ مِنْ جِهَتِهَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ تَخَالَعَا، وَقُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ، وَقِيلَ: أَوْ طَلَاقٌ وَجْهَانِ، وَإِنْ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا، كَإِسْلَامِهَا، وَرِدَّتِهَا، وَرَضَاعِهَا مَنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا وَفَسْخُهَا لِعَيْبِهِ، أَوْ إِعْسَارِهِ، وَفَسْخُهُ لِعَيْبِهَا - يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا وَمُتْعَتُهَا، وَفُرْقَةُ اللِّعَانِ تُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَفِي فُرْقَةِ بَيْعِ الزَّوْجَةِ مِنَ الزَّوْجِ وَشِرَائِهَا لَهُ وَجْهَانِ، وَفُرْقَةُ الْمَوْتِ يَسْتَقِرُّ   [المبدع في شرح المقنع] فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، أَوْ وَكَّلَهَا فِي الطَّلَاقِ، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَهُوَ كَطَلَاقِهِ؛ لِأَنَّهَا بَائِنَةٌ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ مِنْهَا لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ مِنْهُ، وَإِنْ طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْإِيلَاءِ فَهُوَ كَطَلَاقِهِ، وَأَمَّا فُرْقَةُ الْأَجْنَبِيِّ كَالرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِمَا لَزِمَهُ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَهُ عَلَيْهِ. (وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا، كَإِسْلَامِهَا، وَرِدَّتِهَا، وَرَضَاعِهَا مَنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا وَفَسْخُهَا لِعَيْبِهِ، أَوْ إِعْسَارِهِ، وَفَسْخِهِ لِعَيْبِهَا - يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا وَمُتْعَتُهَا) ؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتِ الْعِوَضَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، فَسَقَطَ الْبَدَلُ كُلُّهُ، كَالْبَائِعِ يُتْلِفُ الْمَبِيعَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، وَكَذَا إِنْ فَسَخَتْ لِعِتْقِهَا تَحْتَ عَبْدٍ، أَوْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ، وَعَنْهُ: يَتَنَصَّفُ بِفَسْخِهَا لِشَرْطٍ، فَيَتَوَجَّهُ فِي فَسْخِهَا لِعَيْبِهِ الْخِلَافُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": إِنْ فَسَخَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَرِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا مَهْرٌ مُسَمًّى فَهَلْ يَتَنَصَّفُ أَوْ يَسْقُطُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ لَا يَتَسَرَّى، أَوْ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ دَارِهَا، فَلَمْ يَفِ لَهَا، فَفَسَخَتْ وَلَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا - فَلَهَا الْمُتْعَةُ (وَفُرْقَةُ اللِّعَانِ تُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَى كَوْنِ الْفَسْخِ عَقِيبَ لَعَانِهَا فَهُوَ كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ، أَوْ إِلَى أَنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ الْقَذْفُ مِنَ الزَّوْجِ فَهُوَ كَفَسْخِهِ لِطَلَاقِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أَصْلُهُمَا: إِذَا لَاعَنَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ هَلْ تَرِثُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: هُوَ كَطَلَاقِهِ لِأَنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ قَذْفُهُ الصَّادِرُ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْخُلْعَ، وَالثَّانِيَةُ: يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ عَقِيبَ لَعَانِهَا هُوَ كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ (وَفِي فُرْقَةِ بَيْعِ الزَّوْجَةِ مِنَ الزَّوْجِ وَشِرَائِهَا لَهُ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا: يَتَنَصَّفُ الْمَهْرُ بِشِرَائِهَا زَوْجَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمُوجِبَ لِلْفَسْخِ تَمَّ بِالسَّيِّدِ وَبِالْمَرْأَةِ، أَشْبَهَ الْخُلْعَ، وَالثَّانِي: يَسْقُطُ بِهِ الْمُهْرُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ وُجِدَ عَقِيبَ قَبُولِهَا، أَشْبَهَ فَسْخَهَا لِعَيْبِهِ، وَكَذَا إِذَا اشْتَرَى الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَفِي " الْمُغْنِي " فِي شِرَائِهَا لَهُ رِوَايَتَانِ، وَفِي شِرَائِهِ لَهَا وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 بِهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ كَالدُّخُولِ، وَلَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا لَاسْتَقَرَّ مَهْرُهَا كَامِلًا. فَصْلٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: هُمَا إِنِ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْتَحِقِّ مَهْرِهَا، وَإِنِ اشْتَرَتْهُ فَرِوَايَتَانِ (وَفُرْقَةُ الْمَوْتِ يَسْتَقِرُّ بِهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ كَالدُّخُولِ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً؛ «لِقَضَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرَوْعَ بِنْتِ وَاشِقٍ» رَوَاهُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَنْتَهِي بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، فَاسْتَقَرَّ بِهِ الْعِوَضُ كَانْتِهَاءِ الْإِجَارَةِ (وَلَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا) أَوْ قَتَلَهَا غَيْرُهَا (لَاسْتَقَرَّ مَهْرُهَا كَامِلًا) كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهَا؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ حَصَلَتْ بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَانْتِهَاءِ النِّكَاحِ، فَهُوَ كَمَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا، وَفِيه رِوَايَةٍ وَفِي " الْوَجِيزِ ": يَتَقَرَّرُ إِنْ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُمَا، فَظَاهِرُهُ لَا يَتَقَرَّرُ إِنْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ مُتَّجِهٌ إِنَّ قَتَلَتْهُ. [إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ] فَصْلٌ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ) أَوْ وَرَثَتْهُمَا (فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ) وَلَا نِيَّةَ عَلَى مُبَلِّغِهِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ (مَعَ يَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» (وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْهُمَا) نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُ مَنْ يَدَّعِيهِ، فَيُقَدَّمُ قَوْلُهُ، أَشْبَهَ الْمُنْكِرَ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، فَلَوِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، قُبِلَ قَوْلُهَا، وَإِنِ ادَّعَى الزَّوْجُ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُ الْمُدَّعِي، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الدُّخُولِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْهُمَا، فَإِنِ ادَّعَى أَقَلَّ مِنْهُ وَادَّعَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ، رُدَّ إِلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ عِنْدِ الْقَاضِي فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَجِبُ الْيَمِينُ، وَإِنْ قَالَ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، قَالَتْ: بَلْ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ   [المبدع في شرح المقنع] أَوْ بَعْدَهُ، قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعَنْهُ ثَالِثَةٌ: يَتَحَالَفَانِ، ذَكَرَهَا فِي " الْمُبْهِجِ "، فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ ثَبَتَ مَا قَالَهُ الْآخَرُ، وَإِنْ حَلَفَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَالْأَصَحُّ: لَا تَحَالُفَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ، فَلَمْ يَشْرَعْ فِيهِ، كَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ (فَإِنِ ادَّعَى أَقَلَّ مِنْهُ وَادَّعَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ رُدَّ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ قَبُولِ قَوْلِ مَنْ يَدَّعِيهِ (بِلَا يَمِينٍ عِنْدِ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي نِكَاحٍ أَشْبَهَتِ الدَّعْوَى فِي أَصْلِ النِّكَاحِ (فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا) سَوَاءٌ وَافَقَ قَوْلَ الزَّوْجِ أَوْ قَوْلَهَا (وَعِنْدِ أَبِي الْخَطَّابِ: يَجِبُ الْيَمِينُ) ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِيمَا يَجُوزُ بَدَلُهُ، فَوَجَبَ أَنْ تَجِبَ فِيهِ الْيَمِينُ كَسَائِرِ الدَّعَاوِي فِي الْأَمْوَالِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": إِذَا ادَّعَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَادَّعَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ - رُدَّ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا يَمِينًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَحَالَفَا، فَإِنَّ مَا يَقُولُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَمِلٌ لِلصِّحَّةِ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إِلَّا بِيَمِينٍ كَالْمُنْكِرِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوِي؛ وَلِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي عَدَمِ الظُّهُورِ، فَشُرِعَ التَّحَالُفُ كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ الْأَصْحَابُ ذَكَرُوا يَمِينًا، وَالْحَالُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ عَنِ الْقَاضِي نَفْيًا وَعَنْ أَبِي الْخَطَّابِ إِثْبَاتًا، وَقَوْلُهُ: " فَشُرِعَ التَّحَالُفُ " يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَيَقُولُ هُوَ: مَا أَصْدَقْتُهَا كَذَا، وَإِنَّمَا أَصْدَقْتُهَا كَذَا، أَوْ تَقُولُ هِيَ: مَا أَصْدَقَنِي كَذَا، وَإِنَّمَا أَصْدَقَنِي كَذَا، كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ (وَإِنْ قَالَ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، قَالَتْ: بَلْ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، أَيْ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي عَيْنِهِ أَوْ صِفَتِهِ، فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَقِيمَةُ الْأَمَةِ دُونَ ذَلِكَ - حَلَفَ الزَّوْجُ، وَلَهَا قِيمَةُ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْأَمَةِ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ دُونَ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا، وَهَلْ تَجِبُ الْأَمَةُ أَوْ قِيمَتُهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تَجِبُ عَيْنُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الْقَدْرِ، فَكَذَا فِي الْعَيْنِ، وَالثَّانِي: تَجِبُ لَهَا قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا إِنَّمَا وَافَقَ الظَّاهِرَ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الْعَيْنِ، وَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 الْمَهْرِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمَهْرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقَيْنِ - سِرًّا وَعَلَانِيَةً - أُخِذَ بِالْعَلَانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدِ انْعَقَدَ بِالسِّرِّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ تَصَادَقَا عَلَى السِّرِّ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ، وَإِنْ قَالَ: هُوَ عَقْدٌ وَاحِدٌ،   [المبدع في شرح المقنع] فَتَاوَى الْمُؤَلِّفِ: إِنْ عَيَّنَتْ أُمَّهَا وَعَيَّنَ أَبَاهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ أَبُوهَا؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِمِلْكِهَا لَهُ، وَإِعْتَاقُهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَتَحَالَفَانِ، وَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ أُمِّهَا أَوْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَفِي " الْوَاضِحِ ": يَتَحَالَفَانِ كَبَيْعٍ، وَلَهَا الْأَقَلُّ مِمَّا ادَّعَتْهُ أَوْ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِ جِنْسِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ: قِيمَةُ مَا يَدَّعِيهِ هُوَ. فَرْعٌ: اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَأَبُو الصَّغِيرَةِ أَوِ الْمَجْنُونَةِ قَامَ الْأَبُ مَقَامَهَا فِي الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " و" الشَّرْحِ "، وَفِي الْوَاضِحِ تُوقَفُ الْيَمِينُ إِلَى حِينِ بُلُوغِهَا، وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى بَلَغَتِ الصَّغِيرَةُ وَعَقَلَتِ الْمَجْنُونَةُ، فَالْيَمِينُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَلَفَ لِتَعَذُّرِ الْيَمِينِ مِنْهُمَا، فَإِذَا أَمْكَنَ، لَزِمَهُمَا كَالْوَصِيِّ إِذَا بَلَغَ الطِّفْلُ، فَأَمَّا أَبُو الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ فَلَا تَسْمَعُ مُخَالَفَةَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ، وَالْحَقُّ لَهَا، وَأَمَّا سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ فَلَيْسَ لَهُنَّ أَنْ يُزَوِّجُوا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ فَعَلُوا ثَبَتَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ زَوَّجَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، فَالْيَمِينُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ. (فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمَهْرِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ بِنَاءً عَلَى: " كَانَ لَهُ عَلَيَّ وَقَضَيْتُهُ " (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمَهْرُ) مِنَ الْمَسِيسِ وَالْخَلْوَةِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقَيْنِ - سِرًّا وَعَلَانِيَةً - أُخِذَ بِالْعَلَانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدِ انْعَقَدَ بِالسِّرِّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ وُجِدَ مِنْهُ بَذَلُ الزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ السِّرِّ، فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ زَادَهَا فِي صَدَاقِهَا، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِأَزْيَدِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ تَصَادَقَا عَلَى السِّرِّ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ) أَيِ: الْوَاجِبُ الْمَهْرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 أَسْرَرْتُهُ ثُمَّ أَظْهَرْتُهُ، وَقَالَتْ: بَلْ هُوَ عَقْدَانِ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا. فَصْلٌ في المفوضة وَالتَّفْوِيضُ، عَلَى ضَرْبَيْنِ: تَفْوِيضُ الْبُضْعِ، وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] الَّذِي انْعَقَدَ بِهِ النِّكَاحُ - سِرًّا كَانَ أَوْ عَلَانِيَةً - لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ النِّكَاحُ وَالْعَلَانِيَةُ لَيْسَ بِعَقْدِ حَقِيقَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَقْدُ صُورَةٍ، وَالزِّيَادَةُ فِيهِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُقِرَّ بِنِكَاحِ السِّرِّ، وَإِذًا الْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ نِكَاحِ السِّرِّ، فَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ، وَأَنَّهُمَا عَقَدَا بِأَلْفَيْنِ تَجَمُّلًا فَالْمَهْرُ أَلْفَانِ، أَيْ: مَا عُقِدَ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، كَعَقْدِهِ هَزْلًا وَتَلْجِئَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ مِنْ جِنْسِ الْعَلَانِيَةِ أَوْ يَكُونَا مِنْ جِنْسَيْنِ، وَذَكَرَ الْحُلْوَانِيُّ فِي بَيْعِ مِثْلِهِ (وَإِنْ قَالَ: هُوَ عَقْدٌ وَاحِدٌ، أَسْرَرْتُهُ ثُمَّ أَظْهَرْتُهُ، وَقَالَتْ: بَلْ هُوَ عَقْدَانِ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الثَّانِيَ عَقْدٌ صَحِيحٌ يُفِيدُ حُكْمًا كَالْأَوَّلِ، وَلَهَا الْمَهْرَانِ وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْإِنْكَارِ سُئِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا حَلَفَتْ، وَاسْتَحَقَّتْ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِمَا يَسْقُطُ جَمِيعُهُ أَوْ نِصْفُهُ لَزِمَهَا مَا أَقَرَّتْ بِهِ. فَرْعٌ: يَلْحَقُ الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِالْمَهْرِ عَلَى الْأَصَحِّ فِيمَا يُقَرِّرُهُ وَيُنْصِفُهُ، وَتَمْلِكُ الزِّيَادَةَ مِنْ حِينِهَا، نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي أَمَةٍ عَتَقَتْ فَزِيدَ مَهْرُهَا، وَجَعَلَهَا الْقَاضِي لِمَنِ الْأَصْلُ لَهُ فَأَمَّا هَدِيَّتُهُ فَلَيْسَتْ مِنَ الْمَهْرِ نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَقَدْ وَعَدَ بِهِ فَزَوَّجُوا غَيْرَهُ رَجَعَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: مَا قُبِضَ بِسَبَبِ نِكَاحٍ فَكَمَهْرٍ، وَقَالَ فِيمَا كُتِبَ فِيهِ الْمَهْرُ: لَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِطَلَاقِهَا إِذَا كَانَ مِنْهُ. [فَصْلٌ فِي الْمُفَوَّضَةِ] ِ يَجُوزُ فِيهِ فَتْحُ الْوَاوِ وَكَسْرُهَا (وَالتَّفْوِيضُ) مَعْنَاهُ: الْإِهْمَالُ، كَأَنَّهَا أَهْمَلَتِ الْمَهْرَ حَيْثُ لَمْ يُسَمِّهِ، قَالَ الشَّاعِرُ: لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 تَأْذَنَ الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَتَفْوِيضُ الْمَهْرِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَا شَاءَتْ أَوْ شَاءَ أَجْنَبِيٌّ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَالنِّكَاحٌ صَحِيحٌ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ، وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِفَرْضِهِ، فَإِنْ فَرْضَهُ الْحَاكِمُ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِمِقْدَارِهِ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى فَرْضِهِ   [المبدع في شرح المقنع] (عَلَى ضَرْبَيْنِ: تَفْوِيضُ الْبُضْعِ) وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إِطْلَاقُ التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ (وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ، أَوْ تَأْذَنَ الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا بِلا مَهْرٍ) أَوْ مُطْلَقًا، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فعلم مِنْهُ أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] ؛ وَلِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَيَأْتِي؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ النِّكَاحِ الْوُصْلَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ دُونَ الصَّدَاقِ، فَصَحَّ ذِكْرُهُ كَالنَّفَقَةِ، وَسَوَاءٌ شَرَطَا نَفْيَ الْمَهْرِ أَوْ تَرْكَا ذِكْرَهُ، فَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِغَيْرِ مَهْرٍ فِي الْحَالِ، وَلَا فِي الثَّانِي صَحَّ (وَتَفْوِيضُ الْمَهْرِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَا شَاءَتْ أَوْ شَاءَ أَجْنَبِيٌّ وَنَحْوَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا إِلَّا بِصَدَاقٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، فَسَقَطَ لِجَهَالَتِهِ (فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ) ؛ «لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ سُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا صَدَاقُ نَسَائِهَا، لَا وَكْسَ، وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعُدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ، فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرَوْعَ بِنْتِ وَاشِقٍ - امْرَأَةٌ مِنَّا بِمِثْلِ مَا قَضَيْتَ بِهِ» ، فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ لَهُ؛ وَلِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، فَكَانَ وَاجِبًا كَالْمُسَمَّى؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ لَمَا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ، كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَصَّفْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَقَلَ غَيْرَ الْمُسَمَّى لَهَا بِالطَّلَاقِ إِلَى الْمُتْعَةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ فَرَضَ الرَّجُلُ مَهْرَ أَمَتِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا، أَوْ بَاعَهَا ثُمَّ فَرَضَ لَهَا كَانَ لِمُعْتِقِهَا أَوْ بَائِعِهَا وَإِنْ طُلِّقَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَالْمُتْعَةُ لَهَا (وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِفَرْضِهِ) قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنِ امْتَنَعَ أُجْبِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو مِنَ الْمَهْرِ فَوَجَبَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِبَيَانِ قَدْرِهِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إِذِ الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ، بِالْعَقْدِ يُفْضِي إِلَى خُلُوِّهِ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ يَقَعُ صَحِيحًا، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ، وَيَصِحُّ إِبْرَاؤُهَا مِنْهُ قَبْلَ فَرْضِهِ، وَعَنْهُ: لَا، لِجَهَالَتِهِ، وَإِنْ وَقَفَ وُجُوبُهُ عَلَى الدُّخُولِ، فَكَالْعَفْوِ عَمَّا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ (فَإِنِ) امْتَنَعَ مِنْ بَيَانِ قَدْرِهِ (فَرَضَهُ الْحَاكِمُ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَضَهُ أَجْنَبِيٌّ لَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 جَازَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ، وَرِثَهُ صَاحِبُهُ، وَلَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَتَنَصَّفُ بِالْمَوْتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَضَهُ لَهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا   [المبدع في شرح المقنع] لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ رَضِيَتْهُ وَفِيهِ وَجْهٌ بِالصِّحَّةِ، فَإِنْ سَلَّمَ إِلَيْهَا مَا فَرَضَ لَهَا فَرَضِيَتْهُ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ فَإِنْ قُلْنَا يَصِحُّ فَطُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ نَصِفُهُ إِلَى الزَّوْجِ و (لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِمِقْدَارِهِ) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مَيْلٌ عَلَيْهِ، وَالنُّقْصَانُ مَيْلٌ عَلَيْهَا، وَالْعَدْلُ الْمِثْلُ؛ وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يُفْرَضُ بَدَلَ الْبُضْعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَدَّرَ بِهِ كَالسِّلْعَةِ، إِذَا تَلَفَتْ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهَا فَرْضُهُ بِحُكْمِهِ، فَدَلَّ أَنَّ ثُبُوتَ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ كَتَقْدِيرِهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَالنَّفَقَةَ وَنَحْوَهُ، حُكْمٌ، فَلَا يُغَيِّرُ حَاكِمٌ آخَرُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرِ السَّبَبُ، كَيُسْرِهِ فِي النَّفَقَةِ، أَوْ عُسْرِهِ. (وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى فَرْضِهِ جَازَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ) سَوَاءٌ كَانَا عَالِمَيْنِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا فَرَضَ لَهَا كَثِيرًا فَقَدْ بَذَلَ لَهَا مِنْ مَالِهِ فَوْقَ مَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْيَسِيرِ فَقَدْ رَضِيَتْ بِدُونِ مَا يَجِبُ لَهَا، وَيَصِيرُ مَا فَرَضَاهُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ فِي أَنَّهُ يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ، وَلَا تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ الدُّخُولُ بِالْمَرْأَةِ قَبْلَ إِعْطَائِهَا شَيْئًا؛ لِلْخَبَرِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ: لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا؛ لِلْخَبَرِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَيَجِبُ الْمُسَمَّى بِوَطْءٍ أَوْ خَلْوَةِ مَنْ يَطَأُ مِثْلَهُ بِمَنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا بِدُونِ مَانِعٍ عُرْفًا، وَفِي الْمَانِعِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا رِوَايَتَانِ. (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ) وَقَبْلَ الْفَرْضِ (وِرْثَهُ صَاحِبُهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الزَّوْجِيَّةِ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، فَيُورَثُ بِهِ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ النَّصِّ (وَلَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِحَدِيثِ؛ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ وَلِأَنَّ الْمَوْتَ يَكْمُلُ بِهِ الْمُسَمَّى، فَكَمُلَ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَالدُّخُولِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَتَنَصَّفُ بِالْمَوْتِ) ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ لَهَا يُخَالِفُ الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا فِي الطَّلَاقِ، فَجَازَ أَنْ يُخَالِفَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ وَرَدَتْ عَلَى تَفْوِيضٍ صَحِيحٍ قَبْلَ فَرْضٍ وَمَسِيسٍ، فَلَمْ يَجِبْ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ كَفُرْقَةِ الطَّلَاقِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَضَهُ لَهَا) الْحَاكِمُ، فَإِنَّهُ لَا يَتَنَصَّفُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَجْعَلُهُ كَالْمُسَمَّى، وَلَوْ سَمَّى ثُمَّ مَاتَ لَوَجَبَ كُلُّهُ، فَكَذَا إِذَا فَرَضَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ إِلَّا الْمُتْعَةُ عَلَى الْمُوسِعِ قَدْرُهُ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ، فَأَعْلَاهَا خَادِمٌ، وَأَدْنَاهَا كُسْوَةٌ تُجْزِئُهَا فِي صَلَاتِهَا، وَعَنْهُ: يَرْجِعُ فِي تَقْدِيرِهَا إِلَى الْحَاكِمِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا اسْتَقَرَّ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: لَا تَجِبُ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ إِلَّا الْمُتْعَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 49] إِلَى قَوْلِهِ: {فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: 241] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ؛ وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي نِكَاحٍ يَقْتَضِي عِوَضًا، فَلَمْ يُعَرَّ عَنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ كَمَا لَوْ سَمَّى مَهْرًا {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] أَيِ الْمُتْعَةُ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الزَّوْجِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 236] وَقِيلَ: بِحَالِهَا، وَقِيلَ بِحَالِهِمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَأَعْلَاهَا خَادِمٌ، وَأَدْنَاهَا كُسْوَةٌ تُجْزِئُهَا فِي صَلَاتِهَا) ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَعَلَى الْمُتْعَةِ خَادِمٌ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ النَّفَقَةُ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ الْكُسْوَةُ، وَقُيِّدَتْ بِمَا يُجْزِئُهَا فِي صَلَاتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلَّ الْكُسْوَةِ (وَعَنْهُ: يَرْجِعُ فِي تَقْدِيرِهَا إِلَى الْحَاكِمِ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِهِ (وَعَنْهُ: يَجِبُ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَقَدَّرَ بِهِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَوَجَبَ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ كَالَّتِي سَمَّى لَهَا، وَكَمَا لَوْ سَمَّى لَهَا مُحْرِمًا. (فَإِنْ دَخَلَ بِهَا اسْتَقَرَّ مَهْرُ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ يُوجِبُ اسْتِقْرَارَ الْمُسَمَّى، فَكَذَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَهْرِ فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلِاسْتِقْرَارِ (فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: لَا تَجِبُ) وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لَمْ يَجِبْ لَهَا مُتْعَةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّنْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا أَوْ لَا؛ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، فَلَمْ يَجِبْ لَهَا الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَدَلِ مَعَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالثَّانِيَةُ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ، رَوَي عَنْ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ - لِلْآيَةِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 فَصْلٌ وَمَهْرُ الْمِثْلِ مُعْتَبَرٌ بِمَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ نِسَاءِ عَصَبَتِهَا، كَأُخْتِهَا، وَعَمَّتِهَا، وَبِنْتِ أَخِيهَا، وَعَمِّهَا، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ جَمِيعُ أَقَارِبِهَا كَأُمِّهَا وَخَالَتِهَا، وَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَالِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْمُتْعَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا لِحُرَّةٍ، أَوْ سَيِّدِ أَمَةٍ عَلَى زَوْجٍ بِطَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، كَمَنْ لَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - قَسَّمَ الْمُطَلَّقَاتِ قِسْمَيْنِ، وَأَوْجَبَ الْمُتْعَةَ لِغَيْرِ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ، وَنِصْفَ الْمُسَمَّى لِغَيْرِ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ كُلِّ قَسَمٍ بِحُكْمِهِ، مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: الْعَمَلُ عِنْدِي عَلَى الثَّانِيَةِ؛ لِتَوَاتُرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ بِخِلَافِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ هَذَا إِلَّا حَنْبَلٌ، وَعَنْهُ: تَجِبُ الْمُتْعَةُ إِلَّا لِمَنْ دَخَلَ بِهَا وَسَمَّى لَهَا. فَرْعٌ: لَا مُتْعَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُطَلَّقَاتِ؛ وَلِأَنَّهَا أَخَذَتِ الْعِوَضَ الْمُسَمَّى لَهَا فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَمْ يَجِبْ لَهَا بِهِ سِوَاهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ. [مَهْرُ الْمِثْلِ مُعْتَبَرٌ بِمَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ نِسَاءِ عَصَبَتِهَا] فَصْلٌ (وَمَهْرُ الْمِثْلِ مُعْتَبَرٌ بِمَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ نِسَاءِ عَصَبَتِهَا) مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا (كَأُخْتِهَا، وَعَمَّتِهَا، وَبِنْتِ أَخِيهَا، وَعَمِّهَا) قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": هُوَ الْأَوْلَى؛ «لِقَضَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرَوْعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمِثْلِ مَهْرِ قَوْمِهَا» ؛ وَلِأَنَّ شَرَفَ الْمَرْأَةِ مُعْتَبَرٌ فِي مَهْرِهَا، وَشَرَفُهَا بِعَصَبَاتِهَا؛ لِأَنَّهُمْ نُسَبَاؤُهَا، وَأُمُّهَا وَخَالَتُهَا لَا يُسَاوِيَانِهَا فِي شَرَفِهَا، وَقَدْ تَكُونُ أُمُّهَا مَوْلَاةً وَهِيَ شَرِيفَةٌ، وَبِالْعَكْسِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ نِسَاءِ عَصَبَاتِهَا، كَأُخْتِهَا لِأَبِيهَا، ثُمَّ عَمَّاتِهَا (وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ جَمِيعُ أَقَارِبِهَا كَأُمِّهَا وَخَالَتِهَا) جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْمُسْتَوْعِبِ " و" الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ لَهُ أَثَرٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمُّهَا وَخَالَتُهَا يَشْمَلُهُمَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا» وَحِينَئِذٍ يَعْتَبِرُ بِمَنْ يُسَاوِيهَا فِي الصِّفَاتِ الْحَسَنَةِ وَالْمَالِ وَالْبَلَدِ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْهُنَّ. (وَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَالِ، وَالْجَمَالِ، وَالْعَقْلِ، وَالْأَدَبِ، وَالسِّنِّ، وَالْبَكَارَةِ، وَالثُّيُوبَةِ، وَالْبَلَدِ) ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ بَدَلٌ مُتْلَفٌ، فَاعْتُبِرَتِ الصِّفَاتُ الْمَفْقُودَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نِسَائِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 وَالْجَمَالِ، وَالْعَقْلِ، وَالْأَدَبِ، وَالسِّنِّ، وَالْبَكَارَةِ، وَالثُّيُوبَةِ، وَالْبَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نِسَائِهَا إِلَّا دُونَهَا، زِيدَتْ بِقَدْرِ فَضِيلَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَوْقَهَا نَقَصَتْ بِقَدْرِ نَقْصِهَا، وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمُ التَّخْفِيفَ عَلَى عَشِيرَتِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، اعْتُبِرَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ من عَادَتهمُ التَّأْجِيلَ، فُرِضَ مُؤَجَّلًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَقَارِبُ، اعْتُبِرَتْ بِنِسَاءِ بَلَدِهَا، ثُمَّ بِأَقْرَبِ النِّسَاءِ شَبَهًا بِهَا، وَأَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ، فَإِذَا افْتَرَقَا قَبْلَ الدُّخُولِ   [المبدع في شرح المقنع] مَنْ هُوَ مِثْلُ حَالِهَا، فَمِنْ نِسَاءِ أَرْحَامِهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نِسَائِهَا إِلَّا دُونَهَا، زِيدَتْ بِقَدْرِ فَضِيلَتِهَا) ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ فَضِيلَتِهَا تَقْتَضِي زِيَادَةَ الْمَهْرِ (وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَوْقَهَا نَقَصَتْ بِقَدْرِ نَقْصِهَا) كَأَرْشِ الْعَيْبِ، مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ نَقْصِ الْمَبِيعِ؛ وَلِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي تَنْقِيصِ الْمَهْرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ بِحَسَبِهِ (وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمُ التَّخْفِيفَ عَلَى عَشِيرَتِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، اعْتُبِرَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَهَا أَثَرٌ فِي الْمِقْدَارِ، فَكَذَا فِي التَّخْفِيفِ، لَا يُقَالُ: مَهْرُ الْمِثْلِ بَدَلٌ مُتْلَفٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُخَالِفُ سَائِرَ الْمُتْلَفَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ أَعْيَانُ الزَّوْجَيْنِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمُتْلَفَاتِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَالِيَّةُ خَاصَّةً، فَلِذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ، وَالْمَهْرُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ (وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمُ التَّأْجِيلَ، فُرِضَ مُؤَجَّلًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ مَهْرُ نِسَائِهَا، وَالثَّانِي: يُفْرَضُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مُتْلَفٌ، فَوَجَبَ الْحُلُولُ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَادَةٌ بِالتَّأْجِيلِ، فَلَوِ اخْتَلَفَتْ مُهُورُهُنَّ أَخَذَ بِالْوَسَطِ الْحَالِّ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَقَارِبُ اعْتُبِرَتْ بِنِسَاءِ بَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ (ثُمَّ بِأَقْرَبِ النِّسَاءِ شَبَهًا بِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْأَقَارِبُ اعْتَبَرَ أَقْرَبَ النِّسَاءِ شَبَهًا بِهَا مِنْ غَيْرِهِنَّ، كَمَا اعْتَبَرَ قَرَابَتَهَا الْبَعِيدَ إِذَا لَمْ يُوجَدِ الْقَرِيبُ. (وَأَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ، فَإِذَا افْتَرَقَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا مَهْرَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لِمَوْتٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِهِ، وَتُقَرِّرُهُ بِالْخَلْوَةِ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يَسْتَقِرُّ بِهِ وَفِي الرِّعَايَةِ إِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَقَعُ، فَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا مَهْرَ فِيهِ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى، وَعَنْهُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهِيَ أَصَحُّ، وَلَا يَسْتَقِرُّ بِالْخَلْوَةِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَسْتَقِرُّ. وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ   [المبدع في شرح المقنع] سُقُوطِ الْمَهْرِ وَإِيجَابِهِ احْتِمَالَانِ (فَإِنْ دَخَلَ بِهَا) وَوَطِئَهَا (اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى) فِي الْمَنْصُوصِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ عَائِشَةَ: «وَلَهَا الَّذِي أَعْطَاهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِمَا (وَعَنْهُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهِيَ أَصَحُّ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» فَجُعِلَ لَهَا الْمَهْرُ بِالْإِصَابَةِ، وَالْإِصَابَةُ إِنَّمَا تُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ، بِدَلِيلِ الْخَبَرِ، وَأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ مَسِيسِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَكَوَطْءِ الشُّبْهَةِ؛ وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ فَسَدَتْ لَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَكَذَا إِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ (وَلَا يَسْتَقِرُّ بِالْخَلْوَةِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، كَمَنْ مَنَعَتْهُ الْوَطْءَ أَوِ افْتَرَقَا بِلَا وَطْءٍ وَلَا خَلْوَةٍ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا يَسْتَقِرُّ) نَصَّ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": الْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ إِنَّمَا أَوْجَبَهُ الْوَطْءُ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَشْبَهَ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ الْمَهْرَ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ، وَقِيلَ: لَا يَكْمُلُ بِهَا. فَرْعٌ: لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ مَنْ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ قَبْلَ طَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ، فَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ فَسَخَهُ الْحَاكِمُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ: لَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ فَسْخِهِ لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقًا، فَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا شُهُودٍ، فَفِي تَزْوِيجِهَا قَبْلَ فُرْقَةٍ رِوَايَتَانِ فِي " الْإِرْشَادِ "، وَهُمَا فِي " الرِّعَايَةِ " بِلَا وَلِيٍّ أَوْ بِدُونِهِمَا. [وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ] (وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، كَبَدَلِ مُتْلَفٍ (وَالْمُكْرَهَةُ عَلَى الزِّنَا) أَيْ: يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِوَطْءٍ فِي قُبُلٍ وَلَوْ مِنْ مَجْنُونٍ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَالْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَا، وَلَا يَجِبُ مَعَهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ لِلْمُكْرَهَةِ، وَإِذَا دَفَعَ أَجْنَبِيَّةً فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا، فَعَلَيْهِ أَرْشُ بِكَارَتِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الزَّوْجُ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، لَمْ يَكُنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَعَنْهُ: الْمَهْرُ لِلْبِكْرِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ لِمُكْرَهَةٍ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ خَبِيثٌ، وَظَاهِرُهُ لَا يَجِبُ لِمُطَاوَعَةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْكَافِي "؛ لِأَنَّهَا بَاذِلَةٌ، فَلَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ، كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ طَرَفِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَمَةُ، وَفِي وَطْءِ دُبُرٍ وَأَمَةٍ أَذِنَتْ وَجْهَانِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": لِمُطَاوَعَةٍ، وَيَسْقُطُ، وَعَنْهُ: لَا مَهْرَ لِذَاتِ رَحِمٍ، وَعَنْهُ: تَحْرُمُ بِنْتُهَا كَلِوَاطٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: بِخِلَافِ مُصَاهَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَرَضَاعٌ (وَلَا يَجِبُ مَعَهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ) كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ لِلْمُكْرَهَةِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافُ جُزْءٍ، فَوَجَبَ عِوَضُهُ، كَمَا لَوْ جَرَحَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدْلُ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَوْفَاةِ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ؛ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْبِكْرِ عَلَى مَهْرِ الثَّيِّبِ بِبَكَارَتِهَا، وَكَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ مُقَابِلَةً لِمَا أَتْلَفَ مِنَ الْبَكَارَةِ وَلَا يَجِبُ عِوَضُهُمَا مَرَّةً ثَانِيَةً. تَنْبِيهٌ: يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ بِتَعَدُّدِ الشُّبْهَةِ وَالزِّنَا لَا بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ فِي الشُّبْهَةِ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَطْءِ فِي الشُّبْهَةِ، لَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " و" النِّهَايَةِ " يَتَعَدَّدُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَوَطْئِهِ مُكَاتَبَتِهِ إِنِ اسْتَوْفَتْ مَهْرًا عَنِ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ نِكَاحُهَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ كَالْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ، فَهِيَ كَالْمُكْرَهَةِ، جَزَمَ بِهِ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُ الْمُسَمَّى، وَعَنْهُ: لَا مَهْرَ لِمُحَرَّمَةٍ بِنَسَبٍ ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. (وَإِذَا دَفَعَ أَجْنَبِيَّةً فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا) أَوْ أَزَالَهَا بِأُصْبُعٍ أَوْ غَيْرِهَا (فَعَلَيْهِ أَرْشُ بِكَارَتِهَا) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافُ جُزْءٍ لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِ دِيَتِهِ فَرَجَعَ فِيهَا إِلَى الْحُكُومَةِ كَسَائِرِ مَا لَمْ يُقَدَّرْ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكْمُلِ الصَّدَاقُ بِهِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، فَفِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَوْلَى (وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا هُشَيْمٌ، ثَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ عِنْدَهُ يَتِيمَةٌ، فَخَافَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَاسْتَعَانَتْ بِنِسْوَةٍ، فَأَذْهَبْنَ عُذْرَتَهَا، وَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: فَجَرَتْ، فَأُخْبِرَ عَلِيٌّ بِذَلِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 عَلَيْهِ إِلَّا نِصْفُ الْمُسَمَّى. وَلِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا الْحَالَّ، فَإِنْ تَبَرَّعَتْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالنِّسْوَةِ، فَلَمَّا أَتَيْنَ لَمْ يَلْبَثْنَ أَنِ اعْتَرَفْنَ بِمَا صَنَعْنَ، فَقَالَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: اقْضِ فِيهَا، فَقَالَ: الْحَدُّ عَلَى مَنْ قَذَفَهَا، وَالْعُقْرُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْمُمْسِكَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ إِتْلَافٌ يُسْتَحَقُّ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْعَقْدِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَنْفَعَةِ الْبُضْعِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا، فَدَفَعَهَا هُوَ وَأَخُوهُ، فَأَذْهَبَا عُذْرَتَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ إِنَّ عَلَى الزَّوْجِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَعَلَى الْأَخِ نِصْفُ الْعُقْرِ، رَوَي عَنْ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَهَذِهِ قِصَصٌ مُشْتَهِرَةٌ، وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ كَالْإِجْمَاعِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقِيَاسُ، لَوْلَا مَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مَا بَيْنَ مَهْرِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الزَّوْجُ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلَّا نِصْفُ الْمُسَمَّى) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الْآيَةَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا يَسْتَحِقُّ إِتْلَافَهُ بِالْعَقْدِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عُذْرَةَ أَمَتِهِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَجِبَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَيْهِ الصَّدَاقُ، فَفِيمَا إِذَا فَعَلَهُ الزَّوْجُ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَقِيلَ: بَلَى، إِنْ قِيلَ: يَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَرْشُهَا، فَيُعْطَى حُكْمَهُ مِنْ حِينِ الْإِتْلَافِ، وَيَمْتَازُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى؛ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ. فَرْعٌ: لَوْ وَطِئَ مَيِّتَةً لَزِمَهُ الْمَهْرُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ مَنْ دَخَلَ بِهَا فَوَضَعَتْ فِي يَوْمِهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فِيهِ، وَطَلَّقَ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فِي يَوْمِهَا مَنْ دَخَلَ بِهَا، فَقَدِ اسْتَحَقَّتْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بِالنِّكَاحِ مَهْرَيْنِ وَنِصْفَ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَتَاوِيهِ. [لِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا الْحَالَّ] (وَلِلْمَرْأَةِ) سُمِّيَ لَهَا أَوْ مُفَوِّضَةً (مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا الْحَالَّ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّ فِي إِجْبَارِهَا أَوَّلًا عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا خَطَرًا بِإِتْلَافِ الْبُضْعِ، وَلَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، وَقِيلَ: أَوْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَسَافَرَ بِلَا إِذْنِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَهَا النَّفَقَةُ إِذَا امْتَنَعَتْ - وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا - وَالسَّفَرُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ بِحَقٍّ، أَشْبَهَ مَا لَوِ امْتَنَعَتْ لِلْإِحْرَامِ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَّلَ أَحْمَدُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ بِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا، ثُمَّ أَرَادَتِ الْمَنْعَ، فَهَلْ لَهَا ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَعْسَرَ بِالْمَهْرِ قَبْلَ   [المبدع في شرح المقنع] قِبَلِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا نَفَقَةَ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ رِضَاهَا بِتَأْجِيلِهِ رِضًا مِنْهَا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا قَبْلَ قَبْضِهِ كَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا، فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْعَاجِلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُلُولِهِ بَعْدَ تَأْجِيلِهِ وَعَدَمِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا، فَاسْتَقَرَّ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً أَوْ لَهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ، وَجَبَ تَسْلِيمُ الصَّدَاقِ كَمَهْرِ الصَّغِيرَةِ فِي الْأَصَحِّ. (فَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا ثُمَّ أَرَادَتِ الْمَنْعَ، فَهَلْ لَهَا ذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) إِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا تَبَرُّعًا، فَدَخَلَ أَوْ خَلَا، ثُمَّ أَرَادَتِ الْمَنْعَ فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْجَوَابِ عَنْهَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَمْلِكُهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ اسْتَقَرَّ بِهِ الْعِوَضُ بِرِضَا الْمُسَلِّمِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ كَتَسْلِيمِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُتَبَرِّعِ بِالتَّسْلِيمِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ قَادِحٌ فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ، وَالثَّانِي - وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ -: عَلَى أَنَّ لَهَا الْمَنْعَ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ يُوجِبُهُ الْعَقْدُ، فَكَانَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ قَبْلَ صَدَاقِهَا، كَمَا لَوْ تَتَبَرَّعُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا، فَأَمَّا إِنْ وَطِئَهَا مُكْرَهَةً لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا مِنْ الِامْتِنَاعِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " كَالْبَائِعِ الْمُكْرَهِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ إِذَا أَظْهَرَ مَعِيبًا بَعْدَ قَبْضِهِ وَتَسْلِيمِ نَفْسِهَا أَنَّ لَهَا الْمَنْعَ. فَرْعٌ: إِذَا أَبَى كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ التَّسْلِيمَ الْوَاجِبَ، أُجْبِرَ زَوْجٌ، ثُمَّ زَوْجَةٌ، وَإِنْ بَادَرَ بِهِ أَحَدُهُمَا أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ، فَلَوْ أَبَتِ التَّسْلِيمَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَلَهُ اسْتِرْجَاعُ الصَّدَاقِ. [إِنْ أَعْسَرَ بِالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ] (وَإِنْ أَعْسَرَ بِالْمَهْرِ) الْحَالِّ (قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْفَسْخُ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " كَمَا لَوْ أَعْسَرَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَقِيلَ: لَا يُفْسَخُ، اخْتَارَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 الدُّخُولِ فَلَهَا الْفَسْخُ، وَإِنْ أَعْسَرَ بَعْدَهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ. بَابُ الْوَلِيمَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِدَعْوَةِ الْعُرْسِ خَاصَّةً، وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالْإِجَابَةُ إِلَيْهَا وَاجِبَةٌ، إِذَا عَيَّنَهُ   [المبدع في شرح المقنع] ابْنُ حَامِدٍ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِالْإِعْسَارِ كَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، وَالثَّمَنُ كُلُّ مَقْصُودِ الْبَائِعِ، وَالْعَادَةُ تَعْجِيلُهُ، وَالصَّدَاقُ فَضْلَةٌ، وَالْعَادَةُ تَأْخِيرُهُ (وَإِنْ أَعْسَرَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الدُّخُولِ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَنْعِ نَفْسِهَا، إِنْ قُلْنَا: لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَلَهَا الْفَسْخُ كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا، فَلَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ أَفْلَسَ بِدَيْنٍ آخَرَ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْحُرَّةَ مُكَلَّفَةُ الْفَسْخِ بَعْدَهُ مَا لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِنْ تَزَوَّجَ مُفْلِسًا وَلَمْ تَعْلَمِ الْمَرْأَةُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ: عِنْدِي عِوَضٌ، وَمَالٌ، وَغَيْرُهُ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمَقَامِ فَلَا فَسْخَ فِي الْأَصَحِّ، لَكِنَّ لَهَا مَنْعَ نَفْسِهَا. فَرْعٌ: الْمَنْعُ وَالْفَسْخُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ، وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ أَوْلَى كَوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ. (وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ، وَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يُفْضِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْتَقِدُ حِلَّهَا لَهُ وَتَحْرِيمَهَا عَلَى الْآخَرِ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ بِغَيْرِ حُكْمٍ كَخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ؛ إِذِ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُعْتَقَةِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَلِيمَةِ] [تَعْرِيفُ الْوَلِيمَةِ وَحُكْمُهَا] بَابُ الْوَلِيمَةِ قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": وَلِيمَةُ الشَّيْءِ كَمَالُهُ وَجَمْعُهُ، وَسُمِّيَتْ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَلِيمَةً؛ لِاجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ، يُقَالُ: أَوْلَمَ، إِذَا صَنَعَ وَلِيمَةً. (وَهِيَ اسْمٌ لِدَعْوَةِ الْعُرْسِ خَاصَّةً) لَا تَقَعُ عَلَى غَيْرِهِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَقَعُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ لِسُرُورٍ حَادِثٍ، إِلَّا أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] اسْتِعْمَالَهَا فِي طَعَامِ الْعُرْسِ أَكْثَرُ، وَقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الشَّأْنِ، وَهُمْ أَعْرَفُ بِمَوْضُوعَاتِ اللُّغَةِ، وَأَعْلَمُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ. وَالْأَطْعِمَةُ الَّتِي يُدْعَى إِلَيْهَا النَّاسُ عَشَرَةٌ: الْأُولَى: وَلِيمَةُ الْعُرْسِ، وَالثَّانِيَةُ: عُذْرَةٌ وَإِعْذَارٌ لِلْخِتَانِ، وَالثَّالِثَةُ: خُرْسَةٌ وَخُرْسٌ لِلْوِلَادَةِ، وَالرَّابِعَةُ: وَكِيرَةٌ لِدَعْوَةِ الْبِنَاءِ، وَالْخَامِسَةُ: نَقِيعَةٌ لِقُدُومِ الْغَائِبِ، وَالسَّادِسَةُ: عَقِيقَةُ الذَّبْحِ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، وَالسَّابِعَةُ: حَذَاقٌ لِأَجْلِ حَذَاقِ الصَّبِيِّ، وَالثَّامِنَةُ: مَأْدُبَةٌ وَهِيَ كُلُّ دَعْوَةٍ بِسَبَبٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ: وَالتَّاسِعَةُ: وَضِيمَةٌ وَهِيَ طَعَامُ الْمَأْتَمِ، نَقَلَهُ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ الْفَرَّاءِ، وَالْعَاشِرَةُ: تُحْفَةٌ لِقُدُومِ الْغَائِبِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَشَدْخِيَّةٌ: لِطَعَامِ إِمْلَاكٍ عَلَى زَوْجَةٍ، وَشَدَاخٌ: لِمَأْكُولٍ فِي خَتْمَةِ الْقَارِئِ. (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) بِالْعَقْدِ قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ وَلِيمَةَ الْعُرْسِ سُنَّةٌ مَشْرُوعَةٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِهَا وَفَعَلَهَا، قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: «تَزَوَّجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَوْلِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ بِشَاةٍ فَأَقَلَّ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَكَوْنُهَا لِلْأَمْرِ، وَقَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يُكْثِرَ لِلْبِكْرِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ طَعَامٌ لِسُرُورٍ حَادِثٍ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْأَطْعِمَةِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِشَاةٍ لِلتَّقْلِيلِ أَيْ: وَلَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ كَشَاةٍ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْوَلِيمَةَ جَائِزَةٌ بِدُونِهَا؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» (وَالْإِجَابَةُ إِلَيْهَا وَاجِبَةٌ) فِي الْأَشْهَرِ عَنْهُ قَالَهُ فِي " الْإِفْصَاحِ "، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا لَهْوٌ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى إِلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 الدَّاعِي الْمُسْلِمُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ دَعَى الْجَفْلَى كَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَعَالَوْا إِلَى الطَّعَامِ، أَوْ دَعَاهُ فِيمَا بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ دَعَاهُ ذِمِّيٌّ، لَمْ تَجِبِ الْإِجَابَةُ، وَسَائِرُ   [المبدع في شرح المقنع] وَيُتْرَكُ لَهَا الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ كُلَّ طَعَامِ الْوَلَائِمِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا أَمَرَ بِهَا وَلَا نَدَبَ إِلَيْهَا، وَاسْتَحَبَّ فِي " الْغُنْيَةِ " إِجَابَةَ وَلِيمَةِ عُرْسٍ، وَكَرِهَ حُضُورَ غَيْرِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَصَفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّهَا إِكْرَامٌ وَمُوَالَاةٌ، أَشْبَهَ رَدَّ السَّلَامِ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبَّةٌ لِفِعْلِهَا، وَعَنْهُ: إِنْ دَعَاهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ فَإِجَابَتُهُ أَفْضَلُ (إِذَا عَيَّنَهُ الدَّاعِي الْمُسْلِمُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ) فَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ إِلَيْهَا شُرُوطٌ مِنْهَا: أَنْ يُعَيِّنَ الدَّاعِي الْمَدْعُوَّ بِالدَّعْوَى، فَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ كَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا إِلَى الْوَلِيمَةِ لَمْ يُجِبْ؛ لِعَدَمِ كَسْرِ الْقَلْبِ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا، فَلَا تَجِبُ بِدَعْوَى الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْإِكْرَامِ وَالْمُوَالَاةِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ، وَعَنْهُ: فِي جَوَازِ تَهْنِئَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا يُخَرَّجُ فِي إِجَابَتِهِمْ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَلَّا يَجُوزَ هَجْرُهُ، فَإِنْ جَازَ كَمُبْتَدِعٍ وَنَحْوِهِ لَمْ تَجِبْ، وَمَنَعَ فِي " الْمِنْهَاجِ " مِنْ فَاسِقٍ وَمُبْتَدَعٍ وَمُفَاخِرٍ بِهَا، أَوْ فِيهَا مُبْتَدِعٌ يَتَكَلَّمُ بِبِدْعَتِهِ إِلَّا لِرَادٍّ عَلَيْهِ، وَكَذَا مُضْحِكٌ بِفُحْشٍ أَوْ كَذِبٍ، وَإِلَّا أُبِيحَ الْقَلِيلُ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِنْ عَلِمَ حُضُورَ الْأَرَاذِلِ، وَمَنْ مُجَالَسَتُهُمْ تُزْرِي بِمِثْلِهِ لَمْ يُجِبْ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِي لَمْ يُجِبْ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «طَعَامُ أَوَّلِ يَوْمٍ حَقٌّ، وَالثَّانِي سُنَّةٌ، وَالثَّالِثُ سُمْعَةٌ، وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ كَثِيرُ الْغَرَائِبِ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَكَذَا الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَكْسَبُهُ طَيِّبًا فِي الْمَنْصُوصِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا مُنْكَرًا، وَسَيَأْتِي. (فَإِنْ دَعَى الْجَفْلَى كَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَعَالَوْا إِلَى الطَّعَامِ) أَوْ يَقُولُ الرَّسُولُ أُمِرْتُ أَنْ أَدْعُوَ مَنْ لَقِيتُ أَوْ شِئْتُ، فَهَذِهِ دَعْوَةٌ عَامَّةٌ لَا يُخَصُّ فِيهَا أَحَدٌ (أَوْ دَعَاهُ فِيمَا بَعْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 الدَّعَوَاتِ وَالْإِجَابَةُ إِلَيْهَا مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ. وَإِذَا حَضَرَ وَهُوَ صَائِمٌ صَوْمًا وَاجِبًا لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ كَانَ نَفْلًا أَوْ كَانَ مُفْطِرًا، اسْتُحِبَّ لَهُ الْأَكْلُ، فَإِنْ أَحَبَّ، دَعَا   [المبدع في شرح المقنع] الْيَوْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ: إِذَا تَكَرَّرَ فِعْلُ الْوَلِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ جَازَ؛ لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُبَيٍّ أَنَّهُ عَرَّسَ الْأَنْصَارُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، لَكِنْ إِنْ كَانَ فِي الثَّانِي فَيُسْتَحَبُّ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَيُكْرَهُ فِي الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ مَرَّتَيْنِ فَأَجَابَ، فَلَمَّا دُعِيَ الثَّالِثَةَ حَصَبَ الرَّسُولَ رَوَاهُ الْخَلَّالُ (أَوْ دَعَاهُ ذِمِّيٌّ لَمْ تَجِبِ الْإِجَابَةُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ اخْتِلَاطَ طَعَامِهِمْ بِالْحَرَامِ وَالنَّجَاسَةِ، وَدَعْوَاهُ الْجَفْلَى وَإِجَابَةُ الذِّمِّيِّ قِيلَ بِجَوَازِهَا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الذِّمِّيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: يَأْكُلُ عِنْدَ الْمَجُوسِيِّ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ، مَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْ قُدُورِهِمْ. (وَسَائِرُ الدَّعَوَاتِ وَالْإِجَابَةِ إِلَيْهَا مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ) قَطَعَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي كُتُبِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَجَبْرِ الْقُلُوبِ؛ وَلِأَنَّ فِي فِعْلِهَا شُكْرًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِظْهَارًا لِإِحْسَانِهِ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَمُثَنَّى: يَجِبُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ، عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عُرْسٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَجَوَابُهُ بِحَمْلِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى إِبَاحَةِ بَقِيَّةِ الدَّعَوَاتِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْعَقِيقَةُ، فَإِنَّهَا تُسَنُّ، وَعَنْهُ: تُكْرَهُ دَعْوَةُ الْخِتَانِ؛ لِقَوْلِ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: «كُنَّا لَا نَأْتِي الْخِتَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نُدْعَى إِلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَكَالْمَأْتَمِ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْإِجَابَةَ إِلَى دَعْوَةِ الْخِتَانِ مُبَاحَةٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ كَعَمَلِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِجَابَةِ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الْغُنْيَةِ ": يُكْرَهُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ الْمُسَارَعَةُ إِلَى إِجَابَةِ الطَّعَامِ وَالتَّسَامُحِ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَنَاءَةً وَشَرَهًا لَا سِيَّمَا الْحَاكِمُ. [إِذَا حَضَرَ الْوَلِيمَةَ وَهُوَ صَائِمٌ صَوْمًا وَاجِبًا] (وَإِذَا حَضَرَ وَهُوَ صَائِمٌ صَوْمًا وَاجِبًا لَمْ يُفْطِرْ) يَعْنِي: أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا دُعِيَ تَسْقُطُ الْإِجَابَةُ، فَإِذَا حَضَرَ وَكَانَ الصَّوْمُ وَاجِبًا لَمْ يُفْطِرْ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 وَانْصَرَفَ، وَإِنْ دَعَاهُ اثْنَانِ، أَجَابَ أَوَّلَهُمَا، فَإِنِ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا، ثُمَّ أَقْرَبَهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا، فَلْيَدْعُ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: «إِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» ؛ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ يَعْذُرُهُ فَلَا يُؤَدِّي إِلَى كَسْرِ قَلْبِهِ (وَإِنْ كَانَ نَفْلًا) أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِدْخَالَ السُّرُورِ عَلَى قَلْبِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَقِيلَ: إِنْ جَبَرَ قَلْبَ دَاعِيهِ، وَقِيلَ: يَدْعُو أَوْ يَنْصَرِفُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إِعْلَامُهُمْ بِصَوْمِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ تَزُولُ وَيَتَمَهَّدُ عُذْرُهُ (أَوْ كَانَ مُفْطِرًا اسْتُحِبَّ لَهُ الْأَكْلُ) إِنْ شَاءَ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وُجُوبُهُ، وَفِي مُنَاظَرَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ: لَوْ غَمَسَ أُصْبُعَهُ فِي مَاءٍ وَمَصَّهَا حَصَلَ بِهِ إِرْضَاءُ الشَّرْعِ، وَإِزَالَةُ الْمَأْثَمِ بِإِجْمَاعِنَا، وَمِثْلُهُ لَا يُعَدُّ إِجَابَةً عُرْفًا بَلِ اسْتِخْفَافًا بِالدَّاعِي (فَإِنْ أَحَبَّ دَعَا وَانْصَرَفَ) ؛ لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ» ؛ وَلِأَنَّ الْأَكْلَ غَيْرُ وَاجِبٍ نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقَوْلُهُ: فَلْيَطْعَمْ، مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْأَكْلُ لَوَجَبَ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ بِالصَّوْمِ، بَلِ الْمَقْصُودُ الْإِجَابَةُ (وَإِنْ دَعَاهُ اثْنَانِ أَجَابَ أَوَّلَهُمَا) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبِ الَّذِي سَبَقَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ؛ وَلِأَنَّ إِجَابَتَهُ وَجَبَتْ بِدَعْوَتِهِ فَلَمْ تَزُلْ بِدَعْوَةِ الثَّانِي، وَالسَّبْقُ بِالْقَوْلِ وَقِيلَ بِالْبَابِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُجِيبُ الثَّانِي، وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِإِجَابَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ إِجَابَةُ الثَّانِي مَعَ عَدَمِ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ، لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ إِلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ مِثْلِهِ، بَلْ أَرْجَحُ فَإِنِ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَهُمَا وَجَبَا لِلْأَخْبَارِ (فَإِنِ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الدِّينِ لَهَا أَثَرٌ فِي التَّقْدِيمِ بِدَلِيلِ الْأَمَانَةِ (ثُمَّ أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا) وَكَذَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا اجْتَمَعَ دَاعِيَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 جِوَارًا. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الدَّعْوَةِ مُنْكَرًا كَالزَّمْرِ وَالْخَمْرِ، وَأَمْكَنَهُ الْإِنْكَارُ، حَضَرَ وَأَنْكَرَ، وَإِلَّا لَمْ يَحْضُرْ، وَإِنْ حَضَرَ فَشَاهَدَ الْمُنْكَرَ، أَزَالَهُ وَجَلَسَ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرِ انْصَرَفَ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ، فَلَهُ الْجُلُوسُ، وَإِنْ شَاهَدَ سُتُورًا مُعَلَّقَةً فِيهَا صُوَرُ الْحَيَوَانِ، لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا أَنْ تُزَالَ، فَإِنْ كَانَتْ مَبْسُوطَةً أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": يُقَدَّمُ أَسْبَقُهُمَا ثُمَّ أَقْرَبُهُمَا، وَفِي " الْمُغْنِي " و" الْكَافِي ": يُقَدَّمُ أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا ثُمَّ رَحِمًا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " و" الرِّعَايَةِ " و" الْوَجِيزِ " عَكْسُهُ ثُمَّ الْقُرْعَةُ بَعْدَ الْكُلِّ. [إِنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الدَّعْوَةِ مُنْكَرًا] (وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الدَّعْوَةِ مُنْكَرًا كَالزَّمْرِ وَالْخَمْرِ، وَأَمْكَنَهُ الْإِنْكَارُ، حَضَرَ وَأَنْكَرَ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضَيْنِ إِجَابَةَ الدَّعْوَةِ وَإِزَالَةَ الْمُنْكَرِ (وَإِلَّا) إِذَا لَمْ يُمْكِنُهُ الْإِنْكَارُ (لَمْ يَحْضُرْ) لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي الْحُضُورِ، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدُ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا خَمْرٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ؛ وَلِأَنَّهُ يُشَاهِدُ الْمُنْكَرَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَيْهِ، فَمُنِعَ مِنْهُ كَمَا لَوْ شَاهَدَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِزَالَتِهِ (وَإِنْ حَضَرَ فَشَاهَدَ الْمُنْكَرَ، أَزَالَهُ وَجَلَسَ) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ مَصْلَحَتَيِ الْإِنْكَارِ وَمَقْصُودِ الْإِجَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرِ انْصَرَفَ) ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ مَعَ مُشَاهَدَةِ التَّحْرِيمِ حَرَامٌ، وَقَدْ خَرَجَ أَحْمَدُ مِنْ وَلِيمَةٍ فِيهَا آنِيَةٌ فِضَّةٌ، فَقَالَ الدَّاعِي: نُحَوِّلُهَا فَلَمْ يَرْجِعْ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ (وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ فَلَهُ الْجُلُوسُ) ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ رُؤْيَةُ الْمُنْكَرِ وَسَمَاعِهِ، وَلَوْ يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْهَا، وَلَهُ الْأَكْلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْحُضُورِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، كَإِسْقَاطِ الدَّاعِي حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِاتِّخَاذِ الْمُنْكَرِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ، وَفِي الْمَذْهَبِ، و" الْمُسْتَوْعِبِ ": لَا يَنْصَرِفُ، وَقَالَهُ أَحْمَدُ، وَإِنْ وَجَبَ الْإِنْكَارُ عَلَى رِوَايَةٍ أَوْ قَوْلٍ (وَإِنْ شَاهَدَ سُتُورًا مُعَلَّقَةً فِيهَا صُوَرُ الْحَيَوَانِ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا أَنْ تُزَالَ) أَيْ: إِذَا كَانَتْ صُورَةُ الْحَيَوَانِ عَلَى السُّتُورِ وَالْحِيطَانِ وَمَا لَا يُوطَأُ، وَأَمْكَنَهُ حَطُّهَا أَوْ قَطْعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 عَلَى وِسَادَةٍ، فَلَا بَأْسَ بِهَا، وَإِنْ سُتِرَتِ الْحِيطَانُ بِسُتُورٍ لَا صُوَرَ فِيهَا أَوْ فِيهَا صُوَرُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ، فَهَلْ يُبَاحُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَلَا يُبَاحُ الْأَكْلُ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَالدُّعَاءُ   [المبدع في شرح المقنع] رَأْسِهَا، فَعَلَ ذَلِكَ وَجَلَسَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ، انْصَرَفَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ؛ «لِأَنَّ عَائِشَةَ نَصَبَتْ سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَعَهُ، قَالَتْ: فَقَطَعْتُهُ وِسَادَتَيْنِ يَرْتَفِقُ عَلَيْهِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا دُخُولُ مَنْزِلٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ تَرْكُ الدَّعْوَةِ مِنْ أَجْلِهِ عُقُوبَةً لِلدَّاعِي بِإِسْقَاطِ حُرْمَتِهِ لِاتِّخَاذِهِ الْمُنْكَرَ فِي دَارِهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ رَآهُ فِي مَنْزِلِ الدَّاعِي الْخُرُوجُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَفِيهِ وَجْهٌ. فَائِدَةٌ: إِذَا قُطِعَ رَأْسُ الصُّورَةِ، أَوْ مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ بَعْدَ ذَهَابِهِ أَوْ جُعِلَ لَهُ رَأْسٌ مُنْفَصِلٌ عَنِ الْبَدَنِ، لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ النَّهْيِ وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ تَبْقَى الْحَيَاةُ بَعْدَهُ كَالْيَدِ وَالْعَيْنِ، فَهُوَ صُورَةٌ وَصَنْعَةُ التَّصَاوِيرِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى فَاعِلِهَا؛ لِلْإخْبَارِ، وَالْأَمْرُ بِعَمَلِهَا مُحَرَّمٌ كَعَمَلِهَا. (فَإِنْ كَانَتْ مَبْسُوطَةً أَوْ عَلَى وِسَادَةٍ، فَلَا بَأْسَ بِهَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِهَانَةً لَهَا؛ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ تَعْلِيقِهَا إِنَّمَا كَانَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ وَالْإِغْرَارِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تُعْبَدُ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْبُسُطِ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّكِئًا عَلَى نُمْرُقَةٍ فِيهَا تَصَاوِيرُ» رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إِهَانَةً كَالْبُسُطِ (وَإِنْ سُتِرَتِ الْحِيطَانُ بِسُتُورٍ) غَيْرِ حَرِيرٍ (لَا صُوَرَ فِيهَا أَوْ فِيهَا صُوَرُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ، فَهَلْ يُبَاحُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا يُكْرَهُ، وَهُوَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ إِلَى الدَّعْوَةِ، قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ خَرَجَ أَبُو أَيُّوبَ حِينَ دَعَاهُ ابْنُ عُمَرَ فَرَأَى الْبَيْتَ قَدْ سُتِّرَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَابْنُ عُمَرَ أَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: دُعِيَ حُذَيْفَةُ، فَخَرَجَ، وَإِنَّمَا رَأَى شَيْئًا مِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ وَكَرَاهَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ السَّرَفِ فِي ذَلِكَ لَا يَبْلُغُ بِهِ التَّحْرِيمَ، وَالْأُخْرَى: يَحْرُمُ، لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُسْتُرَ الْجُدُرُ» وَكَمَا لَوْ كَانَتِ السُّتُرُ حَرِيرًا، وَاخْتَارَ فِي " الْمُغْنِي " الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ في تحريمه حَدِيثٌ، وَلَوْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، فَإِنْ كَانَ ضَرُورَةً مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 إِلَى الْوَلِيمَةِ إِذْنٌ فِيهَا، وَالنُّثَارُ وَالْتِقَاطُهُ مَكْرُوهٌ، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ وَمَنْ حَصَلَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] لِحَاجَةٍ، أَشْبَهَ السُّتُرَ عَلَى الْبَابِ، وَفِي جَوَازِ خُرُوجِهِ لِأَجْلِهِ وَجْهَانِ، فَلَوْ كَانَ فِيهَا آنِيَةٌ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ، فَهُوَ مُنْكَرٌ يَخْرُجُ مِنْ أَجْلِهِ، وَكَذَا مَا كَانَ مِنِ الْفِضَّةِ مُسْتَعْمَلًا كَالْمُكْحُلَةِ. (وَلَا يُبَاحُ الْأَكْلُ بِغَيْرِ إِذْنٍ) صَرِيحٍ أَوْ قَرِينَةٍ، كَدُعَائِهِ إِلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَكْلَ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مُحَرَّمٌ، كَلُبْسِ ثَوْبِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ (وَالدُّعَاءُ إِلَى الْوَلِيمَةِ إِذْنٌ فِيهَا) جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا دُعِيتَ فَقَدْ أُذِنَ لَكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ بَيْتِ قَرِيبِهِ وَصَدِيقِهِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ عَنْهُ، نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": لَيْسَ الدُّعَاءُ إِذْنًا لِلدُّخُولِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " وَابْنُ عَقِيلٍ، فِيمَنْ كَتَبَ مِنْ مَحْبَرَةِ غَيْرِهِ يَجُوزُ فِي حَقِّ مَنْ تَنْبَسِطُ إِلَيْهِ، وَيَأْذَنُ لَهُ عُرْفًا. (وَالنُّثَارُ وَالْتِقَاطُهُ مَكْرُوهٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنِ النُّهْبَة وَالْمُثْلَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَزَاحُمًا وَقِتَالًا، وَقَدْ يَأْخُذُهُ مَنْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَى صَاحِبِهِ، وَرُبَّمَا دَلَّ عَلَى دَنَاءَةِ نَفْسِ الْمُنْتَهِبِ، لَا يُقَالُ: ظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ إِبَاحَةٍ لِمَالٍ، فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا كَسَائِرِ الْإِبَاحَاتِ (وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرْطٍ قَالَ: «قُرِّبَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسُ بَدَنَاتٍ أَوْ سِتٌّ، فَقَالَ: مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: هَذَا جَارٍ مَجْرَى النُّثَارِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَجَعَلَ يُزَاحِمُ النَّاسَ عَلَى النُّهْبَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَمَا نَهَيْتَنَا عَنِ النُّهْبَةِ؟ قَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ نُهْبَةِ الْعَسَاكِرِ، وَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنْ نُهْبَةِ الْوَلَائِمِ» رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ إِبَاحَةٍ، أَشْبَهَ إِبَاحَةَ الطَّعَامِ لِلضِّيفَانِ، وَعَنْهُ: لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 حِجْرِهِ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ، وَيُسْتَحَبُّ إِعْلَانُ النِّكَاحِ، وَالضَّرْبُ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ.   [المبدع في شرح المقنع] يُعْجِبُنِي، هَذِهِ نُهْبَةٌ لَا تُؤْكَلُ، وَفَرَّقَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ بِذَبْحِهِ زَالَ مِلْكُهُ، وَالْمَسَاكِينُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، وَالنَّثَرُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ (وَمَنْ حَصَلَ فِي حِجْرِهِ فَهُوَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ حَصَلَ فِي حِجْرِهِ فَمَلَكَهُ كَمَا لَوْ وَثَبَتْ إِلَيْهِ سَمَكَةٌ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " يَمْلِكُهُ مَعَ الْقَصْدِ، وَبِدُونِ الْقَصْدِ وَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا قَسَّمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ فَلَا بَأْسَ؛ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «قَسَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَصْحَابِهِ تَمْرًا» ، وَقَدْ روي عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ حَذَقَ بَعْضُ وَلَدِهِ، فَقَسَّمَ عَلَى الصِّبْيَانِ الْجَوْزَ، لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ؛ وَلِأَنَّ بِذَلِكَ تَنْتَفِي الْمَفْسَدَةُ، مَعَ أَنَّ فِيهِ إِطْعَامَ الطَّعَامِ، وَجَبْرَ الْقُلُوبِ وَانْبِسَاطَهَا، وَهُوَ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ. 1 - (وَيُسْتَحَبُّ إِعْلَانُ النِّكَاحِ، وَالضَّرْبُ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ) ؛ لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: الصَّوْتُ وَالدُّفُّ فِي النِّكَاحِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، قَالَ أَحْمَدُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَظْهَرَ النِّكَاحُ، وَيُضْرَبَ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ، حَتَّى يُشْتهَرَ وَيُعْرَفَ، قِيلَ: مَا الدُّفُّ؟ قَالَ: هَذَا الدُّفُّ، قِيلَ لَهُ - فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ -: يَكُونُ فِيهِ جَرَسٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ أَحْمَدُ: يُسْتَحَبُّ ضَرْبُ الدُّفِّ، وَالصَّوْتُ فِي الْأمْلَاكِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ، وَيَتَحَدَّثُ، وَيَظْهَرُ، وَلَا بَأْسَ بِالْغَزَلِ فِيهِ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَنْصَارِ «أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ» . وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الضَّرْبُ بِهِ لِلنِّسَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَظَاهِرُ نَصِّهِ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى التَّسْوِيَةِ، قِيلَ لَهُ: فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ مَا تَرَى لِلنَّاسِ الْيَوْمَ تُحَرِّكُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِآدَابِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ   [المبدع في شرح المقنع] الدُّفَّ فِي إِمْلَاكٍ أَوْ بِنَاءٍ بِلَا غِنَاءٍ فَلَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ، وَخِتَانٌ وَقُدُومُ غَائِبٍ مِثْلُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ تَحْرِيمُ كُلِّ مَلْهَاةٍ سِوَاهُ، كَمِزْمَارٍ وَطُنْبُورٍ، وَرَبَابٍ، وَجُنْكٍ، سَوَاءٌ اسْتُعْمِلَ لِحُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ، وَسَأَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ عَنِ النَّفْخِ فِي الْقَصَبَةِ كَالْمِزْمَارِ، قَالَ: أَكْرَهُهُ، وَفِي الْقِصَصِ وَجْهَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": لَا يُكْرَهُ إِلَّا مَعَ تَصْفِيقٍ أَوْ غِنَاءٍ أَوْ رَقْصٍ وَنَحْوِهِ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الطَّبْلَ لِغَيْرِ حَرْبٍ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِتَنْهِيضِ طِبَاعِ الْأَوْلِيَاءِ، وَكَشْفِ صُدُورِ الْأَعْدَاءِ، وَلَيْسَ عَبَثًا. [فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِآدَابِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ] فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِآدَابِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ الْأَوَّلُ: يُسْتَحَبُّ غَسْلُ يَدَيْهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدِهِ - نَصَّ عَلَيْهِ - وَإِنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ قَبْلَهُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَاسْتَحَبَّهُ فِي الْمُذْهَبِ بَعْدَ أَنْ قَالَهُ عُمَرُ، وَيُكْرَهُ بِطَعَامٍ، وَلَا بَأْسَ بِنُخَالَةٍ، وَغَسْلُهُ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي أُكِلَ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُكْرَهُ بِدَقِيقِ حِمَّصٍ، وَعَدَسٍ، وَبَاقِلٍ، وَنَحْوِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا قُدِّمَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَخْذُهُ، فَإِنْ عِلِمَ بِهِ بِقَرِينَةٍ رِضَا مَالِكِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": يُكْرَهُ، وَقِيلَ يُبَاحُ، وَإِنَّهُ يُكْرَهُ مَعَ ظَنِّهِ رِضَاهُ، وَلَا يُمَلَّكُهُ بِتَقْدِيمِهِ إِلَيْهِ، بَلْ يَهْلَكُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ. الثَّالِثُ: يَلْعَقُ أَصَابِعَهُ قَبْلَ غَسْلِهَا أَوْ يَلْعَقُهَا، وَيَعْرِضُ الْمَاءُ لِغَسْلِهِمَا، وَيُقَدِّمُهُ بِقُرْبِ الطَّعَامِ وَبُعْدِهِ - نَصَّ عَلَيْهِ - وَإِنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ وَلَا يَعْرِضُهُ - ذَكَرَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ ". الرَّابِعُ: يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّسْمِيَةُ فِي ابْتِدَائِهِ، وَيَأْكُلُ بِيَمِينِهِ، وَيَحْمَدُ إِذَا فَرَغَ، وَقِيلَ: يَجِبُ ذَلِكَ، قَالَ الْأَصْحَابُ: يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ، وَفِي الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ زَادَ " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " كَانَ بِخِلَافِ الذَّبْحِ، وَنَقَلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] ابْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ جَعَلَ عِنْدَ كُلِّ لُقْمَةٍ يُسَمِّي وَيَحْمَدُ، قَالَ أَحْمَدُ: يَأْكُلُ بِالسُّرُورِ مَعَ الْإِخْوَانِ، وَبِالْإِيثَارِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، وَبِالْمُرُوءَةِ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، وَأَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ. الْخَامِسُ: يُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مِمَّا يَلِيهِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالطَّعَامُ نَوْعٌ وَاحِدٌ، قَالَ الْآمِدِيُّ: لَا بَأْسَ، وَهُوَ وَحْدَهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَيَخْلَعُ نَعْلَيْهِ. السَّادِسُ: يُكْرَهُ عَيْبُ الطَّعَامِ، وَحَرَّمَهُ فِي " الْغُنْيَةِ "، وَنَفْخُهُ فِيهِ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يُكْرَهُ وَهُوَ حَارٌّ. وَأَكْلُهُ حَارًّا، أَوْ فِعْلُ مَا يَسْتَقْذِرُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَرَفْعٌ قَبْلَهُمْ بِلَا قَرِينَةٍ، وَمَدْحُ طَعَامِهِ وَتَقْوِيمِهِ، وَحَرَّمَهُمَا فِي " الْغُنْيَةِ "، وَتَنَفُّسُهُ فِي إِنَائِهِ، وَأَكْلُهُ مِنْ وَسَطِهِ وَأَعْلَاهُ، قَالَ أَحْمَدُ وَمُتَّكِئًا وَعَلَى الطَّرِيقِ قَالَهُ فِي الْغُنْيَةِ. السَّابِعُ: يُكْرَهُ قِرَانُهُ فِي التَّمْرِ، وَقِيلَ: مَعَ شَرِيكٍ لَمْ يَأْذَنْ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَذَا قِرَانُ مَا الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِتَنَاوُلِهِ مُفْرَدًا، وَنَقَلَ مُهَنَّا: أَكْرَهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْخُبْزُ عَلَى الْمَائِدَةِ، وَلَا بَأْسَ بِتَكْسِيرِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: لِئَلَّا يَعْرِفَ مَا يَأْكُلُونَ. الثَّامِنُ: لَهُ قَطْعُ لَحْمٍ بِسِكِّينٍ، وَالنَّهْيِ عَنْهُ لَا يَصِحُّ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجُّوا بِنَهْيٍ ضَعِيفٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ عَلَى قَوْلٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ هُنَا مِثْلُهُ بِلَا حَاجَةٍ. التَّاسِعُ: يَجُوزُ أَكْلُهُ كَثِيرًا حَيْثُ لَا يُؤْذِيهِ، وَفِي " الْغُنْيَةِ ": يُكْرَهُ مَعَ خَوْفِ تُخَمَةٍ، وَحَرَّمَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَكَذَا الْإِسْرَافُ فِيهِ إِلَى مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ، وَلَا بَأْسَ بِإِطْعَامِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، كَسَائِلٍ، وَسِنَّوْرٍ، وَتَلْقِيمٍ، وَفِي تَقْدِيمِ الْأَظْهَرِ جَوَازُهُ. الْعَاشِرُ: لَا يُكْرَهُ شُرْبُهُ قَائِمًا، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَسَأَلَهُ صَالِحٌ عَنْ شُرْبِهِ قَائِمًا فِي نَفَسٍ، قَالَ: أَرْجُو، وَفِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ كَأَكْلٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ قَائِمًا، وَيَتَوَجَّهُ كَشُرْبٍ، قَالَهُ شَيْخُنَا: وَكَرِهَ أَحْمَدُ الشُّرْبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ، وَالْجُلُوسَ بَيْنَ ظِلٍّ وَشَمْسٍ، وَالنَّوْمَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَعَلَى سَطْحٍ غَيْرِ مُحَجَّرٍ، وَاسْتَحَبَّ الْقَائِلَةَ نِصْفَ النَّهَارِ وَالنَّوْمَ إِذَنْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مُعَاشَرَةُ الْآخَرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْ لَا يَمْطُلَهُ بِحَقِّهِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْحَادِي عَشَرَ: لَا بَأْسَ بِالتَّخْلِيلِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: تَرْكُ الْخُلَالِ يُوهِنُ الْأَسْنَانَ، قَالَ الْأَطِبَّاءُ: هُوَ نَافِعٌ لِلَّثَةِ وَتَغَيُّرٌ لِلنَّكْهَةِ. الثَّانِي عَشَرَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَخْلِطَ الْمُسَافِرُونَ أَزْوَادَهُمْ وَيَأْكُلُونَ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ السَّلَفِ نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَاهَدَ فِي الطَّعَامِ وَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ، لَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ، وَيَتَوَجَّهُ رِوَايَةُ: لَا يَتَصَدَّقُ مِنْهُ إِلَّا بِإِذْنٍ. مَسْأَلَةٌ: لَهُ دُخُولُ بَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ وَالصَّلَاةُ فِيهِمَا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ: مَعَ صُورَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: تَحْرِيمُ دُخُولِهِ مَعَهَا، وَيَحْرُمُ شُهُودُ عِيدٍ لِيَهُودٍ أَوْ نَصَارَى، نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَكَرِهَهُ الْخَلَّالُ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَنْعِ أَنْ يَفْعَلَ كَفِعْلِهِمْ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - لَا الْبَيْعُ لَهُمْ فِيهَا - نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَحَرَّمَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَخَرَّجَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي حَمْلِ التِّجَارَةِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِنَّ مِثْلَهُ مُهَادَاتُهُمْ لِعِيدِهِمْ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ] [الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ] بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَهِيَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مِنَ الْأُلْفَةِ وَالِانْضِمَامِ (يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مُعَاشَرَةُ الْآخَرِ بِالْمَعْرُوفِ) وَالْمُرَادُ هُنَا: النَّصَفَةُ، وَحُسْنُ الصُّحْبَةِ مَعَ الْأَهْلِ (وَأَنْ لَا يَمْطُلَهُ) هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ، وَالْمَطْلُ الدَّفْعُ عَنِ الْحَقِّ بِوَعْدٍ (بِحَقِّهِ، وَلَا يُظْهِرُ الْكَرَاهَةَ لِبَذْلِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] . قَالَ أَبُو زَيْدٍ: يَتَّقُونَ اللَّهَ فِيهِنَّ، كَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَّقِينَ اللَّهَ فِيكُمْ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ: هُوَ الْمُعَاشَرَةُ الْحَسَنَةُ، وَالصُّحْبَةُ الْجَمِيلَةُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي؛ لِهَذِهِ الْآيَةِ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ تَحْسِينُ الْخَلْقِ وَالرِّفْقِ، وَاسْتَحَبَّهُمَا فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " كَاحْتِمَالِ أَذَاهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 وَلَا يُظْهِرَ الْكَرَاهَةَ لِبَذْلِهِ، وَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ، وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ، إِذَا طَلَبَهَا، وَكَانَتْ حُرَّةً يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَلَمْ يشْتَرِطْ دَارَهَا، وَإِنْ سَأَلَتِ الْإِنْظَارَ، وَأُنْظِرَتْ مُدَّةً جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِصْلَاحِ أَمْرِهَا فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] قِيلَ: هُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رُبَّمَا رُزِقَ مِنْهَا وَلَدٌ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ ماتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتِ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عَلَيْهَا آكَدُ مِنْ حَقِّهَا عَلَيْهِ. (وَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ) ؛ لِأَنَّ بِالْعَقْدِ يَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ تَسْلِيمَ الْمُعَوَّضِ، كَمَا تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ تَسْلِيمَ الْعِوَضِ، وَكَالْإِجَارَةِ (فِي بَيْتِ الزَّوْجِ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَمَلَكَ تَعْيِينَ مَوْضِعِهِ، وَلَهُ شُرُوطٌ (إِذَا طَلَبَهَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَلَا يَجِبُ بِدُونِ الطَّلَبِ (وَكَانَتْ حُرَّةً) ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا مُطْلَقًا، بَلْ لَيْلًا؛ لِأَنَّ النَّهَارَ تَكُونُ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِهَا (يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا) ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إِنَّمَا وَجَّبَ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ الْوَاجِبِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ نِضْوَةَ الْخِلْقَةِ وَهُوَ جَسِيمٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً مَرَضًا مُزْمِنًا، وَيَقْبَلُ قَوْلَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ فِي ضِيقِ فَرْجِهَا، وَعِبَالَةِ ذَكَرِهِ وَنَحْوِهِ، وَتَنْظُرُهُمَا وَقْتَ اجْتِمَاعِهِمَا لِلْحَاجَةِ، وَلَوْ أَنْكَرَ أَنَّ وَطْأَهُ يُؤْذِيهَا لَزِمَهَا الْبَيِّنَةُ، وَنُصَّ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بِنْتَ تِسْعٍ، قَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ هَذَا عِنْدِي عَلَى سَبِيلِ التَّحْدِيدِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، وَلَا يَلْزَمُ ابْتِدَاءُ تَسْلِيمِ مُحَرَّمَةٍ، وَمَرِيضَةٍ، وَصَغِيرَةٍ، وَحَائِضٍ، وَلَوْ قَالَ: لَا أَطَأُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ (وَلَمْ يشْتَرِطْ دَارَهَا) فَإِنْ شَرَطَتْهُ لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا فِي دَارِهَا (وَإِنْ سَأَلَتِ الْإِنْظَارَ أُنْظِرَتْ مُدَّةً جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِصْلَاحِ أَمْرِهَا فِيهَا) ؛ لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 بِاللَّيْلِ. وَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا مَا لَمْ يَشْغَلْهَا عَنِ الْفَرَائِضِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِهَا، وَلَهُ السَّفَرُ   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ يَسِيرٌ جَرَتِ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَطْرُقُوا النِّسَاءَ لَيْلًا، حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمَغِيبَةُ» فَمَنَعَ مِنَ الطُّرُوقِ، وَأَمَرَ بِإِمْهَالِهَا لِتُصْلِحَ أَمْرَهَا مَعَ تَقَدُّمِ صُحْبَتِهَا لَهُ، فَهُنَا أَوْلَى، وَقَيَّدَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الْكَافِي " و" الشَّرْحِ " بِالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِي ذَلِكَ لَا لِعَمَلِ جِهَازِهَا، وَكَذَا لَوْ سَأَلَ هُوَ الْإِنْظَارَ، وَفِي " الْغُنْيَةِ ": إِنِ اسْتَمْهَلَتْ هِيَ أَوْ أَهْلُهَا اسْتُحِبَّ لَهُ إِجَابَتُهُمْ مَا يُعْلَمُ بِهِ التَّهَيُّؤُ مِنْ شِرَاءِ جِهَازٍ، وَتَزَيُّنٍ، وَوَلِيُّ مَنْ بِهِ صِغَرٌ أَوْ جُنُونٌ مِثْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا إِلَّا بِاللَّيْلِ) مَعَ الْإِطْلَاقِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةُ عَقْدٍ عَلَى إِحْدَى مَنْفَعَتِهَا، فَلَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا كَمَا لَوْ آجَرَهَا لِخِدْمَةِ النَّهَارِ، فَلَوْ شَرَطَهُ نَهَارًا أَوْ بَذَلَهُ سَيِّدٌ وَجَبَ حَتَّى وَلَوْ شَرَطَهَا كَوْنَهَا عِنْدَ السَّيِّدِ، فَإِنْ بَذَلَهُ وَقَدْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ فَوَجْهَانِ. [لِلزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعُ بِزَوْجَتِهِ مَا لَمْ يَشْغَلْهَا عَنِ الْفَرَائِضِ] (وَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا مَا لَمْ يَشْغَلْهَا عَنِ الْفَرَائِضِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِهَا) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ؛ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ بَاتَتْ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعْنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النِّكَاحِ الِاسْتِمْتَاعُ، فَإِذَا لَمْ يَشْغَلْهَا عَنِ الْفَرَائِضِ، وَلَمْ يَضُرَّ بِهَا، وَجَبَ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ: لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِي قُبُلٍ وَلَوْ مِنْ جِهَةِ الْعَجُزِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَرِهَ الْعُلَمَاءُ الْوَطْءَ بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى تَنُّورٍ أَوْ ظَهْرِ قَتَبٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا، وَلَا تتَطَوَّعَ بِصَلَاةٍ وَصَوْمٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَأَنَّهَا تُطِيعُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَهَا بِهِ مِنْ الطَّاعَةِ (وَلَهُ السَّفَرُ بِهَا) حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُسَافِرُ بِنِسَائِهِ؛ وَلِأَنَّهُ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ وَهُوَ حَقٌّ عَلَيْهَا، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ بِلَا إِذْنٍ، بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ (إِلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ بَلَدَهَا) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» أَوْ تَكُونَ أَمَةً، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": إِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ السَّفَرَ بِهَا فَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 بِهَا إِلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ بَلَدَهَا. وَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا فِي الْحَيْضِ، وَلَا الدُّبُرِ. وَلَا يَعْزِلُ عَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَلَا عَنِ الْأَمَةِ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، وَلَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى غُسْلِ الْحَيْضِ،   [المبدع في شرح المقنع] تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْ ذَلِكَ، وَفِي مِلْكِ السَّيِّدِ لَهُ بِلَا إِذْنِ زَوْجٍ صَحِبَهُ أَمْ لَا، وَجْهَانِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا لَوْ بَوَّأَهَا مَسْكَنًا لِيَأْتِيَهَا الزَّوْجُ فِيهِ هَلْ يَلْزَمُهُ؟ قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ ". فَرْعٌ: لَهُ السَّفَرُ بِعَبْدِهِ الْمُزَوَّجِ بِدُونِ إِذْنِ زَوْجَتِهِ - نَصَّ عَلَيْهِ - وَاسْتِخْدَامُهُ نَهَارًا، وَإِنْ قُلْنَا: النَّفَقَةُ وَالْمَهْرُ مِنْ كَسْبِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ. مَسْأَلَةٌ: لَوْ قَالَ سَيِّدٌ: بِعْتُكَهَا، قَالَ: زَوَّجْتَنِيهَا - وَجَبَ تَسْلِيمُهَا لِلزَّوْجِ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ لَهَا، وَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ مَهْرِهَا، وَيَحْلِفُ لِثَمَنٍ زَائِدٍ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا مَهْرَ وَلَا ثَمَنَ وَلَا يَمِينَ عِنْدَهُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَاهَا فِي نِكَاحٍ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ كَذَلِكَ إِلَّا فِي الْيَمِينِ، قَالَ: وَلَا تُرَدُّ الْأَمَةُ إِلَيْهِ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ، وَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إِنْ قُلْنَا لَا يَحِلُّ لَهُ، فَهَلْ هِيَ عَلَى مَالِكِهَا السَّابِقِ أَمْ فِي كَسْبِهَا؛ فِيهِ احْتِمَالَانِ. [وَطْءُ الزَّوْجَةِ فِي الْحَيْضِ وَالدُّبُرِ] (وَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا فِي الْحَيْضِ) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ الْآيَةُ (وَلَا الدُّبُرِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وقَوْله تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أَيْ: كَيْفَ شِئْتُمْ إِلَّا الدُّبُرَ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَقُولُونَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، أَيْ: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا وَمِنْ خَلْفِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا إِلَّا فِي الْمَأْتَى، فَإِنْ تَطَاوَعَا عَلَيْهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَيُعَزَّرُ عَالِمٌ بِتَحْرِيمِهِ بِخِلَافِ وَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَيْسَ لَهَا اسْتِدْخَالُ ذَكَرِهِ وَهُوَ نَائِمٌ بِلَا إِذْنِهِ، بَلِ الْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ لِشَهْوَةٍ، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ". [لَا يَعْزِلُ عَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا] (وَلَا يَعْزِلُ) أَيْ: يَنْزِعُ قُرْبَ الْإِنْزَالِ فَيَنْزِلُ خَارِجَ الْفَرْجِ (عَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا) ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 وَالْجَنَابَةِ، وَالنَّجَاسَةِ، وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَخْذِ الشَّعْرِ الَّذِي تَعَافُهُ النَّفْسُ إِلَّا الذِّمِّيَّةَ، فَلَهُ   [المبدع في شرح المقنع] «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْزِلَ عَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْطَعُ اللَّذَّةَ عَنِ الْمَوْطُوءَةِ، وَلَهَا حَقٌّ فِي الْوَلَدِ عَلَيْهَا ضَرَرٌ، فَلَمْ يَجُزْ إِلَّا بِإِذْنِهَا، إِلَّا بِدَارِ حَرْبٍ، فَيُسَنُّ عَزْلُهُ مُطْلَقًا، ذَكَرَهُ فِي " الْفُصُولِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ (وَلَا عَنِ الْأَمَةِ) الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا (إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ، فَاشْتُرِطَ إِذْنُهُ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ حُرِّيَّتُهُ، وَقِيلَ: وَإِذْنُهَا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَطْءِ فِي الْفَيْئةِ وَالْفَسْخِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ بِالْعُنَّةِ، وَتَرْكُ الْعَزْلِ مِنْ تَمَامِهِ، فَلَمْ يَجُزْ إِلَّا بِإِذْنِهَا كَالْحُرَّةِ، وَقِيلَ: يُبَاحُ الْعَزْلُ مُطْلَقًا، روي عَنْ عَلِيٍّ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، اسْتِدْلَالًا بِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْحُرَّةِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ دُونَ الْإِنْزَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْفَيْئَةِ وَالْعُنَّةِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ أَمَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ وَلَا فِي الْوَلَدِ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَسْمِ وَالْفَيْئَةِ، فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ الْمَنْعَ مِنَ الْعَزْلِ أَوْلَى، وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ وَجْهَانِ (وَلَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى غَسْلِ الْحَيْضِ) وَالنِّفَاسِ، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَمْ ذِمِّيَّةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لَهُ، فَمَلَكَ إِجْبَارَهَا عَلَى إِزَالَةِ مَا يَمْنَعُ حَقَّهُ، فَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى شِرَاءِ مَاءٍ، فَثَمَنُهُ عَلَيْهِ فِي الْأَشْهَرِ (وَالْجَنَابَةُ) أَيْ: لَهُ إِجْبَارُ الْمُسْلِمَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَفِي " الْوَاضِحِ ": ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " رِوَايَتَانِ (وَالنَّجَاسَةُ) فَإِنْ كَانَتْ فِي فِيهَا فَلَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى غَسْلِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِفِيهَا، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمَةً تَعْتَقِدُ إِبَاحَةَ يَسِيرِ النَّبِيذِ (وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ) كَالسُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا لَا مَا دُوَنَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَتُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ كَنِيسَةٍ وَبَيْعَةٍ، وَشَدِّ الزُّنَّارِ، وَلَا يَشْتَرِيهِ لَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَأَخْذُ الشَّعْرِ الَّذِي تَعَافُهُ النَّفْسُ) كَشَعْرِ الْعَانَةِ إِذَا طَالَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَكَذَا الْأَظْفَارُ، فَإِنْ طَالَا قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا تَعَافُهُ النَّفْسُ فَوَجْهَانِ، وَهَلْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلِ ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ كَبَصَلٍ وَكُرَّاثٍ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 إِجْبَارُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ، وَفِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ رِوَايَتَانِ. فَصْلٌ وَلَهَا عَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، فَمِنْ كُلِّ ثَمَانٍ،   [المبدع في شرح المقنع] وَالصَّحِيحُ تُمْنَعُ (إِلَّا الذِّمِّيَّةُ، فَلَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ) وَالنِّفَاسِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ إِبَاحَةَ الْوَطْءِ تَقِفُ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، فَعَلَى ذَلِكَ يَطَأُ بِدُونِهِ (وَفِي سَائِرِ) أَيْ: بَاقِي (الْأَشْيَاءِ رِوَايَتَانِ) أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا تُجْبَرُ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الِاسْتِمْتَاعِ يَقِفُ عَلَيْهِ، إِذِ النَّفْسُ تَعَافُ وَطْءَ مَنْ عَلَيْهَا غُسْلٌ أَوْ شَرِبَتْ مُسْكِرًا أَوْ لَهَا شِعْرَةٌ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تُجْبَرُ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَاجْتِنَابَ الْمُحَرَّمِ عِنْدَنَا غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا، وَإِزَالَةُ الشَّعَرِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ عِنْدَنَا إِلَّا شَعَرَ الْعَانَةِ إِذَا خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ، فَلَهُ إِجْبَارُهَا عَلَيْهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ "، وَفِي التَّنْظِيفِ وَالِاسْتِحْدَادِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَجْهَانِ، قَالَ الْقَاضِي: لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى الِاسْتِحْدَادِ إِذَا طَالَ الشَّعَرُ. [لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعٍ] فَصْلٌ (وَلَهَا عَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعٍ) إِذَا كَانَتْ حُرَّةً بِطَلَبِهَا؛ لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ سُورٍ، أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ أَفْضَلَ مِنْ زَوْجِي، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَبِيتُ لَيْلَهُ قَائِمًا، وَيَظَلُّ نَهَارَهُ صَائِمًا، فَاسْتَغْفَرَ لَهَا، وَأَثْنَى عَلَيْهَا، وَاسْتَحْيَتِ الْمَرْأَةُ، وَقَامَتْ رَاجِعَةً، فَقَالَ كَعْبٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَّا أَعَدَّيْتَ الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا جَاءَتْ تَشْكُوهُ، إِذَا كَانَ هَذَا حَالَهُ فِي الْعِبَادَةِ، فَمَتَى يَتَفَرَّغُ لَهَا؟! فَبَعَثَ عُمَرُ إِلَى زَوْجِهَا وَقَالَ لِكَعْبٍ: اقْضِ بَيْنَهُمَا؛ فَإِنَّكَ فَهِمْتَ مِنْ أَمْرِهَا مَا لَمْ أَفْهَمْهُ، قَالَ: فَإِنِّي أَرَى كَأَنَّهَا امْرَأَةٌ عَلَيْهَا ثَلَاثُ نِسْوَةٍ هِيَ رَابِعَتُهُنَّ، فَأَقْضِي لَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ يَتَعَبَّدُ فِيهِنَّ، وَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا رَأْيُكَ الْأَوَّلُ بِأَعْجَبَ إِلَيَّ مِنَ الْآخَرِ، اذْهَبْ فَأَنْتَ قَاضٍ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَفِي لَفْظٍ، قَالَ عُمَرُ: الْقَاضِي أَنْتَ، رَوَاهُ سَعِيدٌ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَصِينٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اشْتُهِرَتْ وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ كَالْإِجْمَاعِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مِنْ كُلِّ سَبْعٍ، وَلَهُ الِانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ فِيمَا بَقِيَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، وَإِنْ سَافَرَ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَطَلَبَتْ   [المبدع في شرح المقنع] يَجِبْ لَهَا حَقٌّ لَمَلَكَ الزَّوْجُ تَخْصِيصَ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ بِهِ، كَالزِّيَادَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَمِنْ كُلِّ ثَمَانٍ) اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ "؛ لِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهَا عَلَى ذَلِكَ تَحِلُّ بِالتَّنْصِيفِ، وَزِيَادَةَ الْحُرَّةِ عَلَى لَيْلَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ، فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا (وَقَالَ أَصْحَابُنَا) مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " (مِنْ كُلِّ سَبْعٍ) ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ مَعَهَا ثَلَاثَ حَرَائِرَ لَهُنَّ سِتٌّ، وَلَهَا السَّابِعَةُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، أَيْ: لَهَا لَيْلَةٌ مِنْ ثَمَانٍ لِتَكُونَ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرَّةِ، فَإِنَّ حَقَّهَا مِنْ كُلِّ ثَمَانٍ لَيْلَتَانِ، فَلَوْ كَانَ لِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ مِنْ سَبْعٍ لَزَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ، وَلَهَا لَيْلَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ تَحْتَهُ ثَلَاثُ حَرَائِرَ وَأَمَةٌ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَزِيدَ لَهُنَّ عَلَى الْوَاجِبِ فَقَسَّمَ بَيْنَهُنَّ سَبْعًا، فَمَا يَصْنَعُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّامِنَةِ إِنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مَبِيتَهَا عِنْدَ الْحُرَّةِ، فَقَدْ زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ، وَإِنْ بَاتَهَا عِنْدَ الْأَمَةِ جَعَلَهَا كَالْحُرَّةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ تَكُونُ هَذِهِ اللَّيْلَةُ الثَّامِنَةُ لَهُ، إِنْ أَحَبَّ انْفَرَدَ بِهَا فِيهَا، وَإِنْ أَحَبَّ بَاتَ عِنْدَ الْأُولَى سِتًّا إِبْقَاءً لِلْقَسْمِ (وَلَهُ الِانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ فِيمَا بَقِيَ) فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ، قَسَّمَ لَهُنَّ ثَلَاثَ لَيَالٍ مِنْ ثَمَانٍ، وَلَهُ الِانْفِرَادُ فِي خَمْسٍ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّتَانِ وَأَمَةٌ فَلَهُنَّ خَمْسٌ وَلَهُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّتَانِ وَأَمَتَانِ، فَلَهُنَّ سِتٌّ وَلَهُ لَيْلَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَهَا لَيْلَةٌ وَلَهُ سَبْعٌ، وَعَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: لَهَا لَيْلَةٌ وَلَهُ سِتٌّ، وَلَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَبِيتَ وَحْدَهُ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ، وَقَالَهُ فِي سَفَرِهِ وَحْدَهُ، وَعَنْهُ: لَا يُعْجِبُنِي، «وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ لُعِنَ رَاكِبُ الْفَلَاةِ وَحْدَهُ وَالْبَائِتُ وَحْدَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ طَيِّبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قِيلَ: لَا يَكَادُ يُعْرَفُ، وَلَهُ مَنَاكِيرُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانٍ فِي الثِّقَاتِ. (و) يَجِبُ (عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 قُدُومَهُ، لَزِمَهُ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَإِنْ أَبَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَطَلَبَتِ الْفُرْقَةَ، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضُرِبَتْ لَهُ الْمُدَّةَ لِذَلِكَ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَكُنْ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمْ يَصِرْ بِالْيَمِينِ عَلَى تَرْكِهِ وَاجِبًا كَسَائِرِ مَا لَا يَجِبُ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الزَّوْجَيْنِ وَرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَهُوَ مُفْضٍ إِلَى دَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ عَنِ الْمَرْأَةِ، كَإِفْضَائِهِ إِلَى رَفْعِهِ عَنِ الرَّجُلِ، وَيَكُونُ الْوَطْءُ حَقًّا لَهُمَا جَمِيعًا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِ حَقٌّ لَمَا وَجَبَ اسْتِئْذَانُهَا فِي الْعَزْلِ كَالْأَمَةِ، وَشَرْطُ الْمُدَّةِ ثُلُثُ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ فِي حَقِّ الْمُؤْلِي ذَلِكَ، فَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عُذْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ عُذْرِهِ (وَإِنْ سَافَرَ عَنْهَا) لِعُذْرٍ وَحَاجَةٍ سَقَطَ حَقُّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَالْوَطْءِ، وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَفْقُودِ إِذَا تَرَكَ لِامْرَأَتِهِ نَفَقَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنَ الرُّجُوعِ فَإِنَّ أَحْمَدَ ذَهَبَ إِلَى تَوْقِيتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَطَلَبَتْ قُدُومَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ) ؛ لِمَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَحْرُسُ الْمَدِينَةَ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ فِي بَيْتِهَا وَهِيَ تَقُولُ: تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ ... وَطَالَ عَلَي أَنْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا خَشْيَةُ اللَّهِ وَالْحَيَا ... لَحَرَّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ لَهُ: فُلَانَةٌ زَوْجُهَا غَائِبٌ عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا امْرَأَةً تَكُونُ مَعَهَا، وَبَعَثَ إِلَى زَوْجِهَا، فَأَقْفَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةَ، كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مِثْلُكَ يَسْأَلُ مِثْلِي عَنْ هَذَا؛ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أُرِيدُ النَّظَرَ لِلْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلْتُكِ، فَقَالَتْ: خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَوَقَّتَ لِلنَّاسِ فِي مَغَازِيهِمْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، يَسِيرُونَ شَهْرًا، وَيُقِيمُونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَيَرْجِعُونَ فِي شَهْرٍ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ: كَمْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَغِيبَ عَنْ أَهْلِهِ؟ قَالَ: يُرْوَى سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقَدْ يَغِيبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الْحَجُّ وَطَلَبُ رِزْقٍ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) يَعْنِي: إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ لَا يَلْزَمُهُ الْقُدُومُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعُذْرِ يُعْذَرُ مِنْ أَجْلِ عُذْرِهِ (فَإِنْ أَبَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَطَلَبَتِ الْفُرْقَةَ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنًى مُؤَّلٍ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا - هَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَذْهَبُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَعَنْهُ: لَا يُفَرَّقُ، وَفِي " الْمُغْنِي ": هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ؛ (لِأَنَّهُ لَوْ ضُرِبَتْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 لِلْإِيلَاءِ أَثَرٌ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَيَكُونُ هَذَا كُلُّهُ غَيْرَ وَاجِبٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْجِمَاعِ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقَتْنَا، وَلَا يُكْثِرُ الْكَلَامَ حَالَ الْوَطْءِ، وَلَا يَنْزِعُ إِذَا فَرَغَ حَتَّى تَفْرُغَ،   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ الْمُدَّةَ لِذَلِكَ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِيلَاءِ أَثَرٌ) وَقِيلَ: إِنْ غَابَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ رَاسَلَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَقْدَمَ فَسَخَ نِكَاحَهُ، وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَيَكُونُ هَذَا كُلُّهُ غَيْرَ وَاجِبٍ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَالْأَوْلَى خِلَافُهَا، وَفِي " التَّرْغِيبِ " ذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْبَيْتُوتَةِ بِمَا يَزُولُ مَعَهُ ضَرَرُ الْوَحْشَةِ، وَيَحْصُلُ مَعَهُ الْأُنْسُ الْمَقْصُودُ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَلَا تَوْقِيتَ، فَيَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ، وَفِي " الْمُغْنِي " فِي امْرَأَةِ مَنْ عُلِمَ خَبَرُهُ كَأَسِيرٍ وَمَحْبُوسٍ - لَهَا الْفَسْخُ بِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِهِ إِجْمَاعًا، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْوَطْءُ لِعَجْزٍ كَالنَّفَقَةِ، وَأَوْلَى لِلْفَسْخِ يَتَعَذَّرُ فِي الْإِيلَاءِ، وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. [مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ] (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْجِمَاعِ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقَتْنَا) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 223] قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ؛ وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقَتْنَا، فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ تَخَلِّيهِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَأَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهَا، قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ عَطَاءً كَرِهَ ذَلِكَ (وَلَا يُكْثِرُ الْكَلَامَ حَالَ الْوَطْءِ) ؛ لِمَا رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ عِنْدَ مُجَامَعَةِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْهُ الْخَرَسُ وَالْفَأْفَاءُ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ، وَبِأَنَّهُ يُكْرَهُ الْكَلَامُ حَالَةَ الْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ فِي مَعْنَاهُ، بَلْ أَوْلَى مِنْهُ (وَلَا يَنْزِعُ إِذَا فَرَغَ قبلها حَتَّى تَفْرُغَ) ؛ لِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فَلْيَصْدُقْهَا، ثُمَّ إِذَا قَضَى حَاجَتَهُ فَلَا يُعْجِلْهَا حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا» . رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبُرِيُّ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 وَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ وَطْءِ نِسَائِهِ وَإِمَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ عِنْدَ مُعَاوَدَةِ الْوَطْءِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ إِلَّا بِرِضَاهُمَا، وَلَا يُجَامِعُ   [المبدع في شرح المقنع] ضَرَرًا عَلَيْهَا وَمَنْعًا لَهَا مِنْ قَضَاءِ شَهْوَتِهَا، وَكَمَا يُكْرَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": لَا سُتْرَةَ بَيْنَهُمَا. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُلَاعِبَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ؛ لِتَنْهَضَ شَهْوَتُهَا، فَتَنَالُ مِنْ لَذَّةِ الْجِمَاعِ مِثْلَ مَا نَالَهُ، وَأَنْ تُنَاوِلَهُ خِرْقَةً بَعْدَ فَرَاغِهِ؛ لِيَتَمَسَّحَ بِهَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ. 1 - (وَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ وَطْءِ نِسَائِهِ وَإِمَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ) ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ؛ وَلِأَنَّ حَدَثَ الْجَنَابَةِ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ بِدَلِيلِ إِتْمَامِ الْجِمَاعِ (وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ عِنْدَ مُعَاوَدَةِ الْوَطْءِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَزَادَا: «فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ» فَإِنِ اغْتَسَلَ بَيْنَ الْوَطْأَيْنِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هُوَ أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ. (وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ) صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا يُثِيرُ الْعَدَاوَةَ وَالْغَيْرَةَ، وَيَنْشُرُ الْخُصُومَةَ وَالْمُقَاتَلَةَ (إِلَّا بِرِضَاهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَلَهُمَا حَقُّ الْمُسَامَحَةِ بِتَرْكِهِ كَبَيْتُوتَتِهِ بَيْنَهُمَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَجَوَّزَ فِي " الْمُغْنِي " و" التَّرْغِيبِ " جَعْلَ كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي بَيْتِ مَسْكَنِ مِثْلِهَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": وَقِيلَ: يَحْرُمُ مَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 إِحْدَاهُمَا بِحَيْثُ تَرَاهُ الْأُخْرَى أَوْ غَيْرُهَا، وَلَا يُحَدِّثُهُمَا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا. وَلَهُ مَنْعُهَا مِنَ الْخُرُوجِ عَنْ مَنْزِلِهِ فَإِنْ مَرِضَ بَعْضُ مَحَارِمِهَا أَوْ مَاتَ، اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا   [المبدع في شرح المقنع] اتِّحَادِ الْمَرَافِقِ، وَأَمَّا جَمْعُ زَوْجَتِهِ وَسَرِيَّتِهِ فِيهِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ إِلَّا بِرِضَا الزَّوْجَةِ فَقَطْ؛ لِثُبُوتِ حَقِّهَا كَالْجِمَاعِ، وَالسَّرِيَّةُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ. خر مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ نَوْمُ الرَّجُلِ مَعَ زَوْجَتِهِ بِلَا جِمَاعٍ بِحَضْرَةِ مَحْرَمِهَا؛ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَا يُجَامِعُ إِحْدَاهُمَا بِحَيْثُ تَرَاهُ الْأُخْرَى أَوْ غَيْرِهَا) غَيْرَ طِفْلٍ لَا يَعْقِلُ أَوْ يَسْمَعُ حِسَّهُمَا، وَلَوْ رَضِيَتَا، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَنَاءَةً وَسُقُوطَ مُرُوءَةٍ، وَرُبَّمَا كَانَ وَسِيلَةً إِلَى وُقُوعِ الرَّائِيَةِ فِي الْفَاحِشَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَثُورُ شَهْوَتُهَا بِذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الَّذِي يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ وَالْأُخْرَى تَسْمَعُ، قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الرِّجْسَ، وَهُوَ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ (وَلَا يُحَدِّثُهُمَا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِثَارَةِ الْغَيْرَةِ وَبُغْضِ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَحَرَّمَهُ فِي " الْغُنْيَةِ " وَالْآدَمِيُّ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ وَحُرِّمَ فِي " أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ " إِفْشَاءُ السِّرِّ، وَقَيَّدَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " بِالْمُضِرِّ، وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ أَحَدُهُمَا سِرَّ صَاحِبِهِ» . [لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنَ الْخُرُوجِ عَنْ مَنْزِلِهِ] (وَلَهُ مَنْعُهَا مِنَ الْخُرُوجِ عَنْ مَنْزِلِهِ) إِلَى مَا لهَا مِنْهُ بُدٌّ، سَوَاءٌ أَرَادَتْ زِيَارَةَ وَالِدَيْهَا، أَوْ حُضُورَ جِنَازَةِ أَحَدِهِمَا؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ رَجُلًا مَنَعَ زَوْجَتَهُ الْخُرُوجَ، فَمَرِضَ أَبُوهَا، فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ وَلَا تُخَالِفِي زَوْجَكِ، فَمَاتَ أَبُوهَا، فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُضُورِ جِنَازَتِهِ، فَقَالَ لَهَا كَالْأَوَّلِ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهَا بِطَاعَةِ زَوْجِهَا» رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ وَاجِبٌ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَلَوْ خَرَجَتْ بِلَا إِذْنِهِ حَرُمَ، وَلَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إِذَا قَامَ بِحَوَائِجِهَا وَإِلَّا لَابُدَّ لَهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهِ، وَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ إِجَارَةَ نَفْسِهَا لِلرَّضَاعِ وَالْخِدْمَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، وَلَهُ   [المبدع في شرح المقنع] حَبَسَتْهُ بِحَقِّهَا: إِنْ خَافَ خُرُوجَهَا بِلَا إِذْنِهِ أَسْكَنَهَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحْفَظُهَا غَيْرُ نَفْسِهِ، حُبِسَتْ مَعَهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهَا أَوْ خِيفَ حُدُوثُ شَرٍّ أُسْكِنَتْ فِي رِبَاطٍ وَنَحْوِهِ، وَمَتَى كَانَ خُرُوجُهَا مَظِنَّةً لِلْفَاحِشَةِ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ، يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ رِعَايَتُهُ. (فَإِنْ مَرِضَ بَعْضُ مَحَارِمِهَا أَوْ مَاتَ اسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهِ) ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَفِي مَنْعِهَا قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَحَمْلٌ لَهَا عَلَى مُخَالَفَتِهِ، وَأَوْجَبَهُ ابْنُ عَقِيلٍ لِلْعِيَادَةِ، وَقِيلَ: أَوْ نَسِيبٍ، وَقِيلَ: لَهَا زِيَارَةُ أَبَوَيْهَا كَكَلَامِهِمَا، وَلَا يَمْلِكُ مَنْعَهُمَا مِنْ زِيَارَتِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَلْزَمُهَا طَاعَةُ أَبَوَيْهَا فِي فِرَاقٍ وَزِيَارَةٍ وَنَحْوِهِ، بَلْ طَاعَةُ زَوْجِهَا أَحَقُّ. فَرْعٌ: لَيْسَ عَلَيْهَا طَحْنٌ وَعَجْنٌ وَخَبْزٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِلْجُوزَجَانِيِّ، وَقَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَضَى عَلَى فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ بِخِدْمَةِ الْبَيْتِ، وَعَلَى عَلِيٍّ مَا كَانَ خَارِجَ الْبَيْتِ» رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ مِنْ طُرُقٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهَا الِاسْتِمْتَاعُ، فَلَا يَلْزَمُهَا غَيْرُهُ كَسَقْيِ دَوَابِّهِ، وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمَعْرُوفُ مِثْلَهَا لِمِثْلِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي " الْوَاضِحَةِ ": «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ عَلَى فَاطِمَةَ بِخِدْمَةِ الْبَيْتِ» ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: عَلَيْهَا أَنْ تَخْدِمَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. (وَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ إِجَارَةَ نَفْسِهَا لِلرَّضَاعِ وَالْخِدْمَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، وَكَوْنُهَا تَمْلِكُ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى فَوَاتِ حَقِّهِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ كَمَا لَا تَمْلِكُ مَنْعَهُ مِنَ الْوَطْءِ، فَلَوْ فَعَلَهُ بِإِذْنِهِ جَازَ، فَإِنْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، صَحَّ الْعَقْدُ، وَلَمْ يَمْلِكِ الزَّوْجُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ وَلَا مَنْعَهَا مِنَ الرَّضَاعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُلِكَتْ بِعَقْدٍ سَابِقٍ عَلَى نِكَاحِهِ، أَشْبَهَ بَيْعَ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَقِيلَ: لَهُ الْفَسْخُ إِنْ جَهِلَهُ، وَلَهُ الْوَطْءُ، وَقِيلَ: لَا، إِنْ ضَرَّ بِلَبَنٍ (وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّ إِرْضَاعَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، وَحَقُّ الزَّوْجِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَقْتَضِي مِلْكَهُ لِلِاسْتِمْتَاعِ فِي كُلِّ زَمَانٍ سِوَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَالرَّضَاعُ يُفَوِّتُهُ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا كَانَ مِنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِاسْتِمْتَاعِهِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي النَّفَقَاتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ وَالِدَةٍ، وَحُكْمُ وَلَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا، إِلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إِلَيْهَا وَتَخْشَى عَلَيْهِ. فَصْلٌ فِي الْقَسْمِ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ، وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ، إِلَّا لِمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] غَيْرِهَا كَذَلِكَ (إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهَا وَتَخْشَى عَلَيْهِ) بِأَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ تُرْضِعُهُ، أَوْ لَا يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ ضَرُورَةٍ، وَحِفْظٌ لِنَفْسِ الْوَلَدِ، فَقُدِّمَ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ كَتَقْدِيمِ الْمُضْطَرِّ عَلَى الْمَالِكِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ. [فَصْلٌ فِي الْقَسْمِ] [حُكْمُ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ] فَصْلٌ فِي الْقَسْمِ الْقَسْمُ - بِفَتْحِ الْقَافِ - مَصْدَرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ النَّصِيبُ (و) وَاجِبٌ (عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وَلَيْسَ مَعَ الْمَيْلِ مَعْرُوفٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ، فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» يَعْنِي: الْقَلْبَ رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ، وَلَفَظُهُمَا لِأَبِي دَاوُدَ، وَخَرَجَ مِنْهُ الطِّفْلُ. (وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96] ؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73] ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 مَعِيشَتُهُ بِاللَّيْلِ كَالْحَارِسِ، وَلَيْسَ لَهُ الْبَدَاءَةُ بِإِحْدَاهُنَّ، وَلَا السَّفَرُ بِهَا إِلَّا بِقُرْعَةٍ، فَإِذَا بَاتَ عِنْدَهَا بِقُرْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، لَزِمَهُ الْمَبِيتُ عِنْدَ الثَّانِيَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْوَطْءِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ. وَيَقْسِمُ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ لَيْلَةً، وَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً.   [المبدع في شرح المقنع] لِلسَّكَنِ وَالنَّهَارِ لِلْمَعَاشِ (إِلَّا لِمَنْ مَعِيشَتُهُ بِاللَّيْلِ كَالْحَارِسِ) فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ النَّهَارَ، وَيَكُونُ اللَّيْلُ فِي حَقِّهِ كَالنَّهَارِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ يَدْخُلُ فِي الْقَسْمِ تَبَعًا بِدَلِيلِ أَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَرْعٌ: لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُنَّ وَأَنْ يَدْعُوهُنَّ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيَسْقُطُ حَقُّ مُمْتَنِعَةٍ، وَلَهُ دُعَاءُ الْبَعْضِ، وَقِيلَ: يَدْعُو الْكُلَّ أَوْ يَأْتِي الْكُلَّ، فَعَلَى هَذَا لَيْسَتِ الْمُمْتَنِعَةُ نَاشِزَةٌ، وَالْحَبْسُ كَغَيْرِهِ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ دَعَاهُنَّ لَمْ يَلْزَمْ مَا لَمْ يَكُنْ سَكَنُ مِثْلِهِنَّ. (وَلَيْسَ لَهُ الْبَدَاءَةُ بِإِحْدَاهُنَّ وَلَا السَّفَرُ بِهَا إِلَّا بِقُرْعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْبَدَاءَةَ بِهَا تَفْضِيلٌ لَهَا، وَالتَّسْوِيَةُ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُنَّ مُتَسَاوِيَاتٍ فِي الْحَقِّ وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى الْقُرْعَةِ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ: لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُبَاحًا، بَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُرَخَّصًا، وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِرِضَاهِنَّ أَوْ قُرْعَةٍ (فَإِذَا بَاتَ عِنْدَهَا بِقُرْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) أَتَمَّ وَقَضَى، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ لَا زَمَنَ سَيْرِهِ (لَزِمَهُ الْمَبِيتُ عِنْدَ الثَّانِيَةِ) ؛ لِتَعَيُّنِ حَقِّهَا، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ كَفَاهُ قُرْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَصِيرُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الثَّانِيَةِ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا (وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْوَطْءِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّهُ لَا يَجُبِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهْوَةُ وَالْمَيْلُ، وَإِنَّ قَلْبَهُ قَدْ يَمِيلُ إِلَى إِحْدَاهُنَّ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] وَكَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ دَوَابِّهِ وَكَالنَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ وَالسُّكْنَى، إِذَا قَامَ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ نَصًّا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَقْسِمُ فِي النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ، وَنَصُّهُ: لَا بَأْسَ، وَقَالَ فِي الْجِمَاعِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدَعَهُ عَمْدًا يَبْقَى لِنَفْسِهِ لِتِلْكَ لَيْلَةً وَلَيْلَةً، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 وَيَقْسَمُ لِلْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ، وَالْمَرِيضَةِ، وَالْمَعِيبَةِ، وَالرَّتْقَاءِ، فَإِنْ دَخَلَ فِي لَيْلَتِهَا   [المبدع في شرح المقنع] (وَيَقْسِمُ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ لَيْلَةً وَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ) ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: إِذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، قَسَمَ لِلْأَمَةِ لَيْلَةً وَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ حَظُّهَا فِي الْإِيوَاءِ أَكْثَرُ، وَتُخَالِفُ النَّفَقَةُ وَالْكُسْوَةُ، فَإِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْحَاجَةِ، وَقَسْمُ الِابْتِدَاءِ شُرِعَ لِيَزُولَ الِاحْتِشَامُ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا (وَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً) يَعْنِي: أَنَّ الْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ كَالْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ "، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، فَاسْتَوَيَا فِيهِ كَالنَّفَقَةِ وَتُفَارِقُ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ تَسْلِيمُهَا وَلَا يَحْصُلُ لَهَا الْإِيوَاءُ التَّامُّ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهَا بِالْحِسَابِ. فَرْعٌ: عَتَقَتْ أَمَةٌ فِي نَوْبَتِهَا أَوْ نَوْبَةِ حُرَّةٍ مَسْبُوقَةٍ، فَلَهَا قَسْمُ حُرَّةٍ، وَفِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ سَابِقَةٍ، قِيلَ: يَتِمُّ لِلْحُرَّةِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ، وَقِيلَ: يَسْتَوِيَانِ بِقَطْعٍ أَوِ اسْتِدْرَاكٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " و" التَّرْغِيبِ ": وَإِنْ عَتَقَتْ بَعْدَ نَوْبَتِهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى يَوْمِهَا، زَادَ فِي " التَّرْغِيبِ ": بَدَأَ بِهَا أَوْ بِالْحُرَّةِ، وَيَطُوفُ بِمَجْنُونٍ مَأْمُونٍ وَلِيُّهُ وُجُوبًا، لَا بِطِفْلٍ، وَيَحْرُمُ تَخْصِيصٌ بِإِفَاقَتِهِ وَإِنْ أَفَاقَ فِي نَوْبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَفِي قَضَاءِ يَوْمِ جُنُونِهِ لِلْأُخْرَى وَجْهَانِ. [الْقَسْمُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ وَالْمَعِيبَةِ] (وَيَقْسِمُ لِلْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ، وَالْمَرِيضَةِ، وَالْمَعِيبَةِ، وَالرَّتْقَاءِ) وَمُظَاهِرٍ مِنْهَا، وَصَغِيرَةٍ مُمْكِنٍ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ: السَّكَنُ، وَالْإِيوَاءُ، وَالْأُنْسُ، وَحَاجَتُهُنَّ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمَجْنُونَةُ فَإِنْ خِيفَ مِنْهَا، فَلَا قَسْمَ لَهَا، وَإِلَّا فَهِيَ كَالْعَاقِلَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمَرِيضَ، وَالْمَجْبُوبَ، وَالْعِنِّينَ، وَالْخَصِيَّ، يَقْسِمُ؛ لِأَنَّهُ لِلْأُنْسِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِمَّنْ لَا يَطَأُ، فَإِنْ شِقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ اسْتَأْذَنَهُنَّ فِي الْكَوْنِ عِنْدَ إِحْدَاهُنَّ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَقَامَ عِنْدَ إِحْدَاهُنَّ بِقُرْعَةٍ أَوِ اعْتَزَلَهُنَّ جَمِيعًا (فَإِنْ دَخَلَ فِي لَيْلَتِهَا إِلَى غَيْرِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 إِلَى غَيْرِهَا، لَمْ يَجُزْ إِلَّا لِحَاجَةٍ دَاعِيَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَلْبَثْ عِنْدَهَا، لَمْ يَقْضِ، وَإِنْ لَبِثَ أَوْ جَامَعَ، لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْأُخْرَى. وَإِنْ أَرَادَ النُّقْلَةَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَأَخَذَ إِحْدَاهُنَّ مَعَهُ، وَالْأُخْرَى مَعَ غَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِقُرْعَةٍ، وَمَتَى   [المبدع في شرح المقنع] لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ (إِلَّا لِحَاجَةٍ دَاعِيَةٍ) كَكَوْنِ ضُرَّتِهَا مَنْزُولًا بِهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَحْضُرَهَا، أَوْ تُوصِيَ إِلَيْهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ عُرْفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَالَةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَحَاجَةٌ، فَأُبِيحَ بِهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ إِلَى قَضَائِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَدْخُلُ إِلَيْهَا نَهَارًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ دَاعِيَةٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": أَنَّهُ يَجُوزُ لِحَاجَةٍ، كَدَفْعِ نَفَقَةٍ، وَعِيَادَةٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": فِيهِمَا لِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ أَوْ لِمَرَضٍ فَيُدَاوِيهَا، وَفِي قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا نَهَارًا وَجْهَانِ (فَإِنْ لَمْ يَلْبَثْ عِنْدَهَا لَمْ يَقْضِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِقِلَّتِهِ (وَإِنْ لَبِثَ أَوْ جَامَعَ، لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ وَاجِبَةٌ، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَلَوْ جَامَعَهَا فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَيَدْخُلُ عَلَى الْمَظْلُومَةِ فِي لَيْلَةِ الْمُجَامَعَةِ، فَيُجَامِعُهَا لِيَعْدِلَ بَيْنَهُمَا، وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُسْتَحَقُّ فِي الْقَسْمِ، وَلَا يَقْضِي لَيْلَةَ صَيْفٍ عَنْ شِتَاءٍ، وَلَهُ قَضَاءُ أَوَّلِ اللَّيْلِ عَنْ آخِرِهِ وَعَكْسِهِ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ زَمَنُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. فَرْعٌ: إِذَا خَرَجَ فِي لَيْلَةِ إِحْدَاهُنَّ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ الَّذِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِالِانْتِشَارِ فِيهِ وَالْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ - جَازَ، وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْبَثْ، لَمْ يَقْضِ، وَإِنْ لَبِثَ قَضَى مُطْلَقًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَ لَهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ قَضَاهُ فِي غَيْرِهِ مِنَ اللَّيْلِ جَازَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى بِقَدْرِ مَا فَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ، وَالثَّانِي: لَا، لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ. [إِنْ أَرَادَ النُّقْلَةَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ] (وَإِنْ أَرَادَ النُّقْلَةَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَأَخَذَ إِحْدَاهُنَّ مَعَهُ وَالْأُخْرَى مَعَ غَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِقُرْعَةٍ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا أَرَادَ النُّقْلَةَ بِنِسَائِهِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ وَأَمْكَنَهُ اسْتِصْحَابُ الْكُلِّ فِي سَفَرِهِ، فَعَلَى ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ إِفْرَادُ إِحْدَاهُنَّ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدَةٍ، فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُنَّ قَضَى لِلْبَاقِيَاتِ كَالْحَاضِرِ، وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ صُحْبَةُ الْجَمِيعِ، وَبَعَثَ بِهِنَّ جَمِيعًا مَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُحَرَّمٌ لَهُنَّ - جَازَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، فَإِنْ أَفْرَدَ بِعْضَهُنَّ بِالسَّفَرِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِقُرْعَةٍ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ، وَمَتَى سَافَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ سَوَّى بَيْنَهُنَّ كَالْحَضَرِ، فَإِذَا وَصَلَ الْبَلَدَ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ، فَأَقَامَتْ مَعَهُ فِيهِ قَضَى لِلْبَاقِيَاتِ مُدَّةَ كَوْنِهَا مَعَهُ فِي الْبَلَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ لَمْ يَقْضِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلْأُخْرَى، وَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنَ السَّفَرِ مَعَهُ، أَوْ مِنَ الْمَبِيتِ عِنْدَهُ، أَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ - سَقَطَ حَقُّهَا مِنَ الْقَسْمِ، وَإِنْ أَشْخَصَهَا هُوَ، فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا   [المبدع في شرح المقنع] خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا (وَمَتَى سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ لَمْ يَقْضِ) أَيْ: لِلْحَاضِرَاتِ بَعْدَ قُدُومِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً؛ وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَةَ اخْتُصَّتْ بِمَشَقَّةِ السَّفَرِ، فَاخْتُصَّتْ بِالْقَسْمِ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ بَعْضَهُنَّ بِمُدَّةٍ عَلَى وَجْهٍ يَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فِيهِ، فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَعَلَى هَذَا يَقْضِي مُدَّةَ غَيْبَتِهِ مَا لَمْ تَكُنِ الضَّرَّةُ رَضِيَتْ بِسَفَرِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ مِنْهَا مَا أَقَامَ مِنْهَا لِمَبِيتٍ وَنَحْوِهِ، وَيَقْضِي مَعَ قُرْعَةِ مَا تَعَقَّبَهُ السَّفَرُ أَوْ تَخَلَّلَهُ مِنْ إِقَامَةٍ. تَنْبِيهٌ: إِذَا خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِإِحْدَاهُنَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا، وَلَهُ تَرْكُهَا وَالسَّفَرُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ إِنَّمَا تُعِينُ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ؛ وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ بِغَيْرِهَا، وَإِنْ أَبَتِ السَّفَرَ مَعَهُ سَقَطَ حَقُّهَا إِذَا رَضِيَ الزَّوْجُ، وَإِنْ أَبَى فَلَهُ إِكْرَاهُهَا عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ، فَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجَاتُ بِسَفَرِ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ جَازَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا، أَنَّهُ يَقْضِي لِلْبَوَاقِي فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ، فَلَمْ يَقْضِ كَالطَّوِيلِ (وَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنَ السَّفَرِ مَعَهُ، أَوْ مِنَ الْمَبِيتِ عِنْدَهُ، أَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ سَقَطَ حَقُّهَا مِنَ الْقَسْمِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهَا عَاصِيَةٌ بِمَنْعِ نَفْسِهَا مِنْهُ، فَيَسْقُطُ حَقُّهَا كَالنَّاشِزَةِ، وَكَذَا لَا نَفَقَةَ لَهَا، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " و" الْفُرُوعِ "، وَقِيلَ: يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ بِالْوَطْءِ (وَإِنْ أَشْخَصَهَا هُوَ) بِأَنْ بَعَثَهَا فِي حَاجَةٍ أَوْ أَمَرَهَا بِالنُّقْلَةِ مِنْ بَلَدِهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " (فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا فَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا، وَإِنَّمَا فَاتَ بِتَفْوِيتِهِ، فَلَمْ يُسْقِطْ حَقَّهَا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّ الْبَائِعِ مِنْ تَسْلِيمِ ثَمَنِهِ إِلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَقْضِي لَهَا بِحَسَبِ مَا أَقَامَ عِنْدَ ضَرَّتِهَا، وَإِنْ سَافَرَتْ مَعَهُ فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا مِنْهُمَا جَمِيعًا (وَإِنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا) كَسَفَرِهَا لِزِيَارَةٍ أَوْ حَجِّ تَطَوُّعٍ أَوْ عُمْرَةٍ (بِإِذْنِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 بِإِذْنِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا بِإِذْنِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ فَيَجْعَلُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، فَمَتَى رَجَعَتْ فِي الْهِبَةِ، عَادَ حَقُّهَا، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَسْقُطَانِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ لِلْأُنْسِ، وَالنَّفَقَةَ لِلتَّمْكِينِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا، وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطَانِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهَا سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَافَرَتْ مَعَهُ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ الْقَسْمُ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَافَرَ عَنْهَا لَسَقَطَ قَسْمُهَا، وَالتَّعَذُّرُ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ مِنْ جِهَتِهَا كَانَ أَوْلَى. [لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا] (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ) بِلَا مَالٍ (لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا) ؛ لِفِعْلِ سَوْدَةَ بِأَنَّهَا وَهَبَتْ لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا، «فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَى الْوَاهِبَةِ ثَابِتٌ، فَلَا يَنْتَقِلُ إِلَى غَيْرِهَا إِلَّا بِرِضَاهُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَبَتِ الْمَوْهُوبُ لَهَا أَيْ: لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهَا، وَلَيْسَ لَنَا هِبَةٌ يَقْبَلُ فِيهَا غَيْرُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ تَأَهُّلِهِ لِلْقَبُولِ إِلَّا هَذِهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَتْ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ لَا تَلِي لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ لَمْ تَجُزِ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْوَاهِبَةِ، فَلَمْ يَجُزْ تَغْيِيرُهَا عَنْ مَوْضِعِهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: وَإِذْنُ سَيِّدِ أَمَةٍ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا لَهُ (وَلَهُ) أَيْ: لِلزَّوْجِ (الرُّجُوعُ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَلِمَنْ نَقَلَتْهُ إِلَيْهِ انْتَقَلَ (فَيَجْعَلُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مُقَامَ الْوَاهِبَةِ، فَالْخِيرَةُ لَهُ كَهِيَ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " لَوْ قَالَتْ: خُصَّ بِهَا مَنْ شِئْتَ، الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ الْغَيْظَ بِخِلَافِ تَخْصِيصِهَا وَاحِدَةً (فَمَتَى رَجَعَتْ فِي الْهِبَةِ عَادَ حَقُّهَا) ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَوْدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لَا فِيمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ قَدِ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، فَعَلَى هَذَا إِذَا رَجَعَتْ فِي أَثْنَاءِ لَيْلَتِهَا لَزِمَ الزَّوْجُ الِانْتِقَالُ إِلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَتَمَّ اللَّيْلَةَ لَمْ يَقْضِ لَهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْهَا. فَرْعٌ: إِذَا بَذَلَتْ لَيْلَتَهَا بِمَالٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا وَلَا مَنْفَعَةً يُسْتَحَقُّ بِهَا الْمَالُ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ غَيْرَ الْمَالِ كَإِرْضَاءِ زَوْجِهَا عَنْهَا أَوْ غَيْرِهِ - جَازَ وَلَهَا بَذْلُ قَسْمٍ وَنَفَقَةٍ وَغَيْرِهِمَا، لِيُمْسِكَهَا، وَالرُّجُوعُ لِيُجَدِّدَ الْحَقَّ، وَفِي " الْهَدْيِ " يَلْزَمُ وَلَا مُطَالَبَةَ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ كَمَا يَلْزَمُ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ. (وَلَا قَسْمَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ يَمِينِهِ) بَلْ يَطَأُ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ مَتَى شَاءَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 قَسْمَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ يَمِينِهِ، وَتُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ، وَأَنْ لَا يَعْضُلَهُنَّ إِنْ لَمْ يُرِدِ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِنَّ. فَصْلٌ وَإِذَا تَزَوَّجَ بِكْرًا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، ثُمَّ دَارَ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا، فَعَلَ، وَقَضَاهُنَّ لِلْبَوَاقِي، وَإِنْ زُفَّتْ إِلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَارِيَةُ وَرَيْحَانَةُ، فَلَمْ يَكُنْ يَقْسِمُ لَهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْأَمَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ بِكَوْنِ السَّيِّدِ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا، وَلَا تُضْرَبُ لَهَا مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، وَظَاهِرُهُ: وَإِنْ أَخَذَ مِنْ زَمَنِ زَوْجَاتِهِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": لَكِنْ يُسَوِّي فِي حِرْمَانِهِنَّ (وَتُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ) ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِقُلُوبِهِنَّ وَأَبْعَدُ مِنَ النُّفْرَةِ وَالْبُغْضَةِ (و) عَلَيْهِ (أَنْ لَا يَعْضُلَهُنَّ إِنْ لَمْ يُرِدِ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِنَّ) أَيْ: إِذَا احْتَاجَتِ الْأَمَةُ إِلَى النِّكَاحِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِعْفَافُهَا، إِمَّا بِوَطْئِهَا، أَوْ تَزْوِيجِهَا، أَوْ بَيْعِهَا؛ لِأَنَّ إِعْفَافَهُنَّ وَصَوْنَهُنَّ عَنِ احْتِمَالِ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ وَاجِبٌ. [إِذَا تَزَوَّجَ بِكْرًا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا] فَصْلٌ (وَإِذَا تَزَوَّجَ بِكْرًا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، ثُمَّ دَارَ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا) ؛ لِمَا رَوَى أَبُو قِلَابَةَ، «عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ» قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَخُصَّتِ الْبِكْرُ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا أَكْثَرُ، وَالثَّلَاثُ مُدَّةٌ مُغْتَفَرَةٌ فِي الشَّرْعِ وَالسَّبْعُ؛ لِأَنَّهَا أَيَّامُ الدُّنْيَا، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يَتَكَرَّرُ، وَحِينَئِذٍ يَقْطَعُ الدَّوْرَ (فَإِنْ أَحَبَّتْ) وَقِيلَ: أَوْ هُوَ (أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا فَعَلَ وَقَضَاهُنَّ لِلْبَوَاقِي) ؛ لِمَا «رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ هَوَانٌ عَلَى أَهْلِكِ، وَإِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 امْرَأَتَانِ، قَدَّمَ السَّابِقَةَ مِنْهُمَا، ثُمَّ أَقَامَ عِنْدَ الْأُخْرَى، ثُمَّ دَارَ، فَإِنْ زُفَّتَا مَعًا، قَدَّمَ إِحْدَاهُنَّ بِالْقُرْعَةِ، ثُمَّ أَقَامَ عِنْدَ الْأُخْرَى، وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ، فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِإِحْدَاهُمَا، سَافَرَ بِهَا، وَدَخَلَ حَقُّ الْعَقْدِ فِي قَسْمِ السَّفَرِ، فَإِذَا قَدَّمَ، بَدَأَ بِالْأُخْرَى فَوَفَّاهَا حَقَّ الْعَقْدِ، وَإِذَا طَلَّقَ إِحْدَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَتِهَا أَثمَّ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ، قَضَى لَهَا   [المبدع في شرح المقنع] سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعَ مَنْ خَالَفَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ أَدْلَى بِالسُّنَّةِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": الْفَاضِلُ لِلْبَقِيَّةِ، وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَقْضِيَ السَّبْعَ؛ لِأَنَّهَا اخْتَارَتْهَا، فَسَقَطَ حَقُّهَا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ؛ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ؛ وَلِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْأُنْسِ وَإِزَالَةِ الِاحْتِشَامِ، فَاسْتَوَيَا فِيهِ كَالنَّفَقَةِ، وَقِيلَ: هِيَ عَلَى نِصْفِ الْحُرَّةِ كَسَائِرِ الْقَسْمِ. (وَإِنْ زُفَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَتَانِ) فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ فِي حَقِّ عَقْدٍ وَاحِدَةٍ كُرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي إِيفَاءِ حَقِّهِمَا، وَتَسْتَضِرُّ الَّتِي يُؤَخِّرُ حَقَّهَا وَتَسْتَوْحِشُ (قَدَّمَ السَّابِقَةَ مِنْهُمَا) دُخُولًا؛ لِأَنَّ حَقَّهَا سَابِقٌ (ثُمَّ أَقَامَ عِنْدَ الْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ، تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي الْمُدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ، وَرَجَحَ عَلَيْهِ، فَإِذَا زَالَ الْعَارِضُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمُقْتَضَى (ثُمَّ دَارَ) لِيَأْتِيَ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الدَّوْرِ (فَإِنْ زُفَّتَا مَعًا قَدَّمَ إِحْدَاهُنَّ بِالْقُرْعَةِ) ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْقُرْعَةُ مُرَجَّحَةٌ عِنْدَ التَّسَاوِي، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": يَبْدَأُ بِالسَّابِقَةِ بِالْعَقْدِ وَإِلَّا أَقْرَعَ (ثُمَّ أَقَامَ عِنْدَ الْأُخْرَى) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ، فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِإِحْدَاهُمَا، سَافَرَ بِهَا، وَدَخَلَ حَقُّ الْعَقْدِ فِي قَسْمِ السَّفَرِ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ قَسْمٍ يَخْتَصُّ بِهَا (فَإِذَا قَدَّمَ بَدَأَ بِالْأُخْرَى فَوَفَّاهَا حَقَّ الْعَقْدِ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ لَهَا قَبْلَ سَفَرِهِ لَمْ يُؤَدِّهِ، فَلَزِمَهُ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُسَافِرْ بِالْأُخْرَى مَعَهُ. وَالثَّانِي: لَا يَقْضِيهِ لِئَلَّا يَكُونَ تَفْضِيلًا لَهَا عَلَى الَّتِي سَافَرَ بِهَا، وَلِأَنَّ الْإِيوَاءَ فِي الْحَضَرِ أَكْثَرُ، فَيَتَعَذَّرُ قَضَاؤُهُ، وَقِيلَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 لَيْلَتَهَا، وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي نَهَارِ لَيْلِ الْقَسْمِ لِمَعَاشِهِ، وَقَضَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ.   [المبدع في شرح المقنع] يَسْتَأْنِفُ قَضَاءَ الْعَقْدِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَى الْمُسَافِرَةِ بِمُدَّةِ سَفَرِهَا كَمَا لَا يُحْتَسَبُ بِهِ عَلَيْهَا فِيمَا عَدَا حَقَّ الْعَقْدِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّ الْعَقْدِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ بِغَيْرِ مُسْقِطٍ، فَإِنْ قَدَمَ مِنْ سَفَرِهِ قَبْلَ مُدَّةٍ يَنْقَضِي فِيهَا حَقُّ عَقْدِ الْأُولَى أَتَمَّهُ فِي الْحَضَرِ، وَقَضَى لِلْحَاضِرَةِ مِثْلَهُ وَجْهًا وَاحِدًا. (وَإِذَا طَلَّقَ إِحْدَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَتِهَا أَثم) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ لَهَا (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ) أَيْ: عَادَتْ إِلَيْهِ بِرَجْعَةٍ أَوْ نِكَاحٍ (قَضَى لَهَا لَيْلَتَهَا) ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى إِيفَاءِ حَقِّهَا فَلَزِمَهُ كَالْمُعْسِرِ إِذَا أَيْسَرَ بِالدَّيْنِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ بِنَاءُ الرَّجُلِ بِامْرَأَتِهِ فِي السَّفَرِ وَرُكُوبِهَا مَعَهُ عَلَى دَابَّةٍ بَيْنَ الْجَيْشِ؛ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. (وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي نَهَارِ لَيْلِ الْقَسْمِ لِمَعَاشِهِ وَقَضَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] وَحُكْمُ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ الَّتِي يُقِيمُهَا عِنْدَ الْمَزْفُوفَةِ حُكْمُ سَائِرِ الْقَسْمِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمَقَامُ عِنْدَهَا لَيْلًا، لِشُغْلٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، قَضَاهُ لَهَا وَلَهُ الْخُرُوجُ إِلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَإِلَى مَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْهُ، فَإِنْ أَطَالَ قَضَاهُ، وَلَا يَقْضِي الْيَسِيرَ. فَرْعٌ: قَسَمَ لِاثْنَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ، ثُمَّ يُجَدِّدُ حَقَّ رَابِعَةٍ، فَإِنْ رَجَعَتْ فِي هِبَةٍ أَوْ عَنْ نُشُوزٍ أَوْ نِكَاحٍ وَفَّاهَا حَقَّ عَقْدِهِ، ثُمَّ رُبْعُ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِلرَّابِعَةِ، وَبَقِيَّتُهُ لِلثَّالِثَةِ، فَإِذَا كَمَّلَ الْحَقَّ اسْتَأْنَفَ التَّسْوِيَةَ، وَلَوْ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ ثُمَّ نَكَحَ وَفَّاهَا حَقَّ عَقْدِهِ، ثُمَّ لَيْلَةً لِلْمَظْلُومَةِ، ثُمَّ نِصْفَ لَيْلَةٍ لِلثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ: لَا يَبِيتُ نِصْفَهَا بَلْ لَيْلَةً؛ لِأَنَّهُ حَرَجٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": لَوْ أَبَانَ الْمَظْلُومَةَ، ثُمَّ نَكَحَهَا وَقَدْ نَكَحَ جَدِيدَاتٍ - تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 فَصْلٌ فِي النُّشُوزِ وَهُوَ مَعْصِيَتُهَا إِيَّاهُ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهَا، وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَمَارَاتُ النُّشُوزِ، بِأَلَّا تُجِيبَهُ إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ، أَوْ تُجِيبَهُ مُتَبَرِّمَةً مُتَكَرِّهَةً - وَعَظَهَا، فَإِنْ أَصَرَّتْ، هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ، وَفِي الْكَلَامِ مَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَصَرَّتْ، فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ فِي النُّشُوزِ] فَصْلٌ فِي النُّشُوزِ وَهُوَ كَرَاهَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ، وَسُوءُ عِشْرَتِهِ، يُقَالُ: نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا فَهِيَ نَاشِزَةٌ، وَنَاشِزٌ، وَنَشَزَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا: إِذَا جَفَاهَا وَأَضَرَّ بِهَا (وَهُوَ مَعْصِيَتُهَا إِيَّاهُ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهَا) مِنْ طَاعَتِهِ، مَأْخُوذٌ مِنَ النَّشْزِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، فَكَأَنَّهَا ارْتَفَعَتْ وَتَعَالَتْ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ طَاعَتِهِ (وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَمَارَاتُ النُّشُوزِ، بِأَلَّا تُجِيبَهُ إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ، أَوْ تُجِيبَهُ مُتَبَرِّمَةً مُتَكَرِّهَةً - وَعَظَهَا) بِأَنْ يَذْكُرَ لَهَا مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا مِنَ الْحَقِّ، وَمَا يَلْحَقُهَا مِنَ الْإِثْمِ بِالْمُخَالَفَةِ، وَمَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ، وَمَا يُبَاحُ لَهُ مِنْ هَجْرِهَا وَضَرْبِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] (فَإِنْ أَصَرَّتْ) نَاشِزَةً، بِأَنْ تَعْصِيَهُ وَتَمْتَنِعَ مِنْ فِرَاشِهِ، أَوْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ (هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَالْمُرَادُ: أَنْ يَهْجُرَ فِرَاشَهَا فَلَا يُضَاجِعُهَا فِيهِ (مَا شَاءَ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُضَاجِعْهَا فِي فِرَاشِكَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُطْلَقٌ، فَلَا يُقَيَّدُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " و" الْغنيمة " و" الْمُحَرَّرِ ": ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَانَ فَوْقَ ذَلِكَ حَرَامٌ (وَفِي الْكَلَامِ مَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَقَدْ هَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ ظُلْمَ صَاحِبِهِ لَهُ، أَسْكَنَهُمَا الْحَاكِمُ إِلَى جَانِبِ ثِقَةٍ، يُشْرِفُ عَلَيْهِمَا، وَيُلْزِمْهُمَا الْإِنْصَافَ، فَإِنْ خَرَجَا إِلَى الشِّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ، بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِهِمَا بِرِضَاهُمَا، فَيَكْشِفَانِ   [المبدع في شرح المقنع] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": يَهْجُرُهَا فِي الْفِرَاشِ، فَإِنْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْهَجْرَ فِي الْكَلَامِ وَدُخُولَهُ وَخُرُوجَهُ عَلَيْهَا - جَازَ، مَعَ الْكَرَاهَةِ (فَإِنْ أَصَرَّتْ، فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) أَيْ: غَيْرَ شَدِيدٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وَلَا يُبَرِّحُ بِالضَّرْبِ؛ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ، قَالَ الْخَلَّالُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ يَحْيَى ثَعْلَبًا عَنْ قَوْلِهِ: ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، أَيْ: غَيْرَ شَدِيدٍ، وَهُوَ عَشْرَةُ أَسْوَاطٍ فَأَقَلَّ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ حَسْبُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْهَا مَنْ عُلِمَ بِمَنْعِهِ حَقَّهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهُ، وَعَلَيْهِ اجْتِنَابُ الْمَوَاضِعِ الْمُخَوِّفَةِ وَالْمُسْتَحْسَنَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّأْدِيبُ، وَعَنْهُ: لَهُ ضَرْبُهَا بِأَوَّلِ النُّشُوزِ؛ لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْعُقُوبَاتِ زَجْرُهَا عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَبْدَأُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، كَإِخْرَاجِ مَنْ هَجَمَ بِمَنْزِلِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنْ لَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَضْرِبُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مَنْعِهِ حَقَّهُ غَيْرَ هَذَا، وَالْعَبْدُ يَمْتَنِعُ مِنْ حَقِّ سَيِّدِهِ، وَلَا يَمْلِكُ تَعْزِيرَهَا فِي حَقِّ اللَّهِ، نَقَلَ مُهَنَّا: هَلْ يَضْرِبُهَا عَلَى تَرْكِ زَكَاةٍ؛ قَالَ: لَا أَدْرِي، وَفِيهِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ عَنْهُ يَضْرِبُهَا عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَذَكَرَ غَيْرُهُ: يَمْلِكُهُ، وَلَا يَنْبَغِي سُؤَالُهُ لِمَ ضَرَبَهَا، قَالَهُ أَحْمَدُ؛ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ: وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ إِبْقَاءً لِلْمَوَدَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَهُ عَنِ الصَّبِيِّ لِإِصْلَاحِهِ. (فَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ ظُلْمَ صَاحِبِهِ لَهُ، أَسْكَنَهُمَا الْحَاكِمُ إِلَى جَانِبِ ثِقَةٍ، يُشْرِفُ عَلَيْهِمَا، وَيُلْزِمُهُمَا الْإِنْصَافَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى الْإِنْصَافِ، فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُ كَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ كَمَا يَكْشِفُ عَنْ عَدَالَةٍ وَإِفْلَاسٍ مِنْ خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " (فَإِنَّ خَرَجَا إِلَى الشِّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ) مُكَلَّفَيْنِ؛ لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 عَنْ حَالِهِمَا، وَيَفْعَلَانِ مَا يَرَيَانِهِ مِنْ جَمْعٍ وَتَفْرِيقٍ بَيْنَهُمَا بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ، فَإِنِ امْتَنَعَا مِنَ التَّوْكِيلِ، لَمْ يُجْبَرَا، وَعَنْهُ: أَنَّ الزَّوْجَ إِنْ وَكَّلَ فِي الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَوَكَّلَتِ الْمَرْأَةُ فِي بَدَلِ الْعِوَضِ بِرِضَاهُمَا، وَإِلَّا جَعَلَ الْحَاكِمُ إِلَيْهِمَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَابَ   [المبدع في شرح المقنع] هَذِهِ شُرُوطُ الْعَدَالَةِ، سَوَاءٌ قُلْنَا هُمَا حَكَمَانِ أَوْ وَكِيلَانِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إِذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ، لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، كَمَا لَوْ نَصَّبَ وَكِيلًا لِصَبِيٍّ أَوْ مُفْلِسٍ، وَيُشْتَرَطُ ذُكُورِيَّتُهُمَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ، وَصَرِيحُهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ نَقْصٌ، وَفِي " الْمُغْنِي ": الْأَوْلَى إِنْ كَانَا وَكِيلَيْنِ لَمْ يُعْتَبَرْ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْعَبْدِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْحُكْمِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْفِقْهُ، وَهُوَ وَجْهٌ، وَفِي " الْكَافِي ": مَتَى كَانَا حَكَمَيْنِ اشْتَرَطَ كَوْنَهُمَا فَقِيهَيْنِ، وَإِنْ كَانَا وَكِيلَيْنِ جَازَا أَنْ يَكُونَا عَامِّيَّيْنِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": لَا يُعْتَبَرُ اجْتِهَادٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنَّ مِثْلَهُ مَا يُفَوِّضُهُ الْحَاكِمُ مِنْ مُعَيَّنٍ جَرَى كَقِسْمَةٍ (وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِهِمَا بِرِضَاهُمَا) وَتَوْكِيلِهِمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 3] الْآيَةَ؛ وَلِأَنَّهُمَا أَشْفَقُ، وَأَعْلَمُ بِالْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْحُكْمِ وَلَا الْوِكَالَةِ، وَظَاهِرُهُ: بِأَنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْعَثَهُمَا بِغَيْرِ رِضَاهُمَا - عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمَا، فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِمَا التَّصَرُّفُ إِلَّا بِالْوَكَالَةِ (فَيَكْشِفَانِ عَنْ حَالِهِمَا، وَيَفْعَلَانِ مَا يَرَيَانِهِ مِنْ جَمْعٍ وَتَفْرِيقٍ بَيْنَهُمَا بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ) فَمَا فَعَلَا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُمَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، لَكِنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا إِبْرَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا وَكِيلَانِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِصْلَاحِ لَا فِي إِسْقَاطِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ أَبْرَأَهُ وَكِيلُهُمَا بَرِئ فِي الْخُلْعِ فَقَطْ، وَإِنْ شَرَطَا مَا لَا يُنَافِي نِكَاحًا لَزِمَ، وَإِلَّا فَلَا، كَتَرْكِ قَسْمٍ، أَوْ نَفَقَةٍ وَلِمَنْ رَضِيَ الْعَوْدَ (فَإِنِ امْتَنَعَا مِنَ التَّوْكِيلِ لَمْ يُجْبَرَا) عَلَى الْمَشْهُورِ، حَتَّى إِنَّ الْقَاضِيَ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " و" الشَّرِيفَ " وَغَيْرَهُمَا لَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا؛ لِأَنَّهُمَا رَشِيدَانِ، وَالْبُضْعُ حَقُّ الزَّوْجِ، وَالْمَالُ حَقُّ الزَّوْجِيَّةِ، فَلَمْ يُجْبَرَا عَلَى التَّوْكِيلِ مِنْهُمَا كَغَيْرِهِمَا مِنَ الْحُقُوقِ (وَعَنْهُ: أَنَّ الزَّوْجَ إِنْ وُكِّلَ فِي الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَوُكِّلَتِ الْمَرْأَةُ فِي بَدَلِ الْعِوَضِ بِرِضَاهُمَا وَإِلَّا) إِنْ أَبَيَا ذَلِكَ (جَعَلَ الْحَاكِمُ إِلَيْهِمَا ذَلِكَ) اخْتَارَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَحِينَئِذٍ لَهُمَا فِعْلُ مَا رَأَيَاهُ بِغَيْرِ رِضَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَنْقَطِعْ نَظَرُ الْحَكَمَيْنِ عَلَى الْأُولَى، وَتَنْقَطِعُ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَإِنْ جُنَّا انْقَطَعَ نَظَرُهُمَا عَلَى الْأُولَى، وَلَمْ يَنْقَطِعْ عَلَى الثَّانِيَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] الزَّوْجَيْنِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُمَا حَكَمَيْنِ، وَعَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَتَهُ أَتَيَا عَلِيًّا، مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، فَبَعَثُوا حَكَمَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: هَلْ تَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا مِنَ الْحَقِّ؛ إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: رَضِيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ لِيَ وَعَلَيَّ، وَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: كَذَبَتْ حَتَّى تَرْضَى بِمَا رَضِيَتْ بِهِ. رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَجْبَرَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَثْبُتَ الْوِلَايَةُ عَلَى الرَّشِيدِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ، كَالْمَدِينِ الْمُمْتَنِعِ، وَطَلَاقِ الْحَاكِمِ عَلَى الْمُؤْلِي (فَإِنْ غَابَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَنْقَطِعْ نَظَرُ الْحَكَمَيْنِ عَلَى الْأَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالْغِيبَةِ (وَتَنْقَطِعُ عَلَى الثَّانِيَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ لِلْغَائِبِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَحْكُومٌ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَنْقَطِعُ عَلَيْهَا، حَكَاهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" الْمُحَرَّرِ " (وَإِنْ جُنَّا) أَوْ أَحَدُهُمَا (انْقَطَعَ نَظَرُهُمَا عَلَى الْأُولَى) ؛ لِأَنَّ الْوِكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ (وَلَمْ يَنْقَطِعْ عَلَى الثَّانِيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ عَلَى الْمَجْنُونِ، وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ عَلَيْهَا أَيْضًا، حَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ بَقَاءُ الشِّقَاقِ وَحُضُورِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَهُوَ شَرْطٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 كِتَابُ الْخُلْعِ وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُبْغِضَةً لِلرَّجُلِ، وَتَخْشَى أَلَّا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ وَإِنْ خَالَعَتْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ كُرِهَ، وَوَقَعَ الْخُلْعُ وَعَنْهُ: لَا   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْخُلْعِ] [تَعْرِيفُ الخلع وحُكْمُهُ] ِ يُقَالُ: خَلَعَ امْرَأَتَهُ خَلْعًا، وَخَالَعَهَا مُخَالَعَةً، وَاخْتَلَعَتْ هِيَ مِنْهُ، فَهِيَ خَالِعٌ، وَأَصْلُهُ مِنْ خَلْعِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْخَلِعُ مِنْ لِبَاسِ زَوْجِهَا، قَالَ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ فِرَاقِ امْرَأَتِهِ بِعِوَضٍ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ، وَفَائِدَتُهُ: تَخْلِيصُهَا مِنَ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا بِرِضَاهَا. (وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُبْغِضَةً لِلرَّجُلِ) لِخُلُقِهِ، أَوْ خَلْقِهِ، أَوْ دِينِهِ، أَوْ كِبَرِهِ، أَوْ ضَعْفِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَتَخْشَى أَلَّا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ؛ وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا خَلْقٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؛ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهَا، وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَمْصَارِ، إِلَّا بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزْنِيَّ، فَإِنَّهُ لَمْ يُجِزْهُ، وَزَعَمَ أَنَّ آيَةَ الْخُلْعِ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو قِلَابَةَ: لَا يَحِلُّ الْخُلْعُ حَتَّى يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَدَعْوَى النَّسْخِ لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَثْبُتَ تَعَذُّرُ الْجَمْعِ، وَإنَّ الْآيَةَ النَّاسِخَةَ مُتَأَخِّرَةٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " و" الْفُرُوعِ "، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسَنُّ إِجَابَتُهَا إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهَا دَاعِيَةٌ إِلَى فُرْقَتِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ إِلَيْهَا مَيْلٌ وَمَحَبَّةٌ، فَيُسَنُّ صَبْرُهَا وَعَدَمُ افْتِدَائِهَا - نَصَّ عَلَيْهِ - وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي وُجُوبِهِ، وَأَلْزَمَ بَعْضُ حُكَّامِ الْمَقَادِسَةِ الْفُضَلَاءِ بِهِ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إِذَا كَرِهَتْهُ حَلَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا أَعْطَاهَا. (وَإِنْ خَالَعَتْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ: لِغَيْرِ سَبَبٍ مَعَ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ (كُرِهَ، وَوَقَعَ الْخُلْعُ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْأَكْثَرُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ) وَلَا يَصِحُّ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَخَلْقٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ حَرَّمَهُ، وَخُصُوصُ الْآيَةِ فِي التَّحْرِيمِ يَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى عُمُومِ آيَةِ الْجَوَازِ مَعَ مَا عَضَّدَهَا مِنَ الْأَخْبَارِ. فَرْعٌ: لَا يَفْتَقِرُ الْخُلْعُ إِلَى حَاكِمٍ - نَصَّ عَلَيْهِ - وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 يَجُوزُ، فَإِنْ عَضَلَهَا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ، وَالْعِوَضُ مَرْدُودٌ، وَالزَّوْجِيَّةُ بِحَالِهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا، فَيَقَعُ رَجْعِيًّا. وَيَجُوزُ الْخُلْعُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] وَعُثْمَانَ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى سُلْطَانٍ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: لَا يَجُوزُ إِلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ مَعَ أَنَّهُ قَطْعُ عَقْدٍ بِالتَّرَاضِي أَشْبَهَ الْإِقَالَةَ (فَإِنْ عَضَلَهَا) بِأَنْ ضَارَرَهَا بِالضَّرْبِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا ظُلْمًا، أَوْ مَنَعَهَا حَقَّهَا مِنَ النَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَنَحْوِهِ (لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ، وَالْعِوَضُ مَرْدُودٌ) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19] ؛ وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ أُكْرِهَتْ عَلَى بَذْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَانَ بَاطِلًا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ (وَالزَّوْجِيَّةُ بِحَالِهَا) ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْفُرْقَةِ الْخُلْعُ الصَّحِيحُ وَلَمْ يُوجَدْ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا فَيَقَعَ رَجْعِيًّا) أَيْ: إِذَا لَمْ يَمْلِكِ الْعِوَضَ، وَقُلْنَا: الْخُلْعُ طَلَاقٌ، وَقَعَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ فَلَهُ رَجْعَتُهَا؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا سَقَطَتْ بِالْعِوَضِ، فَإِذَا سَقَطَ الْعِوَضُ ثَبَتَتِ الرَّجْعَةُ - إِنْ كَانَ بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ نِيَّتِهِ - وَإِلَّا فَهُوَ لَغْوٌ، وَقِيلَ: يَقَعُ بَائِنًا إِنْ صَحَّ بِلَا عِوَضٍ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَقَعُ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ إِنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ رَدَّهُ وَوَقَعَ الْخُلْعُ عَلَيْهِ، إِذَا قُلْنَا: يَقَعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَعَلَى كَلَامِهِ يُسْتَثْنَى صُوَرٌ مِنْهَا: إِذَا ضَرَبَهَا لِتَرْكِهَا فَرْضًا، أَوْ عَلَى نُشُوزِهَا، أَوْ مَنَعَهَا حَقَّهَا مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يَحْرُمْ خَلْعُهَا، وَمِنْهَا: إِذَا ضَرَبَهَا لِسُوءِ خُلُقِهِ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْفِدَاءَ، لَمْ يَحْرُمْ خَلْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْضُلْهَا لِيَذْهَبَ بِبَعْضِ مَا آتَاهَا، وَهُوَ آثِمٌ بِالظُّلْمِ، وَمِنْهَا: إِذَا زَنَتْ فَعَضَلَهَا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ - جَازَ وَصَحَّ الْخُلْعُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّهْيِ إِبَاحَةٌ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَتْ: بِعْنِي عَبْدَكَ هَذَا وَطَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، فَفَعَلَ - صَحَّ، وَبُسِطَتِ الْأَلْفُ عَلَى الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى وَقِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْأَشْهَرِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 طَلَاقُهُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا، فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، دُفِعَ الْمَالُ إِلَى وَلِيِّهِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، دُفِعَ إِلَى سَيِّدِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ الْقَبْضُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَصِحُّ خَلْعُهُ، وَهَلْ لِلْأَبِ خَلْعُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ طَلَاقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ خَلْعُ ابْنَتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] [يَجُوزُ الْخُلْعُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ] (وَيَجُوزُ الْخُلْعُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا مَلَكَ الطَّلَاقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَبِالْعِوَضِ أَوْلَى، وَفِي الْمُمَيَّزِ وَجْهٌ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُنَجَّا أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَمِنَ السَّفِيهِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، فَصَحَّ خَلْعُهُ قِيَاسًا، وَيَصِحُّ مِنْ أَب صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، إِنْ صَحَّ طَلَاقُهُ عَلَيْهِمَا (فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ دُفِعَ الْمَالُ إِلَى وَلِيِّهِ) كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا دُفِعَ إِلَى سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لِلسَّيِّدِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَكْسَابِ عَبْدِهِ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا دُفِعَ الْعِوَضُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ الْقَبْضُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَصِحُّ خَلْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ أَحَدُ رُكْنَيِ الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَيَصِحُّ مِنْهُ قَبْضُ الْعِوَضِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ الْآخَرُ قِيَاسًا عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ قَبْضُ الْعَبْدِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ خُلْعُهُ صَحَّ قَبْضُهُ الْعِوَضَ، كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْعَبْدِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ سَلَّمَتِ الْعِوَضَ إِلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ، فَإِنْ أَخَذَهُ الْوَلِيُّ مِنْهُ بَرِئَتْ، وَإِنْ سَلَّمَتِ الْعَبْدَ بَرِئَتْ مُطْلَقًا، قَالَ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ " فِيهَا: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ دُونَ قَبْضِهِ (وَهَلْ لِلْأَبِ خَلْعُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ طَلَاقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَهُ ذَلِكَ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِعِوَضٍ، فَلِأَنْ يَصِحَّ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، لَا يُقَالُ: التَّزْوِيجُ إِدْخَالُ مِلْكٍ وَالْخُلْعُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ كَامِلُ الشَّفَقَةِ، فَلَا يَفْعَلُهُ إِلَّا لِمَصْلَحَةِ وَلَدِهِ فِيهِ، وَكَالْحَاكِمِ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بِالْإِعْسَارِ، وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ الْأَشْهَرُ -: لَا يَمْلِكُهُ وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ؛ وَلِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ لِحَقِّهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ كَالْإِبْرَاءِ وَإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ طَرِيقَ الشَّهْوَةِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْوِلَايَةِ، وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ كَذَلِكَ، وَكَذَا سَيِّدُ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ، وَالْأَظْهَرُ: جَوَازُهُ إِنْ رَآهُ مَصْلَحَةً (وَلَيْسَ لَهُ خَلْعُ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِسْقَاطَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 الصَّغِيرَةِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا، وَيَصِحُّ الْخُلْعُ مَعَ الزَّوْجَةِ، وَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَيَصِحُّ بَذْلُ الْعِوَضِ فِيهِ مِنْ كُلِّ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فَإِنْ خَالَعَتِ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهَا عَلَى شَيْءٍ   [المبدع في شرح المقنع] نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا وَبَدَلَ مَالِهَا، وَلَا حَظَّ لَهَا فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ، إِذَا رَأَى الْحَظَّ فِيهِ، كَتَخْلِيصِهَا مِمَّنْ يُتْلِفُ مَالَهَا، وَيَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَعَقْلِهَا، وَالْأَبُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إِذَا خَالَعُوا فِي حَقِّ الْمَجْنُونَةِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا خَالَعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، فَمِنَ الْوَلِيِّ أَوْلَى (وَيَصِحُّ الْخُلْعُ مَعَ الزَّوْجَةِ) إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً (وَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ) بِغَيْرِ رِضَا الْمَرْأَةِ - فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ يَبْذُلُ عِوَضًا فِي مُقَابَلَةِ مَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ فِي إِسْقَاطِ حَقٍّ عَنْ غَيْرِهِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، صَحَّ، وَلَزِمَهُ ثَمَنُهُ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ حَقًّا عَنْ أَحَدٍ، فَهُنَا أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى الْمَرْأَةِ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهَا بِعِوَضٍ، فَجَازَ لِغَيْرِهَا كَالدَّيْنِ، وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ، فَلَا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَتِ امْرَأَتُهُ: طَلِّقْنِي وَضَرَّتِي بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَهُمَا - وَقَعَ بِهِمَا بَائِنًا، وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ عَلَى مَا ذَكَرَتْهُ، وَإِنْ طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَ الْقَاضِي: تُطَلَّقُ بَائِنًا وَيُلْزِمُ الْبَاذِلَةَ بِحِصَّتِهَا مِنَ الْأَلْفِ، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِيمَا إِذَا قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً - أَنْ لَا يَلْزَمَ الْبَاذِلَةَ هُنَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجِبْهَا إِلَى مَا سَأَلَتْ، وَإِنْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَ ضَرَّتِي، أَوْ عَلَى أَنْ لَا تُطَلِّقَ ضَرَّتِي - فَالْخُلْعُ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطُ وَالْبَدَلُ لَازِمٌ. مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ فِي الْحَيْضِ وَطُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ فِيهِ ثَبَتَ دَفْعًا لِضَرَرِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَالْخُلْعُ يَنْدَفِعُ بِهِ ضَرَرُ سُوءِ الْعِشْرَةِ، وَهُوَ أَعْظَمُ وَأَدْوَمُ، فَكَانَ رَفْعُهُ أَوْلَى، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَفِي " الْوَاضِحِ " فِيهِ رِوَايَتَانِ. (وَيَصِحُّ بَذْلُ الْعِوَضِ فِيهِ مِنْ كُلِّ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) ؛ لِأَنَّهُ بَذْلُ عِوَضٍ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 مَعْلُومٍ كَانَ فِي ذِمَّتِهَا يُتْبِعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِنْ خَالَعَتْهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا، لَمْ يَصِحَّ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: طَلِّقْ بِنْتِي وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِهَا، فَطَلَّقَ - بَانَتْ، وَلَمْ يَبْرَأْ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ، نَصَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ إِبْرَاءَ الْأَبِ صَحِيحٌ. فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ إِبْرَاءَ الْأَبِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لَمْ يَرْجِعْ، وَطَلَاقُهُ رَجْعِيٌّ، وَقَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ". وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَبْرَأْتَنِي أَنْتَ مِنْهُ، فَهِيَ طَالِقٌ، فَقَالَ: قَدْ أَبْرَأْتُكَ مِنْهُ - طُلِّقَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ إِبْرَاءَ الْأَبِ صَحِيحٌ. فَأَمَّا إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَقَوْلَانِ: فَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُهَا بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهَا، وَعَلَيَّ دَرْكُهُ فَطَلَّقَهَا - بَانَتْ، وَغَرَّمَهُ الْأَبُ، وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهَا (فَإِنْ خَالَعَتِ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهَا) فَالْخُلْعُ صَحِيحٌ، قَطَعَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي كُتُبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، فَمَعَ الزَّوْجَةِ أَوْلَى. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَالْمَجْدُ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهَا كَالْبَيْعِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالْخُلْعُ يُفَارِقُ الْبَيْعَ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ عَلَى الْمَجْهُولِ، وَعَلَى غَيْرِ عِوَضٍ عَلَى قَوْلٍ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهَا، لَا عَلَى عَيْنٍ فِي يَدِهَا كَالْبَيْعِ (عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ كَانَ فِي ذِمَّتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ (يُتْبِعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ "؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَمْلِكُ فِيهِ، وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ أَوْ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، فَإِنْ كَانَ عَلَى عَيْنٍ فِي يَدِهَا فَكَذَلِكَ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا أَمَةٌ، فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْعَيْنَ، كَمَا لَوْ قَالَ: خَالَعْناكِ عَلَى هَذَا الْحُرِّ، فَيَكُونُ رَاضِيًا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَمُقْتَضَاهُ بُطْلَانُ الْخُلْعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَهُوَ صَحِيحٌ، كَاسْتِدَانَتِهَا، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي قَدْرٍ مِنَ الْمَالِ فَخَالَعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ - فَالزِّيَادَةُ فِي ذِمَّتِهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ اقْتَضَى الْخُلْعَ بِالْمُسَمَّى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 الْخُلْعُ، وَوَقَعَ طَلَاقُهُ رَجْعِيًّا. وَالْخُلْعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ، إِلَّا أَنْ يَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، أَوِ الْفَسْخِ، أَوِ الْمُفَادَاةِ، وَلَا يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ، فَيَكُونُ فَسْخًا لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فِي إِحْدَى   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: الْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ الْقِنِّ، سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ خَالَعَتْهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا) لِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ (لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا إِذَنْ لَهُ فِي التَّبَرُّعَاتِ، وَالْأَظْهَرُ: الصِّحَّةُ مَعَ الْإِذْنِ لِمَصْلَحَةٍ - وعَلَى مَا ذَكَرَهُ (وَوَقَعَ طَلَاقُهُ رَجْعِيًّا) ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَا عِوَضَ لَهُ، فَوَجَبَ وُقُوعُهُ رَجْعِيًّا؛ لِسَلَامَتِهِ عَمَّا يُنَافِيهِ، وَهَذَا إِذَا وَقَعَ الْخُلْعُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ نَوَاهُ بِهِ. فَأَمَّا إِنْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْفَسْخِ أَوِ الْمُفَادَاةِ - وَلَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا - فَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعَ الْخُلْعُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَضِيَ بِهِ بِعِوَضٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ، وَلَا أَمْكَنَ الرُّجُوعُ بِبَذْلِهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ، فَإِنْ كَانَ بِهَا لَمْ يَقَعْ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ لَا رَجْعَةَ مَعَهَا، فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا لِفَلَسٍ فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إِذْنِ غُرَمَائِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنَ التَّبَرُّعِ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ؛ وَلِهَذَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهَا فِي ذِمَّتِهَا، بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا لِحَظِّ نَفْسِهَا. [أَلْفَاظُ الْخُلْعِ] (وَالْخُلْعُ) لَهُ صَرِيحٌ، وَهُوَ لَفْظُ الْخُلْعِ، وَالْمُفَادَاةِ وَكَذَا الْفَسْخُ فِي الْأَشْهَرِ، وَكِنَايَةٌ: وَهُوَ الْإِبَانَةُ وَالتَّبْرِئَةُ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": صَرِيحَهُ الْخُلْعُ، أَوِ الْفَسْخُ، أَوِ الْفِدَاءُ، أَوْ بَارَئْتُكِ (طَلَاقٌ) أَيْ: إِذَا وَقَعَ بِغَيْرِ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِوُجُودِ صَرِيحِهِ أَوْ كِنَايَتِهِ مُقْتَرِنَةً بِالنِّيَّةِ (بَائِنٌ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَإِنَّمَا يَكُونُ فِدَاءً إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قَبْضَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَائِنًا لَكَانَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَكَانَتْ تَحْتَ حُكْمِهِ وَقَبْضَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إِزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْهَا، فَلَوْ جَازَتِ الرَّجْعَةُ لَعَادَ الضَّرَرُ (إِلَّا أَنْ يَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوِ الْفَسْخِ أَوِ الْمُفَادَاةِ، وَلَا يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَيَكُونُ فَسْخًا لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَهِيَ أَظْهَرُهُمَا، وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ثُمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَقَعُ بِالْمُعْتَدَّةِ مِنَ الْخُلْعِ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 230] فَذَكَرَ طَلْقَتَيْنِ، وَالْخُلْعَ، وَتَطْلِيقَهُ بَعْدَهُمَا، فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ أَرْبَعًا؛ وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ خَلَتْ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ، فَكَانَتْ فَسْخًا كَسَائِرِ الْفُسُوخِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَيْهِ دَلَّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ، وَمُرَادُهُ: مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْتُ أَبِي كَانَ يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ صَحَّ عَنْهُ: مَا أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْخُلْعَ تَفْرِيقٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ. (وَفِي الْأُخْرَى هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ بِكُلِّ حَالٍ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عُثْمَانَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالْأَكْثَرُ، لَكِنْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسْخٌ؛ وَلِأَنَّهَا بَذَلَتِ الْعِوَضَ لِلْفُرْقَةِ، وَالْفُرْقَةُ الَّتِي يَمْلِكُ الزَّوْجُ إِيقَاعَهَا هِيَ الطَّلَاقُ دُونَ الْفَسْخِ؛ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِكِنَايَةِ الطَّلَاقِ قَاصِدًا فِرَاقَهَا، فَكَانَ طَلَاقًا كَغَيْرِ الْخُلْعِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ: أَنَّهُ إِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ طَلَاقٌ، حُسِبَ وَنَقُصَ بِهِ عَدَدُ طَلَاقِهِ، وَإِنْ قِيلَ: هُوَ فَسْخٌ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَالَعَهَا بِمِائَةِ مَرَّةٍ، وَتُعْتَبَرُ الصِّيغَةُ مِنْهُمَا، فَيَقُولُ: خَلَعْتُكِ عَلَى كَذَا، وَتَقُولُ: هِيَ قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ، وَتَصِحُّ تَرْجَمَةُ خُلْعٍ بِكُلِّ لَفْظِ طَلَاقٍ مِنْ أَهْلِهَا. فَرْعٌ: لَا يَحْصُلُ الْخُلْعُ بِمُجَرَّدِ بَذْلِ الْمَالِ وَقَبُولِهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الزَّوْجِ، قَالَ الْقَاضِي: ذَهَبَ إِلَيْهِ شُيُوخُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَذَهَبَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبُرِيُّ وَابْنُ شِهَابٍ إِلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِقَبُولِ الزَّوْجِ الْعِوَضَ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ شِهَابٍ بِعُكْبُرَا، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ هُرْمُزٍ، نَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: كَيْفَ الْخُلْعُ؛ قَالَ: إِذَا أَخَذَ الْمَالَ فَهِيَ فُرْقَةٌ، وَعَنْ عَلِيٍّ: مَنْ قَبِلَ مَالًا عَلَى فِرَاقٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الْبُضْعِ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يَصِحَّ بِدُونِ اللَّفْظِ، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ قَبْضٌ لِعِوَضٍ، فَلَمْ يَقُمْ بِمُجَرَّدِهِ مَقَامَ الْإِيجَابِ، كَقَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْبَيْعِ، وَلَعَلَّ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 طَلَاقٌ، وَلَوْ وَاجَهَهَا بِهِ، وَإِنْ شَرَطَ الرَّجْعَةَ فِي الْخُلْعِ، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: يَصِحُّ الشَّرْطُ، وَيَبْطُلُ الْعِوَضُ. فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إِلَّا بِعِوَضٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ خَالَعَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَلَا يَقَعُ بِالْمُعْتَدَّةِ مِنَ الْخُلْعِ طَلَاقٌ، وَلَوْ وَاجَهَهَا بِهِ) بِأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أخبرنا مُسْلِمٌ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، كَالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِلَّا إِنْ قُلْنَا: هُوَ طَلْقَةٌ، وَيَكُونُ بِلَا عِوَضٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَإِنْ شَرَطَ الرَّجْعَةَ فِي الْخُلْعِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " كَشَرْطِ الْخِيَارِ؛ وَلِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَفْسُدُ بِالْعِوَضِ الْفَاسِدِ، فَلَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالنِّكَاحِ (وَفِي الْآخَرِ: يَصِحُّ الشَّرْطُ، وَيَبْطُلُ الْعِوَضُ) أَيْ: فَيَقَعُ رَجْعِيًّا بِلَا عِوَضٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِوَضِ وَالرَّجْعَةِ يَتَنَافَيَانِ، فَيَسْقُطَانِ، وَيَبْقَى مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ، فَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِالْأَصْلِ لَا بِالشَّرْطِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْقَاضِي: يَسْقُطُ الْمُسَمَّى فِي الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ عِوَضًا حَتَّى ضُمَّ إِلَيْهِ الشَّرْطُ، فَإِذَا سَقَطَ الشَّرْطُ، فَيَصِيرُ مَجْهُولًا، فَيَسْقُطُ، وَيَجِبُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ الْمُسَمَّى فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُمَا تَرَاضَيَا بِهِ عِوَضًا، فَلَمْ يَجِبْ غَيْرُهُ، كَمَا لَوْ خَلَا عَنْ شَرْطِ الرَّجْعَةِ. فَرْعٌ: إِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْخُلْعِ، بَطَلَ الشَّرْطُ، وَصَحَّ الْخُلْعُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ فِي الْبَيْعِ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ، وَمَتَى وَقَعَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى رَفْعِهِ. [لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إِلَّا بِعِوَضٍ] فَصْلٌ (وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إِلَّا بِعِوَضٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 يَقَعْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا، فَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَالْأُخْرَى: يَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، فَإِنْ فَعَلَ، كُرِهَ، وَصَحَّ، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ رُكْنٌ فِيهِ، فَلَمْ يَصِحَّ تَرْكُهُ كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ (فَإِنْ خَالَعَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، لَمْ يَقَعْ) ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ دَلِيلُهُ لِلْبَيْعِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا) دُونَ الثَّلَاثِ (فَيَقَعُ رَجْعِيًّا) ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَا عِوَضَ فِيهِ، فَكَانَ رَجْعِيًّا كَغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ كِنَايَةً عَنِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ إِنْ كَانَ فَسْخًا فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ فَسْخَ النِّكَاحِ إِلَّا لِعَيْبِهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: فَسَخْتُ النِّكَاحَ، وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ - لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، بِخِلَافِ مَا إِذَا دَخَلَهُ الْعِوَضُ، فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ (وَالْأُخْرَى: يَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ) وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلنِّكَاحِ، فَصَحَّ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ كَالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْخُلْعِ أَنْ يُوجَدَ مِنَ الْمَرْأَةِ رَغْبَةٌ عَنْ زَوْجِهَا، فَإِذَا سَأَلَتْهُ الْفِرَاقَ، فَأَجَابَهَا إِلَيْهِ - حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخُلْعِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بِعِوَضٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا خِلَافَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْخُلْعَ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ، فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ طَلَاقٌ، يَمْلِكُ بِهِ الرَّجْعَةَ، وَلَا يَكُونُ فَسْخًا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُؤَالِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْكَافِي "، وَالْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّ خَالَعَ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ، وَهِيَ لِلْمُشَارَكَةِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": أَنَّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ: فَسَخَتْ، أَوْ خَلَعَتْ إِذَا قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ بِمُجَرَّدِهِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى سُؤَالٍ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ. فَرْعٌ: تَبِينُ بِالْخُلْعِ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، فَلَا يَمْلِكُ رَجَعَتْهَا إِلَّا بِشَرْطٍ كَالْبَيْعِ. (وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ زَوْجَتِهِ حَدِيقَتَهُ، وَلَا يَزْدَادُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّهُ بَذْلٌ فِي مُقَابَلَةِ فَسْخٍ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْرِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَالْإِقَالَةِ (فَإِنْ فَعَلَ، كُرِهَ، وَصَحَّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ، وَيَرُدُّ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ خَالَعَهَا بِمُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ، وَالْحُرِّ - فَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَبَانَ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا - فَلَهُ قِيمَتُهُ عَلَيْهَا، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَوِ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمِيرَاثِهَا وَعِقَاصِ رَأْسِهَا كَانَ جَائِزًا. وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ «أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا» وَفِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْكَرَاهَةِ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، قَالَتْ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ: اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي بِمَا دُونَ عِقَاصِ رَأْسِي، فَأَجَازَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَاشْتُهِرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ؛ وَلِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثَابِتًا أَنْ لَا يَزْدَادَ، وَأَمْرُهُ لِلْوُجُوبِ (وَيَرُدُّ الزِّيَادَةَ) ؛ لِعَدَمِ جَوَازِهَا (وَإِنْ خَالَعَهَا بِمُحَرَّمٍ) يَعْلَمَانِهِ (كَالْخَمْرِ، وَالْحُرِّ - فَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ يَدُلُّ عَلَى رِضَا فَاعِلِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ لَا يُقَالُ: هَلَّا يَصِحُّ الْخُلْعَ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِزَوْجِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، فَإِذَا رَضِيَ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا، أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ فَعَلَتْهُ، وَفَارَقَ النِّكَاحَ، فَإِنَّ وُصُولَ الْبُضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ إِذَا خَالَعَهَا بِمُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَجَّانًا، وَاقْتَضَى أَنَّهُمَا إِذَا لَمْ يَعْلَمَا الْمُحَرَّمَ أَنَّ لَهُ قِيمَتَهُ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَغَيْرِهَا. فَرْعٌ: إِذَا تَخَالَعَ كَافِرَانِ بِمُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ لَغَا، وَقِيلَ: لَهُ قِيمَتُهُ، وَقِيلَ مَهْرُ مِثْلِهَا. (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَبَانَ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا - فَلَهُ قِيمَتُهُ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْنٌ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا مَعَ سَلَامَتِهَا، فَوَجَبَ بَدَلُهَا مَعَ تَعَذُّرِهَا كَالْمَغْصُوبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ عِوَضٍ مُتَقَوِّمٍ، فَيَرْجِعُ بِحُكْمِ الْغُرُورِ، وَيَجِبُ مِثْلُهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، فَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى دِنِّ خَلٍّ، فَبَانَ خَمْرًا - رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّ الْخَلَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَقِيلَ: تَرْجِعُ بِقِيمَةِ مِثْلِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 بَانَ مَعِيبًا، فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَيَرُدُّهُ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ عَامَيْنِ أَوْ سُكْنَى دَارٍ، صَحَّ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ، أَوْ خَرِبَتِ الدَّارُ - رَجَعَ بِأُجْرَةِ بَاقِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ خَالَعَ الْحَامِلَ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا، صَحَّ وَسَقَطَتْ.   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْبُضْعِ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ، أَشْبَهَ النِّكَاحَ بِخَمْرٍ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهَا عَيْنٌ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا مَعَ سَلَامَتِهَا، وَبَقَاءِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَوَجَبَ بَدَلُهَا مُقَدَّرًا بِقِيمَتِهَا أَوْ مِثْلِهَا كَالْمَغْصُوبِ. (فَإِنْ بَانَ مَعِيبًا، فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَيَرُدُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي مُعَاوَضَةٍ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ، كَالْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهَا: اخْلَعْنِي عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، فَيَقُولُ: خَلَعْتُكِ، ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ، فَهَذَا يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أَخْذِ أَرْشِهِ، أَوْ رَدِّهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الثَّوْبَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ - طُلِّقَتْ وَمَلِكَهُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَيْهِ (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ عَامَيْنِ) أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً - صَحَّ، قَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْخُلْعِ، فَفِيهِ أَوْلَى، فَلَوْ خَالَعَهَا مِنْ إِرْضَاعِ وَلَدِهِ مُطْلَقًا - صَحَّ، وَانْصَرَفَ إِلَى مَا بَقِيَ مِنَ الْحَوْلَيْنِ أَوْ هُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ (أَوْ سُكْنَى دَارٍ) مُعَيَّنَةٍ، وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ كَالْإِجَارَةِ (صَحَّ) وَكَذَا إِذَا خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الطِّفْلِ أَوْ كَفَالَتِهِ (فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ، أَوْ خَرِبَتِ الدَّارُ - رَجَعَ بِأُجْرَةِ بَاقِي الْمُدَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَاقِي أُجْرَةِ الْمُدَّةِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ دَابَّةً شَهْرًا بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ مَاتَ فِي نِصْفِهِ، وَفِي الْكَفَالَةِ بِقِيمَةِ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ، وَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ دُفْعَةً أَوْ يَوْمًا بِيَوْمٍ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَسْتَحِقُّهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ "، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِبَقِيَّةِ ذَلِكَ، وَالثَّانِي: يَسْتَحِقُّهُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَنَجَّمًا، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ مُعَجَّلًا، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ إِلَيْهِ فِي خُبْزٍ يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً، فَمَاتَ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِبَاقِي الْمُدَّةِ فِي الْكُلِّ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بَدَلَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ يَكْفُلُهُ، فَأَبَتْ، أَوْ أَرَادَتْهُ هِيَ، فَأَبَى - لَمْ يَلْزَمَا، وَكَذَا نَفَقَتُهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً إِذَا مَاتَ، وَالْأَشْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ نَفَقَتَهَا وَصِفَتَهَا، بَلْ يَرْجِعُ إِلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَكَذَا مَوْتُ مُرْضِعَةٍ أَوْ جَفَافُ لَبَنِهَا فِي أَثْنَائِهَا. (وَإِنْ خَالَعَ الْحَامِلَ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا، صَحَّ وَسَقَطَتْ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَامِلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 فَصْلٌ وَيَصِحُّ الْخُلْعُ بِالْمَجْهُولِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصِحُّ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِذَا خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَوْ مَا فِي بَيْتِهَا مِنَ الْمَتَاعِ، فَلَهُ مَا فِيهِمَا،   [المبدع في شرح المقنع] مُقَدَّرَةٌ وَاجِبَةٌ بِالشَّرْعِ، فَهُوَ كَالْخُلْعِ عَلَى الرَّضَاعِ؛ وَلِأَنَّهَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَهَا وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ، فَلَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهَا إِحْدَى النَّفَقَتَيْنِ، فَصَحَّتِ الْمُخَالَعَةُ كَنَفَقَةِ الصَّبِيِّ، وَقِيلَ: إِنْ وَجَبَتِ النَّفَقَةُ بِالْعَقْدِ وَإِلَّا فَهُوَ خُلْعٌ بِمَعْدُومٍ. فَرْعٌ: إِذَا خَالَعَ حَامِلًا مِنْهُ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا لِلْوَلَدِ حَتَّى تَفْطِمَهُ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: إِذَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا، وَلَهَا وَلَدٌ - فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ إِذَا فَطَمَتْهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِمَّا يَجِبُ لَهَا مِنَ النَّفَقَةِ، فَإِذَا فَطَمَتْهُ فَلَهَا طَلَبُهُ بِنَفَقَتِهِ، وَكَذَا السُّكْنَى. مَسْأَلَةٌ: الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ كَالْعِوَضِ فِي الصَّدَاقِ وَالْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ، وَلَمْ يَمْلِكِ التَّصَرُّفَ فِيهِ إِلَّا بِقَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ الْخُلْعِ، وَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. [الْخُلْعُ بِالْمَجْهُولِ] فَصْلٌ (وَيَصِحُّ الْخُلْعُ بِالْمَجْهُولِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعْنًى يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ الْعِوَضَ الْمَجْهُولَ كَالْوَصِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْخُلْعَ إِسْقَاطٌ لِحَقِّهِ مِنِ الْبُضْعِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ شَيْءٍ، وَالْإِسْقَاطُ تَدْخُلُهُ الْمُسَامَحَةُ؛ وَلِذَلِكَ جَازَ بِغَيْرِ عِوَضٍ - عَلَى رِوَايَةٍ، (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصِحُّ) وَإِنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، فَلَمْ يَصِحَّ بِالْمَجْهُولِ كَالْبَيْعِ (وَالتَّفْرِيعِ عَلَى الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِثَمَنٍ - قَوْلًا وَاحِدًا، بِخِلَافِ الْخُلْعِ عَلَى قَوْلٍ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ فِي ظَاهِرِ نَصِّهِ الْمُسَمَّى (فَإِذَا خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ مَا فِي بَيْتِهَا مِنَ الْمَتَاعِ، فَلَهُ مَا فِيهِمَا) إِذَا كَانَ فِيهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُخَالَعُ عَلَيْهِ، وَجَهَالَتُهُ لَا تَضُرُّ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى صِحَّةِ الْخُلْعِ بِالْمَجْهُولِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا شَيْءٌ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَأَقَلُّ مَا سُمِّيَ مَتَاعًا، وَقَالَ الْقَاضِي: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِصَدَاقِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى حَمْلِ أَمَتِهَا أَوْ مَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهَا، فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَحْمِلَا، فَقَالَ أَحْمَدُ: تُرْضِيهِ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا   [المبدع في شرح المقنع] يَدِهَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَهُوَ احْتِمَالٌ حَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي الْيَدِ، وَالثَّانِي: لَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِيهَا. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا شَيْءٌ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَأَقَلُّ مَا سُمِّيَ مَتَاعًا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الدَّرَاهِمِ وَالْمَتَاعِ حَقِيقَةً (وَقَالَ الْقَاضِي) وَأَصْحَابُهُ (يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِصَدَاقِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ) ؛ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِ الْبُضْعَ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِوَضُ؛ لِجَهَالَتِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهَا قِيمَةُ مَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّدَاقُ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُها وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ: صِحَّةُ الْخُلْعِ بِالْمُسَمَّى، لَكِنْ يَجِبُ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ لِمَا تَبَيَّنَ عَدَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَّتْهُ كَحَمْلِ الْأَمَةِ. الثَّانِي: صِحَّتُهُ بِمَهْرِهَا فِيمَا يَجْهَلُ حَالًا وَمَآلًا، فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ رَجَعَ إِلَى مَهْرِهَا، وَقِيلَ: إِذَا لَمْ تَغُرُّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. الثَّالِثُ: فَسَادُ الْمُسَمَّى وَصِحَّةُ الْخُلْعِ بِمَهْرِهَا. الرَّابِعُ: بُطْلَانُ الْخُلْعِ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ. الْخَامِسُ: بُطْلَانُهُ بِالْمَعْدُومِ وَقْتَ الْعَقْدِ كَمَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهُ وَصِحَّتُهُ مَعَ الْوُجُودِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا، ثُمَّ هَلْ يَجِبُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرٌ أَوِ الْفَرْقُ؛ قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى حَمْلِ أَمَتِهَا أَوْ مَا تَحْمِلُ شَجَرَتَهَا، فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ: مَا تَحْمِلَانِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَالَعُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مَعْدُومًا، إِذْ لَا أَثَرَ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِحَمْلِ الْأَمَةِ مَا تَحْمِلُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ، فَإِنْ لَمْ تَحْمِلَا، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ حَمْلِ الْأَمَةِ وَحَمْلِ الشَّجَرَةِ (فَإِنْ لَمْ تَحْمِلَا، فَقَالَ أَحْمَدُ: تُرْضِيهِ بِشَيْءٍ) لِئَلَّا يَخْلُوَ الْخُلْعُ عَنْ عِوَضٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " قَوْلُ أَحْمَدَ: تُرْضِيهِ بِشَيْءٍ أَنَّ لَهُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَمْلِ وَالثَّمَرَةِ، فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا شَيْءَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْحَمْلِ، وَلَا حَمْلَ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَقَدَّرَهُ بِتَقْدِيرٍ يَرْجِعُ إِلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَلَهُ أَقَلُّ مَا يُسَمَّى عَبْدًا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ بِأَيِّ عَبْدٍ أَعْطَتْهُ طَلَاقًا بَائِنًا، وَمَلَكَ الْعَبْدَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا عَبْدٌ وَسَطٌ فِيهِمَا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الْعَبْدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ - طُلِّقَتْ، وَإِنْ خَرَجَ مَعِيبًا، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ خَرَجَ مَغْصُوبًا، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَلَيْهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الدَّرَاهِمِ وَالْمَتَاعِ، أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّرَاهِمِ وَالْمَتَاعِ أَوْهَمَتْهُ أَنَّ مَعَهَا دَرَاهِمَ، وَفِي بَيْتِهَا مَتَاعٌ؛ لِأَنَّهَا خَاطَبَتْهُ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْوُجُودَ مَعَ إِمْكَانِ عِلْمِهَا بِهِ، فَكَانَ لَهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهَا، كَمَا لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى عَبْدٍ فَوَجَدَ حُرًّا، وَفِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ دَخَلَ مَعَهَا فِي الْعَقْدِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلْمِ فِي الْحَالِ، وَرِضَاهُمَا بِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ غَيْرَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى هَذَا الْحُرِّ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ الْمُسَمَّى (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ فَلَهُ أَقَلُّ مَا يُسَمَّى عَبْدًا) أَيْ: يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى مُسَمًّى مَجْهُولٍ، فَكَانَ لَهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا مِنَ الدَّرَاهِمِ، فَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى عَبِيدٍ فَلَهُ ثَلَاثَةٌ - فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ - كَمَسْأَلَةِ الدَّرَاهِمِ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ بِأَيِّ عَبْدٍ أَعْطَتْهُ طَلَاقًا بَائِنًا، وَمَلَكَ الْعَبْدَ، نَصَّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَطِيَّةُ عَبْدٍ، وَقَدْ وُجِدَ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى عِوَضٍ، وَيَمْلِكُ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ خُرُوجِ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِهِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا عَبْدٌ وَسَطٌ فِيهِمَا) كَالصَّدَاقِ، وَتَأَوَّلَ كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهَا تُعْطِيهِ عَبْدًا وَسَطًا، وَعَلَى قَوْلِهِ إِنْ أَعْطَتْهُ مَعِيبًا أَوْ دُونَ الْوَسَطِ - فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ أَعْطَتْهُ مُدَبَّرًا أَوْ مُعْتَقًا بَعْضُهُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْقِنِّ فِي التَّمْلِيكِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ حُرًّا أَوْ مَغْصُوبًا، أَوْ مَرْهُونًا، لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ إِنَّمَا تَتَنَاوَلُ مَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": لَوْ بَانَ حُرًّا أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ مُكَاتَبًا، بَانَتْ، وَلَهُ الْقِيمَةُ، وَقِيلَ: لَا تُطَلَّقُ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الْعَبْدَ) أَوِ الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ (فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ - طُلِّقَتْ) ؛ لِتَحَقُّقْ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَيَقَعُ بَائِنًا، (وَإِنْ خَرَجَ مَعِيبًا) أَوْ مَرْوِيًّا (فَلَا شَيْءَ لَهُ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: إِنْ مَلَكْتُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ مَلَكَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ قِيمَتِهِ بِالصِّفَةِ سَلِيمًا، أَوْ أَخْذُ أَرْشِهِ، كَمَا لَوْ قَالَتْ: اخْلَعْنِي عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، فَخَلَعَهَا، وَفِي " التَّرْغِيبِ " فِي رُجُوعِهِ بِأَرْشِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 يَقَعِ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَعَنْهُ: يَقَعُ، وَلَهُ قِيمَتُهُ، وَكَذَلِكَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي ثَوْبًا هَرَوِيًّا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ مَرْوِيًّا - لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَجْهَانِ، وَأَنَّهُ لَوْ بَانَ مُبَاحَ الدَّمِ بِقَصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقُتِلَ، فَذَكَرَ الْقَاضِي - وَهُوَ الْمَذْهَبُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ بِأَرْشِ عَيْبِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا: يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ (وَإِنْ خَرَجَ مَغْصُوبًا) أَوْ حُرًّا (لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ إِنَّمَا تَتَنَاوَلُ مَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَطِيَّةً لَهُ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الطَّلَاقِ (وَعَنْهُ: يَقَعُ، وَلَهُ قِيمَتُهُ) ، جَزَمَ بِهِ فِي " الرَّوْضَةِ " وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِالْبُضْعِ، فَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ، فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ بِعَطِيَّةِ الْمَغْصُوبِ وَالْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ هُنَا التَّمْلِيكُ، بِدَلِيلِ حُصُولِهِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْعَبْدُ مَمْلُوكًا لَهَا (وَكَذَلِكَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا) ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ مَعْنًى، فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَا حُكْمًا. فَرْعٌ: إِذَا خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ مَعِيبًا - بَانَتْ، وَلَهُ طَلَبُ عَبْدٍ سَلِيمٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ قِيمَتَهُ لَزِمَهُ قَبُولُهَا، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ - لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ: بَلَى، وَعَلَيْهَا قِيمَتُهُ، فَإِنْ بَاعَتَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ، فَعَلَيْهَا قِيمَتُهُ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْبَيْعُ. (وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي ثَوْبًا هَرَوِيًّا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ مَرْوِيًّا - لَمْ تُطَلَّقْ) ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الَّتِي عُلِّقَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ لَمْ تُوجَدْ، وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى مَرْوِيٍّ فِي الذِّمَّةِ، فَأَتَتْهُ بِهَرَوِيٍّ - صَحَّ، وَخُيِّرَ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى ثَوْبٍ عَلَى أَنَّهُ قُطْنٌ فَبَانَ كَتَّانًا - رَدَّهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِمْسَاكُهُ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى عَطِيَّتِهَا إِيَّاهُ فَمَتَى أَعْطَتْهُ عَلَى صِفَةٍ يُمْكِنُهُ الْقَبْضُ - وَقَعَ الطَّلَاقُ، سَوَاءٌ قَبَضَهُ مِنْهَا أَوْ لَا، فَإِنْ هَرَبَ الزَّوْجُ، أَوْ غَابَ قَبِلَ عَطِيَّتِهَا، أَوْ قَالَتْ: يَضْمَنُهُ لَكَ زَيْدٌ، أَوْ أَجْعَلُهُ قَصَاصًا بِمَا لِي عَلَيْكَ، أَوْ أَحَالَتْهُ بِهِ - لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَوْضِعٍ تَعَذَّرَ الْعَطِيَّةُ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعَذُّرُ مِنْ جِهَتِهَا، أَوْ مِنْ جِهَتِهِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِمَا؛ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ. وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَهَا - اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ، وَبَانَتْ، وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ تَعْلِيقًا عَلَى شَرْطٍ بِخِلَافٍ الْأَوَّلِ. فَرْعٌ: إِذَا تَخَالَعَا عَلَى حُكْمِ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ بِمِثْلِ مَا خَالَعَ بِهِ زِيدٌ زَوْجَتَهُ - صَحَّ بِالْمُسَمَّى، وَقِيلَ: بَلْ بِمَهْرِهَا، وَقِيلَ: بَلْ بِمَهْرِ مِثْلِهَا (وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى هَرَوِيٍّ، فَبَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 هَرَوِيٍّ، فَبَانَ مَرْوِيًّا - فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ إِنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى عَيْنِهِ. فَصْلٌ إِذَا قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي، أَوْ إِذَا أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ - كَانَ عَلَى التَّرَاخِي، أَيْ: وَقْتَ أَعْطَتْهُ أَلْفًا، طُلِّقَتْ وَإِنْ قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] مَرْوِيًّا - فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (وَإِمْسَاكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْجِنْسِ، وَلِأَنَّ مُخَالَفَةَ الصِّفَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي جَوَازِ الرَّدِّ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ إِنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى عَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ وَاقِعٌ عَلَى عَيْنِهِ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْخُلْعَ وَاقِعٌ عَلَى غَيْرِ الْعَيْنِ، وَفِي اشْتِرَاطِ وُقُوعِ الْخُلْعِ عَلَى عَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ يَنْفِيهِ، وَيُؤْذِنُ بِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ عَامٌّ، إِذْ لَوْ كَانَ خَاصًّا بِالْخُلْعِ عَلَى عَيْنِ الثَّوْبِ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِرَاطِ وُقُوعِ الْخُلْعِ عَلَى الْعَيْنِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ فَائِدَةٌ. [إِذَا قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ] فَصْلٌ (إِذَا قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي، أَوْ إِذَا أَعْطَيْتِنِي، أَوْ مَتَى أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ - كَانَ عَلَى التَّرَاخِي، أَيْ: وَقْتَ أَعْطَتْهُ أَلْفًا، طُلِّقَتْ) بَائِنًا وَمَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي كَسَائِرِ التَّعَالِيقِ، فَلَوْ نَوَيَا صِنْفًا مِنْهَا حُمِلَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَطْلَقَا، حُمِلَ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقَعُ بِدَفْعِهَا عَدَدًا نَاقِصَةَ الْوَزْنِ كَدَفْعِ نَقْرَةٍ زِنَتُهَا أَلْفٌ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الْمَضْرُوبَةُ الْوَازِنَةُ، وَقِيلَ: يَكْفِي عَدَدٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِلَا وَزْنٍ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَتُطَلَّقُ إِذَا أَعْطَتْهُ وَازِنَةً بِإِحْضَارِهِ وَلَوْ كَانَتْ نَاقِصَةً فِي الْعَدَدِ وَإِذْنُهَا فِي قَبْضِهِ، وَإِنْ دَفَعَتْ إِلَيْهِ مَغْشُوشَةً تَبْلُغُ فِضَّتُهَا أَلْفًا، طُلِّقَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ قَبْضُهُ كَمَا فِي " الْمُنْتَخَبِ " و" الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِمَا، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهَانِ فِي: إِنْ أَقَبَضْتِنِي، فَأَحْضَرَتْهُ وَلَمْ تُقْبِضْهُ، فَلَوْ قَبَضَهُ فَهَلْ يَمْلِكُهُ فَيَقَعُ بَائِنًا أَوْ لَا فَيَقَعُ رَجْعِيًّا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، ظَاهِرُهُ: أَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَنَّهَا تُطَلَّقُ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ - إِذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ إِعْطَاءٌ عُرْفًا، بِدَلِيلٍ أَعْطَتْهُ فَلَمْ يَأْخُذْ، وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ؛ لِأَنَّهُ إِنْ حَمَلَ الْإِعْطَاءُ عَلَى الْإِقْبَاضِ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تُطَلَّقَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهِ مَعَ التَّمْلِيكِ، فَلَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ بِمُجَرَّدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 عَلَى أَلْفٍ، أَوْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ، فَفَعَلَ، بَانَتْ، وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ، وَإِنْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، اسْتَحَقَّهَا. وَإِنْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَيُحْتَمَلْ أَنْ يَسْتَحِقَّ ثُلُثَ الْأَلْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ   [المبدع في شرح المقنع] فِعْلِهَا، وَالتَّعْلِيقُ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ لُزُومًا لَا سَبِيلَ إِلَى دَفْعِهِ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ كَالْكِتَابَةِ عِنْدَهُ، وَوَافَقَ عَلَى شَرْطٍ مَحْضٍ كَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ (وَإِنْ قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ) أَوْ طَلِّقْنِي وَلَكَ أَلْفٌ (فَفَعَلَ) عَلَى الْفَوْرِ - وَقِيلَ: أَوِ التَّرَاخِي - جُزِمَ بِهِ فِي " الْمُنْتَخَبِ " وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ: فِي الْمَجْلِسِ (بَانَتْ) ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْمُقَابَلَةِ، وَعَلَى فِي مَعْنَاهَا، وَيَكْفِي قَوْلُهُ: خَلَعْتُكِ أَوْ طَلَّقْتُكِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْأَلْفَ فِي الْأَصَحِّ (وَاسْتَحَقَّ) الْمُجِيبُ (الْأَلْفَ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا جُعِلَ الْأَلْفُ فِي مُقَابَلَتِهِ، وَكَذَا قَوْلُهَا: إِنْ طَلَّقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَهَا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَتِ: اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ قُلْنَا: الْخُلْعُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَقَعَ، وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ فَفِي وُقُوعِهِ رَجْعِيًّا احْتِمَالَانِ، وَإِنْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِهَا، فَقَالَ: خَلَعْتُكِ، فَإِنْ كَانَ طَلَاقًا اسْتَحَقَّهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ: خَلَعَ بِلَا عِوَضٍ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": يَصِحُّ، وَلَهُ الْعِوَضُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ تَمْلِكَ نَفْسَهَا بِالطَّلْقَةِ، وَحَصَلَ بِالْخُلْعِ (وَإِنْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ) أَوْ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ وَلَكَ أَلْفٌ (فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا) وَفِي " الرَّوْضَةِ " أَوِ اثْنَتَيْنِ (اسْتَحَقَّهَا) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهَا مَا طَلَبَتْهُ وَزِيَادَةٌ (وَإِنْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً) وَقَعَتِ الْوَاحِدَةُ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِلَفْظِهِ الصَّرِيحِ، و (لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا) عَلَى الْمَنْصُوصِ وَالْمَجْزُومِ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا بَذَلَتْهَا فِي مُقَابَلَةِ الثَّلَاثِ، وَلَمْ تَحْصُلْ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي عَبْدَيْكَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: بِعْتُكَ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِهَا، وَفَارَقَ مَا إِذَا قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبِيدِي فَلَهُ كَذَا، فَرَدَّ بَعْضَهُمْ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْقِسْطَ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَبِيدِ، وَهُنَا غَرَضُهَا يَتَعَلَّقُ بِبَيْنُونَةٍ كُبْرَى، وَلَمْ تَحْصُلْ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ ثُلُثَ الْأَلْفِ) وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي " الْهِدَايَةِ "، كَمَا لَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبِيدِي الثَّلَاثَةَ فَلَهُ أَلْفٌ، فَعَلَى هَذَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ رَجْعِيًّا إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 مِنْ طَلَاقِهَا إِلَّا وَاحِدَةً فَفَعَلَ، بَانَتْ، وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ، عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ إِلَّا ثُلُثَهُ إِذَا لَمْ تَعْلَمْ. وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ مُكَلَّفَةٌ وَغَيْرُ مُكَلَّفَةٍ، فَقَالَ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ بِأَلْفٍ إِنْ شِئْتُمَا، فَقَالَتَا: قَدْ شِئْنَا، لَزِمَ الْمُكَلَّفَةَ نِصْفُ الْأَلْفِ، وَطُلِّقَتْ   [المبدع في شرح المقنع] اسْتَدْعَتْ فُرْقَةً تَحْرُمُ بِهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ، فَلَمْ يُجِبْهَا إِلَيْهِ. فَرْعٌ: لَوْ وَصَفَ طَلْقَةً بِبَيْنُونَةٍ وَقُلْنَا بِهِ لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ التَّامِّ، فَإِنْ لَمْ يَصِفْهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَقِيلَ: بَائِنٌ بِثَلَاثَةٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي " التَّبْصِرَةِ ". (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا إِلَّا وَاحِدَةً فَفَعَلَ، بَانَتْ وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ) ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الَّتِي فَعَلَهَا كَمَّلَتِ الثَّلَاثَ، وَحَصَّلَتْ مَا يَحْصُلُ مِنَ الثَّلَاثِ مِنَ الْبَيْنُونَةِ وَتَحْرِيمِ الْعَقْدِ، فَوَجَبَ الْعِوَضُ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا (عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ تَحْرِيمُهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ إِلَّا ثُلُثَهُ إِذَا لَمْ تَعْلَمْ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ؛ لِأَنَّهَا بَذَلَتِ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الثَّلَاثِ، وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَتْ عَالِمَةً، فَإِنَّ مَعْنَى كَلَامِهَا كَمِّلْ لِيَ الثَّلَاثَ وَقَدْ فَعَلَ. مَسَائِلُ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ بِأَلْفٍ - بَانَتْ بِالْأُولَى، وَلَمْ يَقَعْ مَا بَعْدَهَا فِي الْأَصَحِّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي جَوَابِ قَوْلِهَا: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ بَعْضِهِمْ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ بِأَلْفٍ، وَطَالِقٌ - بَانَتْ بِالثَّانِيَةِ، وَلَغَتِ الثَّالِثَةَ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ بِأَلْفٍ، بَانَتْ بِالثَّالِثَةِ، وَمَا قَبْلَهَا رَجْعِيٌّ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي عَشْرًا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا - اسْتَحَقَّهَا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَإِنْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ إِلَى شَهْرٍ، فَطَلَّقَهَا قَبْلَهُ طُلِّقَتْ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَتْ: مِنَ الْآنَ إِلَى شَهْرٍ، فَطَلَّقَهَا قَبْلَهُ اسْتَحَقَّهَا؛ لِأَنَّهُ أَجَابَهَا إِلَى مَا سَأَلَتْ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ، وَلَهُ صَدَاقُهَا؛ لِأَنَّ زَمَنَ الطَّلَاقِ مَجْهُولٌ. (وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ مُكَلَّفَةٌ) أَيْ: رَشِيدَةٌ (وَغَيْرُ مُكَلَّفَةٍ) أَيْ: مُمَيِّزَةٌ (فَقَالَ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ بِأَلْفٍ إِنْ شِئْتُمَا، فَقَالَتَا: قَدْ شِئْنَا، لَزِمَ الْمُكَلَّفَةَ نِصْفُ الْأَلْفِ، وَطُلِّقَتْ بَائِنًا، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْأُخْرَى رَجْعِيًّا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا) كَذَا ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُكَلَّفَةَ إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً، فَمَشِيئَتُهَا صَحِيحَةٌ، وَتَصَرُّفُهَا فِي مَالِهَا صَحِيحٌ، فَيَقَعُ عَلَيْهِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 بَائِنًا، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْأُخْرَى رَجْعِيًّا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْكِ أَلْفٌ، طُلِّقَتْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ، فَكَذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تُطَلَّقَ حَتَّى تَخْتَارَ، فَلَزِمَهَا الْأَلْفُ.   [المبدع في شرح المقنع] الطَّلَاقُ، فَتَبِينُ الْمُكَلَّفَةُ بِنِصْفِ الْأَلْفِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَرَجَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ: يَسْقُطُ بِقَدْرِ مَهْرَيْهِمَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَتُطَلَّقُ الْأُخْرَى رَجْعِيًّا مَجَّانًا، فَإِنَّ بَذْلَهَا لِلْعِوَضِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَكَذَا الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا لِسَفَهٍ؛ لِأَنَّ لَهَا مَشِيئَةً، وَتَصَرُّفُهَا فِي الْمَالِ غَيْرُ صَحِيحٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَشِيئَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً، لَمْ تَصِحَّ الْمَشِيئَةُ مِنْهَا، وَلَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ، وَعَنْهُ: لَا مَشِيئَةَ لِمُمَيِّزَةٍ كَدُونِهَا، فَلَا طَلَاقَ، فَإِنْ كَانَتَا رَشِيدَتَيْنِ وَقَعَ بِهِمَا الطَّلَاقُ بَائِنًا، فَإِنْ قَبِلَتْهُ إِحْدَاهُمَا لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَشِيئَتَهُمَا شَرْطًا فِي طَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُطَلَّقُ وَحْدَهَا بِقِسْطِهَا، فَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: مَا شِئْتُمَا، وَإِنَّمَا قُلْتُمَا ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِكُمَا، أَوْ قَالَتَا: مَا شِئْنَا بِقُلُوبِنَا - لَمْ يَقْبَلْ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ) ابْتِدَاءً: (أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْكِ أَلْفٌ، طُلِّقَتْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ الْأَلْفَ عِوَضًا لِلْمُطَلَّقَةِ، وَلَا شَرْطًا فِيهَا، وَإِنَّمَا عَطَفَهُ عَلَى الطَّلَاقِ الَّذِي أَوْقَعَهُ، فَوَقَعَ مَا يَمْلِكُهُ دُونَ مَا لَا يَمْلِكُهُ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْكِ الْحَجُّ، فَإِنْ أَعْطَتْهُ الْمَرْأَةُ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ كَانَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً تُعْتَبَرُ فِيهَا شُرُوطُ الْهِبَةِ (وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ، فَكَذَلِكَ) أَيْ: يُطَلِّقُ بِغَيْرِ شَيْءٍ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ عِوَضًا لَمْ يَبْذُلْهُ، فَوَقَعَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ " عَلَى " لَيْسَتْ لِلشَّرْطِ وَلَا لِلْمُعَاوَضَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ: بِعْتُكَ ثَوْبِي عَلَى دِينَارٍ، وَقِيلَ: لَا تُطَلَّقُ كَنَظِيرَتِهِنَّ فِي الْعِتْقِ، وَقِيلَ: تُطَلَّقُ إِلَّا فِي: وَعَلَيْكِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا إِذَا قَبِلَتْهُ فِي الْمَجْلِسِ بَانَتْ وَاسْتَحَقَّهُ، وَإِلَّا وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِهَا، وَلَا يَنْقَلِبُ بَائِنًا بِبَذْلِهَا الْعِوَضَ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ عَدَمِ قَبُولِهَا (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تُطَلَّقَ حَتَّى تَخْتَارَ، فَلَزِمَهَا الْأَلْفُ) هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ: إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ وَلِأَنَّ " عَلَى " تُسْتَعْمَلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 فَصْلٌ وَإِذَا خَالَعَتْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا، فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنَ الْمُسَمَّى أَوْ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَأَوْصَى لَهَا بِأَكْثَرَ، لَمْ تَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] لِلشَّرْطِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} [القصص: 27] الْآيَةَ، وَقِيلَ: تُطَلَّقُ بِأَلْفٍ فَقَطْ، وَالْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ بِأَلْفٍ حَتَّى تَخْتَارَ، فَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ حَرْفَ شَرْطٍ فَهِيَ لِلْمُعَاوَضَةِ فِي: بِعْتُكَ بِكَذَا، وَزَوَّجْتُكَ بِكَذَا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ، فَقَالَتْ: قَبِلْتُ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ - لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ قَالَتْ: قَبِلْتُ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ - وَقَعَ الثُّلُثُ، وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ، وَإِنْ قَالَتْ: قَبِلْتُ بِأَلْفَيْنِ، وَقَعَ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ فَقَطْ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِأَلْفٍ، طَلَّقَتِ اثْنَتَيْنِ، وَوَقَعَتِ الثَّالِثَةُ عَلَى قَبُولِهَا، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ طَلَاقِهَا إِلَّا وَاحِدَةٌ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ: الْأُولَى بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالثَّانِيَةُ بِأَلْفٍ - بَانَتْ بِالثَّلَاثِ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. [الْمُخَالَعَةُ فِي الْمَرَضِ] فَصْلٌ (وَإِذَا خَالَعَتْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا) الْمُخَالَعَةُ فِي الْمَرَضِ صَحِيحَةٌ، سَوَاءً كَانَا مَرِيضَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا - بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ كَالْبَيْعِ، ثُمَّ إِذَا خَالَعَتْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا بِمِيرَاثِهِ مِنْهَا فَمَا دُونَ - صَحَّ وَلَا رُجُوعَ، وَإِنْ خَالَعَتْهُ بِزِيَادَةٍ بَطَلَتِ الزِّيَادَةُ (فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنَ الْمُسَمَّى أَوْ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا تُهْمَةَ فِيهِ - بِخِلَافِ الْأَكْثَرِ مِنْهَا - فَإِنَّ الْخُلْعَ إِنْ وَقَعَ بِأَكْثَرَ مِنَ الْمِيرَاثِ تَطَرَّقَتْ إِلَيْهِ التُّهْمَةُ مِنْ قَصْدِ إِيصَالِهَا إِلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ عَلَى وَجْهٍ لَمْ تَكُنْ قَادِرَةً عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْصَتْ أَوْ أَقَرَّتْ لَهُ، وَإِنْ وَقَّعَ بِأَقَلَّ مِنَ الْمِيرَاثِ، فَالْبَاقِي هُوَ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهُ، فَلَمْ يَسْتَحِقُّهُ، فَتَعَيَّنَ اسْتِحْقَاقُ الْأَقَلِّ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مِيرَاثُهُ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَاقَ إِلَيْهَا مِنَ الصَّدَاقِ أَوْ أَقَلَّ، صَحَّ، وَإِنْ كَانَ مَا خَالَعَتْهُ أَكْثَرَ، بَطَلَتِ الزِّيَادَةُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَأَوْصَى لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا، لَمْ تَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا) أَيْ: لِلْوَرَثَةِ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اتُّهِمَ فِي أَنَّهُ قَصَدَ إِيصَالَ ذَلِكَ إِلَيْهَا، كَالْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 مِيرَاثِهَا، وَإِنْ خَالَعَهَا فِي مَرَضِهِ وَحَابَاهَا، فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَإِذَا وَكَّلَ الزوج فِي خَلْعِ امْرَأَتِهِ مُطْلَقًا، فَخَالَعَ بِمَهْرِهَا، فَمَا زَادَ صَحَّ، وَإِنْ نَقَصَ عَنِ الْمَهْرِ، رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالنَّقْصِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَيَّرَ بَيْنَ قَبُولِهِ نَاقِصًا، وَبَيْنَ رَدِّهِ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ الْعِوَضَ، فَنَقُصَ لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ،   [المبدع في شرح المقنع] لَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ خَالَعَهَا فِي مَرَضِهِ وَحَابَاهَا، فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) مِثْلَ أَنْ يُخَالِعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى خَلْعِهَا بِشَيْءٍ فَخَالَعَهَا بِدُونِهِ - لَمْ يُحْسَبْ مَا حَابَاهَا مِنَ الثُّلُثِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَصَحَّ، فَلَأَنْ يَصِحَّ بِعِوَضٍ أَوْلَى، فَلَوْ خَالَعَهَا فِي مَرَضِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِهَا فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ لَا يُعْطُوهُ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ. (وَإِذَا وُكِّلَ الزوج فِي خَلْعِ امْرَأَتِهِ مُطْلَقًا، فَخَالَعَ بِمَهْرِهَا، فَمَا زَادَ صَحَّ) وَلَزِمَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ التَّوْكِيلِ فِي الْخُلْعِ لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي الْخُلْعِ لِنَفْسِهِ، كَالْعَبْدِ، وَالْأُنْثَى، وَالْكَافِرِ، وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ عِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَالْمُسْتَحَبُّ التَّقْدِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمُ مِنَ الْغَرَرِ، وَأَسْهَلُ عَلَى التَّوْكِيلِ. (وَإِنْ نَقَصَ عَنِ الْمَهْرِ، رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالنَّقْصِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَيَّرَ بَيْنَ قَبُولِهِ نَاقِصًا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَإِذَا رَضِيَ بِدُونِهِ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ (وَبَيْنَ رَدِّهِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ، وَالْعِوَضَ مَرْدُودٌ (وَإِنْ عُيِّنَ لَهُ الْعِوَضُ، فَنَقَصَ لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ) وَهُوَ أَوْلَى وَأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مُوَكِّلَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي خُلْعِ امْرَأَةٍ فَخَالَعَ غَيْرَهَا (وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَعَةَ فِي قَدْرِ الْعِوَضِ، وَهُوَ لَا يُبْطِلُهُ كَحَالَةِ الْإِطْلَاقِ (وَيَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالنَّقْصِ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعَ بَيْنَ تَصْحِيحِ التَّصَرُّفِ، وَدَفْعِ الضَّرَرِ، فَوَجَبَ كَمَا لَوْ لَمْ يُخَالِفْ وَصَحَّحَ ابْنُ الْمُنَجَّا هَذَا الْقَوْلَ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ ثَابِتٌ بَيْنَ الْمُخَالَفَةِ وَبَيْنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الْمُخَالَفَةِ فِي تَعْيِينِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي عَبْدِهِ مِنْ زَيْدٍ، فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ - لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ بِعَشَرَةٍ، فَبَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا - أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ النَّقْصَ. فَرْعٌ: إِذَا خَالَفَ بِالْجِنْسِ أَوْ أَمَرَهُ بِالْخُلْعِ حَالًا، فَخَالَعَ عَنْ عِوَضِ نَسِيئَةٍ، فَالْقِيَاسُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 وَيَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالنَّقْصِ. وَإِنْ وُكِّلَتِ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ، فَخَالَعَ بِمَهْرِهَا فَمَا دُونَ، أَوْ بِمَا عَيَّنَتْهُ فَمَا دُونَ، صَحَّ، وَإِنْ زَادَ لَمْ يَصِحَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَتَبْطُلُ الزِّيَادَةُ، وَإِذَا تَخَالَعَا، تَرَاجَعَا بِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْحُقُوقِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَسْقُطُ. فَصْلٌ وَإِذَا قَالَ: خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ، فَأَنْكَرَتْهُ، أَوْ قَالَتْ: إِنَّمَا خَالَعْتَ غَيْرِي - بَانَتْ،   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ الْقَدْرُ الَّذِي أُذِنَ فِيهِ، وَيَكُونُ لَهُ مَا خَالَعَ بِهِ كَالْمُخَالَفَةِ فِي الْقَدْرِ، وَهَذَا يَبْطُلُ بِالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ، وَفَارَقَ الْمُخَالَفَةَ فِي الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَبْرُهُ بِالرُّجُوعِ بِالنَّقْصِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ خَالَعَ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ خَالَعَ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ فَلَغْوٌ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِنْ صَحَّ بِلَا عِوَضٍ وَإِلَّا رَجْعِيًّا. (وَإِنْ وُكِّلَتِ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ فَخَالَعَ بِمَهْرِهَا فَمَا دُونَ، أَوْ بِمَا عَيَّنَتْهُ فَمَا دُونَ، صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ وَزَادَ خَيْرًا (وَإِنْ زَادَ لَمْ يَصِحَّ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهَا فِي تَعْيِينِهَا أَوْ فِيمَا اقْتَضَاهُ الْإِطْلَاقُ، فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ وَكَّلَتْهُ فِي الْخُلْعِ بِدَرَاهِمَ، فَخَالَعَ بِعُرُوضٍ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْقَدْرِ لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ (وَتُبْطِلُ الزِّيَادَةَ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَةَ مَا الْتَزَمَتْهَا، وَلَا أَذِنَتْ فِيهَا، وَقَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَلَزِمَ الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ لِلزَّوْجِ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ كَالْمُضَارِبِ إِذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتِقُ رَبَّ الْمَالِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ ": عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى وَكِيلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ (وَإِذَا تَخَالَعَا) بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ (تَرَاجَعَا بِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْحُقُوقِ) أَيْ: حُقُوقِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْخُلْعِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ شَيْءٌ كَالطَّلَاقِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَسْقُطُ) بِالسُّكُوتِ عَنْهَا إِلَّا نَفَقَةُ عِدَّةِ الْحَامِلِ وَمَا خُولِعَ بِبَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ يَقْتَضِي انْخِلَاعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَلَوْ بَقِيَتِ الْحُقُوقُ كَمَا كَانَتْ لَبَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَقَةٌ، وَذَلِكَ يُنَافِي الِانْخِلَاعَ، فَعَلَيْهِ إِنْ كَانَ خَلَعُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ تَكُنْ قَبَضَتْ مِنْهُ شَيْئًا - لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْضَتْهُ لَمْ يَرْجِعْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا الدُّيُونُ فَلَا تُعَلَّقُ لِلْخُلْعِ بِهَا. [إِذَا قَالَ خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَتْهُ] فَصْلٌ (وَإِذَا قَالَ: خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ، فَأَنْكَرَتْهُ، أَوْ قَالَتْ: إِنَّمَا خَالَعْتَ غَيْرِي - بَانَتْ) بِإِقْرَارِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا فِي الْعِوَضِ، وَإِنْ قَالَتْ: نَعَمْ، لَكِنْ ضَمِّنْهُ غَيْرِي، لَزِمَهَا الْأَلْفُ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدَرِ الْعِوَضِ، أَوْ عَيْنِهِ، أَوْ تَأْجِيلِهِ، أَوْ صِفَتِهِ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا، وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَحَالَفَا، وَيَرْجِعَا إِلَى الْمُسَمَّى أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا فِي الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ لِبَذْلِهِ (وَإِنْ قَالَتْ: نَعَمْ لَكِنْ ضَمِنَهُ غَيْرِي، لَزِمَهَا الْأَلْفُ) ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِهَا، وَلَا يُلْزِمُ الْغَيْرَ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ، فَإِنِ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ - قُبِلَ قَوْلُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَدَّعِيهِ، وَإِنْ قَالَتْ: سَأَلْتُكَ طَلَاقًا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، فَأَجَبْتَ، فَقَالَ: بَلْ طَلْقَةٌ، فَأَجَبْتُ - قُبِلَ قَوْلُهُ، وَبَانَتْ بِأَلْفٍ، وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ وَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْعِوَضِ، أَوْ عَيْنِهِ، أَوْ تَأْجِيلِهِ، أَوْ صِفَتِهِ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي أَجَلِهِ، فَكَذَا فِي قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَلَا يُنْكِرُ الزَّائِدَ وَالْحُلُولَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ (وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ) هَذَا رِوَايَةٌ حَكَاهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي عِوَضِهِ، كَالسَّيِّدِ مَعَ مُكَاتَبِهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَحَالَفَا) إِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي عِوَضِ الْعَقْدِ، فَيَتَحَالَفَانِ فِيهِ كَالْمُتَبَايِعَيْنِ (وَيَرْجِعَا إِلَى الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى) ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ تُلِفَ بِالْخُلْعِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى الْبَدَلِ، كَمَا لَوْ تُلِفَ الْمَبِيعُ وَوَقَعَ التَّحَالُفُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ بَدَلُهُ، وَهُوَ الْمِثْلُ أَوِ الْقِيمَةُ. وَجَوَابُهُ بِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ، وَالْخُلْعُ فِي نَفْسِهِ فَسْخٌ، فَلَا يُفْسَخُ، وَقِيلَ: إِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدَرِ الْعِوَضِ فَلَا يَمِينَ، وَأَيُّهُمَا يُصَدَّقُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ (وَإِنْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا عَلَى صِفَةٍ ثُمَّ خَالَعَهَا، فَوَجَدَتِ الصِّفَةَ، ثُمَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا، فَوَجَدَتِ الصِّفَةَ - طُلِّقَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الصِّفَةِ وَوُقُوعِهَا وُجِدَا فِي النِّكَاحِ، فَوَقَعَ الطَّلَاقُ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْهُ بَيْنُونَةٌ، لَا يُقَالُ: الصِّفَةُ انْحَلَّتْ بِفِعْلِهَا حَالَ الْبَيْنُونَةِ ضَرُورَةُ أَلَّا تَقْتَضِيَ التَّكْرَارَ؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَنْحَلُّ عَلَى وَجْهٍ تَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَلٌّ وَعَقْدٌ، وَالْعَقْدُ يَفْتَقِرُ إِلَى الْمِلْكِ، فَكَذَا الْحَلُّ، وَالْحِنْثُ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ الصِّفَةِ حَالَ الْبَيْنُونَةِ، وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ (وَيَتَخَرَّجُ أَلَّا تُطَلَّقَ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ فِي الْعِتْقِ) وَهُوَ أَنَّ الصِّفَةَ لَا تَنْحَلُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّانِيَ لَا يَنْبَنِي عَلَى الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ (وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ) وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَشَوَّفُ الشَّارِعُ إِلَيْهِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، قَالَ صَاحِبُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 مَهْرِ الْمِثْلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى. وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى صِفَةٍ ثُمَّ خَالَعَهَا، فَوَجَدَتِ الصِّفَةَ، ثُمَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا، فَوَجَدَتِ الصِّفَةَ - طُلِّقَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَتَخَرَّجُ أَلَّا تُطَلَّقَ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ فِي الْعِتْقِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ الصِّفَةُ حَالَ الْبَيْنُونَةِ، عَادَتْ رِوَايَةً وَاحِدَةً.   [المبدع في شرح المقنع] " النِّهَايَةِ " وَغَيْرُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ، وَفِي الْأَمْوَالِ الْعِصْمَةُ، فَإِذَا تَعَارَضَ دَلِيلُ الطَّلَاقِ وَجَبَ وُقُوعُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ حُرْمَةُ الْوَطْءِ، وَإِذَا تَعَارَضَ دَلِيلُ الْعِتْقِ، وَجَبَ عَدَمُ وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِصْمَةُ الْمِلْكِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ طَلَّقْتَ بِذَلِكَ لَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِشَرْطٍ سَابِقٍ عَلَى النِّكَاحِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ دَخَلَتْ - لَمْ تُطَلَّقْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ فِي عَدَدِ الطَّلَقَاتِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ، وَبِهَذَا فَرَّقَ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " فِيهِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْمِلْكِ (وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ الصِّفَةُ حَالَ الْبَيْنُونَةِ، عَادَتْ رِوَايَةً وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَنْحَلَّ؛ لِكَوْنِ الصِّفَةِ فِي حَالِ الْبَيْنُونَةِ لَمْ تُوجَدْ، فَإِذَا وُجِدَتِ الصِّفَةُ بَعْدَ التَّزْوِيجِ وَجَبَ أَنْ تَعْمَلَ عَمَلَهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنُونَةً، فَإِنْ كَانَتِ الصِّفَةُ لَا تُوجَدُ بَعْدَ النِّكَاحِ الثَّانِي كَقَوْلِهِ: إِنْ أَكَلْتِ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَبَانَهَا فَأَكَلَتْهُ - لَمْ يَحْنَثْ. أَصْلٌ: يَحْرُمُ الْخُلْعُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ يَمِينِ الطَّلَاقِ، وَلَا يَقَعُ فِي اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْحَلِفُ حِنْثٌ أَوْ نَدَمٌ رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَفِي " الْمُغْنِي " هَذَا يُفْعَلُ حِيلَةً عَلَى إِبْطَالِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ، وَالْحِيَلُ خِدَاعٌ لَا تُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَلَوِ اعْتَقَدَ الْبَيْنُونَةَ فَفَعَلَ مَا حَلَفَ - فَكَمُطَلِّقٍ مُعْتَقِدٍ أَجْنَبِيَّةً فَتَبِيَّنَ امْرَأَتُهُ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقِيلَ: يَقَعُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَعَمَلُ غَالِبِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: يُسْتَحَبُّ إِعْلَامُ الْمُسْتَفْتِي بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ إِنْ كَانَ أَهْلًا لِلرُّخْصَةِ كَطَالِبِ التَّخَلُّصِ مِنَ الرِّبَا، فَيَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَرَى التَّحَيُّلَ لِلْخَلَاصِ مِنْهُ، وَالْخُلْعَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 كِتَابُ الطَّلَاقِ وَهُوَ حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ، وَيُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الطَّلَاقِ] [حُكْمُ الطلاق] وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ، وقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ تَطْلِيقِ ابْنِهِ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلِّقَ لَهَا النِّسَاءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ رُبَّمَا فَسَدَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَيُؤَدِّي إِلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ، فَبَقَاؤُهُ إِذًا مَفْسَدَةٌ مَحْضَةٌ بِلُزُومِ الزَّوْجِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى، وَحَبْسِ الْمَرْأَةِ مَعَ سُوءِ الْعِشْرَةِ، وَالْخُصُومَةِ الدَّائِمَةِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، فَشَرَعَ مَا يُزِيلُ النِّكَاحَ لِتَزُولَ الْمَفْسَدَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْهُ (وَهُوَ حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ) أَوْ بَعْضِهِ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَاهُ لُغَةً؛ لِأَنَّ مَنْ حُلَّ قَيْدُ نِكَاحِهَا فَقَدْ خُلِّيَتْ، إِذْ أَصْلُ الطَّلَاقِ التَّخْلِيَةُ، يُقَالُ: طُلِقَتِ النَّاقَةُ: إِذَا سَرَحَتْ حَيْثُ شَاءَتْ، وَحُبِسَ فُلَانٌ فِي السِّجْنِ طَلْقًا: بِغَيْرِ قَيْدٍ، وَهُوَ مَصْدَرُ طَلَقَتِ الْمَرْأَةُ، أَيْ: بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا - بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا - تَطْلُقُ، بِضَمِّ اللَّامِ فِيهِمَا طَلَاقًا وَطَلْقَةً، وَجَمْعُهَا طَلَاقٌ - بِفَتْحِ اللَّامِ - فَهِيَ طَالِقٌ، وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَهِيَ مُطَلَّقَةٌ (وَيُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ) ؛ لِضَرَرِهِ بِالْمَقَامِ عَلَى النِّكَاحِ، فَيُبَاحُ لَهُ رَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ (وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةِ) وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَيُسْتَحَبُّ إِذَا كَانَ بَقَاءُ النِّكَاحِ ضَرَرًا. وَيَصِحُّ مِنَ الزَّوْجِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْمُخْتَارِ، وَمِنَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ   [المبدع في شرح المقنع] لِمَا رَوَى مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَرُوِيَ مُرْسَلًا، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ، صَحَّحَهُ الْحُلْوَانِيُّ لِمَا سَبَقَ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا إِضْرَارَ» ؛ وَلِأَنَّهُ يَضُرُّ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ (وَيُسْتَحَبُّ إِذَا كَانَ بَقَاءُ النِّكَاحِ ضَرَرًا) أَيْ: يُنْدَبُ عِنْدَ تَضَرُّرِ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ، إِمَّا لِبُغْضِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَيُسْتَحَبُّ إِزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَلِتَرْكِهَا صَلَاةً، وَعِفَّةً، وَنَحْوَهُمَا، وَعَنْهُ: يَجِبُ لِعِفَّةٍ، وَعَنْهُ: وَغَيْرِهَا، فَإِنْ تَرَكَ حَقًّا لِلَّهِ فَهِيَ كَهُوَ فَتَخْتَلِعُ، وَالزِّنَا لَا يَفْسَخُ نِكَاحًا، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ يُسْكِرُ زَوْجَ أُخْتِهِ يُحَوِّلُهَا إِلَيْهِ، وَعَنْهُ أَيْضًا: أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَبَقِيَ هُنَا قِسْمَانِ آخَرَانِ: وَاجِبٌ هُوَ طَلَاقُ الْمُؤْلِي بَعْدَ التَّرَبُّصِ، وَطَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ إِذَا رَأَيَاهُ، وَعَنْهُ: وَلِأَمْرِ أَبِيهِ، وَعَنْهُ: الْعَدْلُ، وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أَمَرَتْهُ أُمُّهُ، فَنَصُّهُ: لَا يُعْجِبُنِي طَلَاقُهُ، وَمَنَعَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْهُ، وَنُصَّ فِي بَيْعِ السِّرِّيَّةِ إِنْ خِفْتِ عَلَى نَفْسِكِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَمَحْظُورٌ: وَهُوَ طَلَاقُ مَنْ دَخَلَ بِهَا فِي حَيْضِهَا، أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، وَيُسَمَّى طَلَاقُ بِدَعَةٍ؛ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الْحَائِضِ يَضُرُّ بِهَا؛ لِتَطْوِيلِ عِدَّتِهَا، وَالْمُصَابَةُ تَرْتَابُ، فَلَا تَدْرِي أَذَاتُ حَمْلٍ هِيَ - فَتَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ - أَمْ حَائِلٌ فَتَعْتَدُّ بِالْقُرُوءِ، وَحَيْثُ كَانَتْ حَامِلًا فَيَنْدَمُ عَلَى فِرَاقِهَا مَعَ وَلَدِهَا، أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا يَحْرُمُ؛ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ، وَكَذَا الصَّغِيرَةُ، وَالْآيِسَةُ، وَالْحَامِلُ الَّتِي اسْتَبَانَ حَمْلُهَا، فَلَا. [مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الطَّلَاقُ] (وَيَصِحُّ مِنَ الزَّوْجِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْمُخْتَارِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مَوْجُودٌ - وَهُوَ التَّكْلِيفُ، فَظَاهِرُهُ: يَقَعُ مِنْ كِتَابِيٍّ وَسَفِيهٍ، نَصَّ عَلَيْهِمَا (وَمِنَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ) أَيْ: إِذَا عَقَلَ الطَّلَاقَ - فِي الِاخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَقَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 فِيهِ كَالْمَجْنُونِ، وَالنَّائِمِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمُبَرْسَمِ - لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ. وَإِنْ زَالَ بِسَبَبٍ لَا   [المبدع في شرح المقنع] مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ) نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهَا الْآدَمِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ كَالْمَجْنُونِ، وَعَنْهُ: لَا يَقَعُ لِدُونِ عَشْرٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْهُ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ، وَعَنْهُ: لِأَب صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ فَقَطِ الطَّلَاقُ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَمَنْ أَجَازَ طَلَاقُهُ اقْتَضَى مَذْهَبَهُ أَنْ يَجُوزَ تَوْكِيلُهُ فِيهِ وَتَوَكُّلُهُ لِغَيْرِهِ - أَوْمَأَ إِلَيْهِ وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " - كَالْبَالِغِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَصِحُّ أَنْ يُوكِلَ حَتَّى يَبْلُغَ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا تُجِيزُ طَلَاقَهُ. فَرْعٌ: تُعْتَبَرُ إِرَادَةُ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ، فَلَا طَلَاقَ لِفَقِيهٍ يُكَرِّرُهُ، وَحَاكٍ عَنْ نَفْسِهِ، حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَغَيْرِهِ. (وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ كَالْمَجْنُونِ، وَالنَّائِمِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمُبَرْسَمِ - لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ) إِجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ، إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» رَوَاهُ النِّجَادُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانِ، وَهُوَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الْعَقْلُ كَالْبَيْعِ، وَسَوَاءٌ زَالَ بِجُنُونٍ، أَوْ إِغْمَاءٍ، أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ شُرْبِ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُزِيلُ الْعَقْلِ، لَكِنْ لَوْ ذَكَرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَوِ الْمَجْنُونُ لَمَّا أَفَاقَ أَنَّهُ طَلَّقَ - وَقَعَ - نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 يُعْذَرُ فِيهِ، كَالسَّكْرَانِ، وَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ   [المبدع في شرح المقنع] هَذَا فِيمَنْ جُنُونُهُ بِذَهَابِ مَعْرِفَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَأَمَّا الْمُبَرْسَمُ وَمَنْ بِهِ نِشَافٌ، فَلَا يَقَعُ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": أَنَّ الْمُبَرْسَمَ وَالْمُوَسْوَسَ إِنْ عَقَلَ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ، وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ: مَنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ أَوْ غُشِّيَ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بِلَا رَيْبٍ، وَيَقَعُ مِنْ غَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّ «أَبَا مُوسَى أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحْمِلُهُ، فَوَجَدَهُ غَضْبَانَ، وَحَلَفَ: لَا يَحْمِلُهُمْ، وَكَفَّرَ. . .» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ بَاطِنٍ كَالْمُحِبَّةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الزِّنَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ غَيَّرَهُ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ، فَأَوْقَعَهُ - وَهُوَ يَكْرَهُهُ - لِيَسْتَرِيحَ مِنْهُ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ، فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُجَابُ دُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَذْرُ الطَّاعَةِ فِيهِ، وَفِي صِحَّةِ حُكْمِهِ الْخِلَافُ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا يَزُولُ بِالْكَفَّارَةِ، وَهَذَا إِتْلَافٌ. فَرْعٌ: لَوِ ادَّعَى أَنَّهُ طَلَّقَ وَهُوَ زَائِلُ الْعَقْلِ، يَنْبَنِي عَلَى مَا إِذَا أَقَرَّ وَهُوَ مَجْنُونٌ، هَلْ يَقْبَلُ؛ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، ثَالِثُهَا: يَقْبَلُ إِنْ كَانَ مِمَّنْ غَلَبَ وُجُودُهُ مِنْهُ. (وَإِنْ زَالَ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ، كَالسَّكْرَانِ، وَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: يَقَعُ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ أَظْهَرُهُمَا، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كُلُّ أَحَدٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَجْنُونِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ جَعَلُوهُ كَالصَّاحِي فِي الْحَدِّ بِالْقَذْفِ، وَقَالَ عَلِيٌّ بِمَحْضَرٍ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ: نَرَاهُ إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ. رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ؛ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، فَوَقَعَ طَلَاقُهُ كَالصَّاحِي، بِدَلِيلِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَقَعُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤَلِّفُ، وَرَجَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 رِوَايَتَانِ. وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي قَتْلِهِ، وَقَذْفِهِ، وَسَرِقَتِهِ، وَزِنَاهُ، وَظِهَارِهِ، وَإِيلَائِهِ. وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ. وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ، وَأَخَذَ الْمَالَ قَادِرٌ،   [المبدع في شرح المقنع] الدِّينِ، وَقَالَ: الْمُكْرَهُ لَمْ يَأْثَمْ فِي الْأَصَحِّ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: كُنْتُ أَقُولُ: يَقَعُ حَتَّى تَبَيَّنْتُهُ، فَغَلَبَ عَلَيَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الَّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطَّلَاقِ أَتَى خَصْلَةً، وَالَّذِي يَأْمُرُ بِهِ أَتَى خَصْلَتَيْنِ، حَرَّمَهَا عَلَيْهِ، وَأَحَلَّهَا لِغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ جَمْعٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ خَالَفَ عُثْمَانَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ عُثْمَانَ أَرْفَعُ شَيْءٍ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْلَ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ وَكَالْمَجْنُونِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي الْجَوَابِ، وَيُقَالُ: اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ يَفْهَمُ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ، قَالَ: وَزَعَمَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّشْوَانِ الَّذِي يَفْهَمُ وَيَغْلَطُ، فَأَمَّا الَّذِي تَمَّ سُكْرُهُ بِحَيْثُ لَا يَفْهَمُ مَا يَقُولُ فَلَا يَقَعُ مِنْهُ - قَوْلًا وَاحِدًا، وَالْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ جَعَلُوا النِّزَاعَ فِي الْكُلِّ، وَهُوَ مَنْ يَخْلِطُ فِي كَلَامِهِ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ ثَوْبَهُ أَوْ هَذَى، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَعْرِفَ السَّمَاءَ مِنَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى الْمَجْنُونِ (وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ فِي قَتْلِهِ، وَقَذْفِهِ، وَسَرِقَتِهِ، وَزِنَاهُ، وَظِهَارِهِ، وَإِيلَائِهِ) وَإِقْرَارِهِ، وَإِسْلَامِهِ، وَكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ، وَعَنْهُ: كَالْمَجْنُونِ فِي أَقْوَالِهِ، وَكَالصَّاحِي فِي أَفْعَالِهِ، وَعَنْهُ: فِي الْحَدِّ كَالصَّاحِي، وَفِي غَيْرِهِ كَالْمَجْنُونِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ فِيمَا يَسْتَقِلُّ بِهِ كَعِتْقِهِ وَقَتْلِهِ بِالصَّاحِي، وَفِيمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ كَبَيْعِهِ وَنِكَاحِهِ كَالْمَجْنُونِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَا تَصِحُّ عِبَادَتُهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: ولا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يَتُوبَ؛ لِلْخَبَرِ. فَرْعٌ: الْبَنْجُ وَنَحْوِهُ كَجُنُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يَقَعُ لِتَحْرِيمِهِ؛ وَلِهَذَا يُعَزَّرُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَصْدُ إِزَالَةِ الْعَقْلِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ مُحَرَّمٌ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": إِنْ تَدَاوَى بِبَنْجٍ فَسَكِرَ لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. [طَلَاقُ الْمُكْرَهِ] (وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ) رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ - فَهُوَ إِكْرَاهٌ. وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ مُكْرَهًا حَتَّى يَنَالَهُ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا طَلَاقَ وَلَا عِتَاقَ فِي غِلَاقٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُمَا فِي إِغْلَاقٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: هُوَ الْمَحْفُوظُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْقُتَيْبِيُّ مَعْنَاهُ: فِي إِكْرَاهٍ، لَكِنْ فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ بِالْغَضَبِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي " الشَّافِي "؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَشْبَهَ الْإِكْرَاهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ سُلْطَانٍ، ذَكَرَهَا ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالْحُلْوَانِيُّ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ - فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ نَظَرًا إِلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ بِالْإِكْرَاهِ، فَيَبْقَى بِنِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَةِ، إِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا، حَكَاهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَحَكَى شَيْخُهُ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ، وَجَعَلَ الْأَشْبَهَ الْوُقُوعَ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ مَذْهَبًا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا، وَلَمْ يَتَأَوَّلْ بِلَا عُذْرٍ - أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ. قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حَقٍّ يَحْتَرِزُ بِذَلِكَ عَنِ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ كَإِكْرَاهِ الْحَاكِمِ الْمُؤْلِي عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ التَّرَبُّصِ إِذَا لَمْ يَفِ، وَإِكْرَاهِ مَنْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ، وَلَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، فَصَحَّ كَإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ. (وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ، وَأَخَذَ الْمَالَ قَادِرٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ - فَهُوَ إِكْرَاهٌ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِ عُمَرَ فِي الَّذي قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَإِلَّا قَطَعْتُهُ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَرَدَّهُ إِلَيْهَا، رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَهَذَا كَانَ وَعِيدًا، وَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْوَعِيدِ، فَإِنَّ الْمَاضِيَ لَا يَنْدَفِعُ بِفِعْلِ مَا أُكْرِهَ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ الْفِعْلُ الْمُكْرَهُ دَفْعًا لِمَا يَتَوَعَّدُ بِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِيمَا بَعْدُ، فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ لَهُ أُمُورٌ. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَا هَدَّدَهُ فِيهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، فَأَمَّا السَّبُّ وَالشَّتْمُ فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ - رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا أَخْذُ الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَالضَّرْبُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُبَالَى بِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّهْدِيدُ مِنْ قَادِرٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَخَفْ وُقُوعَ الْمَحْذُورِ بِهِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 شَيْءٌ مِنَ الْعَذَابِ، كَالضَّرْبِ، وَالْخَنْقِ، وَعَصْرِ السَّاقِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَيَقَعُ الطَّلَاقُ   [المبدع في شرح المقنع] الثَّالِثُ: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ. فَرْعٌ: ضَرْبُ وَلَدِهِ وَحَبْسِهِ وَنَحْوِهِمَا إِكْرَاهٌ لِوَالِدِهِ، وَإِكْرَاهٌ عَلَى عِتْقٍ وَيَمِينٍ وَنَحْوِهِمَا كَطَلَاقٍ. (وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ مُكْرَهًا حَتَّى يَنَالَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعَذَابِ، كَالضَّرْبِ، وَالْخَنْقِ، وَعَصْرِ السَّاقِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ) ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ: كَمَا فُعِلَ بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى قِصَّةِ عَمَّارٍ حِينَ أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَرَادُوهُ عَلَى الشِّرْكِ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبْكِي، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدُّمُوعَ عَنْ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: «أَخَذَكَ الْمُشْرِكُونَ، فَغَطُّوكَ فِي الْمَاءِ، وَأَمَرُوكَ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ، فَفَعَلْتَ، فَإِنْ أَمَرُوكَ مَرَّةً أُخْرَى فَافْعَلْ ذَلِكَ بِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ. فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ فِي الضَّرْبِ أَنْ يَكُونَ شَدِيدًا أَوْ يَسِيرًا فِي حَقِّ ذِي مُرُوءَةٍ، وَمِمَّا يُشْبِهُ الضَّرْبَ وَعَصْرَ السَّاقِ - الْقَيْدُ وَالْحَبْسُ الطَّوِيلَانِ، وَأَخْذُ الْمَالِ الْكَثِيرِ، زَادَ فِي " الْكَافِي ": وَالْإِخْرَاجُ مِنَ الدِّيَارِ، لَا السَّبُّ وَنَحْوُهُ - رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ "، وَعَنْهُ: إِنْ هَدَّدَ بِقَتْلٍ، وَعَنْهُ: أَوْ قَطْعِ طَرْفٍ، وَقِيلَ: أَوْ إِحْرَاقِ مَنْ يُؤْلِمُهُ - فَإِكْرَاهٌ. قَالَ الْقَاضِي: الْإِكْرَاهُ يَخْتَلِفُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، وَإِنْ سَحَرَهُ لِيُطَلِّقَ، فَإِكْرَاهٌ - قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَةٍ فَطَلَّقَ غَيْرَهَا، أَوْ عَلَى طَلْقَةٍ فَطَلَّقَ ثَلَاثًا، أَوْ عَلَى لَفْظٍ صَرِيحٍ فَأَتَى بِكِنَايَةٍ، أَوْ عَلَى تَعْلِيقِهِ فَنَجَزَهُ - وَقَعْنَ وَإِنْ تَرَكَ التَّأْوِيلَ بِلَا عُذْرٍ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى مُبْهَمَةٍ، فَطَلَّقَ مُعَيَّنَةً - فَوَجْهَانِ، لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الْوَعِيدُ إِكْرَاهًا لَكُنَّا مُكْرَهِينَ عَلَى الْعِبَادَاتِ، فَلَا ثَوَابَ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّنَا مُكْرَهُونَ عَلَيْهَا، وَالثَّوَابُ بِفَضْلِهِ لَا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ عِنْدَنَا، ثُمَّ الْعِبَادَاتُ تُفْعَلُ لِلرَّغْبَةِ - ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ، وَإِذَا وَكَّلَ فِي الطَّلَاقِ مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ، صَحَّ طَلَاقُهُ، وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ، إِلَّا أَنْ يَحِدَّ لَهُ حَدًّا، وَلَا يُطَلِّقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] [الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ] (وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُسْقِطُ الْحَدَّ، وَيُثْبِتُ النَّسَبَ وَالْعِدَّةَ وَالْمَهْرَ، أَشْبَهَ الصَّحِيحَ، أَوْ لِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ فَكَانَ كَالْعِتْقِ، يَنْفُذُ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بِالْأَدَاءِ كَالصَّحِيحَةِ، وَيَقَعُ بَائِنًا - نَصَّ عَلَيْهِ - كَحُكْمٍ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَهُوَ إِنَّمَا يَكْشِفُ خَافِيًا، أَوْ يُنْفِذُ وَاقِعًا، وَيَجُوزُ فِي حَيْضٍ، وَلَا يَكُونُ بِدْعَةً (وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا أَيْضًا فِي " الْمُذْهَبِ " و" التَّلْخِيصِ "؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُفِيدُ تَحْرِيمَ الْحَلِّ، أَوْ حَلِّ الْعَقْدِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَاسِدِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ، فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ، كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": مَنْ طَلَّقَ فِي نِكَاحٍ مُتَّفَقٍ عَلَى بُطْلَانِهِ، كَمَنْ نَكَحَهَا وَهِيَ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ - أَوْ نكحها وأختها لَمْ يَصِحَّ طَلَاقُهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: أَحْتَاطُ، وَأُجِيزُ طَلَاقَهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْأَوَّلُ عَنْهُ أَظْهَرُ، وَلَا يَقَعُ فِي نِكَاحٍ فُضُولِيٍّ قَبْلَ إِجَازَتِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَنَقَلَ حَنْبَلُ: إِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِلَا إِذْنٍ، فَطَلَّقَ سَيِّدٌ، جَازَ طَلَاقُهُ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا. [التَّوْكِيلُ فِي الطَّلَاقِ] (وَإِذَا وَكَّلَ فِي الطَّلَاقِ مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ، صَحَّ طَلَاقُهُ) ؛ لِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ، فَصَحَّ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَالْعِتْقِ، وَقَوْلُهُ: مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ، يَحْتَرِزُ بِهِ عَنِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ، فَلَوْ وَكَّلَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا، صَحَّ، وَإِنْ جَعَلَ أَمْرَ الصَّغِيرَةِ أَوِ الْمَجْنُونَةِ فِي يَدِهَا، لَمْ تَمْلِكْهُ - نَصَّ عَلَيْهِ - وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهَا إِذَا عَقَلَتِ الطَّلَاقَ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ كَالصَّبِيِّ (وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّوْكِيلِ يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِكَوْنِهِ تَوْكِيلًا مُطْلَقًا، أَشْبَهَ التَّوْكِيلَ فِي الْبَيْعِ إِلَّا وَقْتَ بِدْعَةٍ، وَلَا يَمْلِكُ بِالْإِطْلَاقِ تَعْلِيقًا (إِلَّا أَنْ يَحِدَّ لَهُ حَدًّا) ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا أُذِنَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ إِلَى الْمُوَكَّلِ فِي ذَلِكَ (وَلَا يُطَلِّقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهِ) أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ بِلَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ - نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، وَيَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهَا، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَوْ يَفْسَخُ أَوْ يَطَأُ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ فَوْقَ طَلْقَةٍ بِلَا إِذْنٍ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِالْوَطْءِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا أَوْقَعَهُ الْوَكِيلُ، ثُمَّ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ إِيقَاعِ الْوَكِيلِ - قُبِلَ قَوْلُهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 وَإِنْ وَكَلَّ اثْنَيْنِ فِيهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ إِلَّا بِإِذْنٍ، وَإِنْ وَكَّلَهُمَا فِي ثَلَاثٍ، فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنَ الْآخَرِ - وَقَعَ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فَلَهَا ذَلِكَ، كَالْوَكِيلِ. وَإِنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَطْلُقَ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا (وَإِنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فِيهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِمَا جَمِيعًا (إِلَّا بِإِذْنٍ) ؛ لِأَنَّهُ رَاضٍ بِتَصَرُّفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَمَلَكَ الِانْفِرَادَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ وَحْدَهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُمَا فِي ثَلَاثٍ، فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنَ الْآخَرِ - وَقَعَ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُمَا فِي ذَلِكَ، فَلَوْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخَرُ ثَلَاثًا - وَقَعَ وَاحِدَةٌ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ ثِنْتَيْنِ، وَالْآخَرُ ثَلَاثًا، فَيَقَعُ ثِنْتَانِ (وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فَلَهَا ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَوْكِيلُهَا فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا، فَكَذَا فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا (كَالْوَكِيلِ) ؛ لِأَنَّهَا مُتَصَرِّفَةٌ بِالْإِذْنِ، فَتَمْلِكُ مَا مَلَكَهُ الْوَكِيلُ، فَعَلَيْهِ لَهَا أَنْ تَطْلُقَ مَتَى شَاءَتْ، إِلَّا أَنْ يَحِدَّ لَهَا حَدًّا، وَلَا تَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا نَوَى ثَلَاثًا، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا - فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً، فَوَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَكُونُ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً، فَأَيُّهُمَا نَوَاهُ صَحَّ، وَلَوْ وَكَّلَ مَعَهَا غَيْرَهَا، لَمْ يَكُنْ لَهَا الِانْفِرَادُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهَا، وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي الْعَدَدِ وَقَعَ ما اتفقا عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ - وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَقَالَ الْقَاضِي - وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ": يَتَقَيَّدُ لَهَا بِالْمَجْلِسِ، كَاخْتَارِي، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً - وَقَعَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إِيقَاعَ ثَلَاثٍ، فَتَمْلِكُ إِيقَاعَ وَاحِدَةٍ كَالْوَكِيلِ، وَلَا تَمْلِكُ تَعْلِيقًا، فَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فَقَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ - لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ إِذْنَهُ انْصَرَفَ إِلَى الْمُنْجَزِ، فَلَمْ تَتَنَاوَلِ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ طَلَاقَ السُّنَّةِ، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا - فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا (وَإِنْ قَالَ: اخْتَارِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَطْلُقَ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّهَا كُلُّ الطَّلَاقِ. 1 - فَرْعٌ: يَحْرُمُ تَطْلِيقُ وَكِيلِ مُطَلِّقٍ وَقْتَ بِدْعَةٍ، وَفِي وُقُوعِهِ وَجْهَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 بَابُ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ السُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي حَيْضِهَا أَوْ طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ - فَهُوَ طَلَاقُ بِدَعَةٍ مُحَرَّمٌ،   [المبدع في شرح المقنع] الزَّوْجُ يَمْلِكُهُ بِمِلْكِ مَحَلِّهِ، وَلَمْ يُعَلِّلِ الْأَزَجَيُّ عَدَمَ الْوُقُوعِ إِلَّا لِمُخَالَفَةِ أَمْرِ الشَّارِعِ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ ثَلَاثًا، فَوَجْهَانِ، وَلَوْ قَالَ أَمْرُكِ بِيَدِكِ، أَوْ طَلَاقُكِ بِيَدِكَ، أَوْ وَكَّلْتُكِ فِي الطَّلَاقِ - فَهَلْ تَمْلِكُ بِهِ الثَّلَاثَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": لَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَكِ بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ فِي الْحَالِ: طَلَّقْتُكَ، وَقَعَ بَائِنًا بِالْأَلْفِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ أَنْ تُطَلِّقَهُ، وَهُوَ بِعِيدٌ. [بَابُ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ] [السُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ] بَابُ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ طَلَاقُ السُّنَّةِ: مَا أَذِنَ فِيهِ الشَّارِعُ، وَالْبِدْعَةِ: مَا نَهَى عَنْهُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ عَلَى الصِّفَةِ الْأُولَى مُطْلَقٌ لِلسُّنَّةِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَحَدِيثُ «ابْنِ عُمَرَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ تَمَسَّ» وَهُوَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ". (السُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً) ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، «فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ» ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ، إِلَّا فِي طُهْرٍ مُتَعَقِّبٍ لِرَجْعَةٍ مِنْ طَلَاقٍ فِي حَيْضٍ - فَبِدْعَةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ (ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) أَيْ: لَا يُتْبِعُهَا طَلَاقًا آخَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: لَا يُطَلِّقُ أَحَدٌ لِلسُّنَّةِ فَيَنْدَمُ - رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، (وَإِنْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي حَيْضِهَا أَوْ طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ - فَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 وَيَقَعُ، وَيُسْتَحَبُّ رَجَعَتُهَا، وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ،   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ - أَمَرَ ابْنَ عُمَرَ بِالْمُرَاجَعَةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَفِي لَفْظٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا؛ قَالَ: كَانَتْ تَبِينُ مِنْكَ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً» وَذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ غَيْرِهِ، وَقَالَ: كُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ؛ وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ فِي مَحَلِّهِ، فَوَقَعَ كَطَلَاقِ الْحَامِلِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِرْبَةٍ، فَيُعْتَبَرُ؛ لِوُقُوعِهِ مُوَافَقَةَ السُّنَّةِ، بَلْ هُوَ إِزَالَةُ عِصْمَةٍ وَقَطْعُ مِلْكٍ، فَإِيقَاعُهُ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ أَوْلَى تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَعُقُوبَةً لَهُ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ طُهْرِكِ، وَلَمْ يَطَأْ فِيهِ، وَكَلَامُ الْأَكْثَرِ: أَنَّهُ مُبَاحٌ، إِلَّا عَلَى رِوَايَةِ " الْقُرُوءِ ": الْأَطْهَارِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": تَحَمُّلُهَا مَاءَهُ فِي مَعْنَى وَطْء، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، وَالسَّبْعَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ قَبْلَ الْعِدَّةِ، فَإِذَا طَلَّقَ فِي غَيْرِهِ، لَمْ يَقَعْ، كَالْوَكِيلِ إِذَا أَوْقَعَهُ فِي زَمَنٍ، أَمَرَهُ مُوَكِّلُهُ بِإِيقَاعِهِ فِي غَيْرِهِ (وَيُسْتَحَبُّ رَجَعَتُهَا) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِهِ ابْنَ عُمَرَ، وَأَدْنَى أَحْوَالِهِ الِاسْتِحْبَابُ؛ وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَا يَرْتَفِعُ بِالرَّجْعَةِ، فَلَمْ تَجِبِ الرَّجْعَةُ فِيهِ كَالطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَجِبُ فِيهِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْجَمِيعِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ) ذَكَرَهَا فِي " الْمُوجَزِ " و" التَّبْصِرَةِ " و" التَّرْغِيبِ "، وَاخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى؛ لِظَاهِرِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَا؛ وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَجْرِي مَجْرَى اسْتِبْقَاءِ النِّكَاحِ، وَهُوَ وَاجِبٌ، بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ، وَعَنْهُ: تَجِبُ فِي حَيْضٍ، اخْتَارَهُ فِي " الْإِرْشَادِ " و" الْمُبْهِجِ "، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْخِلَافَ رَاجِعٌ إِلَى الصُّورَتَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّاهِرَ الْمُصَابَةُ فِيهِ لَا تَجِبُ رَجَعَتُهَا - رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَتَقَدَّمَ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ، فَاسْتَحَبَّ قَطْعَهُ بِهَا كَطَلَاقِ الْحَائِضِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 كُرِهَ، وَفِي تَحْرِيمِهِ رِوَايَتَانِ. و َإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا عَلَّقَهُ بِقِيَامٍ، فَقَامَتْ حَائِضًا، فَفِي " الِانْتِصَارِ ": مُبَاحٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": بِدْعِيٌّ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ: إِنْ عَلَّقَهُ بِقُدُومِهِ فَقَدِمَ فِي حَيْضِهَا - فَبِدْعَةٌ، وَلَا إِثْمَ، وَكَذَا طَلَاقُهَا فِي الطُّهْرِ الْمُتَعَقِّبِ لِلرَّجْعَةِ بِدْعِيٌّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ، وَاخْتَارَ فِي " التَّرْغِيبِ ": وَيَلْزَمُهُ وَطْؤُهَا. [إِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ] (وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) وَقِيلَ: أَوِ اثْنَتَيْنِ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ (فِي طُهْرٍ) - لَمْ يُقَيِّدْهُ فِي " الْفُرُوعِ " - (لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، كُرِهَ) ؛ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَحْرِيمِهِ (وَفِي تَحْرِيمِهِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَحْرُمُ، وَيَكُونُ تَارِكًا لِلِاخْتِيَارِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ «الْمُلَاعِنَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - وَفِي رِوَايَةِ دَاوُدَ: «فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْفَذَهُ» وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْكَرَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلسُّنَّةِ لَأَنْكَرَهُ، فَعَلَيْهَا: يُكْرَهُ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: هُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ، وَالثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ، وَهُوَ بِدْعَةٌ، وَيَقَعُ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] ، ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] ، وَمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا، لَمْ يَبْقَ لَهُ أَمْرٌ يَحْدُثُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَقَامَ غَضْبَانًا، ثُمَّ قَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَقْتُلهُ» ؛؛ وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْبُضْعِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَحُرِّمَ كَالظِّهَارِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُهُ بِالتَّكْفِيرِ، وَالثَّالِثَةُ: يَحْرُمُ فِي الطُّهْرِ لَا الْأَطْهَارِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ فَهُوَ لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ بِدْعَةً، وَقَالَ الْمَجْدُ: هُوَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَوْقَعَ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ - وَقَعَ الثَّلَاثُ، رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَنْ طَلَّقَ الْبِكْرَ ثَلَاثًا فَهُوَ وَاحِدَةٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 حَامِلًا قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا - فَلَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا، وَلَا بِدْعَةَ إِلَّا فِي الْعَدَدِ، وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ   [المبدع في شرح المقنع] وَحَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَابْنِ مُقَاتِلٍ: أَنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ، وَأَنْكَرَ النَّوَوِيُّ حِكَايَتَهُ عَنِ الْحَجَّاجِ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَأَوْقَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ ثَلَاثٍ - مَجْمُوعَةٍ أَوْ مُفَرَّقَةٍ قَبْلَ رَجْعَةٍ - وَاحِدَةً، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، وَلَمْ يُوقِعْهُ عَلَى حَائِضٍ وِفَاقًا لِابْنِ عَقِيلٍ فِي " الْوَاضِحِ "؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِلْفَسَادِ، وَلَا فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ، وَقَالَ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ فِي إِيقَاعِ الثَّلَاثِ: إِنَّمَا جَعَلَهُ لِإِكْثَارِهِمْ مِنْهُ، فَعَاقَبَهُمْ عَلَى الْإِكْثَارِ منه، لَمَّا عَصَوْا بِجَمْعِ الثَّلَاثِ، فَيَكُونُ عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ مِنَ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، لَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْهُ وَأَظْهَرُوهُ، سَاغَتِ الزِّيَادَةُ عُقُوبَةً، ثُمَّ هذه العقوبة إِنْ كَانَتْ لَازِمَةً مُؤَبَّدَةً كَانَتْ حَدًّا، وَإِنْ كَانَ الْمَرْجِعُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ - كَانَ تَعْزِيرًا. [إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا] (وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، أَوْ حَامِلًا قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا - فَلَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا، وَلَا بِدْعَةَ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ: (إِلَّا فِي الْعَدَدِ) أَيْ: يَثْبُتَانِ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ، وهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَحَاصِلُهُ: إنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَكَذَا الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ، فَلَا تَحْصُلُ الرِّيبَةُ، وَالْحَامِلُ الَّتِي اسْتَبَانَ حَمْلُهَا عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا رِيبَةَ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا قَدِ اسْتَبَانَ، وَإِنَّمَا شَرْطُهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا وَلَمْ يَسْتَبِنْ حَمْلُهَا فَطَلَّقَهَا ظَنًّا أَنَّهَا حَائِلٌ، ثُمَّ ظَهَرَ حَمْلُهَا - رُبَّمَا نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ، وَحكي فِي " الْمُغْنِي ": أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْحَامِلَ طَلَاقُهَا ليس لِلسُّنَّةِ ولَا للبدعة، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَفِيمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ السُّنَّةَ مَا وَافَقَ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمَنْ طَلَّقَ أَحَدَ هَؤُلَاءِ، فَقَدْ وَافَقَ طَلَاقُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ سُنَّةٌ، فَكَذَا فِي الْحَمْلِ، لَكِنَّ الْحَامِلَ الَّتِي اسْتَبَانَ حَمْلُهَا قَدْ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَلَا يَخَافُ ظُهُورَ أَمْرٍ يَتَجَدَّدُ بِهِ النَّدَمُ، وَلَيْسَتْ بِمُرْتَابَةٍ لِعَدَمِ اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 لِلسُّنَّةِ، أَوْ قال لِلْبِدْعَةِ - طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، طُلِّقَتْ إِذَا طَهُرَتْ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، طُلِّقَتْ إِذَا طَهَرَتْ مِنَ الْحَيْضَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ   [المبدع في شرح المقنع] وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُطَلِّقَ حَائِضًا، لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَعَنْهُ: سُنَّةُ الْوَقْتِ تَثْبُتُ لِحَامِلٍ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، فَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، طُلِّقَتْ بِالْوَضْعِ، وَعَلَى الْأُولَى: لَوْ قَالَ لِإِحْدَاهُنَّ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ طَلْقَةً، وَلِلْبِدْعَةِ طَلْقَةً - وَقَعَتَا، وَيَدِينُ فِي غَيْرِ آيِسَةٍ إِذَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ، وَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ لِصَغِيرَةٍ أَوْ غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ إِذَا حَاضَتِ الصَّغِيرَةُ، أَوْ أُصِيبَتْ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا - دِينَ، وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ، فَإِنْ قَالَ فِي طُهْرٍ جَامَعَ فِيهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، فَيَئِسَتْ مِنَ الْمَحِيضِ - لَمْ تُطَلَّقْ، وَكَذَا إِنِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا إِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ طَلَاقَ الْحَائِضِ طَلَاقَ سُنَّةٍ، فَيَقَعُ. [إِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ قَالَ لِلْبِدْعَةِ] (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، أَوْ قَالَ: لِلْبِدْعَةِ - طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ، فَلَغَتِ الصِّفَةُ، وَبَقِيَ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَذَلِكَ يُوجِبُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ، وَأَنْ يَكُونَ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَلْفُوظٍ بِهِ وَلَا مَنَوِيٍّ، وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْبِدْعَةِ، (وَإِنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى السُّنَّةِ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ، وَذَلِكَ وَقْتُهَا (وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، طُلِّقَتْ إِذَا طَهُرَتْ) ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ قَدْ وُجِدَتْ (وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، طُلِّقَتْ إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ وَقْتُ السُّنَّةِ فِي حَقِّهَا، لَا سُنَّةَ لَهَا قَبْلَهَا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، نِصْفُهَا لِلسُّنَّةِ، وَنِصْفُهَا لِلْبِدْعَةِ - طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَتَيْنِ، وَالثَّالِثَةُ فِي ضِدِّ حَالِهَا الرَّاهِنَةِ، قَالَ الْقَاضِي: وَإِنْ نَوَى تَأْخِيرَ اثْنَتَيْنِ فَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا فِي الْحَالِ لِتَبْعِيضِ كُلِّ طَلْقَةٍ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ - طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، طُلِّقَتْ إِذَا أَصَابَهَا أَوْ حَاضَتْ، وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا فِي أول طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى تُطَلَّقُ فِيهِ وَاحِدَةً، وَتُطَلَّقُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي طُهْرَيْنِ فِي نِكَاحَيْنِ إِنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً، وَهِيَ مِنَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ - لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ قَالَ لِطَاهِرٍ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، فَقِيلَ: تَلْغُو الصِّفَةُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، فَإِنْ قَالَ لِحَائِضٍ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فِي الْحَالِ - لَغَتِ الصِّفَةُ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَثَلَاثًا لِلْبِدْعَةِ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا فِي الْحَالِ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ - طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ وَقْتُ الْبِدْعَةِ، وَيَنْزِعُ فِي الْحَالِ إِنْ كَانَ ثَلَاثًا، فَإِنْ بَقِيَ، حُدَّ عَالِمٌ وَعُزِّرَ جَاهِلٌ (وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، طُلِّقَتْ إِذَا أَصَابَهَا أَوْ حَاضَتْ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتٌ لِلْبِدْعَةِ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِيهِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ: لِلْبِدْعَةِ (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا فِي أَوَّلِ طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ سُنَّةٌ عَلَى رِوَايَةٍ، وَيَقَعُ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ سُنَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا طُلِّقَتْ ثَلَاثًا إِذَا طَهُرَتْ (وَفِي الْأُخْرَى تُطَلَّقُ فِيهِ) أَيْ: فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ (وَاحِدَةٌ، وَتُطَلَّقُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي طُهْرَيْنِ فِي نِكَاحَيْنِ) أَوْ بَعْدَ رَجْعَتَيْنِ إِنْ عَادَتْ إِلَيْهِ (إِنْ أَمْكَنَ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَانَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَعُدْ إِلَيْهِ - لَمْ يُمْكِنْ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ؛ لِعَدَمِهِ، وَعَنْهُ: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهَا، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي لِلسُّنَّةِ إِيقَاعُ وَاحِدَةٍ فِي الْحَالِ، وَاثْنَتَيْنِ فِي نِكَاحَيْنِ آخَرَيْنِ - قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَقَعَ فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً - دِينَ، وَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ. فَرْعٌ: مَنْ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ جَازَ طَلَاقُهَا فِي الْحَيْضِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ وَهِيَ حَائِضٌ - فَهَلْ هُوَ لِلسُّنَّةِ أَوِ الْبِدْعَةِ؛ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً، وهِيَ مِنَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ - لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تَحِيضَ، فَتُطَلَّقُ فِي كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةً) الْأَشْهَرُ عِنْدَنَا: أَنَّ الْقُرُوءَ الْحِيَضُ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ، وَقَعَ بِهَا وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ، وَيَقَعُ بِهَا طَلْقَتَانِ فِي قُرْأَيْنِ آخَرَيْنِ فِي أَوَّلِهِمَا، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْقُرُوءُ: الْحِيَضُ أَوِ الْأَطْهَارُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا، إِلَّا أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِالْأُولَى، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِهَا وَقَعَ فِي الْقُرْءِ الثَّانِي طَلْقَةٌ أُخْرَى، وَكَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 تَحِيضَ، فَتُطَلَّقُ فِي كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةً. وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرُوءُ: الْأَطْهَارُ، فَهَلْ تُطَلَّقُ طَلْقَةً في الْحَال يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَيَقَعُ بِهَا الْبَاقِي فِي الْأَطْهَارِ الْبَاقِيَةِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقَ وَأَجْمَلَهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، وَإِنْ قَالَ: أَقْبَحَ الطَّلَاقِ وَأَسْمَجَهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: لِلْبِدْعَةِ. إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ: أَحسن أَحْوَالِكِ أَوْ أَقْبَحُهَا أَنْ تَكُون   [المبدع في شرح المقنع] الْحُكْمُ فِي الثَّالِثَةِ (وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرُوءُ: الْأَطْهَارُ، فَهَلْ تُطَلَّقُ طَلْقَةً فِي الْحَالِ؛ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا: تُطَلَّقُ طَلْقَةً فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ قَبْلَ الْحَيْضِ كُلُّهُ قُرْءٌ وَاحِدٌ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مِنَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ أَوْ لَا، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ بِالطُّهْرِ قَبْلَ الْحَيْضِ مِنْ عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي وَجْهٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْءًا لَمْ يُطَلِّقْ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ حَاضَتْ وَمَنْ لَمْ تَحِضْ (وَيَقَعُ بِهَا الْبَاقِي فِي الْأَطْهَارِ الْبَاقِيَةِ) ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ قَبْلَ الْحَيْضِ كُلُّهُ قُرْءٌ وَاحِدٌ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ وَأَجْمَلَهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ السُّنِّيَّ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ وَأَجْمَلُهُ، كَقَوْلِهِ: أَعْدَلُهُ، وَأَكْمَلُهُ، وَأَفْضَلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَقْبَحَ الطَّلَاقِ وَأَسْمَجَهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: لِلْبِدْعَةِ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْبِدْعِيَّ أَقْبَحُ الطَّلَاقِ وَأَسْمَجُهُ، أَيْ: تُطَلَّقُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُطَلَّقُ فِيهِ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا تُطَلَّقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زَمَنُ الْبِدْعَةِ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ إِلَّا فِي الْحَيْضِ فَقَطْ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْخُلَاصَةِ " كَقَوْلِهِ أَفْحَش الطَّلَاقِ، أَوْ أَرْدَأهُ، أَوْ أَنْتَنهُ، فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ بِدْعَةٍ، وَإِلَّا وَقَفَ إِلَى زَمَانِهَا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": فَهُوَ ثَلَاثٌ إِنْ قُلْنَا: جَمْعُهُ بِدْعَةٌ، وَحَكَاهُ فِي " الشَّرْحِ " عَنْ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ فِي وَقْتِ الْبِدْعَةِ، لِيَكُونَ جَامِعًا لِبِدَعِيِّ الطَّلَاقِ، وَفِي " الْفُصُولِ ": وَعِنْدِي يَجِبُ أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ فِي الْحَيْضِ أَوِ الطُّهْرِ الْمُجَامَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ لِمَا فِيهِ مِنِ اجْتِمَاعِ الضِّيقِ عَلَى النَّفْسِ، وَقَطْعِ الرَّجْعَةِ وَالْعَوْدِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَفِيهِ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ، فَمَتَى أَوْقَعَنَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ، كَانَ فَاحِشًا، لَكِنْ هُنَاكَ مَا هُوَ أَفْحَشُ، فَمَا أَعْطَيْنَا اللَّفْظَةَ حَقَّهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: عِنْدِي أَجْوَدُ نَفِدَ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِشَيْءٍ فَوْقَهُ أَجْوَدَ مِنْهُ - لَمْ يُقْبَلْ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ طَلَاقَ السُّنَّةِ؛ لِيَتَأَخَّرَ الطَّلَاقُ عَنْ نَفْسِهِ إِلَى زَمَنِ السُّنَّةِ - لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَحْتَمِلُهُ (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ: أَحسن أَحْوَالِكَ أَوْ أَقْبَحُهَا أَنْ تَكُون مُطْلَقَةً، فَيَقَعُ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ " أَنْتِ طَالِقٌ " يَقْتَضِي وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 مُطَلَّقَةً، فَيَقَعُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ. بَابُ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ وَصَرِيحُهُ: لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ:   [المبدع في شرح المقنع] تَأَخَّرَ إِلَى زَمَنِ السُّنَّةِ كَعَكْسِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ عَمَلًا بِالْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِصِفَتَيْنِ مُضَادَّتَيْنِ، فَلَغَتَا، وَبَقِيَ مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ، فَوَقَعَ، فَإِنْ قَالَ: إِنَّهَا حَسَنَةٌ لِكَوْنِهَا فِي زَمَانِ السُّنَّةِ، وَقُبْحُهَا لِإِضْرَارِهَا بَلْ أَوْ قَالَ: إِنَّهَا حَسَنَةٌ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ شِرْكٍ وَقُبْحِهِ؛ لِكَوْنِهَا فِي زَمَانِ الْبِدْعَةِ، كَانَ ذَلِكَ يُرْجَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَنْهُ، دِينَ، وَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ. مَسْأَلَةٌ: يُبَاحُ الْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ بِسُؤَالِهَا فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ، وَقِيلَ: هُوَ بِدْعَةٌ، وَتَنْقَضِي بِدْعَتُهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، وَقِيلَ: بِالْغَسْلِ، لِأَثَرٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ. [بَابُ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ] [صَرِيحُهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ] بَابُ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ إِنَّمَا انْقَسَمَ إِلَيْهمَا؛ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ، فَكَانَ لَهُ صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ كَالْعِتْقِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْإِزَالَةُ، فَالصَّرِيحُ: هُوَ الَّذِي يُفِيدُ حُكْمَهُ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ شَيْءٍ إِلَيْهِ، وَعَكْسُهُ: الْكِنَايَةُ، وَيَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الصَّرِيحِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِغَيْرِ لَفْظٍ، فَلَوْ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ لَمْ يَقَعْ، خِلَافًا لِابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ، وَرَدَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ، فَلَمْ تَحْصُلْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَالْعِتْقِ، وَكَذَا إِنْ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ، لَمْ يَقَعْ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ. (وَصَرِيحُهُ: لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ) بِغَيْرِ أَمْرٍ وَمُضَارِعٍ (فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 صَرِيحُهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: الطَّلَاقُ إجماعا، وَالْفِرَاقُ، وَالسَّرَاحُ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُنَّ، فَمَتَى   [المبدع في شرح المقنع] مَوْضُوعٌ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ، ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشَّارِعِ وَالِاسْتِعْمَالُ، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوِ الطَّلَاقُ، أَوْ طَلَّقْتُكِ، أَوْ مُطَلَّقَةٌ، فَهُوَ صَرِيحٌ، وَعَنْهُ فِي " أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ ": لَيْسَ بِصَرِيحٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ أَنْ يُرِيدَ طَلَاقًا مَاضِيًا، وَقِيلَ: وَطَلَّقْتُكِ كِنَايَةٌ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ وَالْخَبَرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: هُوَ إِنْشَاءٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ: أَنَّ الْعُقُودَ الشَّرْعِيَّةَ بِلَفْظِ الْمَاضِي إِخْبَارٌ، وَقَالَ شَيْخُنَا: هَذِهِ الصِّيَغُ إِنْشَاءٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا أَثْبَتَتِ الْحُكْمَ وَبِهَا تَمَّ، وَهِيَ إِخْبَارٌ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي فِي النَّفْسِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَالْجد، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاقَ وَالسَّرَاحَ يُسْتَعْمَلَانِ في غَيْرَ الطَّلَاقِ كَثِيرًا، فَلَمْ يَكُونَا صَرِيحَيْنِ فِيهِ كَسَائِرِ كِنَايَاتِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا} [آل عمران: 103] الْآيَةَ، {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4] وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّلَاقَ، إِذِ الْآيَةُ فِي الرَّجْعِيَّةِ، وَهِيَ إِذَا قَارَنَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا، فَإِمَّا أَنْ يُمْسِكَهَا بِرَجْعَةٍ، وَإِمَّا أَنْ تُتْرَكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَتُسَرَّحُ، فَالْمُرَادُ بِالتَّسْرِيحِ فِي الْآيَةِ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الْإِرْسَالُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا، فَقَالَ: يَا طَالِقُ، وَلَمْ يُرِدْ طَلَاقَهَا، أَوْ أَرَادَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا، فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ: " أَنْتِ "، يَقَعُ، وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ " طَالِقٌ " وَبَعْدَ قَوْلِهِ: ثَلَاثًا، وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَقِيلَ: بَلْ طَلْقَةٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. فَرْعٌ: إِذَا فَتَحَ تَاءَ أَنْتِ، طُلِّقَتْ، خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي الْوَفَاءِ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْخِلَافِ لَوْ قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهَا: كُلَّمَا قُلْتِ لِي قَوْلًا وَلَمْ أَقُلْ لَكِ مِثْلَهُ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَهُ - طُلِّقَتْ وَلَوْ عَلَّقَهُ. وَلَوْ كَسَرَ التَّاءَ، تَخَلَّصَ، وَبَقِيَ مُعَلَّقًا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ: وَلَهُ جَوَابٌ آخَرُ بِقَوْلِهِ بِفَتْحِ التَّاءِ، فَلَا يَجِبُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَهُ التَّمَادِي إِلَى قُبَيْلِ الْمَوْتِ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ ذَلِكَ مَعْلُومٌ، فَزَوَّجْتُكَ بِفَتْحٍ وَنَحْوِهِ يَتَوَجَّهُ مِثْلَهُ، وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقِيلَ: مِنْ عَامِّيٍّ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": يَصِحُّ جَهْلًا أَوْ عَجْزًا، وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ) وَأَبُو بَكْرٍ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَفِي " الْوَاضِحِ " اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ: (صَرِيحُهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: الطَّلَاقُ - إِجْمَاعًا، وَالْفِرَاقُ، وَالسَّرَاحُ) كَالطَّلَاقِ لِوُرُودِهِمَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَقَعَ - نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وِثَاقٍ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: طَاهِرٌ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ، أَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ، لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِذَا ادَّعَى ذَلِكَ، دِينَ، وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إِلَّا أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} [النساء: 130] الْآيَةَ؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] ؛ وَلِأَنَّهُمَا فُرْقَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَكَانَا صَرِيحَيْنِ فِيهِ كَلَفْظِ الطَّلَاقِ (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُنَّ) كَالْمُتَصَرِّفِ مِنَ الطَّلَاقِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى لَفْظِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ مُخْتَصُّ بِذَلِكَ سَابِقٌ إِلَى الْأَفْهَامِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَلَا دَلَالَةٍ (فَمَتَى أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَقَعَ - نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ سَائِرَ الصَّرَائِحِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، فَكَذَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ جَادًّا أَوْ هَازِلًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعُ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ، وَسَنَدُهُ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْهُ: أَنَّ الصَّرِيحَ يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ، مِنْ غَضَبٍ، أَوْ مُحَاوَرَةٍ فِي كَلَامٍ. (وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وِثَاقٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا: مَا يُوثَقُ بِهِ الشَّيْءُ مِنْ حَبْلٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: طَاهِرٌ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ) فَقَالَ: طَالِقٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَارٍ مَجْرَى لَفْظِ الْحَاكِي (أَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ، لَمْ تُطَلَّقْ) ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ عَدَمَ إِيقَاعِ طَلَاقِهَا، فَوَجَبَ أَلَّا يَقَعَ، كَمَا لَوِ اتَّصَلَ بِكَلَامِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وِثَاقٍ (وَإِذَا ادَّعَى ذَلِكَ، دِينَ) بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ، وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَعَنْهُ: كَهَازِلٍ عَلَى الْأَصَحِّ (وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي الْحُكْمِ) وَلَا قَرِينَةَ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: تُقْبَلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا غَيْرَ بَعِيدٍ، فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ، وَأَرَادَ بِالثَّانِيَةِ التَّأْكِيدَ، وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ الْأَشْهَرُ، وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ ": أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ فِي الْعُرْفِ، فَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: زُيُوفًا، أَوْ إِلَى شَهْرٍ (إِلَّا) عَلَى الْأُولَى (أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 يَكُونَ فِي حَالِ الْغَضَبِ، أَوْ بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقُ - فَلَا يُقْبَلُ، وَفِيمَا إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ قَبْلِي، وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُقْبَلُ إِنْ كَانَ وَجَدَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ؛ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرَادَ الْكَذِبَ - طُلِّقَتْ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَكَ امْرَأَةٌ؛ قَالَ: لَا،   [المبدع في شرح المقنع] الْغَضَبِ، أَوْ بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ - فَلَا يُقْبَلُ) ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الظَّاهِرَ مِنْ جِهَتَيْنِ: مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَدَلَالَةُ الْحَالِ (وَفِيمَا إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ قَبْلِي وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُقْبَلُ إِنْ كَانَ وُجِدَ) ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: لَا يُقْبَلُ إِنْ لَمْ يَكُنْ وُجِدَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ، وَكَذَا قُبِلَ لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُهَا، ثُمَّ قَالَ: فِي نِكَاحٍ آخَرَ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُرْفَعْ إِلَى حَاكِمٍ، فَلَوِ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ هَازِلًا، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَدِينُ هُوَ، وَلَا سَكْرَانُ، كَمَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا فِي الْحُكْمِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ إِنْ قُمْتِ - قُبِلَ، وَقِيلَ: لَا، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إِنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَادَّعَى أَنَّ مَعَهُ شَرْطًا آخَرَ، وَأَوْقَعَهُ فِي " الْفُنُونِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْإِنْسَانِ فِي رَدِّ شَاهِدَيْنِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ بِبَيْعٍ، ثُمَّ ادَّعَى عَزْلًا أَوْ خِيَارًا. [لَوْ قِيلَ لَهُ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ قَالَ نَعَمْ وَأَرَادَ الْكَذِبَ] (وَلَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ؛ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرَادَ الْكَذِبَ - طُلِّقَتْ) وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ " نَعَمْ " صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ، وَالْجَوَابُ الصَّرِيحُ لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ صَرِيحٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَيْكَ أَلْفٌ؛ قَالَ: نَعَمْ - وَجَبَتْ، فَلَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ؛ فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَرَدْتُ الْإِيقَاعَ - وَقَعَ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنِّي عَلَّقْتُ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ - قُبِلَ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَخْلَيْتَهَا؛ قَالَ: نَعَمْ، فَكِنَايَةٌ (وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَكَ امْرَأَةٌ؛ قَالَ: لَا، وَأَرَادَ الْكَذِبَ، لَمْ تُطَلَّقْ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَالِي امْرَأَةٌ كِنَايَةٌ تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا نَوَى الْكَذِبَ فَمَا نَوَى الطَّلَاقَ، فَلَمْ يَقَعْ، وَقِيلَ: تُطَلَّقُ فِي الْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ: كُنْتُ طَلَّقْتُهَا، وَهَكَذَا إِذَا نَوَى أَنَّهُ لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ تَخْدِمُنِي أَوْ تُرْضِينِي، أَوْ لَا امْرَأَةَ لِي، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، لَمْ تُطَلَّقْ لِعَدَمِ النِّيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْكِنَايَةِ. فَرْعٌ: مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَمْ يُؤَاخَذْ بِإِقْرَارِهِ لِمَعْرِفَةِ مُسْتَنَدِهِ، وَيُقْبَلْ بِيَمِينِهِ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِي إِقْرَارِهِ ذَلِكَ مِمَّنْ يَجْهَلُهُ مِثْلُهُ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 وَأَرَادَ الْكَذِبَ، لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ لَطَمَ امْرَأَتَهُ إذا أَطْعَمَهَا أَوْ سَقَاهَا، وَقَالَ: هَذَا طَلَاقُكِ - طُلِّقَتْ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّ هَذَا سَبَبُ طَلَاقِكَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَيْءَ، أَوْ لَيْسَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَا يَلْزَمُكَ - طُلِّقَتْ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا، أَوْ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا - لَمْ يَقَعْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ، وَإِنْ كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ، وَنَوَى الْإِيقَاعَ -   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ لَطَمَ امْرَأَتَهُ) أَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ دَارِهَا، أَوْ أَلْبَسَهَا ثَوْبًا، أَوْ قَبَّلَهَا وقَالَ: هَذَا طَلَاقُكِ، طُلِّقَتْ إِنْ نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ صَرِيحٌ، فَيَقَعُ مُطْلَقًا، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَعَلَى قِيَاسِهِ (إِذَا أَطْعَمَهَا أَوْ سَقَاهَا، وَقَالَ: هَذَا طَلَاقُكِ - طُلِّقَتْ) اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ؛ لِأَنَّ تَقْرِيرَهُ: أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ طَلَاقًا هَذَا الْفِعْلُ مِنْ أَجْلِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ صَرِيحًا، وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: لَا يَقَعُ بِهِ وَإِنْ نَوَى، وَالْأَشْهَرُ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ؛ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ، فَصَحَّ أَنْ يُعَبِّرَ بِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ، وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ، أَوْ فِي حَالِ الْغَضَبِ - وَقَعَ (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّ هَذَا سَبَبُ طَلَاقِكِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) فَيَدِينُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا نَوَى بِالصَّرِيحِ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، لَمْ يَقَعْ، فَلِأَنْ لَا يَقَعَ هَذَا بِطْرِيقِ الْأُولَى، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ فِي زَمَانٍ بَعْدَ هَذَا الزَّمَانِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": لَوْ أَطْعَمَهَا أَوْ سَقَاهَا فَفِي كَوْنِهِ كَالضَّرْبِ وَجْهَانِ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَيْءَ، أَوْ لَيْسَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَا يَلْزَمُكِ) ، أَوْ لَا يَقَعُ عَلَيْكِ، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا يَنْقُصُ بِهَا عَدَدُ الطَّلَاقِ - (طُلِّقَتْ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رَفْعٌ لِجَمِيعِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، فَلَمْ يَصِحَّ كَاسْتِثْنَاءِ الْجَمِيعِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " - فِي " أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَيْءَ " - وَجْهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا، أَوْ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا - لَمْ يَقَعْ) عَلَى الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِفْهَامٌ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ، خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا لِلْإِيقَاعِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ إِيقَاعٌ لَمْ يُعَارِضْهُ اسْتِفْهَامٌ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ وَجْهٌ لِاسْتِوَائِهَا فِي الِاسْتِفْهَامِ، وَفِي آخَرَ: تُطَلَّقُ فِي الثَّانِيَةِ. وَاحِدَةٌ دُونَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " أَوْ لَا " يَرْجِعُ إِلَى مَا يَلِيهِ مِنْ لَفْظِ وَاحِدَةٍ دُونَ لَفْظِ الْإِيقَاعِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَفَرَّقَ فِي " الْمُغْنِي " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 وَقَعَ، وَإِنْ نَوَى تَجْوِيدَ خَطِّهِ، أَوْ غَمَّ أَهْلِهِ، لَمْ يَقَعْ، وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَهَلْ يَقَعُ؟ عَلَى وجهين، وَإِنْ كَتَبَهُ بِشَيْءٍ لَا يَتَبَيَّنُ،   [المبدع في شرح المقنع] و" الشَّرْحِ " بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ صِفَةٌ لِلطَّلْقَةِ الْوَاقِعَةِ، فَمَا اتَّصَلَ بِهِمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمَا، فَصَارَتْ كَالْأُولَى (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ يَكُونُ بِالْهَمْزَةِ وَنَحْوِهَا، فَيَقَعُ مَا أَوْقَعَهُ، وَلَا يَرْتَفِعُ بِمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ (وَإِنْ كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ) بِشَيْءٍ يُبَيِّنُ (وَنَوَى الْإِيقَاعَ - وَقَعَ) رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ حُرُوفٌ يُفْهَمُ مِنْهَا الطَّلَاقُ، أَشْبَهَتِ النُّطْقَ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْكَاتِبِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مَأْمُورًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، فَبَلَّغَ بِالْقَوْلِ مَرَّةً، وَبِالْكِتَابَةِ أُخْرَى؛ وَلِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي يَقُومُ مَقَامَ نُطْقِهِ فِي إِثْبَاتِ الدُّيُونِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ صَرِيحٌ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَذَكَرَهُ الْحُلْوَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَغْوٌ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ بِنَاءً عَلَى إِقْرَارِهِ بِخَطِّهِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا صِحَّةُ الْوَلَايَةِ بِالْخَطِّ، وَصِحَّةَ الْحُكْمِ بِهِ. (وَإِنْ نَوَى تَجْوِيدَ خَطِّهِ، أَوْ غَمَّ أَهْلِهِ، لَمْ يَقَعْ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِاللَّفْظِ غَيْرَ الْإِيقَاعِ، فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى، وَعَنْهُ: بَلَى؛ لِأَنَّ تَجْوِيدَ الْخَطِّ وَغَمَّ أَهْلِهِ لَا يُنَافِي الْإِيقَاعَ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ نِيَّةَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الطَّلَاقُ: فَلَمْ يَقَعْ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ. (وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ فِي اللَّفْظِ الصَّرِيحِ عَلَى قَوْلٍ، فَهُنَا أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ غَمَّ أَهْلِهِ بِتَوَهُّمِ الطَّلَاقِ دُونَ حَقِيقَتِهِ، فَلَا يَكُونُ نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي» الْخَبَرَ؛ وَلِأَنَّ غَمَّ أَهْلِهِ يَحْصُلُ بِالطَّلَاقِ، فَيَجْتَمِعُ غَمُّ أَهْلِهِ وَوُقُوعُ طَلَاقِهِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مُؤَاخَذَتِهِ بِمَا نَوَاهُ عِنْدَ الْعَمَلِ بِهِ أَوِ الْكَلَامِ، فَإِنْ قَرَأَ مَا كَتَبَهُ فَفِي قَبُولِهِ حُكْمًا الْخِلَافُ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَهَلْ يَقَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ الشَّرِيفَ خَرَّجَهَا فِي " الْإِرْشَادِ " عَلَى رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: يَقَعُ، قَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَقَعُ إِلَّا بِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُحْتَمَلَةٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 لَمْ يَقَعْ. وقال أبو حفص: يقع وَصَرِيحُ الْكِنَايَةِ فِي لِسَانِ الْعَجَمِ: " بِهِشْتَمْ "، فَإِنْ قَالَهُ الْعَرَبِيُّ وَلَا يَفْهَمُهُ - لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ نَوَى مُوجَبَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] بِهَا تَجْرِبَةَ الْقَلَمِ وَتَجْوِيدَ الْخَطِّ، فَلَمْ يَقَعْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ. (وَإِنْ كَتَبَهُ بِشَيْءٍ لَا يَتَبَيَّنُ) كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ فِي مَاءٍ (لَمْ يَقَعْ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِمَا لَا تَثْبُتُ، كَالْهَمْسِ بِلِسَانِهِ بِمَا لَا يُسْمَعُ. (وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَقَعُ) وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَتَبَهُ بِشَيْءٍ يُبَيِّنُ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِغَيْرِ لَفْظٍ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا: الْكِتَابَةُ بِشَرْطِهِ، وَالثَّانِي: الْأَخْرَسُ، فَإِنَّهُ إِذَا طَلَّقَ بِالْإِشَارَةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، فَلَوْ فَهِمَهَا الْبَعْضُ، فَكِنَايَةٌ، وَتَأْوِيلُهُ مَعَ صَرِيحٍ كَالنُّطْقِ، وَكِتَابَتُهُ طَلَاقٌ، وَيَقَعُ مِنَ الْعَدَدِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ، وَفِي " الشَّرْحِ ": إِذَا أَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ لَمْ يَقَعْ إِلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ إِشَارَتَهُ لَا تَكْفِي. [صَرِيحُ الطَّلَاقِ فِي لِسَانِ الْعَجَمِ] (وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ فِي لِسَانِ الْعَجَمِ: بِهِشْتَمْ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالْهَاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّاءِ، وَمَعْنَاهُ: خَلَّيْتُكِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ إِنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَةٌ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَجَمِيَّةِ صَرِيحٌ لِلطَّلَاقِ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهَا بِمَعْنَى خَلَّيْتُكِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى طَلَّقْتُكِ: خَلَّيْتُكِ. فَإِنْ زَادَ: " بسيار "، فَثَلَاثٌ، وَفِي " الْمُذْهَبِ " مَا نَوَاهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِالْفَارِسِيَّةِ عَلَى مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مِثْلُ كَلَامٍ عَرَبِيٍّ (فَإِنْ قَالَهُ الْعَرَبِيُّ وَلَا يَفْهَمُهُ - لَمْ يَقَعْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَرِ الطَّلَاقَ، لِعَدَمِ عِلْمِهِ (وَإِنْ نَوَى مُوجَبَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا يَقَعُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ اخْتِيَارٌ لِمَا لَا يَعْلَمُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاها، وَالثَّانِي: يَقَعُ بِنِيَّةٍ مُوجِبَةٍ عِنْدَ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالطَّلَاقِ نَاوِيًا مُقْتَضَاهُ، فَوَقَعَ كَمَا لَوْ عَلِمَهُ. فَرْعٌ: مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَيَقَعُ طَلَاقُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، و" عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، و" الْمُفْرَدَاتِ ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 فَصْلٌ وَالْكِنَايَاتُ نَوْعَانِ: ظَاهِرَةٌ، وَهِيَ سَبْعَةٌ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، وَبَرِيَّةٌ، وَبَائِنٌ، وَبَتَّةٌ، وَبَتْلَةٌ، وَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَأَنْتِ الْحَرَجُ. وَخَفِيَّةٌ نَحْوَ: اخْرُجِي، وَاذْهَبِي، وَذُوقِي، وَتَجَرَّعِي، وَخَلَّيْتُكِ، وَأَنْتِ مُخَلَّاةٌ، وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ، وَلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ، وَاعْتَدِّي،   [المبدع في شرح المقنع] [كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ] فَصْلٌ (وَالْكِنَايَاتُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ وَيُرِيدُ غَيْرَهُ، وَقَدْ كَنَّيْتُ عَنْ كَذَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: كَنَّيْتُ عَنِ الشَّيْءِ: سَتَرْتُهُ، وَالْمُرَادُ بِهَا أَنَّهَا تُشْبِهُ الصَّرِيحَ، وَتَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَلَا كِنَايَةٍ، نَحْوَ: قُومِي وَاقْعُدِي. (نَوْعَانِ: ظَاهِرَةٌ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ فِيهَا أَظْهَرُ مِنَ الثَّانِي (وَهِيَ سَبْعَةُ) أَلْفَاظٍ (أَنْتِ خَلِيَّةٌ) هِيَ فِي الْأَصْلِ: النَّاقَةُ تُطْلَقُ مِنْ عِقَالِهَا وَيُخَلَّى عَنْهَا، وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: خَلِيَّةٌ، كِنَايَةٌ عَنِ الطَّلَاقِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَجَعَلَ أَبُو جَعْفَرٍ مُخَلَّاةً كَخَلِيَّةٍ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. (وَبَرِيَّةٌ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ (وَبَائِنٌ) أَيْ: مُنْفَصِلَةٌ (وَبَتَّةٌ) بِمَعْنَى: مَقْطُوعَةٌ. (وَبَتْلَةٌ) بِمَعْنَى: مُنْقَطِعَةٍ، وَسُمِّيَتْ مَرْيَمُ: الْبَتُولُ؛ لِانْقِطَاعِهَا عَنِ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ. (وَأَنْتِ حُرَّةٌ) كَذَا ذَكَرَهَا الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا مِنَ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ هِيَ الَّتِي لَا رِقَّ عَلَيْهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ رِقٌّ، وَفِي الْخَبَرِ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ» أَيْ: أَسْرَى، وَالزَّوْجُ لَيْسَ لَهُ عَلَى الزَّوْجَةِ إِلَّا رِقُّ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِزَوَالِ الرِّقِّ، فَهُوَ الرِّقُّ الْمَعْهُودُ، وَهُوَ رِقُّ الزَّوْجِيَّةِ. (وَأَنْتِ الْحَرَجُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ يَعْنِي: الْحَرَامَ وَالْإِثْمَ، زَادَ فِي " الْمُغْنِي " أَمْرُكِ بِيَدِكِ، وَأَسْقَطَ: أَنْتِ الْحَرَجُ. وَزَادَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ، وَمِنْ حَيْثُ الْبَيْنُونَةِ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ؛ فِيهِ احْتِمَالَانِ. (وَخَفِيَّةٌ) هِيَ النَّوْعُ الثَّانِي، وَهِيَ أَخْفَى مِنَ الدَّلَالَةِ عَنِ الْأُولَى (نَحْوُ: اخْرُجِي) وَدَعِينِي أَوْ دَعِينِي، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ". (وَاذْهَبِي، وَذُوقِي، وَتَجَرَّعِي، وَخَلَّيْتُكِ، وَأَنْتِ مُخَلَّاةٌ) أَيْ: فَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: خَلِّي سَبِيلِي، فَهُوَ مُخَلًّى (وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) أَيْ: مُنْفَرِدَةٌ (وَلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ، وَاعْتَدِّي، وَاسْتَبْرِي) " اسْتَبْرِي " أَصْلُهُ الْهَمْزُ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 وَاسْتَبْرِي، وَاعْتَزِلِي، وَمَا أَشْبَهَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، وَتَزَوَّجِي مَنْ شِئْتِ، وَحَلَلْتِ لِلْأَزْوَاجِ، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكِ، هَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ أَوْ خَفِيَّةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: اسْتَبْرَأْتُ الْجَارِيَةَ، إِذَا تَرَكْتُهَا حَتَّى تَبْرَأَ رَحِمُهَا، وَتَبِينَ حَالُهَا، هَلْ هِيَ حَامِلٌ أَوْ لَا. (وَاعْتَزِلِي) اعْتَزَلَ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ بِمَعْزِلٍ مِنْهُ، فَمَعْنَى اعْتَزِلِي أَيْ: كُونِي وَحْدَكِ فِي جَانِبٍ. (وَمَا أَشْبَهَهُ) كَقَوْلِهِ: اخْتَارِي نَفْسَكِ، وَوَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ، وَلَا حَاجَةَ لِي بِكِ، وَاللَّهُ قَدْ أَرَاحَكِ مِنِّي، وَمَا بَقِيَ شَيْءٌ، وَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا فِيهِ، وَأَغْنَاكِ اللَّهُ، فَهَذَا يَقَعُ بِمَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَفِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " - فِي: " أَنْتِ وَاحِدَةٌ " -: يَقَعُ وَاحِدَةً، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَكْثَرَ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ طَلَّقَكِ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ: إِنْ كَانَ يُرِيدُ أَيَّ دُعَاءٍ يَدْعُو بِهِ، فَأَرْجُو أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَلَمْ يَجْعَلْهُ شَيْئًا مَعَ نِيَّةِ الدُّعَاءِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ شَيْءٌ مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِرَاقَ صَرِيحٌ، أَوْ لِلْقَرِينَةِ، يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي: إِنْ أَبْرَأْتِنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: أَبْرَأَكَ اللَّهُ مِمَّا يَدَّعِي النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ، فَظَنَّ أَنَّهُ يَبْرَأُ، فَطَلَّقَ قَالَ: يَبْرَأُ، أَوْ ظَهَرَ أَنَّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَوْلَيْنِ هَلْ يُعْمَلُ بِالْإِطْلَاقِ لِلْقَرِينَةِ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ أَمْ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ؛ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَاعَكِ، أَوْ قَدْ أَقَالَكِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. (وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ) الْغَارِبُ: مُقَدَّمُ السِّنَامِ، أَيْ: أَنْتِ مُرْسَلَةٌ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مَشْدُودَةٍ، وَلَا مُمْسَكَةٍ بِعَقْدِ النِّكَاحِ (وَتَزَوَّجِي مَنْ شِئْتِ، وَحَلَلْتِ لِلْأَزْوَاجِ، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ) السَّبِيلُ: الطَّرِيقُ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا} [الأعراف: 146] وقَوْله تَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: 108] (وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكِ) أَيْ: لَا وَلَايَةَ لِي عَلَيْكِ، وَالسُّلْطَانُ: الْوَالِي، مِنَ السَّلَاطَةِ وَهُوَ الْقَهْرُ. وَكَذَا: غَطِّ شَعْرَكِ، وَتَقَنَّعِي (هَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ أَوْ خَفِيَّةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهَا كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " كَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ أَعْتَقْتُكِ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ رِقٌّ. وَالثَّانِيَةُ: خَفِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَالَ لِابْنَةِ الْجَوْنِ: الْحَقِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 بِالْكِنَايَةِ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الطَّلَاقَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا حَالَ الْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ، فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِنْ جَاءَتْ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ، وَالْأَوْلَى فِي الْأَلْفَاظِ الَّذِي يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهَا لِغَيْرِ الطَّلَاقِ نَحْوَ: اخْرُجِي، وَاذْهَبِي،   [المبدع في شرح المقنع] بِأَهْلِكِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُطَلِّقَ ثَلَاثًا لِنَهْيِهِ عَنْهُ، وَكَاعْتَدِّي، وَاسْتَبْرِئِي، وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ - عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِنَّ، وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ: لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ، وَبَابُ الدَّارِ لَكِ مَفْتُوحٌ - كَأَنْتِ بَائِنٌ، وَفِي الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ وَجْهَانِ. [مِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الطَّلَاقَ] (وَمِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ) وَلَوْ ظَاهِرَةٌ فِيهَا رِوَايَةٌ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ (أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الطَّلَاقَ) ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ، فَلَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ كَالْخَفِيَّةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلَّفْظِ، وَقِيلَ: أَوَّلِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَوْ قَبْلَهُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فَإِنْ وُجِدَتْ فِي أَوَّلِهِ وَعُرِّيَتْ عَنْهُ فِي سَائِرِهِ - وَقَعَ، خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا حَالَ الْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ، فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا - وَهُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْحَابِ - أَنَّهَا تُطَلَّقُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ فِي الْغَضَبِ، أَخْشَى أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا، إِذْ دَلَالَةُ الْحَالِ كَالنِّيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُغَيِّرُ حُكْمَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: يَا عَفِيفَ ابْنَ الْعَفِيفِ حَالَ تَعْظِيمِهِ، كَانَ مَدْحًا، وَلَوْ قَالَهُ حَالَ الشَّتْمِ كَانَ ذَمًّا وَقَذْفًا. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَنْوِهِ، فَلَمْ يَقَعْ كَحَالَةِ الرِّضَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ لَمْ يُرِدْهُ أَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ - لَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا فِي الْأَشْهَرِ (وَإِنْ جَاءَتْ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ) ؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الْكِنَايَةِ عُقَيْبَ سُؤَالِهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى إِرَادَتِهِ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِوُقُوعِهِ عَمَلًا بِالدَّلَالَةِ الظَّاهِرَةِ (وَالْأَوْلَى فِي الْأَلْفَاظِ الَّذِي يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهَا لِغَيْرِ الطَّلَاقِ نَحْوُ: اخْرُجِي، وَاذْهَبِي، وَرُوحِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ حَتَّى يَنْوِيَهُ) ؛ لِأَنَّ مَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ إِذَا وُجِدَ عُقَيْبَ خُصُومَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِ طَلَاقٍ - لَا يُغْنِي عَنِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تَصْرِفُهُ عَنْ إِرَادَةِ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ مَا قَلَّ، فَلَوِ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِهَا؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَنْصَرِفُ إِلَى السُّؤَالِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَثَرٍ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ مُحْتَمَلٌ، فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ كُرِّرَ لَفْظًا، وَقَالَ: أَرَدْتُ التَّأْكِيدَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 وَرُوحِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقُهُ حَتَّى يَنْوِيَهُ. وَمَتَى نَوَى بِالْكِنَايَةِ الطَّلَاقَ، وَقَعَ بِالظَّاهِرَةِ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً، وَعَنْهُ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ   [المبدع في شرح المقنع] [مَتَى نَوَى بِالْكِتَابَةِ الطَّلَاقَ] (وَمَتَى نَوَى بِالْكِنَايَةِ الطَّلَاقَ) وَقَعَ بِهَا رَجْعِيٌّ مَا لَمْ يَقَعْ بِهِ الثَّلَاثُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلَّفْظِ، وَقِيلَ: أَوَّلُهُ فِي " الرِّعَايَةِ " أَوْ قَبْلَهُ، وَعَنْهُ: مَعَ خُصُومَةٍ وَغَضَبٍ، قَطَعَ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ وَغَيْرُهُ (وَقَعَ بِالظَّاهِرَةِ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي وَقَائِعَ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ بِالطَّلَاقِ، فَوَقَعَ ثَلَاثًا، كَمَا لَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا، وَإِفْضَاؤُهُ إِلَى الْبَيْنُونَةِ ظَاهِرٌ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُفَرِّقُوا؛ وَلِأَنَّ كُلَّ لَفْظَةٍ أَوْجَبَتِ الثَّلَاثَ فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا، أَوْجَبَتْهَا فِي غَيْرِهَا، كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَحَدِيثُ رُكَانَةَ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. (وَعَنْهُ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِمَا رَوَى رَكَانَةُ «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْت إِلَّا وَاحِدَةً، فَقَالَ رُكَانَةُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا وَاحِدَةً، فَرَدَّهَا إِلَيْهِ النَّبِيُّ _ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَفِي لَفْظٍ قَالَ: هُوَ مَا أَرَدْتُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا - يَعْنِي: الْبُخَارِيَّ - عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: فِيهِ اضْطِرَابٌ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَالَ لِابْنَةِ الْجَوْنِ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ» وَهُوَ لَا يُطَلِّقُ ثَلَاثًا. (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً) نَقَلَهَا حَنْبَلٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ اقْتَضَى الْبَيْنُونَةَ دُونَ الْعَدَدِ، فَوَقَعَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً كَالْخُلْعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ كَالْمُؤَلِّفِ، وَخَالَفَهُمُ الْمَجْدُ فَجُعِلَ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِي دَعْوَى عَدَمِ النِّيَّةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَةٍ إِلَّا بِنِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ خُصُومَةٍ أَوْ غَضَبٍ، أَوْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ، وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ - قُبِلَ مِنْهُ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ خَاصَّةً، وَقِيلَ: يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا نَوَى بِالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ دُونَهَا فَيَدِينَ فِيهِ، وَيَكُونَ رَجْعِيًّا، وَفِي قَبُولِهِ فِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ، وَعَنْهُ: يُقْطَعُ طَلْقَةً بَائِنَةً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 بَائِنَةٌ، وَيَقَعُ بِالْخَفِيَّةِ مَا نَوَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا، وَقَعَ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا مَا لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ نَحْوُ: كُلِي، وَاشْرَبِي، وَاقْعُدِي، وَاقْرَبِي، وَبَارَكَ اللَّهُ فِيكِ، وَأَنْتَ مَلِيحَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ - فَلَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَى، وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنَا طَالِقٌ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ، فَكَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ، فَهَلْ هُوَ كِنَايَةٌ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ، أَوِ الْبَتَّةَ، أو بِلَا رَجْعَةٍ، فَالْخِلَافُ السَّابِقُ ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ ": أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ بِهَا الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ بَتَّةَ، فَرَجْعِيَّةٌ، وَعَنْهُ: بَائِنَةٌ، وَعَنْهُ: ثَلَاثٌ، كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا، وَفِي " الْفُصُولِ " عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَاحِدَةً ": تَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْوَاحِدَةَ بِالثَّلَاثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَصَفَ الثَّلَاثَ بِالْوَاحِدَةِ، فَوَقَعَتِ الثَّلَاثُ، وَلَغَا الْوَصْفَ. (وَيَقَعُ بِالْخَفِيَّةِ مَا نَوَاهُ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْعَدَدِ، وَالْخَفِيَّةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الظَّاهِرَةِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ، وَيَكُونُ الْوَاقِعُ رَجْعِيًّا فِيمَا إِذَا نَوَاهَا، وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ فِي غَيْرِ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ، وَقَعَ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا، وَقَعَ وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ (وَأَمَّا مَا لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ - نَحْوَ: كُلِي، وَاشْرَبِي، وَاقْعُدِي، وَاقْرَبِي، وَبَارَكَ اللَّهُ فِيكِ، وَأَنْتِ مَلِيحَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ - فَلَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ (وَإِنْ نَوَى) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُحْتَمَلُ الطَّلَاقُ فِيهِ، فَلَوْ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. وَقِيلَ: كُلِي وَاشْرَبِي كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ: كُلِي أَلَمَ الطَّلَاقِ، وَاشْرَبِي كَأْسَ الْفِرَاقِ، فَوَقَعَ كَتَجَرَّعِي، وَجَوَابُهُ: أَنَّ اللَّفْظَ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} [الحاقة: 24] {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] فَلَمْ تَكُنْ كِنَايَةً، وَفَارَقَ تَجَرَّعِي وَذُوقِي، فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَكَارِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] (وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنَا طَالِقٌ) ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ. (فَإِنْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ، فَكَذَلِكَ) أَيْ: لَا تُطَلَّقُ زَوْجَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَثْرَمُ؛ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ مَالِكٌ فِي النِّكَاحِ، وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ، فَلَمْ يَقَعْ بِإِضَافَةِ الْإِزَالَةِ إِلَى الْمَالِكِ كَالْعِتْقِ (وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ) تُطَلَّقُ بِهِ بِالنِّيَّةِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إِزَالَةُ النِّكَاحِ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا صَحَّ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 أَوْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ - لَمْ يَقَعْ، وَكَانَ ظِهَارًا. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالثَّانِيَةُ: كِنَايَةٌ   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدِهِمَا صَحَّ فِي الْآخَرِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمَذْكُورَ لَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَوْ سَاوَى الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ لَوَقَعَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ؛ وَلِأَنَّ وُقُوعَهُ هُنَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَهُ فِي: أَنَا طَالِقٌ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (وَإِنْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ) أَوْ بَرِيءٌ (فَهَلْ هُوَ كِنَايَةٌ أَوْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ "، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَوَقَّفَ عَنْهَا أَحْمَدُ، أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ مَحَلٌّ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِضَافَةِ صَرِيحِهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَقَعْ بِإِضَافَةِ كِنَايَتِهِ إِلَيْهِ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَالثَّانِي: كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوصَفُ بِهِ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، يُقَالُ: بَانَ مِنْهَا، وَبَانَتْ مِنْهُ، وَحَرُمَ عَلَيْهَا، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ، وَبَرِئَ مِنْهَا، وَبَرِئَتْ مِنْهُ، وَكَذَا لَفْظُ الْفُرْقَةِ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا بَائِنٌ - بِحَذْفِ مِنْكِ -، فَذَكَرَ الْقَاضِي إِذَا قَالَ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، فَقَالَتْ: أَنْتَ بَائِنٌ، وَلَمْ تَقُلْ: مِنِّي - أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ قَالَتْ: أَنْتَ مِنِّي بَائِنٌ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، فَيَخْرُجُ هُنَا مِثْلُهُ. [إِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ] (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ - لَمْ يَقَعْ، وَكَانَ ظِهَارًا) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ، فَلَمْ يَكُنْ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ، كَمَا لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ صَرِيحًا فِي الظِّهَارِ؛ وَلِأَنَّ الظِّهَارَ تَشْبِيهٌ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالطَّلَاقُ يُفِيدُ تَحْرِيمًا غَيْرَ مُؤَبَّدٍ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ: أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ - لَمْ يَصِرْ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْكِنَايَةُ بِهِ عَنْهُ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ) أَوِ الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ ": أَوْ حَرَّمْتُكِ (فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ) عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَقَالَهُ عُثْمَانُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي الْحَرَامِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ؛ وَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، فَكَانَ ظِهَارًا، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ (وَالثَّانِيَةُ: كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ) نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَحَنْبَلٌ: الْحَرَامُ ثَلَاثٌ، حَتَّى لَوْ وَجَدْتَ رَجُلًا حَرَّمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 ظَاهِرَةٌ، وَالثَّالِثَةُ: يَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ - أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ - فَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ، فَرَّقْتَ بَيْنَهُمَا، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ كَرَاهَةُ الْفُتْيَا فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ. قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ حَرَامٌ كَانَ كِنَايَةً فِي وَجْهٍ، فَتَجِبُ إِذَا قَالَ: أَنْتِ حَرَامٌ كَذَلِكَ، وَعَنْهُ: كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ. (وَالثَّالِثَةُ) هُوَ (يَمِينُ) وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةُ. رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهُوَ يَمِينٌ، يُكَفِّرُهَا؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] فَجَعَلَ الْحَرَامَ يَمِينًا. قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: إِذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى يَمِينًا، ثُمَّ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ - لَا يُكَفِّرُ إِيلَاءً، إِنَّمَا الْإِيلَاءُ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا فَعَنْهُ - وَالْأَشْهَرُ -: أَنَّهُ ظِهَارٌ، فَإِنْ نَوَى ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا - فَظِهَارٌ، وَإِنْ قَالَهُ لِمُحَرَّمَةٍ بِحَيْضٍ وَنَحْوِهِ، وَنَوَى أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِهِ - فَلَغْوٌ، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخَبَرَ وَيَحْتَمِلُ إِنْشَاءَ التَّحْرِيمِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ كَإِطْلَاقِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ. فَرْعٌ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِ لِزَيْدٍ، فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ - حَنِثَ حُكْمًا، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ. (وَإِنْ قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ - أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ - فَقَالَ أَحْمَدُ: تُطَلَّقُ امْرَأَتُهُ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، وَوَقَعَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَهُوَ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، وَعَنْهُ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا يُرَادَّانِ لِغَيْرِ الِاسْتِغْرَاقِ، لَا سِيَّمَا فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ - يَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ - إِنْ دَخَلْتُ لَكَ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَالرَّجُلُ مَرِيضٌ يَعُودُهُ؛ قَالَ: لَا، وَلَا يُشَيِّعُ جِنَازَتَهُ، أَخَاف أنَّهُ ثَلَاث، وَلَا أُفْتِي بِهِ (وَإِنْ قَالَ: أَعْنِي بِهِ طَلَاقًا، طُلِّقَتْ وَاحِدَةً) رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ هَذَا صَرِيحًا فِي الظِّهَارِ، إِنَّمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ. وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ، فَإِذَا بُيِّنَ بِلَفْظِ إِرَادَةِ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ - صُرِفَ إِلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 أَحْمَدُ: تُطَلَّقُ امْرَأَتُهُ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ: أَعْنِي بِهِ طَلَاقًا، طُلِّقَتْ وَاحِدَةً، وَعَنْهُ: أَنَّهُ ظِهَارٌ فِيهِمَا. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَقَعَ مَا نَوَاهُ مِنَ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ، وَالْيَمِينُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَهَلْ يَكُونُ ظِهَارًا أَوْ يَمِينًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ، وَكَذِبَ، لَزِمَهُ إِقْرَارُهُ فِي الْحُكْمِ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.   [المبدع في شرح المقنع] (وَعَنْهُ: أَنَّهُ ظِهَارٌ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ، فَلَمْ يَصِرْ طَلَاقًا بِقَوْلِهِ: أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ، أَوْ طَلَاقًا. فَرْعٌ: لَوْ نَوَى فِي: حَرَّمْتُكِ عَلَى غَيْرِي، فَكَطَلَاقٍ - ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَ: فِرَاشِي عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ، فَظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى فِرَاشَهُ، فَهُوَ يَمِينٌ - نَقلَهُ ابْنُ هَانِئٍ [إِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ] (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ) وَالْخَمْرِ (وَقَعَ مَا نَوَاهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ (مِنَ الطَّلَاقِ) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا نَوَاهُ فَهُوَ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِيهِ، وَيَقَعُ مَا نَوَاهُ مِنَ الْعَدَدِ (وَالظِّهَارِ) إِذَا نَوَاهُ وَهُوَ يَقْصِدُ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ ظِهَارًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الْبَهِيمَةِ. (وَالْيَمِينُ) وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَرْكَ وَطْئِهَا - لَا تَحْرِيمَهَا وَلَا طَلَاقَهَا - فَهُوَ يَمِينٌ؛ وَلِأَنَّ فَائِدَةَ كَوْنِهِ يَمِينًا تَرَتُّبُ الْحِنْثِ وَالْبِرِّ، ثُمَّ تَرَتُّبُ الْكَفَّارَةِ وَعَدِمَهَا، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ قَوْلَهُ: كَالْمَيْتَةِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَرِيحًا لَمَا انْصَرَفَ إِلَى غَيْرِهَا بِالنِّيَّةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِالْكِنَايَةِ لَا تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ لِهَتْكِ الْقَسَمِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَهَلْ يَكُونُ ظِهَارًا أَوْ يَمِينًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ ظِهَارٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، فَإِنَّ تَشْبِيهَهَا بِهِمَا يَقْتَضِي التَّشْبِيهَ بِهِمَا فِي الْأَمْرِ الَّذِي اشْتَهَرَ أَنَّهُ هُوَ التَّحْرِيمُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] . وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَإِذَا أَتَى بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ، ثَبَتَ فِيهِ أَقَلُّ الْحُكْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ: حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ) أَوْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ (وَكَذَبَ، لَزِمَهُ إِقْرَارُهُ فِي الْحُكْمِ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ ثُمَّ قَالَ: كَذَبْتُ - كَانَ جُحُودًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ، فَلَا يُقْبَلُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ أَنْكَرَ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ، وَالْيَمِينُ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْحَلِفِ (وَلَا يَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 فَصْلٌ إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، فَلَهَا أَنْ تُطَلَّقَ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً، وَهُوَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ الَّذِي قَصَدَ الْكَذِبَ لَا نِيَّةَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ، فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ، وَحَكَى فِي " زَادِ الْمُسَافِرِ " عَنِ الْمَيْمُونِيِّ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إِذَا قَالَ: حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ، وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ - يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَيُرْجَعُ إِلَى نِيَّتِهِ فِي الثَّلَاثِ وَالْوَاحِدَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: مُقْتَضَى قَوْلِ أَحْمَدَ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ - أَيْ: فِي الْحُكْمِ، وَيَجْعَلُ أَنَّهُ طَلَاقٌ إِذَا نَوَاهُ. فَرْعٌ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَا حَلَفَ بِهِ، وَفِي الشَّرْطِ الَّذِي عُلِّقَ الْيَمِينُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ أَحْمَدَ عَلَى هَذَا، فَيَلْزَمُهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. [إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ] فَصْلٌ (إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ) فَهِيَ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ (فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَأَفْتَى بِهِ أَحْمَدُ مِرَارًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُثْمَانَ، وَقَالَهُ عَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَفَضَالَةُ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هُوَ ثَلَاثٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي جَمِيعِ أَمْرِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ، فَيَتَنَاوَلُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ مَا شِئْتِ، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ وَاحِدَةً، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَلَا يَدِينُ، وَعَنْهُ: وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، قَطَعَ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ وَصَاحِبُ " التَّبْصِرَةِ "، كَاخْتَارِي عَنْهُ، وَفِيهِ غَيْرُ مُكَرَّرٍ ثَلَاثًا، وَعَنْهُ: ثَلَاثٌ بِنِيَّتِهَا لَهَا، كَقَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا، فَتُطَلِّقُ بِنِيَّتِهَا (وَهُوَ فِي يَدِهَا) أَيْ: عَلَى التَّرَاخِي، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَمْلِيكٍ فِي الطَّلَاقِ، فَمَلَّكَهُ الْمُفَوَّضَ إِلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ، وَبَعْدَهُ كَمَا لَوْ جَعَلَهُ لِأَجْنَبِيٍّ (مَا لَمْ يَفْسَخْ) فَإِنْ فَسَخَهَا - بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ كَسَائِرِ الْوِكَالَاتِ (أَوْ يَطَأُ) ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسْخِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَسَخَ بِالْقَوْلِ، وَقِيلَ: يُتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 يَدِهَا مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ، وَإِنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي نَفْسَكِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ إِلَّا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ، فَإِنْ جَعْلَ لَهَا الْخِيَارَ الْيَوْمَ كُلَّهُ، أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِهَا، فَرَدَّتْهُ، أَوْ رَجَعَ فِيهِ، أَوْ وَطِئَهَا - بَطَلَ خِيَارُهَا، هَذَا الْمَذْهَبُ،   [المبدع في شرح المقنع] كَالْخِيَارِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ مُطْلَقٌ أَشْبَهَ التَّوْكِيلَ فِي الْبَيْعِ، وَيُعْتَبَرُ أَهْلِيَّتُهَا، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَغِيرَةٍ وَلَا مَجْنُونَةٍ. فَرْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِعِوَضٍ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا قَالَتِ: اجْعَلْ أَمْرِي بِيَدِي وَأُعْطِيكَ عَبْدِي - فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا لَمْ يَطَأْ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا يَبْطُلُ بِدُخُولِ الْعِوَضِ فِيهِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي نَفْسَكِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) رَجْعِيَّةٍ، حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ، وَغَيْرِهِمْ؛ وَلِأَنَّ اخْتَارِي تَفْوِيضٌ مُعَيَّنٌ، فَيَتَنَاوَلُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَهُوَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُضَافٌ إِلَيْهَا، فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَمْرِهَا (إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) كَاخْتَارِي مَا شِئْتِ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ نِيَّتُهُ، وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ: اخْتَارِي عَدَدًا، فَإِنَّهُ يُرْجَعُ إِلَى مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ إِلَّا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ طَالَ (وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّخْيِيرَ عَلَى الْفَوْرِ. رَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقِيلَ: مُتَرَاخٍ كَالْأَمْرِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَلَّا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» وَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ خِيَارُ تَمْلِيكٍ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْقَبُولِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي، وَخِلَافُنَا فِي الْمُطَلِّقِ، و" أَمْرُكِ بِيَدِكِ " تَوْكِيلٌ، وَالتَّوْكِيلُ يَعُمُّ الزَّمَانَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَيْدٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَتَّصِلِ الْجَوَابُ، لَمْ يَقَعْ، وَشَرْطُهُ مَا لَمْ يَشْتَغِلَا بِقَاطِعٍ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّشَاغُلِ يَكُونُ إِعْرَاضًا عَنْ قَوْلِهِ: اخْتَارِي، وَمِنَ الْمَقُولِ لَهَا إِعْرَاضًا عَنِ الْقَبُولِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ افْتَرَقَا (فَإِنْ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ الْيَوْمَ كُلَّهُ) جَازَ (أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِهَا فَرَدَّتْهُ) بَطَلَ كَالْوَكِيلِ (أَوْ رَجَعَ فِيهِ أَوْ وَطِئَهَا، بَطَلَ خِيَارُهَا - هَذَا الْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَجْهًا مِثْلَ حُكْمِ الْأُخْرَى، وَلَفْظُهُ الْأَمْرُ، وَالْخِيَارُ كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّتِهِ، فَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ: أَنَّ أَمْرَكِ بِيَدِكِ عَلَى التَّرَاخِي، وَاخْتَارِي عَلَى الْفَوْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تَنْفَسِخَ الْوَكَالَةُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ دَارٍ وَسَكَنَهَا (وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَجْهًا مِثْلَ حُكْمِ الْأُخْرَى) أَيْ: يُقَاسُ كُلٌّ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةِ حُكْمَيْنِ، الْأَوَّلُ عَلَى التَّرَاخِي، وَأَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَوْرُ، وَأَنْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَّا بِشَرْطِهِ، قُلْتُ: كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ لَا يَقْتَضِي تَخْرِيجَ الْعَدَدِ مِنْ إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ نَفْيُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْفَرْقِ مِنْ حَيْثُ التَّرَاخِي وَالْفَوْرِ - لَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: اخْتَارِي الْيَوْمَ، وَغَدًا، وَبَعْدَ غَدٍ - فَلَهَا ذَلِكَ، فَإِنْ رَدَّتْهُ فِي الْأَوَّلِ بَطَلَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي الْيَوْمَ بَعْدَ غَدٍ، فَإِنَّهَا إِذَا رَدَّتْهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَبْطُلْ بَعْدَ غَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، فَإِنْ نَوَى - بِقَوْلِهِ: اخْتَارِي نَفْسَكِ - إِيقَاعَ الثَّلَاثِ، وَقَعَ، وَإِنْ كَرَّرَ اخْتَارِي ثَلَاثًا، فَإِنْ أَرَادَ إِفْهَامَهَا وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةٌ - فَوَاحِدَةٌ، وَإِلَّا فَثَلَاثٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَرِوَايَتَانِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، فَلَوْ خَيَّرَهَا شَهْرًا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا - لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ خِيَارٌ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ فِي عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ فِي عَقْدٍ سِوَاهُ كَالْبَيْعِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَكِ يَوْمًا، فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينِ تُطْلَقُ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْغَدِ، وَإِنْ قَالَ: شَهْرًا، فَمِنْ سَاعَةِ نَطَقَ إِلَى اسْتِكْمَالِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ. (وَلَفْظُهُ الْأَمْرُ وَالْخِيَارُ كِنَايَةٌ) ظَاهِرَةٌ وَخَفِيَّةٌ (فِي حَقِّ الزَّوْجِ، يَفْتَقِرُ) وُقُوعُ الطَّلَاقِ (إِلَى نِيَّتِهِ) ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ عَلَى مَا مَضَى، وَكَذَا كَذِبُهُ بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ (فَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ نَحْوَ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، افْتَقَرَ إِلَى نِيَّتِهَا أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهَا مُوقِعَةٌ لِلطَّلَاقِ بِلَفْظِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 الْكِنَايَةِ نَحْوَ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، افْتَقَرَ إِلَى نِيَّتِهَا أَيْضًا، وَإِنْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي - وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رُجُوعِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فَقَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَنَوَتِ الطَّلَاقَ - وَقَعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعُ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهَا   [المبدع في شرح المقنع] الْكِنَايَةِ، فَافْتُقِرَ إِلَى نِيَّتِهَا كَالزَّوْجِ، فَلَوْ قَالَتِ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَأَنْكَرَ وَجُودَهُ - قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى دُخُولِ الدَّارِ، فَادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَ (وَإِنْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي - وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ كَأَنْتِ طَالِقٌ، وَيَقَعُ مِنَ الْعَدَدِ مَا نَوَيَاهُ دُونَ مَا نَوَاهُ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَقَعْ؛ لِفَقْدِ النِّيَّةِ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِنِيَّتِهَا، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ جِهَتِهَا (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رُجُوعِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ، كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهِ. 1 - مَسَائِلُ: الْأَجْنَبِيُّ فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ، وَالْمَذْهَبُ: إِلَّا أَنَّهُ مُتَرَاخٍ، وَيَقَعُ بِإِيقَاعِ الْوَكِيلِ بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ، وَفِي وُقُوعِهِ بِكِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ مِمَّنْ وُكِّلَ فِيهِ بِصَرِيحٍ وَجْهَانِ، وَكَذَا عَكْسُهُ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَلَا يَقَعُ بِقَوْلِهَا: اخْتَرْتُ بِنِيَّةٍ حَتَّى تَقُولَ: نَفْسِي أَوْ أَبَوَيَّ، أَوِ الْأَزْوَاجَ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا، فَوَاحِدَةٌ، وَنَفْسَهَا ثَلَاثٌ، وَعَنْهُ: إِنْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي ثَلَاثًا - وَقَعَتْ، وَإِنْ أَنْكَرَ قَوْلَهَا، قُبِلَ قَوْلُهُ، وَتُقْبَلُ دَعْوَى الزَّوْجِ أَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ إِيقَاعِ وَكِيلِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنةٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَكَذَا دَعْوَى عِتْقِهِ وَرَهْنِهِ وَنَحْوِهِ، وَمَنْ وُكِّلَ فِي ثَلَاثٍ فَأَوْقَعَ وَاحِدَةً أَوْ عَكْسُهُ - فَوَاحِدَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَمْلِكُ بِالْإِطْلَاقِ تَعْلِيقًا. (وَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ) فَهَلْ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصْلُهُمَا: هَلْ تُلْحَقُ بِالْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ؛ وَذَلِكَ تَوْكِيلٌ يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهَا بِعِوَضٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُرَدُّ الْوَكِيلُ (فَقَالَتِ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَنَوَتِ الطَّلَاقَ - وَقَعَ) نَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إِلَيْهَا الطَّلَاقَ، وَقَدْ أَوْقَعَتْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْقَعَتْهُ بِلَفْظِهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعَ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَهُ إِلَيْهَا بِلَفْظِهِ الصَّرِيحِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوقِعَ غَيْرَ مَا فَوَّضَهُ إِلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي شَيْءٍ لَا يَقْتَضِي إِيقَاعُهُ بِلَفْظِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الْبَيْعِ، فَبَاعَهُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَكِ، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي، فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهَا أَكْثَرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 أَكْثَرَ مِنْهَا، وَإِنْ قَالَ: وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ، فَإِنْ قَبِلُوهَا، فَوَاحِدَةً، وَإِنْ رَدُّوهَا، فَلَا شَيْءَ، وَعَنْهُ: إِنْ قَبِلُوهَا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ رَدُّوهَا فَوَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: وَهَبْتُكِ لِنَفْسِكِ. بَابٌ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ يَمْلِكُ الْحُرُّ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ، وَالْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهَا) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَكُونُ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا، فَأَيُّهُمَا نَوَاهُ فَقَدْ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا احْتَمَلَهُ، وَمُمَيِّزٌ وَمُمَيِّزَةٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْبَالِغِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَإِنْ قَالَ: وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ) فَهُوَ كِنَايَةٌ، إِنْ نَوَى بِهِ الْإِيقَاعَ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْإِيقَاعَ فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي حَقِّهَا، فَيَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولِهِمْ، وَالنِّيَّةُ مِنَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ (فَإِنْ قَبِلُوهَا فَوَاحِدَةٌ) رَجْعِيَّةٌ (وَإِنْ رَدُّوهَا، فَلَا شَيْءَ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَطَاءٍ، وَمَسْرُوقٍ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْبِضْعِ، فَافْتَقَرَ إِلَى الْقَبُولِ كَاخْتَارِي، وَكَالنِّكَاحِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَاخْتَارِي؛ وَلِأَنَّهَا طَلْقَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةً بِغَيْرِ عِوَضٍ قَبْلَ اسْتِيفَاءٍ، فَكَانَتْ رَجْعِيَّةً كَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَوْلُهُ: وَاحِدَةٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ أَوْ نَوَاهَا، فَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ (وَعَنْهُ: إِنْ قَبِلُوهَا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ رَدُّوهَا فَوَاحِدَةٌ) رَجْعِيَّةٌ، وَقَالَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالْحَسَنُ. وَعَنْ أَحْمَدَ: إِنْ قَبِلُوهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ رَدُّوهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَقَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَصِيغَةُ الْقَبُولِ أَنْ يَقُولَ أَهْلُهَا: قَبِلْنَاهَا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: وَهَبْتُكِ لِنَفْسِكِ) أَيْ: فِيهَا مِنِ الْخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنْ رَدَّتْ ذَلِكَ، فَلَغْوٌ، وَعَنْهُ: رَجْعِيَّةٌ إِذَا نَوَى بِالْهِبَةِ وَالْأَمْرِ وَالْخِيَارِ الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ، وَقَعَ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِمَسْأَلَةِ الْبَيْعِ، وَحُكْمُهَا أَنَّهُ إِذَا بَاعَهَا لِغَيْرِهِ - فَلَغْوٌ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الطَّلَاقَ؛ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً، وَالطَّلَاقُ مُجَرَّدُ إِسْقَاطٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " فِي كَوْنِهِ كِنَايَةً كَهِبَةٍ وَجْهَانِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ ذَكَرَ عِوَضًا مَعْلُومًا طُلِّقَتْ مَعَ النِّيَّةِ وَالْقَبُولِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: وَبَائِعٌ وَمُشْتَرٍ كَخَائِنٍ يُؤَدَّبَانِ، وَلَا قَطْعَ، وَيُحْبَسَانِ حَتَّى يُظْهِرَا تَوْبَةً. [بَابُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ] [يَمْلِكُ الْحُرُّ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ] بَابٌ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ (يَمْلِكُ الْحُرُّ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ، وَالْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 تَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَعَنْهُ: أَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّسَاءِ، فَيَمْلِكُ زَوْجُ الْحُرَّةِ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، وَزَوْجُ الْأَمَةِ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ الطَّلَاقُ، أَوِ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ،   [المبدع في شرح المقنع] وَهَذَا مُخْتَارٌ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، لِمَا رَوَى أَبُو رَزِينٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؛ قَالَ: تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَالَ عُمَرُ: يُطَلِّقُ الْعَبْدُ تَطْلِيقَتَيْنِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ خَالِصُ حَقِّ الزَّوْجِ، وَهُوَ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَكَانَ اخْتِلَافُهُ كَعَدَدِ الْمَنْكُوحَاتِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ طَرَأَ رِقُّهُ كَلُحُوقِ ذِمِّيٍّ بِدَارِ حَرْبٍ فَاسْتُرِقَّ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَ ثِنْتَيْنِ، وَقُلْنَا: يَنْكِحُ عَبْدٌ حُرَّةً، نَكَحَ هُنَا، وَلَهُ طَلْقَةٌ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلَّفُ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهَانِ (وَعَنْهُ: أَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّسَاءِ، فَيَمْلِكُ زَوْجَ الْحُرَّةِ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، وَزَوْجُ الْأَمَةِ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا) هَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لَمَّا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَحَلُّ الطَّلَاقِ، فَيُعْتَبَرُ بِهَا كَالْعَادَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْجَوَابُ: عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ طَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ - قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ، مَعَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ أَخْرَجَهُ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ» ؛ وَلِأَنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا، فَمَلَكَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ كَمَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحُرَّ الَّذِي زَوْجَتُهُ حُرَّةٌ طَلَاقُهُ ثَلَاثًا، وَالْعَبْدُ الَّذِي تَحْتَهُ أَمَةٌ طَلَاقُهُ اثْنَتَانِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ رَقِيقًا. فَرْعٌ: الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ كَحُرٍّ، وَفِي " الْكَافِي ": كَقِنٍّ، وَالْمَكَاتَبُ، وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ - كَالْقِنِّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 وَنَوَى الثَّلَاثَ - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى الثَّلَاثَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا، وَالْأُخْرَى: وَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ   [المبدع في شرح المقنع] (فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ الطَّلَاقُ، أَوِ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ) أَوِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، أَوْ عَلَيَّ الطَّلَاقُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ، أَوْ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ (وَنَوَى الثَّلَاثَ - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ بِالطَّلَاقِ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي عُرْفِهِمْ، قَالَ الشَّاعِرُ: أَنَوَّهْتِ بِاسْمِي فِي الْعَالَمِينَ ... وَأَفْنَيْتُ عُمْرِي عَامًا فَعَامًّا فَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ... وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا تَمَامًا وَقِيلَ: لَيْسَ بِصَرِيحٍ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا فِي قَوْلِهِ: أَنْت الطَّلَاقُ بِالْمَصْدَرِ، وَأَخْبَرَ بِهِ عَنْهَا، وَهُوَ تَجَوُّزٌ وَالْبَاقِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ شَيْءٌ يَضُرُّهُ فَهُوَ عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ، قُلْتُ: وَقَدِ اشْتَهَرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِيقَاعِ، فَكَانَ صَرِيحًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مَحْلُوفًا بِهِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) فَعَنْهُ: يَقَعُ ثَلَاثٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَيَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ الْكُلِّ وَهُوَ الثَّلَاثُ، وَالثَّانِيَةُ: وَاحِدَةٌ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهِيَ الْأَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ تُسْتَعْمَلَانِ لِغَيْرِ الِاسْتِغْرَاقِ كَثِيرًا؛ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعْتَقِدُونَهُ ثَلَاثًا، وَلَا يَفْهَمُونَ أَنَّهُمَا لِلِاسْتِغْرَاقِ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنِ امْرَأَةٍ، وَثَمَّ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ يَقْتَضِي تَعْمِيمًا أَوْ تَخْصِيصًا عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا وَقَعَ بِالْكُلِّ، وَقِيلَ: بِوَاحِدَةٍ بِقُرْعَةٍ (أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا) اخْتَارَهَا جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، فَوَقَعَ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا؛ وَلِأَنَّ طَالِقٌ اسْمُ فَاعِلٍ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْمَصْدَرَ كَمَا يَقْتَضِيهِ الْفِعْلُ، وَالْمَصْدَرُ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (وَالْأُخْرَى وَاحِدَةٌ) وَهِيَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَتَضَمَّنُ عَدَدًا وَلَا بَيْنُونَةً، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ الثَّلَاثُ؛ وَلِأَنَّ " أَنْتِ طَالِقٌ " إِخْبَارٌ عَنْ صِفَةٍ هِيَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَتَضَمَّنِ الْعَدَدَ كَقَوْلِهِ: حَائِضٌ وَطَاهِرٌ، وَالْأُولَى أَصَحُّ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعَدُّدُهُمَا فِي حَقِّهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَنَوَى وَاحِدَةً، فَهِيَ ثَلَاثٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الثَّلَاثِ، وَالنِّيَّةُ لَا تُعَارِضُ الصَّرِيحَ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنَوَى ثَلَاثًا - لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا وَاحِدَةٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 وَنَوَى ثَلَاثًا - لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا وَاحِدَةً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِعَدِّ الْمَقْبُوضَتَيْنِ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، بَلْ هَذِهِ ثَلَاثًا، طُلِّقَتِ الْأُولَى وَاحِدَةً، وَالثَّانِيَةُ ثَلَاثًا.   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، فَلَوْ وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْهَا وَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَالثَّانِي: يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَاهَا؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ مَعَهَا اثْنَتَانِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَعَهَا اثْنَتَانِ لَا يُؤَدِّيهِ مَعْنَى الْوَاحِدَةِ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ، فَنِيَّتُهُ فِيهِ نِيَّةٌ مُجَرَّدَةٌ، فَلَا تَعْمَلُ، كَمَا لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ إِذَا لَمْ تَحْتَمَلْ ذَلِكَ فَـ " أَنْتِ طَالِقٌ " تَحْتَمِلُهُ - قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا. فَعَلَى الثَّانِي: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَصَادَفَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا مَوْتَهَا أَوْ قَارَنَهُ - فَوَاحِدَةً، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ ثَلَاثًا؛ لِوُجُودِ الْمُفَسِّرِ فِي الْحَيَاةِ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، هَلْ يَرِثُهَا أَمْ لَا. [إِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ] (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: مَعَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ، وَذَلِكَ يَصْلُحُ لِلْبَيَانِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا» فَإِنْ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَوَاحِدَةٌ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " و" الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ إِشَارَتَهُ، لَا تَكْفِي، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " التَّرْغِيبِ " (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِعَدِّ الْمَقْبُوضَتَيْنِ قُبِلَ مِنْهُ) أَيْ: يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا يَدَّعِيهِ، كَمَا لَوْ فَسَّرَ الْمُجْمَلَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": إِنْ أَشَارَ بِالْكُلِّ فَوَاحِدَةٌ، (وَإِنْ قَالَ:) لِإِحْدَى امْرَأَتَيْهِ (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، بَلْ هَذِهِ) أَيِ: الْأُخْرَى (ثَلَاثًا، طُلِّقَتِ الْأُولَى وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، وَالْإِضْرَابُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلطَّلَاقِ بَعْدَ إِيقَاعِهِ (وَالثَّانِيَةُ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ هَذَا الدِّرْهَمُ، بَلْ هَذَا؛ وَلِأَنَّ الْإِضْرَابَ إِثْبَاتٌ لِلثَّانِي وَنَفْيُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ قَالَ: هَذِهِ لَا، بَلْ هَذِهِ - طُلِّقَتَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: هَذِهِ أَوْ هَذِهِ، وَهَذِهِ طَالِقٌ - وَقَعَ بِالثَّانِيَةِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ، كَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَ الْأُولَى وَالْآخِرَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ: هَذِهِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ وَقَعَ بِالْأُولَى، وَإِحْدَى الْآخِرَتَيْنِ كَهَذِهِ بَلْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ وَالثَّالِثَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ الطَّلَاقِ، أَوْ أَكْثَرَهُ، أَوْ جَمِيعَهُ، أَوْ مُنْتَهَاهُ، أو طالق كألف أَوْ بِعَدَدِ الْحَصَى، أَوِ الْقَطْرِ، أَوِ الرِّيحِ، أَوِ الرَّمْلِ، أَوِ التُّرَابِ - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً. وَإِنْ قَالَ: أَشَدَّ الطَّلَاقِ، أَوْ أَغْلَظَهُ، أَوْ أَطْوَلَهُ، أَوْ أَعْرَضَهُ، أَوْ مِلْءَ الدُّنْيَا، طُلِّقَتْ وَاحِدَةً، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى ثَلَاثٍ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُطَلَّقَ ثَلَاثًا. و َإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً فِي اثْنَتَيْنِ، وَنَوَى طَلْقَةً   [المبدع في شرح المقنع] [إِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ الطَّلَاقِ] (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ الطَّلَاقِ، أَوْ أَكْثَرَهُ، أَوْ جَمِيعَهُ، أَوْ مُنْتَهَاهُ) أَوْ غَايَتَهُ (أَوْ طَالِقٌ كَأَلْفٍ، أَوْ بِعَدَدِ الْحَصَى، أَوِ الْقَطْرِ، أَوِ الرِّيحِ، أَوِ الرَّمْلِ، أَوِ التُّرَابِ) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَدَّدُ (طُلِّقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً) نَصَّ عَلَيْهِ فِي: كَأَلْفٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَدًا؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ أَقَلُّ وَأَكْثَرُ، فَأَقَلُّهُ وَاحِدَةٌ، وَأَكْثَرُهُ ثَلَاثٌ وَكَذَا إِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كَمِائَةٍ أَوْ أَلْفٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: كَأَلْفِ تَشْبِيهِ الْعَدَدِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ كَعَدَدِ أَلْفٍ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " و" الْمُسْتَوْعِبِ ": وَيَأْثَمُ بِالزِّيَادَةِ، وَإِنْ نَوَى كَأَلْفٍ فِي صُعُوبَتِهَا، فَفِي الْحُكْمِ الْخِلَافُ، وَالْأَشْهَرُ: أَنَّهُ يُقْبَلُ (وَإِنْ قَالَ: أَشَدَّ الطَّلَاقِ، أَوْ أَغْلَظَهُ، أَوْ أَطْوَلَهُ، أَوْ أَعْرَضَهُ، أَوْ مِلْءَ الدُّنْيَا) أَوْ مِثْلَ الْجَبَلِ، أَوْ عِظَمَهُ (طُلِّقَتْ وَاحِدَةً) رَجْعِيَّةً؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَقْتَضِي عَدَدًا، وَالطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ تُوصَفُ بِأَنَّهَا يَمْلَأُ الدُّنْيَا ذِكْرُهَا، وَأَنَّهَا أَشَدُّ الطَّلَاقِ وَأَعْرَضُهُ (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا) فَيَقَعَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِأَنْ يُرَادَ بِهِ ذَلِكَ، فَإِذَا نَوَاهُ وَجَبَ إِيقَاعُهُ؛ لِتَرَجُّحِهِ بِالنِّيَّةِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي مِلْءِ الْبَيْتِ، وَفِي أَقْصَاهُ أَوْ أَكْثَرِهِ أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: أَكْثَرُهُ ثَلَاثٌ، وَفِي " الْفُنُونِ ": أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ فِي أَشَدِّ الطَّلَاقِ كَأَقْبَحِ الطَّلَاقِ، يَقَعُ طَلْقَةً فِي الْحَيْضِ، أَوْ ثَلَاثٌ عَلَى احْتِمَالِ وَجْهَيْنِ، وَأَنَّهُ كَيْفَ يُسَوَّى بَيْنَ أَشَدِّ الطَّلَاقِ وَأَهْوَنِهِ. فَرْعٌ: إِذَا أَوْقَعَ طَلْقَةً، ثُمَّ قَالَ: جَعَلْتُهَا ثَلَاثًا، وَلَمْ يُرِدِ اسْتِئْنَافَ طَلَاقٍ بَعْدَهَا - فَوَاحِدَةٌ، قَالَهُ فِي " الْمُوجَزِ " و" التَّبْصِرَةِ " (فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى ثَلَاثٍ طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ) نَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ، وَإِنِ احْتَمَلَ بِوُصُولِهِ لَمْ يُوقِعْهُ بِالشَّكِّ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُطَلَّقَ ثَلَاثًا) هَذَا رِوَايَةٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكِ هَذَا الثَّوْبَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 مَعَ طَلْقَتَيْنِ طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى مُوجَبَهُ عِنْدَ الْحِسَابِ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَعِنْدَ الْقَاضِي تُطَلَّقُ وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَقَعَ بِامْرَأَةِ الْحَاسِبِ طَلْقَتَانِ، وَبِغَيْرِهَا طَلْقَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُطَلَّقَ ثَلَاثًا.   [المبدع في شرح المقنع] الْقَاضِي: وَأَصْلُ الرِّوَايَتَيْنِ: إِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إِلَى يَوْمِ الْفِطْرِ، هَلْ يَدْخُلُ يَوْمُ الْفِطْرِ فِيهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا طَلَّقَ زَيْدٌ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ عَمْرٌو لِزَوْجَتِهِ: وَأَنْتِ مِثْلُهَا، أَوْ كَهِيَ، وَنَوَى الطَّلَاقَ طُلِّقَتْ وَاحِدَةً، وَإِلَّا فَلَا. [إِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً فِي اثْنَتَيْنِ] (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً فِي اثْنَتَيْنِ، وَنَوَى طَلْقَةً مَعَ طَلْقَتَيْنِ طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِـ " فِي " عَنْ " مَعَ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ بِلَفْظِهِ، قُبِلَ مِنْهُ، وَوَقَعَ مَا نَوَاهُ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ وَاحِدَةً، قُبِلَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ حَاسِبًا، وَقَالَ الْقَاضِي: تَقَعُ طَلْقَتَانِ إِذَا كَانَ حَاسِبًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ اللَّفْظُ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرِيدَ بِكَلَامِهِ مَا يُرِيدُهُ الْعَامِّيُّ (وَإِنْ نَوَى مُوجَبَهُ عِنْدَ الْحِسَابِ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ نَوَاهُ وَعَرَفَهُ، فَيَجِبُ وُقُوعُهُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ) قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَهُوَ أَشْهَرُ قِيَاسًا عَلَى الْحَاسِبِ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي النِّيَّةِ (وَعِنْدَ الْقَاضِي تُطَلَّقُ وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ قَصْدُ مَا لَا يَعْرِفُهُ فَهُوَ كَالْأَعْجَمِيِّ، يَنْطِقُ بِالطَّلَاقِ بِالْعَرَبِيِّ وَلَا يَفْهَمُهُ، وَقِيلَ: ثَلَاثًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِي مَعْنَاهَا مَعْنَى " مَعَ "، فَالتَّقْدِيرُ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ طَلْقَتَيْنِ، (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَقَعَ بِامْرَأَةِ الْحَاسِبِ طَلْقَتَانِ) ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ فِي اصْطِلَاحِهِمْ لِاثْنَيْنِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ (وَبِغَيْرِهَا طَلْقَةٌ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إِنَّمَا جَازَ مَصْرُوفًا إِلَى اثْنَتَيْنِ بِوَضْعِ أَهِلِ الْحِسَابِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ يَلْزَمُهُ مُقْتَضَاهُ، كَالْعَرَبِيِّ يَنْطِقُ بِالطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا، وَقِيلَ: ثِنْتَانِ، وَوَجْهُهُ مَا سَبَقَ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُطَلَّقَ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَجَبَ حَمْلُ " فِي " عَلَى مَعْنَى " مَعَ "، وَقِيلَ: بِعَامِّيٍّ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ عُرْفٌ فِي هَذَا اللَّفْظِ أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ مِمَّنْ عُرْفُهُمْ أَنَّ " فِي " بِمَعْنَى " مَعَ "؛ لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 فَصْلٌ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ، طُلِّقَتْ طَلْقَةً، وَإِنْ قَالَ: نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَتَيْنِ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُطَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ، ثُلُثَ طَلْقَةٍ، سُدُسَ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَ، وَثُلُثَ، وَسُدُسَ طَلْقَةٍ، طُلِّقَتْ   [المبدع في شرح المقنع] الظَّاهِرَ إِرَادَةُ مَا تَعَارَفُوهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، كُلُّ هَذَا إِذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يَعْرِفِ الْحِسَابَ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ مَا طَلَّقَ فُلَانٌ زَوْجَتَهُ، وَجَهِلَ عَدَدَهُ - فَطَلْقَةٌ، وَقِيلَ: بِعَدَدِهِ. [جُزْءٌ: طَلْقَةٌ كَطَلْقَةٍ] فَصْلٌ وجُزْء طَلْقَة كَهِيَ (إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ) فَتَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعا ممَّنْ يُحْفَظُ عَنْهُ (أَوْ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ، طُلِّقَتْ طَلْقَةً) ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الطَّلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا تُطَلَّقُ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ تُكْمَلُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ يَتَحَقَّقُ بِهِ، وَفِيهِ عَمَلٌ بِالْيَقِينِ وَإِلْغَاءُ الشَّكِّ، وَإِيقَاعُ مَا أَوْقَعَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ (وَإِنْ قَالَ: نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ) وَقَعَ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ نِصْفَيِ الشَّيْءِ جَمِيعُهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ (أَوْ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ، فَيُكَمَّلُ النِّصْفُ، فَصَارَ ذَلِكَ طَلْقَتَيْنِ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ مِنْ طَلْقَةٍ، فَالزَّائِدُ عَلَيْهَا يَكُونُ لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي خَمْسَةِ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَثْلَاثٍ (وَإِنْ قَالَ: ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَتَيْنِ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَنَصَرَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الطَّلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ، وَقَدْ كُرِّرَ ثَلَاثًا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُطَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ) هَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: ثَلَاثة أَنْصَافٍ مِنْ طَلْقَتَيْنِ، وَذَلِكَ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ تُكْمَلُ فَتَصِيرُ طَلْقَتَيْنِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ يُخَالِفُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ثِنْتَيْنِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": تَقَعُ ثِنْتَانِ (وَإِنْ قَالَ: نِصْفُ طَلْقَةٍ، ثُلُثُ طَلْقَةٍ سُدُسُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 طَلْقَةً، وَإِنْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ، وَثُلُثَ طَلْقَةٍ، وَسُدُسَ طَلْقَةٍ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، وَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ. وَعَنْهُ: إِذَا قَالَ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ ثَلَاثًا، مَا أَرَى إِلَّا قَدْ بِنَّ مِنْهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] طَلْقَةٍ) أَيْ: يَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَجْزَاءُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي التَّغَايُرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْطُوفٍ (أَوْ نِصْفُ، وَثُلُثُ، وَسُدُسُ طَلْقَةٍ، طُلِّقَتْ طَلْقَةً) ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الطَّلْقَةِ، فَيَجِبُ أَنْ تُطَلَّقَ وَاحِدَةً (وَإِنْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ، وَثُلُثَ طَلْقَةٍ، وَسُدُسَ طَلْقَةٍ، طُلِّقَتْ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا (ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ أَجْزَاءَ الطَّلْقَةِ عَلَى جُزْءٍ آخَرَ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ، فَيَقَعُ جُزْءًا، ثُمَّ يُكْمَلُ بِالسَّرَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الثَّانِيَةُ هِيَ الْأَوْلَى لَجَاءَ بِهَا بِلَامِ التَّعْرِيفِ، فَقَالَ: ثُلُثُ الطَّلْقَةِ سُدُسُ الطَّلْقَةِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا: إِذَا ذُكِرَ لَفْظٌ ثُمَّ أُعِيدَ مُنَكَّرًا، فَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أُعِيدَ مُعَرَّفًا بِهَا، فَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] فَالْعُسْرُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ، بِخِلَافِ الْيُسْرِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، وَقِيلَ: لَوْ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ الْأُولَى لَذَكَرَهَا بِالضَّمِيرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَوْلَى. (وَإِنْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ) أَوْ عَلَيْكُنَّ، نَصَّ عَلَيْهِ (طَلْقَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، وَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ اقْتَضَى قَسْمَ الطَّلْقَةِ بَيْنَهُنَّ أَوْ عَلَيْهِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رُبُعُهَا، ثُمَّ تُكْمَلُ، وَكَذَا إِنْ قَالَ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ طَلْقَتَيْنِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَسَمَ لَمْ يَزِدْ وَاحِدَةً عَلَى طَلْقَةٍ، وَعَنْهُ: يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَانِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي: لِأَنَّهُ إِذَا قُسِّمَتِ اثْنَتَانِ بَيْنَهُنَّ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ جُزْآنِ مِنْ طَلْقَتَيْنِ، ثُمَّ يُكَمَّلُ كُلَّ جُزْءٍ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقْسَمُ بِالْأَجْزَاءِ مَعَ الِاخْتِلَافِ كَالدُّورِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمُخْتَلِفَاتِ، فَأَمَّا الْجُمَلُ الْمُتَسَاوِيَةُ مِنْ جِنْسٍ كَالنُّقُودِ فَإِنَّمَا يُقْسَمُ بِرُءُوسِهَا، وَيُكَمَّلُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِد مِنْ وَاحِدٍ كَأَرْبَعَةٍ لَهُمْ دِرْهَمَانِ صَحِيحَانِ، فَإِنَّهُ يُجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، وَالطَّلْقَاتُ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا؛ وَلِأَنَّ فِيمَا ذَكَرْنَا أَخْذًا بِالْيَقِينِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ إِيقَاعِ طَلْقَةٍ زَائِدَةٍ بِالشَّكِّ، وَكَذَا إِذَا قَالَ لَهُنَّ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ، ثُمَّ تُكْمَلُ (وَعَنْهُ: إِذَا قَالَ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ ثَلَاثًا، مَا أَرَى إِلَّا قَدْ بِنَّ مِنْهُ) نَقَلَهَا الْكَوْسَجُ (وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ إِذَا قُسِّمَتْ بَيْنَهُنَّ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ جُزْءٌ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 قَالَ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ خَمْسًا، فَعَلَى الْأُولَى يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَانِ. فَصْلٌ إِذَا قَالَ: نِصْفُكِ أَوْ جُزْءٌ مِنْكِ، أَوْ إِصْبَعُكِ، أَوْ دَمُكِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ، وَإِنْ قَالَ: شَعْرُكِ، أَوْ ظُفْرُكِ، أَوْ سِنُّكِ طَالِقٌ - لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى الرِّيقِ وَالدَّمْعِ   [المبدع في شرح المقنع] ثَلَاثِ طَلَقَاتٍ، ثُمَّ تُكْمَلُ، وَفِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": أَنَّهُنَّ يُطَلَّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي. (وَإِنْ قَالَ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ خَمْسًا، فَعَلَى الْأَوْلَى يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَانِ) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةِ طَلْقَةٌ وَرُبُعًا، ثُمَّ تُكْمَلُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا طُلِّقَتْ ثَلَاثًا فِيمَا إِذَا أَوْقَعَ ثَلَاثًا فَلَأَنه تُطَلَّقُ ثَلَاثًا إِذَا أَوْقَعَ خَمْسًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنْ قَالَ: أَوَقَعْتُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا، فَكَذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ تِسْعًا - وَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ قَالَ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً وَطَلْقَةً وَطَلْقَةً - فَثَلَاثٌ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ عَلَى الْأُولَى، فَإِنْ قَالَ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ ثُلُثَ طَلْقَةٍ، وَثُلُثَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ - وَقَعَ ثَلَاثٌ، كَمَا لَوْ عَطَفَهُ بِالْفَاءِ أَوْ ثُمَّ، إِلَّا الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى. [إِذَا قَالَ نِصْفُكِ أَوْ جُزْءٌ مِنْكِ طَالِقٌ] فَصْلٌ (إِذَا قَالَ: نِصْفُكِ أَوْ جُزْءٌ مِنْكِ) سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا، أَوْ مَشَاعًا، أَوْ مُبْهَمًا (أَوْ إِصْبَعُكِ، أَوْ دَمُكِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِصِحَّتِهِ فِي الْبَعْضِ بِخِلَافِ زَوَّجْتُكَ بَعْضَ وَلِيَّتِي، وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا: لَا تُطَلَّقُ بِدَمِهَا كَلَبَنِهَا، وَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى سَوَادِهَا أَوْ بَيَاضِهَا - لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ عَرَضٌ، وَقِيلَ: بَلَى، فَإِنْ قَالَ: يَدُكِ طَالِقٌ، وَلَا يَدَ لَهَا، أَوْ إِنْ قُمْتِ فَهِيَ طَالِقٌ، فَقَامَتْ وَقَدْ قُطِعَتْ - فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ بِطْرِيقِ السِّرَايَةِ أَوْ بِطْرِيقِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنِ الْكُلِّ؛. (وَإِنْ قَالَ: شَعْرُكِ، أَوْ ظُفْرُكِ، أَوْ سِنُّكِ طَالِقٌ - لَمْ تُطَلَّقْ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَزُولُ وَيَخْرُجُ عِوَضُهَا فِي الشَّعْرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا رُوحَ فِيهِ، لَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ أَشْبَهَ الْعَرَقَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 وَالْعَرَقِ وَالْحَمْلِ لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ قَالَ: رُوحُكِ طَالِقٌ طُلِّقَتْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تُطَلَّقُ. فَصْلٌ فِيمَا تُخَالِفُ الْمَدْخُولُ بِهَا غَيْرَهَا إِذَا قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: تُطَلَّقُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ يُسْتَبَاحُ بِنِكَاحِهَا، فَتُطَلَّقُ بِهِ كَالْإِصْبَعِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ جُزْءٌ يَنْفَصِلُ عَنْهَا فِي حَالِ السَّلَامَةِ بِخِلَافِ الْإِصْبَعِ. (وَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى الرِّيقِ وَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْحَمْلِ لَمْ تُطَلَّقْ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَاتِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَاوِرٌ لَهَا، وَالْحَمْلِ - وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا - فَمَآلُهُ إِلَى الِانْفِصَالِ، وَهُوَ مُودَعٌ فِيهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعام: 98] قِيلَ: هُوَ مُسْتَوْدَعٌ فِي بَطْنِ الْأُمِّ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": هَلْ يَقَعُ وَيَسْقُطُ الْقَوْلُ بِإِضَافَتِهِ إِلَى صِفَةٍ كَسَمْعٍ وَبَصَرٍ؛ إِنْ قُلْنَا: تَسْمِيَةُ الْجُزْءِ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمِيعِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَلَامُهُ - صَحَّ وَإِنْ قُلْنَا بِالسِّرَايَةِ فَلَا (وَإِنْ قَالَ: رُوحُكِ طَالِقٌ طُلِّقَتْ) جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ لَا تَبْقَى بِعَدَمِ مُزَايِلِهَا، أَشْبَهَ الْحَيَاةَ وَالدَّمَ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تُطَلَّقُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْفُرُوعِ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَعِتْقٌ وَظِهَارٌ، وَحَرَامٌ بِذِكْرِ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَالرُّوحِ، فَبِذَلِكَ أَقُولُ؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُضْوًا وَلَا شَيْئًا يُسْتَمْتَعُ بِهِ، وَحُكي فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " عَنْ أَحْمَدَ التَّوَقُّفَ عَنْهَا. مَسْأَلَةٌ: الْعِتْقُ فِي ذَلِكَ كَطَلَاقٍ. [فَصْلٌ فِيمَا تُخَالِفُ الْمَدْخُولُ بِهَا غَيْرَهَا] فَصْلٌ فِيمَا تُخَالِفُ الْمَدْخُولَ بِهَا غَيْرَهَا (إِذَا قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 بِالثَّانِيَةِ التَّأْكِيدَ أَوْ إِفْهَامَهَا، وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ، أَوْ بَلْ طَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً، بَلْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ بَلْ طَلْقَةً، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] كُلَّ وَاحِدٍ يَقْتَضِي وُقُوعًا إِذًا، وَكَذَا إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَهُ ثَلَاثًا طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ التَّأْكِيدَ أَوْ إِفْهَامَهَا) ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ، وَشَرْطُهُ الِاتِّصَالُ، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ مَضَى زَمَنٌ طَوِيلٌ، ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ لَهَا، طُلِّقَتْ ثَانِيَةً، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ التَّأْكِيدُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْكَلَامِ، فَقُبِلَ مُتَّصِلًا كَسَائِرِ التَّوَابِعِ مِنَ الْعَطْفِ وَالصِّفَةِ وَالْبَدَلِ، فَلَوْ نَوَى بِالثَّانِيَةِ تَأْكِيدَ الْأَوَّلَةِ لَمْ يُقْبَلْ، وَوَقَعَ الثَّلَاثُ، وَإِنْ أَكَّدَ الثَّانِيَةَ بِالثَّالِثَةِ، فَفِي قَبُولِهِ بِالْحُكْمِ رِوَايَتَانِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَجْهٌ كَإِقْرَارٍ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ فِي قَوْلِهِ: اعْتَدِّي اعْتَدِّي، فَأَرَادَ الطَّلَاقَ، هِيَ تَطْلِيقَةٌ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِئْنَافِ، فَيُصْرَفُ إِلَى التَّأْكِيدِ؛ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ» وَإِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ الْإِيقَاعَ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَيُقَدِّرُ لَهُ مَا يَتِمُّ الْكَلَامُ بِهِ، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ - فَثَلَاثٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: تَبِينُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْأُولَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ، وَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ، وَكَرَّرَهُ - وَقَعْنَ، وَلَوْ قَصَدَ التَّأْكِيدَ - قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَكَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ، وَكَانَ قَبْلَ الْأَخِيرَةِ " أَنْتِ "، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَقَعْ إِلَّا وَاحِدَةٌ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِحَرْفٍ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ. فَرْعٌ: إِذَا أَتَى شَرْطٌ أَوِ اسْتِثْنَاءٌ أَوْ صِفَةٌ عَقِبَ جُمْلَةٍ، اخْتَصَّ بِهَا، بِخِلَافِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ، أَوْ بَلْ طَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً، بَلْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ بَلْ طَلْقَةً، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ قَبْلَ طَلْقَةٍ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ) . وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ - تَقَعُ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَادَفَتْ مَحَلَّ النِّكَاحِ، فَيَقَعُ؛ وَلِأَنَّ الْفَاءَ تَقْتَضِي الْجَمْعَ مَعَ التَّعْقِيبِ، وَثُمَّ تَقْتَضِيهِ مَعَ التَّرَاخِي. الثَّانِيَةُ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، بَلْ طَالِقٌ، تُطَلَّقُ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اقْتَضَى إِيقَاعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 قَبْلَ طَلْقَةٍ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا بَانَتْ بِالْأُولَى، وَلَمْ يَلْزَمْهَا مَا بَعْدَهَا، وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا طَلْقَةٌ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: تُطَلَّقُ اثْنَتَيْنِ، وَيَقَعَانِ مَعًا، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] طَلْقَةٍ، وَالطَّلَاقُ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَالثَّانِي: يَقْتَضِي إِيقَاعَ طَلْقَةٍ؛ لِأَنَّ بَلْ لِإِثْبَاتِ الثَّانِي، وَالْإِضْرَابِ عَنِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إِضْرَابُهُ، وَجَبَ وُقُوعُهُمَا جَمِيعًا، وَعَنْهُ: فِي أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَلْ طَلْقَةً أَوْ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ وَاحِدَةً، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ. الثَّالِثَةُ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، بَلْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ بَلْ طَلْقَةً - تَقَعُ ثِنْتَانِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَوْقَعَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي " طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ " ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إِيقَاعُ وَاحِدَةٍ، وَالثَّانِي: يَقْتَضِي إِيقَاعَ طَلْقَتَيْنِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ تَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى يَصِحُّ دُخُولُهَا فِي الثِّنْتَيْنِ، فَلَا يَكُونُ الْإِضْرَابُ عَنْهَا مُسْتَدْرَكًا؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ، وَهُوَ الْوُقُوعُ، وَالثَّانِيَةُ ظَاهِرَةٌ. الرَّابِعَةُ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ قَبْلَ طَلْقَةٍ، فَإِنَّهَا تُطَلَّقُ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ، وَالْمَحَلُّ يَحْتَمِلُهُ، فَإِنْ أَرَادَ فِي " بَعْدَهَا طَلْقَةٌ ": سَأُوقِعُهَا، فَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": لَا يُقْبَلُ حُكْمًا، وَفِي الْبَاطِنِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: تُطَلَّقُ وَاحِدَةً، قَطَعَ بِهِ فِي " قَبْلَ طَلْقَةٍ " فِي " الْمُذْهَبِ " و" الْمُسْتَوْعِبِ " وَزَادَ بَعْدَ طَلْقَةٍ. (وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا بَانَتْ بِالْأُولَى) ؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ مَحَلًّا (وَلَمْ يَلْزَمْهَا مَا بَعْدَهَا) ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ، فَلَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقٌ كَالْأَجْنَبِيَّةِ (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا طَلْقَةٌ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي) أَيْ: تُطَلَّقُ وَاحِدَةً إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بَعْضُهُ قَبْلَ بَعْضٍ، فَلَمْ يَقَعْ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا جَمِيعُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلْقَةٌ بَعْدَ طَلْقَةٍ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: تُطَلَّقُ اثْنَتَيْنِ) وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ (وَيَقَعَانِ مَعًا) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَالَ وُقُوعَ الطَّلْقَةِ الْأُخْرَى قَبْلَ الطَّلْقَةِ الْمُوَقَّعَةِ، فَوَقَعَتْ مَعَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَأَخَّرَتْ عَنِ الزَّمَنِ الَّذِي قُصِدَ إِيقَاعُهَا فِيهِ لِكَوْنِهِ زَمَنًا مَاضِيًا - وَجَبَ إِيقَاعُهَا فِي أَقْرَبِ الْأَزْمِنَةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَعَهَا، وَلَا يَلْزَمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ زَمَنًا يُمْكِنُ الْوُقُوعُ فِيهِ، وَهُوَ زَمَنٌ قَرِيبٌ، فَلَا يُؤَخَّرُ إِلَى الْبَعِيدِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 مَعَ طَلْقَةٍ، أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُنْجَزِ فِي هَذَا، فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ، فَدَخَلَتْ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ - طُلِّقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، وَاثْنَتَيْنِ إِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ) أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ، طُلِّقَتِ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي وُقُوعَهُمَا مَعًا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: مَعَهَا اثْنَتَانِ وَقَعَ ثَلَاثٌ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا إِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةٌ تَحْتَ طَلْقَةٍ، أَوْ تَحْتَهَا، أَوْ فَوْقَ طَلْقَةٍ، أَوْ فَوْقَهَا (أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ، أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي الْجَمْعَ وَلَا تَرْتِيبَ فِيهَا؛ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا يَتِّمُ بِآخِرِهِ فِي الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، فَكَذَا فِي الْعَطْفِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ مُغَيِّرَةٌ لَهُ بِخِلَافِ الْعَطْفِ، فَإِنَّهُ لَا يُغَيِّرُ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْعَطْفَ هُنَا يُبَيِّنُ عَدَدَ الْوَاقِعِ فَهُوَ كَالصِّفَةِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا غَايَرَ بَيْنَ الْحُرُوفِ وَنَوَى التَّأْكِيدَ - لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ بِتَكْرِيرِ الْأَوَّلِ بِصُورَتِهِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، أَنْتِ مُفَارَقَةٌ، وَنَوَى التَّأْكِيدَ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ - قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَايِرْ بَيْنَهَا بِالْحُرُوفِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ، بَلْ أَعَادَ اللَّفْظَ بِمَعْنَاهُ، وَمِثْلُ هَذَا يُعَادُ تَوْكِيدًا، فَلَوْ عَطَفَ فَقَالَ: مُطَلَّقَةٌ، وَمُسَرَّحَةٌ، وَمُفَارِقَةٌ، وَقَالَ: أَرَدْتُ التَّأْكِيدَ - فَاحْتِمَالَانِ. (وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُنْجَزِ فِي هَذَا) ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى الشَّرْطِ يَجِبُ تَحَقُّقُهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، فَيَجِبُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ يَقَعُ عَلَيْهَا لَوْ كَانَ مُنْجَزًا - تَقَدَّمَ الشَّرْطُ أَوْ تَأَخَّرَ - (فَلَوْ قَالَ لَهَا: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ، فَدَخَلَتْ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ شَرْطُ وُقُوعِهِمَا مَعًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، فَلَوْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا بِالْجَزَاءِ أَوْ مَعَ طَلْقَتَيْنِ - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا (وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ - طُلِّقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى، فَيَجِبُ أَلَّا يَلْحَقَهَا مَا بَعْدَهَا (وَاثْنَتَيْنِ إِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبِينُ بِالْأُولَى، فَيَتَعَيَّنُ إِيقَاعُ الثَّانِيَةِ أَيْضًا، وَفِي " الْمُغْنِي " عَنِ الْقَاضِي: تُطَلَّقُ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا طَلْقَةً مُنْجَزًا، كَذَا قَالَ، وَالَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: أَن " ثُمَّ " كَسَكْتَةٍ لِتَرَاخِيهَا، فَيَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعَهَا طَلْقَةٌ، فَيَقَعُ بِالْمَدْخُولِ بِهَا ثِنْتَانِ، وَاحِدَةٌ إِذَنْ، وَطَلْقَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 بِهَا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ. بَابٌ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا دُونَ النِّصْفِ، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَفِي النِّصْفِ وَجْهَانِ، فَإِذَا قَالَ:   [المبدع في شرح المقنع] بِالشَّرْطِ، وَيَقَعُ بِغَيْرِهَا إِنْ قُدِّمَ الشَّرْطُ الثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ لَغْوٌ، وَالْأُولَى مُعَلَّقَةٌ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فَطَلْقَةٌ مُنْجَزَةٌ وَالْبَاقِي لَغْوٌ، وَفِي " الْمُذْهَبِ " فِيمَا إِذَا تَقَدَّمَ الشَّرْطُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَوْقَعَ وَاحِدَةً فَقَطْ فِي الْحَالِ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنْجَزِ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَمْ تُفَرِّقْ، وَأَنَّهُ إِذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ فَطَلْقَةٌ مُنْجَزَةٌ، وَإِنْ قَدَّمَهُ لَمْ يَقَعْ إِلَّا طَلْقَةٌ بِالشَّرْطِ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ) ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَقْتَضِي إِيقَاعَ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ الدُّخُولِ، وَقَدْ كُرِّرَ التَّعْلِيقُ، فَيَتَكَرَّرُ الْوُقُوعُ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ كَرَّرَ الشَّرْطَ ثَلَاثًا طُلِّقَتْ ثَلَاثًا - فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ - لِأَنَّ الصِّفَةَ وُجِدَتْ، فَاقْتَضَى وُقُوعُ الثَّلَاثِ دُفْعَةً وَاحِدَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ] بَابٌ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ الِاسْتِثْنَاءُ: إِخْرَاجٌ بِإِلَّا أَوْ إِحْدَى أَخَوَاتِهَا، قِيلَ: مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ؛ لِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَلِسَانِ الْعَرَبِ (حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ إِيقَاعِهِ، وَلَوْ صَحَّ لَرَفَعَهُ (وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا دُونَ النِّصْفِ) فِي الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ فِيهِ، فَجَازَ كَمَا فِي عَدَدِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاءُ رَافِعًا لِوَاقِعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَانِعٌ لِدُخُولِ الْمُسْتَثْنَى فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (وَلَا يَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النِّصْفِ، أَيْ: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ، وَلَا الْأَكْثَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقَوَّاهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ (وَفِي النِّصْفِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً - طُلِّقَتِ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا، أَوْ ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ، أَوْ خَمْسًا إِلَّا ثَلَاثًا، أَوْ ثَلَاثًا إِلَّا رُبُعَ طَلْقَةٍ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَةً، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَةً، فَهَلْ تُطَلَّقُ ثَلَاثًا أَوِ اثْنَتَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] وَجْهَانِ) وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ وَصَاحِبُ " الرَّوْضَةِ " رِوَايَتَيْنِ، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَجَازَ الْأَكْثَرُ إِنْ سَلِمَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَدَدِ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ بِالصِّفَةِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَخْصِيصٌ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الْكُلُّ نَحْوَ: اقْتُلْ مَنْ فِي الدَّارِ إِلَّا بَنِي تَمِيمٍ، وَهُمْ بَنُو تَمِيمٍ، فَيَحْرُمُ قَتْلُهُمْ، وَسَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ (فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً - طُلِّقَتِ اثْنَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ دُونَ النِّصْفِ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا) طُلِّقَتْ ثَلَاثًا بِغَيْرِ خِلَافٍ (أَوْ ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ) وَقَعَ ثَلَاثٌ - بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ (أَوْ خَمْسًا إِلَّا ثَلَاثًا) وَقَعَتِ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنْ عَادَ إِلَى الْخَمْسِ فَقَدِ اسْتَثْنَى الْأَكْثَرَ، وَإِن عَادَ إِلَى الثَّلَاثِ الَّتِي يَمْلِكُهَا فَقَدْ رَفَعَ جَمِيعَهَا، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ صَحَّ الْأَكْثَرُ فَثِنْتَانِ، وَإِنْ قَالَ: خَمْسًا إِلَّا طَلْقَةً، فَقِيلَ: يَقَعُ اثْنَتَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ (أَوْ ثَلَاثًا إِلَّا رُبُعَ طَلْقَةٍ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ النَّاقِصَةَ تُكْمَلُ، فَتَصِيرُ ثَلَاثًا ضَرُورَةَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَجْهٌ أَنَّهَا تُطَلَّقُ اثْنَتَيْنِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَةً، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ، فَقِيلَ: تَقَعُ طَلْقَتَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، وَاثْنَتَيْنِ إِلَّا اثْنَتَيْنِ - لَمْ يَصِحَّ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَإِنِ اسْتَثْنَى وَاحِدَةً، فَفِي صِحَّتِهِ احْتِمَالَانِ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَةً، فَهَلْ تُطَلَّقُ ثَلَاثًا أَوِ اثْنَتَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) لَا يَصِّحُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ - خِلَافًا لِـ " الرِّعَايَةِ " - إِلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَةً - فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " و" الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدَةِ مِمَّا قَبْلَهَا، فَتَبْقَى وَاحِدَةً، وَهِيَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 وَاحِدَةً - لَمْ يَصِحَّ، أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إِلَّا وَاحِدَةً، أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إِلَّا وَاحِدَةً، أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا إِلَّا طَلْقَةً - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَقَعَ طَلْقَتَانِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ   [المبدع في شرح المقنع] مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَتَصِيرُ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْوَاحِدَةَ مُخْرَجَةٌ مِنَ الثَّلَاثِ لِإِبْطَالِ اسْتِثْنَاءِ الثِّنْتَيْنِ، وَالثَّانِي: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الثِّنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ؛ لِكَوْنِهِمَا أَكْثَرُ مِنَ النِّصْفِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنِ اسْتِثْنَاءٍ بَاطِلٍ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً - لَمْ يَصِحَّ) وَيَقَعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ، وَقِيلَ: يَعُودُ اسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدَةِ إِلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، فَتَقَعُ طَلْقَتَانِ (أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إِلَّا وَاحِدَةً، أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إِلَّا وَاحِدَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا إِلَّا طَلْقَةً - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الِاسْتِثْنَاءِ يَجْعَلُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَغْوًا، فَبَطَلَ كَاسْتِثْنَاءِ الْجَمْعِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَقَعَ طَلْقَتَانِ) ذَكَرَ فِي " الْوَاضِحِ " أَنَّهُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يَجْعَلُ الْجُمْلَتَيْنِ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، فَتَصِيرُ الْوَاحِدَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنَ الثَّلَاثِ، فَلَوْ كَانَ الْعَطْفُ بِالْفَاءِ أَوْ ثُمَّ، لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا طَلْقَةً وَطَلْقَةً، فَقِيلَ: تَقَعُ الثَّلَاثُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي طَلْقَةٍ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ إِلَّا طَلْقَةً وَطَلْقَةً، وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا طَلْقَةً وَنِصْفًا، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً وَإِلَّا وَاحِدَةً، طُلِّقَتِ اثْنَتَيْنِ، وَقِيلَ: وَاحِدَةً، وَإِنْ أَسْقَطَ الْوَاوَ، فَقِيلَ: يَقَعُ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ: ثِنْتَانِ، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا إِلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ، فَهَلْ تُطَلَّقُ ثَلَاثًا أَوِ اثْنَتَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": إِنَّهَا تُطَلَّقُ ثَلَاثًا وَجْهًا وَاحِدًا. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ إِلَّا وَاحِدَةً - وَقَعَتِ الثَّلَاثُ) ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ نَصٌّ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ، فَلَا يَرْتَفِعُ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ أَقْوَى، وَلَوِ ارْتَفَعَ بِالنِّيَّةِ لَرُجِّحَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ إِلَّا وَاحِدَةً - وَقَعَتِ الثَّلَاثُ، وَإِنْ قَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ، وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً بِقَلْبِهِ - لَمْ تُطَلَّقْ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمَرْجُوحُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ - وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ": يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ حُكْمًا، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ قَالَ: نِسَائِي الْأَرْبَعُ طَوَالِقُ وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً بِقَلْبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلِ الْأَرْبَعُ - فَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ (وَإِنْ قَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ، وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً بِقَلْبِهِ - لَمْ تُطَلَّقْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ اللَّفْظُ، وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ الْعُمُومُ فِي الْخُصُوصِ، وَذَلِكَ شَائِعٌ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِذَا قَالَ: أَرْبَعَتُكُنَّ طَوَالِق إِلَّا فُلَانَةَ - لَمْ تَصِحَّ عَلَى الْأَشْبَهِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَأُوقِعَ، وَيَصِحُّ أَرْبَعَتُكُنَّ إِلَّا فُلَانَةَ طَوَالِقُ، وَإِنِ اسْتَثْنَى مَنْ سَأَلَتْهُ طَلَاقَهَا - دِين، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَنِسَائِي الْأَرْبَعِ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهُ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ لِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ، وَإِنْ قَالَتْ: طَلِّقْ نِسَاءَكَ، فَقَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ - طُلِّقَتْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى سَبَبِهِ، وَإِنِ اسْتَثْنَاهَا قُبِلَ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى نِيَّتِهِ. 1 - فَرْعٌ: يُعْتَبَرُ لِلِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِ اتِّصَالٌ مُعْتَادٌ، قَطَعَ بِهِ الْجَمَاعَةُ، وَنِيَّتُهُ قَبْلَ تَكْمِيلِ مَا أَلْحَقَهُ بِهِ، حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ إِجْمَاعًا، وَقِيلَ: وَبَعَّدَهُ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَحْمَدَ وَمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِهِ، وَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ بِالنِّيَّةِ وَبِالِاسْتِثْنَاءِ، قَالَ: وَفِي الْقُرْآنِ جُمَلٌ قَدْ فُصِلَ بَيْنَ أَبْعَاضِهَا بِكَلَامٍ آخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا} [آل عمران: 72] إِلَى قَوْلِهِ: {هُدَى اللَّهِ} [الأنعام: 71] فَصَلَ بَيْنَ أَبْعَاضِ الْكَلَامِ الْمَحْكِيِّ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُدَ عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَقِيلَ لَهُ: أَلَكَ امْرَأَةٌ سِوَاهَا؛ فَقَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، فَسَكَتَ، فَقِيلَ: إِلَّا فُلَانَةَ؛ قَالَ: إِلَّا فُلَانَةَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْنِهَا، فَأَبَى أَنْ يُفْتِيَ فِيهِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ وَصَلَهُ بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ، فَإِنْ كَانَ نُطْقًا، صَحَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ نَوَاهُ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ - دِينَ، وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 بَابٌ الطَّلَاقُ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَل ِ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسُ، أَوْ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَكِ، يَنْوِي الْإِيقَاعَ - وَقَعَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ، لَمْ يَقَعْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ وَقَالَ الْقَاضِي: يَقَعُ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: لَا يَقَعُ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسُ، وَيَقَعُ إِذَا قَالَ: قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَكِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّ زَوْجًا قَبْلِي طَلَّقَهَا، أَوْ طَلَّقْتُهَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَ هَذَا - قُبِلَ مِنْهُ، إِذَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، فَإِنْ مَاتَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ خَرِسَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِمُرَادِهِ، فَهَلْ تُطَلَّقُ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] [بَابُ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ] [إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسُ أَوْ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَكِ] بَابٌ الطَّلَاقُ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ (إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسُ، أَوْ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَكِ، يَنْوِي الْإِيقَاعَ - وَقَعَ) ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ، لَمْ يَقَعْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى زَمَنٍ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ فِيهِ، وَهُوَ الزَّمَنُ الْمَاضِي وَقَبْلَ نِكَاحِهِ، فَلَمْ يَقَعْ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِيَوْمَيْنِ، فَقَدِمَ الْيَوْمَ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ (وَقَالَ الْقَاضِي: يَقَعُ) وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلْقَةَ بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ، فَلَغَتِ الصِّفَةَ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ، كَمَا لَوْ قَالَ لِآيِسَةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ (وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: لَا يَقَعُ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسُ) ؛ لِعَدَمِ إِمْكَانِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ (وَيَقَعُ إِذَا قَالَ: قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَكِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا، وَهَذَا الْوَقْتُ قَبْلَهُ، فَيَقَعُ فِيهِ بِخِلَافِ الْأُولَى، قَالَهُ الْقَاضِي، وَعَنْهُ: فِي الْأُولَى إِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمْسُ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنِّي طَلَّقْتُهَا أَمْسُ - طُلِّقَتْ بِإِقْرَارِهِ، وَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي يَوْمِهَا؛ لِاعْتِرَافِهَا أَنَّ أَمْسُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِدَّتِهَا (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّ زَوْجًا قَبْلِي طَلَّقَهَا، أَوْ طَلَّقْتُهَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَ هَذَا - قُبِلَ مِنْهُ، إِذَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ) ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ، وَقَوْلُهُ: إِذَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدُ، لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ مُحْتَمِلًا لِلصِّدْقِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": إِنْ لَمْ يَكُنْ وُجِدَ، وَقَعَ طَلَاقُهُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَلَمْ يُشْتَرَطِ الْوُجُودُ، فَإِذَنْ فِيهِ وَجْهَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَا لَمْ تُكَذِّبْهُ قرينة مِنْ غَضَبٍ، أَوْ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ مَاتَ) الْقَائِلُ (أَوْ جُنَّ، أَوْ خَرِسَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِمُرَادِهِ، فَهَلْ تُطَلَّقُ) الْمَقُولُ لَهَا؛ (عَلَى وَجْهَيْنِ) بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 وَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ، فَقَدِمَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ شَهْرٍ وَجُزْءٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ، تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ فِيهِ، فَإِنْ خَالَعَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ بِيَوْمٍ، وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ الشَّهْرِ بِيَوْمَيْنِ، صَحَّ الْخُلْعُ، وَبَطَلَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ شَهْرٍ وَسَاعَةٍ، وَقَعَ الطَّلَاقُ دُونَ الْخُلْعِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ   [المبدع في شرح المقنع] النِّيَّةِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، فَإِنْ قِيلَ بِاشْتِرَاطِهِ، لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ النِّيَّةُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُهَا، وَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا، طُلِّقَتْ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلْوُقُوعِ قَدْ وُجِدَ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ) فَلَهَا النَّفَقَةُ (فَقَدِمَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَمْ تُطَلَّقْ) بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ عَلَى صِفَةٍ مُمْكِنَةِ الْوُجُودِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: تُطَلَّقُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسُ، وَجَزَمَ بِهِ الْحُلْوَانِيُّ، فَلَوْ قَدِمَ مَعَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جُزْءٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ (وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ شَهْرٍ وَجُزْءٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ، تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي زَمَنٍ عَلَى الصِّفَةِ، فَإِذَا حَصَلَتْ، وَقَعَ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ، أَوْ قَبْلَ مَوْتِكِ بِشَهْرٍ، فَلَوْ وَطِئَهَا، كَانَ مُحَرَّمًا، وَلَهَا الْمَهْرُ (فَإِنْ خَالَعَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ بِيَوْمٍ) فَأَكْثَرَ (وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ الشَّهْرِ بِيَوْمَيْنِ، صَحَّ الْخُلْعُ) ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ مَعَ زَوْجِهِ (وَبَطَلَ الطَّلَاقُ) ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَهَا بَائِنًا، وَلَا إِرْثَ لَهَا؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ (وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ شَهْرٍ وَسَاعَةٍ) فَأَقَلَّ (وَقَعَ الطَّلَاقُ) ؛ لِأَنَّهَا طُلِّقَتْ فِي السَّاعَةِ وَهِيَ زَوْجَةٌ، (دُونَ الْخُلْعِ) ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَهَا بَائِنًا، وَخُلْعُ الْبَائِنِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَحِينَئِذٍ لَهَا الرُّجُوعُ بِالْعِوَضِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ يَصِحُّ خُلْعُهَا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ عَقْدِ الصِّفَةِ، فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ عَقْدِهَا بِشَهْرٍ وَيَوْمٍ، فإنا نَحْكُمُ بِوُقُوعِ عِتْقِ الْبَائِعِ وَبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْهُ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ أَنَّهَا تُطَلَّقُ فِي الْحَالِ، وَهَذِهِ تُعْطِي أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يَأْتِي لَا مَحَالَةَ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَكَذَا إِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 قَبْلَ مَوْتِي، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، فَإِنْ قَالَ: بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ مَعَ مَوْتِي - لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ تَزَوُّجَ أَمَةَ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا مَاتَ أَبِي أَوِ اشْتَرَيْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَاتَ أَبُوهُ أَوِ اشْتَرَاهَا - لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ: قَبْلَ مَوْتِكِ أَوْ مَوْتِ زَيْدٍ، فَإِنْ قَالَهُ بِالتَّصْغِيرِ لَمْ يَقَعْ إِلَّا فِي الْجُزْءِ الَّذِي يَلِيهِ الْمَوْتُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصْغِيرٌ يَقْتَضِي الْجُزْءَ الْيَسِيرَ (فَإِنْ قَالَ: بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ مَعَ مَوْتِي - لَمْ تُطَلَّقْ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِنْ قَالَ: بَعْدَ مَوْتِكِ، أَوْ مَعَ مَوْتِكِ - بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، فَلَمْ يُصَادِفِ الطَّلَاقَ نِكَاحًا يُزِيلُهُ، فَإِنْ قَالَ: يوم مَوْتِي، فَوَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ - لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بَعْدَهُ، فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ لِمُضِيِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِشَهْرٍ وَقَعَ إِذَنْ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": فِي جُزْءٍ يَلِيهِ مَوْتُهُ كَقَبْلَ مَوْتِي، وَإِنْ قَالَ: أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ، فَبِمَوْتِ إِحْدَاهُمَا يَقَعُ بِالْأُخْرَى إِذَنْ، وَقِيلَ: وَقْتُ يَمِينِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ، تَعَلَّقَتْ بِالصِّفَةِ بِأَوَّلِهِمَا مَوْتًا. (وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا مَاتَ أَبِي أَوِ اشْتَرَيْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَاتَ أَبُوهُ أَوِ اشْتَرَاهَا - لَمْ تُطَلَّقْ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ وَالشِّرَاءِ يَمْلِكُهَا، فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِالْمِلْكِ وَهُوَ زَمَنُ الطَّلَاقِ، فَلَمْ يَقَعْ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي، وَكَقَوْلِهِ: إِذَا مَلَكْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - فِي الْأَصَحِّ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُطَلَّقَ) اخْتَارَهُ فِي " الْجَامِعِ "، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ "، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ سَبَبُ مِلْكِهَا وَطَلَاقِهَا، وَفَسْخُ النِّكَاحِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِلْكِ، فَيُوجَدُ الطَّلَاقُ فِي زَمَنِ الْمِلْكِ السَّابِقِ عَلَى الْفَسْخِ، فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": إِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الشِّرَاءِ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: تُطَلَّقُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " بِنَاءً عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ زَمَنَ الْخِيَارِ. (وَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً) أَيْ: دَبَّرَهَا أَبُوهُ (فَمَاتَ أَبُوهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ) ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تُمْنَعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 تُطَلَّقْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُطَلَّقَ، وَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَ أَبُوهُ - وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ. فَصْلٌ وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْكُوزِ، وَلَا مَاءَ فِيهِ، أَوْ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ، أَوْ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ، أَوْ لَأَطِيرَنَّ، أَوْ إِنْ لَمْ أَصْعَدِ السَّمَاءَ وَنَحْوَهُ - طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ   [المبدع في شرح المقنع] بثُبُوت الْمِلْكِ لَهُ، فَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ، فَيَقَعُ طَلَاقُهُ (وَالْعِتْقُ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ وَقَدْ وُجِدَا مَعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا إِذَا كَانَتْ تُخْرَجُ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ أَجَازَ الِابْنُ، وَقُلْنَا: إِجَازَتُهُ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ - فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: تَنْفِيذٌ، وَقَعَا مَعًا، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ تَرِكَتَهُ لَمْ يُعْتَقْ، وَالْأَصَحُّ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَةِ إِلَى الْوَرَثَةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ بَعْدِ أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَقَعَا، وَإِلَّا حُكْمُهَا فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَمَنْعِ الطَّلَاقِ، كَمَا لَوْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا لَهَا، فَإِنْ أَسْقَطَ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ قَبْلَ إِسْقَاطِهِ. [إِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْكُوزِ] فَصْلٌ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْكُوزِ، وَلَا مَاءَ فِيهِ، أَوْ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ، أَوْ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ، أَوْ لَأَطِيرَنَّ، أَوْ إِنْ لَمْ أَصْعَدِ السَّمَاءَ وَنَحْوَهُ - طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ أَبِعْ عَبْدِي، فَمَاتَ الْعَبْدُ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْمُسْتَحِيلِ، وَعَدَمُهُ مَعْلُومٌ فِي الْحَالِ، وَفِي الثَّانِي: فَإِنَّهُ يُوقِعُ الطَّلَاقَ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ) وَحَكَاهُ عَنِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْبِرُّ وَالْحِنْثُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْنَثُ، فَإِنَّ الْحَالِفَ عَلَى فِعْلِ الْمُمْتَنِعِ كَاذِبٌ حَانِثٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [النحل: 38] ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مُتَصَوَّرٍ فَصَارَ مُمْتَنِعًا - حَنِثَ، فَهَذَا أَوْلَى، وَقِيلَ: لَا تُطَلَّقُ فِي الْمُحَالِ لِذَاتِهِ، وَإِنَّ الْمُحَالَ عَادَةً كَالْمُمْكِنِ فِي تَأْخِيرِ الْحِنْثِ إِلَى آخِرِ حَيَاتِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ وَقْتَهُ كَقَوْلِهِ: لَأَطِيرَنَّ الْيَوْمَ، لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَإِنْ أَطْلَقَ، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ اتِّفَاقًا. فَرْعٌ: إِذَا حَلِفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا، وَهُوَ مَيِّتٌ، فَقِيلَ: يَحْنَثُ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَقِيلَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 طَالِقٌ إِنْ شَرِبْتِ مَاءَ الْكُوزِ - وَلَا مَاءَ فِيهِ - أَوْ صَعِدْتِ السَّمَاءَ، أَوْ شَاءَ الْمَيِّتُ، أَوِ   [المبدع في شرح المقنع] لَا، وَقِيلَ: إِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ - حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِمَا فَلَا، وَفَرَّقَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ "، فَقَالَ: إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَرِبْتِ مَاءَ الْكُوزِ - وَلَا مَاءَ فِيهِ - أَوْ صَعِدْتِ السَّمَاءَ، أَوْ شَاءَ الْمَيِّتُ، أَوِ الْبَهِيمَةُ) أَوْ إِنْ قَلَبْتِ الْحَجَرَ ذَهَبًا، أَوْ إِنْ جَمَعْتِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ إِنْ رَدَدْتِ أَمْسُ (لَمْ تُطَلَّقْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الرِّعَايَةِ "، و" الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ؛ لِأَنَّ مَا يُقْصَدُ تَبْعِيدُهُ يُعَلَّقُ عَلَى الْمُحَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] ؛ وَلِقَوْلِ الشَّاعِرِ: إِذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْتُ أَهْلِي ... وَعَادَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ وَكَحَلِفِهِ بِاللَّهِ عَلَيْهِ (وَتُطَلَّقُ فِي الْآخَرِ) وَيُلْغَى الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ أَرْدَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَرْفَعُ جُمْلَتَهُ، وَيُمْنَعُ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ، وَفِي الثَّانِي: فَلَمْ يَصِحَّ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْكِ، وَقِيلَ: إِنْ عَلَّقَهُ عَلَى مُسْتَحِيلٍ عَقْلًا وَقَعَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ، وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى مُسْتَحِيلٍ - عَادَةً - كَالطَّيَرَانِ وَصُعُودِ السَّمَاءِ، لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّ لَهُ وُجُودًا، وَقَدْ وُجِدَ فِي مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ. تَذْنِيبٌ: الْعِتْقُ وَالظِّهَارُ وَالْحَرَامُ وَالنَّذْرُ كَالطَّلَاقِ، وَالْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى قِيلَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا كَفَّارَةَ فِيهَا كَالْغَمُوسِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: لَأَفْعَلَنَّ، أَوْ لَا فَعَلْتُ، نَحْوَ: لَأَقُومَنَّ، أَوْ لَا قُمْتُ - يَصِحُّ بِنِيَّةِ جَاهِلٍ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ نَوَاهُ عَالِمٌ فَرِوَايَتَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ يُرِيدُ إِنْ قُمْتِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِحَرْفِ الشَّرْطِ، وَتَبِعَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ الْقَدِيمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إِذَا جَاءَ غَدٌ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إِذَا عُلِّقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 الْبَهِيمَةُ، لَمْ تُطَلَّقْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَتُطَلَّقُ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إِذَا جَاءَ غَدٌ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تُطَلَّقُ. فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ، أَوْ فِي رَجَبٍ - طُلِّقَتْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ،   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى شَرْطٍ مُسْتَحِيلٍ، فَهَلْ يَقَعُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مَظْرُوفًا لِلْيَوْمِ وَمَشْرُوطًا لِلْغَدِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَحَالٌ، وَالْمَذْهَبُ: عَدَمُ الْوُقُوعِ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تُطَلَّقُ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ لَمْ يَتَحَقَّقْ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ إِذَا جَاءَ فِي الْيَوْمِ، وَلَا يَجِيءُ غَدٌ إِلَّا بَعْدَ فَوَاتِ الْيَوْمِ وَذَهَابِ مَحَلِّ الطَّلَاقِ. وَفِي " الْمُغْنِي ": إِنَّ اخْتِيَارَ الْقَاضِي أَنَّهَا تُطَلَّقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطِ مُحَالٍ، فَلَغَا الشَّرْطَ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ، كَمَا لَوْ قَالَ لِآيِسَةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، وَقَالَ فِي " الْمُجَرَّدِ ": إِنَّهَا تُطَلَّقُ فِي غَدٍ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَأَقُومَنَّ، وَقَامَ - لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ حَنِثَ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ أَخَاكِ لَعَاقِلٌ، وَكَانَ كَذَلِكَ - لَمْ يَحْنَثْ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ إِنَّ أَخَاكِ لَعَاقِلٌ، وَإِنْ شَكَّ فِي عَقْلِهِ لَمْ يَقَعْ وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا أَكَلْتُ هَذَا الرَّغِيفَ، فَأَكَلَهُ - حَنِثَ، وَإِنْ قَالَ: مَا أَكَلْتُهُ، لَمْ يَحْنَثْ إِنْ كَانَ صَادِقًا، وَحَنِثَ إِنْ كَانَ كَاذِبًا، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ مَا آكُلُهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْتُ الدَّارَ وَلَا ضَربتُكِ، وَنَوَى بِهِ التَّعْلِيقَ - صَحَّ إِنْ كَانَ جَاهِلًا، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى مَذْهَبِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا لِاسْتِحَالَةِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَذْهَبَ لَهُمْ، وَكَقَصْدِهِ التَّأْكِيدَ. [فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ] فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ (إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، أَوْ يَوْمَ السَّبْتَ، أَوْ فِي رَجَبٍ - طُلِّقَتْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ، فَإِذَا وُجِدَ مَا يَكُونُ ظَرْفًا طُلِّقَتْ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِذَا دَخَلَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْهَا طُلِّقَتْ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إِذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ أَوْ فِي هَذَا الشَّهْرِ - طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ - دِينَ وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ، أَوْ فِي الْيَوْمِ وَفِي غَدٍ وَفِي بَعْدِهِ، فَهَلْ تُطَلَّقُ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: تُطَلَّقُ فِي الْأَوَّلِ وَاحِدَةً، وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثًا   [المبدع في شرح المقنع] بِشَهْرٍ، أَوْ وَقْتٍ عَيَّنَهُ - وَقَعَ فِي أَوَّلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَقْضِكَ حَقَّكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى يَخْرُجَ الشَّهْرُ قَبْلَ قَضَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَضَاهُ فِي آخِرِهِ لَمْ تُوجَدِ الصِّفَةُ، وَلَهُ الْوَطْءُ قَبْلَ الْحِنْثِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ أَوْ فِي هَذَا الشَّهْرِ - طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ وَالشَّهْرَ ظَرْفٌ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ، فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ إِذَنْ، وَكَذَا إِنْ قَالَ فِي الْحَوْلِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ فِي رَأْسِهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ - دِينَ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ، فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي غَيْرِهِ (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ آخِرَ الشَّهْرِ مِنْهُ، فَإِرَادَتُهُ لَا تُخَالِفُ ظَاهِرَهُ، وَكَذَا وَسَطُهُ، إِذْ لَيْسَ أَوَّلُهُ أَوْلَى فِي ذَلِكَ مِنْ وَسَطِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُطْلِقَ تَنَاوَلَ أَوَّلَهُ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلصُّورَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلٌ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ لَا يَدِينُ وَلَا يُقْبَلُ حُكْمًا، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ، أَوْ مَجِيئِهِ، أَوْ غُرَّتِهِ - طُلِّقَتْ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: نَوَيْتُ آخِرَهُ، أَوْ وَسَطُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِالْغُرَّةِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ، قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ مِنَ الشَّهْرِ يُسَمَّى غَرَرًا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا كَانَ رَمَضَانُ، أَوْ إِلَى رَمَضَانَ، أَوْ إِلَى هِلَالِ رَمَضَانَ، أَوْ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ - طُلِّقَتْ سَاعَةَ يَسْتَهِلُّ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: مِنَ السَّاعَةِ إِلَى الْهِلَالِ، فَتُطَلَّقُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، طُلِّقَتْ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا، أَوْ بَعْدَ غَدٍ، أَوْ فِي الْيَوْمِ وَفِي غَدٍ وَفِي بَعْدِهِ فَهَلْ تُطَلَّقُ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: تُطَلَّقُ وَاحِدَةً إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْثَرَ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهَا إِذَا طُلِّقَتِ الْيَوْمَ، فَهِيَ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَفِي بَعْدِهِ، وَكَقَوْلِهِ: كُلَّ يَوْمِ ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَالثَّانِي: ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ فِي أَوْقَاتِ الطَّلَاقِ يَدُلُّ عَلَى تَعْدَادِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إِنْ لَمْ أُطَلِّقُكِ الْيَوْمَ - طُلِّقَتْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَقِيلَ: تُطَلَّقُ فِي الْأَوَّلِ وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ مَنْ طُلِّقَتْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: هِيَ طَالِقٌ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ (وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثًا) وَهَذَا الْقَوْلُ قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ إِعَادَةَ " فِي " تَقْتَضِي فِعْلًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْيَوْمِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ، وَأَنْتِ طَالِقٌ فِي بَعْدِ غَدٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَخْرُجَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ فِي كُلِّ يَوْمٍ - عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ الْيَوْمَ - طُلِّقَتْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْيَوْمَ يَفُوتُ بِهِ طَلَاقُهَا، فَوَجَبَ وُقُوعُهُ قَبْلَهُ فِي آخِرِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ، كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْيَوْمِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تُطَلَّقُ) وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّ شَرْطَ طَلَاقِهَا خُرُوجُ الْيَوْمَ، وَبِخُرُوجِهِ يَفُوتُ مَحَلُّ طَلَاقِهَا، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَيَبْطُلُ هَذَا بِمَا إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْيَوْمِ، فَإِنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ يَفُوتُ بِمَوْتِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تُطَلَّقُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَكَذَا هُنَا، وَكَذَا إِنْ أَسْقَطَ الْيَوْمَ الْأَخِيرَ، وَإِنْ أَسْقَطَ الْأَوَّلَ، وَقَعَ قَبْلَ آخِرِهِ، وَقِيلَ: بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَيَأْتِي إِنْ أَسْقَطَهُمَا، وَاحْتَجَّ بِهَا الْمُؤَلِّفُ عَلَى ضَعْفِ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، فَدَلَّ أَنَّهَا مِثْلُهَا، وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِيهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. مَسَائِلُ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ الْيَوْمَ، أَوْ إِنْ لَمْ أَشْتَرِ لَكِ ثَوْبًا الْيَوْمَ، فَالْخِلَافُ كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ: إِنْ لَمْ أَبِعْكَ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَلَمْ يَبِعْهُ حَتَّى خَرَجَ الْيَوْمَ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ عُتِقَ، أَوْ مَاتَ الْحَالِفُ أَوِ الْمَرْأَةُ فِي الْيَوْمِ - طُلِّقَتْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ بَيْعُهُ، وَإِنْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فَلَا، وَمَنْ مَنَعَ بَيْعَهَا قَالَ: تُطَلَّقُ، وَإِنْ وُهِبَ الْعَبْدُ لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عَوْدُهُ إِلَيْهِ بِبَيْعِهِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَبِعْ عَبْدِي فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَكَاتَبَ الْعَبْدَ - لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عَجْزُهُ، فَلَمْ يَعْلَمْ فَوَاتَ الْبَيْعِ، وَإِذَا قَالَ: إِذَا مَضَى يَوْمٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ نَهَارًا وَقْعَ إِذَا عَادَ النَّهَارُ إِلَى مِثْلِ وَقْتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَيْلًا فَبِغُرُوبِ شَمْسِ الْغَدِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 أَبُو بَكْرٍ: لَا تُطَلَّقُ وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ، فَمَاتَتْ غَدْوَةً، وَقِدَمَ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَهَلْ وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ، أَوْ إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ، فَمَاتَتْ قَبْلَ قُدُومِهِ - لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا، طُلِّقَتِ الْيَوْمَ وَاحِدَةً، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ: طَالِقٌ الْيَوْمَ وَطَالِقٌ غَدًا، أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ، وَنِصْفَهَا غَدًا،   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ، فَمَاتَتْ غُدْوَةً، وَقَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَهَلْ وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: تُطَلَّقُ مِنْ أَوَّلِهِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ أَوْلَى كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ الْجُمُعَةَ، وَقِيلَ: بَعْدَ قُدُومِهِ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ قُدُومَهُ شَرْطًا، فَلَا تُطَلَّقُ قَبْلَهُ، وَالثَّانِي: لَا تُطَلَّقُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ قُدُومُ زَيْدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمَرْأَةِ، فَلَمْ يَقَعْ بِخِلَافِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا الْإِرْثُ، فَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ غُدْوَةً، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ مَاتَ الزَّوْجَانِ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ - كَانَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ، فَقَدِمَ زَيْدٌ فِيهِ - فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا تُطَلَّقُ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ؛ لِأَنَّ قُدُومَهُ شَرْطٌ فِيهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَهُوَ أَصَحُّ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَمْسُ، أَوْ عَكْسُ، طُلِّقَتْ طَلْقَةً غَدًا، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهَا. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ، أَوْ إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ، فَمَاتَتْ قَبْلَ قُدُومِهِ - لَمْ تُطَلَّقْ) صَحَّحَهُ السَّامِرِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي أَوْقَعَ طَلَاقَهَا فِيهِ لَمْ يَأْتِ، وَهِيَ مَحَلُّ الطَّلَاقِ، فَلَمْ تُطَلَّقْ كَمَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ دُخُولِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقِيلَ: إِنْ قَدِمَ فِيهِ طُلِّقَتْ بَعْدَ قُدُومِهِ، وَقِيلَ: مِنْ أَوَّلِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا قَدِمَ بَعْدَ الْغَدِ أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا، طُلِّقَتِ الْيَوْمَ وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ مَنْ طُلِّقَتِ الْيَوْمَ فَهِيَ طَالِقٌ غَدًا (إِلَّا أَنْ يُرِيدَ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَطَالِقٌ غَدًا) فَتُطَلَّقُ اثْنَتَيْنِ فِي الْيَوْمَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهَا تُطَلَّقُ فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ، طُلِّقَتِ الْيَوْمَ وَلَمْ تُطَلَّقْ غَدًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الزَّمَانَ كُلَّهُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ، فَوَقَعَ فِي أَوَّلِهِ (أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنَصِفَهَا غَدًا، فَتُطَلَّقُ اثْنَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يُكْمَلُ ضَرُورَةَ عَدَمِ تَبْعِيضِ الطَّلَاقِ (وَإِنْ نَوَى نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَبَاقِيَهَا غَدًا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: أَنَّهَا تُطَلَّقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ: نِصْفَهَا الْيَوْمَ كُمِّلَتْ، فَلَمْ يَبْقَ لَهَا بَقِيَّةٌ يَقَعُ غَدًا، وَلَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 فَتُطَلَّقُ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ، وَبَاقِيَهَا غَدًا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَى شَهْرٍ، أَوْ حَوْلٍ - طُلِّقَتْ عِنْدَ انْقِضَائِهِ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقَهَا فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ من آخِر الشَّهْرِ أَوْ أَوَّلَ آخِرِهِ، طُلِّقَتْ بِطُلُوعِ فَجْرِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ: فِي آخِرِ أَوَّلِهِ، طُلِّقَتْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُطَلَّقُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] يَقَعْ شَيْءٌ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْقَعَهُ، وَالثَّانِي: تَقَعُ اثْنَتَانِ فِي الْيَوْمَيْنِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَى شَهْرٍ، أَوْ حَوْلٍ - طُلِّقَتْ عِنْدَ انْقِضَائِهِ) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي ذَرٍّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ غَايَةً لِلطَّلَاقِ وَلَا غَايَةَ لِآخِرِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَجْعَلَ غَايَةً لِأَوَّلِهِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُؤَقِّتًا لِإِيقَاعِهِ، فَلَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ، وَعَنْهُ: تُطَلَّقُ إِذَنْ كَنِيَّتِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ الْخِلَافَ مَعَ النِّيَّةِ، وَكَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَى مَكَّةَ، وَلَمْ يَنْوِ بُلُوغَهَا مَكَّةَ، وَإِنْ قَالَ: بَعْدَ مَكَّةَ، وَقْعَ إِذَنْ (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقَهَا فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ، وَلَفْظُهُ يَحْتَمِلُهُ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنَ الْيَوْمِ إِلَى سَنَةٍ طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، فَيَقْتَضِي أَنَّ طَلَاقَهَا فِي الْيَوْمِ، فَإِنْ أَرَادَ وُقُوعَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، لَمْ يَقَعْ إِلَّا بَعْدَهَا، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ تَكْرِيرَ طَلَاقِهَا مِنْ حِينِ لَفِظْتُ بِهِ إِلَى سَنَةٍ، طُلِّقَتْ مِنْ سَاعَتِهَا ثَلَاثًا إِذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ أَوْ أَوَّلِ آخِرِهِ، طُلِّقَتْ بِطُلُوعِ فَجْرِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ) اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ آخِرَ الشَّهْرِ آخَرُ يَوْمٍ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى وَقْتٍ تَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِ، وَقِيلَ: تُطَلَّقُ فِي الْأَوْلَى بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ، فَيَحْرُمُ وَطْؤُهُ فِي تَاسِعِ عِشْرِينَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُذْهَبِ "، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ. (وَإِنْ قَالَ: فِي آخِرِ أَوَّلِهِ، طُلِّقَتْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِهِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُطَلَّقُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الشَّهْرِ فَمَا دُونَ يُسَمَّى أَوَّلَهُ، فَإِذَا شَرَعَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي صَدَقَ أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 بِغُرُوبِ شَمْسِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ، فَإِنْ قَالَ: إِذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ إِذَا مَضَى اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ، وَيُكَمَّلُ الشَّهْرُ الَّذِي حَلَفَ فِي أَثْنَائِهِ بِالْعَدَدِ فَإِنْ قَالَ: إِذَا مَضَتِ السَّنَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ بِانْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ طَلْقَةً، طُلِّقَتِ الْأُولَى فِي الْحَالِ، وَالثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ، وَكَذَا   [المبدع في شرح المقنع] آخِرُهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْحِنْثُ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ آخِرِهِ وَآخِرُ أَوَّلِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ لَا يُسَمَّى أَوَّلَ الشَّهْرِ، وَيَصِحُّ بِنِيَّةٍ عَنْهُ، فَإِنْ قَالَ: فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ فِيهِ، فَبِدُخُولِهِ (فَإِنْ قَالَ: إِذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ إِذَا مَضَى اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ) أَيْ: إِذَا كَانَ حَلِفُهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ كُلَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِالْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّهَا السَّنَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ بِالنَّصِّ (وَيُكْمَلُ الشَّهْرُ الَّذِي حَلَفَ فِي أَثْنَائِهِ بِالْعَدَدِ) أَيْ: إِذَا كَانَ الْحَلِفُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ وَجَبَ تَكْمِيلُ الشَّهْرِ بِالْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَصِفَتُهُ إِذَا كَانَ قَدْ مَضَى مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ نَاقِصًا، بَقِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْأَحَدَ عَشَرَ بِالْأَهِلَّةِ، أَضَافَ إِلَى التِّسْعَةَ عَشَرَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْعَدَدَ فِي الشُّهُورِ كُلِّهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَامَ نِصْفَ الشَّهْرِ، وَجَبَ تَكْمِيلَهُ مِنَ الَّذِي يَلِيهِ، فَكَانَ ابْتِدَاءُ الثَّانِي مِنْ نِصْفِهِ، فَيُكْمَلُ مِنَ الَّذِي يَلِيهِ وَهَلُمَّ جَرَّا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ سَنَةً شَمْسِيَّةً أَوْ عَدَدِيَّةً، قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا سَنَةً حَقِيقِيَّةً كَمَا يُقْبَلُ إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ سَنَةً إِذَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ. (فَإِنْ قَالَ: إِذَا مَضَتِ السَّنَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ بِانْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَهَا بِلَامِ التَّعْرِيفِ انْصَرَفَ إِلَى السَّنَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهِيَ الَّتِي آخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ، وَوَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ أَنَّ إِشَارَتَهُ إِلَيْهَا كَتَعْرِيفِهَا، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ سَنَةً كَامِلَةً، دِينَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ طَلْقَةً، طُلِّقَتِ الْأُولَى فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ السَّنَةَ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ، فَيَقَعُ إِذَنْ (وَالثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ) ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ ظَرْفٌ لِلطَّلْقَةِ، فَتُطَلَّقُ فِي أَوَّلِهَا (وَكَذَا الثَّالِثَةُ) وَمَحَلُّهُ إِذَا أَدْخَلْنَا عَلَيْهَا وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ، أَوِ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ، أَوْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بَعْدَ أَنْ بَانَتْ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَتِ الثَّانِيَةُ لَمْ تُطَلَّقْ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فِي أَثْنَائِهَا وَقَعَتِ الطَّلْقَةُ عَقِبَ الْعَقْدِ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ، وَقَالَ الْقَاضِي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 الثَّالِثَةُ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا - دِينَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ السِّنِينَ الْمُحَرَّمُ - دِينَ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَقَدِمَ لَيْلًا، لَمْ تُطَلَّقْ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ، فَتُطَلَّقُ، وَإِنْ قُدِمَ بِهِ مَيِّتًا أَوْ مُكْرَهًا، لَمْ تُطَلَّقْ.   [المبدع في شرح المقنع] تُطَلَّقُ بِدُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ تَنْحَلُّ الصِّفَةُ بِوُجُودِهَا حَالَ الْبَيْنُونَةِ، فَلَا تَعُودُ بِحَالٍ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى دَخَلَتِ الثَّالِثَةُ، ثُمَّ نَكَحَهَا - فَإِنَّهَا تُطَلَّقُ عَقِبَ تَزْوِيجِهَا، وَلَوْ دَامَتْ بَائِنًا حَتَّى مَضَى الْعَامُ الثَّالِثُ لَمْ تُطَلَّقْ بَعْدَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي مَبْدَأِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، فَقَدَّمَ فِي " الْكَافِي " أَنَّ أَوَّلَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ حِينِ يَمِينِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهَا السَّنَةُ الْمَعْرُوفَةُ. (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا - دِينَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَنَةً حَقِيقِيَّةً (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهَا سَنَةً حَقِيقةً، وَالثَّانِيَةُ: لَا؛ لِمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ السِّنِينَ الْمُحَرَّمُ - دِينَ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ (وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، قَالَ الْمُؤَلِّفَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَقَدِمَ لَيْلًا، لَمْ تُطَلَّقْ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ، إِذِ الْيَوْمُ اسْمٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، فَلَوْ قَدِمَ نَهَارًا طُلِّقَتْ، قِيلَ: عَقِبَهُ، وَقِيلَ: مِنْ أَوَّلِهِ، وَعَلَيْهَا يَنْبَنِي الْإِرْثُ (إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ، فَتُطَلَّقُ) وَقْتَ قُدُومِهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يُسَمَّى يَوْمًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَقِيلَ: إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ كَمَنْ نَوَى الْوَقْتَ (وَإِنْ قُدِمَ بِهِ مَيِّتًا أَوْ مُكْرَهًا) مَحْمُولًا أَوْ مَاشِيًا (لَمْ تُطَلَّقْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدَمْ، وَإِنَّمَا قُدِمَ بِهِ، إِذِ الْفِعْلُ يُنْسَبُ إِلَى فَاعِلِهِ، يُقَالُ: دَخَلَ الطَّعَامُ الْبَلَدَ، وَهُوَ لَا يُدْخَلُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُنْسَبُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا مَجَازًا، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ، نَقَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّنْبِيهِ "، فَإِنْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهَا تُطَلَّقُ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 باب تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ يَصِحُّ ذَلِكَ مِنَ الزَّوْجِ، وَلَا يَصِحُّ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَوْ قَالَ: إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ أَوْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَهِيَ طَالِقٌ - لَمْ تُطَلَّقْ إِذَا تَزَوَّجَهَا، وَعَنْهُ: تُطَلَّقُ، وَإِنْ قَالَ   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا قَدِمَ مُخْتَارًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ الْحَالِفُ - قَوْلًا وَاحِدًا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ يَمْتَنِعُ بِالْيَمِينِ مِنَ الْقُدُومِ فَجَهِلَ الْيَمِينَ أَوْ نَسِيَهَا، فَرِوَايَتَانِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ عَلَى هَذَا نِيَّةُ الْحَالِفِ، وَقَرَائِنُ أَحْوَالِهِ الدَّالَّةُ عَلَى قَصْدِهِ، وَمَتَى أُشْكِلَ الْحَالُ، وَقَعَ. [بَابُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ] [إِنْ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ لَمْ تُطَلَّقْ قَبْلَ وُجُودِهِ] بَابُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ وَهُوَ تَرْتِيبُ شَيْءٍ غَيْرِ حَاصِلٍ عَلَى شَيْءٍ حَاصِلٍ أَوْ غَيْرِ حَاصِلٍ بِـ " إِنْ " أَوْ إِحْدَى أَخَوَاتِهَا (يَصِحُّ ذَلِكَ مِنَ الزَّوْجِ وَلَا يَصِحُّ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ: مَنْ صَحَّ مِنْهُ الطَّلَاقُ بِطْرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ، صَحَّ مِنْهُ أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَرْطٍ، إِذِ التَّعْلِيقُ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ، فَإِذَا عُلِّقَ الطَّلَاقُ عَلَى شَرْطٍ وَقَعَ عِنْدَ وُجُودِهِ، أَيْ: إِذَا اسْتَمَرَّتِ الزَّوْجِيَّةُ، وَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقَ الْوُجُودِ - عَلَى الْمَذْهَبِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا، وَيَصِحُّ مَعَ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ وَتَأَخُّرِهِ، وَعَنْهُ: يَتَنَجَّزُ بِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ فِي الْعِتْقِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَأَخَّرَ الْقَسَمُ كَأَنْتِ طَالِقٌ لَأَفْعَلَنَّ كَالشَّرْطِ، وَأَوْلَى بِأَلَّا يُلْحَقَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي " أَنْتِ طَالِقٌ "، وَكَرَّرَهُ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ عَقِبَ الرَّابِعَةِ: إِنْ قُمْتِ - طُلِّقْتِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقٌ مَا لَمْ يَمْلِكْ بِشَرْطٍ، وَيَصِحُّ بِصَرِيحِهِ وَكِنَايَتِهِ مَعَ قَصْدِهِ. (فَلَوْ قَالَ: إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ أَوْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَهِيَ طَالِقٌ - لَمْ تُطَلَّقْ إِذَا تَزَوَّجَهَا) عَلَى الْمَشْهُورِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 لِأَجْنَبِيَّةٍ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَامَتْ - لَمْ تُطَلَّقْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ، لَمْ تُطَلَّقْ قَبْلَ وُجُودِهِ، فَإِنْ قَالَ: عَجَّلْتُ مَا عَلَّقْتُهُ، لَمْ يَتَعَجَّلْ، وَإِنْ قَالَ: سَبَقَ لِسَانِي بِالشَّرْطِ وَلَمْ أُرِدْهُ، وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ إِنْ قُمْتِ - دِينَ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ، نَصَّ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] جَدِّهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَزَادَ: وَإِنْ عَيَّنَهَا وَعَنِ الْمِسْوَرِ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ (وَعَنْهُ: تُطَلَّقُ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الْإِحْضَارِ، فَصَحَّ عَلَى حُدُوثِ الْمِلْكِ كَالْوَصِيَّةِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ فِي الْعِتْقِ فَقَطْ؛ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ. (وَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَامَتْ - لَمْ تُطَلَّقْ رِوَايَةً وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إِلَى زَمَنٍ يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَعَنْهُ: صِحَّةُ قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ تَزَوَّجْتُ عَلَيْكِ، فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ لِعَتِيقَتِهِ: إِنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ لِرَجْعِيَّتِهِ: إِنْ رَاجَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَرَادَ التَّغْلِيظَ عَلَيْهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ " في الأوليين، قَالَ أَحْمَدُ فِي الْعَتِيقَةِ: قَدْ وَطِئَهَا، وَالْمُطَلِّقُ قَبْلَ الْمِلْكِ، لَمْ يَطَأْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ التَّسْوِيَةُ. (وَإِنْ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ، لَمْ تُطَلَّقْ قَبْلَ وُجُودِهِ) ؛ لِأَنَّهُ زَوَالٌ بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، أَشْبَهَ الْعِتْقَ، وَذَهَبَ أَحْمَدُ إِلَى قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ: أَنْتَ حُرٌّ إِلَى الْحَوْلِ، وَعَنْهُ: يَقَعُ فِي الْحَالِ مَعَ تَيَقُّنِ وَجُودِهِ، وَخَصَّهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُصَيِّرُهُ كَمُتْعَةٍ، وَنَقَلَ مُهَنَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تُطَلَّقُ إِذَنْ، قِيلَ لَهُ: فَتَتَزَوَّجُ فِي قَبْلِ مَوْتِي بِشَهْرٍ؛ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يُمْسِكُ عَنِ الْوَطْءِ حَتَّى يَمُوتَ، وَذَكَرَ فِي " الرِّعَايَةِ " تَحْرِيمَهُ وَجْهًا (فَإِنْ قَالَ: عَجَّلْتُ مَا عَلَّقْتُهُ، لَمْ يَتَعَجَّلْ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ، وَقِيلَ: بَلْ يَتَعَجَّلُ، وَهَلْ تُطَلَّقُ أُخْرَى عِنْدَ الشَّرْطِ؛ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ، دِينَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 فَصْلٌ وَأَدَوَاتُ الشَّرْطِ سِتَّةٌ: إِنْ، وَإِذَا، وَمَتَى، وَمَنْ، وَأَيُّ، وَكُلَّمَا، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ قَالَ: سَبَقَ لِسَانِي بِالشَّرْطِ وَلَمْ أُرِدْهُ، وَقَعَ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُهَا، فَلَوْ فَصَلَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَحُكْمِهِ بِكَلَامٍ مُنْتَظِمٍ نَحْوَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إِنْ قُمْتِ، لَمْ يَقْطَعْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يَقْطَعَهُ كَسَكْتَةٍ وَتَسْبِيحَةٍ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَرِيضَةً رَفْعًا وَنَصْبًا، وَقَعَ بِمَرَضِهَا (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ إِنْ قُمْتِ - دِينَ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَمَا ادَّعَاهُ مُحْتَمَلٌ (وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ، نَصَّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَإِرَادَةُ التَّعْلِيقِ مِنَ التَّنْجِيزِ بَعِيدَةٌ جِدًّا، وَفِيهِ فَتْحُ بَابٍ عَظِيمِ الْخَطَرِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي " الْكَافِي " و" الْمُسْتَوْعِبِ " فِيهِ رِوَايَتَانِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ مِنْ وَثَاقٍ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ تَرَكَتْ هَذَا الصَّبِيَّ يَخْرُجُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، فَإِنْ كَانَ نَوَى لَا يَخْرُجُ حَنِثَ، وَإِنْ نَوَى لَا تَدَعُهُ يَخْرُجُ، لَمْ يَحْنَثْ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ نِيَّتَهُ لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا تَأْخُذْ حَقَّكَ مِنِّي فَأُكْرِهَ عَلَى الدَّفْعِ - حَنِثَ، وَإِنْ أُكْرِهَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِهِ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ وَضَعَهُ الْحَالِفُ فِي حِجْرِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَأْخُذْ - لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَخْذَهُ الْحَاكِمُ مِنَ الْغَرِيمِ فَدَفَعَهُ إِلَى الْمُسْتَحِقِّ فَأَخَذَهُ - حَنِثَ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَا تَأْخُذْ حَقَّكَ عَلَيَّ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا، كَمَا لَوْ قَالَ: أُعْطِيكَ حَقَّكَ. [فَصْلٌ أَدَوَاتُ الشَّرْطِ] (وَأَدَوَات الشَّرْطِ سِتَّةٌ) كَذَا وَقَعَ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَالْوَجْهُ سِتٌّ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى عَلَى تَأْوِيلِ الْأَدَوَاتِ بِالْأَلْفَاظِ، أَوْ هُوَ جَمْعُ لَفْظٍ وَهُوَ مُذَكَرٌ، نَظِيرُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ وَثَلَاثُ ذُودٍ ... لَقَدْ جَارَ الزَّمَانُ عَلَى عِيَالِي وَالنَّفْسُ مُؤَنَّثَةٌ، لَكِنْ أُرِيدَ بِهَا الْإِنْسَانُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ فِيهَا، فَإِنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 التَّكْرَارَ إِلَّا كُلَّمَا، وَفِي مَتَى وَجْهَانِ، وَكُلُّهَا عَلَى التَّرَاخِي إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ " لَمْ "، فَإِنِ اتَّصَلَ بِهَا صَارَتْ عَلَى الْفَوْرِ، إِلَّا " إنْ "، وَفِي " إِذَا " وَجْهَانِ. فَإِذَا قَالَ: إِنْ قُمْتِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] غَيْرَهَا أَدَاةٌ لَهُ كَـ " مَا "، وَإِنَّمَا خَصَّ السِّتَّةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا غَالِبُ مَا تُسْتَعْمَلُ لَهُ (إِنْ، وَإِذَا، وَمَتَى، وَمَنْ، وَأَيُّ، وَكُلَّمَا، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ إِلَّا كُلَّمَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64] و: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38] (وَفِي مَتَى وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا: تُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْرَارِ، قَالَ الشَّاعِرُ: مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ وَلِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَالثَّانِي: لَا يَقْتَضِيهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهَا اسْمُ زَمَنٍ بِمَعْنَى أَيِّ وَقْتٍ، وَبِمَعْنَى إِذَا، وَكَوْنِهَا تُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْرَارِ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِهِ كَإِذَا، وَأَيُّ وَقْتٍ، فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْأَمْرَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} [الأنعام: 68] {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ} [الأعراف: 203] وَكَذَلِكَ أَيُّ وَقْتٍ، وَأَيُّ زَمَانٍ، فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلتَّكْرَارِ، وَسَائِرُ الْحُرُوفِ يُجَازَى بِهَا إِلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْرَارِ وَغَيْرِهِ، فَلَا تُحْمَلُ عَلَى التَّكْرَارِ إِلَّا بِدَلِيلٍ. فَرْعٌ: مَنْ وَأَيُّ الْمُضَافَةُ إِلَى الشَّخْصِ يَقْتَضِيَانِ عُمُومَ ضَمِيرِهِمَا فَاعِلًا كَانَ أَوْ مَفْعُولًا. (وَكُلُّهَا عَلَى التَّرَاخِي إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ " لَمْ ") أَوْ نِيَّةِ الْفَوْرِ، أَوْ قَرِينَتِهِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ، لِكَوْنِ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي وَقْتًا إِلَّا ضَرُورَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي وَقْتٍ، فَهِيَ مُطْلَقَةٌ فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ (فَإِنِ اتَّصَلَ بِهَا صَارَتْ عَلَى الْفَوْرِ) ؛ لِأَنَّ " مَتَى " و" أَيُّ " مَعْنَاهُمَا: أَيُّ زَمَانٍ، وَذَلِكَ شَائِعٌ فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ، فَأَيُّ زَمَنٍ وُجِدَتِ الصِّفَةُ فِيهِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ فِي " أَيُّ " كَوْنُهَا مُضَافَةً إِلَى زَمَنٍ، فَإِنْ أُضِيفَتْ إِلَى شَخْصٍ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ " مَنْ "، وَظَاهِرُهُ: أَنْ " مَنْ " لِلْفَوْرِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ " مَنْ " لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الزَّمَانِ إِلَّا ضَرُورَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي زَمَانٍ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ " أَيُّ "، فَيَجِبُ أَلَّا تَكُونَ عَلَى التَّرَاخِي، مَعَ أَنَّ صَاحِبَ " الْمُحَرَّرِ " حَكَى فِي " مَنْ " و" أَيُّ " الْمُضَافَةِ إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 إِذَا قُمْتِ، أَوْ مَنْ قَامَتْ مِنْكُنَّ، أَوْ أَيَّ وَقْتٍ قُمْتِ، أَوْ مَتَى قُمْتِ، أَوْ كُلَّمَا قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَتَى قَامَتْ طُلِّقَتْ، وَإِنْ تَكَرَّرَ الْقِيَامُ لَمْ يَتَكَرَّرِ الطَّلَاقُ، إِلَّا فِي   [المبدع في شرح المقنع] الشَّخْصِ وَجْهَيْنِ، وَيَتَوَجَّهَانِ فِي مَهْمَا، فَإِنِ اقْتَضَتْ فَوْرًا فَهِيَ فِي التَّكْرَارِ كَـ " مَتَى "، وَأَمَّا " كُلَّمَا " فَدَلَالَتُهَا عَلَى الزَّمَنِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ " أَيُّ " و" مَتَى "، فَإِذَا صَارَتَا لِلْفَوْرِ عِنْدَ اتِّصَالِهِمَا بِلَمْ، فَلِأَنْ تَصِيرَ " كُلَّمَا " كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (إِلَّا " إنْ ") أَيْ: مَعَ عَدَمِ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ، فَإِذَا قَالَ: إِنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ - لَمْ يَقَعْ إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ إِيقَاعِهِ بِمَوْتٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ (وَفِي " إِذَا " وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي، نَصَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا تَسْتَعْمِلُ شَرْطًا بِمَعْنَى " إِنْ " كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ فَجَزَمَ بِهَا كَـ " إِنْ "؛ وَلِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى " مَتَى " و" إِنْ "، فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ، وَالثَّانِي: عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِزَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَيَكُونُ كَمَتَى، فَأَمَّا الْمُجَازَاةُ بِهَا، فَلَا تُخْرِجُهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا. مَسْأَلَةٌ: قَدْ عُلِمَ حُكْمُ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ، وَأَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ بِعَزْمِهِ عَلَى التَّرْكِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الرَّوْضَةِ "؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَصْدِ، وَالْقَصْدِ هُوَ النِّيَّةُ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، فَأَثَّرَ فِيهِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ كَالْعِبَادَاتِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ إِذَا نَوَى قَطْعَهُمَا - ذَكَرَهُ فِي " الْوَاضِحِ ". تَذْنِيبٌ: قَوْلُهُمُ الْأَدَوَاتُ الْأَرْبَعُ فِي النَّفْيِ عَلَى الْفَوْرِ صَحِيحٌ فِي " كُلَّمَا " و" أَيُّ " و" مَتَى "، فَإِنَّهَا تَعُمُّ الزَّمَانَ بِخِلَافِ " مَنْ "؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَسْمَاءِ الزَّمَانِ، وَإِنَّمَا تَعُمُّ الْأَشْخَاصَ، فَلَا يَظْهَرُ أَنَّهَا تَقْتَضِي الْفَوْرَ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قَالَ: مَنْ لَمْ أُطَلِّقْهَا مِنْكُنَّ فَهِيَ طَالِقٌ، لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ طَلَاقُهَا، أَوْ يَنْوِيَ وَقْتًا أَوْ تَقُومَ قَرِينَةٌ بِفَوْرٍ، فَيَتَعَلَّقُ بِهِ. (فَإِذَا قَالَ: إِنْ قُمْتِ، أَوْ إِذَا قُمْتِ، أَوْ مَنْ قَامَتْ مِنْكُنَّ، أَوْ أَيَّ وَقْتٍ قُمْتِ، أَوْ مَتَى قُمْتِ، أَوْ كُلَّمَا قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَتَى قَامَتْ طُلِّقَتْ) ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْجَزَاءِ، وَعَدَمَهُ عَدَمَهُ إِلَّا أَنْ يُعَارِضَ مُعَارِضٌ (وَإِنْ تَكَرَّرَ الْقِيَامُ لَمْ يَتَكَرَّرِ الطَّلَاقُ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّكْرَارِ (إِلَّا فِي " كُلَّمَا ") فَإِنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ (و" مَتَى " فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) بِنَاءً عَلَى مُقْتَضَاهَا التَّكْرَارُ وَعَدَمُهُ، وَلَوْ قُمْنَ الْأَرْبَعُ فِيمَنْ قَامَتْ وَأَيَّتُكُنَّ قَامَتْ، أَوْ مَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 " كُلَّمَا "، وَفِي " مَتَى " فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوَ كُلَّمًا أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً - طَلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى صِفَاتٍ ثَلَاثٍ، فَاجْتَمَعْنَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ رَأَيْتِ رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَأَيْتِ فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَأَيْتِ أَسْوَدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْ رَجُلًا أَسْوَدَ فَقِيهًا - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ   [المبدع في شرح المقنع] أَقَمْتُهَا، أَوْ أَيَّتُكُنَّ أَقَمْتُهَا - طُلِّقْنَ (وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكُلَّمَا أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) لِوُجُودِ وَصْفِهِ النِّصْفَ مَرَّتَيْنِ، وَالْجَمِيعُ مَرَّةً؛ لِأَنَّ " كُلَّمَا " تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تُطَلَّقُ وَاحِدَةً. 1 - (وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى صِفَاتٍ ثَلَاثٍ، فَاجْتَمَعْنَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ رَأَيْتِ رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَأَيْتِ فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَأَيْتِ أَسْوَدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْ رَجُلًا أَسْوَدَ فَقِيهًا - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) لِوُجُودِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً فِيهِمُ الثَّلَاثُ صِفَاتٍ. أَصْلٌ: أَدَوَاتُ الشَّرْطِ إِذَا تَقَدَّمَ جَزَاؤُهَا عَلَيْهَا لَمْ يُحْتَجْ إِلَى الْفَاءِ فِي الْجَزَاءِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ، احْتَاجَتْ إِلَى حَرْفٍ، وَاخْتَصَّتِ الْفَاءُ؛ لِأَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا لَمْ تُطَلَّقْ) ؛ لِأَنَّ " إِنْ لَمْ " لَا تَقْتَضِي الْفَوْرَ (إِلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا) أَيْ: أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ بِهَا بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يَقَعُ لِجَوَازِ أَنْ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ مَوْتِهَا (إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ) فَيُعْمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ بِقَوْلٍ صَالِحٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ عَمَلًا بِالْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ، وَكَذَا إِذَا دَلَّتْ قرينة عَلَى الْفَوْرِ، وَفِي " الْإِرْشَادِ " رِوَايَةٌ: يَقَعُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ إِيقَاعِهِ، وَقَعَ الْحِنْثُ بِمَوْتِهِ، وَوَرِثَهُ صَاحِبُهُ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثًا وَرِثَتْهُ وَلَمْ يَرِثْهَا هُوَ، وَلَا يَرِثُ ثَانِيًا وَتَرِثُهُ، وَيَتَخَرَّجُ لَا تَرِثُهُ مِنْ تَعْلِيقِهِ فِي صِحَّتِهِ عَلَى فِعْلِهَا، فَيُوجَدُ فِي مَرَضِهِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": فِي إِرْثِهِمَا رِوَايَتَانِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الصِّحَّةِ وَالطَّلَاقَ فِي الْمَرَضِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. فَرْعٌ: لَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: بَلَى جَزَمَ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 يُطَلِّقْهَا لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِنْ قَالَ: مَنْ لَمْ أُطَلِّقْهَا، أَوْ أَيَّ وَقْتٍ لَمْ أُطَلِّقْكِ، أو متى أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ طَلَاقُهَا فِيهِ - طُلِّقَتْ، وَإِنْ قَالَ: إِذَا لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهَلْ تُطَلَّقُ فِي الْحَالِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ طَلَاقُهَا فِيهِ ثَلَاثًا وَلَمْ يُطَلِّقْهَا - طُلِّقَتَ ثَلَاثًا، إِلَّا الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى، وَإِنْ قَالَ الْعَامِّيُّ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ - بِفْتَحِ الْهَمْزَةِ - فَهُوَ شَرْطٌ، وَإِنْ قَالَهُ عَارِفٌ بِمُقْتَضَاهُ، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، وَحُكِيَ عَنِ الْخَلَّالِ أَنَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] جَمَاعَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ لَمْ يَقَعْ فِيهِ طَلَاقٌ، فَحَلَّ لَهُ الْوَطْءُ. (وَإِنْ قَالَ: مَنْ لَمْ أُطَلِّقْهَا أَوْ أَيَّ وَقْتٍ لَمْ أُطَلِّقْكِ) أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْكِ (فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ طَلَاقُهَا فِيهِ - طُلِّقَتْ) فِي الْحَالِ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، فَإِنَّهَا اسْمٌ لِوَقْتِ الْفِعْلِ، فَيُقَدَّرُ بِهَذَا، أَوْ لِهَذَا يَصِحُّ بِهِ السُّؤَالُ فَيُقَالُ: مَتَى دَخَلْتِ أَوْ أَيَّ وَقْتٍ دَخَلْتِ، وَأَمَّا " مَنْ " فَتَقْتَضِي الْفَوْرَ، وَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ زَمَنٍ عُقَيْبَ الْيَمِينِ إِذَا لَمْ يُطَلِّقْ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ يَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ الطَّلَاقُ ضَرُورَةَ أَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ أُطَلِّقْهَا أَوْ إِذَا لَمْ أُطَلِّقْكِ، أَوْ أَيَّتُكُنَّ لَمْ أُطَلِّقْهَا كَحُكْمِ " إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ ". 1 - (وَإِنْ قَالَ: إِذَا لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهَلْ تُطَلَّقُ فِي الْحَالِ) أَوْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا؛ (عَلَى وَجْهَيْنِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي (وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ طَلَاقُهَا فِيهِ ثَلَاثًا وَلَمْ يُطَلِّقْهَا - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّ " كُلَّمَا " تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَيَقْتَضِي تَكْرَارَ الطَّلَاقِ بِتَكَرُّرِ الصِّفَةِ، وَالصِّفَةُ عَدَمُ طَلَاقِهِ لَهَا، فَإِذَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَدْ وُجِدَتِ الصِّفَةُ، فَيَقَعُ وَاحِدَةً، وَثَانِيَةً، وَثَالِثَةً، إِذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا (إِلَّا الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا، فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى) وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ (وَإِنْ قَالَ الْعَامِّيُّ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - فَهُوَ شَرْطٌ) ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يُرِيدُ بِهِ إِلَّا الشَّرْطَ، وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّعْلِيلَ، فَلَا يُرِيدُهُ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ مَا لَا يَعْرِفُهُ وَكُنْيَتُهُ (وَإِنْ قَالَهُ عَارِفٌ بِمُقْتَضَاهُ، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ " أَنْ " لِلتَّعْلِيلِ لَا لِلشَّرْطِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: 17] {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90] {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: 91] قَالَ الْقَاضِي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 إِنْ لَمْ يَنْوِ مُقْتَضَاهُ فَهُوَ شَرْطٌ أَيْضًا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ وَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْجَزَاءَ، أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ قِيَامَهَا وَطَلَاقَهَا شَرْطَيْنِ لِشَيْءٍ، ثُمَّ أَمْسَكْتُ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ: إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَهَذَا التَّفْصِيلُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ (وَحُكِيَ عَنِ الْخَلَّالِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَنْوِ مُقْتَضَاهُ فَهُوَ شَرْطٌ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، فَإِذَا لَمْ يَنْوِ مُقْتَضَاهُ، اسْتَوَى الْعَارِفُ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهٌ يَقَعُ إِذَنْ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ كَتَطْلِيقِهَا لِرِضَا أَبِيهَا، يَقَعُ، كَانَ فِيهِ رِضَاهُ أَوْ سَخَطُهُ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِيهِمَا: يَقَعُ إِذَنْ وَلَوْ بَدَلُ " أَنْ " كَهِيَ، وَفِي " الْكَافِي ": يَقَعُ إِذَنْ كَإِذْ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " و" الشَّرْحِ "، وَفِيهَا احْتِمَالٌ كَأَمْسُ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ، فَهُوَ شَرْطٌ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الرِّعَايَةِ "، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، وَإِنَّمَا حُذِفَتِ الْفَاءُ لِحَذْفِ الْمُبْتَدَأِ أَوِ الْخَبَرِ؛ لِدَلَالَةِ بَاقِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَفِي " الْكَافِي " احْتِمَالٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ إِذَا تَأَخَّرَ عَنْهُ، لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِالْفَاءِ أَوْ إِذَا، وَقِيلَ: إِنْ نَوَى الشَّرْطَ وَإِلَّا طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ وَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَيْسَتْ جَوَابًا لِلشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ حَالٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» وَفِي " الْفُرُوعِ " كَالْفَاءِ (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْجَزَاءَ، أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ قِيَامَهَا وَطَلَاقَهَا شَرْطَيْنِ لِشَيْءٍ، ثُمَّ أَمْسَكْتُ) دِينَ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ مَنْ غَيْرِهِ (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ، أَشْهَرُهُمَا الْقَبُولُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَلَوْ جَعَلَ لَهُ جَزَاءً بِأَنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ، أَنْتِ طَالِقٌ، فَعَبْدِي حُرٌّ - صَحَّ، وَلَمْ يُعْتَقِ الْعَبْدُ حَتَّى يَقُومَ، وَهِيَ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ هُنَا لِلْحَالِ، فَلَوْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 قُمْتِ فَقَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إِنْ قَعَدْتِ إِذَا قُمْتِ، أَوْ إِنْ قَعَدْتِ إِنْ قُمْتِ - لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدَ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ وَقَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ بِوُجُودِهِمَا كَيْفَمَا كَانَا، وَعَنْهُ: تُطَلَّقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ أَوْ قَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا.   [المبدع في شرح المقنع] طَالِقًا، فَقَامَتْ وَهِيَ طَالِقٌ طُلِّقَتْ أُخْرَى، وَإِنْ قَامَتْ وَهِيَ غَيْرُ طَالِقٍ لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّ هَذَا حَالٌ، فَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ: إِنْ قُمْتِ سَاكِتَةً. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْتِ الْأُخْرَى - رُجِعَ إِلَى مَا أَرَادَ، فَإِنْ عُدِمَتْ فَمَتَى دَخَلَتِ الْأُولَى طُلِّقَتْ، سَوَاءٌ دَخَلَتِ الْأُخْرَى أَوْ لَا، وَلَا تُطَلَّقُ الْأُخْرَى، فَلَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الْأُخْرَى، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقِيلَ: لَا تُطَلَّقُ إِلَّا بِدُخُولِهِمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُطَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ شَرْطَيْنِ بِحَرْفَيْنِ، فَيَقْتَضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءً، فَتَرَكَ جَزَاءَ الْأَوَّلِ وَالْجَزَاءُ الْأَخِيرُ دَالٌّ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17] . (وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ فَقَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إِنْ قَعَدْتِ إِذَا قُمْتِ، أَوْ إِنْ قَعَدْتِ إِنْ قُمْتِ - لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدَ) ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ شَرْطٌ يَتَقَدَّمُ مَشْرُوطَهُ، وَكَذَا إِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ ثُمَّ قَعَدْتِ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " إِنْ " كَالْوَاوِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِيهِ عُرْفًا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي الْفَاءِ وَثُمَّ رِوَايَةً كَالْوَاوِ. تَتِمَّةٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ أَكَلْتِ إِذَا أَوْ إِنْ أَوْ مَتَى لَبِسْتِ - لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تَلْبَسَ ثُمَّ تَأْكُلَ، وَتُسَمِّيهِ النُّحَاةُ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ، فَيَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْمُتَأَخِّرِ وَتَأْخِيرَ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّانِيَ فِي اللَّفْظِ شَرْطًا لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَالشَّرْطُ يَتَقَدَّمُ الْمَشْرُوطَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي} [هود: 34] الْآيَةَ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا كَانَ الشَّرْطُ بِإِذَا كَقَوْلِنَا وَفِيمَا إِذَا قَالَ: إِنْ شَرِبْتِ إِنْ أَكَلْتِ أَنَّهَا تُطَلَّقُ بِوُجُودِهِمَا كَيْفَمَا وُجِدَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا تَعْرِفُ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي هَذَا، فَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْعُرْفِ فِي هَذَا عُرْفٌ. (وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ وَقَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ بِوُجُودِهِمَا كَيْفَمَا كَانَا) وَلَا تُطَلَّقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهَا لِلْجَمْعِ لَا لِلتَّرْتِيبِ (وَعَنْهُ: تُطَلَّقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا) ؛ لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَيْضِ إِذَا قَالَ: إِذَا حِضْتِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ بِأَوَّلِ الْحَيْضِ، فَإِنْ بَانَ أَنَّ الدَّمَ لَيْسَ بِحَيْضٍ لَمْ تُطَلَّقْ بِهِ، وَإِنْ قَالَ لِطَاهِرٍ: إِذَا حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] الْحَالِفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ يَحْنَثُ بِفِعْلِ بَعْضِهِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَكَإِنْ قُمْتِ، وَإِنْ قَعَدْتِ (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ) فِعْلَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي بَعْضِ الْمَحْلُوفِ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، أَمَّا إِذَا نَوَى الْكُلَّ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تُخَالِفُ الْأُصُولَ وَالْقَوَاعِدَ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِهِمَا (وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ أَوْ قَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا) ؛ لِأَنَّ " أَوْ " تَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْجَزَاءِ عَلَى وَاحِدٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 184] . [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطلاق بِالْحَيْضِ] فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَيْضِ (إِذَا قَالَ: إِذَا حِضْتِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ بِأَوَّلِ الْحَيْضِ) ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ وُجِدَتْ بِدَلِيلِ مَنْعِهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، نَقَلَ مُهَنَّا: تُطَلَّقُ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ؛ لِتَحْرِيمِ مُبَاشَرَتِهَا طَاهِرًا فِيهِ، وَفِي قَبْلِ مَوْتِي بِشَهْرٍ، وَكُلُّ زَمَنٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ زَمَنُ الطَّلَاقِ فِي الْأَصَحِّ، وَلِمَنْعِ الْمُعْتَادَةِ مِنَ الْعِبَادَةِ إِجْمَاعًا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " و" الْفُنُونِ " وَغَيْرِهِمَا بِتَبَيُّنِهِ بِمُضِيِّ أَقَلِّهِ. (فَإِنْ بَانَ أَنَّ الدَّمَ لَيْسَ بِحَيْضٍ لَمْ تُطَلَّقْ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تُوجَدْ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ بِنْتٌ دُونَ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ يَنْقَطِعَ لِأَقَلَّ مِنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَيَتَّصِلُ الِانْقِطَاعُ إِلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَلَمْ يُشْرَطْ فِي " الْمُغْنِي " الِاتِّصَالُ، وَاشْتَرَطَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ لِمَا ذُكِرَ ثُمَّ جَاءَ قَبْلَ الْأَكْثَرِ كَانَ حَيْضًا؛ لِكَوْنِ مَنْ رَأَتْهُ مُلَفِّقَةً، وَمَعْنَى: لَمْ تُطَلَّقْ، أَيْ: لَمْ يَقَعْ (وَإِنْ قَالَ لِطَاهِرٍ: إِذَا حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحِيضُ حَيْضَةً إِلَّا بِذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا تُطَلَّقُ حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 تُطَلَّقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، وَلَا يُعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا، وَإِنْ قَالَ: إِذَا حِضْتِ نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، احْتَمَلَ أَنْ يُعْتَبَرَ نِصْفُ عَادَتِهَا، وَاحْتَمَلَ أَنَّهَا مَتَى طَهُرَتْ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي نِصْفِهَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْغُوَ قَوْلَهُ: نِصْفَ حَيْضَةٍ، وَقِيلَ: إِذَا حَاضَتْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفًا طُلِّقَتْ، وَإِنْ قَالَ: إِذَا طَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقً،   [المبدع في شرح المقنع] تَغْتَسِلَ مِنْهَا، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً مِنْ أَوَّلِ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَقَعُ سُنِّيًّا (وَلَا يُعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَيْضَةً كَامِلَةً. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِذَا حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِذَا حِضْتِ حَيْضَتَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ – فحاضت حيضة طُلِّقَتْ وَاحِدَةً، فَإِذَا حَاضَتِ الثَّانِيَةَ، طُلِّقَتِ الثَّانِيَةَ عِنْدَ طُهْرِهَا، فَلَوْ قَالَ: ثُمَّ إِذَا حِضْتِ حَيْضَتَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ تُطَلَّقِ الثَّانِيَةُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ " ثُمَّ " لِلتَّرْتِيبِ تَقْتَضِي حَيْضَتَيْنِ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الْأُولَى. 1 - (وَإِنْ قَالَ: إِذَا حِضْتِ نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، احْتَمَلَ أَنْ يُعْتَبَرَ نِصْفُ عَادَتِهَا) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَعَلَّقَتْ بِالْعَادَةِ، فَيَتَعَلَّقُ بِهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ (وَاحْتَمَلَ أَنَّهَا مَتَى طَهُرَتْ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي نِصْفِهَا) وَهُوَ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّهَا إِذَا طَهُرَتْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ مَثَلًا تَحَقَّقَ أَنَّ نِصْفَ حَيْضِهَا ثَلَاثَةٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهَا؛ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ حَتَّى تَطْهُرَ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ مُضِيُّ نِصْفِ الْحَيْضَةِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ نِصْفُهَا إِلَّا بِكَمَالِهَا (وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْغُوَ قَوْلَهُ: نِصْفَ حَيْضَةٍ) وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ لَا تَتَنَصَّفُ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ جَرَيَانِ الدَّمِ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ طَلَاقُهَا بِأَوَّلِ الدَّمِ، كَقَوْلِهِ: إِذَا حِضْتِ (وَقِيلَ: إِذَا حَاضَتْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفًا طُلِّقَتْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ مُضِيُّ الْحَيْضَةِ إِلَّا بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ نِصْفُ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، قَالَ فِي " الْكَافِي " بِمَعْنَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ مَا دَامَ حَيْضُهَا بَاقِيًا لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ طَلَاقِهَا حَتَّى يَمْضِيَ نِصْفُ أَكْثَرِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْحَيْضِ لَا يُتَيَقَّنُ بِهِ مُضِيُّ نِصْفِ الْحَيْضَةِ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: إِذَا طَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 طُلِّقَتْ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا، طُلِّقَتْ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَإِذَا قَالَتْ: حِضْتُ، وَكَذَّبَهَا، قُبِلَ قَوْلُهَا فِي نَفْسِهَا، وَإِنْ قَالَ: قَدْ حِضْتِ، فَأَنْكَرَتْهُ - طُلِّقَتْ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ حِضْتِ فَأَنْتِ وَضَرَّتُكِ طَالِقَتَانِ، فَقَالَتْ لَهُ: حِضْتُ، وَكَذَّبَهَا - طُلِّقَتْ دُونَ ضَرَّتِهَا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ،   [المبدع في شرح المقنع] بِانْقِطَاعِهِ ثَبَتَ لَهَا أَحْكَامُ الطَّاهِرَاتِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَصِحَّةِ الصِّيَامِ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبُ الطَّلَاقِ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ، وَلَوْ قَالَ: بِأَوَّلِ طُهْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، لَكَانَ أَوْلَى، وَظَاهِرٌ أَنَّهَا تُطَلَّقُ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهَا أَحْكَامُ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَائِضًا، فَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ، وَفِي " التَّنْبِيهِ " قَوْلُ حَتَّى تَغْتَسِلَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَحْكَامِ الْحَيْضِ بَاقِيَةٌ، وَبَنَاهُ فِي " الشَّرْحِ " عَلَى الْعِدَّةِ (وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا، طُلِّقَتْ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَهَا: " إِذَا طَهُرْتِ " يَقْتَضِي تَجَدُّدَ الطَّهَارَةِ، فَإِذَا كَانَتْ طَاهِرًا، لَمْ تُوجَدِ الطَّهَارَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، ضَرُورَةَ كَوْنِهَا طَهَارَةً مُتَجَدِّدَةً، (وَإِذَا قَالَتْ: حِضْتُ، وَكَذَّبَهَا، قُبِلَ قَوْلُهَا فِي نَفْسِهَا) بِغَيْرِ يَمِينٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] قِيلَ: هُوَ الْحَيْضُ، فَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِيهِ مَا حَرُمَ عَلَيْهَا كِتْمَانُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَلِقَوْلِهِ: إِنْ أَضْمَرْتِ بُغْضِي، فَادَّعَتْهُ بِخِلَافِ دُخُولِ الدَّارِ، وَعَنْهُ: تُطَلَّقُ بِنِيَّتِهِ، فَيَخْتَبِرْنَهَا النِّسَاءُ بِإِدْخَالِ قُطْنَةٍ فِي الْفَرْجِ زَمَنَ دَعْوَاهَا الْحَيْضَ، فَإِنْ ظَهَرَ دَمٌ فَهِيَ حَائِضٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ غَيْرِهَا كَدُخُولِ الدَّارِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُعْتَبَرُ يَمِينُهَا؛ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا إِذَا ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، وَأَنْكَرَهَا وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُهُ: قُبِلَ قَوْلُهَا فِي نَفْسِهَا، أَيْ: دُونَ غَيْرِهَا مِنْ طَلَاقِ أُخْرَى، أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا. (وَإِنْ قَالَ: قَدْ حِضْتِ، فَأَنْكَرَتْهُ - طُلِّقَتْ بِإِقْرَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ طَلَاقَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُهَا (وَإِنْ قَالَ: إِنْ حِضْتِ فَأَنْتِ وَضَرَّتُكِ طَالِقَتَانِ، فَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ، وَكَذَّبَهَا - طُلِّقَتْ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا (دُونَ ضَرَّتِهَا) أَيْ: أَنَّ الضَّرَّةَ لَا تُطَلَّقُ إِلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى حَيْضِهَا، فَإِنِ ادَّعَتِ الضَّرَّةُ أَنَّهَا حَاضَتْ، لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا بِحَيْضِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 فَقَالَتَا: قَدْ حِضْنَا فَصَدَّقَهُمَا - طُلِّقَتَا، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لَمْ تُطَلَّقَا، وَإِنْ كَذَّبَ إِحْدَاهُمَا طُلِّقَتْ وَحْدَهَا، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِأَرْبَعٍ، فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا، فَصَدَّقَهُنَّ، طُلِّقْنَ، وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ لَمْ يُطَلَّقْ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا طُلِّقَتِ الْمُكَذَّبَةُ   [المبدع في شرح المقنع] غَيْرِهَا كَمَعْرِفَةِ الزَّوْجِ بِهِ، وَعَنْهُ: تُخْتَبَرُ، وَعَنْهُ: إِنْ أَخْرَجَتْ عَلَى خِرْقَةٍ دَمًا، طُلِّقَتِ الضَّرَّةُ، اخْتَارَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَحَكَاهُ عَنِ الْقَاضِي، فَإِذَا قَالَ: حِضْتِ، وَأَنْكَرَتْ - طُلِّقَتْ بِإِقْرَارِهِ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَقَالَتَا: قَدْ حِضْنَا فَصَدَّقَهُمَا - طُلِّقَتَا) ؛ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّتَا وَصَدَّقَهُمَا، فَوُجِدَتِ الصِّفَةُ فِي حَقِّهِمَا (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لَمْ تُطَلَّقَا) وَلَا وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطَيْنِ: حَيْضُهَا وَحَيْضُ ضَرَّتَهَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا، فَلَمْ يُوجَدِ الشَّرْطَانِ (وَإِنْ كَذَّبَ إِحْدَاهُمَا طُلِّقَتْ وَحْدَهَا) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّهَا، وَقَدْ صَدَّقَ الزَّوْجُ ضَرَّتَهَا، فَوُجِدَ الشَّرْطَانِ فِي حَقِّهَا، وَلَمْ تُطَلَّقِ الْمُصَدَّقَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُكَذَّبَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّهَا، وَلَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ، فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ طَلَاقِهَا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إِنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، طُلِّقَتَا بِحَيْضَتَيْنِ مِنْهُمَا عَمَلًا بِالْيَقِينِ، وَفِي " الْكَافِي " و" الْمُسْتَوْعِبِ ": يُلْغَى قَوْلُهُ " حَيْضَةً " ويصير كَقَوْلِهِ: إِنْ حِضْتُمَا، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، زَادَ فِي " الْكَافِي ": فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ إِذَا حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَيْضَةً، قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ، وَالْأَشْهَرُ تُطَلَّقَانِ بِالشُّرُوعِ فِيهِمَا، وَقِيلَ: بِحَيْضَةٍ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَقِيلَ: لَا تُطَلَّقَانِ بِحَالٍ كَمُسْتَحِيلٍ. (وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِأَرْبَعٍ) فَقَدَ عَلَّقَ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى حَيْضِ الْأَرْبَعِ (فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا، فَصَدَّقَهُنَّ، طُلِّقْنَ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ حَيْضَهُنَّ بِتَصْدِيقِهِ (وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ لَمْ يُطَلَّقْ مِنْهُنَّ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ طَلَاقِهِنَّ حَيْضُ الْأَرْبَعِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا إِنْ كَذَّبَ الْكُلَّ (وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا طُلِّقَتِ الْمُكَذَّبَةُ وَحْدَهَا) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَيْضِهَا، وَقَدْ صَدَّقَ الزَّوْجُ صَوَاحِبَهَا، فَوُجِدَ حَيْضُ الْأَرْبَعِ فِي حَقِّهَا فَطُلِّقَتْ، وَلَا تُطَلَّقُ الْمُصَدَّقَاتُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُكَذَّبَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّهِنَّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 وَحْدَهَا، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا حَاضَتْ إِحْدَاكُنَّ، فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ، فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا فَصَدَّقَهُنَّ - طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً لَمْ تُطَلَّقْ، وَطَلَّقَ ضُرَّاتِهَا طَلْقَةً طَلْقَةً، وَإِنْ صَدَّقَ اثْنَتَيْنِ طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً، وَطُلِّقَتِ الْمُكَذَّبَتَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا طُلِّقَتِ الْمُكَذَّبَةُ ثَلَاثًا.   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: الْأَفْصَحُ فِي صَاحِبَةٍ أَنْ تُجْمَعُ عَلَى صَوَاحِبَ كَضَوَارِبَ، وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ صَوَاحِبَاتُهَا، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا) أَوْ أَيَّتُكُنَّ (حَاضَتْ إِحْدَاكُنَّ، فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ، فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا فَصَدَّقَهُنَّ - طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّ حَيْضَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صِفَةٌ لِطَلَاقِ الْبَوَاقِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثُ ضَرَائِرَ وَقَدْ حِضْنَ، فَتُطَلَّقُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، فَإِنْ كَذَّبَهُنَّ لَمْ يُطَلَّقْ مِنْهُنَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي طَلَاقِ غَيْرِهِنَّ (وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً لَمْ تُطَلَّقْ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا صَاحِبَةٌ ثَبَتَ حَيْضُهَا (وَطُلِّقَ ضَرَّاتُهَا طَلْقَةً طَلْقَةً) ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ صَاحِبَةً ثَبَتَ حَيْضُهَا (وَإِنْ صَدَّقَ اثْنَتَيْنِ طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ضَرَّةً مُصَدَّقَةً (وَطُلِّقَتِ الْمُكَذَّبَتَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ضَرَّتَيْنِ مُصَدَّقَتَيْنِ (وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا طُلِّقَتِ الْمُكَذَّبَةُ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّ لَهَا ثَلَاثَ ضَرَائِرَ ثَبَتَ حَيْضُهُنَّ، وَطُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُصَدَّقَاتِ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ضَرَّتَيْنِ مُصَدَّقَتَيْنِ. فَرْعٌ: الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِالْحَيْضِ كَذَلِكَ. 1 - تَذْنِيبٌ: إِذَا قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَيَّتُكُنَّ لَمْ أَطَأْهَا، فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ، فَإِنْ قَيَّدَهُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَمَضَى، وَلَمْ يَطَأْهُنَّ - طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ ضَرَائِرَ غَيْرَ مَوْطُوءَاتٍ، فَإِنْ وَطِئَ ثَلَاثًا، وَتَرَكَ وَاحِدَةً - لَمْ تُطَلَّقِ الْمَتْرُوكَةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا ضَرَّةٌ غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ، وَتُطَلَّقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَوْطُوءَاتِ طَلْقَةً طَلْقَةً، وَإِنْ وَطِئَ طُلِّقَتَا طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ أَطْلَقَ تُقَيَّدُ بِالْعُمُرِ، فَإِذَا مَاتَ هُوَ، طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ، وَعَنْهُ: فِيمَنْ قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَيُّكُمْ أَتَانِي بِخَبَرِ كَذَا، فَهُوَ حُرٌّ، فَجَاءَ بِهِ جَمَاعَةٌ - عُتِقُوا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي نَظَائِرِهَا، ذَكَرَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَمْلِ إِذَا قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا، تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ حِينَ الْيَمِينِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهِيَ بِالْعَكْسِ، وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إِنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطلاق بِالْحَمْلِ] فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَمْلِ (إِذَا قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا، تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ حِينَ الْيَمِينِ) بِأَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْيَمِينِ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِ شَرْطِهِ مُنْذُ حَلَفِ، وَكَذَا بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَطَأْ (وَإِلَّا فَلَا) بِأَنْ تَلِدَ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، فَإِنَّهَا لَا تُطَلَّقُ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَيْنَ الْمُدَّتَيْنِ، وَكَانَ الزَّوْجُ يَطَؤُهَا، فَوَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ وَطِئَ، وَقَعَ؛ لِعِلْمِنَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْوَطْءِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْهَا فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا تُطَلَّقُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ بِيَقِينٍ، وَالظَّاهِرُ حُدُوثُ الْوَلَدِ مِنَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ قَبْلَهُ، وَنَصُّهُ: يَقَعُ إِنْ ظَهَرَ لِلنِّسَاءِ أَوْ خَفِيَ، فَوَلَدَتْهُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ. (وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهِيَ بِالْعَكْسِ) فِيمَا إِذَا كَانَ الشَّرْطُ عَدَمِيًّا، فَتُطَلَّقُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تُطَلَّقُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ، وَفِي " الْكَافِي ": كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَقَعُ ثَمَّ يَقَعُ هُنَا، لأنها ضدها، إلا إذا أتت بولد لأكثر من ستة أشهر وأقل من أربع سنين، فهل يقع الطلاق هنا؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تُطَلَّقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ (وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطُ الطَّلَاقِ حَاصِلًا، فَيَكُونُ وَاطِئًا بَائِنًا، وَشَرْطُ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ رَجْعِيًّا وَقُدِّرَ حُصُولُ الشَّرْطِ، يَكُونُ وَاطِئًا رَجْعِيَّةً، وَهُوَ حَلَالٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ رَجْعِيَّةً مُبَاحَةً مُنْذُ حَلَفَ، وَعَنْهُ: بِظُهُورِ حَمْلٍ، وَيَكْفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلًا بِذَكَرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كُنْتِ حَامِلًا بِأُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ مَكَانَ قَوْلِهِ " إِنْ كُنْتِ حَامِلًا ": إِنْ كَانَ حَمْلُكِ، لَمْ تُطَلَّقْ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِمَا.   [المبدع في شرح المقنع] الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ مَاضِيَةٍ أَوْ مَوْجُودَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا، وَذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " عَنْ أَصْحَابِنَا، وَعَنْهُ: تُعْتَبَرُ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ أَنْهَتِ الْعِدَّةَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِحَيْضَةٍ؛ لِأَنَّ مَا تُعْلَمُ بِهِ الْبَرَاءَةُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ، تُعْلَمُ بِهِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَخْتَلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، وَأَمَّا الْعِدَّةُ، فَفِيهَا نَوْعُ تَعَبُّدٍ، وَهَلْ تَعْتَدُّ بِالِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ عَقْدِ الْيَمِينِ أَوْ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَلَفَ فِيهَا؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: الِاعْتِدَادُ بِهِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِذَا حَمَلْتِ، لَمْ يَقَعْ إِلَّا بِحَمْلٍ مُتَجَدِّدٍ، وَلَا يَطَأْ حَتَّى تَحِيضَ، ثُمَّ يَطَأْ كُلَّ طُهْرٍ مَرَّةً، وَعَنْهُ: يَجُوزُ أَكْثَرُ. (وَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلًا بِذَكَرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كُنْتِ حَامِلًا بِأُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَاسْتَحَقَّا مِنْ وَصِيَّتِهِ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا - فَطَلْقَةً، وَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ فَطَلْقَةً، وَقِيلَ: اثْنَتَانِ، وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى أَوِ اثْنَتَيْنِ - فَطَلْقَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: تُطَلَّقُ بِالِاثْنَتَيْنِ ثَلَاثًا (وَإِنْ كَانَ مَكَانَ قَوْلِهِ " إِنْ كُنْتِ حَامِلًا ": إِنْ كَانَ حَمْلُكِ) أَوْ مَا فِي بَطْنِكِ (لَمْ تُطَلَّقْ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا كُلَّهُ لَيْسَ بِغُلَامٍ وَلَا جَارِيَةٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ حَلَفَ: لَا لَبِسْتُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْوِلَادَةِ إِذَا قَالَ: إِنْ وَلَدْتِ ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ وَلَدْتِ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا ثُمَّ أُنْثَى، طُلِّقَتْ بِالْأَوَّلِ، وَبَانَتْ بِالثَّانِي، وَلَمْ تُطَلَّقْ بِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تُطَلَّقُ بِهِ، وَإِنْ أُشْكِلَ كَيْفِيَّةُ وَضْعِهِمَا، وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِيَقِينٍ   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطلاق بِالْوِلَادَةِ] فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْوِلَادَةِ إِذَا عَلَّقَهُ بِهَا، فَأَلْقَتْ مَا تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ - وَقَعَ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْوِلَادَةِ، قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: إِنْ لَمْ يُقِرَّ بِالْحَمْلِ، وَإِنْ شَهِدَ بِهَا النِّسَاءُ - وَقَعَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَقِيلَ: لَا كَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ مَا غَصبت أَوْ لَا غَصبت، فَثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ مَالَ - لَمْ تُطَلَّقْ فِي الْأَصَحِّ. (إِذَا قَالَ: إِنْ وَلَدْتِ ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ وَلَدْتِ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا ثُمَّ أُنْثَى) أَوْ خُنْثَى، قَالَهُ فِي " الْكَافِي " (طُلِّقَتْ بِالْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ وِلَادَةُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَقَدْ وُجِدَ (وَبَانَتْ بِالثَّانِي، وَلَمْ تُطَلَّقْ بِهِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ) وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي " و" الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ انْقَضَتْ بِوَضْعِهِ، فَصَادَفَهَا الطَّلَاقُ بَائِنًا، كَقَوْلِهِ: إِذَا مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تُطَلَّقُ بِهِ) وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ، قَالَهُ فِي " الْمُنْتَخَبِ "؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْبَيْنُونَةِ زَمَنُ الْوُقُوعِ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، وَفِي " نُكَتِ الْمُحَرَّرِ ": وَيُعَايَا بِهَا عَلَى أَصْلِنَا: إِنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَا مَانِعَ، وَالزَّوْجَانِ مُكَلَّفَانِ لَا عِدَّةَ فِيهِ، وَيُقَالُ: طَلَاقٌ بِلَا عِوَضٍ دُونَ الثَّلَاثِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا رَجْعَةَ فِيهِ، فَإِنْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا طُلِّقَتْ ثَلَاثًا؛ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَعَ مَا عَلَّقَ بِهِ، وَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ بِالثَّانِي، وَإِنْ كَانَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَالثَّانِي مِنْ حَمْلٍ مُسْتَأْنَفٍ بِلَا خِلَافٍ، فَلَا يُمْكِنُ ادِّعَاءُ أَنْ تَحْبَلَ بِوَلَدٍ بَعْدَ وَلَدٍ، وَفِي الطَّلَاقِ بِهِ وَجْهَانِ، إِلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 وَلَغَا مَا زَادَ، وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَلِدَهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا.   [المبدع في شرح المقنع] أَنْ يَقُولَ: لَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةٌ، فَيَقَعَ الثَّلَاثُ، وَكَذَا فِي الْأَصَحِّ إِنْ أَلْحَقْنَا بِهِ؛ لِثُبُوتِ وَطْئِهِ بِهِ، فَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهَا، وَاخْتَارَ فِي " التَّرْغِيبِ " أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوَطْءِ الْمُحَصِّلِ لِلرَّجْعَةِ. (وَإِنْ أُشْكِلَ كَيْفِيَّةُ وَضْعِهِمَا، وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِيَقِينٍ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ مَنْ وَقَعَ بِهَا طَلْقَتَانِ، فَيَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ (وَلَغَا مَا زَادَ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَلَا يَزُولُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، لَكِنِ الْوَرَعُ أَنْ يَلْتَزِمَهَا - ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا) وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتِمَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا احْتِمَالًا مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ، فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ مُعَيِّنًا، ثُمَّ أُنْسِيَهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَلِدَهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وِلَادَةُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَقَدْ وُجِدَ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ، فَكَذَا هُنَا، فَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً مَعًا - فَثَلَاثٌ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَقُلْ وَلَدًا، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ وَاحِدَةً، فَإِنْ قَالَ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى فَاثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْهُمَا مَعًا - لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّهُ لَا أَوَّلَ فِيهِمَا، فَإِنْ وَلَدَتْهُمَا دُفْعَتَيْنِ، طُلِّقَتْ بِالْأَوَّلِ، وَبَانَتْ بِالثَّانِي، وَلَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: كُلَّمَا وَلَدَتْ إِحْدَاكُنَّ فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ، فَوَلَدْنَ دُفْعَةً وَاحِدَةً - طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَإِنْ وَلَدْنَ مُتَعَاقِبَاتٍ طُلِّقَتِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً، وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: إِنْ وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ - طُلِّقَتْ بِالْأَوَّلِ، وَفَرَغَتْ عِدَّتُهَا مِنَ الثَّانِي، وَلَمْ تُطَلَّقْ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفُ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ وَدُونَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ - فَهَلْ يُلْحِقُهُ الثَّانِيَ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالطَّلَاقِ إِذَا قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - فَقَامَتْ طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَامَتْ - طُلِّقَتْ وَاحِدَةً، وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَامَتْ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالطَّلَاقِ] فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالطَّلَاقِ (إِذَا قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - فَقَامَتْ طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهَا تُطَلَّقُ وَاحِدَةً بِقِيَامِهَا، وَأُخْرَى بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَطْلِيقَةٌ لَهَا، وَتَعْلِيقُهُ لِطَلَاقِهَا بِقِيَامِهَا إِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقِيَامُ تَطْلِيقٌ لَهَا، فَلَوْ قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَأُخْرَى بِالصِّفَةِ إِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ تَطْلِيقَهَا شَرْطًا لِوُقُوعِ طَلَاقِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا - بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَقَعِ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَإِنْ قَالَ: عَنَيْتُ بِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْكِ مَا بَاشَرْتُكِ بِهِ، دِينَ، وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ. فَرْعٌ: إِذَا وَكَّلَ مَنْ طَلَّقَهَا فَهُوَ كَمُبَاشَرَتِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ كَمُوَكِّلِهِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَامَتْ - طُلِّقَتْ وَاحِدَةً) ؛ لِقِيَامِهَا، وَلَمْ تُطَلَّقْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي ابْتِدَاءَ إِيقَاعٍ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ هُنَا بِالْقِيَامِ، إِنَّمَا هُوَ وُقُوعٌ بِصِفَةٍ سَابِقَةٍ لِعَقْدِ الطَّلَاقِ شَرْطًا (وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَامَتْ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ) وَاحِدَةٌ بِالْقِيَامِ، وَالثَّانِيَةُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ بِهَا طَلَاقُهُ، فَقَدْ وُجِدَتِ الصِّفَةُ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا - فَوَاحِدَةً. (وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 طَالِقٌ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي، أَوْ إِنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ - فَلَا نَصَّ فِيهَا،   [المبدع في شرح المقنع] إِحْدَاهُمَا بِالْمُبَاشَرَةِ، وَالْأُخْرَى بِالصِّفَةِ، وَلَا تَقَعُ ثَالِثَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ " تَقْتَضِي: كُلَّمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ الطَّلَاقَ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَجْدِيدَ إِيقَاعِ طَلَاقٍ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ، فَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ عَقْدِ الصِّفَةِ: إِنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ - طُلِّقَتْ بِالْخُرُوجِ طَلْقَةً، وَبِالصِّفَةِ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا. فَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي هَذَا: أَنَّهُ إِذَا أَوْقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقَهُ بِصِفَةٍ عَقَدَهَا لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ مِنْهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَوْقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فَهُوَ الْمُوقِعُ لِلطَّلَاقِ عَلَيْهَا. 1 - (وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ طُلِّقَتْ وَاحِدَةً، فَيَصْدُقُ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ، فَتُطَلَّقُ أُخْرَى بِالصِّفَةِ، وَتَقَعُ الثَّالِثَةُ؛ لِأَنَّ " كُلَّمَا " لِلتَّكْرَارِ، وَفِي " الْكَافِي " و" الشَّرْحِ ": لِأَنَّ الثَّانِيَةَ طَلْقَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَيْهَا، فَتَقَعُ بِهَا الثَّالِثَةُ. (وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي، أَوْ إِنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ - فَلَا نَصَّ فِيهَا) أَيْ: لَمْ يُنْقَلْ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيهَا شَيْءٌ، وَالصَّوَابُ: وُقُوعُ الطَّلَاقِ؛ لِعُمُومَاتِ النُّصُوصِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الطَّلَاقَ لِمَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُهَا، وَفِي الْقَوْلِ بِعَدَمِهَا إِبْطَالٌ لَهَا؛ وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ فِي مَحَلِّ النِّكَاحِ صَحِيحٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَقَعَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْقِدْ هَذِهِ الصِّفَةَ. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا) وَاخْتَارَهُ الْجُمْهُورُ، ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " عَنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْمُعَلَّقَ بِصِفَةٍ فَيَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ بِهَا، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهَا بِالشَّرْطِ قَبْلَهُ، فَلَغَتْ صِفَتَهَا بِالْقَبْلِيَّةِ، وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، قِيلَ: مَعًا، وَقِيلَ: الْمُعَلَّقُ، وَقِيلَ: الْمُنْجَزُ، ثُمَّ تَتِمَّتُهَا مِنَ الْمُعَلَّقِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ الْمُنْجَزُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ - كُمِّلَتْ مِنَ الْمُعَلَّقِ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثًا، لَمْ يَقَعْ مِنَ الْمُعَلَّقِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا. (وَقَالَ ابْنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تُطَلَّقُ بِالطَّلَاقِ الْمُنْجَزِ، وَيَلْغُو مَا قَبْلَهُ. وَإِنْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: أَيَّتُكُنَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقِي فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ،   [المبدع في شرح المقنع] عَقِيلٍ: تُطَلَّقُ بِالطَّلَاقِ الْمُنْجَزِ) ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ صَالِحٌ لَهُ (وَيَلْغُو مَا قَبْلَهُ) أَيْ: تَعْلِيقُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي زَمَنٍ مَاضٍ أَشْبَهَ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ لَمُنِعَ وُقُوعُ الْمُنْجَزِ، فَإِذَا لَمْ يَقَعِ الْمُنْجَزُ بَطَلَ شَرْطُ الْمُعَلَّقِ، فَاسْتَحَالَ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي وُقُوعِ الْمُنْجَزِ، فَيَقَعُ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ، أَمَّا الْمُنْجَزُ فَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ ثَلَاثٌ قَبْلَهُ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَقَعَ، إِذْ لَا مَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ، فَلَزِمَ مِنْ وُقُوعِهِ عَدَمُ وُقُوعِهِ، فَلَمْ يَقَعْ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَقَعِ الْمُنْجَزُ لَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ النَّصِّ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْقَفَّالُ شَيْخُ الْمَرَاوِزَةِ، قَالَ فِي " الْمُهِمَّاتِ ": فَكَيْفَ تَسُوغُ الْفَتْوَى بِمَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامَ الْأَكْثَرِينَ؛ وَنَصَرَ فِي " الشَّرْحِ " الْأَوَّلَ، وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: إِذَا انْفَسَخَ نِكَاحُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ وُجِدَ مَا يَفْسَخُ النِّكَاحَ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ رِدَّةٍ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ فِيهَا، وَلَا خِلَافَ فِي انْفِسَاخِ النِّكَاحِ، قَالَ الْقَاضِي: مَا ذَكَرُوهُ ذَرِيعَةً إِلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ جُمْلَةً، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ: إِذَا مَلَكْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَلَكَهَا طُلِّقَتْ فِي الْأَقْيَسِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": لَا تُطَلَّقُ وَجْهًا وَاحِدًا. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ طَلَاقًا أَمْلِكُ فِيهِ رَجْعَتَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا بِالْمُبَاشَرَةِ، وَالْأُخْرَى بِالصِّفَةِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الطَّلْقَةُ بِعِوَضٍ، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَلَا تَقَعُ ثَانِيَةً، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ طُلِّقَتِ الثَّالِثَةُ، نَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُ ضَرَّتَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ لِلضَّرَّةِ، ثُمَّ طَلَّقَ الْأَوَّلَةَ - طُلِّقَتِ الضَّرَّةُ طَلْقَةً بِالصِّفَةِ، وَالْأَوَّلَةُ طَلْقَتَيْنِ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَوُقُوعُهُ بِالضَّرَّةِ تَطْلِيقٌ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهَا طَلَاقًا بِتَعْلِيقِهِ طَلَاقَهَا بَائِنًا، وَإِنْ طَلَّقَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ، طُلِّقَتَا طَلْقَةً طَلْقَةً. (وَإِنْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: أَيَّتُكُنَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقِي فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 ثُمَّ وَقَعَ عَلَى إِحْدَاهُنَّ طَلَاقُهُ - طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طُلِّقَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَكُلَّمَا طُلِّقَتِ اثْنَتَيْنِ فَعَبْدَانِ حُرَّانِ، وَكُلَّمَا طُلِّقَتْ ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ أَحْرَارٌ، وَكُلَّمَا طُلِّقَتْ أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ أَحْرَارٌ، ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ جَمِيعًا، عَتَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا، وَقِيلَ: عَشَرَةً، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَعْتِقَ إِلَّا أَرْبَعَةً، إِلَّا أَنْ تَكُونَ   [المبدع في شرح المقنع] إِحْدَاهُنَّ طَلَاقُهُ - طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَقْعَ عَلَى صَوَاحِبِهَا، وَوُقُوعُهُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ عَلَى صَوَاحِبِهَا، فَيَتَسَلْسَلُ الْوُقُوعُ عَلَيْهِنَّ إِلَى أَنْ تَكْمُلَ الثَّلَاثُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ: إِنْ طَلَّقْتُ زَيْنَبَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ طَلَّقْتُ عَمْرَةَ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ طَلَّقْتُ حَفْصَةَ فَزَيْنَبُ طَالِقٌ، ثُمَّ طَلَّقَ زَيْنَبَ - طُلِّقَتْ عَمْرَةُ، وَلَمْ تُطَلَّقْ حَفْصَةُ، وَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ طُلِّقَتْ حَفْصَةُ، وَلَمْ تُطَلَّقْ زَيْنَبُ، وَإِنْ طَلَّقَ حَفْصَةَ طُلِّقَتْ زَيْنَبُ، ثُمَّ طَلَّقَ عَمْرَةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِي زَيْنَبَ طَلَاقًا بَعْدَ تَعْلِيقِهِ طَلَاقَ عَمْرَةَ بِطَلَاقِهَا. 1 - (وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَكُلَّمَا طَلَّقْتُ اثْنَتَيْنِ فَعَبْدَانِ حُرَّانِ، وَكُلَّمَا طَلَّقْتُ ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ أَحْرَارٌ، وَكُلَّمَا طَلَّقْتُ أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ أَحْرَارٌ، ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ جَمِيعًا) مُجْتَمِعَاتٍ أَوْ مُتَفَرِّقَاتٍ (عَتَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِيهِنَّ أَرْبَعَ صِفَاتٍ: هُنَّ أَرْبَعُ، فَيُعْتَقُ أَرْبَعَةٌ، وَهُنَّ أَرْبَعَةُ آحَادٍ، فَيُعْتَقُ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا، وَهُنَّ اثْنَتَانِ وَاثْنَتَانِ، فَيُعْتَقُ كَذَلِكَ، وَفِيهِنَّ ثَلَاثٌ، فَيُعْتَقُ بِذَلِكَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: يُعْتَقُ بِالْوَاحِدَةِ وَاحِدٌ، وَبِالثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا صِفَتَيْنِ: هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ مَعَ الْأُولَى اثْنَتَانِ، وَيُعْتَقُ بِالثَّالِثَةِ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ مَعَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ، وَيُعْتَقُ بِالرَّابِعَةِ سَبْعَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا ثَلَاثَ صِفَاتٍ: هِيَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَعَ الثَّانِيَةِ اثْنَتَانِ، وَهِيَ مَعَ الثَّلَاثِ الَّتِي قَبْلَهَا أَرْبَعٌ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ لَا يَعْتَبِرُ صِفَةَ الطَّلَاقِ الْوَاحِدَةَ فِي غَيْرِ الْأُولَى، وَلَا صِفَةَ التَّثْنِيَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ (وَقِيلَ: عَشَرَةٌ) بِالْوَاحِدَةِ وَاحِدٌ، وَبِالثَّانِيَةِ اثْنَانِ، وَبِالثَّالِثَةِ ثَلَاثَةٌ، وَبِالرَّابِعَةِ أَرْبَعَةٌ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ صِفَةَ التَّثْنِيَةِ قَدْ وُجِدَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهَا تُوجَدُ، فَيَضُمُّ الْأُولَى إِلَى الثَّانِيَةِ، وَيَضُمُّ الثَّانِيَةَ إِلَى الثَّالِثَةِ، وَيَضُمُّ الثَّالِثَةَ إِلَى الرَّابِعَةِ، وَقِيلَ: عِشْرُونَ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الثَّلَاثَةِ وُجِدَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً بِضَمِّهِ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ إِلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 لَهُ نِيَّةٌ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِذَا أَتَاكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهَا: إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَتَاهَا الْكِتَابُ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّكِ طَالِقٌ   [المبدع في شرح المقنع] الرَّابِعَةِ، وَرَدَّهُمَا فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ سَدِيدٍ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يُعْتَقَ إِلَّا أَرْبَعَةٌ) وَاخْتَارَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " إِنْ طُلِّقْنَ مَعًا، كَقَوْلِهِ: كُلَّمَا أَعْتَقْتُ أَرْبَعَةً، فَأَرْبَعَةٌ أَحْرَارٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي يَسْبِقُ إِلَى أَذْهَانِ الْعَامَّةِ، وَهَذَا مَعَ الْإِطْلَاقِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ) فَيُعْمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُرَادُ مِنْهُ عُرْفًا غَيْرُ ذَلِكَ. وَمَتَى لَمْ يُعَيِّنِ الْعَبِيدَ الْمُعْتَقِينَ، أُخْرِجُوا بِالْقُرْعَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَالصِّفَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ مُتَكَرِّرَةٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَكَرَّرَ الطَّلَاقُ بتكرر الصفات، فَلَوْ جَعَلَ مَكَانَهَا " إِنْ " لَمْ يَتَكَرَّرْ لِعَدَمِ تَكْرَارِهَا، وَلَمْ يُعْتَقْ سِوَى عَشَرَةٍ، كَالْقَوْلِ الثَّانِي. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: كُلَّمَا صَلَّيْتُ رَكْعَةً فَعَبْدِي حُرٌّ، وَهَكَذَا إِلَى آخِرِهِ، فَصَلَّى عَشَرَةً، عُتِقَ سَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ عَبْدًا عَلَى الْأَوَّلِ. وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِدُخُولِ الدَّارِ عَلَى صِفَاتٍ أَرْبَعٍ بِأَنْ قَالَ: إِنْ دَخَلَهَا رَجُلٌ، فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَإِنْ دَخَلَهَا طَوِيلٌ، فَعَبْدَانِ حُرَّانِ، وَإِنْ دَخَلَهَا أَسْوَدُ فَثَلَاثَةٌ أَحْرَارٌ، وَإِنْ دَخَلَهَا فَقِيهٌ فَأَرْبَعَةٌ أَحْرَارٌ، فَدَخَلَهَا رَجُلٌ مُتَّصِفٌ بِمَا ذَكَرْنَا - عُتِقَ عَشَرَةٌ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ طَلَّقْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ قُمْتَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، فَقَامَ، طُلِّقَتْ وَعُتِقَ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ قُمْتَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ طَلَّقْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَقَامَ الْعَبْدُ - طُلِّقَتْ وَلَمْ يُعْتَقِ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالصِّفَةِ إِنَّمَا يَكُونُ تَطْلِيقًا مَعَ وُجُودِهَا. 1 - (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِذَا أَتَاكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهَا: إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَتَاهَا الْكِتَابُ - طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِصِفَتَيْنِ: مَجِيءُ طَلَاقِهِ، وَمَجِيءُ كِتَابِهِ، وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي مَجِيءِ الْكِتَابِ. وَفِي " الْكَافِي ": إِذَا ذَهَبَتْ حَوَاشِيهِ، أَوِ انْمَحَى كُلُّ مَا فِيهِ إِلَّا ذِكْرُ الطَّلَاقِ طُلِّقَتْ؛ لِأَنَّهُ أَتَاهَا كِتَابُهُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمَقْصُودِ، فَإِنِ انْمَحَى ذِكْرُ الطَّلَاقِ، أَوْ ضَاعَ الْكِتَابُ - لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَمْ يَأْتِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، دِينَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَلِفِ إِذَا قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قُمْتِ أَوْ دَخَلْتِ الدَّارَ - طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أَوْ قَدِمَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّكِ طَالِقٌ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، دِينَ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِإِرَادَتِهِ (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَشْهَرُهُمَا: الْقَبُولُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، فَقَرَأَتْهُ أَوْ قُرِئَ عَلَيْهَا - وَقَعَ إِنْ كَانَتْ أُمِّيَّةً، وَإِنْ كَانَتْ قَارِئَةً فَوَجْهَانِ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " و" الرِّعَايَةِ ". قَالَ أَحْمَدُ: لَا تَتَزَوَّجْ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهَا شَاهِدَا عَدْلٍ، لَا حَامِلَ الْكِتَابِ وَحْدَهُ. [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطلاق بِالْحَلِفِ] فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَلِفِ (إِذَا قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قُمْتِ أَوْ دَخَلْتِ الدَّارَ) أَوْ إِنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ، أَوْ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَوْلُ حَقًّا (طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ حِلْفٌ بِطَلَاقِهَا، وَكَذَا كُلُّ شَرْطٍ فِيهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ، وَالْأَصَحُّ: أَوْ تَصْدِيقُ خَبَرٍ، أَوْ تَكْذِيبُهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ مُمْكِنِ الْوُجُودِ مُمْكِنُ الْعَدَمِ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَاسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ ثَلَاثَ صُوَرٍ أَحَدُهَا: تَعْلِيقُهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ لَا حَلِفٌ، الثَّانِي: تَعْلِيقُهُ عَلَى الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ بِدْعَةٍ، الثَّالِثُ: تَعْلِيقُهُ عَلَى الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقُ سُنَّةٍ، وَأَبَى آخَرُونَ اسْتِثْنَاءَهَا، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاخْتَارَ الْعَمَلَ بِعُرْفِ الْمُتَكَلِّمِ، وَقَصْدَهُ فِي مُسَمَّى الْيَمِينِ، وَأَنَّهُ مُوجَبُ أُصُولِ أَحْمَدَ وَنُصُوصِهِ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ، فَهَلْ هُوَ حَلِفٌ؛ فِيهِ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا: لَا تُطَلَّقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَوْ يَقْدَمَ الْحَاجُّ - قَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُحَرَّرِ " وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَا قُصِدَ بِهِ الْمَنْعُ مِنْ شَيْءٍ أَوِ الْحَثُّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 الْحَاجُّ، فَهَلْ هُوَ حَلِفٌ؛ فِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَعَادَهُ مَرَّةً أُخْرَى، طُلِّقَتْ وَاحِدَةً، وَإِنْ أَعَادَهُ ثَلَاثًا، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وَأَعَادَهُ - طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، وَأَعَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ -   [المبدع في شرح المقنع] حَلِفٌ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ؛ لِأَنَّهُ عُلِّقَ عَلَى شَرْطٍ، وَيُسَمَّى حَلِفًا عُرْفًا، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ وَلِأَنَّ فِي الشَّرْطِ مَعْنَى الْقَسَمِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ جُمْلَةً غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ دُونَ الْجَوَابِ، أَشْبَهَ قَوْلَهُ: وَاللَّهِ، وَبِاللَّهِ، وَتَاللَّهِ. (وَإِنْ قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَعَادَهُ مَرَّةً أُخْرَى، طُلِّقَتْ وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّهُ حَلِفَ بِطَلَاقِهَا، لَكِنْ لَوْ قَصَدَ بِإِعَادَتِهِ إِفْهَامَهَا - لَمْ يَقَعْ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَادَهُ مَنْ عَلَّقَهُ بِالْكَلَامِ، وَأَخْطَأَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ فِيهَا كَالْأُولَى، ذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ ". (وَإِنْ أَعَادَهُ ثَلَاثًا) أَيْ غَيْرَ الْمَرَّةِ الْأُولَى (طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَعَادَهُ ثَلَاثًا طُلِّقَتِ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ أَعَادَهُ أَرْبَعًا طُلِّقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ يُوجَدُ فِيهَا شَرْطُ الطَّلَاقِ، وَيَنْعَقِدُ شَرْطٌ لِطَلْقَةٍ أُخْرَى، هَذَا إِذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَإِلَّا بَانَتْ بِالْأَوَّلَةِ. (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وَأَعَادَهُ - طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ طَلَاقِهِمَا الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا، وَقَدْ وُجِدَ، وَإِنْ أَعَادَهُ ثَلَاثًا طُلِّقَتَا طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ أَعَادَهُ أَرْبَعًا - فَثَلَاثٌ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْحَلِفُ. (وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، وَأَعَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ - لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ طَلَاقِهِمَا الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا، وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا يَصِحُّ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ، فَإِنْ جَدَّدَ نِكَاحَ الْبَائِنِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إِنْ كَلَّمْتُكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " الْكَافِي " أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ " أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، وَإِنَّمَا عَلَّلُوا بِذَلِكَ أَنَّ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ لَا تنعقد بِهِ الصِّفَةُ، كَمَسْأَلَةِ الْوِلَادَةِ فِي الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ: تُطَلَّقَانِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِهَذَا حَالِفًا بِطَلَاقِهِمَا، وَقَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِإِعَادَةِ قَوْلِهِ، فَطُلِّقَتَا حِينَئِذٍ. 1 - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُما، وَإِنْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهِمَا: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وَأَعَادَهُ ثانيا - طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ فَضَرَّتُهَا طَالِقٌ، وَأَعَادَهُ - طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً، وَإِنْ قَالَ لِإِحْدَاهُمَا: إِذَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ ضَرَّتِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ لِلْأُخْرَى - طُلِّقَتِ الْأُولَى، وَإِنْ أَعَادَهُ لِلْأُولَى طُلِّقَتِ الْأُخْرَى.   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهِمَا: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وَأَعَادَهُ ثَانِيًا - طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ بِإِعَادَتِهِ حَالِفٌ بِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ شَرْطٌ لِطَلَاقِهِمَا، وَكَلِمَةُ " كُلَّمَا " لِلتَّكْرَارِ، فَيَتَكَرَّرُ طَلَاقُهُمَا لِتَكَرُّرِ عَدَدِهِمَا. (وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ فَضَرَّتُهَا طَالِقٌ، وَأَعَادَهُ، طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً) ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ إِنَّمَا اقْتَضَى طَلَاقَهَا وَحْدَهَا، وَمَا حَلَفَ بِطَلَاقِهَا إِلَّا مَرَّةً، فَتُطَلَّقُ وَاحِدَةً (وَإِنْ قَالَ لِإِحْدَاهُمَا: إِذَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ ضَرَّتِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ لِلْأُخْرَى - طُلِّقَتِ الْأُولَى) ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ حَلِفٌ، وَقَدْ عَلَّقَ طَلَاقَ ضَرَّتِهَا، فَتُطَلَّقُ الْأُولَى؛ لِوُجُودِ شَرْطِ طَلَاقِهَا، وَهُوَ تَعْلِيقُ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا (وَإِنْ أَعَادَهُ لِلْأُولَى طُلِّقَتِ الْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقٌ لِطَلَاقِهَا، وَكُلَّمَا أَعَادَهُ لِامْرَأَةٍ، طُلِّقَتِ الْأُخْرَى إِلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَطُلِّقَتْ مَرَّةً - لَمْ تُطَلَّقِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَلِفًا بِطَلَاقِهَا؛ لِكَوْنِهَا بَائِنًا، فَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ - لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الرِّعَايَةِ " و" الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ هَذَا حَلِفُ طَلَاقِ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يُوجَدِ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا، وَإِنْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهِمَا: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَهُ ثَانِيًا وَقَعَتْ بِإِحْدَاهُمَا طَلْقَةٌ، وَتُعَيَّنُ بِقُرْعَةٍ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. مَسَائِلُ: إِذَا قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ فَنِسَائِي طَوَالِقُ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ فَنِسَائِي طَوَالِقُ، وَإِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِ حَفْصَةَ فَنِسَائِي طَوَالِقُ، طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ مَرَّةً ثَانِيَةً - طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ " كُلَّمَا " " إِنْ " وَأَعَادَهُ - طُلِّقْنَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لِإِحْدَاهُنَّ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً أُخْرَى، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ، ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ، طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً، وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْكَلَامِ إِذَا قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَحَقَّقِي ذَلِكَ أَوْ زَجَرَهَا، فَقَالَ: تَنَحِّي أَوِ اسْكُتِي، أَوْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ بِالْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ إِتْيَانَهُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِ الْكَلَامَ الْمُنْفَصِلَ عَنْهَا وَإِنْ قَالَ: إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لِإِحْدَاهُنَّ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِلِاثْنَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ، طُلِّقَ الْجَمِيعُ طَلْقَةً طَلْقَةً. [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطلاق بِالْكَلَامِ] فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْكَلَامِ (إِذَا قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَحَقَّقِي ذَلِكَ، أَوْ زَجَرَهَا، فَقَالَ: تَنَحِّي أَوِ اسْكُتِي، أَوْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى كَلَامِهَا، وَقَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: تَحَقَّقِي، وَتَنَحِّي، وَاسْكُتِي، وَإِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - كَلَامٌ لَهَا بَعْدَ عَقْدِ الْيَمِينِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ كَلَامًا (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ بِالْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ بِيَمِينِهِ) وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ إِتْيَانَهُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِ الْكَلَامَ الْمُنْفَصِلَ عَنْهَا) ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ تَصْرِفُ عُمُومَ اللَّفْظِ إِلَى خُصُوصِهِ، إِذِ قرينة الْحَال تَجْعَلُ الْمُطْلَقَ كَالْمُقَيَّدِ بِالْمَقَالِ، وَإِنْ سَمِعَهَا تَذْكُرُهُ، فَقَالَ: الْكَاذِبُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ - حَنِثَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهَا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَةً، وَأُخْرَى بِالْقِيَامِ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، فَلَوْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَعَادَهُ ثَانِيَةً - فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ ثَالِثًا، فَثَانِيَةٌ، وَإِنْ رَابِعًا، فَثَالِثَةٌ، وَتَبِينُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا بِطَلْقَةٍ، وَلَا يَنْعَقِدُ مَا بَعْدَهَا. ذَكَرَه الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدِي تَنْعَقِدُ الثَّانِيَةُ بِحَيْثُ إِذَا تَزَوَّجَهَا وَكَلَّمَهَا، طُلِّقَتْ، إِلَّا عَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ: تُحَلُّ الصِّفَةُ مَعَ الْبَيْنُونَةِ، فَإِنَّهَا قَدِ انْحَلَّتْ بِالثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهَا، وَلَا يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ إِمْكَانِ إِيقَاعِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 بَدَأْتُكِ بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: إِنْ بَدَأْتُكَ بِهِ فَعَبْدِي حُرٌّ - انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْنَثَ بِبَدَاءَتِهِ إِيَّاهَا بِالْكَلَامِ فِي وَقْتٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْهُ، فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ وغَفْلَتِهِ، أَوْ كَاتَبَتْهُ، أَوْ رَاسَلَتْهُ - حَنِثَ، وَإِنْ أَشَارَتْ إِلَيْهِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ السَّابِقَةِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: إِنْ بَدَأْتُكِ بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: إِنْ بَدَأْتُكَ بِهِ فَعَبْدِي حُرٌّ - انْحَلَّتْ يَمِينُهُ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ، فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ) أَنَّهُ لَا يَبْدَؤُهَا فِي مَرَّةٍ أُخْرَى، وَبَقِيَتْ يَمِينُهَا مُعَلَّقَةٌ، فَإِنْ بَدَأَهَا بِكَلَامٍ انْحَلَّتْ يَمِينُهَا، وَإِنْ بَدَأَتْهُ هِيَ عَتَقَ عَبْدُهَا، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْنَثَ بِبَدَاءَتِهِ إِيَّاهَا بِالْكَلَامِ فِي وَقْتٍ آخَرَ) وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِمِثْلِ ذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْهُ قَصْدُ هِجْرَانِ بِدَاءَتِهِ كَلَامَهَا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْبَدَاءَةِ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْهُ، فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ وَغَفْلَتِهِ) أَوْ لَفْظِهِ، أَوْ ذُهُولِهِ حَنِثَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْمَعْ لِشُغْلِ قَلْبِهِ وَغَفْلَتِهِ (أَوْ كَاتَبَتْهُ أَوْ رَاسَلَتْهُ، حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُطْلَقُ، وَيُرَادُ بِهِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ صِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ مِنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِيَمِينِهِ هِجْرَانُهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ مُوَاصَلَتِهِ بِالْكِتَابَةِ وَالرَّسُولِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ أَنْ تُشَافِهَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَرْكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَلَامٍ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ الْحَلِفِ بِاللَّهِ. فَرْعٌ: إِذَا أَرْسَلَتْ إِنْسَانًا لِيَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ حَدِيثٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ، فَجَاءَ الرَّسُولُ، فَسَأَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ - لَمْ يَحْنَثْ (وَإِنْ أَشَارَتْ إِلَيْهِ) بِرَمْزٍ (احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَوَّلُهُمَا: لَا تُطَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدِ الْكَلَامُ، وَالثَّانِي: بَلَى؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْكَلَامِ. (وَإِنْ كَلَّمَتْهُ سَكْرَانَ أَوْ أَصَمَّ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهَا تُكَلِّمُهُ، أَوْ مَجْنُونًا يَسْمَعُ كَلَامَهَا - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 وَإِنْ كَلَّمَتْهُ سَكْرَانَ أَوْ أَصَمَّ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهَا تُكَلِّمُهُ، أَوْ مَجْنُونًا يَسْمَعُ كَلَامَهَا - حَنِثَ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا، أَوْ غَائِبًا، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ نَائِمًا، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى الْكَلَامِ، وَقَدْ وُجِدَ، فَإِنْ كَانَ السَّكْرَانُ أَوِ الْمَجْنُونُ مَصْرُوعًا - لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا إِذَا كَانَا لَا يَعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنَّهَا تُكَلِّمُهُ، وَالْمَجْنُونُ إِذَا لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهَا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " في الآخرين (وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ وَالْمَجْنُونَ لَا عَقْلَ لَهُمَا، وَالْأَصَمَّ لَا سَمْعَ لَهُ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِكَلَامِهَا، وَقِيلَ: لَا السَّكْرَانَ. فَرْعٌ: إِذَا جُنَّتْ هِيَ وَكَلَّمَتْهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْهَا، وَإِنْ كَلَّمَتْهُ سَكْرَانَةً، فَقَالَ فِي " الشَّرْحِ ": يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الصَّاحِي، وَإِنْ كَلَّمَتْ صَبِيًّا يَسْمَعُ وَيَعْلَمُ أَنَّهَا تَتَكَلَّمُ - حَنِثَ، وَكَذَا إِنْ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ، فَإِنْ كَانَ تَسْلِيمَ الصَّلَاةِ، فَلَا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لِلْخُرُوجِ مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِتَسْلِيمِهِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، فَيَكُونُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ لَا حِنْثَ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُعَدُّ تَكْلِيمًا، وَلَا يُرِيدُهُ الْحَالِفُ. (وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا، أَوْ غَائِبًا، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ نَائِمًا، لَمْ يَحْنَثْ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ فِعْلٌ يَتَعَدَّى الْمُتَكَلِّمَ، وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْكَلْمِ، وَهُوَ الْجُرْحُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ كَتَأْثِيرِ الْجُرْحِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِاسْتِمَاعِهِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) وَحَكَاهُ رِوَايَةً (يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّ إِشْعَارَهُ بِالْكَلَامِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِقَوْلِهِ: كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ تَكْلِيمَهُ لَهُمْ كَانَتْ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ قَالَ: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا لِغَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ لَهُ حُجَّةٌ لَنَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ اسْتِبْعَادًا، وَسُؤَالًا عَمَّا خَفِيَ عَلَيْهِمْ سَبَبُهُ، حَتَّى كَشَفَ لَهُمْ حِكْمَةَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مُخْتَصٍّ بِهِ، فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِيمَنْ سِوَاهُ عَلَى النَّفْيِ. تَتِمَّةٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إِنْسَانًا، فَكَلَّمَ غَيْرَهُ وَهُوَ يَسْمَعُ، يَقْصِدُ بِذَلِكَ إِسْمَاعَهُ كَمَا يُقَالُ: إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ - حَنِثَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا، كَنِيَّةِ غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 يَحْنَثْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَحْنَثُ، وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إِنْ كَلَّمْتُمَا هَذَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدًا مِنْهُمَا - طُلِّقَتَا، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ حَتَّى يُكَلِّمَا جَمِيعًا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَمَرْتُكِ فَخَالَفْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَنَهَاهَا، فَخَالَفَتْهُ - لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ أَسْمَعَهُ كَلَامَهُ، يُرِيدُهُ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَاطَبَهُ بِهِ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ تَكْلِيمِهِ قَدْ حَصَلَ بِإِسْمَاعِهِ كَلَامَهُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَتَهُ، فَجَامَعَهَا، لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ هِجْرَانُهَا. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ زَيْدٍ، فَقَرَأَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ بِهِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا قِرَاءَةُ الْكُتُبِ فِي عُرْفِ النَّاسِ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَقِيقَةَ الْقِرَاءَةِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إِنْ كَلَّمْتُمَا هَذَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ) وَقُلْنَا: لَا يَحْنَثُ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (فَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدًا مِنْهُمَا - طُلِّقَتَا) ؛ لِأَنَّ تَكْلِيمَهُمَا وُجِدَ مِنْهُمَا، وَكَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ رَكِبْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ، فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَرَكِبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ دَابَّةً (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ حَتَّى يُكَلِّمَا جَمِيعًا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهُمَا بِكَلَامِهِ لَهُمَا، فَلَا تُطَلَّقُ وَاحِدَةٌ بِكَلَامِ الْأُخْرَى وَحْدَهَا، كَقَوْلِهِ: إِنْ كَلَّمْتُمَا زَيْدًا، وَكَلَّمْتُمَا عَمْرًا، وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ أَوْلَى - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": هَذَا مَعْنَى الْخِلَافِ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْفِرَادِ الْوَاحِدَةِ بِهِ، فَأَمَّا مَا جَرَى الْعُرْفُ فِيهِ بِانْفِرَادِ الْوَاحِدَةِ بِهِ، كَلُبْسِ ثَوْبَيْهِمَا، وَتَقْلِيدِ سَيْفَيْهِمَا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، فَأَمَّا إِنْ قَالَ: إِنْ أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ، فَأَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَغِيفًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَأْكُلَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا الرَّغِيفَيْنِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: لَا أَكَلْتُ هَذَا الْخُبْزَ وَهَذَا اللَّحْمَ، فَكَقَوْلِهِ: لَا أَكْلَتُهُمَا، هَلْ يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا؛ فِيهِ وَجْهَانِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَلَا هَذَا اللَّحْمَ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ شَيْئًا مِنْهُمَا. (وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَمَرْتُكِ فَخَالَفْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَنَهَاهَا، فَخَالَفَتْهُ - لَمْ يَحْنَثْ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُطْلَقَ الْمُخَالَفَةِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ نَهْيَهُ لَا أَمْرَهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْنَثُ إِذَا نَوَى مُطْلَقَ الْمُخَالَفَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ النَّهْيِ مُخَالَفَةٌ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُطَلَّقَ) قَدَّمَهُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 يَحْنَثْ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُطْلَقَ الْمُخَالَفَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُطَلَّقَ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ - حَنِثَ. فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْإِذْنِ إِذَا قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ بِغَيْرِ إِذْنِي، أَوْ إلَّا بِإِذْنِي، أَوْ حَتَّى آذَنَ لَكِ فَأَنْتِ   [المبدع في شرح المقنع] " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، فَإِذًا تَكُونُ خَالَفَتْ أَمْرَهُ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ - حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُرِيدُ نَفْيَ الْمُخَالَفَةِ، فَلَوْ قَالَ: إِنْ نَهَيْتِنِي عَنْ نَفْعِ أُمِّي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ لَهُ: لَا تُعْطِهَا شَيْئًا مِنْ مَالِي - لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُحَرَّمٌ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ يَمِينُهُ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ عَامٌّ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا وَمُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ - لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تُكَلِّمَ زَيْدًا فِي حَالِ كَوْنِ مُحَمَّدٍ مَعَ خَالِدٍ؛ لِأَنَّهَا حَالٌ مِنَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَقَالَ الْقَاضِي: تُطَلَّقُ بِكَلَامِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ اسْتِئْنَافٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْأُولَى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ الشَّرْطُ؛ وَلِأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ جُعِلَ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْلَى، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا إِلَى أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ، فَكَلَّمَتْهُ قَبْلَ قُدُومِهِ - طُلِّقَتْ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ رَجَعَتْ إِلَى الْكَلَامِ لَا إِلَى الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُدِّمَ الشَّرْطُ، فَإِنَّهَا تُطَلَّقُ بِكَلَامِهِ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ عَادَتْ إِلَى الطَّلَاقِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ. [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطلاق بِالْإِذْنِ] فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْإِذْنِ (إِذَا قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ) قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ ": أَوْ إِنْ خَرَجْتِ مَرَّةً (بِغَيْرِ إِذْنِي، أَوْ إِلَّا بِإِذْنِي، أَوْ حَتَّى آذَنَ لَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ، ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ طُلِّقَتْ) بِخُرُوجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ (وَعَنْهُ: لَا تُطَلَّقُ) نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "؛ لِأَنَّ " إِنْ " لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَيَتَنَاوَلُ الْخُرُوجَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْإِذْنَ فِي كُلِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 طَالِقٌ، ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ، ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ طُلِّقَتْ، وَعَنْهُ: لَا تُطَلَّقُ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْإِذْنَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، فَخَرَجَتْ - طُلِّقَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تُطَلَّقَ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ إِلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ تُرِيدُ الْحَمَّامَ وَغَيْرَهُ - طُلِّقَتْ، وَإِنْ خَرَجَتْ إِلَى الْحَمَّامِ ثُمَّ عَدَلَتْ إِلَى غَيْرِهِ - طُلِّقَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تُطَلَّقَ.   [المبدع في شرح المقنع] مَرَّةٍ) عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ الثَّانِيَ خُرُوجٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَهُوَ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَرَجَتْ أَوَّلًا بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَلَوْ قَالَ: اخْرُجِي كُلَّمَا شِئْتِ، كَانَ إِذْنًا عَامًّا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": إِنْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ مَرَّةً أَوْ مُطْلَقًا، أَوْ أَذِنَ بِالْخُرُوجِ لِكُلِّ مَرَّةٍ، فَقَالَ: اخْرُجِي مَتَى شِئْتِ، لَمْ يَكُنْ إِذْنًا إِلَّا لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ قَالَ: إِلَّا بِإِذْنِ زَيْدٍ، فَمَاتَ زَيْدٌ، لَمْ يَحْنَثْ، وَحَنَّثَهُ الْقَاضِي، وَجَعَلَ الْمُسْتَثْنَى مَحْلُوفًا عَلَيْهِ (وَإِنْ أَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ فَخَرَجَتْ - طُلِّقَتْ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِعْلَامُ، مَعَ أَنَّ إِذْنَ الشَّارِعِ وَأَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا، وَكَذَا إِذْنُ الْآدَمِيِّ؛ وَلِأَنَّهَا قَصَدَتْ بِخُرُوجِهَا مُخَالَفَتَهُ وَعِصْيَانَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي الْبَاطِنِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْقَصْدِ لَا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تُطَلَّقَ) قَدَّمَهُ الْحُلْوَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: أَذِنَ لَهَا، وَلَمْ يُعْلِمْ بِهِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ فَلَمْ تَخْرُجْ حَتَّى نَهَاهَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَتْ - فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهَا، وَالثَّانِي: بَلَى؛ لِأَنَّ هَذَا الْخُرُوجَ جَرَى مَجْرَى خُرُوجٍ ثَانٍ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى إِذْنٍ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: كُنْتُ أَذِنْتُ لَكِ، قَبْلُ بِبَيِّنَةٍ، وَيُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِعِلْمِهِ لِلْبَيِّنَةِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ إِلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ تُرِيدُ الْحَمَّامَ وَغَيْرَهُ - طُلِّقَتْ) فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ إِلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ غَيْرُهُ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا، فَكَلَّمَ زَيْدًا وَعَمْرًا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهَا مَا خَرَجَتْ إِلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ، بَلِ الْخُرُوجُ مُشْتَرَكٌ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا إِذَا خَرَجَتْ إِلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ أَنَّهَا تُطَلَّقُ، سَوَاءٌ عَدَلَتْ إِلَى الْحَمَّامِ أَوْ لَا (وَإِنْ خَرَجَتْ إِلَى الْحَمَّامِ، ثُمَّ عَدَلَتْ إِلَى غَيْرِهِ - طُلِّقَتْ) هَذَا ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْمَنْعُ مِنْ غَيْرِ الْحَمَّامِ، فَكَيْفَمَا صَارَتْ إِلَيْهِ حَنِثَ، كَمَا لَوْ خَالَفَ فِي لَفْظِهِ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تُطَلَّقَ) أَطْلَقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَشِيئَةِ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، أَوْ كَيْفَ شِئْتِ، أَوْ حَيْثُ شِئْتِ، أَوْ مَتَى شِئْتِ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تَقُولَ: قَدْ شِئْتُ، سَوَاءٌ شَاءَتْ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَالِاخْتِيَارِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، فَقَالَتْ: قَدْ شِئْتُ   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الْمُحَرَّرِ " الْخِلَافَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، إِذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ وَلَمْ يُوجَدْ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ: حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَلَّا يَأْتِيَ أَرْمِينِيَّةَ إِلَّا بِإِذْنِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ، فَقَالَ: لَا حَتَّى تَقُولَ إِلَى أَرْمِينِيَّةَ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَضَبِ وَالْكَرَاهَةِ، وَلَوْ قَالَتْ هَذَا بِطِيبِ قَلْبِهَا كَانَ إِذْنًا مِنْهَا، وَلَهُ الْخُرُوجُ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظٍ عَامٍّ. [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطلاق بِالْمَشِيئَةِ] فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَشِيئَةِ (إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، أَوْ كَيْفَ شِئْتِ، أَوْ حَيْثُ شِئْتِ، أَوْ مَتَى شِئْتِ) أَوْ أَيَّ وَقْتٍ شِئْتِ (لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تَقُولَ: قَدْ شِئْتُ) ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْقَلْبِ لَا يُعْلَمُ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ اللِّسَانُ، فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِمَا يُنْطَقُ بِهِ دُونَ مَا فِي الْقَلْبِ، فَلَوْ شَاءَتْ بِقَلْبِهَا دُونَ نُطْقِهَا لَمْ تُطَلَّقْ، وَلَوْ شَاءَتْ وَهِيَ كَارِهَةٌ، طُلِّقَتِ اعْتِبَارًا بِالنُّطْقِ، وَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ مَشِيئَتِهَا لَمْ يَصِحَّ رجوعه - عَلَى الْأَصَحِّ - كَبَقِيَّةِ التَّعْلِيقِ (سَوَاءٌ شَاءَتْ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي) نَصَّ عَلَيْهِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ، وَقَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ عَلَى شَرْطٍ أَشْبَهَ سَائِرَ التَّعْلِيقَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ مُعَلَّقٍ عَلَى الْمَشِيئَةِ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي كَالْعِتْقِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَالِاخْتِيَارِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلطَّلَاقِ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَاخْتَارِي، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " مِنْ حَيْثُ إِنَّ " اخْتَارِي " لَيْسَ شَرْطًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْيِيرٌ مَحْضٌ، فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 إِنْ شِئْتَ، فَقَالَ: قَدْ شِئْتُ - لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ وَشَاءَ أَبُوكِ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى يَشَاءَا، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَمَاتَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ خَرِسَ   [المبدع في شرح المقنع] كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ، فَإِنَّهَا هُنَا شَرْطٌ، فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى " إِنْ " فَإِنْ قَيَّدَ الْمَشِيئَةَ بِوَقْتٍ، تَقَيَّدَ بِهِ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، فَقَالَتْ: قَدْ شِئْتُ إِنْ شِئْتَ، فَقَالَ: قَدْ شِئْتُ - لَمْ تُطَلَّقْ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَشِيئَةٌ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهَا تَعْلِيقُ مَشِيئَتِهَا بِشَرْطٍ، وَلَيْسَ بِمَشِيئَةٍ، لَا يُقَالُ: إِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ يَجِبُ أَنْ يُوجَدَ مَشْرُوطُهُ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ، فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ، وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ إِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ، وَكَذَا إِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْتُ إِنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ وَشَاءَ أَبُوكِ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى يَشَاءَا) ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ بِمَشِيئَتِهِمَا، فَلَا تُطَلَّقُ بِمَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَخَرَّجَ الْقَاضِي أَنَّهَا تُطَلَّقُ بِمَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا، كَفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كَيْفَ شَاءَا طُلِّقَتْ، فَإِنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَالْآخَرُ عَلَى التَّرَاخِي - وَقَعَ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ وُجِدَتْ مِنْهُمَا جَمِيعًا. فُرُوعٌ: إِذَا قَالَ: إِذَا ضَاجَعْتُكِ عَلَى فِرَاشٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَاضْطَجَعَتْ هِيَ مَعَهُ، فَقَامَ لِوَقْتِهِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ. وَلَوِ اخْتَصَمَ رَجُلَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: زَوْجَةُ السِّفْلَةِ - بِكَسْرِ السِّينِ مَعَ إِسْكَانِ الْفَاءِ - مِنَّا طَالِقٌ، فَقَالَ الْآخَرُ: نَعَمْ، قَالَ أَحْمَدُ: السِّفْلَةُ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ، وَلَا مَا قِيلَ فِيهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ الَّذِي يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِلَا مِئْزَرٍ، وَلَا يُبَالِي عَلَى أَيِّ مَعْصِيَةٍ رُئِيَ. إِذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَفْعَلَنَّ مُحَرَّمًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ فِعْلُهُ، وَتُطَلَّقُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ، قَالَ: لَا يَطَؤُهَا وَتُطَلَّقُ، فَإِنْ فَعَلَهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَلَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا لِفِعْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا فِي آخِرِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَمَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ خَرِسَ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ - لَمْ تُطَلَّقْ) اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ لَمْ يُوجَدْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 قَبْلَ الْمَشِيئَةِ - لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ شَاءَ وَهُوَ سَكْرَانٌ خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي طَلَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا يَعْقِلُ الْمَشِيئَةَ، فَشَاءَ، طُلِّقَتْ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ، فَمَاتَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ خَرِسَ - طُلِّقَتْ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] شَرْطٍ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، فَوَقَعَ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَا يَقَعُ إِذَا تَعَذَّرَ شَرْطُهُ كَالْمُعَلَّقِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا شَاءَ وَهُوَ مَجْنُونٌ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا فُهِمَتْ إِشَارَةُ أَخْرَسَ فَهِيَ كَنُطْقِهِ، وَقِيلَ: إِنْ خَرِسَ بَعْدَ يَمِينِهِ فَلَا، (وَإِنْ شَاءَ وَهُوَ سَكْرَانٌ خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي طَلَاقِهِ) قَالَهُ أَصْحَابُنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: قَدْ شِئْتُ، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِ الطَّلَاقِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ، أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ إِيقَاعِ طَلَاقِهِ وَبَيْنَ الْمَشِيئَةِ أَنَّ إِيقَاعَهُ عَلَيْهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ، لِئَلَّا تَكُونَ الْمَعْصِيَةُ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَنْهُ، وَهُنَا إِنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ (وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا) أَيْ: مُمَيِّزًا، قَالَهُ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ (يَعْقِلُ الْمَشِيئَةَ، فَشَاءَ، طُلِّقَتْ) ؛ لِأَنَّ لَهُ مَشِيئَةً بِدَلِيلِ صِحَّةِ اخْتِيَارِهِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِأَنَّ شَرْطَهُ التَّكْلِيفُ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ الْمَشِيئَةَ - لَمْ تُطَلَّقْ كَالْمَجْنُونِ. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ، فَمَاتَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ خَرِسَ - طُلِّقَتْ) فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ، وَعَلَّقَهُ بِشَرْطٍ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَقِيلَ: فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، وَقِيلَ: يَتَبَيَّنُ حِنْثَهُ مُنْذُ حَلَفَ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَبْدِي حُرٌّ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، وَلَا نِيَّةَ فَشَاءَهُمَا، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَوْ تَعَذَّرَ بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَحُكِيَ عَنْهُ: أَوْ غَابَ - وَقَعَا. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ثَلَاثًا، فَشَاءَ ثَلَاثًا - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَكَذَا عَكْسُهُ، قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، و" الرِّعَايَةِ "، و" الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 أَنْ يَشَاءَ ثَلَاثًا، فَشَاءَ ثَلَاثًا - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: لَا تُطَلَّقُ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، طُلِّقَتْ، وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عُتِقَتْ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ دُونَ الطَّلَاقِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ   [المبدع في شرح المقنع] " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ السَّابِقُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِثَلَاثَةٍ، وَخُذْ دِرْهَمًا، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْهُ (وَفِي الْآخَرِ: لَا تُطَلَّقُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ عَلَى عَدَمِ مَشِيئَتِهَا الثَّلَاثَ، وَلَمْ يُوقِعْ بِمَشِيئَتِهَا شَيْئًا، أَشْبَهَ قَوْلَهُ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشَأْ زَيْدٌ، أَوْ شَاءَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، فَوَاحِدَةٌ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، طُلِّقَتْ، وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عُتِقَتْ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " زَادِ الْمَسِيرِ ": لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدٍ، وَالْحَسَنِ، وَمَكْحُولٍ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ؛ لِمَا رَوَى أَبُو حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَهِيَ طَالِقٌ. رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيدٍ قَالَا: كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَرَى الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزًا فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ يَرْفَعُ جُمْلَةَ الطَّلَاقِ حَالًا وَمَآلًا، فَلَمْ يَصِحَّ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ؛ وَلِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى مَا لَا سَبِيلَ إِلَى عِلْمِهِ، أَشْبَهَ تَعْلِيقَهُ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ (وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ دُونَ الطَّلَاقِ) وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّ الْعِتْقَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالطَّلَاقَ لَيْسَ هُوَ لِلَّهِ، وَلَا فِيهِ قُرْبَةٌ إِلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَهَذَا تَعْلِيقٌ لِلْحُرِّيَّةِ عَلَى الْمِلْكِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ وَلِأَنَّ نَذْرَ الْعِتْقِ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، فَافْتَرَقَا، قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحْمَدَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ حَكَاهَا أَبُو حَامِدٍ الِإسْفَرَايِينِيُّ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ ": وَلَقَدْ أَبْطَلَ فِي حِكَايَةِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَعَكَسَ فِي " التَّرْغِيبِ " هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقَالَ: يَا طَالِقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْلَى بِالْوُقُوعِ، وَعَنْهُ: لَا يَقَعَانِ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ؛ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 اللَّهُ - طُلِّقَتْ. وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَدَخَلَتْ، فَهَلْ تُطَلَّقُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ:   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ -: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَكُونُ مَعْنَاهُ: هِيَ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ هَذَا، وَاللَّهُ لَا يَشَاؤُهُ إِلَّا بِتَكَلُّمِهِ بِهِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَيْسَا مِنَ الْأَيْمَانِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَإِنْ سُمِّيَ بِذَلِكَ، فَمَجَازٌ، ثُمَّ إِنَّ الطَّلَاقَ إِنَّمَا يُسَمَّى يَمِينًا إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ يُمْكِنُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، وَمُجَرَّدُ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، لَيْسَ بِيَمِينٍ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَكَذَا إِذَا قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ، كَقَصْدِهِ تَأْكِيدَ الْإِيقَاعِ، وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ عَنِ الْجَوَابِ عَنْهَا. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ - طُلِّقَتْ) فِي الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ، وَعَلَّقَ رَفْعَهُ بِمَشِيئَةٍ لَمْ تُعْلَمْ، قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ قَتَادَةُ: قَدْ شَاءَ اللَّهُ الطَّلَاقَ حِينَ أَذِنَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تُطَلَّقَ كَالْأَوَّلِ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ) أَوْ مَا لَمْ يَشَأِ اللَّهُ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: تُطَلَّقُ، قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِتَضَادِّ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، فَلَغَا تَعْلِيقَهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَحِيلِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِهِ الطَّلَاقَ عَلَى الْمُحَالِ، كَقَوْلِهِ: إِنْ جَمَعْتِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ شَرِبْتِ مَاءَ الْكُوزِ، وَلَا مَاءَ فِيهِ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَكَذَا الْعِتْقُ. (وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ) أَوْ حُرَّةٌ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَدَخَلَتْ، فَهَلْ تُطَلَّقُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: تُطَلَّقُ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِيَةُ: لَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ يَمِينٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ، وَفَارَقَ إِذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَا زَيْدٍ أَوْ مَشِيئَتِهِ، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الشَّرْطَ، دِينَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَكِ اللَّهُ بِالنَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينَهُ بِقَلْبِكِ، فَقَالَتْ: أَنَا أُحِبُّهُ، فَقَدْ تَوَقَّفَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعُ ": إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ رَدَّ الْمَشِيئَةِ إِلَى الْفِعْلِ، فَلَا تُطَلَّقُ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا فَعَلْتُ، أَوْ لَأَفْعَلَنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ رَدَّهُ إِلَى الطَّلَاقِ فَقَطْ، فَفِيهِ الْخِلَافُ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ نِيَّتُهُ، وَالظَّاهِرُ رجوعه إِلَى الْفِعْلِ. غَرِيبَةٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَتَزَوَّجَهَا - لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَاشْتَرَاهُ - عُتِقَ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَا زَيْدٍ أَوْ مَشِيئَتِهِ) أَوْ لِدُخُولِ الدَّارِ (طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْتِ طَالِقٌ لِكَوْنِهِ قَدْ شَاءَ ذَلِكَ أَوْ رَضِيَهُ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، أَوْ لِرِضَا اللَّهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لِقُدُومِ زَيْدٍ (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الشَّرْطَ) فِيمَا ظَاهِرُهُ التَّعْلِيلُ (دِينَ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ رَضِيَ أَبُوكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ: مَا رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: رَضِيتُ، وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ، وَكَانَ مُتَرَاخِيًا، ذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ "، وَإِنْ قَوْمًا قَالُوا: يَنْقَطِعُ بِالْأَوَّلِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَكِ اللَّهُ بِالنَّارِ) أَوْ تَبْغَضِينَ الْجَنَّةَ (فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينَهُ بِقَلْبِكِ، فَقَالَتْ: أَنَا أَحَبُّهُ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْهَا) ؛ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ، وَسُئِلَ عَنْهَا، فَلَمْ يُجِبْ فِيهَا بِشَيْءٍ (وَقَالَ الْقَاضِي: تُطَلَّقُ) قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَفِي " الْفُنُونِ ": هُوَ مَذْهَبُنَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْقَلْبِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إِلَّا مِنَ اللَّفْظِ، فَاقْتَضَى تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِلَفْظِهَا بِهِ، صَادِقَةً أَوْ كَاذِبَةً كَالْمَشِيئَةِ (وَالْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 أَحْمَدُ عَنْهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: تُطَلَّقُ، وَالْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ إِذَا كَانَتْ كَاذِبَةً. فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا رَأَيْتِ الْهِلَالَ - طُلِّقَتْ إِذَا رُئِيَ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَقِيقَةَ   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا كَانَتْ كَاذِبَةً) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ فِي الْقَلْبِ، وَلَا تُوجَدُ مِنْ أَحَدٍ مَحَبَّةُ ذَلِكَ، وَخَبَرُهَا بِالْمَحَبَّةِ كَاذِبٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَاخْتَارَ فِي " الْفُنُونِ " أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ لِاسْتِحَالَتِهِ عَادَةً، كَقَوْلِهِ: إِنْ كُنْتِ تَعْتَقِدِينَ أَنَّ الْجَمَلَ يَدْخُلُ فِي خُرْمِ الْإِبْرَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: أَعْتَقِدُهُ، فَإِنَّ عَاقِلًا لَا يُجَوِّزُهُ فَضْلًا عَنِ اعْتِقَادِهِ، ثُمَّ إِنْ قَالَ: كَذَبْتِ، لَمْ تُطَلَّقْ، وَهِيَ يُعْتَبَرُ نُطْقُهَا أَوْ تُطَلَّقُ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ؛ فِيهِ احْتِمَالَانِ، وَقِيلَ: لَا تُطَلَّقُ إِنْ لَمْ يَقُلْ: بِقَلْبِكِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ زَيْدًا أَوْ تُبْغِضِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَتْهُ بِهِ - طُلِّقَتْ وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ أَحْبَبْتِ، أَوْ إِنْ أَرَدْتِ، أَوْ إِنْ كَرِهْتِ، احْتَمَلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِلِسَانِهَا كَالْمَشِيئَةِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ، وَيَكُونُ اللِّسَانُ دَلِيلًا عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِوُجُودِهِ - طُلِّقَتْ، وَلَوْ أَخْبَرَتْ بِهِ ثُمَّ قَالَتْ: كُنْتُ كَاذِبَةً، لَمْ تُطَلَّقْ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ تُطَلِّقَنِي، فَقَالَ: إِنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَيَقْتَضِي أَنَّهَا تُطَلَّقُ بِإِرَادَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إِيقَاعَهُ لِلْإِرَادَةِ الَّتِي أَخْبَرَتْهُ بِهَا، قَالَهُ فِي " الْفُنُونِ " قَالَ: وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ أَبُوكِ يَرْضَى بِمَا فَعَلْتِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ: مَا رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: رَضِيتُ - طُلِّقَتْ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى رِضًا مُسْتَقْبَلٍ، وَقَدْ وُجِدَ، بِخِلَافِ: إِنْ كَانَ أَبُوكِ رَاضِيًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاضٍ، وَتَعْلِيقٌ كَطَلَاقٍ، وَيَصِحُّ بِالْمَوْتِ. [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ] [إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا رَأَيْتِ الْهِلَالَ] فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ (إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا رَأَيْتِ الْهِلَالَ - طُلِّقَتْ إِذَا رُئيَ) بَعْدَ الْغُرُوبِ، أَوْ أَكْمَلَتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 رُؤْيَتِهَا، فَلَا يَحْنَثُ حتى تراه، وَإِنْ قَالَ: مَنْ بَشَّرَتْنِي بِقَدُومِ أَخِي، فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ امْرَأَتَاهُ - طُلِّقَتِ الْأُولَى مِنْهُمَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ هِيَ الصَّادِقَةُ وَحْدَهَا، فَتُطَلَّقُ وَحْدَهَا. وَإِنْ قَالَ: مَنْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِهِ فَهِيَ طَالِقٌ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي،   [المبدع في شرح المقنع] الْعِدَّةَ؛ لِأَنَّ رُؤْيَتَهُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَمَّا يُعْلَمُ بِهِ دُخُولُهُ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» فَانْصَرَفَ لَفْظُ الْحَالِفِ إِلَى عُرْفِ الشَّرْعِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِذَا صَلَّيْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إِلَى الشَّرْعِيَّةِ، وَفَارَقَ رُؤْيَةَ زَيْدٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا، فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى تَرَاهُ) لِأَنَّهَا رُؤْيَة حَقِيقة، وَيُقْبَلُ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ بِقَرِينَةٍ، وَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِرُؤْيَتِهَا لَهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ هِلَالَ الشَّهْرِ مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ، وَقِيلَ: تُطَلَّقُ بِرُؤْيَتِهَا لَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى رُؤْيَةً، وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِرُؤْيَتِهِ فِي الشَّرْعِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ إِذَا رَأَيْتُهُ أَنَا بِعَيْنِي، فَلَمْ يَرَهُ حَتَّى أَقْمَرَ - لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِهِلَالٍ، وَهُوَ هِلَالٌ إِلَى الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَقْمُرُ، وَقِيلَ: إِلَى الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ: إِذَا اسْتَدَارَ وَبَهَرَ ضَوْؤُهُ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِذَا رَأَيْتِ فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْهُ وَلَوْ مَيِّتًا، أَوْ فِي مَاءٍ، أَوْ زُجَاجٍ شَفَّافٍ - طُلِّقَتْ، إِلَّا مَعَ نِيَّةٍ، أَوْ قَرِينَةٍ، لَا خَيَالِهِ فِي مَاءٍ وَمِرْآةٍ، وَفِي مُجَالَسَتِهَا لَهُ وَهِيَ عَمْيَاءُ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا حِنْثَ. [إِنْ قَالَ مَنْ بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ أَخِي فَهِيَ طَالِقٌ] (وَإِنْ قَالَ: مَنْ بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ أَخِي، فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ امْرَأَتَاهُ - طُلِّقَتِ الْأُولَى مِنْهُمَا) إِذَا كَانَتْ صَادِقَةً؛ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ خَبَرٌ تَتَغَيَّرُ بِهِ بَشْرَةُ الْوَجْهِ مِنْ سُرُورٍ أَوْ غَمٍّ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْخَيْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: 17] فَإِنْ أُرِيدَ الشَّرُّ، قُيِّدَتْ، قَالَ تَعَالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] (إِلَّا أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ هِيَ الصَّادِقَةُ وَحْدَهَا، فَتُطَلَّقَ وَحْدَهَا) ؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِبِشَارَتِهَا، وَإِنْ كَانَتَا كَاذِبَتَيْنِ، لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا سُرُورَ فِي الْكَذِبِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا بَشَّرَهُ نِسَاؤُهُ مَعًا طُلِّقْنَ؛ لِأَنَّ " مَنْ " تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ فَمَا زَادَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: تُطَلَّقَانِ. وَإِنْ حَلِفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا حَنِثَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ   [المبدع في شرح المقنع] وَيَتَوَجَّهُ تَحَصُّلُ الْبِشَارَةِ بِالْمُكَاتَبَةِ، وَإِرْسَالِ رَسُولٍ بِهَا (وَإِنْ قَالَ: مَنْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِهِ فَهِيَ طَالِقٌ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي) وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَبَرِ الْإِعْلَامُ، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: تُطَلَّقَانِ) أَيْ: تُطَلَّقُ الصَّادِقَةُ وَالْكَاذِبَةُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ. قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَعِنْدِي يُطَلَّقْنَ مَعَ الصِّدْقِ، وَلَا تُطَلَّقُ مِنْهُمَا كَاذِبَةٌ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": حَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى فِيمَنْ قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَيُّكُمْ جَاءَنِي بِخَبَرِ كَذَا فَهُوَ حُرٌّ، فَجَاءَهُ بِهِ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرَ، فِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ، وَالثَّانِيَةُ: يُعْتَقُونَ جَمِيعًا، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَلَا بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: أَوَّلُ مَنْ تَقُومُ مِنْكُنَّ فَهِيَ طَالِقٌ، فَقَامَ الْكُلُّ دَفْعَةً وَاحِدَةً - لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَإِنْ قَامَتْ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ بَعْدَهَا - فَوَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَقَعُ، لَمْ يُحْكَمْ بِوُقُوعِ ذَلِكَ وَلَا انْتِفَائِهِ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ قِيَامِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَتَنْحَلَّ يَمِينُهُ، وَكَذَا الْعِتْقُ، وَإِنْ قَامَ اثْنَتَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ مَعًا، وَقَامَ بَعْدَهُنَّ أُخْرَى وَقَعَ بِمَنْ قَامَ أَوَّلًا، وَالْعِتْقُ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْقَاضِي فِيمَنْ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يُدْخَلُ مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ، فَدَخَلَ اثْنَانِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ - لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَإِنْ قَالَ: آخِرُ مَنْ تَدْخُلُ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَدَخَلَ إِحْدَاهُنَّ، لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ دُخُولِ غَيْرِهَا، فَيَتَبَيَّنُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِآخِرِهِنَّ دُخُولًا مِنْ حِينِ دُخُولِهَا. [إِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا] (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا) أَوْ جَاهِلًا (حَنِثَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ ": أَنَّهُ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ لِرَفْعِ الْإِثْمِ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ فَهُوَ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، فَيَقَعُ بِوُجُودِ شَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قَدِمَ الْحَاجُّ؛ وَلِأَنَّ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ آدَمِيٌّ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ مَعَ النِّسْيَانِ كَالْإِتْلَافِ (وَعَنْهُ: يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ) قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ قَاصِدًا لِفِعْلِهِ، أَشْبَهَ الذَّاكِرَ، وَكَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 فِي الْجَمِيعِ، وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، وَلَا يُكَلِّمُهُ، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ، فَدَخَلَ بَيْتًا هُوَ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ قَضَاهُ حَقَّهُ فَفَارَقَهُ، فَخَرَجَ رَدِيئًا، أَوْ أَحَالَهُ بِحَقِّهِ فَفَارَقَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ بَرَّ - خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ. و َإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَ بَعْضَهُ، لَمْ يَحْنَثْ في رواية صالح،   [المبدع في شرح المقنع] وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالزُّهْرِيِّ (وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ) وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] ؛ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْمُخَالَفَةِ، أَشْبَهَ النَّائِمَ؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيِ الْيَمِينِ، فَاعْتُبِرَ بِهِ الْقَصْدُ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ فَعَلَهُ حِينَ جُنُونِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَالنَّائِمِ، وَقِيلَ: هُوَ كَالنَّاسِي، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يُقْصَدُ مَنْعُهُ كَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَعَلَى الْخِلَافِ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ قَصَدَ بِمَنْعِهِمْ أَنْ لَا يُخَالِفُوهُ، أَوْ فَعَلُوهُ كُرْهًا - لَمْ يَحْنَثْ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ الْمُكْرَهُ، فَيَتَخَرَّجُ أَلَّا يَحْنَثَ إِلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ فَلَمْ يَمْتَنِعْ، فَوَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَحْنَثُ، فَأَقَامَ بَعْدَ دُخُولِهَا، فَهَلْ يَحْنَثُ؛ يَنْبَنِي عَلَى مَا إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا، وَإِنْ عَقَدَهَا يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ، فَكَمَنْ حَلَفَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَفَعَلَهُ نَاسِيًا، يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ فَقَطْ. [إِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتًا هُوَ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ] (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، وَلَا يُكَلِّمُهُ، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ، فَدَخَلَ بَيْتًا هُوَ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ قَضَاهُ حَقَّهُ فَفَارَقَهُ، فَخَرَجَ رَدِيئًا، أَوْ أَحَالَهُ بِحَقِّهِ فَفَارَقَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ بَرَّ - خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْمُخَالَفَةِ، أَشْبَهَ النَّاسِيَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ بَيْتًا هُوَ فِيهِ عَالِمًا - حَنِثَ، وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ سَالِمًا عَنِ الْمُعَارِضِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَوَى السَّلَامَ عَلَى الْجَمِيعِ، أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 وحنبل، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَهُ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ، لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَفْعَلَ جَمِيعَهُ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَأَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ، أَوْ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ، فَشَرِبَ بَعْضَهُ - خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا شَرِبْتُ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا   [المبدع في شرح المقنع] كَلَامَهُمْ حَنِثَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ فَلَا، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْخِلَافُ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ بِقَلْبِهِ فَرِوَايَتَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْحِنْثُ، وَكَذَا إِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ يَحْسَبُهُ أَجْنَبِيًّا، أَوْ حَلَفَ لَا بِعْتُ لِزَيْدٍ ثَوْبًا، فَوَكَلَ زَيْدٌ مَنْ يَدْفَعُهُ إِلَى مَنْ يَبِيعُهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى الْحَالِفِ، فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ. [إِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ] (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَ بَعْضَهُ، لَمْ يَحْنَثْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ كَالْإِثْبَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ إِلَى عَائِشَةَ لِتُرَجِّلَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ» ، وَالْمُعْتَكِفُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَالْحَائِضُ عَكْسُهُ (وَعَنْهُ: يَحْنَثُ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَاخْتَصَّ الْمَنْعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَالنَّهْيِ (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَهُ) فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ، فَإِنْ نَوَى الْجَمِيعَ أَوِ الْبَعْضَ، عُمِلَ بِنِيَّتِهِ، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ قَرِينَةٌ، وَعَلَى الْأُولَى: لَوْ حَلَفَ عَلَى مَنْ يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ، كَزَوْجَةٍ وَقَرَابَةٍ، وَقَصَدَ مَنْعَهُ، وَلَا نِيَّةَ، وَلَا سَبَبَ وَلَا قَرِينَةَ - لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِ بَعْضِهِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ، لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَفْعَلَ جَمِيعَهُ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ؛ وَلِأَنَّ مَطْلُوبَهُ تَحْصِيلُ الْفِعْلِ، فَهُوَ كَالْأَمْرِ، وَلَوْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِشَيْءٍ، لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْعُهْدَةِ إِلَّا بِفِعْلِ جَمِيعِهِ، فَكَذَا هُنَا (وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَأَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ، أَوْ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ، فَشَرِبَ بَعْضَهُ - خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) فِي فِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ عَبْدَهُ، وَلَا يَهَبُهُ، فَبَاعَ أَوْ وَهَبَ بَعْضَهُ. (وَإِنْ حَلَفَ: لَا شَرِبْتُ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، حَنِثَ) وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْجَمِيعِ مُمْتَنِعٌ، فَلَا تُصْرَفُ الْيَمِينُ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا آكُلُ الْخُبْزَ، وَلَا أَشْرَبُ الْمَاءَ، مِمَّا عُلِّقَ عَلَى اسْمِ جِنْسٍ أَوْ جَمْعٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، أَوْ نَسَجَهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا طَبَخَهُ زَيْدٌ، فَلَبِسَ ثَوْبًا نَسَجَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، أَوِ اشْتَرَيَاهُ، أَوْ أَكَلَ مِنْ طَعَامٍ طَبَخَاهُ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنِ اشْتَرَى غَيْرُهُ شَيْئًا، فَخَلَطَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ، فَأَكَلَ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ - حَنِثَ، وَإِنْ أَكَلَ مِثْلَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] كَالْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، فَإِنْ نَوَى فِعْلِ الْجَمِيعِ، أَوْ كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ - لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ بِلَا خِلَافٍ. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ: لَا شَرِبْتُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْهُ - حَنِثَ، سَوَاءً كَرَعَ مِنْهُ، أَوِ اغْتَرَفَ مِنْهُ فَشَرِبَهُ، وَإِنْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ حَنِثَ فِي وَجْهٍ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ شَيْءٍ فَاسْتَقَى، أَوْ لَا يَشْرَبُ مِنْ شَاةٍ فَحُلِبَ وَشَرِبَهُ. وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إِلَى النَّهْرِ لَا إِلَى الْفُرَاتِ، وَكَغَيْرِهِ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ، فَلَقَطَ مِنْ تَحْتِهَا وَأَكَلَ - حَنِثَ، بِخِلَافِ أَكْلِ وَرَقِهَا وَأَطْرَافِ أَغْصَانِهَا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ قَرِبْتِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - دَارَ أَبِيكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَدْخُلَهَا، فَلَوْ قَالَهُ - بِضَمِّ الرَّاءِ - وَقَعَ بِوُقُوفِهَا تَحْتَ فِنَائِهَا وَلُصُوقِهَا بِجِدَارِهَا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا كَذَلِكَ، ذَكَرَهُمَا فِي " الرَّوْضَةِ "، وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَوْهَرِيُّ قَرِبَ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى دَخَلَ، وَلَعَلَّهُ عُرْفٌ خَاصٌّ. (وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، أَوْ نَسَجَهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا طَبَخَهُ زَيْدٌ، فَلَبِسَ ثَوْبًا نَسَجَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، أَوِ اشْتَرَيَاهُ، أَوْ أَكَلَ مِنْ طَعَامٍ طَبَخَاهُ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا: يَحْنَثُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ، فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ غَيْرِهَا. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْ ثَوْبًا كَامِلًا، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مَا خَاطَهُ زَيْدٌ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ ثَوْبٍ خَاطَاهُ جَمِيعًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: ثَوْبًا خَاطَهُ زَيْدٌ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، فَأَكَلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ - حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِالشِّرَاءِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالًا: لَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِشِرَائِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، فَلَبِسَ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ (فَإِنِ اشْتَرَى غَيْرُهُ شَيْئًا، فَخَلَطَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ، فَأَكَلَ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ - حَنِثَ) وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ أَكَلَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، وَهُوَ شَرْطُ الْحِنْثِ (وَإِنْ أَكَلَ مِثْلَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 بَابٌ التَّأْوِيلُ فِي الْحَلِفِ وَمَعْنَى التَّأْوِيلِ: أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِهِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ ظَالِمًا، لَمْ يَنْفَعْهُ تَأْوِيلُهُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ» فَإِذَا   [المبدع في شرح المقنع] الْعَادَةِ انْفِرَادُ مَا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الْحِنْثُ ظَاهِرًا. وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحِنْثِ، وَلَمْ نَتَيَقَّنْهُ، فَعَلَى هَذَا: كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَحْنَثُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً، فَوَقَعَتْ فِي تَمْرٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ وَاحِدَةً عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَإِنْ قَابَلَ زَيْدٌ فِي مَأْكُولٍ كَانَ بَاعَهُ شَيْئًا، فَأَكَلَ مِنْهُ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى شَيْئًا سَلَمًا، أَوْ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ، فَأَكَلَ مِنْهُ - حَنِثَ. [بَابُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ] بَابٌ التَّأْوِيلُ فِي الْحَلِفِ (وَمَعْنَى التَّأْوِيلِ: أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِهِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ) مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ أَخِي يُرِيدُ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ، وَبِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ: السَّمَاءَ، وَبِالْبِسَاطِ وَالْفِرَاشِ: الْأَرْضَ، وَبِالْأَوْتَادِ: الْجِبَالَ، وَبِاللِّبَاسِ: اللَّيْلَ، أَوْ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ فُلَانًا، أَيْ: مَا ضَرَبْتُ رِئَتَهُ، وَمَا ذَكَرْتُهُ، أَيْ: مَا قَطَعْتُ ذَكَرَهُ، وَكَقَوْلِهِ: جَوَارِي أَحْرَارٌ، يَعْنِي: سُفُنَهُ، وَنِسَائِي طَوَالِقُ، أَيْ: أَقَارِبُهُ، أَوْ يَقُولُ: مَا كَاتَبْتُ فُلَانًا، وَلَا عَرَّفْتُهُ، وَلَا عَلَّمْتُهُ، وَلَا سَأَلْتُهُ حَاجَةً، وَلَا أَكَلْتُ لَهُ دَجَاجَةً وَلَا فَرُّوجَةً، وَلَا شَرِبْتُ لَهُ مَاءً، وَلَا فِي بَيْتِي فِرَاشٌ، وَلَا حَصِيرٌ، وَلَا بَارِيَةٌ، وَيَعْنِي بِالْمُكَاتَبَةِ: مُكَاتَبَةَ الرَّقِيقِ، وَبِالتَّعْرِيفِ: جَعْلَهُ عَرِيفًا، وَبِالْإِعْلَامِ: جَعْلَهُ أَعْلَمَ الشَّفَةِ، وَالْحَاجَةِ: الشَّجَرَةَ الصَّغِيرَةَ، وَالدَّجَاجَةِ: الْكُبَّةَ مِنَ الْغَزْلِ، وَالْفَرُّوجَةِ: الدُّرَّاعَةَ، وَالْفَرْشِ: صِغَارَ الْإِبِلِ، وَالْحَصِيرِ: الْجَيْشَ، وَالْبَارِيَةِ: السِّكِّينَ الَّتِي يُبْرَى بِهَا، فَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِمَّا يَسْبِقُ إِلَى فَهْمِ السَّامِعِ خِلَافُهُ، إِذَا عَنَاهُ بِيَمِينِهِ فَهُوَ تَأْوِيلٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ ظَالِمًا، لَمْ يَنْفَعْهُ تَأْوِيلُهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ» وَفِي لَفْظٍ: «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا فَلَهُ تَأْوِيلُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ سُوَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: «خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ، فَتَحَرَّجَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا، فَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي، فَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْنَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: كُنْتَ أَبَرَّهُمْ وَأَصْدَقَهُمْ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: الْكَلَامُ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ ظَرِيفٌ، خَصَّ الظَّرِيفَ بِذَلِكَ، يَعْنِي بِهِ: الْكَيِّسَ الْفَطِنَ، فَإِنَّهُ يَفْطِنُ التَّأْوِيلَ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْكَذِبِ، فَإِنْ كَانَ لَا ظَالِمًا وَلَا مَظْلُومًا، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ لَهُ تَأْوِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا» وَمِزَاحُهُ أَنْ يُوهِمَ السَّامِعَ بِكَلَامِهِ غَيْرَ مَا عَنَاهُ، وَهُوَ التَّأْوِيلُ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَجُوزٍ: «لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ» يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْشِئُهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا. 1 - مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا حَلَفَ لَيَقْسِمَنَّ بَيْنَ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ ثَلَاثِينَ قَارُورَةً، عَشْرٌ مَمْلُوءَةٌ، وَعَشْرٌ فُرْغٌ، وَعَشْرٌ مُنَصَّفٌ، قَلَبَ كُلَّ مُنَصَّفَةٍ فِي أُخْرَى، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسٌ مَمْلُوءَةٌ، وَخمْسٌ فُرْغٌ. الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ نَعْجَةً، عَشْرٌ وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَةً، وَعَشْرٌ اثْنَتَيْنِ، وَعَشَرَةٌ ثَلَاثًا، وَحَلَفَ لَيَجْعَلَنَّ لِكُلِّ امْرَأَةٍ ثَلَاثًا، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ سَخْلَةٍ وَأُمِّهَا، أَعْطَى الْكُبْرَى عَشَرَةً نَتَجَتْ عِشْرِينَ، وَالْوُسْطَى نِصْفَ مَا نَتَجَ سَخْلَةً، وَنِصْفَ مَا نَتَجَ ثَلَاثًا بِسِخَالِهَا، وَكَذَا الصُّغْرَى. الثَّالِثَةُ: إِذَا حَلَفَ أَنَّهُ رَأَى ثَلَاثَ إِخْوَةٍ لِأَبَوَيْنِ، أَحَدُهُمْ عَبْدٌ، وَالْآخَرُ مَوْلًى، وَالْآخَرُ عَرَبِيٌّ، لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، هَذَا رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ، فَوَلَدَتِ ابْنًا فَهُوَ عَبْدٌ، ثُمَّ كُوتِبَتْ، فَأَدَّتْ وَهِيَ حَامِلٌ، فَأَتَتْ بِابْنٍ فَتَبِعَهَا، فَهُوَ مَوْلًى، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ الْأَدَاءِ ابْنًا، فَهُوَ عَرَبِيٌّ بِلَا وَلَاءٍ. الرَّابِعَةُ: إِذَا حَلَفَ أَنَّ خَمْسَةً زَنَوْا بِامْرَأَةٍ، فَلَزِمَ الْأَوَّلَ الْقَتْلُ، وَالثَّانِيَ الرَّجْمُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 أَكَلَا تَمْرًا، فَحَلَفَ: لَتُخْبِرَنِّي بِعَدَدِ مَا أَكَلْتَ، أَوْ لَتُمَيِّزَنَّ نَوَى مَا أَكَلْتَ، فَإِنَّهَا تُفْرَدُ كُلُّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا، وَتُعَدُّ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى عَدَدٍ يَتَحَقَّقُ دُخُولُ مَا أَكَلَ فِيهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْعُدَنَّ عَلَى بَارِيَةٍ فِي بَيْتِهِ، وَلَا تَدْخُلُهُ بَارِيَةٌ، فَإِنَّهُ يُدْخِلُ قَصَبًا وَيَنْسِجُهُ فِيهِ. وَإِنْ حَلَفَ لَيَطْبُخَنَّ قِدْرًا بِرِطْلِ مِلْحٍ وَيَأْكُلُ مِنْهُ فَلَا يَجِدْ طَعْمَ الْمِلْحِ، فَإِنَّهُ يَسْلُقُ فِيهِ بَيْضًا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا وَلَا تُفَّاحًا، وَلَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي هَذَا الْوِعَاءِ، فَوَجَدَهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّالِثَ الْجَلْدُ، وَالرَّابِعَ نِصْفُ الْحُرِّ، وَلَمْ يَلْزَمِ الْخَامِسَ شَيْءٌ، فَالْأَوَّلُ ذِمِّيٌّ، وَالثَّانِي مُحْصَنٌ، وَالثَّالِثُ بِكْرٌ، وَالرَّابِعُ عَبْدٌ، وَالْخَامِسُ حَرْبِيٌّ. الْخَامِسَةُ: إِذَا حَلَفَ لَيُخْبِرَنَّهُ بِشَيْءٍ رَأْسُهُ فِي عَذَابٍ، وَأَسْفَلُهُ فِي شَرَابٍ، وَأَوْسَطُهُ فِي طَعَامٍ، وَحَوْلَهُ سَلَاسِلُ وَأَغْلَالٌ، وَحَبَسَهُ فِي بَيْتٍ ضَيِّقٍ، فَهُوَ فَتِيلَةُ الْقِنْدِيلِ. السَّادِسَةُ: إِذَا حَلَفَ أَنَّهُ يُحِبُّ الْفِتْنَةَ، وَيَكْرَهُ الْحَقَّ، وَيَشْهَدُ بِمَا لَمْ يَرَهُ وَهُوَ بَصِيرٌ، وَلَا يَخَافُ مِنَ اللَّهِ، وَلَا رَسُولِ اللَّهِ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ عَدْلٌ - فَجَوَابُهُ: أَنَّهُ يُحِبُّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ، وَيَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَيَشْهَدُ بِالْغَيْبِ وَالْحِسَابِ، وَلَا يَخَافُ مِنَ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ الظُّلْمَ وَالْجَوْرَ. السَّابِعَةُ: لَوْ سُئِلَ عَنْ طَعْمِ نَجْوِ الْآدَمِيِّ، قِيلَ: إِنَّهُ - أَوَّلًا - حُلْوٌ لِسُقُوطِ الذُّبَابِ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَامِضٌ لِأَنَّهُ يُدَوِّدُ، ثُمَّ مُرٌّ لِأَنَّهُ يَلْدَحُ. (فَإِذَا أَكَلَا تَمْرًا، فَحَلَفَ: لَتُخْبِرَنِّي بِعَدَدِ مَا أَكَلْتَ، أَوْ لَتُمَيِّزَنَّ نَوَى مَا أَكَلْتَ، فَإِنَّهَا تُفْرَدُ كُلُّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا، وَتُعَدُّ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى عَدَدٍ يَتَحَقَّقُ دُخُولُ مَا أَكَلَ فِيهِ) وَلَا يَحْنَثُ إِذَا كَانَ نِيَّتَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ نَوَى الْإِخْبَارَ بِكَمِّيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا بِذَلِكَ، وَإِنْ أَطْلَقَ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تَنْبَنِي عَلَى الْمَقَاصِدِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ حِيلَةً فَيَحْنَثُ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ فِي فِيهَا تَمْرَةٌ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ أَكَلْتِهَا، أَوْ أَلْقَيْتِهَا، أَوْ أَمْسَكْتِهَا، فَأَكَلَتْ بَعْضَهَا، وَأَلْقَتْ بَعْضَهَا - انْبَنَى عَلَى فِعْلٍ بعض المحلوف عَلَيْهِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْعُدَنَّ عَلَى بَارِيَّةٍ فِي بَيْتِهِ، وَلَا تَدْخُلُهُ بَارِيَّةٌ، فَإِنَّهُ يُدْخِلُ قَصَبًا وَيَنْسِجُهُ فِيهِ) وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا فِي الْبَيْتِ، وَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ بَارِيَّةً، وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُ قَصَبًا. وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": وَإِنْ حَلَفَ لَا يُدْخِلُ بَيْتَهُ بَارِيَّةً، فَأَدْخَلَ قَصَبًا لِذَلِكَ، فَنُسِجَتْ فِيهِ - حَنِثَ، وَإِنْ طَرَأَ قَصْدُهُ وَالْقَصَبُ فِيهَا فَوَجْهَانِ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَطْبُخَنَّ قِدْرًا بِرِطْلِ مِلْحٍ وَيَأْكُلُ مِنْهُ فَلَا يَجِدْ طَعْمَ الْمِلْحِ، فَإِنَّهُ يَسْلُقُ فِيهِ بَيْضًا) ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ وُجِدَتْ لِكَوْنِ أَنَّ الْمِلْحَ لَا يَدْخُلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 بَيْضًا وَتُفَّاحًا، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ مِنَ الْبَيْضِ نَاطِفًا، وَمِنَ التُّفَّاحِ شَرَابًا. وَإِنْ كَانَ عَلَى سُلَّمٍ، فَحَلَفَ: لَا صَعِدْتُ إِلَيْكِ، وَلَا نَزَلْتُ إِلَى هَذِهِ، وَلَا أَقَمْتُ مَكَانِي سَاعَةً، فَلْتَنْزِلِ الْعُلْيَا، وَتَصْعَدِ السُّفْلَى، فَتَنْحَلَّ يَمِينُهُ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا أَقَمْتُ عَلَيْهِ، وَلَا نَزَلْتُ مِنْهُ، وَلَا صَعِدْتُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى سُلَّمٍ آخَرَ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا أَقَمْتُ فِي هَذَا الْمَاءِ، وَلَا خَرَجْتُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا لَمْ يَحْنَثْ، إِذَا نَوَى ذَلِكَ الْمَاءَ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ وَاقِفًا، حُمِلَ مِنْهُ مُكْرَهًا. وَإِنِ اسْتَحْلَفَهُ ظَالِمٌ: مَا لِفُلَانٍ عِنْدَكَ وَدِيعَةً، وَكَانَتْ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْبَيْضِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا وَلَا تُفَّاحًا، وَلَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي هَذَا الْوِعَاءِ، فَوَجَدَهُ بَيْضًا وَتُفَّاحًا، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ مِنَ الْبَيْضِ نَاطِفًا، وَمِنَ التُّفَّاحِ شَرَابًا) وَيَأْكُلُ مِنْهُ بِغَيْرِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْضٍ وَلَا تُفَّاحٍ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ مَعَ التَّعْيِينِ. (وَإِنْ كَانَ عَلَى سُلَّمٍ، فَحَلَفَ: لَا صَعِدْتُ إِلَيْكِ، وَلَا نَزَلْتُ إِلَى هَذِهِ، وَلَا أَقَمْتُ مَكَانِي سَاعَةً، فَلْتَنْزِلِ الْعُلْيَا، وَتَصْعَدِ السُّفْلَى، فَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ) ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ سَبَبٌ إِلَى عَدَمِ حِنْثِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ، فَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ حِنْثُهُ مُمْكِنًا لِزَوَالِ الصُّورَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا. (وَإِنْ حَلَفَ: لَا أَقَمْتُ عَلَيْهِ، وَلَا نَزَلْتُ مِنْهُ، وَلَا صَعِدْتُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى سُلَّمٍ آخَرَ) فَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَزَلَ أَوْ صَعِدَ مِنْ غَيْرِهِ. (وَإِنْ حَلَفَ: لَا أَقَمْتُ فِي هَذَا الْمَاءِ، وَلَا خَرَجْتُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ جَرَى، وَصَارَ فِي غَيْرِهِ، فَلَمْ يَحْنَثْ، سَوَاءً أَقَامَ أَوْ خَرَجَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقِفُ فِي غَيْرِهِ أَوْ يَخْرُجُ مِنْهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تَنْبَنِي عَلَى اللَّفْظِ لَا عَلَى الْقَصْدِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ (إِذَا نَوَى ذَلِكَ الْمَاءَ بِعَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ بِعَيْنِهِ يَصْدُقُ أَنَّهُ مَا أَقَامَ فِيهِ وَلَا خَرَجَ مِنْهُ ضَرُورَةَ كَوْنِهِ جَارِيًا، فَلَمْ تَحْصُلِ الْمُخَالَفَةُ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ وَاقِفًا، حُمِلَ مِنْهُ مُكْرَهًا) لِئَلَّا يُنْسَبَ إِلَيْهِ فِعْلٌ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ: لَا لَبِسْتِ أَنْتِ هَذَا الْقَمِيصَ، وَلَا وَطِئْتُكِ إِلَّا فِيهِ، فَلَبِسَتْهُ وَوَطِئَهَا - لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ لَيُجَامِعَنَّ عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ، فَنُقِبَ السَّقْفُ، وَأُخْرِجَ مِنْهُ رَأْسُ الرُّمْحِ يَسِيرًا، وَجَامَعَ عَلَيْهِ - بَرَّ فِي الْأَشْهَرِ. (وَإِنِ اسْتَحْلَفَهُ ظَالِمٌ: مَا لِفُلَانٍ عِنْدَكَ وَدِيعَةً، وَكَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِـ " مَا ": الَّذِي) أَيِ: الْمَوْصُولَةَ، أَوْ يَنْوِي غَيْرَ الْوَدِيعَةِ، أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِـ " مَا ": الَّذِي، وَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ. وَإِنْ حلفَ له: مَا فُلَانٌ هَاهُنَا، وَعَنَى مَوْضِعًا مُعَيَّنًا - بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ: لَا سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئًا، فَخَانَتْهُ فِي وَدِيعَتِهِ - لَمْ يَحْنَثْ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ.   [المبدع في شرح المقنع] غَيْرَ مَكَانِهَا، أَوْ يسْتَثْني بِقَلْبِهِ (وَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا حَلَفَ لَتَصْدُقِنِّي: هَلْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئًا أَمْ لَا؛ وَخَافَتْ أَنْ تَصْدُقَهُ، فَتَقُولُ: سَرَقْتُ مِنْكَ، مَا سَرَقْتُ مِنْكَ، وَتَعْنِي بِـ " مَا ": الَّذِي. (وَإِنْ حَلَفَ لَهُ: مَا فُلَانٌ هَاهُنَا، وَعَنَى مَوْضِعًا مُعَيَّنًا - بَرَّ فِي يَمِينِهِ) لِصِدْقِهِ فِي ذَلِكَ، وَرُوِيَ أَنَّ مُهَنَّا وَالْمَرْوَذِيُّ كَانَا عِنْدَ أَحْمَدَ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ الْمَرْوَذِيَّ، وَلَمْ يُرِدِ الْمَرْوَذِيُّ أَنْ يُكَلِّمَهُ، فَوَضَعَ مُهَنَّا إِصْبَعَهُ فِي كَفِّهِ، وَقَالَ: لَيْسَ الْمَرْوَذِيَّ هَاهُنَا، يُرِيدُ: لَيْسَ هُوَ فِي كَفِّهِ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحْمَدُ. (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ: لَا سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئًا، فَخَانَتْهُ فِي وَدِيعَتِهِ - لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ لَيْسَتْ بِسَرِقَةٍ (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ) ذَلِكَ، فَيَحْنَثَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَلِكَ، وَقَدْ نَوَاهُ، فَوَجَبَ الْحِنْثُ ضَرُورَةَ الْمُخَالَفَةِ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ لَهُ سَبَبٌ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا اسْتَحْلَفَهُ ظَالِمٌ: هَلْ رَأَيْتَ فُلَانًا أَوْ لَا؛ وَكَانَ قَدْ رَآهُ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِرَأَيْتَ: مَا ضَرَبْتُ رِئَتَهُ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَتِ امْرَأَتِي فِي السُّوقِ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ عَبْدِي فِي السُّوقِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَكَانَا فِي السُّوقِ - عُتِقَ الْعَبْدُ وَلَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّهُ عُتِقَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، فَلَمَّا عُتِقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِي السُّوقِ عَبْدٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْنَثَ إِنْ أَرَادَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ، بِنَاءً عَلَى مَنْ حَلَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ تَعَلَّقَ الْيَمِينُ بِعَيْنِهِ دُونَ صِفَتِهِ. 1 - مَسَائِلُ: إِذَا حَلَفَ أَنَّهُ يَطَأُ فِي يَوْمٍ، وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَلَا تَفُوتُهُ صَلَاةٌ مَعَ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْفَجْرَ، وَالظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَيَطَأُ بَعْدَهَا، وَيَغْتَسِلُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَيُصَلِّي مَعَهُ. إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ أَطَأْكِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ سَافَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ وَطِئَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي؛ لِأَنَّهَا حِيلَةٌ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: إِذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، ثُمَّ احْتَالَ بِحِيلَةٍ فَصَارَ إِلَيْهَا، فَقَدْ صَارَ إِلَى ذَلِكَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: الصَّحِيحُ أَنَّهَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ، وَيُبَاحُ بِهِ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ إِرَادَةَ حَلِّ الْيَمِينِ مِنَ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 بَابٌ الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ إِذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا؛ لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ شَكَّ فِي عَدَدِهِ، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ،   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا حَلَفَ فِي شَعْبَانَ: لَيُجَامِعَنَّ امْرَأَتَهُ فِي شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَدَخَلَ رَمَضَانَ، سَافَرَ بِهَا، فَإِنْ حَاضَتْ فَوَطِئَ فِيهِ، كَفَّرَ عَنْ كُلِّ وَطْءٍ فِي الْحَيْضِ كَفَّارَتَهُ، وَعَنْهُ: لَا يَطَأُ، وَتُطَلَّقُ كَمَنْ حَلَفَ: لَيَسْقِيَنَّ وَلَدَهُ خَمْرًا، نَصَّ عَلَيْهِ. سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ: لَا يُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ لِلسَّائِلِ: اذْهَبْ إِلَى بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَاسْأَلْهُ، ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي، فَذَهَبَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ: إِذَا أَفْطَرَ أَهْلُكَ فَاقْعُدْ مَعَهُمْ وَلَا تُفْطِرْ، فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ فَكُلْ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هَلُمُّوا إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» فَاسْتَحْسَنَهُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [بَابُ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ] [إِذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا] بَابٌ الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ الشَّكُّ فِي الِاصْطِلَاحِ: تَرَدُّدٌ عَلَى السَّوَاءِ، وَهُنَا مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ (إِذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا؛) أَوْ شَكَّ فِي وُجُودِ شَرْطِهِ (لَمْ تُطَلَّقْ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» فَأَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَاطِّرَاحِ الشَّكِّ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْوَرَعُ: إِلْزَامُ الطَّلَاقِ، وَعَنْ شَرِيكٍ: أَنَّهُ إِذَا شَكَّ فِي طَلَاقِهِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا، لِتَكُونَ الرَّجْعَةُ عَنْ طَلْقَةٍ صَحِيحَةٍ، فَتَكُونُ صَحِيحَةً فِي الْحُكْمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالرَّجْعَةِ مُمْكِنٌ مَعَ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى مَا تَفْتَقِرُ إِلَيْهِ الْعِبَادَاتُ مِنَ النِّيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي طَلْقَتَيْنِ، فَطَلَّقَ وَاحِدَةً، لَصَارَ شَاكًّا فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، فَلَا تُفِيدُهُ الرَّجْعَةُ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا طَلَّقَ فَلَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةً طَلَّقَ أَوْ ثَلَاثًا، لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَتَيَقَّنَ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ: لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً، فَوَقَعَتْ فِي تَمْرٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ وَاحِدَةً - مُنِعَ مِنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتِ الَّتِي وَقَعَتِ الْيَمِينُ عَلَيْهَا، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] حُكْمُهُ مَعَ شَرْطٍ عَدَمِيٍّ، نَحْوَ: لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا، أَوْ إِنْ لَمْ أَفْعَلْهُ الْيَوْمَ، فَمَضَى، وَشَكَّ فِي فِعْلِهِ - لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَتَمَامُ الْوَرَعِ فِي الشَّكِّ: قَطْعُهُ بِرَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَتَفْرِقَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ بِأَنْ يَقُولَ: إِنْ لَمْ تَكُنْ طُلِّقَتْ فَهِيَ طَالِقٌ. [إِنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الطلاق] (وَإِنْ شَكَّ فِي عَدَدِهِ، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْيَقِينِ طَلَاقٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَمْ يَقَعْ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ، فَلَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً - فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ، وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْمُطَلِّقِ دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ إِبَاحَةِ الرَّجْعَةِ وَحِلِّ الْوَطْءِ، وَإِذَا رَاجَعَ عَادَتْ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ مَا طَلَّقَ فُلَانٌ زَوْجَتَهُ، وَجَهِلَ عَدَدَهُ، فَطَلْقَةً (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا طَلَّقَ فَلَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةً طَلَّقَ أَمْ ثَلَاثًا، لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَتَيَقَّنَ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَحْرُمُ عليه وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ لِلتَّحْرِيمِ، شَاكٌّ فِي التَّحْلِيلِ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا اسْتِنَادًا لِبَقَاءِ النِّكَاحِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ، وَلَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ مِنْهُ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ حَتَّى يَغْسِلَ مَا تَيَقَّنَ بِهِ طَهَارَتَهُ، فَكَذَا هُنَا، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا تَيَقُّنُ الْأَصْلِ، وَالشَّكُّ فِيمَا بَعْدَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ: أَنَّهُ إِذَا رَاجَعَهَا حَلَّتْ لَهُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ مُزِيلَةٌ لِحُكْمِ الْمُتَيَقِّنِ مِنَ الطَّلَاقِ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ أَنْوَاعٌ: تَحْرِيمٌ تُزِيلُهُ الرَّجْعَةُ، وَتَحْرِيمٌ يُزِيلُهُ نِكَاحٌ جَدِيدٌ، وَتَحْرِيمٌ يُزِيلُهُ نِكَاحٌ بَعْدَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، وَمَنْ تَيَقَّنَ الْأَدْنَى لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْأَعْلَى، كَمَنْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْأَكبَرِ، وَيُخَالِفُ الثَّوْبَ، فَإِنَّ غَسْلَ بَعْضِهِ لَا يَرْفَعُ مَا تَيَقَّنَهُ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ مَنَعَ حُصُولَ التَّحْرِيمِ بِالطَّلَاقِ؛ لِكَوْنِ الرَّجْعَةِ مُبَاحَةً، فَلَمْ يَكُنِ التَّحْرِيمُ مُتَيَقَّنًا (وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً، فَوَقَعَتْ فِي تَمْرٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ وَاحِدَةً - مُنِعَ مِنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتِ الَّتِي وَقَعَتِ الْيَمِينُ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَحَقَّقُ حِنْثُهُ حَتَّى يَأْكُلَ التَّمْرَ كُلَّهُ) إِذَا تَيَقَّنَ أَكْلَ التَّمْرَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهَا، فَلَا إِشْكَالَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 يَتَحَقَّقُ حِنْثُهُ حَتَّى يَأْكُلَ التَّمْرَ كُلَّهُ. وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ - يَنْوِي وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً - طُلِّقَتْ وَحْدَهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، أُخْرِجَتِ الْمُطَلَّقَةُ بِالْقُرْعَةِ وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - وَلَمْ يَدْرِ أَكَلَهَا أَوْ لَا، فَلَا يَتَحَقَّقُ حِنْثُهُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَةَ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا، وَيَقِينُ النِّكَاحِ ثَابِتٌ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. فَعَلَى هَذَا حُكْمُ الزَّوْجِيَّةِ بَاقٍ إِلَّا فِي الْوَطْءِ، فَإِنَّ الْخِرَقِيَّ يَمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ شَاكٌّ فِي حِلِّهَا، كَمَا لَوِ اشْتَبَهَتِ امْرَأَتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ كَسَائِرِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَكَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا؛ فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ: لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ التَّمْرَةَ، فَلَا يَتَحَقَّقُ بِرُّهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ أَكَلَهَا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ أَمَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ غَدًا، فَمَاتَتْ إِحْدَاهُنَّ قَبْلَ الْغَدِ - طُلِّقَتْ، وَعُتِقَتِ الْبَاقِيَةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا كَمَوْتِهِمَا، وَهَلْ تُطَلَّقُ إِذَنْ أَوْ مُنْذُ طَلَّقَ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. [إِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ] (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ - يَنْوِي وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً - طُلِّقَتْ وَحْدَهَا) ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا بِنِيَّتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَيَّنَهَا بِلَفْظِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ فُلَانَةَ - قُبِلَ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ، وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، أُخْرِجَتِ الْمُطَلَّقَةُ بِالْقُرْعَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ، وَأَبُو ثَوْرٍ؛ وَلِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةُ فتدخله القرعة كَالْعِتْقِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْأَصْلُ بِقُرْعَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ الْعَبِيدِ السِّتَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ لِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَوَجَبَ تَعْيِينُهُ بِقُرْعَةٍ كَإِعْتَاقِ عَبِيدِهِ فِي مَرَضِهِ، وَكَالسَّفَرِ بِإِحْدَى نِسَائِهِ، وَكَالْمَنْسِيَّةِ، وَعَنْهُ: يُعَيِّنُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِيقَاعُهُ ابْتِدَاءً، وَيُعَيِّنُهُ، فَإِذَا أَوْقَعَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ - مَلَكَ تَعْيِينَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ مَا مَلَكَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يُطَلَّقْنَ جَمِيعًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إِلَى وَاحِدَةٍ فَلَمْ تُطَلَّقِ الْجَمِيعُ كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا. فَرْعٌ: لَا يَطَأُ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ الْقُرْعَةِ أَوِ التَّعْيِينِ، وَهَلْ وَطْءُ إِحْدَاهُمَا تَعْيِينٌ لِغَيْرِهَا؛ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَيْسَ تَعْيِينًا لِغَيْرِهَا، وَلَا يَقَعُ بِالتَّعْيِينِ، بَلْ يَتَبَيَّنُ وُقُوعُهُ فِي الْمَنْصُوصِ، فَإِنْ مَاتَ أَقْرَعَ الْوَرَثَةُ، فَمَنْ قُرِعَتْ لَمْ تُوَرَّثْ - نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 بِعَيْنِهَا وَأُنْسِيَهَا، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُ الَّتِي خَرَجَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ - رُدَّتْ إِلَيْهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ تَزَوَّجَتْ، أَوْ تَكُونُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ: تُطَلَّقُ الْمَرْأَتَانِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْقُرْعَةَ لَا   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ، أَوْ أَمَتِي حُرَّةٌ، وَنَوَى مُعَيَّنَةً - انْصَرَفَ إِلَيْهَا، وَإِنْ نَوَى مُبْهَمَةً فَهِيَ مُبْهَمَةٌ فِيهِنَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَالْمَذْهَبُ: تُطَلَّقُ نِسَاؤُهُ، وَتُعْتَقُ إِمَاؤُهُ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ الْمُضَافَ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] وَقَالَ الْجَمَاعَةُ: يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مُبْهَمَةٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَاحِدِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْجَمِيعِ إِلَّا مَجَازًا، وَلَوِ احْتُمِلَ وَجَبَ صَرْفُهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهَذَا أَصَحُّ. (وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا وَأُنْسِيَهَا، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) أَيْ: ذَهَبَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَأُنْسِيَهَا أَنَّهَا تُخْرَجُ بِالْقُرْعَةِ، قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ النِّسْيَانِ لَا تُعْلَمُ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُمَا، فَوَجَبَ أَنْ تُشْرَعَ الْقُرْعَةُ فِيهَا، وَحِينَئِذٍ تَجِبُ النَّفَقَةُ حَتَّى يُقْرِعَ، وَقَدْ رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تُسْتَعْمَلُ هُنَا لِمَعْرِفَةِ الْحِلِّ، وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ لِبَيَانِ الْمِيرَاثِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا يَنْبَغِي أَنْ يُثْبَتَ الْحِلُّ بِالْقُرْعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَالْكَلَامُ إِذًا فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ فِي الْمَنْسِيَّةِ فِي التَّوْرِيثِ، الثَّانِي: اسْتِعْمَالُهَا فِي الْحِلِّ، فَالْأَوَّلُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ إِذَا تَسَاوَتْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ إِلَّا بِالْقُرْعَةِ - صَحَّ، كَالشُّرَكَاءِ فِي الْقِسْمَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهَا؛ لِأَنَّهَا اشْتَبَهَتْ زَوْجَتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، فَلَمْ تَحِلَّ إِحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ (وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُ الَّتِي خَرَجَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ - رُدَّتْ إِلَيْهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهَا غَيْرُ مُطَلَّقَةٍ، وَالْقُرْعَةُ لَيْسَتْ بِطَلَاقٍ وَلَا كِنَايَةٍ، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَكُنْ تَزَوَّجَتْ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ تَزَوَّجَتْ) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الزَّوْجِ الثَّانِي (أَوْ تَكُونُ) الْقُرْعَةُ (بِحُكْمِ حَاكِمٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ؛ لِأَنَّ قُرْعَةَ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا حُكْمٌ بِالتَّفْرِيقِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ رَفْعُ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 مَدْخَلَ لَهَا هَاهُنَا، وَتَحْرُمَانِ عَلَيْهِ جَمِيعًا، كَمَا لَوِ اشْتَبَهَتِ امْرَأَتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ. وَإِنْ طَارَ طَائِرٌ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ، فَهِيَ كَالْمَنْسِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَ حَمَامًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ -   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ تَأْثِيرًا فِي التَّحْرِيمِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ) وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ": (تُطَلَّقُ الْمَرْأَتَانِ) أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَحَقِيقَةٌ، وَأَمَّا الَّتِي خَرَجَتْ بِالْقُرْعَةِ فَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إِذَا وَقَعَ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهُ؛ وَلِأَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَتَرِثُهُ إِنْ مَاتَ وَلَا يَرِثُهَا، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَالْأَوْلَى بِالْقُرْعَةِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ فِي " الرِّعَايَةِ " عَلَى قَوْلِهِمَا: إِنْ مَاتَ قَبْلَهَا أَقْرَعَ الْوَرَثَةُ، فَمَنْ قُرِعَتْ لَمْ تَرِثْ، وَإِنْ مَاتَتَا، أَوْ إِحْدَاهُمَا قَبْلَهُ، فَمَنْ قُرِعَتْ لَمْ يَرِثْهَا مَعَ طَلَاقٍ بَائِنٍ (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ، وَهُوَ رِوَايَةُ (أَنَّ الْقُرْعَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا هَاهُنَا) أَيْ: فِي الْمُعَيَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا (وَتَحْرُمَانِ عَلَيْهِ جَمِيعًا، كَمَا لَوِ اشْتَبَهَتِ امْرَأَتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ) ؛ وَلِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تُزِيلُ حُكْمَ الْمُطَلَّقَةِ، وَلَا تَرْفَعُ الطَّلَاقَ عَمَّنْ وَقَعَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوِ ارْتَفَعَ لَمَا عَادَ إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ، وَفَارَقَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَقَّ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً لَا بِعَيْنِهَا، أَوْ بِعَيْنِهَا، ثُمَّ نَسِيَهَا، فَانْقَضَتْ عِدَّةُ الْجَمِيعِ، فَلَهُ نِكَاحُ خَامِسَةٍ قَبْلَ الْقُرْعَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَمَتَى عَلِمْنَاهَا بِعَيْنِهَا، فَعِدَّتُهَا مِنْ حِينِ طَلَّقَهَا، وَقِيلَ: مِنْ حِينِ التَّعْيِينِ، فَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ التَّعْيِينِ، فَعَلَى الْجَمِيعِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدَةٍ الْأَطْوَلُ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ. (وَإِنْ طَارَ طَائِرٌ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ) وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَهُ (فَهِيَ كَالْمَنْسِيَّةِ) ؛ لِأَنَّ الطَّائِرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمَنْ وُجِدَ شَرْطُ طَلَاقِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهَا، لَكِنْ لَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَالَ آخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَعْلَمَاهُ - لَمْ تُطَلَّقَا، وَحَرُمَ عَلَيْهِمَا الْوَطْءُ، إِلَّا مَعَ اعْتِقَادِ أَحَدِهِمَا خَطَأَ الْآخَرِ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَ حَمَامًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ - لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إِذَا لَمْ يُعْلَمْ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَيْرُهُمَا، فَلَا يَزُولُ يَقِينُ النِّكَاحِ بِالشَّكِّ فِي الْحِنْثِ، فَإِنِ ادَّعَتْ حِنْثَهُ، قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَالْيَقِينُ فِي جَانِبِهِ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إِذَا لَمْ يُعْلَمْ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ آخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَلَمْ يَعْلَمَاهُ، لَمْ يُعْتَقْ عَبْدُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدَ الْآخَرِ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَقُ الَّذِي اشْتَرَاهُ.   [المبدع في شرح المقنع] آخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَلَمْ يَعْلَمَاهُ، لَمْ يُعْتَقْ عَبْدٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الْعَبْدَانِ لِوَاحِدٍ؛ وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ زَوَالُ رِقِّهِ عَنْ أَحَدِهِمَا فَلِذَلِكَ شُرِعَتِ الْقُرْعَةُ. (وَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدَ الْآخَرِ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ الْعَبْدَيْنِ صَارَا لَهُ، وَقَدْ عُلِمَ عِتْقُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، فَيُعْتَقُ لِقُرْعَةٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَقَرَّ أَنَّ الْحَانِثَ صَاحِبُهُ، فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ. (وَقَالَ الْقَاضِي) وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (يَعْتِقُ الَّذِي اشْتَرَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حِنْثَ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي حِنْثَ رَفِيقِهِ فِي الْحَلِفِ، فَيَكُونُ مُقِرًّا بِحُرِّيَّتِهِ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ وَجَبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ، وَلَمْ يُفَرِّقِ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَ مَا إِذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ حِنْثَ نَفْسِهِ، وَبَيْنَ شِرَائِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْكِرَ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي " الْمُغْنِي "، وَقَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا يُعْتَقُ إِذَا تَكَاذَبَا، وَإِلَّا أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَوَلَاءُ الْمَبِيعِ إِنْ عُتِقَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ: لِلْمُشْتَرِي. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ الْحَالِفُ وَاحِدًا، فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَأَمَتِي حُرَّةٌ - عُتِقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، فَإِنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ الَّذِي عُتِقَ، أَوِ ادَّعَى ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - قُبِلَ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا قَالَ: إِنْ كَانَ غُرَابًا فَنِسَاؤُهُ طَوَالِقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَبِيدُهُ أَحْرَارٌ، وَجَهِلَ، أَقْرَعَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ، وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْكُلِّ قَبْلَهَا، فَإِنِ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ عُتِقَ، قُبِلَ قَوْلُ السَّيِّدِ، وَفِي يَمِينِهِ وَجْهَانِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: يُسْتَحْلَفُ، فَنَكَلَ، قَضَى عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ غُرَابًا أَوْ غَيْرَ غُرَابٍ، قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ، أَقْرَعَ الْوَرَثَةُ، وَقِيلَ: لَهُمُ التَّعْيِينُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، أَوْ سَلْمَى طَالِقٌ، وَاسْمُ امْرَأَتِهِ سَلْمَى - طُلِّقَتِ امْرَأَتُهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ لَمْ تُطَلَّقِ امْرَأَتُهُ، وَإِنِ ادَّعَى ذَلِكَ، دِينَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ نَادَى امْرَأَتَهُ، فَأَجَابَتْهُ امْرَأَةٌ لَهُ أُخْرَى، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ - يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ - طُلِّقَتَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى: تُطَلَّقُ الَّتِي نَادَاهَا،   [المبدع في شرح المقنع] مَسْأَلَةٌ: إِذَا زَوَّجَ بِنْتًا مِنْ ثَلَاثٍ، ثُمَّ مَاتَ، وَجُهِلَتْ، حُرِّمْنَ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَحَنْبَلٌ: تُخْرَجُ بِقُرْعَةٍ، قَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: وَكَذَا يَجِيءُ إِذَا اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ مَا لَوِ اخْتَلَطَ مِلْكُهُ بِمِلْكٍ لِأَجْنَبِيٍّ مَا لَوِ اخْتَلَطَ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اخْتَلَطَ عَبْدُهُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ لَمْ يُقْرَعْ. [إِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ] (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، أَوْ سَلْمَى طَالِقٌ، وَاسْمُ امْرَأَتِهِ سَلْمَى - طُلِّقَتِ امْرَأَتُهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ كَلَامِ الْمُكَلَّفِ دُونَ إِلْغَائِهِ، فَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى إِحْدَى امْرَأَتَيْنِ، وَإِحْدَاهُمَا زَوْجَتُهُ، أَوْ إِلَى اسْمٍ وَزَوْجَتُهُ مُسَمَّاةٌ بِذَلِكَ، وَجَبَ صَرْفُهُ إِلَى امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصْرَفْ إِلَيْهَا لَوَقَعَ لَغْوًا (فَإِنْ أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ لَمْ تُطَلَّقِ امْرَأَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِطَلَاقِهَا، وَلَا لَفَظَ بِمَا يَقْتَضِيهِ، وَلَا نَوَاهُ، فَوَجَبَ بَقَاءُ نِكَاحِهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ (وَإِنِ ادَّعَى ذَلِكَ، دِينَ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ غَيْرَ زَوْجَتِهِ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِطَلَاقِهِ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِمَا قُلْنَا، وَعَلَى الْأُولَى إِذَا كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إِرَادَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، مِثْلَ أَنْ يَدْفَعَ بِيَمِينِهِ ظُلْمًا، أَوْ يَتَخَلَّصَ بِهَا مِنْ مَكْرُوهٍ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ فِيمَنْ لَهُ امْرَأَتَانِ اسْمُهُمَا وَاحِدٌ، مَاتَتْ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَ: فُلَانَةٌ طَالِقٌ - يَنْوِي الْمَيِّتَةَ - فَقَالَ: الْمَيِّتَةُ تُطَلَّقُ! . كَأَنَّ أَحْمَدَ أَرَادَ لَا يُصَدَّقُ حُكْمًا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " خِلَافٌ فِي قَوْلِهِ لَهَا وَلِرَجُلٍ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ زَوْجَتَهُ وَلَا الْأَجْنَبِيَّةَ، طُلِّقَتْ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ. (وَإِنْ نَادَى امْرَأَتَهُ، فَأَجَابَتْهُ امْرَأَةٌ لَهُ أُخْرَى، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ - يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ - طُلِّقَتَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ؛ لِأَنَّهَا خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ، فَطُلِّقَتْ كَمَا لَوْ قَصَدَهَا (وَالْأُخْرَى: تُطَلَّقُ الَّتِي نَادَاهَا) فَقَطْ، قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، و" الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 وَإِنْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا غَيْرُهَا، وَأَرَدْتُ طَلَاقَ الْمُنَادَاةِ، طُلِّقَتَا مَعًا، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ طَلَاقَ الثَّانِيَةِ - طُلِّقَتْ وَحْدَهَا. وَإِنْ لَقِيَ أَجْنَبِيَّةً ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: فُلَانَةُ، أَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتِ امْرَأَتُهُ.   [المبدع في شرح المقنع] قَدْ تَعَلَّقَ بِخِطَابِهِ الْمُنَادَاةَ، وَلَيْسَتِ الْأُخْرَى مُنَادَاةً؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهَا بِالطَّلَاقِ فَلَمْ تُطَلَّقْ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: طَاهِرٌ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ كَلَامُ أَحْمَدَ أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ. (وَإِنْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا غَيْرُهَا، وَأَرَدْتُ طَلَاقَ الْمُنَادَاةِ، طُلِّقَتَا مَعًا) فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمُنَادَاةَ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا لَفْظُ الطَّلَاقِ وَنِيَّتُهُ، وَالْمُجِيبَةُ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا بِخِطَابِهَا بِالطَّلَاقِ (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ طَلَاقَ الثَّانِيَةِ - طُلِّقَتْ وَحْدَهَا) ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ، وَنَوَاهَا بِهِ، وَلَا تُطَلَّقُ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ غَيْرُ مُوَجَّهٍ إِلَيْهَا، وَلَا هِيَ مَنْوِيَّةٌ. (وَإِنْ لَقِيَ أَجْنَبِيَّةً ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: فُلَانَةُ، أَنْتِ طَالِقٌ) هَذَا قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تُطَلَّقُ إِذَا سَمَّى زَوْجَتَهُ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَقَعُ لِقَوْلِهِ: (طُلِّقَتِ امْرَأَتُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ زَوْجَتَهُ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ، كَمَا لَوْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَأَرَدْتُ طَلَاقَ زَوْجَتِي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْهَا بِالطَّلَاقِ، وَكَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَإِنْ لَقِيَ امْرَأَتَهُ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَهَلْ تُطَلَّقُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ هُمَا أَصْلُ الْمَسَائِلِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَكَذَا الْعِتْقُ. قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ قَالَ: يَا غُلَامُ أَنْتَ حُرٌّ -: يُعْتَقُ عَبْدُهُ الَّذِي نَوَى، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ ": أَوْ نَسِيَ أَنَّ لَهُ عَبْدًا أَوْ زَوْجَةً فَبَانَ لَهُ. فَرْعٌ: إِذَا لَقِيَ امْرَأَتَهُ - يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً - فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: تَنَحِّي يَا مُطَلَّقَةُ، أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ - يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً -: تَنَحِّي يَا حُرَّةُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُمَا بِذَلِكَ، فَلَمْ يَقَعْ بِهِمَا شَيْءٌ كَسَبْقِ اللِّسَانِ، وَيَخْرُجُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُمَا يَقَعَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَقَعَ الْعِتْقُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ مُخَاطَبَةُ مَنْ لَا يَعْرِفُهَا بِقَوْلِهِ: يَا حُرَّةُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا تُطَلَّقُ. تَذْنِيبٌ: إِذَا أَوْقَعَ كَلِمَةً وَجَهِلَهَا، هَلْ هِيَ طَلَاقٌ أَوْ ظِهَارٌ؛ فَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهَا تَخْرُجُ الْمُطَلَّقَةُ بِهَا، فَكَذَا أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ، وَقِيلَ: لَغْوٌ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُنُونِ " كَمَنِيٍّ فِي ثَوْبٍ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ مَنْ حَلَفَ يَمِينًا، ثُمَّ جَهِلَهَا، يُرِيدُ أَنَّهُ لَغْوٌ، فِي قَوْلِ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ قَالَ لَهُ: حَلَفْتُ بِيَمِينٍ لَا أَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ هِيَ، قَالَ: لَيْتَ أَنَّكَ إِذَا دَرَيْتَ دَرَيْتُ أَنَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 كِتَابُ الرَّجْعَةِ إِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ امْرَأَتَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَالْعَبْدُ وَاحِدَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ -   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الرَّجْعَةِ] [تَعْرِيفُ الرجعة وَحُكْمُهَا] ِ الرَّجْعَةُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْكَسْرُ أَكْثَرُ، وَهِيَ لُغَةٌ: الْمَرَّةُ مِنَ الرُّجُوعِ، وَشَرْعًا: عِبَارَةٌ عَنْ إِعَادَةِ مُطَلَّقَةٍ غَيْرِ بَائِنٍ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: 228] أَيْ: رَجْعَةً، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْعُلَمَاءُ، وقَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] فَخَاطَبَ الْأَزْوَاجَ بِالْأَمْرِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُنَّ اخْتِيَارًا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، «وَطَلَّقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (إِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ امْرَأَتَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَالْعَبْدُ وَاحِدَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ - فَلَهُ رَجْعَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَإِذَا فُقِدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 فَلَهُ رَجْعَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ. وَأَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ: رَاجَعْتُ امْرَأَتِي، أَوْ رَجَّعْتُهَا، أَوِ ارْتَجَعْتُهَا، أَوْ رَدَدْتُهَا، أَوْ أَمْسَكْتُهَا، فَإِنْ قَالَ: نَكَحْتُهَا، أَوْ تَزَوَّجْتُهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْإِشْهَادُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] قَيْدٌ مِنْهَا لَمْ يَمْلِكِ الرَّجْعَةَ، فَالْأَوَّلُ يَحْتَرِزُ عَنْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا رَجْعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَلَا تَرَبُّصَ فِي حَقِّهَا بِرَجْعَتِهَا فِيهِ، وَبِالثَّانِي عَنِ الْمُطَلَّقَةِ تَمَامَ الْعَدَدِ، وَبِالثَّالِثِ عَنِ الْخُلْعِ وَنَحْوِهِ، وَبِالرَّابِعِ عَنِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْخُلْوَةَ هُنَا كَالدُّخُولِ، وَقِيلَ: لَا رَجْعَةَ لِمَنْ خَلَا بِهَا وَلَمْ يَطَأْ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ (رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ) لِعُمُومِ الْمَنْصُوصِ؛ وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ إِمْسَاكٌ لِلْمَرْأَةِ بِحُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا فِي ذَلِكَ، كَالَّذِي فِي صُلْبِ نِكَاحِهِ، وَلَوْ بِلَا إِذَنِ سَيِّدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ مَرِيضًا مُسَافِرًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُمَكَّنُ مِنَ الرَّجْعَةِ إِلَّا مَنْ أَرَادَ إِصْلَاحًا، وَأَمْسَكَ بِمَعْرُوفِ، وَظَاهِرُهُ: لِلْحُرِّ رَجْعَةُ أَمَةٍ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَشَرْطُ الْمُرْتَجِعِ: أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِالْأَهْلِيَّةِ الْمُرْتَدُّ، وَبِنَفْسِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، وَلَوْ طَلَّقَ فَجُنَّ، فَلِوَلِيِّهِ الرَّجْعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ، فَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ بَعْضَ الْوَلَدِ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَضَعْ جَمِيعَ حَمْلِهَا، فَإِذَا كَانَتْ حَامِلًا بِاثْنَيْنِ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا قَبْلَ وَضْعِ الثَّانِي فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْأَوَّلِ. [أَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ] (وَأَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ: رَاجَعْتُ امْرَأَتِي، أَوْ رَجَّعْتُهَا، أَوِ ارْتَجَعْتُهَا، أَوْ رَدَدْتُهَا، أَوْ أَمْسَكْتُهَا) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَالرَّجْعَةُ وَرَدَ بِهَا السُّنَّةُ، وَاشْتَهَرَتْ فِي الْعُرْفِ كَاشْتِهَارِ اسْمِ الطَّلَاقِ فِيهِ، وَقِيلَ: الصَّرِيحُ لَفْظُهَا؛ لِاشْتِهَارِهِ دُونَ غَيْرِهِ، كَقَوْلِنَا فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " تَخْرِيجًا، وَذَكَرَ الْحُلْوَانِيُّ أَلْفَاظَهَا الصَّرِيحَةَ ثَلَاثَةً: أَمْسَكْتُكِ، وَرَاجَعْتُكِ، وَارْتَجَعْتُكِ (فَإِنْ قَالَ: نَكَحْتُهَا، أَوْ تَزَوَّجْتُهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَفِي " الْإِيضَاحِ " رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَا تَحْصُلُ بِذَلِكَ، قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ، وَالرَّجْعَةُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ، فَلَا تَحْصُلُ بِالْكِنَايَةِ كَالنِّكَاحِ. وَالثَّانِي: بَلَى، أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ تُبَاحُ بِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 وَالرَّجْعِيَّةُ: زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ، وَالظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ، وَيُبَاحُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا،   [المبدع في شرح المقنع] فَالرَّجْعِيَّةُ أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا يُحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الرَّجْعَةَ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ "، و" التَّبْصِرَةِ "، و" الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ مَا كَانَ كِنَايَةً تُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " هَلْ يَحْصُلُ بِكِنَايَةِ: أَعَدْتُكِ، أَوِ اسْتَدَمْتُكِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَحْصُلُ بِكِنَايَةِ رَجْعَةٍ. [الْإِشْهَادُ فِيهَا] (وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْإِشْهَادُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ، قَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ بِضْعٍ مَقْصُودٍ، فَوَجَبَتِ الشَّهَادَةُ فِيهِ كَالنِّكَاحِ، فَلَوِ ارْتَجَعَ بِغَيْرِ إِشْهَادٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَشْهَدَ، وَأَوْصَى الشُّهُودَ بِكِتْمَانِهَا، فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَخْرُجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي التَّوَاصِي بِكِتْمَانِ النِّكَاحِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَرَجَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولٍ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى شَهَادَةٍ كَسَائِرِ حُقُوقِ الزَّوْجِ؛ وَلِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوَلِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ كَالْبَيْعِ، وَإِذا يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِشْهَادَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ مُسْتَحَبٌّ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا عِنْدَهَا حِذَارًا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَمَا قِيلَ: إِنَّهَا اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ، فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، إِذِ الرَّجْعَةُ مُبَاحَةٌ، وَجَعَلَ الْمَجْدُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِالْوَطْءِ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ كَالْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ " يُطْلِقُونَ الْخِلَافَ، وَأَلْزَمَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِإِعْلَانِ الرَّجْعَةِ وَالتَّسْرِيحِ، أَوِ الْإِشْهَادِ، كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ عِنْدَهُ، لَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْفِرْقَةِ، وَلِئَلَّا يُكْتَمَ طَلَاقُهَا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقُولَ: اشْهَدَا عَلَيَّ أَنِّي قَدْ رَاجَعْتُ زَوْجَتِي إِلَى نِكَاحِي، أَوْ رَاجَعْتُهَا لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقِي. [بِمَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ] (وَالرَّجْعِيَّةُ: زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ، وَالظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ) وَيَرِثُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 وَالْخُلْوَةُ بِهَا، وَالسَّفَرُ بِهَا، وَلَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ وَتَتَشَرَّفَ لَهُ، وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا - نَوَى الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَلَا تَحْصُلُ بِمُبَاشَرَتِهَا، وَالنَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا، وَالْخُلْوَةِ بِهَا لِشَهْوَةٍ - نَصَّ عَلَيْهِ، وَخَرَّجَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَعَنْهُ: لَيْسَتْ مُبَاحَةً،   [المبدع في شرح المقنع] مَاتَ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْهَا، فَإِنْ خَالَعَهَا صَحَّ خُلْعُهُ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ حَكَاهَا فِي " التَّرْغِيبِ ": لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّحْرِيمِ وهي محرمة، وَجَوَابُهُ: أَنَّهَا زَوْجَةٌ يَصِحُّ طَلَاقُهَا، فَصَحَّ خُلْعُهَا كَمَا قُبِلَ الطَّلَاقُ، وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْخُلْعِ التَّحْرِيمُ، بَلِ الْخَلَاصُ مِنْ ضَرَرِ الزَّوْجِ، عَلَى أَنَّنَا نَمْنَعُ كَوْنَهُ مَحْرَمَةً، وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَالزَّوْجَةِ. (وَيُبَاحُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا، وَالْخُلْوَةُ، وَالسَّفَرُ بِهَا، وَلَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ وَتَتَشَرَّفَ لَهُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: لَا تَحْتَجِبْ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: تَتَشَرَّفُ لَهُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ كَمَا قَبْلَ الطَّلَاقُ (وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا - نَوَى الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ زَوَالِ الْمِلْكِ، انْعَقَدَ مَعَ الْخِيَارِ، وَالْوَطْءُ مِنَ الْمَالِكِ يُمْنَعُ زَوَالُهُ كَوَطْءِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَكَمَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّوْكِيلُ فِي طَلَاقِهَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تَكُونُ رَجْعَةٌ إِذَا أَرَادَ بِهِ الرَّجْعَةَ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ (وَلَا تَحْصُلُ بِمُبَاشَرَتِهَا، وَالنَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا، وَالْخُلْوَةِ بِهَا لِشَهْوَةٍ - نَصَّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْوَطْءِ، إِذِ الْوَطْءُ يَدُلُّ عَلَى ارْتِجَاعِهَا دَلَالَةً ظَاهِرَةً بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَحْرُمُ مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَالْحِلُّ مِنَ الزَّوْجَةِ، فَحَصَلَتْ بِهِ الرَّجْعَةُ كَالِاسْتِمْتَاعِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لِلْأَمَةِ، وَكَاللَّمْسِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ (وَخَرَّجَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ) مَبْنِيَّيْنِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِهِ، أَحَدُهُمَا: هُوَ رَجْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ يُبَاحُ بِالزَّوْجَةِ، فَحَصَلَتِ الرَّجْعَةُ بِهِ كَالْوَطْءِ، وَالثَّانِي: لَيْسَ بِرَجْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إِيجَابُ عِدَّةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 وَلَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا، وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ فَلَهَا الْمَهْرُ إِنْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا بَعْدَهُ. وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِشَرْطٍ، وَلَا الِارْتِجَاعُ فِي الرِّدَّةِ، وَإِنْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَالْأَمَةُ مِنَ الْحَيْضَتَيْنِ، وَلَمَّا تَغْتَسِلْ - فَهَلْ لَهُ رَجْعَتُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَلَا مَهْرٍ، فَلَا تَحْصُلُ بِهِ كَالْوَطْءِ (وَعَنْهُ: لَيْسَتْ مُبَاحَةً) ؛ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ، فَوَجَبَ عَدَمُ إِبَاحَتِهَا كَالْمُطَلَّقَةِ بِعِوَضٍ (وَلَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا) بَلْ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ أُمِرَ بِالْإِشْهَادِ فِيهِ، فَلَمْ يَحْصُلْ مِنَ الْقَادِرِ بِغَيْرِ قَوْلٍ كَالنِّكَاحِ؛ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْقَوْلِ فِعْلٌ مِنْ قَادِرٍ عَلَى الْقَوْلِ، فَلَمْ تَحْصُلِ الرَّجْعَةُ بِهِ، كَالْإِشَارَةِ مِنَ النَّاطِقِ، فَعَلَيْهَا لَا مَهْرَ لَهَا (وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ فَلَهَا الْمَهْرُ) ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَّمَهُ الطَّلَاقُ، فَأَوْجَبَ الْمَهْرُ كَوَطْءِ الْبَائِنِ (إِنْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا بَعْدَهُ) وَقَالَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا بَعْدَهُ تَبَيَّنَّا أَنَّ الطَّلَاقَ السَّابِقَ لَمْ يَكُنْ مُفْضِيًا إِلَى الْبَيْنُونَةِ، فَوَجَبَ أَلَّا يَكُونَ مُحَرَّمًا، فَلَا يَكُونُ مُوجَبًا، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا مُهْرَ بِوَطْئِهَا، فَلَزِمَهُ، سَوَاءٌ رَجَعَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَتَهُ الَّتِي يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ مَهْرُهَا كَالزَّوْجَاتِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِظُهُورِ الْفَرْقِ، فَإِنَّ الْبَائِنَ لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ، وَهَذِهِ زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ. فَرْعٌ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْوَطْءِ، وَهَلْ يُعَزَّرُ؛ فِيهِ خِلَافٌ. [تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِشَرْطٍ] (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِشَرْطٍ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ فَرْجٍ مَقْصُودٍ، أَشْبَهَ النِّكَاحَ، فَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَقَدْ رَاجَعْتُكِ، أَوْ رَاجَعْتُكِ إِنْ شِئْتُ، أَوْ إِنْ قَدِمَ أَبُوكِ - لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ، لَكِنْ لَوْ قَالَ: كُلَّمَا رَاجَعْتُكِ فَقَدْ طَلَّقْتُكِ - صَحَّ وَطُلِّقَتْ (وَلَا الِارْتِجَاعُ فِي الرِّدَّةِ) أَيْ: إِذَا رَاجَعَ فِي الرِّدَّةِ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ، كَالنِّكَاحِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ قُلْنَا: تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِهَا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ؛ فَالرَّجْعَةُ مَوْقُوفَةٌ إِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا - صَحَّتِ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا يَقِفُ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَكَذَا إِذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ إِسْلَامِ أَحَدِهِمَا. [إِنْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمَّا تَغْتَسِلْ] (وَإِنْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَالْأَمَةُ مِنَ الْحَيْضَتَيْنِ، وَلَمَّا تَغْتَسِلْ، فَهَلْ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 وَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا، بَانَتْ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَتَعُودُ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ طَلَاقِهَا، سَوَاءً رجعت بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ غَيْرِهِ، أَوْ قَبْلَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] رَجْعَتُهَا؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ذَكَرَهُمَا ابْنُ حَامِدٍ، إِحْدَاهُمَا: لَا تَنْقَضِي حَتَّى تَغْتَسِلَ، وَلِزَوْجِهَا رَجْعَتُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، قَدَّمَهَا السَّامِرِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ، وَهِيَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْحَابِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَقَالَهُ شَرِيكٌ، وَإِنْ فَرَّطَتْ فِي الْغُسْلِ عِشْرِينَ سَنَةً؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ - فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِ الْحَيْضِ لَا تَزُولُ إِلَّا بِالْغَسْلِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا تَنْقَضِي بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ، اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَالْحُلْوَانِيُّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهِيَ أَوْلَى، وَفِي " الْوَجِيزِ ": وَالصَّحِيحُ: مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَالْقُرْءُ: الْحَيْضُ، وَقَدْ زَالَتْ، فَيَزُولُ التَّرَبُّصُ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ: حَتَّى تَغْتَسِلَ أَيْ: يَلْزَمُهَا الْغَسْلُ؛ وَلِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يَتَعَلَّقُ بِبَيْنُونَتِهَا مِنَ الزَّوْجِ، وَحَلِّهَا لِغَيْرِهِ، فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِفِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ تَعْلِيقِ الزَّوْجِ، كَالطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَتِ الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا بَعْدَ وَضْعِهِ وَقَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنَ النِّفَاسِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَهُ رَجْعَتُهَا عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَالصَّحِيحُ لَا نَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ طَهُرَتْ مِنَ النِّفَاسِ أَمْ لَا. [إِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا] (وَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا، بَانَتْ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) بِشُرُوطِهِ بِالْإِجْمَاعِ (وَتَعُودُ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ طَلَاقِهَا، سَوَاءٌ رجعت بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ غَيْرِهِ، أَوْ قَبْلَهُ) وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهَا إِذَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ زَوْجٍ ثَانٍ فَإِنَّهَا تَعُودُ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، وَإِنْ عَادَتْ إِلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، وَكَانَ الْأَوَّلَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا - عَادَتْ إِلَيْهِ بِطَلَاقٍ ثَلَاثًا إِجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ، فَأَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهَا تَعُودُ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعِمْرَانَ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا فِي الْإِحْلَالِ لِلْأَوَّلِ، فَلَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الطَّلَاقِ كَوَطْءِ السَّيِّدِ، وَكَمَا لَوْ عَادَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ نِكَاحٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 وَعَنْهُ: إِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ غَيْرِهِ رَجَعَتْ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ، وَإِنِ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ مَنْ أَصَابَهَا - رُدَّتْ إِلَيْهِ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَعَنْهُ: أَنَّهَا زَوْجَةُ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِرَجْعَتِهَا لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ لَكِنْ إِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ الثَّانِي بَانَتْ مِنْهُ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ   [المبدع في شرح المقنع] آخَرَ. (وَعَنْهُ: إِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجٍ غَيْرِهِ رَجَعَتْ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ) وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي يَهْدِمُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ، فَأَوْلَى أَنْ يَهْدِمَ مَا دُونَهَا؛ وَلِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي سَبَبٌ لِلْحِلِّ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحِلُّ؛ لِأَنَّهُ فِي الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ غَايَةٌ لِلتَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا تَجَوُّزًا؛ وَلِأَنَّ الْحِلَّ إِنَّمَا يَثْبُتُ فِي مَحَلٍّ فِيهِ تَحْرِيمٌ، وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، وَهَاهُنَا هِيَ حَلَالٌ لَهُ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا حِلٌّ. [إِنِ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ] (وَإِنِ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ مَنْ أَصَابَهَا - رُدَّتْ إِلَيْهِ) وَحَاصِلُهُ: أَنَّ زَوْجَ الرَّجْعِيَّةِ إِذَا رَاجَعَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، صَحَّتِ الْمُرَاجَعَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى رِضَاهَا، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى عِلْمِهَا كَطَلَاقِهَا، فَإِذَا رَاجَعَهَا وَلَمْ تَعْلَمْ، فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ جَاءَ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَأنَّ نِكَاحَ الثَّانِي فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ غَيْرِهِ، وَتُرَدُّ إِلَى الْأَوَّلِ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي أَوْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا رَجْعَةٌ صَحِيحَةٌ، وَتَزَوَّجَتْ وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا (وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) مِنَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وُطِئَتْ فِي أَصْلِ نِكَاحِهِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا زَوْجَةُ الثَّانِي) إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَيَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَوَّلِ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقَدَ عَلَيْهَا، وَهِيَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا فِي الظَّاهِرِ، وَمَعَ الثَّانِي مِزْيَةٌ، وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلِ الثَّانِي بِهَا فَلَا مَهْرَ، وَإِنْ دَخَلَ فَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنَّهَا تُرَدُّ إِلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِالرَّجْعَةِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، وَحُكْمُ الْعَالِمِ كَالزَّانِي فِي الْحَدِّ وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِرَجْعَتِهَا لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمُ» الْخَبَرَ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ، فَإِذَا اعْتَرَفَا لَهُ بِهَا كَانَ كَإِقَامَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ تَصْدِيقُهَا، وَمَتَى بَانَتْ مِنْهُ، عَادَتْ إِلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ جَدِيدٍ.   [المبدع في شرح المقنع] الْبَيِّنَةِ بِهَا فِي أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَيْهِ (لَكِنْ إِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ الثَّانِي بَانَتْ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِفَسَادِ نِكَاحِهِ، فَتَبِينُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، أَوْ نِصْفُهُ، وَلَا تُسَلَّمُ إِلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ فِي حَقِّهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَفِي الْيَمِينِ وَجْهَانِ، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّهَا لَا تُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ لَمْ يُقْبَلْ. (وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ تَصْدِيقُهَا) عَلَى الزَّوْجِ إِذَا أَنْكَرَ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ عَلَى نَفْسِهَا فِي حَقِّهَا، وَلَا يُسْتَحْلَفُ الزَّوْجُ الثَّانِي فِي وَجْهٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى فِي النِّكَاحِ، وَالثَّانِي: بَلَى، وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيُّ؛ لِلْعُمُومِ، وَعَلَى هَذَا يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ (وَمَتَى بَانَتْ مِنْهُ) بِمَوْتٍ، أَوْ طَلَاقٍ، أَوْ فَسْخٍ (عَادَتْ إِلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ جَدِيدٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ رَدِّهَا إِنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الثَّانِي، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهَا مَهْرُ الْأَوَّلِ إِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": إِنْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يُقْبَلْ، إِلَّا أَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ عَلَيْهَا الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَشْبَهَ شُهُودَ الطَّلَاقِ إِذَا رَجَعُوا، وَلَنَا أَنَّ مِلْكَهَا قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَى الْمَهْرِ، فَلَمْ يُرْجَعْ بِهِ عَلَيْهَا كَمَا لَوِ ارْتَدَّتْ أَوْ أَسْلَمَتْ، وَيَلْزَمُهَا الثَّانِي مَهْرُهَا أَوْ نِصْفُهُ، وَهَلْ يُؤْمَرُ بِطَلَاقِهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ، وَهِيَ فِي نِكَاحِ الثَّانِي - وَرِثَتْهُ؛ لِإِقْرَارِهِ بِزَوْجِيَّتِهَا وَتَصْدِيقِهَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي إِبْطَالِ نِكَاحِهِ، وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ صِحَّةَ نِكَاحِهِ، فَتُنْكِرُ مِيرَاثَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ وَرِثَهَا؛ لِأَنَّهُ زَوْجُهَا فِي الْحُكْمِ، مِنْ إِبَاحَةِ النَّظَرِ، وَالْوَطْءِ، وَكَذَا فِي الْمِيرَاثِ. فَرْعٌ: إِذَا تَزَوَّجَتِ الرَّجْعِيَّةُ فِي عِدَّتِهَا، وَحَمَلَتْ مِنَ الثَّانِي، انْقَطَعَتْ عِدَّةُ الْأَوَّلِ، فَإِذَا وَضَعَتْ، أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ، وَلَهُ رَجْعَتُهَا فِي هَذَا التَّمَامِ وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ رَاجَعَهَا قَبْلَ الْوَضْعِ صَحَّتْ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ بَاقِيَةٌ، وَإِنَّمَا انْقَطَعَتْ لِعَارِضٍ، كَمَا لَوْ وَطِئَتْ فِي صُلْبِ نِكَاحِهِ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَعَلَى الثَّانِي لَوْ حَمَلَتْ حَمْلًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا، وَرَاجَعَهَا فِي هَذَا الْحَمْلِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مِنَ الثَّانِي - لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ بَانَ مِنَ الْأَوَّلِ، صَحَّتْ عَلَى أَصَحِّ الِاحْتِمَالَيْنِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 فَصْلٌ وَإِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا، قُبِلَ قَوْلُهَا إِذَا كَانَ مُمْكِنًا، إِلَّا أَنْ تَدْعِيهِ بِالْحَيْضِ فِي شَهْرٍ، فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ مِنَ الْإقْرَاءِ: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، إِذَا قُلْنَا: الْإقْرَاءُ: الْحيضُ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِنْ قُلْنَا: الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ،   [المبدع في شرح المقنع] [إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ عَدَّتِهَا] فَصْلٌ (وَإِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا) بِوِلَادَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا (قُبِلَ قَوْلُهَا إِذَا كَانَ مُمْكِنًا) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] أَيْ: مِنَ الْحَمْلِ، وَالْحَيْضِ، فَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهُنَّ مَقْبُولٌ، لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِنَّ كِتْمَانُهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيهِ كَالنِّيَّةِ، أَوْ أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهَا، فَقُبِلَ قَوْلُهَا فِيهِ، كَمَا يَجِبُ عَلَى التَّابِعِيِّ قَبُولُ خَبَرِ الصَّحَابِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِلَّا أَنْ تَدْعِيهِ بِالْحَيْضِ فِي شَهْرٍ، فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ شُرَيْحٍ: إِذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ، وَجَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ، فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَالُونْ، وَمَعْنَاهُ بِلِسَانِ الرُّومِيَّةِ: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ. وَلِأَنَّهُ يَنْدُرُ جِدًّا حُصُولُ ذَلِكَ فِي شَهْرٍ، فَيُعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ، بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ، وَكَخِلَافِ عَادَةٍ مُنْتَظِمَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهَا مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ، كَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، ذَكَرَهُ فِي " الْوَاضِحِ " و" الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ "، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْفَاسِقَةِ وَضِدِّهِمَا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَتِ: انْقَضَتْ عِدَّتِي، ثُمَّ قَالَ: مَا انْقَضَتْ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا، وَلَوْ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، ثُمَّ رَاجَعْتُهَا، ثُمَّ أَقَرَّتْ بِكَذِبِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ، وَادَّعَتْ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ - فَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَتْ بِهِ، وَقَدْ رَجَعَتْ عَنْهُ. 1 - (وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ) أَيْ: عِدَّةُ الْحُرَّةِ (مِنَ الْأَقْرَاءِ: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، إِذَا قُلْنَا: الْإقْرَاءُ: الْحيضُ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا) وَذَلِكَ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا مَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرُوءُ: الْأَطْهَارُ، فَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، وَإِنْ قُلْنَا: الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، وَإِذَا قَالَتِ: انْقَضَتْ عِدَّتِي،   [المبدع في شرح المقنع] آخِرِ الطُّهْرِ، ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ لَحْظَةً لِيُعْرَفَ بِهَا انْقِطَاعُ الْحَيْضِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ اللَّحْظَةُ مِنْ عِدَّتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِمَعْرِفَةِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ، وَمَنِ اعْتَبَرَ الْغُسْلَ، فَلَا بُدَّ مِنْ وَقْتٍ يُمْكِنُ الْغُسْلُ فِيهِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ (وَإِنْ قُلْنَا: الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ) ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَيْنِ يَزِيدَانِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ (وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرُوءُ: الْأَطْهَارُ، فَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ آخِرِ لَحْظَةٍ مِنْ طُهْرِهَا، فَيُحْسَبُ بِهِ قُرْءًا، ثُمَّ يُحْسَبُ طُهْرَيْنِ آخَرَيْنِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَبَيْنَهُمَا حَيْضَتَانِ، فَإِذَا طَغَتْ عَلَى الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لَحْظَةٌ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا (وَإِنْ قُلْنَا: الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) زِدْنَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِي الطُّهْرَيْنِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ أَمَةً، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": مَعَ بَيِّنَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى الثَّانِي بِسَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ، وَعَلَى الثَّالِثِ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ، وَعَلَى الرَّابِعِ بِسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ، فَمَتَى ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا عِنْدَ أَحَدٍ فِيمَا أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ صِدْقُهَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَتْ: انقضت عِدَّتِي بِوَضْعِ حَمْلٍ مُصَوَّرٍ وَأَمْكَنَ، صَدَقَتْ فِي الْمُضْغَةِ، وَفِي يَمِينِ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ رِوَايَتَانِ، فَإِذَا عَيَّنَا وَقْتَ حَيْضٍ، أَوْ وَضْعٍ، وَاخْتَلَفَا فِي سَبْقِ الطَّلَاقِ - قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْعِدَّةِ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُهَا، فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: عَلَيْهَا الْيَمِينُ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يَمِينَ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: لَا يَمِينَ فِي نِكَاحٍ وَلَا طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا يَصِحُّ بَذْلُهَا، فَلَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا كَالْحُدُودِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَإِنْ نَكَلَتْ عَنِ الْيَمِينِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُسْتَحْلَفَ الزَّوْجُ، وَلَهُ رَجْعَتُهَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ النُّكُولُ مِنْهَا ظَهَرَ صِدْقُهُ، وَقَوِيَ جَانِبُهُ، وَالْيَمِينُ تُشْرَعُ فِي حَقِّهِ كَمَا شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِالْعَيْنِ فِي الْيَدِ. 1 - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ رَاجَعْتُكِ، فَأَنْكَرَتْهُ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ سَبَقَ، فَقَالَ: ارْتَجَعْتُكِ، فَقَالَتْ: قَدِ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ تَدَاعَيَا مَعًا، قُدِّمَ قَوْلُهَا، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِذَا قَالَتِ: انْقَضَتْ عِدَّتِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ رَاجَعْتُكِ، فَأَنْكَرَتْهُ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَقْبُولٌ، فَصَارَتْ دَعْوَاهُ لِلرَّجْعَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ رَجْعَتَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَأَنْكَرَتْهُ، وَنَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ سَبَقَ، فَقَالَ: ارْتَجَعْتُكِ، فَقَالَتْ: قَدِ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ) فَأَنْكَرَهَا (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى الرَّجْعَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِانْقِضَائِهَا؛ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَقَدْ صَحَّتْ فِي الظَّاهِرِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إِبْطَالِهَا (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ) وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَاضِحِ " (الْقَوْلُ قَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْبَيْنُونَةُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ سَابِقًا قُبِلَ مَسْبُوقًا كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْأَصْحَابُ لِسَبْقِ الدَّعْوَى، هَلْ هُوَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَمْ لَا؛ (وَإِنْ تَدَاعَيَا مَعًا، قُدِّمَ قَوْلُهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ تَسَاقَطَ قَوْلُهُمَا مَعَ التَّسَاوِي، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ (وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ مُرَجِّحَةٌ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ بِدَلِيلِ الْإِمَامَةِ، وَالْأَذَانِ، وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي مَا يَرْفَعُ الطَّلَاقَ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ، كَالْمُؤْلِي وَالْعِنِّينِ إِذَا ادَّعَيَا إِصَابَةَ امْرَأَتِهِ وَأَنْكَرَتْهُ، وَحكي فِي " الْفُرُوعِ " الْأَقْوَال الثَّلَاثَة مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ " كَالْمُحَرَّرِ " فِي الْقَوْلَيْنِ الْمَحْكِيَّيْنِ هُنَا، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَكُنِ الْمَرْأَةُ قَدْ نُكِحَتْ، فَإِذَا نُكِحَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَادَّعَى الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً، أَوْ صَدَّقَاهُ، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ وَلَا بَيِّنَةَ، قُبِلَ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ وَكَذَّبَهُ الزَّوْجُ الثَّانِي، صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 فَصْلٌ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَيَطَؤُهَا فِي الْقُبُلِ، وَأَدْنَى   [المبدع في شرح المقنع] أَصْلٌ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِصَابَةِ، فَقَالَ: قَدْ أَصَبْتُكِ فَلِيَ الرَّجْعَةُ، فَأَنْكَرَتْهُ أَوْ قَالَتْ: قَدْ أَصَابَنِي فَلِيَ الْمَهْرُ - قُبِلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، فَلَا يَزُولُ إِلَّا بِيَقِينٍ، وَلَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرِ، وَادَّعَى إِصَابَتَهَا، فَأَنْكَرَتْهُ - لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ لَهَا بِهِ وَلَا يَدَّعِيهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُنْكِرُ، رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ، وَالْخُلْوَةُ كَالْإِصَابَةِ فِي إِثْبَاتِ الرَّجْعَةِ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي خَلَا بِهَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ يُصِيبَهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُصَابَةٍ، فَلَا تُسْتَحَقُّ رَجْعَتُهَا كَالَّتِي لَمْ يَخْلُ بِهَا. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، فَمَلَكَ رَجْعَتَهَا كَالَّتِي أَصَابَهَا. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ عِدَّتِهَا أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَأَنْكَرَتْهُ، وَصَدَّقَهُ مَوْلَاهَا - قُبِلَ قَوْلُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ عَلِمَ مَوْلَاهَا صِدْقَ الزَّوْجِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا تَزْوِيجُهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ هِيَ صِدْقَ الزَّوْجِ فِي رَجَعْتِهَا، فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى سَيِّدِهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهَا تَمْكِينُهُ مِنْ وَطْئِهَا إِلَّا مُكْرَهَةً كَمَا قُبِلَ الطَّلَاقُ. [إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ] فَصْلٌ (وَإِنْ طَلَّقَهَا) أَيِ: الْحُرُّ (ثَلَاثًا) وَالْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ، وَلَوْ عَبَّرَ كَـ " الْفُرُوعِ " بِقَوْلِهِ: مَنْ طَلَّقَ عَدَدَ طَلَاقِهِ لَكَانَ أَوْلَى (لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، وَحَدِيثُ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: إِذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا لَا يُرِيدُ بِهِ إِحْلَالًا، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَذَا إِلَّا الْخَوَارِجُ، وَلِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ: الْجِمَاعُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ حِلَّهَا لِلْأَوَّلِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 مَا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ، فَأَوْلَجَهُ، أَوْ وَطِئَهَا زَوْجٌ مُرَاهِقٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ - أَحَلَّهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ - لَمْ تَحِلَّ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] السَّيِّدُ فَلَا، وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا عَلَى الْمَذْهَبِ، فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا فَلَا، وَأَنْ يَطَأَهَا فِي الْفَرْجِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَطَؤُهَا فِي الْقُبُلِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى ذَوَاقِ الْعُسَيْلَةِ، وَلَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ (وَأَدْنَى مَا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ) مَعَ الِانْتِشَارِ (فِي الْفَرْجِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، فَلَوْ أَوْلَجَ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ لَمْ يُحِلَّهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِذَوَاقِ الْعُسَيْلَةِ، وَلَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ، وَلَيْسَ الْإِنْزَالُ شَرْطًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ ذَوَاقَ الْعُسَيْلَةِ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِدُونِ الْإِنْزَالِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا فِي الثَّيِّبِ، فَأَمَّا الْبِكْرُ فَأَدْنَاهُ أَنْ يَفْتَضَّهَا بِآلَتِهِ (وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ، فَأَوْلَجَهُ) أَحَلَّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَشَفَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهٌ: بَقِيَّتُهُ (أَوْ وَطِئَهَا زَوْجٌ مُرَاهِقٌ) أَحَلَّهَا فِي قَوْلِهِمْ، إِلَّا الْحَسَنَ؛ لِظَاهِرِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مِنْ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَشْبَهَ الْبَالِغَ، وَبِخِلَافِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ، وَلَا تُذَاقُ عُسَيْلَتُهُ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ فَصَاعِدًا، وَقَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا؛ لِأَنَّ مَنْ دُونَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ الْمُجَامَعَةُ، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُجَامِعِ، وَمَتَى أَمْكَنَهُ الْجِمَاعُ فَقَدَ وُجِدَ مِنْهُ الْمَقْصُودُ (أَوْ ذِمِّيٌّ، وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ، أَحَلَّهَا) لِمُطَلِّقِهَا الْمُسْلِمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هُوَ زَوْجٌ، وَبِهِ تَجِبُ الْمُلَاعَنَةُ وَالْقَسَمُ؛ وَلِظَاهِرِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مِنْ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَشْبَهَ وَطْءَ الْمُسْلِمِ (وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ - لَمْ تَحِلَّ) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ لَا تَذُوقُ بِهِ الْعُسَيْلَةَ، وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ وَطْءُ من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 وُطِئَتْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، لَمْ تَحِلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إِحْرَامٍ - أَحَلَّهَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُحِلُّهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، فَاشْتَرَاهَا   [المبدع في شرح المقنع] غير زَوْجٍ، فَلَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ، فَيَبْقَى عَلَى الْمَنْعِ (وَإِنْ وَطِئَتْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، لَمْ تَحِلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُطْلَقَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا يُحِلُّهَا؛ لِأَنَّهُ زَوْجٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ، وَسَمَّاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُحَلِّلًا مَعَ فَسَادِ نِكَاحِهِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَتَزَوَّجُ، فَتَزَوَّجَ تَزْوِيجًا فَاسِدًا - لَا يَحْنَثُ؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِ التَّزْوِيجِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيهِ مِنَ الْإِحْصَانِ، وَاللِّعَانِ، وَالظِّهَارِ وَنَحْوِهَا، وَسَمَّاهُ مُحَلِّلًا لِقَصْدِهِ التَّحْلِيلَ فِيمَا لَا يَحِلُّ، وَلَوْ أَحَلَّ حَقِيقَةً لَمَا لُعِنَ، وَلَا لُعِنَ الْمُحَلَّلُ لَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ» وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ نِكَاحٍ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ (وَإِنْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إِحْرَامٍ) أَوْ صَوْمٍ وَاجِبٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا (أَحَلَّهَا) فِي اخْتِيَارِ الْمُؤَلِّفِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِدُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ تَامٌّ فِي نِكَاحٍ تَامٍّ، فَأَحَلَّهَا، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا مَرِيضَةً يَضُرُّ بِهَا وَطْؤُهُ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي حِلِّهَا، قَالَهُ فِي " الْكَافِي "، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَوَطِئَهَا، وَكَمَا لَوْ وَطِئَهَا وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَمَسْجِدٍ، وَكَقَبْضِ مَهْرٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا لِمَعْنًى فِيهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ وَطْئِهَا فِي إِحْرَامٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ هُنَاكَ لِمَعْنًى فِيهَا، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " و" الْمُفْرَدَاتِ ": مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُحِلُّهَا) قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ حُرِّمَ لِحَقِّ اللَّهِ، فَلَمْ يُحِلُّهَا، كَوَطْءِ الْمُرْتَدَّةِ، أَوْ نِكَاحٍ بَاطِلٍ. 1 - مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا وَطِئَهَا فِي رِدَّتِهَا أَوْ رِدَّتِهِ لَمْ يُحِلَّهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَدْ وَقَعَ الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ غَيْرِ تَامٍّ؛ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْبَيْنُونَةِ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فِي الْعِدَّةِ، فَلَمْ يُصَادِفِ الْوَطْءُ نِكَاحًا، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَوَطِئَهَا قَبْلَ إِسْلَامِ الْآخَرِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 مُطَلِّقُهَا - لَمْ تَحِلَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَحِلَّ، وَإِنْ طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، سَوَاءٌ عُتِقَا، أَوْ بَقِيَا عَلَى الرِّقِّ، وَإِذَا غَابَ عَنْ مُطَلَّقَتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَا مَجْنُونَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَوَطِئَهَا، أَحَلَّهَا عَلَى المذهب لظاهر النَّصِّ، وَكَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُحِلُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَذُوقُ الْعُسَيْلَةَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الشَّهْوَةِ بِدَلِيلِ الْبَهَائِمِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَجْنونُ ذَاهِبُ الْحِسِّ كَالْمَصْرُوعِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَحْصُلِ الْحِلُّ بِوَطْئِهِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا وَطِئَ مُغْمًى عَلَيْهَا، أَوْ نَائِمَةً لَا تُحِسُّ بِوَطْئِهِ - لَمْ تَحِلَّ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَيُحْتَمَلُ حُصُولُ الْحِلِّ لِلْعُمُومِ، وَلَوْ وَطِئَهَا يَعْتَقِدُهَا أَجْنَبِيَّةً، فَإِذَا هِيَ امْرَأَتُهُ - حَلَّتْ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ نِكَاحًا صَحِيحًا. الرَّابِعَةُ: إِذَا اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ حَلَّتْ، وَقَدَّمَ فِي " الشَّرْحِ " خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذُقْ عُسَيْلَتَهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا مَعَ إِغْمَائِهِ - فَوَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ خَصْيًا، أَوْ مَسْلُولًا، أَوْ مَوْجُوءًا - حَلَّتْ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْآيَةِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَعَنْهُ: لَا لِعَدَمِ ذَوَقَانِ الْعُسَيْلَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَطَأُ كَالْفَحْلِ، وَلَمْ يَفْقِدْ إِلَّا الْإِنْزَالَ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْإِحْلَالِ. 1 - (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، فَاشْتَرَاهَا مُطَلِّقُهَا - لَمْ تَحِلَّ) نَصَّ عَلَيْهِ، رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ لِلْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ الْفَرْجَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا مُبَاحًا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَحِلَّ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَخْتَصُّ الزَّوْجِيَّةَ، فَأَثَّرَ فِي التَّحْرِيمِ. (وَإِنْ طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّ الطَّلَاقَ مُعْتَبَرٌ بِالرِّجَالِ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (سَوَاءً عُتِقَا، أَوْ بَقِيَا عَلَى الرِّقِّ) ؛ لِاسْتِوَاءِ حَالَيْنِ فِي السَّبَبِ الْمُقْتَضِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 ثَلَاثًا، فَأَتَتْهُ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا نَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا، أَوِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا، فَلَهُ نِكَاحُهَا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا، وَإِلَّا فَلَا..   [المبدع في شرح المقنع] لِلتَّحْرِيمِ قَبْلَ نِكَاحِ زَوْجٍ آخَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ اسْتِكْمَالُ الْعَدَدِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَالَتَيِ الْعِتْقِ بَعْدَ الرِّقِّ وَبَقَاءِ الرِّقِّ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِذَا عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَةٍ، مَلَكَ تَمَامَ الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: يَتَزَوَّجُهَا وَلَا يُبَالِي فِي الْعِدَّةِ عِتْقًا، أَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَفْتَى بِهِ، وَقَالَ: قَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ: لَا أَرَى شَيْئًا يَدْفَعُهُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ مُعْتَبٍ، عَنْ أَبِي حَسَنٍ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ، وَلَا يُعْرَفَانِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي عُمَرَ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَمَعْمَرٌ: لَقَدْ تَحَمَّلَ أَبُو حَسَنٍ هَذَا صَخْرَةً عَظِيمَةً، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ عُثْمَانَ وَزَيْدٍ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ جَيِّدٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ عُمَرُ بْنُ مُعْتَبٍ، وَلَا أَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَبُو حَسَنٍ فَهُوَ عِنْدِي مَعْرُوفٌ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ، فَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ وَزَيْدٍ، وَبِهِ أَقُولُ. فَرْعٌ: إِذَا عَلَّقَ ثَلَاثًا فِي الرِّقِّ بِشَرْطٍ، فَوُجِدَ بَعْدَ عِتْقِهِ - لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ، وَقِيلَ: ثِنْتَانِ، وَيَبْقَى لَهُ وَاحِدَةٌ، كَتَعْلِيقِهَا بِعِتْقِهِ فِي الْأَصَحِّ. 1 - (وَإِذَا غَابَ عَنْ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا، فَأَتَتْهُ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا نَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا، أَوِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا، فَلَهُ نِكَاحُهَا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا) الْمُطَلَّقَةُ الْمَبْتُوتَةُ إِذَا مَضَى بَعْدَ طَلَاقِهَا زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ انْقِضَاءُ عِدَّتَيْنِ، بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ وَوَطْءٌ، وَلَمْ يَرْجِعْ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا، مِثْلُ أَنْ يَعْرِفَ أَمَانَتَهَا، أَوْ بِخَبَرِ غَيْرِهَا مِمَّنْ يَعْرِفُ حَالَهَا، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهٌ: إِنْ كَانَتْ ثِقَةً، فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا، وَعَلَى مَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنْهَا، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْحَالِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهَا، فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِهَا، كَمَا لَوْ أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَا ذُكِرَ، وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا، فَلَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 .. .... .... .... ..   [المبدع في شرح المقنع] التَّحْرِيمُ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ حَالِهَا فَاسْقٌ، فَلَوْ كَذَّبَهَا الثَّانِي فِي وَطْءٍ، قُبِلَ قَوْلُهُ فِي تَنْصِيفِ مَهْرٍ، وَقَوْلُهَا فِي إِبَاحَتِهَا لِلْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ حَاضِرًا، وَفَارَقَهَا، وَادَّعَتْ إِصَابَتَهُ وَهُوَ مُنْكِرُهَا. وَمِثْلُ الْأَوَّلَةِ، لَوْ جَاءَتْ حَاكِمًا، وَادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَلَهُ تَزْوِيجُهَا إِنْ ظَنَّ صِدْقَهَا بِمُعَامَلَةٍ، وَعَبْدٌ لَمْ يَثْبُتْ عِتْقُهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يُعْرَفُ، وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ لو اتفقا أَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ، فَإِنَّهَا تُزَوَّجُ. فَرْعٌ: لَوْ شَهِدَا بِأَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَوُجِدَ مَعَهَا بَعْدُ، وَادَّعَى الْعَقْدَ ثَانِيًا بِشُرُوطِهِ - يُقْبَلُ مِنْهُ، وَسُئِلَ عَنْهَا الْمُؤَلِّفُ، فَلَمْ يُجِبْ، وَلَوْ وَطِئَ مَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، حُدَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَحَدَ طَلَاقَهَا وَوَطِئَهَا، فَشَهِدَ بِطَلَاقِهِ، فَلَا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَعْرِفَتَهُ بِهِ وَقْتَ وَطْئِهِ إِلَّا بِإِقْرَارِهِ بِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 كِتَابُ الْإِيلَاءِ وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ. وَيُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا:   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْإِيلَاءِ] [تَعْرِيفُ الْإِيلَاءِ] الْإِيلَاءُ بِالْمَدِّ الْحَلِفُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ لِـ: يُولِي إِيلَاءً، وَيُقَالُ: تَأَلَّى يَتَأَلَّى. وَفِي الْخَبَرِ: " مَنْ يَتَأَلَّ عَلَى اللَّهِ يُكَذِّبْهُ ". وَالْأَلِيَّةُ بِوَزْنِ فَعِيلَةِ: الْيَمِينُ، وَجَمْعُهَا أَلَايَا، بِوَزْنِ خَطَايَا، قَالَ كُثَيِّرٌ: قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... إِذَا صَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتِ وَكَذَلِكَ الْأَلْوَةُ بِسُكُونِ اللَّامِ وَتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] . وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَآنِ: " يُقْسِمُونَ ". الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الَّذِينَ يُؤْلُونَ: يَحْلِفُونَ. حَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا طَلَبَ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ شَيْئًا فَأَبَتْ أَنْ تُطِيعَهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَيَدَعُهَا لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ، وَكَانَ الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي الظِّهَارِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَقَتَادَةَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْعَ غَيَّرَ حُكْمَهُ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ. (وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى الْإِيلَاءِ شَرْعًا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَلِفِ الزَّوْجِ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي الْقُبُلِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمُدَّةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي حَقِيقَتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ شُرُوطٌ، وَالْأَوْلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 431 الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ، فَإِنْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا، لَكِنْ إِنْ تَرَكَهُ مُضِرًّا بِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَهَلْ تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، وَيُحْكَمُ بِحُكْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا. وَإِنْ حَلَفَ أَلَّا يُجَامِعَهَا إِلَّا جِمَاعَ سُوءٍ، يُرِيدُ جِمَاعًا ضَعِيفًا، لَا يَزِيدُ عَلَى الْتِقَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] فِيهِ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ زَوْجٍ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ إِيلَاؤُهُ، فَهُوَ إِذَنْ حَلِفُ زَوْجٍ - يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ - بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ، وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْقُبُلِ، فَالزَّوْجُ يَحْتَرِزُ بِهِ عَمَّا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: وَاللَّهِ لَا أَطَؤُكِ أَبَدًا، وَيُمْكِنُهُ الْوَطْءُ احْتِرَازًا مِنَ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَقَوْلُهُ: فِي الْقُبُلِ - يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ الرَّتْقَاءِ، وَنَحْوِهَا. [شُرُوطُ الْإِيلَاءِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ] (وَيُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ) لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الضَّرَرُ، وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فِعْلُهُ، وَيَضُرُّ الزَّوْجَةَ فَقْدُهُ. (فَإِنْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا) لِأَنَّ الْإِيلَاءَ هُوَ الْحَلِفُ، وَلَمْ يُوجَدْ (لَكِنْ إِنْ تَرَكَهُ مُضِرًّا بِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَهَلْ تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، وَيُحْكَمُ بِحُكْمِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، أَشْهَرُهُمَا نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِوَطْئِهَا ضِرَارًا بِهَا أَشْبَهَ الْمُؤْلِي، وَلِأَنَّ مَا لَا يَجِبُ إِذَا لَمْ يَحْلِفْ لَا يَجِبُ إِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاجِبِ. وَثُبُوتُ حُكْمِ الْإِيلَاءِ لَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ قِيَاسِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِالْقِيَاسِ. الثَّانِيَةُ: لَا تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْلٍ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَهُ لَعُذْرٍ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ الْإِيلَاءِ بِحُكْمٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ، وَكَذَا حُكْمُ مَنْ ظَاهَرَ، وَلَمْ يُكَفِّرْ، وَقَصَدَ الْإِضْرَارَ بِهَا. (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا) أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الْوَطْءَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَلَا تَتَضَرَّرُ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ أَكَّدَ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْهُ بِيَمِينِهِ، وَأَمَا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْوَطْءِ الَّذِي يُطَالِبُ بِهِ فِي الْفَيْئَةِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي تَرْكِهِ. (وَإِنْ حَلَفَ أَلَّا يُجَامِعَهَا إِلَّا جِمَاعَ سُوءٍ، يُرِيدُ جِمَاعًا ضَعِيفًا، لَا يَزِيدُ عَلَى الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا) لِأَنَّ الضَّعِيفَ كَالْقَوِيِّ فِي الْحُكْمِ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ وَطْئًا لَا أَبْلُغُ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ، فَهُوَ مُؤْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي الْفَيْئَةِ بِغَيْرِ حِنْثٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 الْخِتَانَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ صَارَ مُؤْلِيًا. وَإِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ بِلَفْظٍ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ كَلَفْظِهِ الصَّرِيحِ، وَقَوْلِهِ: لَا أَدْخَلْتُ ذَكَرِي فِي فَرْجِكِ وَلِلْبِكْرِ خَاصَّةً لَا اقْتَضَضْتُكِ. لَمْ يُدَيَّنْ فِيهِ، وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ، أَوْ لَا جَامَعْتُكِ، أَوْ لَا بَاضَعْتُكِ، أَوْ لَا بَاشَرْتُكِ، أَوْ لَا بَاعَلْتُكِ، أَوْ لَا قَرُبْتُكِ، أَوْ لَا مَسِسْتُكِ، أَوْ لَا أَتَيْتُكِ، أَوْ لَا اغْتَسَلْتُ مِنْكِ، فَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِمُؤْلٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ. وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا جَامَعْتُكِ جِمَاعَ سُوءٍ. لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ، إِنَّمَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ صِفَتِهِ الْمَكْرُوهَةِ. (وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ صَارَ مُؤْلِيًا) لِأَنَّهُ حَالِفٌ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا، يَشْتَمِلُ الْمُجَامَعَةَ فِي الْفَرْجِ، فَإِذَا قَصَدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ بَقِيَ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ تَحْتَ الْحَلِفِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ إِلَى الْيَمِينِ إِذَا خَلَتْ عَنِ الْإِرَادَةِ. وَفِي " الْمُغْنِي ": إنَّهُ لَيْسَ بِإِيلَاءٍ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ، فَلَا يَتَعَيَّنُ لِكَوْنِهِ مُؤْلِيًا بِهِ. (وَإِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ بِلَفْظٍ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ كَلَفْظِهِ الصَّرِيحِ) نَحْوَ لَا أَنِيكُكِ (وَقَوْلُهُ: لَا أَدْخَلْتُ ذَكَرِي فِي فَرْجِكِ) أَوْ لَا أُغَيِّبُ، أَوْ أُولِجُ ذَكَرِي فِي فَرْجِكِ؛ لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ مَعْنَاهُ. (وَلِلْبِكْرِ خَاصَّةً لَا اقْتَضَضْتُكِ) هُوَ بِالْقَافِ، وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ. وَاقْتِضَاضُ الْبِكْرِ وَافْتِرَاعُهَا بِالْفَاءِ بِمَعْنًى، وَهُوَ وَطْؤُهَا وَإِزَالَةُ بَكَارَتِهَا بِالذَّكَرِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَضِضْتُ اللُّؤْلُؤَةَ إِذَا ثَقَبْتُهَا، وَمِثْلُهُ مَا ذكرَه فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " و" الرِّعَايَةِ " لَا أَبْتَنِي بِكِ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " مِنَ الْعَرَبِيِّ (لَمْ يُدَيَّنْ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْإِيلَاءِ، وَمِثْلُهُ لَا أَدْخَلْتُ حَشَفَتِي فِي فَرْجِكِ؛ لِأَنَّ الْفَيْئَةَ لَا تَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ لَا أَدْخَلْتُ كُلَّ ذَكَرِي فِي فَرْجِكِ. (وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ، أَوْ لَا جَامَعْتُكِ، أَوْ لَا بَاضَعْتُكِ، أَوْ لَا بَاشَرْتُكِ، أَوْ لَا بَاعَلْتُكِ، أَوْ لَا قَرُبْتُكِ، أَوْ لَا مَسِسْتُكِ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ الْأُولَى وَفَتْحُهَا لُغَةٌ، أَيْ: لَا وَطِئْتُكِ (أَوْ لَا أَتَيْتُكِ، أَوْ لَا اغْتَسَلْتُ مِنْكِ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ) لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَطْءِ عُرْفًا، زَادَ فِي " الْكَافِي "، و" الشَّرْحِ ": وَلَا أَصَبْتُكِ، زَادَ جَمَاعَةٌ: وَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَسَائِرُ الْأَلْفَاظِ لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا فِيهَا إِلَّا بِالنِّيَّةِ.   [المبدع في شرح المقنع] افْتَرَشْتُكِ، وَالْمَنْصُوصُ: وَلَا غَشِيتُكِ. وَالْأَصَحُّ: لَا أَفْضَيْتُ إِلَيْكِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَرَدَ بِبَعْضِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] . {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] و {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] ، وَأَمَّا الْوَطْءُ، وَالْجِمَاعُ فَهُمَا أَشْهَرُ الْأَلْفَاظِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَالْبَاقِي قِيَاسًا عَلَيْهَا، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِالْوَطْءِ الْوَطْءَ بِالْقَدَمِ، وَبِالْجِمَاعِ اجْتِمَاعَ الْأَجْسَامِ، وَبِالْإِصَابَةِ الْإِصَابَةَ بِالْيَدِ، وَبِالْمُبَاضَعَةِ الْتِقَاءَ بِضْعَةٍ مِنَ الْبَدَنِ بِالْبِضْعَةِ مِنْهُ، وَبِالْمُبَاشِرَةِ مَسَّ الْمُبَاشِرَةِ، وَبِالْمُبَاعَلَةِ الْمُلَاعَبَةَ وَالِاسْتِمْتَاعَ دُونَ الْفَرْجِ، وَبِالْمُقَارَبَةِ وَيُرِيدُ قُرْبَ بَدَنِهِ مِنْهَا، وَالْمُمَاسَّةِ وَيُرِيدُ بِهَا مَسَّ بَدَنِهَا، وَبِالْإِتْيَانِ وَيُرَادُ بِهِ الْمَجِيءَ، وَبِالِاغْتِسَالِ وَيُرِيدُ بِهِ الِاغْتِسَالَ مِنَ الْإِنْزَالِ عَنْ مُبَاشَرَةٍ مِنْ قبله، أَوْ جِمَاعٍ دُونَ الْفَرْجِ. (وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) مَعَ عَدَمِ قَرِينَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ صِدْقَهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفِ. وَفِي " الِانْتِصَارِ ": لَمَسْتُمْ ظَاهِرٌ فِي الْجَسِّ بِالْيَدِ، وَلَامَسْتُمْ ظَاهِرٌ فِي الْجِمَاعِ، فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالْآيَتَيْنِ، وَظَاهِرُ نَقْلِ عَبْدِ اللَّهِ فِي " لَا اغْتَسَلْتُ مِنْكِ " أَنَّهُ كِنَايَةٌ تَقِفُ عَلَى نِيَّةٍ، أَوْ قَرِينَةٍ. (وَسَائِرُ الْأَلْفَاظِ) أَيْ: بَاقِيهَا، وَهِيَ الْكِنَايَةُ (لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا فِيهَا إِلَّا بِالنِّيَّةِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَرِيحٍ فِي الْجِمَاعِ، وَلَا ظَاهِرٍ فَافْتَقَرَتْ إِلَى النِّيَّةِ كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ. وَفِي " الرِّعَايَةِ " و" الْفُرُوعِ ": أَوِ الْقَرِينَةُ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا جَمَعَتْنَا مِخَدَّةٌ، وَلَا اجْتَمَعْنَا تَحْتَ سَقْفٍ لِأُضَاجِعَكِ، لَا دَخَلْتُ عَلَيْكِ، لَا دَخَلْتِ عَلَيَّ، لَا مَسَّ جِلْدِي جِلْدَكِ، وَنَحْوَهُ، وَتَكْفِي نِيَّةُ تَرْكِ الْوَطْءِ فِيهَا إِلَّا فِي قَوْلِهِ: لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِكِ، فَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُدَّةِ. وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْوَطْءِ وَالْمُدَّةُ فِي قَوْلِهِ: لَتَطُولَنَّ غَيْبَتِي عَنْكِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 434 فَصْلٌ الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] [الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ] فَصْلٌ (الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَحْلِفَ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ) لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَلِفَ بِذَلِكَ إِيلَاءٌ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] ، أَيْ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى، يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] ؛ لِأَنَّ الْغُفْرَانَ، إِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى. (فَإِنْ حَلَفَ بِنَذْرٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ طَلَاقٍ) أَوْ صَدَقَةِ مَالٍ، أَوِ الْحَجِّ، أَوِ الظِّهَارِ (لَمْ يُصِرْ مُؤْلِيًا فِي الظَّاهِرِ عَنْهُ) . وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] . وَالْمَغْفِرَةُ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ بِالْكَعْبَةِ. وَلِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ، وَلِهَذَا لَا يُؤْتَى فِيهِ بِحَرْفِ الْقَسَمِ، وَلَا يُجَابُ بِجَوَابِهِ، وَلَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي بَابِ الْقَسَمِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى حَلِفًا تَجَوُّزًا لِمُشَارَكَتِهِ الْقَسَمَ فِي الْحَثِّ عَلَى الْفِعْلِ، أَوِ الْمَنْعِ مِنْهُ. (وَعَنْهُ يَكُونُ مُؤْلِيًا) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ يَمِينٍ مَنَعَتْ جِمَاعَ الْمَرْأَةِ فَهِيَ إِيلَاءٌ. وَقَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ مَنَعَتْ جِمَاعها، فَكَانَتْ إِيلَاءً كَالْحَلِفِ بِاللَّهِ. وَعَنْهُ: بِيَمِينٍ مُكَفِّرَةٍ كَنَذْرٍ وَظِهَارٍ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَعَنْهُ: وَبِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ بِأَنْ يَحْلِفَ بِهِمَا لِنَفْعِهِمَا، أَوْ عَلَى رِوَايَةٍ: تَرَكَهُ ضِرَارًا لَيْسَ كَمُؤْلٍ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَلْزَمَ عَلَيْهِ كَوْنَهُ يَمِينًا مُكَفِّرَةً، يَدْخُلُهَا الِاسْتِثْنَاءُ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ إِذَا اسْتَثْنَى فِي يَمِينٍ مُكَفِّرَةٍ لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بِالْحِنْثِ، فَلَمْ يَكُنِ الْحِنْثُ مُوجِبًا لِحَقٍّ عَلَيْهِ وَخَرَجَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ وَصِفَتَهُ لَغْوٌ. فَرْعٌ: إِذَا عُلِّقَ طَلَاقُ غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا بِوَطْئِهَا، فَرِوَايَتَانِ، فَلَوْ وَطِئَهَا، وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَهُمَا فِي " إِنْ وَطِئْتُكِ فَضُرَّتُكِ طَالِقٌ "، فَإِنْ صَحَّ إِيلَاءٌ فَأَبَانَ الضُّرَّةَ انْقَطَعَ، فَإِنْ نَكَحَهَا، وَقُلْنَا: تَعُودُ الصِّفَةُ - عَادَ الْإِيلَاءُ، وَتُبْنَى عَلَى الْمُدَّةِ. 1 - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 صِفَاتِهِ، فَإِنْ حَلَفَ بِنَذْرٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ طَلَاقٍ لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا فِي الظَّاهِرِ عَنْهُ. وَعَنْهُ يَكُونُ مُؤْلِيًا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ، أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا. فَصْلٌ الثَّالِثُ: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ يُعَلِّقَهُ عَلَى شَرْطٍ يَغْلِبُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ، أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا) لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْقَذْفِ بِشَرْطٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ حَقٌّ فَلَا يَكُونُ مُؤْلِيًا، وَأَمَا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إِذَا قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ، أَوْ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عِنْدَ وُجُوبِ الْفَيْئَةِ مَاضِيًا، وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ الْمَاضِي، فَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الشَّهْرِ الَّذِي أَطَؤُكِ فِيهِ فَكَذَلِكَ، فَإِذَا وَطِئَ صَامَ بَقِيَّتَهُ، وَفِي قَضَاءِ يَوْمٍ وَطِئَ فِيهِ وَجْهَانِ. وَمِثْلُهُ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ فِي هَذَا الْبَلَدِ، أَوْ مَخْضُوبَةً. نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ حَتَّى تَصُومِي نَفْلًا، أَوْ تَقُومِي، أَوْ بِإِذْنِ زَيْدٍ فَيَمُوتُ زَيْدٌ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، وَكَانَ ظَاهَرَ فَوَطِئَ - عَتَقَ بِالظِّهَارِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمُؤْلٍ، فَلَوْ وَطِئَ لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ، فَهُوَ حُرٌّ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ، فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ بَعْدَ مُضِيِّهِ، فَلَوْ وَطِئَ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَعْتِقْ، وَالْمُطَالَبَةُ فِي شَهْرٍ سَادِسٍ. [فَصْلٌ الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ] (الثَّالِثُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ نَفْسَهُ مِنَ الْوَطْءِ بِالْيَمِينِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ قُبُلِهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ تَرَبُّصَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَهَا، فَلَا مَعْنَى لِلتَّرَبُّصِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ تَنْقَضِي قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ مَعَ انْقِضَائِهِ. وَتَقْدِيرُ التَّرَبُّصِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَقْتَضِي كَوْنَهُ فِي مُدَّةِ تَنَاوُلِهَا الْإِيلَاءُ، وَلِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهَا فَمَا دُونَ لَمْ تَصِحَّ الْمُطَالَبَةُ مِنْ غَيْرِ إِيلَاءٍ، فَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ، كَانَ مُؤْلِيًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُؤْلِيًا. ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى، أَوْ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ، أَوْ مَا عِشْتُ، أَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ حَتَّى تَحْبَلِي؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْبَلُ إِذَا لَمْ يَطَأْهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا قَالَ حَتَّى تَحْبَلِي، وَهِيَ مِمَّنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْحُسَيْنِ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنِ الْوَطْءِ بِالْيَمِينِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَكَانَ مُؤْلِيًا كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى مَا زَادَ. (أَوْ يُعَلِّقُهُ عَلَى شَرْطٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى، أَوْ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ، أَوْ مَا عِشْتُ) أَوْ حَتَّى أَمُوتَ، أَوْ تَمُوتِي، أَوْ يَمُوتَ زَيْدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ظَاهِرًا أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ فِي نِكَاحِي هَذَا، وَلِأَنَّ حُكْمَ الْغَالِبِ حُكْمُ الْقَطْعِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الصُّوَرِ فَكَذَا هُنَا، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَرَضِهَا، أَوْ مَرَضِ إِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ قِيَامِ السَّاعَةِ. فَرْعٌ: إِذَا عَلَّقَ الْإِيلَاءَ بِشَرْطٍ مُسْتَحِيلٍ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ حَتَّى تَصْعَدِي السَّمَاءَ، وَنَحْوَهُ، فَهُوَ مُؤْلٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَرْكَ وَطْئِهَا، فَإِنَّ مَا يُرَادُ حَالَةَ وُجُودِهِ تَعَلَّقَ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْكُفَّارِ {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ: إِذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْتُ أَهْلِي ... وَصَارَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ (أَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ حَتَّى تَحْبَلِي) فَهُوَ مُؤْلٍ، (لِأَنَّهَا لَا تَحْبَلُ إِذَا لَمْ يَطَأْهَا) لِأَنَّ حَبْلَهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً كَصُعُودِ السَّمَاءِ. وَفِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ ": إِذَا قَالَ حَتَّى تَحْبَلِي، وَلَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا، أَوْ وَطِئَ وَنِيَّتُهُ حَبْلٌ مُتَجَدِّدٌ فَمُؤْلٍ، وَإِلَّا فَالرِّوَايَتَانِ (وَقَالَ الْقَاضِي) وَأَبُو الْخَطَّابِ (إِذَا قَالَ حَتَّى تَحْبَلِي، وَهِيَ مِمَّنْ يَحْبَلُ مِثْلُهَا لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَحْبَلُ قَبْلَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، قَالَ: لَا أَعْلَمُ لِهَذَا وَجْهًا، وَهُوَ صَحِيحٌ إِنْ كَانَ مَقْصُودُ الْحَالِفِ حَتَّى تَحْبَلِي مِنْ وَطْءٍ، فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 يَحْبَلُ مِثْلُهَا لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا. وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ مُدَّةً، أَوْ لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِكِ - لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا حَتَّى يَنْوِيَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ، وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لَا وَطِئْتُكِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] أَوْ آيِسَةً، فَهُوَ مُؤْلٍ. فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِـ " حَتَّى " السَّبَبِيَّةَ، أَيْ: لَا أَطَؤُكِ لِتَحْبَلِي قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَالِفٍ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُ وُجُودَهُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَجَفَافِ بَقْلٍ، أَوْ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُهُ قَبْلَهَا كَنُزُولِ الْغَيْثِ فِي أَوَانِهِ، أَوْ مَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ كَقُدُومِ زِيدٍ مِنْ سَفَرٍ قَرِيبٍ، لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا؛ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ الشَّرْطِ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى أُعْطِيَكِ مَالًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ طَاهِرًا، أَوْ وَطْئًا مُبَاحًا، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُؤْلِيًا. (وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ مُدَّةً، أَوْ لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِكِ - لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا) ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ، فَلَا يَصِيرُ مُؤْلِيًا بِهِ (حَتَّى يَنْوِيَ) أَكْثَرَ مِنْ (أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لِيَتَمَحَّضَ الْيَمِينُ لِلْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ. وَفِي قَوْلِ الْمُصَنَّفِ " لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِكِ " صَرِيحٌ فِي الْإِيلَاءِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ نَصٌّ فِي إِدْخَالِ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْكِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ دُونَ الْفَرْجِ، فَعَلَى هَذَا تعتبر فِيهِ نِيَّةُ إِدْخَالِ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ كَمَا تعتبر نِيَّةُ الْمُدَّةِ. 1 - (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ، وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لَا وَطِئْتُكِ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ - لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا) لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَلِفَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ وَطْؤُهَا فِي غَيْرِ الْبَلْدَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقُ: هُوَ مُؤْلٍ؛ لِأَنَّهُ حَالِفٌ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا بِغَيْرٍ حِنْثٍ، فَلَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا كَمَا لَوِ اسْتَثْنَى فِي يَمِينِهِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ، لَا مَشَقَّةَ فِيهِ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى تَدْخُلِي الدَّارَ - لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى مُحَرَّمٍ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438 هَذِهِ الْبَلْدَةِ - لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا. فَإِنْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَوَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ، أَوْ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَوَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا حَتَّى يُوجَدَ الشَّرْطُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ   [المبدع في شرح المقنع] تَشْرَبِي الْخَمْرَ، أَوْ أَقْتُلُ زَيْدًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمُمْتَنِعٍ شَرْعًا أَشْبَهَ الْمُمْتَنِعَ حِسًّا، فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى مَا عَلَى فَاعِلِهِ فِيهِ مَضَرَّةٌ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى تُسْقِطِي صَدَاقَكِ عَنِّي، أَوْ حَتَّى تَكْفُلِي وَلَدِي، فَهُوَ مُؤْلٍ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ لِمَالِهَا، أَوْ مَالِ غَيْرِهَا عَنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ مُحَرَّمٌ أَشْبَهَ شُرْبَ الْخَمْرِ. (فَإِنْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَوَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ، أَوْ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَوَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا) فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْوَطْءِ حَقٌّ (حَتَّى يُوجَدَ الشَّرْطُ) وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُؤْلِيًا بِالْوَطْءِ، أَوْ دُخُولِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى يَمِينًا بِمَنْعِ الْوَطْءِ عَلَى التَّأْبِيدِ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ إِلَّا بِأَنْ يَصِيرَ مُؤْلِيًا بِالْوَطْءِ، أَوْ دُخُولِ الدَّارِ فَيَلْحَقُهُ بِالْوَطْءِ ضَرَرٌ أَشْبَهُ مَا لَوْ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ وَطْئِهَا فِي الْحَالِ فِي الْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ، فَلَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا. وَإِنْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَوَاللَّهِ لَا أَطَؤُكِ فَأَوْلِجُ الْحَشَفَةَ، ثُمَّ زَادَ حَنِثَ بِالزِّيَادَةِ، وَقِيلَ: لَا كَمَنْ نَوَى. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ إِلَّا بِرِضَاكِ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا لِإِمْكَانِ وَطْئِهَا بِغَيْرِ حِنْثٍ. وَكَذَا إِنْ قَالَ، وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ مَرِيضَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا مَرَضٌ، لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، أَوْ لَا يَزُولُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُؤْلِيًا؛ لِأَنَّهُ حَالِفٌ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَمَرِضَتْ مَرَضًا يُمْكِنُ بُرْؤُهُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لَمْ يُصِرْ مُؤْلِيًا وَإِلَّا فَلَا. 1 - (وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا) فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ بِغَيْرٍ حِنْثٍ، فَلَمْ يَكُنْ مَمْنُوعًا مِنَ الْوَطْءِ بِحُكْمِ يَمِينِهِ (حَتَّى يَطَأَهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فَيَكُونُ مُؤْلِيًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَمْنُوعًا مَنْ وَطْئِهَا بِيَمِينِهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ يَصِيرُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إِلَّا بِأَنْ يَصِيرَ مُؤْلِيًا فَيَلْحَقُهُ بِالْوَطْءِ ضَرَرٌ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِيمَا إِذَا وَطِئَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنَ السَّنَةِ ثُلُثُهَا فَأَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ. وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا حَتَّى يَطَأَهَا، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ قَالَ: إِلَّا يَوْمًا، فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ يَصِيرُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ. وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ   [المبدع في شرح المقنع] تَبْقَ الْمُدَّةُ الْمَمْنُوعُ مِنَ الْوَطْءِ فِيهَا الْمُدَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْإِيلَاءِ. (وَإِنْ قَالَ: إِلَّا يَوْمًا فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ يَتَنَكَّرُ، فَلَا يَخْتَصُّ يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ الْمُسْتَثْنَى فِي الْحَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَآلِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِيلَاءُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، فَعَلَيْهِ إِنْ وَطِئَهَا. وَقَدْ بَقِيَ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهَا صَارَ مُؤْلِيًا وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ صُمْتُ رَمَضَانَ إِلَّا يَوْمًا، أَوْ لَا كَلَّمْتُكِ فِي السَّنَةِ إِلَّا يَوْمًا، فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِيَوْمٍ. (وَفِي الْآخَرِ يَصِيرُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ) وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى يَكُونُ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ كَالتَّأْجِيلِ. وَمُدَّةُ الْخِيَارِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ الْمُدَّةَ لَا تَخْتَصُّ وَقْتًا بِعَيْنِهِ وَمَنْ نَصَرَ الْأَوَّلَ قَالَ: التَّأْجِيلُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ تَجِبُ الْمُوَالَاةُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ لَزِمَ قَضَاءُ الدَّيْنِ فَيَسْقُطُ التَّأْجِيلُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْجَوَازِ. وَجَوَازُ الْوَطْءِ فِي يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ وَأَوْسَطِهَا، لَا يَمْنَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا. (وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، و" الْمُسْتَوْعِبِ " و" الرِّعَايَةِ " و" الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّمَانَيْنِ لَا تَزِيدُ مُدَّتُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ مُؤْلِيًا) صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ مَنْ وَطِئَهَا مُدَّةً مُتَوَالِيَةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَأَطْلَقَ فِي " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مُدَّتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ يَزِيدُ مَجْمُوعُهُمَا عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَشَهْرَيْنِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ إِنْ شِئْتُ فَشَاءَتْ صَارَ مُؤْلِيًا) بِوُجُودِهِ فِي قَوْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440 مُؤْلِيًا. وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ إِنْ شِئْتِ، فَشَاءَتْ صَارَ مُؤْلِيًا، وَإِنْ قَالَ: إِلَّا أَنْ تَشَائِي، أَوْ إِلَّا بِاخْتِيَارِكِ، أَوْ إِلَّا أَنْ تَخْتَارِي لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ لَمْ تَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُؤْلِيًا، وَإِنْ قَالَ لِنِسَائِهِ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ   [المبدع في شرح المقنع] أَكْثَرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُمْتَنِعًا مِنَ الْوَطْءِ حَتَّى تَشَاءَ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الْيَمِينَ عَلَى الْمَشِيئَةِ بِحَرْفِ " إِنْ " أَشْبَهَ مَشِيئَةَ غَيْرِهَا، فَإِنْ حَنِثَ فَهَلْ لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ إِلَّا بِرِضَاكِ، فَالْجَوَابُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا إِذَا شَاءَتِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ بِغَيْرِ حِنْثٍ: بِخِلَافِ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ إِلَّا بِرِضَاكِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ إِلَّا عَلَى وَطْئِهَا حَالَ سُخْطِهَا، فَيُمْكِنُهُ وَطْؤُهَا فِي حَالِ رِضَاهَا بِغَيْرِ حِنْثٍ. فَإِنْ قَالَتْ: مَا أَشَاءُ، أَوْ سَكَتَتْ لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ". فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبُوكِ، أَوْ فُلَانٌ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِوُجُودِ فِعْلٍ يُمْكِنُ وُجُودُهُ فِي ثُلُثِ سَنَةٍ إِمْكَانًا غَيْرَ بَعِيدٍ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَلَا فِيهِ مَضَرَّةٌ، أَشْبَهُ مَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى دُخُولِهَا الدَّارَ. (وَإِنْ قَالَ: إِلَّا أَنْ تَشَائِي، أَوْ إِلَّا بِاخْتِيَارِكِ، أَوْ إِلَّا أَنْ تَخْتَارِي لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا) . اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْكَافِي " وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ وَطْئِهَا بِيَمِينِهِ إِلَّا عِنْدَ إِرَادَتِهَا. أَشْبَهُ مَا لَوْ قَالَ: إِلَّا بِرِضَاكِ، أَوْ حَتَّى تَشَائِي، وَكَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ غَيْرِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ، فَإِنْ شَاءَتِ انْحَلَّتْ وَإِلَّا فَهِيَ مُنْعَقِدَةٌ. (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ " (إِنْ لَمْ تَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُؤْلِيًا) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِمُضِيِّ الْمَجْلِسِ أَنَّهَا مَا شَاءَتْ فَوَجَبَ تَحَقُّقُ ذَلِكَ لِفَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ يَعْتَمِدُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ تُعْتَبَرُ فِي الْمَجْلِسِ، وَالْمَذْهَبِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِهَا فِي الْحَالِ، أَوِ التَّرَاخِي. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا، أَوْ تُرْضِعَهُ كَانَ مُؤْلِيًا، إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُدَّةِ الْفِطَامِ وَالرَّضَاعِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ سَقَطَ الْإِيلَاءُ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا حَلَفَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَتِهِ عَامًا، ثُمَّ كَفَّرَ يَمِينَهُ انْحَلَّ الْإِيلَاءُ، فَإِنْ كَانَ تَكْفِيرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَنْحَلَّ الْإِيلَاءُ حِينَ التَّكْفِيرِ، وَإِنْ كَفَّرَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441 صَارَ مُؤْلِيًا مِنْهُنَّ. إِلَّا أَنْ يُرِيدَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ مُؤْلِيًا مِنْهَا وَحْدَهَا، وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً مُبْهَمَةً، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ كَانَ مُؤْلِيًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا   [المبدع في شرح المقنع] الْوَقْتِ صَارَ كَالْحَالِفِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا إِذَا مَضَتْ يَمِينُهُ عَلَى وَفْقِهِ. (وَإِنْ قَالَ لِنِسَائِهِ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ صَارَ مُؤْلِيًا مِنْهُنَّ) . جَزَمَ بِهِ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَإِنَّهَا تَعُمُّ، وَلَا يُمْكِنُهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِلَّا بِالْحِنْثِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ مُؤْلِيًا مِنْ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ تَنَاوَلَ وَاحِدَةً مُنْكِرَةً، فَلَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ. وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] فَيَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي الْعُمُومِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، أَوْ مَاتَتْ كَانَ مُؤْلِيًا مِنَ الْبَوَاقِي؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مُنْفَرِدَةً، وَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَنِثَ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ مِنَ الْبَاقِيَاتِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. (إِلَّا أَنْ يُرِيدَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ مُؤْلِيًا مِنْهَا وَحْدَهَا) ، لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، (وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً مُبْهَمَةً) قُبِلَ مِنْهُ، وَلَا يَصِيرُ مُؤْلِيًا مِنْهُنَّ فِي الْحَالِ، فَإِذَا وَطِئَ ثَلَاثًا كَانَ مُؤْلِيًا مِنَ الرَّابِعَةِ (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الرِّعَايَةِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَفِي " الْكَافِي " هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. كَمَا إِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ، لَا بِعَيْنِهَا وَكَالْعِتْقِ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ إِلَى تَعْيِينِهِ. (وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ كَانَ مُؤْلِيًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ) لِأَنَّ لَفْظَهُ صَرِيحٌ فِي التَّعْمِيمِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: نَوَيْتُ وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً، أَوْ مُبْهَمَةً، وَلَفْظَةُ " كُلَّ " أَزَالَتِ الْخُصُوصَ. (وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ تَعَلَّقَتْ بِأَشْيَاءَ، فَإِذَا حَنِثَ فِيهَا لَمْ تَتَبَعَّضْ. وَيَسْقُطُ حُكْمُ الْمَهْرِ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442 تَنْحَلُّ فِي الْبَوَاقِي. وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَطَؤُكُنَّ فَهِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ: لَا يَصِيرُ مُؤْلِيًا حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا فَيَصِيرُ مُؤْلِيًا مِنَ الرَّابِعَةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، أَوْ مَاتَتِ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ هَاهُنَا، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا لَا تَنْحَلُّ فِي   [المبدع في شرح المقنع] الْبَاقِي (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَنْحَلُّ فِي الْبَوَاقِي) قَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " كَمَا لَوْ طَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ، أَوْ مَاتَتْ، وَلِأَنَّهُ صَرح بِمَنْعِ نَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ يَمِينًا. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ كُلَّمَا وَطِئْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقٌ، وَقُلْنَا: هُوَ إِيلَاءٌ، فَهُوَ مُؤْلٍ مِنْهُنَّ. (وَإِنْ قَالَ: وَاللَّهُ لَا أَطَؤُكُنَّ فَهِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ. وَهُوَ هَلْ يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَحْنَثُ فَيَكُونُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ مِنْهُنَّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِلَّا بِحِنْثٍ، فَإِذَا وَطِئَ وَاحِدَةً انْحَلَّتْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٍ فَتَنْحَلُّ بِالْحِنْثِ فِيهَا كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَلَا يَكُونُ مُؤْلِيًا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ وَطْءُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ حِنْثٍ. (وَفِي الْآخَرِ: لَا يَصِيرُ مُؤْلِيًا حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا فَيَصِيرُ مُؤْلِيًا مِنَ الرَّابِعَةِ) ، لِأَنَّ الْمَنْعَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فِي الرَّابِعَةِ مُحَقَّقًا ضَرُورَةَ الْحِنْثِ بِوَطْئِهَا وَابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ حِينَئِذٍ، (فَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، أَوْ مَاتَتِ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ هَاهُنَا) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ وَطْءُ الْبَاقِيَاتِ بِغَيْرِ حِنْثٍ، (وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا، لَا تَنْحَلُّ فِي الْبَوَاقِي) لِأَنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ الْمَنْعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَطَلَاقَ وَاحِدَةٍ، أَوْ مَوْتِهَا، لَا يُوجِبُ انْحِلَالَ الْيَمِينِ فِي غَيْرِهَا كَمَا لَوْ حَلَفَ بِاللَّهِ: لَا وَطِئْتُ هَذِهِ، ثُمَّ حَلَفَ: لَا وَطِئْتُ هَذِهِ، ثُمَّ مَاتَتْ إِحْدَاهُمَا، أَوْ طَلَّقَهَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ إِذَا قُلْنَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَوَطِئَ وَاحِدَةً حَنِثَ، وَلَمْ يَنْحَلَّ الْإِيلَاءُ فِي الْبَوَاقِي وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " خِلَافَ قَوْلِهِ، وَقِيلَ: إِنْ مَاتَتْ لَمْ تَبْقَ يَمِينٌ، وَلَا إِيلَاءٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا قُلْنَا صَارَ مُؤْلِيًا مِنْهُنَّ، فَإِذَا طَالَبْنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443 الْبَوَاقِي. وَإِنْ آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ لِلْأُخْرَى: شَرَكْتُكِ مَعَهَا لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا مِنَ الثَّانِيَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِيرُ مُؤْلِيًا مِنْهُمَا.   [المبدع في شرح المقنع] بِالْفَيْئَةِ، وَقَفَ لَهُنَّ كُلُّهُنَّ، فَإِنِ اخْتَلَفَتْ مُطَالَبَتُهُنَّ، وَقَفَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ عِنْدَ طَلَبِهَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِحَقِّهَا قَبْلَ طَلَبِهَا، وَعَنْهُ: يُوقِفُ لِلْجَمِيعِ وَقْتَ مُطَالَبَةِ أُولَاهُنَّ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، فَكَانَ الْوَقْفُ لَهَا وَاحِدًا، وَالْكَفَّارَةُ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: تَجِبُ بِفَيْئَتِهِ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ. (وَإِنْ آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ لِلْأُخْرَى: شَرَكْتُكَ مَعَهَا لَمْ يَصِرْ مُؤْلِيًا مِنَ الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِلَفْظٍ صَرِيحٍ مِنَ اسْمٍ، أَوْ صِفَةٍ، وَالتَّشْرِيكُ بَيْنَهُمَا كِنَايَةٌ، فَلَمْ تَصِحَّ بِهِ الْيَمِينُ. (وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِيرُ مُؤْلِيًا مِنْهُمَا) كَالطَّلَاقِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْيَمِينُ، فَلَوْ آلَى رَجُلٌ مِنْ زَوْجَتِهِ، فَقَالَ آخَرُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتَ مِثْلُ فُلَانَةٍ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا. وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ زَوْجَةٍ، فَلَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا لِلنَّصِّ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ، ثُمَّ نَكَحَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّ الْإِيلَاءَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ كَالطَّلَاقِ، وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ أَحْمَدُ: يَصِحُّ الظِّهَارُ قَبْلَ النِّكَاحِ فَكَذَا الْإِيلَاءُ، وَقِيلَ: بِشَرْطِ إِضَافَتِهِ إِلَى النِّكَاحِ كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ تَزَوَّجَتْ فُلَانَةُ فَوَاللَّهِ لَا وَطِئْتُهَا، وَمِثْلُهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ. تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ الْإِيلَاءُ بِكُلِّ لُغَةٍ مُطْلَقًا، فَإِنْ آلَى بِالْعَجَمِيَّةِ، أَوِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ لَا يَدْرِي مَعْنَاهَا لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا، وَإِن نَوَى مُوجِبَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، فَإِنْ آلَى عَرَبِيٌّ، أَوْ عَجَمِيٌّ بِلُغَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: جَرَى عَلَى لِسَانِي مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 444 فَصْلٌ الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ زَوْجٍ يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، حُرًّا أَوْ عَبَدَا، سَلِيمًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَرِيضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ، فَأَمَّا الْعَاجِزِ عَنِ الْوَطْءِ بِجَبٍّ، أَوْ شَلَلٍ، فَلَا يَصِحُّ إِيلَاؤُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَفَيْئَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لَوْ قَدَرْتُ لِجَامَعْتُكِ. وَلَا يَصِحُّ إِيلَاءُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَفِي إِيلَاءِ السَّكْرَانِ   [المبدع في شرح المقنع] [الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ زَوْجٍ] فَصْلٌ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ زَوْجٍ) نَصَّ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الزَّوْجِ مَوْطُوءَتُهُ أَمَتُهُ، وَالْأُمَةُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ. وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ إِذَا تَرَافَعُوا إِلَيْنَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يَنْقَطِعْ إِيلَاؤُهُ، وَيَتَخَرَّجْ: وَأَجْنَبِيٌّ كَلُزُومِهِ الْكَفَّارَةَ. (يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْجِمَاعُ كَالْمَجْبُوبِ فَيَمِينُهُ يَمِينٌ عَلَى مُسْتَحِيلٍ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ. كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَيَقْلِبَ الْحَجَرَ ذَهَبًا. وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ الْيَمِينُ الْمَانِعَةُ مِنِ الْجِمَاعِ، وَيَمِينُ مَنْ شَأْنُهُ مَا ذُكِرَ لَا يَمْنَعُهُ، بَلْ فِعْلُ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ مِنْهُ. (وَتَلْزَمُهُ) أَيِ: الزَّوْجُ (الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ) لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ، وَلَا يَمِينُهُ ضَرُورَةَ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ. (مُسْلِمًا كَانَ، أَوْ كَافِرًا، حُرًّا، أَوْ عَبْدًا، سَلِيمًا، أَوْ خَصِيًّا، أَوْ مَرِيضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ) أَوْ مَرْضُوضًا، أَوْ مَجْبُوبًا بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ مَا يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ بِهِ. وَكَذَا إِنْ كَانَ لِعَارِضٍ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ كَحَبْسٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْوَطْءِ فَصَحَّ مِنْهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ. وَعَنْهُ: أَوْ لَا كَرَتْقٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. (فَأَمَّا الْعَاجِزُ عَنِ الْوَطْءِ بِجَبٍّ، أَوْ شَلَلٍ، فَلَا يَصِحُّ إِيلَاؤُهُ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ إِمْكَانُ الْجِمَاعِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ، وَكَذَا إِنْ كَانَ لِعَارِضٍ غَيْرِ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ مُسْتَحِيلٍ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الطَّيَرَانِ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ) كمَرَضٍ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، وَالْأُولَى أَوْلَى. وَعَلَيْهِ لَوْ حَلَفَ، ثُمَّ جُبَّ فَفِي بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ (وَفَيْئَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لَوْ قَدَرْتُ لِجَامَعْتُكِ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، وَعَنْهُ: فَيْئَةُ كُلِّ مَعْذُورٍ فِئْتُ إِلَيْكِ، وَلَا حِنْثَ بِفَيْئَةِ اللِّسَانِ. (وَلَا يَصِحُّ إِيلَاءُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ) لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا. وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ إِيلَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 445 وَجْهَانِ. وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ فِي الْأَحْرَارِ، وَالرَّقِيقِ سَوَاءٌ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا فِي الْعَبْدِ عَلَى النِّصْفِ، وَلَا حَقَّ لِسَيِّدِ الْأمَةِ فِي طَلَبِ الْفَيْئَةِ، وَالْعَفْوِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِلَيْهَا. فَصْلٌ وَإِذَا صَحَّ الْإِيلَاءُ ضُرِبَتْ لَهُ مُدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ كَانَ بِالرَّجُلِ عُذْرٌ يَمْنَعُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُمَيِّزِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ (وَفِي إِيلَاءِ السَّكْرَانِ وَجْهَانِ) بِنَاءً عَلَى طَلَاقِهِ، وَالْأَشْهُرُ صِحَّتُهُ. (وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ فِي الْأَحْرَارِ وَالرَّقِيقِ سَوَاءٌ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِعُمُومِ النَّصِّ، وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِلْوَطْءِ أَشْبَهَتْ مُدَّةَ الْعُنَّةِ، (وَعَنْهُ: أَنَّهَا فِي الْعَبْدِ عَلَى النِّصْفِ) . نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَوْلُ التَّابِعِينَ كُلِّهِمْ إِلَّا الزُّهْرِيَّ وَحْدَهُ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ كَالطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ ثَبَتَ ابْتِدَاؤُهَا بِقَوْلِ الزَّوْجِ، فَوَجَبَ أَنْ تَخْتَلِفَ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ الْغَضَبُ وَلَا قَصْدُ الْإِضْرَارِ. وَقَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا الْإِيلَاءُ فِي الْغَضَبِ (وَلَا حَقَّ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ فِي طَلَبِ الْفَيْئَةِ، وَالْعَفْوِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِلَيْهَا) . وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُرَّةَ، وَالْأَمَةَ سَوَاءٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ، عَفَا السَّيِّدُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا لِكَوْنِ الِاسْتِمْتَاعِ يَحْصُلُ لَهَا. فَإِنْ تَرَكَتِ الْمُطَالَبَةَ لَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ. لَا يُقَالُ: حَقُّهُ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْزَلُ عَنْهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الزَّوْجِ اسْتِيلَادُ الْمَرْأَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لِيُعْزَلَنَّ عَنْهَا أَوْ لَا يَسْتَوْلِدُهَا - لَمْ يَكُنْ مُؤْلِيًا. [الْمُدَّةُ الَّتِي تُضْرَبُ لِلْإِيلَاءِ] [إِذَا صَحَّ الْإِيلَاءُ ضُرِبَتْ لَهُ مُدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ] فَصْلٌ (وَإِذَا صَحَّ الْإِيلَاءُ ضُرِبَتْ لَهُ مُدَّةُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) فَالْمُؤْلِي يَتَرَبَّصُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يُطَالِبُ بِالْوَطْءِ فِيهِنَّ، فَإِذَا مَضَتْ وَرَافَعَتْهُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْحَاكِمِ أَمَرَهُ بِالْفَيْئَةِ، فَإِنْ أَبَى أُمِرَ بِالطَّلَاقِ، وَلَا تُطَلَّقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. قَالَ أَحْمَدُ: يُوقَفُ عَنْ أَكَابِرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 446 الْوَطْءَ احْتَسَبَ عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِهَا لَمْ تُحْتَسَبْ عَلَيْهِ. وَإِنْ طَرَأَ بِهَا اسْتُؤْنِفَتِ الْمَدَّةُ عِنْدَ زَوَالِهِ إِلَّا الْحَيْضَ، فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ، وَفِي النِّفَاسِ   [المبدع في شرح المقنع] الصَّحَابَةِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَعَلَ يُثْبِتُ حَدِيثَ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ يُوقِفُ الْمُؤْلِي. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، وَقَالَ مَكْحُولٌ، وَالزُّهْرِيُّ: تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ ضُرِبَتْ لِاسْتِدْعَاءِ الْفِعْلِ مِنْهُ أَشْبَهَ مَدُّةَ الْعُنَّةِ، وَجَوَابُهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ. ثُمَّ قَالَ {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] . وَلَوْ وَقَعَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى عَزْمٍ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَاقَ مَسْمُوعٌ، وَلَا يَكُونُ الْمَسْمُوعُ إِلَّا كَلَامًا، وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ تَأْجِيلًا، فَلَمْ تَسْتَحِقَّ الْمُطَالَبَةَ فِيهَا كَسَائِرِ الْآجَالِ. وَمُدَّةُ الْعُنَّةِ حُجَّةٌ لَنَا، فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إِلَّا بِمُضِيِّهَا، وَلِأَنَّ مُدَّةَ الْعُنَّةِ ضُرِبَتْ لِيُخْتَبَرَ فِيهَا، وَيُعْرَفَ عَجْزُهُ عَنِ الْوَطْءِ بِتَرْكِهِ فِي مُدَّتِهَا. وَهَذِهِ ضُرِبَتْ تَأْخِيرًا لَهُ وَتَأْجِيلًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ إِلَّا بِمُضِيِّ الْأَجَلِ كَالدَّيْنِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " تُضْرَبُ لِلْكَافِرِ الْمُدَّةُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ حِينِ الْيَمِينِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى ضَرْبٍ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ، (فَإِنْ كَانَ بِالرَّجُلِ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ) كَمَرَضٍ وَصَوْمٍ. (احْتُسِبَ عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ وَجَدَ التَّمْكِينَ الَّذِي عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا وَامْتَنَعَ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ طَرَأَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ بَعْدَ الْإِيلَاءِ، أَوْ جُنَّ لَمْ تَنْقَطِعِ الْمُدَّةُ. (وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِهَا) كَصِغَرِهَا وَمَرَضِهَا وَصِيَامِهَا وَاعْتِكَافِهَا الْمَفْرُوضَيْنِ وَإِحْرَامِهَا. (لَمْ تُحْتَسَبْ عَلَيْهِ) أَيْ إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ حَالَ الْإِيلَاءِ لَمْ تُضْرَبْ لَهُ الْمُدَّةُ حَتَّى تَزُولَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ تُضْرَبُ لِامْتِنَاعِهِ مَنْ وَطْئِهَا، وَالْمَنْعُ هُنَا مِنْ قِبَلِهَا. (وَإِنْ طَرَأَ بِهَا) هُوَ بِالْهَمْزِ، وَقَدْ يُتْرَكُ. (اسْتُؤْنِفَتِ الْمُدَّةُ عِنْدَ زَوَالِهِ) وَلَمْ تُبْنَ عَلَى مَا مَضَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] يَقْتَضِي أَنَّهَا مُتوَالِيَةٌ، فَإِذَا قَطَعَهَا وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا كَمُدَّةِ الشَّهْرَيْنِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 447 وَجْهَانِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْقَطَعَتْ، فَإِنْ رَاجَعَهَا، أَوْ نَكَحَهَا إِذَا كَانَتْ بَائِنًا اسْتُؤْنِفَتِ الْمُدَّةُ. وَإِنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَبِهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ لَمْ تَمْلِكْ طَلَبَ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: تُبْنَى كَحَيْضٍ (إِلَّا الْحَيْضُ، فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ) وَلَا يُمْنَعُ ضَرْبُ الْمُدَّةِ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ لَمْ يُمْكِنْ ضَرْبُ الْمُدَّةِ؛ لَأَنَّ الْحَيْضَ فِي الْغَالِبِ لَا يَخْلُو مِنْهُ شَهْرٌ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى إِسْقَاطِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ. (وَفِي النِّفَاسِ وَجْهَانِ) وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا هُوَ كَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي أَحْكَامِهِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَشْهَرُ: إنَّهُ كَالْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ. وَقِيلَ: مَجْنُونَةٌ لَهَا شَهْوَةٌ كَعَاقِلَةٍ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": فَإِنْ تَعَذَّرَ الْوَطْءُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا كَحَيْضٍ وَحَبْسٍ وَمَرَضٍ وَصِغَرٍ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ. وَقِيلَ: بَلَى، إِنْ طَرَأَ بَعْضُ ذَلِكَ فِيهَا، ثُمَّ زَالَ اسْتُؤْنِفَتْ، وَقِيلَ: لَا كَحَيْضٍ، قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": فَيَخْرُجُ أَنْ يُسْقِطَ أَوْقَاتَ الْمَنْعِ مِنْهَا، وَيَبْنِيَ عَلَى مَا مَضَى (وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْقَطَعَتْ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مَمْنُوعَةً بِغَيْرِ الْيَمِينِ، فَانْقَطَعَتِ الْمُدَّةُ كَمَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا سَوَاءٌ بَانَتْ بِفَسْخٍ، أَوْ خُلْعٍ، أَوْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ نِكَاحِهَا (فَإِنْ رَاجَعَهَا، أَوْ نَكَحَهَا إِذَا كَانَتْ بَائِنًا اسْتُؤْنِفَتِ الْمُدَّةُ) لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَعُودُ حُكْمُهُ بِذَلِكَ، وَالتَّرَبُّصُ وَاجِبٌ فَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا ضَرُورَةَ الْوَفَاءِ بِالْوَاجِبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيِّ كَالْبَائِنِ فِي انْقِطَاعِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، وَفِي اسْتِئْنَافِهَا بِالرُّجُوعِ إِلَى زَوْجَتِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَأَنَّهُ لَا يَحْتَسِبُ الْمُدَّةَ عَلَى الزَّوْجَةِ مِنَ الرَّجْعَةِ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، فَانْقَطَعَتْ كَمَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِذَا طَلَّقَ اسْتُؤْنِفَتْ مُدَّةٌ أُخْرَى مِنْ حِينِ طَلَاقِهِ وَتُحْتَسَبُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ فِي زَمَنِ عِدَّةِ الرَّجْعَةِ، فَإِذَا تَمَّتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَقَفَ، فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا أُمِرَ بِالطَّلَاقِ، وَإِنِ انْقَضَتِ الْعُدَّةُ قَبْلَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ تَرَبَّصَ بِهِ تَمَامَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ طَلَّقَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَ رَجْعِيًّا فِي الْمُدَّةِ لَمْ تَنْقَطِعْ قَبْلَ فَرَاغِ عِدَّتِهَا، وَقِيلَ: تَنْقَطِعُ وَتُسْتَأْنَفُ كَمَا لَوِ ارْتَدَّا، أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ أَسْلَمَا فِي الْعِدَّةِ. [انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَبِهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ لَمْ تَمْلِكْ طَلَبَ الْفَيْئَةِ] (وَإِنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَبِهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ) كَمَرَضٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 448 الْفَيْئَةِ، وَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ بِهِ، وَهُوَ مِمَّا يَعْجِزُ بِهِ عَنِ الْوَطْءِ أُمِرَ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ فَيَقُولُ: مَتَى قَدَرْتُ جَامَعْتُكِ، ثُمَّ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْوَطْءِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، أَوْ يُطَلِّقُ.   [المبدع في شرح المقنع] وَإِحْرَامٍ (لَمْ تَمْلِكْ طَلَبَ الْفَيْئَةِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ مُمْتَنِعٌ مِنْ جِهَتِهَا، وَلِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مَعَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ الْوَطْءَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَسْتَحِقُّ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَكِنْ تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ إِلَى زَوَالِ الْعُذْرِ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَاطِعًا لِلْمُدَّةِ كَالْحَيْضِ، أَوْ كَانَ الْعُذْرُ حَدَثَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. وَفِي " الرِّعَايَةِ " لَمْ تُطَالِبْ بِفَيْئَةِ الْوَطْءِ حَتَّى يَزُولَ ذَلِكَ. وَفِي فَيْئَةِ الْقَوْلِ وَجْهَانِ (وَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ بِهِ، وَهُوَ مِمَّا يَعْجِزُ بِهِ عَنِ الْوَطْءِ) كَمَرَضٍ وَحَبْسٍ مُطْلَقًا، (أُمِرَ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ) وَلَا يُمْهَلَ لِفَيْئَةِ اللِّسَانِ (فَيَقُولُ: مَتَى قَدَرْتُ جَامَعْتُكِ) ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمْعٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْفَيْئَةِ تَرْكُ مَا قَصَدَهُ مِنِ الْإِضْرَارِ. وَقَدْ تَرَكَ قَصْدَ الْإِضْرَارِ بِمَا أَتَى بِهِ مِنَ الِاعْتِذَارِ. وَالْقَوْلُ مَعَ الْعُذْرِ يَقُومُ مُقَامَ فِعْلِ الْقَادِرِ بِدَلِيلِ إِشْهَادِ الشَّفِيعِ عَلَى الطَّلَبِ بِهَا. وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: نَدِمْتُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنْ يُظْهِرَ رُجُوعَهُ عَنِ الْمَقَامِ عَنِ الْيَمِينِ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ فَيْئَةَ الْمَعْذُورِ أَنْ يَقُولَ فِئْتُ إِلَيْكَ، وَقَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَاخْتَارَهُ الْخُرْقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْحُلْوَانِيُّ؛ لِأَنَّ وَعْدَهُ بِالْفِعْلِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْكِ قَصْدِ الْإِضْرَارِ. (ثُمَّ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْوَطْءِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، أَوْ يُطَلِّقُ) . صَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ حَقَّهَا لِعَجْزِهِ عَنْهُ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَنْ يُوَفِّيَهَا إِيَّاهُ كَالدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَلْزَمُهُ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَاءَ مَرَّةً، فَلَا يَلْزَمُهُ أُخْرَى كَالْوَطْءِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فَيْئَتَهُ بِالْقَوْلِ لَيْسَ عَيْنَ حَقِّهَا، وَإِنَّمَا هُوَ وَعْدٌ بِإِيفَاءِ حَقِّهَا، فَحَقُّهَا الْأَصْلِيُّ بَاقٍ، وَلَا مَانِعَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَزِمَهُ كَمَا لو لَمْ يَفِءْ بِلِسَانِهِ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَ الْعَاجِزِ لَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةٌ فِي الْأَصَحِّ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ مِنْ أَفَاءَ بِلِسَانِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 449 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَانَ مُظَاهِرًا فَقَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَطْلُبَ رَقَبَةً أُعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِي، أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَإِنْ قَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَقْضِيَ صَلَاتِي، أَوْ أَتَغَدَّى، أَوْ حَتَّى يَنْهَضِمَ الطَّعَامُ، أَوْ أَنَامَ، فَإِنِّي نَاعِسٌ أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ. وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] يَفْعَلِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَعَدَ بِفِعْلِهِ كَالْمَدِينِ إِذَا أَعْسَرَ (وَإِنْ كَانَ مُظَاهِرًا) لَمْ يَطَأْ حَتَّى يُكَفِّرَ، فَإِذَا وَطِئَ صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهَا وَزَالَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ. (فَقَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَطْلُبَ رَقَبَةً أُعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِي، أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَنَّهَا مُدَّةَ قَرِيبَةٌ. فَالظِّهَارُ كَالْمَرَضِ عِنْدَ الْخرْقِيِّ، وَكَذَا الِاعْتِكَافُ الْمَنْذُورُ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُظَاهِرَ لَا يُمْهَلُ وَيُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ عُذْرِ مَنْ فِعْلِهِ يَمْنَعُ الْوَطْءَ، لَا يُمْهِلُ مِنْ أَجْلِهِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِسَبَبٍ مِنْهُ، فَلَا يُسْقِطُ حُكْمًا وَاجِبًا وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الْوَطْءِ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْمَرِيضَ، فَإِنْ قَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَطْلُبَ رَقَبَةً، أَوْ أُطْعِمَ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّكْفِيرِ فِي الْحَالِ لَمْ يُمْهَلْ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُمْهَلُ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ هُنَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أُمْهِلَ. ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَلَا يُمْهَلُ لِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ. وَقِيلَ: بَلَى، فَإِنْ وَطِئَهَا فَقَدْ عَصَى، وَانْحَلَّ إِيلَاؤُهُ وَلَهَا مَنْعُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي يَلْزَمُهَا التَّمْكِينُ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ سَقَطَ حَقُّهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ. وَقَدْ بَذَلَهُ لَهَا وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ، فَلَا يَلْزَمُ التَّمْكِينُ مِنْهُ كَالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ (وَإِنْ قَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَقْضِيَ صَلَاتِي، أَوْ أَتَغَدَّى، أَوْ حَتَّى يَنْهَضِمَ الطَّعَامُ، أَوْ أَنَامُ، فَإِنِّي نَاعِسٌ أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ، وَلَا يُمْهَلُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ كَالدَّيْنِ الْحَالِّ، وَإِنْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ حَتَّى يَنْظُرَ فِي صَوْمِهِ، أَوْ يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ، أَوْ يَحُلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ أُمْهِلَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِيهِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً، أَوْ مَجْنُونَةً فَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَلَا لِوَلِيِّهَا؛ لِأَنَّ هَذَا طَرِيقُهُ الشَّهْوَةُ، وَإِنْ كَانَتَا مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُمَا لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بِالْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَتِهَا وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَأَفَاقَتِ الْمَجْنُونَةُ وَبَلَغَتِ الصَّغِيرَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَهُ تَمَّمَتْ، ثُمَّ لَهُمَا الْمُطَالَبَةُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَلَهُمَا الْمُطَالَبَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 450 عُذْرٌ وَطَلَبَتِ الْفَيْئَةَ، وَهِيَ الْجِمَاعُ فَجَامَعَ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَتُهَا. وَأَدْنَى مَا يَكْفِيهِ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، وَإِنْ وَطِئَهَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ فِي الدُّبُرِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْفَيْئَةِ، وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْفَرْجِ وَطْئًا مُحَرَّمًا - مِثْلَ أَنْ يَطَأَ حَالَةَ الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ أَوْ صِيَامِ فَرْضٍ - مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَدْ فَاءَ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:   [المبدع في شرح المقنع] يَوْمَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا ثَابِتٌ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ لِعَدَمِ إِمْكَانِ الْمُطَالَبَةِ. [لَمْ يَبْقَ لَهُ عُذْرٌ وَطَلَبَتِ الْفَيْئَةَ] (وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ عُذْرٌ وَطَلَبَتِ الْفَيْئَةَ، وَهِيَ الْجِمَاعُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرُّجُوعُ إِلَى فِعْلِ مَا تَرَكْتَهُ، وَالْفَيْئَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ مِثْلُ الصِّيغَةِ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ (فَجَامَعَ) الْقَادِرُ عَلَيْهِ إِنْ حَلَّ وَطْؤُهَا، وَقِيلَ - ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً - وَطْئًا مُبَاحًا، لَا فِي حَيْضٍ وَنَحْوِهِ، (انْحَلَّتْ يَمِينُهُ) لِتَحَقُّقِ حِنْثِهِ (وَعَلَيْهِ كَفَّارَتُهَا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِعُمُومِ النَّصِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. قَالَ قَتَادَةُ: الْحَسَنُ قَدْ خَالَفَ النَّاسَ. فَرْعٌ: إِذَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْوَطْءِ، أَوِ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، أَوْ وَطِئَهَا نَاسِيًا يَمِينَهُ أَوْ فِي حَالِ جُنُونِهِ، وَقُلْنَا لَا يَحْنَثُ، فَهَلْ يَنْحَلُّ إِيلَاؤُهُ؛، عَلَى وَجْهَيْنِ وَفِي الْمَذْهَبِ يَفِي بِمَا يُبِيحُهَا لِزَوْجٍ أَوَّلٍ، وَالْجَاهِلُ كَالنَّاسِي فِي الْحِنْثِ. (وَأَدْنَى مَا يَكْفِيهِ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ) أَوْ قَدْرُهَا (فِي الْفَرْجِ) لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِهِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ مُكْرَهٍ وَنَاسٍ وَنَحْوِهِمَا. (وَإِنْ وَطِئَهَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ فِي الدُّبُرِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْفَيْئَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَزُولُ الضَّرَرُ بِفِعْلِهِ. وَفِي " الرِّعَايَةِ " فَمَا فَاءَ، وَلَوْ حَنِثَ بِهِمَا فِي وَجْهٍ لِدُخُولِهِ فِي يَمِينِهِ. (وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْفَرْجِ وَطْئًا مُحَرَّمًا مِثْلَ أَنْ يَطَأَ حَالَةَ الْحَيْضِ، أَوِ النِّفَاسِ، أَوْ صِيَامِ فَرْضٍ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَدْ فَاءَ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِهِ) فَزَالَ حُكْمُهَا وَزَالَ الضَّرَرُ عَنْهَا، وَكَانَ كَالْوَطْءِ الْحَلَالِ، وَكَمَا لَوْ وَطِئَهَا مَرِيضَةً. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْأَصَحُّ) وَحَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " قِيَاسَ الْمَذْهَبِ (أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِيلَاءِ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُؤْمَرُ بِهِ فِي الْفَيْئَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنِ الْإِيلَاءِ كَالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ. وَالَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ، وَلَمْ يَبْقَ مُمْتَنِعًا مِنَ الْوَطْءِ بِحُكْمِ الْيَمِينِ، فَلَمْ يَبْقَ الْإِيلَاءُ كَمَا لَوْ كَفَّرَ يَمِينَهُ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ حَلَفَ، ثُمَّ كَفَّرَ يَمِينَهُ، لَا يَبْقَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 451 الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الإيلاء. وَإِنْ لَمْ يَفِئْ وَأَعْفَتْهُ الْمَرْأَةُ سَقَطَ حَقُّهَا وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَسْقُطَ وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدُ، وَإِنْ لَمْ تُعْفِهِ أُمِرَ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً فَلَهُ   [المبدع في شرح المقنع] مُؤْلِيًا لِعَدَمِ حُكْمِ الْيَمِينِ فَهَذَا أَوْلَى، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُحْرِمِ وَالْمَظَاهِرِ أَنَّهُمَا إِذَا وَطِئَا فَقَدْ وَفَّيَاهَا حَقَّهَا، بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْوَطْءِ. 1 - مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: إِذَا آلَى بِعِتْقٍ، أَوْ طَلَاقٍ، وَقَعَ بِنَفْسِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ آلَى بِنَذْرٍ، أَوْ صَوْمٍ، أَوْ صَلَاةٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَاتِ، أَوِ الْمُبَاحَاتِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِهِ وَبَيْنَ التَّكْفِيرِ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ لُجَاجٍ وَغَضَبٍ، وَهَذَا حُكْمُهُ. الثَّانِيَةُ: إِذَا آلَى بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ أُمِرَ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ بِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ فَيَصِيرُ مُسْتَمْتِعًا بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْأَلْيَقَ بِالْمَذْهَبِ تَحْرِيمُهُ. وَعَنْهُ لَا، وَمَتَى أَوْلَجَ وَتَمَّمَ، أَوْ لَبِثَ لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَفِي الْمَهْرِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْحَدُّ. جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَفِيهِ وَيُعَزَّرُ جَاهِلٌ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ " فَلَا مَهْرَ، وَلَا نَسَبَ، وَإِنْ نَزَعَ فَلَا حَدَّ، وَلَا مَهْرَ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ، وَإِنَّ نَزَعَ، ثُمَّ أَوْلَجَ. فَإِنْ جَهِلَا التَّحْرِيمَ، فَالْمَهْرُ، وَالنَّسَبُ، وَلَا حَدَّ. وَالْعَكْسُ بِعَكْسِهِ، وَإِنْ عَلِمَهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ، وَالْحَدُّ، وَلَا نَسَبَ. وَإِنْ عَلِمَتْهُ، فَالْحَدُّ، وَالنَّسَبُ، وَلَا مَهْرَ، وَكَذَا إِنْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا. (وَإِنْ لَمْ يَفِئْ وَأَعْفَتْهُ الْمَرْأَةُ سَقَطَ حَقُّهَا) وَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا مِنَ الْفَسْخِ فَسَقَطَ حَقُّهَا مِنْهُ كَامْرَأَةِ الْعِنِّينِ إِذَا رَضِيَتْ مِنْهُ. (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَسْقُطَ وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 452 رَجْعَتُهَا. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَكُونُ بَائِنَةً، وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ حُبِسَ وَضُيِّقَ عَلَيْهِ حَتَّى يُطَلِّقَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى يُطَلِّقُ عَلَيْها الْحَاكِمُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَهُوَ كَطَلَاقِ   [المبدع في شرح المقنع] أَيْ: مَتَى شَاءَتْ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِتَرْكِ مَا يَتَجَدَّدُ مَعَ الْأَحْوَالِ كَمَا لَوْ أُعْسِرَ بِالنَّفَقَةِ فَعَفَّتْ عَنِ الْمُطَالَبَةِ، ثُمَّ طَالَبَتْ، وَفَارَقَ الْفَسْخَ لِلْعُنَّةِ، فَإِنَّهُ فَسْخٌ لِعَيْبِهِ، فَمَتَى رَضِيَتْ بِالْعَيْبِ سَقَطَ حَقُّهَا كَمَا لَوْ عَفَى الْمُشْتَرِي عَنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ سَكَتَتْ عَنِ الْمُطَالَبَةِ، ثُمَّ طَالَبَتْ فَلَهَا ذَلِكَ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ حَقَّهَا ثَبَتَ عَلَى التَّرَاخِي، فَلَمْ يَسْقُطْ بِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ كَاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ. (وَإِنْ لَمْ تُعْفِهِ أُمِرَ بِالطَّلَاقِ) إِنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] . فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَقَدِ امْتَنَعَ مِنَ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ. (فَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً فَلَهُ رَجْعَتُهَا) سَوَاءٌ كَانَ الْمُؤْلِي أَوِ الْحَاكِمُ فِي الْأَشْهُرِ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ صَادَفَ مَدْخُولًا بِهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا اسْتِيفَاءِ عِدَدٍ، فَكَانَ رَجْعِيًّا كَالطَّلَاقِ فِي غَيْرِ الْإِيلَاءِ وَيُفَارِقُ فُرْقَةَ الْعُنَّةِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ لِعَيْبٍ. (وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَكُونُ بَائِنَةً) وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَكَانَتْ بَائِنَةً كَالْمُخْتَلِعَةِ. وَعَنْهُ مِنْ حَاكِمٍ، لَا مِنْهُ. قَالَ الْقَاضِي: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي فُرْقَةِ الْحَاكِمِ أَنَّهَا تَكُونُ بَائِنًا، وَقَالَ الْأَثْرَمُ: فَأَمَّا تَفْرِيقُ السُّلْطَانِ فَلَيْسَ فِيهِ رَجْعَةٌ كَاللِّعَانِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الزَّوْجَ أَوِ الْحَاكِمَ إِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ. فَرْعٌ: إِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ، ثُمَّ ارْتَجَعَهَا، أَوْ تَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، أَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَفَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ وَطْئِهَا بِيَمِينٍ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَاجَعَهَا. وَإِنْ بَقِيَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْإِيلَاءِ لِقُصُورِهِ عَنْ مُدَّتِهِ (وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ حُبِسَ وَضُيِّقَ عَلَيْهِ حَتَّى يُطَلِّقَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " و" الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى زَوَالِ ضَرَرِ الْمَرْأَةِ الْمَطْلُوبِ زَوَالُهُ، فَعَلَيْهَا لَيْسَ لِلْحَاكِمِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إِذَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَاخْتِيَارِهِ لِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ إِذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ. (وَالْأُخْرَى يُطَلِّقُ عَلَيْها الْحَاكِمُ) قَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 453 الْمُؤْلِي، وَإِنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ فَسَخَ صَحَّ ذَلِكَ، وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّةَ لَمْ تَنْقَضِ أَوْ أَنَّهُ وَطِئَهَا وَكَانَتْ ثَيِّبًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِن كَانَتْ بِكْرًا وَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ   [المبدع في شرح المقنع] وَصَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ ". قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَيَّنَ مُسْتَحِقُّهُ فَدَخَلَتِ النِّيَابَةُ فِيهِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ طَلَاقِ الْحَاكِمِ، وَالتَّخْيِيرِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مِنَ النِّسْوَةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ، وَلِأَنَّهَا خِيرَةُ تَشَهٍّ، بِخِلَافِ الْخِيرَةِ هُنَا، وَلَيْسَ هُوَ خِيرَةٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْفَيْئَةِ، ثُمَّ بِالطَّلَاقِ. (فَإِنْ طَلَّقَهَا) الْحَاكِمُ (وَاحِدَةً، فَهُوَ كَطَلَاقِ الْمُؤْلِي) لِأَنَّهُ نَائِبُهُ، وَقَائِمٌ مَقَامَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَحُكْمِهِ. (وَإِنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا، أَوْ فَسَخَ صَحَّ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَائِمٌ مَقَامَ الزَّوْجِ فَمَلَكَ مَا يَمْلِكُهُ. وَقَدَّمَ فِي " التَّبْصِرَةِ " أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ثَلَاثًا لِلْمُسَاوَاةِ. وَعَنْهُ: يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ. وَعَنْهُ: الْفَسْخُ، فَإِنْ قَالَ الْحَاكِمُ: فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا فَرِوَايَتَانِ أَنَصُّهُمَا أَنَّهُ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. وَالْأُخْرَى تَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةً. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى عَجْزَهُ عَنِ الْوَطْءِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ عِنِّينٌ، فَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. صَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَتُهُ فَيُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ. وَقِيلَ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ. (وَإِن ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّةَ لَمْ تَنْقَضِ) وَادَّعَتْ هِيَ انْقِضَاءَهَا (أَوْ أَنَّهُ وَطْئِهَا، وَكَانَتْ ثَيِّبًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِي رَفْعَهُ، فَهُوَ يَدَّعِي مَا يُوَافِقُ الْأَصْلَ كَمَا لَوِ ادَّعَى الْوَطْءَ مِنَ الْعُنَّةِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَفِي الْيَمِينِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَحْلِفُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ لِلْخَبَرِ وَكَالدَّيْنِ، وَلِأَنَّ مَا تَدَّعِيهِ الْمَرْأَةُ مُحْتَمَلٌ فَوَجَبَ نَفْيُهُ بِالْيَمِينِ، وَالثَّانِيَةُ: وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يقْضي فِيهَا بِالنُّكُولِ. (وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا وَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ امْرَأَةٌ عَدْلٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) لِأَنَّ قَوْلَهَا اعْتُضِدَ بِالْبَيِّنَةِ إِذْ لَوْ وَطِئَهَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا. وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 454 فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ امْرَأَةٌ عَدْلٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَهَلْ يَحْلِفُ مَنِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] فِيهِ إِلَّا امْرَأَتَانِ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهَا أَحَدٌ بِذَلِكَ (وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) كَمَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا. (وَهَلْ يَحْلِفُ مَنِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؟) مِنَ الزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ (عَلَى وَجْهَيْنِ) حَكَاهُمَا فِي " التَّرْغِيبِ " فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 455 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الظِّهَارِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَهُوَ أَنْ يُشْبِهَ امْرَأَتَهُ، أَوْ عُضْوًا مِنْهَا بِظَهْرِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ - بِهَا، أَوْ بِعُضْوٍ مِنْهَا فَيَقُولُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ كَيَدِ أُخْتِي، أَوْ كَوَجْهِ   [المبدع في شرح المقنع] [تَعْرِيفُ الظِّهَارِ] كِتَابُ الظِّهَارِ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الظَّهْرِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَشْبِيهِ الزَّوْجَةِ بِظَهْرِ الْأُمِّ، وَإِنَّمَا خَصُّوا الظَّهْرَ دُونَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ إِذِ الْمَرْأَةُ مَرْكُوبَةٌ إِذَا غُشِيَتْ، فَقَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَيْ: رُكُوبُكِ لِلنِّكَاحِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَرُكُوبِ أُمِّي لِلنِّكَاحِ فَأَقَامَ الظَّهْرَ مَقَامَ الرُّكُوبِ ; لِأَنَّهُ مَرْكُوبٌ، وَأَقَامَ الرُّكُوبَ مَقَامَ النِّكَاحِ ; لِأَنَّ النَّاكِحَ رَاكِبٌ. وَيُقَالُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِالظِّهَارِ تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَا تُبَاحُ لِغَيْرِهِ فَنَقَلَ الشَّارِعُ حُكْمَهُ لَا تَحْرِيمَهَا. وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْعَوْدِ وَأَبْقَى مَحَلَّهُ، وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ (وَهُوَ مُحَرَّمٌ) إِجْمَاعًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] . وَقَوْلُ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لِلْخَبَرِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَيْسَتْ كَالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} [الأحزاب: 4] ، وَالسُّنَّةُ حَدِيثُ «أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ حِينَ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَجَاءَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشْتَكِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَوَّلَ سُورَةِ الْمُجَادِلَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَفِيهِ أَحَادِيثُ أُخَرُ سَتَأْتِي (وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَ امْرَأَتَهُ، أَوْ عُضْوًا مِنْهَا بِظَهْرِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ - بِهَا، أَوْ بِعُضْوٍ مِنْهَا) إِذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلِيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. فَهُوَ مَظَاهِرٌ إِجْمَاعًا، وَإِنْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ مَنْ تَحْرُمُ مِنْ ذَوِي رَحِمَهُ كَجَدَّتِهِ وَخَالَتِهِ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ ; لِأَنَّهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ بِالْقَرَابَةِ أَشْبَهْنَ الْأُمَّ، (فَيَقُولُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ كَيَدِ أُخْتِي، أَوْ كَوَجْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 حَمَاتِي، أَوْ ظَهْرُكِ أَوْ يَدُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَيْدِ أُخْتِي أَوْ خَالَتِي مِنْ نَسَبٍ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] حَمَاتِي) الْأَحْمَاءُ فِي اللُّغَةِ أَقَارِبُ الزَّوْجِ، وَالْأُخْتَانِ أَقَارِبُ الْمَرْأَةِ، وَالْأَصْهَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَنَقَلَ ابْنُ فَارِسٍ أَنَّ الْأَحْمَاءَ كَالْأَصْهَارِ، فَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ هَذِهِ حَمَاةُ زَيْدٍ وَحَمَاةُ هِنْدٍ. (أَوْ ظَهْرِكِ، أَوْ يَدِكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِ (أَوْ كَيْدِ أُخْتِي، أَوْ خَالَتِي) لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ لِعُضْوٍ مِنْهَا بِعُضْوِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ ظِهَارًا ; لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالْمُنْكَرِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالزُّورِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي تَشْبِيهِ عُضْوٍ مِنْهَا بِذَلِكَ. (مِنْ نَسَبٍ) كَالْأُمَّهَاتِ، وَالْجَدَّاتِ (أَوْ رَضَاعٍ) كَالْأُمَّهَاتِ الْمُرْضِعَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الرَّضَاعَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَعَنْهُ لَا يَكُونُ ظِهَارًا. قَالَهُ الْحُلْوَانِيُّ حَتَّى يُشْبِهَ جُمْلَةَ امْرَأَتِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاللَّهِ، لَا يَمَسُّ عُضْوًا مِنْهَا لَمْ يَسِرْ إِلَى غَيْرِهِ. وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ، إِنَّمَا كَانَ لَمَعَانٍ نَظَرَ إِلَيْهَا الشَّارِعُ فِيهِنَّ فَحَرَّمَهُنَّ لِتِلْكَ الْمَعَانِي وَأَبَاحَ الزَّوْجَةَ لِمَعْنًى فِيهَا فَإِلْحَاقُهَا فِي التَّحْرِيمِ بِمَنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ وَتَحْرِيمٌ لِمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ مِنْهُنَّ. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ وَقَعَ مِنْهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنْ قَالَ كَشَعَرِ أُمِّي، أَوْ سِنَّهَا، أَوْ ظُفْرَهَا فَلَغْوٌ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْأَعْضَاءِ الثَّابِتَةُ وَكَذَا الرِّيقُ وَالدَّمُ وَالرُّوحُ. وَكَوَجْهِي مِنْ وَجْهِكِ حَرَامٌ وَلَيْسَ بِظِهَارٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَأُمِّي امْرَأَتِي، أَوْ مِثْلُهَا. وَفِي " الْمُبْهِجِ " أَنَّهُ كَطَلَاقٍ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ، أَوْ عِنْدِي، أَوْ مِنِّي، أَوْ مَعِي كَأُمِّي، أَوْ مِثْلَ أُمِّي، وَأَطْلَقَ. فَهُوَ ظِهَارٌ وَعَنْهُ لَا، اخْتَارَهُ فِي " الْإِرْشَادِ " وَ " الْمُغْنِي "، وَإِنْ نَوَى فِي الْكَرَامَةِ، وَنَحْوِهَا دُيِّنَ، وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ قَالَ: جُمْلَتُكِ، أَوْ بَدَنُكِ، أَوْ جِسْمُكِ، أَوْ ذَاتُكِ، أَوْ كُلُّكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ ظِهَارًا كَقَوْلِهِ: أَنْتِ ; لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يَقْضِي تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ، فَانْصَرَفَ الْحُكْمُ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي طَالِقٌ، أَوْ عَكْسُهُ لَزِمَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 رَضَاعٍ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي، كَانَ مُظَاهِرًا. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ كَأُمِّي فِي الْكَرَامَةِ، وَنَحْوُهُ دُيِّنَ. وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ كَأُمِّي، أَوْ مِثْلَ أُمِّي فَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ، وَالْأَوْلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِظِهَارٍ   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ أَنْ يُسَمِّيَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَهْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُخْتُكَ هِيَ» فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يُشْبِهُ الظِّهَارَ، وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ. (وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا) ; لِأَنَّهُ يشَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِأُمِّهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، وَهَذَا إِذَا نَوَى بِهِ الظِّهَارَ، فَإِنْ أَطْلَقَ فَرِوَايَتَانِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ حَتَّى يَنْوِيَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي أَنَّهُ إِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الظِّهَارِ مِثْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ مَخْرَجَ الْحَلِفِ، أَوْ قَالَ ذَلِكَ حَالَ الْخُصُومَةِ، وَالْغَضَبِ. (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ كَأُمِّي فِي الْكَرَامَةِ، وَنَحْوِهِ دُيِّنَ) ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ. (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؛ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، أَصَحُّهُمَا، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الظِّهَارَ وَغَيْرَهُ تَرَجَّحَ عَدَمُ الظِّهَارِ بِدَعْوَى الْإِرَادَةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا تَحْرِيمٌ أَشْبَهُ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. 1 - (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ كَأُمِّي، أَوْ مِثْلَ أُمِّي) بِإِسْقَاطِ عَلَيَّ، أَوْ عِنْدِي. فَهُوَ مُظَاهِرٌ إِنْ نَوَاهُ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (فَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ) مِثْلَ قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي، وَكَذَا يَتَخَرَّجُ فِي قَوْلِهِ: رَأْسُكَ كَرَأْسِ أُمِّي، أَوْ يَدُكَ كَيَدِهَا وَمَا أَشْبَهَهَ، فَلَوْ قَالَ: أُمِّيُّ امْرَأَتِي، أَوْ مِثْلَ امْرَأَتِي لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا ; لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ لِأُمِّهِ وَوَصْفٌ لَهَا وَلَيْسَ بِوَصْفٍ لِامْرَأَتِهِ. (وَالْأَوْلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِظِهَارٍ) ، لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي الْكَرَامَةِ فَتَعَيَّنَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ أَوْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي، أَوْ كَظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ أُخْتِ زَوْجَتِي، أَوْ عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الْبَهِيمَةِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَهُوَ مَظَاهِرٌ   [المبدع في شرح المقنع] حَمْلُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ كَبِيرَةٌ مِثْلُ أُمِّي (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، أَوْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِ) ، لِأَنَّ النِّيَّةَ تُعِينُ اللَّفْظَ فِي الْمَنْوِيِّ، وَالْقَرِينَةُ شَبِيهَةٌ بِهَا. (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي) أَوْ كَأَبِي، أَوْ مِثْلَ أَبِي (أَوْ كَظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ أُخْتِ زَوْجَتِي، أَوْ عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي فَعَنْهُ ظِهَارٌ ; لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدُ أَشْبَهَ الْأُمَّ، وَكَذَا إِنْ شَبَّهَهَا بِالْمَيْتَةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِظِهَارٍ، وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِمَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلِاسْتِمْتَاعِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَمَا لَزِيدٍ، فَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَحْرِيمٍ أَشْبَهُ مَا لَوْ حَرَّمَ مَالَهُ. وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ التَّشْبِيهَ بِمَالِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا إِذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَقَّتًا كَأُخْتِ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهَا، أَوِ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ ظِهَارٌ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَرَجَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِمُحَرَّمَةٍ أَشْبَهَ تَشْبِيهَهَا بِالْأُمِّ. وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِظِهَارٍ ; لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ بِهَا كَافِيًا كَالْحَائِضِ. 1 - (وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الْبَهِيمَةِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَفِيهِ وَجْهٌ كَمَا لَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ أَبِيهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". وَذَكَرَ فِي " الرِّعَايَةِ " إِذَا نَوَى الظِّهَارَ فَلَيْسَ مُظَاهِرًا. وَقِيلَ: بَلَى (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَهُوَ مَظَاهِرٌ) إِذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا، وَلَا يَمِينًا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقًا، أَوْ يَمِينًا، فَهَلْ يَكُونُ ظِهَارًا، أَوْ مَا نَوَاهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَصْلٌ وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا. وَالْأَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ ظِهَارًا كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الظَّاهِرَةِ. فَلَوْ زَادَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَيْسَ بِظِهَارٍ. نَصَّ عَلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقًا، أَوْ يَمِينًا فَهَلْ يَكُونُ ظِهَارًا، أَوْ مَا نَوَاهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ ظِهَارٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَحَكَاهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا ; لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ أَوْقَعَهُ فِي الزَّوْجَةِ، فَكَانَ بِإِطْلَاقِهِ ظِهَارًا لِشَبَهِهَا بِظَهْرِ أُمِّهِ وَكَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ مَا نَوَاهُ ; لِأَنَّ النِّيَّةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُوجِبَةً، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً. وَعَنْهُ: أَنَّ التَّحْرِيمَ يَمِينٌ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] . وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ إِذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الظِّهَارَ فَلَيْسَ بِظِهَارٍ، وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ، وَالطَّلَاقَ مَعًا كَانَ ظِهَارًا ; لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ، لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ، فَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ، تُجْزِئُهُ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ ; لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، فَلَا تُوجِبُ كَفَارَّتَيْنِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ لِلظِّهَارِ وَلِتَحْرِيمِ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ أَوْجَبَ بِذَلِكَ فَكَذَا إِذَا اجْتَمَعَا. [مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الظِّهَارُ] فَصْلٌ (وَيَصِحُّ مَنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ) فَكُلُّ مَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ ; لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَخْتَصُّ النِّكَاحَ أَشْبَهَ الطَّلَاقَ. قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": فَإِنَّ أَحْمَدَ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ، وَفِي " الْمُوجَزِ " مُكَلَّفٌ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَ " الْوَجِيزِ " مَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ إِلَّا الْأَبُ، وَالسَّيِّدُ (مُسْلِمًا كَانَ، أَوْ ذِمِّيًّا) عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِ ; لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 لَا يَصِحُّ مِنَ الصَّبِيِّ ظِهَارٌ، وَلَا إِيلَاءٌ ; لِأَنَّهُ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ. وَيَصِحُّ مَنْ كُلِّ زَوْجَةٍ، فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ، أَوْ أُمِّ وَلَده لَمْ يَصِحَّ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا حَنِثَ فَوَجَبَ صِحَّةُ ظُهَارِهِ كَالْمُسْلِمِ، وَكَجَزَاءِ صَيْدٍ، وَيُكَفِّرُ بِمَالٍ فَقَطْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيُعْتِقُ بِلَا نِيَّةٍ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ مُرْتَدٍّ. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": وَيُعْتِقُ ; لِأَنَّهُ مِنْ فَرْعِ النِّكَاحِ، أَوْ قَوْلٍ لَمُنْكَرٍ وَزَوْرٍ، وَالذِّمِّيُّ أَهْلٌ لِذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ ; لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ ; لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِكَفَّارَةِ الصَّيْدِ إِذَا قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ وَيَصِحُّ مِنْهُ الْعِتْقُ، لَا الصِّيَامُ، وَلَا تَمْتَنِعُ صِحَّةُ الظِّهَارِ بِامْتِنَاعِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ كَمَا فِي حَقِّ الْعَبْدِ. وَالنِّيَّةُ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ لِتَعْيِينِ الْفِعْلِ لِلْكَفَّارَةِ، فَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ كَالنِّيَّةِ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ. وَاقْتَضَى ذَلِكَ صِحَّتَهُ مِنَ الصَّبِيِّ، وَالْعَبْدِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مِنَ الْعَبْدِ، وَإِنَّ مَنْ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَهُوَ الطِّفْلُ وَزَائِلُ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ، أَوْ إِغْمَاءٍ، أَوْ نَوْمٍ، لَا يَصِحُّ مِنْهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. (وَالْأَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنَ الصَّبِيِّ ظِهَارٌ، وَلَا إِيلَاءٌ ; لِأَنَّهُ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ) كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ لِمَا فِيهِ مِنْ قَوْلِ الْمُنْكَرِ وَالزَّوْرِ، وَذَلِكَ مَرْفُوعٌ عَنِ الصَّبِيِّ ; لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ. وَفِي " الْمَذْهَبِ " فِي يَمِينِهِ وَجْهَانِ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " يُحْتَمَلُ أَلَّا يَصِحَّ ظِهَارُهُ ; لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الزُّورِ وَحُصُولِ التَّكْفِيرِ، وَالْمَأْثَمِ وَإِيجَابِ مَالٍ، أَوْ صَوْمٍ. قَالَ: وَأَمَّا الْإِيلَاءُ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَإِسْلَامُهُ وَذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِذِكْرِ اللَّهِ. وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لِرَفْعِ الدَّعْوَى. (وَيَصِحُّ مَنْ كُلِّ زَوْجَةٍ) كَبِيرَةً كَانَتْ، أَوْ صَغِيرَةً مُسْلِمَةً، أَوْ ذِمِّيَّةً، أَمْكَنَ وَطْؤُهَا أَوْ لَا ; لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا ; لِأَنَّ الظِّهَارَ لِتَحْرِيمِ وَطْئِهَا، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْهُ بِغَيْرِ الْيَمِينِ، وَجَوَابُهُ الْعُمُومُ، وَلِأَنَّهَا زَوْجَةٌ يَصِحُّ طَلَاقُهَا فَصَحَّ الظِّهَارُ مِنْهَا كَغَيْرِهَا. (فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ، أَوْ أُمِّ وَلَدٍ لَمْ يَصِحَّ) . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَمْرٍو، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 الْيَمِينِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَلْزَمَهُ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ. وَإِنْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي لَمْ يَكُنْ مُظَاهَرَةً وَعَلَيْهَا كَفَّارَةُ ظِهَارٍ، وَعَلَيْهَا التَّمْكِينُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ. وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] فَخَصَّهُنَّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ تَعَلَّقَ بِهِ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ، فَلَا تَحْرُمُ بِهِ الْأَمَةُ كَالطَّلَاقِ (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) . نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " كَتَحْرِيمِ سَائِرِ مَالِهِ. وَقَالَ نَافِعٌ: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، جَارِيَتَهُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ» . (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَلْزَمَهُ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ) وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ ; لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمُنْكِرِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالزُّورِ، وَلَكِنْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَتَوَجَّهُ هَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ كَانَ مُظَاهِرًا، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي. وَفِي " عُمُدِ الْأَدِلَّةِ " وَ " التَّرْغِيبِ " رِوَايَةُ أَنَّهُ يَصِحُّ، قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنْ أَعْتَقَهَا، فَهُوَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَيَتَزَوَّجُهَا إِنْ شَاءَ. 1 - (وَإِنْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي) أَوْ إِنْ تَزَوَّجْتُ فَلَانًا، فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي (لَمْ تَكُنْ مُظَاهِرَةً) رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ الْقَاضِي، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يُوجِبُ تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ، يَمْلِكُ الزَّوْجُ رَفْعَهُ، فَاخْتَصَّ بِهِ الرَّجُلُ كَالطَّلَاقِ. وَعَنْهُ: ظِهَارٌ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَهُ الزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ فَتُكَفِّرُ إِنْ طَاوَعَتْهُ، وَإِنِ اسْتَمْتَعَتْ بِهِ، أَوْ عَزَمَتْ فَكَمُظَاهِرٍ (وَعَلَيْهَا كَفَّارَةُ ظِهَارٍ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَصَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ ; لِأَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ قَالَتْ: إِنْ تَزَوَّجْتُ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي، فَاسْتَفْتَتْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرُوهَا أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً وَتَتَزَوَّجَهُ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْأَثْرَمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهَا زَوْجٌ أَتَى بِالْمُنْكَرِ مِنَ الْقَوْلِ وَالزُّورِ كَالْآخَرِ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٍ فَاسْتَوَى فِيهَا الْمَرْأَةُ، وَالرَّجُلُ. قَالَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهَا. وَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَطَأْهَا إِنْ تَزَوَّجَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ عَلِيَّ   [المبدع في شرح المقنع] أَحْمَدُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: الظِّهَارُ مِنَ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ سَوَاءٌ (وَعَلَيْهَا التَّمْكِينُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ عَلَيْهَا، فَلَا يَسْقُطُ بِيَمِينِهَا كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ كَالرَّجُلِ. وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. وَنَقَلَ صَالِحٌ لَهُ أَنْ يَطَأَ قَبْلَ أَنْ تُكَفِّرَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " يَحْرُمُ عَلَيْهَا ابْتِدَاءٌ قَبْلَهُ، يَعْنِي: كَمُظَاهِرٍ. (وَعَنْهُ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ) وَأَشْبَهُ بِأُصُولِهِ ; لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِحَلَالٍ كَتَحْرِيمِ الْأَمَةِ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لَيْسَ بِظَهِارٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. إِنَّمَا قَالَ: الْأَحْوَطُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحْوَطَ التَّكْفِيرُ بِأَغْلَظِ الْكَفَّارَاتِ لِيَخْرُجَ مِنَ الْخِلَافِ. (وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُنْكَرٌ وَزُورٌ، وَلَيْسَ بِظِهَارٍ، فَلَمْ تَجِبْ كَفَّارَةٌ كَالنَّسَبِ، وَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا لَمْ تَجِبْ إِلَّا بِوَطْئِهَا مُطَاوَعَةً، فَإِنْ طَلَّقَهَا، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وَطْئِهَا، أَوْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ، فَلَا كَفَّارَةَ، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ، فَلَمْ تَجِبِ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا عَلَّقَتْهُ بِتَزَوُّجِهَا لَمْ تَكُنْ مُظَاهِرَةً فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا أَحْمَدُ، إِنَّمَا سُئِلَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: ظِهَارٌ. وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَقِيلَ لَهُ فِي " الْمُفْرَدَاتِ ": هَذَا ظِهَارٌ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَعِنْدَكُمْ لَا يَصِحُّ، قُلْنَا: يَصِحُّ عَلَى رِوَايَةٍ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ، فَالْخَبَرُ أَفَادَ الْكَفَّارَةَ، وَصِحَّتُهُ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْلَهُ، بَقِيَتِ الْكَفَّارَةُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ قِيَاسَهُ قَوْلُهَا: أَنَا عَلَيْكَ كَظَهْرِ أُمِّكَ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ عَلَيْهِ تَحْرِيمٌ عَلَيْهَا. (وَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) فَهُوَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا. نَصَرَهُ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 حَرَامٌ يُرِيدُ فِي كُلِّ حَالٍ فَكَذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ صَادِقٌ. وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مُعَجَّلًا وَمُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَمُطْلَقًا وَمُؤَقَّتًا نَحْوَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ   [المبدع في شرح المقنع] " الشَّرْحِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ فَصَحَّ عَقْدُهَا قَبْلَ النِّكَاحِ كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَالطَّلَاقِ، وَالْإِيلَاءِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ حَلَّ قَيْدَ النِّكَاحِ. وَلَا يُمْكِنُ حَلُّهُ قَبْلَ عَقْدِهِ. وَالظِّهَارُ تَحْرِيمٌ لِلْوَطْءِ، فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْعَقْدِ كَالْحَيْضِ، وَإِنَّمَا اخْتُصَّ حُكْمُ الْإِيلَاءِ بِنِسَائِهِ لِكَوْنِهِ يَقْصِدُ الْإِضْرَارَ بِهِنَّ. وَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ هُنَا لِقَوْلِ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ، فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنِسَائِهِ. (لَمْ يَطَأْهَا إِنْ تَزَوَّجَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ) ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهَا إِذَا تَزَوَّجَهَا تَحَقَّقَ مَعْنَى الظِّهَارِ فِيهَا وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ وَطْؤُهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ ; لِأَنَّهُ شَأْنُ الْمُظَاهِرِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ إِذَا تَزَوَّجَ نِسَاءً وَأَرَادَ الْعَوْدَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لِكُلِّ عَقْدٍ كَفَّارَةٌ، فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةً فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَقَالَ: أَرَدْتُ أَنَّ مِثْلَهَا فِي التَّحْرِيمِ فِي الْحَالِ - دُيِّنَ. وَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لِلظِّهَارِ، وَالثَّانِي: بَلَى ; لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ كَأُمِّهِ. (وَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ فِي كُلِّ حَالٍ فَكَذَلِكَ) أَيْ: فَهُوَ ظِهَارٌ ; لِأَنَّ لَفْظَةَ الْحَرَامِ إِذَا أُرِيدَ بِهَا، فَهُوَ ظِهَارٌ مِنَ الزَّوْجَةِ، فَكَذَا الْأَجْنَبِيَّةُ، فَعَلَيْهِ لَا يَطَؤُهَا إِذَا تَزَوَّجَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ (وَإِنْ أَرَادَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ صَادِقٌ) . وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهٌ. 1 - (وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مُعَجَّلًا وَمُعَلَّقًا بِشَرْطٍ) فَإِذَا وُجِدَ فَمُظَاهِرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَمُطْلَقًا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 أُمِّي شَهْرَ رَمَضَانَ، أَوْ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَمَتَى انْقَضَى الْوَقْتُ زَالَ الظِّهَارُ، وَإِنْ أَصَابَهَا فِيهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.   [المبدع في شرح المقنع] إِنْ قَصَدَ الْيَمِينَ وَاخْتَارَهُ، وَمَثَّلَ بِالْحِلِّ عَلَيَّ حَرَامٌ لَأَفْعَلَنَّ. (وَمُؤَقَّتًا نَحْوَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي شَهْرَ رَمَضَانَ) «لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ، قَالَ: ظَاهَرْتُ مِنِ امْرَأَتِي شَهْرَ رَمَضَانَ وَأَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ أَصَابَهَا فِي الشَّهْرِ فَأَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ» ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ التَّقْيِيدَ وَلَمْ يَعِبْهُ، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ فَصَحَّ تَوْقِيتُهَا كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ نَفْسَهُ بِيَمِينٍ لَهَا كَفَّارَةٌ، فَصَحَّ أَنْ تَكُونَ مُؤَقَّتَةً كَالْإِيلَاءِ. لَا يُقَالُ: الظِّهَارُ طَلَاقٌ فِي الْأَصْلِ، فَيَجِبُ أَلَّا يَصِحَّ تَقْيِيدُهُ كَالنِّكَاحِ ; لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي تَعْلِيقِهِ، وَلَا يَكُونُ عَائِدًا إِلَّا بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ. (أَوْ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ) لِأَنَّهُ يَمِينٌ فَجَازِ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ كَالْإِيلَاءِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ تَحْرُمُ بِهِ الزَّوْجَةُ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ كَالطَّلَاقِ (فَمَتَى انْقَضَى الْوَقْتُ زَالَ الظِّهَارُ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ صَادَفَ ذَلِكَ الزَّمَنَ دُونَ غَيْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْقَضِيَ بِانْقِضَائِهِ. (وَإِنْ أَصَابَهَا فِيهِ) أَيْ: فِي الْوَقْتِ (وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْجَبَهَا عَلَى سَلَمَةَ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ - لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ مُظَاهِرٌ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحرَّرِ ". وَإِنْ قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَهُ أَهْلٌ، هِيَ يَمِينٌ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهَا يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَكَذَا إِنْ قَالَ: أَنْتِ حَرَامٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ عَكْسُهُ، فَلَا ظِهَارَ. نَصَّ عَلَيْهِ خِلَافًا لِابْنِ شَاقِلَا، وَابْنِ بَطَّةَ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ حَرَامٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ زَيْدٌ فَشَاءَ زَيْدٌ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا ; لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَيْئَيْنِ، فَلَا يَحْصُلُ بِأَحَدِهِمَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 فَصْلٌ فِي حُكْمِ الظِّهَارِ يَحْرُم ُ وَطْءُ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ، وَهَلْ يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا دُونَ الْفَرْجِ؟   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ فِي حُكْمِ الظِّهَارِ] [وَطْءُ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ] فَصْلٌ فِي حُكْمِ الظِّهَارِ (يَحْرُمُ وَطْءُ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ) إِذَا كَانَ بِالْعِتْقِ، أَوِ الصِّيَامِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِلْآيَةِ. وَكَذَا إِنْ كَانَ بِالْإِطْعَامِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِمَا رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنِّي ظَاهَرْتُ مِنِ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؛ فَقَالَ: رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، فَقَالَ: لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: الْمُرْسَلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. (وَهَلْ يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا دُونَ الْفَرْجِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ مَا حَرُمَ الْوَطْءُ مِنَ الْقَوْلِ حَرُمَ دَوَاعِيهِ كَالطَّلَاقِ وَالْإِحْرَامِ. وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ. نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ. وَفِي " التَّرْغِيبِ " هِيَ أَظْهَرُهُمَا ; لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ فِيهِ كَفَارَّةٌ، فَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ التَّحْرِيمُ كَوَطْءِ الْحَائِضِ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْتَّمَاس فِي الْآيَةِ الْجِمَاعُ (وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا إِذَا كَانَ التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ) وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرِ الْمَسِيسَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ. وَجَوَابُهُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ. [وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ] (وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ) أَيْ: تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ (بِالْعَوْدِ، وَهُوَ الْوَطْءُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ) . اخْتَارَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا إِذَا كَانَ التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْعَوْدِ، وَهُوَ الْوَطْءُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ إِنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ، وَإِنْ مَاتَ   [المبدع في شرح المقنع] الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ ". وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَقِبَ الْعُوْدِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعَلُّقَهَا بِهِ فَمَتَى وَطِئَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَا تَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِشَرْطَيْنِ: ظِهَارٌ وُعَوْدٌ، وَالْمُعَلَّقُ لَا وُجُودَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِهِمَا إِلَّا أَنَّهَا شَرْطٌ لِحَلِّ الْوَطْءِ فَيُؤْمَرُ بِهَا مَنْ أَرَادَهُ لِيَسْتَحِلَّهُ بِهَا كَمَا يُؤْمَرُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مَنْ أَرَادَ حَلَّهَا. ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَلِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْقَوْلِ هُوَ فِعْلٌ بضِدَّ مَا قَالَ كَمَا أَنَّ الْعَوْدَ فِي الْهِبَةِ اسْتِرْجَاعُ مَا وَهَبَ، وَيَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهَا بِعَزْمِهِ عَلَى الْوَطْءِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ قَبْلَهُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " فِي الطَّلَاقِ إِنْ عَزَمَ فَيَقِفُ مُرَاعًا. (وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ أَنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ) لِمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ وَطِئَ، وَهِيَ عِنْدَهُ فِي حَقِّ من وَطِئَ كَمَنْ لَمْ يَطَأْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْعَوْدُ إِمْسَاكُهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنًا يُمْكِنُ طَلَاقُهَا فِيهِ، وَقَالَ دَاوُدُ: الْعَوْدُ تَكْرَارُ الظِّهَارِ مَرَّةً ثَانِيَةً. (وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ) وَغَيْرُهُمَا (هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ) ، وَذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ رِوَايَةً ; لِأَنَّهُ قَصَدَ تَحْرِيمَهَا، فَإِذَا عَزَمَ عَلَى الْوَطْءِ فَقَدْ عَادَ فِيمَا قَصَدَ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَإِنَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ أَثِمَ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَتُجْزِئُهُ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ.   [المبدع في شرح المقنع] تَحْرِيمٌ، فَإِذَا عَزَمَ عَلَى اسْتِبَاحَتِهَا فَقَدْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ، فَكَانَ عَائِدًا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّكْفِيرِ عَقِبَ الْعَوْدِ قَبْلَ التَّمَاسِّ، وَكَلَامُهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْعَوْدَ لَيْسَ هُوَ إِمْسَاكَ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا عَقِبَ يَمِينِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمٌ قَصَدَهُ وَفَعَلَ مَا حَرَّمَهُ دُونَ الْإِمْسَاكِ، وَلِأَنَّ الْعَوْدَ فِعْلٌ، وَالْإِمْسَاكُ تَرْكُ الطَّلَاقِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] وَ " ثُمَّ " لِلتَّرَاخِي، وَالْمُهْلَةِ، وَذَلِكَ يُنَافِي الْإِمْسَاكَ عَقِبَ الظِّهَارِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْعَازِمِ عَلَى الْوَطْءِ إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْوَطْءِ إِلَّا أَبَا الْخَطَّابِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا مَاتَ بَعْدَ الْعَزْمِ، أَوْ طَلَّقَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَأَنْكَرَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. حَكَاهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَطَعَ فِي " الْمُحَرَّرِ " بِالْكَفَّارَةِ، وَحَكَاهُ عَنِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ. (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) . وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ، لَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ الظِّهَارِ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ فَارَقَهَا قَبْلَ الْعَوْدِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهَا هُوَ الْوَطْءُ، وَلَمْ يُوجَدْ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَأَيُّهُمَا مَاتَ وَرِثَهُ الْآخَرُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ مَنْ وَرِثَهَا إِذَا كَفَّرَ وَرِثَهَا، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ كَالْمُؤْلِي مِنْهَا (وَإِنْ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ) سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ رَجَعَتْ إِلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، أَوْ لَا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ لِلْآيَةِ. وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي امْرَأَتِهِ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَتَمَاسَّا حَتَّى يُكَفِّرَ كَالَّتِي لَمْ يُطَلِّقْهَا، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، فَلَمْ يَبْطُلْ حُكْمُهَا بِالطَّلَاقِ كَالْإِيلَاءِ. (وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ أَثِمَ) مُكَلَّفٌ ; لِأَنَّهُ بِوَطْئِهِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَاصٍ رَبَّهُ لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ (وَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) وَلَوْ مَجْنُونًا. نَصَّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ كَالصَّلَاةِ إِذَا غَفَلَ عَنْهَا فِي وَقْتِهَا وَتَحْرِيمُ زَوْجَتِهِ بَاقٍ عَلَيْهِ حَتَّى يُكَفِّرَ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا وَأَنَّهُ كَالْيَمِينِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَكَذَا فِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهَانِ كَالْإِيلَاءِ. وَفِي " الِانْتِصَارِ " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 وَإِنْ ظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ الْأَمَةَ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَبْطُلُ الظِّهَارُ وَتَحِلُّ لَهُ، وَإِنْ وَطِئَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَإِنْ كَرَّرَ الظِّهَارَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ   [المبدع في شرح المقنع] وَغَيْرِهِ إِنْ أَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ نَائِمًا، فَلَا عَوْدَ، وَلَا كَفَّارَةَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ. (وَتُجْزِئُهُ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ) لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ، وَلِأَنَّهُ وَجَدَ الظِّهَارَ، وَالْعَوْدَ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ. وَحُكِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَتَيْنِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ، وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَسْقُطُ ; لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا لِكَوْنِهَا وَجَبَتْ قَبْلَ الْمَسِيسِ. [ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا] (وَإِنْ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ) . وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا ظَاهَرَ مَنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ، ثُمَّ مَلَكَهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحُكْمُ الظِّهَارِ بَاقٍ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ لَا يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ وَالْحِلِّ فَبِمَلِكِ الْيَمِينِ أَوْلَى. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) وَأَبُو الْخَطَّابِ (يُبْطِلُ الظِّهَارَ) لِأَنَّ شَرْطَهُ الزَّوْجِيَّةَ، وَقَدْ زَالَتْ فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ لِزَوَالِ شَرْطِهِ (وَتَحِلُّ لَهُ، وَإِنْ وَطِئَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لَا غَيْرُ كَمَا لَوْ كَانَ تَظَاهَرَ مِنْهَا، وَهِيَ أَمَتُهُ وَيَتَخَرَّجُ بِلَا كَفَّارَةٍ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا هُنَا أَنَّهَا تُبَاحُ لَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ ; لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الظِّهَارَ وَجَعَلَهُ يَمِينًا لِتَحْرِيمِ أَمَتِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَهَا عَنْ كَفَّارَتِهِ أَجَزَأَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ بِغَيْرِ كَفَّارَةٍ، وَإِنْ أَعْتَقَهَا عَنْ غَيْرِ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ [كَرَّرَ الظِّهَارَ] (وَإِنْ كَرَّرَ الظِّهَارَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَكَفَّارَتُهُ وَاحِدَةٌ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ، أَوْ مَجَالِسَ يَنْوِي بِهِ الِاسْتِئْنَافَ، أَوِ التَّأْكِيدَ، أَوْ يُطْلِقَ. نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ جَمْعٌ ; لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يُؤْثِرْ تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ، فَلَمْ تَجِبْ بِهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّهَا أَثَبَتَتْ فِي الْمَحَلِّ تَحْرِيمًا أَشْبَهَتِ الْأُولَى، وَعَنْهُ: إِنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فَكَفَّارَاتٌ بِعَدَدِهِ، وَقَالَهُ الثَّوْرِيُّ. وَعَنْهُ: بِعَدَدِهِ. (وَعَنْهُ: إِنْ كَرَّرَهُ فِي مَجَالِسَ فَكَفَّارَاتٌ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ; لِأَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 فَكَفَّارَتُهُ وَاحِدَةٌ، وَعَنْهُ: إِنْ كَرَّرَهُ فِي مَجَالِسَ فَكَفَّارَاتٌ، فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَإِنْ كَانَ بِكَلِمَاتٍ فَلِكُلُّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ. فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ   [المبدع في شرح المقنع] الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَوْلٌ مُسْتَأْنَفٌ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مِثْلَ مَا تَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّأْكِيدَ. (فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ) بِأَنْ قَالَ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، رَوَاهُ عَنْهُمَا الْأَثْرَمُ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ يَجِبْ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ كَفَّارَةٍ كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْهُ: لِكُلِّ امْرَأَةٍ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهَا. وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ تَقْتَضِي كَفَّارَةً تَرْفَعُهَا وَتُكَفِّرُ إِثْمَهَا، وَالظِّهَارُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، الْكَفَّارَةُ الْوَاحِدَةُ تَرْفَعُ حُكْمَهَا وَتَمْحُو إِثْمَهَا، بِخِلَافِ الْكَلِمَاتِ (وَإِنْ كَانَ بِكَلِمَاتٍ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ) ، قَالَهُ عُرْوَةُ وَعَطَاءٌ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي: هَذَا الْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ; لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ فِي مَحَالَّ مُخْتَلِفَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ وُجِدَتْ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ. وَعَنْهُ: تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ اتِّبَاعًا لِعُمْرَ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَإِسْحَاقَ ; لِأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ حَقُّ للَّهِ، فَلَمْ تَتَكَرَّرْ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهَا كَالْحَدِّ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْحَدَّ عُقُوبَةٌ يُدْرَأَ بِالشُّبْهَةِ، وَعَنْهُ: إِنْ كَرَّرَهُ فِي مَجَالِسَ فَكَفَّارَاتٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ. قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَلِكَ يُخْرِجُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، يَعْنِي: بِفِعْلٍ، أَوْ أَفْعَالٍ. [فَصْلٌ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا] فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا. الْكَفَّارَةُ مَأْخُوذٌ مَعْنَاهَا مِنَ الْكُفْرِ، وَهُوَ السَّتْرُ ; لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الذَّنْبَ (كَفَّارَةُ الظِّهَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ. وَفِي " الْكَافِي ": غَيْرُ مَرْجُوٍّ زَوَالُهُ، أَوْ يَخَافُ زِيَادَتُهُ، أَوْ بُطْأهُ. وَذَكَرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَكَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ مِثْلُهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ مِثْلُهُمَا إِلَّا فِي الْإِطْعَامِ فَفِي وُجُوبِهِ رِوَايَتَانِ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِذا وَجَبَتْ، وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ أَعْسَرَ لَمْ يُجْزِئْهُ إِلَّا الْعِتْقُ، وَإِنْ وَجَبَتْ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَأَيْسَرَ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُؤَلِّفَ وَغَيْرَهُ: أَوْ لِشَبَقٍ. وَفِي " التَّرْغِيبِ ": أَوْ لِضَعْفِهِ عَنْ مَعِيشَةٍ تَلْزَمُهُ. وَفِي " الرَّوْضَةِ " لِضَعْفٍ عَنْهُ، أَوْ كَثْرَةِ شُغْلٍ، أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ. {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} [المجادلة: 3] الْآيَتَيْنِ «وَلِحَدِيثِ خُوَيْلَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ حِينَ ظَاهَرَ مِنْها، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تُعْتِقُ رَقَبَةً قَالَتْ، يَعْنِي امْرَأَتَهُ: لَا يَجِدُ، قَالَ: فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: فَيُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» وَهَذَا التَّرْتِيبُ لَا خِلَافَ فِيهِ إِذَا كَانَ الْمَظَاهِرُ حُرًّا وَيَأْتِي حُكْمُ الْعَبْدِ (وَكَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي) نَهَارِ (رَمَضَانَ مِثْلُهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَقَدْ سَبَقَ. (وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ مِثْلَهُمَا) لِأَنَّ التَّحْرِيرَ، وَالصِّيَامَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى (إِلَّا فِي الْإِطْعَامِ فَفِي وُجُوبِهِ رِوَايَتَانِ) أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ كَالْعِتْقِ، وَالصِّيَامِ. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، اخْتَارَهَا فِي " التَّبْصِرَةِ " وَ " الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ " ; لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ فِيهَا عِتْقٌ وَصَوْمٌ، فَكَانَ فِيهَا إِطْعَامٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ. (وَالِاعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الطُّهْرَةِ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْوُجُوبِ كَالْحَدِّ. نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَجَبَ، وَهُوَ عَبْدٌ، فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى عَتَقَ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ. وَقَالَهُ الْأَثْرَمُ (فَإِذا وَجَبَتْ، وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ أُعْسِرَ لَمْ يُجْزِئْهُ إِلَّا الْعِتْقُ) ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ، فَلَا يَخْرُجُ عَنِ الْعُهْدَةِ إِلَّا بِهِ. (وَإِنْ وَجَبَتْ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَأَيْسَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ) لِأَنَّه غَيْرَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، لَا يُقَالُ: الصَّوْمُ بَدَلٌ عَنِ الْعِتْقِ، فَإِذَا وَجَدَ مَنْ يُعْتِقُهُ وَجَبَ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، أَوْ فِيهَا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْمَاءَ إِذَا وُجِدَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ بَطَلَ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ لَوْ وُجِدَ بَعْدَ فِعْلِهِ لَمْ يَبْطُلْ. (وَلَهُ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ) لَأَنَّ الْعِتْقَ هُوَ الْأَصْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ وَلَهُ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ. وَعَنْهُ فِي الْعَبْدِ إِذَا عَتَقَ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ الصَّوْمِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الِاعْتِبَارُ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ فَمَنْ أَمْكَنَهُ الْعِتْقُ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ إِلَى حِينِ التَّكْفِيرِ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ، فَإِنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ كَسَائِرِ الْأُصُولِ (وَعَنْهُ فِي الْعَبْدِ إِذَا عَتَقَ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ الصَّوْمِ) بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا إِنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ ; لِأَنَّهُ حَنِثَ، وَهُوَ عَبْدٌ، فَلَمْ يَكُنْ يُجْزِئُهُ إِلَّا الصَّوْمُ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ عَبْدٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ، فَإِنْ كَفَرَ بِهِ أَجْزَأَهُ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ فِي رِقِّهِ، فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِحُرِّيَّتِهِ كَالْحَدِّ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَعَلَى الْأُخْرَى هُوَ كَالْحُرِّ ; لِأَنَّ رِقَّهُ جَعَلَهُ كَالْمُعْسِرِ، فَإِذَا أَتَى بِالْعِتْقِ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ. (وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الِاعْتِبَارُ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ) لِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِوُجُودِ الْمَالِ فَاعْتُبِرَتْ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ كَالْحَجِّ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةُ الْعُمُرِ وَجَمِيعُهُ وَقْتٌ لَهَا، فَمَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ فِي جُزْءٍ مِنْ وَقْتِهِ وَجَبَ بِخِلَافِهِ هُنَا، (فَمَنْ أَمْكَنَهُ الْعِتْقُ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ إِلَى حِينِ التَّكْفِيرِ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ) لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ ; لِأَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ (فَإِنْ شُرِعَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ) . وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعِتْقِ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِالصِّيَامِ أَشْبَهُ مَا لَوِ اسْتَمَرَّ الْعَجْزُ إِلَى مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَلِأَنَّهُ وَجَدَ الْمُبْدَلَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ كَالْمُتَمَتِّعِ يَجِدُ الْهَدْيَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي صِيَامِ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ، وَيُفَارِقُ مَا إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ قَضَاءَهَا يَسِيرٌ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: السُّنَّةُ فِيمَنْ صَامَ مِنَ الشَّهْرَيْنِ، ثُمَّ أَيْسَرَ أَنْ يَمْضِيَ. وَذَكَرَ فِي " الْمُبْهِجِ "، وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْأَدَاءِ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ حَالَةُ الْأَدَاءِ كَالْوُضُوءِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ) الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ، وَقَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ، وَالْحَكَمُ ; لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، أَوْ فِيهَا. أَصْلٌ: إِذَا تَكَلَّفَ الْعِتْقَ مِمَّنْ فَرْضُهُ الصِّيَامُ أَجْزَأَهُ فِي الْأَصَحِّ وَإِذَا قُلْنَا: الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْوُجُوبِ فَوَقْتُهُ فِي الظِّهَارِ مِنْ حِينِ الْعَوْدِ لَا وَقْتَ الْمُظَاهَرَةِ ; لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 فَصْلٌ فَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً، أَوْ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهَا بِمَا هُوَ فَاضِلٌ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ عَلَى الدَّوَامِ وَغَيْرِهَا مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِثَمَنِ مِثْلِهَا لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَمَنْ لَهُ خَادِمٌ   [المبدع في شرح المقنع] تَجِبُ حَتَّى يَعُودَ وَوَقْتُهُ فِي الْيَمِينِ مِنِ الْحِنْثِ لَا وَقْتَ الْيَمِينِ، فَلَوْ كَانَ الْمُظَاهِرُ ذِمِّيًّا فَتَكْفِيرُهُ بِغَيْرِ الصَّوْمِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَيَتَعَيَّنُ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ إِذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى شِرَائِهِ، وَيَتَعَيَّنُ التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنْ كَفَّارَتِي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، فَيَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ، فَلَوْ ظَاهَرَ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَصَامَ فِيهَا لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ كَفَرَ بِغَيْرِهِ. فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُجْزِئُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. [فَصْلٌ مَنْ مَلَكَ رَقَبَةً] [مَنْ مَلَكَ رَقَبَةً وَأَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهَا] فَصْلٌ (فَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً) لَزِمَهُ، فَلَوِ اشْتَبَهَ عَبْدُهُ بِعَبِيدِ غَيْرِهِ أَمْكَنَهُ الْعِتْقُ بِأَنْ يُعْتِقَ الرَّقَبَةَ الَّتِي فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ يُقْرِعُ بَيْنَ الرِّقَابِ فَيُعْتِقُ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ، هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (أَوْ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهَا بِمَا هُوَ فَاضِلٌ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ عَلَى الدَّوَامِ) ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُفْلِسِ الْمُقْدِمِ عَلَى الْكَفَّارَةِ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (وَغَيْرِهَا مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ) لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ كِفَايَتِهِ وَمُسَاوِيَةٌ لَهَا بِدَلِيلِ تَقْدِيمِهَا عَلَى غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ. (بِثَمَنِ مِثْلِهَا) لِأَنَّ مَا حَصَلَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ كَالتَّيَمُّمِ (لَزِمَهُ الْعِتْقُ) إِجْمَاعًا وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِقَالُ إِلَى الصِّيَامِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا حُرًّا مَعَ شَرْطٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يُكَفِّرَ فَاضِلًا عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ وَفِيهِ رِوَايَةٌ، لَا مَالَ يَحْتَاجُهُ لِأَكْلِ الطَّيِّبِ وَلُبْسِ النَّاعِمِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ لِعَدَمِ عِظَمِ الْمَشَقَّةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ [لَهُ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إِلَى خِدْمَتِهِ] (وَمَنْ لَهُ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إِلَى خِدْمَتِهِ) لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، وَنَحْوِهِ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْدِمُ نَفْسَهُ عَادَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعْتَاقٌ ; لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ كَمَنْ مَعَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِعَطَشٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ يَخْدِمُ امْرَأَتَهُ، وَهُوَ مِمَّنْ عَلَيْهِ إِخْدَامُهَا، أَوْ كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 يَحْتَاجُ إِلَى خدمته، أَوْ دَارٌ يَسْكُنُهَا، أَوْ دَابَّةٌ يَحْتَاجُ إِلَى رُكُوبِهَا، أَوْ ثِيَابٌ يَتَجَمَّلُ بِهَا، أَوْ كُتُبٌ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا، أَوْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً إِلَّا بِزِيَادَةٍ عَنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا تُجْحِفُ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ. وَإِنْ وَجَدَهَا بِزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ به، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ وُهِبَتْ لَهُ رَقَبَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا وَأَمْكَنَهُ شِرَاؤُهَا بِنَسِيئَةٍ لَزِمَهُ. وَلَا تُجْزِئُهُ   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ رَقِيقٌ يَتَقَوَّتُ بِخَرَاجِهِمْ فَكَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ لَهُ خَادِمٌ، وَهُوَ يَخْدِمُ نَفْسَهُ عَادَةً لَزِمَهُ الْإِعْتَاقُ ; لِأَنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُ سُرِّيَّةٌ لَمْ يَلْزَمْ إِعْتَاقُهَا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ سُرِّيَّةٍ غَيْرِهَا وَرَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ ; لِأَنَّ الْغرْضَ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهَا، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ لَهُ رَقَبَةٌ يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ رَقَبَتَيْنِ بِثَمَنِهَا، يَسْتَغْنِي بِخِدْمَةِ إِحْدَاهُمَا وَيُعْتِقُ الْأُخْرَى. (أَوْ دَارٍ يَسْكُنُهَا، أَوْ دَابَّةٍ يَحْتَاجُ إِلَى رُكُوبِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ دَارٌ يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ مَا يَكْفِيهِ لِسَكَنِ مِثْلِهِ، أَوْ رَقَبَةٍ، أَوْ ضَيْعَةٍ يَفْضُلُ مِنْهَا عَنْ كِفَايَتِهِ مَا يُمْكِنُهُ شِرَاءُ رَقَبَةٍ لَزِمَهُ، وَيُرَاعِي فِي ذَلِكَ الْكِفَايَةَ الَّتِي يَحْرُمُ مَعَهَا أَخْذُ الزَّكَاةِ. (أَوْ ثِيَابٍ يَتَجَمَّلُ بِهَا) لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْعِتْقِ لَكِنْ لَوْ كَانَ لَهُ مَلَابِسُ فَاخِرَةٌ تَزِيدُ عَلَى مَلَابِسِ مِثْلِهِ يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ مَا يَكْفِيهِ فِي لِبَاسِهِ وَرَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا، لَزِمَهُ. (أَوْ كُتُبِ) عِلْمٍ (يَحْتَاجُ إِلَيْهَا) أَوْ عَقَارٍ يَحْتَاجُ إِلَى غَلَّتِهِ، أَوْ عَرَضٍ لِلتِّجَارَةِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ رِبْحِهِ فِي مُؤْنَتِهِ (أَوْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً إِلَّا بِزِيَادَةٍ عَنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا تُجْحِفُ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ) لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي ذَلِكَ، (وَإِنْ وَجَدَهَا بِزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَقَيَّدَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَةِ " بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ، وَهُوَ أَشْهَرُ ; لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا تُجْحِفُ بِهِ، أَشْبَهُ مَا لَوْ بِيعَتْ بِثَمَنِ مِثْلِهَا، وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهُ يَجِدُ رَقَبَةً بِثَمَنِ مِثْلِهَا، أَشْبَهَ الْعَادِمَ وَأَصْلُهُمَا الْعَادِمُ لِلْمَاءِ إِذَا وَجَدَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ، فَإِنْ وَجَدَ رَقَبَةً رَفِيعَةً يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا رَقَبَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا لَزِمَهُ. لَا ضَرَرَ فِي الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا الضَّرَرُ فِي إِعْتَاقِهَا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ كَمَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لَهَا. (وَإِنْ وُهِبَتْ لَهُ رَقَبَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا) لِأَنَّ عَلَيْهِ مِنَّةً فِي قَبُولِهَا، وَذَلِكَ ضَرَرٌ فِي حَقِّهِ. (وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا وَأَمْكَنَهُ شِرَاؤُهَا بِنَسِيئَةٍ) لِغَيْبَةِ مَالِهِ. وَفِي " الرِّعَايَةِ "، أَوْ لِكَوْنِهِ دَيْنًا (لَزِمَهُ) فِي الْأَصَحِّ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ إِذَا عَدِمَ الْمَاءَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إِلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] فَبُذِلَ لَهُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ فِي بَلَدِهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ بِمَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، وَالثَّانِي: وَقَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ لَا ; لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَرُبَّمَا تَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ أَدَائِهِ فَيَخْرُجُ هَاهُنَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْأَوْلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَبِعْ نَسِيئَةً، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الصَّوْمُ. قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " لِلْحَاجَةِ وَكَالْعَادِمِ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: فِي غَيْرِ ظِهَارٍ لِلْحَاجَةِ لِتَحْرِيمِهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ. وَفِي " الشَّرْحِ " إِذَا كَانَ مَرْجُوَّ الْحُضُورِ قَرِيبًا لَمْ يَجُزِ الِانْتِقَالُ إِلَى الصِّيَامِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِظَارِ لِشِرَاءِ الرَّقَبَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا جَازَ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. 1 - فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ قَبْلَهُ، فَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرُّ السَّاعَةَ عَنْ ظِهَارِي - عَتَقَ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْهُ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ ظَاهَرْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي - عَتَقَ، وَفِي إِجْزَائِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ. [لَا تُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَاتِ إِلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ سَلِيمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ] (وَلَا تُجْزِئُهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إِلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ) رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ، وَالْأَكْثَرِ قِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ. وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ قَتْلٍ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَقِيلَ: كَافِرَةٌ، وَقِيلَ: كِتَابِيَّةٌ، وَقِيلَ: ذِمِّيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالثَّوْرِيِّ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ الرَّقَبَةَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ مَا تَنَاوَلَهُ الْإِطْلَاقُ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 تُجْزِئُهُ إِلَّا رَقَبَةٌ سَلِيمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا كَالْعَمَى وَشَلَلَ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ، أَوْ قَطْعَهُمَا، أَوْ قَطْعِ إِبْهَامِ الْيَدِ أَوْ سَبَّابَتِهَا أَوِ الْوُسْطَى أَوِ الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصَرِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ. وَلَا يُجْزِئُ الْمَرِيضُ الْمَأْيُوسُ مِنْهُ، وَلَا النَّحِيفُ الْعَاجِزُ عَنِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُقَيَّدِ إِذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ، وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَضَمَّنُ تَفْرِيغَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَتَكْمِيلَ أَحْكَامِهِ وَمَعُونَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَنَاسَبَ ذَلِكَ إِعْتَاقَهُ فِي الْكَفَّارَةِ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمْعٌ: مَنْعُ حَرْبِيَّةٍ وَمُرْتَدَّةٍ اتِّفَاقًا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ فِي نَذْرِ عِتْقٍ مُطْلَقٍ رِوَايَةٌ مُخْرَجَةٌ مِنْ فِعْلٍ مَنْذُورٍ فِي وَقْتِ نَهْيٍ وَمِنْ مَنْعَه زَوْجَةٍ مِنْ حَجَّةِ نَذْرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَالْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ (وَلَا تُجْزِئُهُ إِلَّا رَقَبَةٌ سَلِيمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا) ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْلِيكُ الْعَبْدِ مَنْفَعَتَهُ وَتَمْكِينَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَلَا يَحْصُلُ هَذَا مَعَ مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا (كَالْعَمَى) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ فِي أَكْثَرِ الصَّنَائِعِ لِفَقْدِهِ الْبَصَرَ الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ إِلَى الْعَمَلِ. (وَشَلَلِ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ، أَوْ قَطْعِهِمَا) لِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ الْبَطْشِ، وَالرِّجْلَ آلَةُ الْمَشْيِ، فَلَا يَتَهَيَّأُ كَثِيرٌ مِنَ الْعَمَلِ مَعَ حُصُولِ ذَلِكَ. وَكَذَا لَا يُجْزِئُ مُقْعَدٌ وَمَجْنُونٌ مُطْبِقٌ ; لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهِ الْمَعِيبَانِ ذَهَابَ مَنْفَعَةِ الْحِسِّ وَحُصُولَ الضَّرَرِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ يَكُونُ كَلًّا عَلَى غَيْرِهِ. وَقَدْ نَظَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْعُيُوبِ مِنْ كُلِّ بَابٍ إِلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، فَاعْتَبَرَ هُنَا مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ. وَفِي الْأُضْحِيَّةِ مَا يَنْقُصُ اللَّحْمَ، وَفِي النِّكَاحِ مَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْجِمَاعِ، وَفِي الْبَيْعِ مَا يُخِلُّ بِالْمَالِيَّةِ (أَوْ قَطْعِ إِبْهَامِ الْيَدِ، أَوْ سَبَّابَتِهَا، أَوِ الْوُسْطَى، أَوِ الْخِنْصَرِ، وَالْبِنْصِرِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ نَفْعَ الْيَدِ يَزُولُ أَكْثَرُهُ بِذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ خِنْصَرُهُ وَبِنْصِرُهُ مِنْ يَدَيْنِ جَازَ عِتْقُهُ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ نَفْعَ الْكَفَّيْنِ بَاقٍ، وَقَطْعَ أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ كَقَطْعِهَا، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ إِصْبَعٍ أُنْمُلَتَانِ، فَهُوَ كَقَطْعِهَا ; لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِمَنْفَعَتِهَا، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ إِصْبَعٍ غَيْرِ الْإِبْهَامِ أُنْمُلَةٌ لَمْ يَمْنَعْ. وَفِي " الْوَاضِحِ " أَنَّ مَقْطُوعَ الْإِبْهَامَيْنِ، لَا يُجْزِئُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قُطِعَ أَحَدُهُمَا (. وَلَا يُجْزِئُ الْمَرِيضُ الْمَأْيُوسُ مِنْهُ) كَمَرَضِ السُّلِّ ; لِأَنَّ بُرْأَهُ يَنْدُرُ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْعَمَلِ مَعَ بَقَائِهِ. وَقِيلَ: أَوْ لَا، ثُمَّ مَاتَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْيُوسًا مِنْهُ كَالْحُمَّى، وَنَحْوِهَا لَمْ يَمْنَعْ. (وَلَا النَّحِيفُ الْعَاجِزُ عَنِ الْعَمَلِ) لِعَجْزِهِ عَمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الْعَمَلِ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ. وَفِي مَعْنَاهُ الزَّمِنُ، وَالْمُقْعَدُ وَفِيهِمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 الْعَمَلِ، وَلَا غَائِبٌ لَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ، وَلَا مَجْنُونٌ مُطْبِقٌ، وَلَا أَخْرَسُ لَا تُفْهَمُ إِشَارَتُهُ، وَلَا عِتْقُ مَنْ عَلِقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ عِنْدَ وُجُودِهَا، وَلَا مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ، وَلَا مَنِ   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَةٌ (وَلَا غَائِبٌ، لَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ) لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي حَيَاتِهِ. وَالْأَصْلُ بَقَاءُ شَغْلِ الذِّمَّةِ، فَلَا تَبْرَأُ بِالشَّكِّ. لَا يُقَالُ: الْأَصْلُ الْحَيَاةُ ; لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ، لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ انْقِطَاعُ خَبَرِهِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ كَمَا لَوْ عُلِمَ بَعْدُ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ، وَلَا يُجْزِئُ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ خَبَرُهُ، أَجْزَأَ عِتْقُهُ ; لِأَنَّهُ عِتْقٌ صَحِيحٌ (وَلَا مَجْنُونٌ مُطْبِقٌ) لِأَنَّهُ مَعْدُومُ النَّفْعِ ضَرُورَةَ اسْتِغْرَاقِ زَمَانِهِ فِي الْجُنُونِ، وَقِيلَ: أَوْ أَكْثَرَ وَقْتُهُ. وَهُوَ أَوْلَى لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَمَامِ الْعَمَلِ. وَفِي مَعْنَاهُ الْهَرَمُ قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (وَلَا أَخْرَسُ لَا تُفْهَمُ إِشَارَتُهُ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ زَائِلَةٌ أَشْبَهَ زَوَالَ الْعَقْلِ، وَلِأَنَّ الْخَرَسَ نَقْصٌ كَثِيرٌ يَمْنَعُ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ كَالْقَضَاءِ، وَالشَّهَادَةِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا تَفْهَمُ إِشَارَتَهُ فَيَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ اسْتِعْمَالِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ أَجْزَأَ. صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " كَذَهَابِ الشَّمِّ، وَالْمَنْصُوصُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي "، وَقِيلَ: يُجْزِئُ مُطْلَقًا حَكَاهُ فِي التَّعْلِيقِ وَأَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ. فَإِنْ كَانَ بِهِ صَمَمٌ لَمْ يُجْزِئْ وَإِلَّا أَجْزَأَ. وَفِي " الْمُغْنِي ": الْأَوْلَى أَنَّهُ مَتَى فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ وَفَهِمَ إِشَارَةَ غَيْرِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُ ; لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَقُومُ مُقَامَ الْكَلَامِ. وَفِي " الْوَاضِحِ ": الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْأَصَمَّ ; لِأَنَّ الصَّمَمَ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْعَمَلِ (وَلَا عِتْقَ مَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ عِنْدَ وُجُودِهَا) أَيْ: إِذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَكَهُ يَنْوِي بِشِرَائِهِ عِتْقَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ عَتَقَ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْكَفَّارَةِ، فَلَمْ يُجْزِئْ عِتْقُهُ كَالَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ لِلْكَفَّارَةِ، أَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ أَنَّهُ يُجْزِئُ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَه الَّذِي يَمْلِكُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ ; لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحِقٌّ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ. (وَلَا مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] ، وَالتَّحْرِيرُ فِعْلُ الْعِتْقِ، وَلَمْ يَحْصُلْ هُنَا بِتَحْرِيرٍ مِنْهُ، وَلَا إِعْتَاقٍ، فَلَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، وَلِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ كَمَا لَوْ وَرِثَهُ يَنْوِي بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَلَا أُمَّ وَلَدِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَلَا مَكَاتَبٌ قَدْ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا فِي اخْتِيَارِ شُيُوخِنَا. وَعَنْهُ: يُجْزِئُ. وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ مَكَاتَبٌ   [المبدع في شرح المقنع] الْعِتْقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَيُخَالِفُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَائِعَ يُعْتِقُهُ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يُعْتِقْهُ، وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِإِعْتَاقِ الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ. الثَّانِي أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ إِعْتَاقَهُ، وَالْمُشْتَرِي بِخِلَافِهِ. (وَلَا مَنِ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ قَوْلُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ; لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَائِعَ نَقَصَهُ مِنَ الثَّمَنِ لِأَجْلِ هَذَا الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ عَنِ الْعِتْقِ عِوَضًا، فَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ. وَعَنْهُ: بَلَى، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ مَالًا، أَوْ خِدْمَةً لَمْ يُجْزِئْهُ. (وَلَا أُمَّ وَلَدِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالْأَكْثَرُ ; لِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَا لَوِ اشْتَرَى قَرِيبَةً، أَوْ عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَأَعْتَقَهُ. وَكَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ وَنَوَى عِتْقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَالثَّانِيَةُ: يُجْزِئُ. قَالَهُ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَمُعْتِقُهَا قَدْ حَرَّرَهَا. وَجَوَابُهُ: الْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَنَقِيسُ عَلَيْهِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. (وَلَا مُكَاتَبٌ قَدْ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا فِي اخْتِيَارِ شُيُوخِنَا) وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ; لِأَنَّهُ إِذَا أَدَّى شَيْئًا فَقَدْ حَصَلَ الْعِوَضُ عَنْ بَعْضِهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ رَقَبَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا أَنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً سَالِمَةَ الْخَلْقِ تَامَّةَ الْمِلْكِ فَأَجْزَأَ كَالْمُدَبَّرِ. (وَعَنْهُ: يُجْزِئُ) وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَأَجْزَأَ عِتْقُهُ عَنْهَا كَالْمُدَبَّرِ، وَلِأَنَّهُ رَقَبَةٌ فَيَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْآيَةِ. (وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ مَكَاتَبٌ بِحَالٍ) قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْأَكْثَرُ ; لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ إِبْطَالَ كِتَابَتِهِ، أَشْبَهَ أُمَّ الْوَلَدِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ مِنْ كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ جَازَ بَيْعُهُمَا. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَمْ يَحْصُلْ فِي مُقَابَلَةٍ مِنْهُ عِوَضٌ، بِخِلَافِ مَكَاتَبٍ أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَى الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ الْمَكَاتَبِ. 1 - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 بِحَالٍ. وَيُجْزِئُ الْأَعْرَجُ يَسِيرًا، وَالْمُجْدَعُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ، وَالْمَجْبُوبُ، وَالْخَصِيُّ، وَمَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ، وَالْأَصَمُّ، وَالْأَخْرَسُ الَّذِي يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ وَتَفْهَمُ إِشَارَتُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: لَا يُجْزِئُ إِعْتَاقُ الْجَنِينِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ ; لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُمَلَّكُ إِلَّا بِالْإِرْثِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُمَا كَوْنُهُ آدَمِيًّا لِكَوْنِهِ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ نُطْفَةٌ، أَوْ عَلَقَةٌ وَلَيْسَ بِآدَمِيٍّ فِي تِلْكَ الْحَالِ. 1 - تَنْبِيهٌ: إِذَا اشْتَرَى عَبْدًا يَنْوِي إِعْتَاقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا، لَا يُمْنَعُ مِنَ الْإِجْزَاءِ فَأَخَذَ أَرْشَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَنْهَا أَجْزَأَهُ. وَالْأَرْشُ لَهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبِهِ وَأَخَذَ أَرْشَهُ، فَهُوَ لَهُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ قَبْلَ إِعْتَاقِهِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُصَرِّفُ الْأَرْشَ فِي الرِّقَابِ، فَإِنْ عَلِمَ الْعَيْبَ، وَلَمْ يَأْخُذْ أَرْشَهُ كَانَ الْأَرْشُ لِلْمُعْتَقِ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ مَعِيبًا عَالِمًا بِعَيْبِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَرْشٌ كَمَا لَوْ بَاعَهُ لِمَنْ يَعْلَمُ عَيْبَهُ، فَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنْ كَفَّارَتِكَ وَلَكَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، فَفَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْهَا ; لِأَنَّ الرَّقَبَةَ لَمْ تَقَعْ خَالِصَةً عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَنْ بَاذِلِ الْعِوَضِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ (وَيُجْزِئُ الْأَعْرَجُ يَسِيرًا) لِأَنَّهُ قَلِيلُ الضَّرَرِ بِالْعَمَلِ، بِخِلَافِ الْفَاحِشِ الْكَثِيرِ، فَهُوَ كَقَطْعِ الرِّجْلِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يُجْزِئُ الْأَعْرَجُ يَسِيرًا إِذَا كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمَشْيِ. (وَالْمُجْدَعُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ) الْجَدْعُ قَطْعُ الْأَنْفِ، وَالْأُذُنِ، وَالشَّفَةِ، وَهُوَ بِالْأَنْفِ أَخَصُّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْعَمَلِ، فَهُوَ كَمَقْطُوعِ الْأُذُنَيْنِ وَكَنَقْصِ السَّمْعِ (وَالْمَجْبُوبِ، وَالْخَصِيِّ، وَمَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ، وَالْأَصَمُّ، وَالْأَخْرَسُ الَّذِي يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ وَتُفْهَمُ إِشَارَتُهُ) لِمَا ذَكَرْنَا. وَخَالَفَ فِي " الْمُوجَزِ " وَ " التَّبْصِرَةِ " فِي الْأَصَمِّ لِنَقْصِهِ، وَتُجْزِئُ الرَّتْقَاءُ، وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي تَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ لَا يَمْنَعُ تَمْلِيكَ الْعَبْدِ مَنَافِعَهُ وَتَكْمِيلَ أَحْكَامِهِ. 1 - مَسَائِلُ: يُجْزِئُ مُسْتَأْجِرٌ وَمَرْهُونٌ وَأَحْمَقُ، وَالْجَانِي مُطْلَقًا وَإِنْ قُتِلَ قِصَاصًا، وَالْأَمَةُ الزَّوْجَةُ، وَالْحَامِلُ، وَإِنِ اسْتَثْنَى حَمْلَهَا كَمَا لَا يَضُرُّ قَطْعُ أَصَابِعِ قَدَمِ وَكَذَهَابِ نُورِ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ ; لِأَنَّهُ يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ، وَالْإِجْزَاءُ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَوَلَدُ الزِّنَا، وَالصَّغِيرُ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا صَلَّى   [المبدع في شرح المقنع] الْهَدْيِ أَشْبَهَ الْعَمَى، 1 - (وَالْمُدَبَّرُ) فِي قَوْلِ طَاوُسٍ ; لِأَنَّهُ عَبْدٌ كَامِلُ الْمَنْفَعَةِ لَمْ يَحْصُلْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ عِوَضٌ كَالْقَنِّ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَإِنْ قِيلَ: بِعَدَمِ جَوازِهِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ. قَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَكْثَرُ ; لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحِقٌّ بِسَبَبٍ آخَرَ أَشْبَهَ أُمَّ الْوَلَدِ. (وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) قَبْلَ وُجُودِهَا ; لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ تَامٌّ (وَوَلَدِ الزِّنَا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِدُخُولِهِ فِي الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ كَامِلُ الْعَقْلِ لَمْ يُعْتَقْ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا اسْتَحَقَّ عِتْقَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ أَشْبَهَ وَلَدَ الرَّشِيدَةِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ الْمُلَازِمُ لِلزِّنَا كَمَا يُقَالُ: ابْنُ السَّبِيلِ الْمُلَازِمُ لَهَا وَوَلَدُ اللَّيْلِ يَسِيرُ فِيهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُجْزِئُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ شَرُّ الثَّلَاثَةِ أَصْلًا وَعُنْصُرًا وَنَسَبًا ; لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الزِّنَا، وَهُوَ خَبِيثٌ. وَأَنْكَرَ قَوْمٌ هَذَا التَّفْسِيرَ، وَقَالُوا: لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ وِزْرِ وَالِدَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ شَرُّهُمْ إِذَا عَمِلَ عَمَلَهُمْ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَأَمَّا أَحْكَامُ الدُّنْيَا فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِي صِحَّةِ إِمَامَتِهِ وَبَيْعِهِ وَعِتْقِهِ، وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ، فَكَذَا فِي عِتْقِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ وَيُجْزِئُ مَعَ كَمَالِ أَجْرِهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَشْفَعُ مَعَ صِغَرِهِ فِي أُمِّهِ، لَا أَبِيهِ (وَالصَّغِيرُ) كَذَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: لَهُ سَبْعُ سِنِينَ إِنِ اشْتَرَطَ الْإِيمَانَ قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ " لِدُخُولِهِ فِي الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يُرْجَى مَنَافِعُهُ فَأَجْزَأَ كَالْمَرِيضِ. وَالْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ الْإِسْلَامُ بِدَلِيلِ إِعْتَاقِ الْفَاسِقِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ مُؤْمِنُونَ عِنْدَنَا فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا نَدْرِي مَا هُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَلِهَذَا تَعَلَّقَ حُكْمُهُ بِكُلِّ مُسْلِمٍ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا صَلَّى وَصَامَ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْفِعْلُ دُونَ السِّنِّ، فَمَنْ صَلَّى وَصَامَ مِمَّنْ لَهُ عَقْلٌ يَعْرِفُهُمَا وَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْآيَتَانِ بِنِيَّتِهِ وَأَرْكَانِهِ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ السَّبْعَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا ; لِأَنَّهُ عَاجِزٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَشْبَهَ الزَّمَنَ. وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ يُجْزِئُ ابْنُ سَبْعٍ إِذَا صَلَّى وَصَامَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 وَصَامَ، وَإِنْ أعَتَقَ نِصْفُ عَبْدٍ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيهِ فَأَعْتَقَهُ أَجَزْأَهُ إِلَّا عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الِاسْتِسْعَاءِ. وَإِنْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَسَرَى إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ   [المبدع في شرح المقنع] يُجْزِئُ إِعْتَاقُ مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعٍ ; لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْعِبَادَاتُ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، وَقَالَ الْقَاضِي: فِي إِعْتَاقِ الصَّغِيرِ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ إِلَّا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: يُعْتِقُ الصَّغِيرَ إِلَّا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، فَإِنَّهُ لَا تُجْزِئُ إِلَّا مُؤْمِنَةٌ فَأَرَادَ الَّتِي صَلَّتْ. وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَالصِّحَّةِ ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ، وَالْإِسْلَامَ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ تَبَعًا. (وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ فَأَعْتَقَهُ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً فِي وَقْتَيْنِ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ الْمَسَاكِينَ فِي وَقْتَيْنِ (إِلَّا عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الِاسْتِسْعَاءِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُسْتَحِقُّ الْعِتْقَ، فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَالْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهَا. (وَإِنْ أَعْتَقَهُ) عَنْ كَفَّارَتِهِ (وَهُوَ مُوسِرٌ فَسَرَى إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ) عَتَقَ (لَمْ يُجْزِئْهُ نَصَّ عَلَيْهِ) اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّ عِتْقَ نِصْفِهِ لَمْ يَحْصُلْ بِالْمُبَاشِرَةِ بَلْ بِالسِّرَايَةِ كَمَا لَوْ عَتَقَ نِصْفُ عَبْدٍ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِأَهُ) إِذَا نَوَى إِعْتَاقَ جَمِيعِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا كَامِلَ الرِّقِّ سَلِيمَ الْخَلْقِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلْعِتْقِ نَاوِيًا بِهِ الْكَفَّارَةَ، فَأَجْزَأَ كَمَا لَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مِلْكَهُ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَأَعْتَقَ جُزْءًا مِنْهُ مُعَيَّنًا، أَوْ مُشَاعًا عَتَقَ كُلُّهُ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَإِنْ نَوَى إِعْتَاقَ الْجُزْءِ الَّذِي بَاشَرَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ دُونَ غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ عِتْقُ غَيْرِهِ. وَهَلْ يُحْتَسَبُ لَهُ بِمَا نَوَى عَنِ الْكَفَّارَةِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفًا آخَرَ) أَيْ: نِصْفَ عَبْدَيْنِ، أَوْ أَمَتَيْنِ، أَوْ نِصْفَ عَبْدٍ وَنِصْفَ أَمَةٍ (أَجْزَأَهُ عِنْدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 لَمْ يُجْزِئْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفًا آخَرَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَلَمْ يُجْزِئْهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ. فَصْلٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حُرًّا كَانَ، أَوْ عَبْدًا وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ   [المبدع في شرح المقنع] الْخِرَقِيِّ) وَفِي " الرَّوْضَةِ " هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ الْأَشْقَاصَ كَالْأَشْخَاصِ فِيمَا لَا يَمْنَعُ الْعَيْبَ بالْيَسِيرَ دَلِيلُهُ الزَّكَاةُ إِذَا كَانَ نِصْفُ ثَمَانِينَ شَاةً مَشَاعًا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ مُنْفَرِدَةً وَكَالضَّحَايَا، وَالْهَدَايَا إِذَا اشْتَرَكُوا فِيهَا. (وَلَمْ يُجْزِئْهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ، وَلَا تَحْصُلُ مِنْ إِعْتَاقِ نِصْفَيْنِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ " الرَّوْضَةِ " رِوَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا أَجْزَأَهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": إِذَا أَعْتَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ كَفَارَّتَيْنِ أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّ إِعْتَاقَ الرَّقَبَةِ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى الْكَامِلَةِ، وَلَا يَحْصُلُ مِنَ الشَّخْصَيْنِ مَا يَحْصُلُ مِنَ الرَّقَبَةِ الْكَامِلَةِ فِي تَكْمِيلِ الْأَحْكَامِ وَتَخْلِيصِ الْآدَمِيِّ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ. وَيَمْتَنِعُ قِيَاسُ الشِّقْصَيْنِ عَلَى الرَّقَبَةِ الْكَامِلَةِ بِدَلِيلِ الشِّرَاءِ. فَرْعٌ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمَغْصُوبُ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَفِي مُوصَى بِخِدْمَتِهِ أَبَدًا: مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَأَمَّا نِضْوُ الْخَلْقِ ضَعِيفُ التَّرْكِيبِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَضْعُفُ عَنِ الْعَمَلِ مَعَ بَقَائِهِ أَجْزَأَهُ. [فَصْلٌ مَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً] [مَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ] فَصْلٌ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) رَقَبَةً يَشْتَرِيهَا، أَوْ وَجَدَهَا، وَلَمْ يَجِدْ ثَمَنَهَا، أَوْ وَجَدَهُ لَكِنْ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ تُجْحِفُ بِمَالِهِ، أَوْ وَجَدَهَا وَلَكِنِ احْتَاجَهَا لِخِدْمَةٍ، وَنَحْوِهِ (فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ، وَمَعْنَاهُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ صِيَامِ أَيَّامِهِمَا، فَلَا يُفْطِرُ فِيهِمَا، وَلَا يَصُومُ عَنْ غَيْرِ الْكَفَّارَةِ. (حُرًّا كَانَ) الْمُكَفِّرُ (أَوْ عَبْدًا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. (وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ) بَلْ يَكْفِي فِعْلُهُ ; لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَشَرَائِطُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 التَّتَابُعِ، فَإِنْ تَخَلَّلَ صَوْمَهَا شَهْرُ رَمَضَانَ، أَوْ فِطْرٌ وَاجِبٌ كَفِطْرِ الْعِيدِ، أَوِ الْفِطْرُ لِحَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ جُنُونٍ، أَوْ مَرَضٍ مُخَوِّفٍ، أَوْ فِطْرُ الْحَامِلِ، وَالْمَوْضِعِ لِخَوْفِهَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لَمْ يَنْقَطِعِ التَّتَابُعُ وَكَذَلِكَ إِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْعِبَادَاتِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ النِّيَّةُ لِأَفْعَالِهَا. وَقِيلَ: تَجِبُ النِّيَّةُ فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِاللَّيْلَةِ الْأَوْلَى، وَالتَّجْدِيدِ لِكُلِّ لَيْلَةٍ وَجْهَانِ وَيُبَيِّتُ النِّيَّةَ، وَفِي تَعْيِينِهَا جِهَةَ الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ. (فَإِنْ تَخَلَّلَ صَوْمَهَا شَهْرُ رَمَضَانَ) بِأَنْ يَبْتَدِئَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِ شَعْبَانَ فَيَتَخَلَّلُهُ رَمَضَانُ (أَوْ فِطْرٌ وَاجِبٌ كَفِطْرِ الْعِيدِ) بِأَنْ يَبْتَدِئَ مَثَلًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَيَتَخَلَّلُهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَإِنَّ التَّتَابُعَ لَا يَنْقَطِعُ بِهَذَا وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهِ ; لِأَنَّهُ زَمِنٌ مَنَعَهُ الشَّرْعُ عَنْ صَوْمِهِ فِي الْكَفَّارَةِ كَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ. وَفِي " مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ ": فِي صَوْمِ الْعِيدِ يَقْطَعُ التَّتَابُعُ ; لِأَنَّهُ خَلَّلَهُ بِإِفْطَارٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهُ، ثُمَّ سَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الصَّوْمَ كَاللَّيْلِ، وَيَتَخَرَّجُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنَّهُ يَصُومُهَا، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَفْطَرَهَا اسْتَأْنَفَ ; لِأَنَّهَا أَيَّامٌ أَمْكَنَهُ صِيَامُهَا فِي الْكَفَّارَةِ فَفِطْرُهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَغَيْرِهَا. (أَوِ الْفِطْرُ بِحَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الصَّائِمَةَ مُتَتَابِعًا إِذَا حَاضَتْ قَبْلَ إِتْمَامِهِ تَقْضِي إِذَا طَهُرَتْ وَتَبْنِي ; لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فِي الشَّهْرَيْنِ إِلَّا بِتَأْخِيرِهِ إِلَى الْإِيَاسِ، وَفِيهِ تَغْرِيرٌ بِالصَّوْمِ ; لِأَنَّهَا رُبَّمَا مَاتَتْ قَبْلَهُ، وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي أَحْكَامِهِ فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ: يَقْطَعُ التَّتَابُعَ ; لِأَنَّهُ فِطْرٌ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَلَا يَتَكَرَّرُ فِي الْعَامِ، أَشْبَهَ الْفِطْرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْحَيْضِ ; لِأَنَّهُ أَنْدَرُ مِنْهُ. لَا يُقَالُ: الْحَيْضُ، وَالنِّفَاسُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُمَا ; لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنَ النِّفَاسِ بِأَنْ لَا تَبْتَدِئَ الصَّوْمَ فِي حَالِ الْحَمْلِ، وَفِي الْحَيْضِ إِذَا كَانَ طُهْرُهَا يَزِيدُ عَلَى الشَّهْرَيْنِ بِأَنْ تَبْتَدِئَ الصَّوْمَ عَقِبَ طُهْرِهَا مِنَ الْحَيْضِ وَمَعَ هَذَا لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِهِ. (أَوْ جُنُونٌ) قَالَ جَمَاعَةٌ (أَوْ مَرَضٌ مُخَوِّفٌ) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنِ ; لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِسَبَبٍ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ كَالْحَيْضِ. (أَوْ فِطْرِ الْحَامِلِ، وَالْمَرْضِعِ لِخَوْفِهَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لَمْ يَنْقَطِعِ التَّتَابُعُ) لِأَنَّهُ فِطْرٌ أُبِيحَ لِعُذْرٍ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا فَلَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 يَنْقَطِعَ. وَإِنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ صَامَ تَطَوُّعًا، أَوْ قَضَاءً، أَوْ عَنْ نَذْرٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ، وَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ غَيْرِ   [المبدع في شرح المقنع] يَنْقَطِعْ كَالْمَرِيضِ. (وَكَذَلِكَ إِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا) لَمْ يَنْقَطِعِ التَّتَابُعُ، وَجَزَمَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّهُ فِطْرٌ أُبِيحَ لَهُمَا بِسَبَبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِهِمَا كَمَا لَوْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْقَطِعَ) لَأَنَّ الْخَوْفَ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَلِهَذَا تَلْزَمُهُمَا الْفِدْيَةُ مَعَ الْقَضَاءِ. وَأَطْلَقَ فِي " الْمُحَرَّرِ " الْخِلَافَ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إِبَاحَةِ الْفِطْرِ، وَالْمَشَقَّةِ اللَّاحِقَةِ فَقَطَعَ التَّتَابُعَ وَبِفِطْرِهِ نَاسِيًا، أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ مُخْطِئًا كَجَاهِلٍ بِهِ. [إِفْطَارُ الْمُظَاهِرِ فِي الْكَفَّارَةِ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ] (وَإِنْ أَفْطَرَ) أَيْ: تَعَمَّدَهُ (لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ صَامَ تَطَوُّعًا، أَوْ قَضَاءً، أَوْ عَنْ نَذْرٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ) لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالتَّتَابُعِ الْمَشْرُوطِ، وَيَقَعُ صَوْمُهُ عَمَّا نَوَاهُ ; لِأَنَّ هَذَا الزَّمَانَ لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ مُتَعَيِّنٍ لِلْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَخَّرَهُ إِلَى فَرَاغِهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَيِّنًا أَخَّرَ الْكَفَّارَةَ عَنْهُ، أَوْ قَدَّمَهَا عَلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ كَانَ أَيَّامًا مِنَ الشَّهْرِ كَالْخَمِيسِ وَأَيَّامِ الْبَيْضِ قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ صَامَهُ، لَا تَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَلَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ فَيُفْضِي إِلَى أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ التَّكْفِيرِ بِحَالٍ. وَالنَّذْرُ يُمْكِنُهُ قَضَاؤُهُ بَعْدَ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَفِيهِ شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ النَّذْرُ الْمُتَعَيِّنُ زَمَانُهُ مُتَعَيِّنٌ لِلصَّوْمِ، فَهُوَ كَرَمَضَانَ فَيَلْزَمُ عَدَم ُ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ بِهِ لِتَعَيُّنِهِ، أَوِ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ ضَرُورَةَ مُسَاوَاةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فِي تَعْيِينِ الزَّمَانِ، بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: النَّذْرُ آكَدُ مِنْ رَمَضَانَ ; لِأَنَّ النَّذْرَ السَّابِقَ مُقَدَّمٌ بِخِلَافِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ التَّكْفِيرَ سَابِقٌ عَلَيْهِ. قَالَهُ ابْنُ الْمَنْجَا. (وَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ غَيْرِ الْمُخَوِّفِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الثَّانِيَةِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ كَالْمَرَضِ الْمُخَوِّفِ، وَالثَّانِي: بَلَى كَمَا لَوْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ أَفْطَرَ لَسَفَرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ، فَالْأَظْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ. وَقَالَهُ الْحَسَنُ ; لِأَنَّهُ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ كَفِطْرِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 الْمُخَوِّفِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَصَابَ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ. وَعَنْهُ: لَا يَنْقَطِعُ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهَا لَيْلًا لَمْ يَنْقَطِعْ.   [المبدع في شرح المقنع] الْحَائِضِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ ; لِأَنَّ السَّفَرَ حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ فَقَطَعَهُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ. وَفِي " الرَّوْضَةِ " إِنْ أَفْطَرَ لَعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَعِيدٍ بَنَى وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. قِيلَ لِأَحْمَدَ: مُظَاهِرٌ أَفْطَرَ لِمَرَضٍ، يُعِيدُ؛ قَالَ: أَرْجُو أَنَّهُ فِي عُذْرٍ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا أَكَلَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، وَكَانَ قَدْ طَلَعَ، أَوْ أَفْطَرَ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ، وَلَمْ تَغِبْ أَفْطَرَ. وَفِي انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ وَجْهَانِ. [انْقِطَاعُ التَّتَابُعِ] (وَإِنْ أَصَابَ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ) وَقَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالْأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] أَمَرَ بِهِمَا خَالِيَيْنِ مِنَ التَّمَاسِّ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ لَا يَخْتَصُّ الصِّيَامُ فَاسْتَوَى فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ كَالِاعْتِكَافِ. لَا يُقَالُ: الْوَطْءُ مَا بَقِيَ إِلَى كَفَّارَتِهِ سَبِيلٌ ; لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ أَلَّا يُوجَدَ التَّمَاسُّ قَبْلَ الشَّهْرَيْنِ، وَلَا فِيهَا، فَإِذَا تَعَذَّرَ اشْتِرَاطُ أَحَدِهِمَا وَجَبَ الْآخَرُ لِإِمْكَانِهِ. (وَعَنْهُ: لَا يَنْقَطِعُ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا) أَيْ: لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِفِعْلِهِ لَيْلًا، وَلَا نَهَارًا نَاسِيًا وَرَجَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُفْطِرُ بِهِ كَوَطْءِ غَيْرِهَا، وَعَنْهُ لَا يُفْطِرُ، وَلَا يَنْقَطِعُ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ الْفِطْرَ نَاسِيًا، وَإِنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِعُذْرٍ فَوَطِئَ غَيْرَهَا لَمْ يَنْقَطِعْ ; لِأَنَّ الْوَطْءَ، لَا أَثَرَ لَهُ فِي قَطْعِ التَّتَابُعِ، وَإِنْ وَطِئَهَا كَانَ كَوَطْئِهَا لَيْلًا. وَهَلْ يُقْطَعُ التَّتَابُعَ؛ فِيهِ وَجْهَانِ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وَطْأَهُ فِي أَثْنَاءِ إِطْعَامٍ - كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ - وَعَتَقَ، لَا يَقْطَعُهُ وَمَنَعَهُمَا فِي " الِانْتِصَارِ "، ثُمَّ سَلَّمَ الْإِطْعَامَ ; لِأَنَّهُ بَدَلٌ، وَالصَّوْمُ مُبْدَلٌ كَوَطْءِ مَنْ لَا تُطِيقُ الصَّوْمَ فِي الْإِطْعَامِ (وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهَا لَيْلًا لَمْ يَنْقَطِعْ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ مُخِلٌّ بِاتِّبَاعِ الصَّوْمِ كَالْأَكْلِ. وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمَسَ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا، أَوْ بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرْجِ عَلَى وَجْهٍ يُفْطِرُ بِهِ قُطِعَ التَّتَابُعُ لِإِخْلَالِهِ بِمُوَالَاةِ الصِّيَامِ. وَفِي " الرِّعَايَةِ " رِوَايَتَانِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 فَصْلٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ لَزِمَهُ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُسْلِمًا حُرًّا، صَغِيرًا كَانَ، أَوْ كَبِيرًا   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ لَمْ يَسْتَطِعِ الصَّوْمَ] [لَمْ يَسْتَطِعِ الصَّوْمَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ] فَصْلٌ (فَإِن ْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصَّوْمَ لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، وَلَوْ رُجِيَ زَوَالُهُ، أَوْ يَخَافُ زِيَادَتَهُ، أَوْ بُطْأَهُ. قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ شَبِقَ (لَزِمَهُ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَالْخَبَرُ، وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ لِأَجْلِ السَّفَرِ ; لِأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ عَنِ الصِّيَامِ وَلَهُ نِهَايَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمَرَضِ. (مُسْلِمًا حُرًّا، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إِذَا أَكَلَ الطَّعَامَ) . وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ أُعْطِيَ الزَّكَاةَ لِحَاجَتِهِ جَازَ إِعْطَاؤُهُ مِنْ طَعَامِهَا. وَالْمَسَاكِينُ هُمُ الَّذِينَ تُدْفَعُ إِلَيْهِمُ الزَّكَاةُ لِحَاجَتِهِمْ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفُقَرَاءُ ; لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا صِنْفَيْنِ فَهُمْ صِنْفٌ وَاحِدٌ. وَاقْتَصَرَ فِي " الْهَدْيِ " عَلَيْهِمَا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَشَرْطُهُ الْإِسْلَامُ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ ; لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ، وَالْكَفَّارَةُ جَارِيَةٌ مَجْرَاهَا. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ فِي ذَمِّيٍّ يَخْرُجُ مِنْ عِتْقِهِ، وَخَرَّجَ الْخَلَّالُ دَفْعَهَا إِلَى كَافِرٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَعَلَّهُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ، وَلِأَنَّهُ مِسْكِينٌ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَأَجْزَأَ الدَّفْعُ إِلَيْهِمْ مِنْهَا كَالْمُسْلِمِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يُعْطِيهِمْ إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، فَلَمْ يَجُزْ إِعْطَاؤُهُمْ مِنْهَا كَمَسَاكِينِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِهَذَا، وَالْجِزْيَةُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى عَبْدٍ، وَلَا مُكَاتَبٍ، وَلَا أُمِّ وَلَدٍ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ عَلَى السَّيِّدِ. وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ ; لِأَنَّهُ مِسْكِينٌ فَجَازَ إِطْعَامُهُ كَالْكَبِيرِ. وَهَذَا إِذَا أَكَلَ الطَّعَامَ، فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَهِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ كَزَكَاةٍ فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ لَا، لَكِنْ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ كَالصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونُ يَقْبِضُ لَهُ وَلَيُّهُ، وَالْأُخْرَى يَدْفَعُ إِلَى الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يُطْعَمْ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ الْمَذْهَبُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُرٌّ مُحْتَاجٌ، أَشْبَهَ الْكَبِيرَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 إِذَا أَكَلَ الطَّعَامَ. وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى مُكَاتَبٍ وَلَا إِلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى مَنْ يَظُنُّهُ مِسْكِينًا فَبَانَ غَنِيًّا،، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ رَدَّدَهَا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا لَمْ يُجْزِئْهُ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُ فَيُجْزِئُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، وَإِنْ دَفَعَ إِلَى مِسْكِينٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ كَفَارَّتَيْنِ أَجْزَأَهُ، وَعَنْهُ   [المبدع في شرح المقنع] [مَنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْكَفَّارَةِ إِلَيْهِمْ] (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى مَكَاتَبٍ) لِأَنَّهُ عَبْدٌ. وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ جَوَازَ دَفْعِهَا إِلَيْهِ اخْتَارَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَتَخَرَّجُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ إِعْتَاقِهِ ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنَ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ، أَشْبَهَ الْمُسْلِمِينَ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمِسْكِينِ ; لِأَنَّ حَاجَتَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَاجَتِهِمْ، وَالْكَفَّارَةُ إِنَّمَا هِيَ لِلْمَسَاكِينِ لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّ الْمِسْكِينَ يُدْفَعُ إِلَيْهِ لِيُتِمَّ كِفَايَتَهُ، وَالْمُكَاتَبُ إِنَّمَا يَأْخُذُ لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ وَكِفَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ. (وَلَا إِلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُدْفَعُ إِلَيْهِمْ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ. وَفِي دَفْعَهَا إِلَى الزَّوْجِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ، (وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى مَنْ يَظُنُّهُ مِسْكِينًا) أَيْ: ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ (فَبَانَ غَنِيًّا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَفِي " الشَّرْحِ " وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا بَانَ كَافِرًا، أَوْ عَبْدًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَجْهًا وَاحِدًا. (وَإِنْ رَدَّدَهَا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا لَمْ يُجْزِئْهُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَلَمْ يُطْعِمْ إِلَّا مِسْكِينًا وَاحِدًا، (إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُ فَيُجْزِئُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الْوِجْدَانُ لِغَيْرِهِ مَعْذُورٌ. (وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ) مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَقَالَ لِمَنِ احْتَجَّ لِعَدَمٍ بِزَكَاةٍ وَوَصِيَّةٍ لِلْفُقَرَاءِ وَخُمْسِ الْخُمْسِ بِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا. وَصَحَّحَهَا فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ". وَقَالَ: اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاحْتَجَّ ابْنُ شِهَابٍ بِأَنَّهُ مَالٌ أُضِيفَ إِلَى عَدَدٍ مَحْصُورٍ، فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ إِلَى وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، أَوْ أُوصِيَ لَهُمْ. (وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ) ، اخْتَارَهَا ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ; لِأَنَّ هَذَا الْمِسْكِينَ لَمْ يَسْتَوْفِ قُوتَ يَوْمِهِ مِنْ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ فَجَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ. (وَإِنْ دَفَعَ إِلَى مِسْكِينٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ أَجْزَأَهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ دَفَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 لَا يُجْزِئُهُ. وَالْمُخْرَجُ فِي الْكَفَّارَةِ مَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ، وَفِي الْخُبْزِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ قُوتُ بَلَدِهِ غَيْرَ ذَلِكَ أَجْزَأَ مِنْهُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] ، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] الْقَدْرَ الْوَاجِبَ إِلَى الْعَدَدِ الْوَاجِبِ فَأَجْزَأَ، كَمَا لَوْ دَفَعَ ذَلِكَ إِلَيْهِ فِي يَوْمَيْنِ. (وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ) ، لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى قُوتَ يَوْمٍ مِنْ كَفَّارَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ ثَانِيًا كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ، فَعَلَى هَذَا يُجْزِئُهُ عَنْ إِحْدَى الْكَفَّارَتَيْنِ وَيَرْجِعُ فِي الْأُخْرَى إِنْ كَانَ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَيَتَخَرَّجُ أَلَّا يَرْجِعَ بِشَيْءٍ كَالزَّكَاةِ. وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَصَحُّ، فَإِنَّ اعْتِبَارَ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ عَدَدِ الْأَيَّامِ. وَإِنْ دَفَعَ إِلَى السِتِّينَ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ فَرِوَايَتَانِ [الْمُخْرَجُ فِي الْكَفَّارَةِ] (وَالْمُخْرَجُ فِي الْكَفَّارَةِ مَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ) وَهُوَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَنَحْوُهَا. وَإِخْرَاجُ الْحَبِّ أَفْضَلُ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، وَهِيَ حَالَةُ كَمَالِهِ ; لِأَنَّهُ يُدَّخَرُ وَيُهَيَّأُ لِمَنَافِعِهِ كُلِّهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: التَّمْرُ، وَالدَّقِيقُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا سِوَاهُمَا. وَفِي " التَّرْغِيبِ " التَّمْرُ أَعْجَبُ إِلَى أَحْمَدَ، فَإِنْ أَخْرَجَ دَقِيقًا جَازَ ; لِأَنَّهُ أَجْزَاءُ الْحَبِّ. وَقَدْ كَفَاهُمْ مُؤْنَتَهُ، وَهَيَّأَهُ لَهُمْ، بِخِلَافِ الْهَرِيسَةِ فَإِنَّهَا تَفْسَدُ عَنْ قُرْبٍ، وَفِي السَّوِيقِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، (وَفِي الْخُبْزِ رِوَايَتَانِ) . الْمَنْصُوصُ الْإِجْزَاءُ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] . وَالْمُطْعِمُ لِلْخُبْزِ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ، وَلِأَنَّهُ مُهَيَّأٌ لِلْأَكْلِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا، وَهِيَ ظَاهِرُ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَالِ الْكَمَالِ، وَالِادِّخَارِ، أَشْبَهَ الْهَرِيسَةَ. قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: الْأَوْلَى الْجَوَازُ، وَفِي " الْمُغْنِي " هُوَ أَحْسَنُ، وَهَذَا مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ وَلَيْسَ الِادِّخَارُ مَقْصُودًا فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمَا يُقَوِّتُ الْمِسْكِينَ فِي يَوْمِهِ، وَهَذَا مُهَيَّأٌ لِلْأَكْلِ الْمُعْتَادِ لِلِاقْتِيَاتِ بِهِ، وَأَمَّا الْهَرِيسَةُ، فَإِنَّهَا خَرَجَتْ عَنِ الِاقْتِيَاتِ الْمُعْتَادِ إِلَى خُبْزِ الْإِدَامِ. (وَإِنْ كَانَ قُوتُ بَلَدِهِ غَيْرَ ذَلِكَ) كَالذُّرَةِ، وَالْأَرُزِّ (أَجْزَأَهُ مِنْهُ) فِي قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمُؤَلِّفِ وَغَيْرِهِمَا، (لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] ، وَهَذَا مِمَّا يُطْعِمُهُ أَهْلُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ بِظَاهِرِ النَّصِّ، فَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ قُوتِ بَلَدِهِ أَجْوَدَ مِنْهُ فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا. وَاعْتَبَرَ فِي " الْوَاضِحِ " غَالِبَ قُوتِ بَلَدِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُهُ وَلَا يُجْزِئُ مِنَ الْبُرِّ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ أَقَلَّ مِنْ مُدَّيْنِ وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَسَطَهُ قَدْرًا ونوعا مُطْلَقًا بِلَا تَقْدِيرٍ، (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُهُ) سَوَاءٌ كَانَ قُوتَ بَلَدِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ بِإِخْرَاجِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ فِي الْفِطْرَةِ، فَلَمْ يَجُزْ غَيْرُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قُوتَ بَلَدِهِ. وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ (وَلَا يُجْزِئُ مِنَ الْبُرِّ) أَوْ دَقِيقِهِ (أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ) . وَقَالَ زَيْدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا أَيُّوبٌ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ، قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بِنِصْفِ وِسْقِ شَعِيرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُظَاهِرِ: أَطْعِمْ هَذَا، فَإِنَّ مُدَّيْ شَعِيرٍ مَكَانُ مُدِّ بُرٍّ» ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا «رُوِيَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ مِكْتَلًا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، فَقَالَ: أَطْعِمْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَذَلِكَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَهُوَ لِلتِّرْمِذِيِّ بِمَعْنَاهُ. (وَلَا مِنْ غَيْرِهِ أَقَلَّ مِنْ مُدَّيْنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنَّ مُدَّيْ شَعِيرٍ مَكَانَ مُدِّ بُرٍّ» وَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ. وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: يَعْنِي بِالْعَرَقِ زِنْبِيلًا يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَإِذَنِ الْعِرْقَانِ ثَلَاثُونَ صَاعًا فَيَكُونُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ. وَلِأَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَةٍ: الْعِرْقُ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ. وَعَنْهُ: مُدَّانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ لِحَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ أَوْسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: عَطَاءٌ لَمْ يُدْرِكْ أَوْسًا. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ الْمَجَامِعِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِعَرَقٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، فَقَالَ: خُذْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ» وَلِأَنَّهُ إِطْعَامٌ وَاجِبٌ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الْمُخْرَجِ كَالْفِطْرَةِ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ وَلِذَلِكَ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ أَمَرَهُ بِأَكْلِهِ، وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ صَاعًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ. (وَلَا مِنَ الْخُبْزِ) إِذَا قُلْنَا بِإِجْزَائِهِ (أَقَلَّ مِنْ رِطْلَيْنِ بِالْعِرَاقِيِّ) أَيْ: مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُدٌّ ; لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَبْلُغُ مُدًّا ; لِأَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ الدِّمَشْقِيِّ، وَهُوَ بِهِ خَمْسُ أَوَاقٍ وَسَبْعُ أُوقِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 مِنَ الْخُبْزِ أَقَلَّ مِنْ رِطْلَيْنِ بِالْعِرَاقِيِّ، إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُدٌّ. وَإِنْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ، أَوْ غَدَّى الْمَسَاكِينَ، أَوْ عَشَّاهُمْ لَمْ يُجْزِئْهُ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ. فَصْلٌ وَلَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ إِلَّا بِنِيَّةٍ وَكَذَلِكَ الْإِعْتَاقُ وَالصِّيَامُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ   [المبدع في شرح المقنع] الشَّعِيرِ، فَلَا يُجْزِئُ إِلَّا ضِعْفٌ (إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُدٌّ) مِنَ الْحِنْطَةِ فَيُجْزِئُ ; لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأُدُمُ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأُدْمِهِ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّمْلِيكُ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ كَزَوْجَةٍ، وَأَنَّ الْأُدْمَ يَجِبُ إِذَا كَانَ يُطْعِمُهُ أَهْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ) لَمْ يُجْزِئْهُ. نَقَلَهَا الْمَيْمُوِيُّ، وَالْأَثْرَمُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، مِنْهُمْ عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْإِطْعَامُ، وَإِعْطَاءُ الْقِيمَةِ لَيْسَ بِإِطْعَامٍ، فَهُوَ بَاقٍ فِي عُهْدَةِ الْوَاجِبِ. (أَوْ غَدَّى الْمَسَاكِينَ، أَوْ عَشَّاهُمْ لَمْ يُجْزِئْهُ) مُطْلَقًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنِ الصَّحَابَةِ إِعْطَاؤُهُمْ، وَلِحَدِيثِ كَعْبٍ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى، وَلِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ لِلْفُقَرَاءِ شَرْعًا أَشْبَهَ الزَّكَاةَ. (وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ) أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ حَاجَةِ الْمِسْكِينِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ، وَأَمَا ثَانِيًا فَالْإِجْزَاءُ مَشْرُوطٌ، فَإِذَا أَطْعَمَهُمُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ لَهُمْ، وَلَمْ يَقُلِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِالْوَاجِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَشْبِعْهُمْ، قَالَ: مَا أُطْعِمُهُمْ؛ قَالَ: خُبْزًا وَلَحْمًا إِنْ قَدَرْتَ، أَوْ مِنْ أَوْسَطِ طَعَامِكُمْ. وَأَطْعَمَ أَنَسٌ فِي فِدْيَةِ الصِّيَامِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَطْعَمَ شَيْئًا كَثِيرًا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ قَدَّمَ إِلَيْهِمْ مُدًّا، وَقَالَ: هَذَا بَيْنَكُمْ فَقَبِلُوهُ، فَإِنْ قَالَ بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ حَقِّهِ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا. [فَصْلُ وُجُودِ النِّيَّةِ شَرْطٌ لِإِجْزَاءِ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ وَالْإِعْتَاقِ] فَصْلٌ (وَلَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ إِلَّا بِنِيَّةٍ) لَا نِيَّةِ التَّقَرُّبِ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى سَبِيلِ الطُّهْرَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 وَاحِدَةٌ فَنَوَى عَنْ كَفَارَتِي أَجْزَأَهُ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَارَّاتٌ مِنْ جِنْسٍ فَنَوَى إِحْدَاها أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَعِنْدَ الْقَاضِي لَا   [المبدع في شرح المقنع] فَافْتَقَرَ إِلَى النِّيَّةِ كَالزَّكَاةِ، (وَكَذَلِكَ الْإِعْتَاقُ، وَالصِّيَامُ) لِحَدِيثِ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلِقَوْلِهِ «لَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ» لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ مُتَبَرِّعًا بِهِ. وَعَنْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى، أَوْ نَذْرٍ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ إِلَى هَذِهِ الْكَفَّارَةِ إِلَّا بِنِيَّةٍ. وَصَفَتُهَا أَنْ يَنْوِيَ الْعِتْقَ، أَوِ الصِّيَامَ، أَوِ الْإِطْعَامَ عَنِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنْ زَادَ " الْوَاجِبَةَ " فَتَأْكِيدٌ، وَإِنْ نَوَى وُجُوبَهَا وَلَمْ يَنْوِ الْكَفَّارَةَ، لَمْ يُجْزِئْهُ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَتَنَوَّعُ فَوَجَبَ تَمْيِيزُهُ. وَمَوْضِعُهَا مَعَ التَّكْفِيرِ أَوْ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ، فَإِنْ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ صِيَامًا اشْتَرَطَ نِيَّةَ الصِّيَامِ عَنِ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِلْخَبَرِ. (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ) لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْيِينُ سَبَبِهَا سَوَاءٌ عَلِمَهَا أَوْ جَهِلَهَا، فَإِنْ عَيَّنَهُ فَغَلِطَ أَجْزَأَهُ عَمَّا يَتَدَاخَلُ، وَهِيَ الْكَفَّارَاتُ عَنْ جِنْسٍ، (فَنَوَى عَنْ كَفَارَتِي أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ النِّيَّةَ تَعَيَّنَتْ لَهُ، وَلِأَنَّهُ نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ، وَلَا مُزَاحِمَ لَهَا فَوَجَبَ تَعْلِيقُ النِّيَّةِ بِهَا. (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ مِنْ جِنْسٍ) كَمَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ (فَنَوَى إِحْدَاهَا أَجْزَأَهُ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، فَإِذَا عَتَقَ عَبْدًا عَنْ ظِهَارِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ إِحْدَاهُنَّ وَحَلَّتْ لَهُ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ ; لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَأَجْزَأَتْهُ نِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ، فَتَخْرُجُ الْمُحَلِّلَةُ مِنْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ. وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إِلَى أَيَّتِهِنَّ شَاءَ فَتَحِلُّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الظِّهَارُ مِنْ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ فَأَعْتَقَ، ثُمَّ صَامَ، ثُمَّ أَطْعَمَ حَلَّ الْجَمِيعُ مِنْ غَيْرِ قَرْعَةٍ ; لِأَنَّ التَّكْفِيرَ حَصَلَ عَنِ الثَّلَاثِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ عَنِ الْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ) كَظِهَارٍ، وَقَتْلٍ، وَيَمِينٍ، فَأَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ إِحْدَاهَا، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ (فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) . وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاجِبَةٌ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى صِحَّةِ أَدَائِهَا إِلَى تَعْيِينِ سَبَبِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا مِنْ جِنْسٍ، وَلِأَنَّ آحَادَهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ الصَّلَوَاتِ. (وَعِنْدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 يُجْزِئُهُ حَتَّى يُعَيِّنَ سَبَبَهَا، فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ فَنَسِيَ سَبَبَهَا أَجْزَأَتْهُ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ بِعَدَدِ الْأَسْبَابِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْقَاضِي لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُعَيِّنَ سَبَبَهَا) . قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَحَكَي عَنْ أَحْمَدَ ; لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ قَضَاءٍ وَنَذْرٍ، وَكَتَيَمُّمِهِ لِأَجْنَاسٍ، وَكَذَبْحِهِ فِي دَمِ نُسُكٍ وَدَمٍ مَحْظُورٍ، وَكَعِتْقِ نَذْرٍ وَعِتْقِ كَفَّارَةٍ فِي الْأَصَحِّ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ ". (فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَنَسِيَ سَبَبَهَا أَجْزَأَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّ تَعْيِينَ السَّبَبِ لَيْسَ شَرْطًا، فَإِذَا أَخْرَجَ كَفَّارَةً وَقَعَتْ عَنْ كَفَّارَتِهِ، فَتَخْرُجُ عَنِ الْعُهْدَةِ. (وَعَلَى الثَّانِي) لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ السَّبَبِ (يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ بِعَدَدِ الْأَسْبَابِ) كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةَ خَمْسٍ، وَكَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ يَوْمًا لَا يَعْلَمُ هَلْ هُوَ قَضَاءٌ، أَوْ نَذْرٌ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمَيْنِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَدْرِي أَهِيَ مِنْ كَفَّارَةٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ قَضَاءٍ؛ لَزِمَهُ صَوْمُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ، كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ. وَاخْتَارَ فِي " الِانْتِصَارِ " إِنِ اتَّحَدَ السَّبَبُ فَنَوْعٌ، وَإِلَّا فَجِنْسٌ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَوْ كَفَرَ مُرْتَدٌّ بِغَيْرِ الصَّوْمِ فَنَصُّهُ لَا يَصِحُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ فَأَعْتَقَ عَنْهُمَا عَبْدَيْنِ فَلَهُ أَقْسَامٌ: 1 - ـ أَنْ يَقُولَ: أَعْتَقْتُ هَذَا عَنْ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا عَنِ الْأُخْرَى، فَيُجْزِئُهُ إِجْمَاعًا. 2 - ـ أَنْ يَقُولَ: أَعْتَقْتُ هَذَا عَنْ إِحْدَاهُمَا، وَهَذَا عَنِ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، فَإِنْ كَانَا مَنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ السَّبَبِ. 3 - ـ أَنْ يَقُولَ: أَعْتَقْهُمَا عَنِ الْكَفَّارَتَيْنِ أَجَزَآهُ إِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ. 4 - ـ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَيَكُونُ مُعْتِقًا عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْكَفَّارَتَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] نِصْفَ الْعَبْدَيْنِ. وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا ثَالِثًا: إِنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا جَازَ ; لِأَنَّهُ حَصَلَ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ وَالتَّصَرُّفِ. 1 - فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى سَبَبِهَا كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمِلْكِ. وَإِنْ كَفَّرَ بَعْدَ السَّبَبِ، وَقَبْلَ الشَّرْطِ جَازَ، فَلَوْ كَفَّرَ عَنِ الظِّهَارِ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ الْعَوْدِ جَازَ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ شَرْطِهِ كَالزَّكَاةِ. فَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ ظَاهَرْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 كِتَابُ اللِّعَانِ وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا فَلَه ُ إِسْقَاطُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ. وَصِفَتُهُ أَنْ يَبْدَأَ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ اللِّعَانِ] [إِسْقَاطُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ] ِ هُوَ مَصْدَرُ لَاعَنَ لِعَانًا إِذَا فَعَلَ مَا ذَكَرَ، أَوْ لَعَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ اللَّعْنِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْعَنُ نَفْسَهُ فِي الْخَامِسَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: سُمِّيَ بِهِ ; لِأَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فَتَحْصُلُ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ الطَّرْدُ، وَالْإِبْعَادُ، يُقَالُ: لَعَنَهُ اللَّهُ، أَيْ: بَاعَدَهُ، وَالْتَعْنَ الرَّجُلُ: إِذَا لَعَنَ نَفْسَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ. وَاللِّعَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنِ اثْنَيْنِ، يُقَالُ: لَاعَنَ امْرَأَتَهُ لِعَانًا وَمُلَاعِنَةً وَتَلَاعُنًا بِمَعْنًى. وَلَاعَنَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا، وَرَجُلٌ لُعَنَةٌ بِوَزْنِ هُمَزَةٍ إِذَا كَانَ يَلْعَنُ النَّاسَ كَثِيرًا، أَوْ لُعْنَةٌ بِسُكُونِ الْعَيْنِ إِذَا كَانَ يَلْعَنُهُ النَّاسُ. وَشَرْعًا: شَهَادَاتٌ مُؤَكِّدَاتٌ بِأَيْمَانٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ، وَالْغَضَبِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ قَذْفٍ فِي جَانِبِهِ، وَحَدِّ زِنًا فِي جَانِبِهَا. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَاتُ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ مُنْصَرَفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ تَبُوكَ فِي عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ، أَوْ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمَا، وَلَمْ يَقَعْ بَعْدَهَا بِالْمَدِينَةِ إِلَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يُبْتَلَى بِقَذْفِ امْرَأَتِهِ لِنَفْيِ الْعَارِ، وَالنَّسَبِ الْفَاسِدِ، وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فَجُعِلَ اللِّعَانُ بَيِّنَةً لَهُ، وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْشِرْ يَا هِلَالُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 الزَّوْجُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لِمَنِ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ امْرَأَتِي هَذِهِ مِنَ الزِّنَا، وَيُشِيرُ إِلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً سَمَّاهَا وَنَسَبَهَا حَتَّى يُكْمِلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَأَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ) الْعَاقِلُ (امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا) وَلَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ فِي قُبُلٍ، أَوْ دُبُرٍ فَكَذَّبَتْهُ لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ بِقَذْفِ أَجْنَبِيَّةٍ مِنْ إِيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَحُكِمَ بِفِسْقِهِ وَرَدِّ شَهَادَتِهِ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ يُلَاعِنَ، وَلِهَذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَهُ إِسْقَاطُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 23] الْآيَةَ. وَهُوَ عَامٌّ فِي الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الزَّوْجَ بِأَنْ أَقَامَ لِعَانَهُ مَقَامَ الشَّهَادَةِ فِي نَفْيِ الْحَدِّ، وَالْفِسْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِهِلَالٍ: «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» . وَلِأَنَّهُ قَاذِفٌ فَلَزِمَهُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، وَكَالْأَجْنَبِيِّ وَلَهُ إِسْقَاطُهُ بِلِعَانِهِ، وَلَوْ بَقِيَ سَوْطٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ زَنَتْ قَبْلَ الْحَدِّ، وَيَسْقُطُ بِلِعَانِهِ وَحْدَهُ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " التَّرْغِيبِ " [صِفَةُ اللِّعَانِ] (وَصِفَتُهُ أَنْ يَبْدَأَ الزَّوْجُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لِمَنِ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ امْرَأَتِي هَذِهِ مِنَ الزِّنَا، وَيُشِيرُ إِلَيْهَا) . وَلَا يَحْتَاجُ مَعَ الْحُضُورِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى تَسْمِيَةٍ وَنَسَبٍ كَمَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً سَمَّاهَا وَنَسَبَهَا) حَتَّى تَنْتَفِيَ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا. قُلْتُ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُومَ وَصْفُهَا بِمَا هِيَ مَشْهُورَةٌ بِهِ مَقَامَ الرَّفْعِ فِي نَسَبِهَا (حَتَّى يُكْمِلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَأَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا) . وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُذْكَرَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ ". (ثُمَّ تَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) ، وَتُشِيرُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَسْمَتْهُ وَنَسَبَتْهُ (ثُمَّ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَأَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا) لِلْآيَةِ، وَالْأَخْبَارِ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ هِيَ فِي الْخَامِسَةِ بِالْغَضَبِ ; لِأَنَّ النِّسَاءَ يُكْثِرْنَ اللَّعْنَ كَمَا وَرَدَ. [شُرُوطُ أَلْفَاظِ اللِّعَانِ] (فَإِنَّ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شُرُوطِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 الزِّنَا، ثُمَّ تَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَأَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا. فَإِنْ نَقَصَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْخَمْسَةِ شَيْئًا، أَوْ بَدَأَتْ بِاللِّعَانِ قَبْلَهُ، أَوْ تَلَاعَنَا بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْحَاكِمِ، أَوْ نَائِبِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَإِنْ أَبْدَلَ لَفْظَةَ أَشْهَدُ بِأُقْسِمُ، أَوْ أَحْلِفُ، أَوْ لَفْظَةَ اللَّعْنَةِ بِالْإِبْعَادِ، أَوِ الْغَضَبِ بِالسُّخْطِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدُهَا: اسْتِعْمَالُهُ الْأَلْفَاظَ الْخَمْسَةَ، فَإِنْ (نَقَصَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْخَمْسَةِ شَيْئًا) وَلَوْ قَلَّ لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ، فَلَمْ يَجُزِ النَّقْصُ مَنْ عَدَدِهَا كَالشَّهَادَةِ، (أَوْ بَدَأَتْ بِاللِّعَانِ قَبْلَهُ) لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ، وَكَذَا إِنْ قَدَّمَ الرَّجُلُ اللَّعْنَةَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ قَدَّمَتْ هِيَ الْغَضَبَ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ لِعَانَ الرَّجُلِ بَيِّنَةٌ لِإِثْبَاتٍ، وَلِعَانُهَا بَيِّنَةٌ لِإِنْكَارٍ، فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ الْإِنْكَارِ عَلَى الْإِثْبَاتِ (أَوْ تَلَاعَنَا بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْحَاكِمِ، أَوْ نَائِبِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ) ، لِأَنَّهُ يَمِينٌ فِي دَعْوَى فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَمْرُ الْحَاكِمِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى. الرَّابِعُ: أَنْ يَأْتِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاللِّعَانِ بَعْدَ إِلْقَائِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَادَرَ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ حَلَفَ قَبْلَ أَنْ يُحَلِّفَهُ الْحَاكِمُ. الْخَامِسُ: الْإِشَارَةُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ يُسَمِّيَهُ وَيَنْسُبَهُ إِنْ كَانَ غَائِبًا. وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا مَعًا بَلْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا عَنْ صَاحِبِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمَرْأَةُ عَلَى بَابِهِ لِعُذْرٍ جَازَ. (وَإِنْ أَبْدَلَ لَفْظَةَ أَشْهَدُ بِأُقْسِمُ، أَوْ أَحْلِفُ، أَوْ لَفْظَةَ اللَّعْنَةِ بِالْإِبْعَادِ، أَوِ الْغَضَبِ بِالسُّخْطِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) هَذَا هُوَ الشَّرْطُ السَّادِسُ لِصِحَّةِ اللِّعَانِ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَلْفَاظِ عَلَى صُورَةِ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ ; لِأَنَّ اتِّبَاعَ لَفْظِ النَّصِّ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ فِي الْحُقُوقِ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَالْآخَرُ يُعْتَدُّ بِهِ ; لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَعْنَى، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَبْدَلَ: إِنِّي لِمَنِ الصَّادِقِينَ بِقَوْلِهِ لَقَدْ زَنَتْ. قَالَ الْخِرَقِيُّ: يَقُولُ الرَّجُلُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ زَنَتْ، وَلَيْسَ هَذَا لَفْظَ النَّصِّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذِكْرَ اللَّفْظِ، وَلَكِنْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: عَلَى مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 وَمَنْ قَدَرَ عَلَى اللِّعَانِ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إِلَّا بِهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ بِلِسَانِهِ. وَإِذَا فُهِمَتْ إِشَارَةُ الْأَخْرَسِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنْ أُبْدِلَتْ لَفْظَةُ الْغَضَبِ بِاللَّعْنَةِ لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّ الْغَضَبَ أَبْلَغُ، وَلِهَذَا اخْتَصَّتِ الْمَرْأَةُ بِهِ ; لِأَنَّ إِثْمَهَا أَعْظَمُ، وَالْمَعَرَّةُ بِزِنَاهَا أَقْبَحُ. وَإِنْ أَبْدَلَهَا بِالسُّخْطِ خَرَجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا أَبْدَلَ لَفَظَّةَ اللَّعْنَةِ بِالْإِبْعَادِ، وَإِنْ أَبْدَلَ لَفْظَةَ اللَّعْنَةِ بِالْغَضَبِ فَاحْتِمَالَانِ: الْجَوَازُ ; لِأَنَّهُ أَبْلَغَ وَعَدَمُهُ لِمُخَالَفَةِ الْمَنْصُوصِ. وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَفِي " التَّرْغِيبِ ": تُشْتَرَطُ مُوَالَاةُ الْكَلِمَاتِ وَأَوْمَأَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ الْخَامِسَةَ لَا تُشْتَرَطُ فَيُنَفِّذُ حُكْمَهُ، لَا عَلَى الْأَوْلَى. قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ ". [قَدَرَ عَلَى اللِّعَانِ بِالْعَرَبِيَّةِ] (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى اللِّعَانِ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إِلَّا بِهَا) ، لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِهَا كَأَذْكَارِ الصَّلَاةِ، (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا كَالْفَاتِحَةِ، (وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ بِلِسَانِهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي " الْوَاضِحِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَ " الْوَجِيزِ "، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ كَالنِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ يُحْسِنُ لِسَانَهُمَا أَجْزَأَ ذَلِكَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ أَرْبَعَةٌ يُحْسِنُونَ لِسَانَهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يُحْسِنُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تُرْجُمَانٍ، وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ عَدْلَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَإِذَا فُهِمَتْ إِشَارَةُ الْأَخْرَسِ، أَوْ كِتَابَتُهُ صَحَّ لِعَانُهُ بِهَا) ، قَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " كَطَلَاقِهِ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 كِتَابَتُهُ صَحَّ لِعَانُهُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا. وَهَلْ يَصِحُّ لِعَانُ مَنِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَأَيِسَ مَنْ نُطْقِهِ بِالْإِشَارَةِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ خَرْسَاءَ لَمْ تُلَاعِنْ ; لِأَنَّهُ لَا تُعْلَمُ مُطَالَبَتُهَا، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يَفْتَقِرُ إِلَى الشَّهَادَةِ، أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَالْإِشَارَةِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً كَالنُّطْقِ، وَلَا يَخْلُو مِنِ احْتِمَالٍ وَتَرَدُّدٍ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ يُمْكِنُ حُصُولُهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ فِيهَا. وَاللِّعَانُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنْهُ فَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى قَبُولِهِ مِنْهُ كَالطَّلَاقِ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَقَوْلُنَا أَحْسَنُ إِذِ الشَّهَادَةُ قَدْ لَا تَحْصُلُ إِلَّا مِنْهُ لِاخْتِصَاصِهِ بِرُؤْيَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، أَوْ سَمَاعِهِ إِيَّاهُ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ مُوجِبَ الْقَذْفِ وُجُوبُ الْحَدِّ، وَهُوَ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. وَمَقْصُودُ اللِّعَانِ نَفْيُ السَّبَبِ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْإِمْكَانِ مَعَ ظُهُورِ انْتِفَائِهِ، (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا كَانَ غَيْرَ مَعْلُومِ الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ لَمْ يَصِحَّ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا قَذَفَ الْأَخْرَسُ وَلَاعَنَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَأَنْكَرَهُمَا لَمْ يُقْبَلْ إِنْكَارُهُ لِلْقَذْفِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، وَيُقْبَلُ إِنْكَارُهُ لِلِّعَانِ فِيمَا عَلَيْهِ فَيُطَالِبُ بِالْحَدِّ وَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ، وَلَا تَعُودُ الزَّوْجَةُ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُلَاعِنُ لِسُقُوطِ [لِعَانُ مَنِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ] الْحَدِّ وَنَفْيِ النَّسَبِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِالزِّنَا، ثُمَّ أَنْكَرَ فَكَاللِّعَانِ. (وَهَلْ يَصِحُّ لِعَانُ مَنِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَأَيِسَ مَنْ نُطْقِهُ بِالْإِشَارَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". أَحَدُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " يَصِحُّ كَالْأَخْرَسِ الْأَصْلِيِّ، وَالثَّانِي لَا ; لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ لِعَارِضٍ أَشْبَهَ غَيْرَ الْمَأْيُوسِ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ قَذْفًا وَلِعَانًا قُبِلَ فِي لِعَانٍ فِي حَدٍّ وَنَسَبٍ فَقَطْ، وَيُلَاعِنُ لَهُمَا، فَإِنْ رُجِيَ نُطْقُهُ انْتُظِرَ. وَفِي " التَّرْغِيبِ " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفَائِدَتُهُ صِحَّةُ قَذْفِ الْأَخْرَسِ وَلِعَانُهُ ; لِأَنَّا لَا نَأْمُرُهُ بِاللِّعَانِ وَنَحْبِسُهُ إِذَا نَكَلَ حَتَّى يُلَاعِنَ. ذَكَرَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ". وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتضِي أَنَّهُ يُحَدُّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 فَصْلٌ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَلَاعَنَا قِيَامًا بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ فِي الْأَوْقَاتِ، وَالْأَمَاكِنِ الْمُعَظَّمَةِ. وَإِذَا   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلُ السُّنَّةِ تُلَاعِنُ الزَّوْجَيْنِ قِيَامًا بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ] فَصْلٌ (وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَلَاعَنَا قِيَامًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: «قُمْ فَاشْهَدْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ» وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ فَيَبْدَأُ الزَّوْجُ فَيَلْتَعِنُ، وَهُوَ قَائِمٌ، فَإِذَا فَرَغَ قَامَتِ الْمَرْأَةُ، فَالْتَعَنَتْ (بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ) ، لِحُضُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَعَ حَدَاثَةِ أَسْنَانِهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَضَرَ جَمْعٌ كَثِيرٌ، لِأَنَّ الصِّبْيَانَ إِنَّمَا يَحْضُرُونَ تَبَعًا لِلرِّجَالِ إِذِ اللِّعَانُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيظِ لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ. وَفِعْلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ أَبْلَغُ فِي ذَلِكَ. وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يَنْقُصُوا عَنْ أَرْبَعَةٍ ; لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزِّنَا الَّتِي شُرِعَ اللِّعَانُ مِنْ أَجْلِ الرَّمْيِ بِهِ أَرْبَعَةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. (فِي الْأَوْقَاتِ، وَالْأَمَاكِنِ الْمُعَظَّمَةِ) هَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْمُحَرِّرِ " وَ " الْوَجِيزِ "، فَفِي الزَّمَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] . وَالْمُرَادُ صَلَاةُ الْعِشَاءِ فِي قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَبَيْنَ الْأَذَانَيْنِ ; لِأَنَّ الدُّعَاءَ بَيْنَهُمَا لَا يُرَدُّ. وَفِي الْمَكَانِ بِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْمَقَامُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَطِيمِ. وَلَوْ قِيلَ: بِالْحِجْرِ لَكَانَ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ مِنَ الْبَيْتِ. وَبِالْمَدِينَةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مِمَّا يَلِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» . وَبِبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ فِي جَوَامِعِهَا، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَرْتَقِيَا عَلَى الْمَنَابِرِ أَوْ لَا؟ وَإِنْ كَانَ فِي النَّاسِ كَثْرَةٌ، فِيهِ احْتِمَالٌ، أَوْ وَجْهٌ، قَالَهُ فِي " الْوَاضِحِ ". وَحَائِضٌ وَنَحْوُهَا بِبَابِ الْمَسْجِدِ لِتَحْرِيمِ مُكْثِهَا فِيهِ، فَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ تَأْخِيرَهُ إِلَى انْقِطَاعِ الدَّمِ وَغَسْلِهَا لَمْ يَبْعُدْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُسْتَحَبُّ التَّغْلِيظُ مُطْلَقًا قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخَامِسَةَ أَمَرَ الْحَاكِمَ رَجُلًا فَأَمْسَكَ يَدَهُ عَلَى فِي الرَّجُلِ وَامْرَأَةً تَضَعُ يَدَهَا عَلَى فِي الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَعِظُهُ، فَيَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّهَا الْمُوجِبَةُ،   [المبدع في شرح المقنع] " الْكَافِي " ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ الْأَمْرَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ الرَّجُلَ بِإِحْضَارِ امْرَأَتِهِ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِزَمَنٍ، وَلَوْ خَصَّهُ لَنُقِلَ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي " الْفُرُوعِ " وَخَصَّهُمَا فِي " التَّرْغِيبِ " بِالذِّمَّةِ. وَظَاهِرُهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ، فَعَلَى هَذَا يَحْضُرُهُمْ فِي أَوْقَاتِهِمُ الْمُعَظَّمَةِ وَبُيُوتِ عِبَادَتِهِمْ كَالْكَنَائِسِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَبُيُوتِ النَّارِ لِلْمَجُوسِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُغْلِظَ بِالْمَكَانِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمُسْلِمَةُ حَائِضًا، وَقَفَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ. (وَإِذَا بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخَامِسَةَ أَمَرَ الْحَاكِمُ رَجُلًا فَأَمْسَكَ يَدَهُ عَلَى فِي الرَّجُلِ وَامْرَأَةً تَضَعُ يَدَهَا عَلَى فِي الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَعِظُهُ) ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «تَشْهَدُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأَمْسَكَ عَلَى فِيهِ، فَوَعَظَهُ، وَقَالَ: وَيْحَكَ كُلُّ شَيْءٍ أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، ثُمَّ أَرْسَلَ، فَقَالَ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ دَعَا بِهَا فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَأَمْسَكَتْ عَلَى فِيهَا فَوَعَظَهَا، وَقَالَ: وَيْلُكِ، كُلُّ شَيْءٍ أَهْوَنُ عَلَيْكِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ» . أَخْرَجَهُ الْجَوْزَجَانِيُّ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاعِظَ هُوَ الْحَاكِمُ. وَحَكَاهُ فِي " الرِّعَايَةِ " قَوْلًا (فَيَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّهَا الْمُوجِبَةُ) لِلَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ مِنَ اللَّهِ. (وَعَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ) لِمَا «رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةَ قِيلَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّهَا الْمُوجِبَةُ، وَفِيهِ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ» ; لِأَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا مُنْقَطِعٌ وَعَذَابُ الْآخِرَةِ دَائِمٌ ; لِيَتُوبَ الْكَاذِبُ مِنْهُمَا وَيَرْتَدِعَ عَمَّا عَزَمَ عَلَيْهِ. (وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ) أَوْ نَائِبِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ اللِّعَانِ، فَإِنْ تَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ فَحَكَّمَاهُ بَيْنَهُمَا فَلَاعَنَ لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ اللِّعَانَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيظِ، فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ كَالْحَدِّ. وَحَكَى الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يَنْفُذُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجَانِ حُرَّيْنِ، أَوْ مَمْلُوكَيْنِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِلسَّيِّدِ أَنْ يُلَاعِنُ بَيْنَ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 وَعَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ خَفِرَةً بَعَثَ مَنْ يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا. وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ نِسَاءَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِلِعَانٍ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لِمَنِ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُكُنَّ بِهِ مِنَ الزِّنَا. وَتَقُولُ كُلُّ وَاحِدَةٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ الْقَذْفُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ   [المبدع في شرح المقنع] كَالْحَدِّ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِقَامَتَهُ عَلَى أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ، ثُمَّ لَا يُشْبِهُ اللِّعَانُ الْحَدَّ ; لِأَنَّهُ زَجْرٌ وَتَأْدِيبٌ، وَاللِّعَانُ: إِمَّا شَهَادَةٌ، أَوْ يَمِينٌ فَافْتَرَقَا. (فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ خَفِرَةً) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، يَعْنِي: شَدِيدَةَ الْحَيَاءِ، وَهِيَ ضِدُّ الْبَرْزَةِ (بَعَثَ مَنْ يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي: نَائِبَهُ وَعُدُولًا، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى نَائِبِهِ جَازَ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ وَاجِبٍ كَمَا يَبْعَثُ مَنْ يَسْتَحْلِفُهُمَا فِي الْحُقُوقِ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِبَعْثِ مَنْ يَثِقُ الْحَاكِمُ بِهِ، فَلَا ضَرُورَةَ إِلَى إِحْضَارِهَا وَتَرْكِ عَادَتِهَا مَعَ حُصُولِ الْغَرَضِ بِدُونِهِ. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": لِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ مَعَ غَيْبَتِهَا وَتُلَاعِنَ مَعَ غَيْبَتِهِ. (وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ نِسَاءَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِلِعَانٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ قَذَفَهُنَّ بِكَلِمَةٍ، أَوْ بكَلِمَاتٍ ; لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، أَشْبَهُ مَا لَوْ لَمْ يَقْذِفْ غَيْرَهَا وَيَبْدَأُ بِلِعَانِ الَّتِي تَبْدَأُ بِالْمُطَالَبَةِ، فَإِنْ طَالَبْنَ جَمِيعًا، أَوْ تَشَاحَحْنَ، فَالْقُرْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَشَاحَحْنَ بَدَأَ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، وَلَوْ بَدَأَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ مَعَ الْمُشَاحَّةِ جَازَ. (وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ اللِّعَانَ تَابِعٌ لِلْقَذْفِ، وَالْقَذْفُ وَإِنْ تَعَدَّدَ فَكَلِمَتُهُ وَاحِدَةٌ، فَعَلَى هَذَا (يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُكُنَّ بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَتَقُولُ كُلُّ وَاحِدَةٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا) ، لِأَنَّ حَلْفَهُنَّ جُمْلَةً لَا يُمْكِنُ. (وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ الْقَذْفُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ، فَخَرَجَ عَنْ عُهْدَتِهِ بِلِعَانٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ قَذَفَ وَاحِدَةً. (وَإِنْ قَذْفَهُنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 لِعَانٌ وَاحِدٌ. وَإِنْ قَذَفَهُنَّ بِكَلِمَاتٍ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِلِعَانٍ. فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهُا: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ، أَوْ ذِمِّيَّيْنِ، أَوْ رَقِيقَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ إِلَّا بَيْنَ زَوْجَيْنِ مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ، فَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] بِكَلِمَاتٍ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِلِعَانٍ) كَمَا لَوْ قَذَفَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بَعْدَ لِعَانِ الْأُخْرَى. وَعَنْهُ: إِنْ طَالَبُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ مُطَالَبَةً وَاحِدَةً فَحَدٌّ وَاحِدٌ، وَإِلَّا فَحُدُودٌ حَكَاهَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ". [فَصْلُ شُرُوطِ صِحَّةِ اللِّعَانِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ اللِّعَانُ بَيْنَ زَوْجَيْنِ عَاقِلَيْنِ] فَصْلٌ (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُها: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ثُمَّ خَصَّ الْأَزْوَاجَ مِنْ عُمُومِهَا بُقُولِهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ. (عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ) لِأَنَّهُ إِمَّا يَمِينٌ، أَوْ شَهَادَةٌ، وَكُلَاهُمَا لَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ، وَلَا غَيْرِ بَالِغٍ ; إِذْ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمَا (سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ، أَوْ ذِمِّيَّيْنِ، أَوْ رَقِيقَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، أَيْ: يَصِحُّ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا إِذَا كَانَا مُكَلَّفَيْنِ. نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» وَلِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَحْتَاجُ إِلَى نَفْيِ الْوَلَدِ فَشُرِعَ لَهُ اللِّعَانُ طَرِيقًا إِلَى نَفْيِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ يُحَدُّ بِقَذْفِهَا. (وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ إِلَّا بَيْنَ زَوْجَيْنِ مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ) ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] فَجَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ. وَقَالَ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] وَعَنْهُ: لَا لِعَانَ بِقَذْفِ غَيْرِ الْمُحْصَنَةِ، وَهِيَ الْأَمَةُ، وَالذِّمِّيَّةُ، وَالْمَحْدُودَةُ فِي الزِّنَا لِزَوْجِهَا، لِعَانُهَا لِنَفْيِ الْوَلَدِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لَهُ لِعَانُهَا لِإِسْقَاطِ حَدِّ الْقَذْفِ وَالتَّعْزِيرِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَعَنْهُ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 اخْتَلَّ شَرْطٌ منها فِي أَحَدِهِمَا، فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا. وَإِن قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً. أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَكِ حُدَّ، وَلَمْ يُلَاعِنْ. وَإِنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي   [المبدع في شرح المقنع] الْمُحْصَنَةُ وَزَوْجُهَا الْمُكَلَّفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ شَهَادَةً فَلِقَوْلِهِ فِي يَمِينِهِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ كُلُّ زَوْجَةٍ عَاقِلَةٍ بَالِغَةٍ. وَعَنْهُ: مُسْلِمَةٌ حُرَّةٌ عَفِيفَةٌ. (فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا فِي أَحَدِهِمَا، فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ يَفُوتُ بِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَالْأَوْلَى هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَمَا يُخَالِفُهَا شَاذٌّ فِي النَّقْلِ. (وَإِذَا قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً) ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حُدَّ وَلَمْ يُلَاعَنْ ; لِأَنَّهُ وَجَبَ فِي حَالِ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا، فَلَوْ قَذَفَهَا وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً وَإِلَّا عُزِّرَ. (أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَكِ حُدَّ، وَلَمْ يُلَاعِنْ) وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ، أَوْ لَا ; لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِزِنًا مُضَافًا إِلَى حَالِ الْبَيْنُونَةِ. أَشْبَهُ مَا لَوْ قَذَفَهَا، وَهِيَ بَائِنٌ. وَفَارَقَ قَذْفَ الزَّوْجَةِ ; لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَهُ لِعَانُهَا لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَعَنْهُ: لِنَفْيِ الْوَلَدِ، قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي ". وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى نَفْيِهِ وَهُنَا إِذَا تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ زِنَاهَا، فَهُوَ الْمُفَرِّطُ فِي نِكَاحِ حَامِلٍ مِنَ الزِّنَا. فَرْعٌ: إِذَا مَلَكَ أَمَةً، وَقَذَفَهَا، فَلَا لِعَانَ وَيُعَزَّرُ فَقَطْ. (وَإِنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي النِّكَاحِ) أَيْ: إِذَا أَبَانَ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا أَضَافَهُ إِلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ، أَوِ الْعُدَّةِ وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ ; لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ بِحُكْمِ عَقْدِ النِّكَاحِ، فَكَانَ لَهُ نَفْيُهُ. وَيُفَارِقُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى الْقَذْفِ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً، وَسَائِرُ الْأَجْنَبِيَّاتِ لَا يَلْحَقُهُ وَلَدُهُنَّ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى قَذْفِهِنَّ. وَحَكَي فِي " الِانْتِصَارِ " عَنْ أَصْحَابِنَا: إِنْ أَبَانَهَا، ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي الزَّوْجِيَّةِ أَنَّهُ يُلَاعِنُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَتَى لَاعَنَهَا لِنَفْيِ وَلَدِهَا انْتَفَى وَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ. وَفِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ وَجْهَانِ. (أَوْ قَذَفَهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ وَإِلَّا حُدَّ، وَلَمْ يُلَاعِنْ) ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ. فَلَوْ لَاعَنَهَا مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ، وَلَمْ يَثْبُتِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ ; لِأَنَّهُ لِعَانٌ فَاسِدٌ، وَسَوَاءٌ اعْتَقَدَ أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ أَمْ لَا. 1 - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 النِّكَاحِ، أَوْ قَذَفَهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ وَإِلَّا حُدَّ، وَلَمْ يُلَاعِنْ. وَإِنْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ قَذْفِهَا فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا لَاعَنَ. نَصَّ عَلَيْهِ لِإِبَانَتِهَا بَعْدَ قَذْفِهَا وَكَقَذْفِ الرَّجْعِيَّةِ قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: يُحَدُّ، وَلَا يَلْزَمُهَا إِلَّا وَاحِدَةٌ، فَقَالَ: بِئْسَ مَا يَقُولُونَ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ لَمْ يُلَاعِنْ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ ; لِأَنَّهُ يُعَيَّنُ إِضَافَةُ قَذْفِهَا إِلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ لِاسْتِحَالَةِ الزِّنَا مِنْهَا بَعْدَ طَلَاقِهِ لَهَا. 1 - فَائِدَةٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ قَذَفَهَا. قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُلَاعِنُ وَيُجْلَدُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يُلَاعِنُ مَا كَانَتْ فِي الْعُدَّةِ، قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ أَجْوَدُ ; لِأَنَّهَا زَوْجُهُ. (وَإِنْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ قَذْفِهَا فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ) . نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكَثَرِ الْعُلَمَاءِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، فَإِذَا لَمْ يُلَاعِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] وَلِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِزَوْجَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُلَاعِنَ كَمَا لَوْ بَقِيَا عَلَى النِّكَاحِ إِلَى حَالَةِ اللِّعَانِ، فَلَوْ قَالَتْ: قَذَفَنِي قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، وَقَالَ: بَلْ بَعْدَهُ، أَوْ قَالَتْ: قَذَفَنِي بَعْدَمَا بِنْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: بَلْ قَبْلَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْقَذْفِ فَكَذَا فِي وَقْتِهِ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ، ثُمَّ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ لَاحِقًا بِهِ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ فَيَنْتَفِيَ عَنْهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا، أَوْ أَقَرَّ بِهِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ وَطِئَ كَانَ مُلْحَقًا بِالنِّكَاحِ إِنْ أَمْكَنَ، وَلَهُ نَفْيُهُ بِلِعَانه. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ". وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: لَا لِعَانَ فِيهِ، فَالنَّسَبُ لَاحِقٌ بِهِ، وَيَجِبُ بِالْقَذْفِ مُوجِبُهُ مِنَ الْحَدِّ، أَوِ التَّعْزِيرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا، فَلَا شَيْءَ فِيهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. 1 - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 قَذَفَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ، أَوِ الْمَجْنُونَةَ عُزِّرَ وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا. فَصْلُ الشَّرْطِ الثَّانِي: أَنْ يَقْذِفَهَا بِالزِّنَا فَيَقُولُ: زَنَيْتِ، أَوْ يَا زَانِيَةُ، أَوْ رَأَيْتُكِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوِ الْمَجْنُونَةَ عُزِّرَ) ، لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَسْقُطُ عَنْ دَرَجَةِ السَّبِّ، وَهُوَ يُوجِبُهُ فَكَذَا هُنَا. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا حَدَّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا بِفِعْلِ الزِّنَا. (وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ تَحْصُلُ بِهِ الْفُرْقَةُ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَالطَّلَاقِ، أَوْ يَمِينٍ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ. فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ زَائِلَ الْعَقْلِ حِينَ قَذَفَهُ فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ، وَلِأَحَدِهِمَا بَيْنَةٌ - عُمِلَ بِهَا، وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ، وَالظَّاهِرَ السَّلَامَةُ وَالصِّحَّةُ. وَإِنْ عُرِفَتْ لَهُ حَالُ جُنُونٍ، وَحَالَةُ إِفَاقَةٍ قَبْلَ قَوْلِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ قَذَفَهَا، وَهِيَ طِفْلَةٌ، لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا، فَلَا حَدَّ لِتَيَقُّنِنَا كَذِبَهُ لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ لِلسَّبِّ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إِلَى مُطَالَبَةٍ. فَإِنْ كَانَتْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا كَابْنَةِ تِسْعٍ حُدَّ. وَلَيْسَ لَهَا، وَلَا لِوَلِيِّهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ حَتَّى تَبْلُغَ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَطَالَبَتْ حُدَّ وَلَهُ إِسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ وَلَيْسَ لَهُ لِعَانُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ ; لِأَنَّهُ يُرَادُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ، أَوْ نَفْيِ الْوَلَدِ. فَرْعٌ: إِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ الْمَجْنُونَةَ بِزِنًا أَضَافَهُ إِلَى حَالِ إِفَاقَتِهَا، أَوْ قَذْفِهَا، وَهِيَ عَاقِلَةٌ، ثُمَّ جُنَّتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ، وَلَا لِوَلِيِّهَا قَبْلَ إِفَاقَتِهَا ; لِأَنَّ هَذَا طَرِيقَةُ التَّشَفِّي، فَإِذَا أَفَاقَتْ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ وَلَهُ اللِّعَانُ، فَإِنْ أَرَادَ لِعَانَهَا فِي حَالِ جُنُونِهَا، وَلَا وَلَدَ يَنْفِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ فَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ ; لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ. [الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَقْذِفَهَا بِالزِّنَا] فَصْلٌ (الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَقْذِفَهَا بِالزِّنَا) لِأَنَّ كُلَّ قَذْفٍ يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 تَزْنِينَ سَوَاءٌ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي الْقُبُلِ، أَوِ الدُّبُرِ. وَإِنْ قَالَ: وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ مُكْرَهَةً فَلَا   [المبدع في شرح المقنع] الْأَعْمَى، وَالْبَصِيرُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: لَا يَكُونُ اللِّعَانُ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا رُؤْيَةٌ وَإِمَّا إِنْكَارُ الْحَمْلِ ; لِأَنَّ آيَةَ اللِّعَانِ نَزَلَتْ فِي هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَكَانَ قَالَ: رَأَيْتُ بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي. وَجَوَابُهُ: عُمُومُ الْآيَةِ. وَالْأَخْذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ خُصُوصِ السَّبَبِ. (فَيَقُولُ: زَنَيْتِ، أَوْ يَا زَانِيَةُ، أَوْ رَأَيْتُكِ تَزِنِينَ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى الْقَذْفِ، فَإِنْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: بَلْ أَنْتَ زَانٍ، فَلَهُ اللِّعَانُ وَتُحَدُّ هِيَ لِقَذْفِهِ. فَإِنْ قَالَ: زَنَى بِكِ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَلَا، (سَوَاءٌ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي الْقُبُلِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (أَوِ الدُّبُرِ) لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي الْفَرْجِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَالْقُبُلِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا قَذَفَهَا بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنَ الْفَوَاحِشِ غَيْرِ الزِّنَا فَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ كَمَا لَوْ قَذَفَهَا بِضَرْبِ النَّاسِ، أَوْ أَذَاهُمْ. (وَإِنْ قَالَ: وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ مُكْرَهَةً) أَوْ مَعَ نَوْمٍ، أَوْ إِغْمَاءٍ، أَوْ جُنُونٍ لَزِمَهُ الْوَلَدُ. (فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) . اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْهَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ. (وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ) اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ فَيَنْتَفِي بِلِعَانِهِ وَحْدَهُ ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَفِي " الْمُحَرَّرِ " رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ، ثُمَّ قَالَ عَنِ الثَّانِيَةِ: وَهِيَ أَصَحُّ عِنْدِي، (وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ قَالَ: لَمْ تَزْنِ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي، فَهُوَ وَلَدُهُ فِي الْحُكْمِ) ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» . (وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِقَذْفٍ بِظَاهِرِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ زَوْجِ آخَرَ، أَوْ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ: مَا وَلَدَتْهُ، وَإِنَّمَا الْتَقَطَتْهُ أَوِ اسْتَعَارَتْهُ فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ وَلَدِي مِنْكَ - لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إِلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً، وَهِيَ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ تَشْهَدُ بِوِلَادَتِهَا لَهُ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهَا فَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ. وَهَلْ لَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 لِعَانَ بَيْنَهُمَا. وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ قَالَ: لَمْ تَزْنِ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي، فَهُوَ وَلَدُهُ فِي الْحُكْمِ وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَبَانَهَا فَشَهِدَتِ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ لَحِقَهُ نَسَبُهُ. وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْءَمَيْنِ فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الْآخَرَ لِحَقَهُ نَسَبُهُمَا وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَدِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُحَدُّ. فَصْلٌ الثَّالِثُ: أَنْ تُكَذِّبَهُ الزَّوْجَةُ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إِلَى انْقِضَاءِ اللِّعَانِ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَبَانَهَا فَشَهِدَتِ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ لَحِقَهُ نَسَبُهُ) لِأَنَّ شَهَادَتَهَا بِالْوِلَادَةِ مَقْبُولَةٌ ; لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ. (وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْءَمَيْنِ فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الْآخَرَ لَحِقَهُ نَسَبُهُمَا) أَيْ: إِذَا وَلَدَتْ تَوْءَمَيْنِ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ; لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ مِنْهُ وَبَعْضُهُ مِنْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ النَّسَبَ يَحْتَاطُ لِإِثْبَاتِهِ، لَا لِنَفْيِهِ. فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ لَمْ يَحْكُمْ بِنَفْيِ مَا أَقَرَّ بِهِ تَبَعًا لِلَّذِي نَفَاهُ؛ قُلْتُ: ثُبُوتُ النَّسَبِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْوَطْءُ، وَلَا يَنْتَفِي لِإِمْكَانِ النَّفْيِ فَافْتَرَقَا. (وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَدِّ) لِأَنَّ اللِّعَانَ تَارَةً يُرَادُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ وَتَارَةً لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ، فَإِذَا تَعَذَّرَ نَفْيُ الْوَلَدِ لِمَا سَبَقَ بَقِيَ اللِّعَانُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ. (وَقَالَ الْقَاضِي: يُحَدُّ) وَلَا يَمْلِكُ إِسْقَاطَهُ بِاللِّعَانِ ; لِأَنَّهُ بِاسْتِلْحَاقِهِ اعْتَرَفَ بِكَذِبِهِ فِي قَذْفِهِ، فَلَمْ يَسْمَعْ إِنْكَارَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَا مَعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ نَسَبِهِمَا. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَلْزَمُهُ نَسَبُ الْحَيِّ، وَلَا يُلَاعِنُ إِلَّا لِنَفْيِ الْحَدِّ، وَلِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ انْقَطَعَ نَسَبُهُ كَمَوْتِ أُمِّهِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْمَيِّتَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ فَيُقَالُ ابْنُ فُلَانٍ، وَيَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهُ وَتَكْفِينُهُ. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ تُكَذِّبَهُ الزَّوْجَةُ] فَصْلٌ (الثَّالِثُ أَنْ تُكَذِّبَهُ الزَّوْجَةُ وَيَسْتَمِرَّ ذَلِكَ إِلَى انْقِضَاءِ اللِّعَانِ) لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، فَإِذَا أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ بِالزِّنَا تَعَذَّرَ اللِّعَانُ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ، (فَإِنْ صَدَّقَتْهُ) مَرَّةً، أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ سَكَتَتْ) أَوْ عَفَتْ عَنْهُ، أَوْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِأَرْبَعَةٍ سِوَاهُ، أَوْ قَذَفَ مَجْنُونَةً بِزِنًا قَبْلَهُ، أَوْ مُحْصَنَةً فَجُنَّتْ، أَوْ نَاطِقَةً فَخَرِسَتْ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَوْ صَمَّاءَ (لَحِقَهُ النَّسَبُ) ، لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِي عَنْهُ اللِّعَانُ، وَلَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 سَكَتَتْ لَحِقَهُ النَّسَبُ وَلَا لِعَانَ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ وِرَثَهُ صَاحِبُهُ وَلَحِقَهُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَلَا لِعَانَ. وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَهُ لِعَانُهَا وَنَفْيُهُ. وَإِنْ لَاعَنَ وَنَكَلَتِ الزَّوْجَةُ عَنِ اللِّعَانِ خُلِّيَ سَبِيلُهَا وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ ذَكَرَهُ   [المبدع في شرح المقنع] يُوجَدْ شَرْطُهُ. (وَلَا لِعَانَ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ) وَنَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اللِّعَانَ كَالْبَيِّنَةِ، وَهِيَ لَا تُقَامُ مَعَ الْإِقْرَارِ. ثُمَّ إِنْ كَانَ تَصْدِيقُهَا لَهُ قَبْلَ لِعَانِهِ، فَلَا لِعَانَ ; لِأَنَّ اللِّعَانَ كَالْبَيِّنَةِ، إِنَّمَا تُقَامُ مَعَ الْإِنْكَارِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ لِعَانِهِ لَمْ تُلَاعِنْ هِيَ ; لِأَنَّهَا لَا تَحْلِفُ مَعَ الْإِقْرَارِ. وَحُكْمُهَا كَمَا لَوِ امْتَنَعَتْ مِنْ غَيْرِ إِقْرَارٍ، وَإِنْ أَقَرَّتْ أَرْبَعًا وَجَبَ الْحَدُّ، وَلَا لِعَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَسَبٌ يُنْفَى، وَإِنْ رَجَعَتْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ ; لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالْحَدِّ مَقْبُولٌ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا، لَا لِلْحَدِّ لِتَصْدِيقِهَا إِيَّاهُ، وَلَا لِنَفْيِ النَّسَبِ ; لِأَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ إِنَّمَا يَكُونُ بِلِعَانِهِمَا مَعًا، وَقَدْ تَعَذَّرَ مِنْهُمَا. (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ) أَوْ قَبْلَ تَتِمَّتِهِ فَقَدْ مَاتَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ ; لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِكَمَالِ اللِّعَانِ. (وَرِثَهُ صَاحِبُهُ وَلَحِقَهُ نَسَبُ الْوَلَدِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ إِنَّمَا يَقْطَعُهُ اللِّعَانُ كَالطَّلَاقِ. وَقِيلَ: يَنْتَفِي بِلِعَانِهِ وَحْدَهُ مُطْلَقًا كَدَرْءِ حَدٍّ. وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا رَتَّبَ الْأَحْكَامَ عَلَى اللِّعَانِ التَّامِّ. وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ إِكْمَالِ سَبَبِهِ، فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ طَلَبِهَا لِلْحَدِّ قَامَ وَارِثُهَا مَقَامَهَا. (وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّ شَرْطَهُ مُطَالَبَةُ الزَّوْجَةِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهَا. (وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَهُ لِعَانُهَا وَنَفْيُهُ) ، لِأَنَّ شُرُوطَ اللِّعَانِ تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْوَلَدِ، فَلَا يَنْتَفِي بِمَوْتِهِ ; لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إِلَيْهِ. 1 - (وَإِنْ لَاعَنَ وَنَكَلَتِ الزَّوْجَةُ عَنِ اللِّعَانِ خُلِّيَ سَبِيلُهَا وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهِيَ أَصَحُّ وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ ": لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ ; لِأَنَّ نُكُولَ الزَّوْجَةِ بِمَنْزِلَةِ إِقْرَارُهَا وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا حَدَّ ; لِأَنَّ زِنَاهَا لَمْ يَثْبُتْ، فَإِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِلَعَانِ الزَّوْجِ لَمْ يَسْمَعْ لِعَانَهَا كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَلَا يَثْبُتُ بِنُكُولِهَا ; لَأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَهِيَ مُتَمَكِّنَةٌ مِنْهُ. وَقَالَ الْجَوْزَجَانِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تُحَدُّ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ قَوِيٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الْآيَةَ. وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ عُمَرَ: الرَّجْمُ عَلَى مَنْ زَنَى، وَقَدْ أُحْصِنَ إِذَا كَانَ بَيِّنَةٌ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 الْخِرَقِيُّ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تُحْبَسُ حَتَّى تُقِرَّ، أَوْ تُلَاعِنَ. وَلَا يَعْرِضُ لِلزَّوْجِ حَتَّى تُطَالِبَهُ الزَّوْجَةُ، فَإِنْ أَرَادَ اللِّعَانَ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهَا، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا.   [المبدع في شرح المقنع] أَوْ كَانَ الْحَمْلُ، أَوِ الِاعْتِرَافُ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللِّعَانَ، قَالَ أَحْمَدُ: فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَلْتَعِنَ بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ أَجْبَرْتُهَا عَلَى اللِّعَانِ وَهِبْتُ أَنْ أَحْكُمَ عَلَيْهَا بِالرَّجْمِ ; لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِلِسَانِهَا لَمْ أَرْجُمْهَا إِذَا رَجَعَتْ، فَكَيْفَ إِذَا أَبَتِ اللِّعَانَ؛ (وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تُحْبَسُ) ، قَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَةِ "، وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي (حَتَّى تُقِرَّ) أَرْبَعًا، وَقِيلَ: ثَلَاثًا (أَوْ تُلَاعِنَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الْآيَةَ. فَإِذَا لَمْ تَشْهَدْ وَجَبَ أَلَّا يُدْرَأَ عَنْهَا الْعَذَابُ، وَلَا يَسْقُطُ النَّسَبُ إِلَّا بِالْتِعَانِهِمَا جَمِيعًا ; لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ. وَحَكَي فِي " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. (وَلَا يُعْرَضُ) بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (لِلزَّوْجِ حَتَّى تُطَالِبَهُ الزَّوْجَةُ) يَعْنِي: لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَلَا طَلَبِ اللِّعَانِ مِنْهُ حَتَّى تُطَالِبَهُ زَوْجَتُهُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، فَلَا يُقَامُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، فَإِنْ عَفَتْ عَنِ الْحَدِّ، أَوْ لَمْ تُطَالِبْ لَمْ تَجُزْ مُطَالَبَتُهُ بِنَفْيِهِ، وَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ، وَلَا يَمْلِكُ وَلِيُّ الْمَجْنُونَةِ، وَالصَّغِيرَةُ وَسَيِّدُ الْأَمَةِ الْمُطَالَبَةَ بِالتَّعْزِيرِ مِنْ أَجْلِهِنَّ ; لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ ثَبَتَ لِلتَّشَفِّي، فَلَا يَقُومُ الْغَيْرُ فِيهِ مَقَامَ الْمُسْتَحِقِّ كَالْقَصَّاصِ. (فَإِنْ أَرَادَ اللِّعَانَ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهَا، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ فَلَهُ ذَلِكَ) . وَقَالَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَزَوْجَتِهِ، وَلَمْ تَكُنْ طَالَبَتْهُ، وَلِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى نَفْيِهِ فَيُشْرَعُ لَهُ طَرِيقٌ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ طَالَبَتْهُ، وَلِأَنَّ نَفْيَ النَّسَبِ الْبَاطِلِ حَقٌّ لَهُ، فَلَا يَسْقُطُ بِرِضَاهَا بِهِ كَمَا لَوْ طَالَبَتْ بِاللِّعَانِ وَرَضِيَتْ بِالْوَلَدِ. وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يُشْرَعَ اللِّعَانُ كَمَا لَوْ قَذَفَهَا فَصَدَّقَتْهُ ; لِأَنَّهُ أَحَدُ مُوجِبِي الْقَذْفِ، فَلَا يُشْرَعُ مَعَ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ كَالْحَدِّ. (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 فَصْلٌ وَإِذَا تَمَّ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ: أَحَدُهَا: سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ، أَوِ التَّعْزِيرُ. وَلَوْ قَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لَهُمَا. الثَّانِي: الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى اللِّعَانِ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ، أَوْ لِنَفْيِ الْوَلَدِ. وَالْحَدُّ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ، وَالْوَلَدُ مَعْدُومٌ. [فَصْلٌ مَا يَثْبُتُ مِنَ الْأَحْكَامِ بِتَمَامِ اللِّعَانِ] [الْأَوَّلُ سُقُوطُ الْحَدِّ] فَصْلٌ (وَإِذَا تَمَّ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ: أَحَدُهَا: سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ) أَيْ: عَنِ الزَّوْجِ إِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ مُحْصَنَةً، (أَوِ التَّعْزِيرُ) إِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً لِقَوْلِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: وَاللَّهِ لَا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ عَلَيْهَا كَمَا لَمْ يَجْلِدْنِي عَلَيْهَا. وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُ أُقِيمَتْ مَقَامَ بَيِّنَتِهِ. وَبَيِّنَتُهُ تُسْقِطُ الْحَدَّ، كَذَلِكَ لِعَانَهُ، وَإِنْ نَكَلَ عَنِ اللِّعَانِ، أَوْ عَنْ إِتْمَامِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، فَإِنْ ضَرَبَ بَعْضَهُ، فَقَالَ: أَنَا أُلَاعِنَ، سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ ; لِأَنَّ مَا أُسْقِطَ كُلُّهُ أُسْقِطَ بَعْضُهُ كَالْبَيِّنَةِ. وَلَوْ نَكَلَتِ الْمَرْأَةُ عَنِ الْمُلَاعَنَةِ، ثُمَّ بَذَلَتْهَا سَمِعَ مِنْهَا كَالرَّجُلِ (وَلَوْ قَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ) سَوَاءٌ ذَكَرَهُ فِي لِعَانِهِ أَوْ لَا (سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لَهُمَا) ، لِأَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، وَلَمْ يَحُدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا عَزَّرَهُ لَهُ. وَلِأَنَّ اللِّعَانَ بَيِّنَةٌ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، فَكَانَ بَيِّنَةً فِي الْآخَرِ كَالشَّهَادَةِ، لَكِنْ إِنْ لَمْ يُلَاعِنْ فَلِكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَما الْمُطَالَبَةُ وَأَيُّهُمَا طَلَبَ حُدَّ لَهُ دُونَ مَنْ لَمْ يُطَالِبْ كَمَا لَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُلَاعِنُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ لَهَا وَلِلْمُسَمَّى. 1 - فَرْعٌ: مَنْ نَفَى تَوْءَمَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ كَفَاهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَلَاعَنَ لِنَفْيِهِ، ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَنْتِفِ الثَّانِي بِاللِّعَانِ الْأَوَّلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْتَفِيَ بِنَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى لِعَانٍ ثَانٍ. [الثَّانِي الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا] (الثَّانِي: الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا) بِتَمَامِ تَلَاعُنِهِمَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: الْمُتَلَاعِنَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 لَا تَحْصُلُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا. الثَّالِثُ: التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ، وَعَنْهُ: إِنَّ أَكْذَبَ   [المبدع في شرح المقنع] يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ، فَلَمْ يَقِفْ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَالرَّضَاعِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وَقَفَتْ عَلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ لَسَاغَ تَرْكُ التَّفْرِيقِ إِذَا لَمْ يَرْضَيَا بِهِ كَالتَّفْرِيقِ لَلَعَنَتْ وَالْإِعْسَارِ، وَتَفْرِيقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا بِمَعْنَى إِعْلَامِهِ لَهُمَا بِحُصُولِ الْفُرْقَةِ. (وَعَنْهُ: لَا تَحْصُلُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُؤَلِّفُ لِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، «وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ؛ قَالَ: فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي عَجْلَانِ، وَقَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؛ يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَبَيَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَدَلَّ أَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَحْصُلْ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ، فَعَلَى هَذِهِ إِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَحِقَهَا طَلَاقُهُ، وَيَلْزَمُ الْحَاكِمُ الْفُرْقَةَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِمَا، وَعَلَيْهَا لَوْ لَمْ يُفَرِّقِ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَانَ النِّكَاحُ بِحَالِهِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَإِنْ لَمْ تَلْتَعِنْ هِيَ كَالطَّلَاقِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَعَلَيْهِمَا فُرْقَةُ اللِّعَانِ فَسْخٌ ; لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، فَكَانَتْ فَسْخًا كَالرَّضَاعِ. [الثَّالِثُ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ بَيْنَهُمَا] (الثَّالِثُ: التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ) نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِقَوْلِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: مَضَتِ السُّنَّةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 نَفْسَهُ حَلَّتْ لَهُ. وَإِنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكْذِبَ نَفْسَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. وَإِذَا قُلْنَا: تَحِلُّ لَهُ الزَّوْجَةُ بِإِكْذَابِ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُجِدَ مِنْهُ طَلَاقٌ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ طَلَاقٌ دُونَ الثَّلَاثِ فَلَهُ رَجْعَتُهَا. الرَّابِعُ: انْتِفَاءُ الْوَلَدِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَيَنْتَفِي عَنْهُ حَمْلُهَا،   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْمُتَلَاعِنِينَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا. رَوَاهُ الْجَوْزَجَانِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ قَبْلَ الْحَدِّ، وَالتَّكْذِيبِ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ بِهِمَا كَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ. (وَعَنْهُ: إِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حَلَّتْ لَهُ) وَعَادَ فِرَاشَهُ بِحَالِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُلَاعِنْ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَذَّ بِهَا حَنْبَلٌ عَنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهَا غَيْرُهُ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يُفَرِّقِ الْحَاكِمُ، فَأَمَّا مَعَ تَفْرِيقِهِ، فَلَا وَجْهَ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ بِحَالِهِ وَأَغْرَبُ مِنْهُ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: إِنَّهُ إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَهُوَ خَاطِبٌ مِنَ الْخُطَّابِ، (وَإِنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ) ، لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ كَالرَّضَاعِ، وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَ ثَلَاثًا إِذَا اشْتَرَى مُطَلَّقَتَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ قَبْلَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، فَهُنَا أَوْلَى ; لِأَنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ مُؤَبَّدٌ، وَتَحْرِيمُ الطَّلَاقِ يَخْتَصُّ النِّكَاحَ. (إِلَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى) أَيِ: الضَّعِيفَةِ، فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ. (وَإِذَا قُلْنَا: تَحِلُّ لَهُ الزَّوْجَةُ بِإِكْذَابِ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُجِدَ مِنْهُ طَلَاقٌ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى النِّكَاحِ) لِأَنَّ اللِّعَانَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُحْرِّمُ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ كَمَا يُؤْمَرُ الْمُؤْلِي بِهِ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِالْفَيْئَةِ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِالطَّلَاقِ بَقِيَ النِّكَاحُ بِحَالِهِ وَزَالَ الْإِجْبَارُ عَلَى الطَّلَاقِ لِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ. (وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ طَلَاقٌ دُونَ الثَّلَاثِ فَلَهُ رَجَعَتُهَا) كَالْمُطَلَّقَةِ دُونَ الثَّلَاثِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. [الرَّابِعُ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ عَنْهُ] (الرَّابِعُ: انْتِفَاءُ الْوَلَدِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ) لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَلَّا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ» . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَنْتَفِي عَنْهُ حَتَّى يَذْكُرَهُ فِي اللِّعَانِ، فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ زَنَتْ، يَقُولُ: وَمَا هَذَا الْوَلَدُ وَلَدِي، وَتَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ، وَهَذَا الْوَلَدُ وَلَدُهُ، وَإِنْ نَفَى الْحَمْلَ فِي الْتِعَانِهِ لَمْ يَنْتِفْ حَتَّى يَنْفِيَهُ عِنْدَ وَضْعِهَا لَهُ وَيُلَاعِنَ.   [المبدع في شرح المقنع] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالٍ وَامْرَأَتِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَلَّا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ، وَلَا تُرْمَى، وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا وَمَنْ رَمَاهَا، أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَقْصُودَيِ اللِّعَانِ فَيَثْبُتُ بِهِ كَإِسْقَاطِ الْحَدِّ. وَالْمَذْهَبُ كَمَا اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِذِكْرِهِ ; لِأَنَّهُ شَخْصٌ يَسْقُطُ بِاللِّعَانِ، فَكَانَ ذِكْرُهُ شَرْطًا كَالزَّوْجِيَّةِ، وَرَجَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَأَجَابَا عَنْ حَدِيثِ سَهْلٍ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى الْقِصَّةَ، وَذَكَرَ فِيهَا «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» . وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ فِي كُلِّ لَفْظَةٍ. وَمَعَ اللَّعْنِ فِي الْخَامِسَةِ ; لِأَنَّهَا مَنْ لَفْظَاتِ اللِّعَانِ. (وَيَنْتَفِي عَنْهُ حَمْلُهَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ) هَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ عَلَى الْحَمْلِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّ الْحَمْلَ تَثْبُتُ لَهُ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ بَعْدَ الْوَضْعِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَالْمَسْكَنِ وَنَفْيِ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ وَوُجُوبِ الِاعْتِدَادِ بِهِ، فَكَانَ كَالْمُتَيَقِّنِ. (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَنْتَفِي عَنْهُ حَتَّى يَذْكُرَهُ فِي اللِّعَانِ) مَنْصُوصُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُ الْحَمْلِ، وَقَالَ: لَعَلَّهُ يَكُونُ رِيحًا. وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ الْأَصْحَابِ مُعْتَمِدِينَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَهُ فَيَصِيرُ نَفْيُهُ مَشْرُوطًا بِوُجُودِهِ، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا الْحَمْلُ تَقِفُ عَلَى وِلَادَتِهِ بِدَلِيلِ الْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةِ، فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَنْفِيَهُ عِنْدَ وَضْعِهَا لَهُ وَيُلَاعِنَ. (فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ زَنَتْ، يَقُولُ: وَمَا هَذَا الْوَلَدُ وَلَدِي، وَتَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ، وَهَذَا الْوَلَدُ وَلَدُهُ) . وَقَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ زِنًا، وَلَيْسَ مِنِّي، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ. (وَإِنْ نَفَى الْحَمْلَ فِي الْتِعَانِهِ لَمْ يَنْتَفِ حَتَّى يَنْفِيَهُ عِنْدَ وَضْعِهَا لَهُ وَيُلَاعِنَ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ زَمَنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 فَصْلٌ وَمَنْ شَرَطَ نَفْيَ الْوَلَدِ أَلَّا يُوجَدَ دَلِيلٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ، أَوْ بِتَوْءَمِهِ، أَوْ نَفَاهُ وَسَكَتَ عَنْ تَوْءَمِهِ، أَوْ هَنِئَ بِهِ فَسَكَتَ، أَوْ أَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ، أَوْ أَخَّرَ نَفْيَهُ مَعَ إِمْكَانِهِ لَحِقَهُ نَسَبُهُ وَلَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ. وَإِنْ قَالَ: أَخَّرْتُ نَفْيَهُ رَجَاءَ مَوْتِهِ لَمْ يُعْذَرْ   [المبدع في شرح المقنع] لِحَوْقِ الْوَلَدِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَصَحُّ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالٍ وَامْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ وَنَفَى الْحَمْلَ عَنْهُ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ وَاسْتِلْحَاقِهِ، وَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ قَبْلَ وَضْعِهِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَلَهُ نَفْيُهُ بَعْدَهُ بِاللِّعَانِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْفِيهِ فِي لِعَانِهِ حَتَّى يَنْفِيَهُ بَعْدَ وَضْعِهِ وَقْتَ الْعِلْمِ بِهِ، وَقِيلَ: أَوْ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ، وَيُلَاعِنُ لَهُ، وَقِيلَ: يَنْتَفِي بِذِكْرِهِ فِيهِ. وَقِيلَ: وَبِدُونِهِ، وَإِنْ أَخَّرَ نَفْيَهُ لَمْ يَسْقُطْ، وَقِيلَ: إِنْ أَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ نَفَاهُ بَعْدَ وَضْعِهِ، صَحَّ نَفْيُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. [فَصْلُ شَرْطِ نَفْيِ الْوَلَدِ] فَصْلٌ (وَمِنْ شَرْطِ نَفْيِ الْوَلَدِ أَلَّا يُوجَدَ دَلِيلٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ) ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِهِ، (فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) لَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ (أَوْ) أَقَرَّ (بِتَوْءَمِهِ، أَوْ نَفَاهُ وَسَكَتَ عَنْ تَوْءَمِهِ) لَحِقَهُ نَسَبُهَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهَ ; لِأَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا كَانَ إِقْرَارًا بِالْآخَرِ، (أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ) كَانَ إِقْرَارًا بِهِ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّ السُّكُوتَ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ، فَهُنَا أَوْلَى. (أَوْ أَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ) لَزِمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَا إِنْ قَالَ: أَحْسَنَ اللَّهُ جَزَاءَكَ، أَوْ بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ، أَوْ رَزَقَكَ اللَّهُ مِثْلَهُ. (أَوْ أَخَّرَ نَفْيَهُ مَعَ إِمْكَانِهِ) وَقِيلَ: لَهُ نَفْيُهُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ فَقَطْ. (لَحِقَهُ نَسَبُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ. (وَلَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ) لِأَنَّ نَفْيَهُ يَثْبُتُ لِنَفْيِ ضَرَرٍ مُتَحَقِّقٍ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الشُّفْعَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَتَقَدَّرُ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ، بَلْ هُوَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ إِنْ كَانَ لَيْلًا فَحَتَّى يُصْبِحَ وَتَنْتَشِرَ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ جَائِعًا، أَوْ ظَمْآنَ فَحَتَّى يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، فَإِنْ كَانَ نَاعِسًا فَحَتَّى يَنَامَ، أَوْ يَلْبَسَ ثَوْبَهُ وَيُسْرِجَ دَابَّتَهُ وَيَرْكَبَ وَيُصَلِّيَ إِنْ حَضَرَتْ. (وَإِنْ قَالَ: أَخَّرْتُ نَفْيَهُ رَجَاءَ مَوْتِهِ لَمْ يُعْذَرْ بِذَلِكَ) لِأَنَّ الْمَوْتَ قَرِيبٌ وَغَيْرُ مُتَيَقِّنٍ، فَتَعْلِيقُ النَّفْيِ عَلَيْهِ تَعْلِيقٌ عَلَى أَمْرٍ مَوْهُومٍ. (وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ بِهِ) أَيْ: بِالْوِلَادَةِ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَكَانٍ يَخْفَى عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ مَعَهَا فِي الدَّارِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ. (أَوْ لَمْ أَعْلَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 بِذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ بِهِ، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي نَفْيَهُ، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ. وَإِنْ أَخَّرَهُ لِحَبْسٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْبَةٍ، أَوْ شَيْءٍ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ، وَمَتَى أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ لَحِقَهُ   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّ لِي نَفْيَهُ، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ) وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ كَعَامَّةِ النَّاسِ قُبِلَ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُمْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ كَحَدِيثِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، وَالنَّاشِئِ بِبَادِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ فَقِيهًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُهُ، وَقِيلَ: بَلَى ; لِأَنَّ الْفَقِيهَ يَخْفَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ. (وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ) بِمَا ذَكَرْنَا (قَبْلَ قَوْلِهِ) لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ (وَلَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ) لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. (وَإِنْ أَخَّرَهُ لِحَبْسٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْبَةٍ، أَوْ شَيْءٍ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ) أَيْ: إِذَا كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ الْحُضُورَ كَمَا مَثَّلَهُ وَكَالِاشْتِغَالِ بِحِفْظِ مَالٍ يَخَافُ ضَيْعَتَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ ذَلِكَ قَصِيرَةً لَمْ يَبْطُلْ نَفْيُهُ ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلِمَ لَيْلًا فَأَخَّرَهُ إِلَى الصُّبْحِ، وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً وَأَمْكَنَهُ السَّفَرُ إِلَى حَاكِمٍ لِيَبْعَثَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْتَوْفِي عَلَيْهِ اللِّعَانَ، وَالنَّفْيَ، فَلَمْ يَفْعَلْ سَقَطَ نَفْيُهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَشْهَدَ عَلَى نَفْيِهِ أَنَّهُ نَافٍ لِوَلَدِ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَ خِيَارُهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَفْيِهِ قَامَ الْإِشْهَادُ مَقَامَهُ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لَمْ أُصَدِّقِ الْمُخْبِرَ بِهِ، وَهُوَ عَدْلٌ، أَوَ قَدِ اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِلَّا قُبِلَ مِنْهُ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَزِمَهُ الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَمَتَى أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ لَحِقَهُ النَّسَبُ) أَيْ: إِذَا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ وَنَفَى وَلَدَهَا، ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَحِقَهُ الْوَلَدُ إِذَا كَانَ حَيًّا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَكَذَا إِنْ كَانَ مَيِّتًا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ الْمَيِّتَ، وَكَانَ ذَا مَالٍ لَمْ يَلْحَقْهُ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَدَّعِي مَالًا وَإِلَّا لَحِقَهُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْوَلَدُ الْمَيِّتُ تَرَكَ وَلَدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنَ الْمُسْتَلْحِقِ، وَتَبِعَهُ نَسَبُ ابْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرَكَ وَلَدًا لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، وَلَا يَرِثُ مِنْهُ الْمُدَّعِي شَيْئًا ; لِأَنَّ نَسَبَهُ مُنْقَطِعٌ بِالْمَوْتِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا وَلَدٌ نَفَاهُ بِاللِّعَانِ، فَكَانَ لَهُ اسْتِلْحَاقُهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، وَلِأَنَّهُمْ جَعَلُوا نَسَبَ وَلَدِ الْوَلَدِ تَابِعًا لَنَسَبِ ابْنِهِ، أَيْ: يَتْبَعُ الْأَصْلُ الْفَرْعَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ. وَعَنِ الثَّوْرِيِّ: إِنَّمَا يَدَّعِي النَّسَبَ، وَالْمِيرَاثُ تَبَعٌ لَهُ. (وَلَزِمَهُ الْحَدُّ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 النَّسَبُ وَلَزِمَهُ الْحَدُّ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُحْصَنَةً، أَوِ التَّعْزِيرُ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً. فَصْلٌ فِيمَا يَلْحَقُ مِنَ النَّسَبِ (مَنْ أَتَتِ امْرَأَتَهُ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ) وَهُوَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ   [المبدع في شرح المقنع] مُحْصَنَةً) سَوَاءٌ أَكْذَبَهَا قَبْلَ لِعَانِهِ، أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّ اللِّعَانَ أُقِيمَ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَإِنَّ لِعَانَهُ كَذِبٌ وَزِيَادَةٌ فِي هَتْكِهَا وَتَكْرَارٌ لِقَذْفِهَا، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا بِالْقَذْفِ " الْمُجَرَّدِ "، فَإِنْ عَادَ عَنْ إِكْذَابُ نَفْسِهِ، وَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ أُقِيمُهَا بِزِنَاهَا، أَوْ أَرَادَ إِسْقَاطَ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ لَمْ يُسْمَعْ ; لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ، وَاللِّعَانَ لِتَحَقُّقِ مَا قَالَهُ، وَقَدْ أَقَرَّ بِكَذِبِ نَفْسِهِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ خِلَافُهُ. (أَوِ التَّعْزِيرُ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً) ، كَقَذْفِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَحِينَئِذٍ يَنْجَرُّ النَّسَبُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ إِلَى جِهَةِ الْأَبِ كَالْوَلَاءِ، وَتَوَارَثَا. وَقَدْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَلْحَقَهُ وَرِثَهُ، وَقَدْ نَفَاهُ بِاللِّعَانِ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " رِوَايَةً: لَا يُحَدُّ، وَإِنْ نَفَى مَنْ لَا يَنْتَفِي وَأَنَّهُ مِنْ زِنًا حُدَّ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يُلَاعِنْ، اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُؤَلِّفُ. وَمَنْ نَفَى أَوْلَادًا فَلِعَانٌ وَاحِدٌ. [فَصْلٌ فِيمَا يَلْحَقُ مِنَ النَّسَبِ] فَصْلٌ فِيمَا يَلْحَقُ مِنَ النَّسَبِ (مَنْ أَتَتِ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ) وَلَوْ مَعَ غَيْبَتِهِ عِشْرِينَ سَنَةً. ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَعَلَيْهِ نُصُوصُ أَحْمَدَ. وَالْمُرَادُ: وَيَخْفَى مَسِيرُهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي " التَّعْلِيقِ " وَغَيْرِهِ. وَلَا يَنْقَطِعُ الْإِمْكَانُ عَنْهُ بِالْحَيْضِ قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ ". (وَهُوَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعَهُ بِهَا وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا، وَهُوَ مِمَّنْ يُولَدُ لِمَثَلِهِ) كَابْنِ عَشْرِ سِنِينَ، وَقِيلَ: وَتِسْعٍ، وَقِيلَ: ثِنْتَيْ عَشْرَةَ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَلْحَقُهُ حَتَّى يَبْلُغَ، كَمَا لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ حَتَّى يَعْلَمَ بُلُوغَهُ لِلشَّكِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 أَمْكَنَ اجْتِمَاعَهُ بِهَا وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا، وَهُوَ مِمَّنْ يُولَدُ لِمَثَلِهِ لَحِقَهُ نَسَبُهُ. وَإِنْ لَمْ يَمكُنْ كَوْنُهُ مِنْهُ، مِثْلَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا، أَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ، ثُمَّ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ   [المبدع في شرح المقنع] فِي جِهَةِ يَمِينِهِ. وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ كَغَيْرِهِ. (لَحِقَهُ نَسَبُهُ) مَا لَمْ يَنْفِهِ بِلِعَانٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشَرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» . وَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ بَالِغًا، وَلَا يَتَقَرَّرُ بِهِ مَهْرٌ، وَلَا تَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ، وَلَا رَجْعَةٌ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ قَوْلٌ كَثُبُوتِ الْأَحْكَامِ بِصَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَأَنْكَرَهُ: يَنْتَفِي بِلَا لِعَانٍ، وَأَخَذَ شَيْخُنَا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا إِلَّا بِالدُّخُولِ، وَاخْتَارَهُ. وَفِي " الِانْتِصَارِ " لَا يَلْحَقُ بِمُطَلِّقٍ إِنِ اتَّفَقَا أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا. وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ حَتَّى يُوجَدَ الدُّخُولُ. وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ زَمَنٌ يُمْكِنُ الْبُلُوغُ فِيهِ، فَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ كَالْبَالِغِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً. وَمَا عُهِدَ بُلُوغٌ لِتِسْعٍ. وَيَلْحَقُ النَّسَبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ، وَقِيلَ: إِنِ اعْتَقَدَ فَسَادَهُ فَلَا. فَرْعٌ: إِذَا تَحَمَّلَتْ مَاءَ زَوْجِهَا لَحِقَهُ نَسَبُ مَنْ وَلَدَتْهُ مِنْهُ، وَفِي الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ وَجْهَانِ، فَإِنْ كَانَ حَرَامًا، أَوْ مَاءَ مَنْ ظَنَّتْهُ زَوْجَهَا، فَلَا نَسَبَ، وَلَا مَهْرَ، وَلَا عِدَّةَ فِي الْأَصَحِّ فِيهَا. (وَإِنْ لَمْ يمَكُنْ كَوْنُهُ مِنْهُ، مِثْلَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا، أَوْ لِأَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا) لَمْ يَلْحَقْهُ ; لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نَفْيِهِ بِاللِّعَانِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ، وَالْيَمِينُ جُعِلَتْ لِتَحَقُّقِ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ وَنَفْيِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ، وَمَا لَا يَجُوزُ لَا يُحْتَاجُ إِلَى نَفْيِهِ. (أَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ، ثُمَّ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا) لَمْ يَلْحَقْهُ. وَقَالَه ابْنُ شُرَيْحٍ: لِأَنَّهَا أَتَتْ بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ أَلَّا يَكُونَ مِنْهُ، فَلَمْ يَلْحَقْهُ كَمَا لَوِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْحَمْلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْإِمْكَانُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْعِدَّةِ. وَأَمَّا بَعْدَهُمَا فَلَا يَكْتَفِي بِالْإِمْكَانِ لِلَحَاقَة، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا، أَوْ فَارَقَهَا حَامِلًا فَوَضَعَتْ، ثُمَّ أَتَتْ بِآخَرَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهَا كَالَّتِي يَتَزَوَّجُهَا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فِي الْمَجْلِسِ، أَوْ يَتَزَوَّجُهَا وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي أَتَتْ بِالْوَلَدِ فِيهَا، أَوْ يَكُونُ صَبِيًّا لَهُ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ لَمْ يَلْحَقْهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنَّمَا يَكْتَفِي بِالْإِمْكَانِ لِنَفْيِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِرَاشَ سَبَبٌ، وَمَعَ وُجُودِ السَّبَبِ يَكْتَفِي بِإِمْكَانِ الْحِكْمَةِ، فَإِذَا انْتَفَى السَّبَبُ انْتَفَى الْحُكْمُ لِانْتِفَائِهِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ، ثُمَّ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ آخِرِ أَقْرَاهَا يَلْحَقُهُ. صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِعِلْمِنَا أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا فِي زَمَنِ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَيَلْزَمُ أَلَّا يَكُونَ الدَّمُ حَيْضًا. (أَوْ فَارَقَهَا حَامِلًا فَوَضَعَتْ، ثُمَّ أَتَتْ بِآخَرَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) ، لَمْ يَلْحَقْهُ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْه يَكُونَ الْوَلَدَانِ حَمْلًا وَاحِدًا، وَبَيْنَهُمَا مُدَّةَ الْحَمْلِ، فَعُلِمَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ زَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً كَسَائِرِ الْأَجْنَبِيَّاتِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ. (أَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهَا) وَلَهُ صُوَرٌ (كَالَّتِي يَتَزَوَّجُهَا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فِي الْمَجْلِسِ) . قَبْلَ غَيْبَتِهِ عَنْهُمْ وَتَأْتِي بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ عِلْمٌ حِسِّيٌّ وَنَظَرِيٌّ. (أَوْ يَتَزَوَّجُهَا وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ) بَعِيدَةٌ (لَا يَصِلُ إِلَيْهَا فِي الْمَدَّةِ الَّتِي أَتَتْ بِالْوَلَدِ فِيهَا) كَمَشْرِقِيٍّ يَتَزَوَّجُ مَغْرِبِيَّةً، فَإِنَّ الْوَقْتَ لَا يَسَعُ مُدَّةَ الْوِلَادَةِ، وَقُدُومَهُ، وَوَطْأَهُ بَعْدَهُ. وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ مُمْكِنًا. وَالْمُرَادُ: وَعَاشَ وَإِلَّا لَحِقَهُ بِالْإِمْكَانِ كَمَا بَعْدَهَا، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إِمْكَانُ الْوَطْءِ فِي هَذَا الْعَقْدِ، فَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ كَزَوْجَةِ الطِّفْلِ، أَوْ كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَالْإِمْكَانُ إِذَا وُجِدَ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ قَطْعًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ، فَعَلَّقْنَا الْحُكْمَ عَلَى إِمْكَانِهِ فِي النِّكَاحِ، وَلَمْ يَجُزْ حَذْفُ الْإِمْكَانِ عَنِ الِاعْتِبَارِ ; لِأَنَّهُ إِذَا انْتَفَى حَصَلَ الْيَقِينُ بِانْتِفَائِهِ عَنْهُ. وَفِي " التَّعْلِيقِ " وَ " الْوَسِيلَةِ " وَ " الِانْتِصَارِ ": وَلَوْ أَمْكَنَ، وَلَا يُخْفِي السَّيْرَ كَأَمِيرٍ وَتَاجِرٍ كَبِيرٍ. وَمَثَّلَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " بِالسُّلْطَانِ، وَالْحَاكِمِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ مِثْلَهُ لَمْ يَقْضِ بِالْفِرَاشِ، وَهِيَ مِثْلُهُ. (أَوْ يَكُونَ صَبِيًّا لَهُ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ (أَوْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 نَسَبُهُ. وَإِنْ قُطِعَ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ طَلَّقَهَا وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ ; لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ مِنْهُ الْإِيلَاجُ، وَالْإِنْزَالُ. نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: فِيمَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَايَاهُ قَالَ: إِنْ دَفَقَ فَقَدْ يَكُونُ الْوَلَدُ مِنَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ، فَإِنْ شَكَّ فِي وَلَدِهِ فَالْقَافَةُ. وَسَاقَهُ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ خَصِيٍّ، قَالَ: إِنْ كَانَ مَجْبُوبًا لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ أَنْزَلَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ الْوَلَدُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَالْقَافَةُ (وَإِنْ قُطِعَ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ) ، لِأَنَّهُ إِذَا قُطِعَ الذَّكَرُ بَقِيَتِ الْأُنْثَيَانِ، فَسَاحَقَ وَأَنْزَلَ، وَإِنَّ قُطِعَ الْأُنْثَيَانِ بَقِيَ الذَّكَرُ، فَأَوْلَجَ بِهِ (وَفِيهِ بُعْدٌ) ، لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يُوجَدُ إِلَّا مِنْ مَنِيٍّ. وَمَنْ قُطِعَتْ أُنْثَيَاهُ، لَا مَنِيَّ لَهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا قُطِعَتْ أُنْثَيَاهُ فَقَطْ، لَا يَلْحَقُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ إِلَّا مَاءً رَقِيقًا، لَا يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَلَا وُجِدَ ذَلِكَ، وَلَا اعْتِبَارَ بِإِيلَاجٍ لَا يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ كَمَا لَوْ أَوْلَجَ الصَّغِيرُ. وَجَزَمَ الْأَكْثَرُ بِلُحُوقِ نَسَبِهِ بِهِ لَمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ قُطِعَ الذَّكَرُ لَحِقَهُ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسَاحِقَ فَيُنْزِلَ مَا يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَلِهَذَا أَلْحَقْنَا وَلَدَ الْأَمَةِ بِسَيِّدِهَا إِذَا اعْتَرَفَ بِوَطْئِهَا دُونَ الْفَرْجِ. (وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ طَلَّقَهَا) وَقَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، أَحَدُهُمَا: يَلْحَقُهُ، صَحَّحَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ، أَشْبَهُ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَالثَّانِي لَا يَلْحَقُهُ ; لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ طَلَاقٍ، أَشْبَهَتِ الْبَائِنَ، وَإِنْ حَمَلَتِ الرَّجْعِيَّةَ بَعْدَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ مُنْذُ طُلِّقَتْ، وَقَبْلَ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ فَرَغَتْ عِدَّتُهَا لَحِقَهُ فِي الْأَشْهُرِ، سَوَاءٌ أَخْبَرَتْ بِفَرَاغِ الْعِدَّةِ أَوْ لَا. 1 - فَرْعٌ: إِذَا أُخْبِرَتْ بِمَوْتِ زَوْجِهَا فَاعْتَدَّتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ لَحِقَ بِالثَّانِي مَا وَضَعَتْهُ لِنِصْفِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ، وَمَا وُلِدَتِ الْبَائِنُ بِمَوْتٍ، أَوْ طَلَاقٍ، وَقَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ، أَوْ فَسْخٍ لِأَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ فَأَقَلَّ مُنْذُ بَانَتْ، وَلَمْ تُنْكَحْ لَحِقَهُ، وَانْقَضَتْ بِهِ عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَمَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ أَكْثَرِهَا لَمْ يَلْحَقْهُ. وَفِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ وَجْهَانِ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا تَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ وَوَلَدَتْ قَبْلَ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ تَزَوَّجَتْ، وَقَبْلَ أَرْبَعِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 فَصْلٌ وَمَنِ اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فِي الْفَرْجِ، أَوْ دُونَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَإِنِ ادَّعَى الْعَزْلَ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ، وَهَلْ يَحْلِفُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] سِنِينَ مُنْذُ بَانَتْ مِنَ الْأَوَّلِ، فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لِنِصْفِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ مُنْذُ تَزَوَّجَتْ وَبَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ فُرْقَةِ الْأَوَّلِ، فَهُوَ لِلثَّانِي. [فَصْلُ وَطْءِ الْأَمَةِ] [اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فِي الْفَرْجِ أَوْ دُونَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ] فَصْلٌ (وَمَنِ اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فِي الْفَرْجِ، أَوْ دُونَهُ) صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ (فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَهُ نَسَبُهُ) . نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي ابْنِ زَمْعَةَ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ: لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنَّهُ أَلَمَّ بِهَا إِلَّا أَلْحَقَتُ بِهِ وَلَدَهَا فَأَنْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ، أَوِ اتْرُكُوا. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَصِيرُ فِرَاشًا حَتَّى يُقِرَّ بِوَلَدِهَا، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ صَارَتْ فِرَاشًا وَلَحِقَهُ أَوْلَادُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا لَوْ صَارَتْ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ لَصَارَتْ فِرَاشًا بِإِبَاحَتِهِ كَالزَّوْجَةِ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، وَلَا يَنْعَقِدُ فِي مَحَلٍّ يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهِ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، فَلَوْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا فِي الْأَشْهَرِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَاهُ، (وَإِنِ ادَّعَى الْعَزْلَ) ، لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْإِنْزَالُ فَوَجَبَ أَلَّا يُعْتَبَرَ هُنَا كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَنْتَفِي عَنْهُ بِلِعَانٍ، وَلَا غَيْرِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: الْوَلَدُ يَكُونُ مِنَ الرِّيحِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهَذَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ فِي الْفَرْجِ ; لِأَنَّهُ لَا رِيحٌ يَسِيرُ إِلَيْهَا إِلَّا رَائِحَةُ الْمَنِيِّ، وَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ إِنْزَالِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا. قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَحْمَدَ عِلْمٌ عَظِيمٌ، (إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي حُصُولِهِ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ، لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إِلَّا بِعُسْرٍ وَمَشَقَّةٍ. (وَهَلْ يَحْلِفُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) . كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". أَحَدُهُمَا: لَا يَحْلِفُ ; لِأَنَّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ قُبِلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ كَمَا لَوْ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 أَعْتَقَهَا، أَوْ بَاعَهَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِوَطْئِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ وَلَدُهُ وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا فَأَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مِنْهُ سَوَاءٌ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ، وَإِنِ اسْتَبْرَأَتْ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " يَسْتَحْلِفُ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْحُقُوقِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: أَوْ يَرَى الْقَافَةَ. نَقَلَهُ الْفَضْلُ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ، عَنْ زَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": يَنْتَفِي بِالْقَافَةِ، لَا بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إِذَا نَفَاهُ وَأَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ وَأَقَرَّ بِالْوَطْءِ. وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ إِذَا مَلَكَهَا لَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِمُلْكِهَا التَّمَوُّلَ، وَالتِّجَارَةَ، وَالْخِدْمَةَ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِإِرَادَةِ الْوَطْءِ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُولَدْ عَلَى فِرَاشِهِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي أَمَةٍ تُرَادُ لِلتَّسَرِّي عَادَةً أَنَّهَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِالْمُلْكِ. وَقَالَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ لِقِصَّةِ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، وَاحْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ. فَرْعٌ: إِذَا اسْتَلْحَقَ وَلَدًا فَفِي لُحُوقِ مَا بَعْدَهُ بِدُونِ إِقْرَارٍ آخَرَ وَجْهَانِ، وَنُصُوصُهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَلْحَقُهُ لِثُبُوتِ فِرَاشِهِ. [أَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِوَطْئِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ] (فَإِنْ أَعْتَقَهَا، أَوْ بَاعَهَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِوَطْئِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ وَلَدُهُ) لِأَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ، وَهِيَ فِرَاشٌ ; لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ (وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ الْوَلَدِ. (وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا فَأَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الْبَائِعِ لَحِقَهُ نَسَبُهُ ; لِأَنَّهُ وَجَدَ مِنْهُ سَبَبَهُ، وَهُوَ الْوَطْءُ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ، فَتَعَيَّنَ إِحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، (سَوَاءٌ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ) لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِإِلْحَاقِهِ أَنَّهَا لَوْ أَتَتْ بِهِ فِي مُلْكِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَلَحِقَ بِهِ. وَانْتِقَالُ الْمُلْكِ عَنْهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ بِهِ شَيْءٌ. وَحَكَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا. وَقِيلَ: يَرَى الْقَافَةَ. نَقَلَهُ صَالِحٌ وَحَنْبَلٌ. وَنَقَلَ الْفَضْلُ: هُوَ لَهُ. قُلْتُ: فِي نَفْسِهِ مِنْهُ، قَالَ: فَالْقَافَةُ، وَإِنِ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لِلْآخَرِ، وَالْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِالْوَطْءِ، فَالْخِلَافُ كَذَلِكَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ. وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ تَسْتَبْرِئْ، وَلَمْ يُقِرَّ الْمُشْتَرِي لَهُ بِهِ. فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنِ الْبَائِعُ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ بَيْعِهَا لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ بِحَالٍ إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ، فَيَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. وَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي، فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَهُ نَسَبُهُ مَعَ كَوْنِهِ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي. وَإِذَا وَطِئَ الْمَجْنُونُ مَنْ لَا مُلْكَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا شِبْهَ مُلْكٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ يَلْحَقْهُ النَّسَبُ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنِ اسْتَبْرَأَتْ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ) ، لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنَ الْحَمْلِ، وَقَدْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ لِوُجُودِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ. فَلَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ غَيْرَ صَحِيحٍ، (وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ تَسْتَبْرِئْ، وَلَمْ يُقِرَّ الْمُشْتَرِي لَهُ بِهِ) لِأَنَّهُ وَلَدُ أَمَةِ الْمُشْتَرِي، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى غَيْرِهِ لَهُ إِلَّا بِإِقْرَارٍ مِنَ الْمُشْتَرِي، (فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنِ الْبَائِعُ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ بَيْعِهَا لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ بِحَالٍ) ، سَوَاءٌ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لِأَقَلَّ مِنْهَا ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ، (إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْوَلَدِ أَنَّهُ ابْنٌ لِلْبَائِعِ، (فَيَلْحَقُهُ نَسَبُهُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِهِمَا، (وَإِنِ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي، فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي) . وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي الْإِيلَادِ ; لِأَنَّ الْمُلْكَ انْتَقَلَ إِلَى الْمُشْتَرِي فِي الظَّاهِرِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِيمَا يُبْطِلُ حَقَّهُ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَهُ نَسَبُهُ مَعَ كَوْنِهِ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَلَدَ الْوَاحِدِ مَمْلُوكًا لِآخَرَ كَوَلَدِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ إنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ; لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلَوْ أَعْتَقَهُ كَانَ أَبُوهُ أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ مِنْهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا إِذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ مَا بَاعَ حَتَّى اسْتَبْرَأَ، أَوْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا، فَقَالَ: إِنْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ. قَالَه الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: يَنْتَفِي النَّسَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى الْيَمِينِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ فِيهِ وَجْهَانِ. (وَإِذَا وَطِئَ الْمَجْنُونُ مَنْ لَا مُلْكَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا شِبْهة مُلْكٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ يَلْحَقْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] النَّسَبُ) ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنِدُ إِلَى مُلْكٍ، وَلَا اعْتِقَادَ إِبَاحَةٍ، وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ إِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ ; لِأَنَّ الضَّمَانَ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُكَلَّفُ وَغَيْرُهُ. أَصْلٌ: تَبَعِيَّةُ النَّسَبِ لِلْأَبِ إِجْمَاعًا مَا لَمْ يَنْتَفِ مِنْهُ فَوَلَدُ قُرَشِيٍّ مِنْ غَيْرِ قُرَشِيَّةٍ قُرَشِيٌّ، وَلَا عَكْسَ. وَتَبَعِيَّةُ حُرِّيَّةٍ وَرِقٍّ لِلْأُمِّ إِلَّا مَنْ عُذِرَ لِلْعَيْبِ، أَوْ غُرُورٍ وَيَتْبَعُ خَيْرَهُمَا دِينًا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَتَّبِعُ مَا أَكَلَ أَبَوَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " أَنَّهُ يُوجَدُ عَبْدٌ مِنْ حُرَّةٍ، وَهُوَ وَلَدُ الْأَمَةِ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا بِمَجِيئِهِ عَبْدًا وَفِيهِ شَيْءٌ. 1 - مَسَائِلٌ: الْأُولَى: وَلَدُ الزَّانِي لَا يَلْحَقُ بِهِ، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَلْحَقَ وَلَدَهُ مِنَ الزِّنَا، وَلَا فِرَاشَ لَحِقَهُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": يُسَوِّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادَ. وَذَكَرَهُ ابْنُ اللَّبَّانِ، عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُرْوَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَفِي " الِانْتِصَارِ " يَلْحَقُهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ. وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ مِثْلَهُ. الثَّانِيَةُ: إِذا أَوْلَدَ أَمَةً لَهُ وَلِغَيْرِهِ، أَوْ أَمَةَ وَلَدِهِ لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، بِخِلَافِ أَمَةِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ. وَفِي أَمَةِ زَوْجَتِهِ بِإِذْنِهَا رِوَايَتَانِ. وَمَنْ خَلَا بِزَوْجَتِهِ الْكِتَابِيَّةِ، وَهُوَ مُسْلِمٌ صَائِمٌ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَوَلَدَتْ مَنْ يُمْكِنُ أَنَّهُ مِنْهُ لَحِقَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. الثَّالِثَةُ: إِذَا زَوَّجَ أَمَةً مِنْ صَغِيرٍ، لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ، ثُمَّ وَطِئَهَا سَيِّدُهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْ وَطْئِهِ لَمْ يَلْحَقْ نَسَبُهُ بِهِ، وَلَا بِالزَّوْجِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَسْتَرِقُّهُ السَّيِّدُ بَلْ يُعْتِقُهُ. قَالَ: لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ، فَهُوَ مِنْهُ. وَإِنِ اشْتَرَى أَمَةً فَوَطِئَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ يُعْتِقُهُ، وَلَا يَبِيعُهُ ; لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 كِتَابُ الْعِدَدِ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْخَلْوَةِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ خَلَا بِهَا وَهِيَ مُطَاوِعَةٌ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِمَا، أَوْ بِأَحَدِهِمَا مَانِعٌ مِنَ الْوَطْءِ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْعِدَدِ] [مَنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ] ِ الْعِدَدُ جَمْعُ عِدَّةٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِيهِمَا، وَهِيَ مَا تَعُدُّهُ مِنْ أَيَّامِ أَقْرَائِهَا وَحَمْلِهَا، أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ، وَالْجَوْهَرِيُّ: عِدَّةُ الْمَرْأَةِ أَيَّامُ أَقْرَائِهَا. وَالْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةٌ، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ تَتَرَبَّصُ فِيهَا الْمَرْأَةُ لِتَعْرِفَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِوَضْعِ حَمْلٍ، أَوْ مُضِيِّ أَقْرَاءٍ، أَوْ أَشْهُرٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . وَالْأَحَادِيثُ شَهِيرَةٌ فِي ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى يَشْهَدُ لَهُ ; لِأَنَّ رَحِمَ الْمَرْأَةِ رُبَّمَا كَانَ مَشْغُولًا بِمَاءِ شَخْصٍ. وَتَمْيِيزُ الْأَنْسَابِ مَطْلُوبٌ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ، وَالْعِدَّةُ طَرِيقٌ إِلَيْهِ. (كُلُّ امْرَأَةٍ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ) وَهُوَ اللَّمْسُ بِالْيَدِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلْجِمَاعِ ; لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَسِّ غَالِبًا. (وَالْخَلْوَةُ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) ، إِجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 49] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْأَصْلِ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ بَعْدَهَا، وَالزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ. (وَإِنْ خَلَا بِهَا) خِلَافًا لِـ " عُمُدِ الْأَدِلَّةِ " (وَهِيَ مُطَاوَعَةٌ) مَعَ عِلْمِهِ بِهَا (فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِمَا، أَوْ بِأَحَدِهِمَا مَانِعٌ مِنَ الْوَطْءِ) شَرْعِيًّا كَانَ، أَوْ حَقِيقِيًّا، (كَالْإِحْرَامِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَالْمَرَضِ، وَالْجُبِّ، وَالْعُنَّةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ) ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 كَالْإِحْرَامِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَالْمَرَضِ، وَالْجُبِّ، وَالْعُنَّةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَلَّا يَعْلَمَ بِهَا كَالْأَعْمَى، وَالطِّفْلِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. وَالْمُعْتَدَّاتُ عَلَى سِتَّةِ أَضْرُبٍ: إِحْدَاهُنَّ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ حَرَائِرَ كُنَّ، أَوْ إِمَاءً مِنْ فُرْقَةِ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْأَثْرَمُ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، قَالَ: قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَنَّ مَنْ أَغْلَقَ بَابًا، أَوْ أَرْخَى سَتْرًا فَقَدْ وَجَبَ الْمَهْرُ وَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ. وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اشْتُهِرَتْ، وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ كَالْإِجْمَاعِ، وَضَعَّفَ أَحْمَدُ مَا رُوِيَ خِلَافُهُ، وَلِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ، فَالتَّمْكِينُ مِنْهُ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِيفَاءِ فِي الْأَحْكَامِ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ. وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا مَعَ الْمَانِعِ حَقِيقِيًّا كَانَ كَالْجُبِّ، أَوْ شَرْعِيًّا كَالصَّوْمِ، أَوْ مَعَ عَدَمِهِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ هَاهُنَا مُعَلَّقٌ عَلَى الْخَلْوَةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الْإِصَابَةِ دُونَ حَقِيقَتِهَا. وَعَنْهُ: لَا يُكْمِلُ الصَّدَاقَ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ، فَكَذَا يُخْرَجُ فِي الْعِدَّةِ. وَعَنْهُ: أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَمْنَعُ كَمَالَ الصَّدَاقِ مَعَ الْخَلْوَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ مَتَى كَانَ مُتَأَكِّدًا كَالْإِحْرَامِ مَنَعَ كَمَالَ الصَّدَاقِ مَعَ الْخَلْوَةِ، وَلَمْ تَجِبِ الْعِدَّةُ، فَلَوْ خَلوا بِهَا وَاخْتَلَفَا فِي الْمَسِيسِ قَبْلَ قَوْلِ مَنْ يَدَّعِي الْوَطْءَ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ وَأَقْرَبَ إِلَى حَالِ الْخَلْوَةِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَطْأَهَا اعْتَدَّتْ كَالْمَوْطُوءَةِ. وَقِيلَ: إِنْ صَدَّقَتْهُ فَلَهَا حُكْمُ الْمَدْخُولِ بِهَا مُطْلَقًا إِلَّا فِي حَلِّهَا لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا، أَوْ فِي الزِّنَا، فَإِنَّهُمَا يُجْلَدَانِ فَقَطْ، (إِلَّا أَلَّا يَعْلَمَ بِهَا كَالْأَعْمَى، وَالطِّفْلِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) . وَلَا يُكْمَلُ صَدَاقُهَا ; لِأَنَّ الْمِظَنَّةَ لَا تَتَحَقَّقُ. وَكَذَا إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، أَوْ لَمْ تَكُنْ مُطَاوَعَةً لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَظِنَّةِ مَعَ ظُهُورِ اسْتِحَالَةِ الْمَسِيسِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا تَحَمَّلَتْ مَاءَ رَجُلٍ، أَوْ قَبَّلَهَا، أَوْ لَمَسَهَا فَوَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: إِنْ كَانَ مَاءَ زَوْجِهَا اعْتَدَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ وُطِئَتْ فِي الدُّبُرِ اعْتَدَّتْ. [الْمُعْتَدَّاتُ عَلَى سِتَّةِ أَضْرُبٍ] [الْأَوَّلُ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ] (وَالْمُعْتَدَّاتُ عَلَى سِتَّةِ أَضْرُبٍ) وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِنَّ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْآيِسَاتِ مِنَ الْمَحِيضِ ضَرْبًا، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ضَرْبًا لِاسْتِوَاءِ عِدَّتِهِمَا، (إِحْدَاهُنَّ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) بِغَيْرِ خِلَافٍ لِلْآيَةِ. (حَرَائِرَ كُنَّ أَوْ إِمَاءً مِنْ فُرْقَةِ الْحَيَاةِ، أَوِ الْمَمَاتِ) إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ مُنْقَطِعٍ أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ. وَقَالَهُ أَبُو السَّنَابِلِ بْنِ بَعْكَكٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 الْحَيَاةِ، أَوِ الْمَمَاتِ. وَالْحَمْلُ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ. فَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ ثِقَاتٌ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، فَهَلْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يَلْحَقُهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ. وَآيَةُ الْحَمْلِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ آيَةِ الْأَشْهُرِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ شَاءَ بَاهَلَتْهُ، أَوْ لَاعَنَتْهُ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] نَزَلَتْ بَعْدَ آيَةِ الْبَقَرَةِ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الْآيَةَ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ، وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةُ حَامِلٍ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ كَالْمُطَلَّقَةِ إِذِ الْوَضْعُ أَدَلُّ الْأَشْيَاءِ عَلَى بَرَاءَتِهَا، فَلَوْ ظَهَرَ بَعْضُهُ فَهِيَ فِي عِدَّتِهَا حَتَّى يَنْفَصِلَ بَاقِيهِ. وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إِلَّا بِوَضْعِ الْآخَرِ. وَعَنْهُ: بِالْأَوَّلِ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَهُ أَبُو قِلَابَةَ وَعِكْرِمَةُ، وَلَكِنْ لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تَضَعَ الْآخَرَ مِنْهُمَا، وَهَذَا شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَاحْتَجَّ الْقَاضِي، وَالْأَزَجِيُّ بِأَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مِنَ الْأَوَّلِ وَآخِرَهُ مِنْهُ بِأَنَّ أَحْكَامَ الْوِلَادَةِ تَتَعَلَّقُ بِأَحَدِ الْوَلَدَيْنِ ; لِأَنَّ انْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ، وَانْقِضَاءَ الْعِدَّةِ تَتَعَلَّقُ بِأَحَدِهِمَا، لَا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَذَلِكَ مُدَّةُ النِّفَاسِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَلَوْ وَضَعَتْ وَاحِدًا وَشَكَّتْ فِي آخَرَ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ. (وَالْحَمْلُ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ) مَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَهُوَ (مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ) كَالرَّأْسِ وَالْيَدِ، وَالرِّجْلِ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ إِجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ; لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ حَمَلَ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ. الثَّانِي: أَلْقَتْ مُضْغَةً لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا شَيْءٌ مِنِ الْخِلْقَةِ فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مَنَ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً بَانَ بِهَا أَنَّهَا خِلْقَةُ آدَمِيٍّ، فَكَذَلِكَ (فَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ ثِقَاتٌ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ فَهَلْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . هَذَا هُوَ الثَّالِثُ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ: أَحَدُهُمَا: تَنْقَضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ كَمَا لَوْ تَصَوَّرَ. وَالثَّانِيَةُ: لَا، قَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي "، وَذَكَرَ أَنَّهُا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 نَسَبُهُ كَامْرَأَةِ الطِّفْلِ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِهِ. وَعَنْهُ: تَنْقَضِي بِهِ، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَأَقَلُّ مُدَّةِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَنْصُوصُ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ وَلَدًا، أَشْبَهَ الْعَلَقَةَ. الرَّابِعُ: أَلْقَتْ نُطْفَةً، أَوْ دَمًا، لَا تَدْرِي هَلْ هُوَ مَا يُخْلَقُ مِنْهُ آدَمِيٌّ، أَوْ لَا؛ فَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَلَدٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَلَا بِالْبَيِّنَةِ. الْخَامِسُ: إِذَا وُضِعَتْ مُضْغَةٌ، لَا صُورَةَ فِيهَا، وَلَمْ تَشْهَدِ الْقَوَابِلُ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَمْ تَنْقَضِ، وَلَا تَنْقَضِي بِمَا قَبْلَ الْمُضْغَةِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إِلَّا الْحَسَنَ، قَالَ: إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ حَمْلٌ انْقَضَتْ بِهِ، وَفِيهِ الْغِرَّةُ. (وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ كَامْرَأَةِ الطِّفْلِ) وَمَجْبُوبٍ وَمُطَلَّقَةٍ عَقِبَ عَقْدٍ، وَمَنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ عَقَدَ عَلَيْهَا. (لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ حَمْلٌ لَيْسَ مِنْهُ يَقِينًا، فَلَمْ يَعْتَدَّ بِوَضْعِهِ كَمَا لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَعَلَى هَذَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ. (وَعَنْهُ: تَنْقَضِي بِهِ) لِأَنَّهُ حَمْلٌ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ (وَفِيهِ بُعْدٌ) . وَوَجْهُهُ أَنَّ شَرْطَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْحَمْلِ أَنْ يَكُونَ حَمْلَ الْمُفَارِقِ، وَهَذَا لَيْسَ حَمْلًا مِنْهُ ضَرُورَةُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. وَعَنْهُ: مِنْ غَيْرِ طِفْلٍ لِلُحُوقِهِ بِاسْتِلْحَاقِهِ، وَقِيلَ: تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَا يَلْحَقُهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ (وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) . وِفَاقًا لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، أَنَّهُ رَفَعَ إِلَى عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهَمَّ عُمَرُ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَيْسَ لَكَ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] . وَقَالَ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] فَحَوْلَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ ثَلَاثُونَ شَهْرًا، لَا رَجْمَ عَلَيْهَا. فَخَلَّى عُمَرُ سَبِيلَهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (وَغَالِبُهَا تِسْعَةُ) أَشْهُرٍ ; لِأَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ كَذَلِكَ يَحْمِلْنَ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ، (وَأَكْثَرُهَا أَرْبَعُ سِنِينَ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ أَرْبَعُ سِنِينَ، فَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي حَمْلِهَا عَلَى سَنَتَيْنِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ يَقُولُ هَذَا هَذِهِ جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَغَالِبُهَا تِسْعَةٌ وَأَكْثَرُهَا أَرْبَعُ سِنِينَ. وَعَنْهُ: سَنَتَانِ. وَأَقَلُّ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْوَلَدُ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا. فَصْلٌ الثَّانِي: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً   [المبدع في شرح المقنع] حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةً سَنَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَقِيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: نِسَاءُ بَنِي عَجْلَانَ تَحْمِلُ أَرْبَعَ سِنِينَ. وَإِذَا تَقَرَّرَ وُجُودُهُ وَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ، وَلَا يُزَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وُجُودِهِ. (وَعَنْهُ: سَنَتَانِ) ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ جَمِيلَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ مَالِكٌ. (وَأَقَلُّ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْوَلَدُ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا) وَهُوَ أَقَلُّ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مِنَ الْحَمْلِ، وَهُوَ أَنْ تَضَعَهُ بَعْدَ ثَمَانِينَ يَوْمًا مُنْذُ أَمْكَنَهُ وَطْؤُهَا ; لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يَجْمَعُ خَلْقَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ» وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِمَا دُونَ الْمُضْغَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الثَّمَانِينَ، فَأَمَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ فِيهِ إِشْكَالٌ. وَقِيلَ: بَلْ ثَمَانُونَ وَلَحْظَتَانِ، وَهُوَ إِذَنْ مُضْعَةٌ غَيْرُ مُصَوَّرٍ، وَيُصَوَّرُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. [الثَّانِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا] فَصْلٌ (الثَّانِي: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا. (عَدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً) بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ الْآيَةُ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» أَيْ: عَشْرُ لَيَالٍ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْيَوْمَ مُقَدَّمٌ عَلَى اللَّيْلَةِ، لَا يُجْزِئُهَا إِلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَالِغَةً، أَوْ غَيْرَ بَالِغَةٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْحَيْضِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي قَوْلِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 وَشَهْرَانِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ إِنْ كَانَتْ أَمَةً، وَسَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ مَاتَ زَوْجُ الرَّجْعِيَّةِ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ وَسَقَطَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ. وَإِنْ طَلَّقَهَا   [المبدع في شرح المقنع] عَامَّتِهِمْ. وَالْعَشْرُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهَا هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: تَجِبُ عَشْرُ لَيَالٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ ; لِأَنَّ الْعَشْرَ تُسْتَعْمَلُ فِي اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الْأَيَّامُ اللَّاتِي فِي أَثْنَاءِ اللَّيَالِي تَبَعًا. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْعَرَبَ تَغْلِبُ حُكْمَ التَّأْنِيثِ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً عَلَى الْمُذَكَّرِ فَتُطْلِقُ لَفْظَ اللَّيَالِي وَتُرِيدُ اللَّيَالِيَ بِأَيَّامِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِزَكَرِيَّا {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] يُرِيدُ بِأَيَّامِهَا وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] يُرِيدُ بِلَيَالِيهَا. لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعُشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لَزِمَهُ اللَّيَالِي، وَالْأَيَّامُ. (وَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ إِنْ كَانَتْ أَمَةً) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: مَا أَرَى عِدَّةَ الْأَمَةِ إِلَّا كَالْحُرَّةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ مَضَتْ سَنَةٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَجَوَابُهُ: مَا سَبَقَ، فَإِنْ كَانَ حَمْلُهَا مِنْ غَيْرِهِ اعْتَدَّتْ لِلزَّوْجِ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ. فَرْعٌ: مُعْتَقٌ بَعْضُهَا بِالْحِسَابِ مِنْ عِدَّةِ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَيجَبْرِ الْكَسْرِ. (وَسَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ) لِعُمُومِ الْآيَةِ، لَا يُقَالُ: هَلَّا حُمِلَ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] الْآيَةَ. لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ إِذِ النِّكَاحُ عَقْدُ عُمَرَ، فَإِذَا مَاتَ انْتَهَى، وَالشَّيْءُ إِذَا انْتَهَى تَقَرَّرَتْ أَحْكَامُهُ كَالصِّيَامِ بِدُخُولِ اللَّيْلِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ قَطْعٌ لِلنِّكَاحِ قَبْلَ حُصُولِ مَقْصُودِهِ، أَشْبَهَ فَسْخَ الْإِجَارَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ أَمْكَنَ تَكْذِيبُهَا بِنَفْيِهِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ. (وَإِنْ مَاتَ زَوْجُ الرَّجْعِيَّةِ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ) لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] (وَسَقَطَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةُ الْوَفَاةِ، فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهَا غَيْرُهَا إِجْمَاعًا. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَعَنْهُ: تَعْتَدُّ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ، وَبَعْدَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ طَلَاقًا بَائِنًا، ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْ عِدَّتِهَا) وَتَبْنِي عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا، وَلَا تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ لِلْآيَةِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 فِي الصِّحَّةِ طَلَاقًا بَائِنًا، ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْ عِدَّتِهَا. وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اعْتَدَّتْ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ. وَإِنِ ارْتَابَتِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْحَمْلِ مِنَ الْحَرَكَةِ، وَانْتِفَاخِ الْبَطْنِ، وَانْقِطَاعِ الْحَيْضِ قَبْلَ أَنْ تُنْكَحَ لَمْ تَزَلْ فِي عِدَّةٍ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ. وَإِنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ زَوَالِهَا لَا يَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ فِي نِكَاحِهِ وَمِيرَاثِهِ، وَتَحِلُّ لَهُ أُخْتُهَا، فَلَمْ تَعْتَدَّ لِوَفَاتِهِ كَمَا لَوِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا. وَعَنْهُ: تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ إِنْ وَرِثَتِ، اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ الْحَمْلَ تَنْقَضِي بِوَضْعِهِ كُلُّ عِدَّةٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الِاعْتِدَادُ بِغَيْرِهِ. (وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اعْتَدَّتْ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ لِلْوَفَاةِ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهَا مُطَلَّقَةٌ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ لِلطَّلَاقِ فَيَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ بِأَطْوَلِهِمَا ضَرُورَةً أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ إِلَّا بِذَلِكَ. وَعَنْهُ: تَعْتَدُّ لِطَلَاقٍ ; لِأَنَّهُ مَاتَ وَلَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ ; لِأَنَّهَا بَائِنٌ مِنَ النِّكَاحِ، فَلَا تَكُونُ مَنْكُوحَةً وِكَالَتِي لَا تَرِثُ. وَعَنْهُ: تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ فَقَطْ. ذَكَرَهُمَا فِي " الْمُحررّ "، وَلِأَنَّهَا تَرِثُهُ، أَشْبَهَتِ الرَّجْعِيَّةَ، وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَا تَرِثُهُ كَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ وَمَنْ جَاءَتِ الْبَيْنُونَةُ مِنْ قَبْلِهَا، فَلَا يَلْزَمُهَا سِوَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَفِي " الْوَاضِحِ " تَعْلِيلُهُ يَدُلُّ عَلَى التَّفْرِقَةِ. فَرْعٌ: إِذَا مَاتَ الْمَرِيضُ الْمُطَلِّقُ بَعْدَ عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، أَوْ كَانَ طَلَاقُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ. وَعَنْهُ: بَلَى إِنْ وَرِثَتْهُ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَكَذَا مَنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ فَاعْتَدَّتْ، ثُمَّ مَاتَ. (وَإِنِ ارْتَابَتِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْحَمْلِ مِنَ الْحَرَكَةِ، وَانْتِفَاخِ الْبَطْنِ، وَانْقِطَاعِ الْحَيْضِ قَبْلَ أَنْ تُنْكَحَ لَمْ تَزَلْ فِي عِدَّةٍ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ) وَتَبْقَى فِي حُكْمِ الِاعْتِدَادِ إِلَى أَنْ تَزُولَ الرِّيبَةُ. فَإِنْ بَانَ حَمْلًا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ، فَإِنْ زَالَتْ وَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحِمْلٍ تَبَيَّنَّا أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ بِالشُّهُورِ، أَوْ بِالْأَقْرَاءِ إِنْ كَانَ فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ زَوَالِهَا) أَيْ: زَوَالِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 النِّكَاحُ. وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا ذَلِكَ بَعْدَ نِكَاحِهَا لَمْ تَفْسُدْ بِهِ، لَكِنْ إِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ نَكَحَهَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِلَّا فَلَا. وَإِذَا مَاتَ عَنِ امْرَأَةٍ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ،   [المبدع في شرح المقنع] الرِّيبَةِ. (لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ) لِأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ، وَهِيَ فِي حُكْمِ الْمُعْتَدَّاتِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِذَا كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. (وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا ذَلِكَ بَعْدَ نِكَاحِهَا لَمْ تَفْسُدْ بِهِ) لِأَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ قَضَاءِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا. وَالْحَمْلُ مَعَ الرِّيبَةِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَزُولُ مَا حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ، وَلَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ لِشَكِّنَا فِي حَلِّ وَطْئِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» (لَكِنْ إِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ نَكَحَهَا) الثَّانِي وَوَطْئِهَا (فَهُوَ) أَيِ: النِّكَاحُ (بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ نَكَحَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ غَيْرِهِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ ; لِأَنَّ الْوَلَدَ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الثَّانِي، فَلَمْ يُصَادِفْ نِكَاحَهَا لَهُ مُبْطِلٌ، فَلَمْ يُبْطِلْ ; لِأَنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِهِ، فَلَوْ ظَهَرَتِ الرِّيبَةُ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَقَبْلَ النِّكَاحِ، أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَإِنْ فَعَلَتْ لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّهَا شَاكَّةٌ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَالثَّانِي: يَحِلُّ لَهَا وَيَصِحُّ ; لِأَنَّا حَكَمْنَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِالشَّكِّ بِدَلِيلِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغْيِيرِ اجْتِهَادِهِ وَرُجُوعِ الشُّهُودِ (وَإِذَا مَاتَ عَنِ امْرَأَةٍ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ، فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ. نَصَّ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهَا الْأَكْثَرُ ; لِأَنَّهُ نِكَاحٌ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ فَوَجَبَتْ بِهِ الْعِدَّةُ كَالصَّحِيحِ. وَإِنْ فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، أَوْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا كَالصَّحِيحِ، بَلْ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ ; لِأَنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى الصَّحِيحِ فِي لُحُوقِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِلْوَفَاةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مَجْمَعًا عَلَى بُطْلَانِهِ لَمْ تَعْتَدَّ لِلْوَفَاةِ مِنْ أَجْلِهِ. فَصْلٌ الثَّالِثُ: ذَاتُ الْقُرْءِ الَّتِي فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا وَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ   [المبدع في شرح المقنع] النَّسَبِ، فَكَذَا فِي الْعِدَّةِ. (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِلْوَفَاةِ فِي ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحَمْلُ، فَلَمْ يُوجِبِ الْعِدَّةَ كَالْبَاطِلِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ اعْتَدَّتْ. (فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُجْمِعًا عَلَى بُطْلَانِهِ) كَذَاتِ مَحْرَمٍ وَمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا، (لَمْ تَعْتَدَّ لِلْوَفَاةِ مِنْ أَجْلِهِ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِ. [الثَّالِثُ ذَاتُ الْقُرْءِ الَّتِي فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا] فَصْلٌ (الثَّالِثُ: ذَاتُ الْقُرْءِ الَّتِي فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا) وَلَوْ بِطَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ إِجْمَاعًا (وَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً) أَوْ بَعْضُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (وَقُرْءَانِ إِنْ كَانَتْ أَمَةً) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ. وَلَا نَعْرِفُ لَهُ فِي الْعِلْمِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَكَالْحَدِّ، وَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ حَيْضَةً وَنِصْفًا كَمَا كَانَ حَدُّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرَّةِ، إِلَّا أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ كَالْمُطَلَّقَةِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ: لَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَجْعَلَ الْعِدَّةَ حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْتُ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ، أَوِ الِانْقِطَاعِ، وَالْمُدَبَّرَةُ، وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْأَمَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 إِنْ كَانَتْ حُرَّةً وَقُرْءَانِ إِنْ كَانَتْ أَمَةً. وَالْقُراءُ: الْحَيْضُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا تُعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا حَتَّى تَأْتِيَ بِثَلَاثٍ كَامِلَةٍ بَعْدَهَا. فَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَالْقُراءُ: الْحَيْضُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) الْقُرُوءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَقَعُ عَلَى الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ جَمِيعًا، فَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ. قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ: أَقَرَأَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا دَنَا حَيْضُهَا، وَأَقْرَأَتْ إِذَا دَنَا طُهْرُهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ: الْقُرُوءُ الْأَوْقَاتُ فَقَدْ يَكُونُ حَيْضًا، وَقَدْ يَكُونُ طُهْرًا. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ الْحَيْضُ هُوَ الْأَشْهَرُ ; لِأَنَّهُ يُطْلَقُ تَارَةً وَيُرَادُ بِهِ الِانْتِقَالُ، يُقَالُ: قَرَأَ النَّجْمُ، أَيْ: انْتَقَلَ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى آخَرَ وَيُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ. يُقَالُ: مَا قَرَأَتِ النَّاقَةُ، أَيْ: لَمْ تَجْمَعْ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا، فَالْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى ; لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ، صَحَّحَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ وَأَبِي مُوسَى وَعُبَادَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: كُنْتُ أَقُولُ إِنَّهُ الْأَطْهَارُ، ثُمَّ وُفِّقْتُ لِقَوْلِ الْأَكَابِرِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْهَدْ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ اسْتِعْمَالُهُ بِمَعْنَى الطُّهْرِ فِي مَوْضِعٍ، وَاسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْحَيْضِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ. وَظَاهِرُ النَّصِّ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّرَبُّصِ بِثَلَاثَةٍ كَامِلَةٍ وَمَنْ جَعَلَ الْقُرُوءَ الْأَطْهَارَ لَمْ يُوجِبْ ثَلَاثَةً، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ اسْتِبْرَاءٌ، فَكَانَتْ بِالْحَيْضِ كَاسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ. (وَلَا تَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا حَتَّى تَأْتِيَ بِثَلَاثٍ كَامِلَةٍ بَعْدَهَا) لَا نَعْلَمُ فِيهَا خِلَافًا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِيهَا لَمْ يَبْقَ مِنْهَا مَا يَتِمُّ مَعَ اثْنَتَيْنِ ثَلَاثَةً كَامِلَةً، فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ إِنَّمَا حُرِّمَ لِلضَّرَرِ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، فَلَوِ اعْتَدَّتْ بِالْحَيْضَةِ الْمُطَلَّقِ فِيهَا لَكَانَتِ الْعِدَّةُ حِينَئِذٍ أَقْصَرَ. (فَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا مِنَ الثَّالِثَةِ: حَلَّتْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، قَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " وَ " الرِّعَايَةِ " وَاخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ لِلْآيَةِ، وَقَدْ كَمُلَتِ الْقُرُوءُ بِوُجُوبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 الثَّالِثَةِ حَلَّتْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى لَا تَحِلُّ حَتَّى تَغْتَسِلَ. وَالرِّوَايَةُ   [المبدع في شرح المقنع] الْغُسْلِ عَلَيْهَا وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَفِعْلِ الصِّيَامِ وَصِحَّتِهِ مِنْهَا، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ حُكْمُ الْعِدَّةِ فِي الْمِيرَاثِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهَا، وَاللِّعَانِ، وَالنَّفَقَةِ، فَكَذَا هُنَا (وَالْأُخْرَى لَا تَحِلُّ حَتَّى تَغْتَسِلَ) اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَالشِّيرَازِيُّ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَهُوَ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ. قِيلَ لَهُ: فَلِمَ لَا تَقُولُ بِهِ؛ قَالَ: ذَلِكَ يَقُولُ بِهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، فَأَنَا انْتَهَيْتُ أَنْ أُخَالِفَهُمْ، يَعْنِي: اعْتِبَارَ الْغُسْلِ وَيُرَشِّحُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ إِنَّمَا تَرَكُوهُ عَنْ تَوْقِيفٍ مِمَّنْ لَهُ الْبَيَانُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ وَأَبِي مُوسَى وَعُبَادَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فَرَّطْتَ فِي الْغُسْلِ سِنِينَ حَتَّى قَالَ بِهِ شَرِيكٌ عِشْرِينَ سَنَةً. وَحَكَاهُ فِي " الْهَدى " رِوَايَةً، وَلَكِنْ إِذَا طَلَّقَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ فَوَضَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا فِي عِدَّتِهَا وَلَهُ رَجْعَتُهَا حَتَّى يَمْضِيَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الَّتِي طَهُرَتْ فِي وَقْتِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، فَعَلَى هَذَا تَنْقَطِعُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ قَطْعِ الْإِرْثِ، وَالطَّلَاقِ، وَاللِّعَانِ، وَالنَّفَقَةِ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَجَعَلَهَا ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى الْخِلَافِ. (وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ) وَهُوَ قَوْلُ زَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُمْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ هَذَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَجَعَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: رَأَيْتُ الْأَحَادِيثَ عَمَّنْ قَالَ الْقُرُوءُ الْحِيَضُ تَخْتَلِفُ، وَالْأَحَادِيثُ عَمَّنْ قَالَ: إِنَّهُ الْأَطْهَارُ صِحَاحٌ قَوِيَّةٌ. وَالْعُمْدَةُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ فِي عِدَّتِهِنَّ كَقَوْلِهِ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] أَيْ: فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالْمَشْرُوعُ الطَّلَاقُ فِي الْأَطْهَارِ، لَا فِي الْحَيْضِ إِجْمَاعًا، «وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُرَاجَعَتِهَا» ، وَلِأَنَّهَا عِدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ مُجَرَّدٍ مُبَاحٍ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ عُقَيْبَ الطَّلَاقِ كَعِدَّةِ الْآيِسَةِ، وَالصَّغِيرَةِ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 الثَّانِيَةُ: الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ. وَيُعْتَدُّ بِالطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ قُرْءًا ثُمَّ إِذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ حَلَّتْ.   [المبدع في شرح المقنع] ثَلَاثٌ مُسْتَقْبِلَاتٌ لِعِدَّتِهِنَّ كَمَا تَقُولُ لَقِيتُهُ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنَ الشَّهْرِ، أَيْ: مُسْتَقْبِلَاتٌ لِثَلَاثٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «وَقَرَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. (وَيُعْتَدُّ بِالطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ قُرْءًا) لِأَنَّ الطَّلَاقَ إِنَّمَا حَرُمَ فِي الْحَيْضِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، فَلَوْ لَمْ تَعْتَدَّ بِبَقِيَّةِ الطُّهْرِ قُرْءًا كَانَ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ أَضَرَّ بِهَا وَأَطْوَلَ عَلَيْهَا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ سِوَى الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ. (ثُمَّ إِذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ) أَوِ الْأَمَةُ فِي الثَّانِيَةِ (حَلَّتْ) قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَزَيْدٌ وَعَائِشَةُ رَوَاهُ عَنْهُمُ الْأَثْرَمُ ; لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحِلَّ بِذَلِكَ لَأَدَّى إِلَى إِيجَابِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ. وَقِيلَ: لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ حَتَّى يَمْضِيَ مِنَ الدَّمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ دَمَ فَسَادٍ، فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ حَتَّى يَزُولَ الِاحْتِمَالُ، وَلَيْسَ مِنَ الْعِدَّةِ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي سَلْخِ طُهْرٍ، أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى سَلْخِهِ، فَأَوَّلُ عِدَّتِهَا أَوَّلُ طُهْرٍ يَأْتِي بَعْدَ حَيْضَةٍ. 1 - فَرْعٌ: كُلُّ فُرْقَةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ طَلَاقٍ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عِدَّةُ الْمُلَاعَنَةِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ. وَعَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْحَاقَ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ بِحَيْضَةٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي بَقِيَّةٍ الْفُسُوخِ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَجَوَابُهُ: عُمُومُ الْآيَةِ، وَكَفُرْقَةِ غَيْرِ الْخُلْعِ، وَحَدِيثُهُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وهُوَ ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ، وَقَوْلُ عُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ خَالَفَهُ عُمَرُ وَعَلِيٌّ، وَقَوْلُهُمَا أَوْلَى. وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عِدَّتَهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ رَوَاهُ مَالِكٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 فَصْلٌ الرَّابِعُ: اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ   [المبدع في شرح المقنع] [الرَّابِعُ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ] فَصْلٌ (الرَّابِعُ: اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إِنْ كُنَّ حَرَائِرَ) إِجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ كَفَى ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بِالْأَهِلَّةِ لِلنَّصِّ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ اعْتَدَّتْ بَقِيَّتَهُ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ شَهْرَيْنِ بِالْأَهْلِيَّةِ، ثُمَّ مِنَ الثَّالِثِ تَمَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الْهِلَالُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَى الْعَدَدِ إِلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ. وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ الْجَمِيعُ بِالْعَدَدِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّهُ إِذَا حَسَبَ الْأَوَّلَ بِالْعَدَدِ كَانَ ابْتِدَاءُ الثَّانِي مِنْ نِصْفِ الشَّهْرِ. وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ إِتْمَامُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الثَّانِي، بَلْ مِنَ الرَّابِعِ، وَيُحْتَسَبُ مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي فَارَقَهَا فِيهَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُحْتَسَبُ بِأَوَّلِ اللَّيْلِ، أَوِ النَّهَارِ ; لِأَنَّ حِسَابَ السَّاعَاتِ يَشُقُّ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ. وَجَوَابُهُ: قَوْله تَعَالَى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَحِسَابُ السَّاعَاتِ مُمْكِنٌ، إِمَّا يَقِينًا وَإِمَّا اسْتِظْهَارًا. (وَإِنْ كُنَّ إِمَاءً فَشَهْرَانِ) هَذَا أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ وَاحْتَجَّ فِيهِ بِقَوْلِ عُمَرَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ مَكَانُ قُرْءٍ وَعِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ قُرْءَانِ، فَكَذَا هُنَا. (وَعَنْهُ: ثَلَاثَةٌ) رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 أَشْهُرٍ إِنْ كُنَّ حَرَائِرَ. وَإِنْ كُنَّ إِمَاءً فَشَهْرَانِ. . وَعَنْهُ: ثَلَاثَةٌ. وَعَنْهُ: شَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ عِدَّةُ الْأَمَةِ، وَعِدَّةُ الْمُعَتَقِ بَعْضُهَا بِالْحِسَابِ مِنْ عِدَّةِ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ. وَحَدُّ الْإِيَاسِ خَمْسُونَ سَنَةً. وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ حَدُّهُ فِي نِسَاءِ الْعَجَمِ، وَحْدَهُ فِي نِسَاءِ الْعَرَبِ سِتُّونَ   [المبدع في شرح المقنع] الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الشُّهُورِ لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلَا يَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ. (وَعَنْهُ: شَهْرٌ وَنِصْفٌ) نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ، وَالْأَثْرَمُ، وَاخْتَارَهَا، وَقَالَهُ عَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ ; لِأَنَّ عِدَّتَهَا نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَإِنَّمَا كَمَّلْنَا الْأَقْرَاءَ لِتَعَذُّرِ تَنْصِيفِهَا. وَمَنْ رَدَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ: هِيَ مُخَالَفَةٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، أَيِ: الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثِ، فَلَا يَجُوزُ إِحْدَاثُ ثَالِثٍ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَخْطِئَتِهِمْ وَخُرُوجِ الْحَقِّ عَنْ قَوْلِ جَمِيعِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ بِغَيْرِ الْحَمْلِ، فَكَانَتْ دُونَ الْحُرَّةِ كَذَاتِ الْقُرُوءِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَأَغْرَبُ مِنْهُ رَابِعَةٌ أَنَّ عِدَّتَهَا شَهْرٌ فَقَطْ. (وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ) وَالْمُكَاتَبَةِ، وَالْمُدَّبَرَةِ (عِدَّةُ الْأَمَةِ) لِأَنَّهَا أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ، وَلِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ أَمَةٌ فِي كُلِّ أَحْكَامِهَا إِلَّا فِي جَوَازِ بَيْعِهَا. (وَعِدَّةُ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا بِالْحِسَابِ مِنْ عِدَّةٍ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ) ، فَإِذَا كَانَ نِصْفُهَا حُرًّا، فَعَلَى الْأَوْلَى عِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَنِصْفٌ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ: شَهْرَانِ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ. وَقَالَ السَّامِرِيُّ: شَهْرَانِ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تُسَاوِي الْحُرَّةَ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " أَنَّ عِدَّتَهَا كَحُرَّةٍ عَلَى الرِّوَايَاتِ، وَهِيَ كَالْحُرَّةِ إِذَا اعْتَدَّتْ بِالْحَمْلِ ; لِأَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ لَا تَخْتَلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ (وَحَّدُ الْإِيَاسِ خَمْسُونَ سَنَةً) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: لَنْ تَرَى فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ خَمْسِينَ سَنَةٍ. (وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ حَدُّهُ فِي نِسَاءِ الْعَجَمِ. وَحَدُّهُ فِي نِسَاءِ الْعَرَبِ سِتُّونَ سَنَةً) . ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ النَّسَبِ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ وَلَدَتْ مُوسَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَهَا سِتُّونَ سَنَةً. وَقَالَ: يُقَالُ: إِنَّهُ لَنْ تَلِدَ بَعْدَ خَمْسِينَ سَنَةً إِلَّا عَرَبِيَّةٌ، وَلَا تَلِدُ بَعْدَ السِتِّينَ إِلَّا قُرَشِيَّةٌ، وَلِأَنَّهُنَّ أَقْوَى حِيلَةً وَطَبِيعَةً. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَتَى بَلَغَتْ خَمْسِينَ سَنَةً، فَانْقَطَعَ حَيْضُهَا مِنْ عَادَتِهَا مَرَّاتٍ بِغَيْرِ سَبَبٍ فَقَدْ صَارَتْ آيِسَةً، وَإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَمَنِ انْقَطَعَ حَيْضُهَا، لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ، وَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَادَةِ، فَهُوَ حَيْضٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ السِّتِّينَ، فَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، فَلَا تَعْتَدُّ بِهِ، وَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ كَالَّتِي لَا تَرَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 سَنَةً، وَإِنْ حَاضَتِ الصَّغِيرَةُ فِي عِدَّتِهَا انْتَقَلَتْ إِلَى الْقُرُوءِ وَيَلْزَمُهَا إِكْمَالُهَا، وَهَلْ يُحْسَبُ مَا قَبْلَ الْحَيْضِ قُرْءًا إِذَا قُلْنَا: الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ - عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ يَئِسَتْ ذَاتُ الْقُرُوءِ فِي عِدَّتِهَا انْتَقَلَتْ إِلَى عِدَّةِ الْآيِسَاتِ، وَإِنْ عَتَقَتِ الْأَمَةُ الرَّجْعِيَّةُ فِي   [المبدع في شرح المقنع] دَمًا. (وَإِنْ حَاضَتِ الصَّغِيرَةُ فِي عِدَّتِهَا انْتَقَلَتْ إِلَى الْقُرُوءِ) لِأَنَّ الشُّهُورَ بَدَلٌ عَنْهَا، فَإِذَا وُجِدَ الْمُبَدَلُ بَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ. (وَيَلْزَمُهَا إِكْمَالُهَا) أَيْ: إِكْمَالُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ; لِأَنَّ إِكْمَالَهَا وَاجِبٌ عَلَى مُعْتَدَّةٍ بِهَا. (وَهَلْ يُحْسَبُ مَا قَبْلَ الْحَيْضِ قُرْءًا إِذَا قُلْنَا: الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ - عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". أَحَدُهُمَا: تَعْتَدُّ بِهِ ; لِأَنَّهُ طُهْرٌ قَبْلَ الْحَيْضِ، أَشْبَهَ الطُّهْرَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ. وَالثَّانِي: لَا يُحْسَبُ، وَهُوَ أَشْهَرٌ ; لِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، وَهَذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حَيْضٌ، أَمَّا لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ، وَلَوْ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ ; لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَدَثَ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ. (وَإِنْ يَئِسَتْ ذَاتُ الْقُرُوءِ فِي عِدَّتِهَا انْتَقَلَتْ إِلَى عِدَّةِ الْآيِسَاتِ) أَيْ: تَبْدَأُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ; لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تُلَفَّقُ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الْحَيْضُ فَتَنْتَقِلُ إِلَى الْأَشْهُرِ ; لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنِ الْأَصْلِ، وَكَالْمُتَيَمِّمِ. (وَإِنْ عَتَقَتِ الْأَمَةُ الرَّجْعِيَّةُ فِي عِدَّتِهَا بَنَتْ عَلَى عِدَّةٍ حُرَّةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ وُجِدَتْ، وَهِيَ زَوْجَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ كَمَا لَوْ عَتَقَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ. (وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ أَمَةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تُوجَدْ، وَهِيَ زَوْجَةٌ فَوَجَبَ أَنْ تَبْنِيَ عَلَى عِدَّةِ أَمَةٍ وَكَالْمُدَبَّرَةِ، وَلَمْ يَلْزَمْهَا الِانْتِقَالُ إِلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا اعْتَدَّتْ كَحُرَّةٍ ; لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا، وَهِيَ حُرَّةٌ. وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِرَيْرَةَ بِذَلِكَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَأَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ، سَوَاءٌ فَسَخَتْ، أَوْ أَقَامَتْ عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ تَفْسَخْ فَرَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا فَلَهَا الْخِيَارُ، فَإِنِ اخْتَارَتِ الْفَسْخَ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَهَلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 عِدَّتِهَا بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا بَنَتَ عَلَى عِدَّةِ أَمَةٍ. فَصْل الْخَامِسُ: مَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ اعْتَدَّتْ سَنَةً: تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ وَثَلَاثَةٌ لِلْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً اعْتَدَّتْ بِأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقْعُدَ   [المبدع في شرح المقنع] تَسْتَأْنِفُ، أَوْ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى؛ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: تَسْتَأْنِفُ، فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ حُرَّةٍ وَلِذَلِكَ تَبْنِي عَلَيْهَا. [الْخَامِسُ مَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ] فَصْلٌ (الْخَامِسُ: مَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ) أَيْ: لَا تَعْلَمُ سَبَبَهُ (اعْتَدَّتْ سَنَةً، تِسْعَةَ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ) أَيْ: مُنْذُ أَنِ انْقَطَعَ لِتَعْلَمَ بَرَاءَتَهَا مِنَ الْحَمْلِ ; لِأَنَّهَا غَالِبُ مُدَّتِهِ، (وَثَلَاثَةٌ لِلْعِدَّةِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا قَضَاءُ عُمَرَ فِي الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، لَا يُنْكِرُهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ عَلِمْنَاهُ، وَقَالَ: تَكُونُ فِي عِدَّةٍ أَبَدًا حَتَّى تَحِيضَ، أَوْ تَبْلُغَ سِنَّ الْإِيَاسِ فَتَعْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَقَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلِأَنَّ الِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ جُعِلَ بَعْدَ الْإِيَاسِ، فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ تَبَاعَدَ حَيْضُهَا لِعَارِضٍ. وَجَوَابُهُ: الْإِجْمَاعُ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ بِالِاعْتِدَادِ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَهَذَا يَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ فَاكْتُفِيَ بِهِ، وَلِهَذَا اكْتُفِيَ فِي حَقِّ ذَاتِ الْقُرُوءِ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، وَفِي حَقِّ الْآيِسَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ رُوعِيَ الْيَقِينُ لَاعْتُبِرَ أَقْصَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ. (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً اعْتَدَّتْ بِأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا) تِسْعَةً لِلْحَمْلِ وَشَهْرَيْنِ لِلْعِدَّةِ ; لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ تَتَسَاوَى فِيهِ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ لِكَوْنِهِ أَمْرًا حَقِيقِيًّا وَإِذَا قُلْنَا: عِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ فَتَكُونُ عِدَّتُهَا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ وَنِصْفٌ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: هِيَ كَالْحُرَّةِ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقْعُدَ الْحَمْلُ أَرْبَعَ سِنِينَ) ، حَكَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ قَوْلًا ; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَلَا تُعْلَمُ الْبَرَاءَةُ يَقِينًا إِلَّا بِذَلِكَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ كَآيِسَةٍ. وَجَوَابُهُ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا تُطَوِّلُوا عَلَيْهَا الشُّقَّةَ كَفَاهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لِظُهُورِ بَرَاءَتِهَا مِنَ الْحَمْلِ بِغَالِبِ مُدَّتِهِ، وَلِأَنَّ فِي قُعُودِهَا أَرْبَعَ سِنِينَ ضَرَرًا لِأَنَّهَا تُمْنَعُ مِنَ الْأَزْوَاجِ وَتُحْبَسُ عَنْهُ وَيَتَضَرَّرُ الزَّوْجُ بِإِيجَابِ النَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى عَلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 الْحَمْلُ أَرْبَعَ سِنِينَ. وَعِدَّةُ الْجَارِيَةِ الَّتِي أَدْرَكَتْ، فَلَمْ تَحِضْ. وَالْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَعَنْهُ: سَنَةٌ. فَأَمَّا الَّتِي عَرَفَتْ مَا رَفَعَ الْحَيْضَ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: إِذَا حَاضَتْ بَعْدَهَا لَمْ تَنْقَضِ بِهِ الْعِدَّةُ، وَقِيلَ: بَلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ جَزَمَ بِهِ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا اعْتَدَّتْ بِالْأَقْرَاءِ، وَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا، وَالنِّكَاحُ بَاقٍ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَكَذَا الْخِلَافُ إِنِ اعْتَدَّتِ الْكَبِيرَةُ بِالشُّهُورِ، ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ النِّكَاحِ، أَوْ بَعْدَهُ. وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنْ حَاضَتْ حَيْضَةً، ثُمَّ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ - اعْتَدَّتْ سَنَةً فِي وَقْتِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَضَى بِهِ عُمَرُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ (وَعِدَّةُ الْجَارِيَةِ الَّتِي أَدْرَكَتْ، فَلَمْ تَحِضْ) ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الرِّعَايَةِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْمُعْتَدَّةِ، لَا بِحَالِ غَيْرِهَا، وَلِهَذَا لَوْ حَاضَتْ لِعَشْرِ سِنِينَ اعْتَدَّتْ بِالْحَيْضِ، وَفَارَقَ مَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، فَإِنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ. (وَالْمُسْتَحَاضَةِ النَّاسِيَةِ لِعَادَتِهَا) وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا (ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ أَنْ تَجْلِسَ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةً» ، فَجَعَلَ لَهَا حَيْضَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَتْرُكُ فِيهَا الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا. وَيَثْبُتُ فِيهِ سَائِرُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ، كَذَا هُنَا، وَمِنْ لَهَا عَادَةٌ، أَوْ تَمْيِيزٌ عَمِلَتْ بِهِمَا، وَإِنْ عَلِمَتْ لَهَا حَيْضَةً فِي كُلِّ مُدَّةٍ كَشَهْرٍ اعْتَدَّتْ بِتَكْرَارِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي " عُمَدِ الْأَدِلَّةِ " الْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ لِوَقْتِ حَيْضِهَا تَعْتَدُّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. (وَعَنْهُ: سَنَةً) أَمَّا فِي الْأُولَى فَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 رَضَاعٍ، وَنَحْوِهِ، فَلَا تَزَالُ فِي عِدَّةٍ حَتَّى يَعُودَ الْحَيْضُ فَتَعْتَدُّ بِهِ، إِلَّا أَنْ تَصِيرَ آيِسَةً فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ آيِسَةٍ حِينَئِذٍ.   [المبدع في شرح المقنع] وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ". قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ ; لِأَنَّهُ أَتَى عَلَيْهَا زَمَنُ الْحَيْضِ، فَلَمْ تَحِضْ، أَشْبَهَ مَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ، وَضَعَّفَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَخَالَفَ فِيهَا أَصْحَابَهُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ: فَلِأَنَّهَا لَمْ تَتَيَقَّنْ لَهَا حَيْضًا مَعَ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ، أَشْبَهَتِ الَّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، قَالَ فِي " الْكَافِي ": وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: مَتَى حَكَمْنَا بِأَنَّ حَيْضَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَمَضَى لَهَا شَهْرَانِ بِالْهِلَالِ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الثَّالِثِ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ، فَطَلَّقَهَا فِي آخِرِ شَهْرٍ، ثُمَّ مَرَّ لَهَا شَهْرَانِ وَهَلَّ الثَّالِثُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا. (فَأَمَّا الَّتِي عَرَفَتْ مَا رَفَعَ الْحَيْضَ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ رَضَاعٍ، وَنَحْوِهِ، فَلَا تَزَالُ فِي عِدَّةٍ حَتَّى يَعُودَ الْحَيْضُ فَتَعْتَدُّ بِهِ) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهِيَ مُرْضِعٌ فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ لَا تَحِيضُ يَمْنَعُهَا الرَّضَاعُ، ثُمَّ مَرِضَ حِبَّانُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ مُتَّ وَرَثَتْكَ، فَجَاءَ إِلَى عُثْمَانَ وَأَخْبَرَهُ بِشَأْنِ امْرَأَتِهِ، وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ، فَقَالَ لَهُمَا عُثْمَانُ: مَا تَرَيَانِ؛ فَقَالَا: نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ إِنْ مَاتَ وَيَرِثُهَا إِنْ مَاتَتْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ وَلَيْسَتْ مِنَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، ثُمَّ هِيَ عَلَى عِدَّةِ حَيْضِهَا مَا كَانَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، فَرَجَعَ حِبَّانُ إِلَى أَهْلِهِ، فَانْتَزَعَ الْبِنْتَ مِنْهَا، فَلَمَّا فَقَدَتِ الرَّضَاعَ، حَاضَتْ حَيْضَةً، ثُمَّ أُخْرَى، ثُمَّ مَاتَ حِبَّانُ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الثَّالِثَةَ، فَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَوَرِثَتْهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ امْرَأَتَانِ هَاشِمِيَّةٌ وَأَنْصَارِيَّةٌ، فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَهِيَ تُرْضِعُ فَمَرَّتْ لَهَا سَنَةٌ، ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ تَحِضْ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى عُثْمَانَ فَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ فَلَامَتِ الْهَاشِمِيَّةُ عُثْمَانَ، فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ ابْنِ عَمِّكِ، يَعْنِي: عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ زَيْدٍ. وَمُحَمَّدٌ هَذَا تُوَفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَلِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ. وَالْعَارِضُ الَّذِي مَنَعَ الدَّمَ يَزُولُ، فَانْتَظَرَ زَوَالَهُ. (إِلَّا أَنْ تَصِيرَ آيِسَةً فَتَعْتَدَّ عِدَّةَ آيِسَةٍ حِينَئِذٍ) لِأَنَّهَا آيِسَةٌ، أَشْبَهَتْ سَائِرَ الْآيِسَاتِ. وَعَنْهُ: يَنْتَظِرُ زَوَالَهُ، ثُمَّ إِنْ حَاضَتِ اعْتَدَّتْ بِهِ وَإِلَّا بِسَنَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَ " الْكَافِي "، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: تَعْتَدُّ سَنَةً. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ، أَوِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، أَوْ صَغِيرَةً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 فَصْلٌ السَّادِسُ: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ الَّذِي انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ كَالَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، أَوْ فِي مَفَازَةٍ، أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ إِذَا قُتِلَ قَوْمٌ، أَوْ مَنْ غَرِقَ مَرْكَبُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ. وَهَلْ يُفْتَقَرُ إِلَى رَفْعِ الْأَمْرِ إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِي أَمَةٍ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لِعَارِضٍ تَسْتَبْرِئُ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ وَشَهْرٍ لِلْحَيْضِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِنْ عَلِمَتْ عَدَدَهُ فَكَآيِسَةٍ وَإِلَّا سَنَةً. [السَّادِسُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ] فَصْلٌ (السَّادِسُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ) حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً (الَّذِي انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ كَالَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ) لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا (أَوْ فِي مَفَازَةٍ) مُهْلِكَةٍ كَبَرِّيَّةِ الْحِجَازِ (أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ إِذَا قُتِلَ قَوْمٌ، أَوْ مَنْ غَرِقَ مَرْكَبُهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالَّذِي يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَرْجِعُ، أَوْ يَمْضِي إِلَى مَكَانٍ قَرِيبٍ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ خَبَرٌ، (فَإِنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ) أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ، (ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ، وَهُوَ أَنَّ رَجُلًا فُقِدَ، فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى عُمَرَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: تَرَبَّصِي أَرْبَعَ سِنِينَ فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَتَتْهُ، فَقَالَ: تَرَبَّصِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَتَتْهُ، فَقَالَ: أَيْنَ وَلِيُّ هَذَا الرَّجُلِ؛ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: طَلِّقْهَا، فَفَعَلَ، فَقَالَ عُمَرُ: تَزَوَّجِي مَنْ شِئْتِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالْجُوزْجَانِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَحْسَنُهَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ مِنْ ثَمَانِيَةِ وُجُوهٍ، ثُمَّ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ عُمَرَ رَجَعَ عَنْ هَذَا، هَؤُلَاءِ الْكَذَّابِينَ، وَقَالَ مَنْ تَرَكَ هَذَا، أَيُّ شَيْءٍ يَقُولُ؛ هُوَ عَنْ خَمْسَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ: كُنْتُ أَقُولُ ذَلِكَ، وَقَدِ ارْتَبْتُ فِيهِ الْيَوْمَ وَهِبْتُ الْجَوَابَ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَكَأَنِّي أُحِبُّ السَّلَامَةَ، قَالَ أَصْحَابُنَا: هَذَا تَوَقُّفٌ يُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ عَمَّا قَالَهُ أَوَّلًا وَتَكُونُ زَوْجَتُهُ حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ، أَوْ يَمْضِيَ زَمَنٌ لَا يَعِيشُ فِي مِثْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ التَّوَرُّعُ عَمَّا قَالَهُ أَوَّلًا. قَالَ الْقَاضِي: أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدِي أَنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ صَحَّ الِاخْتِلَافُ أَلَّا يَحْكُمَ بِحُكْمٍ ثَانٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى الِانْتِقَالِ، وَإِنَّ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ، فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ لَا يَعِيشُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا، قَدَّمَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 الْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ نَفَذَ حُكْمُهُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ فَلَوْ طَلَّقَ الْأَوَّلُ صَحَّ طَلَاقُهُ وَيَتَخَرَّجُ   [المبدع في شرح المقنع] الْحُلْوَانِيُّ. وَعَنْهُ: حَتَّى يَعْلَمَ خَبَرَهُ فَيَقِفُ مَا رَأْيُ الْحَاكِمِ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا الْوَلِيُّ بَعْدَ تَرَبُّصِهَا اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فَتَعْتَدَّ عِدَّةَ طَلَاقٍ لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَجَابِرٍ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُعْتَبَرُ فَسْخُ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَهَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى رَفْعِ الْأَمْرِ إِلَى الْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ". إِحْدَاهُمَا: يَفْتَقِرُ. قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، أَشْبَهَتْ مُدَّةَ الْعُنَّةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ ضَرَبَهَا الْحَاكِمُ، وَقِيلَ: مُنْذُ انْقَطَعَ خَبَرُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ ". وَالثَّانِيَةُ: وَهِيَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ، فَلَوْ مَضَتِ الْمُدَّةُ وَالْعِدَّةُ تَزَوَّجَتْ بِلَا حُكْمٍ، وَلِأَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي مَوْتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَبَعُدَ أَثَرُهُ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا اخْتَارَتِ الْمُقَامَ فَلَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَإِنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْحَاكِمِ فَضَرَبَ لَهَا الْمُدَّةَ فَلَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ، وَالْعِدَّةُ وَبَعْدَهَا حَتَّى يَحْكُمَ بِالْفُرْقَةِ، وَإِنْ حَكَمَ بِفِرَاقِهَا، انْقَطَعَتْ نَفَقَتُهَا، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَنَّهَا إِذَا شَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا 1 - (وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ) وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الرِّعَايَةِ ": أَوِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ (نَفَذَ حُكْمُهُ فِي الظَّاهِرِ) لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا حَكَمَ بِالْفُرْقَةِ نَفَّذَ ظَاهِرًا، وَلَوْ لَمْ يُنَفِّذْ لَمَا كَانَ فِي حُكْمِهِ فَائِدَةٌ (دُونَ الْبَاطِنِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ (فَلَوْ طَلَّقَ الْأَوَّلُ صَحَّ طَلَاقُهُ) لِأَنَّا حَكَمْنَا بِالْفُرْقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هَلَاكُهُ، فَإِذَا ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ انْتَقَضَ الظَّاهِرُ، وَلَمْ يَبْطُلْ طَلَاقُهُ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ كَاذِبَةٌ، وَكَذَا إِنْ ظَاهَرَ، أَوْ آلَى، أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 أَنْ يَنْفُذَ حُكْمَهُ بَاطِنًا فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَوَّلِ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ. وَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ رُدَّتْ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ خُيِّرَ الْأَوَّلُ بَيْنَ أَخْذِهَا مِنْهُ وَبَيْنَ تَرْكِهَا مَعَ الثَّانِي وَيَأْخُذُ صَدَاقَهَا مِنْهُ،   [المبدع في شرح المقنع] قَذَفَ ; لِأَنَّ نِكَاحَهُ بَاقٍ بِدَلِيلِ تَخْيِيرِهِ فِي أَخْذِهَا (وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ يُنَفِّذَ حُكْمَهُ بَاطِنًا) هَذَا رِوَايَةٌ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّهُ يُنَفَّذُ بَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فِي قَوْلٍ، وَهَذَا فَسْخٌ فَتَكُونُ زَوْجَةَ الثَّانِي، وَلَا خِيَارَ لِلْأَوَّلِ (فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَوَّلِ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ) لِأَنَّهَا بَانَتْ بِفُرْقَةِ الْحَاكِمِ فِي مَحَلٍّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ كَمَا لَوْ فُسِخَ نِكَاحُهَا لِعُسْرَتِهِ، أَوْ عُنَّتِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا الْإِرْثُ (وَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ) أَيْ: تَرَبَّصَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ وَاعْتَدَّتْ لِلْوَفَاةِ (ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ رُدَّتْ إِلَيْهِ) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا حَيَاتَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ فَبَانَ حَيًّا، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ، أَشْبَهَ مِلْكَ الْمَالِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ إِلَيْهِ مُطْلَقًا، وَكَذَا إِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ (إِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا) فَتَكُونُ زَوْجَةَ الْأَوَّلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً ; لِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ بَاطِلًا ; لِأَنَّهُ صَادَفَ امْرَأَةً ذَاتَ زَوْجٍ وَتَعُودُ إِلَيْهِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ عَلَى الثَّانِي صَدَاقٌ لِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ، وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ دُخُولٌ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ، حَكَاهَا الْقَاضِي وَأَخَذَهَا مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ: إِذَا تَزَوَّجَتِ امْرَأَتُهُ فَجَاءَ خُيِّرَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا وَوَطْئِهِ (خُيِّرَ الْأَوَّلُ بَيْنَ أَخْذِهَا مِنْهُ) فَتَكُونُ امْرَأَتَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ (وَبَيْنَ تَرْكِهَا مَعَ الثَّانِي) لِقَوْلِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَقَضَى بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ الْإِجْمَاعِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَمْسَكَهَا الْأَوَّلُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ، وَلَا يَحْتَاجُ الثَّانِي إِلَى طَلَاقٍ فِي الْمَنْصُوصِ ; لِأَنَّ نِكَاحَهُ كَانَ بَاطِلًا فِي الْبَاطِنِ، وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِهِ إنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى طَلَاقٍ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَيَجِبُ اعْتِزَالُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْهَا كَانَتْ عِنْدَ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ فِي الْأَشْهَرِ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ تَجْدِيدُ عَقْدٍ، وَالْقِيَاسُ: بَلَى، وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ ; لِأَنَّا تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ عَقْدِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 وَهَلْ يَأْخُذُ صَدَاقَهَا الَّذِي أَعْطَاهَا أَوِ الَّذِي أَعْطَاهَا الثَّانِي؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تُرَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ. وَلَا خِيَارَ إِلَّا أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَنَقُولُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَاطِنًا فَتَكُونُ زَوْجَةَ الثَّانِي بِكُلِّ حَالٍ، فَأَمَّا مَنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتِّجَارَةِ وَالسِّيَاحَةِ، فَإِنَّ امْرَأَتَهُ تَبْقَى أَبَدًا حَتَّى تَتَيَقَّنَ مَوْتَهُ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ   [المبدع في شرح المقنع] بِمَجِيءِ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَمِلُهُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ (وَيَأْخُذُ صَدَاقَهَا مِنْهُ) أَيْ: مَنِ الثَّانِي لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ بِعَقْدٍ وَدُخُولٍ (وَهَلْ يَأْخُذُ صَدَاقَهَا الَّذِي أَعْطَاهَا أَوِ الَّذِي أَعْطَاهَا الثَّانِي؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ ". إِحْدَاهُمَا: يَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ الَّذِي أَعْطَاهَا هُوَ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " لِقَضَاءِ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَلِأَنَّ الثَّانِي أَتْلَفَ الْمُعَوَّضَ فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ إِذَا رَجَعُوا فَعَلَيْهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إِلَيْهَا الصَّدَاقَ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَإِلَّا رَجَعَ فِي قَدْرِ مَا قُبِضَ مِنْهُ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَرْجَعُ بِالْمَهْرِ الَّذِي أَصْدَقَهَا الثَّانِي ; لِأَنَّهُ بَذَلَهُ عِوَضًا عَمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْأَوَّلِ، فَكَانَ أَوْلَى، وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَيْهَا بِمَا أُخِذَ مِنْهُ فِي رِوَايَةٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَالْقِيَاسُ لَا رُجُوعَ، ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَجَمَعَ (وَالْقِيَاسُ أَنْ تُرَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ، وَلَا خِيَارَ) لَهُ ; لِأَنَّهُ زَوْجُهَا، وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ فَرُدَّتْ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ لِبَيِّنَةٍ قَامَتْ بِوَفَاتِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ كَذِبُهَا بِقُدُومِهِ حَيًّا (إِلَّا أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَنَقُولُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَاطِنًا فَتَكُونُ زَوْجَةَ الثَّانِي بِكُلِّ حَالٍ) لِأَنَّ نِكَاحَهُ وَقَعَ بَعْدَ بُطْلَانِ نِكَاحِ الْأَوَّلِ، وَقَضَاءِ عِدَّتِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا خِيَارَ لِلْأَوَّلِ مَعَ مَوْتِهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ زَوْجَةُ الثَّانِي ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَتَرِثُهُ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَهَلْ تَرِثُ الْأَوَّلَ؛ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: تَرِثُهُ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ وَأَنَّهُ مَتَى ظَهَرَ الْأَوَّلُ، فَالْفُرْقَةُ، وَنِكَاحُ الثَّانِي مَوْقُوفًا، فَإِنْ أَخَذَهَا بَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِي حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَمْضَى ثَبَتَ نِكَاحُ الثَّانِي (فَأَمَّا مَنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتِّجَارَةِ) فِي غَيْرِ مَهْلَكَةٍ (وَالسِّيَاحَةِ) فِي الْأَرْضِ لِلتَّعَبُّدِ، وَالتَّرَهُّبِ، وَقِيلَ: هُوَ الْغَازِي، وَقِيلَ: طَالِبُ الْعِلْمِ (فَإِنَّ امْرَأَتَهُ تَبْقَى أَبَدًا حَتَّى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 لِتِسْعِينَ عَامًا مَعَ سَنَةٍ يَوْمَ وُلِدَ ثُمَّ تَحِلُّ وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْأَسِيرِ وَمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] تَتَيَقَّنَ مَوْتَهُ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي " فَيَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ كَغَيْبَةِ ابْنِ تِسْعِينَ ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهَا تَبْقَى مَا رَأَى الْحَاكِمُ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " تَبْقَى إِلَى أَنْ يَثْبُتَ مَوْتُهُ، أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ، لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ فِي الْغَالِبِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ لِتِسْعِينَ عَامًا مَعَ سَنَةِ يَوْمِ وُلِدَ) نَقَلَهَا عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ أَصْرَمَ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً مُنْذُ وُلِدَ ; لِأَنَّهُ الْعُمُرُ الطَّبِيعِيُّ، قُلْنَا: التَّحْدِيدُ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ، وَلِأَنَّ تَقْدِيرَهُ بِذَلِكَ يُفْضِي إِلَى اخْتِلَافِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ، وَخَبَرُ عُمَرَ وَرَدَ فِيمَنْ ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ الْهَلَاكُ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (ثُمَّ تَحِلُّ) لِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِمَوْتِهِ، أَشْبَهَ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ الَّذِي غَيْبَتُهُ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ هَذِهِ غَيْبَةٌ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ، فَلَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِهِ كَمَا قَبْلَ التِّسْعِينَ، وَمَتَى ظَهَرَ مَوْتُهُ بِاسْتِفَاضَةٍ، أَوْ بَيِّنَةٍ فَكَمَفْقُودٍ، وَتَضْمَنُ الْبَيِّنَةُ مَا تَلِفَ مِنْ مَالِهِ وَمَهْرِ الثَّانِي (وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْأَسِيرِ) وَكَذَا فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، أَيْ: حُكْمُهَا حُكْمُ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ ; لِأَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فَوَجَبَ تَسَاوِيهِمَا حُكْمًا، لَكِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تُتَيَقَّنَ وَفَاتُهُ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ غَيْرَ مُنْقَطِعَةٍ يُعْرَفُ خَبَرُهُ وَيَأْتِي كِتَابُهُ فَلَيْسَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَتَزَوَّجَ فِي قَوْلِهِمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِهِ فَلَهَا أَنْ تَطْلُبَ فَسْخَ النِّكَاحِ فَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ غَابَ وَعُلِمَ خَبَرُهُ بَقِيَتِ الزَّوْجَةُ مَعَ النَّفَقَةِ وَعَدَمِ الْإِضْرَارِ بِتَرْكِ الْوَطْءِ الْوَاجِبِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ فَزَوْجَتُهُ بَاقِيَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ مَوْتُهُ، أَوْ رِدَّتُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 مَاتَ عَنْهَا، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ مَاتَ، أَوْ طَلَّقَ، وَإِنْ لَمْ تَجْتَنِبْ مَا تَجْتَنِبُهُ الْمُعْتَدَّةُ. وَعَنْهُ: إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ بَلَغَهَا الْخَبَرُ وَعِدَّةُ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ فَحُكْمُهُ فِي الْفَسْخِ مَا ذَكَرْنَا إِلَّا أَنَّ الْعَبْدَ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، أَوْ فِي كَسْبِهِ فَيُعْتَبَرُ تَعَذُّرُ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَحَلِّ الْوُجُوبِ. 1 - (وَمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ مَاتَ، أَوْ طَلَّقَ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ عَنْهُمُ الْبَيْهَقِيُّ ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا، فَوَضَعَتْ غَيْرَ عَالِمَةٍ بِفُرْقَةِ زَوْجِهَا ; لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْعِدَدِ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْعِدَّةِ بِدَلِيلِ الصَّغِيرَةِ، وَالْمَجْنُونَةِ (وَإِنْ لَمْ تَجْتَنِبْ مَا تَجْتَنِبُهُ الْمُعْتَدَّةُ) لِأَنَّ الْإِحْدَادَ الْوَاجِبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِدَّةِ لِظَاهِرِ النُّصُوصِ (وَعَنْهُ: إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَكَذَلِكَ) كَوَضْعِ الْحَمْلِ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ فَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ بِهِ (وَإِلَّا فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ بَلَغَهَا الْخَبَرُ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ ; لِأَنَّ الْعِدَّةَ اجْتِنَابُ أَشْيَاءَ، وَلَمْ تَجْتَنِبْهَا، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَا إِذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ كَالْأَوَّلِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ أَشْهَرُ، قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَعِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ) أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ (عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ) ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " إِجْمَاعًا ; لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي ذَلِكَ فِي شَغْلِ الرَّحِمِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، لَكِنَّ عِدَّةَ الْأُولَى مُنْذُ وُطِئَتْ، وَعَكْسُهُ الثَّانِيَةُ (وَكَذَلِكَ عِدَّةُ الْمَزْنِي بِهَا) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَقْتَضِي شَغْلَ الرَّحِمِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَجِبِ الْعِدَّةُ لَاخْتَلَطَ مَاءُ الْوَاطِئِ وَالزَّوْجِ، فَلَمْ يُعْلَمْ لِمَنِ الْوَلَدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةِ عِدَّةُ المُطَلَّقَةٍ. وَكَذَلِكَ عِدَّةُ الْمَزْنِيِّ بِهَا. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ. فَصْلٌ إِذَا وُطِئَتِ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ مِنَ الْوَطْءِ، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَأَصَابَهَا الْمُطَلِّقُ عَمْدًا فَكَذَلِكَ. وَإِنْ أَصَابَهَا بِشُبْهَةٍ   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهُمَا (وَعَنْهُ: أَنَّهَا) لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، بَلْ (تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ) اخْتَارَهُ الْحُلْوَانِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْحَمْلِ كَأَمَةٍ مُزَوَّجَةٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْكُلِّ، وَفِي كُلِّ فَسْخٍ وَطَلَاقٍ ثَلَاثٌ، وَعَنْهُ: تُسْتَبْرَأُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَهِيَ كَالْأُولَى إِلَّا أَنْ يُرِيدَ تَسْمِيَتَهَا عِدَّةً فَيَجِبُ فِيهَا الْإِحْدَادُ، وَلَا تَتَدَاخَلُ فِي عِدَّةِ مُطَلِّقِهَا بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ كَمَا إِذَا اشْتَرَى أَمَةً فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا، فَتَعْتَدُّ عَنْ طَلَاقِهَا، وَيَدْخُلُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْعِدَّةِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ، أَوْ سُرِّيَّتُهُ بِشُبْهَةٍ، أَوْ زِنًا - حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَعْتَدَّ وَفِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَجْهَانِ. [فَصْلٌ: وَطْءُ الْمُعْتَدَّةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا] فَصْلٌ (إِذَا وُطِئَتِ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا) كَنِكَاحٍ فَاسِدٍ (أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ سَبَبَهَا سَابِقٌ عَلَى الْوَطْءِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا مَقَامُهَا عِنْدَ الثَّانِي فِي الْأَصَحِّ وَلَهُ رَجْعَةُ الرَّجْعِيَّةِ فِي التَّتِمَّةِ فِي الْأَصَحِّ (ثُمَّ اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ مِنَ الْوَطْءِ) لِأَنَّ الْعِدَّتَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ لَا يَتَدَاخَلَانِ كَالدِّيَتَيْنِ (وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَأَصَابَهَا الْمُطَلِّقُ عَمْدًا فَكَذَلِكَ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ، وَلَا يَلْحَقُ فِيهِ النَّسَبُ، وَلِأَنَّ عِدَّةَ الْأُولَى عِدَّةُ طَلَاقٍ، وَالثَّانِيَةِ عِدَّةُ زِنًا، فَلَمْ تَدْخُلْ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا إِذِ اخْتِلَافُ السَّبَبِ لَا يُوجِبُ التَّدَاخُلَ، وَإِنِ اتَّحَدَ الْحُكْمُ دَلِيلُهُ الْكَفَّارَاتُ (وَإِنْ أَصَابَهَا بِشُبْهَةٍ اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ لِلْوَطْءِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ قَطَعَ الْعِدَّةَ الْأَوْلَى، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلِاعْتِدَادِ، وَالِاحْتِيَاجُ إِلَى الْعِلْمِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ لِلْوَطْءِ وَدَخَلَتْ فِيهَا بَقِيَّةُ الْأُولَى، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا وَلَمْ تَنْقَطِعْ عِدَّتُهَا حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا فَتَنْقَطِعُ حِينَئِذٍ، ثُمَّ إِذَا فَارَقَهَا بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَاسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ مِنَ الثَّانِي، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ أَيِّهِمَا كَانَ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا أُرِيَ الْقَافَةَ مَعَهُمَا فَأُلْحِقَ بِمَنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ مِنْهُمَا وَانْقَضَتْ بِهِ عِدَّتُهَا مِنْهُ وَاعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ، وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا أُلْحِقَ   [المبدع في شرح المقنع] بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنَ الْحَمْلِ (وَدَخَلَتْ فِيهَا بَقِيَّةُ الْأُولَى) لِأَنَّ الْوَطْءَ بِشُبْهَةٍ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، فَدَخَلَتْ بَقِيَّةُ الْأُولَى فِي الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا) لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا إِجْمَاعًا وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ إِنَّمَا اعْتُبِرَتْ لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ (وَلَمْ تَنْقَطِعْ عِدَّتُهَا) لِأَنَّهُ بَاطِلٌ، لَا تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا، وَلَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ نَفَقَةً، وَلَا سُكْنَى ; لِأَنَّهَا نَاشِزٌ (حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا فَتَنْقَطِعُ حِينَئِذٍ) سَوَاءٌ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، أَوْ جَهِلَهُ ; لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِالدُّخُولِ فِرَاشًا لِغَيْرِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَلَّا تَبْقَى فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ (ثُمَّ إِذَا فَارَقَهَا بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ حَقَّهُ أَسَبَقُ، وَلِأَنَّ عِدَّتَهُ وَجَبَتْ عَنْ وَطْءٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ (وَاسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ مِنَ الثَّانِي) وَلَا تَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مَقْصُودَانِ لِآدَمِيَّيْنِ كَالدِّيَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ حَبْسٌ يَسْتَحِقُّهُ الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِي حَبْسِ رَجُلَيْنِ كَالزَّوْجَةِ (وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْ أَحَدِهِمَا) عَيْنًا، أَوْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ قَافَةٌ وَأَمْكَنَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْءٍ الثَّانِي، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَلِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ مِنْ بَيْنُونَةِ الْأَوَّلِ - لَحِقَهُ (وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ) لِأَنَّ عِدَّةَ الشَّخْصِ تَنْقَضِي بِوَضْعِ حَمْلِهِ، وَقَدْ وُجِدَ (ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ أَيِّهِمَا كَانَ) لأنه لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ إِنْسَانٍ، وَالْعِدَّةُ مِنْ غَيْرِهِ (وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا) بِمَا ذَكَرْنَا (أُرِيَ الْقَافَةَ مَعَهُمَا) لِأَنَّ الْقَافَةَ تُلْحِقُهُ بِأَشْبَهِهِمَا وَيَصِيرُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ (فَأُلْحِقَ بِمَنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ مِنْهُمَا) لِأَنَّ قَوْلَهَا فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ (وَانْقَضَتْ بِهِ عِدَّتُهَا مِنْهُ) لِأَنَّ الْوَلَدَ لَهُ حُكْمًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ يَقِينًا (وَاعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا أُلْحِقَ بِهِمَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ مَحْكُومٌ بِهِ لَهُمَا فَتَكُونُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 بِهِمَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُمَا وَلِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّتَيْنِ. وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] قَدْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا مِنْهُمَا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " احْتِمَالٌ تَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ الْآخَرِ كَمَوْطُوءَةٍ لِاثْنَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إِنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ نِكَاحِ الثَّانِي، فَهُوَ لَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ مِثْلَهُ، وَزَادَ: فَإِنِ ادَّعَيَاهُ فَالْقَافَةُ وَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا أَصَابَهَا وَيُؤَدَّبَانِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمِ الْمُؤَلِّفُ عَلَى مَا إِذَا نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمَا، أَوْ أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بَعْدَ وَضْعِهِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوَّلِ فَقَدْ أَتَتْ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ مِنَ الثَّانِي فَعَلَيْهَا أَنْ تُكْمِلَ عِدَّةَ الْأَوَّلِ، لِتُسْقِطَ الْفَرْضَ بِيَقِينٍ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهَا إِذَا وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي، وَلِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ فِرَاقِ الْأَوَّلِ لَمْ يُلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهَما، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ ; لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ آخَرَ (وَلِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّتَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَيْهِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَكَمَا لَوْ زَنَى بِهَا وَآيَاتُ الْإِبَاحَةِ عَامَّةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ قَضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الْعِدَّةَ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِحِفْظِ النَّسَبِ وَصِيَانَةً لِلْمَاءِ، وَالنَّسَبُ لَاحِقٌ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَالَعَهَا، ثُمَّ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِلنّظر، وَوَجْهُ تَحْرِيمِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّتَيْنِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: 235] الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ يَفْسَدُ بِهِ النَّسَبُ، فَلَمْ يَجُزِ النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ كَوَطْءِ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِهَذَا النِّكَاحِ، وَإِنْ وَطِئَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ فَلَهُ رَجْعَتُهَا بَعْدَ الْعِدَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَلَهُ رَجْعَتُهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ) لِقَوْلِ عُمَرَ: لَا تَنْكِحُهَا أَبَدًا. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَلأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ الْحَقَّ قَبْلَ وَقْتِهِ فَحَرَّمَهُ فِي وَقْتِهِ كَالْوَارِثِ إِذَا قَتَلَ مُورِّثَهُ وَكَاللِّعَانِ، وَقِيلَ: فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. وَحَكَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ " رِوَايَةً. فَرْعٌ: كَلُّ مُعْتَدَّةٍ مِنْ غَيْرِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَالزَّانِيَةِ، وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ فَقِيَاسُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنْ وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً فَعَلَيْهَا عِدَّتَانِ لَهُمَا. فَصْلٌ إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى طَلَّقَهَا ثَانِيَةً بَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْعِدَّةِ، وَإِنْ رَاجَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَذْهَبِ تَحْرِيمُ نِكَاحِهَا عَلَى الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالْأَوْلَى حَلُّ نِكَاحِهَا لِمَنْ هِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ إِنْ كَانَ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا ; لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِحِفْظِ مَائِهِ وَصِيَانَةِ نَسَبِهِ، وَلَا يُصَانُ مَاؤُهُ الْمُحْتَرَمُ، عَنْ مَائِهِ الْمُحَرَّمِ، وَلَا يَحْفَظُ نَسَبَهُ عَنْهُ (وَإِنْ وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً) بِشُبْهَةٍ، أَوْ زِنًا (فَعَلَيْهَا عِدَّتَانِ لَهُمَا) لِقَوْلِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مَقْصُودَانِ لِآدَمِيَّيْنِ، فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَالدِّيَتَيْنِ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ إِذَا زَنَى بِهَا تَكْفِيهِ عِدَّةٌ، سَوَاءٌ قُلْنَا: هِيَ حَيْضَةٌ، أَوْ أَكْثَرُ. فَرْعٌ: إِذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ، أَوْ فَسَخَ نِكَاحَهُ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَشَذَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَقَالَ: لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا، وَلَا خِطْبَتُهَا. [فَصِلٌ: طَلَاقُ الْمُعْتَدَّةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا] فَصْلٌ (إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى طَلَّقَهَا ثَانِيَةً بَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْعِدَّةِ) لِأَنَّهُمَا طَلَّاقَانِ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا وَطْءٌ، وَلَا رَجْعَةٌ، أَشْبَهَا الطَّلْقَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ رَاجَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ) مِنَ الطَّلَاقِ الثَّانِي ; لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي نِكَاحٍ اتَّصَلَ بِهِ الْمَسِيسُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا فَهَلْ تَبْنِي، أَوْ تَسْتَأْنِفُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أُولَاهُمَا أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ ; لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَطِئَ فِيهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ طَلَاقٌ، وَالثَّانِيَةُ: تَبْنِي ; لِأَنَّهُ لَوْ نَكَحَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِذَلِكَ الطَّلَاقِ عِدَّةٌ، كَذَلِكَ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ بِخُلْعٍ، أَوْ غَيْرِهِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الطَّلَاقِ ; لِأَنَّ مُوجِبَهُ فِي الْعِدَّةِ مُوجِبُ الطَّلَاقِ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ ; لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ وَطِئَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَقُلْنَا تَحْصُلُ بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 دُخُولِهِ بِهَا، فَهَلْ تَبْنِي، أَوْ تَسْتَأْنِفُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا، ثُمَّ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: أُولَاهُمَا: أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْعِدَّةِ الْأُولَى لِأَنَّ هَذَا طَلَاقٌ مِنْ نِكَاحٍ لَا دُخُولَ فِيهِ فَلَا يُوجِبُ عِدَّةً. فَصْلٌ وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنَ الْوَفَاةِ. وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِنِ؛ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] الرَّجْعَةُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنِ ارْتَجَعَهَا بِلَفْظَةٍ، ثُمَّ وَطِئَهَا، وَإِلَّا لَزِمَهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَتَدْخُلُ عِدَّةُ الطَّلَاقِ فِيهَا، وَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ دَخَلَتْ فِيهَا بَقِيَّةُ الْأُولَى فِي وَجْهٍ ; لِأَنَّهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَفِي آخَرَ لَا ; لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسَيْنِ، فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا أَتَمَّتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، وَإِنْ وَطِئَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ فَفِي تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّدَاخُلِ، فَانْقِضَاؤُهُمَا مَعًا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِهِ، فَانْقِضَاءُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَيَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ الْوَطْءِ بِالْقُرُوءِ (وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا، ثُمَّ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ أُولَاهُمَا أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْعِدَّةِ الْأُولَى) اخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهَا تَنْقَطِعُ بِعَقْدِ التَّزْوِيجِ لِكَوْنِهَا تَصِيرُ بِهِ فِرَاشًا، فَلَا تَبْقَى مُعْتَدَّةً مِنْهُ مَعَ كَوْنِهَا فِرَاشًا لَهُ (لِأَنَّ هَذَا طَلَاقٌ مِنْ نِكَاحٍ لَا دُخُولَ فِيهِ) وَلَا مَسِيسَ (فَلَا يُوجِبُ عِدَّةً) كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ نِكَاحٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، لَكِنْ يَلْزَمُهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الْأُولَى ; لِأَنَّ إِسْقَاطَهَا يُفْضِي إِلَى اخْتِلَالِ الْمِيَاهِ ; لِأَنَّهُ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَيَطَؤُهَا وَيَخْلَعُهَا، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا وَيُطَلِّقُهَا فِي الْحَالِ وَيَتَزَوَّجُهَا الثَّانِي فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَالثَّانِيَةُ: تَسْتَأْنِفُ ; لِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَا يَخْلُو مِنْ عِدَّةٍ كَالْأَوَّلِ، وَلَوْ أَبَانَهَا حَامِلًا، ثُمَّ نَكَحَهَا حَامِلًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا حَامِلًا، فَرَغَتْ بِوَضْعِهِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ أَتَتْ بِهِ قَبْلَ طَلَاقِهِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَى الْأُولَى. [فَصْلٌ: وُجُوبُ الْإِحْدَادِ] فَصْلٌ (وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ) وَهُوَ الْمَنْعُ إِذِ الْمَرْأَةُ تَمْنَعُ نَفْسَهَا مِمَّا كَانَتْ تَتَهَيَّأُ بِهِ لِزَوْجِهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 رِوَايَتَيْنِ. وَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ زِنًا، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ بِمِلْكِ   [المبدع في شرح المقنع] مِنْ تَطَيُّبٍ وَتُزَيُّنٍ، يُقَالُ: أَحَدَّتِ الْمَرْأَةُ إِحْدَادًا فَهِيَ مُحِدَّةٌ وَحَدَّتْ تُحِدُّ بِالضَّمِّ، وَالْكَسْرِ فَهِيَ حَادَّةٌ، سُمِّي الْحَدِيدُ حَدِيدًا لِلِامْتِنَاعِ بِهِ، أَوْ لِامْتِنَاعِهِ عَلَى مَنْ يُحَاوِلُهُ، (عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنَ الْوَفَاةِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ إِلَّا عَنِ الْحَسَنِ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ، فَلَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ، احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234] فَإِنَّ ظَاهِرَهُ مَا تَنْفَرِدُ بِهِ الْمَرْأَةُ، وَالنِّكَاحُ لَا يَتِمُّ إِلَّا في الْغَيْرِ، فَحَمَلَ عَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهَا مِنَ الزِّينَةِ، وَالطِّيبِ، وَقَدْ رَوَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَحِدُّ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تَحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: الْعَصْبُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبُرُودِ يُصْبَغُ غَزْلُهُ، ثُمَّ يُنْسَجُ (وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِنِ) كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَالْمُخْتَلِعَةِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الرِّعَايَةِ " إِحْدَاهُمَا: لَا يَجِبْ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَ، وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلِأَنَّ الْإِحْدَادَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِإِظْهَارِ الْأَسَفِ عَلَى فِرَاقِ زَوْجِهَا وَمَوْتِهِ. فَأَمَّا الْبَائِنُ، فَإِنَّهُ فَارَقَهَا بِاخْتِيَارِهِ، وَقَطَعَ نِكَاحَهَا، فَلَا مَعْنَى لِتَكَلُّفِهَا الْحُزْنَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَ الزَّوْجُ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَنْفِيهِ فَاحْتِيطَ عَلَيْهَا بِالْإِحْدَادِ لِئَلَّا يَلْحَقَ بِالْمَيِّتِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ، وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَالرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ، وَالْحَدِيثُ مَدْلُولُهُ تَحْرِيمُ الْإِحْدَادِ عَلَى مَيِّتٍ غَيْرِ الزَّوْجِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَلِهَذَا جَازَ الْإِحْدَادُ هَاهُنَا بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ لَا يُسَنُّ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ فَوْقَ ثَلَاثٍ عَلَى مَيِّتٍ غَيْرِ زَوْجٍ، فَعَلَى هَذَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي تَوَقِّيِ الزِّينَةِ، وَالطِّيبِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ ; لِأَنَّهَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الَّذِي خَالَعَهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا، بِخِلَافِ الْبَائِنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 يَمِينٍ، وَسَوَاءٌ فِي الْإِحْدَادِ الْمُسْلِمَةُ، وَالذِّمِّيَّةُ، وَالْمُكَلَّفَةُ وَغَيْرُهَا. وَالْإِحْدَادُ اجْتِنَابُ الزِّينَةِ، وَالطِّيبِ وَالتَّحْسِينِ كَلُبْسِ الْحُلِيِّ وَالْمُلَوَّنِ مِنَ الثِّيَابِ لِلتَّحْسِينِ كَالْأَحْمَرِ، وَالْأَصْفَرِ، وَالْأَخْضَرِ الصَّافِي، وَالْأَزْرَقِ الصَّافِي، وَاجْتِنَابِ الْحِنَّاءِ، وَالْخِضَابِ   [المبدع في شرح المقنع] بِالثَّلَاثِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " لَا يَلْزَمُ بَائِنًا قَبْلَ دُخُولٍ (وَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ (وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ نِكَاحٍ، فَلَمْ تُكْمِلِ الْحُرْمَةَ (أَوْ زِنًا، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ) لِأَنَّ مَنْ ذُكِرَ لَيْسَ بِزَوْجٍ، وَفِي " الْجَامِعِ " أَنَّ الْمَنْصُوصَ يَلْزَمُ الْإِحْدَادُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ (أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ) كَالسِّرِّيَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَهِيَ كَالْحُرَّةِ وَلِلسَّيِّدِ إِمْسَاكُهَا نَهَارًا وَإِرْسَالُهَا لَيْلًا، فَإِنْ أَرْسَلَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا اعْتَدَّتْ زَمَانَهَا كُلَّهُ فِي الْمَنْزِلِ، وَعَلَى الْوَرَثَةِ إِسْكَانُهَا فِيهِ كَالْحُرَّةِ سَوَاءٌ (وَسَوَاءٌ فِي الْإِحْدَادِ) أَيْ: وُجُوبُهُ (الْمُسْلِمَةُ، وَالذِّمِّيَّةُ، وَالْمُكَلَّفَةُ وَغَيْرُهَا) لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفَةِ تُسَاوِي الْمُكَلَّفَةَ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْإِثْمِ، فَكَذَا فِي الْإِحْدَادِ (وَالْإِحْدَادُ اجْتِنَابُ الزِّينَةِ، وَالطِّيبِ) يَجِبُ عَلَى الْحَادَّةِ اجْتِنَابُ مَا يَدْعُو إِلَى جِمَاعِهَا وَيُرَغِّبُ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا، وَيُحَسِّنُهَا، وَذَلِكَ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: الطِّيبُ، وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَلِأَنَّهُ يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ وَيَدْعُو إِلَى الْمُبَاشَرَةِ، وَذَلِكَ كَزَعْفَرَانٍ، وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ بِهَا سَقَمٌ نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَيَلْحَقُ بِهِ فِي التَّحْرِيمِ الْأَدْهَانُ الْمُطَيِّبَةُ كَدِهْنِ وَرْدٍ وَبَانٍ ; لِأَنَّهُ طِيبٌ، وَالثَّانِي: اجْتِنَابُ الزِّينَةِ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، «وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبْرًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أُمِّ سَلَمَةَ؛ فَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ صَبْرٌ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، قَالَ: إِنَّهُ يُشِبُّ الْوَجْهَ، فَلَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا فِي اللَّيْلِ وَتَنْزِعِينَهُ بِالنَّهَارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ جَمَاعَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِمْ. (وَالتَّحْسِينُ كَلُبْسِ الْحُلِيِّ) كَالسِّوَارِ، وَالدُّمْلُجِ، وَالْخَاتَمِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: تُبَاحُ حُلِيُّ الْفِضَّةِ فَقَطْ، وَجَوَابُهُ: عُمُومُ النَّهْيِ (وَالْمُلَوَّنُ مِنَ الثِّيَابِ لِلتَّحْسِينِ كَالْأَحْمَرِ، وَالْأَصْفَرِ، وَالْأَخْضَرِ الصَّافِي، وَالْأَزْرَقِ الصَّافِي) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 وَالْكُحْلِ الْأَسْوَدِ وَالْحُفَافِ وَإِسْفِيدَاجِ الْعَرَائِسِ وَتَحْمِيرِ الْوَجْهِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَحْرُمُ   [المبدع في شرح المقنع] عَصْبٍ» وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «وَلَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَ» وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْأَخْضَرَ غَيْرَ الصَّافِي، وَالْأَزْرَقَ غَيْرَ الصَّافِي، لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا لُبْسُهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُلْبَسُ لِلتَّحْسِينِ عَادَةً، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ زِينَةً، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ كَالْمَصْبُوغِ بَعْدَ نَسْجِهِ، وَقِيلَ: لَا ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ» وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَاجْتِنَابُ الْحِنَّاءِ، وَالْخِضَابِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «وَلَا تَخْتَضِبُ» وَلِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجِمَاعِ، أَشْبَهَ الْحُلِيَّ، بَلْ أَوْلَى، وَلَا تُمْنَعُ مِنْ جَعْلِ الصَّبْرِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا ; لِأَنَّهَا إِنَّمَا مُنِعَتْ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ ; لِأَنَّهُ يُصَفِّرُهُ فَيُشْبِهُ الْخِضَابَ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ، وَالْيَدَيْنِ (وَالْكُحْلِ الْأَسْوَدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «وَلَا تَكْتَحِلُ» وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الزِّينَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِثْمِدُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْضَاءِ، وَالسَّوْدَاءِ، فَإِنِ اضْطُرَّتْ إِلَى الْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ لِلتَّدَاوِي فَلَهَا ذَلِكَ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": فَإِنِ احْتَاجَتْ كُحْلًا اكْتَحَلَتْ، وَقِيلَ: لَيْلًا وَغَسَلَهُ نَهَارًا إِنْ لَمْ تَكُنْ سَوْدَاءَ، أَوْ عَيْنُهَا. (وَالْحُفَافِ) الْمُحَرَّمِ عَلَيْهَا إِنَّمَا نَتْفُ شَعَرِ وَجْهِهَا فَأَمَّا حَلْقُهُ وَحَفَّهُ فَمُبَاحٌ، عند أَصْحَابُنَا، قَالَهُ فِي "الْمَطْلَعِ" وَفِيهِ قَوْلٌ، وَهُوَ سَهْوٌ. (وَإِسْفِيدَاجِ الْعَرَائِسِ) وَهُوَ شَيْءٌ مَعْرُوفٌ يُعْمَلُ مِنَ الرَّصَاصِ ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ إِذَا دُهِنَ بِهِ الْوَجْهُ يَرْبُو وَيَبْرُقُ (وَتَحْمِيرِ الْوَجْهِ) بِالْحُمْرَةِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ: وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ زِينَةٌ وَتَحْسِينٌ. فَائِدَةٌ: لَهَا التَّنْظِيفُ بِغَسْلٍ وَأَخْذِ شَعَرٍ وَظُفْرٍ وَتَدْهِنُ بِدِهْنٍ غَيْرِ مُطَيِّبٍ، وَلَا تَدْهِنُ رَأْسَهَا وَلَهَا غَسْلُهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَخَطْمَيٍّ، لَا بِحِنَّاءَ (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْأَبْيَضُ مِنَ الثِّيَابِ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قُطْنٍ، أَوْ كَتَّانٍ، أَوْ صُوفٍ، أَوْ إِبْرِيسَمٍ (وَإِنْ كَانَ حَسَنًا) لِأَنَّ حُسْنَهُ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ، فَلَا يَلْزَمُ تَغْيِيرُهُ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مُعَدًّا لِلزِّينَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ (وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 عَلَيْهَا الْأَبْيَضُ مِنَ الثِّيَابِ، وَإِنْ كَانَ حَسَنًا، وَلَا الْمُلَوَّنُ لِدَفْعِ الْوَسَخِ كَالْكُحْلِيِّ، وَنَحْوُهُ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَتَجْتَنِبُ النِّقَابَ. فَصْلٌ وَتَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ ضَرُورَةٌ إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] الْمُلَوَّنُ لِدَفْعِ الْوَسَخِ كَالْكُحْلِيِّ، وَنَحْوِهِ) كَالْأَسْوَدِ ; لِأَنَّ الصَّبْغَ لِدَفْعِ الْوَسَخِ، لَا لِحُسْنِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَتَجْتَنِبُ النِّقَابَ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْبُرْقُعِ، وَنَحْوِهِ ; لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ شَبِيهَةٌ بِالْمُحَرَّمَةِ، فَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَيْهِ سَدَلَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا كَمُحْرِمَةٍ، وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَنْتَقِبَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَإِنَّمَا مُنِعَتِ الْمُحْرِمَةُ ; لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهَا، بِخِلَافِ الْحَادَّةِ، وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ وَيَجُوزُ لَهَا لُبْسُ سَائِرِ الثِّيَابِ، بِخِلَافِ الْحَادَّةِ، وَلِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا النِّقَابُ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ، فَكَذَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الزِّينَةَ تُبَاحُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفُرُشِ وَآلَةِ الْبَيْتِ وَأَثَاثِهِ، وَإِنْ تَرَكَتِ الْوَاجِبَ أَتَمَّتْ وَتَمَّتْ عِدَّتُهَا بِمُضِيِّ الزَّمَنِ كَالصَّغِيرَةِ. [فَصْلٌ: الْمَكَانُ الَّتِي تَعْتَدُّ فِيهِ] [تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ] فَصْلٌ (وَتَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ لا غير) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفُرَيْعَةَ: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» فَاعْتَدَدَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي، عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ، وَقَضَى بِهِ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ: تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ، وَجَوَابُهُ: مَا سَبَقَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَنْزِلُ لِزَوْجِهَا، أَوْ غَيْرِهِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 خُرُوجِهَا مِنْهُ بِأَنْ يُحَوِّلَهَا مَالِكُهُ، أَوْ تَخْشَى عَلَى نَفْسِهَا فَتَنْتَقِلُ وَلَا تَخْرُجُ لَيْلًا.   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ أَتَاهَا الْخَبَرُ فِي غَيْرِ مَسْكَنِهَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ فَاعْتَدَّتْ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالنَّخَعِيُّ: لَا تَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهَا الَّذِي أَتَاهَا فِيهِ نَعْيُ زَوْجِهَا، وَجَوَابُهُ: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ» ، وَاللَّفْظُ الْآخَرُ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، وَلَا عُمُومَ لَهَا، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ، وَهِيَ فِي السُّوقِ، وَالطَّرِيقِ، وَالْبَرِّيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُهَا الِاعْتِدَادُ فِيهِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ: وَسُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ مَاتَ زَوْجُهَا، وَهِيَ مَرِيضَةٌ أَتَتَحَوَّلُ إِلَى بَيْتِ أُمِّهَا؛ قَالَ: لَا يَجُوزُ (إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ ضَرُورَةٌ إِلَى خُرُوجِهَا مِنْهُ بِأَنْ يُحَوِّلَهَا مَالِكُهُ، أَوْ تَخْشَى عَلَى نَفْسِهَا) أَوْ لَمْ تَجِدْ مَا تَكْتَرِي بِهِ إِلَّا مِنْ مَالِهَا، أَوْ طَلَبَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " (فَتَنْتَقِلُ) لِأَنَّهَا حَالَةُ عُذْرٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَتِ السُّكْنَى سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُؤَلِّفُ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُهَا النُّقْلَةُ إِلَيْهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " كَنَقْلِ الزَّكَاةِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجِدُ فِيهِ أَهْلُ السُّهْمَانِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ سَقَطَ كَمَا لَوْ سَقَطَ الْحَجُّ لِلْعَجْزِ عَنْهُ وَيُفَارِقُ أَهْلُ السُّهْمَانِ، فَإِنَّ الْقَصْدَ نَفْعُ الْأَقْرَبِ، فَلَوِ اتَّفَقَ الْوَارِثُ، وَالْمَرْأَةُ عَلَى نَقْلِهَا لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّ السُّكْنَى هُنَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ سُكْنَى النِّكَاحِ، لَكِنْ لَهُمْ نَقْلُهَا لِطُولِ لِسَانِهَا وَأَذَاهُمْ بِالسَّبِّ، وَنَحْوِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ، وَهِيَ اسْمٌ لِلزِّنَا وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ الْفَاحِشَةِ، وَقِيلَ: يَنْتَقِلُونَ هُمْ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ إِنْ قُلْنَا لَا سُكْنَى لَهَا فَعَلَيْهَا الْأُجْرَةُ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ تَحْوِيلُهَا مِنْهُ، وَظَاهِرُ " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ (وَلَا تَخْرُجُ لَيْلًا) لِمَا رَوَى مُجَاهِدٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إِحْدَاكُنَّ حَتَّى إِذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلْتَأْتِ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى بَيْتِهَا» وَلِأَنَّ اللَّيْلَ مَظَنَّةُ الْفَسَادِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لِحَاجَةٍ، وَهُوَ وَجْهٌ، وَقِيلَ: بَلَى، وَظَاهِرُ " الْوَاضِحِ " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 وَلَهَا الْخُرُوجُ نَهَارًا لِحَوَائِجِهَا، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي النُّقْلَةِ إِلَى بَلَدٍ لِلسُّكْنَى فِيهِ فَمَاتَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ لَزِمَهَا الْعَوْدُ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ، وَإِنْ سَافَرَ بِهَا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ لَزِمَهَا الْعَوْدُ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ خُيِّرَتْ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ فَأَحْرَمَتْ بِهِ، ثُمَّ مَاتَ   [المبدع في شرح المقنع] مُطْلَقًا (وَلَهَا الْخُرُوجُ نَهَارًا لِحَوَائِجِهَا) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: مَعَ وُجُودِ مَنْ يَقْضِيهَا، وَقِيلَ: مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: تَذْهَبُ بِالنَّهَارِ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: لَا تَخْرُجُ، قُلْتُ: بِالنَّهَارِ؛ قَالَ: بَلَى، لَكِنْ لَا تَبِيتُ، قُلْتُ: بَعْضُ اللَّيْلِ، قَالَ: تَكُونُ أَكْثَرَهُ بِبَيْتِهَا (وَإِنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي النُّقْلَةِ إِلَى بَلَدٍ لِلسُّكْنَى فِيهِ فَمَاتَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ لَزِمَهَا الْعَوْدُ إِلَى مَنْزِلِهَا) لِأَنَّهَا مُقِيمَةٌ بَعْدُ، وَالِاعْتِدَادُ فِي منزل الزَّوْجِ وَاجِبٌ (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِتُسَاوِيهِمَا، وَلِأَنَّ فِي وُجُوبِ الرُّجُوعِ مَشَقَّةً، وَقِيلَ: بَلَى فِي الثَّانِي كَمَا لَوْ وَصَلَتْهُ، وَهَكَذَا حُكْمُ مَا لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي النُقْلَةِ مِنْ دَارٍ إِلَى أُخْرَى، وَسَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ نَقْلِ مَتَاعِهَا مِنَ الدَّارِ، أَوْ بَعْدَهُ ; لِأَنَّهُ مَسْكَنُهَا مَا لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُ (وَإِنْ سَافَرَ بِهَا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ لَزِمَهَا الْعَوْدُ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ (وَإِنْ تَبَاعَدَتْ) أَيْ: بَعْدَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (خُيِّرَتْ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ) لِتُسَاوِيهِمَا، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يُلْزِمُهَا السَّفَرَ، فَهُوَ مَشْرُوطٌ بِوُجُودِ مَحْرَمٍ يُسَافِرُ مَعَهَا لِلْخَبَرِ (وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ) نَقُولُ: الْمُعْتَدَّةُ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ لِحَجِّ، وَلَا غَيْرِهِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، فَإِنْ خَرَجَتْ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ رَجَعَتْ إِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً ; لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ مَضَتْ فِي سَفَرِهَا، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَهَا الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِهَا قَبْلَ أَنْ تَبْعُدَ فَلَزِمَهَا كَمَا لَوْ لَمْ تُفَارِقِ الْبُنْيَانَ، فَإِنِ اخْتَارَتِ الْبَعِيدَةُ الرُّجُوعَ فَلَهَا ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ تَصِلُ إِلَى مَنْزِلِهَا فِي عِدَّتِهَا وَمَتَى كَانَ عَلَيْهَا فِي الرُّجُوعِ خَوْفٌ، أَوْ ضَرَرٌ فَلَهَا الْمُضِيُّ فِي سَفَرِهَا كَالْبَعِيدَةِ وَمَتَى رَجَعَتْ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ عِدَّتِهَا لَزِمَهَا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَهُمْ ; لِأَنَّهُ أَمْكَنَهَا الِاعْتِدَادُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ تُسَافِرْ مِنْهُ (فَأَحْرَمَتْ بِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ مَضَتْ فِي سَفَرِهَا) سَوَاءٌ كَانَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، أَوْ غَيْرَهَا، إِذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ مَضَتْ فِي سَفَرِهَا، وَإِنْ لَمْ تَخْشَ، وَهِيَ فِي بَلَدِهَا، أَوْ قَرِيبَةٌ يُمْكِنُهَا الْعَوْدُ، أَقَامَتْ لِتَقْضِيَ الْعِدَّةَ فِي مَنْزِلِهَا وَإِلَّا مَضَتْ فِي سَفَرِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحْرَمَتْ، أَوْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ لَمْ يَخْشَ الْفَوَاتَ.   [المبدع في شرح المقنع] أَحْرَمَتْ بِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ لَزِمَهَا الْمُضِيُّ فِيهِ، وَذَكَرَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " عَنْ أَصْحَابِنَا، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ اسْتَوَتَا فِي الْوُجُوبِ وَضِيِقِ الْوَقْتِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْأَسْبَقِ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ سَبَقَتِ الْعِدَّةُ، وَلِأَنَّ الْحَجَّ آكَدُ ; لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَالْمَشَقَّةُ بِتَفْوِيتِهِ تَعْظُمُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " هَلْ تُقَدَّمُ مع القرب الْعِدَّةُ، أَوْ أَسْبَقُهُمَا؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ أَمْكَنَ لَزِمَهَا الْعَوْدُ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " تُخَيَّرُ مَعَ الْبُعْدِ وَتُتِمُّ تَتِمَّةَ الْعِدَّةِ فِي مَنْزِلِهَا إِنْ عَادَتْ بَعْدَ الْحَجِّ، وَتَتَحَلَّلُ لِفَوْتِهِ بِعُمْرَةٍ، وَإِنْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَخَشِيَتْ فَوَاتَهُ فَاحْتِمَالَانِ (وَإِنْ لَمْ تَخْشَ، وَهِيَ فِي بَلَدِهَا، أَوْ قَرِيبَةٌ يُمْكِنُهَا الْعَوْدُ، أَقَامَتْ لِتَقْضِيَ الْعِدَّةَ فِي مَنْزِلِهَا) لِأَنَّهُ أَمْكَنَهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرِ الرُّجُوعِ، فَلَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُ أَحَدِهِمَا (وَإِلَّا مَضَتْ فِي سَفَرِهَا) أَيْ: إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي بَلَدِهَا، وَلَا قَرِيبَةً مِنْهُ ; لِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهَا مَشَقَّةً وَحَرَجًا، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحْرَمَتْ، أَوْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ لَمْ يَخْشَ الْفَوَاتَ) لِأَنَّ الْعِدَّةَ سَابِقَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَالسَّابِقُ هُوَ الْمُقَدَّمُ. فَرْعٌ: لَا سُكْنَى لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا إِذَا كَانَتْ حَائِلًا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَرِوَايَتَانِ ; لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهَا ثُمُنَ التَّرِكَةِ، أَوْ رُبُعَهَا وَجَعَلَ بَاقِيهًا لِلْوَرَثَةِ، وَالْمَسْكَنُ مِنَ التَّرِكَةِ فَوَجَبَ أَلَّا تَسْتَحِقَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا، وَقُلْنَا لَهَا السُّكْنَى فَلِأَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ زَوْجِهَا قِيَاسًا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا سُكْنَى لَهَا فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ، أَوْ غَيْرُهُ بِسُكْنَاهَا لَزِمَهَا السُّكْنَى بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَهَا السُّكْنَى ضَرَبَتْ بِقَدْرِ أُجْرَتِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَالْحَامِلُ تَضْرِبُ بِأَقَلِّ مُدَّتِهِ، وَإِنْ رَجَعَتْ فَلَهُ دُونَ الْفَضْلِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ وَضَعَتْ لِأَكْثَرِهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِمْ بِالنَّقْصِ [الْمَبْتُوتَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي مَنْزِلِهِ] (وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ) مُطْلَقًا (فَلَا تُجِبْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي مَنْزِلِهِ) لِمَا «رَوَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِشَيْءٍ فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ، وَلَا سُكْنَى وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِنْدَ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 وَأَمَّا الْمَبْتُوتَهُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي مَنْزِلِهِ وَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ. نَصَّ عَلَيْهِ. بَابٌ فِي اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ وَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا: إِذَا مَلَكَ أَمَةً لَمْ يَحِلَّ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي فِي بَيْتِ أُمِّ مَكْتُومٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنْكَارُ عُمَرَ وَعَائِشَةَ ذَلِكَ يُجَابُ عَنْهُ (وَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ. نَصَّ عَلَيْهِ) إِذَا كَانَ مَأْمُونًا، قَالَ أَصْحَابُنَا: سَوَاءٌ قُلْنَا: لَهَا السُّكْنَى، أَوْ لَا، بَلْ يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ إِقْرَارِهَا فِي مَوْضِعِ طَلَاقِهَا وَبَيْنَ نَقْلِهَا إِلَى مَسْكَنِ مِثْلِهَا لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ، وَالْمُسْتَحَبُّ إِقْرَارُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ، وَعَنْهُ: تَعْتَدُّ حَيْثُ كَانَتْ سَاكِنَةً وَقْتَ الْفُرْقَةِ، وَلَا تَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ، وَلَا تُفَارِقُ الْبَلَدَ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَعَنْهُ: هِيَ كَمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَإِنْ شَاءَ إِسْكَانَهَا فِي مَنْزِلِهِ، أَوْ غَيْرِهِ إِنْ صَلُحَ لَهَا تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهَا كَمُعْتَدَّةٍ لِشُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ لِعِتْقٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، لَا يَلْزَمُهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ شَاءَ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ سَكَنَتْ عُلُوَّ دَارٍ وَسَكَنَ بَقِيَّتَهَا وَبَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ، أَوْ مَعَهَا مَحْرَمٌ جَازَ وَرَجْعِيَّةٌ فِي لُزُومِ الْمَنْزِلِ كَمُتَوَفَّى عَنْهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. تَذْنِيبٌ: لَهُ الْخُلْوَةُ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَمُحَرَّمٌ أَحَدُهُمَا، وَقِيلَ: مَعَ زَوْجَتِهِ فَأَكْثَرَ، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": وَأَصْلُهُ النِّسْوَةُ الْمُنْفَرِدَاتُ هَلْ لَهُنَّ السَّفَرُ مَعَ أَمْنٍ بِلَا مَحْرَمٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَحْرُمُ سَفَرُهُ بِأُخْتِ زَوْجَتِهِ، وَلَوْ مَعَهَا، وَلَا يَخْلُو الْأَجْنَبِيُّ بِأَجْنَبِيَّاتٍ، وَيَتَوَجَّهُ وَجَهٌ، قَالَ الْقَاضِي: مِنْ عُرِفَ بِالْفِسْقِ مُنِعَ مِنَ الْخُلْوَةِ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَالْأَشْهَرُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا إِجْمَاعًا، وَفِي " آدَابِ صَاحِبِ النَّظْمِ " أَنَّهُ تُكْرَهُ الْخُلْوَةُ بِالْعَجُوزِ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمَ الْخُلْوَةِ بِمَنْ لِعَوْرَتِهِ حُكْمٌ، فَأَمَّا مَنْ لَا عَوْرَةَ لَهُ كَدُونَ سَبْعٍ، فَلَا تَحْرِيمَ وَلَهُ إِرْدَافٌ مُحَرَّمٌ وَيَتَوَجَّهُ فِي غَيْرِهَا مَعَ الْأَمْنِ وَعَدَمِ سُوءِ الظَّنِّ خِلَافٌ. [بَابُ فِي اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ] [مَوَاضِعُ الِاسْتِبْرَاءِ] [الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ: إِذَا مَلَكَ أَمَةً لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْئُهَا] بَابٌ فِي اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ الِاسْتِبْرَاءُ - بِالْمَدِّ - طَلَبُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ كَالِاسْتِعْطَاءِ، وَالِاسْتِمْنَاءُ طَلَبُ الْعَطَاءِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 وَطْؤُهَا وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِمُبَاشَرَةٍ، وَلَا قُبْلَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا إِلَّا الْمَسْبِيَّةَ هَلْ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. سَوَاءٌ مَلَكَهَا مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْمَنِيِّ، وَخُصَّ هَذَا بِالْأَمَةِ لِلْعَلِم بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا مِنَ الْحَمْلِ، وَالْحُرَّةُ وَإِنْ شَارَكَتِ الْأَمَةَ فِي هَذَا الْغَرَضِ فَهِيَ مُفَارِقَةٌ لَهَا فِي التَّكْرَارِ، فَلِذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا لَفْظُ الْعِدَّةِ (وَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا: إِذَا مَلَكَ أَمَةً) تَحِلُّ لَهُ، وَمِثْلُهَا يُوطَأُ لِمِثْلِهِ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا) حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، مِمَّنْ تَحْمَلُ أَوْ لَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْبِكْرِ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ بِالِاسْتِبْرَاءِ مَعْرِفَةُ بَرَاءَتِهَا مِنَ الْحَمْلِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي الْبِكْرِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحْمَلُ لَمْ يَجِبِ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَجَوَابُهُ: مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَفِيهِ شَرِيكٌ الْقَاضِي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: «فَلَا يَقَعُ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَوْلُهُ " بِحَيْضَةٍ " لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَفْظُهُ: «لَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَذْرَاءَ تَحْمَلُ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَفَسَادِ الْأَنْسَابِ (وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِمُبَاشَرَةٍ، وَلَا قُبْلَةٍ) وَنَظَرٍ لِشَهْوَةٍ (حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا مِنْ مَالِكِهَا الْأَوَّلِ فَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ، فَيَحْصُلُ الِاسْتِمْتَاعُ بِأُمِّ وَلَدِ غَيْرِهِ، وَبِهَذَا فَارِقُ الْحَيْضِ، وَعَنْهُ: لَا يُحَرَّمُ إِلَّا بِالْوَطْءِ ذَكَرَهُ فِي " الْإِرْشَادِ "، وَاخْتَارَهُ فِي " الْهَدْيِ " وَاحْتَجَّ بِجَوَازِ الْخَلْوَةِ، وَالنَّظَرِ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِي جَوَازِ هَذَا نِزَاعًا (إِلَّا الْمَسْبِيَّةَ هَلْ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: تُحْرَمُ مُبَاشَرَتُهَا، وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا لِشَهْوَةٍ فِي ظَاهِرِ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": هُوَ الظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ ; لِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ يُحَرِّمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 رَجُلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ، وَإِنْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَلَهَا نِكَاحُ غَيْرِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهَا يَطَؤُهَا. وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، هَلْ يَجِبُ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَطْءَ فَحَرَّمَ دَوَاعِيَهُ كَالْعِدَّةِ وَكَالْمَبِيعَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَخْشَى انْفِسَاخَ مِلْكِهِ لَهَا بِحَمْلِهَا، فَلَا يَكُونُ مُسْتَمْتِعًا إِلَّا بِمَمْلُوكِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَقَالَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: لَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَيْبِ عَلَى نَفْسِهِ ; لِقَوْلِهِ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَقَبَّلْتُهَا، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرُ الْمَسْبِيَّةِ آيِسَةً، أَوْ صَغِيرَةً، لَا تَحِيضُ فَهَلْ لَهُ التَّلَذُّذُ بِلَمْسِهَا وَتَقْبِيلِهَا فِي زَمَانِ الِاسْتِبْرَاءِ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا حَرُمَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يُبَاحُ، وَعَنْهُ لَا اسْتِبْرَاءَ لِمَنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ، أَوْ تَأَخُّرِ حَيْضٍ، أَوْ إِيَاسٍ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (سَوَاءٌ مَلَكَهَا مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ) أَوْ مَجْبُوبٍ أَوْ مِنْ رَجُلٍ قَدِ اسْتَبْرَأَهَا، ثُمَّ لَمْ يَطَأْهَا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ لِلْمِلْكِ الْمُتَجَدِّدِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَوَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا كَالْمَسْبِيَّةِ مِنِ امْرَأَةٍ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُ مَالِكًا مِنْ طِفْلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ كَامْرَأَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: وَطِفْلٍ، وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُ فِي مَسْبِيَّةٍ، ذَكَرَهُ الْحُلْوَانِيُّ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهٌ لَا يَلْزَمُ فِي إِرْثٍ، وَخَالَفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي بِكْرٍ كَبِيرَةٍ، أَوْ آيِسَةٍ (وَإِنْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِلْوَطْءِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَهُ ذَلِكَ، وَيُرْوَى أَنَّ الرَّشِيدَ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَفْتَاهُ أَبُو يُوسُفَ بِذَلِكَ، أَيْ: يُعْتِقُهَا وَيَتَزَوَّجُهَا وَيَطَؤُهَا، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا أَعْظَمَ هَذَا! ! أَبْطَلُوا الْكِتَابَ، وَالسُّنَّةَ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا كَيْفَ يَصْنَعُ؛ وَهَذَا لَا يَدْرِي أَهِيَ حَامِلٌ أَمْ لَا؛ مَا أَسْمَجَ هَذَا! وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَلَا يَطَأُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَعَنْهُ: يَتَزَوَّجُهَا إِنْ كَانَ بَائِعُهَا اسْتَبْرَأَ، وَلَمْ يَطَأْ. صَحَّحَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ. (وَلَهَا نِكَاحُ غَيْرِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهَا يَطَؤُهَا) لِأَنَّهَا حُرَّةٌ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا، فَكَانَ لَهَا نِكَاحُ غَيْرِ مُعْتِقِهَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا مَالِكُهَا، وَعَبَّرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 اسْتِبْرَاؤُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، أَوْ عَجَزَتْ مُكَاتَبَتُهُ، أَوْ فَكَّ أَمَتَهُ مِنَ الرَّهْنِ، أَوْ أَسْلَمَتِ الْمَجُوسِيَّةُ، أَوِ الْمُرْتَدَّةُ، أَوِ الْوَثَنِيَّةُ، أَوِ الَّتِي حَاضَتْ عِنْدَهُ، أَوْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُؤَلِّفِ بِالْبَائِعِ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ أَغْلَبُ مِنْ غَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَطَؤُهَا لِمَا فِيهِ مِنِ اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَالتَّمْكِينِ مِنْ وَطْءِ امْرَأَةٍ لَا يَعْلَمُ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْطُوءَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ فِرَاشٌ، فَلَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا حَتَّى يُعْلَمَ بَرَاءَةُ رَحِمَهَا كَزَوْجَةِ الْغَيْرِ، وَغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا، فَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَكَذَا النِّكَاحُ ; لِأَنَّهُ يَتَّخِذُ حِيلَةً لِإِبْطَالِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالْحِيَلُ كُلُّهَا خِدَاعٌ بَاطِلَةٌ. (وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، هَلْ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " وَحَكَيَاهُ رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ تُسْتَبْرَأُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَهْدِ وَتَحْرُمُ مُبَاشَرَتُهَا كَالْكَبِيرَةِ ; لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ عَلَيْهَا بِالْعِدَّةِ، كَذَلِكَ هَذَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ; لِأَنَّ سَبَبَ الْإِبَاحَةِ مُتَحَقِّقٌ، وَلَيْسَ عَلَى تَحْرِيمِهَا دَلِيلٌ، فَإِنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَلَا يُرَادُ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلَا يُوجَدُ الشَّغْلُ فِي حَقِّهَا. 1 (وَإِنِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ) لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاءٌ ; لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ هَذَا الْوَلَدُ مِنَ النِّكَاحِ لِيَكُونَ عَلَيْهِ وَلَاؤُهُ ; لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمِلْكِهِ، وَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ، قَالَهُ فِي " الرَّوْضَةِ "، قَالَ: وَمَتَى وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَأُمُّ وَلَدٍ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْوَلَدَ بَعْدَ أَنْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا، لَا لِأَقَلَّ مِنْهَا، وَلَا مَعَ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مُطَلَّقَتَهُ دُونَ الثَّلَاثِ لَمْ يَجِبْ، وله وطؤها وَقِيلَ: يُكْرَهُ (أَوْ عَجَزَتْ مُكَاتَبَتُهُ) حَلَّتْ لِسَيِّدِهَا بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ تَزَلْ مِلْكَهُ (أَوْ فَكَّ أَمَتَهُ مِنَ الرَّهْنِ) حَلَّتْ بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إِنَّمَا شُرِّعَ لِمَعْنَى مَظِنَّةِ تَجْدِيدِ الْمِلْكِ، فَلَا يُشَرَّعُ مَعَ تَخَلُّفِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 هُوَ الْمُرْتَدَّ فَأَسْلَمَ، أَوِ اشْتَرَى مُكَاتَبَه ذَوَاتَ رَحِمَهِ فَحِضْنَ عِنْدَهُ، ثُمَّ عَجَزَ، أَوِ اشْتَرَى عَبْدَهُ التَّاجِرُ أَمَةً فَاسْتَبْرَأَهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا سَيِّدُهُ حَلَّتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، وَإِنْ وُجِدَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَجْزَأَ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُجْزِئَ، وَإِنْ بَاعَ أَمَتَهُ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَظِنَّةِ، وَالْمَعْنَى (أَوْ أَسْلَمَتِ الْمَجُوسِيَّةُ، أَوِ الْمُرْتَدَّةُ، أَوِ الْوَثَنِيَّةُ، أَوِ الَّتِي حَاضَتْ عِنْدَهُ) فَإِنَّهَا تَحِلُّ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتَجَدَّدْ بِالْإِسْلَامِ، وَلَا أَصَابَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَطْءُ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاءٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَّتِ الْمُحَرَّمَةُ مِنْ إِمَائِهِ، وَالْآخَرُ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُجَدِّدَ اسْتِبْرَاءَهَا بَعْدَ إِسْلَامِهَا ; لِأَنَّ مِلْكَهُ تَجَدَّدَ عَلَى اسْتِمْتَاعِهَا، أَشَبَهَ مَا لَوْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ عَلَى رَقَبَتِهَا، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إِنَّمَا وَجَبَ كَيْ لَا يُفْضَى إِلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَمَظِنَّةُ ذَلِكَ تَجْدِيدُ الْمِلْكِ عَلَى رَقَبَتِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ، أَمَّا إِذَا مَلَكَهُنَّ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يَسَتْبَرِئَهَا، أَوْ تُتِمُّ مَا بَقِيَ مِنِ اسْتِبْرَائِهَا، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ إِذَا لَمْ يَحِضْنَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الْوَطْءُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَجْدِيدُ مِلْكٍ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ اسْتِبْرَاءٌ، فَلَمْ يَحِلَّ الْوَطْءُ قَبْلَهُ كَالْمُسْلِمَةِ (أَوْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ فَأَسْلَمَ) فَهِيَ حَلَالٌ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ ; لِأَنَّ إِسْلَامَهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ بِهِ مِلْكٌ، أَشْبَهَ إِسْلَامَ الْمُرْتَدَّةِ (أَوْ اشْتَرَى مُكَاتَبَه ذَوَاتِ رَحِمَهُ فَحِضْنَ عِنْدَهُ، ثُمَّ عَجَزَ) حَلَّتْ لِلسَّيِّدِ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْمَكَاتَبِ إِنْ رَقَّ رَقَّتْ، وَإِنْ عَتَقَ عَتَقَتْ، وَالْمَكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَفِي الْوَجْهِ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ صَحَّحَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِلْعُمُومِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَكَاتِبَ إِذَا اشْتَرَى غَيْرَ مَحَارِمِهِ، ثُمَّ عَجَزَ لا تَحِلُّ لَهُ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ مِلْكٌ عَلَى مَا فِي يَدِ مُكَاتِبِهِ، وَلِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ (أَوْ اشْتَرَى عَبْدَهُ التَّاجِرُ أَمَةً فَاسْتَبْرَأَهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا سَيِّدُهُ) أَيْ: بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا (حَلَّتْ لَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ) لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ عَلَى مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَضَاهُ سَيِّدُهُ، ثُمَّ اسْتَبْرَأَهَا لِنَفْسِهِ. (وَإِنْ وَجَدَ الِاسْتِبْرَاءَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَجْزَأَ) فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِهِ (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُجْزِئَ) لِأَنَّ الْقَصْدَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 عَادَتْ إِلَيْهِ بِفَسْخٍ، أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنِ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. الثَّانِي: إِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ، ثُمَّ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْبَائِعِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ، وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ إِلَّا فِي الْمَوْرُوثَةِ وَيَكْفِي قَبْضُ الْوَكِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا، ثُمَّ مَلَكَ بَاقِيهَا لَمْ يُحْتَسَبْ إِلَّا مِنْ حِينِ مَلَكَ بَاقِيهَا، فَإِنْ مِلْكَهَا بِبَيْعَ خِيَارٍ فَهَلْ يُجْزِئُ اسْتِبْرَاؤُهَا، إِذَا قُلْنَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ (وَإِنْ بَاعَ أَمَتَهُ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بِفَسْخٍ، أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا) أَيْ: حَيْثُ انْتَقَلَ الْمِلْكُ ; لِأَنَّهُ تَجْدِيدُ مِلْكٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي لَهَا رَجُلًا، أَوِ امْرَأَةً (وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَجِبُ ; لِأَنَّهُ تَجْدِيدُ مِلْكٍ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ مَعَ يَقِينِ الْبَرَاءَةِ وَكَمَا لَوِ اشْتَرَاهَا مِنْهُ امْرَأَةٌ، وَلَوْ فَسَخَ كَخِيَارِ شَرْطٍ، وَقُلْنَا يُمْنَعُ نَقْلُ الْمِلْكِ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاءٌ، وَإِنْ قَبَضَتْ مِنْهُ، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَيَكْفِي اسْتِبْرَاءٌ مِنْ مِلْكٍ بِشِرَاءٍ وَوَصِيَّةٍ وَغَنِيمَةٍ وَغَيْرِهَا قَبْلَ قَبْضٍ. (وَإِنِ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَ اسْتِبْرَاؤُهَا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذِهِ حِيلَةٌ وَضَعَهَا بَعْضُهُمْ ; لِأَنَّهُ تَجْدِيدُ مِلْكٍ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً، وَلِأَنَّ إِسْقَاطَهُ هُنَا ذَرِيعَةٌ إِلَى إِسْقَاطِهِ فِي حَقِّ مَنْ أَرَادَ إِسْقَاطَهُ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عِنْدَ بَيْعِهَا، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ، وَالْحِيَلُ حَرَامٌ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مُطْلَّقَةً قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوِ اشْتَرَى مُعْتَدَّةً فَفِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ ; لِأَنَّ بَرَاءَتَهَا قَدْ عُلِمَتْ بِهَا، وَالثَّانِي: بَلَى كَالْعِدَّتَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) صَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالْعِدَّةِ كَمَا لَوْ عُتِقَتْ، وَالثَّانِي: يَجِبُ لِمَا سَبَقَ. فَرْعٌ: إِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ فَطُلِّقَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاءٌ إِلَّا إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، أَوْ مَاتَ، فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ [الْمَوْضِعُ الثَّانِي إِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا] (الثَّانِي: إِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ، ثُمَّ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 يَجُزْ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاؤُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ. الثَّالِثُ: إِذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، أَوْ أَمَةً كَانَ يُصِيبُهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا   [المبدع في شرح المقنع] وَجْهًا وَاحِدًا ; لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ فَيُفْضِي إِلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ بِدُونِهِ، وَلَا يَطَأُ الزَّوْجُ قَبْلَهُ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهَا فِرَاشٌ لِسَيِّدِهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى فِرَاشِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْهَا (وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا) وَنَحْوَهُ (فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهَما فِي " الْفُرُوعِ "، إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ، صَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ " فِيمَا إِذَا كَانَتْ تَحْمَلُ ; لِأَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بَاعَ جَارِيَةً لَهُ كَانَ يَطَؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِحِفْظِ مَائِهِ فَكَذَلِكَ الْبَائِعُ، وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ مَشْكُوكٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجَوَازِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِإِزَالَةِ الِاحْتِمَالِ، فَعَلَى هَذَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ رِوَايَتَانِ، جَزَمَ فِي " الشَّرْحِ " بِصِحَّتِهِ فِي الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَهِيَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ ; لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَأَغْنَى عَنِ اسْتِبْرَاءِ الْبَائِعِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا الرِّوَايَتَيْنِ فِي كُلِّ أَمَةٍ يَطَؤُهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ الْآيِسَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْآيِسَةِ ; لِأَنَّ عِلَّةَ الْوُجُوبِ احْتِمَالُ الْحَمْلِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمًا بِمَجَرَّدِهِ، وَالثَّالِثَةُ: يَلْزَمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَطَأْ، ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي " مُقْنِعِهِ " وَاخْتَارَهَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: فَإِنْ كَانَتِ الْبَائِعَةُ امْرَأَةً، قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَمَا يُؤْمَنُ أَنْ تَكُونَ قَدْ جَاءَتْ بِحَمْلٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ (وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاؤُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ) لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ يَقِينُ بَرَاءَتِهَا مِنْهُ [الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ إِذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ أَمَةً كَانَ يُصِيبُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا] (الثَّالِثُ: إِذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، أَوْ أَمَةً كَانَ يُصِيبُهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءُ نَفْسِهَا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَوْطُوءَةٌ وَطْئًا لَهُ حُرْمَةٌ فَلَزِمَهَا اسْتِعْلَامُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُزَوَّجَةً، أَوْ مُعْتَدَّةً) أَوْ فَرَغَتْ عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا فَأَعْتَقَهَا وَأَرَادَ تَزْوِيجَهَا قَبْلَ وَطْئِهَا (فَلَا يَلْزَمُهَا اسْتِبْرَاءٌ) لِأَنَّهُ زَالَ فِرَاشُهُ عَنْهَا قَبْلَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءُ نَفْسِهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُزَوَّجَةً، أَوْ مُعْتَدَّةً فَلَا يَلْزَمُهَا اسْتِبْرَاءٌ. وَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا، وَلَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَبَيْنَ مَوْتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ، لَزِمَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ مِنَ الْوَفَاةِ حَسَبَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا، أَوِ اسْتَبْرَأَ بَعْدَ وَطْئِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا، أَوْ بَاعَهَا فَأَعْتَقَهَا مُشْتَرٍ قَبْلَ وَطْئِهَا، فَإِنْ بَانَتْ مِنَ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِطَلَاقٍ، أَوْ بَانَتْ بِمَوْتِ زَوْجِهَا، أَوْ طَلَاقِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَأَتَمَّتْ عِدَّتَهَا، ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاءُ ; لِأَنَّهَا عَادَتْ إِلَى فِرَاشِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَسَنَدِيٌّ أَنَّهُ لَا اسْتِبْرَاءَ إِنْ لَمْ يَطَأْ لِزَوَالِ فِرَاشِهِ بِتَزْوِيجِهَا (وَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا، وَلَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنْهُمَا) أَوْ عُلِمَ، ثُمَّ نُسِيَ (وَبَيْنَ مَوْتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ لَزِمَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ مِنَ الْوَفَاةِ حَسَبَ) لِأَنَّ السَّيِّدَ إِنْ كَانَ مَاتَ أَوَّلًا فَقَدْ مَاتَ، وَهِيَ زَوْجَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَاتَ آخِرًا فَقَدْ مَاتَ، وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ، وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ، فِيهَا حَيْضَةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ مَاتَ أَوَّلًا فَيَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ حُرَّةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ أَسْبَقَ فَيَجِبُ عَلَيْهَا حَيْضَةٌ، فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ بِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ هُنَا مِثْلُهُ، وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ " بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ " مَعْنَاهُ أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مَوْتًا ; لِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ خُرُوجَهَا مِنْ عُهْدَةِ الْعِدَّةِ بِيَقِينٍ إِلَّا بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الزَّوْجَ إِنْ كَانَ الْمَيِّتَ آخِرًا، فَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَالْخُرُوجُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالِاعْتِدَادِ مِنْ مَوْتِ الْآخَرِ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ جُهِلَتِ الْمُدَّةُ لَزِمَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، أَوِ الِاسْتِبْرَاءِ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الزَّوْجَ مَاتَ آخِرًا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ السَّيِّدَ مَاتَ آخِرًا فَعَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ، فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَلَى هَذَا جَمِيعُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهَا حَيْضَةٌ، وَمِنْ زَوْجِهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَعَنْهُ: تَعْتَدُّ أُمُّ وَلَدٍ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا لِوَفَاةٍ كَحُرَّةٍ، وَعَنْهُ: كَأَمَةٍ، وَإِنِ ادَّعَتْ مَوْرُوثَةٌ تَحْرِيمَهَا عَلَى وَارِثٍ بِوَطْءِ مَوْرُوثِهِ فَفِي تَصْدِيقِهَا وَجْهَانِ. فَرْعٌ: لَا تَرِثُ مِنَ الزَّوْجِ ; لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَلَا تَرِثُ مَعَ الشَّكِّ وَإِيجَابُ الْعِدَّةِ اسْتِظْهَارًا، لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى غَيْرِهَا، بِخِلَافِ الْإِرْثِ (وَإِنِ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي وَطْءِ أَمَةٍ لَزِمَهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ جَهِلَتِ الْمَدَّةَ لَزِمَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ أَوِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنِ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي وَطْءِ أَمَةٍ لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءَانِ. فَصْلٌ وَالِاسْتِبْرَاءُ يَحْصُلُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ إِنْ كَانَتْ حَامِلًا، أَوْ بِحَيْضَةٍ إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ   [المبدع في شرح المقنع] اسْتِبْرَاءَانِ) فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ مِنْهُمَا حَقَّانِ مَقْصُودَانِ لِآدَمِيَّيْنِ، فَلَمْ يَدْخُلْ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ كَالْعِدَّتَيْنِ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ اسْتِبْرَاءً وَاحِدًا ; لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، فَقَالَ: إِذَا كَانَتِ الْأَمَةُ لِرَجُلَيْنِ فَوَطِئَاهَا، ثُمَّ بَاعَاهَا لِآخَرَ - أَجْزَأَ اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ ; لِأَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، فَلَوْ أَعْتَقَاهَا لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءَانِ ; لِأَنَّ وُجُوبَهُ فِي حَقِّ الْمُعْتَدَّةِ مُعَلَّلٌ بِالْوَطْءِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنِ اثْنَيْنِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا مُعَلَّلٌ بِتَجْدِيدِ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ وَاحِدٌ. [فَصِلٌ: مَا يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ] فَصْلٌ (وَالِاسْتِبْرَاءُ يَحْصُلُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ إِنْ كَانَتْ حَامِلًا) لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَالْمَعْنَى (أَوْ بِحَيْضَةٍ إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ) لَا بِبَقِيَّتِهَا، وَفِي لَفْظٍ " حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ " وَتَصْدُقُ فِي حَيْضٍ، فَلَوْ أَنْكَرَتْهُ، فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِي بِهِ، فَوَجْهَانِ، وَوَطْؤُهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ حَرَامٌ، وَلَا يَقْطَعُهُ، وَإِنْ أَحَبَلَهَا فِيهِ اسْتُبْرِئَتْ بِوَضْعِهِ، وَإِنْ أَحَبَلَهَا فِي الْحَيْضَةِ حَلَّتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ مَا مَضَى حَيْضَةٌ (أَوْ بِمُضِيِّ شَهْرٍ إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، أَوْ آيِسَةً) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ الشَّهْرَ أُقِيمَ مَقَامَ الْحَيْضَةِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَكَذَا بَالِغَةٌ لَمْ تَحُضْ، فَإِنْ حَاضَتْ فِيهِ اعْتَدَّتْ بِحَيْضَةٍ (وَعَنْهُ: بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ (اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ) وَابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ فِي " الْكَافِي ": وَهِيَ أَظْهَرُ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهِيَ أَوْلَى، قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنَّمَا قُلْنَا: بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ جَمْعًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقَوَابِلِ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْحَمْلَ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 تَحِيضُ، أَوْ بِمُضِيِّ شَهْرٍ إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، أَوْ آيِسَةً. وَعَنْهُ: بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَإِنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ فَبِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا مَاتَ سَيِّدُهَا اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.   [المبدع في شرح المقنع] يَتَبَيَّنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَأَمَّا شَهْرٌ فَلَا مَعْنَى له، وَلَا نَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا، وَعَنْهُ: بِشَهْرَيْنِ، وَعَنْهُ: بِشَهْرٍ وَنَصِفٍ كَالْأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ (وَإِنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ فَبِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَالشَّهْرُ الْعَاشِرُ بَدَلُ الْحَيْضَةِ، وَقِيلَ: وَنَصِفٌ، وَقِيلَ: بِأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، وَعَنْهُ: بِسَنَةٍ كَالْآيِسَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اعْتِبَارَ تِكْرَارِهَا فِي الْآيِسَةِ لِتُعْلَمَ بَرَاءَتُهَا مِنْهُ بِمُضِيِّ غَالِبِ مُدَّتِهِ، فَجَعَلَ أَحْمَدُ الشَّهْرَ مَكَانَ الْحَيْضَةِ عَلَى وِفْقِ الْقِيَاسِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا عَلِمَتْ مَا رَفَعَهُ، فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ كَحُرَّةٍ (وَعَنْهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا مَاتَ سَيِّدُهَا اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) وَقَالَهُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «لَا تُفْسِدُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ» ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَهُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّ قَبِيصَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرٍو، وَمَارِيَةُ اعْتَدَّتْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثِ حِيَضٍ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: هُوَ مُنْقَطِعٌ (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيْ: تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ضَعَّفَ أَحْمَدُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ حَدِيثَ عَمْرٍو وَلِأَنَّ الْغَرَضَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا، وَهُوَ يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ، وَعَنْهُ: بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَلَا أَظُنُّهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] صَحِيحَةً وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَقَتَادَةَ كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ، ثُمَّ عُتِقَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنِ الرَّقَبَةِ، فَكَانَتْ حَيْضَةً فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ كَسَائِرِ اسْتِبْرَاءِ الْمُعْتَقَاتِ وَالْمَمْلُوكَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرِ اسْتِبْرَاءُ الزَّوْجَةِ ; لِأَنَّ لَهُ نَفْيَ الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ لَمْ يَخْلُ مِنْ خَمْسَةِ أَحْوَالٍ: 1 - أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا عِنْدَ الْبَيْعِ، أَوْ قَبْلَهُ وَأَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرِ، أَوْ يَكُونَ الْبَائِعُ ادَّعَاهُ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي، فَهُوَ وَلَدُ الْبَائِعِ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. 2 - أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَبْرَأَهَا، وَأَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، فَالْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي، وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ. 3 - أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ أَحَدِهِمَا، وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، فَلَا يَلْحَقُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَيَكُونُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي، وَلَا يَمْلِكُ فَسْخَ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْحَمْلَ تَجَدَّدَ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا. 4 - أَنْ تَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا فَنَسَبَهُ لَاحِقٌ بِالْمُشْتَرِي، فَإِنِ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَأَقَرَّهُ الْمُشْتَرِي لِحَقِّهِ وَبَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنَّ كَذَّبَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَإِنِ ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى الْقَافَةِ. 5 - أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ بَاعَهَا، وَلَمْ يَكُنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ، وَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنِ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 كِتَابُ الرَّضَاعِ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، وَإِذَا حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ رَجُلٍ يَثْبُتُ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الرَّضَاعِ] [يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ] الرَّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مَصْدَرُ رَضِعَ الثَّدْيَ إِذَا مَصَّهُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْكَسْرُ أَفْصَحُ، وَلَهُ سَبْعُ مَصَادِرَ، وَقَالَ الْمُطَرَّزِيُّ فِي شَرْحِهِ: امْرَأَةٌ مُرْضِعٌ إِذَا كَانَتْ تُرْضِعُ وَلَدَهَا سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، وَامْرَأَةٌ مُرْضِعَةٌ إِذَا كَانَ ثَدْيُهَا فِي فِي وَلَدِهَا، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] وَقِيلَ: الْمُرْضِعَةُ الْأُمُّ، وَالْمُرْضِعُ الَّتِي مَعَهَا صَبِيٌّ تُرْضِعُهُ، وَالْوَلَدُ رَضِيعٌ وَرَاضِعٌ. وَشَرْعًا: وُصُولُ لَبَنِ آدَمِيَّةٍ إِلَى جَوْفِ صَغِيرٍ حَيٍّ، وَأَوْلَى مِنْهُ مَصُّ لَبَنٍ ثَابَ مِنْ حَمْلٍ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَةٍ، أَوْ شُرْبُهُ وَنَحْوُهُ، وَأَصْلُ التَّحْرِيمِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَالْأَحَادِيثُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ تَحْرِيمُ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ بِالنَّصِّ، وَتَحْرِيمُ الْبِنْتِ وَغَيْرِهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهَا إِذَا حَرَّمَتِ الْأُخْتَ فَالْبِنْتُ أَوْلَى (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ) قَالَه النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَرَادَ عَلِيٌّ ابْنَةَ حَمْزَةَ، فَقَالَ: «إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «الرَّضَاعُ يُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَإِذَا حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ رَجُلٍ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ) أَيْ: يَكُونُ لَاحِقًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ فَثَابَ لَهَا لَبَنٌ، فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا صَارَ وَلَدًا لَهُمَا فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ وَإِبَاحَةِ النَّظَرِ وَالْخُلْوَةِ وَثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ، وَأَوْلَادُهُ وَإِنْ سَفُلُوا أَوْلَادُ وَلَدِهِمَا وَصَارَا أَبَوَيْهِ وَآبَاؤُهُمَا أَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ، وَإِخْوَةُ الْمَرْأَةِ وَأَخَوَاتُهَا أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ، وَإِخْوَةُ الرَّجُلِ وَأَخَوَاتُهُ أَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ وَتَنْتَشِرُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْوَاطِئِ، يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنِ الْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ وَنَحْوِهِ. (فَثَابَ لَهَا لَبَنٌ) يَخْرُجُ بِذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَدًا لِلرَّجُلِ ; لِأَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ مِنْهُ (فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا صَارَ وَلَدًا لَهُمَا) أَيْ: لِلْمُرْضِعَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَكَذَا لِمَنْ يُنْسَبُ الْحَمْلُ إِلَيْهِ (فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الْأُمَّ مِنَ الرَّضَاعِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ نِكَاحُهُنَّ مِنَ النَّسَبِ (وَإِبَاحَةِ النَّظَرِ، وَالْخَلْوَةِ) لِأَنَّ الْأُمَّ مِنَ الرَّضَاعِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، أَشْبَهَتِ الْأُمَّ مِنَ النَّسَبِ (وَثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ) لِأَنَّهَا فَرْعٌ عَلَى التَّحْرِيمِ إِذَا كَانَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، وَفِي ذَلِكَ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَلَدًا فِي شَيْءٍ مِنْ بَقِيَّةِ أَحْكَامِ النَّسَبِ مِنَ النَّفَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَرَدِّ الشَّهَادَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْهُ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ (وَأَوْلَادُهُ وَإِنْ سَفُلُوا أَوْلَادُ وَلَدِهِمَا) لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ الطِّفْلِ، وَهُوَ وَلَدُهُمَا (وَصَارَا أَبَوَيْهِ) لِأَنَّهُ وَلَدُهُمَا (وَآبَاؤُهُمَا أَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ) وَجَمِيعُ أَقَارِبِهِمَا يُنْسَبُونَ إِلَى الْمُرْتَضِعِ كَمَا يُنْسَبُونَ إِلَى وَلَدِهِمَا مِنَ النَّسَبِ ; لِأَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي ثَابَ لِلْمَرْأَةِ مَخْلُوقٌ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَنُشِرَ التَّحْرِيمُ إِلَيْهِمَا، وَنُشِرَتِ الْحُرْمَةُ إِلَى الرَّجُلِ وَإِلَى أَقَارِبِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى لَبَنَ الْفَحْلِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ لَمَّا سَأَلَتْهُ عَنْ أَفْلَحَ حِينَ قَالَ لَهَا: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ، فَقَالَتْ: كَيْفَ ذَلِكَ؛ فَقَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي، فَقَالَ: صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ رَجُلٍ لَهُ جَارِيَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا جَارِيَةً، وَالْأُخْرَى غُلَامًا أَيَحِلُّ لِلْغُلَامِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْجَارِيَةَ؛ فَقَالَ: لَا. . اللِّقَاحُ وَاحِدٌ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا تَفْسِيرُ لَبَنِ الْفَحْلِ (وَإِخْوَةُ الْمَرْأَةِ وَأَخَوَاتُهَا أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ) لِأَنَّهُ وَلَدُ أُخْتِهِمْ (وَإِخْوَهُ الرَّجُلِ وَأَخَوَاتُهُ أَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ) لِأَنَّهُ وَلَدُ أَخِيهِمْ. [تَنْتَشِرُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ مِنَ الْمُرْتَضِعِ إِلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ] (وَتَنْتَشِرُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ مِنَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 الْمُرْتَضِعِ إِلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفُلُوا فَيَصِيرُونَ أَوْلَادًا لَهُمَا وَلَا تَنْتَشِرُ إِلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَلَا مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَأَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ وَأَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ، فَلَا تَحْرُمُ الْمُرْضِعَةُ عَلَى أَبِي الْمُرْتَضِعِ، وَلَا أَخِيهِ وَلَا أُمِّ الْمُرْتَضِعِ، وَلَا أُخْتِهِ عَلَى أَبِيهِ مِنَ الرَّضَاعِ، وَلَا أَخِيهِ، وَإِنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ وَلَدِهَا مِنَ الزِّنَا طِفْلًا صَارَ ولدها وَلَدًا لَهَا وَتَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ وَلَمْ تَثْبُتْ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّهِ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَثْبُتُ. قَالَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُرْتَضِعِ إِلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفُلُوا فَيَصِيرُونَ أَوْلَادًا لَهُمَا) لِأَنَّ الرَّضَاعَ كَالنَّسَبِ، وَالتَّحْرِيمُ فِي النَّسَبِ يَشْمَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ، وَإِنْ سَفَلَ، فَكَذَا فِي الرَّضَاعِ (وَلَا تَنْتَشِرُ إِلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ) أَيْ: الْمُرْتَضِعِ (مِنْ إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ) لِأَنَّهَا لَا تَنْتَشِرُ فِي النَّسَبِ، فَكَذَا فِي الرَّضَاعِ (وَلَا مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَأَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ وَأَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ) لِأَنَّ الْحُرْمَةَ إِذَا لَمْ تَنْتَشِرْ إِلَى مَنْ هُوَ فِي الدَّرَجَةِ فَلَأَنْ لَا تَنْتَشِرَ إِلَى مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ بِطْرِيقِ الْأَوْلَى. (فَلَا تَحْرُمُ الْمُرْضِعَةُ عَلَى أَبِي الْمُرْتَضِعِ، وَلَا أَخِيهِ وَلَا أُمِّ الْمُرْتَضِعِ، وَلَا أُخْتِهِ عَلَى أَبِيهِ مِنَ الرَّضَاعِ، وَلَا أَخِيهِ) فَيَجُوزُ لِلْمُرْضِعَةِ نِكَاحُ أَبِي الطِّفْلِ الْمُرْتَضِعِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ نِكَاحُ أُمِّ الطِّفْلِ الْمُرْتَضِعِ، وَلَا أُخْتِهِ، وَلَا عَمَّتِهِ، وَلَا خَالَتِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْلَادُ الْمُرْضِعَةِ وَأَوْلَادُ زَوْجِهَا إِخْوَةَ الطِّفْلِ الْمُرْتَضِعِ وَأَخَوَاتِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ أُخْتَ أَخِيهِ مِنَ الرَّضَاعِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ، وَلَا نَسَبٌ، وَإِنَّمَا الرَّضَاعُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَأَخِيهِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " لَوِ ارْتَضَعَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى مِنِ امْرَأَةٍ صَارَتْ أُمًّا لَهُمَا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْآخَرِ، وَلَا بِأَخَوَاتِهِ الْحَادِثَاتِ بَعْدَهُ، وَلَا بِأْسَ بِتَزْوِيجِ أَخَوَاتِهِ الْحَادِثَاتِ قَبْلَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ الْآخَرِ (وَإِنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ وَلَدِهَا مِنَ الزِّنَا طِفْلًا صَارَ ولدها وَلَدًا لَهَا) لِأَنَّهُ رَضَعَ مِنْ لَبَنِهَا حَقِيقَةً (وَتُحَرَّمُ عَلَى الزَّانِي تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ وَلَدُ مَوْطُوءَتِهِ مِنَ الْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَهُوَ كَالْحَلَالِ (وَلَمْ تَثْبُتْ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّهِ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ; لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ بَيْنَ الْمُرْتَضِعِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ الَّذِي ثَابَ اللَّبَنُ بِوَطْئِهِ أَنْ يَكُونَ لَبَنَ حَمْلٍ يُنْسَبُ إِلَى الْوَاطِئِ، فَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَا وَنَحْوُهُ، فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 أَبُو الْخَطَّابِ: وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ. وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَثْبُتَ حُكْمُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ الْمُلَاعَنِ بِحَالٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنِهِ حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا. وَإِنْ وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهِ طِفْلًا صَارَ ابْنًا لِمَنْ ثَبَتَ نَسَبُ الْمَوْلُودِ مِنْهُ. وَإِنْ أُلْحِقْ بِهِمَا كَانَ الْمُرْتَضِعُ ابْنًا لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ التَّحْرِيمُ   [المبدع في شرح المقنع] (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَثْبُتُ) أَيْ: تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بَيْنَهُمَا، أَيْ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاطِئِ ; لِأَنَّهُ مَعْنَى " يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ " فَاسْتَوَى مُبَاحُهُ وَمَحْظُورُهُ كَالْوَطْءِ، وَلِأَنَّهُ رَضَاعٌ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ إِلَى الْمُرْضِعَةِ، فَنَشَرَهَا إِلَى الْوَاطِئِ كَصُورَةِ الْإِجْمَاعِ، وَفِي مَسَائِلِ صَالِحٍ حَدَّثَنَا أُبَيٌّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ فَرَآهَا تُرْضِعُ جَارِيَةً هَلْ تَحِلُّ لَهُ أَمْ لَا؛ قَالَ: لَا، قَالَ أُبَيٌّ: وَبِهَذَا أَقُولُ أَنَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ابْنَتِهِ مِنَ الزِّنَا، فَإِنَّهَا مِنْ نُطْفَتِهِ حَقِيقَةً وَيُفَارِقُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَقِفُ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَلِهَذَا تَحْرُمُ أُمُّ زَوْجَتِهِ وَابْنَتُهَا مِنْ غَيْرِ نَسَبٍ، وَتَحْرِيمُ الرَّضَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى النَّسَبِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» (قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، أَيْ: حُكْمُهُ حُكْمُ وَلَدِ الزِّنَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ارْتِضَاعِهِمَا لَبَنَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِمَا مِنْهُ، فَيَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَثْبُتَ حُكْمُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ الْمُلَاعَنُ بِحَالٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنِهِ حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا) بِخِلَافِ وَلَدِ الزِّنَا ; لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنَ الزَّانِي حَقِيقَةٌ، فَكَانَ اللَّبَنُ مِنْهُ، وَاللَّبَنُ لَمْ يَثْبُتْ مِنَ الْمُلَاعِنِ حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ أَرْضَعَتْ أُنْثَى حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا بِالصِّهْرِيَّةِ ; لِأَنَّهَا بِنْتُ مَوْطُوءَةِ الزَّانِي وَرَبِيبَةُ الْمُلَاعِنِ، وَإِنْ أَرْضَعَتْ ذَكَرًا حَرُمَ عَلَيْهِ بِنْتَاهُمَا وَأَوْلَادُهُمَا وَتَحْرُمُ بِنْتُهُ وَبِنْتُهَا عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: لَا [وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهِ طِفْلًا] (وَإِنْ وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهِ طِفْلًا صَارَ ابْنًا لِمَنْ ثَبَتَ نَسَبُ الْمَوْلُودِ مِنْهُ) لِأَنَّ تَحْرِيمَ الرَّضَاعِ فَرْعٌ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُثْبِتَ بِقَائِفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَاقْتَصَرَ فِي " الْفُرُوعِ " عَلَى الْأَوَّلِ (وَإِنْ أُلْحِقْ بِهِمَا) قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 بِالرَّضَاعِ فِي حَقِّهِمَا، وَإِنْ ثَابَ لِامْرَأَةٍ لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ تَقَدَّمَ لَمْ يَنْشُرِ الْحُرْمَةَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي لَبَنِ الْبِكْرِ، وَعَنْهُ: يَنْشُرُهَا. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ. وَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ غَيْرُ لَبَنِ الْمَرْأَةِ، فَلَوِ ارْتَضَعَ طِفْلَانِ مِنْ بَهِيمَةٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] وَغَيْرِهِ، أَوْ مَاتَ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ (كَانَ الْمُرْتَضِعُ ابْنًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْمُرْتَضِعَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَبَعٌ لِلْمُنَاسِبِ، فَمَتَى لَحِقَ الْمُنَاسِبُ بِشَخْصٍ، فَالْمُرْتَضِعُ مِثْلُهُ، وَإِنْ أُشْكِلَ أَمْرُهُ، فَقِيلَ: كَنَسَبٍ، وَقِيلَ: هُوَ لِأَحَدِهِمَا مُبْهَمًا، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " فِيمَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ (وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ التَّحْرِيمُ بِالرَّضَاعِ فِي حَقِّهِمَا) تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ كَمَا لَوِ اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ، وَإِنِ انْتَفَى عَنْهُمَا جَمِيعًا بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهَا، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءِ الْآخَرِ انْتَفَى الْمُرْتَضِعُ عَنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَضِعُ أُنْثَى حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ، وَيَحْرُمُ أَوْلَادُهَا عَلَيْهِمَا أَيْضًا لِأَنَّهَا ابْنَةُ مَوْطُوءَتِهِمَا (وَإِنْ ثَابَ لِامْرَأَةٍ لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ تَقَدَّمَ) قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ وَطْءٍ (لَمْ يَنْشُرِ الْحُرْمَةَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي لَبَنِ الْبِكْرِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ نَادِرٌ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ لِتَغْذِيَةِ الْأَطْفَالِ، أَشْبَهَ لَبَنَ الرَّجُلِ، وَالْبَهِيمَةِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ حَقِيقَةً، بَلْ رُطُوبَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ ; لِأَنَّ اللَّبَنَ مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ (وَعَنْهُ: يَنْشُرُهَا ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنُ حَامِدٍ) وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وَلِأَنَّهُ لَبَنُ امْرَأَةٍ فَتَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ كَمَا لَوْ ثَابَ بِوَطْءٍ، وَلِأَنَّ لَبَنَ الْمَرْأَةِ خُلِقَ لِغِذَاءِ الطِّفْلِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا نَادِرًا، فَجِنْسُهُ مُعْتَادٌ (وَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ غَيْرُ لَبَنِ الْمَرْأَةِ، فَلَوِ ارْتَضَعَ طِفْلَانِ مِنْ بَهِيمَةٍ) لَمْ يَنْشُرِ الْحُرْمَةَ، وَلَمْ يَصِيرَا أَخَوَيْنِ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: يَصِيرَانِ أَخَوَيْنِ. وَرَدَّ بِأَنَّ الْأُخُوَّةَ فَرْعٌ عَلَى الْأُمُومَةِ، وَلَا تَثْبُتُ الْأُمُومَةُ بِهَذَا الرَّضَاعِ، فَالْأُخُوَّةُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِغِذَاءِ الْمَوْلُودِ الْآدَمِيِّ، أَشَبَهَ الطَّعَامَ (أَوْ رَجُلٍ) فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 خُنْثَى مُشْكِلٌ لَمْ يَنْشُرِ الْحُرْمَةَ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُوقَفُ أَمْرُ الْخُنْثَى حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا. فَصْلٌ وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالرَّضَاعِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْتَضِعَ فِي الْعَامَيْنِ. فَلَوِ ارْتَضَعَ بَعْدَهُمَا بِلَحْظَةٍ لَمْ تَثْبُتْ. الثَّانِي: أَنْ يَرْتَضِعَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فِي ظَاهِرِ   [المبدع في شرح المقنع] الْكَرَابِيسِيُّ: يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ ; لِأَنَّهُ لَبَنُ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ (أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ لَمْ يَنْشُرِ الْحُرْمَةَ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ امْرَأَةَ، فَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ مَعَ الشَّكِّ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُوقَفُ أَمْرُ الْخُنْثَى حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ) فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ رَجُلًا ; لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ كَوْنُهُ مَحْرَمًا كَمَا لَوِ اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ بِأَجَانِبَ، وَقِيلَ: إِنْ حَرَّمَ لَبَنٌ بِغَيْرِ حَمْلٍ، وَلَا وَطْءٍ، فَفِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَجْهَانِ، وَإِنْ يَئِسَ مِنِ انْكِشَافِ حَالِهِ بِمَوْتٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَالْأَصْلُ الْحَلُّ. [شُرُوطٌ تُثْبِتُ الْحُرْمَةَ بِالرَّضَاعِ] [الْأَوَّلُ أَنْ يَرْتَضِعَ فِي الْعَامَيْنِ] فَصْلٌ (وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالرَّضَاعِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْتَضِعَ فِي الْعَامَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] «وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ قَاعِدٌ فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: هُوَ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَ: انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانِكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا «لَا يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ عُمَرَ وَرَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا ما كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» وَالْهَيْثَمُ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَثَّقَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: ثَلَاثٌ يُحَرِّمْنَ، وَعَنْهُ: وَاحِدَةٌ. وَمَتَى أَخَذَ الثَّدْيَ فَامْتَصَّ، ثُمَّ تَرَكَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] أَحْمَدُ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، وَالْعِجْلِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ (فَلَوِ ارْتَضَعَ بَعْدَهُمَا بِلَحْظَةٍ لَمْ تَثْبُتْ) لِأَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِهِ كَوْنُهُ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَيَّدَهُ أَبُو الْخَطَّابِ بِعْدَهُمَا بِسَاعَةٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَوْ شَرَعَ فِي الْخَامِسَةِ فَحَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ كَمَالِهَا لَمْ يَثْبُتِ التَّحْرِيمُ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ مَا وُجِدَ مِنَ الرَّضْعَةِ فِي الْحَوْلَيْنِ كَافٍ فِي التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ مَا لَوِ انْفَصَلَ مِمَّا بَعْدَهُ وَاغْتَفَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَا لَوْ رَضَعَ قَبْلَ الْفِطَامِ، قَالَ: أَوْ كَبِيرٌ لِحَاجَةٍ نَحْوَ جَعْلِهِ مُحَرَّمًا لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مَعَنَا فِي بَيْتِنَا، وَقَدْ بَلَغَ مَا تَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَلِمَ مَا تَعْلَمُ الرِّجَالُ، فَقَالَ: أَرَضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْحَوْلَيْنِ، فَلَوْ فُطِمَ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ ارْتَضَعَ فِيهِمَا حَصَلَ التَّحْرِيمُ، وَلَوْ لَمْ يُفْطَمْ حَتَّى جَاوَزَهُمَا، ثُمَّ ارْتَضَعَ قَبْلَ الْفِطَامِ لَمْ يُثْبِتْ [الثَّانِي أَنْ يَرْتَضِعَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ] (الثَّانِي: أَنْ يَرْتَضِعَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ لِمَا «رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: كَانَ فِيمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ " عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ " ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ: «أَرْضِعِي سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ» " (وَعَنْهُ: ثَلَاثٌ يُحَرِّمْنَ) وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلَا الْمَصَّتَانِ» وَفِي لَفْظٍ «لَا تُحَرِّمُ الِإْمَلَاجَةُ، وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 أَوْ قُطِعَ عَلَيْهِ فَهِيَ رَضْعَةٌ فَمَتَى عَادَ فَهِيَ رَضْعَةٌ أُخْرَى بَعُدَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ قَرُبَ، وَسَوَاءٌ تَرَكَهُ شَبَعًا، أَوْ لِأَمْرٍ يُلْهِيهِ، أَوْ لِانْتِقَالِهِ مِنْ ثَدْيٍ إِلَى غَيْرِهِ، أَوِ امْرَأَةٍ إِلَى غَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ لَمْ يُقْطَعْ بِاخْتِيَارِهِ فَهُمَا رَضْعَةٌ إِلَّا أَنْ يَطُولَ الْفَصْلُ   [المبدع في شرح المقنع] الْإِمْلَاجَتَانِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الثَّلَاثُ كَالْعَادَةِ فِي الْحَيْضِ (وَعَنْهُ: وَاحِدَةٌ) وَهِيَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَزَعَمَ اللَّيْثُ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ كَمَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ. وَعُمُومُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَشْهَدُ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ تَعْدَادُ الرَّضَعَاتِ كَتَحْرِيمِ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، وَعَنْ حَفْصَةَ: عَشْرٌ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّهُ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْعُمُومِ، أَوْ بِالْمَفْهُومِ، وَالصَّرِيحُ رَاجِحٌ عَلَيْهِمَا، وَالْمُطْلَقُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى مُقَيَّدٌ بِسُنَّةِ نَبِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يَقِفِ اللَّيْثُ عَلَى الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَمَتَى أَخَذَ الثَّدْيَ فَامْتَصَّ، ثُمَّ تَرَكَهُ، أَوْ قُطِعَ عَلَيْهِ فَهِيَ رَضْعَةٌ) كَذَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي حَدِّ الرَّضْعَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهَا إِلَى الْعُرْفِ ; لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهَا مُطْلَقًا، وَلَمْ يَحُدَّهَا بِزَمَنٍ، وَلَا مِقْدَارٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهُمْ إِلَى الْعُرْفِ، فَإِذَا ارْتَضَعَ، ثُمَّ قَطَعَ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ قُطِعَ عَلَيْهِ فَهِيَ رَضْعَةٌ (فَمَتَى عَادَ فَهِيَ رَضْعَةٌ أُخْرَى) لِأَنَّ الْعَوْدَ ارْتِضَاعٌ، فَكَانَ رَضْعَةً أُخْرَى كَالْأُولَى (بَعُدَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ قَرُبَ) إِذِ الْعِبْرَةُ بِتَعْدَادِ الرَّضَعَاتِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالرَّضْعَةِ، وَلَمْ يَحُدَّهَا بِزَمَانٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَرِيبُ كَالْبَعِيدِ (وَسَوَاءٌ تَرَكَهُ شِبَعًا، أَوْ لِأَمْرٍ يُلْهِيهِ) لِأَنَّ الْفَصْلَ مَوْجُودٌ فِي الْكُلِّ (أَوْ لِانْتِقَالِهِ مِنْ ثَدْيٍ إِلَى غَيْرِهِ، أَوِ امْرَأَةٍ إِلَى غَيْرِهَا) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَمَا تَرَى الصَّبِيَّ يَرْضَعُ مِنَ الثَّدْيِ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ النَّفَسُ أَمْسَكَ عَنِ الثَّدْيِ لِيَتَنَفَّسَ وَيَسْتَرِيحَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهِيَ رَضْعَةٌ، وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنَ السُّعُوطِ، وَالْوَجُورِ رَضْعَةٌ، فَكَذَا هُنَا (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ لَمْ يَقْطَعْ بِاخْتِيَارِهِ فُهُمَا رَضْعَةٌ) لِأَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 بَيْنَهُمَا. وَالسُّعُوطُ وَالْوَجُورُ كَالرَّضَاعِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَيَحْرُمُ لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَاللَّبَنُ   [المبدع في شرح المقنع] الْقَطْعَ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ، فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا) فَيَكُونَا رَضْعَتَيْنِ لِأَنَّ جَعْلَهُمَا رَضْعَةً يَلْغِي الزَّمَانَ مَعَ طُولِهِ، أَوِ انْتِقَالِهِ مِنِ امْرَأَةٍ إِلَى غَيْرِهَا ; لِأَنَّ الْآكِلَ لَوْ قَطَعَ الْأَكْلَ لِلشُّرْبِ، أَوْ عَارَضَ وَعَادَ فِي الْحَالِ كَانَ أَكْلَةً وَاحِدَةً، فَكَذَا الرَّضَاعُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: حَدُّ الرَّضْعَةِ أَنْ يَمُصَّ، ثُمَّ يُمْسِكَ عَنِ الِامْتِصَاصِ لِتَنَفُّسٍ، أَوْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ خَرَجَ الثَّدْيُ مِنْ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَخْرُجْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلَا الْمَصَّتَانِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مَصَّةٍ أَثَرًا، وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الْوَجُورِ، وَالسُّعُوطِ رَضْعَةٌ، فَالِامْتِصَاصُ أَوْلَى. 1 (وَالسُّعُوطُ) هُوَ أَنْ يَصُبَّ فِي أَنْفِهِ اللَّبَنَ مِنْ إِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَدْخُلُ حَلْقَهُ (وَالْوَجُورُ) هُوَ أَنْ يَصُبَّهُ فِي حَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ الثَّدْيِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (كَالرَّضَاعِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ الْأَصَحُّ وِفَاقًا لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا أَنْشَرَ الْعَظْمَ، وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّ هَذَا يَصِلُ إِلَيْهِ اللَّبَنُ كَمَا يَصِلُ بِالِارْتِضَاعِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُحَرِّمُ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ فِي السُّعُوطِ ; لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرَضَاعٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَصَلَ مِنْ جُرْحٍ فِي بَدَنِهِ، وَعَلَى الْأَوْلَى إِنَّمَا يُحَرَّمُ مِنْ ذَلِكَ مَا يُحَرَّمُ بِالرَّضَاعِ، وَهُوَ خَمْسٌ عَلَى الْأَشْهَرِ، فَإِنَّهُ فَرْعٌ عَلَى الرَّضَاعِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ، وَالِاعْتِبَارُ بِشُرْبِ الطِّفْلِ لَهُ، فَأَمَّا إِنْ سَقَاهُ جَرْعَةً بَعْدَ أُخْرَى مُتَتَابِعَةً فَرَضْعَةٌ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ; لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الرَّضْعَةِ الْعُرْفُ وَهُمْ لَا يَعُدُّونَ هَذَا رَضَعَاتٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى مَا إِذَا قُطِعَتْ عَلَيْهِ الرَّضَاعُ 1 - (وَيَحْرُمُ لَبَنُ الْمَيْتَةِ) وَهُوَ كَلَبَنِ الْحَيَّةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ ; لِأَنَّهُ يُنْبِتُ اللَّحْمَ، وَنَجَاسَتُهُ لَا تُؤَثِّرُ كَمَا لَوْ حُلِبَ فِي إِنَاءٍ نَجِسٍ وَكَمَا لَوْ حُلِبَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا فَشَرِبَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَقَالَ الْخَلَّالُ: لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، وَتَوَقَّفَ عَنْهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مَهَنَّا ; لِأَنَّهُ لَبَنٌ لَيْسَ بِمَحَلٍّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 الْمَشُوبُ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ غَلَبَ اللَّبَنُ حَرَّمَ وَإِلَّا فَلَا. وَالْحُقْنَةُ لَا تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَنْشُرُهَا.   [المبدع في شرح المقنع] لِلْوِلَادَةِ، أَشْبَهَ لَبَنَ الرَّجُلِ (وَاللَّبَنُ الْمَشُوبُ) بِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ اخْتَلَطَ بِشَرَابٍ، أَوْ غَيْرِهِ (ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ ; لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهِ بَيْنَ الْخَالِصِ وَالْمَشُوبِ كَالنَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ، وَالنَّجَاسَةِ الْخَالِصَةِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِهِمَا) وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ ; لِأَنَّ الْمَشُوبَ لَيْسَ بِلَبَنٍ خَالِصٍ، فَلَمْ يُحَرِّمْ كَالْمَاءِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ غَلَبَ اللَّبَنُ حَرَّمَ) وَذَكَرَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الصُّوَرِ، فَكَذَا هُنَا (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا لَمْ يَغْلِبِ اللَّبَنُ لَمْ يُحَرِّمْ ; لِأَنَّهُ يَزُولُ بِذَلِكَ الِاسْمِ، وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَتْ صِفَاتُ اللَّبَنِ بَاقِيَةً، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، فَلَوْ صَبَّهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ لَمْ يَثْبُتِ التَّحْرِيمُ ; لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَشُوبٍ، وَلَا يَحْصُلْ بِهِ التَّغَذِّي، وَلَا إِنْبَاتُ اللَّحْمِ، وَلَا إِنْشَارُ الْعَظْمِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحَرِّمُ ; لِأَنَّ أَجْزَاءَ اللَّبَنِ حَصَلَ فِي بَطْنِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ ظَاهِرًا، وَجَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرَضَاعٍ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. فَرْعٌ: إِذَا عَمِلَ اللَّبَنُ جُبْنَا حَرَّمَ فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ وَاصِلٌ مِنَ الْحَلْقِ يَحْلُ بِهِ إِنْبَاتُ اللَّحْمِ، وَعَنْهُ لَا لِزَوَالِ الِاسْمِ، وَإِذَا قُلْنَا: الْوَجُورُ لَا يُحَرِّمُ فَهَذَا أَوْلَى. (وَالْحُقْنَةُ لَا تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. نَصَّ عَلَيْهِ) وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الرِّعَايَةِ " وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ ; لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرَضَاعٍ، وَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي، فَلَمْ يَنْشُرِ الْحُرْمَةَ كَمَا لَوْ قَطَّرَ فِي إِحْلِيلِهِ وَكَمَا لَوْ وَصَلَ مِنْ جُرْحٍ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ) وَابْنُ أَبِي مُوسَى (تَنْشُرُهَا) لِأَنَّهُ سَبِيلٌ يَحْصُلُ بِالْوَاصِلِ مِنْهُ الْفِطْرُ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ كَالرَّضَاعِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى إِذِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِطْرِ، وَالرَّضَاعِ ثَابِتٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الرَّضَاعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ إِنْشَارُ الْعَظْمِ، وَإِنْبَاتُ اللَّحْمِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 فَصْلٌ وَإِذَا تَزَوَّجَ كَبِيرَةً، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَثَلَاثَ صَغَائِرَ، فَأَرْضَعَتِ الْكَبِيرَةُ إِحْدَاهُنَّ فِي الْحَوْلَيْنِ، حُرِّمَتِ الْكَبِيرَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَثَبَتَ نِكَاحُ الصُّغْرَى، وَعَنْهُ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا، وَإِنْ أَرْضَعَتِ اثْنَتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيْنِ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى. وَعَلَى   [المبدع في شرح المقنع] الْحُقْنَةِ مَوْجُودٌ فِي الرَّضَاعِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَبَنُ أُنْثَى تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ، وَإِنْ ثَابَ بَعْدَهَا فَقَدْ حَاضَتْ وَبَلَغَتْ، وَإِنْ ثَابَ بِدُونِ حَمْلٍ وَوَطْءٍ، وَقُلْنَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، صَارَ الْمُرْتَضِعُ ابْنًا لَهَا، وَإِنْ شَكَّتِ الْمُرْضِعَةُ فِي الرَّضَاعِ، أَوْ كَمَالِهِ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَلَا بَيِّنَةَ، فَلَا تَحْرِيمَ. فَرْعٌ: إِذَا حَلَبَ مِنْ نِسْوَةٍ وَسَقَى طِفْلًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ رَضَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. [فَصْلٌ: إِرْضَاعُ الزَّوْجَةِ الْكَبِيرَةِ الزَّوْجَةَ الصَّغِيرَةِ] فَصْلٌ (وَإِذَا تَزَوَّجَ كَبِيرَةً، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَثَلَاثَ صَغَائِرَ، فَأَرْضَعَتِ الْكَبِيرَةُ إِحْدَاهُنَّ فِي الْحَوْلَيْنِ، حُرِّمَتِ الْكَبِيرَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ) وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: نِكَاحُهَا ثَابِتٌ وَتُنْزَعُ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ، وَجَوَابُهُ: مَا تَقَدَّمَ (وَثَبَتَ نِكَاحُ الصُّغْرَى) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا (وَعَنْهُ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا) لِأَنَّهَا اجْتَمَعَتْ مَعَ أُمِّهَا فِي النِّكَاحِ كَمَا لَوْ صَارَتَا أُخْتَيْنِ وَكَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الرَّضَاعِ عَقْدًا وَاحِدًا، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْكُبْرَى أَوْلَى بِفَسْخِ نِكَاحِهَا لِتَحْرِيمِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ كَمَا لَوِ ابْتَدَأَ الْعَقْدُ عَلَى أُخْتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ طَرَأَ عَلَى نِكَاحِ الْأُمِّ، وَالْبِنْتِ، فَاخْتَصَّ الْفَسْخُ بِنِكَاحِ الْأُمِّ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ امْرَأَةٌ وَبِنْتُهَا، وَالْأَخْتَانُ لَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنَ الْأُخْرَى، وَفَارَقَ مَا لَوِ ابْتَدَأَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَإِنْ أَرْضَعَتِ اثْنَتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيْنِ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى) لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ وَاجْتَمَعَتَا فِي الزَّوْجِيَّةِ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا (وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأُولَى وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 الثَّانِيَةِ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأُولَى وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ أَرْضَعَتِ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقَاتٍ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُولَتَيْنِ وَثَبَتَ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْجَمِيعِ. وَإِنْ أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُنَّ مُنْفَرِدَةً وَاثْنَتَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحُ الْجَمِيعِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْأَصَاغِرِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكُبْرَى حَرُمَ الْكُلُّ عَلَيْهِ عَلَى الْأَبَدِ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ تُحَرَّمُ ابْنَتُهَا عَلَيْهِ كَأُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَأُخْتِهِ وَرَبِيبَتِهِ إِذَا أَرْضَعَتْ طِفْلَةً حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ وَكُلُّ رَجُلٍ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ ابْنَتُهُ كَأَخِيهِ   [المبدع في شرح المقنع] الْكَبِيرَةَ لَمَّا أَرْضَعَتِ الصَّغِيرَةَ أَوَّلًا انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا، ثُمَّ أَرْضَعَتِ الْأُخْرَى، فَلَمْ تَجْتَمِعْ مَعَهُمَا فِي النِّكَاحِ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا (وَإِنْ أَرْضَعَتِ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقَاتٍ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُولَتَيْنِ) لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ فِي نِكَاحِهِ (وَثَبَتَ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ) لِأَنَّ رَضَاعَهَا بَعْدَ انْفِسَاخِ نِكَاحِ الْكَبِيرَةِ، وَالصَّغِيرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا، فَلَمْ تُصَادِفْ إِخْوَتَهَا جَمْعًا فِي النِّكَاحِ (عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى) وَهِيَ أَنَّ الْكَبِيرَةَ تَحْرُمُ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ (وَعَلَى الثَّانِيَةِ) وَهِيَ انْفِسَاخُ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ (يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْجَمِيعِ) لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ إِذَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، ثُمَّ أَرْضَعَتِ الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةَ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا ; لِأَنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ إِخْوَتَهَا جَمْعًا فِي النِّكَاحِ، فَإِذَا أَرْضَعَتِ الثَّالِثَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا ; لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَتَا فِي نِكَاحِهِ وَهُمَا أُخْتَانِ وَحِينَئِذٍ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْجَمِيعِ (وَإِنْ أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُنَّ مُنْفَرِدَةً وَاثْنَتَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحُ الْجَمِيعِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ أَخَوَاتٍ فِي نِكَاحِهِ ; لِأَنَّهَا إِذَا أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُنَّ مُنْفَرِدَةً، فَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا ; لِأَنَّهَا مُنْفَرِدَةٌ، ثُمَّ إِذَا أَرْضَعَتِ اثْنَتَيْنِ بَعْدَهَا مُجْتَمِعَاتٍ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْجَمِيعِ ; لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتٌ فِي النِّكَاحِ عَلَى الْأُولَى، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأُمِّ، وَالْأُولَى بِالِاجْتِمَاعِ، ثُمَّ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الِاثْنَتَيْنِ لِكَوْنِهِمَا أُخْتَيْنِ مَعًا (وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْأَصَاغِرِ) لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ تَحْرِيمُ جَمْعٍ، فَإِنَّهُنَّ رَبَائِبُ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهِنَّ (وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكُبْرَى حُرِّمَ الْكُلُّ عَلَيْهِ عَلَى الْأَبَدِ) لِأَنَّهُنَّ رَبَائِبُ دَخَلَ بِأُمِّهِنَّ (وَكُلُّ امْرَأَةٍ تَحْرُمُ ابْنَتُهَا عَلَيْهِ كَأُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَأُخْتِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 وَأَبِيهِ وَابْنِهِ إِذَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتُهُ بِلَبَنِهِ طِفْلَةً حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ، وَفَسَخَتْ نِكَاحَهَا مِنْهُ إِنْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ. فَصْلٌ وَكُلُّ مَنْ أَفْسَدَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ بِرَضَاعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ   [المبدع في شرح المقنع] وَرَبِيبَتِهِ إِذَا أَرْضَعَتْ طِفْلَةً حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا تَصِيرُ ابْنَتَهَا مِنَ الرَّضَاعِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَتِ الْمُرْضِعَةُ أُمَّهَ، فَالْمُرْتَضِعَةُ أُخْتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ جَدَّتُهُ فَهِيَ عَمَّتُهُ (وَكُلُّ رَجُلٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ ابْنَتُهُ كَأَخِيهِ وَأَبِيهِ وَابْنِهِ إِذَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتُهُ بِلَبَنِهِ طِفْلَةً حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا تَصِيرُ ابْنَتُهُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتِ الْمُرْضِعَةُ امْرَأَةَ أَخِيهِ، فَالْمُرْتَضِعَةُ بِنْتُ أَخِيهِ، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَالْمُرْتَضِعَةُ أُخْتُهُ، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةَ ابْنِهِ، فَالْمُرْتَضِعَةُ بِنْتُ ابْنِهِ، فَلَوْ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةُ أَحَدِ هَؤُلَاءِ بِلَبَنِ غَيْرِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهَا رَبِيبَةُ زَوْجِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ (وَفَسَخَتْ نِكَاحَهَا مِنْهُ إِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إِذَا طَرَأَ أَوْجَبَ الْفَسْخَ كَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ طِفْلًا فَأَرْضَعَتْهُ زَوْجَتُهُ الْكَبِيرَةُ. 1 - مَسَائِلُ: إِذَا تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ فَأَرْضَعَتْ جَدَّتُهُمَا أَحَدَهُمَا صغيرا - انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا إِنْ أَرْضَعَتِ الزَّوْجَ صَارَ عَمَّ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ أَرْضَعَتِ الزَّوْجَةَ صَارَتْ عَمَّتَهُ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمَّتِهِ فَأَرْضَعَتْ جَدَّتُهُمَا أَحَدَهُمَا صغيرا، انْفَسَخَ النِّكَاحُ ; لِأَنَّهَا إِنْ أَرْضَعَتِ الزَّوْجَ صَارَ خَالَهَا، وَإِنْ أَرْضَعَتِ الزَّوْجَةَ صَارَتْ عَمَّتَهُ، وَإِنَّ تَزَوَّجَ بِنْتَ خَالِهِ فَأَرْضَعَتْ جَدَّتُهُمَا الزَّوْجَ صَارَ عَمَّ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ أَرْضَعَتْها صَارَتْ خَالَتَهُ. وَإِنْ تَزَوَّجَ بِنْتَ خَالَتِهِ فَأَرْضَعَتِ الزَّوْجَ صَارَ خَالَ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا صَارَتْ خَالَةَ زَوْجِهَا. وَإِنْ أَرْضَعَتْ أُمَّ رَجُلٍ وَابْنَتَهُ وَأُخْتَهُ وَزَوْجَةَ ابْنِهِ طِفْلَةً رَضْعَةً رَضْعَةً لَمْ تَحْرُمْ عَلَى الرَّجُلِ فِي الْأَصَحِّ. [فَصْلٌ إِفْسَادُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ بِرَضَاعٍ] فَصْلٌ (وَكُلُّ مَنْ أَفْسَدَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ بِرَضَاعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 مَهْرِهَا الَّذِي يَلْزَمُهُ لَهَا، وَإِنْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا سَقَطَ مَهْرُهَا. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَجَبَ مَهْرُهَا وَلَمْ يُرْجَعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُرْجَعُ بِهِ أَيْضًا وَرَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَوْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي   [المبدع في شرح المقنع] مَهْرِهَا الَّذِي يَلْزَمُهُ لَهَا) لِأَنَّهُ قَرَّرَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِعَرْضِ السُّقُوطِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ إِذَا رَجَعُوا، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ نِصْفُ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ ; لِأَنَّ نِكَاحَهَا انْفَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا، وَالْفَسْخُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَطَلَاقِ الزَّوْجِ فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا) قَبْلَ الدُّخُولِ (سَقَطَ مَهْرُهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّ الْفَسْخَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا كَمَا لَوِ ارْتَدَّتْ، فَعَلَى هَذَا إِذَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتُهُ الْكُبْرَى الصُّغْرَى، فَعَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ مَهْرِ الصُّغْرَى، يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكُبْرَى وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: تَرْجِعُ بِجَمِيعِ صَدَاقِهَا ; لِأَنَّهَا أَتْلَفَتِ الْبِضْعَ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَتِ الْمُرْضِعَةُ أَرَادَتِ الْفَسَادَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ ; لِأَنَّهَا قَرَّرَتْهُ عَلَيْهِ وَأَلْزَمَتْهُ إِيَّاهُ وَأَتْلَفَتْ عَلَيْهِ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا الضَّمَانُ كَمَا لَوْ أَتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ، وَالْوَاجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى، لَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ، وَلِأَنَّ خُرُوجَ الْبِضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَهَا بِقَتْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ) وَأَفْسَدَهُ غَيْرُهَا (وَجَبَ مَهْرُهَا) الْمُسَمَّى لَهَا (وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ) قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": هُوَ الْأَقْوَى، وَفِي " الْمُغْنِي " هُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ لَمْ يُقَرِّرْ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا، وَلَمْ يُلْزِمْهُ إِيَّاهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الرُّجُوعَ بِالصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَسَقَطَ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُفْسِدَةَ لِلنِّكَاحِ كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ (وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ أَيْضًا وَرَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ) أَيْ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ كُلَّهُ عَلَى زَوْجِهَا، فَتَرْجِعُ بِمَا لَزِمَهُ كَنِصْفِ الْمَهْرِ في غير الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَهُمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 الْمَذْهَبِ، وَإِذَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتُهُ الْكُبْرَى الصُّغْرَى، فَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ الصُّغْرَى يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكُبْرَى وَلَا مَهْرَ لِلْكُبْرَى إِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا، وَإِنْ كَانَتِ الصُّغْرَى هِيَ الَّتِي دَبَّتْ إِلَى الْكُبْرَى، وَهِيَ نَائِمَةٌ فَارْتَضَعَتْ مِنْهَا، فَلَا مَهْرَ لَهَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ الْكُبْرَى إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْأَخْذُ مِنَ الْمُفْسِدِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى لِلرُّجُوعِ الْعَمْدِ وَالْعِلْمِ بِحُكْمِهِ (وَلَوْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا) بَعْدَ الدُّخُولِ (لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ) وَفِي " الْمُغْنِي ": لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتِ، وَلِأَنَّ الْمَهْرَ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ، وَالْمُسْتَقَرُّ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا الزَّوْجُ بِشَيْءٍ إِذَا كَانَ أَدَّاهُ إِلَيْهَا، وَقِيلَ: يَجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى إِنْ أَفْسَدَتْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَهْرِهَا، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " (وَإِذَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتُهُ الْكُبْرَى الصُّغْرَى، فَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ الصُّغْرَى) لِأَنَّ نِكَاحَهَا انْفَسَخَ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ ; لِأَنَّ الْفَسْخَ إِذَا جَاءَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَانَ كَطَلَاقِ الزَّوْجِ فِي كَوْنِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ (يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكُبْرَى) لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسَبَّبَتْ فِي انْفِسَاخِ نِكَاحِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَتْ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَفِي رَقَبَتِهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنَايَتِهَا، وَإِنْ أَرْضَعَتْ أُمُّ وَلَدِهِ زَوْجَتَهُ الصُّغْرَى حُرِّمَتِ الصَّغِيرَةُ ; لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ دَخَلَ بِأُمِّهَا وَتُحَرَّمُ أُمُّ الْوَلَدِ أَبَدًا ; لِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ، وَلَا غَرَامَةَ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا أَفْسَدَتْ عَلَى سَيِّدِهَا وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَرْشُ جِنَايَتِهَا (وَلَا مَهْرَ لِلْكُبْرَى إِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسَبَّبَتْ إِلَى انْفِسَاخِ نِكَاحِهَا فَسَقَطَ صَدَاقُهَا كَمَا لَوِ ارْتَدَّتِ. (وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا) لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِرِدَّتِهَا وَلَا بِغَيْرِهَا. (وَإِنْ كَانَتْ الصُّغْرَى هِيَ الَّتِي دَبَّتْ إِلَى الْكُبْرَى، وَهِيَ نَائِمَةٌ فَارْتَضَعَتْ مِنْهَا، فَلَا مَهْرَ لَهَا) لِأَنَّهَا فَسَخَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا، وَقَاسَ فِي " الْوَاضِحِ " نَائِمَةً عَلَى مُكْرَهَةٍ (وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ الْكُبْرَى إِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) لِأَنَّهَا تَسَبَّبَتْ إِلَى فَسْخِ نِكَاحِهَا الْمُوجِبِ لِتَقْرِيرِ نِصْفِ الْمُسَمَّى وَأَتْلَفَتْ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، أَوْ بِجَمِيعِهِ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَعَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِشَيْءٍ. وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ لَهُنَّ   [المبدع في شرح المقنع] الزَّوْجِ الْبِضْعَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتَلَفَتْ عَلَيْهِ مَبِيعًا (أَوْ بِجَمِيعِهِ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي) وَنَسَبَهُ فِي " الشَّرْحِ " إِلَى الْأَصْحَابِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَعَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ، لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِشَيْءٍ) فَإِنِ ارْتَضَعَتِ الصَّغِيرَةُ مِنْهَا رَضْعَتَيْنِ، وَهِيَ نَائِمَةٌ، ثُمَّ انْتَبَهَتِ الْكَبِيرَةُ فَأَتَمَّتْ لَهَا ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ فَقَدْ حَصَلَ الْفَسَادُ بِفِعْلِهِمَا فَيَتَقَسَّطُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْكَبِيرَةِ وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكُبْرَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَعَلَيْهِ خُمُسُ مَهْرِهَا، يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ، وَهَلْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا أَرْضَعَتْ أُمُّ زَوْجَتِهِ الْكُبْرَى الْمَدْخُولُ بِهَا زَوْجَتَهُ الصُّغْرَى بَطَلَ نِكَاحُهَا ; لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ وَلَهُ نِكَاحُ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَتَغْرَمُ الْمُرْضِعَةُ كُلَّ مَهْرِ الْكُبْرَى لِلزَّوْجِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا بِنْتُ زَوْجَتِهِ الْكُبْرَى فَهِيَ كَأُمِّهَا، وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا جَدَّتُهَا صَارَتِ الصُّغْرَى خَالَةَ الْكُبْرَى، أَوْ عَمَّتَهَا، فَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا وَنَكَحَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ إِنْ أَرْضَعَتْهَا أُخْتُهَا أَوْ زَوْجَةُ أَخِيهَا بِلَبَنِهِ ; لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَ أُخْتِ الْكَبِيرَةِ، أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَرْضَعَتْهَا بِنْتُ أَخِيهَا أَوْ بِنْتُ أُخْتِهَا وَلَا تَحْرُمُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ عَلَى التَّأْبِيدِ. 1 - (وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ لَهُنَّ لَبَنٌ مِنْهُ فَأَرْضَعْنَ امْرَأَةً لَهُ صُغْرَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةً حَرُمَتْ عَلَيْهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) صَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ لَبَنِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْهَا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، فَعَلَى هَذَا تَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ (وَلَمْ تَحْرُمْ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُنَّ أُمُومَةٌ، وَالثَّانِي لَا يَصِيرُ أَبًا لَهَا ; لِأَنَّهُ رَضَاعٌ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ الْأُمُومَةُ، فَلَمْ تَثْبُتْ بِهِ الْأُبُوَّةُ كَلَبَنِ الْبَهِيمَةِ، فَلَوْ أَرْضَعْنَ طِفْلًا لَمْ يَصِيرُوا أُمَّهَاتٍ لَهُ وَصَارَ الْمَوْلَى أَبًا لَهُ، وَقَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، وَقِيلَ: لَا تَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ كَالْأُمُومَةِ وَكَلَبَنِ الرَّجُلِ وَالْأَوَّلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 لَبَنٌ مِنْهُ فَأَرْضَعْنَ امْرَأَةً لَهُ صُغْرَى، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةً حَرُمَتْ عَلَيْهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ تَحْرُمْ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ لَهُنَّ لَبَنٌ مِنْهُ، فَأَرْضَعْنَ امْرَاةً لَهُ صُغْرَى، كُلُّ وَاحِدَةِ رَضْعَتَيْنِ لَمْ تَحْرُمِ الْمُرْضِعَاتُ، وَهَلْ تَحْرُمُ   [المبدع في شرح المقنع] أَصَحُّ، فَإِنَّ الْأُبُوَّةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ لِكَوْنِهِ رَضَعَ مِنْ لَبَنِهِ، لَا لِكَوْنِ الْمُرْضِعَةِ أُمًّا لَهُ، وَإِذَا قُلْنَا بِثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَاتُ لِأَنَّهُ رَبِيبُهُنَّ وَهُنَّ مَوْطُوءَاتُ أَبِيهِ فَإِنْ أَرْضَعْنَهُ بِغَيْرِ لَبَنٍ السَّيِّدِ لَمْ يَصِرِ السَّيِّدُ أَبًا لَهُ بِحَالٍ، وَلَا يَحْرُمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي " الْكَافِي ". فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُ خَمْسُ بَنَاتٍ فَأَرْضَعْنَ طِفْلًا رَضْعَةً رَضْعَةً لَمْ يَصِرْنَ أُمَّهَاتٍ لَهُ، وَهَلْ يَصِيرُ الرَّجُلُ جَدًّا وَأَوْلَادُهُ إِخْوَةُ الْمُرْضِعَاتِ أَخْوَالَهُ وَخَالَاتَهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ ; لِأَنَّهُ قَدْ كَمُلَ لِلْمُرْتَضِعِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مِنْ لَبَنِ بَنَاتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَالْآخَرُ لَا ; لِأَنَّ كَوْنَهُ جَدًّا فَرْعٌ عَلَى كَوْنِ ابْنَتِهِ أُمًّا، وَكَوْنُهُ خَالًا فَرْعٌ عَلَى كَوْنِ أُخْتِهِ أُمًّا، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، فَلَا يَثْبُتُ الْفَرْعُ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَرْجَحُ ; لِأَنَّ الْفَرْعِيَّةَ مُتَحَقِّقَةٌ، فَإِنْ قُلْنَا: يَصِيرُ أَخُوهُنَّ خَالًا لَمْ تُثْبِتِ الْخُؤُولَةُ فِي حَقِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ ; لِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ مِنَ اللَّبَنِ الْمُحَرِّمِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ، وَلَوْ كَمُلَ لِلطِّفْلِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مِنْ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ وَزَوْجَتِهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ، فَعَلَى الْخِلَافِ. 1 - (وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ لَهُنَّ لَبَنٌ مِنْهُ، فَأَرْضَعْنَ امْرَأَةً لَهُ صُغْرَى، كُلُّ وَاحِدَةٍ رَضْعَتَيْنِ لَمْ تَحْرُمِ الْمُرْضِعَاتُ) لِأَنَّ عَدَدَ الرَّضَعَاتِ لَمْ يَكْمُلْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (وَهَلْ تَحْرُمُ الصُّغْرَى؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا تَحْرُمُ) لِأَنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ لَبَنِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، وَالثَّانِي: عُلِمَ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي " وَصَحَّحَ التَّحْرِيمَ فِيهِمَا (وَعَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 الصُّغْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا تَحْرُمُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِهَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِنَّ عَلَى قَدْرِ رَضَاعِهِنَّ يُقَسَّمُ بَيْنَهُنَّ أَخْمَاسًا. فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ امْرَأَةٍ لَهُنَّ لَبَنٌ فَأَرْضَعْنَ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ صِغَارًا حَرُمَتِ الْكُبْرَى، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا حَرُمَ الصِّغَارُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، فَهَلْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ مَنْ كَمُلَ رَضَاعُهَا، أَوْ لَا؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَرْضَعْنَ وَاحِدَةً، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَتَيْنِ، فَهَلْ تَحْرُمُ الْكُبْرَى بِذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] نِصْفُ مَهْرِهَا) لِأَنَّ نِكَاحَهَا انْفَسَخَ، لَا بِسَبَبٍ مِنْهَا (يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِنَّ) لِأَنَّهُنَّ قَرَّرْنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَتَسَبَّبْنَ إِلَى إِتْلَافِ الْبِضْعِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفْنَ مَبِيعَهُ (عَلَى قَدْرِ رَضَاعِهِنَّ يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ أَخْمَاسًا) لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ اشْتَرَكُوا فِيهِ، فَكَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ بِقَدْرِ مَا أَتْلَفَ كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا عَيْنًا وَتَفَاوَتُوا فِي الْإِتْلَافِ. فَرْعٌ: إِذَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتُهُ طِفْلًا ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ بِلَبَنِ رَجُلٍ، ثُمَّ انْقَطَعَ لَبَنُهَا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَصَارَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ الطِّفْلَ رَضْعَتَيْنِ صَارَتْ أُمَّهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْخَمْسَ مُحَرِّمَاتٌ، وَلَمْ يَصِرِ الرَّجُلَانِ أَبَوَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمِلْ عَدَدُ الرَّضَاعِ مِنْ لَبَنٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا لِكَوْنِهِ رَبِيبِهِمَا، لَا لِكَوْنِهِ وَلَدَهُمَا (فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ امْرَأَةٍ لَهُنَّ لَبَنٌ فَأَرْضَعْنَ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ صِغَارًا حَرُمَتِ الْكُبْرَى) لِأَنَّهَا مِنْ جَدَّاتِ النِّسَاءِ وَجَدَّةُ الزَّوْجَةِ مُحَرَّمَةٌ (وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا حُرِّمَ الصِّغَارُ أَيْضًا) لِأَنَّهُنَّ رَبَائِبُ مَدْخُولٌ بِأُمِّهِنَّ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَهَلْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ مَنْ كَمُلَ رَضَاعُهَا، أَوْ لَا؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ اجْتَمَعَتْ مَعَ جَدَّتِهَا فِي النِّكَاحِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اجْتَمَعَتْ مَعَ أُمِّهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ أُمِّهَا (وَإِنْ وَأَرْضَعْنَ وَاحِدَةً كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَتَيْنِ فَهَلْ تَحْرُمُ الْكُبْرَى بِذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، أَصَحُّهُمَا تَحْرُمُ ; لِأَنَّهَا صَارَتْ جَدَّةً بِكَوْنِ الصُّغْرَى قَدْ كَمُلَ لَهَا خَمْسُ رَضَعَاتٍ مِنْ بَنَاتِهَا، وَالثَّانِي: قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ أَوْلَى، لَا تَصِيرُ جَدَّةً، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا ; لِأَنَّ كَوْنَهَا جَدَّةً فَرْعٌ عَلَى كَوْنِ ابْنَتِهَا أُمًّا، وَلَمْ تَثْبُتِ الْأُمُومَةُ فَمَا هُوَ فَرْعٌ عَلَيْهَا أَوْلَى. 1 - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 فَصْلٌ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهَا لَبَنٌ مِنْهُ فَتَزَوَّجَتْ بِصَبِيٍّ فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ أَبَدًا ; لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَتِ الصَّبِيَّ أَوَّلًا، ثُمَّ فَسَخَتْ نِكَاحَهُ لِعَيْبٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ كَبِيرًا فَصَارَ لَهَا مِنْهُ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ الصَّبِيَّ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا عَلَى الْأَبَدِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: تَزَوَّجَ رَجُلَانِ كُبْرَى وَصُغْرَى، ثُمَّ طَلَّقَاهُمَا وَتَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجَةَ الْآخَرِ فَأَرْضَعَتِ الْكُبْرَى الصُّغْرَى حَرُمَتِ الْكُبْرَى عَلَيْهِمَا ; لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِمَا وَتَحْرُمُ الصُّغْرَى عَلَى مَنْ دَخَلَ بِالْكُبْرَى ; لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ مَدْخُولٌ بِأُمِّهَا. [فَصْلٌ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهَا لَبَنٌ مِنْهُ فَتَزَوَّجَتْ بِصَبِيٍّ فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ] ِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّهُ مِنَ الرَّضَاعِ (وَعَلَى الْأَوَّلِ أَبَدًا) وَعَلَّلَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ) وَذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ صَارَ ابْنًا لِلْمُطَلِّقِ ; لِأَنَّهُ رَضَعَ مِنْ لَبَنِهِ رَضَاعًا مُحَرَّمًا، وَهِيَ زَوْجَتُهُ فَلَزِمَ مِنْ صَيْرُورَتِهَا مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِآخِرَ وَدَخَلَ بِهَا، وَمَاتَ عَنْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهَا صَارَتْ مَنْ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ لَمَّا أَرْضَعَتِ الصَّبِيَّ الَّذِي تَزَوَّجَتْ بِهِ (وَلَوْ تَزَوَّجَتِ الصَّبِيَّ أَوَّلًا، ثُمَّ فَسَخَتْ نِكَاحَهُ لِعَيْبٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ كَبِيرًا فَصَارَ لَهَا مِنْهُ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ الصَّبِيَّ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا عَلَى الْأَبَدِ) عَلَى الْكَبِيرِ ; لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ، وَعَلَى الصَّبِيِّ ; لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّهُ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ صَغِيرًا مَمْلُوكًا فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ سَيِّدِهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى سَيِّدِهَا أَبَدًا ; لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا حُرًّا صَغِيرًا لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ لِعَدَمِ خَوْفِ الْعَنَتِ، وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ السَّيِّدِ لَمْ يَصِرِ السَّيِّدُ أَبَاهُ، وَلَمْ يَحْرُمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ فِي الْحَقِيقَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 فَصْلٌ إِذَا شَكَّ فِي الرَّضَاعِ، أَوْ عَدَدِهِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، وَإِنْ شَهِدَ بِهِ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهَا. وَعَنْهُ: أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَرْضِيَّةً اسْتُحْلِفَتْ، فَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً لَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ عَلَيْهَا حَتَّى يَبْيَضَّ ثَدْيَاهَا، وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ: الشَّكُّ فِي الرَّضَاعِ وَعَدَدِهِ] فَصْلٌ (إِذَا شَكَّ فِي الرَّضَاعِ، أَوْ عَدَدِهِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ (وَإِنْ شَهِدَ بِهِ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ لِمَا «رَوَى عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: وَكَيْفَ، وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ فَنَهَاهُ عَنْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: دَعْهَا عَنْكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فُرِّقَ بَيْنَ أَهْلِ أَبِيَاتٍ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى عَوْرَةٍ فَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ كَالْوِلَادَةِ ; وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ، فَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَجُوزُ فِي الرَّضَاعِ مِنَ الشُّهُودِ، فَقَالَ: رَجُلٌ، أَوِ امْرَأَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي مَتْنِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مَرْضِيَّةً أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا لِلْخَبَرِ، وَالْمُتَبَرِّعَةُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ، قِيلَ: مَعَ الْيَمِينِ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ لَا يَحْصُلُ لَهَا بِهِ نَفْعٌ مَقْصُودٌ، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا، لَا يُقَالُ: إِنَّهَا تَسْتَبِيحُ الْخُلْوَةَ وَالسَّفَرَ مَعَهُ، وَتَصِيرُ مَحْرَمًا لَهُ ; لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَقْصُودَةِ الَّتِي تَرِدُ بِهَا الشَّهَادَةُ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوَّجْتَهُ وَأَعْتَقَ أَمَتَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ حَلَّ لَهُمَا نِكَاحُهَا بِذَلِكَ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَرَضِيَّةً اسْتُحْلِفَتْ) مَعَ شَهَادَتِهَا (فَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً لَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ عَلَيْهَا حَتَّى يَبْيَضَّ ثَدْيَاهَا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 عَنْهُمَا، وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ الدُّخُولِ: هِيَ أُخْتِي مِنَ الرَّضَاعِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَلَا مَهْرَ، وَإِنَّ كَذَّبَتْهُ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَهَا الْمَهْرُ بِكُلِّ حَالٍ. وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي قَالَتْ: هُوَ أَخِي مِنَ الرَّضَاعِ، وَأَكَذَبَهَا فَهِيَ زَوْجَتُهُ فِي الْحُكْمِ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: هِيَ ابْنَتِي مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] أَيْ: يُصِيبُهَا فِيهِمَا بَرَصٌ عُقُوبَةً عَلَى شَهَادَتِهَا الْكَاذِبَةِ (وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ ; لِأَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ، وَلَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ رَأْيٌ، وَعَنْهُ لَا تُقْبَلُ إِلَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ ; لِأَنَّ الرِّجَالَ أَكْمَلُ مِنَ النِّسَاءِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ أُمِّ الْمُنْكِرِ وَبِنْتُهُ، لَا الْمُدَّعِي إِلَّا أَنْ يَبْتَدِئَا حِسْبَةً، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فَقَطْ حَتَّى أُمِّ الْمُرْضِعَةِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنَّ الظِّئْرَ إِذَا قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنِّي أَرْضَعْتُكُمَا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّهُمَا ارْتَضَعَا مِنِّي قَبْلُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ الدُّخُولِ: هِيَ أُخْتِي مِنَ الرَّضَاعِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ) وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ رَجَعَ، أَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَمَتَهُ أُخْتُهُ مِنَ النَّسَبِ، وَلَوِ ادَّعَى خَطَأً، وَهَذَا فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ، فَالنِّكَاحُ بَاقٍ بِحَالِهِ (فَإِنْ صَدَّقَتْهُ، فَلَا مَهْرَ) لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ، لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ مَهْرًا كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ (وَإِنَّ كَذَّبَتْهُ) قَبِلَ قَوْلَهَا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَيْهَا فِي إِسْقَاطِ حُقُوقِهَا، وَتَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ حَقٌّ لَهُ، فَقَبِلَ (فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ) لِأَنَّهَا فِرْقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَهَا الْمَهْرُ بِكُلِّ حَالٍ) لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ، وَهَذَا مَا لَمْ تُطَاوِعْهُ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ، وَقِيلَ: إِنْ صَدَّقَتْهُ سَقَطَ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ مُرَادَهُ الْمُسَمَّى فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، لَكِنْ قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ ": لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلْ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ جَهْلِهَا بِالتَّحْرِيمِ (وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي قَالَتْ هُوَ أَخِي مِنَ الرَّضَاعِ وَأَكْذَبَهَا) وَلَا بَيِّنَةَ وَحَلَفَ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (فَهِيَ زَوْجَتُهُ فِي الْحُكْمِ) لِأَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 الرَّضَاعِ، وَهِيَ فِي سِنِّهِ، أَوْ أَكْبَرُ مِنْهُ لَمْ تُحَرَّمْ لِتَحَقُّقِنَا كَذِبَهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ   [المبدع في شرح المقنع] لَا يَقْبَلُ قَوْلَهَا فِي فَسْخِ النِّكَاحِ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، وَلَا مَهْرَ لَهَا إِنَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ; لِأَنَّهَا تُقِرُّ بِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ لَمْ يَطْلُبْهُ الزَّوْجُ ; لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَجَبَ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَفِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ " إِنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَبِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، وَطَاوَعَتْهُ فِي الْوَطْءِ، فَلَا مَهْرَ لِإِقْرَارِهَا بِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ، وَإِنْ أَنْكَرَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَهَا الْمَهْرُ ; لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ حُكْمًا ; لِأَنَّ قَوْلَهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَيْهِ. 1 - تَنْبِيهٌ: إِذَا عَلِمَتْ صِحَّةَ مَا أَقَرَّتْ بِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا تَمْكِينُهُ وَتَفْتَدِي نَفْسَهَا بِمَا أَمْكَنَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْمُسَمَّى، أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ إِقْرَارُهَا بِأُخُوَّتِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ لَهَا نِكَاحُهُ، وَلَا يَقْبَلُ رُجُوعَهَا عَنْ إِقْرَارِهَا فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ، أَوْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ وَأَمَكَنَ صِدْقُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ تَزْوِيجُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَيَنْبَنِي عَلَى عِلْمِهِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَيَحْلِفُ مُدَّعِي الرَّضَاعِ عَلَى الْبَتِّ، وَمُنْكِرُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهِ، وَإِذَا ادَّعَتْ أَمَةٌ أُخُوَّةَ سَيِّدِهَا بَعْدَ وَطْءٍ لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ. 1 - (وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: هِيَ ابْنَتِي مِنَ الرَّضَاعِ وَهِيَ فِي سِنِّهِ، أَوْ أَكْبَرُ مِنْهُ لَمْ تُحَرِّمْ) وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ (لِتَحَقُّقِنَا كَذِبَهُ) كَمَا لَوْ قَالَ: أَرْضَعَتْنِي وَإِيَّاهَا حَوَّاءُ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَلَا بُدَّ أَنْ يَلْحَظَ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ، وَهِيَ فِي سِنٍّ لَا يُوَلَدُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ كَانَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ، وَهِيَ فِي سِنِّهِ لَتَحَقَّقَ مَا ذَكَرَ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى أَنَّ زَوْجَتَهُ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ فَأَنْكَرَتْهُ فَشَهِدَ بِذَلِكَ أُمُّهُ، أَوِ ابْنَتُهُ لَمْ يُقْبَلْ ; لِأَنَّهَا شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَإِنْ شَهِدَتْ أُمُّهَا، أَوِ ابْنَتُهَا قُبِلَتْ، وَعَنْهُ لَا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 بِامْرَأَةٍ لَهَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجٍ قَبْلَهُ فَحَمَلَتْ مِنْهُ، وَلَمْ يَزِدْ لَبَنُهَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ زَادَ لَبَنُهَا فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا صَارَ ابْنًا لَهُمَا، وَإِنِ انْقَطَعَ لَبَنُ الْأَوَّلِ، ثُمَّ ثَابَ بِحَمْلِهَا مِنَ الثَّانِي، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ هُوَ ابْنُ الثَّانِي وَحْدَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ، وَالْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ، وَإِنِ ادَّعَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَأَنْكَرَهَا الزَّوْجُ فَشَهِدَتْ لَهَا أُمُّهَا، أَوِ ابْنَتُهَا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ شَهِدَتْ لَهَا أُمُّ الزَّوْجِ، أَوِ ابْنَتُهُ قُبِلَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ". 1 - (وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَهَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجٍ قَبْلَهُ فَحَمَلَتْ مِنْهُ، وَلَمْ يَزِدْ لَبَنُهَا) أَوْ زَادَ قَبْلَ أَوَانِهِ (فَهُوَ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّ اللَّبَنَ إِذَا بَقِيَ بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ، وَلَمْ يَنْقُصْ، وَلَمْ تَلِدْ مِنَ الثَّانِي فَهُوَ لِلْأَوَّلِ ; لِأَنَّ اللَّبَنَ كَانَ لَهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَعُلِمُ مِنْهُ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَحْمَلْ مِنَ الثَّانِي أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ مُطْلَقًا، وَأَنَّهَا إِذَا وَلَدَتْ مِنَ الثَّانِي فَاللَّبَنُ لَهُ خَاصَّةً إِجْمَاعًا (وَإِنْ زَادَ لَبَنُهَا) فِي أَوَانِهِ (فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا صَارَ ابْنًا لَهُمَا) فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا كَمَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ زِيَادَتَهُ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَمْلِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْهُ وَبَقَاءُ لَبَنِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي كَوْنَ أَصْلِهِ مِنْهُ فَيَجِبُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِمَا (وَإِنِ انْقَطَعَ لَبَنُ الْأَوَّلِ، ثُمَّ ثَابَ بِحَمْلِهَا مِنَ الثَّانِي فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) أَيْ: هُوَ ابْنٌ لَهُمَا، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " كَمَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ هُوَ ابْنُ الثَّانِي وَحْدَهُ) قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: وَهُوَ الْأَحْسَنُ ; لِأَنَّ لَبَنَ الْأَوَّلِ انْقَطَعَ، فَزَالَ حُكْمُهُ بِانْقِطَاعِهِ، وَحَدَثَ بِالْحَمْلِ مِنَ الثَّانِي، فَكَانَ لَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ، وَلَمْ يَنْقُصْ حَتَّى وَلَدَتْ، فَهُوَ لَهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ لِلثَّانِي كَمَا لَوْ زَادَ. 1 - فَائِدَةٌ: كَرِهَ أَحْمَدُ الِارْتِضَاعَ بِلَبَنِ فَاجِرَةٍ وَمُشْرِكَةٍ لِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ، وَكَذَا حَمْقَاءُ وَسَيِّئَةُ الْخُلُقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَزَوَّجُوا الْحَمْقَاءَ، فَإِنَّ صُحْبَتَهَا بَلَاءٌ، وَفِي وَلَدِهَا ضَيَاعٌ، وَلَا تَسْتَرْضِعُوهَا، فَإِنَّ لَبَنَهَا يُغَيِّرُ الطِّبَاعَ» وَفِي " الْمُجَرَّدِ ": وَبَهِيمَةٍ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ بَلَدُ الْبَهِيمَةِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَعَمْيَاءَ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": وَزِنْجِيَّةً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 كِتَابُ النَّفَقَاتِ تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ، مَا لَا غِنَى لَهَا عَنْهُ وَكُسْوَتُهَا بِالْمَعْرُوفِ،   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ النَّفَقَاتِ] [النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ] وَهِيَ جَمْعُ نَفَقَةٍ وَتُجْمَعُ عَلَى نِفَاقٍ كَتَمْرَةٍ وَتِمَارٍ، وَهِيَ الدَّرَاهِمُ، وَنَحْوُهَا مِنَ الْأَمْوَالِ، لَكِنَّ النَّفَقَةَ كِفَايَةُ مَنْ يُمَوِّنُهُ خُبْزًا وَأُدْمًا وَنَحْوَهَا، وَأَصْلُهَا الْإِخْرَاجُ مِنَ النَّافِقِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ يَجْعَلُهُ الضَّبُّ فِي مُؤَخَّرِ الْجحرِ رَقِيقًا يُعِدُّهُ لِلْخُرُوجِ إِذَا أَتَى مِنْ بَابِهِ رَفَعَهُ بِرَأْسِهِ وَخَرَجَ مِنْهُ، وَمِنْهُ سُمِّي النِّفَاقُ ; لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنَ الْإِيمَانِ، أَوْ خُرُوجُ الْإِيمَانِ مِنَ الْقَلْبِ فَسُمِّيَ الْخُرُوجُ نَفَقَةً لِذَلِكَ، وَهِيَ أَصْنَافٌ: نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ، وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ هُنَا، وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ، وَالْمَمَالِيكِ (تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ) إِجْمَاعًا وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] وَمَعْنَى " قُدِرَ " ضُيِّقَ، وقَوْله تَعَالَى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ نَفَقَتُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي طَعَامِهِنَّ وَكِسْوَتِهِنَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ، وَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَى الزَّوْجِ يَمْنَعُهَا مِنَ التَّصَرُّفِ وَالِاكْتِسَابِ، فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهَا كَالْعَبْدِ مَعَ سَيِّدِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 وَمَسْكَنُهَا بِمَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مُقَدَّرًا، لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِيهِ رَجَعَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيَفْرِضُ لِلْمُوسِرَةِ تَحْتَ الْمُوسِرِ قَدْرَ كِفَايَتِهَا مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] (مَا لَا غِنَى لَهَا عَنْهُ) بَيَانٌ لِمَا تُجِبُ النَّفَقَةُ (وَكِسَوْتُهَا بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ: إِذَا أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا إِلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ، فَلَهَا عَلَيْهِ جَمِيعُ حَاجَتِهَا مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَمَلْبُوسٍ (وَمَسْكَنُهَا) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَهُ لِلْمُطَلَّقَةِ بِقَوْلِهِ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] فَيَجِبُ لِمَنْ هِيَ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَعَاشِرِتهَا بِالْمَعْرُوفِ ; لِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ لِلِاسْتِتَارِ عَنِ الْعُيُونِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَالْحِفْظِ. (بِمَا يَصِلحُّ لِمِثْلِهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى الْمَسْكَنِ خَاصَّةً ; لِأَنَّ صَلَاحِيَّةَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ عُلِمَ بِقَوْلِهِ " بِالْمَعْرُوفِ " وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَكَالنَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ. (وَلَيْسَ ذَلِكَ مُقَدَّرًا) لِحَدِيثِ هِنْدٍ (لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الزَّوْجَيْنِ) جَمِيعًا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يُعْتَبَرُ حَالُ الْمَرْأَةِ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَالْمَعْرُوفُ الْكِفَايَةُ، وَلِأَنَّ الْكِسْوَةَ عَلَى قَدْرِ حَالِهَا، فَكَذَا النَّفَقَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ وَحْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُنَّ مِمَّا تَلْبَسُونَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَرِعَايَةٌ لِكُلٍّ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَكَانَ أَوْلَى، وَحِينَئِذٍ فَالنَّفَقَةُ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْوَاجِبُ رِطْلَانِ مِنْ خُبْزٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ، وَالْمُعْسِرِ اعْتِبَارًا بِالْكَفَّارَاتِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ، وَالْمَذْهَبُ لَا يَجِبُ الْحَبُّ، فَلَوْ تَرَاضَيَا مَكَانَ الْخُبْزِ عَلَى حَبٍّ، أَوْ دَقِيقٍ جَازَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَه حَقِيقَةً ; لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُعَيِّنِ الْوَاجِبَ بِأَكْثَرَ مِنَ الْكِفَايَةِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَصَلَتْ كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ (فَإِنْ تَنَازَعَا فِيهِ رَجَعَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ) أَوْ نَائِبِهِ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ فَرَجَعَ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، أَوْ نَائِبِهِ كَسَائِرِ الْمُخْتَلَفَاتِ، وَلِأَنَّهُ وُضِعَ لِقَطْعِ النِّزَاعِ (فَيَفْرِضُ لِلْمُوسِرَةِ تَحْتَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 أَرْفَعِ خُبْزِ الْبَلَدِ وَأُدْمِهِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا بِأَكْلِهِ وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الدِّهْنِ وَمَا يَلْبَسُ مِثْلُهَا مِنْ جَيِّدِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ، وَالْخَزِّ، وَالْإِبْرِيسَمِ، وَأَقَلُّهُ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَوِقَايَةٌ وَمِقْنَعَةٌ وَمُدَاسٌ وَجُبَّةٌ فِي الشِّتَاءِ، وَلِلنَّوْمِ: الْفِرَاشُ، وَاللِّحَافُ، وَالْمِخَدَّةُ وَالزُّلِّيُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُوسِرِ قَدْرَ كِفَايَتِهَا مِنْ أَرْفَعِ خُبْزِ الْبَلَدِ) الْخَاصِّ (وَأُدْمِهِ) الْمُعْتَادِ لِمِثْلِهَا (الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا بِأَكْلِهِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَيْسَ مِنَ الْمَعْرُوفِ إِطْعَامُ الْمُوسِرَةِ خُبْزَ الْمُعْسِرَةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْمُوسِرِ، وَالْمُعْسِرِ فِي الْإِنْفَاقِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ التَّفْرِيقُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى الْعُرْفِ، وَأَهْلُ الْعُرْفِ يَتَعَارَفُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ جِنْسَ نَفَقَةِ الْمُوسِرِينَ أَعْلَى مِنْ جِنْسِ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ، وَيَعُدُّونَ الْمُنْفِقَ مِنَ الْمُوسِرِينَ مِنْ جِنْسِ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ بَخِيلًا، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ مُؤْنَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الدَّوَامِ، فَاخْتَلَفَ جِنْسُ الْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ كَالْكِسْوَةِ، فَلَوْ تَبَرَّمَتْ مِنْ أُدْمٍ، نَقَلَهَا إِلَى غَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَفْرِضُ لَحْمًا، عَادَةَ الْمُوسِرِينَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " كُلَّ جُمْعَةٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ الْعَادَةَ، لَكِنْ يُخَالِفُ فِي إِدْمَانِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ (وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الدِّهْنِ) عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ كَالسَّمْنِ، وَالزَّيْتِ، وَالشَّحْمِ، وَالسِّيرْجِ، فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى حِدَتِهِ ; لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، أَشْبَهَ كَنْسَ الْمُسْتَأْجِرِ الدَّارَ (وَمَا يَلْبَسُ مِثْلُهَا مِنْ جَيِّدِ الْكَتَّانِ) بِفَتْحِ الْكَافِ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَالْقُطْنِ، وَالْخَزِّ، وَالْإِبْرِيسَمِ) قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: الْخَزُّ ثِيَابٌ تُنْسَجُ مِنْ صُوفٍ، وَالْإِبْرِيسَمُ الْحَرِيرُ الْمُصْمَتُ، وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: هُوَ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ، وَقِيلَ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَفَتْحِ السِّينِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ كِسْوَتَهَا وَاجِبَةٌ إِجْمَاعًا ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهَا عَلَى الدَّوَامِ فَلَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ، وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِكِفَايَتِهَا وَلَيْسَتْ مُقَدَّرَةً بِالشَّرْعِ كَالنَّفَقَةِ وَيَرْجِعُ فِيهَا إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ كَاجْتِهَادِهِ فِي الْمُتْعَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ (وَأَقَلُّهُ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَوِقَايَةٌ) وَهِيَ مَا تَضَعُهُ فَوْقَ الْمِقْنَعَةِ وَتُسَمَّى الطَّرْحَةَ (وَمِقْنَعَةٌ وَمُدَاسٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ ; لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَيْءٍ يُوَارِي جَسَدَهُ، وَهُوَ الْقَمِيصُ، وَمِنْ شَيْءٍ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَهُوَ السَّرَاوِيلُ، وَمِنْ شَيْءٍ عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ الْوِقَايَةُ، وَمِنْ شَيْءٍ فِي رِجْلِهِ، وَهُوَ الْمَدَاسُ، وَمِنْ شَيْءٍ يُدْفِئُهُ (وَ) هُوَ (جُبَّةٌ فِي الشِّتَاءِ) وَمِنْ شَيْءٍ يَنَامُ فِيهِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلِلنَّوْمِ: الْفِرَاشُ، وَاللِّحَافُ، وَالْمِخَدَّةُ) وَمِنْ شَيْءٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَالزُّلِّيُّ لِلْجُلُوسِ وَرَفِيعُ الْحَصِيرِ) وَالْكِسْوَةُ بِالْمَعْرُوفِ هِيَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 لِلْجُلُوسِ وَرَفِيعُ الْحَصِيرِ. وَلِلْفَقِيرَةِ تَحْتَ الْفَقِيرِ قَدْرُ كِفَايَتِهَا مِنْ أَدْنَى خُبْزِ الْبَلَدِ وَأُدْمِهِ وَدُهْنِهِ وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْكِسْوَةِ مِمَّا يَلْبَسُهُ أَمْثَالُهَا وَيَنَامُونَ فِيهِ وَيَجْلِسُونَ عَلَيْهِ. وَلِلْمُتَوَسِّطَةِ تَحْتَ الْمُتَوَسِّطِ، أَوْ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا مَا بَيْنَ ذَلِكَ، كُلٌّ عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ. وَعَلَيْهِ مَا يَعُودُ بِنَظَافَةِ الْمَرْأَةِ مِنَ الدُّهْنِ   [المبدع في شرح المقنع] الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا بِلُبْسِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا النَّوْمَ فِي الْأَكْسِيَةِ وَالْبُسُطِ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَزِيدُ فِي عَدَدِ الثِّيَابِ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِلُبْسِهِ مِمَّا لا غَنَى لَهَا عَنْهُ، زَادَ فِي " التَّبْصِرَةِ " وَإِزَارٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا خُفٌّ، وَلَا مِلْحَفَةٌ ; لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنَ الدُّخُولِ، وَالْخُرُوجِ لِحَقِّ الزَّوْجِ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ مَؤُونَةُ مَا هِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ لِأَجْلِهِ (وَلِلْفَقِيرَةِ تَحْتَ الْفَقِيرِ قَدْرُ كِفَايَتَهَا مِنْ أَدْنَى خُبْزِ الْبَلَدِ وَأُدْمِهِ وَدُهْنِهِ) لِأَنَّهَا إِحْدَى الزَّوْجَيْنِ فَوَجَبَ بِحَالِهَا كَالْمُوسِرَةِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ زَيْتٌ لِلْمِصْبَاحِ، وَلَا يَقْطَعُهَا اللَّحْمُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ الْعَادَةُ (وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْكِسْوَةِ مِمَّا يَلْبَسُهُ أَمْثَالُهَا وَيَنَامُونَ فِيهِ وَيَجْلِسُونَ عَلَيْهِ) عَلَى قَدْرِ عَادَتِهَا وَعَادَةِ أَمْثَالِهَا (وَلِلْمُتَوَسِّطَةِ تَحْتَ الْمُتَوَسِّطِ، أَوْ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا مَا بَيْنَ ذَلِكَ، كُلٌّ عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ) لِأَنَّ إِيجَابَ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَإِنْفَاقُ الْمُعْسِرِ نَفَقَةَ الْمُوسِرِ لَيْسَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَفِيهِ إِضْرَارٌ بِصَاحِبِهِ، فَكَانَ اللَّائِقُ بِحَالِهِمَا هُوَ الْمُتَوَسِّطَ، وَقِيلَ: لِلْمُوسِرَةِ عَلَى الْمُعْسِرِ أَقَلُّ كِفَايَةً، وَالْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنِ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَى الْكُلِّ لَا بُدَّ مِنْ مَاعُونِ الدَّارِ، وَيُكْتَفَى بِخَزْفٍ وَخَشَبٍ، وَالْعَدْلُ مَا يَلِيقُ بِهِمَا. أَصْلٌ: الْمُوسِرُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ بِمَالِهِ، أَوْ كَسْبِهِ، وَعَكْسُهُ الْمُعْسِرُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى بَعْضِ النَّفَقَةِ بِمَالِهِ، أَوْ كَسْبِهِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَمِسْكِينُ الزَّكَاةِ مُعْسِرٌ، وَمَنْ فَوْقَهُ مُتَوَسِّطٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مُوسِرٌ (وَعَلَيْهِ مَا يَعُودُ بِنَظَافَةِ الْمَرْأَةِ مِنَ الدُّهْنِ وَالسِّدْرِ) وَالْمُشْطِ (وَثَمَنِ الْمَاءِ) وَأُجْرَةِ قَيِّمَةٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ كَتَنْظِيفِ الدَّارِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " وَجْهٌ، قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ تَنْظِيفٍ عَلَى مُكْتَرٍ كَرَشِّ وَكَنْسٍ وَتَنْقِيَةِ الْآبَارِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِفْظِ الْبِنْيَةِ كَبِنَاءِ حَائِطٍ وَتَغْيِيرِ الْجِذْعِ عَلَى مُكْرٍ، فَالزَّوْجُ كَمُكْرٍ، وَالزَّوْجَةُ كَمُكْتَرٍ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِيمَا يَحْفَظُ الْبِنْيَةَ دَائِمًا مِنَ الطَّعَامِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَلْزَمُهُ مَا يَقْطَعُ صُنَانَهَا وَرَائِحَةً كَرِيهَةً، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 وَالسِّدْرِ وَثَمَنِ الْمَاءِ، وَلَا تَجِبُ الْأَدْوِيَةُ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ، فَأَمَّا الطِّيبُ وَالْحِنَّاءُ، وَالْخِضَابُ، وَنَحْوُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ مِنْهَا التَّزَيُّنَ بِهِ. وَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى مَنْ يَخْدِمُهَا لِكَوْنِ مِثْلِهَا لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا، أَوْ لِمَرَضِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لَهَا وَإِلَّا أَقَامَ لَهَا خَادِمًا إِمَّا بِشِرَاءٍ، أَوْ كِرَاءٍ، أَوْ عَارِيَةٍ وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْفَقِيرَيْنِ إِلَّا فِي   [المبدع في شرح المقنع] لَا مَا يُرَادُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَالزِّينَةِ. (وَلَا تَجِبُ الْأَدْوِيَةُ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِإِصْلَاحِ الْجِسْمِ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ بِنَاءُ مَا يَقَعُ مِنَ الدَّارِ، وَكَذَا أُجْرَةُ حَجَّامٍ وَفَاصِدٍ وَكَحَّالٍ (فَأَمَّا الطِّيبُ) أَيْ: ثَمَنُهُ، وَفِي " الْوَاضِحِ " وَجْهٌ يَلْزَمُهُ (وَالْحِنَّاءُ، وَالْخِضَابُ، وَنَحْوَهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الزِّينَةِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَشِرَاءِ الْحُلِيِّ (إِلَّا أَنْ يُرِيدَ مِنْهَا التَّزَيُّنَ بِهِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرِيدُ لِذَلِكَ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَ " التَّرْغِيبِ " يَلْزَمُهُ مَا يُرَادُ لِقَطْعِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ، وَيَلْزَمُهَا تَرْكُ حِنَّاءٍ وَزِينَةٍ، نُهِيَ عَنْهَا، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. فَرْعٌ: الْمَكَاتَبُ، وَالْعَبْدُ كَالْمُعْسِرِ ; لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِأَحْسَنَ حَالًا مِنْهُ وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ فَعَلَيْهِ نِصْفُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَنِصْفُ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ، وَعَلَى سَيِّدِهِ بَاقِيهِمَا، وَذَكَرَ ابْنُ حَمْدَانَ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَكَمُعَسِرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَكَمُتَوَسِّطَيْنِ (وَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى مَنْ يَخْدُمُهَا لِكَوْنِ مِثْلِهَا لَا تَخْدِمُ نَفْسَهَا، أَوْ لِمَرَضِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وَلِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الدَّوَامِ، أَشْبَهَ النَّفَقَةَ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ إِخْدَامُ مَرِيضَةٍ، جَزْمَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ " وَلَا أَمَةٍ، وَقِيلَ: غَيْرُ جَمِيلَةٍ (فَإِنْ كَانَ لَهَا) أَجْزَأَ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ الْخِدْمَةُ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِخَادِمِهَا وَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا بِهِ (وَإِلَّا) إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ، أَوْ كَانَ، وَلَمْ تَرْضَ بِهِ (أَقَامَ لَهَا خَادِمًا إِمَّا بِشِرَاءٍ، أَوْ كِرَاءٍ، أَوْ عَارِيَةٍ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخِدْمَةُ كَمَا إِذَا أَسْكَنَهَا دَارًا بِأُجْرَةٍ، فَإِنْ مَلَّكَهَا الْخَادِمَ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَتَجُوزُ كِتَابِيَّةٌ فِي الْأَصَحِّ إِنَّ جَازَ نَظَرُهَا، وَفِي " الْكَافِي " وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى إِبَاحَةِ النَّظَرِ لَهُنَّ، فَإِنْ قُلْنَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 النَّظَافَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفَقَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ قَالَتْ: أَنَا أَخْدُمُ نَفْسِي وَآخُذُ مَا يَلْزَمُكَ لِخَادِمِي، لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَخْدُمُكِ، فَهَلْ يَلْزَمُهَا قَبُولُ ذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] بِجَوَازِهِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ قَبُولُهَا؛ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهَا ; لِأَنَّهُمْ يَصْلُحُونَ لِلْخِدْمَةِ، وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُمْ (وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ، أَشْبَهَ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ (بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْفَقِيرَيْنِ) لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ وَحَالُهُ حَالُ الْمُعْسِرِينَ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ لَهَا ثَوْبٌ وَأُدْمٌ وَمَسْكَنٌ وَمَاعُونٌ مَعَ خُفٍّ وَمِلْحَفَةٍ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَقِيلَ: دُونَ نَفَقَةِ سَيِّدِهَا (إِلَّا فِي النَّظَافَةِ) فَإِنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ فِي الْأَشْهَرِ ; لِأَنَّ الْمُشْطَ، وَالدُّهْنَ، وَنَحْوَهُمَا يُرَادُ لِلزِّينَةِ وَالتَّنْظِيفِ، وَلَا يُرَادُ هَذَا مِنَ الْخَادِمِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ كَثُرَ وَسَخُ الْخَادِمِ وَهَوَامُّ رَأْسِهَا، أَوْ تَأَذَّتْ بِهِ هِيَ، أَوْ سَيِّدَتُهَا فَعَلَيْهِ مَؤُونَةُ تَنْظِيفِهَا (وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفَقَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ خَدَمْتُهَا فِي نَفْسِهَا، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدِ، وَقِيلَ: وَأَكْثَرُ بِقَدَرِ حَالِهَا، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْخَادِمَ الْوَاحِدَ يَكْفِيهَا لِنَفْسِهَا، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ تُرَادُ لِحِفْظِ مِلْكِهَا وَلِلتَّجَمُّلِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَتَعْيِينُ خَادِمِهَا إِلَيْهِمَا، وَإِلَّا فَإِلَيْهِ، وَلَهُ إِبْدَالُهُ لِسَرِقَةٍ، وَنَحْوِهَا، فَإِنْ كَانَ الْخَادِمُ لَهَا وَرَضِيتْهُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الزَّوْجِ، وَكَذَا نَفَقَةُ الْمُؤَجِّرِ، وَالْمُعَارِ فِي وَجْهٍ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ فِي " الْمُوجَزِ "، فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى مَالِكِهِ (فَإِنْ قَالَتْ: أَنَا أَخْدُمُ نَفْسِي وَآخُذُ مَا يَلْزَمُكَ لِخَادِمِي لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ) لِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ فَتَعْيِنُ الْخَادِمِ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَوْفِيرِهَا عَلَى حُقُوقِهِ وَتَرْفِيهِهَا وَرَفَعِ قَدْرِهَا، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِخِدْمَتِهَا (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَخْدُمُكِ فَهَلْ يَلْزَمُهَا قَبُولُ ذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهَا قَبُولُ ذَلِكَ. قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهَا تَحْتَشِمُهُ، وَفِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْهَا لِكَوْنِ زَوْجِهَا خَادِمًا لَهَا، وَالثَّانِي: بَلَى. قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 فَصْلٌ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَكِسْوَتُهَا وَمَسْكَنُهَا كَالزَّوْجَةِ سَوَاءٌ وَأَمَّا الْبَائِنُ بِفَسْخٍ، أَوْ طَلَاقٍ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَالسُّكْنَى. وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَعَنْهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ الْكِفَايَةَ تَحْصُلُ بِهِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: لَهُ ذَلِكَ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ مِثْلُهُ لِمَنْ يَكْفِيهَا خَادِمٌ وَاحِدٌ، وَلَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَنْ يُوَضِّئُ مَرِيضَةً، بِخِلَافِ رَقِيقَةٍ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. [فَصْلٌ: نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ وَالْبَائِنِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا] [نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنِ بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ] فَصْلٌ (وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَكِسْوَتُهَا وَمَسْكَنُهَا كَالزَّوْجَةِ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَلِأَنَّهَا زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ، أَشْبَهَ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (وَأَمَّا الْبَائِنُ بِفَسْخٍ، أَوْ طَلَاقٍ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَالسُّكْنَى) إِجْمَاعًا وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ، وقَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَفِي بَعْضِ أَخْبَارِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «لَا نَفَقَةَ لَكِ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا» وَلِأَنَّ الْحَمْلَ وَلَدُهُ، وَالِإنفَاقُ عَلَيْهِ دُونَهَا مُتَعَذِّرٌ فَوَجَبَ كَمَا وَجَبَتْ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ، وَفِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَحْمَدَ نَصَّ فِي رِوَايَةٍ، ذَكَرَهَا الْخَلَّالُ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ دُونَ السُّكْنَى، وَفِي " الْمُوجَزِ " وَ " التَّبْصِرَةِ " رِوَايَةٌ: لَا يَلْزَمُهُ، وَهِيَ سَهْوٌ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ، وَفِي السُّكْنَى رِوَايَتَانِ (وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا) إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَنَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَزَادَ: وَلَا سُكْنَى وَفِي لَفْظٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «انْظُرِي يَا ابْنَةَ قَيْسٍ، إِنَّمَا النَّفَقَةُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، فَلَا نَفَقَةَ، وَلَا سُكْنَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْحُمَيْدِيُّ (وَعَنْهُ: لَهَا السُّكْنَى) وَهِيَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 لَهَا السُّكْنَى. فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا يَظُنُّهَا حَائِلًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى، وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا يَظُنُّهَا حَامِلًا فَبَانَتْ حَائِلًا، فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ؛ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَعَائِشَةَ، وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ فَأَوْجَبَتْ لَهَا السُّكْنَى مُطْلَقًا، ثُمَّ خَصَّ الْحَامِلَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": لَا يَسْقُطُ بِتَرَاضِيهِمَا كَعِدَّةٍ، وَعَنْهُ: وَلَهَا النَّفَقَةُ أَيْضًا، قَالَهُ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْعِرَاقَ، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ; لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى كَالرَّجْعِيَّةِ. وَرَدُّوا خَبَرَ فَاطِمَةَ بِقَوْلِ عُمَرَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَنْكَرَهُ أَحْمَدُ، قَالَ عُرْوَةُ: لَقَدْ عَابَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَيْبِ، وَقَالَتْ: إِنَّهَا كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحْشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَوْلُ أَحْمَدَ وَمَنْ تَابَعَهُ أَصَحُّ وَأَرْجَحُ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصًّا صَرِيحًا فَأَيُّ شَيْءٍ يُعَارِضُ هَذَا، وَقَوْلُ عُمَرَ وَمَنْ وَافَقَهُ فَقَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَقَوْلُ عُمَرَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا إِلَّا لِمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا، وَلَا قُوتَ» ، وَلِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا، لَا تُزِيلُهُ الرَّجْعَةُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةٌ كَالْمُلَاعَنَةِ وَتُفَارِقُ الرَّجْعِيَّةَ، فَإِنَّهَا زَوْجَةٌ. (فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا يَظُنُّهَا حَائِلًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى) عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ تَبَيَّنَا اسْتِحْقَاقُهَا لَهُ فَرَجَعَتْ بِهِ عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لَهَا، رَجَعَتْ، وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا يَظُنُّهَا حَامِلًا فَبَانَتْ حَائِلًا فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . أَصَحُّهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَضَاهَا دَيْنًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا رُجُوعَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِحُكْمِ آثَارِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 رِوَايَتَيْنِ. وَهَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْحَامِلِ لِحَمْلِهَا، أَوْ لَهَا مِنْ أَجْلِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهَا لَهَا فَتَجِبُ لَهَا إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا وَلَا تَجِبُ لِلنَّاشِزِ وَلَا لِلْحَامِلِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا لِلْحَمْلِ فَتَجِبُ لِهَؤُلَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] النِّكَاحِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ كَالنَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إِذَا تَبَيَّنَ فَسَادَهُ، وَفِي " الْوَسِيلَةِ ": إِنْ نُفِيَ الْحَمْلُ فَفِي رُجُوعِهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ عُلِمَتْ بَرَاءَتُهَا مِنَ الْحَمْلِ بِالْحَيْضِ فَكَتَمَتْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ قَوْلًا وَاحِدًا. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَتْ حَمْلًا مُمْكِنًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: إِنْ شَهِدَ بِهِ النِّسَاءُ، فَإِنْ مَضَتْ، وَلَمْ يَبْنِ رَجْعَ بِمَا أَنْفَقَ، وَعَنْهُ: لَا، كَنِكَاحٍ تَبَيَّنَ فَسَادَهُ لِتَفْرِيطِهِ كَنَفَقَتِهِ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُلْنَا: يَجِبُ تَعْجِيلُ النَّفَقَةِ - رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا إِنْ ظَنَّهَا حَامِلًا فَبَانَتْ حَائِلًا، أَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ فَأَنْكَرَهُ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِنَفَقَةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ. [هَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْحَامِلِ لِحَمْلِهَا أَوْ لَهَا مِنْ أَجْلِهِ] (وَهَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْحَامِلِ لِحَمْلِهَا، أَوْ لَهَا مِنْ أَجْلِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " (إِحْدَاهُمَا: أَنَّهَا لَهَا) أَيْ: مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ. اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي " التَّذْكِرَةِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ (فَتَجِبُ لَهَا إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا) لِأَنَّ الزَّوْجَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ (وَلَا تَجِبُ لِلنَّاشِزِ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ تَمْكِينِهَا وَمَعَ النُّشُوزِ لَا تَمْكِينَ (وَلَا لِلْحَامِلِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا (وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا لِلْحَمْلِ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَشْهَرُهُمَا ; لِأَنَّهَا تَجِبُ بِوُجُودِهِ وَتَسْقُطُ بِعَدَمِهِ (فَتَجِبُ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ) لِأَنَّهُ وَلَدُهُ فَلَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ (وَلَا تَجِبُ لَهَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ وَلَدِهِ، وَالْأَمَةُ نَفَقَتُهَا عَلَى سَيِّدِهَا ; لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَوْجَبَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَهُ وَلَهَا لِأَجْلِهِ وَجَعَلَهَا كَمُرْضِعَةٍ بِأُجْرَةٍ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": فِي مَسْأَلَةِ الرِّقِّ رِوَايَتَانِ كَحَمْلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 الثَّلَاثَةِ وَلَا تَجِبُ لَهَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا. وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا سُكْنَى، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] هِيَ لَهَا، فَلَا نَفَقَةَ، وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا، أَوْ مُعْسِرًا، فَعَلَى الْأَولَى لَا شَيْءَ لَهَا إِذْ نَفَقَةُ الْغَائِبِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَبِالْإِعْسَارِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ وَيَلْزَمُ الْمُعْسِرَ، فَإِنْ وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ فَحَمَلَتْ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَاطِئِ إِنْ وَجَبَتْ لِلْحَمْلِ وَلَهَا عَلَى الْأَصَحِّ إِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً، أَوْ نَائِمَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُطَاوَعَةً تَظُنُّهُ زَوْجَهَا فَلَا. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا بَانَ الْحَمْلُ دَفَعَ النَّفَقَةَ إِلَيْهَا يَوْمًا فَيَوْمًا. نَصَّ عَلَيْهِ لِلنَّصِّ، وَلِأَنَّ الْحَمْلَ يَتَحَقَّقُ حُكْمًا فِي مَنْعِ النِّكَاحِ، وَالْأَخْذِ مِنَ الزَّكَاةِ وَوُجُوبِ الدَّفْعِ فِي الدِّيَةِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَكَذَا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَجِبُ دَفْعُ النَّفَقَةِ حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ، وَلِهَذَا وَقَفْنَا الْمِيرَاثَ، وَلَا يَصِحُّ اللِّعَانُ عَلَيْهِ قَبْلَ وَضْعِهِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا أَرْضَعَتِ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْحَمْلِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَالْمِيرَاثُ يُشْتَرَطُ لَهُ الْوَضْعُ وَالِاسْتِهْلَالُ، فَإِنْ أَنْكَرَ حَمْلَهَا قَبْلَ قَوْلِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ [نَفَقَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا] (وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا سُكْنَى) رِوَايَةً وَاحِدَةً ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ فَاتَ، وَكَزَانِيَةٍ، وَعَنْهُ: لَهَا السُّكْنَى. اخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فَهِيَ كَغَرِيمٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " إِنْ مَاتَ، وَهِيَ فِي مَسْكَنِهِ قَدَّمَتْ بِهِ وَيَسْتَدِلُّ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الْآيَةَ تُبِيحُ بَعْضَ الْمُدَّةِ وَبَقِيَ بَاقِيهَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَوْ لَمْ تَجِبِ السُّكْنَى لِفُرَيْعَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَسْكُنَ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَقِصَّةُ فُرَيْعَةَ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ (وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا شَيْءَ لَهَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لِلْوَرَثَةِ، وَنَفَقَةُ الْحَامِلِ وَسُكْنَاهَا إِنَّمَا هُوَ لِلْحَمْلِ أَوْ لَهَا مِنْ أَجْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مِيرَاثٌ فَنَفَقَةُ الْحَمْلِ فِي نَصِيبِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ وَارِثَ الْمَيِّتِ الْإِنْفَاقُ عَلَى حَمْلِ امْرَأَتِهِ كَمَا بَعْدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 فَصْلٌ وَعَلَيْهِ دَفْعُ النَّفَقَةِ إِلَيْهَا فِي صَدْرِ كُلِّ يَوْمٍ إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا، أَوْ تَعْجِيلِهَا   [المبدع في شرح المقنع] الْوِلَادَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَهَا ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَشْبَهَتِ الْبَائِنَ فِي الْحَيَاةِ، وَعَنْهُ: يَجِبَانِ لَهَا مَعَ الْحَمْلِ، لَهَا أَوْ لَهُ، وَعَنْهُ: بَلْ حَقُّهُ مِنْهَا فَقَطْ، سَوَاءٌ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لَهُ أَوْ لَهَا، وَقِيلَ: تَجِبُ نَفَقَةُ الْحَمْلِ مِنْ حَقِّهِ، وَحُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَنَقَلَ الْكَحَّالُ يُنْفِقُ مِنْ مَالِ حَمْلِهَا، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِذَا قُلْنَا: لَهَا السُّكْنَى فَهِيَ أَحَقُّ بِسُكْنَى الْمَسْكَنِ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ، وَلَا تُبَاعُ فِي دِينِهِ بَيْعًا يَمْنَعُهَا السُّكْنَى حَتَّى تَقْضِيَ الْعِدَّةَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ اكْتَرَى الْوَارِثُ لَهَا مَسْكَنًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ. [فَصْلٌ: مَتَى تُدْفَعُ النَّفَقَةُ] فَصْلٌ (وَعَلَيْهِ دَفْعُ النَّفَقَةِ إِلَيْهَا) وَهُوَ دَفْعُ الْقُوتِ، لَا بَدَلِهِ، وَلَا حَبَّ (فِي صَدْرِ كُلِّ يَوْمٍ) بِطُلُوعِ الشَّمْسِ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَقِيلَ: وَقْتُ الْفَجْرِ (إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا، أَوْ تَعْجِيلِهَا لِمُدَّةٍ قَلِيلَةٍ، أَوْ كَثِيرَةٍ، فَيَجُوزُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا كَالدَّيْنِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، وَتَمْلِكُهُ بِقَبْضِهِ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " (وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا دَفْعَ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمِ الْآخَرَ ذَلِكَ) لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالْبَيْعِ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ ; لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ فَجَازَتِ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهُ كَالطَّعَامِ فِي الْفَرْضِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَمْلِكُ فَرْضَ غَيْرِ الْوَاجِبِ كَدَرَاهِمَ مَثَلًا إِلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا، فَلَا يُجْبَرُ مَنِ امْتَنَعَ، قَالَ فِي " الْهَدْيِ ": لَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ ; لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ الرِّضَا عَنْ غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ مَعَ عَدَمِ الشِّقَاقِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ، فَأَمَّا مَعَ الشِّقَاقِ وَالْحَاجَةِ كَالْغَائِبِ مَثَلًا فَيَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَلَا يَقَعُ الْغَرَضُ بِدُونِ ذَلِكَ بِغَيْرِ الرِّضَا. (وَعَلَيْهِ كِسْوَتُهَا فِي كُلِّ عَامٍ) لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، وَيَكُونُ الدَّفْعُ فِي أَوَّلِهِ ; لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَقَالَ الْحُلْوَانِيُّ، وَابْنُهُ، وَابْنُ حَمْدَانَ: فِي أَوَّلِ الصَّيْفِ كِسْوَةٌ، وَفِي أَوَّلِ الشِّتَاءِ كِسْوَةٌ، وَفِي " الْوَاضِحِ " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 لِمُدَّةٍ قَلِيلَةٍ، أَوْ كَثِيرَةٍ، فَيَجُوزُ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا دَفْعَ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمِ الْآخَرَ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ كِسْوَتُهَا فِي كُلِّ عَامٍ، فَإِنْ قَبَضَتْهَا فَسُرِقَتْ، أَوْ تَلِفَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهَا، وَإِنِ انْقَضَتِ السَّنَةُ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَعَلَيْهِ كِسْوَةُ السَّنَةِ الْأُخْرَى وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَلْزَمَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ، فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِسْطِ بَقِيَّةِ السَّنَةِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] كُلَّ نِصْفِ سَنَةٍ وَتَمْلِكُهَا فِي الْأَصَحِّ بِقَبْضِهَا (فَإِنْ قَبَضَتْهَا فَسُرِقَتْ، أَوْ تَلِفَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهَا) لِأَنَّهَا قَبَضَتْ حَقَّهَا، فَلَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهُ كَالدَّيْنِ إِذَا وَفَّاهَا إِيَّاهُ، ثُمَّ ضَاعَ مِنْهَا، لَكِنْ لَوْ بَلِيَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَبْلَى فِيهِ مِثْلُهَا لَزِمَهُ بَدَلُهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامٍ كِسْوَتِهَا وَإِنْ بَلِيَتْ قَبْلَهُ لِكَثْرَةِ خُرُوجِهَا وَدُخُولِهَا، فَلَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَتْهَا، وَإِنْ مَضَى زَمَنٌ يَبْلَى فِيهِ مِثْلُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ، وَلَمْ تَبْلَ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إِلَى الْكِسْوَةِ، وَالثَّانِي: بَلَى ; لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ دُونَ حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ، فَلَوْ أَهْدَي إِلَيْهَا كُسْوَةً لَمْ تَسْقُطْ كِسْوَتُهَا (وَإِنِ انْقَضَتِ السَّنَةُ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَعَلَيْهِ كِسْوَةُ السَّنَةِ الْأُخْرَى) قَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ دُونَ بَقَائِهَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَلِفَتْ (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَلْزَمَهُ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إِلَى الْكِسْوَةِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " فَإِنْ كَسَاهَا السَّنَةَ أَوْ نَصِفَهَا، فَسُرِقَتْ، أَوْ تَلِفَتْ فِيهَا، وَقِيلَ: فِي وَقْتٍ يَبْلَى مِثْلُهَ، أَوْ تَلِفَتْ، فَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هِيَ إِمْتَاعٌ فَيَلْزَمُهُ بَدَلُهَا كَكُسْوَةِ الْقَرِيبِ، وَإِنْ بَقِيَتْ صَحِيحَةً لَزِمَهُ كُسْوَةُ سَنَةٍ أُخْرَى إِنْ قُلْنَا: هِيَ مِلْكٌ، وَإِنْ قُلْنَا: إِمْتَاعٌ، فَلَا، كَالْمَسْكَنِ وَأَوْعِيَةِ الطَّعَامِ، وَالْمَاعُونِ، وَالْمُشْطِ، وَنَحْوِهَا. وَفِي غِطَاءٍ وَوِطَاءٍ، وَنَحْوِهِمَا الْوَجْهَانِ (وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِسْطِ بَقِيَّةِ السَّنَةِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ بِهِ. قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ دَفَعَ لِمُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ كَمَا لَوْ دَفَعَ إِلَيْهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا. وَالثَّانِي: لَا رُجُوعَ ; لِأَنَّهُ دَفَعَ إِلَيْهَا الْكِسْوَةَ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ دَفَعَ إِلَيْهَا النَّفَقَةَ بَعْدَ وُجُوبِهَا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 وَإِذَا قَبَضَتِ النَّفَقَةَ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهَا، وَلَا يَنْهِكُ بَدَنَهَا، وَإِنْ غَابَ مُدَّةً وَلَمْ يُنْفِقْ، فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى، وَعَنْهُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا.   [المبدع في شرح المقنع] ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ إِكْمَالِهَا، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَكَنَفَقَةِ الْيَوْمِ، وَقِيلَ: تَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ، وَقِيلَ: بِالْكِسْوَةِ، وَقِيلَ: كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنْتَخَبِ "، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: لَا يَرْجِعُ فِيهِمَا إِنْ بَانَتْ وَيَرْجِعُ إِنْ أَبَانَهَا بِطَلَاقٍ، أَوْ فَسْخٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ إِلَّا يَوْمَ الْفُرْقَةِ وَالسَّلَفِ وَهُوَ أَصَحُّ إِلَّا عَلَى النَّاشِزِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لَا تَرْجِعُ بِمَا وَجَبَ كَيَوْمٍ وَكِسْوَةِ سَنَةٍ، بَلْ بِمَا لَمْ يَجِبْ، وَيَرْجِعُ بِنَفَقَتِهَا مِنْ مَالٍ غَائِبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِظُهُورِهِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِذَا قَبَضَتِ النَّفَقَةَ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا) مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا حَقُّهَا فَمَلَكَتِ التَّصَرُّفَ فِيهَا كَسَائِرِ مَالِهَا، لَكِنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِقَوْلِهِ (عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهَا، وَلَا يَنْهِكُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يُجْهِدُهُ (بَدَنَهَا) فَإِنْ عَادَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ فِي بَدَنِهَا، أَوْ نَقْصٌ مِنِ اسْتِمْتَاعِهَا لَمْ تَمْلِكْهُ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّهُ بِذَلِكَ، وَالْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ فِي ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ ; لِأَنَّ لَهُ اسْتِرْجَاعَهَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي وَجْهٍ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ. فَرْعٌ: إِذَا أَكَلَتْ مَعَهُ عَادَةً، أَوْ كَسَاهَا بِلَا إِذْنٍ، وَلَمْ يَتَبَرَّعْ سَقَطَتْ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُغْنِي " إنْ نَوَى أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا (وَإِنْ غَابَ مُدَّةً، وَلَمْ يُنْفِقْ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى) وَلَمْ تَسْقُطْ، بَلْ تَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، سَوَاءٌ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا، أَوْ يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعِوَضِ فَرَجَعَتْ بِهِ عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذِهِ نَفَقَةٌ وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَزُولُ مَا وَجَبَ بِهَذِهِ الْحُجَجِ إِلَّا بِمِثْلِهَا، وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى كَالنَّفَقَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " (وَعَنْهُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا) اخْتَارَهُ فِي " الْإِرْشَادِ "، وَفِي " الرِّعَايَةِ "، أَوِ الزَّوْجِ بِرِضَاهَا ; لِأَنَّهَا نَفَقَةٌ تَجِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا فَتَسْقُطُ بِتَأْخِيرِهَا إِذَا لَمْ يَفْرِضْهَا الْحَاكِمُ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ وَصَلْةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَسَارُ مِنَ الْمُنْفِقِ وَالْإِعْسَارُ مِمَّنْ تَجِبُ لَهُ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَتَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ حَسْبَمَا وَجَبَتْ لَهَا، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا عَلَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ مَآلَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 فَصْلٌ وَإِذَا بَذَلَتِ الْمَرْأَةُ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا إِلَيْهِ، وَهِيَ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا، أَوْ يَتَعَذَّرُ وَطْؤُهَا لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ، أَوْ رَتْقٍ، أَوْ نَحْوِهِ لَزِمَ زَوْجَهَا نَفَقَتُهَا سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَبِيرًا، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] إِلَى الْوُجُوبِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا) فَيَلْزَمُ بِحُكْمِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً ; لِأَنَّ فَرْضَهُ حُكْمٌ، وَحُكْمُهُ لَا يُنْقَضُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " أَنَّ أَحْمَدَ أَسْقَطَهَا بِالْمَوْتِ وَعَلَّلَ فِي " الْفُصُولِ " الثَّانِيَةِ بِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَلَوِ اسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ، رَجَعَتْ. نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْإِرْشَادِ ". تَتِمَّةٌ: الذِّمِّيَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِعُمُومِ النَّصِّ، وَالْمَعْنَى. [فَصْلٌ بَذْلُ الْمَرْأَةِ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا لِزَوْجِهَا] فَصْلٌ (وَإِذَا بَذَلَتِ الْمَرْأَةُ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا إِلَيْهِ، وَهِيَ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا) كَذَا أَطْلَقَهُ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِلْخِرَقِيِّ، وَأَبَى الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيِّ وَأَنَاطَ الْقَاضِي ذَلِكَ بِابْنَةِ تِسْعٍ سنين وتبعه فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَسُئِلَ: مَتَى يُؤْخَذُ مِنَ الرَّجُلِ نَفَقَةَ الصَّغِيرَةِ؛ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مِثْلُهَا يُوطَأُ كَبِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَى هَذَا لِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعًا فَهِيَ امْرَأَةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ، أَوْ بَذَلَتْ لَهُ بَذْلًا يُلْزِمُهُ قَبُولُهُ فِي الْأَشْهَرِ ; لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ مِنْهُ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ بِالْعَقْدِ مَعَ عَدَمِ مَنْعٍ كَمَنْ يَلْزَمُهُ تَسَلُّمُهَا لَوْ بَذَلَتْهُ، وَقِيلَ: وَلِصَغِيرَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، فَعَلَيْهَا لَوْ تَشَاكَتَا بَعْدَ الْعَقْدِ مُدَّةً لَزِمَهُ (أَوْ يَتَعَذَّرُ وَطْؤُهَا لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ، أَوْ رَتْقٍ، أَوْ نَحْوِهِ) كَكَوْنِهَا نِضْوَةَ الْخَلْقِ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا (لَزِمَ زَوْجَهَا نَفَقَتُهَا) لِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ حَدَثَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَسْقُطْ ; لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ مُمْكِنٌ، وَلَا تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهَا، فَلَوْ بَذَلَتِ الصَّحِيحَةُ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا دُونَ الْوَطْءِ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا، فَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي وَطْئِهِ لِضِيقِ فَرْجِهَا، أَوْ قُرُوحٍ بِهِ، أُرِيَتِ امْرَأَةً ثِقَةً وَيُعْمَلُ بِقَوْلِهَا، وَإِنَّ ادَّعَتْ عَبَالَةَ ذَكَرِهِ وَعِظَمَهُ جَازَ أَنْ تَنْظُرَ الْمَرْأَةُ إِلَيْهِمَا حَالَ اجْتِمَاعِهِمَا ; لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، وَيَجُوزُ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ لِلْحَاجَةِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 صَغِيرًا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ أَوْ لَا يُمْكِنُهُ كَالْعِنِّينِ وَالْمَرِيضِ، وَالْمَجْبُوبِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا وَلَا تُسَلِّمُهَا، وَلَا تَسْلِيمُهَا إِذَا طَلَبَهَا، فَإِنْ بَذَلَتْهُ، وَالزَّوْجُ غَائِبٌ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا حَتَّى يُرَاسِلَهُ الْحَاكِمُ وَيَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالشَّهَادَةِ (سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَبِيرًا) إِجْمَاعًا (أَوْ صَغِيرًا) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ; لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ كَمَا لَوْ كَانَ كَبِيرًا فَهَرَبَ، وَيُجْبَرُ الْوَلِيُّ عَلَى نَفَقَتِهَا مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ ; لِأَنَّهَا عَلَيْهِ، وَالْوَلِيُّ يَنُوبُ عَنْهُ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ كَالزَّكَاةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ صِغَرِهِ ; لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَلَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً، وَجَوَابُهُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا تَسْلِيمًا صَحِيحًا، وَلَمْ تَبْذُلْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ كَالْمَرِضِ، وَالْمَجْبُوبِ ; لِأَنَّ التَّمْكِينَ وُجِدَ مِنْ جِهَتِهَا، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ مِنْ جِهَتِهِ فَوَجَبَتِ النَّفَقَةُ (يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ أَوْ لَا يُمْكِنُهُ كَالْعِنِّينِ، وَالْمَرِيضِ وَالْمَجْبُوبِ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدِ التَّمْكِينُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ لِأَمْرٍ مِنْ جِهَتِهَا، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": لَمْ تَجِبْ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ لَا يَطَأُ مِثْلُهُ بِمَنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْمُوجِبِ (وَلَا) يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ (تَسَلُّمُهَا، وَلَا تَسْلِيمُهَا) إِلَيْهِ (إِذَا طَلَبَهَا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْهَا، وَلِأَنَّ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ إِنَّمَا كَانَ لِضَرُورَةِ تَمْكِينِهِ مِنْ تَسْلِيمِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي يُمْكِنُ وَطْؤُهَا إِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا كَالْكَبِيرَةِ، وَإِنْ غَابَ الزَّوْجُ فَبَذَلَ وَلِيُّهَا تَسْلِيمَهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَذَلَتِ الْمُكَلَّفَةُ التَّسْلِيمَ ; لِأَنَّ وَلَيَّهَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَإِنْ بَذَلَتْ هِيَ دَون وَلِيِّهَا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ; لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهَا، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (فَإِنْ بَذَلَتْهُ، وَالزَّوْجُ غَائِبٌ لَمْ يُفْرَضْ لَهَا) لِأَنَّهَا بَذَلَتْ فِي حَالٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ فِيهِ (حَتَّى يُرَاسِلَهُ الْحَاكِمُ) أَيْ: يَكْتُبَ الْحَاكِمُ إِلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِيَسْتَدْعِيَهُ وَيُعْلِمَهُ بِذَلِكَ (وَيَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُ أَنْ يَقْدَمَ فِي مِثْلِهِ) لِأَنَّ الْبَذْلَ قَبْلَ ذَلِكَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَإِذَا سَارَ إِلَيْهَا، أَوْ وُكِلَ فِي تَسْلِيمِهَا وَجَبَتِ النَّفَقَةُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَرَضَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا وَتَسَلُّمُهَا فِيهِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 يَقْدَمَ فِي مِثْلِهِ، وَإِنْ مَنَعَتْ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا، أَوْ مَنَعَهَا أَهْلُهَا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إِلَّا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا الْحَالَ فَلَهَا ذَلِكَ وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. بِخِلَافِ الْآجِلِ، وَإِنْ سَلَّمَتِ الْأَمَةُ نَفْسَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّ الزَّوْجَ امْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا، لِإِمْكَانِ ذَلِكَ وَبَذْلِهَا لَهُ، فَلَزِمَهُ نَفَقَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا (وَإِنْ مَنَعَتْ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا، أَوْ مَنَعَهَا أَهْلُهَا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِأَنَّ الْبَذْلَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَفِي " الْفُرُوعِ " إِذَا بَذَلَتِ التَّسْلِيمَ فَحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَوْلِيَاؤُهَا فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَهَا النَّفَقَةُ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " لَا، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَكَذَا إِذَا بَذَلَتْ تَسْلِيمًا غَيْرَ تَامٍّ كَتَسْلِيمِهَا فِي مَنْزِلٍ، أَوْ فِي بَلَدٍ دُونَ آخَرَ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ (إِلَّا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا الْحَالَّ فَلَهَا ذَلِكَ) لِأَنَّ تَسْلِيمَهَا قَبْلَ تَسْلِيمِ صَدَاقِهَا يُفْضِي إِلَى تَسْلِيمِ مَنْفَعَتِهَا الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا بِالْوَطْءِ، ثُمَّ لَا تُسَلَّمُ صَدَاقَهَا، فَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيمَا اسْتَوْفَى مِنْهَا، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ إِذَا تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَعْسَرَ بِثَمَنِهِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيهِ (وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا) لِأَنَّهَا فَعَلَتْ مَا لَهَا أَنْ تَفْعَلَهُ، فَلَوْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا لِمَرَضٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ امْتِنَاعَهَا لِقَبْضِ صَدَاقِهَا امْتِنَاعٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، فَهُوَ يُشْبِهُ تَعَذُّرَ الِاسْتِمْتَاعِ كَصِغَرِ الزَّوْجِ، بِخِلَافِ الِامْتِنَاعِ لِمَرَضِهَا ; لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ مِنْ جِهَتِهَا، فَهُوَ يُشْبِهُ تَعَذُّرَ الِاسْتِمْتَاعِ لِصِغَرِهَا (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَهَا النَّفَقَةُ كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ، ثُمَّ أَرَادَ مَنْعَهُ مِنْهُ (بِخِلَافِ الْآجِلِ) أَيْ: إِذَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا لِقَبْضِ صَدَاقِهَا الْآجِلِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَقْبِضَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ قَبْضَهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، فَيَكُونُ مَنْعُهَا مَنْعًا لِلتَّسْلِيمِ الْمُوجِبِ لِلنَّفَقَةِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الدُّخُولِ وَعَدِمِهِ (وَإِنْ سَلَّمَتِ الْأَمَةُ نَفْسَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فَهِيَ كَالْحُرَّةِ) فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْحُرِّ، وَلَوْ أَبَى لِلنَّصِّ، وَلِأَنَّهَا زَوْجَةٌ مُمَكَّنَةٌ مِنْ نَفْسِهَا فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 فَهِيَ كَالْحُرَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ تَأْوِي إِلَيْهِ لَيْلًا وَعِنْدَ السَّيِّدِ نَهَارًا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ مُقَامِهَا عِنْدَهُ. وَإِذَا نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ، أَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ تَطَوَّعَتْ بِصَوْمٍ،   [المبدع في شرح المقنع] كَالْحُرَّةِ، فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا، فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِزَوْجَتِهِ إِجْمَاعًا إِذَا بَوَّأَهَا بَيْتًا، وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ ; لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي النِّكَاحِ الْمُفْضِي إِلَى إِيجَابِهَا، وَعَنْهُ: فِي كَسْبِ الْعَبْدِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ إِيجَابُهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا رَقَبَتِهِ، وَلَا ذِمَّةِ السَّيِّدِ، وَلَا إِسْقَاطِهَا فَتَعَلَّقَتْ بِكَسْبِهِ، فَإِنَّ عَدِمَ، أَوْ تَعَذَّرَ، فَعَلَى سَيِّدِهِ، وَقَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": تَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ; لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ كَالْجِنَايَةِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ دَيْنٌ أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ فَلَزِمَهُ كَاسْتِدَانَةِ وَكِيَلِهِ، وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ كَالرَّتْقَاءِ، وَنَحْوِهَا، وَلَيْسَ هُوَ بِجِنَايَةٍ، وَلَا قَائِمٍ مَقَامَهَا (فَإِنْ كَانَتْ تَأْوِي إِلَيْهِ لَيْلًا وَعِنْدَ السَّيِّدِ نَهَارًا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ مَقَامِهَا عِنْدَهُ) أَيْ: يَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَتُهَا لَيْلًا مِنَ الْعَشَاءِ وَتَوَابِعِهِ مِنْ غِطَاءٍ وَوَطَاءٍ وِدِهْنٍ لِلْمِصْبَاحِ، وَنَحْوِهِ ; لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي حَقِّهِ التَّمْكِينُ لَيْلًا فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهُ، وَعَلَى السَّيِّدِ نَفَقَتُهَا نَهَارًا بِحُكْمٍ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى غَيْرِهِ فِي هَذَا الزَّمَنِ، وَقِيلَ: كُلُّ النَّفَقَةِ إِذَنْ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ قَطْعًا لِلتَّنَازُعِ، وَلَوْ سَلَّمَهَا نَهَارًا فَقَطْ لَمْ يَجُزْ. تَذْنِيبٌ: الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ، وَبَاقِيهَا عَلَى سَيِّدِهِ، أَوْ فِي ضَرِيبَتِهِ، أَوْ رَقَبَتِهِ، وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْحُرِّيَّةِ يُعْتَبَرُ فِيهِ حَالُهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا فَنَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَنَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ، وَالْبَاقِي تَجِبُ فِيهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ. 1 - (وَإِذَا نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ) فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَلَوْ بِنِكَاحٍ فِي عِدَّةٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ إِلَّا الْحَكَمَ وَلَعَلَّهُ قَاسَهُ عَلَى الْمَهْرِ، وَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَجَبَتْ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ، وَالْمَهْرُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ بِدَلِيلِ الْمَوْتِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": مَنْ مَكَّنَتْهُ مِنَ الْوَطْءِ، لَا مِنْ بَقِيَّةِ الِاسْتِمْتَاعِ فَسُقُوطُ النَّفَقَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ دَفَعَ نَفَقَتَهُ إِلَيْهَا إِذَا كَانَتْ هِيَ الْحَاضِنَةَ وَالْمُرْضِعَةَ وَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ رَضَاعِهَا وَيَشْطُرُ لِنَاشِزٍ لَيْلًا فَقَطْ، أَوْ نَهَارًا فَقَطْ، لَا بِقَدْرِ الْأَزْمِنَةِ وَيَشْطُرُ لَهَا بَعْضَ يَوْمٍ، فَإِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 أَوْ حَجٍّ، أَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ مَنْذُورٍ فِي الذِّمَّةِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنْ بَعَثَهَا فِي حَاجَةٍ، أَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِمَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ فِي وَقْتِهِ، فَعَلَى   [المبدع في شرح المقنع] أَطَاعَتْ فِي حُضُورِهِ، أَوْ غَيْبَتِهِ فَعَلِمَ وَمَضَى زَمَنٌ يَقْدَمُ فِي مِثْلِهِ عَادَتْ، وَفِي " الشَّرْحِ ": لَا تَعُودُ إِلَّا بِحُضُورِهِ، أَوْ وَكِيلِهِ، أَوْ حُكْمِ حَاكِمٍ بِالْوُجُوبِ وَمُجَرَّدِ إِسْلَامِ مُرْتَدَّةٍ، أَوْ مُتَخَلِّفَةٍ عَنِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْبَتِهِ تَلْزَمُهُ، فَإِنْ صَامَتْ لِكَفَّارَةٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَوَقْتُهُ مُتَّسِعٌ فِيهِمَا بِلَا إِذْنِهِ، أَوْ حَبَسَتْ، وَلَوْ ظُلْمًا فِي الْأَصَحِّ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا (أَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ) سَقَطَتْ ; لِأَنَّهَا نَاشِزٌ، وَكَذَا إِنِ انْتَقَلَتْ مِنْ مَنْزِلِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ (أَوْ تَطَوَّعَتْ بِصَوْمٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ مَنْذُورٍ فِي الذِّمَّةِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُسَافِرَةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الِاسْتِمْتَاعِ الْوَاجِبِ لِلزَّوْجِ، فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَهَا النَّفَقَةُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا كَالْمُسَافِرَةِ ; لِأَنَّهَا بِإِحْرَامِهَا مَانِعَةٌ لَهُ مِنَ التَّمْكِينِ (وَإِنْ بَعَثَهَا فِي حَاجَةٍ) فَهِيَ عَلَى نَفَقَتِهَا ; لِأَنَّهَا سَافَرَتْ فِي شُغْلِهِ وَمُرَادِهِ (أَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ) أَوِ الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ، أَوْ أَحْرَمَتْ بِفَرِيضَةٍ، أَوْ مَكْتُوبَةٍ فِي وَقْتِهَا (فَلَهَا النَّفَقَةُ) لِأَنَّهَا فَعَلَتِ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَكَانَ كَصِيَامِ رَمَضَانَ، فَإِنْ قَدَّمَتِ الْإِحْرَامَ عَلَى الْمِيقَاتِ، أَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ خَرَجَ فِيهَا مِنَ الْقَوْلِ مَا فِي الْمُحْرِمَةِ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ. فَرْعٌ: إِذَا اعْتُقِلَتْ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَسَفَرِهَا، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِخُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا فِيمَا لَيْسَ وَاجِبًا بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَوَجْهَانِ. (وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِمَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ فِي وَقْتِهِ) أَوْ صَامَتْ نَذْرًا مُعِينًا فِي وَقْتِهِ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَهَا النَّفَقَةُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَلِأَنَّ النَّذْرَ الْمُعَني، وَقْتُهُ مُتَيَقَّنٌ، أَشْبَهَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَالثَّانِي: تَسْقُطُ ; لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ عَلَى زَوْجِهَا حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِاخْتِيَارِهَا، وَلِأَنَّ النَّذْرَ صَدَرَ مِنْ جِهَتِهَا، بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَقِيلَ: إِنْ نَذَرَتْ بِإِذْنِهِ، أَوْ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي نِكَاحِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 وَجْهَيْنِ، وَإِنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا بِإِذْنِهِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ. وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي نُشُوزِهَا، أَوْ تَسْلِيمِ النَّفَقَةِ إِلَيْهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي بَذْلِ التَّسْلِيمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. فَصْلٌ وَإِنْ أُعْسِرَ الزَّوْجُ بِنَفَقَتِهَا، أَوْ بِبَعْضِهَا، أَوْ بِالْكِسْوَةِ خُيِّرَتْ بَيْنَ فَسْخِ النِّكَاحِ،   [المبدع في شرح المقنع] بِلَا إِذْنِهِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ; لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِ حَقًّا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِاخْتِيَارِهَا، وَنَقَلَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ تَصُومُ النَّذْرَ بِلَا إِذْنٍ، وَفِي " الْوَاضِحِ " فِي حَجِّ نَفْلٍ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهَا وَتَحْلِيلَهَا لَمْ تَسْقُطْ، وَإِنَّ فِي صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ فِي الذِّمَّةِ وَجْهَيْنِ، وَفِي بَقَائِهَا فِي نُزْهَةٍ، أَوْ تِجَارَةٍ، أَوْ زِيَارَةِ أَهْلِهَا احْتِمَالٌ (وَإِنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا بِإِذْنِهِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) لِأَنَّهَا فَوَّتَتِ التَّمْكِينَ لِأَجْلِ نَفْسِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوِ اسْتَنْظَرَتْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ مُدَّةً فَأَنْظَرَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنِ اسْتِمْتَاعِهَا، فَلَا تَسْقُطُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَهَا النَّفَقَةَ) لِأَنَّ السَّفَرَ بِإِذْنِهِ فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَتَبَقَى النَّفَقَةُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ كَالثَّمَنِ، وَحَكَي فِي " الْمُغْنِي " عَنِ الْقَاضِي أَنَّ الزَّوْجَ إِنْ كَانَ مَعَهَا فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً فَلَا ; لِأَنَّهَا فَوَّتَتِ التَّمْكِينَ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا هُنَا بِحَالٍ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي نُشُوزِهَا، أَوْ تَسْلِيمِ النَّفَقَةِ) وَالْكِسْوَةِ (إِلَيْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: إِنِ اخْتَلَفَا فِي النُّشُوزِ، فَإِنْ وَجَبَ بِالتَّمْكِينِ صَدَقَ، وَعَلَيْهَا إِثْبَاتُهُ، وَإِنْ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ صَدَقَتْ وَعَلَيْهِ إِثْبَاتُ الْمَنْعِ، وَلَوِ اخْتَلَفَا بَعْدَ التَّمْكِينِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَوْلُهَا بَعْدَهُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْعُرْفُ ; لِأَنَّهُ يُعَارِضُ الْأَصْلَ، وَالظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ أَنَّهَا تَكُونُ رَاضِيَةً، وَإِنَّمَا تُطَالِبُهُ عِنْدَ الشِّقَاقِ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شَيْءٍ فَادَّعَتْ أَنَّ غَيْرَهُ عَلَّمَهَا، وَأَوْلَى لِأَنَّ هُنَا تَعَارُضَ أَصْلَانِ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي بَذْلِ التَّسْلِيمِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّسْلِيمِ، وَكَذَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ، فَقَالَتْ: كَانَ مِنْ شَهْرٍ، قَالَ: بَلْ مِنْ يَوْمٍ. [فَصْلٌ: إِعْسَارُ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ أَوِ الْكِسْوَةِ] فَصْلٌ (وَإِنْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِنَفَقَتِهَا، أَوْ بِبَعْضِهَا، أَوْ بِالْكُسْوَةِ) أَوْ بِبَعْضِهَا (خُيِّرَتْ بَيْنَ فَسْخِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 وَالْمُقَامِ. وَتَكُونُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا اخْتَارَتِ الْمُقَامَ، ثُمَّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ فَلَهَا   [المبدع في شرح المقنع] النِّكَاحِ، وَالْمُقَامِ) عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَلَيْسَ الْإِمْسَاكُ مَعَ تَرْكِ الْإِنْفَاقِ إِمْسَاكًا بِمَعْرُوفٍ فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «امْرَأَتُكَ تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، وَسَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، عَنِ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ، قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ، لِسَعِيدٍ: سُنَّةٌ؟ قَالَ سَعِيدٌ: سُنَّةٌ، وَلِأَنَّ هَذَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنَ الْعَجْزِ بِالْوَطْءِ، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي، أَوِ الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا وَجْهًا: يُؤَجَّلُ ثَلَاثًا وَلَهَا الْمُقَامُ، وَلَا تُمَكِّنُهُ، وَلَا يَحْبِسُهَا، فَلَوْ وَجَدَ نَفَقَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ، أَوْ وَجَدَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مَا يُغَدِّيهَا، وَفِي آخِرِهِ مَا يُعَشِّيهَا، أَوْ كَانَ صَانِعًا يَعْمَلُ فِي الْأُسْبُوعِ مَا يَبِيعُهُ فِي يَوْمٍ بِقَدْرِ كِفَايَتِهَا فِي الْأُسْبُوعِ كُلِّهِ، فَلَا فَسْخَ، وَكَذَا إِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْكَسْبُ فِي بَعْضِ زَمَانِهِ، أَوِ الْبَيْعُ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِرَاضُ إِلَى زَوَالِ الْمَانِعِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَيَّامًا يَسِيرَةً، أَوْ مَرِضَ مَرَضًا يُرْجَى زَوَالُهُ فِي أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ، فَلَا فَسْخَ وَإِنْ كَثُرَ فَلَهَا الْفَسْخُ (وَتَكُونُ النَّفَقَةُ) أَيْ: نَفَقَةُ فَقِيرٍ وَكِسْوَتُهُ وَمَسْكَنٌ (دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ) مَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا، فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِ مَهْرِهَا ويجبر قَادِر عَلَى التَّكَسُّبِ عَلَى الْأَصَحِّ (فَإِذَا اخْتَارَتِ الْمُقَامَ، ثُمَّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ فَلَهَا ذَلِكَ) عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ فَيَتَجَدَّدُ لَهَا الْفَسْخُ، وَلَا يَصِحُّ إِسْقَاطُهَا حَقَّهَا فِيمَا لَمْ يَجِبْ لَهَا كَإِسْقَاطِ شُفْعَتِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ، أَوْ شَرَطَ أَلَّا يُنْفِقَ، ثُمَّ عَنَّ لَهَا الْفَسْخُ مَلَّكَتْهُ، فَلَوْ أَسْقَطَتِ النَّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَسْقُطْ، وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 ذَلِكَ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، أَوْ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ، أَوِ الْمُتَوَسِّطِ، أَوِ الْأُدْمِ، أَوْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ، فَلَا فَسْخَ لَهَا وَتَكُونُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ، وَإِنْ أَعْسَرَ بِالسُّكْنَى، أَوِ   [المبدع في شرح المقنع] الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ ; لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِعَيْبِهِ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا التَّمْكِينُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهَا عِوَضَهُ كَالْمُشْتَرِي إِذَا أَعْسَرَ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَعَلَيْهِ تَخْلِيَتُهَا لِتَكْتَسِبَ وَتُحَصِّلَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا إِذَا كَفَاهَا الْمَؤُونَةَ (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ) وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ ; لِأَنَّهُ إِعْسَارٌ عَنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ، فَلَمْ تَمْلِكِ الْفَسْخَ كَمَا لَوْ أَعْسَرَ عَنْ دَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا لَا تَمْلِكُ فِرَاقَهُ وَيَرْفَعُ يَدَهُ عَنْهَا لِتَكْتَسِبَ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا عَلَيْهِ (وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ) فَلَا فَسْخَ ; لِأَنَّ الْبَدَنَ قَدْ قَامَ بِدُونِهَا، وَالنَّفَقَةُ الْمَاضِيَةُ دَيْنٌ (أَوْ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ، أَوِ الْمُتَوَسِّطِ، أَوِ الْأُدْمِ) فِي الْأَصَحِّ فِيهِ (أَوْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ، فَلَا فَسْخَ لَهَا) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَسْقُطُ بِاعْتِبَارِهِ وَيُمْكِنُ الصَّبْرُ عَنْهَا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " احْتِمَالٌ فِي الْكُلِّ مَعَ ضَرَرِهَا (وَتَكُونُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ) لِأَنَّهَا نَفَقَةٌ تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ فَتَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لِلْمَرْأَةِ قُوتًا، وَهَذَا فِيمَا عَدَا الزَّائِدَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ (وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ) أَيْ: زِيَادَةُ يَسَارٍ وَتَوَسُّطٍ ; لِأَنَّهُ مِنَ الزَّوَائِدِ، فَلَمْ تَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ كَالزَّائِدِ عَنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: غَيْرُ الْأُدْمِ. تَتِمَّةٌ: إِذَا اعْتَادَتِ الطِّيبَ، وَالنَّاعِمَ فَعَجَزَ عَنْهَا فَلَهَا الْفَسْخُ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: فَبِالْأُدْمِ أَوْلَى. (وَإِنْ أَعْسَرَ بِالسُّكْنَى) أَيْ: بِأُجْرَتِهِ (أَوِ الْمَهْرِ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّدَاقِ (فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا فَسْخَ، وَقَالَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّ الْبَيْتِيَّةَ تَقُومُ بِدُونِهِ، وَالثَّانِي: لَهَا الْفَسْخُ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ أَشْهَرُ ; لِأَنَّ الْمَسْكَنَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالنَّفَقَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 الْمَهْرِ، فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَعْسَرَ زَوْجُ الْأَمَةِ فَرَضِيَتْ، أَوْ زَوْجُ الصَّغِيرَةِ، أَوِ الْمَجْنُونَةِ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِنَّ الْفَسْخُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ. فَصْلٌ وَإِنْ مَنَعَهَا النَّفَقَةَ، أَوْ بَعْضَهَا مَعَ الْيَسَارِ، وَقَدَرَتْ لَهُ عَلَى مَالٍ أَخَذَتْ مِنْهُ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ بِلَا إِذْنِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ حِينَ قَالَتْ لَهُ: «إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ أَعْسَرَ زَوْجُ الْأَمَةِ فَرَضِيَتْ) بِهِ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهَا الْفَسْخُ نَقُولُ: نَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ حَقٌّ لَهَا وَلِسَيِّدِهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلَبُهَا، وَلَا يَمْلِكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِسْقَاطَهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِضْرَارِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِهَا فَلَهَا الْفَسْخُ كَالْحُرَّةِ، وَإِنْ لَمْ تَفْسَخْ، فَقَالَ الْقَاضِي: لِسَيِّدِهَا الْفَسْخُ ; لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي عَدَمِهَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِهَا مِنْ فَوَاتِ مُلْكِهِ وَتَلَفِهِ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ رَجَعَ عَلَى الزَّوْجِ رَضِيَتْ، أَوْ كَرِهَتْ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، لَيْسَ لِسَيِّدِهَا الْفَسْخُ إِذَا كَانَتْ رَاضِيَةً ; لِأَنَّهَا حَقُّ لَهَا، فَلَمْ يَمْلِكْ سَيِّدُهَا الْفَسْخَ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ (أَوْ) أَعْسَرَ (زَوْجُ الصَّغِيرَةِ، أَوِ الْمَجْنُونَةِ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِنَّ الْفَسْخُ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِنِكَاحِهَا، فَلَمْ يَمْلِكْهُ الْوَلِيُّ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ (وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِفَوَاتِ الْعِوَضِ فَمَلَكَهُ كَفَسْخِ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ الثَّمَنِ. [فَصْلٌ: مَنْعُ الزَّوْجِ النَّفَقَةَ عَنِ الزَّوْجَةِ] فَصْلٌ (وَإِنْ مَنَعَهَا النَّفَقَةَ، أَوْ بَعْضَهَا) أَوِ الْكِسْوَةَ، أَوْ بَعْضَهَا (مَعَ الْيَسَارِ، وَقَدَرَتْ لَهُ عَلَى مَالٍ أَخَذَتْ مِنْهُ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا) الصَّغِيرَ (بِالْمَعْرُوفِ بِلَا إِذْنِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ (لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ حِينَ قَالَتْ لَهُ: «إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُعْطِيهَا بَعْضَ الْكِفَايَةِ، وَلَا يُتِمُّهَا لَهَا، فَرَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَخْذِ تَمَامِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا غِنَى عَنْهَا، وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ وَحَبَسَهُ، فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ دَفَعَ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ. فَإِنْ غَيَّبَهُ وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ فَلَهَا الْفَسْخُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهَا   [المبدع في شرح المقنع] قِوَامَ إِلَّا بِهَا، وَلِأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَتَشُقُّ الْمُرَافَعَةُ إِلَى الْحَاكِمِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِهَا فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهَا تَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا عِنْدَ جَمْعِ مَا لَمْ يَفْرِضْهَا حَاكِمٌ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ أَحَدٍ بِتَرْكِ الْمُطَالَبَةِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " الْقِيَاسُ مَنْعُهَا تَرَكْنَاهُ لِلْخَبَرِ، وَفِي وَلَدِهَا وَجْهٌ فِي " التَّرْغِيبِ "، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنَ الْأَخْذِ مُطْلَقًا، وَجَوَابُهُ: حَدِيثُ هِنْدٍ ; لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالنَّفَقَةِ فَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ. فَرْعٌ: لَا تَقْتَرِضُ عَلَى الْأَبِّ، وَلَا تُنْفِقُ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ (فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ) أَيْ: عَلَى الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ رَافَعَتْهُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ (أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ) أَيْ: عَلَى الْإِنْفَاقِ (وَ) إِنْ أَبَى (حَبَسَهُ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ وُضِعَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَالْحَبْسُ طَرِيقٌ إِلَى الْفَصْلِ فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ دَفَعَ) الْحَاكِمُ (النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ) لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ أَدَائِهِ وَجَبَ الدَّفْعُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ مِنْ مَالِ خَصْمِهِ كَالدَّيْنِ، بَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّهَا آكَدُ مِنَ الدَّيْنِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْأَخْذِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا عَرُوضًا، أَوْ عَقَارًا بَاعَهُ وَدَفَعَ إِلَيْهَا مِنْ ثَمَنِهِ كَالنَّقْدَيْنِ وَيَدْفَعُهَا مِنْهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ وَكِيلِهِ حُكْمُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَالْأَخْذِ مِنَ الْمَالِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ، فَإِنِ ادَّعَتْ يَسَارَهُ فَأَنْكَرَ، فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ قُبِلَ قَوْلُهَا، وَإِلَّا قَوْلُهُ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي فَرْضِ الْحَاكِمِ لَهَا، أَوْ فِي وَقْتِهَا، فَقَالَ: فَرَضَهَا مُنْذُ شَهْرٍ، فَقَالَتْ: بَلْ مُنْذُ عَامٍ قُبِلَ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ (فَإِنْ غَيَّبَهُ وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ فَلَهَا الْفَسْخُ) إِذَا غَيَّبَ الزَّوْجُ مَالَهُ وَتَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْ جِهَتِهِ وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ فَلَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 ذَلِكَ، وَإِنْ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى مَالٍ لَهُ، وَلَا الِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمُهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " لِحَدِيثِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَتَبَ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا، أَوْ يُطَلِّقُوا. وَهَذَا إِجْبَارٌ عَلَى الطَّلَاقِ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ مِنَ الْإِنْفَاقِ ; لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ مُتَعَذِّرٌ، فَكَانَ لَهَا الْخِيَارُ كَحَالِ الْإِعْسَارِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ، فَإِنَّهُ إِذَا جَازَ الْفَسْخُ عَلَى الْمَعْذُورِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى (وَقَالَ الْقَاضِي) وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " (لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) أَيْ: لَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ ; لِأَنَّ الْفَسْخَ لِعَيْبِ الْمُعْسِرِ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا، وَلِأَنَّ الْمُوسِرَ فِي مَظِنَّةِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ، وَلِأَنَّ الْحَاضِرَ قَدْ يُنْفِقُ لِطُولِ الْحَبْسِ. (وَإِنْ غَابَ) مُوسِرٌ (وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى مَالٍ لَهُ، وَلَا الِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ فَلَهَا الْفَسْخُ) لِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى نَفَقَتِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ ثَبَتَ إِعْسَارُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً، أَوْ قَدَرَتْ عَلَى مَالٍ لَهُ، أَوْ عَلَى الِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ - أَنَّهُ لَا فَسْخَ لَهَا ; لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ (إِلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فِيمَا إِذَا لَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُهُ) لِأَنَّ الْفَسْخَ ثَبَتَ لِعَيْبِ الْإِعْسَارِ، وَلَمْ يَثْبُتِ الْإِعْسَارُ هُنَا وَهَذِهِ مِثْلُ الْأُولَى فِي الْفَسْخِ، بَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّ الْحَاضِرَ رُبَّمَا إِذَا طَالَ عَلَيْهِ الْحَبْسُ أَنْفَقَ، وَهَذَا قَدْ تَكُونُ غَيْبَتُهُ بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ، فَيَكُونُ الضَّرَرُ فِيهِ أَكْثَرَ، وَعُلِمَ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ إِعْسَارُهُ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ مُطْلَقًا. تَذْنِيبٌ: إِذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ لَهَا مِنَ النَّفَقَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَحْتَسِبَ عَلَيْهَا، وَهِيَ مُوسِرَةٌ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً فَلَا ; لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ فِي الْفَاضِلِ عَنِ الْكِفَايَةِ، وَلَا فَضْلَ لَهَا، فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ إِنْفَاقِهِ حُسِبَ عَلَيْهَا، أَنْفَقَتْهُ بِنَفْسِهَا، أَوْ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَمَبْلَغُ الْمَهْرِ، فَإِنْ عُلِمَ مَكَانُهُ، كَتَبَ: إِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 فَلَهَا الْفَسْخُ إِلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فِيمَا إِذَا لَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُهُ. وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ. بَابُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ نَفَقَةُ وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَلَهُ مَا   [المبدع في شرح المقنع] سَلَّمْتَ إِلَيْهَا حَقَّهَا، وَإِلَّا بُعِثَ عَلَيْكَ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ أَبَى، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِمَكَانِهِ بَاعَ بِقَدْرِ نَصِفِهِ لِجَوَازِ طَلَاقِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَافْتَقَرَ إِلَى الْحَاكِمِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ، وَلَا يُفْسَخُ إِلَّا بِطَلَبِهَا ; لِأَنَّهُ لَحِقَهَا، أَوْ تَفْسَخُ هِيَ بِأَمْرِهِ، فَإِذَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ فَسْخٌ، لَا رَجْعَةَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا ثَبَتَ إِعْسَارُهُ فَسَخَ بِطَلَبِهَا، أَوْ فَسَخَتْ بِأَمْرِهِ، وَلَا يُنَفَّذُ بِدُونِهِ، وَقِيلَ: ظَاهِرًا، وَفِي " التَّرْغِيبِ " يُنَفَّذُ مَعَ تَعَذُّرِهِ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ ": مُطْلَقًا، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ طَلَاقٌ لِأَمْرِهِ بِطَلَبِهَا بِطَلَاقٍ، أَوْ نَفَقَةٍ، فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ "، فَإِنْ رَاجَعَ، فَقِيلَ: لَا تَصِحُّ مَعَ عُسْرَتِهِ، وَقِيلَ: بَلِيَ فَيُطَلِّقُ ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً، وَقِيلَ: إِنْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أُجِيبَ، فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ فَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: إِلَى آخَرِ الْيَوْمِ الْمُتَخَلِّفَةِ نَفَقَتُهُ، وَفِي " الْمُغْنِي " يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ فَسْخٌ، فَإِنْ أَجْبَرَهُ عَلَى الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ فَرَاجَعَ، وَلَمْ يُنْفِقْ فَلِلْحَاكِمِ الْفَسْخُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ الْحَاكِمَ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ، وَالْفَسْخَ، وَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ فَلَهُ ارْتِجَاعُهَا ; لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ لِامْتِنَاعِهِ مِنَ الْوَاجِبِ، أَشْبَهَ تَفْرِيقَهُ بَيْنَ الْمُؤْلِي وَامْرَأَتِهِ. [بَابُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ] ِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ مَعَ الْيَسَارِ فَقَطْ (تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ نَفَقَةُ وَالِدَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] وَمِنَ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ. وَكَذَلِكَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ سَائِرِ آبَائِهِ، وَإِنَّ عَلَوْا وَأَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ كُلِّ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ مِمَّنْ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَمِنَ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا، وَلَا مَالَ - وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَكَذَا عَلَى بَعْضِهِ وَأَصْلِهِ (وَوَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ) . الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِـ " تَجِبُ "، أَوْ بَعْضِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] (إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ) أَيْ: لَا مَالَ لَهُمْ، وَلا كَسْبَ يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى كَالنَّفَقَةِ. وَشَرْطُهُ الْحُرِّيَّةُ فَمَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا، فَلَا نَفَقَةَ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَجَزَمَ فِي الْخِرَقِيِّ، وَ " الْمُغْنِي " أَنَّ الْوَلَدَ الرَّقِيقَ، لَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حُرًّا (وَلَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَاضِلًا، عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ) وَرَقِيقِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَأُجْرَةِ مِلْكِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْمُحْتَاجِ كَالزَّكَاةِ (وَكَذَلِكَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ سَائِرِ آبَائِهِ، وَإِنْ عَلَوْا وَأَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِدُخُولِهِمْ فِي اسْمِ الْآبَاءِ، وَالْأَوْلَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] فَيَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ، وَقَالَ: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] وَقَالَ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] ، وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً فَوَجَبَ الْعِتْقُ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، أَشْبَهَ الْوَلَدَ، وَالْوَالِدَيْنِ الْقَرِيبَيْنِ (وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ كُلِّ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَارِثٍ لِمُوَروثِهِ بِشَرْطِ إِرْثِ الْمُنْفِقِ وَغِنَاهُ وَفَقْرِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ (سَوَاءٌ وِرْثَهُ الْآخَرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] أَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِّ، ثُمَّ عَطَفَ الْوَارِثُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الْوُجُوبِ (أَوْ لَا) يَرِثُهُ (كَعَمَّتِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 سِوَاهُمْ سَوَاءٌ وِرْثَهُ الْآخَرُ، أَوْ لَا كَعَمَّتِهِ وَعَتِيقِهِ، وَحُكِيَ عَنْهُ إِنْ لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ. فَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَتِيقِهِ) أَيْ: كَابْنِ الْأَخِ مَعَ عَمَّتِهِ، وَالْمُعْتِقِ مَعَ عَتِيقِهِ لِلْآيَةِ (وَحُكِيَ عَنْهُ إِنْ لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ) لِأَنَّ الْوَارِثَ أَحَدُ الْقَرَابَتَيْنِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ كَالْآخَرِ، وَعَنْهُ: تَخْتَصُّ الْعَصَبَةُ مُطْلَقًا، نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ فَيُعْتَبَرُ أَنْ يَرِثَهُمْ بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ فِي الْحَالِ لِقَضَاءِ عُمَرَ عَلَى بَنِي عَمِّ مَنْفُوسٍ بِنَفَقَتِهِ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَكَالْعَقْلِ، فَلَا يَلْزَمُ بَعِيدًا مُوسِرًا يَحْجُبُهُ قَرِيبٌ مُعْسِرٌ، وَعَنْهُ: بَلَى إِنْ وَرِثَهُ وَحْدَهُ لَزِمَتْهُ مَعَ يَسَارِهِ وَمَعَ فَقْرِهِ تَلْزَمُ بَعِيدًا مُوسِرًا، فَلَا تَلْزَمُ جَدًّا مُوسِرًا مَعَ أَبٍ فَقِيرٍ، وَأَخَا مُوسِرًا مَعَ ابْنٍ فَقِيرٍ عَلَى الْأُولَى، وَتَلْزَمُ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَإِنِ اعْتُبِرَ إِرْثٌ فِي غَيْرِ عَمُودَيِ نَسَبِهِ لَزِمَتِ الْجَدَّ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ وَأَطْلَقَ فِي " التَّرْغِيبِ " ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ تَوَارُثُهُمَا اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ أَبِرُّ؛ قَالَ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ وَمَوْلَاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ، حَقٌّ وَاجِبٌ وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَرِيبِهِ ; لِأَنَّهُ يَرِثُهُ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ. 1 - (فَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ) وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ بِفَرْضٍ، وَلَا تَعْصِيبٍ (فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهِمْ، وَلِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ ضَعِيفَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ مَالَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ فَهُمْ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الْمَالَ يُصْرَفُ إِلَيْهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ بِدَلِيلِ تَقْدِيمِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَخْرُجُ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: مَا سَبَقَ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَالثَّانِيَةُ: تَجِبُ لِكُلِّ وَارِثٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ; لِأَنَّهُ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَهُوَ عَامٌّ لِعُمُومِ الْمِيرَاثِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، بَلْ أَوْلَى، قَالَ: وَعَلَى هَذَا مَا وَرَدَ مِنْ حَمْلِ الْخَالِ لِلْعَقْلِ فِي قَوْلِهِ «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ، وَقَوْلُهُ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 أَبُو الْخَطَّابِ: يَخْرُجُ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ وَارِثٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ أُمٌّ وَجَدٌّ، فَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ جَدَّةٌ وَأَخٌ، فَعَلَى الْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْأَخِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حِسَابُ النَّفَقَاتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَمَنْ لَهُ ابْنٌ   [المبدع في شرح المقنع] وَكَانَ مِسْطَحٌ ابْنَ خَالَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَيَدْخُلُونَ فِي قَوْلِهِ {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] وَأَوْجَبَهَا جَمَاعَةٌ لِعَمُودَيِ نَسَبِهِ فَقَطْ (وَإِنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ وَارِثٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ مِنْهُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْإِرْثِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْمِقْدَارِ عَلَيْهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّغِيرَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَارِثِهِ مُطْلَقًا (فَإِذَا كَانَ أُمٌّ وَجَدٌّ، فَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ) لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ. 1 - مَسَائِلُ: ابْنٌ وَبِنْتٌ: النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا. أُمٌّ، وَابْنٌ: عَلَى الْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي عَلَى الِابْنِ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتٌ، وَابْنُ ابْنٍ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ. أُمٌّ وَبِنْتٌ: النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَرْبَاعًا كَمِيرَاثِهِمَا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتٌ، وَابْنُ بِنْتٍ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ. (وَإِنْ كَانَتْ لَهُ جَدَّةٌ وَأَخٌ، فَعَلَى الْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْأَخِ) لِأَنَّ مِيرَاثَهُمَا مِنْهُ كَذَلِكَ (وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حِسَابُ النَّفَقَاتِ) يَعْنِي: أَنَّ تَرْتِيبَ النَّفَقَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، فَكَمَا أَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ مِنَ الْمِيرَاثِ كَذَلِكَ عَلَيْهَا سُدُسُ النَّفَقَةِ، وَالْبَاقِي عَلَى الْأَخِ ; لِأَنَّ الْبَاقِيَ لَهُ، وَلَوِ اجْتَمَعَ بِنْتٌ وَأُخْتٌ، أَوْ بِنْتٌ وَأَخٌ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِّقَاتٍ، فَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رَدٌّ، أَوْ عَوْلٌ، أَوْ لَا. وَلَوِ اجْتَمَعَ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي النَّفَقَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمِيرَاثِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 فَقِيرٌ وَأَخٌ مُوسِرٌ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا. وَمَنْ لَهُ أُمٌّ فَقِيرَةٌ وَجَدَّةٌ مُوسِرَةٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا. وَمَنْ كَانَ صَحِيحًا مُكَلَّفًا لَا حِرْفَةَ لَهُ سِوَى الْوَالِدَيْنِ، فَهَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ؛ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": مَا دَامَتْ أُمُّهُ أَحَقَّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَمِثْلُهُ الْوَلَدُ، أَيْ: يَخْتَصُّ الْوَلَدُ بِنَفَقَةِ وَالِدِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: الْقِيَاسُ فِي أَبٍ، وَابْنٍ أَنْ يَلْزَمَ الْأَبَ سُدُسٌ فَقَطْ، لَكِنْ تَرَكَهُ أَصْحَابُنَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " 1 - (وَمَنْ لَهُ ابْنٌ فَقِيرٌ وَأَخٌ مُوسِرٌ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا) الِابْنُ لِعُسْرَتِهِ، وَالْأَخُ لِعَدَمِ مِيرَاثِهِ وَيَتَخَرَّجُ فِي كُلِّ وَارِثٍ لَوْلَا الْحَجْبُ إِذَا كَانَ مَنْ يَحْجُبُهُ مُعْسِرًا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالثَّانِي: عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِوُجُودِ الْقَرَابَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِرْثِ، وَالْإِنْفَاقِ. صَحَّحَهُ السَّامِرِيُّ وَصَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ بِذَلِكَ، وَالْمَانِعُ مِنَ الْإِرْثِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِنْفَاقِ ; لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ، لَا يُمْكِنُهُ الْإِنْفَاقُ فَوُجُودُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْفَاقِ كَعَدَمِهِ (وَمَنْ لَهُ أُمٌّ فَقِيرَةٌ وَجَدَّةٌ مُوسِرَةٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى الْجَدَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَارِثَ الْقَرِيبَ الْمُعْسِرَ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ بَعِيدٍ مُوسِرٍ مِنْ عَمُودَيِ النَّسَبِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَجَبَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُوسِرِ، فَأَبٌ مُعْسِرٌ مَعَ جَدٍّ مُوسِرٍ، النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إِلَى وَلَدِ ابْنَتِهِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْحَسَنِ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» فَسَمَّاهُ ابْنَهُ، وَهُوَ ابْنُ بِنْتِهِ، فَإِذَا مَنَعَ مَنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إِلَيْهِمْ لِقَرَابَتِهِمْ وَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ نَفَقَتُهُمْ مَعَ حَاجَتِهِمْ، وَبَنَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الرِّوَايَاتِ (وَمَنْ كَانَ صَحِيحًا مُكَلَّفًا، لَا حِرْفَةَ لَهُ سِوَى الْوَالِدَيْنِ، فَهَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) لَا يُشْتَرَطُ فِي نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ نَقْصُ الْخِلْقَةِ، وَلَا نَقْصُ الْأَحْكَامِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِهِنْدٍ: «خُذِي مَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ إِلَّا نَفَقَةَ وَاحِدٍ بَدَأَ بِالْأَقْرَبِ، فَالْأَقْرَبِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] يَكْفِيكِ وَوَلَدَكَ بِالْمَعْرُوفِ» وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ بَالِغًا، وَلَا صَحِيحًا، وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فَقِيرٌ فَاسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ عَلَى وَالِدِهِ الْغَنِيِّ كَالزَّمِنِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْوَالِدَيْنِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَلَدِ، فَكَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: يَلْزَمُ ; لِأَنَّهُ فَقِيرٌ، وَالثَّانِيَةُ: إِنْ كَانَ يَكْتَسِبُ فَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ تَلْزَمْ نَفَقَتُهُ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى كَسْبِ مَا يَقُومُ بِهِ فَتَلْزَمُ نَفَقَتُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، سَوَاءٌ كَانَ نَاقِصَ الْأَحْكَامِ، أَوِ الْخِلْقَةِ، وَظَاهِرُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، أَوَلَيْسَ بِمُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ، بَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّ عَجْزَهُمَا أَبَلَغُ مِنْ عَجْزِ غَيْرِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ، فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّ الْحِرْفَةَ تُغْنِيهِ وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ لَا تَجِبُ إِلَّا مَعَ الْفَقْرِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْحِرْفَةُ يَحْصُلُ بِهَا غِنَاهُ، فَإِنْ لَمْ تُغْنِهِ، فَالْخِلَافُ. وَعَنْهُ لَا نَفَقَةَ لِفَقِيرٍ غَيْرُ عَمُودَيِ النَّسَبِ، وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُعْدِمَ الْكَسْبُ لِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ؛ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأُولَةِ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ: يَلْزَمُهُ. 1 - (وَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ إِلَّا نَفَقَةُ وَاحِدٍ بَدَأَ) بِامْرَأَتِهِ ; لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ، ثُمَّ بِرَقِيقِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ وَيُقَدَّمُ مَنْ يَخْدُمُهُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ (بِالْأَقْرَبِ، فَالْأَقْرَبِ) لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، ثُمَّ الْعَصَبَةِ، ثُمَّ التَّسَاوِي، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ وَارِثٌ، ثُمَّ التَّسَاوِي، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": فَإِنِ اسْتَوَيَا قَدَّمَ الْعَصَبَةَ عَلَى غَيْرِهِ وَإِلَّا فُهِمَا سَوَاءٌ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ مَنِ امْتَازَ بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ، فَإِنْ تَعَارَضَتِ الْمَزِيَّتَانِ، أَوْ فُقِدَتَا فَهُمَا سَوَاءٌ (فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا) هَذَا هُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ لِتَسَاوِيهِمَا، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْأُمُّ ; لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِرِّ وَلَهَا فَضِيلَةُ الْحَمْلِ، وَالرَّضَاعِ، وَالتَّرْبِيَةِ، فَهُوَ أَضْعَفُ مِنْهَا، وَالْمَذْهَبُ يُقَدِّمُ الْأَبَ عَلَيْهَا لِفَضِيلَتِهِ، وَانْفِرَادِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 أَبَوَانِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ابْنٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ، وَالثَّانِي: يُقَدِّمُهُ عَلَيْهِمَا، وَالثَّالِثُ: يُقَدِّمُهُمَا عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَجَدٌّ، أَوِ ابْنٌ،   [المبدع في شرح المقنع] بِالْوِلَايَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ابْنٌ) وَهُمَا صَحِيحَانِ (فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ) لِتُسَاوِيهِمْ فِي الْقُرْبِ (وَالثَّانِي: يُقَدِّمُهُ عَلَيْهِمَا) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِالنَّصِّ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الِابْنُ أَحَقُّ بِالنَّفَقَةِ مِنْهَا، وَهِيَ أَحَقُّ بِالْبِرِّ (وَالثَّالِثُ: يُقَدِّمُهُمَا عَلَيْهِ) لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا آكَدُ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا قُدِّمَ ; لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَجَبَتْ بِالنَّصِّ مَعَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الْكَسْبِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، وَالْأَبُ زَمِنٌ، فَهُوَ أَحَقُّ ; لِأَنَّ حُرْمَتَهُ آكَدُ، وَحَاجَتَهُ أَشَدُّ. مَسْأَلَةٌ: أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، أَبُو أَبٍ أَوْلَى مِنْ أَبِي الْأُمِّ لِامْتِيَازِهِ بِالتَّعْصِيبِ، وَمَعَ أَبِي أَبِي أَبٍ يَسْتَوِيَانِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَبُو أُمٍّ، وَفِي " الْفُصُولِ " احْتِمَالُ عَكْسِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يُقَدَّمُ الْأَحْوَجُ فِي الْكُلِّ. وَاعْتُبِرَ فِي " التَّرْغِيبِ " بِإِرْثٍ، وَأَنَّ مَعَ الِاجْتِمَاعِ يُوَزَّعُ لَهُمْ بِقَدْرِ إِرْثِهِمْ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا كَانَ مَنْ تُجِبُ عَلَيْهِ خُنْثَى مُشْكِلٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ، فَإِنِ انْكَشَفَ حَالُهُ فَبَانَ أَنَّهُ أَنْفَقَ أَكْثَرَ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ أَنْفَقَ أَقَلَّ رَجَعَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مُوسِرًا لَزِمَهُ بِقَدْرِ إِرْثِهِ، وَعَنْهُ: الْكُلُّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَمِثْلُهُ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حَاضِرًا، وَتَعَذَّرَ أَخْذُ نَصِيبِ الْغَائِبِ. 1 (وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَجَدٌّ، أَوِ ابْنٌ، وَابْنُ ابْنٍ، فَالْأَبُ وَالِابْنُ أَحَقُّ) لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ وَأَحَقُّ بِمِيرَاثِهِ كَالْأَبِ مَعَ الْأَخِ، وَقِيلَ: بِالتَّسَاوِي، أَيْ: يَسْتَوِي الْجَدُّ، وَالْأَبُ، وَالِابْنُ، وَابْنُهُ لِتُسَاوِيهِمَا فِي الْوِلَادَةِ، وَالتَّعْصِيبِ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ سَهْوٌ مِنَ الْقَاضِي، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": إِذَا اجْتَمَعَ ابْنٌ وَجَدٌّ، أَوْ أَبٌ، وَابْنُ ابْنٍ - احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: تَقْدِيمُ الِابْنِ، وَالْأَبِ لِقُرْبِهِمَا، وَلَا يَسْقَطُ إِرْثُهُمَا بِحَالٍ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 وَابْنُ ابْنٍ، فَالْأَبُ وَالِابْنُ أَحَقُّ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ. وَقِيلَ فِي عَمُودَيِ النَّسَبِ: رِوَايَتَانِ، وَإِنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ مُدَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ وَمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَيُحْتَمَلُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْإِرْثِ، وَالتَّعْصِيبِ، وَالْوِلَادَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ) أَيْ: إِذَا كَانَ دِينُ الْقَرِيبَيْنِ مُخْتَلِفًا، فَلَا نَفَقَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ; لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، وَلَا وِلَايَةَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا (وَقِيلَ فِي عَمُودَيِ النَّسَبِ: رِوَايَتَانِ) ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، إِحْدَاهُمَا: تَجِبُ ; لِأَنَّ نَفَقَتَهُ مَعَ اتِّفَاقِ الدِّينِ، فَتَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَجِبُ، وَنَصَرَهَا فِي " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ، وَالصِّلَةِ، فَلَمْ تَجِبْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ كَأَدَاءِ زَكَاتِهِ إِلَيْهِ وَعَقْلِهِ عَنْهُ وَإِرْثِهِ مِنْهُ. (وَإِنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ مُدَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ) كَذَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ " لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ وَجَبَتْ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ وَإِحْيَاءِ النَّفْسِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي الْمَاضِي بِدُونِهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ، لَا بِفَرْضِ حَاكِمٍ ; لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِفَرْضِهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": لَا تَلْزَمُهُ، وَإِنْ فُرِضَتْ إِلَّا أَنْ يُسْتَدَانَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَسْتَدِينُ عَلَيْهِ، فَلَا تَرْجِعُ إِنِ اسْتَغْنَى بِكَسْبٍ، أَوْ نَفَقَةِ مُتَبَرِّعٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَأْخُذُ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ بِلَا إِذْنٍ كَزَوْجَةٍ، نَقَلَ ابْنَاهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ بِلَا إِذْنِهِ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا احْتَاجَ، وَلَا يَتَصَدَّقُ (وَمَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ رَجُلٍ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَخَادِمٌ تَحْتَاجُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْإِعْفَافِ إِلَّا بِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَلْزَمُهُ ; لِأَنَّ بِنْيَتَهُ تَقُومُ بِدُونِ الْمَرْأَةِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ نَفْسِهِ. وَحَمَلَهَا فِي " الشَّرْحِ " عَلَى أَنَّ الِابْنَ كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا، وَعَنْهُ: تَجِبُ كَزَوْجَةِ الْأَبِ فَقَطْ، وَعَنْهُ: تَجِبُ فِي عَمُودَيِ النَّسَبِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِعْفَافِ، وَيَلْزَمُهُ إِعْفَافُ أَبِيهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ، وَكَذَا ابْنُهُ إِذَا لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ، وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ حُرَّةً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ رَجُلٍ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَصْلٌ وَتَجِبُ نَفَقَةُ ظِئْرِ الصَّبِيِّ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَلَيْسَ لِلْأَبِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا إِذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَإِنْ طَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا وَوَجَدَ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِرَضَاعِهِ   [المبدع في شرح المقنع] تُعِفُّهُ، أَوْ بِسِرِّيَّةٍ، وَلَا يَمْلِكُ اسْتِرْجَاعَ أَمَةٍ أَعَفَّهُ بِهَا مَعَ غِنَاهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ تَائِقٌ بِلَا يَمِينٍ وَيُعْتَبَرُ عَجْزُهُ، وَيَكْفِي إِعْفَافُهُ بِوَاحِدَةٍ، وَيُعِفُّهُ ثَانِيًا إِنْ مَاتَتْ، وَقِيلَ: لَا كَمُطَلِّقٍ لِعُذْرٍ فِي الْأَصَحِّ، وَيَلْزَمُهُ إِعْفَافُ أُمِّهِ كَالْأَبِ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ سَلَّمَ، فَالْأَبُ آكَدُ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَصَوَّرُ وِلَايَةً بِالتَّزْوِيجِ وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إِعْفَافُ كُلِّ إِنْسَانٍ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. [فَصْلٌ: نَفَقَةُ ظِئْرِ الصَّبِيِّ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ] فَصْلٌ (وَتَجِبُ نَفَقَةُ ظِئْرِ الصَّبِيِّ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَعَبَّرَ فِي " الْفُرُوعِ " صَغِيرٌ، وَهُوَ أَوْلَى: حَوْلَيْنِ (عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) لِأَنَّ نَفَقَةَ ظِئِرَ الصَّغِيرِ كَنَفَقَةِ الْكَبِيرِ، وَيَخْتَصُّ وَجُوبُهَا بِالْأَبِ وَحْدَهُ (وَلَيْسَ لِلْأَبِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا إِذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ) أَيْ: إِذَا طَلَبَتِ الْأُمُّ رَضَاعَ وَلَدِهَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا، وَلَوْ أَرْضَعَهُ غَيْرُهَا مَجَّانًا فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَهُ، أَوْ بَائِنًا مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ، وَهُوَ خَبَرٌ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ وَالِدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ وَلَبَنُهَا أَمْرَأُ، وَقِيلَ: بَلَى فِي حِبَالِهِ كَخِدْمَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهَا (وَإِنْ طَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا وَوُجِدَ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِرَضَاعِهِ فَهِيَ أَحَقُّ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ فِي إِرْضَاعِ غَيْرِهَا تَفْوِيتًا لِحَقِّ الْأُمِّ مِنَ الْحَضَانَةِ وَإِضْرَارًا بِالْوَلَدِ، فَإِنْ طَلَبَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهَا، وَوُجِدَ مَنْ تُرْضِعُهُ مُتَبَرِّعَةً، أَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا جَازَ انْتِزَاعُهُ مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: هِيَ أَحَقُّ بِمَا يَطْلُبُ بِهِ مِنَ الْأُجْرَةِ، لَا بِأَكْثَرَ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ ": إِنِ اسْتَأْجَرَهَا مَنْ هِيَ تَحْتَهُ لِرَضَاعِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 فَهِيَ أَحَقُّ. (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) وَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنْ رَضَاعِهِ لَمْ تُجْبَرْ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهَا وَيُخْشَى عَلَيْهِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الظِّئْرِ لِمَا زَادَ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَلَدِهِ لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نَفْعَهَا كَاسْتِئْجَارِهَا لِلْخِدْمَةِ شَهْرًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُرْضِعَةً إِلَّا بِتِلْكَ الْأُجْرَةِ، فَالْأُمُّ أَحَقُّ (وَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنْ رَضَاعِهِ لَمْ تُجْبَرْ) إِذَا كَانَتْ مُفَارِقَةً، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ فِي حِبَالِ الزَّوْجِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ وَإِنِ اخْتَلَفَا فَقَدْ تَعَاسَرَا، وَلِأَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى الرَّضَاعِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِحَقِّ الْوَلَدِ، أَوِ الزَّوْجِ، أَوْ لَهُمَا، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِحَقِّ الزَّوْجِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِجْبَارَهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا عَلَى خِدْمَتِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَا لِحَقِّ الْوَلَدِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ لَلَزِمَهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا يَلْزَمُ الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ كَالنَّفَقَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُمَا لَثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالِ الْإِنْفَاقِ وَعَدَمِ التَّعَاسُرِ (إِلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إِلَيْهَا وَيُخْشَى عَلَيْهِ) بِأَنْ لَا تُوجَدَ مُرْضِعَةٌ سِوَاهَا، أَوْ لَا يَقْبَلُ الصَّغِيرُ الِارْتِضَاعَ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ مِنْ رَضَاعِهِ ; لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ وَحَفِظٌ لِنَفْسِ وَلَدِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ غَيْرُهَا (وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الظِّئْرِ لِمَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَلَمْ تَلْزَمْهُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الْكَمَالِ، أَشْبَهَ الْحَلْوَى وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُفْطَمُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ إِلَّا بِرِضَا أَبَوَيْهِ مَا لَمْ يَنْضَرَّ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " هُنَا يَحْرُمُ رَضَاعُهُ بَعْدَهُمَا، وَلَوْ رَضِيَا، وَظَاهِرُ " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " إِبَاحَتُهُ مُطْلَقًا (وَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ فَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا) مُطْلَقًا ; لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الزَّوْجِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فِي كُلِّ الزَّمَانِ سِوَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، فَالرَّضَاعُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، فَكَانَ لَهُ مَنْعُهَا كَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ (إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهَا) فَإِنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ وَحَفِظٌ لِنَفْسِ وَلَدِهَا، فَقَدَّمَ عَلَى الزَّوْجِ كَتَقْدِيمِ الْمُضْطَرِّ عَلَى الْمَالِكِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ. فَرْعٌ: إِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلرَّضَاعِ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ صَحَّ النِّكَاحُ، وَلَمْ يَمْلِكِ الزَّوْجُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ، وَلَا مَنْعَهَا مِنَ الرَّضَاعِ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ ; لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُلِكَتْ بِعَقْدٍ سَابِقٍ، أَشْبَهَ مَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 الْحَوْلَيْنِ، وَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ فَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهَا. فَصْلٌ وَعَلَى السَّيِّدِ الْإِنْفَاقُ عَلَى رَقِيقِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَتَزْوِيجِهِمْ إِذَا طَلَبُوا   [المبدع في شرح المقنع] لَوِ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَلِلزَّوْجِ الثَّانِي وَطْؤُهَا مَا لَمْ يَفْسَدِ اللَّبَنُ، فَإِنْ فَسَدَ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ، وَالْأَشْهَرُ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ، فَإِنْ شَرَطَتْ قِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَنَّهَا تُرْضِعُهُ فَلَهَا شَرْطُهَا. [فَصْلٌ إِنْفَاقُ السَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ] فَصْلٌ (وَعَلَى السَّيِّدِ الْإِنْفَاقُ عَلَى رَقِيقِهِ) عُرْفًا، وَلَوْ آبِقٌ وَأَمَةٌ نَاشِزٌ (قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ) مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ كَانَ قُوتَ سَيِّدِهِ، أَوْ دُونَهُ، أَوْ فَوْقَهُ، وَأُدْمٌ مِثْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ (وَكِسَوْتُهُمْ) مُطْلَقًا، أَيْ: لِأَمْثَالِ الرَّقِيقِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَكَذَا الْمَسْكَنُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ ; لِأَنَّهُ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَبَهِيمَتِهِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّقِيقِ صَنْعَةٌ يَتَكَسَّبُ بِهَا (وَ) لَهُ (تَزْوِيجُهُمْ إِذَا طَلَبُوا ذَلِكَ) كَالنَّفَقَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلِأَنَّهُ يَخَافُ مَنْ تَرَكَ إِعْفَافَهُ الْوُقُوعَ فِي الْمَحْظُورِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَزْوِيجِهِ، أَوْ تَمْلِيكِهِ أَمَةً، وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ إِذَا كَانَ كَبِيرًا (إِلَّا الْأَمَةَ إِذَا كَانَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ وَإِزَالَةُ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ، وَإِنْ شَاءَ زَوْجُهَا إِذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُكَاتَبَةً بِشَرْطِهِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يَلْزَمُهُ تَزْوِيجُ الْمُكَاتَبَةِ بِطَلَبِهَا، وَلَوْ وَطِئَهَا وَأُبِيحَ بِالشَّرْطِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 ذَلِكَ. إِلَّا الْأَمَةَ إِذَا كَانَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا، وَلَا يُكَلِّفُهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَ. وَيُرِيحُهُمْ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ وَالنَّوْمِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَيُدَاوِيهِمْ إِذَا مَرِضُوا وَيُرْكِبُهُمْ عُقْبَةً إِذَا   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا لِمَا فِيهِ مِنِ اكْتِسَابِ الْمَهْرِ فَمَلَكَتْهُ كَأَنْوَاعِ التَّكَسُّبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّ السَّيِّدِ وَإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ أَبَى أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَتَصَدَّقَ فِي أَنَّهُ لَا يَطَأُ عَلَى الْأَصَحِّ. فَرْعٌ: مَنْ غَابَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ، زُوِّجَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ لِحَاجَةِ نَفَقَةٍ، وَكَذَا أَوْ وَطْءٍ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ كَنَفَقَةٍ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " يُزَوِّجُهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ أَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ بَكْرٍ، وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ وَلَدِ أَمَتِهِ الرَّقِيقِ دُونَ زَوْجِهَا، وَيَلْزَمُ حُرَّةً نَفَقَةُ وَلَدِهَا مِنْ عَبْدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمُكَاتَبَةً نَفَقَةُ وَلَدِهَا وَكَسْبُهُ لَهَا وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِقَدْرِ رِقِّهِ وَبَقِيَّتُهَا عَلَيْهِ (وَلَا يُكَلِّفُهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَ) لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ مَشَقَّةٌ كَثِيرَةٌ، وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ الْأَمَةِ بِالرَّعْيِ ; لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ لِبُعْدِهَا عَنْ مَنْ يَذُبُّ عَنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " عَنْ نَقْلِ أَسْمَاءَ النَّوَى عَلَى رَأْسِهَا لِلزُّبَيْرِ مِنْ نَحْوِ ثُلْثَيْ فَرْسَخٍ مِنَ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي سَفَرِ الْمَرْأَةِ الْقَصِيرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَرَعْيِ جَارِيَةِ ابْنِ الْحَكَمِ - فِي مَعْنَاهُ، وَأَوْلَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَفَرٍ شَرْعًا، وَلَا عُرْفًا، وَلَا يَتَأَهَّبُ لَهُ أُهْبَتُهُ. 1 - (وَيُرِيحُهُمْ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ وَالنَّوْمِ، وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ) لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ (وَيُدَاوِيهِمْ إِذَا مَرِضُوا) وُجُوبًا، قَالَهُ جَمَاعَةٌ: لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ تَجِبُ بِالْمِلْكِ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ الصِّغَرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ آخَرِينَ: يُسْتَحَبُّ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ: الْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ، فَالسَّيِّدُ أَحَقُّ بِنَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ، وَلِهَذَا النَّفَقَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمَرَضِ تَلْزَمُهُ مِنَ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ (وَيُرْكِبُهُمْ عُقْبَةً) بِوَزْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 سَافَرَ بِهِمْ، وَإِذَا وَلِيَ أَحَدُهُمْ طَعَامَهُ أَطْعَمَهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى أَطْعَمَهُ مِنْهُ، وَلَا يَسْتَرْضِعُ الْأَمَةَ لِغَيْرِ وَلَدِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ رِيِّهِ، وَلَا يُجْبَرُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُخَارَجَةِ. فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَيْهَا جَازَ، وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَطَلَبَ الْعَبْدُ   [المبدع في شرح المقنع] غُرْفَةٍ، وَهِيَ النَّوْبَةُ (إِذَا سَافَرَ بِهِمْ) لِئَلَّا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَمَعْنَاهُ يُرْكِبُهُ تَارَةً وَيُمْشِيهِ أُخْرَى (وَإِذَا وَلِيَ أَحَدُهُمْ طَعَامَهُ أَطْعَمَهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى أَطْعَمَهُ مِنْهُ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إِذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَّانَهُ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُرَوِّغْ لَهُ اللُّقْمَةَ، وَاللُّقْمَتَيْنِ» وَمَعْنَى التَّرْوِيغِ غَمْسُهَا فِي الْمَرَقِ، وَالدَّسَمِ وَدَفَعُهَا إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْحَاضِرَ تَتُوقُ نَفْسُهُ إِلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا يَأْكُلُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا يَسْتَرْضِعُ الْأَمَةَ لِغَيْرِ وَلَدِهَا) لِأَنَّ فِيهِ إِضْرَارًا بِوَلَدِهَا لِلنَّقْصِ مِنْ كِفَايَتِهِ وَصَرْفِ اللَّبَنِ الْمَخْلُوقِ لَهُ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ كَنَقْصِ الْكَبِيرِ عَنْ كِفَايَتِهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ رِيِّهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدِ اسْتَغْنَى عَنْهُ الْوَلَدُ، فَكَانَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَدُهَا وَبَقِيَ لَبَنُهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إِجَارَتُهَا بِلَا إِذْنِ زَوْجٍ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِرَضَاعٍ وَحَضَانَةٍ، وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيءُ إِذَا آجَرَهَا فِي مُدَّةِ حَقِّ الزَّوْجِ، فَلَوْ آجَرَهَا فِي غَيْرِهِ تَوَجَّهَ الْجَوَازُ وَإِطْلَاقُهُ مُقَيَّدٌ بِتَعْلِيلِهِ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَلَّا يَلْزَمَ تَقْيِيدُهُ بِهِ، فَأَمَّا إِنْ ضَرَّ ذَلِكَ بِهَا لَمْ يَجُزْ (وَلَا يُجْبَرُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُخَارَجَةِ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِ خَرَاجًا مَعْلُومًا يُؤَدِّيَهُ إِلَى سَيِّدِهِ، وَمَا فَضَلَ لِلْعَبْدِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدٌ بَيْنَهُمَا، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْكِتَابَةِ (فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَيْهَا جَازَ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ كَسْبِهِ فَأَقَلَّ بَعْدَ نَفَقَتِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا طَيِّبَةَ حَجَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُ أَجْرَهُ وَأَمَرَ مُوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَضْرِبُونَ عَلَى رَقِيقِهِمْ خَرَاجًا، وَرُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ كُلَّ يَوْمٍ، وَجَاءَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 الْبَيْعَ لَزِمَهُ بَيْعُهُ وَلَهُ تَأْدِيبُ رَقِيقِهِ بِمَا يُؤَدِّبُ بِهِ وَلَدَهُ وَامْرَأَتَهُ. وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ   [المبدع في شرح المقنع] يُخَفِّفَ عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ، أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ كَسْبِهِ لَمْ يَجُزْ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِنَّ قَدَّرَ خَرَاجًا بِقَدْرِ كَسْبِهِ لَمْ يُعَارَضْ، وَهُوَ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي هَدِيَّةِ طَعَامٍ وَإِعَارَةِ مَتَاعٍ وَعَمَلِ دَعْوَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَإِنَّ فَائِدَةَ الْمُخَارَجَةِ تَرْكُ الْعَمَلِ بَعْدَ الضَّرِيبَةِ 1 - (وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَطَلَبَ الْعَبْدُ الْبَيْعَ لَزِمَهُ بَيْعُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ كَزَوْجَةٍ، وَقَالَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَغَيْرِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، سَوَاءٌ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ ذَلِكَ لِعَجُزٍ، أَوْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مَعَ الْإِخْلَالِ بِسَدِّ أَمْرِهِ إِضْرَارٌ بِهِ، وَإِزَالَةُ الضَّرَرِ وَاجِبَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «جَارِيَتُكَ تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي إِلَى مَنْ تَتْرُكُنِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ: أَتُبَاعُ الْجَارِيَةُ وَهُوَ يَكْسُوهَا وَيُطْعِمُهَا؛ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَحْتَاجَ إِلَى زَوْجٍ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إِزَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ مَعَ الْقِيَامِ بِمَا يَجِبُ لَهَا، وَلَا عَلَى بَيْعِ بَهِيمَةٍ مَعَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا. (وَلَهُ تَأْدِيبُ رَقِيقِهِ) عَبْدًا كَانَ، أَوْ أَمَةً (بِمَا يُؤَدِّبُ بِهِ وَلَدَهُ وَامْرَأَتَهُ) أَيْ: لَهُ تَأْدِيبُهُمَا بِالتَّوْبِيخِ، وَالضَّرْبِ كَمَا يُؤَدِّبُ وَلَدَهُ وَامْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَلَيْسَ لَهُ ضَرْبُهُ عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ، وَلَا أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا إِنْ أَذْنَبَ، وَلَا لَطْمُهُ فِي وَجْهِهِ ; لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ لَطَمَ غُلَامَهُ فَكَفَّارَتُهُ عِتْقُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: لَا يَضْرِبُ إِلَّا فِي ذَنْبٍ بَعْدَ عَفْوِهِ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَلَا يَضْرِبُهُ شَدِيدًا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَضْرِبُهُ إِلَّا فِي ذَنْبٍ عَظِيمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا» وَيُقَيِّدُهُ إِذَا خَافَ عَلَيْهِ، وَيَضْرِبُهُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ وَافَقَهُ، وَإِلَّا بَاعَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 سَيِّدِهِ. وَقِيلَ: يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ سَيِّدُهُ أَمَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّسَرِّي بِهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] اللَّهِ» . 1 - (وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ عَلَى رِوَايَتَيِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، بَلِ الْخِرَقِيُّ وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: إِنَّهُ لَا يُمَلَّكُ وَيُبَاحُ لَهُ التَّسَرِّي، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَيَتَسَرَّى الْعَبْدُ؛ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى هَذَا، قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَمَنِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] الْآيَةَ، فَأَيُّ مِلْكٍ لِلْعَبْدِ؛ قَالَ: إِذَا مَلَكَهُ مَلَكَ، يَقُولُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنِ اشْتَرَى عَبْدَا وَلَهُ مَالٌ فَقَدْ جَعَلَ لَهُ مِلْكًا» وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِمَّنِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ فِي النِّكَاحِ فَمَلَكَ التَّسَرِّي كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ فَيَمْلِكُ الْمَالَ كَالْحُرِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِآدَمِيَّتِهِ يَتَمَهَّدُ لِأَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ إِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْأَمْوَالَ لِلْآدَمِيِّينَ لِيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ التَّكَالِيفِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْجَنِينِ مَعَ كَوْنِهِ نُطْفَةً لَا حَيَاةَ فِيهَا - بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ إِلَى الْآدَمِيَّةِ، فَالْعَبْدُ الَّذِي هُوَ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا تَسَرَّى بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَنَّ الْوَلَدَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَأَطْلَقَ تَسَرَّى بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ كَالتَّزْوِيجِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَلَهُ التَّسَرِّي بِمَا شَاءَ. نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ التَّسَرِّي جَازَ لَهُ بِغَيْرِ حَصْرٍ كَالْحُرِّ (وَقِيلَ: يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ) كَذَا بَنَاهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ مَنْ بَعْدَهُ. احْتَجَّ الْمَانِعُ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ، وَالْوَطْءُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي نِكَاحٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ لِلنَّصِّ. وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُ بِمَا سَلَفَ إِذِ الشَّارِعُ يُثْبِتُ مِنَ الْمِلْكِ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ وَيَمْنَعُ مَا فِيهِ فَسَادُهُمْ، وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إِلَى النِّكَاحِ، فَالْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِي ثُبُوتَ مِلْكِ الْبِضْعِ لَهُ، وَإِلَّا فَكَوْنُ الْعَبْدِ يَمْلِكُ مُطْلَقًا إِضْرَارٌ بِالسَّيِّدِ، وَمَنْعُهُ مُطْلَقًا إِضْرَارٌ بِهِ، فَالْعَدْلُ ثُبُوتُ قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ - مَمْنُوعٌ (وَلَوْ وَهَبَ لَهُ سَيِّدُهُ أَمَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّسَرِّي بِهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ) لِأَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 فَصْلٌ وَعَلَيْهِ إِطْعَامُ بَهَائِمِهِ وَسَقْيُهَا. وَأَلَّا يُحَمِّلَهَا مَا لَا تُطِيقُ وَلَا يَحْلِبُ مِنْ لَبَنِهَا مَا   [المبدع في شرح المقنع] الْهِبَةَ إِنْ لَمْ تَصِحَّ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ صَحَّتْ فَالْعَبْدُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ هِبَةَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَنْقِيصِ الْمَالِ مَرَّةً، وَإِلَى الْإِعْدَامِ أُخْرَى ; لِأَنَّهَا رُبَّمَا حَمَلَتْ، وَذَلِكَ تَنْقِيصٌ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ، وَرُبَّمَا مَاتَتْ مِنْهُ، وَذَلِكَ إِعْدَامٌ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ فِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ كَالنِّكَاحِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: حَيْثُ يَجِبُ إِعْفَافُهُ، وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِضْعًا أُبِيحَ لَهُ وَطْؤُهُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ. فَرْعٌ: إِذَا مَلَكَ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ فَلَهُ وَطْؤُهَا بِلَا إِذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَقْيَسِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. [فَصْلٌ: إِطْعَامُ الْبَهَائِمِ وَسَقْيُهَا] فَصْلٌ (وَعَلَيْهِ إِطْعَامُ بَهَائِمِهِ وَسَقْيُهَا) وَإِقَامَةُ مَنْ يَرْعَاهَا لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، قَالَ فِي " الْغُنْيَةِ ": وَيُكْرَهُ لَهُ إِطْعَامُهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَإِكْرَاهُهُ عَلَى الْأَكْلِ عَلَى مَا اتَّخَذَهُ النَّاسُ عَادَةً لِأَجْلِ التَّسْمِينِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ عَبَثًا، قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ (وَأَلَّا يُحَمِّلَهَا مَا لَا تُطِيقُ) لِأَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَ تَكْلِيفَ الْعَبْدِ مَا لَا يُطِيقُ، وَالْبَهِيمَةُ فِي مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ حُرْمَةٌ فِي نَفْسِهِ وَإِضْرَارًا بِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَلَا يَحْلِبُ مِنْ لَبَنِهَا مَا يَضُرُّ بِوَلَدِهَا) لِأَنَّ كِفَايَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَالِكِهِ، أَشْبَهَ وَلَدَ الْأَمَةِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُعَلِّقَ عَلَيْهَا جَرَسًا، أَوْ وَتَرًا، أَوْ جَزَّ مَعْرِفَةٍ وَنَاصِيَةٍ، وَفِي جَزِّ ذَنَبِهَا رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا الْكَرَاهَةُ (وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهَا، أَوْ إِجَارَتِهَا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 يَضُرُّ بِوَلَدِهَا، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهَا، أَوْ إِجَارَتِهَا، أَوْ ذَبْحِهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُبَاحُ أَكْلُهُ. بَابُ الْحَضَانَةِ أَحَقُّ النَّاسِ بِحَضَانَةِ الطِّفْلِ، وَالْمَعْتُوهِ أُمُّهُ. ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا، الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] أَوْ ذَبْحِهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُبَاحُ أَكْلُهُ) لِأَنَّهَا نَفَقَةُ حَيَوَانٍ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، فَكَانَ لِلْحَاكِمِ إِجْبَارُهُ عَلَيْهَا كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْبَيْعِ بِيعَتْ عَلَيْهِ كَمَا يُبَاعُ الْعَبْدُ إِذَا طَلَبَهُ بِإِعْسَارِ سَيِّدِهِ بِنَفَقَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ أُجْبِرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا كَالْعَبْدِ الزَّمِنِ، وَذَكَرَ فِي " الْكَافِي " أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهَا، فَإِنْ أَبَى أُكْرِيَتْ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا بِيعَتْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ أَلَّا يُجْبَرَ وَيَأْمُرُهُ بِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ ; لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا يَثْبُتُ لَهَا حَقٌّ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الدَّعْوَى، وَلَا يَنْصَبُ عَنْهَا خَصْمٌ فَصَارَتْ كَالزَّرْعِ، وَالشَّجَرِ. وَجِيفَتُهَا لَهُ، وَنَقْلُهَا عَلَيْهِ، قَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. [بَابُ الْحَضَانَةِ] [أَحَقُّ النَّاسِ بِحَضَانَةِ الطِّفْلِ] بَابُ الْحَضَانَةِ الْحَضَانَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ مَصْدَرُ حَضَنْتُ الصَّغِيرَ حَضَانَةً، أَيْ: تَحَمَّلْتُ مُؤْنَتَهُ وَتَرْبِيَتَهُ، وَالْحَاضِنَةُ الَّتِي تُرَبِّي الطِّفْلَ، سُمِّيَتْ بِهِ ; لِأَنَّهَا تَضُمُّ الطِّفْلَ إِلَى حُضْنِهَا، وَهِيَ وَاجِبَةٌ ; لِأَنَّهُ يَهْلِكُ بِتَرْكِهِ فَوَجَبَ حِفْظُهُ عَنِ الْهَلَاكِ كَمَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ، وَإِنْجَاؤُهُ مِنَ الْمَهَالِكِ. وَمُسْتَحَقُّهَا رَجُلٌ عَصَبَةٌ وَامْرَأَةٌ وَارِثَةٌ، أَوْ مُدْلِيَةٌ بِوَارِثٍ كَخَالَةٍ وَبَنَاتِ أَخَوَاتٍ، أَوْ مُدْلِيَةٌ بِعَصَبَةٍ كَبَنَاتِ إِخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ، ثُمَّ هَلْ تَكُونُ لِحَاكِمٍ، أَوْ لِبَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، ثُمَّ لِحَاكِمٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. (أَحَقُّ النَّاسِ بِحَضَانَةِ الطِّفْلِ، وَالْمَعْتُوهِ) وَهُوَ الْمُخْتَلُّ الْعَقْلَ (أُمُّهُ) أَيْ: إِذَا كَانَتْ حُرَّةً عَاقِلَةً عَدْلًا فِي الظَّاهِرِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 الْأَبُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ الْعَمَّةُ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ. وَعَنْهُ: الْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ،   [المبدع في شرح المقنع] وَحِجْرِي لَهُ حَوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلَفْظُهُ لَهُ ; وَلِقَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ، بِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ لِأُمِّهِ، فَقَالَ: رِيحُهَا وَشَمُّهَا وَلُطْفُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْكَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكَرْ، وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ عَلَيْهِ وَأَقْرَبُ، وَلَا يُشَارِكُهَا في القرب إِلَّا الْأَبُ، وَلَيْسَ لَهُ مِثْلُ شَفَقَتِهَا، وَلَا يَتَوَلَّى الْحَضَانَةَ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بِأُجْرَةٍ مِثْلٍ كَرَضَاعٍ، قَالَهُ فِي " الْوَاضِحِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ "، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً، أَوْ كَانَتْ، وَلَمْ تَسْتَوْعِبِ الشُّرُوطَ انْتَقَلَ إِلَى مَنْ يَلِيهَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ الْمُنَبَّهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا) لِأَنَّ وِلَادَتَهُنَّ مُتَحَقِّقَةٌ فَهُنَّ فِي مَعْنَى الْأُمِّ. (الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ) لِأَنَّ الْأَقْرَبَ أَكْمَلُ شَفَقَةً مِنَ الْأَبْعَدِ وَأَقْرَبُ شَبَهًا بِالْأُمِّ. (ثُمَّ الْأَبُ) فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ كَمَالُ شَفَقَتِهِ، يَتَرَجَّحُ بِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِهَا بَعْدَ مَنْ ذُكِرَ. (ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ) لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ، فَإِنْ قِيلَ: الْجَدُّ يُدْلِي بِالْأَقْرَبِ فَسَاوَاهُنَّ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِ؟ قِيلَ: الْأَبَوِيَّةُ مَعَ التَّسَاوِي، فَوَجَبَ الرُّجْحَانُ. دَلِيلُهُ: الْأُمُّ مَعَ الْأَبِ، وَعَنْهُ: أَنَّ أُمَّ الْأَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أُمِّ الْأُمِّ ; لِأَنَّهَا تَدُلِي بِعَصَبَةٍ فَعَلَيْهَا يَكُونُ الْأَبُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ ; لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِهِ، فَيَكُونُ الْأَبُ بَعْدَ الْأُمِّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ (ثُمَّ الْجَدُّ) لِأَنَّهُ أَبٌ، أَوْ بِمَنْزِلَتِهِ، وَمُقْتَضَاهُ تَقْدِيمُهُ بَعْدَ الْأَبِ، تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَبِ لِمَا ذُكِرَ مِنَ التَّرْجِيحِ بِالْأَبَوِيَّةِ (ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ) لِمَا ذُكِرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَبِ، فَإِنْ قِيلَ: الْأَخَوَاتُ يُدْلِينَ بِالْأَبِ، وَهُوَ أَحَقُّ مِنَ الْجَدِّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُدْلِي بِهِ أَحَقَّ مِمَّنْ يُدْلِي بِالْجَدِّ، قِيلَ: أُمَّهَاتُ الْجَدِّ اجْتَمَعَ فِيهِنَّ الْإِدْلَاءُ بِالْجَدِّ وَكَوْنُ الطِّفْلِ بَعْضًا مِنْهُنَّ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْأَخَوَاتِ (ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ) قُدِّمْنَ عَلَى سَائِرِ الْقَرَابَاتِ ; لِأَنَّهُنَّ يُشَارِكْنَ فِي النَّسَبِ، وَقُدِّمْنَ فِي الْمِيرَاثِ، وَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهَا، ثُمَّ مَنْ كَانَتْ لِأَبٍ، ثُمَّ لِأُمٍّ. نَصَّ عَلَيْهِ (ثُمَّ الْخَالَةُ) لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ، وَلِأَنَّ الشَّارِعَ قَدَّمَ خَالَةَ ابْنَةِ حَمْزَةَ عَلَى عَمَّتِهَا صَفِيَّةَ ; لِأَنَّ صَفِيَّةَ لَمْ تَطْلُبْ، وَجَعْفَرٌ طَلَبَ نَائِبًا عَنْ خَالَتِهَا فَقَضَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 وَالْخَالَةُ أَحَقُّ مِنَ الْأَبِ، فَتَكُونُ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَحَقَّ، وَيَكُونُ هَؤُلَاءِ أَحَقَّ مِنَ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَمِنْ جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَخَالَةُ الْأَبِ أَحَقُّ مِنْ خَالَةِ الْأُمِّ، ثُمَّ تَكُونُ لِلْعَصَبَةِ. إِلَّا أَنَّ الْجَارِيَةَ لَيْسَ لِابْنِ عَمِّهَا حَضَانَتُهَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الشَّارِعُ بِهَا لَهَا فِي غَيْبَتِهَا (ثُمَّ الْعَمَّةُ) أَيْ: لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ لِأُمٍّ (فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) كَالْأَخَوَاتِ. قَدْ تَبِعَ الْمُؤَلِّفُ الْقَاضِي وَأَصْحَابَهَ فِي تَقْدِيمِ الْخَالَةِ عَلَى الْعَمَّةِ، وَالْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: فَتَنَاقَضُوا، وَقُدِّمْنَ عَلَى الْأَعْمَامِ ; لِأَنَّهُنَّ نِسَاءٌ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ فَقُدِّمْنَ عَلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ مِنَ الرِّجَالِ كَتَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، ثُمَّ خَالَاتُ أَبَوَيْهِ، ثُمَّ عَمَّاتُ أَبِيهِ، ثُمَّ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ، وَالْأَخَوَاتِ عَلَى الْعَمَّاتِ، وَالْخَالَاتِ وَمَنْ بَعْدَهُنَّ، وَهَلْ تُقَدَّمُ أُمُّ أُمِّهِ عَلَى أُمِّ أَبِيهِ وَأُخْتُهُ لِأُمِّهِ عَلَى أُخْتِهِ لِأَبِيهِ، وَخَالَتُهُ عَلَى عَمَّتِهِ، وَخَالَةُ أُمِّهِ عَلَى خَالَةِ أَبِيهِ، وَخَالَاتُ أَبِيهِ عَلَى عَمَّاتِهِ، وَمَنْ أَدْلَى بِعَمَّةٍ وَخَالَةٍ بِأُمٍّ عَلَى مَنْ أَدْلَى بِأَبٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ (وَعَنْهُ: الْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ، وَالْخَالَةُ أَحَقُّ مِنَ الْأَبِ، فَتَكُونُ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَحَقَّ) لِأَنَّهُنَّ نِسَاءٌ يُدْلِينَ بِالْأُمِّ فَكُنَّ أَوْلَى مِنَ الْأَبِ كَالْجَدَّاتِ (وَيَكُونُ هَؤُلَاءِ أَحَقَّ مِنَ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَمِنْ جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ) لِأَنَّهُنَّ أَحَقُّ مِنَ الْأَبِ، وَالْأَبُ أَحَقُّ مِنَ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَمِنْ جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ، فَعَلَى هَذِهِ تُقَدَّمُ نِسَاءُ الْحَضَانَةِ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُدْلِينَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ نِسَاءِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ وَجِهَتِهِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْعَصَبَةُ عَلَى امْرَأَةٍ مَعَ قُرْبِهِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَوَجْهَانِ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَخَالَةُ الْأَبِ أَحَقُّ مِنْ خَالَةِ الْأُمِّ) فَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَقْدِيمُ قَرَابَةِ الْأَبِ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمِّ ; لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِعَصَبَةٍ فَقُدِّمْنَ كَتَقْدِيمِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ ; لِأَنَّ الْخَالَاتِ أَخَوَاتُ الْأُمِّ، فَيَجْرِينَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالتَّقْدِيمُ فِيمَا بَيْنَهُنَّ مَجْرَى الْأَخَوَاتِ الْمُفْتَرِقَاتِ، وَإِنْ قُلْنَا بِتَقْدِيمِ الْخَالَاتِ فَبِعْدَهُنَّ الْعَمَّاتُ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، فَإِذَا عُدِمْنَ انْتَقَلَتْ إِلَى خَالَةِ الْأَبِ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَعَلَى الصَّحِيحِ إِلَى خَالَةِ الْأُمِّ (ثُمَّ تَكُونُ لِلْعَصَبَةِ) وَأَقْرَبُهُمْ أَبٌ، ثُمَّ جَدُّ، ثُمَّ أَقْرُبُ عَصَبَةٍ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، وَلِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةً وَتَعْصِيبًا بِالْقَرَابَةِ فَتَثْبُتُ لَهُمُ الْحَضَانَةُ كَالْأَبِ، بِخِلَافِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 مَحَارِمِهَا، وَإِذَا امْتَنَعَتِ الْأُمُّ مِنْ حَضَانَتِهَا انْتَقَلَتْ إِلَى أُمِّهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى الْأَبِ. فَإِنْ عُدِمَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ، فَهَلْ لِلرِّجَالِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ حَضَانَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَهُمْ ذَلِكَ، فَيَكُونُ أَبُو الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهُ أَحَقَّ مِنَ الْخَالِ، وَفِي   [المبدع في شرح المقنع] الْأَجَانِبِ، فَإِنَّهُ لَا قَرَابَةَ لَهُمْ، وَلَا شَفَقَةَ (إِلَّا أَنَّ الْجَارِيَةَ لَيْسَ لِابْنِ عَمِّهَا حَضَانَتُهَا) وَعَلَّلَهُ (لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَارِمِهَا) وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِابْنِ الْعَمِّ، بَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ غَيْرِ ذِي مَحْرَمِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ مُمَيَّزَةً، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": إِذَا بَلَغَتْ سَبْعًا لَمْ تُسَلَّمْ إِلَيْهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " تُشْتَهَى، وَاخْتَارَ صَاحِبُ " الْهَدْيِ " مُطْلَقًا، وَحِينَئِذٍ يُسَلِّمُهَا إِلَى ثِقَةٍ يَخْتَارُهَا هُوَ، أَوْ إِلَى مَحْرَمِهِ ; لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَحَاكِمٍ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرَّمٌ، فَإِنْ كَانَ، فَيَجُوزُ لَهُ حَضَانَتُهَا، وَكَذَا قَالَ فِيمَنْ تَزَوَّجَتْ، وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ غَيْرُهَا، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ، وَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْخَبَرِ لِعَدَمِ عُمُومِهِ (وَإِذَا امْتَنَعَتِ الْأُمُّ مِنْ حَضَانَتِهَا انْتَقَلَتْ إِلَى أُمِّهَا) فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ ; لِأَنَّ حَقَّ الْقَرِيبِ سَقَطَ لِمَعْنًى اخْتَصَّ بِهِ، فَاخْتَصَّ السُّقُوطُ بِهِ كَمَا لَوْ سَقَطَ الْمَانِعُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى الْأَبِ) لِأَنَّ أُمَّهَاتِهَا فَرْعٌ عَلَيْهَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا سَقَطَ فَرْعُهَا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَبِ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ بِخِلَافِ الْأُخْتِ لِلْأَبَوَيْنِ وَأَنَّهَا إِذَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا لَمْ يُسْقِطْ حَقَّ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَجْهًا وَاحِدًا ; لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا، وَلَيْسَتْ فَرْعًا عَلَيْهَا (فَإِنَّ عُدِمَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ، فَهَلْ لِلرِّجَالِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ حَضَانَةٌ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَهُمْ ذَلِكَ) لِأَنَّ لَهُمْ رَحِمًا، وَقَرَابَةً يَرِثُونَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمْ، أَشْبَهَ الْبَعِيدَ مِنَ الْعَصَبَةِ (فَيَكُونُ أَبُو الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهُ أَحَقَّ مِنَ الْخَالِ) لِأَنَّهُ يُسْقِطُهُ فِي الْمِيرَاثِ (وَفِي تَقْدِيمِهِمْ عَلَى الْأَخِ مِنَ الْأُمِّ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا: يُقْدَّمُ الْأَخُ مِنْ الْأُمِّ ; لِأَنَّهُ يَرِثُ بِالْفَرْضِ، وَيَسْقُطُ ذَوِي الْأَرْحَامِ كُلُّهُمْ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ فِي الْحَضَانَةِ، وَالثَّانِي: أَبُو الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهُ أَوْلَى مِنْهُ ; لِأَنَّ أَبَا الْأُمِّ يُدْلِي إِلَيْهَا بِالْأُبُوَّةِ، وَالْأَخُ يُدْلِي بِالْبُنُوَّةِ، وَالْأَبُ يُقَدَّمُ عَلَى الِابْنِ فِي الْوِلَايَةِ، فَيُقَدَّمُ فِي الْحَضَانَةِ ; لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهَا وَيَنْتَقِلُ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يَحْضُنُ بِنَفْسِهِ، وَلَا لَهُمْ وِلَايَةٌ لِعَدَمِ تَعْصِيبِهِمْ، أَشْبَهُوا الْأَجَانِبَ [الْغَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِلْحَضَانَةِ] (وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 تَقْدِيمِهِمْ عَلَى الْأَخِ مِنَ الْأُمِّ وَجْهَانِ. وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ وَلَا فَاسِقٍ وَلَا كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا امْرَأَةٍ مُزَوَّجَةٍ لِأَجْنَبِيٍّ مِنَ الطِّفْلِ. فَإِنْ زَالَتِ الْمَوَانِعُ مِنْهُمْ رَجَعُوا إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ) لِعَجْزِهِ عَنْهَا بِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ رَقِيقٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْعَهُ الَّذِي يَحْصُلُ الْكَفَالَةَ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " فِي مُعْتَقٍ بَعْضُهُ: قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ يَدْخُلُ فِي مُهَايَأَةٍ، أَيْ: لَهُ الْحَضَانَةُ فِي أَيَّامِهِ، وَفِي " الْفُنُونِ " لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأُمِّ وَلَدٍ فَلَهَا حَضَانَةُ وَلَدِهَا مِنْ سَيِّدِهَا، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِزَوْجٍ وَسَيِّدٍ، وَقَالَ فِي " الْهَدْيِ ": لَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ (وَلَا فَاسِقٍ) لِأَنَّهُ لَا يُوَفِّي الْحَضَانَةَ حَقَّهَا، وَلَا حَضَانَةَ لِلْوَلَدِ ; لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَخَالَفَ صَاحِبُ " الْهَدْيِ " ; لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّ الشَّرْعَ فَرَّقَ لِذَلِكَ وَأَقَرَّ النَّاسُ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ بَيَانًا وَاضِحًا عَامًّا، وَلِاحْتِيَاطِ الْفَاسِقِ وَشَفَقَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ (وَلَا كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) بَلْ ضَرَرُهُ أَعْظَمُ ; لِأَنَّهُ يَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ وَيُخْرِجُهُ عَنِ الْإِسْلَامِ بِتَعْلِيمِهِ الْكُفْرَ وَتَرْبِيَتِهِ عَلَيْهِ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ ضَرَرٌ، فَكَانَ مَنْفِيًّا (وَلَا امْرَأَةٍ مُزَوَّجَةٍ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْحُلْوَانِيُّ، وَكَذَا أَطْلَقُهُ أَحْمَدُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» فَجَعَلَ اسْتِحْقَاقَهَا مَشْرُوطًا بِعَدَمِ النِّكَاحِ، وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ مُزَوَّجَةً (لِأَجْنَبِيٍّ مِنَ الطِّفْلِ) وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهَا تَشْتَغِلُ عَنِ الْحَضَانَةِ بِحُقُوقِ الزَّوْجِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ رَضِيَ الزَّوْجُ، قَالَ صَاحِبُ " الْهَدْيِ ": لَا تَسْقُطُ إِنْ رَضِيَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سُقُوطَهَا لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الزَّوْجِ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً بِنَسِيبٍ لِلطِّفْلِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنَ الْحَضَانَةِ، وَقِيلَ: لَا حَضَانَةَ لَهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِنَسِيبٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَدًّا لِلطِّفْلِ، وَالْأَشْهَرُ: وَقَرِيبُهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: وَنَسِيبِهِ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ " ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ "، وَعَنْهُ: لَهَا حَضَانَةُ الْجَارِيَةِ فَقَطْ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا، وَجَعْفَرًا، وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ تَنَازَعُوا فِي حَضَانَةِ بِنْتِ حَمْزَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بِنْتُ عَمِّي، وَقَالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آخَى بَيْنَهُمَا، وَقَالَ جَعْفَرٌ: بِنْتُ عَمِّي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 حَقِّهِمْ مِنْهَا. وَمَتَى أَرَادَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ النُّقْلَةَ إِلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ آمِنٍ لِيَسْكُنَهُ، فَالْأَبُ أَحَقُّ،   [المبدع في شرح المقنع] وَخَالَتُهَا عِنْدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَالَةُ أُمٌّ وَسَلَّمَهَا إِلَى جَعْفَرٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِنَحْوِهِ. فَجَعَلَ لَهَا الْحَضَانَةَ، وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ ; لِأَنَّ الْحَاضِنَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ كَالْجَدَّةِ الْمُزَوَّجَةِ بِالْجَدِّ لَمْ تَسْقُطْ ; لِأَنَّهُ يُشَارِكُهَا فِي الْوَلَادِيَّةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ الْأُمَّ إِذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً بِالْأَبِ، وَظَاهِرُهُ: لَا يُعْتَبَرُ الدُّخُولُ فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ مَلَكَ مَنَافِعَهَا وَاسْتَحَقَّ زَوْجُهَا مَنْعَهَا مِنَ الْحَضَانَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ بِهَا، وَالثَّانِي: لَا تَسْقُطُ إِلَّا بِالدُّخُولِ ; لِأَنَّهَا بِهِ تَشْتَغِلُ عَنِ الْحَضَانَةِ. فَرْعٌ: كُلُّ عَصَبَتَيْنِ تَسَاوَيَا وَأَحَدُهُمَا مُتَزَوِّجٌ بِمَنْ هِيَ أَهْلٌ لِلْحَضَانَةِ قُدِّمَ بِذَلِكَ (فَإِنْ زَالَتِ الْمَوَانِعُ مِنْهُمْ) فَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ وَعَتَقَ الرَّقِيقُ وَعَدَلَ الْفَاسِقُ (رَجَعُوا إِلَى حَقِّهِمْ مِنْهَا) لِأَنَّ سَبَبَهَا قَائِمٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ لِمَانِعٍ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْحَقُّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ الْمُلَازِمِ كَالزَّوْجَةِ إِذَا طُلِّقَتْ، وَعَنْهُ: لَا يَعُودُ حَقُّهَا فِي طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ بَعْدَ الْعِدَّةِ. وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " ; لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ، فَلِذَلِكَ لَا تَعُودُ إِلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَجَوَابُهُ: أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فَعَادَ حَقُّهَا مِنَ الْحَضَانَةِ كَالْبَائِنِ، وَنَظِيرُهَا: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ فَمَنْ تَزَوَّجَ مِنَ الْبَنَاتِ، فَلَا حَقَّ لَهَا، قَالَهُ الْقَاضِي، وَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا بِإِسْقَاطِهَا؛ فِيهِ احْتِمَالَانِ. 1 - فَائِدَةٌ: هَلِ الْحَضَانَةُ حَقٌّ لِلْحَاضِنِ، أَوْ عَلَيْهِ؛ فِيهِ قَوْلَانِ، وَهَلْ لِمَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ أَنْ يُسْقِطَهَا وَيَنْزِلَ عَنْهَا؛ فِيهِ قَوْلَانِ. وَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ الْوَلَدِ أَيَّامَ حَضَانَتِهِ إِلَّا بِأُجْرَةٍ ; إِنْ قُلْنَا: الْحَقُّ لَهُ، وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ خِدْمَتُهُ مَجَّانًا، وَلِلْفَقِيرِ الْأُجْرَةُ؛ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ وَهَبَتِ الْحَضَانَةَ لِلْأَبِ، وَقُلْنَا: الْحَقُّ لَهَا، لَزِمَتِ الْهِبَةُ، وَلَمْ تَرْجِعْ فِيهَا، وَإِنْ قُلْنَا: الْحَقُّ عَلَيْهَا، فَلَهَا الْعَوْدُ إِلَى طَلَبِهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْهَدْيِ " وَنَسَبَهُ إِلَى أَنَّهُ كَلَامُ أَصْحَابِ مَالِكٍ [أَرَادَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ النُّقْلَةَ إِلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ آمِنٍ لِيَسْكُنَهُ] (وَمَتَى أَرَادَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ النُّقْلَةَ إِلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ آمِنٍ لِيَسْكُنَهُ، فَالْأَبُ أَحَقُّ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُقِيمُ هُوَ الْأَبَ، أَوِ الْمُنْتَقِلُ ; لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ فِي مَسْكَنِهِمَا، فَكَانَ الْأَبُ أَحَقَّ كَمَا لَوِ انْتَقَلْتَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى قَرْيَةٍ (وَعَنْهُ: الْأُمُّ أَحَقُّ) وَقَيَّدَهَا فِي " التَّرْغِيبِ "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 وَعَنْهُ: الْأُمُّ أَحَقُّ، فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ، فَالْمُقِيمُ مِنْهُمَا أَحَقُّ. فَصْلٌ وَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ سَبْعَ سِنِينَ خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ فَكَانَ مَعَ مَنِ اخْتَارَ مِنْهُمَا. فَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] بِإِقَامَتِهَا ; لِأَنَّهَا أَتَمُّ شَفَقَةً، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُسَافِرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: لِلْمُقِيمِ مِنْهُمَا، وَقَالَ فِي " الْهَدْيِ ": إِنْ أَرَادَ الْمُنْتَقِلُ مَضَارَّةَ الْآخَرِ، وَانْتِزَاعَ الْوَلَدِ لَمْ يُجَبْ إِلَيْهِ، بَلْ يُعْمَلُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْوَلَدِ، وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِتَأْدِيبِ وَلَدِهِ وَتَخْرِيجِهِ وَحِفْظِ نَسَبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ ضَاعَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ، وَالْبَعِيدُ هُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ ; لِأَنَّ مَا دَوَّنَهُ فِي حُكْمِ الْقَرِيبِ، وَنَصُّهُ: مَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْعَوْدُ فِي يَوْمِهِ. اخْتَارَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْأَبِ لَهُ مُمْكِنَةٌ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا زَادَ (فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ، فَالْمُقِيمُ مِنْهُمَا أَحَقُّ) لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى فِي انْتِزَاعِهِ، وَهُوَ صُوَرٌ، مِنْهَا إِذَا كَانَ السَّفَرُ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ يَعُودُ، فَالْمُقِيمُ أَوْلَى ; لِأَنَّ فِي الْمُسَافَرَةِ بِالطِّفْلِ إِضْرَارًا بِهِ، وَقِيلَ: لِلْأُمِّ، وَقِيلَ: مَعَ قُرْبِهِ، وَمِنْهَا إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ، أَوِ الْبَلَدُ الَّذِي يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ مَخُوفًا، فَالْمُقِيمُ أَحَقُّ ; لِأَنَّ فِي السَّفَرِ خَطَرًا، أَوْ تَغْرِيرًا بِالْوَلَدِ، وَمِنْهَا إِذَا كَانَ لِلسُّكْنَى مَعَ قُرْبِهِ، فَكَذَا، وَقِيلَ: لِلْأُمِّ، فَلَوْ انْتَقَلَا جَمِيعًا إِلَى بَلَدٍ وَاحِدٍ، فَالْأُمُّ عَلَى حَضَانَتِهَا وَكَمَا لَوْ أَخَذَهُ الْأَبُ، ثُمَّ اجْتَمَعَا، فَإِنَّهُ يَعُودُ حَقُّهَا. 1 - فَرْعٌ: غَيْرُ الْأَبِ مِنَ الْعَصَبَاتِ وَغَيْرُ الْأُمِّ مِمَّنْ لَهُ الْحَضَانَةُ يَقُومُ مَقَامَهَمَا فِي ذَلِكَ. [فَصْلٌ: تَخْيِيرُ الْغُلَامِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ] فَصْلٌ (وَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ سَبْعَ سِنِينَ) وَهُوَ عَاقِلٌ (خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ (فَكَانَ مَعَ مَنِ اخْتَارَ مِنْهُمَا) قَضَى بِهِ عُمَرُ، رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَعَلِيٌّ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَعَنْهُ: أَبُوهُ أَحَقُّ، وَعَنْهُ: أُمُّهُ، وَقِيلَ: حَتَّى يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَتَوَضَّأَ وَيَلْبَسَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 اخْتَارَ أَبَاهُ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهِ وَلَا تُمْنَعُ هِيَ تَمْرِيضَهُ، وَإِنِ اخْتَارَ أُمَّهُ كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا وَعِنْدَ أَبِيهِ نَهَارًا لِيُعَلِّمَهُ الصِّنَاعَةَ، وَالْكِتَابَةَ وَيُؤَدِّبَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاخْتَارَ الْآخَرَ، نُقِلَ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنِ اخْتَارَ الْأَوَّلَ رُدَّ إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ   [المبدع في شرح المقنع] وَحْدَهُ، فَيَكُونُ أَبُوهُ أَحَقَّ بِهِ بِلَا تَخْيِيرٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُورُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ وَنَفَعَنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلِأَنَّهُ إِذَا مَالَ إِلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ، وَقُيِّدَ بِالسَّبْعِ ; لِأَنَّهَا أَوَّلُ حَالٍ أَمَرَ الشَّرْعُ فِيهَا بِمُخَاطَبَتِهِ بِالصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ، فَإِنَّهَا قُدِّمَتْ فِي حَالِ الصِّغَرِ لِحَاجَتِهِ إِلَى حَمْلِهِ وَمُبَاشَرَةِ خِدْمَتِهِ ; لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِذَلِكَ، وَهَذَا إِذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، فَإِنْ كَانَا مَعْدُومَيْنِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَإِلَى امْرَأَةٍ كَأُخْتِهِ، أَوْ عَمَّتِهِ، فَإِنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْأُمِّ، فَلَوْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ مَعْتُوهًا فَأُمُّهُ، فَلَوْ اخْتَارَ الصَّبِيُّ أَبَاهُ، ثُمَّ زَالَ عَقْلُهُ، رُدَّ إِلَى الْأُمِّ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ، وَيُقِيمُ أَيْنَ شَاءَ وَأَحَبَّ، وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يَنْفَرِدَ عَنْهُمَا، فَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَلِأَبِيهَا مَنْعُهَا مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ قَامَ الْوَلِيُّ مَقَامَهُ (فَإِنِ اخْتَارَ أَبَاهُ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِغْرَاءِ بِالْعُقُوقِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ (وَلَا تُمْنَعُ هِيَ تَمْرِيضَهُ) لِأَنَّهُ صَارَ بِالْمَرَضِ كَالصَّغِيرِ فِي الْحَاجَّةِ (وَإِنِ اخْتَارَ أُمَّهُ كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا) لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْحَضَانَةِ (وَعِنْدَ أَبِيهِ نَهَارًا لِيُعَلِّمَهُ الصِّنَاعَةَ، وَالْكِتَابَةَ وَيُؤَدِّبَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقَصْدُ مِنْ حِفْظِ الْوَلَدِ (فَإِنْ عَادَ فَاخْتَارَ الْآخَرَ، نُقِلَ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنِ اخْتَارَ الْأَوَّلَ رُدَّ إِلَيْهِ) هَكَذَا أَبَدًا ; لِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ تَشَهٍّ، وَقَدْ يَشْتَهِي أَحَدَهُمَا فِي وَقْتٍ دُونَ آخَرَ، فَأُتْبِعَ بِمَا يَشْتَهِيهِ، وَقِيلَ: إِنْ أَسْرَفَ تَبَيُّنَ قِلَّةِ تَمْيِيزِهِ أَخَذَتْهُ أُمُّهُ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَقَرُّ بِيَدِ مَنْ لَا يَصُونُهُ وَيُصْلِحُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 أَحَدَهُمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنِ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْحَضَانَةِ كَالْأُخْتَيْنِ قُدِّمُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ. وَإِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ سَبْعًا كَانَتْ عِنْدَ أَبِيهَا وَلَا تُمْنَعُ الْأُمُّ مِنْ زِيَارَتِهَا وَتَمْرِيضِهَا.   [المبدع في شرح المقنع] (فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أَحَدَهُمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " احْتِمَالُ أُمِّهِ أَحَقُّ كَبُلُوغِهِ غَيْرِ رَشِيدٍ، وَإِذَا قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقَرْعَةِ، ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرَ، نُقِلَ إِلَيْهِ (وَإِنِ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْحَضَانَةِ كَالْأُخْتَيْنِ قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقَرْعَةِ) أَيْ: قَبْلَ السَّبْعِ، وَيَكُونُ لِمَنِ اخْتَارَهُ الطِّفْلُ بَعْدَهَا إِنْ خُيِّرَ. 1 - فَرْعٌ: سَائِرُ الْعَصَبَةِ كَالْأَبِ فِي التَّخْيِيرِ، وَالْإِقَامَةِ، وَالنُّقْلَةِ بِالطِّفْلِ إِنْ كَانَ مَحْرَمًا، وَذُو الْحَضَانَةِ مِنْ عَصَبَةٍ وَذَوِي رَحِمٍ فِي التَّخْيِيرِ مَعَ الْأُمِّ كَالْأَبِ، وَحَضَانَةِ رَقِيقٍ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا تَهَايَأَ فِيهِ سَيِّدُهُ، وَقَرِيبُهُ 1 - (وَإِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ سَبْعًا كَانَتْ عِنْدَ أَبِيهَا) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْحَضَانَةِ الْحَضْنُ، وَهُوَ لَهَا بَعْدَ السَّبْعِ ; لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى الْحِفْظِ، وَإِنَّمَا تُخْطَبُ مِنْ أَبِيهَا، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَعَنْهُ: الْأُمُّ أَحَقُّ، قَالَ فِي " الْهَدْيِ ": وَهِيَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصَحُّ دَلِيلًا، وَعَنْهُ: تُخَيَّرُ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهَا فِيهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ تَبَرَّعَتْ بِحَضَانَتِهِ أَمْ لَا، وَعَنْهُ: بَعْدَ تِسْعٍ، فَإِنْ بَلَغَتْ فَهِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يَتَسَلَّمَهَا زَوْجٌ، وَعَنْهُ: عِنْدَهَا، وَقِيلَ: إِنْ حُكِمَ بِرُشْدِهَا فَحَيْثُ أَحَبَّتْ كَغُلَامٍ، وَقَالَهُ فِي " الْوَاضِحِ " وَخَرَّجَهُ عَلَى عَدَمِ إِجْبَارِهَا، وَالْمُرَادُ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَأْمُونَةً (وَلَا تُمْنَعُ الْأُمُّ مِنْ زِيَارَتِهَا وَتَمْرِيضِهَا) لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، وَهِيَ أَحَقُّ بِالسَّهَرِ وَالصِّيَانَةِ ; لِأَنَّهَا مُخَدِّرَةٌ، بِخِلَافِ أُمِّهَا، فَإِنْ تَخَرَّجَتْ وَعَرَفَتْ وَعَقَلَتْ، فَلَا يُخَافُ عَلَيْهَا. فَرْعٌ: لَمْ أَقِفْ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى نَقْلٍ، وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبِنْتِ الْبِكْرِ حَتَّى يَجِيءَ فِي جَوَازِ اسْتِقْلَالِهِ، وَانْفِرَادِهِ عَنْ أَبَوَيْهِ الْخِلَافُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 كِتَابُ الْجِنَايَاتِ الْقَتْلُ عَلَى أَرْبَعَةٍ أَضْرُبٍ: عَمْدٍ، وَشِبْهِ عَمْدٍ، وَخَطَأٍ، وَمَا أُجْرِي مَجْرَى   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] [أَنْوَاعُ الْقَتْلِ] [النَّوْعُ الْأَوَّلُ الْعَمْدُ وَهُوَ أَقْسَامٌ] [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَجْرَحُهُ بِمَا لَهُ مَوْرٌ فِي الْبَدَنِ] ِ وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ وَجُمِعَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مَصْدَرًا لِتَنَوُّعِهَا إِلَى عَمْدٍ وَخَطَأٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا جِنَايَاتُ الْجِرَاحَةِ، وَنَحْوُهَا، وَهِيَ كُلُّ فِعْلِ عُدْوَانٍ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ، لَكِنَّهَا فِي الْعُرْفِ مَخْصُوصَةٌ بِمَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّعَدِّي عَلَى الْأَبْدَانِ بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا، أَوْ نَحْوَهُ وَسَمَّوُا الْجِنَايَةَ عَلَى الْأَمْوَالِ غَصْبًا وَنَهْبًا وَسَرِقَةً وَإِتْلَافًا وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِذَا فَعَلَ، ثُمَّ تَابَ قُبِلَتْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لِلْآيَةِ، وَالْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَكَالْكَافِرِ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ، ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي " انْتِصَارِهِ "، وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] الْآيَةَ، وَحُمِلَتْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مُسْتَحِلًّا، وَلَمْ يَتُبْ، أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ إِنْ جَازَاهُ اللَّهُ تَعَالَى. (الْقَتْلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ، وَمَا أُجْرِي مَجْرَى الْخَطَأِ) كَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 الْخَطَأِ. فَالْعَمْدُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ عَالِمًا بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا مَعْصُومًا، وَهُوَ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ مَوْرٌ فِي الْبَدَنِ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ غَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ بِسِكِّينٍ، أَوْ يَغْرِزَهُ بِمِسَلَّةٍ فَيَمُوتَ إِلَّا أَنْ يَغْرِزَهُ بِإِبْرَةٍ، أَوْ شَوْكَةٍ، وَنَحْوِهِمَا فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ فَيَمُوتَ فِي الْحَالِ، فَفِي كَوْنِهِ عَمْدًا وَجْهَانِ. وَإِنْ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ ضِمْنًا   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ إِذَا قَصَدَ قَتْلَهُ بِمَا يَصْلُحُ غَالِبًا عُرْفًا، فَهُوَ عَمْدٌ، وَإِنْ كَانَ بِمَا لَا يَصْلُحُ لِلْقَتْلِ غَالِبًا، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدِ الْقَتْلَ، فَهُوَ خَطَأٌ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَالْقَتْلِ بِالسَّبَبِ وَكَالنَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى إِنْسَانٍ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةٍ: عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ. صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي "، وَالْمُجِدُّ فِي " مُحَرَّرِهِ "، وَالْجَدُّ فِي " فُرُوعِهِ " ; لِأَنَّ مَا أُجْرِي مَجْرَى الْخَطَأِ خَطَأٌ ; لِأَنَّ فَاعِلَهُ لَمْ يَقْصِدْهُ إِذْ هُوَ مِنْ فِعْلِ مَنْ لَا يَصِحُّ قَصْدُهُ. (فَالْعَمْدُ) يَخْتَصُّ الْقَوَدُ بِهِ (أَنْ يَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ عَالِمًا بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا مَعْصُومًا) هَذَا بَيَانٌ لِلْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ شَرْعًا، فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَالثَّانِي احْتِرَازٌ مِنَ الْخَطَأِ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ " مَعْصُومًا " احْتِرَازٌ مِنَ الْحَرْبِيِّ، وَنَحْوَهُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ (وَهُوَ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا (أَحَدُهَا: أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ مَوْرٌ) أَيْ: نُفُوذٌ (فِي الْبَدَنِ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ غَيْرِهِ) كَرَصَاصٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَهَذَا كُلُّهُ إِذَا جَرَحَهُ جَرْحًا كَبِيرًا فَمَاتَ، فَهُوَ عَمْدٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَلَوْ طَالَتْ عِلَّتُهُ مِنْهُ (مِثْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ بِسِكِّينٍ، أَوْ يَغْرِزَهُ بِمِسَلَّةٍ فَيَمُوتَ) فَهَذَا عَمْدٌ مَحْضٌ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَقَالَ (إِلَّا أَنْ يَغْرِزَهُ بِإِبْرَةٍ، أَوْ شَوْكَةٍ، وَنَحْوِهِمَا) كَشَرْطَةِ الْحَجَّامِ (فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ فَيَمُوتَ فِي الْحَالِ فَفِي كَوْنِهِ عَمْدًا وَجْهَانِ) وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهُ إِذَا جَرَحَهُ جَرْحًا صَغِيرًا فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ فَمَاتَ فِي الْحَالِ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا قَوَدَ فِيهِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ كَالْعَصِيِّ، وَالثَّانِي، وَهُوَ الْأَشْهَرُ: فِيهِ الْقِصَاصُ، وَهُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 حَتَّى مَاتَ، أَوْ كَانَ الْغَرْزُ بِهَا فِي مَقْتَلٍ كَالْفُؤَادِ، وَالْخِصْيَتَيْنِ فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ، وَإِنْ قَطَعَ سِلْعَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوْدُ، وَإِنْ قَطَعَهَا حَاكِمٌ مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ وَلِيَهُ فَمَاتَ، فَلَا قَوَدَ. الثَّانِي: أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُثْقَلٍ كَبِيرٍ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ ; لِأَنَّ الْمُحَدَّدَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي حُصُولِ الْقَتْلِ بِهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَطَعَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، أَوْ أُنْمُلَتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ إِدَارَةُ الْحُكْمِ وَضَبْطُهُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ - وَجَبَ رَبْطُهُ بِكَوْنِهِ مُحَدَّدًا، وَلِأَنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِلَ خَفِيَّةً، وَهَذَا لَهُ سَرَايَةٌ وَمَوْرٌ، أَشْبَهَ الْجُرْحَ الْكَبِيرَ (وَإِنْ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنًا) أَيْ: مُتَأَلِّمًا، وَهُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الَّذِي بِهِ الزَّمَانَةُ فِي جَسَدِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَزِمَتْهُ عِلَّةٌ (حَتَّى مَاتَ) فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ فِيهِ الْقَوَدَ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " التَّرْغِيبِ " ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْهُ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ ; لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ حُصُولَ الْمَوْتِ بِغَيْرِهِ ظَاهِرًا كَانَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقِصَاصِ (أَوْ كَانَ الْغَرْزُ بِهَا فِي مَقْتَلٍ كَالْفُؤَادِ، وَالْخِصْيَتَيْنِ) وَالْعَيْنِ، وَالْخَاصِرَةِ، وَالصَّدْغِ وَأَصْلِ الْأُذُنِ (فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ) لِأَنَّ الْإِصَابَةَ بِذَلِكَ فِي مَقْتَلٍ كَالْإِصَابَةِ بِالسِّكِّينِ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ، وَكَذَا إِنْ بَالَغَ فِي إِدْخَالِ الْإِبْرَةِ، وَنَحْوِهَا فِي الْبَدَنِ ; لِأَنَّهُ يَشْتَدُّ أَلَمُهُ وَيُؤَدِّي إِلَى الْقَتْلِ كَالْكَبِيرِ (وَإِنْ قَطَعَ سِلْعَةً) خَطِرَةً، أَوْ بَطَّهَا (مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِفِعْلِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ (وَإِنْ قَطَعَهَا حَاكِمٌ مِنْ صَغِيرٍ) أَوْ مَجْنُونٍ (أَوْ وَلَيِّهِ فَمَاتَ، فَلَا قَوَدَ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِمَصْلَحَتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَتَنَهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: إِنْ قَطَعَهَا مِنْ صَغِيرٍ وَنَحْوِهِ وَلِيُّهُ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ الْحَاكِمَ وَغَيْرَهُ [الثَّانِي أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُثْقَلٍ كَبِيرٍ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ] (الثَّانِي: أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُثْقَلٍ كَبِيرٍ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ) وَهُوَ بَيْتٌ مِنْ شَعَرٍ وَعَمُودُهُ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ مَا فِيهِ دِقَّةٌ وَرَشَاقَةٌ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَمُوتُ بِهِ كَاللُّتِّ وَالْكُوذَيْنِ وَالسَّنَدَانِ، أَوْ حَجَرٍ كَبِيرٍ، أَوْ يُلْقِي عَلَيْهِ حَائِطًا، أَوْ سَقْفًا، أَوْ يُلْقِيهِ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ يُعِيدُ الضَّرْبَ بِصَغِيرٍ، أَوْ يَضْرِبُهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا قَتَلَهُ بِمُثْقَلٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ الزُّهُوقِ بِهِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ، فَهُوَ عَمْدٌ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ، وَلِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوَضَاحٍ لَهَا بِحَجَرٍ فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ حَجَرَيْنِ» ، وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَلِأَنَّ الْمُثْقَلَ يَقْتُلُ غَالِبًا فَوَجَبَ الْقِصَاصُ بِهِ كَالْمُحَدَّدِ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا ضَرَبَهُ بِمِثْلِ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ. نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ الَّتِي ضَرَبَتْ جَارَتَهَا بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا فَقَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ، وَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحَمِلُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَنَقَلَ ابْنُ مُشَيْشٍ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ، وَلَعَلَّهُ ضَرَبَهُ بِالْعَمُودِ الَّذِي يَتَّخِذُهُ التُّرْكُ لِخَيْمَهِمْ، فَإِنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا (أَوْ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَمُوتُ بِهِ كَاللُّتِّ) وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ نَوْعٌ مِنْ آلَةِ السِّلَاحِ مَعْرُوفٌ فِي زَمَانِنَا، وَهُوَ لَفْظٌ مُوَلَّدٌ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ (وَالْكَوْذَيْنِ) وَهُوَ لَفْظٌ مُوَلَّدٌ أَيْضًا، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْخَشَبَةِ الثَّقِيلَةِ الَّتِي يَدُقُّ بِهَا الدَّقَّاقُ الثِّيَابَ (وَالسِنْدَانِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُوَلَّدٌ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْآلَةِ الْمَعْرُوفَةِ مِنَ الْحَدِيدِ الثَّقِيلَةِ يَعْمَلُ عَلَيْهَا الْحَدَّادُ صِنَاعَتَهُ (أَوْ حَجَرٌ كَبِيرٌ) لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي كَوْنِهِ يَقْتُلُ غَالِبًا، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ هُنَا لِكَوْنِهِ مُثْقَلًا، فَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ (أَوْ يُلْقِي عَلَيْهِ حَائِطًا، أَوْ سَقْفًا، أَوْ يُلْقِيهِ مِنْ شَاهِقٍ) لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي الْقَتْلِ (أَوْ يُعِيدُ الضَّرْبَ بِصَغِيرٍ) كَالْعِصِيِّ، وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ ; لِأَنَّ الْإِعَادَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْمُثْقَلِ الْكَبِيرِ كَذَا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ (أَوْ يَضْرِبُهُ بِهِ) مَرَّةً (فِي مَقْتَلٍ) لِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِهِ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ فِي " الْوَاضِحِ "، وَفِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 بِهِ فِي مَقْتَلٍ، أَوْ فِي حَالِ ضَعْفِ قُوَّةٍ مِنْ مَرِيضٍ، أَوْ صِغَرٍ، أَوْ كِبَرٍ، أَوْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، ونَحْوِهِ. الثَّالِثُ: أَلْقَاهُ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ، أَوْ أَنْهَشَهُ كَلْبًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْ حَيَّةً، أَوْ أَلْسَعَهُ عَقْرَبًا   [المبدع في شرح المقنع] الْأُولَى فِي " الِانْتِصَارِ " هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ (أَوْ فِي حَالِ ضَعْفِ قُوَّةٍ مِنْ مَرِيضٍ أَوْ صِغَرٍ، أَوْ كِبَرٍ، أَوْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، ونَحْوِهِ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، أَشْبَهَ الْمُثْقَلَ الْكَبِيرَ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَتَلَهُ بِلَكْمَةٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " يَعْلَمُهُ، وَقِيلَ: أَوْ يَجْهَلُهُ، فَإِنْ، قَالَ لَمْ أَقْصِدْ قَتْلَهُ لَمْ يُصَدَّقْ [الثَّالِثُ أَلْقَاهُ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ أَوْ أَنْهَشَهُ كَلْبًا] (الثَّالِثُ أَلْقَاهُ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ) الزُّبْيَةُ: بِوَزْنِ غُرْفَةٍ، وَهِيَ الرَّابِيَةُ الَّتِي لَا يَعْلُوهَا الْمَاءُ (أَوْ أَنْهَشَهُ) بِالْمُعْجَمَةِ، وَالْمُهْمَلَةِ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: بِالْمُهْمَلَةِ الْأَخْذُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ وَبِالْمُعْجَمَةِ بِالْأَضْرَاسِ (كَلْبًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْ حَيَّةً، أَوْ أَلْسَعَهُ عَقْرَبًا مِنَ الْقَوَاتِلِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ) نَقُولُ: إِذَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَبْعٍ، أَوْ نَمِرٍ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ كَزُبْيَةٍ، وَنَحْوِهَا، فَقَتَلَهُ، فَهُوَ عَمْدٌ فِيهِ الْقَوَدُ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَعَمَّدَ الْإِلْقَاءَ فَقَدْ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَإِنْ فَعَلَ بِهِ فِعْلًا لَوْ فَعَلَهُ الْآدَمِيُّ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا لَمْ يَجِبِ الْقَوَدُ ; لِأَنَّ السَّبْعَ صَارَ آلَةً لِلْآدَمِيِّ، فَكَانَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ، فَإِنْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا فِي فَضَاءٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَكَذَا إِنْ جَمْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَيَّةٍ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ فَنَهَشَتْهُ وَقَتَلَتْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الصُّورَتَيْنِ ; لِأَنَّ الْأَسَدَ، وَالْحَيَّةَ يَهْرَبَانِ مِنَ الْآدَمِيِّ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَكَانَ عَمْدًا مَحْضًا، وَالْأَسَدُ يَأْخُذُ الْآدَمِيَّ الْمُطْلَقَ فَكَيْفَ يَهْرُبُ مِنْ مَكْتُوفٍ؟ وَالْحَيَّةُ إِنَّمَا تَهْرُبُ فِي مَكَانٍ وَاسِعٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ أُلْقِيَ مَكْتُوفًا فِي أَرْضٍ مُسْبِعَةٍ، أَوْ ذَاتِ حَيَّاتٍ فَقَتَلَتْهُ أَنَّ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ رِوَايَتَيْنِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ، فَإِنَّهُ نَفَى الضَّمَانَ بِالْكُلِّيَّةِ فِي صُورَةٍ كَانَ الْقَتْلُ فِيهَا أَغْلَبَ وَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ فِي صُورَةٍ كَانَ فِيهَا أَنْدَرَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ هُنَا وَيَجِبُ الضَّمَانُ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا تَلِفَ بِهِ، وَهُوَ لَا يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا، وَقَوْلُهُ: مِنَ الْقَوَاتِلِ يَحْتَرِزُ بِهِ عَنْ حَيَّةِ الْمَاءِ وَثُعْبَانِ الْحِجَازِ، أَوْ سَبْعٍ صَغِيرٍ، فَقِيلَ: هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ كَالسَّوْطِ، وَكَمَا لَوْ كَتَّفَهُ وَطَرَحَهُ فِي أَرْضٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 مِنَ الْقَوَاتِلِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ. الرَّابِعُ: أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يُغْرِقُهُ، أَوْ نَارٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا. الْخَامِسُ: خَنْقُهُ بِحَبْلِ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ سَدُّ أَنْفِهِ وَفَمِهِ، أَوْ عَصْرُ خَصْيَتَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] مُسْبِعَةٍ فَقَتَلَهُ سَبْعٌ، أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ، وَقِيلَ: عَمْدٌ. 1 - فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِذَا أَغْرَى كَلْبَهُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَقَرَهُ، أَوْ خَرَقَ ثَوْبَهُ [الرَّابِعُ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يُغْرِقُهُ أَوْ نَارٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصَ مِنْهَا] (الرَّابِعُ: أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يُغْرِقُهُ، أَوْ نَارٍ، لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصَ مِنْهَا) فَمَاتَ بِهِ ; لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بَعْدَ فِعْلٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إِسْنَادُ الْقَتْلِ إِلَيْهِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ عَمْدًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ فَلَبِثَ فِيهِ اخْتِيَارًا حَتَّى مَاتَ فَهَدَرٌ، وَإِنْ تَرَكَهُ فِي نَارٍ يُمَكِنُهُ التَّخَلُّصَ مِنْهَا، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَاتَ، فَلَا قَوَدَ، وَلَا يَضْمَنُ فِي وَجْهٍ ; لِأَنَّهُ مُهْلِكٌ لِنَفْسِهِ بِإِقَامَتِهِ كَمَاءٍ يَسِيرٍ فِي الْأَصَحِّ، لَكِنْ يَضْمَنُ مَا أَصَابَتِ النَّارُ مِنْهُ وَيَضْمَنُهُ فِي آخِرَ ; لِأَنَّهُ جَانٍ بِالْإِلْقَاءِ الْمُفْضِي إِلَى الْهَلَاكِ ; لِأَنَّ يَسِيرَ النَّارِ مُهْلِكٌ، بِخِلَافِ يَسِيرِ الْمَاءِ، وَقِيلَ: إِنْ قَدَرَ أَنْ يَنْجُوَ مِنْهُمَا، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ وَجَبَتِ الدِّيَةُ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا حَفَرَ فِي بَيْتِهِ بِئْرًا وَسَتَرَهُ لِيَقَعَ فِيهِ أَحَدٌ فَوَقَعَ فَمَاتَ، وَقَدْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ، فَهُوَ عَمْدٌ، وَقِيلَ: لَا كَمَا لَوْ دَخَلَ بِلَا إِذْنِهِ، أَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً بِحَيْثُ يَرَاهَا الدَّاخِلُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ [الْخَامِسُ خَنْقُهُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ] (الْخَامِسُ: خَنْقُهُ بِحَبْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ) وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْنُقَهُ بِحَبْلٍ فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ يُعَلِّقَهُ فِي خَشَبَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا، فَيَمُوتَ، فَهُوَ عَمْدٌ، سَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَالِ، أَوْ بَقِيَ زَمَنًا ; لِأَنَّ هَذَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ اللُّصُوصِ، وَالْمُفْسِدِينَ. الثَّانِي: أَنْ يَخْنُقَهُ، وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ (أَوْ سَدَّ أَنْفَهُ وَفَمَهُ) حَتَّى مَاتَ، أَيْ: فَعَلَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا، فَهُوَ عَمْدٌ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَإِنْ كَانَ فِي مُدَّةٍ لَا يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا، فَهُوَ عَمْدٌ خَطَأٌ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 حَتَّى مَاتَ. السَّادِسُ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا. السَّابِعُ: سَقَاهُ سُمًّا لَا يَعْلَمُ بِهِ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامٍ فَأَطْعَمَهُ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِهِ فَأَكَلَهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَمَاتَ، فَإِنْ عَلِمَ آكِلُهُ بِهِ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَهُ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ سَدُّهُمَا جَمِيعًا ; لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي الْغَالِبِ لَا تَفُوتُ إِلَّا بِسَدِّهِمَا، نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ إِذَا غَمَّهُ حَتَّى يَقْتُلَهُ قُتِلَ بِهِ (أَوْ عَصَرَ خِصْيَتَيْهِ حَتَّى مَاتَ) أَيْ: عَصَرَهُمَا عَصْرًا يَقْتُلُهُ غَالِبًا فَمَاتَ، أَوْ بَقِيَ سَالِمًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مُدَّةً يَمُوتُ فِيهَا غَالِبًا، فَالْقَوَدُ، وَإِنْ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَرِئَ الْجُرْحُ، ثُمَّ مَاتَ [السَّادِسُ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ حَتَّى مَاتَ] (السَّادِسُ: حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ) وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ (حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِالْمَوْتِ عِنْدَهُ، فَإِذَا تَعَمَّدَهُ الْإِنْسَانُ فَقَدْ تَعَمَّدَ الْقَتْلَ، وَقَوْلُهُ: فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا ; لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الزَّمَانَ إِذَا كَانَ شَدِيدَ الْحَرَارَةِ، وَكَانَ الشَّخْصُ جَائِعًا مَاتَ فِي الزَّمَانِ الْقَلِيلِ، وَإِنْ كَانَ شَبْعَانَ، وَالزَّمَنُ مُعْتَدِلٌ، أَوْ بَارِدٌ لَمْ يَمُتْ إِلَّا فِي الزَّمَنِ الطَّوِيلِ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي مُدَّةٍ لَا يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا، فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ، وَإِنْ شَكَكْنَا فِيهَا لَمْ يَجِبِ الْقَوَدُ، أَوْ تَرَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَعَ الْقُدْرَةِ فَمَاتَ فَهَدَرٌ [السَّابِعُ سَقَاهُ سُمًّا لَا يَعْلَمُ بِهِ] (السَّابِعُ: سَقَاهُ سُمًّا، لَا يَعْلَمُ بِهِ) فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا، فَكَانَ عَمْدًا كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ بِمُحَدَّدٍ (أَوْ خَلَطَهُ) سُمًّا (بِطَعَامٍ فَأَطْعَمَهُ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِهِ فَأَكَلَهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَمَاتَ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَأَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ فِيمَا إِذَا أَلْقَمَهُ سُمًّا، أَوْ خَلَطَهُ بِهِ قَوْلَيْنِ (فَإِنْ عَلِمَ آكِلُهُ بِهِ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ) فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قُدِّمَ إِلَيْهِ سِكِّينًا فَقَتَلَ بِهَا نَفْسَهُ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِنَفْيِ الضَّمَانِ أَمْرَانِ: الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ ; لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا عِبْرَةَ بِفِعْلِهِمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 ادَّعَى الْقَاتِلُ بِالسُّمِّ أَنَّنِي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ سُمٌّ قَاتِلٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَيُقْبَلُ فِي الْآخَرِ وَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ. الثَّامِنُ: أَنْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا. التَّاسِعُ: أَنْ يَشْهَدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلِ عَمْدٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ زِنًا فُيَقْتَلُ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعَا   [المبدع في شرح المقنع] وَيُشْتَرَطُ لَهُ أَيْضًا شَرْطٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِكَوْنِ السُّمِّ قَاتِلًا ; لِأَنَّ مَنْ جَهِلَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: عَلِمَ بِكَوْنِهِ قَاتِلًا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا إِذْ هُوَ شَيْءٌ يُضَادُّ الْقُوَّةَ الْحَيَوَانِيَّةَ (أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَهُ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَإِنَّمَا الدَّاخِلُ قَتَلَ نَفْسَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا لِيَقَعَ فِيهَا اللِّصُّ إِذَا دَخَلَ يَسْرِقُ مِنْهَا، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ فَأَكَلَ الطَّعَامَ الْمَسْمُومَ بِلَا إِذْنِهِ (فَإِنِ ادَّعَى الْقَاتِلُ بِالسُّمِّ أَنَّنِي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ سُمٌّ قَاتِلٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ السُّمَّ يَقْتُلُ غَالِبًا أَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَحَهُ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يَمُوتُ بِهِ (وَيَقْبَلُ فِي الْآخَرِ) وَقِيلَ: وَيَجْهَلُهُ مِثْلُهُ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَاتِلٌ، وَهَذَا شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الْقَوَدَ (وَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ) لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَصَدَ فِعْلَ الشَّيْءِ الدَّاعِي إِلَى الْقَتْلِ بِشِبْهِ الْعَمْدِ كَمَا لَوْ كَانَ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا [الثَّامِنُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا] (الثَّامِنُ: أَنْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا) إِذَا كَانَ السَّاحِرُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، أَشْبَهَ الْمُحَدَّدَ، وَكَذَا إِذَا بَقِيَ مُدَّةً يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا أَنَّهُ خَطَأُ الْعَمْدِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوِ ادَّعَى الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ يَقْتُلُ، وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ، أَوْ كَانَ غَيْرَ قَاتِلٍ، أَوِ ادَّعَى قَاتِلُ الْمَرِيضِ الْجَهْلَ بِمَرَضِهِ فِي وَجْهٍ، فَشِبْهُ عَمْدٍ [التَّاسِعُ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلِ عَمْدٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ زِنًا فَيُقْتَلُ بِذَلِكَ] (التَّاسِعُ: أَنْ يَشْهَدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلِ عَمْدٍ، أَوْ رِدَّةٍ أَوْ زِنًا) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَعِبَارَةُ " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ ": وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ، وَهِيَ أَحْسَنُ (فَيُقْتَلُ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعَا) أَوْ يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْ سِتَّةٍ، ذَكَرَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " (وَيَقُولَا: عَمَدْنَا قَتْلَهُ) وَفِي " الْكَافِي " وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ، وَفِي " الْمُغْنِي " لَمْ يَجُزْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 وَيَقُولَا: عَمَدْنَا قَتَلَهُ، أَوْ يَقُولُ الْحَاكِمُ: عَلِمْتُ كَذِبَهُمَا وَعَمَدْتُ قَتْلَهُ، أَوْ يَقُولُ   [المبدع في شرح المقنع] جَهْلُهُمَا بِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " و " الرِّعَايَةِ ": وَكَذَّبَتْهُمَا قَرِينَةٌ، فَعَلَيْهِمَا الْقَوَدُ لِمَا رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَرَقَ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُ أَيْدِيَكُمَا، وَلِأَنَّهُمَا تَوَصَّلَا إِلَى قَتْلِهِ بِسَبَبٍ يَقْتُلُ غَالِبًا، أَشْبَهَ الْمُكْرَهَ (أَوْ يَقُولُ الْحَاكِمُ: عَلِمْتُ كَذِبَهُمَا وَعَمَدْتُ قَتْلَهُ، أَوْ يَقُولُ الْوَلِيُّ ذَلِكَ) لَزِمَ الْقَوَدُ ; لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الشُّهُودِ، فَكَانَ الْحَاصِلُ بِسَبَبِهِمَا عَمْدًا كَالْقَتْلِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الشَّاهِدَيْنِ، فَلَوْ أَقَرَّ الشَّاهِدَانِ وَالْحَاكِمُ وَالْوَلِيُّ جَمِيعًا بِذَلِكَ، فَعَلَى الْوَلِيِّ الْقِصَاصُ ; لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْقَتْلَ عَمْدًا وَعُدْوَانًا، وَقَالَ فِي " الشَّرْحِ ": يَنْبَغِي أَلَّا يَجِبَ عَلَى غَيْرِهِ شَيْءٌ ; لِأَنَّهُمْ مُتَسَبِّبُونَ، وَالْمُبَاشَرَةُ تُبْطِلُ حُكْمَ التَّسَبُّبِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهٌ: هُمَا كَمُمْسِكٍ مَعَ مُبَاشِرٍ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ الْوَلِيُّ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الشُّهُودِ وَالْحَاكِمِ ; لِأَنَّهُمْ مُتَسَبِّبُونَ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُبَاشِرِ الْعَالِمِ ثُمَّ وَلِيًّا ثُمَّ الْبَيِّنَةُ وَالْحَاكِمُ، وَقِيلَ: ثُمَّ حَاكِمًا ; لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ مِنَ الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ شَهَادَتِهِمْ وَقَتْلِهِ، فَلَوْ بَاشَرَ الْقَتْلَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ وَأَقَرَّ بِالْعِلْمِ وَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ ظُلْمًا، فَهُوَ الْقَاتِلُ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِالْوَلِيِّ، وَقِيلَ: فِي قَتْلِ حَاكِمٍ وَجْهَانِ كَمُزَكٍّ، فَإِنَّ الْمُزَكِّيَ لَا يُقْتَلُ عِنْدَ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْجِئٍ وَيُقْتَلُ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَى الدِّيَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ وَالْحَاكِمِ، فَقِيلَ: عَلَى عَدَدِهِمْ، وَقِيلَ: نِصْفَيْنِ، وَلَوْ رَجَعَ الْوَلِيُّ وَالْبَيِّنَةُ ضَمِنَهُ الْوَلِيُّ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ عَمَدْتُ قَتْلَهُ وَبَعْضُهُمْ أَخْطَأْتُ، فَلَا قَوَدَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ، وَالْمُخْطِئِ مِنَ الْمُخَفَّفَةِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ تَعَمَّدْتُ وَأَخْطَأَ شَرِيكِي فَوَجْهَانِ فِي الْقَوَدِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَدْنَا وَالْآخَرُ أَخْطَأْنَا لَزِمَ الْمُقِرَّ بِالْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَالْآخَرَ نِصْفُ الدِّيَةِ (فَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ: الْأَقْسَامُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 الْوَلِيُّ ذَلِكَ. فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُهُ. فَصْلٌ وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَقْصِدَ الْجِنَايَةَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا؛ فَيُقْتَلُ إِمَّا لِقَصْدِ الْعُدْوَانِ عَلَيْهِ، أَوْ لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ لَهُ فَيُسْرِفُ فِيهِ. نَحْوُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ حَجَرٍ   [المبدع في شرح المقنع] التِّسْعَةُ، وَشِبْهُهُ (عَمْدٌ مَحْضٌ) أَيْ: لَا شُبْهَةَ فِيهِ (مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُهُ) أَيْ: بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ. [النَّوْعُ الثَّانِي شِبْهُ الْعَمْدِ] فَصْلٌ (وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَقْصِدَ الْجِنَايَةَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا) هَذَا بَيَانٌ لِشِبْهِ الْعَمْدِ سُمِّيَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَصَدَ الْفِعْلَ وَأَخْطَأَ فِي الْقَتْلِ وَسُمِّيَ خَطَأَ الْعَمْدِ وَعَمْدَ الْخَطَأِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ، فَقَوْلُهُ " يَقْصِدُ الْجِنَايَةَ " يَحْتَرِزُ بِهِ عَنِ الْخَطَأِ. وَبِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا يَحْتَرِزُ بِهِ عَنِ الْعَمْدِ الْمَحْضِ، زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ ": وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِهَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ (فَيُقْتَلُ إِمَّا لِقَصْدِ الْعُدْوَانِ عَلَيْهِ، أَوْ لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ لَهُ فَيُسْرَفُ فِيهِ) فَهَذَا لَا قَوَدَ فِيهِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، قَالَ: " «عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ، وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " «أَلَا إِنَّ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا - فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَلَهُمْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ، وَرَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا سَمَّاهُ خَطَأَ الْعَمْدِ وَأَوْجَبَ فِيهِ الدِّيَةَ لَا الْقَصَّاصَ، وَهَذَا قِسْمٌ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَالْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ ثَبَتَا بِالْكِتَابِ (نَحْوُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ) لِأَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 صَغِيرٍ أَوْ يَلْكُزُهُ، أَوْ يُلْقِيَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، أَوْ يَسْحَرَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ يَصِيحَ بِصَبِيٍّ، أَوْ مَعْتُوهٍ وَهُمَا عَلَى سَطْحٍ فَيَسْقُطَانِ، أَوْ يَغْتَفِلَ عَاقِلًا فَيَصِيحَ بِهِ فَيَسْقُطَ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. فَصْلٌ وَالْخَطَأُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ، أَوْ يَفْعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ فَيَقْتُلُ   [المبدع في شرح المقنع] الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِقَتْلِهِ بِذَلِكَ (أَوْ يَلْكُزَهُ) اللَّكْزُ الضَّرْبُ بِجَمِيعِ الْكَفِّ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ جَسَدِهِ، وَقَالَ فِي " النِّهَايَةِ ": هُوَ الضَّرْبُ بِالْكَفِّ فِي الصَّدْرِ (أَوْ يُلْقِيَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ يَسْحَرَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا) وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ ; لِأَنَّ مَا يَقْتُلُ غَالِبًا هُوَ عَمْدٌ (أَوْ يَصِيحَ بِصَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ) وَفِي " الْوَاضِحِ ": أَوِ امْرَأَةٍ، وَقِيلَ: أَوْ مُكَلَّفٍ (وَهُمَا عَلَى سَطْحٍ فَيَسْقُطَانِ) لِأَنَّ الصِّيَاحَ فِي الْعَادَةِ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَإِذَا تَعَقَّبَهُ الْمَوْتُ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ (أَوْ يَغْتَفِلَ عَاقِلًا فَيَصِيحَ بِهِ فَيَسْقُطَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ) كَذَهَابِ عَقْلِهِ، فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَوْجَبَ دِيَتَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَهِيَ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ. نَقَلَ الْفَضْلُ فِي رَجُلٍ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَصَاحَ بِهِ رَجُلٌ فَرَمَى بِهَا فَعَقَرَتْ رَجُلًا هَلْ عَلَى مَنْ صَاحَ بِهِ شَيْءٌ؛ قَالَ: هَذَا أَخْشَى عَلَيْهِ قَدْ صَاحَ بِهِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا أَمْسَكَ الْحَيَّةَ كَمُدَّعِي الْمَشْيَخَةَ فَقَتَلَتْهُ فَقَاتِلُ نَفْسِهِ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا لَا تَقْتُلُ فَشِبْهُ عَمْدٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكَلَ حَتَّى بَشَمَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ نَفْسِهِ، وَإِمْسَاكُ الْحَيَّاتِ جِنَايَةٌ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ. [النَّوْعُ الثَّالِثُ الْقَتْلُ الْخَطَأُ وَهُوَ أَقْسَامٌ] [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَرْمِي الصَّيْدَ أَوْ يَفْعَلُ مَا لَهُ فِعْلُهُ فَيَقْتُلُ إِنْسَانًا] فَصْلٌ (وَالْخَطَأُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ، أَوْ يَفْعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ فَيَقْتُلُ إِنْسَانًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأِ أَنْ يَرْمِيَ شَيْئًا فَيُصِيبَ غَيْرَهُ، لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 إِنْسَانًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. الثَّانِي: أَنْ يَقْتُلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَنْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا، وَيَكُونُ مُسْلِمًا، أَوْ يَرْمِيَ إِلَى صَفِّ الْكُفَّارِ فَيُصِيبُ مُسْلِمًا، أَوْ يَتَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِمُسْلِمٍ وَيَخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِنْ لَمْ يَرْمِهِمْ فَيَرْمِيهِمْ فَيَقْتُلُ الْمُسْلِمَ فَهَذَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ. وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ رِوَايَتَانِ. وَالَّذِي أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ كَالنَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى إِنْسَانٍ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يَقْتُلُ بِالسَّبَبِ مِثْلُ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى الْقَاتِلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ; لِأَنَّهَا إِذَا وَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَيْهَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فَلِأَنْ تَجِبَ فِي الْخَطَأِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِأَنَّ الْخَطَأَ يَكْثُرُ، فَلَوْ وَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى الْقَاتِلِ لَأَجْحَفَ بِهِ فَنَاسَبَ تَعْلِيقِهَا بِالْعَاقِلَةِ لِتَحْصِيلِ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إِيفَاءِ الْمَجْنِي عَلَيْهِ حَقَّهُ مَعَ عَدَمِ الْإِجْحَافِ بِالْجَانِي. مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ قَتْلِهِ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا وَأَمْكَنَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. [الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَقْتُلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَنْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا وَيَكُونُ مُسْلِمًا] (الثَّانِي: أَنْ يَقْتُلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَنْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا وَيَكُونُ مُسَلَّمًا أَوْ يَرْمِيَ إِلَى صَفِّ الْكُفَّارِ فَيُصِيبَ مُسْلِمًا، أَوْ يَتَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِمُسْلِمٍ وَيَخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِنْ لَمْ يَرْمِهِمْ فَيَرْمِيهِمْ فَيَقْتُلُ الْمُسْلِمَ فَهَذَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] 1 - (وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: تَجِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] الْآيَةَ، وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلِأَنَّهُ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً فَوَجَبَتْ كَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تُجِبُ، وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النساء: 92] الْآيَةَ، فَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً فِي هَذَا الْقِسْمِ، وَذَكَرَهَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَبِهَا يَحُضُّ عُمُومَ مَا ذُكِرَ، وَعَنْهُ: تَجِبُ فِي الْأَخِيرَةِ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " عَكْسُهَا ; لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ هُنَا [الرَّابِعُ الَّذِي أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ] (وَالَّذِي أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ كَالنَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى إِنْسَانٍ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يَقْتُلُ بِالسَّبَبِ مِثْلُ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا، أَوْ يَنْصُبَ سِكِّينًا أَوْ حَجَرًا) تَعَدِّيًا، وَلَمْ يَقْصِدْ جِنَايَةً (فَيُؤَوَّلُ إِلَى إِتْلَافِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 يَنْصُبَ سِكِّينًا أَوْ حَجَرًا فَيُؤَوَّلُ إِلَى إِتْلَافِ إِنْسَانٍ، وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَهَذَا كُلُّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ. فَصْلٌ وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُونَ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ جَرَحَهُ   [المبدع في شرح المقنع] إِنْسَانٍ) لِأَنَّهُ يُشَارِكُ الْخَطَأَ فِي الْإِتْلَافِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ خَطَأً لِعَدَمِ الْقَصْدِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ، فَيَكُونُ مَا ذِكْرُ خَطَأً، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَالْقَتْلُ بِالسَّبَبِ مُلْحَقٌ بِالْخَطَأِ إِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْجِنَايَةَ، فَإِنْ قَصْدَهَا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَقَدْ يَقْوَى فَيَلْحَقُ بِالْعَمْدِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِكْرَاهِ وَالشَّهَادَةِ (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَهَذَا كُلُّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِبْ بِالْخَطَأِ فَهَذَا أَوْلَى (وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّهَا تَحْمِلُ دِيَةَ الْخَطَأِ فَمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ كَذَلِكَ (وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ) لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ فِي الَّذِي أُجْرِيَ مَجْرَاهُ. [فَصْلٌ: قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ] فَصْلٌ (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ) عَلَى الْأَشْهَرِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ غُلَامًا قُتِلَ غِيلَةً فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَهَذَا إِذَا كَانَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَالِحًا لِلْقَتْلِ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا مَا لَمْ يَتَوَاطَئُوا عَلَى ذَلِكَ (وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُونَ) نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ مُكَافِئٌ لِلْمَقْتُولِ، فَلَا يُؤْخَذُ أَبْدَالٌ بِمُبْدَلٍ وَاحِدٍ كَمَا لَا تُؤْخَذُ دِيَاتٌ بِمَقْتُولٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْأَوْصَافِ يُمْنَعُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُؤْخَذُ بِالْعَبْدِ، فَالتَّفَاوُتُ فِي الْعَدَدِ أَوْلَى وَعَلَيْهَا تَلْزَمُهُمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا حُجَّةَ مَعَ مَنْ أَوْجَبَ قَتْلَ الْجَمَاعَةَ بِوَاحِدٍ، وَعَلَى الْأُولَى تَلْزَمُهُمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَشْهَرُ كَخَطَأٍ، وَنَقَلَ ابْنُ مَاهَانَ تَلْزَمُهُمْ دِيَاتٌ كَمَا لَوِ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 أَحَدُهُمَا جُرْحًا وَالْآخَرُ مِائَةً فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ، وَإِنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْكُوعِ، ثُمَّ قَطَعَهُ الْآخَرُ مِنَ الْمِرْفَقِ فَهُمَا قَاتِلَانِ. وَإِنْ فَعَلَ أَحَدُهُمَا فِعْلًا لَا   [المبدع في شرح المقنع] وَالْفَضْلُ: إِنْ قَتَلَهُ ثَلَاثَةٌ فَلَهُ قَتْلُ أَحَدِهِمْ، وَالْعَفْوُ عَنْ آخَرَ وَأَخْذُ الدِّيَةِ كَامِلَةً مِنْ أَحَدِهِمْ (وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] ; لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَتَى قَتَلَ قُتِلَ بِهِ انْكَفَّ عَنْهُ، فَلَوْ لَمْ يُشْرَعِ الْقِصَاصُ فِي الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ لَبَطَلَتِ الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ، وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا، وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفًا، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ تَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ، فَوَجَبَتْ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ وَالدِّيَةِ أَنَّ الدَّمَ لَا يَتَبَعَّضُ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ، وَهَذَا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ، فَمَتَى عَفَا عَنِ الْقَوَدِ تَعَيَّنَتِ الدِّيَةُ، وَإِنْ قُلْنَا: مُوجِبُهُ الْقَوَدُ فَقَطْ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَعْفُوا عَنِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ 1 - (وَإِنْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا جُرْحًا وَالْآخَرُ مِائَةَ) جُرْحٍ، أَوْ أَوْضَحَهُ أَحَدُهُمَا، أَوْ شَجَّهُ الْآخَرُ آمَّةً، أَوْ أَحَدُهُمَا جَائِفَةً، وَالْآخَرُ غَيْرَ جَائِفَةٍ (فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ التَّسَاوِي يُفْضِي إِلَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنِ الْمُشْتَرِكِينَ إِذْ لَا يَكَادُ جُرْحَانِ يَتَسَاوَيَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوِ احْتَمَلَ التَّسَاوِيَ لَمْ يَثْبُتِ الْحُكْمُ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ، وَلَا يُكْتَفَى بِاحْتِمَالِ الْوُجُودِ، بَلِ الْجَهْلُ بِوُجُودِهِ كَالْعِلْمِ بِعَدَمِهِ فِي انْتِفَاءِ الْحُكْمِ، وَلِأَنَّ الْجُرْحَ الْوَاحِدَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَمُوتَ بِهِ دُونَ الْمِائَةِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فَقَطَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ، وَالْآخَرُ رِجْلَهُ، وَالثَّالِثُ أَوْضَحَهُ فَمَاتَ فَلِلْوَلِيِّ قَتْلُ جَمِيعِهِمْ، وَالْعَفْوُ عَنْهُمْ إِلَى الدِّيَةِ وَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهَا، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ وَاحِدٍ فَيَأْخُذُ مِنْهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَيَقْتُلَ الْآخَرَيْنِ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنِ اثْنَيْنِ فَيَأْخُذُ مِنْهُمَا ثُلُثَيِ الدِّيَةِ، وَيَقْتُلَ الثَّالِثَ. (وَإِنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْكُوعِ، ثُمَّ قَطَعَهُ الْآخَرُ مِنَ الْمِرْفَقِ فَهُمَا قَاتِلَانِ) أَيْ: فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ، أَوِ الدِّيَةِ إِذَا قَطَعَ الثَّانِي قَبْلَ بُرُوءِ جِرَاحَةِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ كَقَطْعِ حُشْوَتِهِ أَوْ مَرِّيئِهِ أَوْ وَدَجَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَيُعَزَّرُ الثَّانِي، وَإِنْ شَقَّ الْأَوَّلُ بَطْنَهُ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِي عُنُقَهُ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي وَعَلَى الْأَوَّلِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ بِالْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ. وَإِنْ رَمَاهُ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُمَا قَطْعَانِ، فَإِذَا مَاتَ بَعْدَهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ كَانَا فِي يَدَيْنِ، وَقِيلَ: الْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي فَيُقَادُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ قَطْعَ الثَّانِي قَطْعُ سَرَايَةٍ، قَطَعَهُ وَمَاتَ بَعْدَ زَوَالِ جِنَايَتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ سَقَطَ الْقَوَدُ بِعَفْوٍ - غَرَمَا دِيَتَهُ نِصْفَيْنِ، وَإِنِ انْدَمَلَ الْجُرْحَانِ، فَعَلَى مَنْ قَطَعَ مِنَ الْكُوعِ الْقَوَدُ، وَعَلَى الْآخَرِ حُكُومَةٌ، وَعَنْهُ: ثُلْثُ دِيَةِ الْيَدِ، وَلَوْ قَتَلُوهُ بِأَفْعَالٍ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ لِقَتْلِهِ نَحْوُ أَنْ يَضْرِبَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ سَوْطًا فِي حَالِهِ أَوْ مُتَوَالِيًا، فَلَا قَوَدَ، وَفِيهِ عَنْ تَوَاطُئٍ وَجْهَانِ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " 1 - (وَإِنْ فَعَلَ أَحَدُهُمَا فِعْلًا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ كَقَطْعِ حُشْوَتِهِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا: أَمْعَاؤُهُ (أَوْ مَرِّيئِهِ) بِالْهَمْزِ، وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْحَلْقِ (أَوْ وَدَجَيْهِ) بِفَتْحِ الْوَاو وَكَسْرِهَا، وَالْوَدَجَانِ هُمَا عِرْقَانِ فِي الْعُنُقِ (ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَبْقَى مَعَ جِنَايَتِهِ (وَيُعَزَّرُ الثَّانِي) كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَيِّتٍ، فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ فِيهِ كَمَيِّتٍ لَوْ كَانَ عَبْدًا، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، كَذَا جَعَلُوا الضَّابِطَ: مَنْ يَعِيشُ مِثْلُهُ، وَمَنْ لَا يَعِيشُ، وَكَذَا عَلَّلَ الْخِرَقِيُّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي لَا يَعِيشُ: خَرَقَ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ حُشْوَتَهُ فَقَطَعَهَا فَأَبَانَهَا مِنْهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبْنِهَا لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ بِقَطْعِهَا لَا يَعِيشُ، فَاعْتُبِرَ كَوْنُهُ لَا يَعِيشُ فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ، فَتَعْمِيمُ الْأَصْحَابِ فِيهِ نَظَرٌ 1 - (وَإِنْ شَقَّ الْأَوَّلُ بَطْنَهُ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِي عُنُقَهُ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَوِّتُ لِلنَّفْسِ جزْما، فَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، وَالدِّيَةُ إِنْ عَفَا عَنْهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ مِنْ حُكْمِ الْحَيَاةِ (وَعَلَى الْأَوَّلِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ) لِأَنَّهُ حَصَلَ بِجِنَايَتِهِ (بِالْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ) لِأَنَّ الْحَيَاةَ تَارَةً تَكُونُ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ كَقَطْعِ الْيَدِ عَمْدًا، وَتَارَةً لَا تَكُونُ كَذَلِكَ كَقَطْعِهَا خَطَأً، لَكِنَّ جُرْحَ الْأَوَّلِ إِنْ كَانَ مُوجَبًا لِلْقِصَاصِ خُيِّرَ بَيْنَ قَطْعِ طَرَفِهِ وَالْعَفْوِ عَنْ دِيَتِهِ وَالْعَفْوِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ قَوَدًا كَالْجَائِفَةِ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا عَلَيْهِ الْقِصَاصَ ; لِأَنَّ الثَّانِيَ بِفِعْلِهِ قَطَعَ سَرَايَةَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ جُرْحُ الْأَوَّلِ يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ لَا مَحَالَةَ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ حُكْمِ الْحَيَاةِ وَتَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي ; لِأَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ فَقَدَّهُ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، وَإِنْ رَمَاهُ فِي لُجَّةٍ فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ فَابْتَلَعَهُ، فَالْقَوَدُ عَلَى الرَّامِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ أَكْرَهَ إِنْسَانًا عَلَى الْقَتْلِ فَقَتَلَ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يَعْلَمُ   [المبدع في شرح المقنع] عُمَرَ لَمَّا جُرِحَ وَسُقِيَ لَبَنًا فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، فَعَلَمَ أَنَّهُ مَيِّتٌ وَعَهَدَ إِلَى النَّاسِ وَجَعَلَ الْخِلَافَةِ فِي أَهْلِ الشُّورَى فَقَبِلَ الصَّحَابَةُ عَهْدَهُ وَعَمِلُوا بِهِ (وَإِنْ رَمَاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ فَقَدَّهُ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي) لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَيَاتَهُ قَبْلَ الْمَصِيرِ إِلَى حَالٍ يُيْأَسُ فِيهَا مِنْ حَيَاتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَبَادَرَهُ آخَرُ فَقَطَعَ عُنُقَهُ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ الرَّمْيَ سَبَبٌ، وَالْقَتْلَ مُبَاشَرَةٌ (وَإِنْ رَمَاهُ فِي لُجَّةٍ فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ فَابْتَلَعَهُ، فَالْقَوَدُ عَلَى الرَّامِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى قَتْلِهِ، وَلَمْ تُوجَدْ مُبَاشَرَةٌ فَصَلُحَ إِسْنَادُ الْقَتْلِ إِلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَبِهِ فَارِقٌ مَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ، وَالْإِتْلَافَ حَصَلَ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَهُوَ يُوجِبُ بقَطْعُ التَّسَبُّبِ وَكَمَا لَوْ مَنَعَهُ مَوْجٌ أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ كَانَ الْمَاءُ غَيْرَ مُغْرِقٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ قَطْعَ التَّسَبُّبِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِشَرْطِ صَلَاحِيَةِ إِسْنَادِ التَّلَفِ إِلَى الْمُبَاشَرَةِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَلْتَقِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ الْمَاءَ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْغَرَقِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: إِنِ الْتَقَمَهُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِيهِ قَبْلَ غَرَقِهِ، وَقِيلَ: شِبْهُ عَمْدٍ وَمَعَ قِلَّةٍ، فَإِنْ عَلِمَ بِالْحُوتِ فَالْقَوَدُ وَإِلَّا دِيَةٌ 1 - (وَإِنْ أَكْرَهَ إِنْسَانًا) مُكَلَّفًا (عَلَى الْقَتْلِ) أَيْ: عَلَى قَتْلِ مُكَافِئِهِ (فَقَتَلَ فَالْقِصَاصُ) أَوِ الدِّيَةُ، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " (عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الْمُكْرَهَ تَسَبَّبَ إِلَى قَتْلِهِ بِمَا يُفْضِي إِلَيْهِ غَالِبًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً، وَالْمُكْرَهُ قَتَلَهُ ظُلْمًا لِاسْتِبْقَاءِ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ فِي الْمَجَاعَةِ لِيَأْكُلَهُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ صَارَ الْأَمْرُ إِلَى الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَيْهِمَا كَالشَّرِيكَيْنِ، وَفِي " الْمُوجَزِ " إِذَا قُلْنَا: تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمُكْرَهٍ وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ، لَا يُقَالُ: الْمُكْرَهُ مُلْجَأٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الِامْتِنَاعِ، وَلِهَذَا يَأْثَمُ بِالْقَتْلِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَمَّا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْقَتْلِ 1 - (وَإِنْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ أَوْ مَجْنُونًا) أَوْ أَعْجَمِيًّا، لَا يَعْلَمُ خَطَرَ الْقَتْلِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ ": أَوْ كَبِيرًا يَجْهَلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 أَنَّ الْقَتْلَ مُحَرَّمٌ فَقَتَلَ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ أَمَرَ كَبِيرًا عَاقِلًا عالما بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ فَقَتَلَ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ. وَإِنْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَتْلِ إِنْسَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ مَنْ   [المبدع في شرح المقنع] تَحْرِيمَهُ (أَوْ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَتْلَ مُحَرَّمٌ) كَمَنْ نَشَأَ فِي غَيْرِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ (فَقَتَلَ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ) لِأَنَّ الْقَاتِلَ هُنَا كَالْآلَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً، وَنَقَلَ مُهَنَّا: إِذَا أَمَرَ صَبِيًّا أَنْ يَضْرِبَ رَجُلًا فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، فَعَلَى الْآمِرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِدَفْعِ سِكِّينٍ إِلَيْهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " إِنْ أَمَرَ صَبِيًّا وَجَبَ عَلَى آمِرِهِ وَشَرِيكِهِ فِي رِوَايَةٍ، وَإِنْ سَلِمَ لَا يَلْزَمُهُمَا فَلِعَجْزِهِ غَالِبًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَقَامَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَهْلِهِ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الْقَتْلِ، وَلَا يُعْذَرُ فِيهِ إِذَا كَانَ عَالِمًا، وَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ الْعَبْدُ وَيُؤَدَّبُ سَيِّدُهُ الْآمِرُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يُقْتَلُ الْآمِرُ وَيُحْبَسُ الْعَبْدُ حَتَّى يَمُوتَ كَمُمْسِكِهِ، وَعَلَم أَنَّهُ إِذَا أَمَرَهُ بِزِنًا أَوْ سَرِقَةٍ فَعَلَى الْمُبَاشِرِ (وَإِنْ أَمَرَ كَبِيرًا عَاقِلًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ فَقَتَلَ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهُ مَقْتُولٌ ظُلْمًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ لَمْ يُؤْمَرْ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: الْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ هُنَا مَنْ يُمَيِّزُ، وَلَيْسَ بِكَبِيرٍ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْآمِرِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَلِأَنَّ تَمْيِيزَهُ يَمْنَعُ كَوْنَهُ كَالْآلَةِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: اقْتُلْنِي، أَوِ اجْرَحْنِي. فَفَعَلَ غَيْرَ مُكْرَهٍ وَهُمَا مُكَلَّفَانِ فَهَدْرٌ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُ الدِّيَةُ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ دِيَةُ نَفْسِهِ إِرْثًا، وَيُحْتَمَلُ الْقَوَدُ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ عَبْدٌ لِمَنْ يُقْتَلُ بِهِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ لِسَيِّدِهِ بِمَالٍ فَقَطْ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: اقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُكَ فَخِلَافٌ كَإِذْنِهِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": لَا إِثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " اقْتُلْ نَفْسَكَ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ إِكْرَاهٌ كَاحْتِمَالٍ فِي: اقْتُلْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا 1 - (وَإِنْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَتْلِ إِنْسَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي فِعْلِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» وَلِأَنَّ غَيْرَ السُّلْطَانِ لَوْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَى الْآمِرِ. وَإِنْ أَمْسَكَ إِنْسَانًا لِآخَرَ لِيَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ قُتِلَ الْقَاتِلُ وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] كَانَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُبَاشِرِ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَيُحْتَمَلُ إِنْ خَافَ السُّلْطَانَ، قَتَلَ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَعَلَى الْآمِرِ) لِأَنَّ الْمَأْمُورَ مَعْذُورٌ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِالْحَقِّ. فَرْعٌ: إِذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَالْقَوَدُ، أَوِ الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَعْتَقِدُ جَوَازَ الْقَتْلِ دُونَ الْمَأْمُورِ كَمُسْلِمٍ قَتَلَ ذِمِّيًّا، فَقَالَ الْقَاضِي: الضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ الْإِمَامِ ; لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ، وَالْمُقَلِّدِ، فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَهُوَ كَقَوْلِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ لَهُ تَقْلِيدَ الْإِمَامِ فِيمَا رَآهُ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ، وَالْمَأْمُورُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ كَمَا لَوْ أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ بِهِ 1 - (وَإِنْ أَمْسَكَ إِنْسَانًا لِآخَرَ لِيَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ، قُتِلَ الْقَاتِلُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ (وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) نَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «إِذَا أَمْسَكَ الرَّجُلَ وَقَتَلَهُ الْآخَرُ، قُتِلَ الْقَاتِلُ، وَيُحْبَسُ الَّذِي أَمْسَكَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ نَحْوَهُ مِنْ قَضَاءِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّهُ حَبَسَهُ إِلَى الْمَوْتِ، فَيُحْبَسُ الْآخَرُ عَنِ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ حَتَّى يَمُوتَ (وَالْأُخْرَى يُقْتَلُ أَيْضًا) اخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَادَّعَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى إِجْمَاعًا ; لِأَنَّ قَتْلَهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا كَمَا لَوْ جَرَحَاهُ، لَكِنْ إِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُمْسِكُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ، إِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ فَتَحَ وَاحِدٌ فَمَهُ وَسَقَاهُ آخَرُ سُمًّا قَاتِلًا فَمَاتَ، وَجَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ " بِقَتْلِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَمْسَكَهُ لِيَقْطَعَ طَرَفَهُ، ذَكَرَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 وَالْأُخْرَى يُقْتَلُ أَيْضًا، وَإِنْ كَتَّفَ إِنْسَانًا وَطَرَحَهُ فِي أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ، أَوْ ذَاتِ حَيَّاتٍ فَقَتَلَتْهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُمْسِكِ. فَصْلٌ إِنِ اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ اثْنَانِ، لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدِهِمَا: كَالْأَبِ وَأَجْنَبِيٍّ فِي قَتْلِ الْوَلَدِ. وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ. وَالْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشَّرِيكِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا: وُجُوبُهُ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ وَالْعَبْدِ،   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الِانْتِصَارِ "، أَوْ تَبِعَ رَجُلًا لِيَقْتُلَهُ فَهَرَبَ فَأَدْرَكَهُ آخَرُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَبَسَهُ بِالْقَطْعِ لِيَقْتُلَهُ الثَّانِي فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْقَطْعِ، وَحُكْمُهُ فِي النَّفْسِ حُكْمُ الْمُمْسِكِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ حَبْسَهُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ دُونَ الْقَتْلِ كَالَّذِي أَمْسَكَهُ غَيْرُ عَالِمٍ 1 - (وَإِنْ كَتَّفَ إِنْسَانًا وَطَرَحَهُ فِي أَرْضٍ مُسْبِعَةٍ، أَوْ ذَاتِ حَيَّاتٍ فَقَتَلَتْهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُمْسِكِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ بِهِ فِعْلًا مُتَعَمَّدًا، لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ. فَرْعٌ: إِذَا أَمْسَكَ زَيْدٌ عَبْدًا فَقَتَلَهُ آخِرُ ضَمِنَهُ زَيْدٌ وَرَجَعَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَهُ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ أَمْسَكَهُ لِغَيْرِ قَتْلِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُمْسِكُ بِحَالٍ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَمَنْ تَعَرَّضَ لِقَتْلِ زَيْدٍ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ عَنْ نَفْسِهِ وَسَكَتَ، فَقَتَلَهُ، ضَمِنَهُ إِنْ قُلْنَا: الدِّيَةُ إِرْثٌ، وَإِنْ قُلْنَا: لَهُ، فَوَجْهَانِ. [فَصْلٌ: اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ اثْنَانِ] فَصْلٌ (إِنِ اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ اثْنَانِ، لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدِهِمَا: كَالْأَبِ وَأَجْنَبِيٍّ فِي قَتْلِ الْوَلَدِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ، وَالْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشَّرِيكِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ تَرَكَّبَ مِنْ مُوجِبٍ وَغَيْرِ مُوجِبٍ، فَلَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ لِكَوْنِ الْقَتْلِ لَمْ يَتَمَحَّضْ مُوجِبًا، وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ عَلَى الشَّرِيكِ. قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، وَاخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ; لِأَنَّ سُقُوطَهُ عَنْ شَرِيكِهِ لِمَعْنًى مُخْتَصٍّ بِهِ، فَلَمْ يَنْفُذْ إِلَى غَيْرِهِ وَكَمَا لَوْ أَكْرَهَ أَبًا عَلَى قَتْلِ ابْنِهِ (أَظْهَرُهُمَا وُجُوبُهُ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ وَالْعَبْدِ) لِأَنَّ قَتْلَهُمَا مَحْضُ عَمْدٍ عُدْوَانٌ، وَلِأَنَّهُ شَارَكَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ، فَيُقْتَلُ بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 وَسُقُوطُهُ عَنْ شَرِيكِ الْخَاطِئِ. وَفِي شَرِيكِ السَّبْعِ وَشَرِيكِ نَفْسِهِ وَجْهَانِ، وَلَوْ جَرَحَهُ إِنْسَانٌ عَمْدًا فَدَاوَى جُرْحَهُ بِسُمٍّ، أَوْ خَاطَهُ فِي اللَّحْمِ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلِيُّهُ، أَوِ الْإِمَامُ فَفِي وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَارِحِ وَجْهَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] كَشَرِيكِ الْأَجْنَبِيِّ، وَفِعْلُ الْأَبِ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ لِكَوْنِهِ تَمَحَّضَ عَمْدًا عُدْوَانًا، وَالْجِنَايَةُ بِهِ أَعْظَمُ إِثْمًا. وَلِذَلِكَ خَصَّهُ اللَّهُ بِالنَّهْيِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْأَبِ لِمَعْنًى مُخْتَصٍّ بِالْمَحَلِّ، لَا لِقُصُورٍ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ شَرِيكَيْنِ امْتَنَعَ الْقَوَدُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا ; لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ غَيْرِ قُصُورٍ فِي السَّبَبِ كَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فِي قَتْلِ ذِمِّيٍّ (وَسُقُوطُهُ عَنْ شَرِيكِ الْخَاطِئِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ عَمْدًا، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ قَوَدٌ كَشِبْهِ الْعَمْدِ وَكَمَا لَوْ قَتَلَهُ وَاحِدٌ بِجُرْحَيْنِ عَمْدًا وَخَطَأً، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ اشْتَرَكَ مُكَلَّفٌ وَغَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَالْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى الْبَالِغِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ; لِأَنَّهُ شَارَكَ مَنْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ كَشَرِيكٍ خَاطِئٍ (وَفِي شَرِيكِ السَّبْعِ وَشَرِيكِ نَفْسِهِ وَجْهَانِ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَجْرَحَهُ أَسَدٌ، أَوْ نَمِرٌ، أَوْ يَجْرَحَهُ إِنْسَانٌ، ثُمَّ يَجْرَحُ نَفْسَهُ مُتَعَمِّدًا وَهُمَا فِي شَرِيكِ الْوَلِيِّ الْمُقْتَصِّ، وَشَرِيكِ الْقَاطِعِ حَدًّا، وَشَرِيكِ دَفْعِ الصَّائِلِ، أَحَدُهُمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ شَارَكَ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَشَرِيكِ الْخَاطِئِ، بَلْ أَوْلَى، وَالثَّانِي: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ; لِأَنَّهُ قَتْلُ عَمْدٍ مُتَمَحِّضٌ، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الشَّرِيكِ كَشَرِيكِ الْأَبِ، فَأَمَّا إِنْ جَرَحَ نَفْسَهُ خَطَأً، فَلَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا قُلْنَا: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، أَوْ عَدَلَ إِلَى طَلَبِ الْمَالِ مِنْهُ - لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ كَمَالُهَا فِي شَرِيكِ السَّبْعِ خَاصَّةً، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ كَمَالُهَا فِي شَرِيكِهِ الْمُقْتَصِّ، وِدِيَةُ شَرِيكٍ مُخْطِئٍ فِي مَالِهِ، لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَهُ الْقَاضِي. (وَلَوْ جَرَحَهُ إِنْسَانٌ عَمْدًا فَدَاوَى جُرْحَهُ بِسُمٍّ، أَوْ خَاطَهُ فِي اللَّحْمِ) الْحَيِّ (أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلِيُّهُ، أَوِ الْإِمَامُ) فَمَاتَ (فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَارِحِ وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَشْهَرُ ; لِأَنَّ الْمُدَاوِيَ قَصَدَ مُدَاوَاةَ النَّفْسِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 بَابُ شُرُوطِ الْقِصَاصِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْجَانِي مُكَلَّفًا، فَأَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا، وَفِي السَّكْرَانِ وَشِبْهِهِ رِوَايَتَانِ: أَصَحُّهُمَا: وُجُوبُهُ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَكَانَ فِعْلُهُ عَمْدَ خَطَأٍ كَشَرِيكِ الْخَاطِئِ، وَالثَّانِي: بَلَى ; لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْقَتْلِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ سُمَّ سَاعَةٍ، يَقْتُلُ فِي الْحَالِ، فَقَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَقَطَعَ سَرَايَةِ الْجُرْحِ وَجَرَى مَجْرَى مَنْ ذَبْحَ نَفْسَهُ بَعْدَ أَنْ جُرِحَ، وَيُنْظَرُ فِي الْجُرْحِ، فَإِنْ كَانَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ، فَلِوَلِيِّهِ اسْتِيفَاؤُهُ، وَإِلَّا أَخَذَ الْأَرْشَ، وَإِنْ كَانَ السُّمُّ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَفَعَلَ الرَّجُلُ فِي نَفْسِهِ عَمْدَ الْخَطَأِ وَشَرِيكُهُ كَشَرِيكِ الْخَاطِئِ، وَإِنْ خَاطَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كُرْهًا فَهُمَا قَاتِلَانِ عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ. [بَابُ شُرُوطِ الْقِصَاصِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْجَانِي مُكَلَّفًا] بَابُ شُرُوطِ الْقِصَاصِ (وَهِيَ أَرْبَعَةٌ) وَسَيَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ (أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْجَانِي مُكَلَّفًا) لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ، وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا (فَأَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مِنْ شُرُوطِهِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ، وَكَذَا إِذَا كَانَ زَائِلَ الْعَقْلِ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ كَالنَّائِمِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُمْ صَحِيحٌ، فَلَوْ قَالَ الْقَاتِلُ: كُنْتُ يَوْمَ الْقَتْلِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا صَدَقَ مَعَ الْإِمْكَانِ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا الْآنَ صَغِيرٌ، فَلَا قَوَدَ، وَلَا يَمِينَ (وَفِي السَّكْرَانِ وَشِبْهِهِ) كَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ مَعْذُورٍ فِيهِ كَمَنْ يَشْرَبُ الْأَدْوِيَةَ الْمُخْبَثَةَ (رِوَايَتَانِ) وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَلَاقِهِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَيَكُونُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ، أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ ; وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، أَشْبَهَ الصَّبِيَّ (أَصَحُّهُمَا وُجُوبُهُ عَلَيْهِ) نَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ حَدَّ الْقَذْفِ، وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ فَالْقِصَاصُ الْمُتَمَحِّضُ حَقَّ آدَمِيٍّ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنْ يَصِيرَ عِصْيَانُهُ سَبَبًا لِإِسْقَاطِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ، وَالطَّلَاقُ قَوْلٌ يُمْكِنُ إِلْغَاؤُهُ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 فَصْلٌ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومًا فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ حَرْبِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ذِمِّيًّا، وَلَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ يَدَ مُرْتَدٍّ، أَوْ حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ رَمَى حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهِ السَّهْمُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] [الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومًا] فَصْلٌ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومًا) أَيْ: مَعْصُومَ الدَّمِ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا شُرِعَ حِفْظًا لِلدِّمَاءِ الْمَعْصُومَةِ وَزَجْرًا عَنْ إِتْلَافِ الْبِنْيَةِ الْمَطْلُوبِ بَقَاؤُهَا، وَذَلِكَ مَعْدُومُ في غير الْمَعْصُومِ (فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ حَرْبِيٍّ) لَا نَعْلَمُ فيهِ خِلَافًا، وَلَا تَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ، وَلَا كَفَّارَةٌ ; لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَالْخِنْزِيرِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا (وَلَا مُرْتَدٍّ) لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ، أَشَبَهَ الْحَرْبِيَّ. (وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ) أَيْ: لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ قِصَاصٌ، وَلَا دِيَةٌ، وَلَا كَفَّارَةٌ كَالْمُرْتَدِّ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ وَجْهًا أَنَّ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْقَوَدَ ; لِأَنَّ قَتْلَهُ إِلَى الْإِمَامِ كَمَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إِذَا قَتَلَهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ مُتَحَتِّمٌ قَتْلُهُ، فَلَمْ يَضْمَنْ كَالْحَرْبِيِّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ ": وَالْمُرَادُ قَبْلَ التَّوْبَةِ فَهَدَرٌ، وَإِنْ بَعْدَهَا إِنْ قُبِلَتْ ظَاهِرًا فَكَإِسْلَامٍ طَارِئٍ فَدَلَّ أَنْ طَرَفَ مُحْصَنٍ كَمُرْتَدٍّ لَا سِيَّمَا وَقَوْلُهُمْ: عُضْوٌ مِنْ نَفْسٍ، وَجَبَ قَتْلُهَا، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ لِلِافْتِئَاتِ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ كَمَنْ قَتَلَ حَرْبِيًّا (وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ذِمِّيًّا) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مُسَاوَاةِ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْهُمَا صَادَفَ مَحَلَّهُ، وَيُحْتَمَلُ فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِالزَّانِي الْمُحْصَنِ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " ; لِأَنَّ الْحَدَّ لَنَا، وَالْإِمَامُ نَائِبٌ، قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ ": إِنْ أَسْرَعَ وَلِيُّ قَتِيلٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَقَتَلَ قَاطِعَ طَرِيقٍ قَبْلَ وُصُولِهِ الْإِمَامَ، فَلَا قَوَدَ ; لِأَنَّهُ انْهَدَرَ دَمُهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَا دِيَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَلَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ يَدَ مُرْتَدٍّ، أَوْ حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ رَمَى حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهِ السَّهْمُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَى مَعْصُومٍ، وَلِأَنَّهُ رَمَى مَنْ هُوَ مَأْمُورٌ بِرَمْيِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ ; لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي التَّضْمِينِ بِحَالِ ابْتِدَاءِ الْحَيَاةِ ; لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ وَحَالُهَا لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ أَهْلًا لِأَنَّ يَضْمَنَ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 رَمَى مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِهِ، فَلَا قِصَاصَ، وَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ، وَإِنْ قَطَعَ يَدَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ، وَمَاتَ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ: يَجِبُ   [المبدع في شرح المقنع] الْجَانِي شَيْءٌ لِفَوَاتِ الْأَهْلِيَّةِ الْمُشْتَرِطَةِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " كَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ (وَإِنْ رَمَى مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِهِ، فَلَا قِصَاصَ) لِأَنَّهُ رَمَى مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، أَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ (وَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ:) أَحَدُهُمَا: لَا تَجِبُ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ كَرِدَّةِ مُسْلِمٍ وَكَالْحَرْبِيِّ، وَالثَّانِي: تَجِبُ ; لِأَنَّ الرَّمْيَ هَنَا مُحَرَّمٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الِافْتِئَاتِ عَلَى الْإِمَامِ وَكَتَلَفِهِ بِبِئْرٍ حُفِرَتْ، وَقِيلَ: كَمُرْتَدٍّ لِتَفْرِيطِهِ إِذْ قَتْلُهُ لَيْسَ إِلَيْهِ، وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ، قَالَهُ الْحُلْوَانِيُّ. 1 - فَائِدَةٌ: قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ رَمَى مُرْتَدًّا، أَوْ حَرْبِيًّا فَأَصَابَهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ فَمَاتَ فَهَدَرٌ كَمَا لَوْ بَانَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَكَتَمَ إِسْلَامَهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ الدِّيَةُ، وَقِيلَ: لِلْمُرْتَدِّ فَقَطْ، وَهِيَ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُخَفَّفَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقِيلَ: يُقْتَلُ بِهِ 1 - (وَإِنْ قَطَعَ يَدَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ، وَمَاتَ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ; لِأَنَّهَا نَفْسُ مُرْتَدٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَلَا مَضْمُونٍ بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَطَعَ طَرَفَ ذِمِّيٍّ فَصَارَ حَرْبِيًّا، ثُمَّ مَاتَ مِنْ جِرَاحِهِ، وَأَمَّا الْيَدُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهَا أَصْلُهُمَا هَلْ يَفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ أَمْ فِي النَّفْسِ فَقَطْ، وَهَلْ يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ أَمْ قَرِيبُهُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصْلُهُمَا هَلْ مَالُهُ فَيْءٌ أَمْ لِوَرَثَتِهِ؛ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ كَمَا لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَتَلَهُ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ قَطْعٌ صَارَ قَتْلًا لَمْ يَجِبْ بِهِ الْقَتْلُ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْقَطْعُ كَمَا لَوْ قَطَعَ مِنْ غَيْرِ مَفْصِلٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ دِيَةُ الطَّرَفِ فِي وَجْهٍ ; لِأَنَّهُ قَتْلٌ لِغَيْرِ مَعْصُومٍ وَتَجِبُ فِي آخَرَ ; لِأَنَّ سُقُوطَ حُكْمِ سَرَايَةِ الْجُرْحِ لَا يُسْقِطُ ضَمَانَهُ كَمَا لَوْ قَطَعَ طَرَفَ رَجُلٍ، ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ ضَمَانُهُ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ ارْتَدَّ، وَمَاتَ فَفِيهِ دِيَتَانِ ; لِأَنَّ الرِّدَّةَ قَطَعَتْ حُكْمَ السَّرَايَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ دِيَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ، أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ زَمَنُ الرِّدَّةِ مِمَّا تَسْرِي فِيهِ الْجِنَايَةُ، فَلَا قِصَاصَ فِيهِ.   [المبدع في شرح المقنع] النَّفْسِ أَوِ الطَّرَفِ، يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ (وَفِي الْآخَرِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ) لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ حَالَ الْقَطْعِ كَانَ مُكَافِئًا، وَالْقَتْلُ بِسَبَبِ الْقَطْعِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ هُنَا فَوَجَبَ الْقَطْعُ لِانْتِفَاءِ إِفْضَائِهِ إِلَى الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ (أَوْ نِصْفِ الدِّيَةِ) لِمَا سَبَقَ، وَقِيلَ: لَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ فِي عَمْدِ ذَلِكَ، وَلَا خَطَئِهِ ; لِأَنَّ الْجُرْحَ صَارَ بِالسَّرَايَةِ نَفْسًا فَيَدْخُلُ الْقَطْعُ فِيهِ تَبَعًا، وَلَوْ قَتَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يَضْمَنْهُ، فَكَذَا إِذَا مَاتَ بِالسَّرَايَةِ (وَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ) مَعَ الْعَمْدِ، أَوِ الدِّيَةُ مَعَ الْخَطَأِ (فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ ; لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حَالَ الْجِنَايَةِ وَالْمَوْتِ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَتَجِبُ كَامِلَةً، وَقِيلَ: نَصِفُهَا ; لِأَنَّهَا مِنْ جُرْحٍ مَضْمُونٍ وَسَرَايَةٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ إِنْسَانٌ وَجَرَحَ نَفْسَهُ، وَمَاتَ مِنْهُمَا (وَقَالَ الْقَاضِي:) يَتَوَجَّهُ عِنْدِي، وَاخْتَارَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " (إِنْ كَانَ زَمَنَ الرِّدَّةِ مِمَّا تَسْرِي فِيهِ الْجِنَايَةُ، فَلَا قِصَاصَ فِيهِ) كَمَا لَوْ عَفَى بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَتِ الرِّدَّةُ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَقِيلَ: كُلُّهَا، وَهَلْ تَجِبُ فِي الطَّرَفِ الَّذِي قَطَعَ فِي إِسْلَامِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا رَمَى مُسْلِمًا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى ارْتَدَّ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَفِي دِيَةِ الْجُرْحِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: حَالَ الْإِصَابَةِ، وَالثَّانِيَةُ: حَالَ السَّرَايَةِ، وَهَلِ الِاعْتِبَارُ فِي الْقَتْلِ بِحَالِ الرَّامِي، أَوْ بِحَالِ الْإِصَابَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَالْأُولَى أَنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ تُهْدِرُ ابْتِدَاءً تُهْدِرُ دَوَامًا، وَإِنْ تَغَيَّرَ الْحَالُ بَعْدُ، وَمَا ضَمِنَ ابْتِدَاءً ضَمِنَ دَوَامًا وَيُعْتَبَرُ الْمِقْدَارُ بِالْآخِرَةِ، فَلَوْ تَبَدَّلَ حَالُ الرَّامِي، وَالْمَرْمِيِّ بَيْنَ الْإِصَابَةِ، وَالرَّمْيِ، فَلَا قَوَدَ حَتَّى يَكْمُلَ حَالُهَا فِي الطَّرَفَيْنِ، وَفِي تَحَمُّلِ الْعَقْلِ يُعْتَبَرُ الطَّرَفَانِ، وَالْوَاسِطَةُ، وَإِذَا كَانَ الْمَرْمِيُّ مَضْمُونَ الدَّمِ فِي الطَّرَفَيْنِ اعْتُبِرَ الضَّمَانُ بِالْآخِرَةِ، وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا حِينَ الرَّمْيِ دُونَ الْإِصَابَةِ فَهَدَرٌ، وَإِنِ انْعَكَسَ ضَمِنَ حَالَ الْإِصَابَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 فَصْلٌ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُكَافِئًا لِلْجَانِي وَهُوَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الدِّينِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ فَيُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ، أَوِ الْعَبْدِ، وَالذِّمِّيِّ الْحُرِّ، أَوِ الْعَبْدِ   [المبدع في شرح المقنع] [الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُكَافِئًا لِلْجَانِي] فَصْلٌ (الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُكَافِئًا لِلْجَانِي) لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا لِلْجَانِي، فَيَكُونُ آخِذُهُ آخِذًا بِهِ لِأَكْثَرَ مِنَ الْحَقِّ (وَهُوَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الدِّينِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي لَفْظٍ «وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» ، «وَعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ أَلَّا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ مَنْقُوصٌ بِالْكُفْرِ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَالْمُسْتَأْمَنِ، لَا يُقَالُ: الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِمِثْلِهِ شَامِلَةٌ لِقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ ; لِأَنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيصُهَا بِمَا ذَكَرَ، وَقَدْ رَوَى الْسلمَانِيِّ «أَقَادَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ قُتِلَ» ، قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ، وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ مُرْسَلٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْسلَمَانِيُّ ضَعِيفٌ إِذَا أَسْنَدَ فَكَيْفَ إِذَا أَرْسَلَ (وَالْحُرِّيَّةُ، وَالرِّقُّ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهُمَا شَخْصَانِ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ السَّلِيمَةِ، فَلَمْ يَجِبْ فِي النَّفْسِ كَالْأُبُوَّةِ، وَلِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ، فَلَمْ يُقْتَلْ بِهِ الْحُرُّ لِرُجْحَانِهِ عَلَيْهِ بِوَصْفِ الْحُرِّيَّةِ (فَيُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ، أَوِ الْعَبْدِ، وَالذِّمِّيِّ الْحُرِّ، أَوِ الْعَبْدِ بِمِثْلِهِ) لِحُصُولِ الْمُكَافَأَةِ بَيْنَهُمَا وَيُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِمِثْلِهِ، اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ، أَوِ اخْتَلَفَتْ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّصْرَانِيِّ يُقْتَلُ بِالْمَجُوسِيِّ وَذِمِّيٍّ بِمُسْتَأْمَنٍ وَعَكْسِهِ، وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ بِمِثْلِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] الْآيَةَ، وَكَتَفَاوُتِ الْفَضَائِلِ كَالْعِلْمِ، وَالشَّرَفِ، لَا مُكَاتِبٌ بِعَبْدِهِ، وَيُقْتَلُ بِعَبْدِهِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فِي الْأَشْهَرِ، فَإِنْ قَتَلَ رَقِيقٌ مُسْلِمٌ رَقِيقًا مُسْلِمًا لِذِمِّيٍّ فَفِي جَوَازِ الْقَوَدِ وَجْهَانِ، وَإِنْ تَسَاوَتِ الْقِيمَةُ، وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ ذِمِّيٌّ عَبْدًا مُسْلِمًا قُتِلَ بِهِ وَيُقْتَلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 بِمِثْلِهِ. وَيُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى، وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَعَنْهُ: يُعْطَى الذَّكَرُ نِصْفَ الدِّيَةِ إِذَا قُتِلَ بِالْأُنْثَى، وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ إِلَّا أَنْ تَسْتَوِيَ قِيمَتُهُمَا وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ وَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَالْمُرْتَدُّ بِالذِّمِّيِّ، وَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ. نَصَّ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ، وَهُوَ مِثْلُهُ،   [المبدع في شرح المقنع] قِنٌّ بِمَكَاتَبٍ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ كَانَا لِسَيِّدٍ، فَلَا قَوَدَ فِي وَجْهٍ وَيُقْتَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَبِالْعَكْسِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا قَتَلَ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ - مِثْلَهُ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ حُرِّيَّةً، قُتِلَ بِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ، وَلَا يُقْتَلُ بِهِ حُرٌّ 1 - (وَيُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى) بِغَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَتَلَ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، وَلِأَنَّهُمَا شَخْصَانِ يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَذْفِ الْآخَرِ فَقُتِلَ بِهِ كَالرَّجُلِ بِالرَّجُلِ (وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ ; لِأَنَّهَا دُونَهُ (وَعَنْهُ: يُعْطَى الذَّكَرُ نِصْفَ الدِّيَةِ إِذَا قُتِلَ بِالْأُنْثَى) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَيُعْطَى أَوْلِيَاؤُهُ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَلِأَنَّ دِيَتَهَا نِصْفُ دِيَتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْطَى ذَلِكَ لِيَحْصُلَ التَّسَاوِي (وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ إِلَّا أَنْ تَسْتَوِيَ قِيمَتُهُمَا) لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالٍ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ التَّسَاوِي كَالْقِيمَةِ (وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ) وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِلنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ قِصَاصٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ كَالْأَحْرَارِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِلْخُنْثَى، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالْخُنْثَى وَيُقْتَلُ بِهِمَا ; لِأَنَّهُ إِمَّا رَجُلٌ، أَوِ امْرَأَةٌ (وَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَتَلَ يَهُودِيًّا بِجَارِيَةٍ، وَلِأَنَّهُ إِذَا قُتِلَ بِمِثْلِهِ فَمَنْ فَوْقَهُ أَوْلَى (وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْهُ، أَشْبَهَ قَتْلَ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ (وَالْمُرْتَدِّ بِالذِّمِّيِّ) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ كَافِرٌ فَيُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ كَالْأَصْلِيِّ ; لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الذِّمِّيِّ ; لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْقَى عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ يَعُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ. نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْقِصَاصِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَحَالَةِ الْمُرْتَدِّ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَفْسِ الْكُفْرِ (وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) مُطْلَقًا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 أَوْ يَجْرَحَهُ، ثُمَّ يُسْلِمَ الْقَاتِلُ، أَوِ الْجَارِحُ، أَوْ يَعْتَقَ وَيَمُوتَ الْمَجْرُوحُ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَزَيْدٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوِ ارْتَدَّ، وَلِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالْكُفْرِ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَالْمُسْتَأْمَنِ، وَقِيلَ: يُقْتَلُ بِهِ لِلْعُمُومَاتِ، وَإِنَّ الْخَبَرَ فِي الْحَرْبِيِّ كَمَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: حُكْمُ الْمَالِ غَيْرُ حُكْمِ النَّفْسِ بِدَلِيلِ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِ زَانٍ مُحْصَنٍ، وَقَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ، وَلَا يُقْتَلُ قَاتِلُهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَالَهُمَا بَاقٍ عَلَى الْعِصْمَةِ كَمَالِ غَيْرِهِمَا وَعِصْمَةُ دَمِهِمَا زَالَتْ، وَعَجِبَ أَحْمَدُ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ: إِنَّهُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْمَجُوسِيِّ وَاسْتَشْنَعَهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْقُونِ الدَّمِ. (وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ، وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ «عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ» ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي السَّلَامَةِ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ أَشْبَهَ الْحُرَّ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ، فَلَمْ يُقْتَلْ بِهِ الْحُرُّ كَالْمَكَاتَبِ إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي (إِلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ، وَهُوَ مِثْلُهُ، أَوْ يَجْرَحَهُ، ثُمَّ يُسْلِمُ الْقَاتِلُ، أَوِ الْجَارِحُ، أَوْ يَعْتِقُ وَيَمُوتُ الْمَجْرُوحُ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي التَّكَافُؤِ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ كَالْحَدِّ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، أَوْ جَرَحَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ، وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ، أَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا، أَوْ جَرَحَهُ، ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ، أَوِ الْجَارِحُ، وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ - وَجَبَ الْقِصَاصُ ; لِأَنَّهُمَا مُتَكَافِئَانِ حَالَ الْجِنَايَةِ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ وَجَبَ، فَلَا يَسْقُطُ بِمَا طَرَأَ كَمَا لَوْ جُنَّ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ كَمَا لَوْ كَانَ مُؤْمِنًا حَالَ قَتْلِهِ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ، لَا يُقَالُ: لِمَ اعْتُبِرَتِ الْمُكَافَأَةُ عِنْدَ ذَلِكَ؟ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِيهَا بِحَالِ الْوُجُوبِ دُونَ الِاسْتِيفَاءِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَعِتْقِهِ، فَلَمْ يُسْقِطْهُ الْإِسْلَامُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، أَوْ جَرَحَ حُرٌّ عَبْدًا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، أَوْ جَرَحَ حُرٌّ عَبْدًا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ وَعَتَقَ، وَمَاتَ، فَلَا قَوَدَ وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَيْهِ فِي الذِّمِّيِّ دِيَةُ ذِمِّيٍّ، وَفِي الْعَبْدِ قِيَمَتُهُ لِسَيِّدِهِ. وَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَبْدًا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ وَأَسْلَمَ، فَلَا قَوَدَ وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ إِذَا مَاتَ مِنَ الرَّمْيَةِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ،   [المبدع في شرح المقنع] ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ وَعَتَقَ، وَمَاتَ، فَلَا قَوَدَ) لِأَنَّ الْمُكَافَأَةَ مَعْدُومَةٌ حَالَةَ الْجِنَايَةِ (وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْأَرْشِ بِحَالِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ فَسَرَى إِلَى نَفْسِهِ فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ اعْتِبَارًا بِحَالِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ، وَلَوِ اعْتَبَرَ حَالَ الْجِنَايَةِ وَجَبَتْ دِيَتَانِ وَلِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ، أَوْ نِصْفِ دِيَةِ حُرٍّ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ، وَقِيلَ: الدِّيَةُ لِسَيِّدِهِ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَمَا زَادَ مِنْهَا عَلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ إِرْثٌ (وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، وَابْنِ حَامِدٍ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْهُ فِي " التَّذْكِرَةِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ (عَلَيْهِ فِي الذِّمِّيِّ دِيَةُ ذِمِّيٍّ، وَفِي الْعَبْدِ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ) وَدِيَةُ مُسْلِمٍ لِوَارِثٍ مُسْلِمٍ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْقِصَاصِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْجِنَايَةِ، فَكَذَا إِذَا أَسْلَمَ، أَوْ عَتَقَ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: يَأْخُذُ قِيمَتَهُ وَقْتَ جِنَايَتِهِ، وَكَذَا دِيَتَهُ، نَقَلَهُ حَرْبٌ إِلَّا أَنْ يُجَاوِزَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، فَالزِّيَادَةُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ وَجَبَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ قَوَدٌ فَطَلَبَهُ لِلْوَرَثَةِ عَلَى هَذِهِ، وَعَلَى الْأُخْرَى لِلسَّيِّدِ. فَرْعٌ: قَتَلَ أَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، أَوْ عَبْدٌ عَبْدًا، ثُمَّ أَسْلَمَ، أَوْ عَتَقَ مُطْلَقًا قُتِلَ بِهِ فِي الْمَنْصُوصِ كَجُنُونِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَعَدَمُ قَتْلِ مَنْ أَسْلَمَ ظَاهِرُ نَقْلِ بَكْرٍ كَإِسْلَامِ حَرْبِيٍّ قَاتِلٍ، وَكَذَا إِنْ جَرَحَ مُرْتَدٌّ ذِمِّيًّا، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ بَعْدَ الْجَرْحِ، أَوْ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ مَانِعَةً مِنَ الْقَوَدِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ شَيْخُنَا كَمَا بَعْدَ الزُّهُوقِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " 1 (وَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَبْدًا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ وَأَسْلَمَ، فَلَا قَوَدَ) لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ (وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ) لِلْوَرَثَةِ، وَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ (إِذَا مَاتَ مِنَ الرَّمْيَةِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) لَا نِزَاعَ فِي وُجُوبِ دِيَةِ حُرٍّ مُسْلِمٍ إِذَا مَاتَ مِنَ الرَّمْيَةِ ; لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ لِنَفْسِ حُرٍّ مُسْلِمٍ فَتَعَيَّنَ أَلَا قَوَدَ، قَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ حَامِدٍ إِذِ الرَّمْيُ جُزْءٌ مِنَ الْجِنَايَةِ، وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَلَوْ قَتَلَ مَنْ يَعْرِفُهُ ذِمِّيًّا عَبْدًا فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ وَعَتَقَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ مُرْتَدًّا فَكَذَلِكَ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَلْزَمَهُ إِلَّا الدِّيَةُ.   [المبدع في شرح المقنع] رَيْبَ فِي انْتِفَاءِ الْمُكَافَأَةِ حَالَ الرَّمْيِ، وَإِذَا عُدِمَتِ الْمُكَافَأَةُ فِي بَعْضِ الْجِنَايَةِ عُدِمَتْ فِي كُلِّهَا إِذِ الْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِهِ وَكَمَا لَوْ رَمَى مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ (عَلَيْهِ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ قَتَلَ مُكَافِئًا لَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا فَوَجَبَ الْقَوَدُ كَمَا لَوْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا حَالَ الرَّمْيِ، وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْإِصَابَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ رَمَى، فَلَمْ يُصِبْهُ حَتَّى ارْتَدَّ وَكَقَتْلِهِ مَنْ عَلِمَهُ أَوْ ظَنَّهُ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا، فَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ، أَوْ عَتَقَ، أَوْ قَاتِلَ أَبِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " إِذَا رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا هَلْ تَلْزَمُهُ دِيَةُ مُسْلِمٍ أَوْ دِيَةُ كَافِرٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ، أَوِ الرَّمْيَةِ، ثُمَّ بَنَى مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي ضَمَانِهِ بِدِيَةٍ أَوْ قِيمَةٍ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِمَا مَنْ رَمَى مُرْتَدًّا، أَوْ حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُقُوعِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ دِيَةُ مُسْلِمٍ، أَوْ هَدَرٌ؟ . 1 - فَرْعٌ: إِذَا رَمَى كَافِرًا فَأَصَابَهُ السَّهْمُ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ كَانَتْ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي " الشَّرْحِ " وُجُوبُ الْمَالِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْإِصَابَةِ ; لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الْمَحَلِّ فَيُعْتَبَرُ عَنِ الْمَحَلِّ الَّذِي فَاتَ بِهَا فَيَجِبُ بِقَدْرِهِ، وَقَدْ فَاتَ بِهَا نَفْسُ مُسْلِمٍ حُرٍّ، وَالْقِصَاصُ جَزَاءُ الْفِعْلِ فَيُعْتَبَرُ الْفِعْلُ فِيهِ وَالْإِصَابَةُ مَعًا ; لِأَنَّهُمَا طَرَفَاهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ " فِي الْأَصَحِّ (وَلَوْ قَتَلَ مَنْ يَعْرِفُهُ ذِمِّيًّا عَبْدًا فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ وَعَتَقَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ حَالَهُ (وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ مُرْتَدًّا) فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ (فَكَذَلِكَ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ) لِأَنَّهُ قَتَلَ مُكَافِئًا عُدْوَانًا عَمْدًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إِلَّا بَعْدَ إِسْلَامِهِ، بِخِلَافِ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَلْزَمَهُ) الْقِصَاصُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ مَعْصُومٍ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ قِصَاصٌ كَمَا لَوْ قَتَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَنْ يَعْتَقِدُهُ حَرْبِيًّا بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ، وَلَا يَلْزَمُهُ (إِلَّا الدِّيَةُ) لِأَنَّ الِارْتِدَادَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ لِئَلَّا يَفُوتَ الْقِصَاصُ إِلَى بَدَلٍ. 1 - تَنْبِيهٌ: يُقْتَلُ الْمُكَلَّفُ بِطِفْلٍ وَمَجْنُونٍ، وَالْعَالِمُ وَالشَّرِيفُ بِضِدِّهِمَا، وَالصَّحِيحُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 فَصْلٌ الرَّابِعُ: أَلَّا يَكُونَ أَبًا لِلْمَقْتُولِ فَلَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ وَالْأَبُ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْمَرِيضِ، وَلَوْ قَارَبَ الْمَوْتَ، وَالسَّمِينُ بِالْهَزِيلِ، وَكَذَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَتَلَ حُرٌّ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَنْ عَلِمَهُ أَوْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ فَهَدَرٌ، فَلَوْ دَخَلَهَا مُسْلِمٌ بِأَمَانٍ فَقَتَلَ بِهَا حَرْبِيًّا قَدْ أَسْلَمَ وَكَتَمَ إِيمَانَهُ فَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ قَتَلَ هَذَا الْمُسْتَأْمَنُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا قَدْ دَخَلَهَا بِأَمَانٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ إِسْلَامَهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمِنِ دِيَةُ ذِمِّيٍّ. [الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَلَّا يَكُونَ أَبَا لِلْمَقْتُولِ] فَصْلٌ (الرَّابِعُ: أَلَّا يَكُونَ أَبًا لِلْمَقْتُولِ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شُرُوطِهِ لَقُتِلَ بِهِ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ (فَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ يُسْتَغْنَى بِشُهْرَتِهِ، وَقَبُولِهِ، وَالْعَمَلِ بِهِ عَنِ الْإِسْنَادِ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْنَادُ فِي مِثْلِهِ مَعَ شُهْرَتِهِ تَكَلُّفًا، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» فَمُقْتَضَى هَذِهِ الْإِضَافَةِ تَمْلِيكُهُ إِيَّاهُ، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَةُ الْمِلْكِيَّةِ تُثْبِتُ الْإِضَافَةُ شُبْهَةً فِي إِسْقَاطِ الْقِصَاصِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوِ اخْتَلَفَا دِينًا وَحُرِّيَّةً ; لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا فِي إِيجَادِهِ، فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فِي إِعْدَامِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ مِنْ رَضَاعٍ، أَوْ زِنًا، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": وَلَا يَلْزَمُ الزَّاهِدَ الْعَابِدَ، فَإِنَّ مَعَهُ مِنَ الدِّينِ، وَالشَّفَقَةِ مَا يَرْدَعُهُ عَنِ الْقَتْلِ; لِأَنَّ رَادِعَهُ حُكْمِيٌّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَادِعُ الْأَبِ طَبْعِيٌّ، وَهُوَ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إِزَالَتُهُ (وَإِنْ سَفَلَ) أَيْ: لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ، وَإِنْ نَزَلَ ; لِأَنَّ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا وَالِدٌ فَيَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 وَالْأُمُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَمَتَى وَرِثَ   [المبدع في شرح المقنع] يَتَعَلَّقُ بِالْوِلَادَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَالْمُعْتَقِ عَلَيْهِ إِذَا مَلَكَهُ فَوَجَبَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْحُكْمِ (وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) لِأَنَّهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ فَيَشْمَلُهَا الْخَبَرُ، وَلِأَنَّهَا أَوْلَى بِالْبِرِّ مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا الْجَدَّةُ، وَإِنْ عَلَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَالْأُمِّ، وَلَوْ قَالَ: وَأُمٌّ كَأَبٍ فِي ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى، وَعَنْهُ: تُقْتَلُ أُمٌّ بِهِ، نَقَلَهَا مُهَنَّا فِي أُمِّ الْوَلَدِ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَمْدًا تُقْتَلُ، قَالَ: مَنْ يَقْتُلُهَا؟ قَالَ: وَلَدُهَا وَكَالْأَخِ، وَعَنْهُ: يُقْتَلُ أَبٌ بِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ لِلْعُمُومَاتِ وَكَالْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ قَتَلَهُ حَذْفًا بِالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَإِنْ أَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ قُتِلَ بِهِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْأَبَ يُفَارِقُ سَائِرَ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا بِالْحَذْفِ بِالسَّيْفِ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ، وَالْأَبُ بِخِلَافِهِ، وَقِيلَ: يُقْتَلُ أَبُو أُمٍّ بِوَلَدِ بِنْتِهِ وَعَكْسِهِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": لَا تُقْتَلُ أُمٌّ، وَالْأَصَحُّ وَجَدَّةٌ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": وَلَا يَجُوزُ لِلِابْنِ قَتْلُ أَبِيهِ بِرِدَّةٍ وَكُفْرٍ بِدَارِ حَرْبٍ، وَلَا رَجْمُهُ بِزِنًا، وَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِرَجْمٍ، وَعَنْهُ لَا قَوَدَ بِقَتْلٍ فِي دَارِ حَرْبٍ فَتَجِبُ دِيَةٌ إِلَّا لِغَيْرِ مُهَاجِرٍ. تَذْنِيبٌ: ادَّعَى اثْنَانِ نَسَبَ لَقِيطٍ، ثُمَّ قَتَلَاهُ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِأَحَدِهِمَا، فَلَا قَوَدَ، فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنِ الدَّعْوَى، أَوْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِغَيْرِهِ انْقَطَعَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ رَجَعَا عَنْهُا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمَا; لِأَنَّ النَّسَبَ حَقٌّ لِلْوَلَدِ، فَإِنْ بَلَغَ انْتَسَبَ إِلَى أَحَدِهِمَا، وَقُلْنَا: يَصِحُّ انْتِسَابُهُ، فَهَلْ يُقْتَلُ الْآخَرُ بِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا فَقَتَلَاهُ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِأَحَدِهِمَا، فَلَا قَوَدَ، وَلَوْ أَنْكَرَ أَحَدُهُمَا النَّسَبَ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ لِبَقَاءِ فِرَاشِهِ مَعَ إِنْكَارِهِ (وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِلْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ وَمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقْتَلُ بِهِ ; لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِحَقِّ النَّسَبِ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 وَلَدُهُ الْقِصَاصَ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ شَيْئًا مِنْ دَمِهِ سَقَطَ الْقِصَاصُ، فَلَوْ قَتَلَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، أَوْ قَتَلَ أَخَاهَا فَوَرِثَتْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثَهَا، أَوْ وَلَدُهُ - سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ. وَلَوْ قَتَلَ أَبَاهُ، أَوْ أَخَاهُ فَوَرِثَهُ أَخَوَاهُ، ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ وَرِثَ بَعْضَ دَمِ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ أَبَاهُ، وَالْآخَرُ   [المبدع في شرح المقنع] قِيَاسَهُ عَلَى الْأَبِ مُمْتَنِعٌ لِتَأَكُّدِ حُرْمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا قُتِلَ بِالْأَجْنَبِيِّ فَبِأَبِيهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ يُحَدُّ بِقَذْفِهِ فَيُقْتَلُ بِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يُقَالُ قَدْ رَوَى سُرَاقَةُ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُقَادُ الْأَبُ مِنَ ابْنِهِ، وَلَا الِابْنُ مِنْ أَبِيهِ» . وَرُوِيَ عَنْهُ: " أَنَّهُ كَانَ يُقِيدُ الِابْنَ مِنْ أَبِيهِ " لِأَنَّهُمَا خَبَرَانِ لَا يُعْرَفَانِ، وَلَا يُوجَدَانِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا أَصْلٌ فَهُمَا مُتَعَارِضَانِ فَيَتَعَيَّنُ سُقُوطُهُمَا، وَالْعَمَلُ بِالنُّصُوصِ الْوَاضِحَةِ غَيْرِهِمَا (وَمَتَى وَرِثَ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ) سَقَطَ الْقِصَاصُ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ لَوَجَبَ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِبْ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (أَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ شَيْئًا مِنْ دَمِهِ سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ لَوَجَبَ الْقِصَاصُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ (فَلَوْ قَتَلَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ) فَلَا قَوَدَ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لِوَلَدِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ لِلْوَلَدِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى، أَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ أو لم يكن ; لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْقَوَدُ لَوَجَبَ لَهُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَلَا يُمْكِنُ وُجُوبُهُ، وَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ سَقَطَ كُلُّهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ كَمَا لَوْ عَفَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (أَوْ قَتَلَ أَخَاهَا فَوَرِثَتْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثَهَا، أَوْ وَلَدُهُ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهَا تَرِثُ النِّصْفَ إِنْ كَانَ الْأَخُ لِأَبَوَيْهَا، أَوْ أَبِيهَا، وَالسُّدُسَ إِنْ كَانَ لِأُمِّهَا إِذَا كَانَ مَعَهَا مَنْ يَرِثُ بَقِيَّةَ الْمَالِ، وَالْجَمِيعَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، فَلَمَّا مَاتَتْ وَرِثَ شَيْئًا مِنَ الدَّمِ، أَوْ وَرِثَ وَلَدُهُ ذَلِكَ وَهُوَ مُقْتَضَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَعَنْهُ: لَا يَسْقُطُ بِإِرْثِ الْوَلَدِ، اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَلَدٌ مِنْهَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ ; لِأَنَّهُمَا شَخْصَانِ مُتَكَافِئَانِ يُحَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقَذْفِ الْآخَرِ فَيُقْتَلُ بِهِ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ (وَلَوْ قَتَلَ أَبَاهُ، أَوْ أَخَاهُ فَوَرِثَهُ أَخَوَاهُ، ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ وَرِثَ بَعْضَ دَمِ نَفْسِهِ) لِأَنَّ أَخَوَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 أُمَّهُ، وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَبِ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أَخِيهِ وَيَرِثَهُ، وَإِنْ قَتَلَ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَادَّعَى كُفْرَهُ، أَوْ رِقَّهُ، أَوْ ضَرَبَ مَلْفُوفًا فَقَدَّهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ. أَوْ قَتَلَ رَجُلًا فِي دَارِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ دَخَلَ يُكَابِرُهُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] يَسْتَحِقَّانِ دَمَ أَبِيهِمَا، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَرِثَ الْقَاتِلُ الْأَوَّلُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ; لِأَنَّهُ أَخُوهُ، فَعَلَى هَذَا يَسْتَحِقُّ نِصْفَ دَمِهِ ; لِأَنَّ دَمَ الْأَبِ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ نِصْفَانِ، ضَرُورَةَ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ، وَإِنْ قَتَلَ الثَّانِي الْأَوَّلَ، ثُمَّ الثَّالِثُ الرَّابِعَ قُتِلَ الثَّالِثُ دُونَ الثَّانِي لِإِرْثِهِ نِصْفَ دَمِهِ عَنِ الرَّابِعِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةِ الْأَوَّلِ لِلثَّالِثِ 1 - (وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ أَبَاهُ، وَالْآخَرُ أُمَّهُ، وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَبِ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ) وَهُوَ قَاتِلُ الْأَبِ ; لِأَنَّهُ وَرِثَ بَعْضَ دَمِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ ثَمَنُ دَمِ الْأَبِ (وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أَخِيهِ وَيَرِثَهُ) إِذَا قَتَلَ أَكَبَرُ الْأَخَوَيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَبَاهُمَا وَأَصْغَرُهُمَا أُمَّهُمَا مَعَ الزَّوْجِيَّةِ، فَلَا قَوَدَ عَلَى الْأَكْبَرِ لِمَا ذَكَرْنَا لِإِرْثِهِ ثَمَنَ دَمِهِ عَنْ أُمِّهِ وَعَلَيْهِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ دِيَةِ أَبِيهِ لِلْأَصْغَرِ، وَلَهُ قَتْلُهُ وَإِرْثُهُ فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ الْقَتْلَ بِحَقٍّ لَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا، أَوْ قَتَلَاهَا مَعًا مُطْلَقًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ قَتْلُ أَخِيهِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّبْقِ بِالِاسْتِيفَاءِ قُدِّمَ مَنْ قُرِعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُبْدَأَ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ 1 - (وَإِنْ قَتَلَ بمَنْ لَا يَعْرِفُ وَادَّعَى كُفْرَهُ، أَوْ رِقَّهُ) لَمْ يُقْبَلْ ; لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ، وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، وَالرِّقُّ طَارِئٌ (أَوْ ضَرَبَ مَلْفُوفًا فَقَدَّهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ) لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَيَاةُ كَمَا لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مِثْلَهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، وَذُكِرَ فِي " الْوَاضِحِ " عَنْ أَبِي بَكْرٍ: لَا يَضْمَنُهُ. وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْتِهِ وَجْهَيْنِ. وَسَأَلَ الْقَاضِيَ: أَفَلَا يُعْتَبَرُ بِالدَّمِ وَعَدَمِهِ؟ قَالَ: لَا لَمْ يَعْتَبِرْهُ الْفُقَهَاءُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيُتَوَجَّهُ، يُعْتَبَرُ (أَوْ قَتَلَ رَجُلًا فِي دَارِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ دَخَلَ يُكَابِرُهُ عَلَى أَهْلِهِ، أَوْ مَالِهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ) وَجَبَ الْقِصَاصُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 أَهْلِهِ، أَوْ مَالِهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ، أَوْ تَجَارَحَ اثْنَانِ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ جَرَحَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَيُشْتَرَطُ لَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مُكَلَّفًا، فَإِنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] يَدَّعِيهِ، سَوَاءٌ وُجِدَ فِي دَارِ الْقَاتِلِ، أَوْ غَيْرِهَا مَعَهُ سِلَاحٌ أَوْ لَا ; لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا آخَرَ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعة فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ عَدَمُهُ فِي مَعْرُوفٍ بِالْفَسَادِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَلِيَّ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَلِكَ، فَلَا قِصَاصَ، وَلَا دِيَةَ لِقَوْلِ عُمَرَ، رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَرُوِيَ عَنِ الزُّبَيْرِ نَحْوُهُ، وَلِأَنَّ الْخَصْمَ اعْتَرَفَ بِمَا يُبِيحُ قَتْلَهُ فَسَقَطَ حَقُّهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا (أَوْ تَجَارَحَ اثْنَانِ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ جَرَحَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ (وَجَبَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّ سَبَبَ الْقِصَاصِ قَدْ وُجِدَ، وَهُوَ الْجُرْحُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ) وَفِي " الْمَذْهَبِ "، وَ " الْكَافِي " تَجِبُ الدِّيَةُ، وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ، وَحَنْبَلٌ فِي قَوْمٍ اجْتَمَعُوا فِي دَارٍ فَجَرَحَ وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَجُهِلَ الْحَالُ: أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَجْرُوحِينَ دِيَةُ الْقَتْلَى يَسْقُطُ مِنْهَا أَرْشُ الْجِرَاحِ، قَضَى بِهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهَلْ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِهِ جُرْحٌ مِنْ دِيَةِ الْقَتْلَى شَيْءٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ. فَرْعٌ: ادَّعَى زِنَا مُحْصَنٍ بِشَاهِدَيْنِ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ بِأَرْبَعَةٍ، قُبِلَ، وَإِلَّا فَفِيهِ بَاطِنًا وَجْهَانِ، وَقِيلَ: وَظَاهِرًا، لَكِنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُحْصَنًا أَوْ لَا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ عَلَى فِعْلِهِ وَإِلَّا لَاعْتُبِرَتْ شُرُوطُ الْحَدِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ قَتْلُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا كَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا. وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ فِي اعْتِبَارِ إِحْصَانِهِ. [بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مُكَلَّفًا] بَابٌ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَهُوَ فِعْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ، أَوْ وَلِيِّهِ بِجَانٍ مِثْلَ مَا فَعَلَ، أَوْ شِبْهَهُ (وَيُشْتَرَطُ لَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مُكَلَّفًا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِيفَاءِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجُزِ اسْتِيفَاؤُهُ. يُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ وَيَعْقِلَ   [المبدع في شرح المقنع] لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ، وَلَا تَصَرُّفُهُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ إِمَّا صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ، وَكِلَاهُمَا لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ الْحَيْفُ عَلَى الْجَانِي، وَلَا يَقُومُ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ؟ لِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي، فَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ (فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجُزِ اسْتِيفَاؤُهُ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْقَوَدُ لَيْسَ لِأَبِيهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ اسْتِيفَاؤُهُ، وَعَنْهُ: بَلَى، حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَالَهَا الْأَكْثَرُ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَحَدُ بَدَلَيِ النَّفْسِ، فَكَانَ لِلْأَبِ اسْتِيفَاؤُهُ كَالدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ فِي الطَّرَفِ دُونَ النَّفْسِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ بِزَوْجَتِهِ، فَلَمْ يَمْلِكِ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ كَالْوَصِيِّ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ التَّشَفِّي وَتَرْكُ الْغَيْظِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِاسْتِيفَاءِ الْأَبِ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِاسْتِيفَائِهِ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ إِنَّمَا يَحْصُلُ اسْتِيفَاؤُهَا إِذَا تَعَيَّنَتْ، وَالْقِصَاصُ لَا يَتَعَيَّنُ، فَعَلَى هَذَا (يُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ وَيَعْقِلَ الْمَجْنُونُ) وَيَقْدَمَ الْغَائِبُ ; لِأَنَّ فِيهِ حَظًّا لِلْقَاتِلِ بِتَأْخِيرِ قَتْلِهِ وَحَظًّا لِلْمُسْتَحِقِّ بِإِيصَالِهِ إِلَى حَقِّهِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إِتْلَافَ نَفْسِهِ وَمَنْفَعَتِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ النَّفْسِ لِعَارِضٍ بَقِيَ إِتْلَافُ الْمَنْفَعَةِ سَالِمًا عَنِ الْمُعَارِضِ، وَقَدْ حَبَسَ مُعَاوِيَةُ، هُدْبَةَ بْنَ حشْرَمٍ فِي قَوَدٍ حَتَّى يَبْلُغَ ابْنُ الْقَتِيلِ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ، وَبَذَلَ الْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ لِابْنِ الْقَتِيلِ سَبْعَ دِيَاتٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا، لَا يُقَالُ: يَجِبُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ كَالْمُعْسِرِ لِمَا فِي تَخْلِيَتِهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْحَقِّ ; لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ هَرَبُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ لَا يَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ، فَلَا يُحْبَسُ بِمَا لَا يَجِبُ، وَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ لِمَانِعٍ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُعْسِرَ لَوْ حُبِسَ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْكَسْبُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدِ اسْتَحَقَّ قَتْلَهُ، وَفِيهِ تَفْوِيتُ نَفْسِهِ وَنَفْعِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ تَفْوِيتُ النَّفْسِ لِمَانِعٍ جَازَ تَفْوِيتُ نَفْعِهِ لِإِمْكَانِهِ، وَلَوْ كَانَ الْقَوَدُ لِحَيٍّ فِي طَرَفِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَامَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ لِيُخْلِيَ سَبِيلَهُ لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 الْمَجْنُونُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا أَبٌ، فَهَلْ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ لَهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إِلَى النَّفَقَةِ، فَهَلْ لِوَلِيِّهِمَا الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَتَلَا قَاتِلَ أَبِيهِمَا، أَوْ قَطَعَا قَاطِعَهُمَا قَهْرًا احْتَمَلَ أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُمَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَجِبَ لَهُمَا دِيَةُ أَبِيهِمَا فِي مَالِ الْجَانِي وَتَجِبُ دِيَةُ الْجَانِي عَلَى عَاقِلَتِهِمَا، وَإِنِ   [المبدع في شرح المقنع] الْقِصَاصِ كَالْحَدِّ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا أَبٌ، فَهَلْ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ لَهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَقْصُودَ شَرْعِيَّةِ الْقِصَاصِ مَفْقُودٌ فِي الْأَبِ وَكَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى ; لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً كَامِلَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ (فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إِلَى النَّفَقَةِ، فَهَلْ لِوَلِيِّهِمَا الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) وَحَكَاهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " رِوَايَتَانِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ، صَحَّحَهُ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِسْقَاطَ قِصَاصِهِ، وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكَمَا لَوْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ وُجُوبَ نَفَقَتِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا يُغْنِيهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ، وَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ مَجَّانًا وَلِوَلِيِّ الْفَقِيرِ الْمَجْنُونِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَالَةٌ مُعْتَادَةٌ يُنْتَظَرُ فِيهَا إِفَاقَتُهُ وَرُجُوعُ عَقْلِهِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَعَنْهُ: لِأَبٍ، وَعَنْهُ: وَوَصِيٌّ وَحَاكِمٌ اسْتِيفَاؤُهُ لَهُمَا فِي نَفْسٍ، أَوْ دُونِهَا فَيَعْفُو إِلَى الدِّيَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَتَلَا قَاتِلَ أَبِيهِمَا، أَوْ قَطَعَا قَاطِعَهُمَا قَهْرًا احْتُمِلَ أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُمَا) هَذَا وَجْهٌ قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَ غَيْرَ حَقِّهِ فَسَقَطَ الْحَقُّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ لَهُمَا وَدِيعَةٌ عِنْدَ شَخْصٍ فَأَخَذَاهَا مِنْهُ قَهْرًا وَكَمَا لَوِ اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دِيَتَهُ (وَاحْتُمِلَ أَنْ تَجِبَ لَهُمَا دِيَةُ أَبِيهِمَا فِي مَالِ الْجَانِي وَتَجِبُ دِيَةُ الْجَانِي عَلَى عَاقِلَتِهِمَا) جَزَمَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ " وَ " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِيفَاءِ، فَلَا يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ فَتَجِبُ لَهُمَا دِيَةُ أَبِيهِمَا فِي مَالِ الْجَانِي ; لِأَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِمَا دِيَةُ الْقَاتِلِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ أَجْنَبِيًّا، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ بَرِئَ مِنْهَا الْمُودِعُ، وَلَوْ هَلَكَ الْجَانِي مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ دِيَتَهُ الْعَاقِلَةُ سَقَطَ حَقُّهُمَا وَجْهًا وَاحِدًا. فَصْلٌ الثَّانِي: اتِّفَاقُ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ، وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمُ اسْتِيفَاؤُهُ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ لِشُرَكَائِهِ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ، وَيَسْقُطُ عَنِ الْجَانِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: لَهُمْ ذَلِكَ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي وَيَرْجِعُ وَرَثَةُ   [المبدع في شرح المقنع] يَبْرَأْ مِنَ الْجِنَايَةِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ تَكْلِيفِهِ فَحَقُّهُ مِنَ الْقَوَدِ إِرْثٌ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ إِلَى الدِّيَةِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَحِقُّ الْغَائِبُ وَجُهِلَ عَفْوُهُ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (وَإِنِ اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ دِيَتَهُ الْعَاقِلَةُ) كَالْعَبْدِ (سَقَطَ حَقُّهُمَا وَجْهًا وَاحِدًا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِيجَابُ دِيَتِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا سُقُوطُهُ. [الشَّرْطُ الثَّانِي اتِّفَاقُ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ] فَصْلٌ (الثَّانِي: اتِّفَاقُ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ لَا يُمْكِنُ تَنْقِيصُهُ، فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيكِهِ ; لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ الدَّيْنَ (وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمُ اسْتِيفَاؤُهُ دُونَ بَعْضٍ) لِأَنَّ اتِّفَاقَ الْكُلِّ شَرْطٌ، وَلَمْ يُوجَدْ (فَإِنْ فَعَلَ) مَنْ مَنَعْنَاهُ مِنْهُ غَيْرَ زَوْجٍ (فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا يَسْتَحِقُّ بَعْضَهَا، فَلَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ بِهَا ; لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُؤْخَذُ بِبَعْضِ نَفْسٍ، وَلِأَنَّهُ مُشَارِكٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَوَدٌ كَمَا لَوْ كَانَ مُشَارِكًا فِي مِلْكِ الْجَارِيَةِ وَوَطْئِهَا وَيُفَارِقُ إِذَا قَتَلَ الْجَمَاعَةُ وَاحِدًا، فَإِنَّا لَمْ نُوجِبِ الْقِصَاصَ بِقَتْلِ بَعْضِ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا لِجَمِيعِهَا، وَلَوْ سَلِمَ فَمِنْ شَرْطِهِ الْمُشَارَكَةُ (وَعَلَيْهِ لِشُرَكَائِهِ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ) أَيْ: لِلَّذِي لَمْ يَقْتُلْ قِسْطُهُ مِنَ الدِّيَةِ ; لِأَنَّهُ حَقُّهُ مِنَ الْقَوَدِ، سَقَطَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ، أَوْ عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ، وَهَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى قَاتِلِ الْجَانِي، أَوْ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ (وَيَسْقُطُ عَنِ الْجَانِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَى قَاتِلِ الْجَانِي ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَحَلَّ حَقِّهِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِعِوَضِ نَصِيبِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ وَدِيعَةٌ فَأَتْلَفَهَا (وَفِي الْآخَرِ لَهُمْ ذَلِكَ) أَيْ: حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ (فِي تَرِكَةِ الْجَانِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 الْجَانِي عَلَى قَاتِلِهِ. وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ الْعَافِي زَوْجًا، أَوْ زَوْجَةً. وَلِلْبَاقِينَ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاقُونَ عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ   [المبدع في شرح المقنع] وَيَرْجِعُ وَرَثَةُ الْجَانِي عَلَى قَاتِلِهِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، أَيْ: يَجِبُ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ، أَوْ عَفَا شَرِيكُهُ عَنِ الْقِصَاصِ، أَيْ: وَيَأْخُذُ وَارِثُهُ مِنَ الْمُقْتَصِّ الزَّائِدَ عَنْ حَقِّهِ ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَوْلُنَا: أَتْلَفَ مَحَلَّ حَقِّهِ - يَبْطُلُ بِمَا إِذَا أَتْلَفَ مُسْتَأْجِرُهُ، أَوْ غَرِيمُهُ، وَيُفَارِقُ الْوَدِيعَةَ، فَإِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمَا فَوَجَبَ عِوَضُ مِلْكِهِ، وَالْجَانِي لَيْسَ بِمَمْلُوكِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، إِنَّمَا عَلَيْهِ حَقٌّ، وَهَذَا أَقْيَسُ، وَقَالَ الْحُلْوَانِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَلَوْ قَتَلَتِ امْرَأَةٌ رَجُلًا لَهُ ابْنَانِ فَقَتَلَهَا أَحَدُهُمَا، فَلِلْآخَرِ نِصْفُ دِيَةِ أَبِيهِ فِي تَرِكَةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَتَلَتْهُ وَيَرْجِعُ وَرَثَتُهَا عَلَى قَاتِلِهَا بِنِصْفِ دِيَتِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ الِابْنُ الَّذِي لَمْ يَقْتُلْ عَلَى أَخِيهِ بِنِصْفِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى أَخِيهِ إِلَّا نِصْفَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى وَرَثَةِ الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ أَخَاهُ الَّذِي قَتَلَهَا أَتْلَفَ جَمِيعَ الْحَقِّ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " احْتِمَالٌ: يَسْقُطُ حَقُّهُمْ عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَيْنًا، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا - غَرِمَ الدِّيَةَ قَاتِلُ الْجَانِي، وَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ - أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَةِ الْجَانِي (وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّ الْقَتْلَ عِبَارَةٌ عَنْ زُهُوقِ الرُّوحِ بِآلَةٍ صَالِحَةٍ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَتَبَعَّضُ (وَإِنْ كَانَ الْعَافِي زَوْجًا، أَوْ زَوْجَةً) إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّهُمَا مِنْ مُسْتَحِقِّي الدَّمِ كَبَقِيَّةِ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ: هُوَ مَوْرُوثٌ لِلْعَصَبَاتِ خَاصَّةً، ذَكَرَهَا ابْنُ الْبَنَّا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِدَفْعِ الْعَارِ فَاخْتُصَّ بِهِ الْعُصْبَةُ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِذَوِي الْأَنْسَابِ فَقَطْ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ ; لِأَنَّ حَقَّ غَيْرِ الْعَافِي لَمْ يَرْضَ بِإِسْقَاطِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنْ يَعْقِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ عَصَبَتُهَا مَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ فَعَلَيْهِمُ الْقَوَدُ وَإِلَّا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ. وَسَوَاءٌ   [المبدع في شرح المقنع] كَانُوا، وَلَا يَرِثُوا مِنْهَا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا، وَإِنْ قُتِلَتْ فَعَقْلُهَا بَيْنَ وَرَثَتِهَا وَهُمْ يَقْتُلُونَ قَاتِلَهَا» . وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَوْلِ عُمَرَ رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ مِنْهُمْ وَكَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ سَقَطَ كُلُّهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْمَرْأَةُ مُسْتَحِقَّةٌ فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهَا كَالرَّجُلِ، وَزَوَالُ الزَّوْجِيَّةِ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْقَوَدِ كَمَا لَمْ يَمْنَعِ اسْتِحْقَاقَ الدِّيَةِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمْ وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ بِعَفْوِ بَعْضِهِمْ (وَلِلْبَاقِينَ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي) سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا، أَوْ إِلَى الدِّيَةِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّ حَقَّهُ مِنَ الْقِصَاصِ سَقَطَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَثَبَتَ لَهُ الْبَدَلُ كَمَا لَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ بَعْضَ دَمِهِ، أَوْ مَاتَ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " إِنْ عَفَا أَحَدُهُمْ فَلِلْبَقِيَّةِ الدِّيَةُ، وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ (فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاقُونَ عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ فَعَلَيْهِمُ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلُوهُ ابْتِدَاءً، سَوَاءٌ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ، أَوْ لَا (وَإِلَّا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِمْ) أَيْ: إِذَا قَتَلَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَفْوِ، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّ الْعَفْوَ مُسْقِطٌ لِلْقَوَدِ لَمْ يَجِبْ قَوَدٌ ; لِأَنَّ ذلَكَ شُبْهَةً قَدْ دَرَأَتِ الْقَوَدَ كَالْوَكِيلِ إِذَا قَتَلَهُ بَعْدَ الْعَفْوِ، وَقَبْلَ الْعِلْمِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ حَكَمَ بِالْعَفْوِ أَوْ لَا ; لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَوْجُودَةٌ مَعَ انْتِفَاءِ الْعِلْمِ، مَعْدُومَةٌ عِنْدَ وُجُودِهِ (وَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ) فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا قَوَدَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ تَعَذَّرَ، وَالدِّيَةُ بَدَلُهُ، وَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ، أَمَّا الْعَفْوُ عَنِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ عَنْهُ مِنْهَا مَا قَابَلَ حَقَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ قِصَاصًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَاقِي، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَفَا إِلَى غَيْرِ مَالٍ فَالْوَاجِبُ لِوَرَثَةِ الْقَاتِلِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَفَا إِلَى الدِّيَةِ، فَالْوَاجِبُ لِوَرَثَةِ الْقَاتِلِ وَعَلَيْهِمْ نَصِيبُ الْعَافِي مِنَ الدِّيَةِ، وَقِيلَ: حَقُّ الْعَافِي مِنَ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَبْقَ مُتَعَلِّقًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ، أَوْ بَعْضُهُمْ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا فَلَيْسَ لِلْبَالِغِ الْعَاقِلِ الِاسْتِيفَاءُ حَتَّى يَصِيرَا مُكَلَّفَيْنِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنَ الْمَالِ حَتَّى   [المبدع في شرح المقنع] بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا الدِّيَةُ وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَ غَرِيمَهُ (وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ، أَوْ بَعْضُهُمْ غَائِبًا) لِاسْتِوَائِهِمَا مَعْنًى، فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الْعَافِي فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَلَوِ ادَّعَى نِسْيَانَهُ، أَوْ جَوَازَهُ (فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا) أَوْ غَائِبًا (فَلَيْسَ لِلْبَالِغِ الْعَاقِلِ الِاسْتِيفَاءُ حَتَّى يَصِيرَا مُكَلَّفَيْنِ) وَيَقْدُمُ الْغَائِبُ (فِي الْمَشْهُورِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ، نَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَا بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ وَكَدِيَةٍ، وَكَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، بِخِلَافِ مُحَارَبَةٍ لِتَحَتُّمِهِ وَحَدِّ قَذْفٍ لِوُجُوبِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا (وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ) وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ،، وَاللَّيْثُ ; لِأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَتَلَ ابْنَ مُلْجِمٍ قِصَاصًا، وَفِي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، فَإِنْ مَاتَا، أَوْ أَحَدُهُمَا فَوَارِثُهُمَا كَهُمَا، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى تَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ قصاص غير مُتَحَتِّمٌ، فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا اسْتِيفَاؤُهُ اسْتِقْلَالًا كَمَا لَوْ كَانَ لِحَاضِرٍ وَغَائِبٍ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِنَّمَا قَتَلَ الْحَسَنُ، ابْنَ مُلْجِمٍ حَدًّا لِكُفْرِهِ ; لِأَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ كَافِرٌ، وَقِيلَ: لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْتَظِرِ الْحَسَنُ غَائِبًا مِنَ الْوَرَثَةِ، فَيَكُونُ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلُهُ مُتَحَتِّمٌ، وَهُوَ إِلَى الْإِمَامِ، وَالْحَسَنُ هُوَ الْإِمَامُ، وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْإِمَامِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، لَا بِحُكْمِ الْأَدَبِ (وَكُلُّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنَ الْمَالِ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثِهِ، أَشْبَهَ الْمَالَ، وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ الْعَصَبَةَ، وَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ ابْتِدَاءً أَمْ يَنْتَقِلُ عَنْ مُوَرِّثِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. فَائِدَةٌ: الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ " الزَّوْجَانِ " مَرْفُوعًا بِالْأَلِفِ عَطْفًا عَلَى " كُلِّ مَنْ وَرِثَ " وَوُجِدَ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ مَجْرُورًا، وَتَكُونُ " حَتَّى " حَرْفَ جَرٍّ بِمَعْنَى انْتِهَاءِ الْغَايَةِ، أَيْ: وَكُلُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ. وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَلِيُّهُ الْإِمَامُ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا. فَصْلٌ الثَّالِثُ: أَنْ يُؤْمَنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ التَّعَدِّي إِلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ. فَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى حَامِلٍ، أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ الْوَلَدَ وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، ثُمَّ إِنْ وُجِدَتْ   [المبدع في شرح المقنع] مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقِصَاصَ يَنْتَهِي ذَلِكَ إِلَى الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ. (وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَلِيُّهُ الْإِمَامُ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ) وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَ " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ ; لِأَنَّ بِنَا حَاجَةً إِلَى عِصْمَةِ الدِّمَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ لَقُتِلَ كُلُّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، قَالَا: وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " وَغَيْرِهِ وَجْهَانِ كَوَالِدٍ (وَإِنْ شَاءَ عَفَا) لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَرَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقِصَاصِ، أَوِ الْعَفْوِ عَلَى مَالٍ، وَهُوَ الدِّيَةُ، لَا أَقَلَّ، وَلَا مَجَّانًا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، فَلَوْ عَفَا إِلَى غَيْرِ مَالٍ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِيهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَعْفُوَ مَجَّانًا لِقِصَّةِ عُثْمَانَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ هُنَا، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يُؤْمَنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ التَّعَدِّي إِلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ] فَصْلٌ (الثَّالِثُ أَنْ يُؤْمَنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ التَّعَدِّي إِلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33] ، وَالْقَتْلُ الْمُفْضِي إِلَى التَّعَدِّي، فِيهِ إِسْرَافٌ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ " الْجَانِي، وَهُوَ أَحْسَنُ (فَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى حَامِلٍ، أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَمْ تُقْتَلْ) وَحُبِسَتْ، فَإِذَا وَلَدَتْ جُلِدَتْ وَأُقِيدَ مِنْهَا فِي الطَّرَفِ (حَتَّى تَضَعَ الْوَلَدَ وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 مَنْ تُرْضِعُهُ وَإِلَّا تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي الطَّرَفِ حَالَ حَمْلِهَا. وَحُكْمُ الْحَدِّ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْقِصَاصِ، فَإِنِ ادَّعَتِ الْحَمْلَ احْتُمِلَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهَا فَتُحْبَسُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا وَاحْتُمِلَ أَلَّا يُقْبَلَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنِ اقْتُصَّ مِنْ حَامِلٍ وَجَبَ ضَمَانُ جَنِينِهَا   [المبدع في شرح المقنع] وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، قَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إِذَا قَتَلَتِ الْمَرْأَةُ عَمْدًا، فَلَا تُقْتَلُ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدَهَا، وَإِنْ زَنَتْ لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا وَحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدَهَا» وَلِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى وَلَدِهَا وَقَتْلُهُ حَرَامٌ، وَالْوَلَدُ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ اللِّبَأِ ضَرَرًا كَثِيرًا، وَقَالَ فِي " الْكَافِي ": لَا يَعِيشُ إِلَّا بِهِ (ثُمَّ إِنْ وَجَدَتْ مَنْ تُرْضِعُهُ) قُتِلَتْ ; لِأَنَّ تَأْخِيرَ قَتْلِهَا إِنَّمَا كَانَ لِلْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " يَلْزَمُ بِرَضَاعِهِ بِأُجْرَةٍ (وَإِلَّا) أَيْ: إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ (تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ) لِحَوْلَيْنِ لِلْخَبَرِ، وَالْمَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَالْغَالِبُ عَدَمُ ضَرَرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ إِذَا أُخِّرَ مِنْ أَجْلِ سَقْطِ الْحَمْلِ فَلَأَنْ يُؤَخَّرَ مِنْ أَجْلِ حِفْظِ الْوَلَدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ سَقْيُهُ لَبَنَ شَاةٍ، فَإِنَّهَا تُتْرَكُ وَصَرَّحَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّهَا تُقْتَلُ ; لِأَنَّ لَهُ مَا يَقُومُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ لِمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ، وَقِيلَ: بَلَى كَمَنْ خِيفَ تَلَفُهَا لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي الطَّرَفِ حَالَ حَمْلِهَا) لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّعَدِّي إِلَى تَلَفِ الْوَلَدِ، أَشْبَهَ الِاقْتِصَاصَ فِي النَّفْسِ، بَلْ يُقَادُ مِنْهَا فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَسَقْيِ اللِّبَأِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ وَيَفْرُغُ نِفَاسُهَا، وَفِي " الْبُلْغَةِ " هِيَ فِيهِ كَمَرِيضٍ (وَحُكْمُ الْحَدِّ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي تَأْخِيرَ الرَّجْمِ مَعَ وُجُودِ مُرْضِعَةٍ لِتُرْضِعَهُ بِنَفْسِهَا، وَقِيلَ: يَجِبُ، نَقَلَ الْجَمَاعَةُ: تُتْرَكُ حَتَّى تَفْطِمَهُ، وَلَا تُحْبَسُ لِحَدٍّ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، بَلِ الْقَوَدُ وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ وَلِيِّ مَقْتُولٍ، لَا فِي مَالٍ غَائِبٍ (فَإِنِ ادَّعَتِ الْحَمْلَ احْتُمِلَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهَا فَتُحْبَسُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " لِأَنَّ لِلْحَمْلِ أَمَارَاتٍ خَفِيَّةً تَعْلَمُهَا مِنْ نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 عَلَى قَاتِلِهَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ الَّذِي مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ.   [المبدع في شرح المقنع] فَوَجَبَ أَنْ يُحْتَاطَ لَهُ كَالْحَيْضِ وَعَلَيْهِ فِي " التَّرْغِيبِ ": لَا قَوَدَ مِنْ مَنْكُوحَةٍ مُخَالِطَةٍ لِزَوْجِهَا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا لِأَجْلِ الظِّهَارِ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ (وَاحْتُمِلَ أَلَّا يُقْبَلَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) وَلَوِ امْرَأَةً، ذَكَرَ فِي " الْفُرُوعِ "، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهَا تُرِي أَهْلَ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ شَهِدْنَ بِحَمْلِهَا أُخِّرَتْ، وَإِنْ شَهِدْنَ بِبَرَاءَتِهَا لَمْ تُؤَخَّرْ ; لِأَنَّ الْحَقَّ حَالَ عَلَيْهَا، فَلَا تُؤَخَّرُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا، فَإِنْ أُشْكِلَ عَلَى الْقَوَابِلِ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ أُخِّرَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا لِأَنَّهُ إِذَا أَسْقَطْنَا الْقِصَاصَ مِنْ خَوْفِ الزِّيَادَةِ فَتَأْخِيرُهُ أَوْلَى (وَإِنِ اقْتُصَّ مِنْ حَامِلٍ) حَرُمَ وَأَخْطَأَ السُّلْطَانُ الَّذِي مَكَّنَهُ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَيْهِمَا الْإِثْمُ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ، أَوْ كَانَ مِنْهُمَا تَفْرِيطٌ وَإِلَّا فَالْإِثْمُ عَلَى الْعَالِمِ، وَالْمُفَرِّطِ وَ (وَجَبَ ضَمَانُ جَنِينِهَا عَلَى قَاتِلِهَا) لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، فَلَوِ انْفَصَلَ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا لِوَقْتٍ لَا يَعِيشُ فِي مِثْلِهِ فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ مِثْلُهُ فِيهِ، ثُمَّ مَاتَ مِنَ الْجِنَايَةِ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ، وَالْوَلِيُّ عَالِمَيْنِ بِالْحَمْلِ وَتَحْرِيمِ الِاسْتِيفَاءِ، أَوْ جَاهِلَيْنِ بِالْأَمْرَيْنِ، أَوْ بِأَحَدِهِمَا، أَوْ كَانَ الْوَلِيُّ عَالِمًا بِذَلِكَ دُونَ الْمُمْكِنِ لَهُ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ ; لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ، وَالْحَاكِمُ الَّذِي مَكَّنَهُ صَاحِبُ سَبَبٍ وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ دُونَ الْوَلِيِّ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَحْدَهُ كَالسَّيِّدِ إِذَا أَمَرَ عَبْدَهُ الْأَعْجَمِيَّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ بِهِ، وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ ضَمِنَ الْحَاكِمُ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَقِيلَ: الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ، وَقِيلَ: عَلَى الْوَلِيِّ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ السُّلْطَانُ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُقْتَصُّ وَحْدَهُ بِالْحَمْلِ فَيَضْمَنُ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ الَّذِي مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنَ الْإِتْلَافِ فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ كَمَا لَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ الْجَاهِلَ بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِهِ، فَعَلَى هَذَا هَلِ الْغُرَّةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مَالِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 فَصْلٌ وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إِلَّا بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ. وَعَلَيْهِ تَفَقُّدُ الْآلَةِ الَّتِي يُسْتَوْفَى بِهَا الْقِصَاصُ، فَإِنْ كَانَتْ كَالَّةً مَنَعَهُ الِاسْتِيفَاءَ بِهَا وَيَنْظُرُ فِي الْوَلِيِّ، فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": فَإِنْ قَتَلَهَا فَتَلِفَ جَنِينُهَا ضَمِنَ السُّلْطَانُ الْمُمَكِّنُ مِنْهَا بِغُرَّةٍ، وَعَنْهُ: فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ رَمَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ بِذَلِكَ وَجَبَتْ دِيَتُهُ، أَوْ قِيمَتُهُ إِنْ كَانَ قِيمِيًّا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَنْهُ: مِنْ عَاقِلَتِهِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ قَاتِلُهَا، وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ وَحْدَهُ بِالْحَمْلِ. [فَصْلٌ: اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ] فَصْلٌ (وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إِلَّا بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ) أَوْ نَائِبِهِ لِأَنَّهُ يُفْتَقَرُ إِلَى اجْتِهَادِهِ، وَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ مَعَ قَصْدِ التَّشَفِّي، فَلَوْ خَالَفَ وَقَعَ الْمَوْقِعَ ; لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " يُعَزِّرُهُ لِافْتِئَاتِهِ عَلَى السُّلْطَانِ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": لَا يُعَزِّرُهُ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ كَالْمَالِ، وَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ إِذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ ; لِأَنَّهُ - «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَاهُ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَتَلَ أَخِي فَاعْتَرَفَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ حُضُورِهِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُ شَاهِدَيْنِ لِئَلَّا يُنْكِرَ الْمُقْتَصُّ الِاسْتِيفَاءَ (وَعَلَيْهِ تَفَقُّدُ الْآلَةِ الَّتِي يُسْتَوْفَى بِهَا الْقِصَاصُ) لِأَنَّ مِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ (فَإِنْ كَانَتْ كَالَّةً) أَوْ مَسْمُومَةً (مَنَعَهُ الِاسْتِيفَاءَ بِهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادٍ، وَلِئَلَّا يُعَذَّبَ الْمَقْتُولُ، وَلِأَنَّ الْمَسْمُومَةَ تُفْسِدُ الْبَدَنَ وَرُبَّمَا مَنَعَتْ غَسْلَهُ، وَإِنْ عَجَّلَ فَاسْتَوْفَى بِذَلِكَ عُزِّرَ لِفِعْلِهِ مَا لَا يَجُوزُ (وَيَنْظُرُ فِي الْوَلِيِّ، فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ) بِالْقُوَّةِ، وَالْمَعْرِفَةِ (أَمْكَنَهُ مِنْهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَلِلْخَبَرِ، وَكَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي، وَتَمْكِينُهُ مِنْهُ أَبْلَغُ فِي ذَلِكَ، فَإِنِ ادَّعَى الْمَعْرِفَةَ بِالِاسْتِيفَاءِ فَأَمْكَنَهُ السُّلْطَانُ مِنْهُ بِضَرْبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 الِاسْتِيفَاءَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ أَمْكَنَهُ مِنْهُ وَإِلَّا أَمَرَهُ بِالتَّوْكِيلِ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الْجَانِي. وَالْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِيفَاءِ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ يُحْسِنُ وَبَيْنَ التَّوْكِيلِ،   [المبدع في شرح المقنع] عُنُقِهِ فَأَبَانَهُ فَقَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ وَأَقَرَّ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ عُزِّرَ، فَإِنْ قَالَ أَخْطَأْتُ، وَكَانَتِ الضَّرْبَةُ فِي مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنَ الْعُنُقِ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ إِنْ أَرَادَ الْعَوْدَ فَقِيلَ: لَا يُمَكَّنُ ; لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُحْتَرَزُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ ثَانِيًا (وَإِلَّا أَمَرَهُ بِالتَّوْكِيلِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ اسْتِيفَائِهِ فَيُوَكِّلُ فِيهِ مَنْ يُحْسِنُهُ ; لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ (فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الْجَانِي) كَالْحَدِّ وَلِأَنَّهَا أُجْرَةٌ لِإِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، فَكَانَتْ لَازِمَةً لَهُ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَكُونُ مِنَ الْفَيْءِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِنَ الْجَانِي، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي " أَنَّ بَدَلَ الْعِوَضِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِنَ الْجَانِي، وَالَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي " خِلَافَيْهِمَا " أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الْجَانِي، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رَجُلٌ يَسْتَوْفِي الْحُدُودَ، وَالْقِصَاصَ ; لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ، فَعَلَى الْجَانِي لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الِاسْتِيفَاءِ كَأُجْرَةِ الْوَزَّانِ وَيُتَوَجَّهُ لَوْ قَالَ: أَنَا أَقْتَصُّ مِنْ نَفْسِي، وَلَا أُؤَدِّي أُجْرَةً، هَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ أَمْ لَا؟ وَقِيلَ: عَلَى الْمُقْتَصِّ ; لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ، فَكَانَتِ الْأُجْرَةُ عَلَى مُوَكِّلِهِ كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ، وَالَّذِي عَلَى الْجَانِي التَّمْكِينُ دُونَ الْفِعْلِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْوَكِيلِ لَلَزِمَهُ أُجْرَةُ الْوَلِيِّ إِذَا اسْتَوْفَى بِنَفْسِهِ (وَالْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِيفَاءِ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ يُحْسِنُ وَبَيْنَ التَّوْكِيلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حَقٌّ لَهُ، فَكَانَ الْخِيَرَةُ فِيهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ فِي الطَّرَفِ بِنَفْسِهِ بِحَالٍ) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " ; لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُجْنَى عَلَيْهِ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنْهُ فِيهِمَا كَجَهْلِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْقِصَاصِ فَيُمَكَّنُ مِنْهُ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ فِي الطَّرَفِ بِنَفْسِهِ بِحَالٍ، وَإِنْ تَشَاحَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ فِي الِاسْتِيفَاءِ قُدِّمَ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ. فَصْلٌ وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إِلَّا بِالسَّيْفِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ تَشَاحَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ فِي الِاسْتِيفَاءِ قُدِّمَ أَحَدُهُمْ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْقَتْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْجَانِي وَتَعَدُّدِ أَفْعَالِهِمْ، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمْ فَوَجَبَ التَّقْدِيمُ (بِالْقُرْعَةِ) كَمَا لَوْ تَشَاحُّوا فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِمْ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ اسْتَأْذَنَ شُرَكَاءَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَوْكِيلِ أَحَدٍ لَمْ يَسْتَوْفِ حَتَّى يُوَكِّلُوا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إِذَا تَشَاحُّوا أَمَرَ الْإِمَامُ مَنْ شَاءَ بِاسْتِيفَائِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا اقْتَصَّ جَانٍ مِنْ نَفْسِهِ بِرِضَا وَلِيٍّ جَازَ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " خِلَافُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " وَصَحَّحَ فِي " التَّرْغِيبِ ": لَا يَقَعُ قَوَدًا، وَفِي " الْبُلْغَةِ " يَقَعُ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَلَوْ أَقَامَ حَدَّ زِنًا، أَوْ قَذْفٍ عَلَى نَفْسِهِ بِإِذْنٍ لَمْ يَسْقُطْ، بِخِلَافِ قَطْعِ سَرِقَةٍ وَلَهُ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ إِنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَأَحْسَنَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةٍ لِفَوَاتِ الرَّدْعِ، وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا اضْطَرَبَتْ يَدُهُ فَجَنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ عَلَى جَوَازِهِ إِذْنًا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ اعْتِبَارُهُ، وَهَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ؟ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْقَوَدِ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي حَدِّ زِنًا، وَقَذْفٍ وَشُرْبٍ كَحَدِّ سَرِقَةٍ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَهُوَ قَطْعُ الْعُضْوِ الْوَاجِبِ قَطْعُهُ وَعَدَمِ حُصُولِ الرَّدْعِ، وَالزَّجْرِ بِجَلْدِهِ نَفْسَهُ. [فَصْلٌ: لَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إِلَّا بِالسَّيْفِ] فَصْلٌ (وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إِلَّا بِالسَّيْفِ) فِي الْعُنُقِ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ بِغَيْرِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ، أَوْ غَرَّقَهُ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فُعِلَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَوْضَحَهُ فَمَاتَ   [المبدع في شرح المقنع] (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَاخْتَارَهَا الْأَصْحَابُ لِمَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِجَيِّدٍ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ أَحَدُ بَدَلَيِ النَّفْسِ فَدَخَلَ الطَّرَفُ فِي حُكْمِ الْجُمْلَةِ كَالدِّيَةِ، وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةُ تَعْذِيبٍ وَكَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ، قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " وَغَيْرِهِ فِي قَوَدٍ: وَحَقُّ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فِي النَّفْسِ إِلَّا بِسَيْفٍ ; لِأَنَّهُ أَوْحَى، لَا بِسِكِّينٍ، وَلَا فِي طَرَفٍ إِلَّا بِهَا لِئَلَّا يَحِيفَ، وَإِنَّ الرَّجْمَ بِحَجَرٍ، لَا يَجُوزُ بِسَيْفٍ (وَالْأُخْرَى: يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ) وَقَتَلَهُ بِسَيْفٍ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] «وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَضَّ رَأْسَ يَهُودِيٍّ» . . . الْخَبَرَ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ مَوْضُوعٌ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ وَلَفْظُهُ مُشْعِرٌ بِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَا فَعَلَ كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْعُنُقَ آخَرُ غَيْرُهُ وَعَلَيْهَا إِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " احْتِمَالٌ، أَوِ الدِّيَةُ بِغَيْرِ رِضَاهُ (فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ) لِمَا عَرَفْتَ (وَإِنْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ، أَوْ غَرَّقَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ غَيْرِ مَا اسْتُثْنِيَ (فُعِلَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَعَنْهُ: يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ إِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُوجِبًا، وَعَنْهُ: أَوْ مُوجِبًا لِقَوَدِ طَرَفِهِ لَوِ انْفَرَدَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ فَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَفِي دُخُولِ قَوَدِ طَرَفِهِ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 فُعِلَ بِهِ كَفِعْلِهِ، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْتَلُ وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ قَتَلَهُ بِمُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ كَتَجْرِيعِ الْخَمْرِ، وَاللِّوَاطِ، وَنَحْوِهِ - قُتِلَ بِالسَّيْفِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَا قَطْعُ   [المبدع في شرح المقنع] قَوَدِ نَفْسِهِ لِدُخُولِهِ فِي الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " فَائِدَتُهُ لَوْ عَفَا عَنِ النَّفْسِ سَقَطَ الْقَوَدُ فِي الطَّرَفِ ; لِأَنَّ قَطْعَ السِّرَايَةِ كَانْدِمَالِهِ وَمَتَى فَعَلَ بِهِ الْوَلِيُّ كَمَا فَعَلَ لَمْ يَضْمَنْهُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ حَرَّمْنَاهُ، وَإِنْ زَادَ، أَوْ تَعَدَّى بِقَطْعِ طَرَفِهِ فَلَا قَوَدَ وَيَضْمَنُهُ بِدِيَتِهِ، عَفَا عَنْهُ أَوْ لَا، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَسْرِ الْقَطْعُ (وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَوْضَحَهُ فَمَاتَ فُعِلَ بِهِ كَفِعْلِهِ) لِلْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ وَاعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ (فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ لِكَوْنِهِ تَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ الْقَتْلُ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ تَعَيَّنَ ضَرْبُ الْعُنُقِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى اسْتِيفَاءِ الْقَتْلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْتَلُ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَحَدُ بَدَلَيِ النَّفْسِ فَدَخَلَ بِالْقَطْعِ وَغَيْرِهِ فِي الْقَتْلِ كَالدِّيَةِ (وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ: لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الطَّرَفِ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِإِفْضَائِهِ إِلَى الزِّيَادَةِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا بِزِيَادَةٍ ; لِأَنَّ فَوَاتَ النَّفْسِ بِسِرَايَةِ فِعْلِهِ، وَهُوَ كَفِعْلِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ (وَإِنْ قَتَلَهُ بِمُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ كَتَجْرِيعِ الْخَمْرِ، وَاللِّوَاطِ، وَنَحْوِهِ) كَالسِّحْرِ لَمْ يَقْتُلْهُ بِمِثْلِهِ وِفَاقًا (قُتِلَ بِالسَّيْفِ رِوَايَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ هَذَا مَحَرَّمٌ لِعَيْنِهِ فَوَجَبَ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ ; لِأَنَّ قَتْلَهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِنْ حَرَّقَهُ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُحَرَّقُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: الصَّحِيحُ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ كَالتَّغْرِيقِ، وَالثَّانِيَةُ: يُحَرَّقُ، وَقَالَهُ مَسْرُوقٌ، وَقَتَادَةُ وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى غَيْرِ الْقِصَاصِ (وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى فِعْلِهِ تُعَدُّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَاتِلًا (وَلَا قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ أَطْرَافِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى مَا أَتَى بِهِ (فَإِنْ فَعَلَ، فَلَا قِصَاصَ فِيهِ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَهِيَ هُنَا مُتَحَقِّقَةٌ ; لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِإِتْلَافِ الطَّرَفِ ضِمْنًا لِاسْتِحْقَاقِهِ إِتْلَافَ الْجُمْلَةِ (وَتَجِبُ فِيهِ) أَيْ: فِي الزَّائِدِ (دِيَتُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 شَيْءٍ مِنْ أَطْرَافِهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَتَجِبُ فِيهِ دِيَتُهُ. سَوَاءٌ عَفَا عَنْهُ، أَوْ قَتَلَهُ. فَصْلٌ وَإِنْ قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَرَضُوا بِقَتْلِهِ قُتِلَ لَهُمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ سِوَاهُ، وَإِنْ تَشَاحُّوا فِيمَنْ يَقْتُلُهُ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ أُقِيدَ لِلْأَوَّلِ. وَلِلْبَاقِينَ دِيَةُ قَتِيلِهِمْ، فَإِنْ رَضِيَ   [المبدع في شرح المقنع] بِالتَّعَدِّي، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْطُوعُ مُكَافِئًا (سَوَاءٌ عَفَا عَنْهُ، أَوْ قَتَلَهُ) لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ إِتْلَافِ الطَّرَفِ مَوْجُودٌ فِي حَالَتَيِ الْعَفْوِ، وَالْقَتْلِ. لَوَاحِقُ: إِذَا كَانَ الْجَانِي قَطَعَ يَدَهُ فَقَطَعَ الْمُسْتَوْفِي رِجْلَهُ فَقِيلَ: كَقَطْعِ يَدِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا، وَقِيلَ: دِيَةُ رِجْلِهِ ; لِأَنَّ الْجَانِيَ لَمْ يَقْطَعْهَا، وَإِنِ اسْتَحَقَّ قَطْعَ إِصْبَعٍ فَقَطَعَ ثِنْتَيْنِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَطْعِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ ظَنَّ وَلِيُّ دَمٍ أَنَّهُ اقْتَصَّ فِي النَّفْسِ، فَلَمْ يَكُنْ وَدَاوَاهُ أَهْلُهُ حَتَّى بَرِئَ، فَإِنْ شَاءَ الْوَلِيُّ دَفَعَ إِلَيْهِ دِيَةَ فِعْلِهِ وَقَتَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ. هَذَا رَأْيُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَإِذَا اقْتَصَّ بِآلَةٍ كَالَّةٍ، أَوْ مَسْمُومَةٍ فَسَرَى، فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ ; لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلٍ جَائِزٍ وَمُحَرَّمٍ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ فِي رِدَّتِهِ وَإِسْلَامِهِ فَمَاتَ مِنْهُمَا، وَيُحْتَمَلُ: يَلْزَمُهُ ضَمَانُ السِّرَايَةِ كُلِّهَا ; لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ كُلَّهُ مُحَرَّمٌ. [فَصْلٌ: قَتْلُ الْوَاحِدِ جَمَاعَةً] فَصْلٌ (وَإِنْ قَتَلَ) أَوْ قَطَعَ (وَاحِدٌ جَمَاعَةً) فِي وَقْتٍ، أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَتَدَاخَلْ حُقُوقُهُمْ ; لِأَنَّهَا حُقُوقٌ مَقْصُودَةٌ لِآدَمِيِّينَ، فَلَمْ تَتَدَاخَلْ كَالدُّيُونِ، لَكِنْ إِنْ رَضِيَ الْكُلُّ بِقَتْلِهِ جَازَ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَرَضُوا بِقَتْلِهِ قُتِلَ لَهُمْ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبِيدًا خَطَأً فَرَضُوا بِأَخْذِهِ ; لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِبَعْضِ حَقِّهِمْ كَمَا لَوْ رَضِيَ صَاحِبُ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ بِالشَّلَّاءِ (وَلَا شَيْءَ لَهُمْ سِوَاهُ) أَيْ: سِوَى الْقَتْلِ ; لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِقَتْلِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ سِوَاهُ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمُ الْقِصَاصَ، وَالْبَاقُونَ الدِّيَةَ فَلَهُمْ ذَلِكَ (وَإِنْ تَشَاحُّوا فِيمَنْ يَقْتُلُهُ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ أُقِيدَ لِلْأَوَّلِ) وَذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " قَوْلًا ; لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ، وَلِأَنَّ الْمَحَلَّ صَارَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 الْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ أُعْطِيَهَا وَقُتِلَ لِلثَّانِي، وَإِنْ قَتَلَ، وَقَطَعَ طَرَفًا قُطِعَ طَرَفُهُ، ثُمَّ قُتِلَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ، وَإِنْ قَطَعَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَتْلِ.   [المبدع في شرح المقنع] مُسْتَحَقًّا لَهُ بِالْقَتْلِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ غَائِبًا، أَوْ صَغِيرًا - انْتُظِرَ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقِيلَ: يُقَادُ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: مَعَ السَّبْقِ يُقَادُ بِالسَّابِقِ وَمَعَ الْمَعِيَّةِ هَلْ يُقَادُ بِوَاحِدٍ بِقُرْعَةٍ، أَوْ بِالْكُلِّ، أَوْ يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ، وَحَكَاهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ (وَلِلْبَاقِينَ دِيَةُ قَتِيلِهِمْ) لِأَنَّ الْقَتْلَ إِذَا فَاتَ تَعَيَّنَتِ الدِّيَةُ كَمَا لَوْ بَادَرَ بَعْضُهُمْ فَاقْتَصَّ بِجِنَايَتِهِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " إِذَا طَلَبُوا الْقَوَدَ فَقَدْ رَضِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ مِنْهُ، وَإِنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ، قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُجْبَرَ لَهُ بَاقِي حَقِّهِ بِالدِّيَةِ، وَيَتَخَرَّجُ: يُقْتَلُ بِهِمْ فَقَطْ عَلَى رِوَايَةٍ يَجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ. فَرْعٌ: إِذَا بَادَرَ أَحَدُهُمْ فَاقْتَصَّ بِجِنَايَتِهِ، فَلِمَنْ بَقِيَ الدِّيَةُ عَلَى جَانٍ، وَفِي كِتَابِ الْآمِدِيِّ وَيَرْجِعُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ، وَقَدَّمَ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَابْنُ رَزِينٍ: عَلَى قَاتِلِهِ، وَكَمَا لَوْ قَتَلَ مُرْتَدًّا كَانَ مُسْتَوْفِيًا لَقَتْلِ الرِّدَّةِ، وَإِنْ أَسَاءَ فِي الِافْتِئَاتِ عَلَى الْإِمَامِ (فَإِنْ رَضِيَ الْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ أُعْطِيَهَا) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِدُونِ حَقِّهِ (وَقُتِلَ الثَّانِي) لِأَنَّ الْأَوَّلَ إِنَّمَا قُدِّمَ عَلَيْهِ لِسَبْقِهِ، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ لِرِضَاهُ بِالدِّيَةِ (وَإِنْ قَتَلَ، وَقَطَعَ طَرَفًا قُطِعَ طَرَفُهُ) أَوَّلًا ; لِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ بِالْقَتْلِ لَفَاتَ الْقَطْعُ، وَفِيهِ تَفْوِيتٌ لِحَقِّ الْمَقْطُوعِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْقَطْعِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ حَقَّيِ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ (ثُمَّ قَتَلَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ) لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ، تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ ; لِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ عَلَى رَجُلَيْنِ، فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَقَطْعِ يَدِ رَجُلَيْنِ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُ أَحَدِهِمَا (وَإِنْ قَطَعَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَتْلِ) لِأَنَّ الْقَطْعَ كَالْقَتْلِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ رَضِيَ الْجَمَاعَةُ بِقَطْعِ يَدِهِ قُطِعَتْ لَهُمْ، وَلَا شَيْءَ لَهُمْ سِوَاهُ، وَإِنْ تَشَاحُّوا، فَعَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ رَضِيَ الْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ أُعْطِيهَا، وَقُطِعَ لِلْبَاقِينَ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ، ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إِلَى النَّفْسِ، وَمَاتَ وَتَشَاحَّا قُتِلَ بِالَّذِي قَتَلَهُ لِسَبْقِهِ وَتَأَخُّرِ السِّرَايَةِ، وَأَمَّا الْقَطْعُ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَسْتَوْفِي مِنْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 بَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ وَالْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: الْقِصَاصُ، أَوِ الدِّيَةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ   [المبدع في شرح المقنع] بِمِثْلِ مَا فَعَلَ - قَطَعَ لَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ قَتَلَ الَّذِي قَتَلَهُ وَيَجِبُ لِلْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْتَوْفِي الْقَطْعَ - وَجَبَتْ لَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَلَمْ يَقْطَعْ طَرَفَهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْقَطْعُ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ قَطَعَ يَدَ وَاحِدٍ وَإِصْبَعَ آخَرَ قُدِّمَ رَبُّ الْيَدِ إِنْ كَانَ أَوَّلًا وَلِلْآخَرِ دِيَةُ إِصْبَعِهِ، وَمَعَ أَوَّلِيَّتِهِ تُقْطَعُ إِصْبَعُهُ، ثُمَّ يَقْتَصُّ رَبُّ الْيَدِ بِلَا أَرْشٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّفْسِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْقُصُ بِقَطْعِ الطَّرَفِ بِدَلِيلِ أَخْذِ صَحِيحِ الْأَطْرَافِ بِمَقْطُوعِهَا. [بَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ] [الْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ] بَابٌ الْعَفْوُ عَنِ الْقِصَاصِ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ، وَهُوَ أَفْضَلُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] وَالْعَفْوُ الْمَحْوُ وَالتَّجَاوُزُ، وَالْهَاءُ فِي " لَهُ " وَ " أَخِيهِ " " مِنْ "، وَهُوَ الْقَاتِلُ، وَيَكُونُ الْقَتِيلُ، أَوِ الْوَلِيُّ عَلَى هَذَا أَخًا لِلْقَاتِلِ مِنْ حَيْثُ الدِّينِ وَالصُّحْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ. وَنَكَّرَ " شَيْئًا " لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُ إِذَا عَفَا لَهُ عَنْ بَعْضِ الدَّمِ، أَوْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ، فَيَكُونُ الْعَفْوُ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ " ذَلِكَ " أَيِ: الْمَذْكُورُ مِنَ الْعَفْوِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ كَانَ حَتْمًا عَلَى الْيَهُودِ وَحُرِّمَ عَلَيْهِمُ الْعَفْوُ وَالدِّيَةُ، وَكَانَتِ الدِّيَةُ حَتْمًا عَلَى النَّصَارَى، وَحُرِّمَ عَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ، فَخُيِّرَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ وَالْعَفْوِ تَخْفِيفًا وَرَحْمَةً، «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُرْفَعُ إِلَيْهِ أَمْرٌ فِيهِ الْقِصَاصُ إِلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ لَهُ فَجَازَ تَرْكُهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (وَالْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ الْقِصَاصُ، أَوِ الدِّيَةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) هَذَا قَوْلُ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) وَالْخِيَرَةُ فِيهِ إِلَى الْوَلِيِّ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا إِلَى غَيْرِ شَيْءٍ. وَالْعَفْوُ   [المبدع في شرح المقنع] أَوْجَبَ الِاتِّبَاعَ بِمُجَرَّدِ الْعَفْوِ، وَلَوْ وَجَبَ بِالْعَمْدِ الْقِصَاصُ عَيْنًا لَمْ تَجِبِ الدِّيَةُ عِنْدَ الْعَفْوِ الْمُطْلَقِ (وَالْخِيَرَةُ فِيهِ إِلَى الْوَلِيِّ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا إِلَى غَيْرِ شَيْءٍ) وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ الْبَعْضَ إِذَا كَانَ الْقَاتِلُونَ جَمَاعَةً، وَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنِ الْبَعْضِ بِالْعَفْوِ عَنِ الْبَعْضِ، فَمَتَى اخْتَارَ الْأَوْلِيَاءُ الدِّيَةَ مِنَ الْقَاتِلِ، أَوْ مِنْ بَعْضِ الْقَتَلَةِ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْجَانِي لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] الْآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَفْدِيَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبْلٍ - وَالْخَبْلُ الْجِرَاحُ - فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ، أَوْ يَعْفُوَ، فَإِنْ أَرَادَ رَابِعَةً فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا كَالْهَدْيِ، وَالطَّعَامِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ (وَالْعَفْوُ) مَجَّانًا (أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِهِ، ثُمَّ لَا عُقُوبَةَ عَلَى جَانٍ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا عَلَيْهِ حَقٌّ وَاحِدٌ، وَقَدْ سَقَطَ كَعَفْوٍ عَنْ دِيَةِ قَاتِلِ خَطَأٍ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَدْلُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ الْغَايَةُ، وَهُوَ الْعَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالثَّانِي: مَا يَكُونُ الْإِحْسَانُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَهُوَ عَدْلُ الْإِنْسَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ مِنَ الدَّمِ، وَالْمَالِ، وَالْعِرْضِ، فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ عَدْلٌ، وَالْعَفْوُ إِحْسَانٌ، وَالْإِحْسَانُ هُنَا أَفْضَلُ، لَكِنَّ هَذَا الْإِحْسَانَ لَا يَكُونُ إِحْسَانًا إِلَّا بَعْدَ الْعَدْلِ، وَهُوَ أَلَّا يَحْصُلَ بِالْعَفْوِ ضَرَرٌ، فَإِذَا حَصَلَ مِنْهُ ضَرَرٌ كَانَ ظُلْمًا مِنَ الْعَافِي إِمَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 أَفْضَلُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ. وَإِنِ اخْتَارَ الدِّيَةَ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ عَيْنًا، وَلَهُ الْعَفْوُ إِلَى الدِّيَةِ، وَإِنْ سَخِطَ الْجَانِي، فَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا، وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَلَهُ الدِّيَةُ.   [المبدع في شرح المقنع] لِنَفْسِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ، فَلَا يُشْرَعُ، وَمَحَلُّهُ: مَا لَمْ يَكُنْ كَمَجْنُونٍ، أَوْ صَغِيرٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ إِلَى غَيْرِ مَالٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِسْقَاطَ حَقِّهِ. فَرْعٌ: يَصِحُّ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ، وَالْإِسْقَاطُ كَالْعَفْوِ ; لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ لِلْحَقِّ بِكُلِّ لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ. (فَإِنِ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لَهُ وَلِلْجَانِي، أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا فِي الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ مِنَ الْفَضِيلَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِمَا فِيهِ مِنْ سُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنْهُ وَلَهُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الدِّيَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي غَيْرِ الصُّلْحِ، لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَطَلَاقِ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ فَوْقَ أَرْبَعٍ قِيلَ لَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " لَوْ كَانَ الْمَالُ بَدَلَ النَّفْسِ فِي الْعَمْدِ لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الدِّيَةِ، فَقَالَ: كَذَا نَقُولُ عَلَى رِوَايَةٍ، يَجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ. اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَإِنِ اخْتَارَ الدِّيَةَ) تَعَيَّنَتْ (سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّ مَنْ وَجَبَ لَهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ يَتَعَيَّنُ حَقُّهُ بِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أَخَذَ الدِّيَةَ فَقَدْ عَفَا عَنِ الدَّمِ (وَلَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ إِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ، فَلَوْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ قُتِلَ بِهِ (وَعَنْهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ عَيْنًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَالْمَكْتُوبُ لَا يُتَخَيَّرُ فِيهِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدٌ» وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ مُتْلَفٌ، فَكَانَ مُعَيَّنًا كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ قَوْلَهُ " فَهُوَ قَوَدٌ " الْمُرَادُ بِهِ وُجُوبُ الْقَوَدِ، وَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتْلَفَاتِ مُتَحَقِّقٌ ; لِأَنَّ بَدَلَهَا يَخْتَلِفُ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ (وَلَهُ الْعَفْوُ إِلَى الدِّيَةِ، وَإِنْ سَخِطَ الْجَانِي) لِأَنَّ الدِّيَةَ أَقَلُّ مِنْهُ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَيْهَا ; لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ حَقِّهِ، وَعَنْهُ: مُوجِبُهُ الْقَوَدُ عَيْنًا مَعَ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا، فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ مَاتَ الْقَاتِلُ وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: مُوجِبُهُ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ بِدُونِ رِضَا الْجَانِي، فَيَكُونُ قَوَدُهُ بِحَالِهِ وَلَهُ الصُّلْحُ بِأَكْثَرَ (فَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا، وَقُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَلَهُ الدِّيَةُ) عَلَى الْأُولَى خَاصَّةً ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا، فَإِذَا تُرِكَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَإِنْ هَلَكَ الْجَانِي تَعَيَّنَتْ فِي مَالِهِ كَتَعَذُّرِهِ فِي طَرَفِهِ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَعَنْهُ: يَنْتَقِلُ الْحَقُّ إِذَا قُتِلَ إِلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي، فَيُخَيَّرُ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ بَيْنَ قَتْلِهِ وَالْعَفْوِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ كَالْقَتْلِ مُكَابَرَةً، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي قَاتِلِ الْأَئِمَّةِ يُقْتَلُ حَدًّا ; لِأَنَّ فَسَادَهُ عَامٌّ أَعْظَمُ مِنْ مُحَارِبٍ (وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا، فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّ الدِّيَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَإِذَا سَقَطَ الدَّمُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنِ اخْتَارَ الْقَوَدَ تَعَيَّنَ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَهُ الرُّجُوعُ إِلَى الْمَالِ ; لِأَنَّ الدِّيَةَ أَدْنَى، وَلِهَذَا قُلْنَا: لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَوَدُ وَاجِبًا عَيْنًا، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ تَرَكَهَا كَمَا لَوْ عَفَا عَنْهَا (وَإِنْ مَاتَ الْقَاتِلُ) أَوْ قُتِلَ (وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ مِنْ غَيْرِ إِسْقَاطٍ فَوَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ كَقَتْلِ غَيْرِ الْمُكَافِئِ، وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقَوَدُ فَوَجْهَانِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا جَنَى عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ بِمَا يُوجِبُ قَوَدًا فَاشْتَرَاهُ بِأَرْشِهَا الْمُقَدَّرِ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ صَحَّ وَسَقَطَ الْقَوَدُ ; لِأَنَّ شِرَاءَهُ بِالْأَرْشِ اخْتِيَارٌ لِلْمَالِ وَإِنْ قُدِّرَ بِإِبِلٍ فَلَا ; لِأَنَّ صِفَتَهَا مَجْهُولَةٌ. أَصْلٌ: يَصِحُّ عَفْوُ السَّفِيهِ، وَالْمُفْلِسِ عَنِ الْقَوَدِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنْ عَفَا إِلَى مَالٍ ثَبَتَ، وَإِنْ كَانَ إِلَى غَيْرِ مَالٍ، وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، ثَبَتَ الْمَالُ ; لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ لَهُمَا إِسْقَاطُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا صَحَّ عَفْوُهُمَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إِلَّا الْقَوَدُ، وَقَدْ أَسْقَطَاهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي "، وَلَوْ رَمَى مَنْ لَهُ قَتْلُهُ قَوَدًا، ثُمَّ عَفَا عَنْهُ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ فَهَدَرٌ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ (وَإِذَا قَطَعَ إِصْبَعًا عَمْدًا فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ إِلَى الْكَفِّ، أَوِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 تَرِكَتِهِ. وَإِذَا قَطَعَ إِصْبَعًا عَمْدًا فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ إِلَى الْكَفِّ، أَوِ النَّفْسِ، وَكَانَ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ فَلَهُ تَمَامُ الدِّيَةِ وَإِنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ، فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ تَمَامَ الدِّيَةِ وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ وَإِنْ قَالَ الْجَانِي: عَفَوْتُ مُطْلَقًا، أَوْ عَفَوْتُ عَنْهَا، وَعَنْ سِرَايَتِهَا، قَالَ:   [المبدع في شرح المقنع] النَّفْسِ، وَكَانَ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ فَلَهُ تَمَامُ الدِّيَةِ) أَيْ: دِيَةُ مَا سَرَتْ إِلَيْهِ (وَإِنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ، فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ) نَقُولُ: إِذَا جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ قَوَدًا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَالْإِصْبَعِ فَعُفِيَ عَنْهَا، ثُمَّ سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ، فَلَا قَوَدَ فِيهَا، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ ; لِأَنَّ الْقَوَدَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَقَدْ سَقَطَ فِي الْبَعْضِ فَسَقَطَ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُوجِبُ قَوَدًا كَالْجَائِفَةِ وَجَبَ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ ; لِأَنَّهُ عَفَا عَنِ الْقَوَدِ فِيمَا لَا قَوَدَ فِيهِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ عَفْوُهُ، فَإِنْ كَانَ عَفْوُهُ عَلَى مَالٍ فَلَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي الْمَوْضِعَيْنِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ تَعَذَّرَ فِيهِ الْقِصَاصُ تَعَيَّنَتِ الدِّيَةُ، وَإِنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ، فَلَا شَيْءَ لَهُ ; لِأَنَّ الْعَفْوَ حَصَلَ عَنِ الْإِصْبَعِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ عَنِ الَّذِي سَرَى إِلَيْهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ تَمَامَ الدِّيَةِ) وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ ; لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إِنَّمَا عَفَا عَنْ دِيَةِ الْإِصْبَعِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ تَمَامُ الدِّيَةِ ضَرُورَةَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ. فَرْعٌ: إِذَا عَفَا عَنْ دِيَةِ الْجُرْحِ صَحَّ عَفْوُهُ ; لِأَنَّ دِيَتَهُ تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ، لَا دِيَةُ الْجُرْحِ، وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ; لِأَنَّ الْقَطْعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَكَذَا سِرَايَتُهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّ الْقَطْعَ مُوجِبٌ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْوُجُوبُ بِالْعَفْوِ فَيَخْتَصُّ السُّقُوطُ بِمَحَلِّ الْعَفْوِ (وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ) فَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ، وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَمْدًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ (وَإِنْ قَالَ الْجَانِي: عَفَوْتُ مُطْلَقًا، أَوْ عَفَوْتُ عَنْهَا، وَعَنْ سِرَايَتِهَا، قَالَ: بَلْ عَفَوْتُ إِلَى مَالٍ، أَوْ عَفَوْتُ عَنْهَ دُونَ سِرَايَتِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " إِذَا قَالَ: لَمْ أَعْفُ عَنِ السِّرَايَةِ، وَلَا الدِّيَةِ، بَلْ عَلَيْهَا قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ دِيَةُ كَفِّهِ، وَقِيلَ: دُونَ إِصْبَعٍ، وَقِيلَ: تُهْدَرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 بَلْ عَفَوْتُ إِلَى مَالٍ، أَوْ عَفَوْتُ عَنْهَ دُونَ سِرَايَتِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ قَتَلَ الْجَانِي الْعَافِيَ فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الْقِصَاصُ، أَوْ تَمَامُ الدِّيَةِ وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا فِي الْقِصَاصِ حَتَّى اقْتَصَّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَلْ يَضْمَنُ الْعَافِي؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ   [المبدع في شرح المقنع] كَفُّهُ بِعَفْوِهِ، وَإِنْ سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ. 1 - (وَإِنْ قَتَلَ الْجَانِي الْعَافِيَ) قَبْلَ الْبُرْءِ (فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ) فِي النَّفْسِ ; لِأَنَّ قَتْلَهُ انْفَرَدَ عَنْ قَطْعِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ غَيْرَهُ (أَوِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ الْقَتْلَ مُنْفَرِدٌ عَنِ الْقَطْعِ، فَلَمْ يَدْخُلْ حُكْمُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ مُوجِبٌ لَهُ فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ كَامِلَةً، كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عَفْوٌ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الْقِصَاصُ، أَوْ تَمَامُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ الْقَتْلَ إِذَا تَعَقَّبَ الْجِنَايَةَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ سِرَايَتِهِ، وَلَوْ سَرَى لَمْ يَجِبْ إِلَّا تَمَامُ الدِّيَةِ، فَكَذَا فِيمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَهَذَا إِنْ نَقَصَ مَالُ الْعَفْوِ عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَاهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " (وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا فِي الْقِصَاصِ) صَحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ، ثُمَّ غَابَ وَعَفَا الْمُوَكِّلُ عَنِ الْقِصَاصِ وَاسْتَوْفَى الْوَكِيلُ، فَإِنْ كَانَ عَفْوُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدِ اسْتُوفِيَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ وَقَدْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِهِ فَقَدْ قَتَلَهُ ظُلْمًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِعَفْوِ الْمُوَكِّلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ عَفَا، وَلَمْ يَعْلَمِ الْوَكِيلُ حَتَّى اقْتَصَّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُ كَمَا لَوْ عَفَا بَعْدَ مَا رَمَاهُ (وَهَلْ يَضْمَنُ الْعَافِي؟) وَهُوَ الْمُوَكِّلُ (يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ عَفْوَهُ لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّهُ عَفَا فِي حَالٍ لَا يُمْكِنُهُ تَلَافِي مَا وَكَّلَ فِيهِ كَالْعَفْوِ بَعْدَ رَمْيِ الْحَرْبَةِ إِلَى الْجَانِي، وَلِأَنَّ الْعَفْوَ إِحْسَانٌ، فَلَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ، وَالثَّانِي: بَلَى لِأَنَّهُ حَصَلَ بِأَمْرِهِ عَلَى وَجْهٍ، لَا ذَنْبَ لِلْمُبَاشِرِ فِيهِ كَمَا لَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ الْأَعْجَمِيَّ بِقَتْلِ مَعْصُومٍ، وَقِيلَ: لِلْمُسْتَحِقِّ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَالْقَرَارُ عَلَى الْعَافِي، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَخْرُجُ فِي صِحَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ; لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَالْآخَرُ لَا يَرْجِعُ بِهِ وَيَكُونُ الْوَاجِبُ حَالًّا فِي مَالِهِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ   [المبدع في شرح المقنع] الْعَفْوِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْوَكِيلِ، هَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ عِلْمِهِ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ ; لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يَجِبُ قَتْلُهُ بِأَمْرٍ يَسْتَحِقُّهُ. وَعَلَى الثَّانِي، وَهُوَ صِحَّةُ الْعَفْوِ: لَا قِصَاصَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَتَلَ مَنْ يَعْتَقِدُ إِبَاحَةَ قَتْلِهِ كَالْحَرْبِيِّ، وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ) لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ; لِأَنَّهُ غَرَّهُ) أَشْبَهَ الْمَغْرُورَ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ وَتَزْوِيجِ مَعِيبَةٍ (وَالْآخَرُ لَا يَرْجِعُ بِهِ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ، بِخِلَافِ الْغَارِّ بِالْحُرِّيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عَلَيْهِ (وَيَكُونُ الْوَاجِبُ حَالًّا فِي مَالِهِ) أَيِ: الْوَكِيلُ ; لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِلْقَتْلِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْهُ لِمَعْنًى آخَرَ، فَهُوَ كَقَتْلِ الْأَبِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ مَحْضٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ بِهِ قَوَدٌ، فَيَكُونُ عَمْدَ الْخَطَأِ، أَشْبَهَ مَنْ رَمَى صَيْدًا فَبَانَ آدَمِيًّا، فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي إِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَفَا إِلَى الدِّيَةِ فَلَهُ الدِّيَةُ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي وَلِوَرَثَةِ الْجَانِي مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ بِدِيَتِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ عَفْوُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِالْعَفْوِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. فَائِدَةٌ: إِذَا اسْتَحَقَّ قَتْلَهُ، وَقَطْعَهُ، فَعَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا بَقِيَ الْآخَرُ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ عَفَا عَنِ الْقَتْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَطْعُ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ فَلَهُ الْقَتْلُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ تَصَالَحَا عَنِ الْقَوَدِ بِمِائَتَيْ بَعِيرٍ، وَقُلْنَا: يَجِبُ الْقَوَدُ أَوْ دِيَةٌ، بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ صَحَّ) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ فَسَقَطَ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَعَفْوِ وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، أَوْ كَانَ الْعَفْوُ بِلَفْظِهِ، أَوِ الْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَصَحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ كَمَالِهِ، وَعَنْهُ: فِي الْقَوَدِ إِنْ كَانَ الْجُرْحُ لَا قَوَدَ فِيهِ لَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 بَعْدَ الْجُرْحِ صَحَّ وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنَ الدِّيَةِ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِهَا فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ، هَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: تَصِحُّ وَتُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنِ الْمَالِ، وَلَا وَصِيَّتُهُ بِهِ لِقَاتِلٍ، وَلَا غَيْرِهِ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ. وَإِنْ أَبْرَأَ الْقَاتِلَ مِنَ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، أَوِ الْعَبْدَ مِنْ جِنَايَتِهِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا   [المبدع في شرح المقنع] بَرِئَ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ عَنِ الدِّيَةِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهٌ يَصِحُّ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ فِي السِّرَايَةِ فِي النَّفْسِ رِوَايَاتُ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا، وَثَالِثُهَا: يَجِبُ النِّصْفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صِحَّةَ الْعَفْوِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ وَيَبْقَى مَا قَابَلَ السِّرَايَةَ، لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ، وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي مُوسَى صِحَّتَهُ فِي الْعَمْدِ، وَفِي الْخَطَأِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ قَالَ عَفَوْتُ عَنِ الْجِنَايَةِ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا، فَلَا قِصَاصَ فِي سِرَايَتِهَا، وَلَا دِيَةَ ; لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ لِلْحَقِّ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ، وَعَنْهُ: إِنْ مَاتَ مِنْ سِرَايَتِهَا لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ ; لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُ ذَلِكَ مِنَ الثُّلُثِ. نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقَوَدُ عَيْنًا، أَوْ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَمَا تَعَيَّنَ إِسْقَاطُ أَحَدِهِمَا، وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ كَبَقِيَّةِ مَالِهِ. [الْإِبْرَاءُ مِنَ الدِّيَةِ] (وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنَ الدِّيَةِ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِهَا فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ هَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: تَصِحُّ) لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ (وَتُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ) كَبَقِيَّةِ مَالِهِ (وَيَحْتَمِلُ) هَذَا وَجْهٌ (أَلَّا يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنِ الْمَالِ، وَلَا وَصِيَّتُهُ بِهِ لِقَاتِلٍ، وَلَا غَيْرِهِ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ) لِأَنَّهُ يَكُونُ مَالَ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْوَرَثَةِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ مَنْ صَحَّ عَفْوُهُ مَجَّانًا، فَإِنْ أَوْجَبَ الْجُرْحُ مَالًا عَيْنًا فَكَوَصِيَّةٍ وَإِلَّا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، لَا مِنْ ثُلُثِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ الدِّيَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا صُولِحَ عَنِ الْجِرَاحَةِ بِمَالٍ، أَوْ قَالَ فِي الْعَمْدِ: عَفَوْتُ عَنْ قَوَدِهَا عَلَى دِيَتِهَا، أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى دِيَتِهَا، وَقُلْنَا لَهُ دِيَتُهَا ضَمِنَتْ سِرَايَتَهَا بِقِسْطِهَا مِنَ الدِّيَةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ: عَفَوْتُ عَنْ قَوَدِ هَذِهِ الشَّجَّةِ، وَهِيَ مِمَّا لَا قَوَدَ فِيهِ كَكَسْرِ الْعِظَامِ فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ وَلِوَلِيِّهِ مَعَ سِرَايَتِهَا الْقَوَدُ، أَوِ الدِّيَةُ 1 - (وَإِنْ أَبْرَأَ الْقَاتِلَ مِنَ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، أَوِ الْعَبْدَ مِنْ جِنَايَتِهِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ ; لِأَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 بِرَقَبَتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَبْرَأَ الْعَاقِلَةَ وَالسَّيِّدَ صَحَّ، وَإِنْ وَجَبَ لِعَبْدٍ قِصَاصٌ، أَوْ تَعْزِيرُ قَذْفٍ فَلَهُ طَلَبُهُ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ. بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كُلُّ مَنْ أُقِيدَ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ أُقِيدَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا، وَمَنْ لَا فَلَا، وَلَا يَجِبُ   [المبدع في شرح المقنع] الدِّيَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْقَاتِلِ، وَالْجِنَايَةُ الْمُتَعَلِّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، بَلْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمِلْكِ السَّيِّدِ (وَإِنْ أَبْرَأَ الْعَاقِلَةَ وَالسَّيِّدَ صَحَّ) لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُمَا مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِمَا كَالدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَجْهٌ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ: يَصِحُّ إِبْرَاءُ عَاقِلَةٍ إِنْ وَجَبَتِ الدِّيَةُ لِلْمَقْتُولِ كَإِبْرَاءِ سَيِّدٍ لِعَفْوِهِ عَنْهَا، وَلَمْ يُسَمَّ الْمُبَرِّئُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ الْمَجْرُوحُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ، أَوْ طَرَفٍ، أَوْ جُرْحٍ: أَبْرَأْتُكَ وَحَلَلْتُكَ مِنْ دَمِي، أَوْ قَتْلِي، أَوْ وَهَبْتُكَ ذَلِكَ، وَنَحْوَهُ مُعَلِّقًا بِمَوْتِهِ - صَحَّ، فَلَوْ بَرِئَ بَقِيَ حَقُّهُ، بِخِلَافِ عَفَوْتُ عَنْكَ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ: عَفَوْتُ عَنْ جِنَايَتِكَ، أَوْ عَنْكَ بَرِئَ مِنْ قَوَدٍ وَدِيَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ 1 - (وَإِنْ وَجَبَ لِعَبْدٍ قِصَاصٌ، أَوْ تَعْزِيرُ قَذْفٍ فَلَهُ طَلَبُهُ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَالْقَصْدُ مِنْهُ التَّشَفِّي (وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ يَحِقُّ لَهُ (إِلَّا أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ) فَيَنْتَقِلُ إِلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَهُ طَلَبُهُ وَإِسْقَاطُهُ كَالْوَارِثِ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا عَفَا مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، أَوْ فَلَسٍ، أَوْ مَرَضٍ عَنْ قَوَدٍ مَجَّانًا، أَوْ عَفَا الْوَارِثُ لِذَلِكَ مَعَ دَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ، فَفِي بَقَاءِ دِيَتِهِ وَجْهَانِ، وَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُمْ عَنِ الدِّيَةِ فِي الْأَصَحِّ وَيَصِحُّ عَفْوُ الْمَرِيضِ بَعْدَ الْبُرْءِ فِي قَدْرِ ثَلَثَةٍ، وَالْوَارِثُ فِي الزَّائِدِ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ، وَقِيلَ: لِلْمُفْلِسِ الْقَوَدُ، وَالْعَفْوُ مَجَّانًا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الْمُبَذِّرُ كَالصَّبِيِّ. [بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَهُوَ نَوْعَانِ] [النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي الْأَطْرَافِ] [لَا يَجِبُ إِلَّا بِمِثْلِ الْمُوجَبِ فِي النَّفْسِ] بَابٌ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (كُلُّ مَنْ أُقِيدَ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ أُقِيدَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا) لِأَنَّ مَنْ أُقِيدَ بِهِ فِي النَّفْسِ إِنَّمَا أُقِيدَ بِهِ لِحُصُولِ الْمُسَاوَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ لِلْقَوَدِ فَوَجَبَ أَنْ يُقَادَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا، فَعَلَى هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 إِلَّا بِمِثْلِ الْمُوجَبِ فِي النَّفْسِ، وَهُوَ الْعَمْدُ الْمَحْضُ. وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: فِي الْأَطْرَافِ فَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفُ بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنُ بِالْأُذُنِ، وَالسِّنُّ بِالسِّنِّ   [المبدع في شرح المقنع] لَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَ مُسْلِمٍ قُطِعَتْ يَدُهُ ; لِأَنَّهُ يُقَادُ بِهِ فِي النَّفْسِ (وَمَنْ لَا فَلَا) أَيْ: مَنْ لَا يُقَادُ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ، فَلَا يُقَادُ بِهِ فِيمَا دُونَهَا، فَلَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَ كَافِرٍ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَادُ بِهِ فِي النَّفْسِ، وَعَنْهُ: لَا قَوَدَ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي الْأَطْرَافِ ; لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ، وَعَنْهُ: فِي النَّفْسِ، وَالطَّرَفِ حَتَّى تَسْتَوِيَ الْقِيمَةُ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ ; لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ كَالنَّفْسِ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ، فَكَانَ كَالنَّفْسِ فِيمَا نَذْكُرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ (وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِمِثْلِ الْمُوجَبِ فِي النَّفْسِ، وَهُوَ الْعَمْدُ الْمَحْضُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي قَضِيَّةِ الرُّبَيِّعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إِذَا أَمْكَنَ ; لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ كَالنَّفْسِ فِي الْحَاجَةِ إِلَى حِفْظِهِ بِالْقِصَاصِ، فَكَانَ كَالنَّفْسِ فِي وُجُوبِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إِجْمَاعًا، لَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَقَالَهُ السَّامِرِيُّ وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَعَنْهُ: يَجِبُ فِيهِ. اخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو بَكْرٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ الْعُضْوَ يَتْلَفُ بِأَيْسَرَ مِمَّا تُتْلَفُ بِهِ النَّفْسُ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ الْآيَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْخَطَأِ، فَكَذَا هَذَا (وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: فِي الْأَطْرَافِ) لِمَا ذَكَرْنَا (فَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفُ بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنُ بِالْأُذُنِ، وَالسِّنُّ بِالسِّنِّ) لِلنَّصِّ، وَالْخَبَرِ (وَالْجَفْنُ بِالْجَفْنِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ وَيُؤْخَذَ جَفْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَصِيرِ، وَالضَّرِيرِ بِالْآخَرِ. فَائِدَةٌ: الْجَفْنُ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ كَسْرَهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 وَالْجَفْنُ بِالْجَفْنِ وَالشَّفَةُ بِالشَّفَةِ وَالْيَدُ بِالْيَدِ، وَالرِّجْلُ بِالرِّجْلِ، وَيُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصَابِعِ، وَالْكَفِّ، وَالْمِرْفَقِ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَيَيْنِ بِمِثْلِهِ، وَهَلْ يَجْرِي فِي الْإِلْيَةِ، وَالشَّفَرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَصْلٌ: وَيُشْتَرَطُ لِلْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: الْأَمْنُ مِنَ الْحَيْفِ بِأَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ كَمَارِنِ الْأَنْفِ، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَالشَّفَةُ بِالشَّفَةِ) وَهُوَ مَا جَاوَزَ الذَّقَنَ، وَالْخَدَّيْنِ عُلُوًّا وَسُفْلًا (وَالْيَدُ بِالْيَدِ، وَالرِّجْلُ بِالرِّجْلِ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْوَى بَطْشُهَا، أَوْ يَضْعُفَ (وَيُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصَابِعِ، وَالْكَفِّ، وَالْمِرْفَقِ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَيَيْنِ بِمِثْلِهِ) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مَوْجُودَةٌ، وَالْقِصَاصُ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ كَالْعَيْنِ بِمِثْلِهَا (وَهَلْ يَجْرِي فِي الْإِلْيَةِ، وَالشُّفْرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: يَجِبُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِظَاهِرِ الْآيَةِ ; لِأَنَّ الْإِلْيَةَ مُتَّصِلَةٌ بِاللَّحْمِ، وَالشُّفْرُ لَحْمٌ لَا مَفْصِلَ لَهُ، وَالثَّانِي: لَا قَوَدَ فِيهِمَا، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " كَلَحْمِ الْفَخِذِ. فَائِدَةٌ: الشُّفْرُ بِضَمِّ الشِّينِ أَحَدُ شُفْرَيِ الْمَرْأَةِ، فَأَمَّا شُفْرُ الْعَيْنِ، فَهُوَ مَنْبَتُ الْهُدْبِ، وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ الْفَتْحُ. [شُرُوطُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ] [الْأَوَّلُ الْأَمْنُ مِنَ الْحَيْفِ] فَصْلٌ (وَيُشْتَرَطُ لِلْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: الْأَمْنُ مِنَ الْحَيْفِ) إِذْ هُوَ جَوْرٌ وَظُلْمٌ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْقِصَاصُ إِلَّا بِهِ لَمْ يَجِبْ فِعْلُهُ (بِأَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ، وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ أَكْثَرَ مِنَ الْحَقِّ (أَوْ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ كَمَارِنِ الْأَنْفِ، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ) دُونَ الْقَصَبَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَهُوَ كَالْيَدِ وَيُؤْخَذُ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ فَيُقَدَّرُ مَا قَطَعَهُ بِالْأَجْزَاءِ كَالنِّصْفِ، وَالثُّلُثِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِالْمِسَاحَةِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 قَطَعَ الْقَصَبَةَ، أَوْ قَطَعَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ، أَوِ السَّاقِ، فَلَا قِصَاصَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَقْتَصُّ مِنْ حَدِّ الْمَارِنِ وَمِنَ الْكُوعِ، وَالْكَعْبِ. وَهَلْ يَجِبُ لَهُ أَرْشُ الْبَاقِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَيَقْتَصُّ مِنَ الْمَنْكِبِ إِذَا لَمْ يَخَفْ جَائِفَةً، وَإِذَا أَوْضَحَ إِنْسَانًا   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَخْذِ جَمِيعِ أَنْفِ الْجَانِي لِصِغَرِهِ بِبَعْضِ أَنْفِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِكِبَرِهِ، وَكَذَا فِي الْأُذُنِ، وَاللِّسَانِ، وَالشَّفَةِ، وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ بَعْضُ اللِّسَانِ بِبَعْضٍ (فَإِنْ قَطَعَ الْقَصَبَةَ) أَيْ: قَصَبَةَ أَنْفِهِ (أَوْ قَطَعَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ، أَوِ السَّاقِ، فَلَا قِصَاصَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَفِي الْخَبَرِ: «أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ آخَرَ عَلَى سَاعِدِهِ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَهَا مِنْ غَيْرِ مَفْصِلٍ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ لَهُ بِالدِّيَةِ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ الْقِصَاصَ، قَالَ: خُذِ الدِّيَةَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ لَيْسَ مِنْ مَفْصِلٍ، فَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ، فَلَوْ قُطِعَ يَدُهُ مِنَ الْكُوعِ، ثُمَّ تَآكَلَتْ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ، فَلَا قَوَدَ اعْتِبَارًا بِالِاسْتِقْرَارِ، قَالَهُ الْقَاضِي، قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَعِنْدِي يَقْتَصُّ هَاهُنَا مِنَ الْكُوعِ (وَفِي الْآخَرِ يَقْتَصُّ مِنْ حَدِّ الْمَارِنِ وَمِنَ الْكُوعِ، وَالْكَعْبِ) لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ لِعَجْزِهِ عَنِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَجَّهُ هَاشِمَةً، وَاسْتَوْفَى مُوضِحَةً، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَطَعَ مِنْ عَضُدٍ أَوْ وَرِكٍ (وَهَلْ يَجِبُ لَهُ أَرْشُ الْبَاقِي؟) عَلَيْهِمَا وَلَوْ خَطَأً (عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ "، أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ يَجْمَعُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ بَيْنَ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ، وَالثَّانِي: بَلَى ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ فَوَجَبَ أَرْشُهُ كَغَيْرِهِ (وَيَقْتَصُّ مِنَ الْمَنْكِبِ إِذَا لَمْ يَخَفْ جَائِفَةً) لِأَنَّهُ مَفْصِلٌ يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ فَوَجَبَ كَالْقَطْعِ مِنَ الْكُوعِ، وَيُرْجَعُ فِي الْخَوْفِ فِي هَذَا إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ خِيفَ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ مِرْفَقِهِ وَمَتَى خَالَفَ وَاقْتَصَّ مَعَ خَشْيَةِ الْحَيْفِ، أَوْ مِنْ مَأْمُومَةٍ، أَوْ جَائِفَةٍ، أَوْ نِصْفِ ذِرَاعٍ، وَنَحْوِهِ - أَجْزَأَ، وَإِنِ اخْتَارَ الدِّيَةَ فَلَهُ دِيَةُ الْيَدِ، وَحُكُومَةٌ لِمَا زَادَ، فَإِنْ قَطَعَ مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ فَفِي جَوَازِ قَطْعِ الْأَصَابِعِ وَجْهَانِ، فَإِنْ قَطَعَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكُومَةٌ فِي الْكَفِّ ; لِأَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 فَذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِهِ، أَوْ سَمْعُهُ، أَوْ شَمُّهُ، فَإِنَّهُ يُوضِحُهُ، فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ وَإِلَّا اسْتَعْمَلَ فِيهِ مَا يُذْهِبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى حَدَقَتِهِ، أَوْ أُذُنِهِ، أَوْ أَنْفِهِ، فَإِنْ لَمْ يُكِنْ إِلَّا بِالْجِنَايَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ سَقَطَ.   [المبدع في شرح المقنع] أَمْكَنَهُ أَخْذُهُ قِصَاصًا كَمَا لَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مِنَ الْكُوعِ، وَإِنْ قُطِعَتْ مِنَ الْعَضُدِ لَمْ يَمْلِكْ قَطْعَهَا مِنَ الْكُوعِ ; لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ الذِّرَاعِ قِصَاصًا كَمَا لَوْ قَطَعَ مِنَ الْمِرْفَقِ، وَفِي " الشَّرْحِ " وَجْهَانِ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا قُطِعَ بَعْضُ أُذُنِهِ، فَالْتَصَقَ فَلَهُ أَرْشُ الْجُرْحِ، وَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَإِنْ شَقَّهَا فَأَلْصَقَهَا صَاحِبُهَا، فَالْتَصَقَتْ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قَطَعَهَا فَأَبَانَهَا فَأَلْصَقَهَا صَاحِبُهَا، فَالْتَصَقَتْ فَلَهُ الْقَوَدُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْإِبَانَةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا قَوَدَ فِيهَا ; لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ عَلَى الدَّوَامِ، أَشْبَهَ الشَّقَّ، وَعَلَى هَذَا: لَهُ أَرْشُ الْجُرْحِ، فَإِنْ سَقَطَتْ بَعْدَ ذَلِكَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا - رَدَّ الْأَرْشَ وَمَلَكَ الْقَوَدَ، أَوِ الدِّيَةَ إِنِ اخْتَارَهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ. 1 - (وَإِذَا أَوْضَحَ إِنْسَانًا) أَوْ شَجَّهُ دُونَ مُوضِحَةٍ، أَوْ لَطَمَهُ (فَذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِهِ، أَوْ سَمْعُهُ، أَوْ شَمُّهُ، فَإِنَّهُ يُوضِحُهُ) أَيْ: فَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقَوَدُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ ; لِأَنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ (فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ وَإِلَّا اسْتَعْمَلَ فِيهِ مَا يُذْهِبُهُ) أَيْ: مَا يُذْهِبُ ضَوْءَ عَيْنِهِ إِلَى آخِرِهِ (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى حَدَقَتِهِ، أَوْ أُذُنِهِ، أَوْ أَنْفِهِ) لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَيَطْرَحُ فِي الْعَيْنِ كَافُورًا، أَوْ يُقَرِّبُ مِنْهُ مِرْآةً، أَوْ يَحْمِيَ لَهُ حَدِيدَةً، أَوْ مِرْآةً، ثُمَّ يُقَطِّرُ عَلَيْهَا مَاءً، ثُمَّ يُقَطِّرُ مِنْهُ فِي الْعَيْنِ لِيَذْهَبَ بَصَرُهَا، وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُ مِثْلَ شَجَّتِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُ بِاللَّطْمَةِ ; لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهَا غَيْرُ مُمْكِنَةٍ وَيُعَالِجُهُ بِمَا يُذْهِبُ بَصَرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْلَعَ عَيْنَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ أَنْ يَلْطِمَهُ مِثْلَ لَطْمَتِهِ، فَإِنْ ذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِهِ وَإِلَّا أَذْهَبَهُ بِمَا ذُكِرَ، وَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ اللَّطْمَةَ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا مُنْفَرِدَةً، فَكَذَا إِذَا سَرَتْ إِلَى الْعَيْنِ كَالشَّجَّةِ دُونَ الْمُوضِحَةِ، وَلَا قَوَدَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ اللَّطْمَةُ تَذْهَبُ بِالْبَصَرِ غَالِبًا، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجِبُ الْقَوَدُ بِكُلِّ حَالٍ (فَإِنْ لَمْ يُكِنْ إِلَّا بِالْجِنَايَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ سَقَطَ) الْقَوَدُ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ، وَلِأَنَّ تَوَهُّمَ الزِّيَادَةِ تُسْقِطُ الْقَوَدَ فَحَقِيقَتُهُ أَوْلَى وَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 فَصْلٌ: الثَّانِي: الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَوْضِعِ وَالِاسْمِ، فَتُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى، وَالْعُلْيَا، وَالسُّفْلَى مِنَ الشَّفَتَيْنِ، وَالْأَجْفَانِ بِمِثْلِهَا. وَالْإِصْبَعُ، وَالسِّنُّ، وَالْأُنْمُلَةُ بِمِثْلِهَا فِي الْمَوْضِعِ وَالِاسْمِ، وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةَ رَجُلٍ الْعُلْيَا، وَقَطَعَ الْوُسْطَى مِنْ تِلْكَ الْإِصْبَعِ مِنْ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُلْيَا فَصَاحِبُ الْوُسْطَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ عَقْلِ أُنْمُلَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَقْطَعَ الْعُلْيَا، ثُمَّ يَقْتَصُّ مِنَ الْوُسْطَى وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَا   [المبدع في شرح المقنع] [الثَّانِي الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَوْضِعِ وَالِاسْمِ] فَصْلٌ (الثَّانِي: الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَوْضِعِ، وَالِاسْمِ) قِيَاسًا عَلَى النَّفْسِ (فَتُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى، وَالْعُلْيَا، وَالسُّفْلَى مِنَ الشَّفَتَيْنِ، وَالْأَجْفَانِ بِمِثْلِهَا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ، وَلِأَنَّهَا جَوَارِحُ مُخْتَلِفَةُ الْمَنَافِعِ، وَالْأَمَاكِنِ فَلَمْ يُؤْخَذْ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ كَالْعَيْنِ بِالْأَنْفِ، وَكَذَا كُلُّ مَا انْقَسَمَ إِلَى يَمِينٍ وَيَسَارٍ وَأَعْلَى وَأَسْفَلَ (وَالْإِصْبَعُ، وَالسِّنُّ، وَالْأُنْمُلَةُ بِمِثْلِهَا فِي الْمَوْضِعِ وَالِاسْمِ) لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُمَاثَلَةُ فَتُؤْخَذُ الْإِبْهَامُ، وَالسَّبَّابَةُ، وَالْوُسْطَى بِمِثْلِهَا، وَكَذَا الْبِنْصَرُ، وَالْخِنْصَرُ، وَالثَّنِيَّةُ، وَالضَّاحِكُ، وَالنَّابُ، وَالْأُنْمُلَةُ الْعُلْيَا مِنَ الْإِصْبَعِ بِمِثْلِهِ ; لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مَوْجُودَةٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةَ رَجُلٍ الْعُلْيَا، وَقَطَعَ الْوُسْطَى مِنْ تِلْكَ الْإِصْبَعِ مِنْ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُلْيَا فَصَاحِبُ الْوُسْطَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ عَقْلِ أُنْمُلَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَقْطَعَ الْعُلْيَا، ثُمَّ يَقْتَصُّ مِنَ الْوُسْطَى) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِي الْحَالِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَيْفِ وَأَخْذِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاجِبِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَأْخِيرِ حَقِّهِ حَتَّى يُمَكَّنَ مِنَ الْقِصَاصِ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ فَوَجَبَتِ الْخِيَرَةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنْ قَطَعَ مِنْ ثَالِثِ السُّفْلَى فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْعُلْيَا، ثُمَّ لِلثَّانِي أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْوُسْطَى، ثُمَّ لِلثَّالِثِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ السُّفْلَى، سَوَاءٌ جَاءُوا جَمِيعًا، أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ (وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَا يُخَالِفُهُ) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ، وَلَمْ تُوجَدْ، فَلَا تُؤْخَذُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ، وَلَا عَكْسِهِ، وَلَا الْعُلْيَا مِنَ الشَّفَتَيْنِ وَالْأَجْفَانِ بِالْأَسْفَلِ، وَلَا عَكْسِهِ، وَلَا الْإِبْهَامُ بِالسَّبَّابَةِ، وَلَا الْوُسْطَى، وَالْخِنْصَرُ، وَالْبِنْصَرُ بِغَيْرِهَا، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ (وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 يُخَالِفُهُ وَلَا تُؤْخَذُ أَصْلِيَّةٌ بِزَائِدَةٍ وَلَا زَائِدَةٌ بِأَصْلِيَّةٍ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ فَعَلَا، أَوْ قَطَعَهَا تَعَدَّيَا، أَوْ قَالَ: أَخْرِجْ يَمِينَكَ، فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا أَجْزَأَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ أَخْرَجَهَا عَمْدًا لَمْ يَجُزْ وَيُسْتَوْفَى مِنْ يَمِينِهِ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ. وَإِنْ أَخْرَجَهَا دَهْشَةً، أَوْ ظَنًّا أَنَّهَا تُجْزِئُ، فَعَلَى   [المبدع في شرح المقنع] تُؤْخَذُ أَصْلِيَّةٌ بِزَائِدَةٍ) لِأَنَّ الزَّائِدَةَ دُونَهَا (وَلَا زَائِدَةٌ بِأَصْلِيَّةٍ) لِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُهَا وَيُؤْخَذُ زَائِدٌ بِمِثْلِهِ مَوْضِعًا وَخِلْقَةً، وَلَوْ تَفَاوَتَا قَدْرًا (وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ قِصَاصًا، لَا يَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا ; لِأَنَّ الدِّمَاءَ لَا تُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ (فَإِنْ فَعَلَا) ذَلِكَ بِلَا تَعَدٍّ مِثْلَ أَنْ يَأْخُذَ بِاخْتِيَارِ الْجَانِي فَيُجْزِئُ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ ; لِأَنَّ الْقَوَدَ سَقَطَ فِي الْأُولَى بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا فِي قَطْعِهَا، وَدِيَتُهُمَا مُتَسَاوِيَةٌ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ (أَوْ قَطَعَهَا تَعَدِّيًا) لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الدِّيَةِ، وَالْأَلَمِ، وَالِاسْمِ، فَتَسَاقَطَا، وَلِأَنَّ إِيجَابَ الْقَوَدِ يُفْضِي إِلَى قَطْعِ يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِذْهَابِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ وَكُلٌّ مِنَ الْقَطْعَيْنِ مَضْمُونَةٌ سِرَايَتُهُ ; لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ أَخَذَهَا عُدْوَانًا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْقَوَدُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ بِتَرَاضِيهِمَا، فَلَا قَوَدَ فِي الثَّانِيَةِ لِرِضَا صَاحِبِهَا بِبَدَلِهَا، وَفِي وُجُوبِهِ فِي الْأَوَّلِ وَجْهَانِ: أحْدَهُمَا: لَا يَسْقُطُ ; لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَرْكِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ سلعة بِخَمْرٍ، وَقَبَضَهُ إِيَّاهُ، فَعَلَى هَذَا لَهُ الْقَوَدُ بَعْدَ انْدِمَالِ الْأُخْرَى وَلِلْجَانِي دِيَةُ يَدِهِ (أَوْ قَالَ: أَخْرِجْ يَمِينَكَ، فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا أَجْزَأَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ) سَوَاءٌ قَطَعَهَا عَالِمًا بِهَا، أَوْ جَاهِلًا، وَكَمَا لَوْ قَطَعَ يَسَارَ السَّارِقِ بَدَلَ يَمِينِهِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ أَخْرَجَهَا عَمْدًا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنَ الْقَطْعِ، فَلَمْ يُعْذَرْ فِي اسْتِيفَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى السَّارِقِ لِوُجُوهٍ ; لِأَنَّ الْحَدَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِسْقَاطِ، وَيَسَارُهُ تُقْطَعُ إِذَا عُدِمَتْ يَمِينُهُ، وَلَوْ سَقَطَتْ يَدُهُ بِآكِلَةٍ، أَوْ قِصَاصٍ سَقَطَ الْقَطْعُ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ (وَيُسْتَوْفَى مِنْ يَمِينِهِ) لِأَنَّ قَطْعَ الْيَسَارِ كَلَا قَطْعٍ فَيُوجِبُ ذَلِكَ قَطْعَ الْيَمِينِ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مَشْرُوطٌ (بَعْدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 الْقَاطِعِ دِيَتُهَا، وَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مَجْنُونًا، فَعَلَى الْقَاطِعِ الْقِصَاصُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِهَا وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، وَإِنْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مَجْنُونًا وَالْآخَرُ عَاقِلًا ذَهَبَتْ هَدَرًا.   [المبدع في شرح المقنع] انْدِمَالِ الْيَسَارِ) لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَدَّى إِلَى هَلَاكِهِ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ وَيَسَارَ آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ أَحَدُهُمَا إِلَى انْدِمَالِ الْآخَرِ ; لِأَنَّ الْقَطْعَيْنِ مُسْتَحَقَّانِ قِصَاصًا فَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَفِي هَذِهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ. تَتِمَّةٌ: فَإِنْ أَخْرَجَهَا عَمْدًا عَالِمًا أَنَّهَا يَسَارُهُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فَهَدَرٌ وَيُفَارِقُ هَذَا مَا إِذَا قَطَعَ يَدَ إِنْسَانٍ، وَهُوَ سَاكِتٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْبَدَلُ، فَإِنْ سَرَى قَطْعُ يَسَارِهِ إِلَى نَفْسِهِ فَهَدَرٌ، وَتَجِبُ فِي تَرِكَتِهِ دِيَةُ الْيَمِينِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ (وَإِنْ أَخْرَجَهَا دَهْشَةً، أَوْ ظَنًّا أَنَّهَا تُجْزِئُ، فَعَلَى الْقَاطِعِ دِيَتُهَا) إِنْ عَلِمَ أَنَّهَا يَسَارٌ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، وَيُعَزَّرُ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالدِّيَةِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِهَا كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَمَا وَجَبَ ضَمَانُهُ فِي الْعَمْدِ وَجَبَ فِي الْخَطَأِ كَإِتْلَافِ الْمَالِ، وَالْقِصَاصُ بَاقٍ فِي الْيَمِينِ، وَلَا يَقْتَصُّ حَتَّى تَنْدَمِلَ الْيَسَارُ، فَإِنْ عَفَا وَجَبَ بَدَلُهَا وَيَتَقَاصَانِ، وَإِنْ سَرَتِ الْيَسَارُ إِلَى نَفْسِهِ، فَلِوَرَثَةِ الْجَانِي نِصْفُ الدِّيَةِ ; لِأَنَّ الْيَسَارَ مَضْمُونَةٌ وَتَسَاقَطَا بِهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْجَانِي فِي الْعِلْمِ وَعَدَمِ إِبَاحَتِهَا ; لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ (وَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مَجْنُونًا) مِثْلَ أَنْ يُجَنَّ بَعْدَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ (فَعَلَى الْقَاطِعِ الْقِصَاصُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِهَا وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ) لِأَنَّهُ قَطَعَهَا مُتَعَدِّيًا (وَإِنْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا: فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ) لِأَنَّ بَذْلَ الْمَجْنُونِ لَيْسَ بِشُبْهَةٍ (وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مَجْنُونًا، وَالْآخَرُ عَاقِلًا ذَهَبَتْ هَدَرًا) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ، وَلَا يَجُوزُ الْبَذْلُ لَهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِبَذْلِ صَاحِبِهَا، لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ الْيُمْنَى فَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ فِيهَا لِتَلَفِهَا، فَيَكُونُ لِلْمَجْنُونِ دِيَتُهَا، وَإِنْ وَثَبَ الْمَجْنُونُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ قَهْرًا سَقَطَ حَقُّهُ كَمَا لَوِ اقْتَصَّ مِمَّنْ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ، وَدِيَةُ يَدِهِ عَلَى الْجَانِي، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الْجَانِي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 فَصْلٌ: الثَّالِثُ: اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصِّحَّةِ، وَالْكَمَالِ فَلَا تُؤْخَذُ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ، أنه أوجب ذلك، وَلَا كَاملةُ الْأَصَابِعِ بِنَاقِصَةٍ وَلَا عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِقَائِمَةٍ وَلَا لِسَانٌ نَاطِقٌ   [المبدع في شرح المقنع] [الثَّالِثُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ] فَصْلٌ (الثَّالِثُ: اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصِّحَّةِ، وَالْكَمَالِ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ (فَلَا تُؤْخَذُ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُدَ (أنه أوجب ذلك) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ كَالْأذنين، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الشَّلَّاءَ لَا نَفْعَ فِيهَا سِوَى الْجَمَالِ، فَلَا تُؤْخَذُ بِمَا فِيهِ نَفْعٌ، وَإِذَا لَمْ يُؤْخَذِ الْقَوَدُ فِي الْعَيْنَيْنِ لِأَجْلِ تَفَاوُتِهِمَا فِي الصِّحَّةِ، وَالْعَمَى فَلَأَنْ لَا يُوجِبَ ذَلِكَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ أَوْلَى (وَلَا كَاملةُ الْأَصَابِعِ بِنَاقِصَةٍ) لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا جُنِيَ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَطَعَ مَنْ لَهُ خَمْسُ أَصَابِعَ يَدَ مَنْ لَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزِ الْقِصَاصُ ; لِأَنَّهَا فَوْقَ حَقِّهِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَصَابِعِ الْجَانِي بِعَدَدِ أَصَابِعِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ قَطَعَ ذُو الْيَدِ الْكَامِلَةِ يَدًا فِيهَا إِصْبَعٌ شَلَّاءُ وَبَاقِيهَا صِحَاحٌ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الصَّحِيحَةِ بِهَا، وَفِي الْقَوَدِ مِنَ الْأَصَابِعِ الصِّحَاحِ وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَهُ الْقَوَدُ، فَلَهُ الْحُكُومَةُ فِي الشَّلَّاءِ، وَأَرْشُ مَا تَحْتَهَا مِنَ الْكَفِّ، وَهَلْ يَدْخُلُ مَا تَحْتَ الْأَصَابِعِ الصَّحِيحَةِ فِي قِصَاصِهَا، أَوْ تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ كَانَتِ الزَّائِدَةُ مِنْ أَصَابِعِ الْجَانِي زَائِدَةً فِي الْخِلْقَةِ لَمْ يُمْنَعِ الْقَوَدُ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ ; لِأَنَّهَا عَيْبٌ وَنَقْصٌ فِي الْمَعْنَى كَالسِّلْعَةِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهَا تَمْنَعُ كَالْأَصْلِيَّةِ، وَلَا تُؤْخَذُ ذَاتُ أَظْفَارٍ بِمَا لَا أَظْفَارَ لَهَا (وَلَا عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِقَائِمَةٍ) وَهِيَ صَحِيحَةٌ مَوْضِعِهَا، وَإِنَّمَا ذَهَبَ نُورُهَا وَإِبْصَارُهَا ; لِانْتِفَاءِ اسْتِوَائِهِمَا فِي الصِّحَّةِ وَتُؤْخَذُ الْقَائِمَةُ بِالصَّحِيحَةِ ; لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ، وَلَا أَرْشَ لَهُ مَعَهَا ; لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الصِّفَةِ (وَلَا لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُمَاثِلٍ لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، أَشْبَهَتِ الْيَدَ الصَّحِيحَةَ بِالشَّلَّاءِ (وَلَا ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ، وَلَا عِنِّينٍ) عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 بِأَخْرَسَ. وَلَا ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ وَلَا عِنِّينٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِمَا إِلَّا مَارِنَ الْأَشَمِّ الصَّحِيحِ يُؤْخَذُ بِمَارِنِ الْأَخْشَمِ وَبِالْمَخْرُومِ وَالْمُسْتَحْشَفِ، وَأُذُنُ السَّمِيعِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ الشَّلَّاءِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَيُؤْخَذُ الْمَعِيبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالصَّحِيحِ وَبِمِثْلِهِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمَا ; لِأَنَّ الْخَصِيَّ لَا يُولَدُ لَهُ، وَلَا يُنْزِلُ، وَلَا يَكَادُ الْعِنِّينُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْوَطْءِ فَهُمَا كَالْأَشَلِّ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِمَا) هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ ; لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ يَنْقَبِضَانِ وَيَنْبَسِطَانِ فَيُؤْخَذُ بِهِمَا كَذَكَرِ الْفَحْلِ، وَعَنْهُ: يُؤْخَذُ بِذَكَرِ الْعِنِّينِ، لَا الْخَصِيِّ. اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ لِتَحَقُّقِ نَقْصِهِ وَالْإِيَاسِ مِنْ بُرْئِهِ، بِخِلَافِ الْعِنِّينِ، فَإِنَّ الْعِنَّةَ عِلَّةٌ فِي الظَّهْرِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الْقِصَاصَ كَأُذُنِ الْأَصَمِّ، وَمَارِنِ الْأَخْشَمِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُؤْخَذُ بِخَصِيٍّ، وَفِي أَخْذِهِ بِعِنِّينٍ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يُؤْخَذُ بِهِ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْ زَوَالِ عِنَّتِهِ، وَلِذَلِكَ يُؤَجَّلُ سَنَةً وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " الْأَوَّلَ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَرَدَّدَ الْحَالُ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ وَعَدَمِهِ لَمْ يَجِبْ قِصَاصٌ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (إِلَّا مَارِنَ الْأَشَمِّ الصَّحِيحِ يُؤْخَذُ بِمَارِنِ الْأَخْشَمِ) وَهُوَ الَّذِي لَا يَجِدُ رَائِحَةَ شَيْءٍ، وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الصِّحَّةِ، وَالْكَمَالِ، وَلَيْسَ هُوَ عَائِدًا إِلَى الِاحْتِمَالِ، وَإِنْ قَرُبَ مِنْهُ إِذِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، فَقَوْلُهُ يُؤْخَذُ بِهِمَا إِثْبَاتٌ، وَالْمُسْتَثْنَى نَفْيٌ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: اسْتِوَاؤُهُمَا شَرْطٌ إِلَّا فِي أَشْيَاءَ لِأَنَّ عَدَمَ الشَّمِّ عِلَّةٌ فِي الدِّمَاغِ، وَنَفْسُ الْأَنْفِ صَحِيحٌ فَوَجَبَ أَخْذُ الْأَخْشَمِ بِهِ ; لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ، قِيلَ: هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى فَوَاتِ الشَّمِّ غَيْرُهُ، وَالثَّانِي: لَا يُؤْخَذُ بِهِ ; لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّمِّ قَدْ زَالَتْ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاسْمِ كَالْيَدِ الصَّحِيحَةِ مَعَ الشَّلَّاءِ (وَ) يُؤْخَذُ الصَّحِيحُ (بِالْمَخْرُومِ) وَهُوَ الْمَقْطُوعُ وَتَرُ أَنْفِهِ (وَالْمُسْتَحْشَفُ) وَهُوَ الرَّدِيءُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَرَضٌ، وَلِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الصَّحِيحِ، وَالثَّانِي: لَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مَعِيبٌ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الشَّرْحِ " (وَأُذُنُ السَّمِيعِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ الشَّلَّاءِ فِي أَحَدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 إِذَا أُمِنَ مِنْ قَطْعِ الشَّلَّاءِ التَّلَفُ وَلَا يَجِبُ لَهُ مَعَ الْقِصَاصِ أَرْشٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: لَهُ دِيَةُ الْأَصَابِعِ النَّاقِصَةِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ أَجْلِ الشَّلَلِ وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَجْهَيْنِ) وَكَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ الْمُؤَلِّفِ - يُؤْخَذُ بِهِ ; لِأَنَّ الْعُضْوَ صَحِيحٌ وَمَقْصُودُهُ الْجَمَالُ لَا السَّمْعُ، وَذَهَابُ السَّمْعِ لِنَقْصٍ فِي الرَّأْسِ ; لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ، وَلَيْسَ بِنَقْصٍ فِي الْأُذُنِ. وَالثَّانِي: لَا يُؤْخَذُ بِهِ ; لِأَنَّهُ عُضْوٌ ذَهَبَ نَفْعُهُ، فَهُوَ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَتُؤْخَذُ الْأُذُنُ الصَّحِيحَةُ بِالْمَثْقُوبَةِ (وَيُؤْخَذُ الْمَعِيبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِدُونِ حَقِّهِ كَمَا لَوْ رَضِيَ الْمُسْلِمُ بِالْقَوَدِ مِنَ الذِّمِّيِّ، وَالْحُرُّ مِنَ الْعَبْدِ (وَبِمِثْلِهِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْقِصَاصِ عَدَمُ الِاسْتِوَاءِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا بِشَرْطٍ، وَهُوَ (إِذَا أُمِنَ مِنْ قَطْعِ الشَّلَّاءِ التَّلَفُ) وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْقَاطِعَ إِذَا كَانَ أَشَلَّ، وَالْمَقْطُوعَةُ سَالِمَةٌ، فَإِنْ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَخْذَ الدِّيَةِ فَلَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِعَجْزِهِ عَنِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ عَلَى الْكَمَالِ، وَإِنِ اخْتَارَ الْقِصَاصَ سُئِلَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّهُ إِذَا قُطِعَ لَمْ تَفْسُدِ الْعُرُوقُ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْهَوَاءُ، أُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، وَإِنْ قَالُوا يَدْخُلِ الْهَوَاءُ فِي الْبَدَنِ فَيُفْسِدُهُ، سَقَطَ الْقِصَاصُ (وَلَا يَجِبُ لَهُ مَعَ الْقِصَاصِ أَرْشٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ الشَّلَّاءَ كَالصَّحِيحَةِ فِي الْخِلْقَةِ، وَإِنَّمَا نَقَصَتْ فِي الصِّفَةِ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ مَالًا، وَقَوَدًا (وَفِي الْآخَرِ لَهُ دِيَةُ الْأَصَابِعِ النَّاقِصَةِ) قَالَهُ الْقَاضِي وَشَيْخُهُ (وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ أَجْلِ الشَّلَلِ) لِأَنَّ الْجَمَالَ يَنْقُصُ بِنُقْصَانِ الْأَصَابِعِ، بِخِلَافِ الشَّلَّاءِ، فَإِنَّهَا كَامِلَةٌ صُورَةً، وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْقِصَاصِ ; لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْمَعَانِي لَا تُعْتَبَرُ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُفْضِي إِلَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ (وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ لَهُ أَرْشَهُ) لِأَنَّ لَهُ دِيَةَ الْأَصَابِعِ وَأَرْشَ الشَّلَلِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ إِذَا قُلِعَتْ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ تَكْمِيلًا لِحَقِّهِ ; لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بِالْقِصَاصِ بَعْضَ حَقِّهِ فَيَأْخُذُ دِيَةَ بَاقِيهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأَقْطَعُ يَدَ الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ دِيَةَ الْيَدِ لِفَوَاتِ حَقِّهِ مِنْهَا، وَهَذَا أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: الشَّلَلُ مَوْتٌ، وَذَكَرَ فِي " الْفُنُونِ " أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْبُلْهِ الْمُدَّعِينَ لِلْفِقْهِ، قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِلَّا لَأَنْتَنَ وَاسْتَحَالَ كَالْحَيَوَانِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " إِنْ ثَبَتَ فَلَا قَوَدَ فِي مَيِّتٍ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي شَلَلِ الْعُضْوِ وَصِحَّتِهِ فَأَيُّهُمَا يُقْبَلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 لَهُ أَرْشَهُ. وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي شَلَلِ الْعُضْوِ وَصِحَّتِهِ فَأَيُّهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. فَصْلٌ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ لِسَانِهِ، أَوْ مَارِنَهُ، أَوْ شَفَتَهُ، أَوْ حَشَفَتَهُ، أَوْ أُذُنَهُ - أَخَذَ مِثْلَهُ، يُقَدَّرُ   [المبدع في شرح المقنع] قَوْلُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ) أَيْ: إِذَا ادَّعَى الْجَانِي نَقْصَ الْعُضْوِ بِشَلَلٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ قُبِلَ قَوْلُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّلَامَةُ. وَالثَّانِي: وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، يُقْبَلُ قَوْلُ الْجَانِي ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ دِيَةِ عُضْوٍ سَالِمٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَالِمًا لَمْ يَخْفَ ; لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فَيَرَاهُ النَّاسُ، وَاخْتَارَ فِي " التَّرْغِيبِ " عَكْسَهُ فِي أَعْضَاءٍ بَاطِنَةٍ لِتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ، وَقُبِلَ قَوْلُ الْوَلِيِّ إن اتفقا عَلَى سَابِقَةِ السَّلَامَةِ وَإِلَّا فَقَوْلُ الْجَانِي. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَطَعَ ذَكَرَ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَأُنْثَيَيْهِ وَشَفْرَهُ، فَلَا قَوَدَ لَهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ; لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ الْمَقْطُوعَ فَرْجٌ أَصْلِيٌّ. وَإِنْ طَلَبَ الدِّيَةَ، وَكَانَ يُرْجَى انْكِشَافُ حَالِهِ - أُعْطِيَ الْيَقِينَ، وَهُوَ دِيَةُ شَفْرَيِ امْرَأَةٍ، وَحُكُومَةً فِي الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَأْيُوسًا مِنَ انْكِشَافِ حَالِهِ أُعْطِيَ نِصْفَ دِيَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَحُكُومَةً فِي نِصْفِهِ الْبَاقِي، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، لَا حُكُومَةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ نَقْصٌ. [فَصْلٌ: قَطَعَ بَعْضَ لِسَانِهِ أَوْ مَارِنَهُ أَوْ شَفَتَهُ أَوْ حَشَفَتَهُ أَوْ أُذُنَهُ] فَصْلٌ (وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ لِسَانِهِ، أَوْ مَارِنَهُ، أَوْ شَفَتَهُ، أَوْ حَشَفَتَهُ، أَوْ أُذُنَهُ - أَخَذَ مِثْلَهُ، يُقَدَّرُ بِالْأَجْزَاءِ كَالنِّصْفِ، وَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ) لِلنَّصِّ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ ": لَا يُؤْخَذُ بَعْضُ اللِّسَانِ بِبَعْضٍ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ وَصَاحِبِ " الْوَجِيزِ " بَلَى كَالْأُذُنِ، وَلِأَنَّهُ يُؤْخَذُ جَمِيعُهُ بِجَمِيعِهِ، فَأُخِذَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالْأَنْفِ، وَيُقَدَّرُ بِالْأَجْزَاءِ كَالنِّصْفِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِالْمِسَاحَةِ لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى أَخْذِ جَمِيعِ عُضْوِ الْجَانِي بِبَعْضِ عُضْوِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 بِالْأَجْزَاءِ كَالنِّصْفِ، وَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ، وَإِنْ كُسِرَ بَعْضُ سِنِّهِ - بَرَدَ مِنْ سِنِّ الْجَانِي مِثْلَهَا إِذَا أَمِنَ قَلْعَهَا. وَلَا يَقْتَصُّ مِنَ السِّنِّ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ عَوْدِهَا، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ رُجِعَ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِيَاسِ مِنْ عَوْدِهَا فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا وَلَا قِصَاصَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَسَرَ بَعْضَ سِنِّهِ - بَرَدَ مِنْ سِنِّ الْجَانِي مِثْلَهَا) لِحَدِيثِ الرُّبَيِّعِ. وَيُقَدَّرُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَيَتَعَيَّنُ الْقَوَدُ بِالْمِبْرَدِ لِتُؤْمَنَ الزِّيَادَةُ ; لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِالْكَسْرِ لَأَدَّى إِلَى الصُّدَاعِ، أَوِ الْقَلْعِ، أَوِ الْكَسْرِ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِ الْقِصَاصِ، وَشَرَطَ (إِذَا أَمِنَ قَلْعَهَا) أَيْ: لَا يَقْتَصُّ حَتَّى يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إِنَّهُ يُؤْمَنُ انْقِلَاعُهَا ; لِأَنَّ تَوَهُّمَ الزِّيَادَةِ يَمْنَعُ الْقَوَدَ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ غَيْرِ مَفْصِلٍ، لَا يُقَالُ: قَدْ أَجَزْتُمُ الْقِصَاصَ فِي الْأَطْرَافِ مَعَ تَوَهُّمِ سِرَايَتِهَا إِلَى النَّفْسِ، فَلِمَ مَنَعْتُمْ مِنْهُ لِتَوَهُّمِ السِّرَايَةِ إِلَى بَعْضِ الْعُضْوِ ; لِأَنَّ تَوَهُّمَ السِّرَايَةِ إِلَى النَّفْسِ لَا سَبِيلَ إِلَى التَّحَرُّزِ مِنْهُ، فَلَوِ اعْتُبِرَ سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَأَمَّا السِّرَايَةُ إِلَى بَعْضِ الْعُضْوِ فَتَارَةً نَقُولُ: يَمْنَعُ الْقِصَاصَ إِذَا احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ فِي الْفَعَلِ، لَا فِي السِّرَايَةِ كَمَا إِذَا اسْتَوْفَى مِنْ بَعْضِ الذِّرَاعِ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَفْعَلَ أَكْثَرَ مِمَّا فُعِلَ بِهِ، فَلَوْ قَلَعَ سِنًّا زَائِدَةً، وَكَانَ لِلْجَانِي مِثْلُهَا فِي مَوْضِعِهَا فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، أَوْ حُكُومَةٌ فِي سَنِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُهَا فِي مَحَلِّهَا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْحُكُومَةُ، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أَكْبَرَ مِنَ الْأُخْرَى، فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ ; لِأَنَّهُمَا سِنَّانِ مُتَسَاوِيَتانِ فِي الْمَوْضِعِ كَالْأَصْلِيَّتَيْنِ وَلِعُمُومِ النَّصِّ (وَلَا يَقْتَصُّ مِنَ السِّنِّ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ عَوْدِهَا) وَهِيَ سِنُّ مَنْ قَدْ ثُغِرَ، أَيْ: سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ، ثُمَّ نَبَتَتْ ; لِأَنَّ سِنَّ مَنْ لَمْ يُثْغَرْ تَعُودُ عَادَةً فَلَمْ تُضْمَنْ كَالشَّعْرِ، فَإِنْ عَادَ بَدَلَ السِّنِّ عَلَى صِفَتِهَا فِي مَوْضِعِهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي (فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ رُجِعَ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ) أَيْ: إِذَا مَضَى زَمَانُ عَوْدِهَا، وَلَمْ تَعُدْ - سُئِلَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يُئِسَ مِنْ عَوْدِهَا - خُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ دِيَةِ السِّنِّ (فَإِنْ مَاتَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (قَبْلَ الْإِيَاسِ مِنْ عَوْدِهَا فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا) لِأَنَّ الْقَلْعَ مَوْجُودٌ، وَالْعَوْدَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَحَلْقِ شَعْرِهِ وَمَوْتِهِ قَبْلَ نَبَاتِهِ (وَلَا قِصَاصَ فِيهَا) لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ غَيْرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 فِيهَا، وَإِنِ اقْتَصَّ مِنْ سِنٍّ فَعَادَتْ غَرِمَ سِنَّ الْجَانِي، ثُمَّ إِنْ عَادَتْ سِنُّ الْجَانِي رَدَّ مَا أَخَذَ، وَإِنْ عَادَتْ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَصِيرَةً، أَوْ مَعِيبَةً، فَعَلَى الْجَانِي أَرْشُ نَقْصِهَا. فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي: الْجُرُوحُ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي كُلِّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إِلَى عَظْمٍ كَالْمُوضِحَةِ وَجُرْحِ الْعَضُدِ، وَالسَّاعِدِ، وَالْفَخِذِ، وَالسَّاقِ، وَالْقَدَمِ وَلَا يَجِبُ فِي غَيْرِ   [المبدع في شرح المقنع] مُتَحَقِّقٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقَوَدِ (وَإِنِ اقْتَصَّ مِنْ سِنٍّ فَعَادَتْ غَرِمَ سِنَّ الْجَانِي) لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ، وَيَضْمَنُهَا بِالدِّيَةِ فَقَطْ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ التَّعَدِّيَ (ثُمَّ إِنْ عَادَتْ سِنُّ الْجَانِي رَدَّ مَا أَخَذَ) وَلَمْ تُقْلَعْ فِي وَجْهٍ لِئَلَّا يَأْخُذَ سِنَّيْنِ بِسِنٍّ، وَقِيلَ: تُقْلَعُ، وَإِنْ بَرِئَتْ ; لِأَنَّهُ أُعْدِمَ سِنُّهُ بِالْقَلْعِ، فَكَانَ لَهُ إِعْدَامُ سِنِّهِ بِهِ، وَفِي الْمَذْهَبِ فِيمَنْ قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ، ثُمَّ نَبَتَتْ - لَمْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ (وَإِنْ عَادَتْ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَصِيرَةً، أَوْ مَعِيبَةً، فَعَلَى الْجَانِي أَرْشُ نَقْصِهَا) بِالْحِسَابِ فَفِي نِصْفِهَا نصف دِيَتُهَا، وَإِنْ عَادَتْ، وَالدَّمُ يَسِيلُ مِنْهَا، أَوْ مَائِلَةً عَنْ مَحَلِّهَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ، وَإِنْ قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ فَلَهُ الْقَوَدُ فِي الْحَالِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ عَوْدِهَا، وَإِنْ قَلَعَ سِنًّا فَاقْتُصَّ مِنْهُ، ثُمَّ عَادَتْ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَقَلَعَهَا الْجَانِي ثَانِيَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ سِنَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَمَّا عَادَتْ وَجَبَ لِلْجَانِي عَلَيْهِ دِيَةُ سِنِّهِ، فَلَمَّا قَلَعَهَا وَجَبَ عَلَى الْجَانِي دِيَتُهَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَقَدْ وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةُ سِنٍّ فَيَتَقَاصَّانِ. مَسْأَلَةٌ: تُؤْخَذُ الْمَكْسُورَةُ بِالصَّحِيحَةِ، وَهَلْ لَهُ أَرْشُ الْبَاقِيَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. [النَّوْعُ الثَّانِي: الْجُرُوحُ] فَصْلٌ (النَّوْعُ الثَّانِي: الْجُرُوحُ) لِلْآيَةِ، وَالْخَبَرِ (فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي كُلِّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إِلَى عَظْمٍ كَالْمُوضِحَةِ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ، وَلَا زِيَادَةٍ ; لِانْتِهَائِهِ إِلَى عَظْمٍ، أَشْبَهَ قَطْعَ الْكَفِّ مِنَ الْكُوعِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلِأَنَّ اللَّهَ نَصَّ عَلَى الْقِصَاصِ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ فِي كُلِّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إِلَى عَظْمٍ لَسَقَطَ حُكْمُ الْآيَةِ (وَجُرْحِ الْعَضُدِ، وَالسَّاعِدِ، وَالْفَخِذِ، وَالسَّاقِ، وَالْقَدَمِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَكَالْمُوضِحَةِ، وَلَا يَسْتَوْفِي فِي ذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَهُ عِلْمٌ وَخِبْرَةٌ كَالْجَرَائِحِيِّ، وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ عِلْمٌ بِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالِاسْتِنَابَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْقِصَاصِ كَالنَّفْسِ (وَلَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 ذَلِكَ مِنَ الشِّجَاجِ، وَالْجُرُوحِ كَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، أَوْ أَعْظَمِ مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْمُوضِحَةِ كَالْهَاشِمَةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ، وَالْمَأْمُومَةِ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مُوضِحَةً وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَهُ مَا بَيْنَ دِيَةِ مُوضِحَةٍ وَدِيَةِ تِلْكَ الشَّجَّةِ، فَيَأْخُذُ فِي الْهَاشِمَةِ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عَشْرًا وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ، فَلَوْ أَوْضَحَ إِنْسَانًا فِي بَعْضِ رَأْسِهِ، مِقْدَارُ ذَلِكَ الْبَعْضِ جَمِيعُ رَأْسِ   [المبدع في شرح المقنع] ذَلِكَ مِنَ الشِّجَاجِ، وَالْجُرُوحِ كَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، أَوْ أَعْظَمِ مِنْهَا) لِأَنَّهَا جِرَاحَةٌ لَا تَنْتَهِي إِلَى عَظْمٍ، وَلَا تُؤْمَنُ فِيهَا الزِّيَادَةُ، أَشْبَهَ الْجَائِفَةَ وَكَسْرَ الْعِظَامِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْمُوضِحَةِ كَالْهَاشِمَةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ، وَالْمَأْمُومَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ، وَذَلِكَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ (فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مُوضِحَةً) بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ; لِأَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ وَيَقْتَصُّ مِنْ مَحَلِّ جِنَايَتِهِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا وَضَعَ السِّكِّينَ فِي مَوْضِعٍ وَضَعَهَا الْجَانِي ; لِأَنَّ سِكِّينَ الْجَانِي وَصَلَتِ الْعَظْمَ، ثُمَّ تَجَاوَزَتْهُ، بِخِلَافِ قَاطِعِ السَّاعِدِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَضَعْ سِكِّينَهُ فِي الْكُوعِ (وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) لِأَنَّهُ جُرْحٌ وَاحِدٌ لَمْ يُجْمَعْ فِيهِ بَيْنَ قِصَاصٍ وَأَرْشٍ كَالشَّلَّاءِ بِالصَّحِيحَةِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ) وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " (لَهُ مَا بَيْنَ دِيَةِ مُوضِحَةٍ وَدِيَةِ تِلْكَ الشَّجَّةِ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ فِيهِ الْقِصَاصُ فَوَجَبَ الْأَرْشُ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ فِي جَمِيعِهَا، وَفَارَقَ الشَّلَّاءَ بِالصَّحِيحَةِ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ ثَمَّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَلَيْسَتْ مُتَمَيِّزَةً، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا (فَيَأْخُذُ فِي الْهَاشِمَةِ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عَشْرًا) لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْأُولَى خَمْسٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَشْرٌ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا وَثُلُثُ بَعِيرٍ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، فَإِذَا ذَهَبَ مِنْهَا دِيَةُ مُوضِحَةٍ بَقِيَ ذَلِكَ (وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ) دُونَ كَثَافَةِ اللَّحْمِ لِيَعْلَمَ حَتَّى يَقْتَصَّ مِنَ الْجَانِي مِثْلَهُ (فَلَوْ أَوْضَحَ إِنْسَانًا فِي بَعْضِ رَأْسِهِ، مِقْدَارُ ذَلِكَ الْبَعْضِ جَمِيعُ رَأْسِ الشَّاجِّ وَزِيَادَةٌ - كَانَ لَهُ أَنْ يُوضِحَهُ فِي جَمِيعِ رَأْسِهِ) وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ قَدْرُهَا طُولًا وَعَرْضًا ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ الْمُمَاثَلَةُ، وَلَا يُرَاعَى الْعُمْقُ ; لِأَنَّ حَدَّهُ الْعَظْمُ، وَلَوْ رُوعِيَ لَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي قِلَّةِ اللَّحْمِ وَكَثْرَتِهِ، فَإِذَا كَانَتْ فِي الرَّأْسِ حُلِقَ مَوْضِعُهَا مِنْ رَأْسِ الْجَانِي وَعُلِّمَ الْقَدْرُ الْمُسْتَحَقُّ بِسَوَادٍ، أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 الشَّاجِّ وَزِيَادَةٌ - كَانَ لَهُ أَنْ يُوضِحَهُ فِي جَمِيعِ رَأْسِهِ. وَفِي الْأَرْشِ لِلزَّائِدِ وَجْهَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] غَيْرِهِ، ثُمَّ اقْتَصَّ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، أَوْ مُؤَخَّرِهِ، أَوْ وَسَطِهِ فَأَمْكَنَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ قَدْرَهَا مِنْ مَوْضِعِهَا لَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ زَادَ قَدْرُهَا عَلَى مَوْضِعِهَا مِنْ رَأْسِ الْجَانِي اسْتَوْفَى بِقَدْرِهَا، وَإِنْ جَاوَزَ الْمَوْضِعَ الَّذِي شَجَّهُ فِي مِثْلِهِ ; لِأَنَّ الْجَمِيعَ رَأْسٌ، وَإِنْ زَادَ قَدْرُهَا عَلَى رَأْسِ الْجَانِي كُلِّهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْزِلَهُ إِلَى الْوَجْهِ، وَالْقَفَا ; لِأَنَّهُ قِصَاصٌ فِي غَيْرِ الْعُضْوِ الْمَجْرُوحِ فَيَقْتَصُّ مِنْ رَأْسِ الْجَانِي كُلِّهِ (وَفِي الْأَرْشِ لِلزَّائِدِ وَجْهَانِ:) أَحَدُهُمَا: لَا أَرْشَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ، وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ لِئَلَّا يُجْمَعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قِصَاصٌ وَدِيَةٌ. وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، لَهُ أَرْشُ مُوضِحَةِ مَا بَقِيَ، وَهُوَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ جِنَايَتِهِ وَالْمُوضِحَةِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَتْ بِقَدْرِ ثُلُثِهَا فَلَهُ أَرْشُ ثُلُثِ مُوضِحَةٍ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى هَذَا، أَوْ نَقَصَتْ فَبِالْحِسَابِ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، وَلَا يَجِبُ لَهُ أَرْشُ مُوضِحَةٍ كَامِلَةٍ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَوْضَحَ كُلَّ الرَّأْسِ، وَرَأْسُ الْجَانِي أَكْبَرُ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَدْرُ شَجَّتِهِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ ; لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بَعْضَ حَقِّهِ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَبَعْضَهُ مِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةُ ضَرَرٍ، أَوْ شَيْنٌ فَيَمْتَنِعُ لِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ مَوْضِعَ الْجِنَايَةِ، وَلَا قَدْرَهَا، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مُوضِحَتَيْنِ بِمُوضِحَةٍ، قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَإِنْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ، قَدْرُهُمَا جَمِيعُ رَأْسِ الْجَانِي فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُوضِحَهُ فِي جَمِيعِ رَأْسِهِ مُوضِحَةً وَاحِدَةً وَبَيْنَ أَنْ يُوضِحَهُ مُوضِحَتَيْنِ ويَقْتَصِرُ فِيهِمَا عَنْ قَدْرِ الْوَاجِبِ، وَلَا أَرْشَ لَهُ فِي الْبَاقِي وَجْهًا وَاحِدًا ; لِأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِيفَاءَ مَعَ إِمْكَانِهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقْتَصِّ مَعَ يَمِينِهِ فِي أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي الزِّيَادَةِ، فَإِنْ قَالَ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَصَلَتْ بِاضْطِرَابِهِ، فَأَنْكَرَهُ الْجَانِي فَوَجْهَانِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 فَصْلٌ: وَإِنِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَطْعِ طَرَفٍ، أَوْ جُرْحٍ وَتَسَاوَتْ أَفْعَالُهُمْ، مِثْلَ أَنْ يَضَعُوا الْحَدِيدَةَ عَلَى يَدِهِ وَيَتَحَامَلُوا عَلَيْهَا جَمِيعًا حَتَّى تَبِينَ، فَعَلَى جَمِيعِهِمُ الْقِصَاصُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ تَفَرَّقَتْ أَفْعَالُهُمْ، أَوْ قَطَعَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ جَانِبٍ، فَلَا قِصَاصَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَسِرَايَةُ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ بِالْقِصَاصِ، أَوِ الدِّيَةِ. فَلَوْ قَطَعَ إِصْبَعًا   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ جُرْحٍ وَتَسَاوَتْ أَفْعَالُهُمْ] فَصْلٌ (وَإِنِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَطْعِ طَرَفٍ، أَوْ جُرْحٍ) مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ (وَتَسَاوَتْ أَفْعَالُهُمْ مِثْلَ أَنْ يَضَعُوا الْحَدِيدَةَ عَلَى يَدِهِ وَيَتَحَامَلُوا عَلَيْهَا جَمِيعًا حَتَّى تَبِينَ) أَوْ يَدْفَعُوا حَائِطًا، وَنَحْوَهُ عَلَى شَخْصٍ، قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ " (فَعَلَى جَمِيعِهِمُ الْقِصَاصُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهَ فِي " الْكَافِي "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِ عَلِيٍّ لِلشَّاهِدَيْنِ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا. فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَوْ تَعَمَّدَ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْقِصَاصِ فَيُؤْخَذُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ كَالنَّفْسِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " لَوْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُقْطَعُ حَنِثَ بِذَلِكَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهَا، فَإِنَّهُ لَا تُؤْخَذُ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ، وَلَا كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ بِنَاقِصَتِهَا، وَلَا تَسَاوِيَ بَيْنَ الطَّرَفِ، وَالْأَطْرَافِ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِي النَّفْسِ وَكَمَا لَوْ تَمَيَّزَتْ أَفْعَالُهُمْ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ: وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةُ الطَّرَفِ وَالْجُرْحِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ جَانِبٍ، أَوْ فِي وَقْتٍ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي دِيَتِهِ (فَإِنْ تَفَرَّقَتْ أَفْعَالُهُمْ، أَوْ قَطَعَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ جَانِبٍ، فَلَا قِصَاصَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَقْطَعِ الْيَدَ، وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَطْعِ جَمِيعِهَا (وَسِرَايَةُ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ) بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّهَا أَثَرُ الْجِنَايَةِ، وَالْجِنَايَةُ مَضْمُونَةٌ، فَكَذَا أَثَرُهَا (بِالْقِصَاصِ، أَوِ الدِّيَةِ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ، ثُمَّ إِنْ سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ وَمَا لَا تُمْكِنُ مُبَاشَرَتُهُ بِالْإِتْلَافِ مِثْلَ أَنْ يُهَشِّمَهُ فِي رَأْسِهِ فَيَذْهَبُ ضَوْءُ عَيْنِهِ وَجَبَ الْقَوَدُ فِيهِ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي النَّفْسِ، وَفِي ضَوْءِ الْعَيْنِ خِلَافٌ، وَإِنْ سَرَتْ إِلَى مَا تُمْكِنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 فَتَآكَلَتْ أُخْرَى إِلَى جَانِبِهَا وَسَقَطَتْ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ تَآكَلَتِ الْيَدُ وَسَقَطَتْ مِنَ الْكُوعِ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ شُلَّ فَفِيهِ دِيَتُهُ دُونَ الْقِصَاصِ وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ. فَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ قِصَاصًا فَسَرَى إِلَى النَّفْسِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ   [المبدع في شرح المقنع] مُبَاشَرَتُهُ بِالْإِتْلَافِ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قَطَعَ إِصْبَعًا فَتَآكَلَتْ أُخْرَى إِلَى جَانِبِهَا وَسَقَطَتْ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ تَآكَلَتِ الْيَدُ وَسَقَطَتْ مِنَ الْكُوعِ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ) فِي قَوْلِ إِمَامِنَا ; لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْقَوَدُ بِالْجِنَايَةِ وَجَبَ بِالسِّرَايَةِ كَالنَّفْسِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: لَا قَوَدَ فِي الثَّانِيَةِ وَتَجِبُ دِيَتُهَا ; لِأَنَّ مَا أَمْكَنَ مُبَاشَرَتُهُ بِالْجِنَايَةِ، لَا يَجِبُ الْقَوَدُ فِيهِ بِالسِّرَايَةِ كَمَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إِلَى شَخْصٍ فَمَرَقَ مِنْهُ إِلَى آخَرَ، وَجَوَابُهُ: مَا سَبَقَ، وَبِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْقِصَاصِ، وَفَارَقَ مَا ذَكَرُوهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ، وَلَيْسَ بِسِرَايَةٍ، وَلَوْ قَصَدَ قَطْعَ إِبْهَامِهِ فَقَطَعَ سَبَّابَتَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ (وَإِنْ شَلَّ) بِفَتْحِ الشِّينِ، وَقِيلَ: بِضَمِّهَا (فَفِيهِ دِيَتُهُ دُونَ الْقِصَاصِ) إِذَا شُلَّ وَجَبَ الْقَوَدُ فِي الْأُولَى، وَالْأَرْشُ فِي الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّ الشَّلَلَ حَصَلَ بِالسِّرَايَةِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ، وَلِأَنَّهَا جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْقَوَدِ كَمَا لَوْ لَمْ تَسْرِ وَكَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ حُبْلَى فَسَرَى إِلَى جَنِينِهَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا قَوَدَ بِنَقْصِهِ بَعْدَ بُرْئِهِ وَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ، فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ ; لِأَنَّهُ جِنَايَةُ عَمْدٍ، وَإِذَا قَطَعَ لَهُ إِصْبَعًا فَشُلَّتْ أَصَابِعُهُ الْبَاقِيَةُ وَكَفُّهُ وَجَبَ لَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنِ اقْتَصَّ مِنَ الْإِصْبَعِ فَلَهُ فِي الْبَاقِيَةِ أَرْبَعُونَ مِنَ الْإِبِلِ وَيَتْبَعُهَا مَا حَاذَى الْكَفَّ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ فَيَدْخُلُ أَرْشُهُ فِيهَا وَيَبْقَى خُمْسٌ مِنْهَا لِلْكَفِّ، وَفِيهِ وَجْهَانِ (وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ ; لِمَا رَوَى سَعِيدٌ أَنَّ عُمَرَ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَا: مَنْ مَاتَ مِنْ حَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ لَا دِيَةَ لَهُ، الْحَقُّ قَتْلُهُ، وَلِأَنَّهُ قَطْعٌ مُسْتَحَقٌّ مُقَدَّرٌ، فَلَا تُضْمَنُ سِرَايَتُهُ كَقَطْعِ السَّارِقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سِرَايَتِهِ إِلَى النَّفْسِ، أَوْ إِلَى مَا دُونَهَا (فَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ قِصَاصًا فَسَرَى إِلَى النَّفْسِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ) لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ، بِخِلَافِ قِسْمِ الْخَطَأِ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَسْأَلَةِ: اقْتُلْنِي، أَوِ اجْرَحْنِي، مَعَ تَحْرِيمِ الْإِذْنِ وَالْقَطْعِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا اسْتَوْفَاهُ قَهْرًا مَعَ الْخَوْفِ مِنْهَا كَحَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ كُلُولِ آلَةٍ، أَوْ مَسْمُومَةٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بَقِيَّةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 وَلَا يُقْتَصُّ مِنَ الطَّرَفِ إِلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ. فَإِنِ اقْتَصَّ قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ سِرَايَةِ جُرْحِهِ، فَإِنْ سَرَى إِلَى نَفْسِهِ كَانَ هَدَرًا، وَإِنْ سَرَى الْقِصَاصُ إِلَى نَفْسِ الْجَانِي كَانَ هَدَرًا أَيْضًا.   [المبدع في شرح المقنع] الدِّيَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ نِصْفَهَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ، أَوْ طَرَفٍ فَقَطَعَ طَرَفَهُ فَسَرَى إِلَى أَوْصَالِ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فَدَفَعَهُ دَفْعًا جَائِرًا فَقَتَلَهُ، هَلْ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ كَمَا يُجْزِئُ إِطْعَامُ مُضْطَرٍّ مِنْ كَفَّارَةٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُهُ لَهُ، وَكَذَا مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا فَصَلَّى قَضَاءً وَنَوَى كَفَاهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ (وَلَا يَقْتَصُّ مِنَ الطَّرَفِ إِلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَقَالَ: حَتَّى تَبْرَأَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَأَقَادَهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرِجْتُ، فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِي فَأَبْعَدَكَ اللَّهُ وَبَطَلَ عَرَجُكَ " ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّ الْجُرْحَ لَا يُدْرَى أَيُؤَدِّي إِلَى الْقَتْلِ أَمْ لَا؟ فَيَجِبُ أَنْ يُنْتَظَرَ لِيُعْلَمَ حُكْمُهُ، وَفِي ثَانِيَةٍ وَحَكَاهَا فِي " الشَّرْحِ " تَخْرِيجًا يَجِبُ قَبْلَ الْبُرْءِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّهُ إِذَا سَرَى إِلَى النَّفْسِ يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ لَا يَسْقُطُ بِالسِّرَايَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ فِي الْحَالِ، كَمَا لَوْ بَرِئَ، لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": لَوْ قَطَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدًا فَلَهُ أَخْذُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَبَعْدَهُ، لَا الْقَوَدُ قَبْلَهُ (فَإِنِ اقْتَصَّ قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ سِرَايَةِ جُرْحِهِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «لَيْسَ لَكَ شَيْءٌ إِنَّكَ عَجِلْتَ» رَوَاهُ سَعِيدٌ مُرْسَلًا، وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ حَقَّهُ فَبَطَلَ حَقُّهُ كَقَتْلِ مُوَرِّثِهِ (فَإِنْ سَرَى إِلَى نَفْسِهِ كَانَ هَدَرًا) أَيْ: سِرَايَةُ الْجُرْحِ إِلَى نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ هَدَرٌ، إِذَا اقْتَصَّ مِنَ الْجَانِي قَبْلَ بُرْءِ جُرْحِهِ ; لِأَنَّ حَقَّهُ بَطَلَ بِاسْتِعْجَالِهِ وَمَعَ بُطْلَانِهِ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ السِّرَايَةِ إِلَى نَفْسِهِ هَدَرًا (وَإِنْ سَرَى الْقِصَاصُ إِلَى نَفْسِ الْجَانِي كَانَ هَدَرًا أَيْضًا) قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ دَخَلَهُ الْعَفْوُ بِالْقِصَاصِ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِخَبَرٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّ سِرَايَةَ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا اقْتَصَّ بَعْدَ الِانْدِمَالِ، ثُمَّ انْتَقَضَ جُرْحُ الْجِنَايَةِ فَسَرَى إِلَى النَّفْسِ وَجَبَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْقَوَدُ بِهِ ; لِأَنَّهُ اقْتَصَّ بَعْدَ جَوَازِ الِاقْتِصَاصِ، فَإِنِ اخْتَارَ الدِّيَةَ فَلَهُ دِيَةٌ إِلَّا دِيَةَ الطَّرَفِ الْمَأْخُوذِ فِي الْقِصَاصِ، فَإِنْ كَانَ دِيَةُ الطَّرَفِ كَدِيَةِ النَّفْسِ فَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْجَانِي ذِمِّيًّا، فَقَطَعَ أَنْفَ مُسْلِمٍ، فَاقْتَصَّ مِنْهُ بَعْدَ الْبُرْءِ، ثُمَّ سَرَى إِلَى نَفْسِ الْمُسْلِمِ، فَلِوَلِيِّهِ قَتْلُ الذِّمِّيِّ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى نِصْفِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ فَيَبْقَى لَهُ النِّصْفُ، وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بَدَلَ أَنْفِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 كِتَابُ الدِّيَاتِ. كُل ُّ مَنْ أَتْلَفَ إِنْسَانًا، أَوْ جُزْءًا مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ، أَوْ سَبَبٍ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ. فَإِنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الدِّيَاتِ] [مَنْ أَتْلَفَ إِنْسَانًا أَوْ جُزْءًا مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ] الدِّيَاتُ وَاحِدَتُهَا دِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ وَأَصْلُهَا وَدِيَ، وَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ كَالْعِدَةِ مِنَ الْوَعْدِ، وَالزِّنَةِ مِنَ الْوَزْنِ، يُقَالُ: وَدَيْتُ الْقَتِيلَ أَدِيهِ دِيَةً إِذَا أَعْطَيْتُ دِيَتَهُ، وَايْتَدَيْتُ إِذَا أَخَذْتُ الدِّيَةَ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْمَالُ الْمُؤَدَّى إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَوْ أَوْلِيَائِهِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَفِي الْخَبَرِ: «فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ» . (كُلُّ مَنْ أَتْلَفَ إِنْسَانًا، أَوْ جُزْءًا مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ، أَوْ سَبَبٍ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِي الْفَرَائِضِ، وَالسُّنَنِ، وَالدِّيَاتِ: «فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ» رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ وَمَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً يُسْتَغْنَى بِشُهْرَتِهَا عَنِ الْإِسْنَادِ، أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا مُسْتَأْمَنًا، أَوْ مُهَادِنًا فَقَوْلُهُ " أَوْ جُزْءًا مِنْهُ " هَذِهِ الزِّيَادَةُ انْفَرَدَ بِهَا الْمُؤَلِّفُ عَنِ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ مَا ضُمِنَتْ جُمْلَتُهُ ضُمِنَتْ أَجْزَاؤُهُ، وَقَوْلُهُ " بِمُبَاشَرَةٍ " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 عَمْدًا مَحْضًا، فَهِيَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةٌ، وَإِنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ خَطَأً، أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَوْ أَلْقَى عَلَى إِنْسَانٍ أَفْعَى، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا فَقَتَلَتْهُ. أَوْ طَلَبَ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِهَا فَوَجَبَتْ دِيَتُهُ كَالنَّفْسِ إِذَا أُتْلِفَتْ بِهَا، وَقَوْلُهُ " أَوْ سَبَبٍ " ; لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ إِلَى تَلَفِهِ، أَشْبَهَ الْمُبَاشَرَةَ (فَإِنْ كَانَ عَمْدًا مَحْضًا، فَهِيَ فِي مَالِ الْجَانِي) بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ بَدَلَ الْمُتْلَفِ يَجِبُ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَانِي، وَلِأَنَّ الْعَامِدَ لَا عُذْرَ لَهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ، وَلَا يُوجَدُ فِيهِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْمُوَاسَاةِ فِي الْخَطَأِ (حَالَّةً) لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ كَانَ حَالًّا كَأَرْشِ أَطْرَافِ الْعَبْدِ وَدِيَةِ شِبْهِ الْعَامِدِ، وَدِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ الْقَاتِلُ فِيهَا مَعْذُورٌ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْصِدِ الْقَتْلَ (وَإِنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ) فَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ قَتْلٍ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَالْخَطَأِ، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ مُؤَجَّلَةً بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي عَصْرِهِمَا، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ تُخَالِفُ سَائِرَ الْمُتْلَفَاتِ ; لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ تَخْفِيفَهَا عَنْهُمْ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هِيَ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ كَالْعَمْدِ (أَوْ خَطَأً، أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِذِ الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ جِنَايَاتِ الْخَطَأِ تَكْثُرُ، وَدِيَةُ الْآدَمِيِّ كَثِيرَةٌ، فَإِيجَابُهَا عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ تُجْحِفُ بِهِ، فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِيجَابَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِلْقَاتِلِ، وَالْإِعَانَةِ لَهُ تَخْفِيفًا ; لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي فِعْلِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُلْزَمُ الْقَاتِلُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ، لَا أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الْعَاقِلَةِ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ يُعْطَى حُكْمَهُ كَالْخَطَأِ (وَلَوْ أَلْقَى عَلَى إِنْسَانٍ أَفْعَى) وَهُوَ حَيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى صَرْفِهَا كَعَصًا، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ لِوَزْنِ الْفِعْلِ وَشِبْهِهَا بِالْمُشْتَقِّ، وَهُوَ تَصَوُّرُ أَذَاهَا (أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا فَقَتَلَتْهُ) فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 إِنْسَانًا بِسَيْفٍ مُجَرَّدٍ فَهَرَبَ مِنْهُ فَوَقَعَ فِي شَيْءٍ تَلِفَ بِهِ بَصِيرًا كَانَ، أَوْ ضَرِيرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ، أَوْ وَضَعَ حَجَرًا، أَوْ صَبَّ مَاءً فِي طَرِيقٍ، أَوْ بَالَتْ فِيهَا دَابَّتُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا، أَوْ رَمَى قِشْرَ بِطِّيخٍ فِيهَا فَتَلِفَ بِهِ إِنْسَانٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. وَإِنْ حَفَرَ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ تَلِفَ بِعُدْوَانِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ تَلِفَ بِالسَّبَبِ فَوَجَبَ الضَّمَانُ كَالْمُبَاشَرَةِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا أَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ (أَوْ طَلَبَ إِنْسَانًا بِسَيْفٍ مُجَرَّدٍ فَهَرَبَ مِنْهُ فَوَقَعَ فِي شَيْءٍ تَلِفَ بِهِ بَصِيرًا كَانَ أَوْ ضَرِيرًا) عَاقِلًا كَانَ، أَوْ مَجْنُونًا، سَوَاءٌ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ، أَوِ انْخَرَقَ بِهِ سَقْفٌ، أَوْ خَرَّ فِي بِئْرٍ ; لِأَنَّهُ هَلَكَ بِسَبَبِ عُدْوَانِهِ فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ نَصَبَ لَهُ سِكِّينًا، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَعِنْدِي مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إِلْقَاءَ نَفْسِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِتَلَفِهِ ; لِأَنَّهُ كَمُبَاشِرٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ، فَلَوْ طَلَبَهُ بِشَيْءٍ يُخَوِّفُهُ كَاللَّتِّ، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَبَهُ بِسَيْفٍ مَشْهُورٍ، فَلَوْ شَهَرَ سَيْفًا فِي وَجْهِهِ، أَوْ دَلَّاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَمَاتَ مِنْ رَوْعَتِهِ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ (أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ) حَيْثُ يَحْرُمُ، فَتَلِفَ بِهِ إِنْسَانٌ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ ; لِأَنَّهُ تَلِفَ بِعُدْوَانِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَهَا فِي مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ لِتَعَدِّيهِ بِالْحَفْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إِذَا حَفَرَهَا فِي مِلْكِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُتَعَدِّيًا (أَوْ وَضَعَ حَجَرًا، أَوْ صَبَّ مَاءً فِي طَرِيقٍ) ضَمِنَهُ ; لِأَنَّهُ هَلَكَ بِسَبَبِهِ (أَوْ بَالَتْ فِيهَا دَابَّتُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا) فَزَلِقَ بِهِ حَيَوَانٌ فَمَاتَ بِهِ، فَعَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ الضَّمَانُ إِذَا كَانَ رَاكِبًا، أَوْ قَائِدًا، أَوْ سَائِقًا كَمَا لَوْ جَنَتْ بِيَدِهَا، أَوْ فَمِهَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَفِي " الشَّرْحِ ": قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِذَلِكَ وَكَمَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ أَمْسَكَ يَدَهُ حَتَّى مَاتَ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَتْ بِرِجْلِهَا وَيُفَارِقُ مَا إِذَا أَتْلَفَتْ بِيَدِهَا، أَوْ فَمِهَا ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا (أَوْ رَمَى قِشْرَ بِطِّيخٍ فِيهَا فَتَلِفَ بِهِ إِنْسَانٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ) لِأَنَّ التَّلَفَ مَنْسُوبٌ إِلَى فَاعِلِهِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَالْمُتَسَبِّبِ إِلَى الْقَتْلِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْوَجِيزِ " إِذَا قَصَدَهُ، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ وَإِلَّا فَهُوَ خَطَأٌ [حَفَرَ بِئْرًا وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ إِنْسَانٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ] (وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 بِئْرًا وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ إِنْسَانٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ، فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ. وَإِنْ غَصَبَ صَغِيرًا فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، أَوْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ مَاتَ   [المبدع في شرح المقنع] وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ إِنْسَانٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ، فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ) فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ الْأَشْهَرُ ; لِأَنَّهُ كَالدَّافِعِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ الْقَتْلَ عَادَةً لِمُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ مُكْرَهٍ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ ; لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ قُطِعَ بِسَبَبِهِ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ ; لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ضَمَانُ الْمُتَسَبِّبِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ كَقَاتِلٍ وَمُمْسِكٍ، وَإِنْ تَعَدَّى أَحَدُهُمَا اخْتَصَّ بِهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ وَضَعَ حَجَرًا، ثُمَّ حَفَرَ آخَرُ عِنْدَهُ بِئْرًا، أَوْ نَصَبَ سِكِّينًا فَعَثَرَ بِالْحَجَرِ فَسَقَطَ عَلَيْهَا فَهَلَكَ، احْتَمَلَ أَنْ يَضْمَنَ الْحَافِرُ وَنَاصِبُ السِّكِّينِ ; لِأَنَّ فِعْلَهُمَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ فِعْلِهِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَعْمَقَ بِئْرًا قَصِيرًا ضَمِنَ هُوَ وَحَافِرُ مَا تَلِفَ بِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَعَا مَنْ يَحْفِرُ لَهُ بِدَارِهِ بِئْرًا، أَوْ مَعْدِنًا فَمَاتَ بِهَدْمٍ لَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ، فَهَدَرٌ، نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَإِنْ حَفَرَ بِبَيْتِهِ بِئْرًا، أَوْ سَتَرَهُ لِيَقَعَ فِيهَا أَحَدٌ فَمَنْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ، فَالْقَوَدُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِلَّا فَلَا كَمَكْشُوفَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ إِذْنِهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَلَوْ وَضَعَ فِيهَا آخَرُ سِكِّينًا فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ عَلَيْهَا فَمَاتَ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ السَّامِرِيُّ: الضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِمَا فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى جَمِيعِ الْمُتَسَبِّبِينَ [غَصَبَ صَغِيرًا فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ] (وَإِنْ غَصَبَ صَغِيرًا فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، أَوْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ نَارٌ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ فِي رَعْدٍ شَدِيدٍ (فَفِيهِ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ تَلِفَ فِي يَدِهِ الْعَادِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَضْمَنُ إِذَا لَمْ تُعْرَفِ الْأَرْضُ بِذَلِكَ (وَإِنْ مَاتَ بِمَرَضٍ) أَوْ فُجَاءَةً (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَفِي " الْفُرُوعِ " رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَضْمَنُ، نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ كَالْعَبْدِ الصَّغِيرِ. وَالثَّانِي: لَا، وَنَقَلَهُ أَبُو الصَّقْرِ لِأَنَّهُ حُرٌّ، لَا تَثْبُتُ الْيَدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 بِمَرَضٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنِ اصْطَدَمَ نَفْسَانِ فَمَاتَا، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَا رَاكِبَيْنِ فَمَاتَتِ الدَّابَّتَانِ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ دَابَّةِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسِيرُ، وَالْآخَرُ وَاقِفًا فَعَلَى السَّائِرِ ضَمَانُ الْوَاقِفِ وَدَابَّتِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ قَاعِدًا، أَوْ وَاقِفًا، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ فِي الْغَضَبِ، أَشْبَهَ الْكَبِيرَ، وَإِنْ قَرَّبَهُ مِنْ هَدَفٍ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ ضَمِنَهُ الْمُقَرِّبُ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَةٍ فَأَتْلَفَ مَالًا، أَوْ نَفْسًا، فَهُوَ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ مِنْ مُرْسِلِهِ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا قَيَّدَ حُرًّا مُكَلَّفًا وَغَلَّهُ، فَتَلِفَ بِصَاعِقَةٍ، أَوْ حَيَّةٍ وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ أَحَدٌ ضَمِنَهُ مُرْسِلُهُ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ تَعَذَّرَ تَضْمِينُ الْجَانِي. [إِنِ اصْطَدَمَ نَفْسَانِ فَمَاتَا] (وَإِنِ اصْطَدَمَ نَفْسَانِ) رَاجِلَانِ وَرَاكِبَانِ، أَوْ مَاشٍ وَرَاكِبٌ، قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ ": بَصِيرَانِ، أَوْ ضَرِيرَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا (فَمَاتَا، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ مِنْ صَدْمَةِ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ قَتْلُ خَطَأٍ، فَكَانَتْ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ، وَقِيلَ: بَلْ نِصْفُهَا، وَجَزَمَ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " إِنْ غَلَبَتِ الدَّابَّةُ رَاكِبَهَا بِلَا تَفْرِيطٍ، فَلَا ضَمَانَ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ فِي تَرِكَتِهِ، وَقِيلَ: بَلْ كَفَّارَتَانِ فِي الْخَطَأِ وَشَبَّهَهُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ، وَخَرَجَ أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ قَتِيلٍ نِصْفَ الدِّيَةِ لِوَرَثَتِهِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ النِّصْفُ لَهُمْ، وَفِي " الْكَافِي "، وَ " الْفُرُوعِ " إِنْ تَصَادَمَا عَمْدًا، وَذَلِكَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا فَهَدَرٌ، وَإِلَّا شِبْهَ عَمْدٍ (وَإِنْ كَانَا رَاكِبَيْنِ فَمَاتَتِ الدَّابَّتَانِ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ دَابَّةِ الْآخَرِ) فِي تَرِكَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَلِفَ بِصَدْمَةِ الْآخَرِ، وَقِيلَ: بَلْ نِصْفُهَا (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسِيرُ، وَالْآخَرُ وَاقِفًا فَعَلَى السَّائِرِ ضَمَانُ الْوَاقِفِ) وَالْقَاعِدِ (وَدَابَّتِهِ) لِأَنَّهُمَا تَلِفَا بِصَدْمَةِ السَّائِرِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ فِي الْوُقُوفِ، وَضَمَانُ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ; لِأَنَّهُ قَتْلُ خَطَأٍ، وَضَمَانُ الْمَالِ عَلَى الْمُتْلِفِ ; لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي " النِّهَايَةِ "، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفَ، هَذَا إِذَا وَقَفَ، أَوْ قَعَدَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ، وَمَا تَلِفَ لِلسَّائِرِ فَهَدَرٌ. نَصَّ عَلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ قَاعِدًا، أَوْ وَاقِفًا، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ) لِأَنَّ السَّائِرَ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ، بَلِ الْوَاقِفُ وَالْقَاعِدُ هُوَ الْمُتَعَدِّي، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنِ الطَّرِيقُ مَمْلُوكًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 وَإِنْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا فَاصْطَدَمَا فَمَاتَا، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُمَا. وَإِنْ رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ فَقَتَلَ الْحَجَرُ إِنْسَانًا، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ دِيَتِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] مَمْلُوكًا لَهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِوُقُوفِهِ، بَلِ السَّائِرُ هُوَ الْمُتَعَدِّي بِسُلُوكِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ (وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ) مِنَ السَّائِرِ، وَمَالِهِ ; لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالْوُقُوفِ فِيهِ، أَشْبَهَ وَاضِعَ الْحَجَرِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا ضَمَانَ. فَرْعٌ: إِذَا اصْطَدَمَ عَبْدَانِ مَاشِيَانِ فَمَاتَا فَهَدَرٌ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقِيمَتُهُ فِي رَقَبَةِ الْآخَرِ كَسَائِرِ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ كَانَا حُرًّا وَعَبْدًا، وَمَاتَا، ضُمِنَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي تَرِكَةِ الْحُرِّ وَوَجَبَتْ دِيَةُ الْحُرِّ كَامِلَةً فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ، وَلَوْ تَجَاذَبَ حُرَّانِ حَبْلًا، وَنَحْوَهُ، فَانْقَطَعَ وَسَقَطَا، وَمَاتَا فَكَمُتَصَادِمَيْنِ مُطْلَقًا، لَكِنَّ نِصْفَ دِيَةِ الْمُنْكَبِّ مُغَلَّظَةٌ، وَالْمُسْتَلْقِي مُخَفَّفَةٌ (وَإِنْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ) وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: صَغِيرَيْنِ (لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا) أَيْ: لَيْسَ وَلِيَّهُمَا (فَاصْطَدَمَا فَمَاتَا، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُمَا) لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِرُكُوبِهِمَا وَتَصَادُمِهِمَا إِثْرَ رُكُوبِهِمَا، وَفِعْلُهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَوَجَبَ إِضَافَةُ الْقَتْلِ إِلَى مَنْ أَرْكَبَهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ، وَكَذَا قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " عَلَيْهِ مَا تَلِفَ بِصَدْمَتِهِمَا إِنْ كَانَ مَالًا وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمَا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ; لِأَنَّهُ إِرْكَابٌ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُتَعَدِّي، وَقَيَّدَهُ فِي " الْفُرُوعِ " بِمَا إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَثْبُتَانِ بِأَنْفُسِهِمَا، وَفِي " التَّرْغِيبِ " إِنْ صَلَحَا لِلرُّكُوبِ وَأَرْكَبَهُمَا مَا يَصْلُحُ لِرُكُوبِ مِثْلِهِمَا، وَإِلَّا ضَمِنَ، وَإِنْ رَكِبَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا فَكَبَالِغَيْنِ مُخْطِئَيْنِ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَكَذَا الْمَجْنُونُ، وَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ ضَمِنَهُمَا مَنْ أَرْكَبَهُمَا. فَرْعٌ: يَضْمَنُ كَبِيرٌ صَدَمَ صَغِيرًا، وَإِنْ مَاتَ الْكَبِيرُ ضَمِنَهُ الَّذِي أَرْكَبَ الصَّغِيرَ، نَقَلَ حَرْبٌ: إِنْ حَمَلَ رَجُلٌ صَبِيًّا عَلَى دَابَّةٍ فَسَقَطَ ضَمِنَ إِلَّا أَنْ يَأْمُرَ أَهْلَهُ بِحَمْلِهِ [رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ فَقَتَلَ الْحَجَرُ أَحَدَهُمْ] (وَإِنْ رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ فَقَتَلَ الْحَجَرُ إِنْسَانًا) رَابِعًا (فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ دِيَتِهِ) إِنْ لَمْ يَقْصِدُوهُ، كَذَا ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ الثُّلُثَ فَمَا زَادَ، وَلَا قَوَدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 وَإِنْ قُتِلَ أَحَدُهُمْ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ. وَالثَّانِي: عَلَيْهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ. وَالثَّالِثُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِوَرَثَتِهِ، وَثُلُثَاهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَالدِّيَةُ حَالَّةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ،   [المبدع في شرح المقنع] لِعَدَمِ إِمْكَانِ الْقَصْدِ غَالِبًا، وَفِي " الْفُصُولِ " احْتِمَالٌ: كَرَمْيَةٍ عَنْ قَوْسٍ وَمِقْلَاعٍ وَحَجَرٍ عَنْ يَدٍ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ، فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَهُوَ قَتْلٌ خَطَأٌ (وَإِنْ قُتِلَ أَحَدُهُمْ) فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ شَارَكَ فِي قَتْلِ غَيْرِهِ (فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يُلْغِي فِعْلَ نَفْسِهِ) قِيَاسًا عَلَى الْمُتَصَادِمَيْنِ (وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ) كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَتِهِمْ وَجِرَاحَةِ نَفْسِهِ، وَكَمَا لَوْ شَارَكَ فِي قَتْلِ بَهِيمَةٍ، وَلِأَنَّهُ شَارَكَ فِي الْقَتْلِ، فَلَمْ تَكْمُلِ الدِّيَةُ عَلَى شَرِكَتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلُوا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِهِمُ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَصَحُّ فِي النَّظَرِ، قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَارِضَةِ، والقارصة وَالْوَاقِصَةِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّ ثَلَاثَ جَوَارٍ اجْتَمَعْنَ، فَرَكِبَتْ إِحْدَاهُنَّ عَلَى عُنُقِ الْأُخْرَى، وَقَرَصَتِ الثَّالِثَةُ الْمَرْكُوبَةَ، فَقَمَصَتْ، فَسَقَطَتِ الرَّاكِبَةُ فَوُقِصَتْ عُنُقُهَا فَمَاتَتْ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَضَى بِالدِّيَةِ أَثْلَاثًا عَلَى عَوَاقِلِهِنَّ وَأَلْغَى الثُّلُثَ الَّذِي قَابَلَ فِعْلَ الْوَاقِصَةِ ; لِأَنَّهَا أَعَانَتْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهَا وَهَذِهِ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَتِنَا (وَالثَّانِي: عَلَيْهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ) قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " كَالْمُتَصَادِمَيْنِ (وَالثَّالِثُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِوَرَثَتِهِ وَثُلُثَاهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِينَ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَارَكَ فِي قَتْلِ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ مُؤْمِنَةٍ خَطَأً، فَلَزِمَهُ دِيَتُهَا كَالْأَجَانِبِ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ أَهْلِهِ خَطَأً يَتَحَمَّلُ عَقْلَهَا الْعَاقِلَةُ (وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَالدِّيَةُ حَالَّةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ) أَيْ: إِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً فَقَتَلُوا أَحَدَهُمْ، أَوْ غَيْرَهُمْ، فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ كَالْخَمْسَةِ فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ مَا دُونَ الثُّلُثِ ; لِأَنَّ الْمَقْتُولَ يُلْغِي فِعْلَ نَفْسِهِ، وَيَكُونُ هَدَرًا ; لِأَنَّهُ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 وَإِذَا جَنَى إِنْسَانٌ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ طَرَفِهِ خَطَأً، فَلَا دِيَةَ لَهُ، وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ وَدِيَةُ طَرَفِهِ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ نَزَلَ رَجُلٌ بِئْرًا فَخَرَّ عَلَيْهِ آخَرُ فَمَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] يَجِبُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ شَيْءٌ، وَيَكُونُ بَاقِي الدِّيَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ حَالَّةً ; لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الدِّيَاتِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَهَذَا دُونَ الثُّلُثِ، وَلَكِنَّ هَذَا عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ ظَاهِرٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا ; لِأَنَّ الرَّمْيَ لَوْ كَانَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَجُعِلَ فِعْلُ الْمَقْتُولِ هَدَرًا، بَقِيَتِ الدِّيَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ أَثْلَاثًا، وَعَنْهُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ لِاتِّحَادِ فِعْلِهِمْ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ حَمْلَ الْعَاقِلَةِ إِنَّمَا شُرِعَ لِلتَّخْفِيفِ عَلى الْجَانِي فِيمَا يَشُقُّ وَيَكْثُرُ، وَمَا دُونَ الثُّلُثِ يَسِيرٌ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ فِعْلِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا مُوجِبُ الْجَمِيعِ وَاحِدٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَحَهُ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا فَمَاتَتِ النَّفْسُ بِجَمِيعِهَا، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالضَّمَانُ يَتَعَلَّقُ بِمَنْ مَدَّ الْحَبْلَ وَرَمَى الْحَجَرَ دُونَ مَنْ وَضَعَهُ فِي الْكِفَّةِ اعْتِبَارًا بِالْمُبَاشِرِ كَمَنْ وَضَعَ سَهْمًا فِي قَوْسٍ، أَوْ قَرَّبَهُ وَرَمَى بِهِ صَاحِبَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَتَوَجَّهُ رِوَايَتَا مُمْسِكٍ. 1 - (وَإِذَا جَنَى إِنْسَانٌ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ طَرَفِهِ خَطَأً، فَلَا دِيَةَ لَهُ) بَلْ هُوَ هَدَرٌ كَالْعَمْدِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، قَالَ السَّامِرِيُّ: وَهُوَ الْأَقْيَسُ لِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ حِينَ رَجَعَ سَيْفُهُ عَلَيْهِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَمَاتَ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَبَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَنُقِلَ ظَاهِرًا (وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ وَدِيَةُ طَرَفِهِ لِنَفْسِهِ) اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَذَكَرَ أَنَّهَا أَظْهَرُ عَنْهُ لِقَوْلِ عُمَرَ، وَلَمْ يُعْرَفْ له مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِ، وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ خَطَأٌ، فَكَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَ غَيْرَهُ، فَعَلَيْهَا إِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ قَتْلًا نَظَرْتَ، فَإِنْ كَانَتِ الْعَاقِلَةُ غَيْرَ الْوَرَثَةِ وَجَبَتْ دِيَةُ النَّفْسِ عَلَيْهِمْ لِوَرَثَةِ الْجَانِي وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْوَرَثَةَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ شَيْءٌ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِ النَّفْسِ وَوَجَبَتْ دِيَةُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِلْجَانِي، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ وَارِثًا سَقَطَ عَنِ الْوَرَثَةِ مَا يُقَابِلُ مِيرَاثَهُ، وَلَا يُحَمِّلُهُ دُونَ الثُّلُثِ فِي الْأَصَحِّ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَنَقَلَ حَرْبٌ: مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ لَا يُودَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ وَيُفَارِقُ مَا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ لَأَجْحَفَ بِهِ وُجُوبُ الدِّيَةِ لِكَثْرَتِهَا. فَرْعٌ: إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ شِبْهَ عَمْدٍ فَوَجْهَانِ [نَزَلَ رَجُلٌ بِئْرًا فَخَرَّ عَلَيْهِ آخَرُ فَمَاتَ] (وَإِنْ نَزَلَ رَجُلٌ بِئْرًا فَخَرَّ عَلَيْهِ آخَرُ فَمَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ سَقْطَتِهِ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ) أَيْ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَاتَ مِنْ سَقْطَتِهِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 سَقْطَتِهِ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ، وَإِنْ سَقَطَ ثَالِثٌ فَمَاتَ الثَّانِي بِهِ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ، وَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ سَقْطَتِهِمَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَذَبَ الثَّانِي وَجَذَبَ الثَّانِي الثَّالِثَ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّالِثِ، وَدِيَتُهُ عَلَى الثَّانِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ   [المبدع في شرح المقنع] فَيَكُونُ هُوَ قَاتِلُهُ، فَوَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْقَتْلِ خَطَأً، وَإِنْ كَانَ رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَيْهِ عَمْدًا، وَهُوَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِلَّا فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ (وَإِنْ سَقَطَ ثَالِثٌ فَمَاتَ الثَّانِي بِهِ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ) لِأَنَّهُ تَلِفَ مِنْ سَقْطَتِهِ، فَإِنْ مَاتَ الثَّانِي بِوُقُوعِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَدَمُ الثَّانِي هَدَرٌ ; لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ، وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَقُودُ أَعْمَى فَوَقَعَا فِي بِئْرٍ، وَقَعَ الْأَعْمَى فَوْقَ الْبَصِيرِ، فَقَتَلَهُ، فَقَضَى عُمَرُ بِعَقْلِ الْبَصِيرِ عَلَى الْأَعْمَى، فَكَانَ الْأَعْمَى يُنْشِدُ فِي الْمَوْسِمِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ رَأَيْتُ مُنْكَرًا ... هَلْ يَعْقِلُ الْأَعْمَى الصَّحِيحَ الْمُبْصِرَا خَرَّا مَعًا كِلَاهُمَا تَكَسَّرَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَهُ الزُّبَيْرُ، وَشُرَيْحٌ، وَالنَّخَعِيُّ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَوْ قَالَ قَائِلٌ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى ضَمَانُ الْبَصِيرِ ; لِأَنَّهُ الَّذِي قَادَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَا فِيهِ، وَكَانَ سَبَبَ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ قَصْدًا لَمْ يَضْمَنْهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْأَعْمَى إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُجْمِعًا عَلَيْهِ (وَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ سَقْطَتِهِمَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا) لِأَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِمَا عَلَيْهِ، وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ ; لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِالْوُقُوعِ عَلَيْهِ، فَانْفَرَدَ بِدِيَتِهِ (وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَذَبَ الثَّانِي وَجَذَبَ الثَّانِي الثَّالِثَ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّالِثِ) لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ (وَدِيَتُهُ عَلَى الثَّانِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ هُوَ جَذَبَهُ وَبَاشَرَهُ بِذَلِكَ، وَالْمُبَاشَرَةُ تَقْطَعُ حُكْمَ الْمُتَسَبِّبِ كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ (وَفِي) الْوَجْهِ (الثَّانِي: عَلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ جَذَبَ الثَّانِيَ الْجَاذِبَ لِلثَّالِثِ، فَصَارَ مُشَارِكًا لِلثَّانِي فِي إِتْلَافِهِ، وَقِيلَ: بَلْ عَلَيْهِمَا ثُلُثَاهَا وَبَقِيَّتُهَا تُقَابِلُ جَذْبَتَهُ فَتَسْقُطُ، أَوْ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقِيلَ: دَمُهُ كُلُّهُ هَدَرٌ. اخْتَارَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " (وَدِيَةُ الثَّانِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 هَلَكَ مِنْ وَقْعَةِ الثَّالِثِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُهُ عَلَى الثَّانِي، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي، وَفِي نِصْفِهَا الْآخَرِ وَجْهَانِ، وَإِنْ خَرَّ رَجُلٌ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ فَجَذَبَ آخَرَ، وَجَذَبَ الثَّانِي ثَالِثًا، وَجَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا، فَقَتَلَهُمُ الْأَسَدُ، فَالْقِيَاسُ: أَنَّ دَمَ الْأَوَّلِ هَدَرٌ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الثَّانِي، وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ، وَعَلَى   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ هَلَكَ بِجَذْبَتِهِ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثِ لِمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُ، وَقِيلَ: بَلْ عَلَيْهِمَا ثُلُثَاهَا، وَالْبَاقِي يُقَابِلُ نَفْسَهُ، وَفِيهِ الْوَجْهَانِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَعِنْدِي لَا شَيْءَ مِنْهَا عَلَى الْأَوَّلِ، بَلْ عَلَى الثَّالِثِ كُلُّهَا، أَوْ نِصْفُهَا، وَالْبَاقِي يُقَابِلُ فِعْلَ نَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَيُهْدَرُ نِصْفُهَا فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِ نَفْسِهِ، وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ، وَهُوَ وُجُوبُ نِصْفِ دِيَتِهِ علَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ، كَمَا إِذَا رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ فَقَتَلَ الْحَجَرُ أَحَدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ جَذَبَ رَابِعًا فَدِيَتُهُ عَلَى الثَّالِثِ فَقَطْ، وَقِيلَ: عَلَى الثَّلَاثَةِ. فَرْعٌ: إِذَا لَمْ يَسْقُطْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، بَلْ مَاتُوا بِسُقُوطِهِمْ، وَفِي " الْمُغْنِي ": أَوْ وَقَعَ وَشُكَّ فِي تَأْثِيرِهِ، أَوْ قَتَلَهُمْ فِي الْحُفْرَةِ أَسَدٌ، وَلَمْ يَتَجَاذَبُوا فَدِمَاؤُهُمْ مُهْدَرَةٌ (وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هَلَكَ مِنْ وَقْعَةِ الثَّالِثِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُهُ عَلَى الثَّانِي) لِأَنَّ هَلَاكَهُ حَصَلَ بِجَذْبِهِ، وَجَذْبُ الثَّانِي وَفِعْلُهُ مُلْغًى كَالْمُتَصَادِمَيْنِ، فَتَعَيَّنَ إِضَافَةُ التَّلَفِ إِلَى الثَّانِي (وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي) لِأَنَّ الْهَلَاكَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ (وَفِي نِصْفِهَا الْآخَرِ وَجْهَانِ) لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ عَلَى جِنَايَةِ نَفْسِهِ، وَفِي جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ الرِّوَايَتَانِ (وَإِنْ خَرَّ رَجُلٌ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ فَجَذَبَ آخَرَ وَجَذَبَ الثَّانِي ثَالِثًا وَجَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا، فَقَتَلَهُمُ الْأَسَدُ، فَالْقِيَاسُ أَنَّ دَمَ الْأَوَّلِ هَدَرٌ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 عَاقِلَةِ الثَّالِثَةِ دِيَةُ الرَّابِعِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ دِيَةَ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ، وَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ، وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهَا، وَلِلثَّالِثِ بِنِصْفِهَا، وَلِلرَّابِعِ بِكَمَالِهَا عَلَى مَنْ حَضَرَهُمْ، ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَ قَضَاءَهُ فَذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ تَوْقِيفًا. وَمَنِ اضْطُرَّ   [المبدع في شرح المقنع] وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِأَحَدٍ فِي إِلْقَائِهِ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الثَّانِي) لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي قَتْلِهِ (وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابِعِ) كَذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّابِعِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا (وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ دِيَةَ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ جَذْبَ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي سَبَبٌ فِي جَذْبِ الثَّالِثِ كَمَا لَوْ قَتَلَاهُ خَطَأً (وَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا) لِأَنَّ جَذْبَ الثَّلَاثَةِ سَبَبُ إِتْلَافِهِ، وَكَذَا لَوْ تَدَافَعَ وَتَزَاحَمَ عِنْدَ الْحُفْرَةِ جَمَاعَةٌ فَسَقَطَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ مُتَجَاذِبِينَ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: مَسْأَلَةُ الزُّبْيَةِ (وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهَا وَلِلثَّالِثِ بِنِصْفِهَا وَلِلرَّابِعِ بِكَمَالِهَا عَلَى مَنْ حَضَرَهُمْ) رَوَى حَنَشٌ الصَّنْعَانِيُّ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ حَفَرُوا زُبْيَةً لِلْأَسَدِ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى رَأْسِهَا فَهَوَى فِيهَا وَاحِدٌ فَجَذَبَ ثَانِيًا وَجَذَبَ الثَّانِي ثَالِثًا وَجَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا، فَقَتَلَهُمُ الْأَسَدُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى فِيهَا بِمَا ذُكِرَ، وَقَالَ: فَإِنِّي أَجْعَلُ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ حَضَرَ رَأْسَ الْبِئْرِ (ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَ قَضَاءَهُ) رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَنَشٍ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا (فَذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ تَوْقِيفًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى قَبَائِلِ الَّذِينَ ازْدَحَمُوا، أَيْ: عَوَاقِلِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الثُّلُثِ، وَالنِّصْفِ، وَأَمَّا الرُّبُعُ فَلَا يَتَوَجَّهُ حَمْلُ الْعَاقِلَةِ لَهَا، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ النَّقْلِ، وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالْقِيَاسُ مَا قُلْنَاهُ، فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ إِلَى مَا لَا يُدْرَى ثُبُوتُهُ، وَلَا مَعْنَاهُ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 إِلَى طَعَامِ إِنْسَانٍ، أَوْ شَرَابِهِ، وَلَيْسَ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ فَمَنَعَهُ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ عَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ كُلُّ مَنْ أَمْكَنَهُ إِنْجَاءُ إِنْسَانٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ، فَلَمْ   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: نَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّ سِتَّةً تَعَاطَوْا فِي الْفَوَاتِ فَمَاتَ وَاحِدٌ، فَرُفِعَ إِلَى عَلِيٍّ فَشَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، فَقَضَى بِخُمُسِ الدِّيَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ عَلَى الِاثْنَيْنِ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنْ نَامَ عَلَى سَطْحِهِ فَهَوَى سَقْفُهُ مِنْ تَحْتِهِ عَلَى قَوْمٍ، لَزِمَهُ الْمُكْثُ، كَمَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ فِيمَنْ أُلْقِيَ فِي مَرْكَبِهِ نَارٌ، وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ ; لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ لَمْ يَتَسَبَّبْ، وَإِنْ تَلِفَ شَيْءٌ بِدَوَامِ مُكْثِهِ، أَوْ بِانْتِقَالِهِ - ضَمِنَهُ، وَاخْتَارَ فِي التَّائِبِ الْعَاجِزِ عَنْ مُفَارَقَةِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَالِ، أَوِ الْعَاجِزِ عَنْ إِزَالَةِ أَثَرِهَا كَمُتَوَسِّطِ الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ وَمُتَوَسِّطِ الْجَرْحَى تَصِحُّ تَوْبَتُهُ مَعَ الْعَزْمِ وَالنَّدَمِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا بِخُرُوجِهِ مِنَ الْغَصْبِ. [مَنْ أَمْكَنَهُ إِنْجَاءُ إِنْسَانٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ] (وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى طَعَامِ إِنْسَانٍ، أَوْ شَرَابِهِ، وَلَيْسَ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ فَمَنَعَهُ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى أَهْلَ أَبْيَاتٍ فَاسْتَسْقَاهُمْ، فَلَمْ يَسْقُوهُ حَتَّى مَاتَ فَأَغْرَمَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الدِّيَةَ. حَكَاهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَقَالَ: أَقُولُ بِهِ، قَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُؤُوسِ مَسَائِلِهِ: وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى هَلَاكِهِ بِمَنْعِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ مَنَعَهُ طَعَامَهُ حَتَّى هَلَكَ وَكَأَخْذِهِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ عَاجِزٌ، فَيَتْلَفُ، أَوْ دَابَّتُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى مَانِعِ الطَّعَامِ ; لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الْفِعْلَ الَّذِي يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا، وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ; لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ، وَشَرْطُهُ الطَّلَبُ مِنْ مَالِكِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ إِلَى هَلَاكِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ فَطَلَبَ مِنْهُ فَمَنَعَهُ فَمَاتَ - لَمْ يَضْمَنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ طَعَامِهِ فِي هَذَا الْحَالِ، وَمِثْلُ الْأَوَّلِ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ تُرْسًا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ضَرْبًا، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " (وَخَرَجَ عَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ) وَحَكَاهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " عَنِ الْأَصْحَابِ (كُلُّ مَنْ أَمْكَنَهُ إِنْجَاءُ إِنْسَانٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ، فَلَمْ يَفْعَلْ) حَتَّى هَلَكَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِيَتُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 يَفْعَلْ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَهُ، وَمَنْ أَفْزَعَ إِنْسَانًا فَأَحْدَثَ بِغَائِطٍ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ، وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْقُدْرَةِ عَلَى سَلَامَتِهِ، وَخَلَاصِهِ مِنَ الْمَوْتِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ ضَمَانَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَدَلَّ أَنَّهُ مَعَ الطَّلَبِ وَفَرَّقَ الْمُؤَلِّفُ، فَقَالَ: (وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَهُ) لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَتَسَبَّبْ إِلَى هَلَاكِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ فَدَلَّ أَنَّ كَلَامَهُمْ عِنْدَهُ، وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ، فَإِنْ كَانَ مُرَادَهُمْ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِيمَنْ مَاتَ فَرَسُهُ فِي غَزَاةٍ: لَمْ يَلْزَمْ مَنْ مَعَهُ فَضْلُ حَمْلِهِ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يُذَكِّرُ النَّاسَ، فَإِنْ حَمَلُوهُ وَإِلَّا مَضَى مَعَهُمْ. (وَمَنْ أَفْزَعَ إِنْسَانًا) أَوْ ضَرَبَهُ (فَأَحْدَثَ بِغَائِطٍ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ) قَضَى بِذَلِكَ عُثْمَانُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ ; لِأَنَّهُ فِعْلٌ تَعَدَّى فِيهِ، اقْتَضَى خُرُوجَ الْحَدَثِ فَتَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ كَمَا لَوِ اسْتَكْرَهَ امْرَأَةً فَأَفْضَاهَا فَاسْتَطْلَقَ الْحَدَثُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى قَضِيَّةِ عُثْمَانَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَدَلَّ عَلَى التَّوْقِيفِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَحْدَثَ بِغَيْرِ الْغَائِطِ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْبَوْلَ كَذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِمَا، وَزَادَ الْقَاضِي: وَالرِّيحُ، وَفَرَّقَ فِي " الشَّرْحِ " بَيْنَ الرِّيحِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُمَا أَفْحَشُ مِنْهُ (وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِإِزَالَةِ مَنْفَعَةٍ، أَوْ عُضْوٍ، أَوْ آلَةِ جَمَالٍ، وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهَذَا هُوَ قِيَاسُ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَدُمْ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: إِنْ دَامَ فَثُلُثُ دِيَةٍ. فَرْعٌ: إِذَا وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً كَبِيرَةً مُطَاوِعَةً، وَلَا شُبْهَةَ، أَوِ امْرَأَتَهُ، وَمِثْلُهَا تُوطَأُ لِمِثْلِهِ فَأَفْضَاهَا بَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ، وَالْمَنِيِّ، أَوْ بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ فَهَدَرٌ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الزِّيَادَةِ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُ، أَيْ: لَهُ طَلَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، بِخِلَافِ أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 فَصْلٌ: وَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ، أَوِ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ، أَوِ الْمُعَلِّمُ صَبِيَّهُ، أَوِ السُّلْطَانُ رَعِيَّتَهُ، وَلَمْ يُسْرِفْ فَأَفْضَى إِلَى تَلَفِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى مَا قَالَهُ فِيمَا إِذَا أَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرَهَا فَأَجْهَضَتْ جَنِينَهَا، أَوْ مَاتَتْ، فَعَلَى   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ: أَدَّبَ وَلَدَهُ أَوِ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ أَوِ الْمُعَلِّمُ صَبِيَّهُ فَأَفْضَى إِلَى تَلَفِهِ] فَصْلٌ (وَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ، أَوِ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ، أَوِ الْمُعَلِّمُ صَبِيَّهُ، أَوِ السُّلْطَانُ رَعِيَّتَهُ، وَلَمْ يُسْرِفْ) أَيْ: فَوْقَ الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ (فَأَفْضَى إِلَى تَلَفِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) لِأَنَّهُ أَدَبٌ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ كَالْحَدِّ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَسْرَفَ أَوْ زَادَ عَلَى الْمَقْصُودِ، أَوْ ضَرَبَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ مِنْ صَبِيٍّ وَغَيْرِهِ - ضَمِنَ (وَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الضَّمَانِ) وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَلَا يَسْقُطُ بِإِذْنِ أَبِيهِ، وَهَلْ يَسْقُطُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: إِنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ فَقَلَعَ عَيْنَهُ فَفِي ضَمَانِهَا وَجْهَانِ (عَلَى مَا قَالَهُ) أَيِ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِيمَا إِذَا أَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرَهَا فَأَجْهَضَتْ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَجْهَضَتِ النَّاقَةُ: أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ تَمَامِهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ الْإِجْهَاضُ فِي غَيْرِ النَّاقَةِ (جَنِينَهَا، أَوْ مَاتَتْ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ) أَمَّا ضَمَانُ الْجَنِينِ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ إِلَى امْرَأَةٍ مُغَيَّبَةٍ كَانَ يُدْخَلُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا وَيْلَهَا مَا لَهَا وَلِعُمَرَ؟ ! فَبَيْنَا هِيَ فِي الطَّرِيقِ إِذْ فَزِعَتْ، فَضَرَبَهَا الطَّلْقُ، فَأَلْقَتْ وَلَدًا فَصَاحَ الصَّبِيُّ صَيْحَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ، فَاسْتَشَارَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ، فَأَشَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، إِنَّمَا أَنْتَ وَالٍ وَمُؤَدِّبٌ، وَصَمَتَ عَلِيٌّ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانُوا قَالُوا بِرَأْيِهِمْ، فَقَدْ أَخْطَأَ رَأْيُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَالُوا فِي هَوَاكَ، فَلَمْ يَنْصَحُوا لَكَ، إِنَّ دِيَتَهُ عَلَيْكَ ; لِأَنَّكَ أَفْزَعْتَهَا فَأَلْقَتْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ أَلَّا تَبْرَحَ حَتَّى تُقَسِّمَهَا عَلَى قَوْمِكَ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِأَنَّهَا نَفْسٌ هَلَكَتْ بِإِرْسَالِ السُّلْطَانِ إِلَيْهَا فَضَمِنَهَا كَجَنِينِهَا، أَوْ نَفْسٌ هَلَكَتْ بِسَبَبِهِ فَوَجَبَ أَنْ تُضْمَنَ كَمَا لَوْ ضَرَبَهَا فَمَاتَتْ، وَقِيلَ: هَدَرٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبِ عَادَةٍ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ سَبَبٌ عَادِيٌّ، بِخِلَافِ الضَّرْبَةِ، وَالضَّرْبَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْهَلَاكِ فِي الْعَادَةِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَدَّبَ حَامِلًا فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا ضَمِنَ، وَكَذَا إِنْ شَرِبَتِ الْحَامِلُ دَوَاءً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ. وَإِنْ سَلَّمَ وَلَدَهُ إِلَى السَّابِحِ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ، لَمْ يَضْمَنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَضْمَنَهُ الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ أَمَرَ عَاقِلًا يَنْزِلُ بِئْرًا، أَوْ يَصْعَدُ شَجَرَةً فَهَلَكَ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهُ   [المبدع في شرح المقنع] لِمَرَضٍ فَأَسْقَطَتْهُ، فَأَمَّا إِنْ طَلَبَ السُّلْطَانُ امْرَأَةً لِكَشْفِ حَقٍّ لِلَّهِ مِنْ حَدٍّ، أَوْ تَعْزِيرٍ، أَوِ اسْتَعْدَى عَلَيْهَا رَجُلٌ بِالشُّرْطَةِ فِي دَعْوَى لَهُ فَأَسْقَطَتْ، ضَمِنَهُ السُّلْطَانُ فِي الْأُولَى، وَالْمُسْتَعْدِي فِي الثَّانِيَةِ. نَصَّ عَلَيْهِمَا كَقَطْعٍ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدٌ فِيهَا، وَإِنْ مَاتَتْ فَزَعًا فَوَجْهَانِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": إِنِ اسْتَعْدَى إِنْسَانٌ عَلَى امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا، أَوْ مَاتَتْ فَزَعًا، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَعْدِي الضَّمَانُ إِنْ كَانَ ظَالِمًا لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الظَّالِمَةُ فَأَحْضَرَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَضْمَنَهَا، وَإِنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ فَأَحْبَلَهَا، وَمَاتَتْ مِنَ الْوِلَادَةِ ضَمِنَهَا ; لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي " الْفُنُونِ ": إِنْ شَمَّتْ حَامِلٌ رِيحَ طَبِيخٍ فَاضْطَرَبَ جَنِينُهَا فَمَاتَتْ، أَوْ مَاتَ، فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ وَشَافِعِيَّانِ: إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهَا، فَلَا إِثْمَ، وَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ عَلِمُوا، وَكَانَ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً الرَّائِحَةُ تَقْتُلُ - احْتُمِلَ الضَّمَانُ، أَوِ الْإِضْرَارُ، وَاحْتُمِلَ: لَا لِعَدَمِ تَضَرُّرِ بَعْضِ النِّسَاءِ، وَكَرِيحِ الدُّخَانِ يَتَضَرَّرُ بِهَا صَاحِبُ السُّعَالِ، وَضِيقِ نَفْسٍ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ (وَإِنْ سَلَّمَ وَلَدَهُ إِلَى السَّابِحِ) الْحَاذِقِ (لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ، لَمْ يَضْمَنْهُ) فِي الْأَصَحِّ، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ لِمَصْلَحَتِهِ، كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ بَالِغٌ عَاقِلٌ نَفْسَهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَضْمَنَهُ الْعَاقِلَةُ) قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ لِيَحْتَاطَ فِي حِفْظِهِ، فَإِذَا غَرِقَ فَقَدْ نُسِبَ إِلَى التَّفْرِيطِ فِي حِفْظِهِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لَهُ: سَبِّحْ عَبْدِي هَذَا، فَسَبَّحَهُ، ثُمَّ رَقَّاهُ، ثُمَّ عَادَ وَحْدَهُ يَسْبَحُ، فَغَرِقَ، فَهَدَرٌ، وَإِنِ اسْتُؤْجِرَ لِيُسَبِّحَهُ وَيُعَلِّمَهُ، وَمِثْلُهُ لَا يَغْرَقُ غَالِبًا، وَإِنِ اسْتُؤْجِرَ لِحِفْظِهِ ضَمِنَهُ إِنْ غَفَلَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَشُدَّ مَا يُسَبِّحُهُ عَلَيْهِ شَدًّا جَيِّدًا، أَوْ جَعَلَهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ جَارٍ، أَوْ وَاقِفٍ لَا يَحْمِلُهُ، أَوْ عَمِيقٍ مَعْرُوفٍ بِالْغَرَقِ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (وَإِنْ أَمَرَ عَاقِلًا يَنْزِلُ بِئْرًا، أَوْ يَصْعَدُ شَجَرَةً فَهَلَكَ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ السُّلْطَانَ، فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى سَطْحِهِ فَرَمَتْهَا الرِّيحُ عَلَى إِنْسَانٍ فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ.   [المبدع في شرح المقنع] وَلَمْ يَأْمُرْهُ، وَكَاسْتِئْجَارِهِ قَبْضُهُ الْأُجْرَةَ أَوَّلًا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ السُّلْطَانَ، فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا ضَمَانَ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمُوهُ كَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَهُوَ مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ، وَلِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ إِذَا خَالَفَهُ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِطَاعَتِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَأْمُورُ صَغِيرًا لَا يُمَيِّزُ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ: صَاحِبُ " التَّرْغِيبِ " وَ " الرِّعَايَةِ " غَيْرَ مُكَلَّفٍ ضَمِنَهُ ; لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى إِتْلَافِهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّيْخِ مَا جَرَى بِهِ عُرْفٌ وَعَادَةٌ، كَقَرَابَةٍ وَصُحْبَةٍ وَتَعْلِيمٍ، وَنَحْوِهِ، فَهَذَا مُتَّجِهٌ وَإِلَّا ضَمِنَهُ، وَقَدْ «كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مُعَاوِيَةَ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ فِي شَرْحِهِ: لَا يُقَالُ: هَذَا تَصَرُّفٌ فِي مَنْفَعَةِ الصَّبِيِّ ; لِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ لِلْحَاجَةِ، وَاطَّرَدَ بِهِ الْعُرْفُ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى سَطْحِهِ) أَوْ حَائِطٍ، وَعِبَارَةُ " الْفُرُوعِ ": وَإِنْ وَضَعَ شَيْئًا عَلَى عُلُوٍّ فَهِيَ أَجْوَدُ، وَفِيهِ شَيْءٌ (فَرَمَتْهَا الرِّيحُ عَلَى إِنْسَانٍ فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَوَضْعُهُ لِذَلِكَ كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ إِذَا وَضَعَهَا مُتَطَرِّفَةً، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى إِلْقَائِهَا وَتَعَدَّى بِوَضْعِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَنَى حَائِطًا مَائِلًا، وَلَوْ تَدَحْرَجَ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْ، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهَانِ، وَأَنَّهُمَا فِي بَهِيمَةٍ حَالَتْ بَيْنَ مُضْطَرٍّ وَطَعَامِهِ لَا تَنْدَفِعُ إِلَّا بِقَتْلِهَا مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ. 1 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ نَزَلَ بِئْرًا فِي مَحَلٍّ عُدْوَانًا، أَوْ سَقَطَ فِيهِ فَسَقَطَ فَوْقَهُ آخَرُ فَمَاتَا ضَمِنَهُمَا عَاقِلَةُ الْحَافِرِ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ، وَقِيلَ: عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي نِصْفُ دِيَةِ الْأَوَّلِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 بَابُ مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ. دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ مِائَتَا بَقَرَةٍ، أَوْ أَلْفَا شَاةٍ، أَوْ أَلْفُ مِثْقَالٍ، أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَهَذِهِ الْخَمْسُ أُصُولٌ فِي الدِّيَةِ إِذَا أَحْضَرَ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ شَيْئًا مِنْهَا لَزِمَ قَبُولُهُ، وَفِي الْحُلَلِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: لَيْسَتْ أَصْلًا فِي الدِّيَةِ. وَفِي   [المبدع في شرح المقنع] [بَابٌ: مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ] [أُصُولُ الدِّيَةِ] ِ الْمَقَادِيرُ: وَاحِدُهَا مِقْدَارٌ، وَهُوَ مَبْلَغُ الشَّيْءِ، وَقَدْرُهُ (دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ مِائَتَا بَقَرَةٍ، أَوْ أَلْفَا شَاةٍ، أَوْ أَلْفُ مِثْقَالٍ) ذَهَبًا (أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) قَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَن َّ أُصُولَ الدِّيَةِ الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، وَالذَّهَبُ، وَالْوَرِقُ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ ; لِمَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: «وَإِنَّ فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَلْفُ دِينَارٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ. وَعَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ مَنْ كَانَ عَقْلُهُ فِي الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَمَنْ كَانَ عَقْلُهُ فِي الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ (فَهَذِهِ الْخَمْسُ أُصُولٌ فِي الدِّيَةِ إِذَا أَحْضَرَ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ شَيْئًا مِنْهَا لَزِمَ قَبُولُهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ النَّوْعِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ; لِأَنَّهَا أُصُولٌ فِي قَضَاءِ الْوَاجِبِ يُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْهَا، فَكَانَتِ الْخِيَرَةُ إِلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ (وَفِي الْحُلَلِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: لَيْسَتْ أَصْلًا فِي الدِّيَةِ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 الْأُخْرَى: أَنَّهَا أَصْلٌ، وَقَدْرُهَا مِائَتَا حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ الْيَمَنِ، كُلُّ حُلَّةٍ بُرْدَانِ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ خَاصَّةً، وَهَذِهِ أَبْدَالٌ عَنْهَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْإِبِلِ وَإِلَّا انْتَقَلَ إِلَيْهَا فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَجَبَتْ أَرْبَاعًا: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةٌ، وَخَمْسُ وَعِشْرُونَ جَذَعَةٌ.   [المبدع في شرح المقنع] لِلْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ، وَلَا تَنْضَبِطُ (وَفِي الْأُخْرَى أَنَّهَا أَصْلٌ) نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَصَحَّحَهَا السَّامِرِيُّ لِحَدِيثِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ: «أَهْلُ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، فَعَلَى هَذِهِ تَكُونُ الْأُصُولُ سِتَّةً (وَقَدْرُهَا مِائَتَا حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ الْيَمَنِ) لِأَنَّهَا تُنْسَبُ إِلَيْهِ (كُلُّ حُلَّةٍ بُرْدَانِ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَفِي الْمَذْهَبِ جَدِيدَانِ مِنْ جِنْسٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَلَا تُسَمَّى حُلَّةً حَتَّى تَكُونَ جَدِيدَةً تُحَلُّ عَنْ طَيِّهَا، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ جِنْسٍ (وَعَنْهُ: أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ خَاصَّةً) لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي قَتِيلِ السَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ» وَلِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ دِيَةِ الْعَمْدِ، وَالْخَطَأِ فَغَلَّظَ بَعْضَهَا وَخَفَّفَ بَعْضَهَا، وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا فِي غَيْرِ الْإِبِلِ (وَ) عَلَى (هَذِهِ) بَقِيَّةُ مَا ذُكِرَ (أَبْدَالٌ عَنْهَا) أَشْبَهَ الْمُتَيَمِّمَ إِذَا عَدِمَ الْمَاءَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ عَلَيْهِ، فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ تَسْلِيمُهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ، وَمَنْ أَرَادَ الْعُدُولَ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ ; لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَيِّنٌ فِيهَا فَاسْتُحِقَّتْ كَالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتْلَفَةِ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ، قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ زَادَ ثَمَنُهَا انْتَقَلَ إِلَى الْبَاقِي (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْإِبِلِ) لَزِمَهُ إِخْرَاجُهَا ; لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَيِّنٌ فِيهَا (وَإِلَّا انْتَقَلَ إِلَيْهَا) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْخِرَقِيُّ، وَهِيَ أَصَحُّ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ. [مَقَادِيرُ دِيَةِ الْعَمْدِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ] (فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَجَبَتْ أَرْبَاعًا: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةٌ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةٌ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِ الْحَيَوَانِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَمْلُ كَالزَّكَاةِ، وَالْأُضْحِيَةِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا ثَلَاثُونَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 وَعَنْهُ: أَنَّهَا ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، وَهَلْ يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثَنَايَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً وَجَبَتْ أَخْمَاسًا: عِشْرُونَ بِنْتُ   [المبدع في شرح المقنع] حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً) نَصَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " (فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا رُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، وَمَا صُولِحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ هُشَيْمٍ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ هُشَيْمٍ، أَنَا الْمُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهَا كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ مَنْ حَمَلَ الْعَاقِلَةِ كَخَطَأٍ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " رِوَايَةُ الْعَمْدِ أَثْلَاثًا وَشِبْهِهِ أَرْبَاعًا (وَهَلْ يُعْتَبَرُ) فِي الْخَلِفَاتِ (كَوْنُهَا ثَنَايَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " أَحَدُهُمَا لَا يُعْتَبَرُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ الْأَشْهَرُ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَطْلَقَ الْخَلِفَاتِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا فَاعْتِبَارُ السِّنِّ تَقْيِيدٌ، لَا يُصَارُ إِلَيْهِ بِدَلِيلٍ، وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " مِنْ ثَنِيَّةٍ إِلَى بَازِلِ عَامِهَا " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ سَائِرَ الْأَنْوَاعِ مُقَدَّرَةٌ بِالسِّنِّ، فَكَذَا الْخَلِفَاتُ، وَقِيلَ: إِنَّمَا يُجْزِئُ مِنْهَا مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ، وَهِيَ مَا لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَبَازِلِ عَامٍ، وَهُوَ مَا لَهُ سَبْعُ سِنِينَ، وَقَلَّمَا تَحْمِلُ الْأَثْنِيَةُ. لَاحِقَةٌ: لَوْ أَحْضَرَهَا خَلِفَةً فَأَسْقَطَتْ قَبْلَ وَضْعِهَا فَعَلَيْهَا بَدَلُهَا، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي حَمْلِهَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ تَسَلَّمَهَا الْوَلِيُّ بِقَوْلِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ تَكُنْ حَامِلًا قُبِلَ قَوْلُ الْجَانِي. [مَقَادِيرُ دِيَةِ الْخَطَأِ] (وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً وَجَبَتْ أَخْمَاسًا: عِشْرُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ ابْنُ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتُ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةٌ) لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ ابْنُ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةٌ، وَعِشْرُونَ جَذَعَةٌ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الْبَقَرِ النِّصْفُ مُسِنَّاتٍ، وَالنِّصْفُ أَتْبِعَةً، وَفِي الْغَنَمِ النِّصْفُ ثَنَايَا، وَالنِّصْفُ أَجْذِعَةً، وَلَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ سَلِيمًا مِنَ الْعُيُوبِ.   [المبدع في شرح المقنع] فِي ذَلِكَ، وَقَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا كَذَلِكَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ فِي إِسْنَادِهِ: عَنِ الْحَجَّاجِ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ ثَابِتٍ (وَيُؤْخَذُ مِنَ الْبَقَرِ النِّصْفُ مُسِنَّاتٍ، وَالنِّصْفُ أَتْبِعَةً) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعَدْلُ ; لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْكُلَّ مُسِنَّاتٍ لَكَانَ فِيهِ إِجْحَافٌ عَلَى الْجَانِي وَبِالْعَكْسِ فِيهِ تَحَامُلٌ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَفِي الْخَطَأِ يُؤْخَذُ مَعَهُمَا سِنٌّ ثَالِثٌ مِنْ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ وَسِنٌّ خَامِسٌ لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ، وَهُوَ ابْنُ مَخَاضٍ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا مِنْ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ الْمَذْكُورَةِ، كَمَا جُعِلَ ابْنُ مَخَاضٍ عِوَضَ بِنْتِ مَخَاضٍ (وَفِي الْغَنَمِ النِّصْفُ ثَنَايَا، وَالنِّصْفُ أَجْذِعَةً) لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ دِيَةَ الْإِبِلِ مِنَ الْأَسْنَانِ الْمُقَدَّرَةِ فِي الزَّكَاةِ، فَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ أَلَّا يَكُونَا مُنَاصَفَةً (وَلَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ سَلِيمًا مِنَ الْعُيُوبِ) الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْإِبِلِ، بَلْ مَتَى وُجِدَتْ عَلَى الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ وَجَبَ أَخْذُهَا، سَوَاءٌ قَلَّتْ قِيمَتُهَا، أَوْ كَثُرَتْ، نَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَقَدَّمَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَطْلَقَهَا، فَتَقْيِيدُهَا بِالْقِيمَةِ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ خَالَفَ بَيْنَ أَسْنَانِ دِيَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ تَخْفِيفًا كَدِيَةِ الْخَطَأِ عَنْ دِيَةِ الْعَمْدِ، وَاعْتِبَارُهَا بِقِيمَةٍ وَاحِدَةٍ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُمَا، وَإِزَالَةُ التَّخْفِيفِ الْمَشْرُوعِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " لَا يُجْزِئُ مَرِيضٌ، وَلَا عَجِيفٌ، وَلَا مَعِيبٌ، وَلَا دُونَ دِيَةِ الْأَثْمَانِ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهَا مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَحُلَلٍ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا) ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ ; لِأَنَّ عُمَرَ قَوَّمَ الْإِبِلَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ بِأَلْفِ مِثْقَالٍ، وَعَلَى أَهْلِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا أَنْ تَبْلُغَ دِيَةَ الْأَثْمَانِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَيُؤْخَذُ فِي الْحُلَلِ الْمُتَعَارَفِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِيهَا جُعِلَتْ قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ سِتِّينَ دِرْهَمًا. فَصْلٌ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَتُسَاوِي جِرَاحُهَا جِرَاحَهُ إِلَى ثُلُثِ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَرِقِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، ثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَلِأَنَّهَا أَبْدَالُ مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَوَجَبَ أَنْ تَسْتَوِيَ قِيمَتُهَا كَالْمِثْلِيِّ، وَالْقِيمِيِّ مِنَ الْمُتْلَفَاتِ (فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا أَنْ تَبْلُغَ دِيَةَ الْأَثْمَانِ) وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا اعْتُبِرَتِ الْقِيمَةُ فِي الْإِبِلِ، وَهِيَ أَصْلٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً فَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي غَيْرِهَا (وَالْأَوَّلُ أَوْلَى) لِأَنَّ تَقْوِيمَ عُمَرَ لِأَجْلِ أَخْذِ الدَّرَاهِمِ عِوَضًا عَنِ الْإِبِلِ، وَذَلِكَ لَا نِزَاعَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تُؤْخَذُ عَلَى عَهْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقِيمَتُهَا ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، ثُمَّ قَوَّمَهَا عُمَرُ لِغَلَائِهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي حَالِ رُخْصِهَا أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَتْ تُؤْخَذُ عَلَى عَهْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ مَعَ رُخْصِهَا، وَقِلَّةِ قِيمَتِهَا وَنَقْصِهَا عَنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرِ الْقِيمَةُ فِي الْإِبِلِ، فَلَا تُعْتَبَرُ فِيمَا سِوَاهَا قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ إِبِلِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ إِبِلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلَ، أَوِ الْعَاقِلَةَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إِبِلٌ فَمِنْ غَالِبِ إِبِلِ بَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِبِلٌ وَجَبَ مِنْ غَالِبِ إِبِلِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ إِبِلُهُ عِجَافًا، أَوْ مِرَاضًا كُلِّفَ تَحْصِيلَ صِحَاحٍ مِنْ جِنْسِ مَا عِنْدَهُ ; لِأَنَّهَا بَدَلٌ مُتْلَفٌ، فَلَا يُؤْخَذُ فِيهَا مَعِيبٌ كَقِيمَةِ الْمُتْلَفِ، وَالْبَقَرُة وَالْغَنَمُ كَذَلِكَ (وَيُؤْخَذُ فِي الْحُلَلِ الْمُتَعَارَفُ) لِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ، وَالْحِرْزِ (فَإِنْ تَنَازَعَا فِيهَا جُعِلَتْ قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ سِتِّينَ دِرْهَمًا) لِأَنَّ الْأَصْلَ تَسَاوِي الْأَبْدَالِ، وَلِتَبْلُغَ قِيمَةُ الْجَمِيعِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. فَرْعٌ: تُغَلَّظُ دِيَةُ طَرَفٍ كَقَتْلٍ، وَلَا تُغَلَّظُ فِي غَيْرِ إِبِلٍ. [فَصْلٌ دِيَةُ الْمَرْأَةِ] فَصْلٌ (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ) إِجْمَاعًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ،، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ فِي كِتَابِهِ: «دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 الدِّيَةِ، فَإِذَا زَادَتْ صَارَتْ عَلَى النِّصْفِ. وَدِيَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكَلِ نِصْفُ دِيَةِ   [المبدع في شرح المقنع] الرَّجُلِ» لَكِنْ حُكِيَ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَالْأَصَمِّ: أَنَّ دِيَتَهَا كَدِيَةِ الرَّجُلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ» وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ يُخَالِفُ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّهُمَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُفَسِّرًا وَمُخَصِّصًا لَهُ (وَتُسَاوِي جِرَاحُهَا جِرَاحَهُ إِلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ (فَإِذَا زَادَتْ صَارَتْ عَلَى النِّصْفِ) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ، ثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا الشَّيْبَانِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَزَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زَيْدٍ لِمَا رَوَى رَبِيعَةُ، قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: كَمْ فِي إِصْبَعِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ، قُلْتُ: فَفِي إِصْبَعَيْنِ؟ قَالَ: عِشْرُونَ، قُلْتُ: فِي ثَلَاثِ أَصَابِعَ؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ، قُلْتُ: فَفِي أَرْبَعِ أَصَابِعَ؟ قَالَ: عِشْرُونَ، قُلْتُ: لَمَّا عَظُمَتْ مُصِيبَتُهَا قَلَّ عَقْلُهَا؟ ! ، قَالَ: هَكَذَا السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي. رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ عَلِيٍّ كَالزَّائِدِ، فَلَوْ بَلَغَ جِرَاحُهَا الثُّلُثَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: وَهِيَ الْأَظْهَرُ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَقَدَّمَهَا السَّامِرِيُّ - أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ حَدَّ الْقِلَّةِ، وَلِهَذَا صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ. وَالثَّانِيَةُ: وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَصَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " - يَخْتَلِفَانِ فِيهِ لِقَوْلِهِ: حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ، وَ " حَتَّى " لِلْغَايَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا، وَالثُّلُثُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ لِقَوْلِهِ «وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا دُونَهُ، فَأَمَّا دِيَةُ نِسَاءِ سَائِرِ الْأَدْيَانِ فَتُسَاوِي دَيَاتُهُنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 ذَكَرٍ وَنِصْفُ دِيَةِ أُنْثَى، وَكَذَلِكَ أَرْشُ جِرَاحِهِ. فَصْلٌ وَدِيَةُ الْكِتَابِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَتِهِ، وَكَذَلِكَ جِرَاحُهُمْ   [المبدع في شرح المقنع] دِيَاتِ رِجَالِهِنَّ إِلَى الثُّلُثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُسَاوِيَ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ; لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ التَّنْصِيفُ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ دِيَةُ الْمُسْلِمِينَ. (وَدِيَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكَلِ نِصْفُ دِيَةِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ دِيَةِ أُنْثَى) لِأَنَّ مِيرَاثَهُ كَذَلِكَ، فَكَذَا دِيَتُهُ، لَا يُقَالُ: الْوَاجِبُ دِيَةُ أُنْثَى لِتَيَقُّنِهَا ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الذُّكُورِيَّةَ وَالْأُنُوثِيَّةَ احْتِمَالًا وَاحِدًا فَيَجِبُ التَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا، وَالْعَمَلُ بِكِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ (وَكَذَلِكَ أَرْشُ جِرَاحِهِ) لِأَنَّ الْجِرَاحَ كَالتَّابِعِ لِلْقَتْلِ، فَإِذَا كَانَ فِي الْقَتْلِ نِصْفُ دِيَةِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ دِيَةِ أُنْثَى فَلَأَنْ يَجِبُ أَرْشُ الْجِرَاحِ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، لَكِنْ إِنْ كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَيَسْتَوِي الذَّكَرُ، وَالْخُنْثَى ; لِأَنَّ أَدْنَى حَالَاتِهِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَهِيَ تُسَاوِيهِ، وَفِيمَا زَادَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ جُرْحِ ذَكَرٍ. [فَصْلٌ: دِيَةُ الْكِتَابِيِّ] فَصْلٌ (وَدِيَةُ الْكِتَابِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ وَنَصَرَهُ الْأَكْثَرُ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، قَالَ: «دِيَةُ الْكِتَابِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَتِهِ) اخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا، قَالَ: «دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافٍ» وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عُمَرَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقَدْ رَجَعَ أَحْمَدُ عَنِ الثَّانِيَةِ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَحَدِيثُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دَيَاتِهِمْ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ إِنْ كَانَ ذَا دِينٍ فَفِيهِ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] عُمَرَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ حِينَ كَانَتِ الدِّيَةُ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَوْجَبَ فِيهَا نِصْفَهَا (وَكَذَلِكَ جِرَاحُهُمْ) مِنْ دِيَاتِهِمْ كَجِرَاحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَاتِهِمْ، وَهُوَ الثُّلُثُ، أَوِ النِّصْفُ عَلَى الْخِلَافِ (وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ (وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ، وَالْوَثَنِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْأَكْثَرِ، لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَطَعَنَ فِيهِ بَعْضُهُمْ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ دِيَتُهُ كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ، لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَحَقْنِ الدَّمِ، لَا فِي كُلِّ شَيْءٍ بِدَلِيلِ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ لَا تَحِلُّ لَنَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، أَشْبَهَ الْمَجُوسِيَّ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَالذِّمِّيِّ، وَالْمُسْتَأْمِنِ، وَالْمُعَاهِدِ، وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ، وَجِرَاحُ كُلِّ أَحَدٍ مُعْتَبَرٌ مِنْ دِيَتِهِ كَالْمُسْلِمِ. فَرْعٌ: عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَسَائِرُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ، لَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَإِنَّمَا تُحْقَنُ دِمَاؤُهُمْ بِالْأَمَانِ، فَإِذَا قُتِلَ مَنْ لَهُ أَمَانٌ مِنْهُمْ فَدِيَتُهُ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ ; لِأَنَّهَا أَقَلُّ الدِّيَاتِ، فَلَا تَنْقُصُ عَنْهَا (وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا أَمَانَ، أَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ حَتَّى يُدْعَى (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ إِنْ كَانَ ذَا دِينٍ فَفِيهِ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ) لِأَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ، أَشْبَهَ مَنْ لَهُ أَمَانٌ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: كَدِيَةِ مُسْلِمٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَتْبَعُهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَإِنَّ هَذَا يَنْتَقِضُ بِصِبْيَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَجَانِينِهِمْ ; لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا عَهْدَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ فَفِيهِ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ فَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ ; لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا. 1 - مَسْأَلَةٌ: نِسَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَذُرِّيَّتُهُمْ وَرَاهِبٌ يَتْبَعُونَ أَهْلَ الدَّارِ أَوِ الْآبَاءِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 فَصْلٌ وَدِيَةُ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ قِيمَتُهُمَا بَالِغَةٌ مَا بَلَغَتْ. وَعَنْهُ: لَا يُبْلَغُ بِهَا دِيَةُ الْحُرِّ، وَفِي جِرَاحِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا مِنَ الْحُرِّ مَا نَقَصَهُ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا فِي الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ فِي الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عَشْرِ قِيمَتِهِ، نَقَّصَتْهُ الْجِنَايَةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا نَقَصَ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ: دِيَةُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ] فَصْلٌ (وَدِيَةُ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ قِيمَتُهُمَا بَالِغَةٌ مَا بَلَغَتْ) أَيْ: يُضْمَنُ الرَّقِيقُ فِي الْعَمْدِ، وَالْخَطَأِ بِقِيمَتِهِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَثُرَتْ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدٍ، وَالْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ; لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيُضْمَنُ بِكَمَالِ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَالْفَرَسِ وَيُخَالِفُ الْحُرَّ، فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِمَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ، فَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ مَالٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ، وَهَذَا ضَمَانُ مَالٍ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْمِلْكِيَّةِ وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهَا فَاخْتَلَفَا، وَحُكْمُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَذَلِكَ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ إِلَّا النَّخَعِيَّ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُؤدي بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ دِيَةَ حُرٍّ، وَمَا بَقِيَ دِيَةُ عَبْدٍ (وَعَنْهُ: لَا يَبْلُغُ بِهَا دِيَةَ الْحُرِّ) لِأَنَّ الْحُرَّ أَشْرَفُ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ - تَعَالَى - لَمَّا أَوْجَبَ فِي الْحُرِّ دِيَةً لَا تَزِيدُ، وَهُوَ أَشْرَفُ لِخُلُوِّهِ مِنْ نَقْصِ الرِّقِّ كَانَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمَنْقُوصَ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا (وَفِي جِرَاحِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا مِنَ الْحُرِّ) كَالْعُصْعُصِ وَخَرَزَةِ الصُّلْبِ (مَا نَقَّصَهُ) بَعْدَ الْبُرْءِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يَنْجَبِرُ، فَلَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ (وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا فِي الْحُرِّ) كَالْيَدِ، وَالرِّجْلِ، وَالْمُوضِحَةِ (فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنَ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ) قَدَّمَهَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْكَافِي " وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ; لِأَنَّ قِيمَتَهُ كَدِيَةِ الْحُرِّ (فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنَ الْحُرِّ نِصْفُ الدِّيَةِ (وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا مِنَ الْحُرِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ (نَقَّصَتْهُ الْجِنَايَةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ) لِأَنَّهُ سَاوَى الْحُرَّ فِي ضَمَانِ الْجِنَايَةِ بِالْقِصَاصِ وَالْكَفَّارَةِ، فَسَاوَاهُ فِي اعْتِبَارِ مَا دُونَ النَّفْسِ بِبَدَلِ النَّفْسِ كَالرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا نَقَصَ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ) قَدَّمَهَا فِي " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 نِصْفُهُ حُرٌّ فَفِيهِ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ وَهَكَذَا فِي جِرَاحِهِ، وَإِنْ قَطَعَ خُصْيَتَيْ عَبْدٍ، أَوْ أَنْفَهُ، أَوْ أُذُنَيْهِ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ لِلسَّيِّدِ وَلَمْ يُزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَإِنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّمَا يَأْخُذُ قِيمَةَ مَا نَقَصَ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ; لِأَنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ الْأَمْوَالِ فَيَجِبُ فِيهِ مَا نَقَصَ كَالْبَهَائِمِ، وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَقْيَسُ وَأَوْلَى ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْحُرِّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا، فَعَلَى الْأُولَى إِنْ بَلَغَتِ الْجِنَايَةُ ثُلُثَ قِيمَتِهَا احْتَمَلَ أَنْ تُرَدَّ إِلَى النِّصْفِ، فَيَكُونُ فِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ قِيمَتِهَا، وَفِي أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ خُمُسُهَا كَالْحُرَّةِ، فَإِذَا بَلَغَتِ الثُّلُثَ رُدَّتْ إِلَى النِّصْفِ وَاحْتَمَلَ أَلَّا تُرَدَّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْحُرَّةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِكَوْنِ الْأَصْلِ زِيَادَةَ الْأَرْشِ بِزِيَادَةِ الْجِنَايَةِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا زَادَ نَقْصُهَا وَضَرَرُهَا، زَادَ فِي ضَمَانِهَا، فَإِذَا خُولِفَ فِي الْحُرَّةِ بَقِينَا فِي الْأَمَةِ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ (وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ) فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِالرِّقِّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ رَقِيقًا، وَإِنْ كَانَ قَاتِلُهُ عَبْدًا أُقِيدَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنَ الْجَانِي، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ نَصِفَهُ حُرٌّ أَوْجَبَ الْقَوَدَ لِتَسَاوِيهِمَا، وَإِنْ كَانَتِ الْحُرِّيَّةُ فِي الْقَاتِلِ أَكْثَرَ لَمْ يَجِبِ الْقَوَدُ لِعَدَمِ التَّسَاوِي (فَفِيهِ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ) أَيْ: إِذَا قَتَلَهُ حُرٌّ عَمْدًا، ضَمِنَ نِصْفَ دِيَةِ حُرٍّ وَنِصْفَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ دِيَتِهِ ; لِأَنَّهَا دِيَةُ حُرٍّ فِي الْخَطَأِ (وَهَكَذَا فِي جِرَاحِهِ) أَيْ: إِذَا كَانَ قَدْرُ الدِّيَةِ مِنْ أَرْشِهَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، مِثْلُ أَنْ يَقْطَعَ أَنْفَهُ، أَوْ يَدَيْهِ، فَإِنْ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ فَالْجَمِيعُ عَلَى الْجَانِي ; لِأَنَّ نِصْفَ دِيَةِ الْيَدِ رُبْعُ دِيَتِهِ، فَلَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ لِنَقْصِهَا عَنِ الثُّلُثِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَإِنْ قَطَعَ خُصْيَتَيْ عَبْدٍ، أَوْ أَنْفَهُ، أَوْ أُذُنَيْهِ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ) أَيْ: قِيمَةُ الْعَبْدِ ; لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنِ الدِّيَةِ (لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّهَا بَدَلٌ، عَنِ الْأَعْضَاءِ الْمَمْلُوكَةِ لِلسَّيِّدِ (وَلَمْ يُزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يَقْتَضِي الزَّوَالَ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى مِلْكِهِ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ ; لِأَنَّ قَطْعَ يَدِ الْعَبْدِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ تَلَفِ بَعْضِ مَالِهِ (وَإِنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ، ثُمَّ خَصَاهُ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ لِقَطْعِ الذَّكَرِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحُرِّ دِيَةٌ كَامِلَةٌ (وَقِيمَتُهُ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَطْعِ الْخُصْيَتَيْنِ مِنَ الْحُرِّ بَعْدَ الذَّكَرِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 خَصَاهُ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ لِقَطْعِ الذَّكَرِ، وَقِيمَتُهُ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ. وَمِلْكُ سَيِّدِهِ بَاقٍ عَلَيْهِ. فَصْلٌ وَدِيَةُ الْجَنِينِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إِذَا سَقَطَ مَيِّتًا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] لَا يُقَالُ: الْقِيمَةُ هُنَا نَقَصَتْ ; لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَيَّدَهَا بِقَطْعِ الذَّكَرِ، بِخِلَافِ الْحُرِّ، فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ ; لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي مُقَابِلِهِ، لَكِنَّهَا تَزِيدُ وَتَنْقُصُ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ (وَمِلْكُ سَيِّدِهِ بَاقٍ عَلَيْهِ) لِمَا مَرَّ، وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَفِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، أَوْ أَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ قِيمَتَاهُ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ السَّيِّدِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: فَإِنْ أَذْهَبَ إِحْدَاهُمَا أَوَّلًا غَرِمَ قِيمَتَهُ كَامِلًا، ثُمَّ قِيمَتَهُ نَاقِصًا. فَرْعٌ: إِذَا جَرَحَ اثْنَانِ فِي وَقْتَيْنِ عَبْدًا، أَوْ حَيَوَانًا، وَلَمْ يُوجِبَاهُ، ثُمَّ سَرَى الْجُرْحَانِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا نَقَصَهُ بِجُرْحِهِ مِنْ قِيمَتِهِ وَيَتَسَاوَيَانِ فِي بَقِيَّتِهَا، قَالَ الْمَجْدُ: وَعِنْدِي يَلْزَمُ الثَّانِيَ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ، وَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ تَتِمَّةُ قِيمَتِهِ سَلَفًا. [فَصْلٌ: دِيَةُ الْجَنِينِ] فَصْلٌ (وَدِيَةُ الْجَنِينِ) وَهُوَ اسْمٌ لِلْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِجْنَانِ، وَهُوَ السِّتْرُ ; لِأَنَّهُ أَجَنَّهُ بَطْنُ أُمِّهِ، أَيْ: سَتَرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم: 32] (الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إِذَا سَقَطَ) فَلَوْ ظَهَرَ بَعْضُهُ، وَلَمْ يَخْرُجْ بَاقِيهِ فَفِيهِ الْغُرَّةُ كَمَا لَوْ سَقَطَ جَمِيعُهُ (مَيِّتًا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي إِمْلَاصِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: «شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، قَالَ: لَتَأْتِيَنِي بِمَنْ شَهِدَ مَعَكَ فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَزَادَ: «وَوَرِثَهَا وَلَدَهَا مَنْ مَعَهُمْ، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلْ، وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلْ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلْ؟ ! ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّمَا هُوَ مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ» مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ. فَإِذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَقَدْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنَ الضَّرْبَةِ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ، سَوَاءٌ أَلْقَتْهُ فِي حَيَاتِهَا، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا ; لِأَنَّهُ تَلِفَ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَقَطَ فِي حَيَاتِهَا، وَظَاهِرُهُ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً (غُرَّةُ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٌ) الْأَحْسَنُ تَنْوِينُ غُرَّةٍ، وَعَبْدٌ بَدَلٌ مِنْهُ، وَتَجُوزُ الْإِضَافَةُ عَلَى تَأْوِيلِ إِضَافَةِ الْجِنْسِ إِلَى النَّوْعِ، وَسُمِّيَا بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ، وَالْأَصْلُ فِي الْغُرَّةِ الْخِيَارُ، وَأَصْلُهَا الْبَيَاضُ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الْغُرَّةُ: عَبْدٌ أَبْيَضُ، أَوْ أَمَةٌ بَيْضَاءُ، قُلْتُ: وَلَيْسَ الْبَيَاضُ شَرْطًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إِذَا سَقَطَ مِنَ الضَّرْبَةِ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِأَنْ يَسْقُطَ عُقَيْبَ الضَّرْبَةِ، أَوْ تَبْقَى مُتَأَلِّمَةً مِنْهَا إِلَى أَنْ يَسْقُطَ، أَوْ يَكُونَ مِنْهَا كَشُرْبِ دَوَاءٍ، وَنَحْوِهِ، فَلَوْ قَتَلَ حَامِلًا، وَلَمْ يَسْقُطْ جَنِينُهَا فَلَا ; لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَلَدِ إِلَّا بِخُرُوجِهِ، فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ، وَالْغُرَّةُ هِيَ عَبْدٌ، أَوْ أَمَةٌ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ: أَوْ فَرَسٌ. فَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَهْمٌ انْفَرَدَ بِهِ عِيسَى بْنُ مُوسَى عَنِ الرُّوَاةِ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ فِي النَّقْلِ وَجَعَلَ ابْنُ سِيرِينَ مَكَانَ الْفَرَسِ مِائَةَ شَاةٍ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ فِي وَلَدِهَا مِائَةَ شَاةٍ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِي مُضْغَةٍ، وَلَا عَلَقَةٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا كَانَ عَلَقَةً فَثُلُثُ غُرَّةٍ، وَإِنْ كَانَ مُضْغَةً فَثُلُثَيْ غُرَّةٍ، فَإِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ النِّسَاءِ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، وَلَوْ بَقِيَ تَصَوُّرٌ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا شَيْءَ فِيهِ كَالْعَلَقَةِ، وَالثَّانِي: وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " فِيهِ غُرَّةٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَوَّرَ، فَلَوْ أَلْقَتْ رَأْسَيْنِ فَغُرَّةٌ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَنِينٍ وَأَكْثَرَ، فَلَمْ تَجِبْ بِالشَّكِّ (قِيمَتُهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 الْإِبِلِ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْغُرَّةِ خُنْثَى، وَلَا مَعِيبٌ وَلَا مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ. وَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ مَمْلُوكًا فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ   [المبدع في شرح المقنع] خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ) وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَزَيْدٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ فِي الْجِنَايَةِ، وَهُوَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، فَرَدَدْنَاهُ إِلَيْهِ، لَا يُقَالُ: قَدْ وَجَبَ فِي الْأُنْمُلَةِ ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثٌ، وَهُوَ دُونَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَهَا فِي أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، وَالسِّنِّ، وَأَمَّا الْأُنْمُلَةُ فَيَجِبُ فِيهَا مَا ذُكِرَ بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَةِ الْأُصْبُعِ. فَرْعٌ: إِذَا اخْتَلَفَ قِيمَةُ الْإِبِلِ وَنِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ مِنْ غَيْرِهَا فَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهَا تُقَوَّمُ بِالْإِبِلِ ; لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: تُقَوَّمُ بِالذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ، فَتُجْعَلُ قِيمَتُهَا خَمْسِينَ دِينَارًا، أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَذَكَرَ فِي " الْكَافِي ": وَإِنْ أَعْوَزَتْ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا مِنْ أَحَدِ الْأُصُولِ فِي الدِّيَةِ (مَوْرُوثَةً عَنْهُ كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا) لِأَنَّهَا دِيَةٌ لَهُ وَبَدَلٌ عَنْهُ فَوَرِثَهَا وَرَثَتُهُ كَمَا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: هِيَ لِأُمِّهِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهَا دِيَةُ آدَمِيٍّ حُرٍّ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَوْرُوثَةً عَنْهُ كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ (ذَكَرًا كَانَ) الْوَلَدُ (أَوْ أُنْثَى) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ، وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُسَاوِي الذَّكَرَ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ (وَلَا يُقْبَلُ فِي الْغُرَّةِ خُنْثَى، وَلَا مَعِيبٌ) يُرَدُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ، وَلَا خَصِيٌّ، وَلَا هَرِمَةٌ، وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ ; لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَجِبُ بِالشَّرْعِ، فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّ الْغُرَّةَ بَدَلٌ فَاعْتُبِرَتْ فِيهَا السَّلَامَةُ كَإِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَهِيَ خِيَارٌ (وَلَا مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ) فِي الْأَشْهَرِ، فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى مَنْ يَكْفُلُهُ، وَلَيْسَ مِنَ الْخِيَارِ، وَقِيلَ: أَوْ أَقَلُّ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ مَنْ جَاوَزَ السَّبْعَ أَنَّهُ مَقْبُولٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: الْغُرَّةُ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ إِلَى عَشْرٍ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ سِنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَبِالْجُمْلَةِ: الْبَالِغُ أَكْمَلُ مِنَ الصَّغِيرِ وَأَقْدَرُ عَلَى التَّصَرُّفِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 أُمِّهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ أُمِّهِ فَعُتِقَتْ، ثُمَّ أَسْقَطَتِ الْجَنِينَ فَفِيهِ غُرَّةٌ. وَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ فَفِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيًّا، وَالْآخَرُ   [المبدع في شرح المقنع] وَأَنْفَعُ فِي الْخِدْمَةِ. (وَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ مَمْلُوكًا فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ جَنِينُ آدَمِيَّةٍ فَوَجَبَ فِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ كَجَنِينِ الْحُرَّةِ، وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَقُدِّرَ بَدَلُهُ مِنْ قِيمَتِهَا كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا، وَنَقَلَ حَرْبٌ: الْوَاجِبُ فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ هُنَا ; لِأَنَّ الرَّقِيقَ الْوَاجِبُ قِيمَتُهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ نَقْدًا يَوْمَ الْجِنَايَةِ كَمُوضِحَتِهَا إِذَا سَاوَتْهَا حُرِّيَّةً وَرِقًّا، وَإِلَّا فَبِالْحِسَابِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنَ أَبِيهِ، أَوْ هُوَ أَغْلَى مِنْهَا دِيَةً فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَتِهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ الدَّيْنِ (ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى) لِأَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ حُرًّا، فَكَذَا إِذَا كَانَ رَقِيقًا، وَنَصَّ الْمُؤَلِّفُ عَلَى ذَلِكَ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَجِبُ فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ ذَكَرًا، أَوْ عُشْرُ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ أُنْثَى ; لِأَنَّهُ مُتْلَفٌ، فَاعْتِبَارُهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى مِنَ اعْتِبَارِهِ بِأُمِّهِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ جَنِينٌ خَالَفَ سَائِرَ الْمُتْلَفَاتِ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ قِيمَةِ جَمِيعِهِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِأُمِّهِ، وَلِأَنَّهُ مَاتَ مِنَ الْجِنَايَةِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ ضَمَانُهُ بِهِمَا كَجَنِينِ الْحُرَّةِ. فَرْعٌ: جَنِينُ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا يَجِبُ بِالْحِسَابِ، فَإِذَا كَانَ نِصْفُهَا حُرًّا فَنِصْفُهُ حُرٌّ، فِيهِ نِصْفُ غُرَّةٍ لِوَرَثَتِهِ، وَفِي النِّصْفِ الْبَاقِي نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ لِسَيِّدِهِ. (وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ أَمَةٍ فَعُتِقَتْ) أَوْ أَعْتَقَ جَنِينَهَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ، أَوْ بَعْدَهَا (ثُمَّ أَسْقَطَتِ الْجَنِينَ فَفِيهِ غُرَّةٌ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ سَقَطَ حُرًّا، وَالْعِبْرَةُ بِحَالِ السُّقُوطِ ; لِأَنَّ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَعَنْهُ: بِضَمَانِ جَنِينٍ مَمْلُوكٍ، نَقَلَهَا حَرْبٌ،، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَعَنْهُ: إِنْ سَبَقَ الْعِتْقُ الْجِنَايَةَ ضَمِنَ بِالْغُرَّةِ، وَإِلَّا فَبِضَمَانِ الرَّقِيقِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: التَّوَقُّفَ، وَحَكَي فِي " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ، وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا، فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَالدِّيَةُ كَامِلَةً مَعَ سَبْقِ الْعِتْقِ الْجِنَايَةَ، وَإِلَّا فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ فِي الرَّقِيقِ يُجْرَحُ، ثُمَّ يُعْتَقُ (وَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ فَفِيهِ) غُرَّةٌ قِيمَتُهَا (عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ) لِأَنَّ جَنِينَ الْحُرَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 مَجُوسِيًّا اعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا، وَإِنْ سَقَطَ الْجَنِينُ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ إِنْ كَانَ حُرًّا. أَوْ قِيمَتُهُ إِنْ كَانَ عَبْدًا إِذَا كَانَ سُقُوطُهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ أَنْ تَضَعَهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُسْلِمَةِ مَضْمُونٌ بِعُشْرِ دِيَةِ أُمِّهِ، فَكَذَا جَنِينُ الْكَافِرَةِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيًّا، وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا اعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا) أَيْ: أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عُشْرِ دِيَةِ أُمِّهِ، أَوْ نِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ أَبِيهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ ضَمَانُ مُتْلَفٍ، فَغَلَبَ فِيهِ الْأَكْثَرُ تَغْلِيظًا عَلَى الْجَانِي، وَلِأَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَ فِي الْمُتْلَفِ مَا يَجِبُ ضمانه وَعَكْسُهُ، غَلَبَ الْوُجُوبُ كَالْمُحْرِمِ إِذَا قَتَلَ مُتَوَلِّدًا بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّهَا تُؤْخَذُ غُرَّةٌ قِيمَتُهَا عُشْرُ الدِّيَةِ، وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ; لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ كَانَ بَيْنَ كِتَابِيَّيْنِ فَأَسْلَمُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الضَّرْبِ قَبْلَ الْوَضْعِ، فَفِيهِ غُرَّةٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي اعْتِبَارًا بِحَالِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ عُشْرُ دِيَةِ كِتَابِيَّةٍ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ (وَإِنْ سَقَطَ الْجَنِينُ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ إِنْ كَانَ حُرًّا) لِأَنَّهُ حُرٌّ مَاتَ بِجِنَايَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْقَتْلِ، وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ إِلَّا إِذَا اسْتَهَلَّ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالْأَوَّلُ نَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّ الِارْتِضَاعَ وَنَحْوَهُ أَدَلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنَ الِاسْتِهْلَالِ، فَأَمَّا بِمُجَرَّدِ الْحَرَكَةِ، فَلَا (أَوْ قِيمَتُهُ إِنْ كَانَ عَبْدًا) لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الدِّيَةِ فِي الْحُرِّ (إِذَا كَانَ سُقُوطُهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ فِي مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يُعْلَمُ فِيهِ حَيَاةٌ يَجُوزُ بَقَاؤُهَا، فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ دِيَةٌ، وَلَا قِيمَةٌ كَمَا لَوْ سَقَطَ مَيِّتًا (وَهُوَ أَنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا) لِأَنَّ مَنْ وُلِدَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَجُزِ الْعَادَةُ بِبَقَائِهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّ مَنْ وُلِدَ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَعِشْ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ وَابْنِهَا - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - (وإِلَّا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ) قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ " وَغَيْرِهَا: كَحَيَاةِ مَذْبُوحٍ، فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا وَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي حَيَاتِهِ، وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَإِلَّا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَيِّنَةَ، فَفِي أَيِّهِمَا يُقَدَّمُ قَوْلُهُ وَجْهَانِ. فَصْلٌ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْقَتْلَ تُغَلَّظُ دِيَتُهُ بِالْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالرَّحِمِ   [المبدع في شرح المقنع] بَيِّنَةَ فَفِي أَيِّهِمَا يُقَدَّمُ قَوْلُهُ وَجْهَانِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا - وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " -: يُقَدَّمُ قَوْلُ الْجَانِي ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَالثَّانِي: يُقَدَّمُ قَوْلُ الْوَلِيِّ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ حَيَاتُهُ كَحَيَاتِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ ثَمَّ بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا ; لِأَنَّهَا تُظْهِرُ الْحَقَّ وَتُثْبِتُهُ. أَصْلٌ: الْغُرَّةُ وَالدِّيَةُ يَرِثُها مَنْ يَرِثُهُ كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا، وَلَا يَرِثُ قَاتِلٌ وَلَا رَقِيقٌ، فَتَرِثُ عَصَبَةُ سَيِّدٍ قَاتِلٍ جَنِينَ أَمَتِهِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " هُنَا إِنْ شَرَطَ زَوْجُ الْأَمَةِ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ كَانَ حُرًّا وَإِلَّا عَبْدًا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ شَرِبَتِ الْحَامِلُ دَوَاءً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهَا غُرَّةٌ، هُوَ لِوَرَثَتِهَا دُونَهَا ; لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ، وَعَلَيْهَا عِتْقُ رَقَبَةٍ. فَرْعٌ: يَجِبُ فِي جَنِينِ دَابَّةٍ مَا نَقَصَ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَجَنِينِ أَمَةٍ، أَيْ: عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْبَهِيمَةَ إِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا قَدْرُ نَقْصِهَا، فَكَذَا فِي جَنِينِهَا. [فَصْلٌ: دِيَةُ الْقَتْلِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ] فَصْلٌ (ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْقَتْلَ) إِذَا كَانَ خَطَأً، وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَوْ عَمْدًا، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ ": كَمَا يَجِبُ بِوَطْءِ صَائِمَةٍ مُحْرِمَةٍ كَفَّارَتَانِ، ثُمَّ قَالَ: تُغَلَّظُ إِذَا كَانَ مُوجِبُهُ الدِّيَةَ، وَفِي " الْمُفْرَدَاتِ " تُغَلَّظُ عِنْدَنَا فِي الْجَمِيعِ، ثُمَّ دِيَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 الْمُحَرَّمِ، فَيُزَادُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ، فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْحُرُمَاتُ الْأَرْبَعُ وَجَبَ دِيَتَانِ وَثُلُثٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ بِذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْخَطَأِ لَا تَغْلِيظَ فِيهَا، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " التَّرْغِيبِ ": وَطَرَفٌ (تُغَلَّظُ دِيَتُهُ بِالْحَرَمِ، وَالْإِحْرَامِ، وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ) نَقَلَهُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ (وَالرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَ " الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ " وَغَيْرِهِمَا الرَّحِمُ بِالْمُحَرَّمِ كَالْعِتْقِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ بِالرَّحِمِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " (فَيُزَادُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً وُطِئَتْ فِي طَوَافٍ فَقَضَى عُثْمَانُ فِيهَا بِسِتَّةِ آلَافٍ وَأَلْفَيْنِ تَغْلِيظًا لِلْحَرَمِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، أَوْ ذَا رَحِمٍ، أَوْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَثُلُثٌ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَفِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ: دِيَتُهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَلِلشَّهْرِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلِلْبَلَدِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَهُوَ قَوْلُ التَّابِعِينَ الْقَائِلِينَ بِالتَّغْلِيظِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ (فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْحُرُمَاتُ الْأَرْبَعُ وَجَبَ دِيَتَانِ وَثُلُثٌ) لِأَنَّ الْقَتْلَ يَجِبُ بِهِ دِيَةٌ، وَقَدْ تَكَرَّرَ التَّغْلِيظُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَكَانَ كَذَلِكَ. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: حَرَمُ الْمَدِينَةِ كَمَكَّةَ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " يَخْرُجُ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: التَّغْلِيظُ بِدِيَةِ عَمْدٍ، وَقِيلَ: بِدِيَتَيْنِ، وَفِي " الْمُبْهِجِ " إِنْ لَمْ يُقْتَلْ بِأَبَوَيْهِ فَفِي لِزُومِهِ دِيَتَانِ أَمْ دِيَةٌ وَثُلُثٌ؟ رِوَايَتَانِ (وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ) وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ الْأَظْهَرُ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ بِذَلِكَ) كَجَنِينٍ وَعَبْدٍ (وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ وَاحِدَةً فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ (وَالْأَخْبَارِ) مِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ مِثْقَالٍ» وَرَوَى الْجَوْزَجَانِيُّ عَنْ أَبِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 قَتَلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا عَمْدًا أُضْعِفَتِ الدِّيَةُ لِإِزَالَةِ الْقَوَدِ كَمَا حَكَمَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَصْلٌ وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ خَطَأً فَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ فِدَائِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، أَوْ تَسْلِيمِهِ لِيُبَاعَ فِي الْجِنَايَةِ، وَعَنْهُ: إِنْ أَبَى تَسْلِيمَهُ فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ   [المبدع في شرح المقنع] الزِّنَادِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَجْمَعُ الْفُقَهَاءَ، فَكَانَ مِمَّا أَحْيَا مِنْ تِلْكَ السُّنَنِ، أَيْ: أَنَّهُ لَا تَغْلِيظَ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ بِثَابِتٍ مَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا، وَلَوْ صَحَّ فَفِعْلُ عُمَرَ فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ أَوْلَى فَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَهُوَ أَصَحُّ فِي الرِّوَايَةِ مَعَ مُوَافَقَةِ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْقِيَاسِ. (وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ) وَقَدَّمَ فِي " الِانْتِصَارِ ": أَوْ كَافِرٌ، وَجَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِهِ (كَافِرًا) سَوَاءٌ كَانَ كِتَابِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ حَيْثُ حُقِنَ دَمُهُ (عَمْدًا أُضْعِفَتِ الدِّيَةُ) نَصَّ عَلَيْهِ (لِإِزَالَةِ الْقَوَدِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِكَافِرٍ، وَلِأَنَّ الْقَوَدَ شُرِعَ زَجْرًا عَنْ تَعَاطِيهِ (كَمَا حَكَمَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرُفِعَ إِلَى عُثْمَانَ، فَلَمْ يَقْتُلْهُ وَغَلَّظَ الدِّيَةَ أَلْفَ دِينَارٍ فَذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَلَهُ نَظَائِرُ، مِنْهَا الْأَعْوَرُ إِذَا قَلَعَ عَيْنَ صَحِيحٍ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ حَيْثُ لَا قِصَاصَ، وَمِنْهَا أَنَّ سَارِقَ الثَّمَرِ يَلْزَمُهُ مَثَلًا قِيمَتُهُ حَيْثُ لَا قَطْعَ، وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ فِي الْعَمْدِ، وَالْخَطَأِ وَاحِدٌ لِلْعُمُومِ، وَكَمَا لَوْ قَتَلَ حُرٌّ عَبْدًا عَمْدًا ; لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَلَمْ تَتَضَاعَفْ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُودَى الْمَجُوسِيُّ بِأَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ، وَالْكِتَابِيُّ بِثُلُثَيْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ إِنْ قُلْنَا: دِيَتُهُ ثُلُثُهَا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ أَنَّهَا تُغَلَّظُ بِثُلُثٍ. [فَصْلٌ: الْعَبْدُ إِذَا جَنَى خَطَأً] فَصْلٌ (وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ خَطَأً فَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ فِدَائِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، أَوْ تَسْلِيمِهِ لِيُبَاعَ فِي الْجِنَايَةِ) إِذَا جَنَى رَقِيقٌ خَطَأً، أَوْ عَمْدًا، لَا قَوَدَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ قَوَدٌ، وَاخْتِيرَ فِيهِ الْمَالُ، أَوْ أَتْلَفَ مَالًا وَجَبَ اعْتِبَارُ جِنَايَتِهِ ; لِأَنَّ جِنَايَةَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ غَيْرُ مُلْغَاةٍ مَعَ عُذْرِهِ وَعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، فَالْعَبْدُ أَوْلَى، وَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُهَا بِذِمَّتِهِ ; لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى إِلْغَائِهَا، أَوْ تَأْخِيرِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، وَلَا بِذِمَّةِ السَّيِّدِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ فَتَعَيَّنَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 الْجِنَايَةِ كُلِّهِ، وَإِنْ سَلَّمَهُ فَأَبَى وَلِيُّ الْجِنَايَةِ قَبُولَهُ، وَقَالَ: بِعْهُ أَنْتَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ جَنَى عَمْدًا فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَهَلْ   [المبدع في شرح المقنع] تَعْلِيقُهَا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ سَيِّدَهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ فِدَائِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا فَدَى عَبْدَهُ بِقِيمَتِهِ فَقَدْ أَدَّى عِوَضَ الْمَحَلِّ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْجِنَايَةُ، أَوْ بَيْعَهُ فِي الْجِنَايَةِ ; لِأَنَّهُ دَفَعَ الْمَحَلَّ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْجِنَايَةُ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي الْفِدَاءِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا فَدَاهُ بِقِيمَتِهِ أَدَّى قَدْرَ الْوَاجِبِ ; لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ رَقَبَةِ الْجَانِي، وَإِذَا فَدَاهُ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ، فَهُوَ الَّذِي وَجَبَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ جَمِيعُ أَرْشِهَا بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَعَنْهُ: يَفْدِيهِ، أَوْ يُسَلِّمُهُ فِيهَا، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُنَّ، وَعَنْهُ: فِيمَا فِيهِ الْقَوَدُ خَاصَّةً يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ (وَعَنْهُ: إِنْ أَبَى تَسْلِيمَهُ فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهِ) لِأَنَّهُ إِذَا عُرِضَ لِلْبَيْعِ رُبَّمَا رَغِبَ فِيهِ رَاغِبٌ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَإِذَا أَمْسَكَهُ فَوَّتَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَإِنْ سَلَّمَهُ فَأَبَى وَلِيُّ الْجِنَايَةِ قَبُولَهُ، وَقَالَ: بِعْهُ أَنْتَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِأَكْثَرَ مِنَ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ سَلَّمَهَا، وَيَبِيعُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِعِتْقٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: بِإِذْنٍ، وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ، صَحَّحَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَقْتَضِي وُجُوبَ أَرْشِهَا، وَأَرْشُهَا هُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ. فَرْعٌ: إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ الْجَانِي، أَوْ هَرَبَ قَبْلَ مُطَالَبَةِ سَيِّدِهِ بِتَسْلِيمِهِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَلَوْ جَنَى فَفَدَاهُ، ثُمَّ جَنَى فَحُكْمُهَا كَالْأُولَى، وَلَا يَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، أَوْ أَمْرِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضَمَانُهَا عَلَيْهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ رِوَايَةً وَاحِدَةً (وَإِنْ جَنَى عَمْدًا فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَهَلْ يَمْلِكُهُ بِغَيْرِ رِضَا السَّيِّدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا عَنْهُ: لَا يَمْلِكُهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْجِنَايَةِ فَلَأَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 يَمْلِكُهُ بِغَيْرِ رِضَا السَّيِّدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ جَنَى عَلَى اثْنَيْنِ خَطَأً، اشْتَرَكَا فِيهِ بِالْحِصَصِ، فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا، أَوْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَعَفَا بَعْضُ وَرَثَتِهِ، فَهَلْ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْبَاقِينَ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ، أَوْ بِحِصَّتِهِمْ مِنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ جَرَحَ حُرًّا فَعَفَا عَنْهُ،   [المبدع في شرح المقنع] لَا يَمْلِكُهُ بِالْعَفْوِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ إِذَا عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ انْتَقَلَ حَقُّهُ إِلَى الْمَالِ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ، وَالثَّانِيَةُ: يَمْلِكُهُ، قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " ; لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ اسْتَحَقَّ إِتْلَافَهُ فَاسْتَحَقَّ إِبْقَاءَهُ عَلَى مِلْكِهِ كَعَبْدِهِ الْجَانِي عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذِهِ إِنْ عَفَا عَنْهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، وَقِيمَتُهُ فَوْقَ الْأَرْشِ، وَقُلْنَا: يَجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ - تَعَيَّنَ الْأَرْشُ، وَلَوْ قَالَ: عَفَوْتُ عَنْهُ، وَهُوَ حُرٌّ عُتِقَ، وَلَا دِيَةَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، فَلَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ، وَهُوَ مِلْكُ سَيِّدِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَ " الْوَسِيلَةُ " رِوَايَةَ: يَمْلِكُهُ بِجِنَايَةِ عَمْدٍ، وَلَهُ قَتْلُهُ وَرِقُّهُ وَعِتْقُهُ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ لَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهِيَ لَهُ وَوَلَدُهَا. (وَإِنْ جَنَى عَلَى اثْنَيْنِ خَطَأً اشْتَرَكَا فِيهِ بِالْحِصَصِ) نَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ جَنَى عَلَيْهِمْ فِي وَقْتٍ، أَوْ أَوْقَاتٍ ; لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبٍ تَعَلَّقَ بِهِ الْحَقُّ فَتَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً، بَلْ لَوْ قَدَّمَ بَعْضَهُمْ كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّ حَقَّهُ أَسَبَقُ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يُقَادُ بِالْكُلِّ اكْتِفَاءً كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِمْ مَعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَادَ بِالْأَوَّلِ، أَوْ يُؤْخَذَ حَقُّهُ بِالْقُرْعَةِ مُطْلَقًا، وَيَدْخُلُ بِالْقَتْلِ حَقُّ مَنْ بَقِيَ لِفَوْتِ مَحَلِّهِ إِنْ عُلِّقَ بِالْعَيْنِ (فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا، أَوْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَعَفَا بَعْضُ وَرَثَتِهِ، فَهَلْ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْبَاقِينَ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ، أَوْ بِحِصَّتِهِمْ مِنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِ مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ذَلِكَ لِمُزَاحَمَةِ الْآخَرِ، وَقَدْ زَالَ الْمُزَاحِمُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ جَنَى عَلَى إِنْسَانٍ فَفَدَاهُ سَيِّدُهُ، ثُمَّ جَنَى عَلَى آخَرَ، وَالثَّانِي: يَتَعَلَّقُ بِحِصَّتِهِمْ مِنْهُ لَا غَيْرَ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ تَعَلَّقَ بِقِسْطٍ مِنْ رَقَبَتِهِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ عَفْوٌ أَصْلًا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 ثُمَّ مَاتَ مِنَ الْجِرَاحَةِ، وَلَا مَالَ لَهُ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ عُشْرُ دِيَتِهِ فَاخْتَارَ السَّيِّدُ فِدَاءَهُ، وَقُلْنَا يَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ - صَحَّ الْعَفْوُ فِي ثُلُثِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَفْدِيهِ بِالدِّيَةِ صَحَّ الْعَفْوُ فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ سُدُسُهُ ; لِأَنَّ الْعَفْوَ صَحَّ فِي شَيْءٍ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَهُ بِزِيَادَةِ الْفِدَاءِ تِسْعَةُ أَشْيَاءٍ، بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ أَلْفٌ إِلَّا عَشْرَةَ أَشْيَاءٍ، تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ، أَجْبَرَ، وَقَابَلَ، يَخْرُجُ الشَّيْءُ نِصْفَ سُدُسِ الدِّيَةِ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ فَتَعْدِلُ السُّدُسَ.   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: قَتَلَ عَبْدَانِ عَبْدًا عَمْدًا فَقَتَلَ الْوَلِيُّ أَحَدَهُمَا وَعَفَا عَنِ الْآخَرِ، تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَبَنَاهُ السَّامِرِيُّ عَلَى قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ. (وَإِنْ جَرَحَ حُرًّا فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ مَاتَ مِنَ الْجِرَاحَةِ، وَلَا مَالَ لَهُ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ عُشْرُ دِيَتِهِ فَاخْتَارَ السَّيِّدُ فِدَاءَهُ، وَقُلْنَا يَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ - صَحَّ الْعَفْوُ فِي ثُلُثِهِ) لِأَنَّهُ ثُلُثُ مَا فَاتَ عَنْهُ وَيَبْقَى الثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ (وَإِنْ قُلْنَا: يَفْدِيهِ بِالدِّيَةِ صَحَّ الْعَفْوُ فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ سُدُسُهُ ; لِأَنَّ الْعَفْوَ صَحَّ فِي شَيْءٍ مِنْ قِيمَتِهِ) فَسَقَطَ (وَلَهُ بِزِيَادَةِ الْفِدَاءِ تِسْعَةُ أَشْيَاءٍ، بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ أَلْفٌ إِلَّا عَشْرَةَ أَشْيَاءٍ، تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ: أَجْبَرَ، وَقَابَلَ) تَصِيرُ أَلْفًا تَعْدِلُ اثْنَيْ عَشَرَ شَيْئًا، فَالشَّيْءُ إِذًا يَعْدِلُ نِصْفَ سُدُسِ الدِّيَةِ (يَخْرُجُ الشَّيْءُ نِصْفَ سُدُسِ الدِّيَةِ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ فَتَعْدِلُ السُّدُسَ) لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا عَدَلَ نِصْفَ سُدُسٍ كَانَ الشَّيْءُ يَعْدِلُ السُّدُسَ ضَرُورَةً، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ ثُلُثُ الدِّيَةِ صَحَّ الْعَفْوُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفِدَاءَ يَكُونُ بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهِ، وَلَوْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الرُّبُعَ صَحَّ فِي ثُلُثِهِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ الْخَمُسَ صَحَّ فِي خَمْسَةِ أَسْبَاعِهِ، وَطَرِيقُ الْبَابِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ تَزِيدَ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى نِصْفِ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَتُنْسَبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِمَّا بَلَغَا فَمَا كَانَ فَهُوَ الَّذِي يَفْدِيهِ بِهِ سَيِّدُهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدَيْنِ لِآخَرَ فَلَهُ قَتْلُهُ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ سَقَطَ حَقُّهُ، وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ تَعَلَّقَتْ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَا لِاثْنَيْنِ فَكَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا، فَإِنْ عَفَا قُتِلَ لِلثَّانِي، وَإِنْ قَتَلَهُمَا مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فَمَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ اقْتَصَّ وَسَقَطَ حَقُّ الْآخَرِ، فَإِنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ، وَعَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِ مَالٌ تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَلِلثَّانِي الْقِصَاصُ، فَإِنْ قَتَلَهُ سَقَطَ حَقُّ الْأَوَّلِ مِنَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ عَفَا الثَّانِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 بَابٌ: دِيَاتُ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعُهَا وَمَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَهُوَ الذَّكَرُ وَالْأَنْفُ وَاللِّسَانُ النَّاطِقُ وَلِسَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي يُحَرِّكُهُ بِالْبُكَاءِ. وَمَا فِيهِ مِنْهُ شَيْئَانِ فَفِيهِمَا   [المبدع في شرح المقنع] تَعَلَّقَتْ قِيمَةُ الْقَتِيلِ الثَّانِي بِرَقَبَتِهِ وَيُبَاعُ فِيهِمَا وَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَتَيْنِ، لَا يُقَالُ: حَقُّ الْأَوَّلِ أَسْبَقُ فَيُقَدَّمُ ; لِأَنَّهُ لَا يُرَاعَى بِدَلِيلِ مَا لَوْ أُتْلِفَتْ أَمْوَالٌ لِجَمَاعَةٍ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا لِاثْنَيْنِ كَانَ لَهُمَا الْقِصَاصُ، وَالْعَفْوُ، فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ. [بَابٌ: دِيَاتُ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعُهَا] [دِيَةُ مَا أُتْلِفَ فِي الْإِنْسَانِ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ] بَابٌ دِيَاتُ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعُهَا الْمَنَافِعُ: وَاحِدُهُ مَنْفَعَةٌ، وَهِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ نَفَعَنِي كَذَا نَفْعًا، وَهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الشِّجَاجُ، وَهِيَ فِي الرَّأْسِ، وَالْوَجْهِ، وَالثَّانِي: فِي سَائِرِ الْبَدَنِ، وَهُوَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: قَطْعُ عُضْوٍ، وَالْآخَرُ: قَطْعُ لَحْمٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَضْمُونٌ مِنَ الْآدَمِيِّ، وَيُضَافُ إِلَيْهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ كَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَنَحْوِهِمَا. (وَمَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ) أَيْ: دِيَةُ نَفْسِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ (وَهُوَ الذَّكَرُ) إِجْمَاعًا لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعًا الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَقَالَ: رَوَى يُونُسُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَشَيْخٍ فَانٍ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَيَّدَ ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ بِأَنْ يَنْتَشِرَ، وَهَذَا إِذَا أَبْقَى الْأُنْثَيَيْنِ سَالِمَتَيْنِ. أَصْلٌ: وَفِي حَشَفَةِ الذَّكَرِ الدِّيَةُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَكْمُلُ بِالْحَشَفَةِ كَمَا تَكْمُلُ مَنَافِعُ الْيَدِ بِالْأَصَابِعِ، فَلَوْ قَطَعَهَا وَبَعْضَ الْقَصَبَةِ لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةٍ، كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ وَبَعْضَ الْكَفِّ (وَالْأَنْفُ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ مَعَ عِوَجِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ " وَتَجِبُ إِذَا قُطِعَ مَعَ مَارِنِهِ، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ (وَاللِّسَانُ النَّاطِقُ) السَّلِيمُ إِذَا اسْتُوعِبَ كُلُّهُ مَحَطًّا مِنَ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ إِجْمَاعًا، ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا كَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَاللَّحْيَيْنِ وَثَدْيَيِ الْمَرْأَةِ   [المبدع في شرح المقنع] فِيهِ ; لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْأَعْضَاءِ نَفْعًا وَأَتَمُّهَا جَمَالًا، وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَ كَبِيرٍ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَخْرَسَ، فَكَمَا إِذَا اخْتَلَفَا فِي شَلَلِ الْعُضْوِ (وَلِسَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي يُحَرِّكُهُ بِالْبُكَاءِ) لِأَنَّ فِي إِتْلَافِهِ إِذْهَابُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَإِتْلَافُهَا كَإِذْهَابِ النَّفْسِ فِي الْكُلِّ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ النُّطْقِ، فَلَوْ بَلَغَهُ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الدِّيَةُ كَلِسَانِ الْأَخْرَسِ، وَإِنْ كَبِرَ فَنَطَقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ وَجَبَ فِيهِ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنَ الْحُرُوفِ ; لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ نَاطِقًا. [دِيَةُ مَا أُتْلِفَ فِي الْإِنْسَانِ مِنْ شَيْئَيْنِ] (وَمَا فِيهِ مِنْهُ شَيْئَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا) نَصَّ عَلَيْهِ (كَالْعَيْنَيْنِ) إِذَا أَذْهَبَهُمَا مِنَ الْمُسْلِمِ خَطَأً لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرَتَانِ، وَالصَّحِيحَتَانِ وَضِدُّهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا بَيَاضٌ يُنْقِصُ الْبَصَرَ نُقِصَ مِنَ الدِّيَةِ بِقَدْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ: تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ " كَحَوْلَاءَ وَعَمْشَاءَ مَعَ رَدِّ الْمَعِيبِ بِهِمَا (وَالْأُذُنَيْنِ) وِفَاقًا قَضَى بِهِ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَضَى فِي الْأُذُنِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا، رَوَاهُ سَعِيدٌ فَمُنْقَطِعٌ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ، وَفِي " الْوَسِيلَةِ ": وَإِشْرَافُهُمَا، وَهُوَ جِلْدٌ بَيْنَ الْعِذَارِ، وَالْبَيَاضِ الَّذِي حَوْلَهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": وَأَصْدَافُ الْأُذُنَيْنِ (وَالشَّفَتَيْنِ) أَيْ: إِذَا اسْتُوعِبَتَا مِنَ الْمُسْلِمِ خَطَأً إِجْمَاعًا، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا (وَاللَّحْيَيْنِ) وَهُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا الْأَسْنَانُ ; لِأَنَّ فِيهِمَا نَفْعًا وَجَمَالًا، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهُمَا (وَثَدْيَيِ الْمَرْأَةِ) أَيْ: فِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي قَطْعِ حَلَمَتَيِ الثَّدْيَيْنِ دِيَتُهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ ذَهَبَ مِنْهُمَا مَا تَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ بِذَهَابِهِ كَحَشَفَةِ الذَّكَرِ، وَإِنْ حَصَلَ مَعَ قَطْعِهِمَا جَائِفَةٌ وَجَبَ فِيهِمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ مَعَ دِيَتِهِمَا، وَإِنْ ضَرَبَهُمَا فَأَشَلَّهُمَا فَالدِّيَةُ (وَثَنْدُوَتَيِ الرَّجُلِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهِيَ مَغْرَزُ الثَّدْيِ، وَالْوَاحِدَةُ ثَنْدُوَةٌ بِفَتْحِ الثَّاءِ بِلَا هَمْزَةٍ وَبِضَمِّهَا مَعَ الْهَمْزِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، وَهُوَ أَصَحُّ فِي اللُّغَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِمَا الْجَمَالُ، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ غَيْرُهُمَا مِنْ جِنْسِهِمَا (وَالْيَدَيْنِ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 وَثَنْدُوَتَيِ الرَّجُلِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْإِلْيَتَيْنِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَإِسْكَتَيِ الْمَرْأَةِ، وَعَنْهُ: فِي الشَّفَةِ السُّفْلَى ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَفِي الْعُلْيَا ثُلُثُهَا، وَفِي الْمَنْخَرَيْنِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَفِي الْحَاجِزِ   [المبدع في شرح المقنع] أَيْ: فِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا لِلْأَخْبَارِ حَتَّى يَدِ مُرْتَعِشٍ وَيَدِ أَعْسَمٍ، وَهُوَ عِوَجٌ فِي الرُّسْغِ (وَالرِّجْلَيْنِ) لِمَا ذَكَرْنَا حَتَّى قَدَمِ أَعْرَجٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حُكُومَةٌ (وَالْإِلْيَتَيْنِ) وَهُمَا مَا عَلَا وَأَشْرَفَ عَلَى الظَّهْرِ، وَعَنِ اسْتِوَاءِ الْفَخِذَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْعَظْمِ الدِّيَةُ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيهِمَا الدِّيَةُ إِذَا قُطِعَتَا حَتَّى إِلَى الْعَظْمِ (وَالْأُنْثَيَيْنِ) فَفِيهِمَا الدِّيَةُ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ. فَرْعٌ: إِذَا رَضَّ أُنْثَيَيْهِ، أَوْ أَشَلَّهُمَا كَمُلَتْ دِيَتُهُمَا كَمَا لَوْ أَشَلَّ يَدَيْهِ، أَوْ ذَكَرَهُ، وَإِنْ قَطَعَ إِحْدَاهُمَا فَذَهَبَ النَّسْلُ لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ (وَإِسْكَتَيِ الْمَرْأَةِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَهُمَا شَفْرَاهَا، وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الشَّفْرَانِ حَاشِيَتَا الْإِسْكَتَيْنِ، وَفِيهِمَا الدِّيَةُ ; لِأَنَّ فِيهِمَا مَنْفَعَةً وَجَمَالًا، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ غَيْرُهُمَا مِنْ جِنْسِهِمَا، وَإِنْ أَشَلَّهُمَا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى شَفَتِهِ فَأَشَلَّهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّتْقَاءِ وَغَيْرِهَا، وَفِي عَانَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حُكُومَةٌ (وَعَنْهُ: فِي الشَّفَةِ السُّفْلَى ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَفِي الْعُلْيَا ثُلُثُهَا) رُوِيَ عَنْ زَيْدٍ ; لِأَنَّ نَفْعَ السُّفْلَى أَعْظَمُ ; لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَدُورُ وَتَتَحَرَّكُ وَتَحْفَظُ الرِّيقَ، وَالطَّعَامَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقَوْلُ زَيْدٍ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ (وَفِي الْمَنْخَرَيْنِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَفِي الْحَاجِزِ ثُلُثُهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ الْمَارِنَ يَشْمَلُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءٍ: مَنْخَرَانِ وَحَاجِزٌ فَوَجَبَ تَوْزِيعُ الدِّيَةِ عَلَى عَدَدِهَا كَسَائِرِ مَا فِيهِ عَدَدٌ مِنَ الْأَصَابِعِ، وَالْأَجْفَانِ (وَعَنْهُ: فِي الْمَنْخَرَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْحَاجِزِ حُكُومَةٌ) حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ ; لِأَنَّ الْمَنْخَرَيْنِ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ لَهُمَا ثَالِثٌ، وَلِأَنَّهُ بِقَطْعِهِمَا يَذْهَبُ الْجَمَالُ كُلُّهُ وَالْمَنْفَعَةُ، أَشْبَهَ قَطْعَ الْيَدَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ الْأَكْثَرُ، فَلَوْ قَطَعَ أَحَدَ الْمَنْخَرَيْنِ وَنِصْفَ الْحَاجِزِ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ شَقَّ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ بَقِيَ مُنْفَرِجًا، فَالْحُكُومَةُ فِيهِ أَكْثَرُ [دِيَةُ الْأَجْفَانِ وَالْأَصَابِعِ] (وَفِي الْأَجْفَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 ثُلُثُهَا، وَعَنْهُ: فِي الْمَنْخَرَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْحَاجِزِ حُكُومَةٌ. وَفِي الْأَجْفَانِ الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ رُبُعُهَا، وَفِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ عُشْرُهَا، وَفِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ عَقْلِهَا إِلَّا الْإِبْهَامَ، فَإِنَّهَا مَفْصِلَانِ فَفِي كُلِّ مَفْصِلٍ نِصْفُ عَقْلِهَا. وَفِي الظُّفُرِ خُمُسُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ، وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ رُبُعُهَا) وَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ ; لِأَنَّهَا أَعْضَاءٌ فِيهَا جَمَالٌ ظَاهِرٌ وَنَفْعٌ كَامِلٌ، فَإِنَّهَا تُكِنُّ الْعَيْنَ وَتَحْفَظُهَا مِنَ الْحَرِّ، وَالْبَرْدِ وَلَوْلَاهَا لَقَبُحَ مَنْظَرُهَا، وَيَجِبُ فِي أَشْفَارِ عَيْنِ الْأَعْمَى وَهي الْأَجْفَانُ ; لِأَنَّ ذَهَابَ الْبَصَرِ عَيْبٌ غَيْرُ الْأَجْفَانِ (وَفِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ) إِذَا كَانَتْ سَلِيمَةً (وَفِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ) لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «دِيَةُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ لِكُلِّ إِصْبَعٍ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا، قَالَ: «هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ» يَعْنِي: الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ (وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ عُشْرُهَا) وَفِيهِ خِلَافٌ شَاذٌّ (وَفِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ عَقْلِهَا) لِأَنَّ دِيَةَ الْأُصْبُعِ تُقَسَّمُ عَلَيْهَا كَمَا قُسِّمَتْ دِيَةُ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ بِالسَّوِيَّةِ (إِلَّا الْإِبْهَامَ، فَإِنَّهَا مَفْصِلَانِ فَفِي كُلِّ مَفْصِلٍ نِصْفُ عَقْلِهَا) أَيْ: نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ. [دِيَةُ الْأَظَافِرِ وَالْأَسْنَانِ] (وَفِي الظُّفُرِ خُمُسُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ زَيْدٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَعْنَاهُ إِذَا قَلَعَهُ، وَلَمْ يَعُدْ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": وَكَذَا إِنِ اسْوَدَّ وَدَامَ، وَالتَّقْدِيرَاتُ يُرْجَعُ فِيهَا إِلَى التَّوْقِيفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَوْقِيفٌ، فَالْقِيَاسُ أَنَّ فِيهِ حُكُومَةً كَسَائِرِ الْجِرَاحِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مُقَدَّرٌ، وَفِي " الْكَافِي " إِنَّ مَا لَا تَوْقِيفَ فِيهِ مِنْ سَائِرِ الْجِرَاحِ تَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ (وَفِي كُلِّ سِنٍّ) قُلِعَ بِسِنْخِهَا، أَوِ الظَّاهِرِ فَقَطْ (خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ سِنًّا: أَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ رُبَاعِيَّاتٍ وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ، قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ، وَفَوْقُ: ضَاحِكَانِ وَنَاجِذَانِ وَسِتُّ طَوَاحِينَ وَأَسْفَلُ مِثْلُهَا، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ فِي جَمِيعِهَا مِائَةٌ وَسِتُّونَ بَعِيرًا ; لِأَنَّهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ قَصِيرَةً نُقِصَ مِنْ دِيَتِهَا بِقَدْرِ نَقْصِهَا، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَشَرْطُهُ (إِذَا قُلِعَتْ مِمَّنْ قَدْ ثُغِرَ) بِضَمِّ الثَّاءِ، أَيْ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 الْإِبِلِ إِذَا قُلِعَتْ مِمَّنْ قَدْ ثُغِرَ، وَالْأَضْرَاسُ وَالْأَنْيَابُ كَالْأَسْنَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ فِي جَمِيعِهَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَتَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فِي قَطْعِهِمَا مِنَ الْكُوعِ، وَالْكَعْبِ،   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ، يُقَالُ: ثُغِرَ وَأَثْغَرَ، يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ مِنَ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يُثْغَرْ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِقَلْعِهَا شَيْءٌ فِي الْحَالِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ عَوْدُ سِنِّهِ فَيَنْتَظِرُ، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَيْأَسُ مِنْ عَوْدِهَا وَجَبَتْ دِيَتُهَا، قَالَ أَحْمَدُ: يَتَوَقَّفُ سَنَةً ; لِأَنَّهُ غَالِبٌ فِي نَبَاتِهَا (وَالْأَضْرَاسُ، وَالْأَنْيَابُ كَالْأَسْنَانِ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ وَالْأَكْثَرِ ; لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «الْأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ» وَهَذَا نَصٌّ، وَلِأَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ فِي جُمْلَةٍ كَانَتْ مَقْسُومَةً عَلَى الْعَدَدِ دُونَ الْمَنَافِعِ كَالْأَصَابِعِ، وَالْأَجْفَانِ، وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ ثُغِرَ فَحُكُومَةٌ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ: إِذَا سَقَطَتْ أَخَوَاتُهَا، وَلَمْ تَعُدْ أُخِذَتْ دِيَتُهَا ; لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ فِي جَمِيعِهَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) هَذَا رِوَايَةٌ حَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ فِي كُلِّ ضِرْسٍ بَعِيرَيْنِ لِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رَوَاهُ مَالِكٌ، وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ، وَالْإِجْمَاعُ أَنَّ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسًا ; لِأَنَّهَا مَنْفَعَةُ جِنْسٍ، فَلَمْ تَزِدْ دِيَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ كَسَائِرِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَقِيلَ: إِنْ قَلَعَ الْكُلَّ، أَوْ فَوْقَ الْعِشْرِينَ دُفْعَةً لَمْ يَجِبْ سِوَى الدِّيَةِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: إِنْ قَلَعَ أَسْنَانَهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَالدِّيَةُ. فَرْعٌ: إِذَا قَلَعَ سِنًّا مُضْطَرِبَةً لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، وَكَانَتْ مَنَافِعُهَا، أَوْ بَعْضُهَا بَاقِيَةً - وَجَبَتْ دِيَتُهَا، وَإِنْ ذَهَبَتْ مَنَافِعُهَا فَهِيَ كَيَدٍ شَلَّاءَ، وَإِنْ قَلَعَ سِنًّا فِيهَا دَاءٌ، أَوْ آكِلَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا فَفِيهَا دِيَةُ سِنٍّ صَحِيحٍ، وَإِنْ ذَهَبَ سَقَطَ مِنْ دِيَتِهَا بِقَدْرِ الذَّاهِبِ وَوَجَبَ الْبَاقِي. [دِيَةُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ] (وَتَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فِي قَطْعِهِمَا مِنَ الْكُوعِ، وَالْكَعْبِ) لِأَنَّ الْيَدَ فِي الشَّرْعِ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَطْعِ السَّارِقِ، وَالْمَسْحِ فِي التَّيَمُّمِ، وَالْكَعْبُ بِمَنْزِلَةِ الْكُوعِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ مِنْ كَعْبِهَا (فَإِنْ قَطَعَهُمَا مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 فَإِنْ قَطَعَهُمَا مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ عَلَى الدِّيَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: فِي الزَّائِدِ حُكُومَةٌ. وَفِي مَارِنِ الْأَنْفِ وَحَشَفَةِ الذَّكَرِ وَحَلَمَتَيِ الثَّدْيَيْنِ وَكَسْرِ ظَاهِرِ السِّنِّ دِيَةُ الْعُضْوِ كَامِلَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَ مَنِ اسْتَوْعَبَ الْأَنْفَ جَدْعًا دِيَةٌ، وَحُكُومَةٌ   [المبدع في شرح المقنع] لَمْ يَزِدْ عَلَى الدِّيَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَهُ قَتَادَةُ، وَعَطَاءٌ، وَهُوَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ مُعْظَمِ أَصْحَابِنَا ; لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ لِلْمَنْكِبِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ مَسَحَ الصَّحَابَةُ إِلَى الْمَنَاكِبِ، لَا يُقَالُ: يَجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ بِقَطْعِهِمَا مِنْ فَوْقِ الْكُوعِ وَالْكَعْبِ الدِّيَةُ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي شَيْءٍ عَدَمُ وُجُوبِهَا فِيمَا دُونَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي الْيَدَيْنِ مِنَ الْكُوعِ وَتَجِبُ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ دُونَ الْكَفِّ (وَقَالَ الْقَاضِي: فِي الزَّائِدِ حُكُومَةٌ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فِي الْيَدِ مِنَ الْبَطْشِ، وَالْأَخْذِ، وَالدَّفْعِ بِالْكَفِّ، وَمَا زَادَ تَابِعٌ لَهُ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ فِي قَطْعِهَا مِنَ الْكُوعِ وَالْكَعْبِ، فَيَجِبُ فِي الزَّائِدِ حُكُومَةٌ، وَلِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ إِلَى الْكُوعِ، وَالْكَعْبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَطَعَ مِنَ الْكُوعِ ثُمَّ قَطَعَهَا مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ ; لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ بِالْقَطْعِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ، ثُمَّ قَطَعَ الْكَفَّ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُ كَفَّانِ عَلَى ذِرَاعٍ، أَوْ يَدٌ وَذِرَاعَانِ عَلَى عَضُدٍ وَإِحْدَاهُمَا بَاطِشَةٌ دُونَ الْأُخْرَى، أَوْ إِحْدَاهُمَا أَكْثَرُ بَطْشًا، أَوْ فِي سَمْتِ الذِّرَاعِ، وَالْأُخْرَى مُنْحَرِفَةٌ أَوْ تَامَّةٌ، وَالْأُخْرَى نَاقِصَةٌ، فَالْأُولَى هِيَ الْأَصْلِيَّةُ فَفِيهَا دِيَتُهَا، وَالْقِصَاصُ بِقَطْعِهَا عَمْدًا، وَفِي الْأُخْرَى حُكُومَةٌ ; لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ، سَوَاءٌ قَطَعَهَا مُنْفَرِدَةً، أَوْ مَعَ الْأَصْلِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا شَيْءَ فِيهَا ; لِأَنَّهَا عَيْبٌ، فَلَوِ اسْتَوَيَا وَكَانَتَا غَيْرَ بَاطِشَتَيْنِ فَفِيهِمَا ثُلُثُ دِيَةِ الْيَدِ، أَوْ حُكُومَةٌ، وَإِنْ كَانَتَا بَاطِشَتَيْنِ فَفِيهِمَا دِيَةُ الْيَدِ، وَهَلْ تَجِبُ الْحُكُومَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. [دِيَةُ جُزْءٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ] (وَفِي مَارِنِ الْأَنْفِ) وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ (وَحَشَفَةِ الذَّكَرِ وَحَلَمَتَيِ الثَّدْيَيْنِ وَكَسْرِ ظَاهِرِ السِّنِّ دِيَةُ الْعُضْوِ كَامِلَةً) لِأَنَّ قَطْعَ الْمَارِنِ يُذْهِبُ الْجَمَالَ، أَشْبَهَ الْأَنْفَ كُلَّهُ، وَحَشَفَةُ الذَّكَرِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ كَمَنْفَعَةِ الْيَدِ بِالْأَصَابِعِ وَحَلَمَتَيِ الثَّدْيَيْنِ ; لِأَنَّهُ ذَهَبَ مِنَ الثَّدْيَيْنِ مَا تَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 فِي الْقَصَبَةِ، وَفِي قَطْعِ بَعْضِ الْمَارِنِ، وَالْأُذُنِ، وَالْحَلَمَةِ، وَاللِّسَانِ، وَالشَّفَةِ، وَالْحَشَفَةِ، وَالْأُنْمُلَةِ، وَالسِّنِّ، وَشَقِّ الْحَشَفَةِ طُولًا بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَتِهِ، تُقَدَّرُ بِالْأَجْزَاءِ. وَفِي شَلَلِ الْعُضْوِ، أَوْ إِذْهَابِ نَفْعِهِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَى الشَّفَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَنْطَبِقَانِ عَلَى الْأَسْنَانِ   [المبدع في شرح المقنع] بِذَهَابِهِ فَوَجَبَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَفِي كَسْرِ ظَاهِرِ السِّنِّ دِيَتُهُ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّثَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُسَمَّى سِنًّا فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ، وَمَا فِي اللِّثَةِ يُسَمَّى سِنْخًا، فَإِذَا كَسَرَ السِّنَّ، ثُمَّ قَلَعَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ السِّنْخَ فَفِي السِّنِّ دِيَتُهَا، وَفِي السِّنْخِ حُكُومَةٌ، وَالدِّيَةُ فِي قَدْرِ الظَّاهِرِ عَادَةً، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الظَّاهِرِ اعْتُبِرَ بِأَخَوَاتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ قُبِلَ قَوْلُ الْجَانِي (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَ مَنِ اسْتَوْعَبَ الْأَنْفَ جَدْعًا دِيَةٌ، وَحُكُومَةٌ فِي الْقَصَبَةِ) لِمَا رَوَى طَاوُسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعًا الدِّيَةُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْحُكُومَةُ فِي الْقَصَبَةِ لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ الْيَدِ مِنْ فَوْقِ الْكُوعِ، فَإِنْ قَطَعَ الْأَنْفَ، وَمَا تَحْتَهُ مِنَ اللَّحْمِ فَفِي اللَّحْمِ حُكُومَةٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأَنْفِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ، وَاللَّحْمَ الَّذِي تَحْتَهُ (وَفِي قَطْعِ بَعْضِ الْمَارِنِ، وَالْأُذُنِ، وَالْحَلَمَةِ، وَاللِّسَانِ، وَالشَّفَةِ، وَالْحَشَفَةِ، وَالْأُنْمُلَةِ، وَالسِّنِّ، وَشَقِّ الْحَشَفَةِ طُولًا بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَتِهِ تُقَدَّرُ بِالْأَجْزَاءِ) كَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ، ثُمَّ يُؤْخَذُ مِثْلُهُ مِنَ الدِّيَةِ ; لِأَنَّ مَا وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي جَمِيعِهِ وَجَبَتْ فِي بَعْضِهِ وَكَمَا تُقَسَّطُ دِيَةُ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " رِوَايَةٌ: تَجِبُ ثُلُثُ دِيَةٍ كَشَحْمَةِ أُذُنٍ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": فِيمَا بَقِيَ مِنْ أُذُنٍ بِلَا نَفْعٍ الدِّيَةُ وَإِلَّا حُكُومَةٌ. [دِيَةُ شَلَلِ الْعُضْوِ أَوْ إِذْهَابِ نَفْعِهِ] (وَفِي شَلَلِ الْعُضْوِ، أَوْ إِذْهَابِ نَفْعِهِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَى الشَّفَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَنْطَبِقَانِ عَلَى الْأَسْنَانِ) الدِّيَةُ ; لِأَنَّهُ عَطَّلَ نَفْعَهُمَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَمْسَكَ يَدَهُ، أَوْ لِسَانَهُ، أَوْ شَفَتَهُ وَسَائِرَ الْأَعْضَاءِ إِلَّا الْأُذُنَ، وَالْأَنْفَ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": وَكَذَا إِذَا اسْتَرْخَيَا فَصَارَا لَا يَنْفَصِلَانِ عَنِ الْأَسْنَانِ ; لِأَنَّهُ عَطَّلَ جَمَالَهَا، وَفِي " التَّبْصِرَةِ "، وَ " التَّرْغِيبِ " فِي التَّقَلُّصِ حُكُومَةٌ (وَتَسْوِيدِ السِّنِّ، وَالظُّفُرِ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ) عَنْهُ (دِيَتُهُ) رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَالَهُ ابْنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 وَتَسْوِيدِ السِّنِّ، وَالظُّفُرِ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ دِيَتُهُ، وَعَنْهُ: فِي تَسْوِيدِ السِّنِّ ثُلُثُ دِيَتِهَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهَا حُكُومَةٌ. وَفِي الْعُضْوِ الْأَشَلِّ مِنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَالذَّكَرِ، وَالثَّدْيِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ، وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَشَحْمَةِ الْأُذُنِ، وَذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ، وَالثَّدْيِ دُونَ حَلَمَتِهِ، وَالذَّكَرِ دُونَ حَشَفَتِهِ، وَقَصَبَةِ الْأَنْفِ، وَالْيَدِ، وَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَتَيْنِ –   [المبدع في شرح المقنع] سِيرِينَ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ (وَعَنْهُ: فِي تَسْوِيدِ السِّنِّ ثُلُثُ دِيَتِهَا) وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ وَكَتَسْوِيدِ أَنْفِهِ مَعَ بَقَاءِ نَفْعِهِ، قَالَهُ فِي " الْوَاضِحِ " (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهَا حُكُومَةٌ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُذْهِبْهَا بِمَنْفَعَتِهَا، فَلَمْ تَكْمُلْ دِيَتُهَا كَمَا لَوِ احْمَرَّتْ، أَوِ اصْفَرَّتْ، أَوْ كَلَّتْ، وَعَنْهُ: إِنْ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهَا مِنَ الْمَضْغِ عَلَيْهَا فَفِيهَا دِيَتُهَا وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّهُ قَوْلُ زَيْدٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ فَكَمُلَتْ دِيَتُهَا كَمَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَ الْأَصَمِّ. فَرْعٌ: إِذَا جَنَى عَلَى سِنِّهِ فَاخْصَرَّتْ فَعَنْهُ كَتَسْوِيدِهَا، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنْتَخَبِ "، وَعَنْهُ: حُكُومَةٌ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَشْهَرُ، وَذَكَرَهُمَا فِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالَيْنِ. [دِيَةُ الْعُضْوِ الْأَشَلِّ أَوِ الزَّائِدِ وَدِيَةُ عُضْوَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ] (وَفِي الْعُضْوِ الْأَشَلِّ مِنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَالذَّكَرِ، وَالثَّدْيِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ، وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ) فِي مَوْضِعِهَا صَحِيحَةً غَيْرَ أَنَّهُ أَذْهَبَ نَظَرَهَا (وَشَحْمَةِ الْأُذُنِ، وَذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ، وَالثَّدْيِ دُونَ حَلَمَتِهِ، وَالذَّكَرِ دُونَ حَشَفَتِهِ، وَقَصَبَةِ الْأَنْفِ، وَالْيَدِ، وَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَتَيْنِ حُكُومَةٌ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِيجَابُ دِيَةٍ كَامِلَةٍ لِكَوْنِهَا قَدْ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهَا، وَلَا مُقَدَّرَ فِيهَا فَتَجِبُ الْحُكُومَةُ (وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَتِهِ) لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ إِذَا قُطِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا، وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ إِذَا قُلِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا» . وَعَنْ عُمَرَ مَعْنَى ذَلِكَ رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَحُكْمُ الرِّجْلِ الشَّلَّاءِ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ رَجَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَالَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 حُكُومَةٌ، وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَتِهِ، وَعَنْهُ: فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ كَمَالُ دِيَتِهِ. فَلَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ،   [المبدع في شرح المقنع] قَوْلُهُمْ لَا يُمْكِنُ إِيجَابٌ مُقَدَّرٌ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا التَّقْدِيرَ وَبَيَّنَّاهُ، فَأَمَّا الْيَدُ، وَالرِّجْلُ، وَالْإِصْبَعُ، وَالسِّنُّ الزَّوَائِدُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ وَبَقِيَ جَمَالُهُ ; لِأَنَّ هَذِهِ الزَّوَائِدَ لَا جَمَالَ فِيهَا، إِنَّمَا هِيَ شَيْنٌ فِي الْخِلْقَةِ وَعَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ وَتَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ، قَالَ الْقَاضِيَ: هُوَ فِي مَعْنَى الْيَدِ الشَّلَّاءِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَا كُلُّ عُضْوٍ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ وَبَقِيَتْ صُورَتُهُ، وَالْكَفُّ الَّذِي لَا أَصَابِعَ عَلَيْهِ وَسَاقٌ لَا قَدَمَ فِيهِ وَذِرَاعٌ لَا كَفَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرٌ لَا حَشَفَةَ لَهُ (وَعَنْهُ: فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ كَمَالُ دِيَتِهِ) ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ» وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْ جِمَاعِهِ، وَهُوَ عُضْوٌ سَلِيمٌ فِي نَفْسِهِ، أَشْبَهَ ذَكَرَ الشَّيْخِ، وَعَنْهُ لَا تَكْمُلُ دِيَتُهُ ; لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِنْزَالِ، وَالْإِحْبَالِ بِالْجِمَاعِ، وَقَدْ عُدِمَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ، أَشْبَهَ الْأَشَلَّ، وَبِهَذَا فَارَقَ ذَكَرَ الشَّيْخِ، وَأَمَّا ذَكَرُ الْخَصِيِّ فَعَنْهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ، وَهِيَ الْجِمَاعُ بَاقِيَةٌ فِيهِ، وَعَنْهُ: لَا ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَحْصِيلُ النَّسْلِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمْ تَكْمُلْ دِيَتُهُ، وَعَنْهُ: تَكْمِيلُهَا لِذَكَرِ الْعِنِّينِ دُونَ الْخَصِيِّ، وَخَرَّجَ مِنْهُ فِي " الِانْتِصَارِ " فِي لِسَانِ أَخْرَسَ، وَقَدَّمَ فِي " الرَّوْضَةِ " فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ إِنْ لَمْ يُجَامَعْ بِمِثْلِهِ فَثُلُثُ دِيَتِهِ وَإِلَّا دِيَةٌ، قَالَ: فِي عَيْنٍ قَائِمَةٍ نِصْفُ دِيَةٍ. فَرْعٌ: إِذَا نَبَتَتْ أَسْنَانُ صَبِيٍّ سَوْدَاءَ، ثُمَّ ثُغِرَ، ثُمَّ عَادَتْ سَوْدَاءَ فَدِيَتُهَا تَامَّةٌ كَمَنْ خُلِقَ أَسْوَدَ الْوَجْهِ وَالْجِسْمِ جَمِيعًا، وَإِنْ نَبَتَتْ أَوَّلًا بَيْضَاءَ، ثُمَّ ثُغِرَ، ثُمَّ عَادَتْ سَوْدَاءَ، فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: لَيْسَ السَّواد لِمَرَضٍ وَلَا عِلَّةٍ فَفِيهَا كَمَالُ دِيَتِهَا، وَإِلَّا فَثُلُثُ دِيَةٍ، أَوْ حُكُومَةٌ (فَلَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَيَيْنِ مَعًا) أَيْ: دُفْعَةً وَاحِدَةً (أَوِ الذَّكَرَ، ثُمَّ الْأُنْثَيَيْنِ لَزِمَهُ دِيَتَانِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوِ انْفَرَدَ لَوَجَبَ فِي قَطْعِهِ الدِّيَةُ، فَكَذَا لَوِ اجْتَمَعَ (وَلَوْ قَطَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 وَالْأُنْثَيَيْنِ مَعًا، أَوِ الذَّكَرَ، ثُمَّ الْأُنْثَيَيْنِ - لَزِمَهُ دِيَتَانِ، وَلَوْ قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ، ثُمَّ قَطَعَ الذَّكَرَ وَجَبَتْ دِيَةُ الْأُنْثَيَيْنِ، وَفِي الذَّكَرِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: دِيَةٌ، وَالْأُخْرَى حُكُومَةٌ، أَوْ ثُلُثُ دِيَتِهِ. وَإِنْ أَشَلَّ الْأَنْفَ، أَوِ الْأُذُنَ، أَوْ عَوَّجَهُمَا فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَفِي قَطْعِ الْأَشَلِّ مِنْهُمَا كَمَالُ دِيَتِهِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي أَنْفِ الْأَخْشَمِ وَالْمَخْرُومِ، وَأُذُنَيِ الْأَصَمِّ،   [المبدع في شرح المقنع] الْأُنْثَيَيْنِ، ثُمَّ قَطَعَ الذَّكَرَ وَجَبَتْ دِيَةُ الْأُنْثَيَيْنِ) لِأَنَّ قَطْعَهُمَا لَمْ يُصَادِفْ مَا يُوجِبُ نَقْصَهُمَا عَنْ دِيَتِهِمَا (وَفِي الذَّكَرِ رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " (إِحْدَاهُمَا: دِيَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ» (وَالْأُخْرَى) وَهِيَ أَشْهَرُ (حُكُومَةٌ، أَوْ ثُلُثُ دِيَتِهِ) لِأَنَّهُ ذَكَرُ خَصِيٍّ. فَرْعٌ: إِذَا قَطَعَ نِصْفَ الذَّكَرِ طُولًا، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَنَصَرَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ كَامِلَةً ; لِأَنَّهُ ذَهَبَ مَنْفَعَةُ الْجِمَاعِ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَشَلَّهُ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ قِطْعَةً فَمَا دُونَ الْحَشَفَةِ وَخَرَجَ الْبَوْلُ عَلَى عَادَتِهِ وَجَبَ بِقَدْرِ الْقِطْعَةِ مِنْ جَمِيعِ الذَّكَرِ مِنَ الدِّيَةِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَجَبَ الْأَكْثَرُ مِنَ الدِّيَةِ، أَوِ الْحُكُومَةُ (وَإِنْ أَشَلَّ الْأَنْفَ، أَوِ الْأُذُنَ، أَوْ عَوَّجَهُمَا فَفِيهِ حُكُومَةٌ) لِأَنَّ نَفْعَ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ بَاقٍ مَعَ الشَّلَلِ، بِخِلَافِ الْيَدِ، فَإِنَّ نَفْعَهَا قَدْ زَالَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِبَقَاءِ نَفْعِ الْأُذُنِ كَوْنَهَا تَجْمَعُ الصَّوْتَ وَتَمْنَعُ دُخُولَ الْهَوَاءِ فِي الصِّمَاخِ، وَهَذَا بَاقٍ مَعَ الشَّلَلِ، وَكَذَلِكَ الْأَنْفُ، فَنَفْعُهُ جَمْعُ الرَّائِحَةِ وَمَنْعُ وُصُولِ شَيْءٍ إِلَى دِمَاغِهِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: أَوْ تَغْيِيرُ لَوْنِهِمَا، وَقِيلَ: الدِّيَةُ كَشَلَلِ يَدٍ وَمَثَانَةٍ وَنَحْوِهِمَا (وَفِي قَطْعِ الْأَشَلِّ مِنْهُمَا كَمَالُ دِيَتِهِ) لِأَنَّهُ قَطَعَ أُذُنًا فِيهَا جَمَالُهَا وَنَفْعُهَا كَالصَّحِيحَةِ وَكَمَا لَوْ قَطَعَ عَيْنًا عَمْشَاءَ، أَوْ حَوْلَاءَ. فَرْعٌ: إِذَا قَطَعَ الْأَنْفَ إِلَّا جِلْدَةً بَقِيَ مُعَلَّقًا بِهَا، فَلَمْ يَلْتَحِمْ وَاحْتِيجَ إِلَى قَطْعِ الْجِلْدَةِ فَفِيهِ دِيَتُهُ، وَإِنْ رَدَّهُ، فَالْتَحَمَ فَحُكُومَةٌ، وَإِنْ أَبَانَهُ فَرَدَّهُ، فَالْتَحَمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ حُكُومَةٌ، وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ دِيَتُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَلْتَحِمْ (وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي أَنْفِ الْأَخْشَمِ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 وَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ، أَوْ أُذُنَيْهِ فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَجَبَتْ دِيَتَانِ. وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ إِذَا أَذْهَبَهَا بِمَنَافِعِهَا لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ وَفِي كُلِّ حَاسَّةٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ. وَكَذَلِكَ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ لَا عَيْبَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْعَيْبُ فِي غَيْرِهِ (وَالْمَخْرُومِ) لِأَنَّ أَنْفَهُ كَامِلٌ غَيْرَ أَنَّهُ مَعِيبٌ كَالْعُضْوِ الْمَرِيضِ (وأُذُنَيِ الْأَصَمِّ) لِأَنَّ الصَّمَمَ نَقْصٌ فِي غَيْرِ الْأُذُنِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ " إِذَا قُلْنَا: يُؤْخَذُ بِهِ السَّالِمُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ، وَإِلَّا فَفِيهِ حُكُومَةٌ (وَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ) لَزِمَهُ دِيَتَانِ ; لِأَنَّ الشَّمَّ مِنْ غَيْرِ الْأَنْفِ، فَلَا تُدْخَلُ دِيَةُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ (أَوْ أُذُنَيْهِ فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَجَبَتْ دِيَتَانِ) لِأَنَّ السَّمْعَ مِنْ غَيْرِ الْأُذُنِ، فَهُوَ كَالْبَصَرِ مَعَ الْأَجْفَانِ، وَالنُّطْقِ مَعَ الشَّفَتَيْنِ، فَلَوْ ذَهَبَ شَمُّ أَحَدِهِمَا فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي بَعْضِهِ حُكُومَةٌ (وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ) كَالْعَيْنَيْنِ، وَنَحْوِهِمَا (إِذَا أَذْهَبَهَا بِمَنَافِعِهَا لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ نَفْعَهَا فِيهَا، وَهُوَ تَابِعٌ لَهَا يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ، فَوَجَبَتْ دِيَةُ الْعُضْوِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ لَمْ تَجِبْ دِيَتُهُ. [فَصْلٌ: دِيَةُ الْمَنَافِعِ] [دِيَةُ ذَهَابِ الْمَنَافِعِ أَوْ نُقْصَانِهَا] فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ لَمَّا تَمَّمَ الْكَلَامَ عَلَى دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ كَالْعَيْنَيْنِ، وَنَحْوِهِمَا - شَرَعَ يَتَكَلَّمُ فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ، وَهِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَنَحْوُهُمَا (وَفِي كُلِّ حَاسَّةٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) كَذَا عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ، يُقَالُ: حَسَّ وَأَحَسَّ، أَيْ: عَلِمَ وَأَيْقَنَ، وَبِأَلِفٍ أَفْصَحُ، وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ قَوْلُهُمُ: الْحَاسَّةُ، وَالْحَوَاسُّ الْخَمْسُ عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ، وَالْأَشْهَرُ فِي حَسَّ بِلَا أَلِفٍ بِمَعْنَى قَتَلَ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْحَوَاسُّ الْمَشَاعِرُ الْخَمْسُ: السَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالشَّمُّ، وَالذَّوْقُ، وَاللَّمْسُ. (وَهِيَ السَّمْعُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَفِي السَّمْعِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 تَجِبُ فِي الْكَلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْمَشْيِ وَالْأَكْلِ وَالنِّكَاحِ وَتَجِبُ فِي الْحَدَبِ، وَالصَّعَرِ،   [المبدع في شرح المقنع] الدِّيَةُ» وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي رَجُلٍ رَمَى آخَرَ بِحَجَرٍ فِي رَأْسِهِ فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ وَلِسَانُهُ وَنِكَاحُهُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ، وَالرَّجُلُ حَيٌّ. رَوَاهُ أَبُو الْمُهَلَّبِ، وَلِأَنَّهَا حَاسَّةٌ تَخْتَصُّ بِنَفْعٍ، فَكَانَ فِيهَا الدِّيَةُ كَالْبَصَرِ، فَإِنْ ذَهَبَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَجَبَ نِصْفُهَا كَالْبَصَرِ (وَالْبَصَرُ) مِنَ الْعَيْنَيْنِ الْمُبْصِرَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ إِجْمَاعًا (وَالشَّمُّ) لِأَنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ الْقَاضِي: وَلِأَنَّهُ حَاسَّةٌ تَخْتَصُّ بِمَنْفَعَةٍ كَسَائِرِ الْحَوَاسِّ (وَالذَّوْقُ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُعَظَّمُ ; لِأَنَّ الذَّوْقَ حَاسَّةٌ، أَشْبَهَ الشَّمَّ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْحُكُومَةُ. صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ ; لِأَنَّ لِسَانَ الْأَخْرَسِ لَا دِيَةَ فِيهِ إِجْمَاعًا عَلَى أَنَّهَا لَا تَكْمُلُ فِي ذَهَابِ الذَّوْقِ بِمُفْرَدِهِ ; لِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَا تَكْمُلُ الدِّيَةُ فِيهِ بِمَنْفَعَتِهِ، لَا تَكْمُلُ فِي مَنْفَعَتِهِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (وَكَذَلِكَ تَجِبُ فِي الْكَلَامِ) لِأَنَّ كُلَّ مَا تَعَلَّقَتِ الدِّيَةُ بِإِتْلَافِهِ تَعَلَّقَتْ بِإِتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ كَالْيَدِ (وَالْعَقْلِ) بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ مَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْمَعَانِي قَدْرًا وَأَعْظَمُ الْحَوَاسِّ نَفْعًا، فَإِنَّهُ يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنِ الْبَهِيمَةِ، وَيَعْرِفُ بِهِ صِحَّةَ حَقَائِقِ الْمَعْلُومَاتِ، وَيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الْمَصَالِحِ، وَيَدْخُلُ بِهِ فِي التَّكْلِيفِ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَاتِ وَصِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ وَأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ. فَرْعٌ: إِذَا نَقَصَ نَقْصًا مَعْلُومًا وَجَبَ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرُهُ فَحُكُومَةٌ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ الْمُذْهِبَةُ لِلْعَقْلِ - وَلَهَا أَرْشٌ كَالْمُوضِحَةِ - وَجَبَتِ الدِّيَةُ وَأَرْشُ الْجُرْحِ، وَلَا تَدْخُلُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ الْمُذْهِبَةِ لَهُ فِي دِيَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ بَصَرُهُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ (وَالْمَشْيِ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مَقْصُودَةٌ، أَشْبَهَ الْكَلَامَ (وَالْأَكْلِ) لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ كَالشَّمِّ (وَالنِّكَاحِ) أَيْ: إِذَا كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ نِكَاحُهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ; لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ، أَشْبَهَ ذَهَابَ الْمَشْيِ (وَتَجِبُ فِي الْحَدَبِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالدَّالِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ فَيَصِيرُ الْوَجْهُ فِي جَانِبٍ، وَفِي تَسْوِيدِ الْوَجْهِ إِذَا لَمْ يُزَلْ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَمْسِكِ الْغَائِطَ أَوِ الْبَوْلَ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. وَفِي نَقْصِ شَيْءٍ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] مَصْدَرُ حَدِبَ بِكَسْرِ الدَّالِ إِذَا صَارَ أَحْدَبَ ; لِأَنَّ بِذَلِكَ تَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ، وَالْجَمَالُ ; لِأَنَّ انْتِصَابَ الْقَامَةِ مِنَ الْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، وَبِهِ يَشْرُفُ الْآدَمِيُّ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْكَلَامِ وَمَا بَعْدَهُ هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَخَالَفَ فِيهِ الْقَاضِي وَغَيْرَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (وَالصَّعَرِ، وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ فَيَصِيرُ الْوَجْهُ فِي جَانِبٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَصْلُ الصَّعَرِ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فِي عُنُقِهِ فَيَلْتَوِي مِنْهُ عُنُقُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان: 18] أَيْ: لَا تُعْرِضْ عَنْهُمْ بِوَجْهِكَ تَكَبُّرًا، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدٍ، رَوَاهُ مَكْحُولٌ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ مُخَالِفًا، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْجَمَالَ وَالْمَنْفَعَةَ، فَوَجَبَ فِيهِ دِيَتُهُ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ، وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَ " التَّرْغِيبِ ": أَوْ لَا يَبْلَعُ رِيقَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ ; لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ لَيْسَ لَهَا مِثْلٌ فِي الْبَدَنِ (وَفِي تَسْوِيدِ الْوَجْهِ إِذَا لَمْ يُزَلْ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ فَضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَيِ الْأَصَمِّ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا صَفَّرَ وَجْهَهُ، أَوْ حَمَّرَهُ تَجِبُ حُكُومَةٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبِ الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ، وَفِي " الْمُبْهِجِ "، وَ " التَّرْغِيبِ " إِذَا أَزَالَ لَوْنَهُ إِلَى غَيْرِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ (وَإِذَا لَمْ يَسْتَمْسِكِ الْغَائِطَ، أَوِ الْبَوْلَ) بِأَنْ ضَرَبَ بَطْنَهُ، فَلَمْ يَسْتَمْسِكِ الْغَائِطَ، أَوِ الْمَثَانَةَ فَلَمْ يَسْتَمْسِكِ الْبَوْلَ (فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ إِلَّا أَنَّ أَبَا مُوسَى ذَكَرَ فِي الْمَثَانَةِ رِوَايَةَ ثُلُثِ الدِّيَةِ، كَإِفْضَاءِ الْمَرْأَةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَحَلَّيْنِ عُضْوٌ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهَا، فَإِنَّ نَفْعَ الْمَثَانَةِ حَبْسُ الْبَوْلِ، وَحَبْسُ الْبَطْنِ الْغَائِطَ مَنْفَعَةٌ مِثْلُهَا، وَالضَّرَرُ بِفَوَاتِهِمَا عَظِيمٌ، فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الدِّيَةُ كَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، فَإِنْ فَاتَتِ الْمَنْفَعَتَانِ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ دِيَتَانِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 ذَلِكَ إِنْ عُلِمَ بِقَدْرِهِ مِثْلُ نَقْصِ الْعَقْلِ بِأَنْ يُجَنَّ يَوْمًا وَيُفِيقَ يَوْمًا، أَوْ ذَهَابِ بَصَرِ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ، أَوْ سَمْعِ إِحْدَى الْأُذُنَيْنِ، وَفِي بَعْضِ الْكَلَامِ بِالْحِسَابِ يُقْسَمُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي لِلِّسَانِ فِيهَا عَمَلٌ دُونَ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا جَنَى عَلَيْهِ، فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَلِسَانُهُ وَجَبَ أَرْبَعُ دِيَاتٍ لِقَضَاءِ عُمَرَ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَاتٍ، فَأَذْهَبَهَا، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَرْشُ الْجِرَاحِ، فَإِنَّ مَاتَ مِنَ الْجِنَايَةِ لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ ; لِأَنَّ دِيَاتِ الْمَنَافِعِ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ كَدِيَاتِ الْأَعْضَاءِ (وَفِي نَقْصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِنْ عُلِمَ بِقَدْرِهِ) لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِي جَمِيعِ الشَّيْءِ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ كَإِتْلَافِ الْمَالِ (مِثْلُ نَقْصِ الْعَقْلِ بِأَنْ يُجَنَّ يَوْمًا وَيُفِيقَ يَوْمًا، أَوْ ذَهَابِ بَصَرِ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ، أَوْ سَمْعِ إِحْدَى الْأُذُنَيْنِ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ وَجَبَ بَعْضُهَا فِي بَعْضِهِ كَالْأَصَابِعِ، وَالْيَدَيْنِ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ: وَمَنْفَعَةُ الصَّوْتِ وَمَنْفَعَةُ الْبَطْشِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ الدِّيَةُ، وَفِي " الْفُنُونِ " لَوْ سَقَاهُ ذَرْقَ حَمَامٍ فَذَهَبَ صَوْتُهُ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ (وَفِي بَعْضِ الْكَلَامِ بِالْحِسَابِ يُقْسَمُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا) سِوَى " لَا " فَإِنَّ مَخْرَجَهَا مَخْرَجُ اللَّامِ وَالْأَلِفِ، فَمَهْمَا نَقَصَ مِنَ الْحُرُوفِ نَقَصَ مِنَ الدِّيَةِ بِقَدْرِهِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتِمُّ بِجَمِيعِهَا، فَالذَّاهِبُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ مِنَ الدِّيَةِ كَقَدْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ، فَفِي الْحَرْفِ الْوَاحِدِ رُبُعُ سُبُعِ الدِّيَةِ، وَفِي الْحَرْفَيْنِ نِصْفُ سُبُعِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا خَفَّ عَلَى اللِّسَانِ أَوْ ثَقُلَ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْمُقَدَّرُ لَمْ يَخْتَلِفْ لِاخْتِلَافِ قَدْرِهِ كَالْأَصَابِعِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي لِلِّسَانِ فِيهَا عَمَلٌ دُونَ الشَّفَوِيَّةِ كَالْبَاءِ، وَالْفَاءِ، وَالْمِيمِ) وَالْوَاوِ دُونَ حُرُوفِ الْحَلْقِ السِّتَّةِ، وَهِيَ: الْهَمْزَةُ، وَالْهَاءُ، وَالْحَاءُ، وَالْخَاءُ، وَالْعَيْنُ، وَالْغَيْنُ. فَهَذِهِ عَشَرَةٌ، بَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَاللِّسَانُ تُقْسَمُ دِيَتُهُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِقَطْعِ اللِّسَانِ وَذَهَابِ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَحْدَهَا مَعَ بَقَائِهِ، فَإِذَا وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِيهَا بِمُفْرَدِهَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِهَا بِقِسْطِهِ مِنْهَا، وَفِي " الْكَافِي ": إِنَّ اللِّسَانَ لَا عَمَلَ لَهُ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ يَنْطِقُ بِهَا اللِّسَانُ أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يَنْطِقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا (وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ مِثْلُ أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 الشَّفَوِيَّةِ كَالْبَاءِ، وَالْفَاءِ، وَالْمِيمِ. وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ، مِثْلُ أَنْ صَارَ مَدْهُوشًا، أَوْ نَقَصَ سَمْعُهُ، أَوْ بَصَرُهُ، أَوْ شَمُّهُ، أَوْ حَصَلَ فِي كَلَامِهِ تَمْتَمَةٌ، أَوْ عَجَلَةٌ، أَوْ نَقَصَ مَشْيُهُ، أَوِ انْحَنَى قَلِيلًا، أَوْ تَقَلَّسَتْ شَفَتُهُ بَعْضَ التَّقَلُّسِ، أَوْ تَحَرَّكَتْ سِنُّهُ، أَوْ ذَهَبَ اللَّبَنُ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ. وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ اللِّسَانِ فَذَهَبَ بَعْضُ   [المبدع في شرح المقنع] صَارَ مَدْهُوشًا) يَفْزَعُ مِمَّا لَا يُفْزَعُ مِنْهُ وَيَسْتَوْحِشُ إِذَا خَلَا (أَوْ نَقَصَ سَمْعُهُ، أَوْ بَصَرُهُ) وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي نَقْصِ بَصَرٍ، نَزِنُهُ بِالْمَسَافَةِ، فَلَوْ نَظَرَ الشَّخْصَ عَلَى مِائَتَيْ ذِرَاعٍ، فَنَظَرَهُ عَلَى مِائَةٍ، فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي " الْوَسِيلَةِ ": لَوْ لَطَمَهُ فَذَهَبَ بَعْضُ بَصَرِهِ، فَالدِّيَةُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ (أَوْ شَمُّهُ، أَوْ حَصَلَ فِي كَلَامِهِ تَمْتَمَةٌ، أَوْ عَجَلَةٌ) أَوْ صَارَ أَلْثَغَ (أَوْ نَقَصَ مَشْيُهُ، أَوِ انْحَنَى قَلِيلًا، أَوْ تَقَلَّسَتْ شَفَتُهُ بَعْضَ التَّقَلُّسِ، أَوْ تَحَرَّكَتْ سِنُّهُ، أَوْ ذَهَبَ اللَّبَنُ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ) لِمَا حَصَلَ مِنَ النَّقْصِ، وَالشَّيْنِ، وَلَمْ تَجِبِ الدِّيَةُ ; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بَاقِيَةٌ، وَقِيلَ: إِنْ ذَهَبَ اللَّبَنُ فَالدِّيَةُ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ جَانٍ آخَرُ فَأَذْهَبَ كَلَامَهُ، فَالدِّيَةُ كَامِلَةً كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى عَيْنِهِ جَانٍ فَعَمِشَتْ، ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ آخَرُ فَأَذْهَبَ بَصَرَهَا. فَرْعٌ: إِذَا أَذْهَبَ كَلَامَ الْأَلْثَغِ، فَإِنْ كَانَ مَأْيُوسًا مِنْ ذَهَابِ لُثْغَتِهِ، فَفِيهِ بِقِسْطِ مَا ذَهَبَ مِنَ الْحُرُوفِ وَغَيْرُ الْمَأْيُوسِ كَصَغِيرٍ فِيهِ الدِّيَةُ، وَكَذَا كَبِيرٌ إِذَا أَمْكَنَ إِزَالَةُ لُثْغَتِهِ بِالتَّعْلِيمِ. أَصْلٌ: إِذَا نَقَصَ ذَوْقُهُ نَقْصًا غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُحْسِنَ الْمَذَاقَ الْخَمْسَ، وَهِيَ الْحَلَاوَةُ، وَالْحُمُوضَةُ، وَالْمَرَارَةُ، وَالْمُلُوحَةُ، وَالْعُذُوبَةُ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ عَلَى الْكَمَالِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ كَنَقْصِ بَصَرِهِ نَقْصًا لَا يَتَقَدَّرُ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ أَحَدَهَا وَأَدْرَكَ الْبَاقِيَ فَفِيهِ خُمُسُ الدِّيَةِ، وَفِي اثْنَيْنِ خُمُسَاهَا، وَفِي ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ وَاحِدَةً فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ إِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا فِيهِ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ. [دِيَةُ قَطْعِ جُزْءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ] (وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ اللِّسَانِ فَذَهَبَ بَعْضُ الْكَلَامِ اعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا) أَيْ: تَجِبُ دِيَةُ الْأَكْثَرِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا مِثْلُ أَنْ يَقْطَعَ رُبُعَ لِسَانِهِ فَيَذْهَبُ رُبُعُ كَلَامِهِ وَجَبَ رُبُعُ الدِّيَةِ بِقَدْرِ الذَّاهِبِ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ قَلَعَ إِحْدَى عَيْنَيْهِ فَذَهَبَ بَصَرُهَا (فَلَوْ ذَهَبَ رُبُعُ اللِّسَانِ وَنِصْفُ الْكَلَامِ، أَوْ رُبُعُ الْكَلَامِ وَنِصْفُ اللِّسَانِ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ مُنْفَرِدًا، فَإِذَا انْفَرَدَ نِصْفُهُ بِالذَّهَابِ وَجَبَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 الْكَلَامِ اعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا، فَلَوْ ذَهَبَ رُبُعُ اللِّسَانِ وَنِصْفُ الْكَلَامِ، أَوْ رُبُعُ الْكَلَامِ وَنِصْفُ اللِّسَانِ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ، فَإِنْ قَطَعَ رُبُعَ اللِّسَانِ فَذَهَبَ نصف نِصْفُ الْكَلَامِ، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَعَلَى الثَّانِي نِصْفُهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَحُكُومَةٌ لِرُبُعِ اللِّسَانِ. وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ   [المبدع في شرح المقنع] النِّصْفُ ; لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ نِصْفُ اللِّسَانِ فَقَطْ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَكَذَا عَكْسُهُ (فَإِنْ قَطَعَ رُبُعَ اللِّسَانِ فَذَهَبَ نِصْفُ الْكَلَامِ، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ أَذْهَبَ بِجِنَايَتِهِ نِصْفَ الْكَلَامِ (وَعَلَى الثَّانِي نِصْفُهَا) وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ السَّالِمَ نِصْفُ اللِّسَانِ، وَبَاقِيهِ أَشَلُّ بِدَلِيلِ ذَهَابِ نِصْفِ الْكَلَامِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الثَّانِي (نِصْفُ الدِّيَةِ، وَحُكُومَةٌ لِرُبُعِ اللِّسَانِ) هَذَا وَجْهٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ الْأَشْهَرُ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَمِيعُهُ أَشَلَّ كَانَ فِيهِ حُكُومَةٌ، فَكَذَا فِي بَعْضِهِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ أَوَّلًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَلَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ بَعْضَهُ أَشَلُّ ; لِأَنَّ الْعُضْوَ شَيْءٌ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْضُهُ أَشَلَّ كَضَعْفِ بَصَرِ الْعَيْنِ وَبَطْشِ الْيَدِ، فَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ رُبُعُ كَلَامِهِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، فَإِنْ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْكَافِي "، وَ " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ، فَلَوْ ذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَلَامٍ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، فَمَعَ قَطْعِ نِصْفِهِ أَوْلَى، وَقِيلَ: النِّصْفُ فَقَطْ. فَرْعٌ: إِذَا جَنَى عَلَى لِسَانِهِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ مِثْلَ جِنَايَتِهِ فَذَهَبَ مِنْ كَلَامِ الْجَانِي مِثْلُ جِنَايَتِهِ وَذَهَبَ مِنْ كَلَامِ الْجَانِي كَذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، وَإِنْ ذَهَبَ أَقَلُّ فَلِلْمُقْتَصِّ دِيَةُ مَا بَقِيَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ بَدَلَهُ، وَلَوْ كَانَ اللِّسَانُ ذَا طَرَفَيْنِ فَقُطِعَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يَذْهَبْ مِنَ الْكَلَامِ شَيْءٌ، وَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْخِلْقَةِ فَهُمَا كَلِسَانٍ مَشْقُوقٍ فِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 نُطْقُهُ وَذَوْقُهُ لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةٌ، وَإِنْ ذَهَبَا مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ فَفِيهِ دِيَتَانِ. وَإِنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَنِكَاحُهُ فَفِيهِ دِيَتَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَإِنِ اخْتَلَفَا   [المبدع في شرح المقنع] تَامَّ الْخِلْقَةِ، وَالْآخَرُ نَاقِصٌ، فَالتَّامُّ فِيهِ الدِّيَةُ، وَالنَّاقِصُ زَائِدٌ، فِيهِ حُكُومَةٌ (وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ نُطْقُهُ وَذَوْقُهُ) أَوْ كَانَ أَخْرَسَ، قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ " وَسَبَقَهُمَا إِلَى ذَلِكَ " الْمُحَرَّرُ " (لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةً) وَاحِدَةً ; لِأَنَّهُمَا ذَهَبَا تَبَعًا فَوَجَبَ دِيَتُهُ دُونَ دِيَتِهِمَا كَمَا لَوْ قَتَلَ إِنْسَانًا، فَلَوْ عَادَ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ تَجِبْ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ، وَلَوْ ذَهَبَ لَمْ يَعُدْ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا رَدَّهَا، وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَهُ، ثُمَّ عَادَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقِيلَ: حُكُومَةٌ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يَجِبُ أَرْشُ الْقَطْعِ، فَإِنْ قَطَعَهُ قَاطِعٌ فَالْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْضَحَهُ، فَانْدَمَلَتْ، ثُمَّ أَوْضَحَهُ آخَرُ، فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ، بَلْ تَجِبُ حُكُومَةٌ ; لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا يَعُودُ، بِخِلَافِ اللِّسَانِ، فَإِنْ نَقَصَ صُورَةً أَوْ مَعْنًى وَجَبَ أَرْشُهُ (وَإِنْ ذَهَبَا مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ فَفِيهِ دِيَتَانِ) عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ ذَهَبَتْ مَنَافِعُ الْإِنْسَانِ مَعَ بَقَائِهِ، فَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ مَنْفَعَةٍ دِيَةٌ، وَعَنْهُ: تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. فَرْعٌ: إِذَا قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ كَلَامُهُ، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ فَعَادَ كَلَامُهُ لَمْ يَجِبْ رَدُّ الدِّيَةِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي كَانَ بِاللِّسَانِ قَدْ ذَهَبَ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَى اللِّسَانِ، وَإِنَّمَا عَادَ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ (وَإِنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَنِكَاحُهُ فَفِيهِ دِيَتَانِ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةً مُنْفَرِدًا، فَكَذَا إِذَا اجْتَمَعَا وَكَذَهَابِ شَمٍّ، أَوْ سَمْعٍ بِقَطْعِ أَنْفِهِ، أَوْ أُذُنِهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) هَذَا رِوَايَةٌ ; لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَةُ عُضْوٍ كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ الذَّاهِبَةِ بِنَفْعِهَا، فَلَوْ ضَعُفَ الْمَشْيُ وَالْجِمَاعُ، أَوْ نَقَصَ فَحُكُومَةٌ. فَرْعٌ: إِذَا كَسَرَ صُلْبَهُ فَجُبِرَ وَعَادَ إِلَى حَالِهِ فَحُكُومَةٌ لِلْكَسْرِ، وَإِنِ احْدَوْدَبَ فَحُكُومَةٌ لَهُمَا، وَإِنْ ذَهَبَ مَاؤُهُ، أَوْ إِحْبَالُهُ، فَالدِّيَةُ، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَكَذَا فِي " الرَّوْضَةِ " إِنْ ذَهَبَ نَسْلُهُ فَالدِّيَةُ، وَفِي " الْمُغْنِي " فِي ذَهَابِ مَائِهِ احْتِمَالَانِ. [اخْتِلَافُ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ] (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي نَقْصِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 فِي نَقْصِ بَصَرِهِ، أَوْ سَمْعِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ بَصَرِهِ، أُرِيَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ به، وَقُرِّبَ الشَّيْءُ إِلَى عَيْنِهِ فِي وَقْتِ غَفْلَتِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ سَمْعِهِ، أَوْ شَمِّهِ، أَوْ ذَوْقِهِ صِيحَ بِهِ فِي أَوْقَاتِ غَفْلَتِهِ، وَتُتُبِّعَ بِالرَّائِحَةِ الْمُنْتِنَةِ، وَأُطْعِمَ الْأَشْيَاءَ الْمُرَّةَ، فَإِنْ فَزِعَ مِمَّا يَدْنُو مِنْ بَصَرِهِ، أَوِ انْزَعَجَ لِلصَّوْتِ، أَوْ عَبَسَ لِلرَّائِحَةِ، أَوِ الطَّعْمِ الْمُرِّ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ. وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. فَصْلٌ وَلَا تَجِبُ دِيَةُ الْجُرْحِ حَتَّى يَنْدَمِلَ، وَلَا دِيَةُ سِنٍّ، وَلَا ظُفُرٍ، وَلَا مَنْفَعَةٍ حَتَّى   [المبدع في شرح المقنع] بَصَرِهِ، أَوْ سَمْعِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَقَبُولِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ وَتَجِبُ بِقَدْرِ نَقْصِهِ، وَقِيلَ: حُكُومَةٌ كَمَا لَوْ جَهِلَ قَدْرَ نَقْصِهِ، فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إِنَّهُ يُرْجَى عَوْدُهُ إِلَى مُدَّةٍ، انْتَظَرَ إِلَيْهَا (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ بَصَرِهِ أُرِيَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ به) بِأَنْ يُمْتَحَنَ فِي ذَلِكَ (وَقُرِّبَ الشَّيْءُ إِلَى عَيْنِهِ فِي وَقْتِ غَفْلَتِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ مِنْهُمْ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ كَالْبَيِّنَةِ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ سَمْعِهِ، أَوْ شَمِّهِ، أَوْ ذَوْقِهِ صِيحَ بِهِ فِي أَوْقَاتِ غَفْلَتِهِ، وَتُتُبِّعَ بِالرَّائِحَةِ الْمُنْتِنَةِ وَأُطْعِمَ الْأَشْيَاءَ الْمُرَّةَ، فَإِنْ فَزِعَ مِمَّا يَدْنُو مِنْ بَصَرِهِ، أَوِ انْزَعَجَ لِلصَّوْتِ، أَوْ عَبَسَ لِلرَّائِحَةِ، أَوِ الطَّعْمِ الْمُرِّ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْجَانِي ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَيَحْلِفُ لِئَلَّا يَكُونَ مَا ظَهَرَ مِنْ أَمَارَاتِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا (وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ (مَعَ يَمِينِهِ) لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ تَحَفُّظِهِ وَمَتَى حُكِمَ لَهُ بِالدِّيَةِ، ثُمَّ انْزَعَجَ عِنْدَ صَوْتٍ، أَوْ غَطَّى أَنْفَهُ عِنْدَ رَائِحَةٍ مُنْتِنَةٍ فَطُولِبَ بِالدِّيَةِ فَادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا قُبِلَ قَوْلُهُ ; لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالِاحْتِمَالِ، وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ يُعْلَمُ صِحَّةُ سَمْعِهِ وَشَمِّهِ رَدَّ مَا أَخَذَ ; لِأَنَّا تَبَيَّنَّا كَذِبَهُ، فَإِنِ ادَّعَى الْجَانِي أَنَّهُ وُلِدَ أَبْكَمَ، وَلَا بَيِّنَةَ تُكَذِّبُهُ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَقِيلَ: تُرَدُّ كَمَا لَوْ وُلِدَ نَاطِقًا، ثُمَّ خُرِسَ. [فَصْلٌ: لَا تَجِبُ دِيَةُ الْجُرْحِ حَتَّى يَنْدَمِلَ] فَصْلٌ (وَلَا تَجِبُ دِيَةُ الْجُرْحِ حَتَّى يَنْدَمِلَ) لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَقَتْلٌ هُوَ أَمْ لَيْسَ بِقَتْلٍ؟ فَيُنْتَظَرُ لِيُعْلَمَ حُكْمُهُ، وَمَا الْوَاجِبُ فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِيفَاءُ فِي الْعَمْدِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، فَكَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 يُيْأَسَ مِنْ عَوْدِهَا، وَلَوْ قُلِعَ سِنٌّ كَبِيرٌ، أَوْ ظُفُرٌ، ثُمَّ نَبَتَتْ، أَوْ رَدَّهُ فَالْتَحَمَ، أَوْ ذَهَبَ سَمْعُهُ، أَوْ بَصَرُهُ، أَوْ شَمُّهُ، أَوْ ذَوْقُهُ، أَوْ عَقْلُهُ، ثُمَّ عَادَ سَقَطَتْ دِيَتُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهَا رَدَّهَا، وَإِنْ عَادَ نَاقِصًا، أَوْ عَادَتِ السِّنُّ، أَوِ الظُّفُرُ قَصِيرًا، أَوْ مُتَغَيِّرًا فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ، وَإِنْ قُلِعَ سِنٌّ صَغِيرٌ وَيُئِسَ مِنْ عَوْدِهَا وَجَبَتْ دِيَتُهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهَا   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْخَطَأِ (وَلَا) تَجِبُ (دِيَةُ سِنٍّ، وَلَا ظُفُرٍ، وَلَا مَنْفَعَةٍ حَتَّى يُيْأَسَ مِنْ عَوْدِهَا) لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَمَلُ الْعَوْدُ، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مَعَ الِاحْتِمَالِ كَالشَّعْرِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ: إِنَّهَا لَا تَعُودُ أَبَدًا، لَكِنْ إِنْ مَاتَ قَبْلَهُ وَجَبَتْ (وَلَوْ قُلِعَ سَنٌّ كَبِيرٌ، أَوْ ظُفُرٌ، ثُمَّ نَبَتَتْ، أَوْ رَدَّهُ فَالْتَحَمَ) لَمْ تَجِبْ دِيَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي السِّنِّ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَالظُّفُرُ فِي مَعْنَاهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَجِبُ دِيَتُهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِيهَا حُكُومَةٌ إِنْ نَقَصَتْ، أَوْ ضَعُفَتْ، وَإِنْ قَلَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَتْ دِيَتُهَا، وَعَلَى الثَّانِي: نَبْنِي حُكْمَهَا عَلَى وُجُوبِ قَلْعِهَا، فَإِذَا قَبِلَ بِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى قَالِعِهَا، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِهِ فَاحْتِمَالَانِ، فَإِنْ جَعَلَ مَكَانَهَا سِنًّا أُخْرَى، أَوْ عَظْمًا فَنَبَتَ وَجَبَتْ دِيَتُهَا وَجْهًا وَاحِدًا كَمَا لَوْ لَمْ يَجْعَلْ مَكَانَهَا شَيْئًا، وَإِنْ قُلِعَتِ الثَّانِيَةُ فَحُكُومَةٌ فِي الْأَشْهَرِ (أَوْ ذَهَبَ سَمْعُهُ، أَوْ بَصَرُهُ، أَوْ شَمُّهُ، أَوْ ذَوْقُهُ، أَوْ عَقْلُهُ، ثُمَّ عَادَ سَقَطَتْ دِيَتُهُ) لِزَوَالِ سَبَبِهَا (وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهَا رَدَّهَا) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ (وَإِنْ عَادَ نَاقِصًا، أَوْ عَادَتِ السِّنُّ، أَوِ الظُّفُرُ قَصِيرًا، أَوْ مُتَغَيِّرًا فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ) خَاصَّةً. نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِجِنَايَتِهِ كَمَا لَوْ نَقَّصَهُ مَعَ بَقَائِهِ (وَإِنْ قُلِعَ سِنٌّ صَغِيرٌ وَيُئِسَ مِنْ عَوْدِهَا) وَحَدُّ الْإِيَاسِ سَنَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْغَالِبُ فِي نَبَاتِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا سَقَطَتْ أَخَوَاتُهَا، وَلَمْ تَنْبُتْ (وَجَبَتْ دِيَتُهَا) لِأَنَّهُ أَذْهَبَهَا بِجِنَايَتِهِ إِذْهَابًا مُسْتَمِرًّا كَسِنِّ الْكَبِيرِ (وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهَا حُكُومَةٌ) لِأَنَّ الْعَادَةَ عَوْدُهَا، فَلَمْ تَكْمُلْ دِيَتُهَا كَالشَّعْرِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ الشَّعْرَ لَوْ لَمْ يَعُدْ وَجَبَ دِيَتُهُ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ عَوْدُهُ (وَعَنْهُ: فِي قَلْعِ الظُّفُرِ إِذَا نَبَتَ عَلَى صِفَتِهِ فَفِيهِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ نَبَتَ أَسْوَدَ فَفِيهِ عَشَرَةٌ) إِذِ التَّقْدِيرَاتُ بَابُهَا التَّوْقِيفُ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ تَوْقِيفًا، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ إِذَا عَادَ عَلَى صِفَتِهِ، وَإِنْ نَبَتَ مُتَغَيِّرًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 حُكُومَةٌ، وَعَنْهُ: فِي قَلْعِ الظُّفُرِ إِذَا نَبَتَ عَلَى صِفَتِهِ فَفِيهِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ نَبَتَ أَسْوَدَ فَفِيهِ عَشَرَةٌ، وَإِنْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَادَّعَى الْجَانِي عَوْدَ مَا أَذْهَبَهُ فَأَنْكَرَهُ الْوَلِيُّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ، وَإِنْ جَنَى عَلَى سِنِّهِ اثْنَانِ وَاخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ مَا أَتْلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَصْلٌ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ، وَهِيَ شَعْرُ الرَّأْسِ، وَاللِّحْيَةِ، وَالْحَاجِبَيْنِ، وَأَهْدَابُ الْعَيْنَيْنِ، وَفِي كُلِّ حَاجِبٍ نِصْفُهَا، وَفِي كُلِّ هُدْبٍ رُبُعُهَا، وَفِي   [المبدع في شرح المقنع] فَفِيهِ حُكُومَةٌ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِيهَا فِي كُلِّ الْجُرُوحِ، خُولِفَ ذَلِكَ فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِهِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ (وَإِنْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَادَّعَى الْجَانِي عَوْدَ مَا أَذْهَبَهُ) فِي نَقْصِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ (فَأَنْكَرَهُ الْوَلِيُّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَوْدِ (وَإِنْ جَنَى عَلَى سِنِّهِ اثْنَانِ وَاخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ مَا أَتْلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ ادَّعَى نَقْصَ سَمْعِهِ. [فَصْلٌ: الدِّيَةُ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ أَوِ اللِّحْيَةِ أَوِ الْحَاجِبَيْنِ أَوِ الْأَهْدَابِ] فَصْلٌ (وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ، وَهِيَ شَعْرُ الرَّأْسِ، وَاللِّحْيَةِ، وَالْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابُ الْعَيْنَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدٍ أَنَّهُمَا قَالَا: فِي الشَّعْرِ الدِّيَةُ. رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ، وَعَنْهُ: فِيهِ حُكُومَةٌ كَالشَّارِبِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُهُمْ، لأنه إِتْلَافُ جَمَالٍ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ أَذْهَبَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ فَوَجَبَ فِيهِ دِيَةٌ كَأُذُنِ الْأَصَمِّ وَأَنْفِ الْأَخْشَمِ، وَالْحَاجِبُ يَرُدُّ الْعَرَقَ عَنِ الْعَيْنِ وَيُفَرِّقُهُ، وَهُدْبُ الْعَيْنِ يَرُدُّ عَنْهَا وَيَصُونُهَا فَجَرَى مَجْرَى أَجْفَانِهَا، وَالْيَدُ الشَّلَّاءُ لَيْسَ جَمَالُهَا كَامِلًا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ كَوْنِهَا كَثِيفَةً أَوْ خَفِيفَةً، جَمِيلَةً أَوْ قَبِيحَةً، مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ; لِأَنَّ سَائِرَ مَا فِيهِ الدِّيَةُ مِنَ الْأَعْضَاءِ لَا يُفَرَّقُ الْحَالُ فِيهِ بِذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَفِي كُلِّ حَاجِبٍ نِصْفُهَا) كَالْيَدَيْنِ (وَفِي كُلِّ هُدْبٍ رَبُعُهَا) كَالْأَجْفَانِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ فِيهِ أَرْبَعَةٌ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ رُبُعُ الدِّيَةِ، وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِي جِلْدَةِ وَجْهٍ (وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ بِقِسْطِهِ مِنَ الدِّيَةِ) يُقَدَّرُ بِالْمِسَاحَةِ كَالْأُذُنَيْنِ، وَمَارِنِ الْأَنْفِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 بَعْضِ ذَلِكَ بِقِسْطِهِ مِنَ الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ دِيَتُهُ إِذَا أَزَالَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعُودُ، فَإِنْ عَادَ سَقَطَتِ الدِّيَةُ، وَإِذَا أَبْقَى مِنْ لِحْيَتِهِ مَا لَا جَمَالَ فِيهِ احْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ بِقِسْطِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَمَالُ الدِّيَةِ. وَإِنْ قَلَعَ الْجَفْنَ بِهُدْبِهِ لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةُ الْجَفْنِ، وَإِنْ قَلَعَ اللَّحْيَيْنِ بِمَا عَلَيْهِمَا مِنَ الْأَسْنَانِ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُمَا وَدِيَةُ الْأَسْنَانِ، وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا بِأَصَابِعِهِ لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةُ الْأَصَابِعِ، وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَصَابِعِ دَخَلَ مَا حَاذَى الْأَصَابِعَ   [المبدع في شرح المقنع] وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالًا: تَجِبُ حُكُومَةٌ (وَإِنَّمَا تَجِبُ دِيَتُهُ إِذَا أَزَالَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعُودُ) لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَوْدِ يَمْنَعُ مِنَ الْوُجُوبِ كَالسِّنِّ الصَّغِيرِ (فَإِنْ عَادَ) بِصِفَتِهِ (سَقَطَتِ الدِّيَةُ) نَصَّ عَلَيْهِ كَالسِّنِّ (وَإِذَا أَبْقَى مِنْ لِحْيَتِهِ) أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الشُّعُورِ (مَا لَا جَمَالَ فِيهِ احْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ بِقِسْطِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " كَمَا لَوْ أَبْقَى مِنْ أُذُنِهِ يَسِيرًا (وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَمَالُ الدِّيَةِ) قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْمَقْصُودَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذْهَبَ ضَوْءَ الْعَيْنِ، وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُ رُبَّمَا أَحْوَجَتْ إِلَى ذَهَابِ الْبَاقِي لِزِيَادَته فِي الْقُبْحِ عَلَى ذَهَابِ الْكُلِّ، فَتَكُونُ جِنَايَتُهُ سَبَبًا لِذَهَابِ الْكُلِّ، وَقِيلَ: تَجِبُ حُكُومَةٌ ; لِأَنَّهُ لَا مُقَدَّرَ فِيهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّعُورِ ; لِأَنَّ إِتْلَافَهَا إِنَّمَا يَكُونُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَحَلِّهَا، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومِ الْمِقْدَارِ، وَلَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا، فَلَا تَجِبُ (وَإِنْ قَلَعَ الْجَفْنَ بِهُدْبِهِ لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةُ الْجَفْنِ) لِأَنَّ الشُّعُورَ تَزُولُ تَبَعًا كَالْأَصَابِعِ إِذَا قَطَعَ الْكَفَّ، وَهِيَ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَلَعَ اللَّحْيَيْنِ بِمَا عَلَيْهِمَا مِنَ الْأَسْنَانِ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُمَا وَدِيَةُ الْأَسْنَانِ) أَيْ: عَلَيْهِ دِيَةُ الْكُلِّ، وَلَمْ تَدْخُلْ دِيَةُ الْأَسْنَانِ فِي اللَّحْيَيْنِ كَمَا تَدْخُلُ دِيَةُ الْأَصَابِعِ فِي الْيَدِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّ الْأَسْنَانَ لَيْسَتْ مُتَّصِلَةً بِاللَّحْيَيْنِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُفْرَدَةٌ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأَصَابِعِ. ثَانِيهَا: أَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْفَرِدُ بِاسْمِهِ عَنِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْأَصَابِعِ. ثَالِثُهَا: أَنَّ اللَّحْيَيْنِ يُوجَدَانِ مُنْفَرِدَيْنِ عَنِ الْأَسْنَانِ لِوُجُودِهِمَا قَبْلَ وُجُودِ الْأَسْنَانِ وَيَبْقَيَانِ بَعْدَ قَلْعِهَا، بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ. (وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا بِأَصَابِعِهِ لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةُ الْأَصَابِعِ) لِدُخُولِ الْجَمِيعِ فِي مُسَمَّى الْيَدِ، وَكَمَا لَوْ قَطَعَ ذَكَرًا بِحَشَفَتِهِ لَمْ تَجِبْ دِيَةُ الْحَشَفَةِ لِدُخُولِهَا فِي مُسَمَّى الذَّكَرِ، وَظَاهِرُهُ: يَقْتَضِي سُقُوطَ مَا يَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الْكَفِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ نَقُولَ: لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 فِي دِيَتِهَا وَعَلَيْهِ أَرْشُ بَاقِي الْكَفِّ. وَإِنْ قَطَعَ أُنْمُلَةً بِظُفُرِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا دِيَتُهَا. فَصْلٌ وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ مُمَاثِلَةً   [المبدع في شرح المقنع] تَجِبْ إِلَّا دِيَةُ الْيَدِ (وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَصَابِعِ دَخَلَ مَا حَاذَى الْأَصَابِعَ فِي دِيَتِهَا) لِأَنَّ حُصُولَ الْكُلِّ فِي الْيَدِ يَقْتَضِي دُخُولَ الْبَعْضِ (وَعَلَيْهِ أَرْشُ بَاقِي الْكَفِّ) لِأَنَّ الْأَصَابِعَ لَوْ كَانَتْ سَالِمَةً كُلَّهَا لَدَخَلَ أَرْشُ الْكَفِّ كُلِّهِ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ، وَكَذَا مَا حَاذَى الْأَصَابِعَ السَّالِمَةَ يَدْخُلُ فِي دِيَتِهَا، وَمَا حَاذَى الْمَقْطُوعَاتِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي دِيَتِهِ فَوَجَبَ أَرْشُهُ كَمَا لَوْ كَانَتِ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَقْطُوعَةً، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى يَلْزَمُهُ دِيَةُ الْيَدِ كَامِلَةً يُنْقَصُ مِنْهَا دِيَةُ الْأَصَابِعِ الْمَعْدُومَةِ (وَإِنْ قَطَعَ أُنْمُلَةً بِظُفُرِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا دِيَتُهَا) كَمَا لَوْ قَطَعَ كَفًّا بِأَصَابِعِهِ. فَرْعٌ: إِذَا قَطَعَ كَفًّا بِلَا أَصَابِعَ وَذِرَاعًا بِلَا كَفٍّ فَثُلُثُ دِيَتِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: كَعَيْنٍ قَائِمَةٍ، وَعَنْهُ: حُكُومَةٌ، ذَكَرَهُمَا فِي " الْمُنْتَخَبِ " وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْعَضُدُ وَمَفْصِلُ الرِّجْلِ. [فَصْلٌ: دِيَةُ عَيْنِ الْأَعْوَرِ] فَصْلٌ (وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَاللَّيْثِ وَجَمَاعَةٍ، وَقِيلَ: فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ مَعَ نَظِيرِهِ ضُمِنَ مَعَ ذَهَابِهِ كَالْأُذُنِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَابْنَ عُمَرَ قَضَوْا فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ بِالدِّيَةِ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، رَوَى ذَلِكَ أَحْمَدُ وَأَخَذَ بِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا مَا يَحْصُلُ بِالْعَيْنَيْنِ مِنْ رُؤْيَةِ الْأَشْيَاءِ الْبَعِيدَةِ وَإِدْرَاكِ الْأَشْيَاءِ اللَّطِيفَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا وَيُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَكَكَمَالِ قِيمَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ الْأَعْوَرِ، لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ فِي ذَهَابِ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِعَدَمِ نُقْصَانِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ فِي دِيَةِ الْعَيْنَيْنِ نَقْصُ دِيَةِ الْبَاقِي، بِدَلِيلِ مَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَعُمِشَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَرْشُ النَّقْصِ، وَلَا تَنْقُصُ دِيَتُهَا بِذَلِكَ، فَإِنْ قَلَعَهَا صَحِيحٌ عَمْدًا فَلَهُ نَظِيرَتُهَا مِنْهُ، وَأَخْذُ نِصْفِ الدِّيَةِ فِي الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُ مَعَ الْقَلْعِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": إِنْ قَلَعَهَا خَطَأً فَنِصْفُ الدِّيَةِ (وَإِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 لِعَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَا قِصَاصَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْلَعَ عَيْنُهُ وَيُعْطَى نِصْفَ الدِّيَةِ، وَإِنْ قَلَعَهَا خَطَأً فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ قَلَعَ عَيْنَيْ صَحِيحٍ عَمْدًا خُيِّرَ بَيْنَ قَلْعِ عَيْنِهِ - وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا - وَبَيْنَ الدِّيَةِ. وَفِي يَدِ الْأَقْطَعِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ فِي رِجْلِهِ، وَعَنْهُ: فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ.   [المبدع في شرح المقنع] مُمَاثِلَةً لِعَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَا قِصَاصَ) قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٌ، نَقَلَ مُهَنَّا: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ قَالُوا: الْأَعْوَرُ إِذَا فُقِئَتْ عَيْنُهُ لَهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إِذَا فَقَأَ عَيْنَ صَحِيحٍ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِخِلَافِهِ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ، وَلِأَنَّهُ مَنَعْنَاهُ مِنْ إِتْلَافِ ضَوْءٍ، يَضْمَنُ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ وَكَمَا لَوْ قَلَعَ عَيْنَيْ سَلِيمٍ، ثُمَّ عَمِيَ، وَلِأَنَّهُ مَنَعَ الْقِصَاصَ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ فَأُضْعِفَتِ الدِّيَةُ كَقَاتِلِ الذِّمِّيِّ عَمْدًا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْلَعَ عَيْنُهُ) لِأَثَرٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ، وَكَقَتْلِ الرَّجُلِ بِامْرَأَةٍ وَالْأَشْهَرُ (يُعْطَى نِصْفُ الدِّيَةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَضَى فِي رَجُلٍ قَتَلَ امْرَأَتَهُ يُقْتَلُ بِهَا، وَيُعْطَى نِصْفَ الدِّيَةِ، وَخَرَّجَهُ فِي " التَّعْلِيقِ "، وَ " الِانْتِصَارِ " مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ (وَإِنْ قَلَعَهَا خَطَأً فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ يَجِبُ فِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ كَمَا لَوْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنًا لَا تُمَاثِلُ عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ (وَإِنْ قَلَعَ عَيْنَيْ صَحِيحٍ عَمْدًا خُيِّرَ بَيْنَ قَلْعِ عَيْنِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا، وَبَيْنَ الدِّيَةِ) هَذَا هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ ; لِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَضَاءِ الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّهُ أَذْهَبَ بَصَرَهُ كُلَّهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ إِذْهَابِ بَصَرِهِ، وَإِنَّ عَيْنَ الْأَعْوَرِ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنَيْنِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ لَهُ الْقِصَاصَ وَنِصْفَ الدِّيَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ دِيَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: فِي الْعَيْنِ الَّتِي اسْتُحِقَّ بِهَا قَلْعُ عَيْنِ الْأَعْوَرِ، وَالْأُخْرَى: فِي الْأُخْرَى عَيْنُ الْأَعْوَرِ، وَجَوَابُهُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» كَمَا لَوْ كَانَ الْقَالِعُ صَحِيحًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ خَطَأً فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الدِّيَةُ كَمَا لَوْ قَلَعَهُمَا صَحِيحُ الْعَيْنَيْنِ (وَفِي يَدِ الْأَقْطَعِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ فِي رِجْلِهِ) إِذَا أُزِيلَتْ عَمْدًا ; لِأَنَّ فِيهِمَا دِيَةً وَاحِدَةً، فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا كَمَا لَوْ قَلَعَ أُذُنَ مَنْ لَهُ أُذُنٌ وَاحِدَةٌ ; لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ الْعُضْوَيْنِ اللَّذَيْنِ تَحْصُلُ بِهِمَا مَنْفَعَةُ الْجِنْسِ، لَا يَقُومُ مَقَامَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 بَابُ الشِّجَاجِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ، الشَّجَّةُ اسْمٌ لِجُرْحِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ خَاصَّةً، وَهِيَ عَشْرٌ، خَمْسٌ لَا مِقْدَارَ فِيهَا، أَوَّلُهَا: الْحَارِصَةُ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ، أَيْ: تَشُقُّهُ قَلِيلًا وَلَا تُدْمِيهِ، ثُمَّ الْبَازِلَةُ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ، ثُمَّ الْبَاضِعَةُ الَّتِي تَبْضَعُ اللَّحْمَ، ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ، ثُمَّ السِّمْحَاقُ الَّتِي بَيْنَهَا   [المبدع في شرح المقنع] الْعُضْوَيْنِ، وَكَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا اخْتَارَ الْقَوَدَ فَلَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ عُضْوٌ أَمْكَنَ الْقَوَدُ فِي مِثْلِهِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ (وَعَنْهُ: فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ) قِيَاسًا عَلَى عَيْنِ الْأَعْوَرِ، وَعَنْهُ: إِنْ ذَهَبَتِ الْأُولَى هَدَرًا فَفِي الثَّانِيَةِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِلَّا فَنِصْفُهَا ; لِأَنَّهُ عَطَّلَ مَنَافِعَهُ مِنَ الْعُضْوَيْنِ جُمْلَةً، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَلَعَ عَيْنَ أَعْوَرٍ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " إِنْ ذَهَبَتْ بِحَدٍّ فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ ذَهَبَتْ بِجِهَادٍ فَرِوَايَتَانِ، وَالْأُولَى أَصَحُّ ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى عَيْنِ الْأَعْوَرِ ; لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا مَا يَحْصُلُ بِالْعَيْنَيْنِ، وَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْأَحْكَامِ إِلَّا اخْتِلَافًا يَسِيرًا، بِخِلَافِ أَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا، فَلَوْ قَطَعَ يَدَ صَحِيحٍ قُطِعَتْ يَدُهُ. [بَابُ الشِّجَاجِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ] [الشِّجَاجُ الَّتِي لَا مُقَدَّرَ فِيهَا] بَابُ الشِّجَاجِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ (الشَّجَّةُ) وَاحِدَةُ الشِّجَاجِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَهِيَ (اسْمٌ لِجُرْحِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ خَاصَّةً) وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْضَاءِ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ، (وَهِيَ عَشْرٌ، خَمْسٌ لَا مُقَدَّرَ فِيهَا) لِأَنَّ التَّقْدِيرَ مِنَ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا. (أَوَّلُهَا الْحَارِصَةُ) بِالْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ، أَيْ: تَشُقُّهُ قَلِيلًا وَلَا تُدْمِيهِ) وَمِنْهُ: حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إِذَا شَقَّهُ قَلِيلًا، وَهِيَ الْقَاشِرَةُ وَالْمُقَشِّرَةُ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ تَبَعًا لِلْقَاضِي: وَتُسَمَّى الْمِلْطَا (ثُمَّ الْبَازِلَةُ) وَهِيَ (الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ) وَتُسَمَّى الدَّامِيَةَ وَالدَّامِعَةَ ; لِقِلَّةِ سَيَلَانِ دَمِهَا، تَشْبِيهًا لَهَا بِخُرُوجِ الدَّمْعِ مِنَ الْعَيْنِ، وَقُدِّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ الْبَازِلَةَ مَا سَالَ دَمُهَا ; لِأَنَّهَا تَنْضَحُ اللَّحْمَ وَتَقْطَعُ فِيهِ عُرُوقًا، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تُدْمِي وَلَا تَشُقُّ اللَّحْمَ (ثُمَّ الْبَاضِعَةُ) وَقَدَّمَهَا السَّامِرِيُّ وَابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 وَبَيْنَ الْعَظْمِ قِشْرَةٌ رَقِيقَةٌ، فَهَذِهِ الْخَمْسُ فِيهَا حُكُومَةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: فِي الْبَازِلَةِ بَعِيرٌ، وَفِي الْبَاضِعَةِ بَعِيرَانِ، وَفِي الْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثَةٌ، وَفِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعَةٌ. فَصْلٌ وَخَمْسٌ فِيهَا مُقَدَّرٌ، أَوَّلُهَا الْمُوَضِّحَةُ الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ، أَيْ: تُبْرِزُهُ، وَفِيهَا   [المبدع في شرح المقنع] الْبَازِلَةِ، وَهِيَ (الَّتِي تَبْضَعُ اللَّحْمَ) أَيْ: تَشُقُّ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ، وَقِيلَ: وَلَمْ يَسِلْ دَمُهَا (ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ) وَهِيَ (الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ) أَيْ: دَخَلَتْ فِيهِ دُخُولًا كَثِيرًا، تَزِيدُ عَلَى الْبَاضِعَةِ (ثُمَّ السِّمْحَاقُ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ قِشْرَةٌ رَقِيقَةٌ) فَوْقَ الْعَظْمِ تُسَمَّى الْقِشْرَةُ سِمْحَاقًا، فَسُمِّيَتِ الْجِرَاحُ الْوَاصِلَةُ إِلَيْهَا بِهَا، وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْمِلْطَا وَالْمِلْطَاةَ (فَهَذِهِ الْخَمْسُ فِيهَا حُكُومَةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهَا الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّهَا جِرَاحَاتٌ لَمْ يَرِدْ فِيهَا تَوْقِيتٌ مِنَ الشَّرْعِ، أَشْبَهَ جِرَاحَاتِ الْبَدَنِ، وَكَالْحَارِصَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ اعْتِبَارُ هَذِهِ الْجِرَاحَاتِ مِنَ الْمُوَضِّحَةِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي رَأْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُوَضِّحَةٌ إِلَى جَانِبِهَا قُدِّرَتْ هَذِهِ الْجِرَاحَاتُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ تُقَدَّرُ النِّصْفَ وَجَبَ نِصْفُ أَرْشِ الْمُوَضِّحَةِ إِلَّا أَنْ تَزِيدَ الْحُكُومَةُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّحْمَ فِيهِ مُقَدَّرٌ، فَكَانَ فِي بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ مِنْ دِيَتِهِ كَالْمَارِنِ وَالْحَشَفَةِ، وَرَدَّهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ، وَلَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ، وَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ هَذِهِ جِرَاحَةٌ تَجِبُ فِيهَا الْحُكُومَةُ لِجِرَاحَةِ الْبَدَنِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ، وَلَا نَعْلَمُ لِمَا ذَكَرُوهُ نَظِيرًا (وَعَنْهُ: فِي الْبَازِلَةِ بَعِيرٌ، وَفِي الْبَاضِعَةِ بَعِيرَانِ، وَفِي الْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثَةٌ، وَفِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعَةٌ) رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ زَيْدٍ، وَهَذِهِ نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ، وَقَالَ أَنَا أَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ زَيْدٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَقَدِ اعْتَمَدَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلِ زَيْدٍ فِي تَقْدِيرِ أَرْش ِ الْهَاشِمَةِ بِعَشْرٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَلَمْ يَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ هُنَا. [الشِّجَاجُ الَّتِي فِيهَا مُقَدَّرٌ] [الْمُوَضِّحَةُ] فَصْلٌ (وَخَمْسٌ فِيهَا مُقَدَّرٌ) مِنَ الشَّرْعِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ (أَوَّلُهَا الْمُوَضِّحَةُ) وَالْجَمْعُ الْمَوَاضِحُ (الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ، أَيْ: تُبْرِزُهُ) وَلَوْ بِقَدْرِ إِبْرَةٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْقَاضِي، وَالْوَضِحُ: الْبَيَاضُ، يَعْنِي: أَنَّهَا أَبْدَتْ وَضَحَ الْعَظْمِ، أَيْ: بَيَاضَهُ (وَفِيهَا خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ. وَعَنْهُ: فِي مُوَضِّحَةِ الْوَجْهِ عَشْرَةٌ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ. فَإِنْ عَمَّتِ الرَّأْسَ وَنَزَلَتْ إِلَى الْوَجْهِ، فَهَلْ هِيَ مُوَضِّحَةٌ أَوْ مُوَضِّحَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَوْضَحَهُ   [المبدع في شرح المقنع] أَيْ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَرْشَهَا مُقَدَّرٌ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْمُوَضِّحَةِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، مَرْفُوعًا، قَالَ: «وَفِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مُوَضِّحَةُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُوَضِّحَةَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ سَوَاءٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِلْعُمُومِ، وَيَشْمَلُ: الصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ، وَالْبَارِزَةَ وَالْمُسْتَتِرَةَ بِالشَّعْرِ ; لِأَنَّ اسْمَ الْمُوَضِّحَةِ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ (وَعَنْهُ: فِي مُوَضِّحَةِ الْوَجْهِ عَشَرَةٌ) مِنَ الْإِبِلِ، وَهِيَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ; لِأَنَّها شَيْنَهَا أَكْثَرُ، وَمُوَضِّحَةُ الرَّأْسِ يَسْتُرُهَا الشَّعْرُ وَالْعِمَامَةُ (وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ) لِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلِأَنَّ مُوَضِّحَةَ الْوَجْهِ مُوَضِّحَةٌ فَكَانَ أَرْشُهَا خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ كَغَيْرِهَا، وَكَثْرَةُ السِّتْرِ لَا عِبْرَةَ بِهِ بِدَلِيلِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ مُقَدَّرٌ فِي موضحة غير الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ ; لِأَنَّ اسْمَ الْمُوَضِّحَةِ إِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْجِرَاحَةِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، وَقَوْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ: الْمُوَضِّحَةُ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ سَوَاءٌ ; لِأَنَّ الشَّيْنَ فِيهِمَا أَكْثَرُ وَأَخْطَرُ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِمَا غَيْرُهُمَا (فَإِنْ عَمَّتِ الرَّأْسَ وَنَزَلَتْ إِلَى الْوَجْهِ، فَهَلْ هِيَ مُوَضِّحَةٌ أَوْ مُوَضِّحَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، أَحَدُهُمَا: وَاحِدَةٌ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ لِأَنَّهُ أَوْضَحَهُ فِي عُضْوَيْنِ، فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 مُوَضِّحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ، فَعَلَيْهِ عَشَرَةٌ، فَإِنْ خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا، أَوْ ذَهَبَ بِالسِّرَايَةِ، صَارَا مُوَضِّحَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ خَرَقَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، فَهِيَ ثَلَاثُ مَوَاضِحَ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيمَنْ خَرَقَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعِ امْرَأَةٍ، فَعَلَيْهِ ثَلَاثُونَ مِنَ الْإِبِلِ، فَإِنْ قَطَعَ الرَّابِعَةَ عَادَ إِلَى عِشْرِينَ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَاطِعِهَا،   [المبدع في شرح المقنع] نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فِي الرَّأْسِ وَنَزَلَ إِلَى الْقَفَا، وَأَطْلَقَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي: إِذَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الرَّأْسِ وَبَعْضُهَا فِي الْوَجْهِ وَإِنْ لَمْ تَعُمَّ الرَّأْسَ فِيهَا الْوَجْهَانِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ (وَإِنْ أَوْضَحَهُ مُوَضِّحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فَعَلَيْهِ عَشَرَةٌ مِنْ الإِبِلٍ) لِأَنَّهُمَا مُوَضِّحَتَانِ (فَإِنْ خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا) صَارَا مُوَضِّحَةً وَاحِدَةً كَمَا لَوْ أَوْضَحَ الْكُلَّ مِنْ غَيْرِ حَاجِزٍ يَبْقَى بَيْنَهُمَا (أَوْ ذَهَبَ بِالسِّرَايَةِ) قَبْلَ الِانْدِمَالِ (صَارَا مُوَضِّحَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ لَهَا حُكْمُ أَصْلِ الْجِنَايَةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَتْلَفَ مَا بَيْنَهُمَا بِنَفْسِهِ (وَإِنْ خَرَقَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ) أَيِ: الْمَجْرُوحُ (أَوْ أَجْنَبِيٌّ، فَهِيَ ثَلَاثُ مَوَاضِحَ) لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَوَّلَتَيْنِ بِالِانْدِمَالِ، ثُمَّ لَزِمَتْهُ الثَّالِثَةُ بِالْخَرْقِ، فَإِنِ انْدَمَلَتْ إِحْدَاهُمَا وَزَالَ الْحَاجِزُ بِفِعْلِهِ أَوْ سِرَايَةِ الْأُخْرَى فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوَضِّحَتَيْنِ ; لِأَنَّ سِرَايَةَ فِعْلِهِ كَالْفِعْلِ وَأَمَّا إِذَا خَرَقَهُ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ مُوَضِّحَتَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ مُوَضِّحَةٍ، لِأَنَّ فِعْلَ أَحَدِهِمَا لَا يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ فَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِنَايَتِهِ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيمَنْ خَرَقَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ سَبَبَ أَرْشِ مُوَضِّحَتَيْنِ قَدْ وُجِدَ وَالْجَانِي يَدَّعِي زَوَالَهُ وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَفِي التَّرْغِيبِ: يُصَدَّقُ مَنْ يُصَدِّقُهُ الظَّاهِرُ بِقُرْبِ زَمَنٍ وَبُعْدِهِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَالْمَجْرُوحُ، قَالَ: وَلَهُ أَرْشَانِ، وَفِي ثَالِثٍ وَجْهَانِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ: مِثْلُ مَا إِذَا أَوْضَحَهُ مُوَضِّحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ، ثُمَّ خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا (لَوْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعِ امْرَأَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُونَ مِنَ الْإِبِلِ، فَإِنْ قَطَعَ الرَّابِعَةَ عَادَ إِلَى عِشْرِينَ) لِأَنَّ جِرَاحَ الْمَرْأَةِ تُسَاوِي جِرَاحَ الرَّجُلِ إِلَى الثُّلْثِ، فَإِذَا زَادَتْ صَارَتْ عَلَى النِّصْفِ (فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَاطِعِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. وَإِنْ خَرَقَ مَا بَيْنَ الْمُوَضِّحَتَيْنِ فِي الْبَاطِنِ، فَهَلْ هِيَ مُوَضِّحَةٌ أَوْ مُوَضِّحَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ شَجَّ جَمِيعَ رَأْسِهِ سِمْحَاقًا إِلَّا مَوْضِعًا مِنْهُ أَوْضَحَهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوَضِّحَةٍ. ثُمَّ الْهَاشِمَةُ، وَهِيَ: الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ وَتُهَشِّمُهُ، فَفِيهَا عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ، فَإِنْ ضَرَبَهُ بِمُثْقَلٍ فَهَشَّمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَضِّحَهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ،   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ) أَيْ: فِي بَقَاءِ الثُّلْثَيْنِ عَلَيْهِ (وَإِنْ خَرَقَ مَا بَيْنَ الْمُوَضِّحَتَيْنِ فِي الْبَاطِنِ، فَهَلْ هِيَ مُوَضِّحَةٌ أَوْ مُوَضِّحَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ أَرْشُ مُوَضِّحَتَيْنِ لِانْفِصَالِهِمَا فِي الظَّاهِرِ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ أَرْشُ وَاحِدَةٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ لِاتِّصَالِهِمَا فِي الْبَاطِنِ، فَإِنْ أَوْضَحَهُ جَمَاعَةٌ مُوَضِّحَةً، فَهَلْ يُوَضِّحُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِهَا أَوْ يُوَزِّعُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ. فَرْعٌ: لَوْ أَوْضَحَ رَأْسَهُ وَمَدَّ السِّكِّينَ إِلَى قَفَاهُ فَدِيَةُ مُوَضِّحَةٍ، وَحُكُومَةٌ لَجُرْحِ الْقَفَا، وَيُرَاعَي نِسْبَةُ الْمُوَضِّحَةِ فِي الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ، وَيَتَعَدَّدُ الْأَرْشُ بِتَعَدُّدِ مُوَضِّحَةٍ (وَإِنْ شَجَّ جَمِيعَ رَأْسِهِ سِمْحَاقًا إِلَّا مَوْضِعًا مِنْهُ أَوْضَحَهُ؟ فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوَضِّحَةٍ) لِأَنَّهُ لَوْ أَوْضَحَ الْجَمِيعَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ مُوَضِّحَةٍ، فَلَأَنْ لَا يَلْزَمَهُ فِي الْإِيضَاحِ فِي الْبَعْضِ وَشَجِّ الْبَاقِي - أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؟ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَكَذَا لَوْ شَجَّهُ شَجَّةً بَعْضُهَا هَاشِمَةٌ وَبَاقِيهَا دُونَهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. [الْهَاشِمَةُ] (ثُمَّ الْهَاشِمَةُ، وَهِيَ: الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ وَتُهَشِّمُهُ) سُمِّيَتْ بِهِ لِهَشْمِهَا الْعَظْمَ (فَفِيهَا عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ) وَهُوَ قَوْلُ زَيْدٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِ، وَلِأَنَّهَا شَجَّةٌ فَوْقَ الْمُوَضِّحَةِ، تَخْتَصُّ بِاسْمٍ، فَكَانَ فِيهَا مُقَدَّرٌ كَالْمَأْمُومَةِ (فَإِنْ ضَرَبَهُ بِمُثَقَّلٍ فَهَشَمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَضِّحَهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ كَسْرُ عَظْمٍ لَا جُرْحَ مَعَهُ، أَشْبَهَ قَصَبَةَ الْأَنْفِ (وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ خَمْسٌ مِنَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ. ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ، وَهِيَ: الَّتِي تُوَضِّحُ وَتُهَشِّمُ وَتَنْقُلُ عِظَامَهَا، فَفِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الْإِبِلِ. ثُمَّ الْمَأْمُومَةُ، وَهِيَ: الَّتِي تَصِلُ إِلَى جِلْدَةِ الدِّمَاغِ، وَتُسَمَّى أُمَّ الدِّمَاغِ، وَتُسَمَّى الْمَأْمُومَةُ آمَّةً، فَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ. ثُمَّ الدَّامِعَةُ، وَهِيَ: الَّتِي تَخْرِقُ الْجِلْدَةَ، فَفِيهَا مَا فِي الْمَأْمُومَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْإِبِلِ) لِأَنَّهُ لَوْ أَوْضَحَ وَهَشَمَ لَوَجَبَ عَشْرٌ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ خَمْسٌ كَالْإِيضَاحِ وَحْدَهُ، وَكَمَا لَوْ هَشَمَهُ عَلَى مُوَضِّحَةٍ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَرْشُ الْهَاشِمَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّ الْأَرْشَ الْمُقَدَّرَ وَجَبَ فِي هَاشِمَةٍ مَعَهَا مُوَضِّحَةٌ. أَصْلٌ: إِذَا هَشَمَهُ هَاشِمَةً لَهَا مَخْرَجَانِ فَثِنْتَانِ، فَلَوْ أَوْضَحَ إِنْسَانًا فِي رَأْسِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ رَأْسَ السِّكِّينِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَمُوَضِّحَتَانِ، وَكَذَا إِذَا أَوْضَحَهُ مُوَضِّحَتَيْنِ، هَشَمَ الْعَظْمَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَاتَّصَلَ الْهَشْمُ فِي الْبَاطِنِ، فَهُمَا هَاشِمَتَانِ، لِأَنَّ الْهَشْمَ يَكُونُ تَبَعًا لِلْإِيضَاحِ، فَإِذَا كَانَتَا مُوَضِّحَتَيْنِ كَانَ الْهَشْمُ هَاشِمَتَيْنِ، بِخِلَافِ الْمُوَضِّحَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ تَبَعًا لِغَيْرِهَا [الْمُنَقِّلَةُ] (ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ، وَهِيَ: الَّتِي تُوَضِّحُ وَتُهَشِّمُ وَتَنْقُلُ عِظَامَهَا) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَنْقُلُ عِظَامَهَا، وَهِيَ: زَائِدَةٌ عَلَى الْهَاشِمَةِ، وَقِيلَ: تَنْقُلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ (فَفِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الْإِبِلِ) بِالْإِجْمَاعِ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَسَنَدُهُ: مَا رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ. [الْمَأْمُومَةُ] (ثُمَّ الْمَأْمُومَةُ، وَهِيَ: الَّتِي تَصِلُ إِلَى جِلْدَةِ الدِّمَاغِ، وَتُسَمَّى أُمَّ الدِّمَاغِ) لِأَنَّهَا تُحَوِّطُهُ وَتَجْمَعُهُ (وَتُسَمَّى الْمَأْمُومَةُ آمَّةً) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ لَهَا الْآمَّةَ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ: الْمَأْمُومَةَ، وَهِيَ: الْجِرَاحَةُ الْوَاصِلَةُ إِلَى أُمِّ الدِّمَاغِ، وَهِيَ جِلْدَةُ فِيهَا الدِّمَاغُ، يُقَالُ: أَمَّ الرَّجُلُ آمَّةً وَمَأْمُومَةً (فَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، لِمَا فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَوَافَقَ مَكْحُولٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَفِيهَا ثُلُثَاهَا، وَجَوَابُهُ: أَنَّهَا شَجَّةٌ فَلَا يَخْتَلِفُ أَرْشُهَا بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ كَسَائِرِ الشِّجَاجِ [الدَّامِعَةُ] (ثُمَّ الدَّامِعَةُ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَهِيَ: الَّتِي تَخْرِقُ الْجِلْدَةَ) أَيْ: جِلْدَةَ الدِّمَاغِ (فَفِيهَا مَا فِي الْمَأْمُومَةِ) قَالَ الْقَاضِي: لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا الدَّامِعَةَ لِمُسَاوَاتِهَا الْمَأْمُومَةَ فِي أَرْشِهَا، وَيُحْتَمَلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 فصل وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَهِيَ: الَّتِي تَصِلُ إِلَى بَاطِنِ الْجَوْفِ، مِنْ بَطْنٍ، أَوْ ظَهْرٍ، أَوْ صَدْرٍ، أَوْ نَحْرٍ، فَإِنْ خَرَقَهُ مِنْ جَانِبٍ فَخَرَجَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ، فَهِيَ جَائِفَتَانِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّهُمْ تَرَكُوا ذِكْرَهَا لِكَوْنِهَا لَا يَسْلَمُ صَاحِبُهَا فِي الْغَالِبِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلْ يَجِبُ فِيهَا كُلُّ الدِّيَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ، وَقِيلَ: فِيهَا مَعَ مَا ذُكِرَ حُكُومَةٌ لِخَرْقِ جِلْدَةِ الدِّمَاغِ. مَسْأَلَةٌ: أَوْضَحَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ هَشَّمَهُ آخَرُ، ثُمَّ جَعَلَهَا ثَالِثٌ مُنَقِّلَةً، ثُمَّ جَعَلَهَا رَابِعٌ مَأْمُومَةً، فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ مُوَضِّحَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي خَمْسٌ تَمَامَ أَرْشِ الْهَاشِمَةِ، وَعَلَى الثَّالِثِ خَمْسٌ تَمَامَ أَرْشِ الْمُنَقِّلَةِ، وَعَلَى الرَّابِعِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وثلث تَمَامَ أَرْشِ الْمَأْمُومَةِ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَقِيلَ: عَلَى مَنْ هَشَّمَ خَمْسٌ أُخْرَى، وَعَلَى مَنْ نَقَّلَهُ عَشْرٌ أُخْرَى، وَعَلَى مَنْ أَمَّهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثُ بَعِيرٍ، وَكَمَنْ أَوْضَحَهُ إِيضَاحَةً فَقَطْ. [الْجَائِفَةُ] فَصْلٌ (وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» ، وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَلِأَنَّهَا جِرَاحَةٌ فِيهَا مُقَدَّرٌ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَرْشُهَا بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ كَالْمُوَضِّحَةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي جِرَاحِ الْبَدَنِ الْخَالِيَةِ عَنْ قَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ مُقَدَّرًا غَيْرَ الْجَائِفَةِ (وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إِلَى بَاطِنِ الْجَوْفِ) وَلَوْ لَمْ يَخْرِقِ الْأَمْعَاءَ (مِنْ: بَطْنٍ، أَوْ ظَهْرٍ، أَوْ صَدْرٍ، أَوْ نَحْرٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحَلْقٍ، وَمَثَانَةٍ، وَبَيْنَ خُصْيَتَيْنِ، وَدُبُرٍ. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَهِيَ مَا وَصَلَ جَوْفًا فِيهِ قُوَّةٌ مُحِيلَةٌ لِلْغِذَاءِ، مِنْ: ظَهْرٍ، أَوْ بَطْنٍ، وَإِنْ لَمْ يَخْرِقِ الْأَمْعَاءَ، أَوْ صَدْرٍ، أَوْ نَحْرٍ، أَوْ دِمَاغٍ، وَإِنْ لَمْ يَخْرِقِ الْخَرِيطَةَ، أَوْ مَثَانَةٍ، أَوْ مَا بَيْنَ وِعَاءِ الْخُصْيَتَيْنِ وَالدُّبُرِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 طَعَنَهُ فِي خَدِّهِ فَوَصَلَ الْجُرْحُ إِلَى فَمِهِ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ جَائِفَةً، فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا أَجَافَهُ جَائِفَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فَثُلُثَا الدِّيَةِ وَإِنْ خَرَقَ الْجَانِي مَا بَيْنَهُمَا أَوْ ذَهَبَ بِالسِّرَايَةِ فَجَائِفَةٌ، فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ لَا غَيْرُ، فَإِنْ خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا أَجْنَبِيٌّ أَوِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ الثَّانِي ثُلُثُهَا، وَيَسْقُطُ مَا قَابَلَ فِعْلَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى خَرْقِ مَا بَيْنَهُمَا لِلْمُدَاوَاةِ فَخَرَقَهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ، أَوْ خَرَقَهَا وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوِ الطَّبِيبُ بِأَمْرِهِ، فَلَا شَيْءَ فِي خَرْقِ الْحَاجِزِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ ثُلُثُ الدِّيَةِ (فَإِنْ خَرَقَهُ مِنْ جَانِبٍ فَخَرَجَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ، فَهِيَ جَائِفَتَانِ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ: ثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَضَى فِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ بِثُلُثَيِ الدِّيَةِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الْجَائِفَةِ إِذَا نَفَذَتْ بِأَرْشِ جَائِفَتَيْنِ. وَكَمَا لَوْ طَعَنَهُ مِنْ جَانِبَيْنِ فَالْتَقَيَا، وَلِأَنَّهُ أَنْفَذَهُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ، كَمَا لَوْ أَنْفَذَهُ بِضَرْبَتَيْنِ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْجَائِفَةَ هِيَ الَّتِي تَنْفُذُ مِنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ إِلَى الْجَوْفِ، وَهَذِهِ أَيِ: الثَّانِيَةُ إِنَّمَا نَفَذَتْ مِنَ الْبَاطِنِ إِلَى الظَّاهِرِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوُصُولِ الْجُرْحِ إِلَى الْجَوْفِ لَا بِكَيْفِيَّةِ إِيصَالِهِ، إِذْ لَا أَثَرَ لِصُورَةِ الْفِعْلِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَعْنَى (وَإِنْ طَعَنَهُ فِي خَدِّهِ فَوَصَلَ الْجُرْحُ إِلَى فَمِهِ) أَوْ نَفَذَ أَنْفًا، أَوْ ذَكَرًا، أَوْ جَفْنًا إِلَى بَيْضَةِ الْعَيْنِ (فَفِيهِ حُكُومَةٌ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ بَاطِنَ الْفَمِ حُكْمُهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ جَائِفَةً) لِأَنَّهُ وَصَلَ إِلَى جَوْفِ مَخُوفٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَلَتْ إِلَى الْبَاطِنِ. فَرْعٌ: إِذَا وَطِئَ زَوْجَةً صَغِيرَةً، أَوْ نَحِيفَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَخَرَقَ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ، أَوْ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ، فَالدِّيَةُ إِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلٌ وَإِلَّا فَجَائِفَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تُوطَأُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ، أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ كَبِيرَةٌ مُطَاوِعَةٌ، وَلَا شُبْهَةَ فِيهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَهَدَرٌ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الزِّيَادَةِ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُ، أَيْ: لَهُ طَلَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ، وَلَهَا مَعَ الشُّبْهَةِ وَالْإِكْرَاهِ الدِّيَةُ إِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلٌ، وَإِلَّا ثُلُثُهَا، وَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَةٍ مَعَ الْفَتْقِ، وَلَا يَنْدَرِجُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 جَرَحَهُ فِي وِرْكِهِ فَوَصَلَ الْجُرْحُ إِلَى جَوْفِهِ، أَوْ أَوْضَحَهُ فَوَصَلَ الْجُرْحُ إِلَى قَفَاهُ، فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَةٍ وَمُوَضِّحَةٍ، وَحُكُومَةٌ لِجُرْحِ الْقَفَا وَالْوِرْكِ، وَإِنْ أَجَافَهُ وَوَسَّعَ آخَرُ الْجُرْحَ، فَهِما جَائِفَتَانِ، وَإِنْ وَسَّعَ ظَاهِرَهُ دُونَ بَاطِنِهِ، أَوْ بَاطِنَهُ دُونَ ظَاهِرِهِ، فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ، وَإِنِ الْتَحَمَتِ الْجَائِفَةُ فَفَتَحَهَا آخَرُ، فَهِيَ جَائِفَةٌ أُخْرَى. فَصْلٌ وَفِي الضِّلْعِ بَعِيرٌ، وَفِي التَّرْقُوَتَيْنِ بَعِيرَانِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ: الذِّرَاعِ، وَالزَّنْدِ،   [المبدع في شرح المقنع] فِي دِيَةِ إِفْضَاءٍ عَلَى الْأَصَحِّ (فَإِنْ جَرَحَهُ فِي وِرْكِهِ فَوَصَلَ الْجُرْحُ إِلَى جَوْفِهِ، أَوْ أَوْضَحَهُ فَوَصَلَ الْجُرْحُ إِلَى قَفَاهُ، فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَةٍ وَمُوَضِّحَةٍ، وَحُكُومَةٌ لِجُرْحِ الْقَفَا وَالْوِرْكِ) لِأَنَّ الْجِرَاحَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجَائِفَةِ، فَانْفَرَدَ فِيهِ بِالضَّمَانِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا جَائِفَةٌ، وَأَمَّا الْحُكُومَةُ فَلِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ، وَقَدْ جَرَحَ قَفَاهُ، وَكَمَا لَوِ انْفَرَدَ (وَإِنْ أَجَافَهُ وَوَسَّعَ آخَرُ الْجُرْحَ، فَهِما جَائِفَتَانِ) لِأَنَّ فِعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَوِ انْفَرَدَ كَانَ جَائِفَةً، فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِانْضِمَامِهِ إِلَى فِعْلِ غَيْرِهِ (وَإِنْ وَسَّعَ ظَاهِرَهُ دُونَ بَاطِنِهِ، أَوْ بَاطَنَهُ دُونَ ظَاهِرِهِ، فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ) لِتَوْسِيعِهِ، لِأَنَّ جِنَايَتَهُ لَمْ تَبْلُغِ الْجَائِفَةَ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: عَلَيْهِ حَقُّ جَائِفَةٍ (وَإِنِ الْتَحَمَتِ الْجَائِفَةُ فَفَتَحَهَا آخَرُ، فَهِيَ جَائِفَةٌ أُخْرَى) عَلَيْهِ أَرْشُهَا، لِأَنَّهُ عَادَ إِلَى الصِّحَّةِ فَصَارَ كَالَّذِي لَمْ يُجْرَحْ، وَحَاصِلُهُ: إِنْ فَتَقَ مُوَضِّحَةً نَبَتَ شَعْرُهَا فَجَائِفَةٌ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنِ انْدَمَلَتْ فَأَوْضَحَهَا آخَرُ، فَقِيلَ: مُوَضِّحَةٌ، فَحُكُومَةٌ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ: إِنْ أَوْضَحَهُ فَبَرِئَ وَلَمْ يَنْبُتِ الشَّعْرُ، ثُمَّ أَوْضَحَهُ آخَرُ فَحُكُومَةٌ، وَإِنِ الْتَحَمَ مَا أَرْشُهُ مُقَدَّرٌ لَمْ يَسْقُطْ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَدْخَلَ خَشَبَةً فِي دُبُرِهِ وَفَتَحَ جِلْدَهُ فِي الْبَاطِنِ فَوَجْهَانِ. [فِي الضِّلْعِ بَعِيرٌ وَفِي التَّرْقُوَتَيْنِ بَعِيرَانِ] فَصْلٌ (وَفِي الضِّلْعِ) قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 وَالْعَضُدِ، وَالْفَخْذِ، وَالسَّاقِ بَعِيرَانِ. وَمَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجُرُوحِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ، مِثْلُ   [المبدع في شرح المقنع] وَغَيْرِهِمْ: إِنْ جُبِرَ مُسْتَقِيمًا (بَعِيرٌ) وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ (وَفِي التَّرْقُوَتَيْنِ) وَاحِدُهُمَا تَرْقُوَةٌ، وَهُوَ الْعَظْمُ الْمُسْتَدِيرُ حَوْلَ الْعُنُقِ مِنَ النَّحْرِ إِلَى الْكَتِفِ (بَعِيرَانِ) وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَعِيرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ، قَالَ عُمَرُ: فِي الضِّلْعِ جَمَلٌ وَالتَّرْقُوَةُ جَمَلٌ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ: أَنَّ فِي الْوَاحِدَةِ بَعِيرَيْنِ، فَيَكُونُ فِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدٍ، لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْخِرَقِيِّ التَّرْقُوتَانِ مَعًا، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِلَفْظِ الْوَاحِدِ لِإِدْخَالِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ تَرْقُوَةٍ بَعِيرٌ (وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ: الذِّرَاعِ، وَالزَّنْدِ، وَالْعَضُدِ، وَالْفَخْذِ، وَالسَّاقِ بَعِيرَانِ) فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ فِي أَحَدِ الزَّنْدَيْنِ إِذَا كُسِرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنَّ فِيهِ بَعِيرَيْنِ، وَإِذَا كُسِرَ الزَّنْدَانِ فَفِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَالثَّانِيَةُ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، أَنَّ الْوَاجِبَ بَعِيرٌ، نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَرَوَاهُ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ أَحْمَدَ، فِي الزَّنْدِ الْوَاحِدِ أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ، لِأَنَّهُمَا عَظْمَانِ، وَفِيمَا سِوَاهُ بَعِيرَانِ، وَزَادَ أَبُو الْخَطَّابِ فَجَعَلَ فِي عَظْمِ الْقَدَمِ بَعِيرَيْنِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَالزَّنْدُ هُوَ الذِّرَاعُ، وَيُسَمَّى السَّاعِدَ أَيْضًا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي غَيْرِ الضِّلْعِ وَالتَّرْقُوَتَيْنِ وَالزَّنْدَيْنِ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الْحُكُومَةِ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ كُلِّهَا، وَإِنَّمَا خَالَفْنَاهُ فِي هَذِهِ الْعِظَامِ لِقَضَاءِ عُمَرَ، فَفِيمَا عَدَاهَا يَبْقَى عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهَا: وَفِي ضِلْعٍ حُكُومَةٌ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ: فِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنِ انْجَبَرَتْ (وَمَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجُرُوحِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ مِثْلُ خَرَزَةِ الصُّلْبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 خَرَزَةِ الصُّلْبِ وَالْعُصْعُصِ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَالْحُكُومَةُ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لَا جِنَايَةَ بِهِ، ثُمَّ يُقَوَّمَ وَهِيَ بِهِ قَدْ بَرِئَتْ، فَمَا نَقَصَ فَلَهُ مِثْلُهُ مِنَ الدِّيَةِ، فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ عِشْرِينَ، وَقِيمَتُهُ وَبِهِ الْجِنَايَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ، فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْحُكُومَةُ فِي شَيْءٍ فِيهِ مُقَدَّرٌ، فَلَا يَبْلُغَ بِهَا أَرْشَ الْمُقَدَّرِ. وَإِذَا كَانَتْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْعُصْعُصِ) وَالْعَانَةِ (فَفِيهِ حُكُومَةٌ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى ذَلِكَ لَا تَوْقِيتَ فِيهَا، أَشْبَهَ الْجِرَاحَ الَّتِي لَا تَوْقِيتَ فِيهَا، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ أَحَدٌ فَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ. فَائِدَةٌ: خَرَزَةُ الصُّلْبِ فَقَارُهُ، إِنْ أُرِيدَ بِهَا كَسْرُ الصُّلْبِ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ حُكُومَةٌ. وَالْعُصْعُصُ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي أَسْفَلِ الصُّلْبِ (وَالْحُكُومَةُ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لَا جِنَايَةَ بِهِ، ثُمَّ يُقَوَّمَ وَهِيَ بِهِ قَدْ بَرِئَتْ، فَمَا نَقَصَ) مِنَ الْقِيمَةِ (فَلَهُ مِثْلُهُ مِنَ الدِّيَةِ) هَذَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، لِأَنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ، فَأَجْزَاؤُهُ مَضْمُونَةٌ مِنْهَا، كَمَا أَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، كَانَ أَرْشُ عَيْبِهِ مُقَدَّرًا مِنَ الثَّمَنِ، وَلَا يُقْبَلُ الْحُكُومَةُ إِلَّا مِنْ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ بِالْقِيمَةِ، وَلَا تَقْوِيمَ إِلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ، لِأَنَّ أَرْشَ الْجُرْحِ الْمُقَدَّرِ لَا يَسْتَقِرُّ إِلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ (فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ عِشْرِينَ، وَقِيمَتُهُ وَبِهِ الْجِنَايَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ، فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ) لِأَنَّ النَّاقِصَ بِالتَّقْوِيمِ دِرْهَمٌ مِنْ عِشْرِينَ، وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِهَا، فَيَكُونُ فِيهِ هُنَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الدِّيَةِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْحُكُومَةُ فِي شَيْءٍ فِيهِ مُقَدَّرٌ، فَلَا يَبْلُغُ بِهَا أَرْشَ الْمُقَدَّرِ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْحُكُومَةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِيهِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مُقَدَّرٍ، وَحُكْمُهُ سَبَقَ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ هُوَ بَعْضُ الْمُقَدَّرِ، فَهَذَا لَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ فِيهِ عَدَمُ مُجَاوَزَةِ أَرْشِ الْمُؤَقَّتِ، مِثْلُ أَنْ يَشُجَّهُ سِمْحَاقًا، وَهُوَ دُونَ الْمُوَضِّحَةِ، فَإِنْ بَلَغَ بِالتَّقْوِيمِ أَرْشُهَا أَكْثَرَ مِنْ مُوَضِّحَةٍ مِثْلُ أَنْ تَنْقُصَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 فِي الشِّجَاجِ الَّتِي دُونَ الْمُوَضِّحَةِ، لَمْ يَبْلُغْ بِهَا أَرْشَ الْمُوَضِّحَةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أُصْبُعٍ لَمْ يَبْلُغْ بِهَا دِيَةَ الْأُصْبُعِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أُنْمُلَةٍ لَمْ يَبْلُغْ بِهَا دِيَتَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تَنْقُصُ شَيْئًا بَعْدَ الِانْدِمَالِ قُوِّمَتْ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ، فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ شَيْئًا بِحَالٍ أَوْ زَادَتْهُ حُسْنًا، فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.   [المبدع في شرح المقنع] الْجِنَايَةُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِهِ، لَمْ يَجِبُ الزَّائِدُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَكَانَ قَدْ وَجَبَ فِي شَيْءٍ لَا يَبْلُغُ مُوَضِّحَةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْمُوَضِّحَةِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّ الْمُوَضِّحَةَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالشَّيْنَ بِهَا أَعْظَمُ، وَالْمَحَلَّ وَاحِدٌ (وَإِذَا كَانَتْ فِي الشِّجَاجِ الَّتِي دُونَ الْمُوَضِّحَةِ، لَمْ يَبْلُغْ بِهَا أَرْشَ الْمُوَضِّحَةِ) وَهَلْ يَبْلُغُ بِهَا أَرْشَ الْمُؤَقَّتِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ أَرْشَ الْمُؤَقَّتِ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَالنَّقْصُ عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَلَا يُزَادُ بِحُكُومَةٍ فِي مُقَدَّرٍ عَلَى دِيَتِهِ، وَفِي جَوَازِ مُسَاوَاتِهِ وَجْهَانِ، وَعَلَى الْمَنْعِ يُنْقِصُ الْحَاكِمُ مَا شَاءَ، لَا يُقَالُ: قَدْ وَجَبَ فِي بَعْضِ الْبَدَنِ أَكْثَرُ مِمَّا وَجَبَ فِي جَمِيعِهِ، وَوَجَبَ فِي مَنَافِعِ الْإِنْسَانِ أَكْثَرُ مِنَ الْوَاجِبِ فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَ دِيَةُ النَّفْسِ دِيَةً عَنِ الرُّوحِ، وَلَيْسَتِ الْأَطْرَافُ بَعْضُهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي (وَإِنْ كَانَتْ فِي أُصْبُعٍ لَمْ يَبْلُغْ بِهَا دِيَةَ الْأُصْبُعِ) لِأَنَّهُ إِذَا جَرَحَ أُصْبُعًا فَبَلَغَ أَرْشُهُ أَكْثَرَ مِنْ عُشْرِ الدِّيَةِ لَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ عُشْرِهَا (وَإِنْ كَانَتْ فِي أُنْمُلَةٍ لَمْ يَبْلُغْ بِهَا دِيَتَهَا) أَيْ: إِذَا كَانَتِ الْجِرَاحُ فِي أُنْمُلَةٍ فَبَلَغَ أَرْشُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ مِنَ الْأَوَّلِ، لَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ، لِأَنَّهُ دِيَةُ الْأُنْمُلَةِ (وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تَنْقُصُ شَيْئًا بَعْدَ الِانْدِمَالِ، قُوِّمَتْ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْصٍ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ، فَإِذَا كَانَ التَّقْوِيمُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ يَبْقَى ذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ يُقَوَّمَ فِي حَالِ انْدِمَالِ جَرَيَانِ الدَّمِ لِيَحْصُلَ النَّقْصُ (فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ شَيْئًا بِحَالٍ أَوْ زَادَتْهُ حُسْنًا، فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ) إِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْجِنَايَةِ نَقْصٌ فِي جَمَالٍ وَلَا نَفْعٍ، كَقَطْعِ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ، أَوْ قَلْعِ سِنٍّ زَائِدَةٍ، وَلِحْيَةِ امْرَأَةٍ، فَانْدَمَلَ الْمَوْضِعُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ، أَوْ زَادَ جَمَالًا أَوْ قِيمَةً فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا يَجِبُ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ نَقْصٌ، فَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ لَكَمَهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ، وَالثَّانِي: يَجِبُ ضَمَانُهُ، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ مَضْمُونٍ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَغَيْرِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِذَا قَطَعَ لِحْيَةَ امْرَأَةٍ، فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ كَأَنَّهَا رَجُلٌ لَهُ لِحْيَةٌ، ثُمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 بَابُ الْعَاقِلَةِ وَمَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَةُ الْإِنْسَانِ عَصَبَاتُهُ كُلُّهُمْ قَرِيبُهُمْ وَبِعِيدُهُمْ مِنَ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، إِلَّا عَمُودَيْ   [المبدع في شرح المقنع] يُقَوَّمُ رَجُلٌ قَدْ ذَهَبَتْ، فَمَا نَقَصَ وَجَبَ بِقِسْطِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ لِحْيَةَ الرَّجُلِ زَيْنٌ لَهُ وَعَيْبٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَتَقْدِيرُ الْعَيْبِ بِالزَّيْنِ لَا يَصِحُّ. فَرْعٌ: إِذَا جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً لَهَا أَرْشٌ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ انْدِمَالِ الْجُرْحِ دَخَلَ أَرْشُهُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ، كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ سِرَايَةِ الْجُرْحِ، وَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَجَبَ أَرْشُ الْجُرْحِ كَمَا لَوِ انْدَمَلَ، وَإِنْ لَطَمَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ، كَمَا لَوْ شَتَمَهُ. [بَابُ الْعَاقِلَةِ وَمَا تَحْمِلُهُ] [عَاقِلَةُ الْإِنْسَانِ عَصَبَاتُهُ كُلُّهُمْ] بَابُ الْعَاقِلَةِ وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ جَمْعُ عَاقِلٍ، وَهُوَ الْمُؤَدِّي لِلدِّيَةِ، يُقَالُ: عَقَلْتُ فُلَانًا إِذَا أَعْطَيْتُهُ دِيَتَهُ، وَعَقَلْتُ عَنْ فُلَانٍ إِذَا عَزَمْتُ عَنْهُ دِيَتَهُ، وَأَصْلُهُ مِنْ عَقْلِ الْإِبِلِ بِالْعَقْلِ، وَهِيَ: الْحِبَالُ الَّتِي تُثْنَى بِهَا أَيْدِيهَا إِلَى رُكَبِهَا، وَقِيلَ: اشْتِقَاقُهُ مِنَ الْعَقْلِ، وَهُوَ الْمَنْعُ، لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ عَنِ الْقَاتِلِ، وَالْعَقْلُ الْمَنْعُ، وَيُسَمَّى بَعْضُ الْعُلُومِ عَقْلًا، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَضَارِّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يَحَمَّلُونَ الْعَقْلَ، وَهُوَ الدِّيَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا تَعْقِلُ لِسَانَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، وَهِيَ: مَنْ غُرِّمَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ بِسَبَبِ جِنَايَةِ غَيْرِهِ، وَمَا تَحْمِلُهُ، أَيْ: مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً؟ أَوْ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَحْمِلُهَا عَنْهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، كَمَا قِيلَ فِي فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَخْرُجُ عَنْهُ غَيْرُهُ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، أَوْ عَلَى الْمُخْرِجِ؟ وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ هَلْ تَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ الدِّيَةُ أَوْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. (عَاقِلَةُ الْإِنْسَانِ عِصَبَاتُهُ كُلُّهُمْ قَرِيبُهُمْ وَبِعِيدُهُمْ مِنَ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ) وَهُمُ: الْأَحْرَارُ، الْعَاقِلُونَ، الْبُلَّغُ، الْأَغْنِيَاءُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَقْلَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَصَبَتِهَا مَنْ كَانُوا لَا يَرِثُونَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا، وَإِنْ قُتِلَتْ فَعَقْلُهَا بَيْنَ وَرَثَتِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ أَشْبَهُوا سَائِرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 نَسَبِهِ، آبَاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ. وَعَنْهُ: أَنَّهُمْ مِنَ الْعَاقِلَةِ أَيْضًا، وَلَيْسَ عَلَى فَقِيرٍ، وَلَا صَبِيٍّ، وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلَا رَقِيقٍ، وَلَا مُخَالِفٍ لِدِينِ الْجَانِي - حَمْلُ   [المبدع في شرح المقنع] الْعَصَبَاتِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعَقْلَ مَوْضُوعٌ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ، وَلِأَنَّ الْعَصَبَةَ فِي تَحَمُّلِ الْعَقْلِ كَـ (هُمْ) فِي الْمِيرَاثِ فِي تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، وَكَوْنُ الْبَعِيدِ عَصَبَةً لِأَنَّهُ يَرِثُ الْمَالَ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ أَقْرَبَ مِنْهُ، فَهُوَ كَالْقَرِيبِ، وَكَوْنُ عَصَبَاتِ الْإِنْسَانِ فِي الْوَلَاءِ مِنَ الْعَاقِلَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» (إِلَّا عَمُودَيْ نَسَبِهِ، آبَاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ: «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ قَتَلَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ وَوَلَدٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ، وَبَرَّأَ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا، فَقَالَ: عَاقِلَةُ الْمَقْتُولَةِ مِيرَاثُهَا لَنَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا، مِيرَاثُهَا لِزَوْجِهَا وَوَلَدِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوْلَادَ لَيْسُوا مِنَ الْعَاقِلَةِ وَكَذَا الْآبَاءُ قِيَاسًا لِإِحْدَى الْعَمُودَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَلِأَنَّ مَالَ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ كَمَالِهِ، وَخَرَجَ مِنْهُ الْإِخْوَةُ بِدَلِيلٍ، لِأَنَّ الْخِرَقِيَّ خَصَّ الْعَاقِلَةَ بِالْعُمُومَةِ وَأَوْلَادَهُمْ (وَعَنْهُ: أَنَّهُمْ مِنَ الْعَاقِلَةِ أَيْضًا) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالشَّرِيفُ، بَلْ وَالْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ مِنَ الْعَصَبَاتِ بِمِيرَاثِهِ فَكَانُوا أَوْلَى بِتَحَمُّلِ عَقْلِهِ، وَعَنْهُ: هُمْ عَصَبَتُهُ إِلَّا أَبْنَاءَهُ إِذَا كَانَ امْرَأَةً، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، نَقَلَ حَرْبٌ: الِابْنُ لَا يَعْقِلُ عَنْ أُمِّهِ، لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مِنْ عَصَبَةِ أُمِّهِ فَيَكُونَ مِنْ عَاقِلَتِهَا، وَكَذَا فِي الْبُلْغَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَصَبَاتِ مِنَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ وَذَوِي الْأَرْحَامِ وَالنِّسَاءِ، لَيْسُوا مِنَ الْعَاقِلَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَعُمْدَةُ الْعَقْلِ النُّصْرَةُ، وَلَيْسُوا مِنْهَا كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَالدِّيوَانِ (وَلَيْسَ عَلَى فَقِيرٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ حَمْلَ الْعَاقِلَةِ مُوَاسَاةٌ، فَلَا يَلْزَمُ الْفَقِيرَ كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَنِ الْقَاتِلِ، فَلَا يَجُوزُ التَّثْقِيلُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ (وَلَا صَبِيٍّ وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ) حَمْلُ شَيْءٍ مِنْهَا، لِأَنَّ الْحَمْلَ لِلتَّنَاصُرِ، وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، وَقِيلَ: يَحْمِلُ الْمُمَيِّزُ، لِأَنَّهُ قَارَبَ الْبُلُوغَ (وَلَا امْرَأَةٍ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٍ) لِاحْتِمَالِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 شَيْءٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْفَقِيرَ يَحْمِلُ مِنَ الْعَقْلِ، وَيَحْمِلُ الْغَائِبُ كَمَا يَحْمِلُ الْحَاضِرُ. وَخَطَأُ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ فِي أَحْكَامِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَهَلْ يَتَعَاقَلُ أَهْلُ الذِّمَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَا يَعْقِلُ ذِمِّيٌّ عَنْ حَرْبِيٍّ، وَلَا حَرْبِيٌّ عَنْ ذَمِّيٍّ. وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] كَوْنِهِ امْرَأَةً، فَيَحْمِلُ جِنَايَةَ عَتِيقِهِمَا مَنْ تَحَمَّلَ جِنَايَتَهُمَا، وَعَنْهُ: تَعْقِلُ امْرَأَةٌ وَخُنْثَى بِوَلَاءٍ (وَلَا رَقِيقٍ) لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ (وَلَا مُخَالِفٍ لِدِينِ الْجَانِي - حَمْلُ شَيْءٍ) لِأَنَّ حَمْلَهَا لِلنُّصْرَةِ، وَلَا نُصْرَةَ لِمُخَالِفٍ لَهُ فِي دِينِهِ (وَعَنْهُ أَنَّ الْفَقِيرَ الْمُعْتَمِلَ) أَيِ: الْمُحْتَرِفَ (يَحْمِلُ مِنَ الْعَقْلِ) حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ فَكَانَ مِنَ الْعَاقِلَةِ كَالْغَنِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ وَالشَّيْخَ يَحْمِلَانِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَفِي: هَرِمٍ، وَزَمِنٍ، وَأَعْمَى وَجْهَانِ، فَلَوْ عُرِفَ نَسَبُ قَاتِلٍ مِنْ قَتِيلِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ بُطُونِهَا لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمَذْهَبِ (وَيَحْمِلُ الْغَائِبُ كَمَا يَحْمِلُ الْحَاضِرُ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُمُ اسْتَوَوْا فِي التَّعْصِيبِ وَالْإِرْثِ، فَاسْتَوَوْا فِي تَحَمُّلِ الْعَقْلِ كَالْحَاضِرِينَ. [الْإِمَامُ وَالْحَاكِمُ خَطَؤُهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ] (وَخَطَأُ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ فِي أَحْكَامِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، لِأَنَّ خَطَأَهُ يَكْثُرُ فَيُجْحِفُ بِهِمْ، وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنِ اللَّهِ، فَكَانَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ فِي مَالِ اللَّهِ، وَكَخَطَأِ وَكِيلٍ، وَعَلَيْهَا لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ (وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ: عَلَى عَاقِلَتِهِمَا، قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ لِعُمَرَ: دِيَتُهُ عَلَيْكَ، لِأَنَّكَ أَفْزَعْتَهَا، وَلِأَنَّهُ جَانٍ. فَكَانَ خَطَؤُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَغَيْرِهِ، وَكَخَطَئِهِمَا فِي غَيْرِ حُكْمٍ، وَكَذَا الْخِلَافُ إِنْ زَادَ سَوْطًا كَخَطَأٍ فِي حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ، أَوْ جَهْلًا حَمْلًا، أَوْ بَانَ مَنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِ غَيْرَ أَهْلٍ (وَهَلْ يَتَعَاقَلُ أَهْلُ الذِّمَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَتَعَاقَلُونَ، لِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ تَقْتَضِي التَّوْرِيثَ فَاقْتَضَتِ التَّعَاقُلَ، وَلِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ كَالْمُسْلِمِينَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِأَنَّ حَمْلَ الْعَاقِلَةِ يَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِحُرْمَةِ قَرَابَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ، لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْحُرْمَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْمِلَّةُ كَالْيَهُودِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ تَحَمَّلَ الْجَمِيعَ، فَالدِّيَةُ، أَوْ بَاقِيهَا عَلَيْهِ إِنْ كَانَ ذِمِّيًّا، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا أَخَذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُمَكَّنْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالنَّصَارَى فَوَجْهَانِ، وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى تَوْرِيثِهِمْ وَعَدَمِهِ (وَلَا يَعْقِلُ ذَمِّيٌّ عَنْ حَرْبِيٍّ وَلَا حَرْبِيٌّ عَنْ ذَمِّيٍّ) لِعَدَمِ التَّوَارُثِ، وَكَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَقِيلَ: بَلَى، إِنْ تَوَارَثَا، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَعْقِلُ الْمُعَاهَدُ إِنْ بَقِيَ عَهْدُهُ إِلَى أَصْلِ الْوَاجِبِ، وَإِلَّا فَلَا. تَذْنِيبٌ: الْمُرْتَدُّ لَا يُعْقَلُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ فَيَعْقِلُ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ، وَلَا ذِمِّيٌّ فَيَعْقِلُ عَنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ، فَتَكُونُ جِنَايَتُهُ فِي مَالِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ (وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ تَحَمَّلَ الْجَمِيعَ، فَالدِّيَةُ أَوْ بَاقِيهَا عَلَيْهِ إِنْ كَانَ ذِمِّيًّا) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَا يَعْقِلُ عَنْهُ، وَكَمَنَ رَمَى سَهْمًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ كَفَرَ قَبْلَ إِصَابَتِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْفُرُوعِ شَيْئًا (وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا أَخَذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، فَيَعْقِلُونَ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ عَاقِلَتِهِ كَعَصَبَاتِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَحْمِلُ الْعَقْلَ بِحَالٍ، رَجَّحَهَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ فِيهِ حَقٌّ لِلصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَجَانِينِ وَمَنْ لَا عَقْلَ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ فِيمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ حَالَّةً تُؤْخَذُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَدَّى دِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا عُمَرُ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلُ مُتْلَفٍ، وَإِنَّمَا أَجَّلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا، وَلَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ: تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَالْعَاقِلَةِ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) أَيْ: إِذَا تَعَذَّرَ سَقَطَتْ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ) لِأَنَّ الدِّيَةَ لَزِمَتِ الْعَاقِلَةَ ابْتِدَاءً، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا يُطَالَبُ بِهَا غَيْرُهُمْ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَحَمُّلُهُمْ وَلَا رِضَاهُمْ بِهَا، فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ مَنْ وَجَبَتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 تَجِبَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَهُوَ أَوْلَى، كَمَا قَالُوا فِي الْمُرْتَدِّ: يَجِبُ أَرْشُ خَطَئِهِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ رَمَى وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَلَمْ يُصِبِ السَّهْمُ حَتَّى ارْتَدَّ، كَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ رَمَى الْكَافِرُ سَهْمًا، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ قَتَلَ السَّهْمُ إِنْسَانًا، فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ، وَلَوْ جَنَى ابْنُ الْمُعْتَقَةِ، ثُمَّ انْجَر وَلَاؤُهُ، ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ، فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي مَالِهِ، لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ، فَكَذَا هَذَا.   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ عُدِمَ الْقَاتِلُ فَإِنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُهَا عَلَى الْجَانِي جَبْرًا لِلْمَحَلِّ الَّذِي فَوَّتَهُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ لِقِيَامِ الْعَاقِلَةِ مَقَامَهُ فِي جَبْرِ الْمَحَلِّ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَقِيَ وَاجِبًا عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ تَرَدَّدَ بَيْنَ إِبْطَالِ دَمِ الْمَقْتُولِ وَبَيْنَ إِيجَابِ دِيَتِهِ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَلَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ لِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأُصُولِ الشَّرِيعَةِ، فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَلِأَنَّ إِهْدَارَ الدَّمِ الْمَضْمُونِ لَا نَظِيرَ لَهُ وَإِيجَابَ الدِّيَةِ عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ لَهُ نَظَائِرُ (وَهُوَ أَوْلَى) مِنْ إِهْدَارِ دَمِ الْأَحْرَارِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ، فَإِنَّهُ لَا تَكَادُ تُوجَدُ عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ الدِّيَةَ كُلَّهَا، ولَا سَبِيلَ إِلَى الْأَخْذِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَتَضِيعُ الدِّمَاءُ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ سَلَّمْنَا وُجُوبَهَا عَلَيْهِمُ ابْتِدَاءً لَكِنْ مَعَ وُجُودِهِمْ (كَمَا قَالُوا فِي الْمُرْتَدِّ يَجِبُ أَرْشُ خَطَئِهِ فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ تَحْمِلُهَا (وَلَوْ رَمَى وَهُوَ مُسْلِمٌ فَلَمْ يُصِبِ السَّهْمُ حَتَّى ارْتَدَّ كَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ رَمَى الْكَافِرُ سَهْمًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ قَتَلَ السَّهْمُ إِنْسَانًا، فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ) إِذَا تَغَيَّرَ دِينُ جَارِحٍ حَالَتَيْ جُرْحٍ وَزُهُوقٍ، فَالْمَذْهَبُ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ حَالَ الْجُرْحِ، وَقِيلَ: أَرْشُ الْجُرْحِ وَالزِّيَادَةِ بِالسِّرَايَةِ فِي مَالِهِ، وَقِيلَ: الْكُلُّ فِي مَالِهِ، وَهُوَ الْمُرَجَّحُ هُنَا، لِأَنَّهُ قَتِيلٌ قُتِلَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَعْصُومٌ، فَتَعَذَّرَ حَمْلُ عَاقِلَتِهِ عَقْلَهُ فَوَجَبَ عَلَى قَاتِلِهِ (وَلَوْ جَنَى ابْنُ الْمُعْتَقَةِ ثُمَّ انْجَر وَلَاؤُهُ ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ، فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي مَالِهِ، لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ، فَكَذَا هَذَا) وَصُورَتُهَا: إِذَا رَمَى مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِمَوَالِي أُمِّهِ فَانْجَرَّ وَلَاؤُهُ إِلَى مَوَالِي أَبِيهِ، ثم وَقَعَ سَهْمُهُ فِي شَخْصٍ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ: فَهُوَ كَتَغَيُّرِ دِينٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 فَصْلٌ وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، وَلَا مَا دُونَ ثُلُثِ   [المبدع في شرح المقنع] [الْعَمْدُ وَالْعَبْدُ وَالصُّلْحُ وَالِاعْتِرَافُ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ] فَصْلٌ (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْقَصَاصُ أَوْ لَا، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ: عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا» . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَيَكُونُ كَالْإِجْمَاعِ، وَعَنْ عُمَرَ، قَالَ: الْعَمْدُ، وَالْعَبْدُ، وَالصُّلْحُ، وَالِاعْتِرَافُ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَحَكَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ إِلَّا أَنْ يَشَاءُوا. رَوَاهُ مَالِكٌ. وَلِأَنَّ حَمْلَ الْعَاقِلَةِ إِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْخَطَأِ لِكَوْنِ الْجَانِي مَعْذُورًا، تَخْفِيفًا عَنْهُ وَمُوَاسَاةً لَهُ، وَالْعَامِدُ غَيْرُ مَعْذُورٍ، ثُمَّ يَبْطُلُ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ، فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، فَلَوْ قَتَلَهُ بِحَدِيدَةٍ مَسْمُومَةٍ، فَسَرَى إِلَى النَّفْسِ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ قَتَلَ بِمَا لَمْ يَقْتُلْ مِثْلُهَا غَالِبًا، أَشْبَهَ مَنْ لَهُ الْقَصَاصُ (وَلَا عَبْدًا) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمَعْنَاهُ: إِذَا قَتَلَ الْعَبْدَ قَاتِلٌ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، خَطَأً كَانَ أَوْ عَمْدًا (وَلَا صُلْحًا) لِأَنَّهُ لَوْ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ أَدَّى إِلَى أَنْ يُصَالِحَ بِمَالِ غَيْرِهِ، وَيُوجِبَ عَلَيْهِ حَقًّا بِقَوْلِهِ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَيُنْكِرَهُ، وَيُصَالِحَ الْمُدَّعِي عَلَى مَالٍ فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهُ مَالٌ ثَبَتَ بِمُصَالَحَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ كَالَّذِي ثَبَتَ بِاعْتِرَافِهِ، وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنْ يُصَالِحَ الْأَوْلِيَاءَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إِلَى الدِّيَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، لِأَنَّ هَذَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِذِكْرِ الْعَمْدِ، بَلْ مَعْنَاهُ صَالَحَ عَنْهُ صُلْحَ إِنْكَارٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَلَا اعْتِرَافًا) أَيْ: لَمْ تُصَدِّقْهُ بِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي أَنْ يُوَاطِئَ مَنْ يُقِرُّ لَهُ بِذَلِكَ لِيَأْخُذَ الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَتِهِ فَيُقَاسِمَهُ إِيَّاهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ شَخْصٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ مَا اعْتَرَفَ، وَمَعْنَاهُ بِأَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ فَوَجَبَ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَأَكْثَرُ إِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ الْعَاقِلَةُ (وَلَا مَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ) كَأَرْشِ الْمُوَضِّحَةِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِقَضَاءِ عُمَرَ أَنَّهَا لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 الدِّيَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا، إِلَّا غُرَّةَ الْجَنِينِ إِذَا مَاتَ مَعَ أُمِّهِ، فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا مَعَ دِيَةِ أُمِّهِ، وَإِنْ مَاتَا مُنْفَرِدَيْنِ لَمْ تَحْمِلْهَا الْعَاقِلَةُ، لِنَقْصِهَا عَنِ الثُّلْثِ، وَتَحْمِلُ جِنَايَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْحُرِّ إِذَا بَلَغَتِ الثُّلْثَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَا تَحْمِلُ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَيَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. وَمَا يَحْمِلُهُ   [المبدع في شرح المقنع] تَحْمِلُ شَيْئًا حَتَّى يَبْلُغَ عَقْلَ الْمَأْمُومَةِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْجَانِي، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ، فَكَانَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَتْلَفَاتِ، لَكِنْ خُولِفَ فِي الثُّلْثِ لِإِجْحَافِهِ بِالْجَانِي لِكَثْرَتِهِ، فَمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَالثُّلْثُ حَدُّ الْكَثِيرِ لِلْخَبَرِ (وَيَكُونُ ذَلِكَ) أَيْ: دِيَةُ الْعَمْدِ وَمَا بَعْدَهُ (فِي مَالِ الْجَانِي) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مُقْتَضَى الْأَصْلِ وُجُوبُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَانِي (حَالًّا) لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَكَانَ حَالًّا كَقِيمَةِ الْمُتْلَفِ مِنَ الْمَتَاعِ (إِلَّا غِرَّةَ الْجَنِينِ إِذَا مَاتَ مَعَ أُمِّهِ، فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا مَعَ دِيَةِ أُمِّهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ دِيَتَهُمَا وَجَبَتْ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، مَعَ زِيَادَتِهَا عَلَى الثُّلْثِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ سَبَقَتْهُ بِالزُّهُوقِ أَوْ سَبَقَهَا بِهِ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ بَعْضُ أَثَرِهَا عَنْ بَعْضٍ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ: الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمَا وَاحِدَةٌ، فَقِيلَ لَهُ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَعَلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةً، فَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا، فَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ خَبَرُ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَتَلَتِ الْمَرْأَةَ وَجَنِينَهَا، قَالَ: فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ قَضَى بِدِيَةِ الْجَنِينِ عَلَى الْجَانِيَةِ حَيْثُ لَمْ تَبْلُغُ الثُّلْثَ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِذَا شَرِبَتْ دَوَاءً عَمْدًا فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ احْتِمَالُ تَحَمُّلِ الْقَلِيلِ، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا مُخْتَصٌّ بِالْجَنِينِ، لِكَوْنِ دِيَتِهِ دِيَةَ نَفْسٍ، فَيَكُونُ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الثُّلْثِ لِكَوْنِهِ دِيَةَ نَفْسٍ (وَإِنْ مَاتَا مُنْفَرِدَيْنِ) بِجِنَايَتَيْنِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ (لَمْ تَحْمِلْهَا الْعَاقِلَةُ) نَصَّ عَلَيْهِ (لِنَقْصِهَا عَنِ الثُّلْثِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذَلِكَ غِرَّةٌ قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَهِيَ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ (وَتَحْمِلُ جِنَايَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْحُرِّ إِذَا بَلَغَتِ الثُّلْثَ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي تَقْيِيدِهِ بِالْخَطَأِ وَالْحُرِّ وَبُلُوغِ الثُّلْثِ احْتِرَازٌ عَنِ: الْعَمْدِ، وَالْعَبْدِ، وَمَا دُونَ الثُّلْثِ. [لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ شِبْهَ الْعَمْدِ] (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَا تَحْمِلُ شِبْهَ الْعَمْدِ) هَذَا رِوَايَةٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَقَالَهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، لِأَنَّهَا مُوجَبُ فِعْلٍ قَصَدَهُ، فَلَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ كَالْعَمْدِ الْمَحْضِ، وَهِيَ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ، أَشْبَهَتْ دِيَةَ الْعَمْدِ (وَيَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَا نَعْلَمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَاقِلَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَلَكِنْ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَيُحَمِّلُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا يَسْهُلُ وَلَا يَشُقُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجْعَلُ عَلَى الْمُوسِرِ نِصْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبْعًا، وَهَلْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَوْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] خِلَافًا فِي أَنَّهَا تَجِبُ مُؤَجَّلَةً رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً: هُوَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا، وَحَكَاهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ قَوْمٍ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهَا تُخَالِفُ سَائِرَ الْمُتْلَفَاتِ، وَاقْتَضَى تَغْلِيظَهَا مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ الْأَسْنَانُ، وَتَخْفِيفَهَا مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ حَمْلُ الْعَاقِلَةِ لَهَا وَتَأْجِيلُهَا (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ» الْحَدِيثَ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا كَالْخَطَأِ، وَعَنْهُ يَجِبُ مُؤَجَّلًا كَذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي، وَقِيلَ: حَالًّا، قَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَالرِّعَايَةِ كَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ حَالًّا، وَفِي التَّبْصِرَةِ: لَا تَحْمِلُ عَمْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، وَلَا مَا دُونَ الثُّلْثِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي مَالِ جَانٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَفِي الرَّوْضَةِ دِيَةُ الْخَطَأِ فِي خَمْسِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ خُمْسُهَا [مَا يَحْمِلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَاقِلَةِ] (وَمَا يَحْمِلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ) لِأَنَّ التَّقْدِيرَ مِنَ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ (وَلَكِنْ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِي تَقْدِيرِهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ كَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ (فَيَحْمِلُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا يَسْهُلُ وَلَا يَشُقُّ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِلْقَاتِلِ وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنِ الْجَانِي مَا يَثْقُلُ عَلَى غَيْرِهِ وَيُجْحِفُ بِهِ كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّ الْإِجْحَافَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا كَانَ الْجَانِي أَحَقَّ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يُشْرَعْ فِي حَقِّهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجْعَلُ عَلَى الْمُوسِرِ) وَهُوَ مَالِكُ نِصَابٍ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَاضِلًا عَنْهُ كَحَجٍّ وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ (نِصْفَ دِينَارٍ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَتَقَدَّرُ فِي الزَّكَاةِ (وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبْعًا) قَوْلُهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ تَافِهٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 وَيَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، فَمَتَى اتَّسَعَتْ أَمْوَالُ الْأَقْرَبِينَ لَهَا، لَمْ يَتَجَاوَزْهُمْ، وَإِلَّا انْتَقَلَ إِلَى مَنْ يَلِيهِمْ، وَإِنْ تَسَاوَى جَمَاعَةٌ فِي الْقُرْبِ وُزِّعَ الْقَدْرُ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ بَيْنَهُمْ. فَصْلٌ وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إِنْ كَانَ دِيَةً كَامِلَةً، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِيهِ (وَهَلْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَوْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، أَحَدُهُمَا: يَتَكَرَّرُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، فَيَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ الْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ، وَالثَّانِي: لَا، لأنه يفضي إِلَى إِيجَابِ أَكْثَرِ مِنْ أَقَلِّ الزَّكَاةِ، فَيَكُونُ مُضِرًّا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ دِينَارٌ وَنِصْفٌ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ لِتَكَرُّرِهِ، وَعَلَى الثَّانِي نِصْفٌ عَلَى الْمُوسِرِ وَرُبْعٌ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ (وَيَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ) كَالْمِيرَاثِ سَوَاءٌ (فَمَتَى اتَّسَعَتْ أَمْوَالُ الْأَقْرَبِينَ لَهَا، لَمْ يَتَجَاوَزْهُمْ) لِأَنَّهُ حَقٌّ يُسْتَحَقُّ بِالتَّعْصِيبِ، فَقُدِّمَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَيُقَدَّمُ مَنْ يُدْلِي بِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِأَبٍ فِي الْأَشْهَرِ كَالْمِيرَاثِ، وَفِي الْآخَرِ سَوَاءٌ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ بِالتَّعْصِيبِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُسَاوَاةِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ رِوَايَتَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْهَا مُسَاوَاةُ بِعِيدٍ لِقَرِيبٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ بَعِيدٍ لِغَيْبَةِ قَرِيبٍ، وَقِيلَ: يَكْتُبُ الْإِمَامُ إِلَى قَاضِي بَلَدِ الْأَقْرَبِ الْغَائِبِ لِيُطَالِبَهُ بِهَا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ أَمْوَالُ الْأَقْرَبِينَ لَهَا (انْتَقَلَ إِلَى مَنْ يَلِيهِمْ) لِأَنَّ الْأَقْرَبِينَ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ فَعُلِّقَتِ الدِّيَةُ بِمَنْ يَلِيهِمْ، وَكَذَا إِذَا تَحَمَّلَ الْأَقْرَبُونَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ (وَإِنْ تَسَاوَى جَمَاعَةٌ في القرب وُزِّعَ الْقَدْرُ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ بَيْنَهُمْ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمُ اسْتَوَوْا فِي الْقَرَابَةِ، فَكَانُوا سَوَاءً كَمَا لَوْ قَتَلُوا، وَكَالْمِيرَاثِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَ الْإِمَامُ مِمَّنْ شَاءَ. [مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجِّلًا] فَصْلٌ (وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ دِيَةِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ (إِنْ كَانَ دِيَةً كَامِلَةً) لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِ السِّنِينَ عَلَى بَعْضٍ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ، كَأَرْشِ الْجَائِفَةِ، وَجَبَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ نِصْفَهَا كَدِيَةِ الْيَدِ وَجَبَ فِي رَأْسِ الْحَوَلِ الْأَوَّلِ الثُّلْثُ، وَبَاقِيهِ فِي رَأْسِ الْحَوَلِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ دِيَةَ امْرَأَةٍ أَوْ كِتَابِيٍّ فَكَذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقَسَّمَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، لَمْ يَزِدْ فِي كُلِّ حَوْلٍ عَلَى الثُّلْثِ وَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ فِي الْجُرْحِ مِنَ الِانْدِمَالِ، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُوَاسَاةِ، فَلَمْ يَجِبْ حَالًّا كَالزَّكَاةِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ ثُلُثُهَا، وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ السَّنَةِ مِنْ حِينِ وُجُوبِ الدِّيَةِ (وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ، كَأَرْشِ الْجَائِفَةِ، وَجَبَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ) أَيْ: فِي آخِرِ السَّنَةِ الْأُولَى، وَلَمْ يَجِبْ مِنْهُ شَيْءٌ حَالًّا، لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ حَالًّا (وَإِنْ كَانَ نِصْفَهَا كَدِيَةِ الْيَدِ وَجَبَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ الثُّلْثُ) لِأَنَّهُ قَدْرُ مَا يُؤَدَّى مِنَ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، فَوَجَبَ لِتَسَاوِيهِمَا فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ (وَبَاقِيهِ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الثَّانِي) لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ الْقِسْطِ الثَّانِي مِنَ الْكَامِلَةِ (وَإِنْ كَانَ دِيَةَ امْرَأَةٍ أَوْ كِتَابِيٍّ) لَمْ يَقْتُلْ عَمْدًا، قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ وَفِيهِ شَيْءٌ (فَكَذَلِكَ) لِأَنَّ هَذَا يَنْقُصُ عَنْ دِيَةٍ كَامِلَةٍ أَشْبَهَتْ أَرْشَ الطَّرَفِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقَسَّمَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) لِأَنَّ ذَلِكَ دِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٍ، أَشْبَهَ دِيَةَ الْمُسْلِمِ (وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، لَمْ يَزِدْ فِي كُلِّ حَوْلٍ عَلَى الثُّلْثِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَوْ كَانَ دُونَ الدِّيَةِ لَمْ يَنْقُصْ فِي السَّنَةِ عَنِ الثُّلْثِ، فَكَذَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ إِذَا زَادَ عَلَى الثُّلْثِ، وَكَذَا إِذَا قُتِلَتِ الْمَرْأَةُ وَجَنِينُهَا بِضَرْبَةٍ بَعْدَ مَا اسْتَهَلَّ، لَمْ تَزِدْ فِي كُلِّ حَوْلٍ عَلَى قَدْرِ الثُّلْثِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: دِيَةُ نَفْسٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقِيلَ: الْكُلُّ، فَلَوْ قَتَلَ اثْنَيْنِ فَدِيَتُهُمَا فِي ثَلَاثٍ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ دِيَةٌ فَيَسْتَحِقُّ ثُلُثَهَا كَمَا لَوِ انْفَرَدَ حَقُّهُ، وَقِيلَ: فِي سِتِّ سِنِينَ فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ الثُّلْثِ كَدِيَةِ الْأُصْبُعِ لَمْ تَحْمِلْهَا الْعَاقِلَةُ، وَيَجِبْ حَالًّا لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ (وَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ فِي الْجُرْحِ مِنَ الِانْدِمَالِ) لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَسْتَقِرُّ إِلَّا بِالْبُرْءِ (وَفِي الْقَتْلِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 الْقَاضِي: إِنْ لَمْ يَسْرِ الْجُرْحُ إِلَى شَيْءٍ فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ الْقَطْعِ، وَمَنْ مَاتَ مِنَ الْعَاقِلَةِ، أَوِ افْتَقَرَ، سَقَطَ مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ يَسْقُطْ مَا عَلَيْهِ، وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَعَنْهُ فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ: أَنَّ عَمْدَهُ فِي مَالِهِ. بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً خَطَأً أَوْ مَا أُجْرِيَ مُجْرَاهُ، أَوْ شَارَكَ فِيهَا، أَوْ ضَرَبَ بَطْنَ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ حَالَةُ الْوُجُوبِ، سَوَاءٌ كَانَ قَتْلًا مُوجَبًا، أَوْ عَنْ سِرَايَةِ جُرْحٍ (وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ لَمْ يَسْرِ الْجُرْحُ إِلَى شَيْءٍ فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ الْقَطْعِ) لِأَنَّ تِلْكَ حَالَةُ الْوُجُوبِ، وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ، وَهُوَ ذِمِّيٌّ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ انْدَمَلَتْ وَجَبَ نِصْفُ دِيَةِ ذِمِّيٍّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ فِي الْقَتْلِ الْمُوحِي وَالْجُرْحِ الَّذِي لَمْ يَسْرِ عَنْ مَحَلِّهِ مِنْ حِينِ الْجِنَايَةِ، وَقِيلَ: فِي الْكُلِّ عند التَّرَافُعِ إِلَى الْحَاكِمِ (وَمَنْ مَاتَ مِنَ الْعَاقِلَةِ أَوِ افْتَقَرَ) قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ (سَقَطَ مَا عَلَيْهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، أَشْبَهَ الزَّكَاةَ، (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ يَسْقُطْ مَا عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ لَا يَمْلِكُ إِسْقَاطَهُ فِي حَيَاتِهِ، أَشْبَهَ الدَّيْنَ، وَلِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ لِحَوَلَانِ الْحَوْلِ، فَلَمْ يَسْقُطْ كَالزَّكَاةِ (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا كَمَالُ الْقَصْدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَخَطَأِ الْبَالِغِ (تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ) لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ، فَحَمَلَتْهُ غَيْرُهُ (وَعَنْهُ فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ: أَنَّ عَمْدَهُ فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ عَمْدٌ يَجُوزُ تَأْدِيبُهُ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُمَيِّزُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيُّ: تَجِبُ مُغَلَّظَةً، وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ: فِي مَالِهِ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَا أَصَابَ الصَّبِيُّ مِنْ شَيْءٍ فَعَلَى الْأَبِ إِلَى قَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ، فَإِذَا جَاوَزَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ، فَهَذَا رِوَايَةٌ لَا تَحْمِلُ الثُّلْثَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَمَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ. [بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ] [كَفَّارَةُ قَتْلِ الْخَطَأِ] بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الْكَفَّارَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْكُفْرِ، وَهُوَ: السَّتْرُ، لِأَنَّهَا تُغَطِّي الذَّنْبِ وَتَسْتُرُهُ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 امْرَأَةٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، مُسْلِمًا كَانَ الْمَقْتُولُ أَوْ كَافِرًا، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ: كَبِيرًا عَاقِلًا، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، حُرًّا   [المبدع في شرح المقنع] الْإِجْمَاعُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَذَكَرَ فِي الْآيَةِ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ خَطَأً، الثَّانِي: يُقْتَلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إِيمَانُهُ؟ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، الثَّالِثُ: يُقْتَلُ الْمُعَاهَدُ، وَهُوَ: الذِّمِّيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِالْقَتْلِ فِي الْجُمْلَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً خَطَأً لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، سَوَاءٌ قَتَلَهَا بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ بِسَبَبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ قَتَلَ نَفْسَهُ (أَوْ مَا أُجْرِيَ مُجْرَاهُ) لِأَنَّهُ أُجْرِيَ مُجْرَاهُ فِي عَدَمِ الْقِصَاصِ، فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَاهُ فِي الْكَفَّارَةِ (أَوْ شَارَكَ فِيهَا) أَيْ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْتَرِكِينَ كَفَّارَةٌ، فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ قَتْلِ الْآدَمِيِّ، فَوَجَبَ تَكْمِيلُهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ كَالْقِصَاصِ (أَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً، أَشْبَهَ قَتْلَ الْآدَمِيِّ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَفِي الْإِرْشَادِ: إِنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَقِيلَ: كَفَّارَةٌ، وَقِيلَ: تَتَعَدَّدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَخْرُجُ مِثْلُهُ فِي جَنِينٍ وَأُمِّهِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِلْقَاءِ جَنِينٍ كَامِلٍ، لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَانَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَالْمَوْلُودِ، وَقِيلَ: تَجِبُ وَلَوْ بِإِلْقَاءِ مُضْغَةٍ لَمْ تَتَصَوَّرْ (مُسْلِمًا كَانَ الْمَقْتُولُ أَوْ كَافِرًا) لِأَنَّ الْكَافِرَ آدَمِيٌّ مَقْتُولٌ ظُلْمًا، فَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِهِ كَالْمُسْلِمِ (حُرًّا أَوْ عَبْدًا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] وَلِأَنَّهُ يَجِبُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ فِي الْجُمْلَةِ، فَوَجَبَ بِقَتْلِهِ الْكَفَّارَةُ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَشْبَهَ الْحُرَّ (وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ: كَبِيرًا عَاقِلًا، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، حُرًّا، أَوْ عَبْدًا) مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا، لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِمْ كَالدِّيَةِ، وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ عِبَادَتَانِ بَدَنِيَّتَانِ، وَهَذِهِ مَالِيَّةٌ أَشْبَهَتْ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ تَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ، وَلَا قَوْلَ لَهُمَا، وَهَذِهِ تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ، وَفِعْلُهُمَا مُتَحَقِّقٌ، وَيَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ، بِدَلِيلِ إِحْبَالِهِمَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَكُونُ عُقُوبَةً لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 أَوْ عَبْدًا. وَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ بِالصِّيَامِ، وَعَنْهُ: عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ. فَأَمَّا الْقَتْلُ الْمُبَاحُ كَالْقِصَاصِ، وَالْحَدِّ، وَقَتْلِ الْبَاغِي، وَالصَّائِلِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ. فَصْلٌ وَفِي قَتْلِ الْعَمْدِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَالْأُخْرَى: فِيهِ الْكَفَّارَةُ.   [المبدع في شرح المقنع] كَالْحُدُودِ، وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، نَقَلَهَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ تَجِبُ بِالشَّرْعِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ كَالصَّوْمِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ (وَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ بِالصِّيَامِ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ (وَعَنْهُ: عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] الْآيَةَ، وَ " مَنْ " تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَتَعَدَّدُ، فَكَذَا الْكَفَّارَةُ، وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ فَلَمْ تَتَعَدَّدْ بِتَعَدُّدِ الْقَاتِلِينَ مَعَ اتِّحَادِ الْمَقْتُولِ كَكَفَّارَةِ الصَّيْدِ الْحَرَمِيِّ (فَأَمَّا الْقَتْلُ الْمُبَاحُ كَالْقِصَاصِ، وَالْحَدِّ، وَقَتْلِ الْبَاغِي، وَالصَّائِلِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) لِأَنَّهُ قَتْلٌ مَأْمُورٌ بِهِ، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ لِمَحْوِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْخَطَأُ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا إِبَاحَةٍ، لِأَنَّهُ كَقَتْلِ الْمَجْنُونِ، لَكِنَّ النَّفْسَ الذَّاهِبَةَ بِهِ مَعْصُومَةٌ مُحَرَّمَةٌ، فَلِذَلِكَ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ فِيهَا، وَقَالَ قَوْمٌ: الْخَطَأُ مُحَرَّمٌ وَلَا إِثْمَ فِيهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مَا أَثِمَ فَاعِلُهُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ مُنْقَطِعٌ، " وَإِلَّا " فِي مَوْضِعِ " لَكِنْ "، وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ لَا، أَيْ: وَلَا خَطَأَ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ النَّهْيُ لِعَدَمِ إِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ. [قَتْلُ الْعَمْدِ هَلْ فِيهِ كَفَّارَةٌ] فَصْلٌ لَا تَلْزَمُ قَاتِلًا حَرْبِيًّا، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَلَا قَاتِلًا نِسَاءَ حَرْبٍ وَذُرِّيَّتِهِمْ، وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ. وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ وَلَا أَمَانَ، وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْ قَتْلِهِمْ لِانْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ بِصَيْرُورَتِهِمْ أَرِقَّاءَ (وَفِي قَتْلِ الْعَمْدِ) وَشِبْهُ الْعَمْدِ (رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَالْأُخْرَى: فِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الْكَفَّارَةُ) أَمَّا الْعَمْدُ فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَسْقُطُ بِالتَّكْفِيرِ احْتَاجَ دَلِيلًا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ نَسْخُ الْقُرْآنِ، زَادَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَأَيْنَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَابَ أَوْ كَفَّرَ قَدْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِيَةُ: تَجِبُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، لِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَوْجَبَ الْقَتْلَ، فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً، يُعْتِقُ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. وَلِأَنَّهَا إِذَا وَجَبَتْ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ فَلَأَنْ تَجِبَ فِي الْعَمْدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْأُولَى أَصَحُّ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: ذَكَرَ قَتْلَ الْخَطَأِ وَأَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَتْلَ الْعَمْدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ كَفَّارَةٍ فِيهِ، مَعَ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ الصَّامِتِ قَتَلَ رَجُلًا فَأَوْجَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَوَدَ وَلَمْ يُوجِبْ كَفَّارَةً، وَحَدِيثُ وَاثِلَةَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ خَطَأً، وَسَمَّاهُ مُوجِبًا لِأَنَّهُ فَوَّتَ النَّفْسَ بِالْقَتْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ تَبَرُّعًا، وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَجِبُ بِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الْمُغْنِي: تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ قَوْلًا، لِأَنَّهُ أُجْرِيَ مُجْرَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 بَابُ الْقَسَامَةِ وَهِيَ الْأَيْمَانُ الْمُكَرَّرَةُ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ. وَلَا تَثْبُتُ إِلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ، أَحَدُهَا:   [المبدع في شرح المقنع] الْخَطَأِ فِي نَفْسِ الْقِصَاصِ، وَحَمْلِ الْعَاقِلَةِ دِيَتَهُ وَتَأْجِيلِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَجَرَى مَجْرَاهُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَجِبُ، وَبَعَّدَهَا ابْنُ الْمُنَجَّا، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ لِأَنَّ دِيَتَهُ مُغَلَّظَةٌ. تَذْنِيبٌ: مَنْ لَزِمَتْهُ فَفِي مَالِهِ، وَقِيلَ: مَا حَمَلَهُ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ خَطَأِ إِمَامٍ وَحَاكِمٍ فَفِيهِ، وَيُكَفِّرُ عَنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلِيُّهُ، نَقَلَ مُهَنَّا: الْقَتْلُ لَهُ كَفَّارَةٌ وَكَذَا الزِّنَا، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَيْسَ بَعْدَ الْقَتْلِ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا. [بَابُ الْقَسَامَةِ] [تَعْرِيفُ القسامة وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا] بَابُ الْقَسَامَةِ الْقَسَامَةُ اسْمٌ لِلْقَسَمِ، أُقِيمَ مَقَامَ الْمَصْدَرِ مِنْ: أَقْسَمَ إِقْسَامًا وَقَسَامَةً، هِيَ الْحَلِفُ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يُقْسِمُونَ فِي دَعْوَاهُمْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ صَاحِبَهُمْ، سُمُّوا قَسَامَةً بِاسْمِ الْمَصْدَرِ كَعَدْلٍ وَرِضًا، وَإِنَّمَا هِيَ الْأَيْمَانُ إِذَا كَثُرَتْ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالِغَةِ (وَهِيَ الْأَيْمَانُ الْمُكَرَّرَةُ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ) أَيْ: فِي دَعْوَى قَتْلِ مَعْصُومٍ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: «أَنَّ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ بِهِ، فَجَاءَهُ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ، وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ، فَقَالَ: كَبِّرْ كَبِّرْ، فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمَا، فَقَالَ: أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ؟ قَالَ: فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا، قَالُوا كَيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ، قَالَ: فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْأَنْصَارِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: فِي الْمَعَارِفِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 دَعْوَى الْقَتْلِ، ذَكَرًا كَانَ الْمَقْتُولُ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، وَأَمَّا الْجِرَاحُ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ. الثَّانِي: اللَّوْثُ، وَهُوَ الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ، كَنَحْوِ مَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ، وَكَمَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ الَّتِي يَطْلُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِثَأْرٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ،   [المبدع في شرح المقنع] أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِالْقَسَامَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِسْلَامِ. [شُرُوطُ ثُبُوتِ الْقَسَامَةِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ دَعْوَى الْقَتْلِ] (وَلَا تَثْبُتُ إِلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ، أَحَدُهَا: دَعْوَى الْقَتْلِ) عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، لِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ لَا يَثْبُتُ لِشَخْصٍ إِلَّا بَعْدَ دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَهُ، وَالْقَتْلُ مِنَ الْحُقُوقِ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا قَسَامَةَ فِي خَطَأٍ (ذَكَرًا كَانَ الْمَقْتُولُ أَوْ أُنْثَى) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجْرِي فِيهَا، فَشُرِعَتِ الْقَسَامَةُ فِيهَا كَذَلِكَ (حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا) وَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَالذِّمِّيَّ يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي الْمُمَاثِلِ لَهُ، فَأَوْجَبَ الْقَسَامَةَ فِي ذَلِكَ كَالْحُرِّ وَالْمُسْلِمِ، أَمَّا الْمَقْتُولُ إِذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا فَلَا خِلَافَ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، لِقَضِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ. وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمَكَاتَبُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَالْقِنِّ، وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا، أَوْ حُرٌّ عَبْدًا فَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ، وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ قَوْلًا، لِأَنَّ الْقَسَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ، وَكَقَتْلِ الْبَهِيمَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ وَكَلَامِ الْأَكْثَرِ تُشْرَعُ، لِأَنَّهُ قَتْلُ آدَمِيٍّ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فَشُرِعَتِ الْقَسَامَةُ فِيهِ كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ حُجَّةً فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ كَانَ حُجَّةً فِي قَتْلِ الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ (وَأَمَّا الْجِرَاحُ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لِأَنَّ الْقَسَامَةَ ثَبَتَتْ فِي النَّفْسِ لِحُرْمَتِهَا، فَاخْتَصَّتْ بِهَا كَالْكَفَّارَةِ وَكَالْأَطْرَافِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَالدَّعْوَى فِيهِ كَالدَّعْوَى فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ يَمِينًا وَاحِدَةً، لِأَنَّهَا دَعْوَى لَا قَسَامَةَ فِيهَا فَلَا تُغَلَّظُ بِالْعَدَدِ، كَالدَّعْوَى فِي الْمَالِ. [الشَّرْطُ الثَّانِي اللَّوْثُ] (الثَّانِي: اللَّوْثُ، وَهُوَ الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ وَلَوْ مَعَ سَيِّدِ عَبْدٍ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَصَبَةُ مَقْتُولٍ (كَنَحْوِ مَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ، وَكَمَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ الَّتِي يَطْلُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِثَأْرٍ فِي ظَاهِرِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّةُ الدَّعْوَى بِهِ، كَتَفَرُّقِ جَمَاعَةٍ عَنْ قَتِيلٍ، وَوُجُودِ قَتِيلٍ عِنْدَ مَنْ مَعَهُ سَيْفٌ مُلَطَّخٌ بِدَمٍ، وَشَهَادَةِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ الْقَتْلُ بِشَهَادَتِهِمْ، كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَأَمَّا قَوْلُ الْقَتِيلِ: فُلَانٌ قَتَلَنِي، فَلَيْسَ بِلَوْثٍ،   [المبدع في شرح المقنع] الْمَذْهَبِ) وَكَمَا بَيْنَ الْبُغَاةِ وَأَهْلِ الْعَدْلِ، وَبَيْنَ الشُّرْطَةِ وَاللُّصُوصِ عَلَى الْأَشْهَرِ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ لَا تُشْرَعَ الْقَسَامَةُ، تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ فِي الْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ، وَنَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ: أَوْ عَصَبِيَّةٌ لِلْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ الْعَدَاوَةِ أَلَّا يَكُونَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي بِهِ القتل غير الْعَدُوُّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَسْأَلِ الْأَنْصَارَ: هَلْ كَانَ بِخَيْبَرَ غَيْرُ الْيَهُودِ أَمْ لَا؟ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُ غَيْرِهِمْ فِيهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَمْلَاكًا لِلْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُونَهَا لِأَخْذِ غِلَالِ أَمْلَاكِهِمْ، وَشَرَطَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْأَنْصَارِيَّ قُتِلَ فِي خَيْبَرَ، وَلَمْ يَكُنْ بِهَا إِلَّا الْيَهُودُ، وَهُمْ أَعْدَاءٌ، ثُمَّ نَاقَضَ قَوْلَهُ بِأَنْ قَالَ: فِي قَوْمٍ ازْدَحَمُوا فِي مَضِيقٍ وَتَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِي الْقَوْمِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ قَتَلَهُ فَهُوَ لَوْثٌ، فَجَعَلَ الْعَدَاوَةَ لَوْثًا مَعَ وُجُودِ غَيْرِ الْعَدُوِّ (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّةُ الدَّعْوَى بِهِ كَتَفَرُّقِ جَمَاعَةٍ عَنْ قَتِيلٍ، وَوُجُودُ قَتِيلٍ عِنْدَ مَنْ مَعَهُ سَيْفٌ مُلَطَّخٌ بِدَمٍ، وَشَهَادَةُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ الْقَتْلُ بِشَهَادَتِهِمْ، كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ) وَيُعْتَبَرُ مَجِيئُهُمْ مُتَفَرِّقِينَ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِمُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وابن رزين وَالشيخ تَقِيِّ الدِّينِ، لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الْمُدَّعِي، أَشْبَهَتِ الْعَدَاوَةَ، وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَوْثٍ لِقَوْلِهِ فِي الَّذِي قُتِلَ فِي الزِّحَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: دِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَالَ فِيمَنْ وُجِدَ مَقْتُولًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: يُنْظَرُ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي حَيَاتِهِ عَدَاوَةٌ، لِأَنَّ اللَّوْثَ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْعَدَاوَةِ، لِقَضِيَّةِ الْأَنْصَارِيِّ، وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِالْمَظِنَّةِ وَلَا يُقَاسُ فِي الْمَظَانِّ، لِأَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَتَعَدَّى بِتَعَدِّي سَبَبِهِ، وَالْقِيَاسُ فِي الْمَظَانِّ جَمْعٌ بِمُجَرَّدِ الْحِكْمَةِ وَغَلَبَةِ الظُّنُونِ. فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْقَتِيلَيْنِ لَمْ تَثْبُتِ الشَّهَادَةُ وَلَمْ يَكُنْ لَوْثًا بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْقَتِيلَ قَتَلَهُ أَحَدُ هَذَيْنِ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا قَتَلَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسِكِّينٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 مالك والليث وَمَتَى ادَّعَى الْقَتْلَ مَعَ عَدَمِ اللَّوْثِ عَمْدًا، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يُحْكَمُ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] لَمْ تَكْمُلُ الشَّهَادَةُ وَلَمْ يَكُنْ لَوْثًا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِقَتْلِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِقَتْلِهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْقَتْلُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ هُنَا، وَفِيمَا إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَالْآخَرُ بِسِكِّينٍ، لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْقَتْلِ، وَاخْتَلَفَا فِي صِيغَتِهِ (فَأَمَّا قَوْلُ الْقَتِيلِ: فُلَانٌ قَتَلَنِي، فَلَيْسَ بِلَوْثٍ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمُ» الْخَبَرَ. وَكَالْوَلِيِّ، وَقَالَ: مالك والليث هُوَ لَوْثٌ، لِأَنَّ قَتِيلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: فُلَانٌ قَتَلَنِي فَكَانَ حُجَّةً، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُعْجِزَاتِ نَبِيِّهِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثُمَّ ذَاكَ فِي تَبْرِئَةِ الْمُتَّهَمِينَ فَلَا يَجُوزُ تَعْدِيَتُهُ إِلَى تُهْمَةِ الْبَرِيئِينَ، لَكِنْ نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: أَذْهَبُ إِلَى الْقَسَامَةِ إِذَا كَانَ ثَمَّ لَطْخٌ، إِذَا كَانَ سَبَبٌ بَيِّنٌ، إِذَا كَانَ ثَمَّ عَدَاوَةٌ، إِذَا كَانَ مِثْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَوْضِعٍ فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى رَجُلٍ أَوْ جَمَاعَةٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ وَلَا لَوْثٌ فَهِيَ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ حُكِمَ بِهَا، وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَخْتَارَ مِنَ الْمَوْضِعِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا: وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلَهُ، فَإِنْ نَقَصُوا عَنِ الْخَمْسِينَ كُرِّرَتِ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَتِمَّ، فَإِنْ حَلَفُوا وَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى بَانِي الْخُطَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، وَجَبَتْ عَلَى سُكَّانِ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا حُبِسُوا حَتَّى يُقِرُّوا أَوْ يَحْلِفُوا، لِأَثَرٍ عَنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: سَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَسَنَّ الْقَسَامَةَ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي وُجِدَ بِخَيْبَرَ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِالْقَتِيلِ أَثَرٌ فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَسْأَلِ الْأَنْصَارَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 بِيَمِينٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ خَطَأً حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً. الثَّالِثُ: اتِّفَاقُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الدَّعْوَى، فَإِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ وَأَنْكَرَ بَعْضٌ، لَمْ تَثْبُتِ الْقَسَامَةُ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ فِي الْمُدَّعِينَ رِجَالٌ عُقَلَاءُ، وَلَا مَدْخَلَ   [المبدع في شرح المقنع] هَلْ بِقَتِيلِهِمْ أَثَرٌ أَمْ لَا؟ مَعَ أَنَّ الْقَتْلَ يَحْصُلُ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ كَغَمِّ الْوَجْهِ، وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ احْتُمِلَ أَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، فَعَلَى هَذِهِ إِنْ خَرَجَ دَمٌ مِنْ أُذُنِهِ فَهُوَ لَوْثٌ، وَكَذَا إِنْ خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ فِي وَجْهٍ، وَقِيلَ: أَوْ شَفَتِهِ، وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ (وَمَتَى ادَّعَى الْقَتْلَ مَعَ عَدَمِ اللَّوْثِ عَمْدًا، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يُحْكَمُ لَهُ بِيَمِينٍ وَلَا غَيْرِهَا) هَذَا رِوَايَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَهِيَ أَشْهَرُ، سَوَاءٌ كَانَتِ الدَّعْوَى خَطَأً أَوْ عَمْدًا، لِأَنَّهَا دَعْوَى فِيمَا لَا يَجُوزُ بَذْلُهُ، أَشْبَهَ الْحُدُودَ، وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْقَسَامَةِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا الْقَتْلُ أَوِ الدِّيَةُ وَوُجُودُ اللَّوْثِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (وَعَنْ أَحْمَدَ: يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَكَدَعْوَى الْمَالِ (وَهِيَ الْأَوْلَى) وَالْأَصَحُّ، فَعَلَى هَذِهِ: إِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَإِنِ امْتَنَعَ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِقَوَدٍ، بَلْ بِدِيَةٍ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ وَيُخْلَى سَبِيلُهُ، وَعَنْهُ: يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا، لِأَنَّهُ دَعْوَى فِي قَتْلٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمْ لَوْثٌ (وَإِنْ كَانَ خَطَأً حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً) لِأَنَّ النُّكُولَ هُنَا يُقْضَى بِهِ، لِأَنَّ مُوجِبَهُ مَالٌ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ اتِّفَاقُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الدَّعْوَى] (الثَّالِثُ: اتِّفَاقُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الدَّعْوَى) لِأَنَّهَا دَعْوَى قَتْلٍ فَاشْتُرِطَ اتِّفَاقُ جَمِيعِهِمْ فِيهَا كَالْقِصَاصِ (فَإِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ وَأَنْكَرَ بَعْضٌ) بِأَنْ قَالَ: قَتَلَهُ هَذَا، أَوْ قَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَقْتُلْهُ هَذَا، أَوْ قَالَ: بَلْ قَتَلَهُ هَذَا الْآخَرُ (لَمْ تَثْبُتِ الْقَسَامَةُ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فِي الْقَسَامَةِ، عَمْدًا كَانَ الْقَتْلُ أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَلِلْحَاضِرِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ نَصِيبَهُ مِنَ الدِّيَةِ، وَهَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ   [المبدع في شرح المقنع] نَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُكَذِّبُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِتَبْرِئَةِ مَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ بِقَتْلٍ، كَمَا لَوِ ادَّعَيَا دَيْنًا لَهُمَا. [الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُدَّعِينَ رِجَالٌ عُقَلَاءُ] (الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ فِي الْمُدَّعِينَ رِجَالٌ عُقَلَاءُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ» . وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ يَثْبُتُ بِهَا قَتْلُ الْعَمْدِ، فَاعْتُبِرَ كَوْنُهَا مِنْ رِجَالٍ عُقَلَاءَ كَالشَّهَادَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُرْتَدُّ وَقْتَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ الْحُرِّ، لِعَدَمِ إِرْثِهِ، وَلَوْ أَسْلَمَ، بَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ) فِي الْقَسَامَةِ أَيْ: لَمْ يُسْتَحْلَفْنَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْمُدَّعَاةَ الَّتِي تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا هِيَ الْقَتْلُ، وَلَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي إِثْبَاتِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تُقْسِمُ فِي الْخَطَأِ فَلَوْ كَانَ جَمِيعُ الذُّرِّيَّةِ نِسَاءً فَاحْتِمَالَانِ، وَفِي الْخُنْثَى وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُقْسِمُ، لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنَ الدِّيَةِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقِ الْمَانِعُ مِنْ يَمِينِهِ، وَالثَّانِي: لَا يُقْسِمُ، كَالْمَرْأَةِ (وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فِي الْقَسَامَةِ) لِأَنَّ قَوْلَهُمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ أَقَرَّا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لَمْ يُقْبَلْ، فَكَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (عَمْدًا كَانَ الْقَتْلُ أَوْ خَطَأً) لِأَنَّ الْخَطَأَ أَحَدُ الْقَتْلَيْنِ أَشْبَهَ الْآخَرَ، لَا يُقَالُ: الْخَطَأُ يُثْبِتُ الْمَالَ وَلِلنِّسَاءِ مَدْخَلٌ فِيهِ، لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ ضِمْنًا لِثُبُوتِ الْقَتْلِ، وَمِثْلُهُ لَا يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ بَعْدَ مَوْتِهَا لِيَرِثَهَا، وَأَقَامَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ (فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ (أَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) أَوْ نَاكِلٌ عَنِ الْيَمِينِ، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ (فَلِلْحَاضِرِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ نَصِيبَهُ مِنَ الدِّيَةِ) لِأَنَّ الْقَسَامَةَ حَقٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، فَقِيَامُ الْمَانِعِ بِصَاحِبِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ حَلِفِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ نَصِيبَهُ كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا (وَهَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ خَمْسًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَلَهُ بَقِيمتُهَا، وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَلَّا يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يَحْلِفَ الْآخَرُ وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ مِنْ شُرُوطِ الْقَسَامَةِ: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَمْدًا تُوجِبُ الْقِصَاصَ إِذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ، وَأَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ   [المبدع في شرح المقنع] وَعِشْرِينَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ: أَحَدُهُمَا يَحْلِفُ خَمْسِينَ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ الْكَامِلَةِ، وَالْبَيِّنَةُ هُنَا هِيَ الْأَيْمَانُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ ادَّعَى أَحَدَهُمَا دَيْنًا لِأَبِيهِمَا. الثَّانِي: يَحْلِفُ بِقِسْطِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَهُوَ أَشْهَرُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِ مِنَ الْأَيْمَانِ، فَكَذَا مَعَ الْمَانِعِ، لَكِنْ لَا قَسَامَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَيَبْلُغَ الصَّبِيُّ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَهِيَ الْأَيْمَانُ هُنَا، وَلِأَنَّ الْحَقَّ إِنْ كَانَ قِصَاصًا فَلَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ، وَغَيْرُهُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ ثُبُوتِ الْقَتْلِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُوجِبًا لِلْمَالِ فَلِلْحَاضِرِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ نَصِيبَهُ مِنَ الدِّيَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ، وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُقْسِمُ بِقِسْطِهِ مِنَ الْأَيْمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ قِسْطِهِ مِنَ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ (وَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ) وَجْهًا وَاحِدًا (وَلَهُ بَقِيَّتُهَا) لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَيْمَانِ صَاحِبِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي: يَحْلِفُ خَمْسِينَ كَصَاحِبِهِ، فَكَذَا هُوَ، فَلَوْ قَدِمَ ثَالِثٌ أَوْ بَلَغَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَحْلِفُ سَبْعَ عَشْرَةَ يَمِينًا، وَعَلَى الْآخَرِ خَمْسِينَ، وَإِذَا قَدِمَ رَابِعٌ، فَهَلْ يَحْلِفُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَمِينًا، أَوْ خَمْسِينَ؟ فِيهِ الْخِلَافُ (وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَلَّا يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يَحْلِفَ الْآخَرُ لِأَنَّ) ذَلِكَ مُوجِبُ أَيْمَانِهِ (وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ مِنْ شُرُوطِ الْقَسَامَةِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَمْدًا) لِأَنَّ اللَّوْثَ مِنْ شُرُوطِهَا وِفَاقًا، وَلَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا فِي الْعَمْدِ، لِأَنَّ الْخَطَأَ يَصْدُرُ عنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْعَدُوُّ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ الْخَطَأُ فِي الْمَعْنَى كَالْعَمْدِ الَّذِي لَا لَوْثَ فِيهِ وَلَا قَسَامَةَ (تُوجِبُ الْقِصَاصَ إِذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْقَسَامَةِ فِي الْعَمْدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 بِشَرْطٍ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى عَمْدًا مَحْضًا، لَمْ يُقْسِمُوا إِلَّا عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، وَيَسْتَحِقُّونَ دَمَهُ، وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَلَهُمُ الْقَسَامَةُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ، وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ. فَصْلٌ وَيَبْدَأُ فِي الْقَسَامَةِ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ، فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ   [المبدع في شرح المقنع] الْقِصَاصُ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُوجِبَةً لَهُ كَدَعْوَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ لَمْ يُوجَدِ الْغَرَضُ (وَأَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ) لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَيَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ» وَلِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ ضَعِيفَةٌ خُولِفَ بِهَا الْأَصْلُ مِنْ قَتْلِ الْوَاحِدِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ مَا عَدَاهُ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاتِلِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا لِتَصِحَّ الدَّعْوَى، وَإِمْكَانُ الْقَتْلِ وَصِفَةُ الْقَتْلِ، فَلَوِ اسْتَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ قَبْلَ تَفْصِيلِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، لِعَدَمِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَطَلَبِ الْوَرَثَةِ (وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ) لِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهَا الْخَطَأُ كَالْعَمْدِ (لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى عَمْدًا مَحْضًا لَمْ يُقْسِمُوا إِلَّا عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، وَيَسْتَحِقُّونَ دَمَهُ) لِخَبَرِ سَهْلٍ (وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلَهُمُ الْقَسَامَةُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ، وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ) لِأَنَّهَا حُجَّةٌ يَثْبُتُ بِهَا الْعَمْدُ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ، فَيَثْبُتُ بِهَا غَيْرُهُ وَهُوَ الْمَالُ كَالْبَيِّنَةِ. [أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ يَبْدَؤُهَا الْمُدَّعُونَ] فَصْلٌ (وَيُبْدَأُ فِي الْقَسَامَةِ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ) أَيْ: ذُكُورِ الْعَصَبَةِ الْعُدُولِ أَوَّلًا، نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَيَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ» (فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ خَمْسُونَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ، فَإِذَا حَلَفَ ثَبَتَ الْحَقُّ فِي قِبَلِهِ لِحَدِيثِ سَهْلٍ، وَلِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إِلَّا فِي الْقَسَامَةِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ، وَذُكِرَ أَنَّهُ رُوِيَ مُرْسَلًا، وَرُوِيَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا كَذَلِكَ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ يَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهَا، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَلِأَنَّهَا أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 بِالْوَارِثِ، فَتُقَسَّمُ الْأَيْمَانُ بَيْنَ الرِّجَالِ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا حَلَفَهَا، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قُسِّمَتْ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا كَسْرٌ جُبِرَ عَلَيْهِمْ، مِثْلُ زَوْجٍ وَابْنٍ، يَحْلِفُ الزَّوْجُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَمِينًا، وَالِابْنُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ، وَلَوْ خَلَفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعَ عَشْرَةَ يَمِينًا، وَعَنْهُ: يَحْلِفُ مِنَ الْعَصَبَةِ الْوَارِثُ مِنْهُمْ وَغَيْرُ الْوَارِثِ، خَمْسُونَ رَجُلًا، كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا حَلَفَ   [المبدع في شرح المقنع] فَيُبْدَأُ فِيهَا بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ كَاللِّعَانِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ الْمَجْلِسِ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَفِيهِ قَوْلٌ حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ (وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَارِثِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ فِي دَعْوَى، فَلَمْ تُشْرَعْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْوَارِثِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ (فَتُقَسَّمُ الْأَيْمَانُ بَيْنَ الرِّجَالِ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ) أَيْ: تُقَسَّمُ بَيْنَ الرِّجَالِ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ إِنْ كَانُوا جَمَاعَةً (فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا حَلَفَهَا) لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الدِّيَةِ، فَكَذَا فِي الْأَيْمَانِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ، النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ» فَمَنِ احْتَجَّ لِلْأَوَّلِ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، فَرَدَدَهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ ادُّعِيَ عَلَيْهِمْ، فَحَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يَحْلِفُ وَلِيٌّ يَمِينًا (وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قُسِّمَتْ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ) لِأَنَّ مُوجِبَهَا الدِّيَةُ، وَهِيَ تُقَسَّمُ كَذَلِكَ، فَكَذَا يَجِبُ أَنْ تُقَسَّمَ هِيَ، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ حَلَفَ خَمْسُونَ، كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا (فَإِنْ كَانَ فِيهَا كَسْرٌ جُبِرَ عَلَيْهِمْ، مِثْلُ زَوْجٍ وَابْنٍ يَحْلِفُ الزَّوْجُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَمِينًا، وَالِابْنُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ) لِأَنَّ تَكْمِيلَ الْخَمْسِينَ وَاجِبٌ وَلَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهَا، وَالْخَبَرُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْمِزْيَةِ، فَالزَّوْجُ لَهُ الرُّبُعُ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفًا فَيُكْمِلُ، وَالِابْنُ لَهُ الْبَاقِي، وَهُوَ سَبْعٌ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفًا فَيُكَمَّلُ، فَيَصِيرُ كَمَا ذَكَرَهُ فِيهِمَا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتٌ حَلَفَ الزَّوْجُ سَبْعَ عَشْرَةَ يَمِينًا، وَالِابْنُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ (وَلَوْ خَلَفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعَ عَشْرَةَ يَمِينًا) لِأَنَّ لِكُلِّ ابْنٍ ثُلُثَ الْأَيْمَانِ: سِتَّ عَشْرَةَ يَمِينًا وَثُلُثَيْنِ، ثُمَّ تُكَمَّلُ (وَعَنْهُ: يَحْلِفُ مِنَ الْعَصَبَةِ الْوَارِثُ مِنْهُمْ وَغَيْرُ الْوَارِثِ، خَمْسُونَ رَجُلًا، كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَبَرِئَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ الْمُدَّعُونَ، وَلَمْ يَرْضَوْا بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَدَاهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ طَلَبُوا أَيْمَانَهُمْ فَنَكَلُوا لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ: «يَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ» مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ خَمْسُونَ رَجُلًا وَارِثًا، لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ إِلَّا أَخُوهُ أَوْ مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ، أَوْ أَقْرَبُ مِنْهُ نَسَبًا، وَلِأَنَّهُ خَاطَبَ ابْنَيْ عَمِّهِ وَهُمَا غَيْرُ وَارِثِينَ، لَكِنْ يَحْلِفُ الْوَارِثُ مِنْهُمُ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ دَمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا يُؤْخَذُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ قَبِيلَتِهِ الَّتِي يُنْسَبُ إِلَيْهَا، وَيَعْرِفُ لِنَفْسِهِ نَسَبَهُ مِنَ الْمَقْتُولِ، فَأَمَّا مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنَ الْقَبِيلَةِ وَلَمْ يُعْرَفْ وَجْهُ النَّسَبِ لَمْ يُقْسِمْ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَسَأَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَوْلِيَاءُ؟ قَالَ: فَقَبِيلَتُهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَأَقْرَبُهُمْ مِنْهُ. فَرْعٌ: إِذَا مَاتَ الْمُسْتَحِقُّ فَوَارِثُهُ كَهُوَ، وَيَسْتَأْنِفُ وَارِثُهُ الْأَيْمَانَ سَوَاءٌ حَلَفَ قَبْلَ مَوْتِهِ شَيْئًا أَوْ لَا، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا بِيَمِينِ غَيْرِهِ، وَلَوْ حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْضَ الْأَيْمَانِ، ثُمَّ جُنَّ، ثُمَّ أَفَاقَ، أَوْ عُزِلَ الْحَاكِمُ، فَإِنَّهُ يَبْنِي (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَبَرِئَ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ» أَيْ: يَبْرَءُونَ مِنْكُمْ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُغَرِّمِ الْيَهُودَ، وَأَنَّهُ أَدَّاهَا مِنْ عِنْدِهِ، وَلِأَنَّهَا أَيْمَانٌ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَتَبْرَأُ بِهَا كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَعَنْهُ أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ وَيُغَرَّمُونَ الدِّيَةَ لِقَضَاءِ عُمَرَ بِالدِّيَةِ مَعَ الْيَمِينِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا قَضَى عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ، وَيُعْتَبَرُ حُضُورُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقْتَ يَمِينِهِ كَالْبَيِّنَةِ وَحُضُورِ الْمُدَّعِي، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (وَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ الْمُدَّعُونَ، وَلَمْ يَرْضَوْا بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَدَاهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ: أَدَّى دِيَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِقَضِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ شَيْءٌ (وَإِنْ طَلَبُوا أَيْمَانَهُمْ) أَيْ: أَيْمَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ (فَنَكَلُوا لَمْ يُحْبَسُوا) فِي الْأَشْهَرِ، لِأَنَّهَا يَمِينٌ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يُحْبَسْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَعَنْهُ: يُحْبَسُ حَتَّى يَقْرَ أَوْ يَحْلِفَ، لِأَنَّهَا دَعْوَى فَيُحْبَسُ فِيهَا بِالنُّكُولِ كَالْمَالِ، وَعَلَى الْأُولَى: لَا يَجِبُ قَوَدٌ بِنُكُولٍ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 يُحْبَسُوا، وَهَلْ تَلْزَمُهُمُ الدِّيَةُ، أَوْ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ كَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي (وَهَلْ تَلْزَمُهُمُ الدِّيَةُ، أَوْ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا: تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالنُّكُولِ، فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَالٌ بِنُكُولِهِ، وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْيَمِينِ لَخَلَا مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالثَّانِيَةُ: فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّهُمُ امْتَنَعُوا عَنِ الْيَمِينِ أَشْبَهَ امْتِنَاعَ الْمُدَّعِيَيْنِ، إِذَا لَمْ يَرْضَوْا بِيَمِينِ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: يَقُولُ تَاللَّهِ، وَبِاللَّهِ، وَوَاللَّهِ بِالْجَرِّ، فَإِنْ قَالَهُ مَضْمُومًا أَوْ مَنْصُوبًا فَقَدْ لَحَنَ، قَالَ الْقَاضِي: وَيُجْزِئُهُ إِنْ تَعَمَّدَ، أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ، لِأَنَّهُ لَحْنٌ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَظْهِرَ فِي أَلْفَاظِ الْيَمِينِ فِي الْقَسَامَةِ تَأْكِيدًا. فَرْعٌ: سَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ قَتِيلٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، قَالَ: هَذَا قَسَامَةٌ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: احْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ: " قِيسُوا مَا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ فَخُذْهُمْ بِهِ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذُرِعَ مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى شِبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَلْقَاهُ عَلَى أَقْرَبِهِمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 كِتَابُ الْحُدُودِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إِلَّا عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْحُدُودِ] [تَعْرِيفُ الحدود وَشُرُوطُ إِقَامَتِهَا] ِ وَهِيَ جَمْعُ حَدٍّ، وَهُوَ الْمَنْعُ، وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَحَارِمُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] وَهِيَ مَا حَدَّهُ وَقَدَّرَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى، كَتَزْوِيجِ الْأَرْبَعِ وَنَحْوِهِ، وَمَا حَدَّهُ الشَّرْعُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، وَالْحُدُودُ: الْعُقُوبَاتُ الْمُقَدَّرَةُ، يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنَ الْمَنْعِ، لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الذَّنْبِ، وَأَنْ تَكُونَ سُمِّيَتِ الْحُدُودَ الَّتِي هِيَ الْمَحَارِمُ لِكَوْنِهَا زَوَاجِرَ عَنْهَا، أَوْ بِالْحُدُودِ الَّتِي هِيَ الْمُقَدَّرَاتُ، وَشَرْعًا: عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ لِتَمْنَعَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِهِ. (لَا يَجِبُ الْحَدُّ إِلَّا عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ) وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِهِمَا لِلنُّصُوصِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْإِثْمِ فِي الْمَعَاصِي، فَالْحَدُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الدَّرْءِ بِالشُّبَهَاتِ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ يَفِيقُ فِي وَقْتٍ فَأَقَرَّ فِيهِ أَنَّهُ زَنَى وَهُوَ يَفِيقُ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ فِي إِفَاقَتِهِ أَنَّهُ زَنَى وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى حَالٍ، أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ، وَلَمْ تُضِفْهُ إِلَى حَالِ إِفَاقَتِهِ، فَلَا حَدَّ لِلِاحْتِمَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى نَائِمٍ وَلَا نَائِمَةٍ (عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ) لِعُمُومِ النُّصُوصِ، وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ، سَوَاءٌ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا، أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِ الْمَرْأَةِ، زَادَ فِي الْوَجِيزِ: مُلْتَزِمٌ، وَهُوَ مُرَادٌ. [مَنْ يُقِيمُ الْحُدُودَ] (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ إِلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادٍ، وَلَا يُؤْمَنُ مَعَهُ الْحَيْفُ فَوَجَبَ تَفْوِيضُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ إِلَّا السَّيِّدُ، فَإِنَّ لَهُ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ خَاصَّةً عَلَى رَقِيقِهِ الْقِنِّ، وَهَلْ لَهُ الْقَتْلُ فِي الرِّدَّةِ، وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَا يَمْلِكُ إِقَامَتَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] إِلَى نَائِبِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي حَيَاتِهِ، وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِلَّا لِقَرِينَةٍ كَتَطَلُّبِ الْإِمَامِ لَهُ لِيَقْتُلَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ أَقَامَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ تَعَدَّى عَلَى الْإِمَامِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا كَالْمُرْتَدِّ، وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ حُضُورُ إِقَامِتِهِ، لِقَوْلِهِ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» ، وَلِغَيْرِهِ. فَرْعٌ: مَنْ أَقَامَ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَزِمَهُ مِنْ حَدِّ زَنًا أَوْ قَذْفٍ بِإِذْنِ إِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ (إِلَّا السَّيِّدُ) الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ الْعَالِمُ (فَإِنَّ لَهُ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ خَاصَّةً عَلَى رَقِيقِهِ الْقِنِّ) أَيِ: الْكَامِلِ رِقُّهُ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَلِأَنَّ لِلسَّيِّدِ تَأْدِيبَ أَمَتِهِ بِتَزْوِيجِهَا، فَمَلَكَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا كَالسُّلْطَانِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الصَّبِيَّ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادٍ فَلَمْ يَمْلِكْهُ، كَالْقَطْعِ وَحَدِّ الْحُرِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَهُ سَمَاعُ بَيِّنَةٍ تَقْتَضِي الْعُقُوبَةَ وَالْعَمَلُ بِهَا إِنْ عَرَفَ شُرُوطَهَا، وَإِلَّا سَمِعَهَا الْحَاكِمُ أَوْ سَيِّدُهُ بِإِذْنِهِ، وَقِيلَ: لَا يَسْمَعُهَا غَيْرُ حَاكِمٍ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ (وَهَلْ لَهُ الْقَتْلُ فِي الرِّدَّةِ، وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَمْلِكُهُ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 وَلَا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، وَلَا أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ فَاسِقًا أَوِ امْرَأَةً فَلَهُ إِقَامَتُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَمْلِكَهُ، وَلَا يَمْلِكَهُ الْمُكَاتَبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَهُ، وَسَوَاءٌ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، وَإِنْ ثَبَتَ بِعِلْمِهِ، فَلَهُ إِقَامَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَمْلِكَهُ كَالْإِمَامِ، وَلَا يُقِيمُ الْإِمَامُ الْحَدَّ بِعِلْمِهِ. وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ.   [المبدع في شرح المقنع] - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّمَا أَمَرَ بِالْجَلْدِ فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ فِي الْجَلْدِ سَتْرًا عَلَى رَقِيقِهِ، لِئَلَّا يَفْتَضِحَ بِإِقَامَةِ الْإِمَامِ لَهُ فَتَنْقُصَ قِيمَتُهُ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا، وَالثَّانِيَةُ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَطَعَ عَبْدًا لَهُ سَرَقَ، وَحَفْصَةً قَتَلَتْ أَمَةً لَهَا سَحَرَتْهَا (وَلَا يَمْلِكُ إِقَامَتَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ) قَطَعَ بِهِ فِي: الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْآدَمِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسَ، وَغَيْرُهُمْ، لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَفِيهِ وَجْهٌ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمُ الْمَذْهَبَ، لِأَنَّهُ عَبْدٌ (وَلَا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى كُلِّهِ، وَالْحَدُّ تَصَرُّفٌ فِي الْكُلِّ (وَلَا أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ، أَشْبَهَ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، وَفِيهَا وَجْهٌ صَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً فَالسُّلْطَانُ، وَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى تُحَدَّ، وَيُخَرَّجُ فِي مَرْهُونَةٍ وَمُسْتَأْجَرَةٍ وَجْهَانِ، وَجَعَلَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ مَرْهُونَةً وَمُكَاتَبَةً أَصْلًا كَمُزَوَّجَةٍ (وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ فَاسِقًا أَوِ امْرَأَةً فَلَهُ إِقَامَتُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ثَبَتَتْ بِالْمِلْكِ أَشْبَهَتْ وِلَايَةَ التَّأْدِيبِ، وَالْمَرْأَةُ تَامَّةُ الْمَلِكِ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفَاتِ، أَشْبَهَتِ الرَّجُلَ، وَلِأَنَّ فَاطِمَةَ جَلَدَتْ أَمَةً لَهَا، وَعَائِشَةَ قَطَعَتْ أَمَةً لَهَا سَرَقَتْ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَمْلِكَهُ) لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ الْعَدْلِ، وَقِيلَ: يُقِيمُهُ وَلِيُّ امْرَأَةٍ، وَهَلْ لِلْوَصِيِّ حَدُّ رَقِيقِ مُولِّيهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ (وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ) صَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ، وَمِلْكُهُ عَلَى عَبْدِهِ نَاقِصٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَهُ) لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ أَشْبَهَ تَصَرُّفَاتِهِ (وَسَوَاءٌ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ) إِنْ كَانَ يَعْلَمُ شُرُوطَهُ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ فِي ثُبُوتِهِ، فَوَجَبَ أَلَّا يَخْتَلِفَ حَالُ السَّيِّدِ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا لِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْمَعَ إِقْرَارَهُ وَيُقِيمَ الْحَدَّ عَلَيْهِ، وَيُقَدِّمَ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ (وَإِنْ ثَبَتَ بِعِلْمِهِ فَلَهُ إِقَامَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ، فَمَلَكَ إِقَامَتَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَأْدِيبَهُ بِعِلْمِهِ، فَكَذَا هُنَا (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَمْلِكَهُ كَالْإِمَامِ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي، لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ لِلْحَدِّ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ السَّيِّدِ، لِكَوْنِهَا مُتَّفَقًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحَدِّ قَائِمًا بِسَوْطٍ لَا جَدِيدٍ وَلَا خَلَقٍ، وَلَا يُمَدُّ وَلَا يُرْبَطُ وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهَا، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْحَدُّ بِالْعِلْمِ، فَهَاهُنَا، أَوْلَى وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ مُتَّهَمٌ (وَلَا يُقِيمُ الْإِمَامُ الْحَدَّ بِعِلْمِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] ثُمَّ قَالَ: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ. مَسْأَلَةٌ: نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ وُجُوبَ بَيْعِ رَقِيقٍ زَنَى فِي رَابِعَةٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ عَصَى الرَّقِيقُ عَلَانِيَةً أَقَامَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنْ عَصَى سِرًّا فَيَنْبَغِي أَلَّا تَجِبَ عَلَيْهِ إِقَامَتُهُ، بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ سَتْرِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ، كَمَا تَخَيَّرَ الشُّهُودَ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ سَتْرٍ عَلَى الْمَشْهُودِ وَاسْتِتَابَتِهِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، فَإِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَتُوبُ سَتَرُوهُ، وَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ضَرَرٌ لِلنَّاسِ، كَانَ الرَّاجِحُ رَفْعَهُ إِلَى الْإِمَامِ. [إِقَامَةُ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ] (وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ، جَلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِمَا رَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُقَامَ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» ، رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلٍ زَنَى، فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَاضْرِبُوهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَقَطَعَ يَدَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ فَيُنَجِّسَهُ وَيُؤْذِيَهُ، وَفِي الْمَذْهَبِ: يَنْبَغِي تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى ذَمِّيٍّ فِي الْمَسْجِدِ [كَيْفِيَّةُ الْجَلْدِ] (وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحَدِّ قَائِمًا) فِي الْأَشْهَرِ، وَقَالَهُ عَلِيٌّ، وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، لِأَنَّ قِيَامَهُ وَسِيلَةٌ إِلَى إِعْطَاءِ كُلِّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنَ الضَّرْبِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ قَاعِدًا: لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ (بِسَوْطٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ لِلْحَنَفِيَّةِ: السَّوْطُ فَوْقَ الْقَضِيبِ وَدُونَ الْعَصَا، وَفِي الْمُخْتَارِ لَهُمْ: بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْجَلْدِ (لَا جَدِيدٍ وَلَا خَلَقٍ) نَصَّ عَلَيْهِ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهُوَ الْبَالِي، لِخَبَرٍ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا، وَرُوِيَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 يُجَرَّدُ، بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَالْقَمِيصَانِ، وَلَا يُبَالَغُ فِي ضَرْبِهِ بِحَيْثُ يَشُقُّ الْجِلْدَ، وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ إِلَّا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْفَرْجَ وَمَوْضِعَ الْمَقْتَلِ، وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً وَتَشُدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، وَتُمْسَكُ يَدَاهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ.   [المبدع في شرح المقنع] عَنْ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ الْإِيلَامُ دُونَ الْجُرْحِ، إِذِ الْجَدِيدُ يَجْرَحُ، وَالْبَالِي لَا يُؤْلِمُ، فَلَوْ كَانَ السَّوْطُ مَغْصُوبًا أَجْزَأَ، عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّهْيِ، لِلْإِجْمَاعِ، ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ (وَلَا يُمَدُّ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ (وَلَا يُرْبَطُ وَلَا يُجَرَّدُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ فِي دِينِنَا مَدٌّ وَلَا قَيْدٌ وَلَا تَجْرِيدٌ (بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَالْقَمِيصَانِ) صِيَانَةً لَهُ عَنِ التَّجْرِيدِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ أَلَمَ الضَّرْبِ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُمَا عَلَيْهِ، نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ وَالْفَضْلُ: عَلَيْهِ ثِيَابُهُ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ تَجْرِيدُهُ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْوٌ أَوْ جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ نُزِعَتْ، لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِالضَّرْبِ (وَلَا يُبَالَغُ فِي ضَرْبِهِ بِحَيْثُ يَشُقُّ الْجِلْدَ) لِأَنَّ الْغَرَضَ تَأْدِيبُهُ وَزَجْرُهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ لَا قَتْلُهُ، وَالْمُبَالَغَةُ تُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ تَوَالِيَ الضَّرْبِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إِلَى الْقَتْلِ، وَأَوْجَبَهُ الْقَاضِي، وَلَا يُبْدِي إِبْطَهُ فِي رَفْعِ يَدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (إِلَّا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ لِلْجَلَّادِ: اضْرِبْ، وَأَوْجِعْ، وَاتَّقِ الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ، وَلِأَنَّهُمَا أَجْمَلُ مَا فِي الْإِنْسَانِ، وَفِي إِصَابَةِ الضَّرْبِ لَهُمَا خَطَرٌ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَمِيَ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ، أَوْ قَتَلَهُ (وَالْفَرْجَ وَمَوْضِعَ الْمَقْتَلِ) لِأَنَّ ضَرْبَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْقَتْلِ، وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، بَلْ مَأْمُورٌ بِعَدَمِهِ، وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي مَوَاضِعِ اللَّحْمِ كَالْإِلْيَتَيْنِ وَالْفَخْذَيْنِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ فِي الْحَدِّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي مُوَالَاةِ الْعُضْوِ لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ وَلِسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا نِيَّةَ مَنْ يُقِيمُهُ أَنَّهُ حَدٌّ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ يُقِيمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَمَرَ عَبْدًا عَجَمِيًّا يَضْرِبُ لَا عِلْمَ لَهُ بِالنِّيَّةِ أَجْزَأَتْ نِيَّتُهُ، وَالْعَبْدُ كَالْآلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُعْتَبَرَ نِيَّتُهُمَا، كَمَا نَقُولُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ غَاسِلِهِ، وَاحْتَجَّ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ فِي اعْتِبَارِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ بِأَنَّ الصَّرْفَ إِلَى الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ كَالْجَلْدِ فِي الْحُدُودِ (وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ) أَيِ: الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِيمَا ذَكَرْنَا، عَمَلًا بِالْأَصْلِ السَّالِمِ عَنِ الْمَعَارِضِ (إِلَّا أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً وَتَشُدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا) نَصَّ عَلَيْهِمَا (وَتُمْسَكَ يَدَاهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 وَالْجَلَدُ فِي الزِّنَا أَشَدُّ الْجَلْدِ، ثُمَّ جَلْدُ الْقَذْفِ، ثُمَّ الشُّرْبُ، ثُمَّ التَّعْزِيرُ. وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الضَّرْبَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، فَلَهُ ذَلِكَ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يُؤَخَّرُ   [المبدع في شرح المقنع] تُضْرَبُ الْمَرْأَةُ جَالِسَةً، وَالرَّجُلُ قَائِمًا وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ، وَهَذَا أَسْتَرُ لَهَا، وَهُوَ مَطْلُوبٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُشْرَعُ لَهَا فِي الصَّلَاةِ أَنْ تَجْمَعَ نَفْسَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ [أَشَدُّ الْجَلْدِ حَدُّ الزِّنَا] (وَالْجَلْدُ فِي الزِّنَا أَشَدُّ الْجَلْدِ، ثُمَّ جَلْدُ الْقَذْفِ، ثُمَّ الشُّرْبُ) نَصَّ عَلَيْهِ (ثُمَّ التَّعْزِيرُ) قَالَ مَالِكٌ: كُلُّهَا وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الزَّجْرُ، فَيَجِبُ تَسَاوِيهَا فِي الصِّفَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَشُدُّهَا التَّعْزِيرُ، ثُمَّ الزِّنَا، ثُمَّ شُرْبُ الْخَمْرِ، ثُمَّ الْقَذْفُ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ: لِأَنَّ سَبَبَ عُقُوبَتِهِ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، إِلَّا أَنَّهُ عُوقِبَ صِيَانَةً لِلْأَعْرَاضِ، وَرَدْعًا بِمَنْ هَتَكَهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ اللَّهَ خَصَّ الزِّنَا بِمَزِيدِ التَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] وَلِأَنَّ مَا دُونَهُ أَخَفُّ مِنْهُ عَدَدًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ فِي إِيلَامِهِ وَوَجَعِهِ، وَلِأَنَّ مَا خَفَّ فِي عَدَدِهِ كَانَ أَخَفَّ فِي صِفَتِهِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ آدَمِيٌّ، وَحَدُّ الشُّرْبِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ، وَالتَّعْزِيرُ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ، وَقِيلَ: أَخَفُّهَا حَدُّ الشُّرْبِ، إِنْ قُلْنَا: هُوَ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً، ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ (الضَّرْبَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُتِيَ بِشَارِبٍ، فَقَالَ: «اضْرِبُوهُ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَحُثُّوا عَلَيْهِ التُّرَابَ» وَفِي الْمَذْهَبِ وَالْبُلْغَةِ: وَأَيَّدَ لِلْخَبَرِ، وَفِي الْوَسِيلَةِ: يُسْتَوْفَى بِالسَّوْطِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ، وَفِي الْمُوجَزِ: لَا يُجْزِئُ بِيَدٍ وَطَرَفِ ثَوْبٍ، وَفِي التَّبْصِرَةِ: لَا يُجْزِئُ بِطَرَفٍ ثَوْبٍ وَنَعْلٍ، وَيُؤَخَّرُ سَكْرَانُ حَتَّى يَصْحُوَ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ احْتَمَلَ السُّقُوطَ، وَهُوَ أَوْلَى، وَاحْتَمَلَ عَدَمَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 الْحَدُّ لِلْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ جَلْدًا وَخُشِيَ عليه مِنَ السَّوْطِ، أُقِيمَ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَالْعُثْكُولِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ، وَإِذَا مَاتَ الْمَحْدُودُ فِي   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: يَحْرُمُ حَبْسُهُ بَعْدَ حَدٍّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَذَاهُ بِكَلَامٍ كَالتَّعْيِيرِ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ الْجَوْزِيِّ، لِنَسْخِهِ بِشَرْعِ الْحَدِّ، كَنَسْخِ حَبْسِ الْمَرْأَةِ. [لَا يُؤَخَّرُ الْحَدُّ إِلَّا لِلْمَرَضِ] (قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يُؤَخَّرُ الْحَدُّ لِلْمَرَضِ) وَقَالَهُ فِي الْوَجِيزِ وَزَادَ: وَالضَّعْفِ، لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إِذَا كَانَ قَتْلُهُ مُتَحَتِّمًا، وَكَذَا إِنْ كَانَ جَلْدًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، لِأَنَّ عُمَرَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ، وَانْتَشَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يُؤَخَّرُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ لَهُ تَأْخِيرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ فِي الَّتِي هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ، وَلِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ إِتْلَافٍ، فَكَانَ أَوْلَى، وَمَرَضُ قُدَامَةَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ خَفِيفًا لَا يَمْنَعُ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْكَمَالِ، ثُمَّ إِنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقَدَّمَ عَلَى فِعْلِ عُمَرَ مَعَ أَنَّهُ اخْتِيَارُ عَلِيٍّ وَفِعْلُهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي تَأْخِيرِهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ (فَإِنْ كَانَ جَلْدًا وَخُشِيَ عَلَيْهِ مِنَ السَّوْطِ) لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْأَصَحِّ (أُقِيمَ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَالْعُثْكُولِ) لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا شِمْرَاخًا فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَا أَبَا أُمَامَةَ مُرْسَلًا، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَلَا جَلْدُهُ تَامًّا لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى إِتْلَافِهِ، فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ) لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ فَوَاتِهِ، وَبِهِ فَارَقَ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، لِأَنَّهُ يُخَافُ فَوَاتُ الْحَدِّ. فَرْعٌ: ذَكَرَ الْخِرَقِيُّ أَنَّ الْعَبْدَ يُضْرَبُ بِدُونِ سَوْطِ الْحُرِّ، لِأَنَّ حَدَّهُ أَقَلُّ عَدَدًا فَيَكُونُ أَخَفَّ سَوْطًا، وَالظَّاهِرُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّنْصِيفُ إِذَا نَصَّفْنَا الْعَدَدَ إِلَّا مَعَ تَسَاوِي الشَّرِطَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 الْجَلْدِ فَالْحَقُّ قَتْلُهُ، وَإِنْ زَادَ سَوْطًا أَوْ أَكْثَرَ فَتَلِفَ، ضَمِنَهُ، وَهَلْ يَضْمَنُ جَمِيعَهُ، أَوْ نِصْفَ الدِّيَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِذَا كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا لَمْ يُحْفَرْ لَهُ، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِذَا مَاتَ الْمَحْدُودُ فِي الْجَلْدِ) وَلَوْ حَدُّ خَمْرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ تَأْدِيبٍ أَوْ تَعْزِيرٍ، وَلَمْ يَلْزَمْ تَأْخِيرُهُ (فَالْحَقُّ قَتْلُهُ) وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ، جَلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَهَذَا إِذَا أَتَى بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ التَّلَفُ مَنْسُوبًا إِلَيْهِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمُؤَدِّبُ (وَإِنْ زَادَ سَوْطًا) أَوْ فِي السَّوْطِ (أَوْ أَكْثَرَ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ تَلِفَ بِعُدْوَانِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَرَبَهُ فِي غَيْرِ الْحَدِّ (وَهَلْ يَضْمَنُ جَمِيعَهُ، أَوْ نِصْفَ الدِّيَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: وَهُوَ رِوَايَةٌ، أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ كُلُّهَا، ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ قَتْلٌ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعُدْوَانِ الضَّارِبِ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْعَادِي كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا سَوْطًا فَقَتَلَهُ، وَكَمَا لَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ لَا يَحْتَمِلُهُ، وَالثَّانِي: نِصْفُ الدِّيَةِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ، فَوَجَبَ نِصْفُهَا، كَمَا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ، أَوْ جَرَحَهُ غَيْرُهُ، فَمَاتَ وَسَوَاءٌ زَادَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، لِأَنَّهُ يَضْمَنُ كَالْعَمْدِ، وَكَذَا إِنْ قَالَ لَهُ الْإِمَامُ: اضْرِبْ مَا شِئْتَ، وَقِيلَ: دِيَتُهُ عَلَى الْأَسْوَاطِ إِنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ، وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: إِنْ وَضَعَ فِي سَفِينَةٍ كَذَا، فَلَمْ تَغْرَقْ، ثُمَّ وَضَعَ قَفِيزًا فَغَرِقَتْ، فَغَرَقُهَا بِهِمَا فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ. وَالثَّانِي: بِالْقَفِيزِ، وَكَذَا الشِّبَعُ وَالرَّيُّ، وَالسَّيْرُ بِالدَّابَّةِ فَرَاسِخَ، وَالسُّكْرُ بِالْقَدَحِ أَوِ الْأَقْدَاحِ، كَمَا يُنْشَأُ الْغَضَبُ بِكَلِمَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَيَمْتَلِئُ الْإِنَاءُ بِقَطْرَةٍ بَعْدَ قَطْرَةٍ، وَيَحْصُلُ الْعِلْمُ بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ. فَرْعٌ: إِذَا أُمِرَ بِزِيَادَةٍ فَزَادَ جَهْلًا، ضَمِنَهُ الْآمِرُ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَإِنْ تَعَمَّدَهُ الْعَادُّ فَقَطْ أَوْ أَخْطَأَ وَادَّعَى الضَّارِبُ الْجَهْلَ ضَمِنَهُ الْعَادُّ، وَتَعَمُّدُ الْإِمَامِ الزِّيَادَةَ شِبْهُ عَمْدٍ تَحْمِلُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِي الْآخَرِ: إِنْ ثَبَتَ عَلَى الْمَرْأَةِ بِإِقْرَارِهَا، لَمْ يُحْفَرْ لَهَا، وَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ حُفِرَ لَهَا إِلَى الصَّدْرِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ الشُّهُودُ بِالرَّجْمِ، وَإِنْ ثَبَتَ   [المبدع في شرح المقنع] الْعَاقِلَةُ، وَقِيلَ: كَخَطَأٍ، فِيهِ الرِّوَايَتَانِ (وَإِذَا كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا لَمْ يُحْفَرْ لَهُ، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِ مَاعِزٍ خَرَجْنَا بِهِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَوَاللَّهِ مَا حَفَرْنَا لَهُ وَلَا أَوْثَقْنَاهُ، وَلَكِنْ قَامَ لَنَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ. نَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ عَلَى تَرْكِ الْحَفْرِ (وَفِي الْآخَرِ: إِنْ ثَبَتَ عَلَى الْمَرْأَةِ بِإِقْرَارِهَا، لَمْ يَحْفِرْ لَهَا، وَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ حَفَرَ لَهَا) إِلَى الصَّدْرِ اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالتَّبْصِرَةِ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ: أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ امْرَأَةً فَحَفَرَ لَهَا إِلَى الصَّدْرِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ الْحَفْرَ أَسْتَرُ لَهَا، وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَمْكِينِهَا مِنَ الْهَرَبِ، بِخِلَافِ مَنْ أَقَرَّتْ، لِأَنَّ رُجُوعَهَا عَنِ الْإِقْرَارِ مَقْبُولٌ، وَالْحَفْرُ يَمْنَعُهَا مِنَ الْهَرَبِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الرُّجُوعِ قَوْلًا، وَأَطْلَقَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَابْنُ رَزِينٍ: يُحْفَرُ لَهَا فَهُوَ سَتْرٌ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ شَدَّ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ، لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ الشُّهُودُ بِالرَّجْمِ) أَيْ: إِذَا ثَبَتَ بِهَا، وَيَجِبُ حُضُورُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 بِإِقْرَارٍ، اسْتُحِبَّ أَنْ يَبْدَأَ الْإِمَامُ. وَمَتَى رَجَعَ الْمُقِرُّ بِالْحَدِّ عَنْ إِقْرَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ لَمْ يُتَمَّمْ، وَإِنْ رُجِمَ بِبَيِّنَةٍ فَهَرَبَ لَمْ يُتْرَكْ، وَإِنْ كَانَ بِإِقْرَارٍ تُرِكَ.   [المبدع في شرح المقنع] الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ قَوْلِ مَاعِزٍ: رُدُّونِي إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ قَوْمِي غَرُّونِي، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحْضُرْ رَجْمَهُ، فَبِهَذَا أَقُولُ، وَحُضُورُ طَائِفَةٍ وَلَوْ وَاحِدًا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَاخْتَارَ فِي الْبُلْغَةِ اثْنَانِ، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْجَمَاعَةُ، وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ، نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ يَجِيءُ النَّاسُ صُفُوفًا لَا يَخْتَلِطُونَ، ثُمَّ يَمْضُونَ صَفًّا صَفًّا، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّ الطَّائِفَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [النور: 2] لِأَنَّهُ أَوَّلُ شُهُودِ الزِّنَا (وَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ اسْتُحِبَّ أَنْ يَبْدَأَ الْإِمَامُ بِهِ) أَوْ مَنْ يُقِيمُهُ [رُجُوعُ الْمُقِرِّ بِالْحَدِّ عَنْ إِقْرَارِهِ] (وَمَتَى رَجَعَ الْمُقِرُّ بِالْحَدِّ) أَيْ: بِحَدِّ الزِّنَا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شُرْبٍ (عَنْ إِقْرَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ) أَيْ: يُشْتَرَطُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ بِالْإِقْرَارِ الْبَقَاءُ عَلَيْهِ إِلَى تَمَامِ الْحَدِّ، فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَهُ كُفَّ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَنُعَيْمٍ وَنَصْرِ بْنِ دَهْرٍ وَغَيْرِهِمْ «أَنَّ مَاعِزًا لَمَّا هَرَبَ، وَقَالَ لَهُمْ: رُدُّونِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ رُجُوعَهُ شُبْهَةٌ، وَكَالْبَيِّنَةِ إِذَا رَجَعَتْ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِي الزِّنَا فَقَطْ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ رُجُوعُ مُقِرٍّ بِمَالٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِذَا تُمِّمَ ضَمِنَ الرَّاجِعُ بِالْمَالِ لَا الْهَارِبُ، وَلَا قَوَدَ لِلِاخْتِلَافِ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ، وَكَانَ شُبْهَةً (وَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ لَمْ يُتَمَّمْ) لِأَنَّ جَمِيعَهُ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ، فَلَأَنْ يَسْقُطَ تَمَامُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَإِنْ رُجِمَ بِبَيِّنَةٍ فَهَرَبَ لَمْ يُتْرَكْ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْأَحْكَامِ (وَإِنْ كَانَ بِإِقْرَارٍ تُرِكَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ» فَإِنْ لَمْ يُتْرَكْ، وَقِيلَ: فَلَا ضَمَانَ، لِقِصَّةِ مَاعِزٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي رُجُوعِهِ، فَإِنْ قَالَ: رُدُّونِي إِلَى الْحَاكِمِ وَجَبَ رَدُّهُ، وَلَمْ يَجُزْ إِتْمَامُ الْحَدِّ، فَإِنْ أُتِمَّ فَلَا ضَمَانَ، لِمَا ذُكِرَ فِي هَرَبِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 فَصْلٌ وَإِذَا اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ للَّهِ تَعَالَى، فِيهَا قَتْلٌ، اسْتُوفِيَ الْقَتْلُ وَسَقَطَ سَائِرُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ، مِثْلُ إِنْ زَنَى، أَوْ سَرَقَ، أَوْ شَرِبَ مِرَارًا، أَجْزَأَ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا، وَيُبْدَأُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ.   [المبدع في شرح المقنع] مَسَائِلُ: إِذَا أَتَى حَدًّا سَتَرَ نَفْسَهُ، نَقَلَ مُهَنَّا: رَجُلٌ زَنَى يَذْهَبُ يُقِرُّ؟ قَالَ: بَلْ يَسْتُرُ نَفْسَهُ. وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي إِنْ شَاعَ رَفَعَهُ إِلَى حَاكِمٍ لِيُقِيمَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ تَعَلَّقَتِ التَّوْبَةُ بِظَاهِرٍ كَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ، أَظْهَرَهَا وَإِلَّا أَسَرَّ. وَإِنْ قَالَ لِإِمَامٍ: أَصَبْتُ حَدًّا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. وَيُحَدُّ مَنْ زَنَى هَزِيلًا، وَلَوْ بَعْدَ سِمَنِهِ، كَذَا عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ كَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ زَنَى أُعِيدَتْ بَعْدَ بَعْثِهِ وَعُوقِبَ، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ، فَالْحَدُّ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ لِلْخَبَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ. [اجْتِمَاعُ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى] فَصْلٌ (وَإِذَا اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ للَّهِ تَعَالَى فِيهَا قَتْلٌ، اسْتُوفِي الْقَتْلُ وَسَقَطَ سَائِرُهَا) قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا يُشْرَعُ غَيْرُهُ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ سَعِيدٌ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، وَكَالْمُحَارِبِ إِذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِقَتْلِهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحُدُودَ لِمُجَرَّدِ الزَّجْرِ، وَقَتْلُهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّ فِيهِ غَرَضَ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ، مِثْلُ إِنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ أَوْ شَرِبَ مِرَارًا أَجْزَأَ حَدٌّ وَاحِدٌ) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ مَرَّةً لِأَنَّ الْغَرَضَ الزَّجْرُ عَنْ إِتْيَانِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْحَدِّ الْوَاحِدِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَوَجَبَ التَّدَاخُلُ كَالْكَفَّارَاتِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا تَدَاخُلَ فِي السَّرِقَةِ، وَفِي الْبُلْغَةِ: يُقْطَعُ وَاحِدٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَةٌ: إِنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ قُطِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهَا، ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ تَتَدَاخَلُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ أَحْكَامٌ، وَإِلَّا فَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يُعْقَلُ فِيهِ تَدَاخُلٌ، فَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَحْكَامٌ، وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الْأَئِمَّةُ، قَالَ أَحْمَدُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ: فَأَثْبَتَ فِيهِ تَحْرِيمَيْنِ (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَتُسْتَوْفَى كُلُّهَا، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَيُبْدَأُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ مَعَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى بُدِئَ بِهَا. فَإِذَا زَنَى وَشَرِبَ وَقَذَفَ وَقَطَعَ   [المبدع في شرح المقنع] اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، لِأَنَّ التَّدَاخُلَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، فَلَوْ سَرَقَ وَأَخَذَ الْمَالَ فِي الْمُحَارَبَةِ قُطِعَ لِذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ، لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعَيْنِ وَاحِدٌ (وَيُبْدَأُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ) وُجُوبًا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَعَلَى هَذَا يُبْدَأُ بِالْحَدِّ لِلشُّرْبِ، ثُمَّ لِلسَّرِقَةِ، ثُمَّ لِلزِّنَا، لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَفُّ، وَلَا يُوالِي بَيْنَ هَذِهِ الْحُدُودِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُفْضِي إِلَى التَّلَفِ، وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْأَخَفِّ جَازَ. [حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ تُسْتَوْفَى كُلُّهَا] (وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَتُسْتَوْفَى كُلُّهَا، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ) لِأَنَّهَا حُقُوقُ آدَمِيِّينَ، أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا، فَوَجَبَ كَسَائِرِ حُقُوقِهِمْ، لَا يُقَالُ: يُكْتَفَى بِالْقَتْلِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّهُولَةِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ (وَيُبْدَأُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ) لِأَنَّ الْبَدَاءَةَ بِهِ تُفَوِّتُ اسْتِيفَاءَ بَاقِي الْحُقُوقِ (وَإِنِ اجْتَمَعَتْ مَعَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، بُدِئَ بِهَا) أَيْ: إِذَا اجْتَمَعَتْ حُقُوقُ اللَّهِ وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ، فَهِيَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: أَلَّا يَكُونَ فِيهَا قَتْلٌ، فَهَذِهِ تُسْتَوْفَى كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، فَيُبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ، إِلَّا إِذَا قُلْنَا: حَدُّ الشُّرْبِ أَرْبَعُونَ، فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِهِ لِخِفَّتِهِ، ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ، وَأَيُّهُمَا قُدِّمَ فَالْآخَرُ يَلِيهِ، ثُمَّ الزِّنَا، ثُمَّ الْقَطْعُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُبْدَأُ بِالْقَطْعِ قِصَاصًا، ثُمَّ بِالْقَذْفِ، ثُمَّ لِلشُّرْبِ، ثُمَّ لِلزِّنَا. الثَّانِي: إِذَا كَانَ فِيهَا قَتْلٌ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقَتْلِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، كَالرَّجْمِ فِي الزِّنَا، أَوْ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ، كَالْقِصَاصِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَتُسْتَوْفَى كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى اسْتُوفِيَتِ الْحُقُوقُ كُلُّهَا مُتَوَالِيَةً، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَوَاتِ نَفْسِهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ حَقًّا لِآدَمِيٍّ انْتَظَرْنَا لِاسْتِيفَاءِ الثَّانِي بُرْأَهُ مِنَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 يَدًا، قُطِعَتْ يَدُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ حُدَّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ لِلشُّرْبِ ثُمَّ لِلزِّنَا، وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ. فَصْلٌ وَمَنْ قَتَلَ أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ، لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِيهِ، وَلَكِنْ لَا   [المبدع في شرح المقنع] الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تُفَوِّتَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْقِصَاصِ، فَيَفُوتَ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّ الْعَفْوَ جَائِزٌ، فَيُحْتَمَلُ بِتَأْخِيرِهِ أَنْ يَعْفُوَ الْوَلِيُّ فَيَحْيَى. الثَّالِثُ: أَنْ يَتَّفِقَ الْحَقَّانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ قِصَاصًا، قُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى الرَّجْمِ فِي الزِّنَا، وَيُبْدَأُ بِالْأَسْبَقِ مِنَ الْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالْقِصَاصِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقُّ آدَمِيٍّ، وَإِنْ سَبْقَ الْقِصَاصُ قُتِلَ قِصَاصًا وَلَمْ يُصْلَبْ، كَمَا لَوْ مَاتَ وَيَجِبُ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ فِي الْمُحَارَبَةِ دِيَتُهُ، وَإِنْ مَاتَ الْقَاتِلُ فِي الْمُحَارَبَةِ وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ، وَقُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى الْحَدِّ الْمُتَمَحِّضِ فِي الْقَطْعِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ سَبَبُهُ، فَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ اسْتَوْفَى الْحَدَّ، وَالْقَطْعُ فِي الْمُحَارَبَةِ حَدٌّ مَحْضٌ، وَلَيْسَ بِقِصَاصٍ، وَالْقَتْلُ يَتَضَمَّنُ الْقِصَاصَ، وَلِهَذَا لَوْ فَاتَ الْقَتْلُ فِي الْمُحَارَبَةِ وَجَبَتِ الدِّيَةُ، وَلَوْ فَاتَ الْقَطْعُ لَمْ يَجِبْ لَهُ (بَدَلٌ فَإِذَا زَنَى وَشَرِبَ وَقَذَفَ وَقَطَعَ يَدًا، قُطِعَتْ يَدُهُ أَوَّلًا) لِأَنَّهُ مُتَمَحِّضُ حَقِّ آدَمِيٍّ، بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ (ثُمَّ حُدَّ لِلْقَذْفِ) لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهِ لِآدَمِيٍّ (ثُمَّ لِلشُّرْبِ) لِأَنَّهُ أَخَفُّ (ثُمَّ لِلزِّنَا) لِأَنَّهُ أَشَدُّ الْحُدُودِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ: إِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ قَتْلَانِ بِرِدَّةٍ وَقَوَدٍ، وَقَطْعَانِ بِسَرِقَةٍ وَقَوَدٍ، قُطِعَ وَقُتِلَ لَهُمَا، وَقِيلَ: لِلْقَوَدِ خَاصَّةً، وَفِي الشَّرْحِ: إِذَا سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ قُتِلَ حَتْمًا وَلَمْ يُصْلَبْ وَلَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ (وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى تَلَفِهِ بِتَوَالِي الْحُدُودِ عَلَيْهِ. [الْقَتْلُ وَإِتْيَانُ الْحَدِّ خَارِجُ الْحَرَمِ] فَصْلٌ (وَمَنْ قَتَلَ) أَوْ جَرَحَ (أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ) أَيْ: حَرَمِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ لِلنَّصِّ، وَفِي التَّعْلِيقِ وَجْهٌ: أَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ كَمَكَّةَ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى حَتَّى يَخْرُجَ فَيُقَامَ عَلَيْهِ. وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ اسْتُوفِيَ مِنْهُ فِيهِ.   [المبدع في شرح المقنع] «إِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا، أَلَّا يُهْرَقَ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ» (ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى الْحَرَمِ (لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِيهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يُسْتَوْفَى فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْقَتْلَ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُسْفَكُ فِيهَا دَمٌ» وَلَا شَكَّ أَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَعْظَمُ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْكُلُّ لِلْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَتَلَ ابْنَ خَطَلٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ أُبِيحَ قَتْلُهُ، لِعِصْيَانِهِ أَشْبَهَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَجَوَابُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] أَيْ: فَأَمِّنُوهُ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَرَّمَ سَفْكَ الدَّمِ بِهَا، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» يَدْفَعُ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ قَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي شُرَيْحٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَمِ مَا هَيَّجْتُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَكَذَا إِذَا لَجَأَ إِلَيْهِ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ بِهِ فِيهِ كَحَيَوَانٍ صَائِلٍ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (وَلَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ: وَلَا يُكَلَّمُ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يُآكَلُ وَلَا يُشَارَبُ، لِأَنَّهُ لَوْ أُطْعِمَ أَوْ أُووِيَ لَتَمَكَّنَ مِنَ الْإِقَامَةِ دَائِمًا، فَيَضِيعُ الْحَقُّ (حَتَّى يَخْرُجَ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ) فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الَّذِي يُصِيبُ حَدًّا ثُمَّ يَلْجَأُ إِلَى الْحَرَمِ: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ، حَكَاهُ أَحْمَدُ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَنْ قَتَلَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ أُخْرِجَ إِلَى الْحِلِّ فَيُقْتَلُ فِيهِ، وَمَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ قُتِلَ فِيهِ، وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ، وَالْآدَمِيُّ حُرْمَتُهُ عَظِيمَةٌ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ قَتْلُهُ لِعَارِضٍ، أَشْبَهَ الصَّائِلَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُبَاحَةِ، فَإِنَّ الْحَرَمَ لَا يَعْصِمُهَا، فَلَوِ اسْتَوْفَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ، أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 وَمَنْ أَتَى حَدًّا فِي الْغَزْوِ لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ مَنْ أَتَى حَدًّا ثُمَّ لَجَأَ إِلَى دَارِهِ فَهُوَ كَالْحَرَمِ، وَحِينَئِذٍ لَا يُخْرَجُ مِنْهَا، بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ [الْقَتْلُ وَإِتْيَانُ الْحَدِّ فِي الْحَرَمِ] (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ اسْتُوفِيَ مِنْهُ فِيهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، رَوَى الْأَثْرَمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 191] الْآيَةَ، فَأَبَاحَ قَتْلَهُمْ عِنْدَ قِتَالِهِمْ فِي الْحَرَمِ، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ يَحْتَاجُونَ إِلَى الزَّجْرِ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي، حِفْظًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يُشْرَعِ الْحَدُّ فِيهِ لَتَعَطَّلَتِ الْحُدُودُ فِي حَقِّهِمْ، وَفَاتَتِ الْمَصَالِحُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا. تَذْنِيبٌ: إِذَا قُوتِلُوا فِي الْحَرَمِ دَفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَطْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 191] قُرِئَ بِهِمَا، وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ، صَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، أَنَّ مُجَاهِدًا وَغَيْرَهُ قَالُوا: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَفِي التَّمْهِيدِ: أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يُقَاتَلُ الْبُغَاةُ إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بَغْيُهُمْ إِلَّا بِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، وَحِفْظُهَا فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ إِضَاعَتِهَا، وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَحَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَعُمُّ إِتْلَافُهُ كَالْمَنْجَنِيقِ، إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحٌ بِدُونِ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: لَوْ تَغَلَّبَ فِيهَا كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ وَجَبَ قِتَالُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ تَعَدَّى أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى الرَّكْبِ دَفَعَ الرَّكْبُ كَمَا يَدْفَعُ الصَّائِلُ، وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ الرَّكْبِ، بَلْ يَجِبُ إِنْ احْتِيجَ إِلَيْهِ. [إِتْيَانُ الْحَدِّ فِي الْغَزْوِ] (وَمَنْ أَتَى حَدًّا فِي الْغَزْوِ) وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: أَوْ مَا يُوجِبُ قِصَاصًا (لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْمِلُهُ الْغَضَبُ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ فِي الْكُفْرِ (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ) وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ، وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ: إِنْ زَنَى الْأَسِيرُ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا رَجَعَ، لِمَا «رَوَى بِشْرُ بْنُ أَرْطَاةَ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ فِي الْغُزَاةِ قَدْ سَرَقَ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 بَابُ حَدِّ الزِّنَا إِذَا زَنَى الْحُرُّ الْمُحْصَنُ فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ، وَهَلْ يُجْلَدُ قَبْلَ الرَّجْمِ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغُزَاةِ لَقَطَعْتُكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا رَجَعَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي دَارِنَا لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، فَإِنَّ تَأْخِيرَهُ لِعَارِضٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ شُغْلٍ جَائِزٌ، فَإِذَا زَالَ أُقِيمَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ. مَسْأَلَةٌ: تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الثُّغُورِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى زَجْرِ أَهْلِهَا كَالْحَاجَةِ إِلَى زَجْرِ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ أَنْ يَجْلِدَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَمَانِينَ وَهُوَ بِالشَّامِ بِالثُّغُورِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ حَدِّ الزِّنَا] [حَدُّ الْحُرِّ الْمُحْصَنِ] بَابُ حَدِّ الزِّنَا وَهُوَ: فِعْلُ الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} [الإسراء: 32] {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] وَلِمَا «رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَانَ حَدُّهُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ الْحَبْسَ فِي الْبَيْتِ وَالْأَذَى بِالْكَلَامِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] وَالْمُرَادُ الثَّيِّبُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ نِسَائِكُمْ إِضَافَةُ زَوْجِيَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِضَافَةِ هُنَا إِلَّا اعْتِبَارُ الثُّيُوبَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ عُقُوبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا أَغْلَظُ مِنَ الْأُخْرَى، فَأَثْبَتَ الْأَغْلَظَ لِلثَّيِّبِ وَالْأُخْرَى لِلْبِكْرِ، ثُمَّ نُسِخَ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» وَنَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] جَائِزٌ، وَمَنْ مَنَعَ قَالَ: لَيْسَ هَذَا نَسْخًا، إِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَبْيِينٌ لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: نَسْخُهُ حَصَلَ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْجَلْدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَالرَّجْمَ كَانَ فِيهِ، فَنُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (إِذَا زَنَى الْحُرُّ الْمُحْصَنُ) وَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّجْمُ إِلَّا عَلَيْهِ بِاتِّفَاقٍ (فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ إِجْمَاعًا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجَمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ التَّوَاتُرَ، وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ ثُمَّ نُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ، لِقَوْلِ عُمَرَ: كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ. الْخَبَرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ فِي الْمُصْحَفِ لَاجْتَمَعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا وَثَوَابِ تِلَاوَتِهَا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَجَابَ ابْنُ عَقِيلٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ بِهِ مِقْدَارُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إِلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ، وَهُوَ أَدْنَى طُرُقِ الْوَحْيِ وَأَقَلُّهَا. قَوْلُهُ: " فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ " أَيْ: يُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلْتَكُنِ الْحِجَارَةُ مُتَوَسِّطَةً، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَرْجُومَ يُدَامُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ (وَهَلْ يُجْلَدُ قَبْلَ الرَّجْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: يُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ أَظْهَرُ وَأَثْبَتُ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: اخْتَارَهَا شُيُوخُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِحَدِيثِ عُبَادَةَ، وَهَذَا صَرِيحٌ، فَلَا يُتْرَكُ إِلَّا بِمِثْلِهِ، وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ. وَالثَّانِيَةُ: تُرْجَمُ فَقَطْ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَنَقَلَهُ الْأَكْثَرُ، وَاخْتَارَهُ الْأَثْرَمُ وَالْجَوْزَجَانِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ وِفَاقٌ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 رِوَايَتَيْنِ. وَالْمُحْصَنُ مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُمَا بَالِغَانِ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِجَلْدِهَا، وَكَانَ هَذَا آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ الْأَثْرَمُ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ: إِنَّهُ أَوَّلُ حَدٍّ نَزَلَ، وَإِنَّ حَدِيثَ مَاعِزٍ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ الْجَلْدُ، وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فِيهِ قَتْلٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ كَالرِّدَّةِ (وَالْمُحْصَنُ مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُمَا بَالِغَانِ عَاقِلَانِ حُرَّانِ) أَقُولُ: يُشْتَرَطُ لِلْإِحْصَانِ شُرُوطٌ. أَحَدُهَا: الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، فَلَوْ وُجِدَ النِّكَاحُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، أَوْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ فِي الدُّبُرِ، لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ ثَيِّبًا، وَلَا تَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْأَبْكَارِ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ فِي نِكَاحٍ، لِأَنَّ النِّكَاحَ يُسَمَّى إِحْصَانًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] يَعْنِي الْمُزَوَّجَاتِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَطْءَ الزِّنَا وَالشُّبْهَةِ لَا يَصِيرُ بِهِ الْوَاطِئُ مُحْصَنًا، وَأَنَّ التَّسَرِّيَ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ، وَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُهُ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ. الرَّابِعُ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ، فَلَوْ وَطِئَ وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ عَقَلَ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الثَّيِّبِ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ» فَاعْتَبَرَ الثُّيُوبَةَ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَتْ تَحْصُلُ قَبْلَهُ لَكَانَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. الْخَامِسُ: الْحُرِّيَّةُ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالرَّجْمُ لَا يَتَنَصَّفُ، وَإِيجَابُهُ كُلُّهُ يُخَالِفُ النَّصَّ مَعَ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ الْكَمَالُ فِيهِمَا جَمِيعًا حَالَ الْوَطْءِ، فَيَطَأُ الرَّجُلُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحُرُّ امْرَأَةً عَاقِلَةً حُرَّةً، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِحْصَانٌ بِوَطْئِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي الْإِرْشَادِ: وَهُوَ وَجْهٌ، وَفِي الْمُحَرَّرِ: يُحْصِنُ مُرَاهِقٌ بَالِغَةً وَمُرَاهِقَةٌ بَالِغًا، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ رَقِيقًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 عَاقِلَانِ حُرَّانِ، فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَحَدِهِمَا، فَلَا إِحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ لِلذِّمِّيِّينَ، وَهَلْ تُحْصِنُ الذِّمِّيَّةُ مُسْلِمًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَوْ كَانَ لِرِجْلٍ وَلَدٌ مِنِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: مَا وَطِئْتُهَا، لَمْ يَثْبُتْ إِحْصَانُهُ. وَإِنْ زَنَى الْحُرُّ غَيْرُ الْمُحْصَنِ، جُلِدَ مِائَةَ جَلْدَةٍ،   [المبدع في شرح المقنع] فَلَا إِحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ وَطْءٌ لَمْ يُحَصِّنْ أَحَدَ الْمُتَوَاطِئَيْنِ فَلَمْ يُحَصِّنِ الْآخَرَ، كَالتَّسَرِّي (فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَحَدِهِمَا فَلَا إِحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّ مَا كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شُرُوطٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِهَا (وَلَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ) وَهُوَ التَّسَرِّي (وَلَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، أَشْبَهَ وَطْءَ الشُّبْهَةِ (وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ لِلذِّمِّيِّينَ) «لِأَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِالزِّنَا اسْتَوَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْحَدِّ، وَكَذَا يَثْبُتُ لِمُسْتَأْمَنَيْنِ (وَهَلْ تُحْصِنُ الذِّمِّيَّةُ مُسْلِمًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: تُحْصِنُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي. وَالثَّانِيَةُ: لَا تُحْصِنُهُ، لِأَنَّ الْإِحْصَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْحُرِّيَّةُ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْإِسْلَامُ كَإِحْصَانِ الْقَذْفِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ بِإِحْصَانِ الْقَذْفِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الْعِفَّةَ وَلَيْسَتْ شَرْطًا هُنَا (وَلَوْ كَانَ لِرِجْلٍ وَلَدٌ مِنِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: مَا وَطِئْتُهَا، لَمْ يَثْبُتْ إِحْصَانُهُ) وَلَا يُرْجَمُ إِذَا زَنَى، لِأَنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ وَاحْتِمَالِهِ، وَالْإِحْصَانُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ مَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِمْكَانِ وُجُودُ مَا فِيهِ الْحَقِيقَةُ، وَيَثْبُتُ بِقَوْلِهِ: وَطِئْتُهَا أَوْ جَامَعْتُهَا، وَالْأَشْهَرُ: أَوْ دَخَلْتُ بِهَا. فَرْعٌ: إِذَا زَنَى مُحْصَنٌ بِبِكْرٍ فَلِكُلٍّ حَدُّهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 وَغُرِّبَ عَامًا إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْفَى إِلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَيَخْرُجُ مَعَهَا مَحْرَمُهَا، فَإِنْ أَرَادَ أُجْرَةً بُذِلَتْ مِنْ مَالِهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ أَبَى الْخُرُوجَ مَعَهَا اسْتُؤْجِرَتِ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ نُفِيَتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ،   [المبدع في شرح المقنع] [حَدُّ الْحُرِّ غَيْرُ الْمُحْصَنِ] (وَإِنْ زَنَى الْحُرُّ غَيْرُ الْمُحْصَنِ جُلِدَ مِائَةَ جَلْدَةٍ) وَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ وَالْمَيْمُونِيُّ، قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فَيَخْرُجُ مِنْهُ الرَّقِيقُ كَمَا يَأْتِي، وَالْمُحْصَنُ لِمَا سَبَقَ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَلِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ بِالْحُرِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَانْتَشَرَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (وَغُرِّبَ عَامًا) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ (إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ) لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْحَضَرِ، فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْحَوْلِ، أُعِيدَ تَغْرِيبُهُ، وَيُبْنَى عَلَى مَا مَضَى، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، بَلْ يُنْفَى مِنْ عَمَلِهِ إِلَى عَمَلِ غَيْرِهِ، وَإِنْ زَنَى فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إِلَيْهِ غُرِّبَ مِنْهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَرَّبُ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، لِوُجُوبِهِ كَالدَّعْوَى (وَعَنْهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْفَى إِلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِتَقْرُبَ مِنْ أَهْلِهَا فَيَحْفَظُوهَا، وَعَنْهُ: تُغَرَّبُ إِلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ مَعَ مَحْرَمِهَا، وَمَعَ تَعَذُّرِهِ إِلَى دُونِهَا (وَيَخْرُجُ مَعَهَا مَحْرَمُهَا) وُجُوبًا إِنْ تَيَسَّرَ، لِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ، أَشْبَهَ سَفَرَ الْحَجِّ، وَالْمُرَادُ إِذَا كَانَ بَاذِلًا (فَإِنْ أَرَادَ أُجْرَةً بُذِلَتْ مِنْ مَالِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَئُونَةِ سِفْرِهَا، أَشْبَهَ الْمَرْكُوبَ وَالنَّفَقَةَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمِنْ بَيْتِ الْمالِ) لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً، أَشْبَهَ نَفَقَةَ نَفْسِهَا، وَهَذَا قَوْلٌ، وَيُقَيَّدُ بِمَا إِذَا أَمْكَنَ (فَإِنْ أَبَى الْخُرُوجَ مَعَهَا اسْتُؤْجِرَتِ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ) اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَخْصٍ يَكُونُ مَعَهَا لِأَجْلِ حِفْظِهَا، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنِ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْحِفْظِ، وَأُجْرَتُهَا عَلَى الْخِلَافِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ نُفِيَتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) قَالَهُ إِمَامُنَا وَالشَّافِعِيُّ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْقُطَ النَّفْيُ، وَإِنْ كَانَ الزَّانِي رَقِيقًا فَحَدُّهُ خَمْسُونَ جَلْدَةً بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يُغَرَّبُ. وَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا فَحَدُّهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ جَلْدَةً، وَتَغْرِيبُ نِصْفِ عَامٍ،   [المبدع في شرح المقنع] كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ إِذَا مَاتَ الْمَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: مَعَ الْأَمْنِ، وَعَنْهُ: بِلَا مَحْرَمٍ، تَعَذَّرَ أَوْ لَا، لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْقُطَ النَّفْيُ) عَنْهَا إِذَنْ كَسُقُوطِ سَفَرِ الْحَجِّ عَنْهَا، فَكَذَا هُنَا، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهَذَا الاحتمال هُوَ اللَّائِقُ بِالشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ نَفْيَهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ إِغْرَاءٌ لَهَا بِالْفُجُورِ، وَتَعْرِيضٌ لَهَا بِالْفِتْنَةِ، لَا يُقَالُ: حَدِيثُ التَّغْرِيبِ عَامٌّ، لِأَنَّهُ يُخَصُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» (وَإِنْ كَانَ الزَّانِي رَقِيقًا فَحَدُّهُ خَمْسُونَ جَلْدَةً) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَا: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ، فَقَالَ: إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا» . الْخَبَرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ: «إِذَا تَعَالَتْ مِنْ نِفَاسِهَا فَاجْلِدْهَا خَمْسِينَ» . رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ (بِكُلِّ حَالٍ) سَوَاءٌ كَانَ مُزَوَّجًا أَوْ غَيْرَ مُزَوَّجٍ لِلْعُمُومِ، وَخَرَقَ أَبُو ثَوْرٍ الْإِجْمَاعَ فِي إِيجَابِ الرَّجْمِ عَلَى الْمُحْصَنَاتِ، كَمَا خَرَقَ دَاوُدُ الْإِجْمَاعَ فِي تَكْمِيلِ الْحَدِّ عَلَى الْعَبْدِ، وَتَضْعِيفِ حَدِّ الْأَبْكَارِ عَلَى الْمُحْصَنَاتِ (وَلَا يُغَرَّبُ) وَلَا يُعَيَّرُ نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَذْكُرْهُ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ كَغَيْرِهِ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ، وَفِي تَغْرِيبِهِ ضَيَاعٌ لَهَا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ مِنْهُ، بِدَلِيلِ سُقُوطِ الْجُمُعَةِ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِالنَّفْيِ، لِأَنَّ عُمَرَ نَفَاهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ: يُحْتَمَلُ قَوْلُهُ: نَفَاهُ، أَيْ: أَبْعَدَهُ مِنْ صُحْبَتِهِ (وَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا فَحَدُّهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ جَلْدَةً) لِأَنَّ أَرْشَ جِرَاحِهِ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرِّ وَالنِّصْفِ مِنَ الْعَبْدِ، فَكَذَا حَدُّهُ، وَفِي الْأَوَّلِ خَمْسُونَ، وَفِي الثَّانِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يُغَرَّبَ. وَحَدُّ اللُّوطِيِّ كَحَدِّ الزَّانِي سَوَاءٌ، وَعَنْهُ: حَدُّهُ الرَّجْمُ بِكُلِّ حَالٍ.   [المبدع في شرح المقنع] خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، وَفِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ بِالْحِسَابِ، وَهُوَ أَوْلَى (وَتَغْرِيبُ نِصْفِ عَامٍ) فِي الْمَنْصُوصِ، لِأَنَّ الْحُرَّ تَغْرِيبُهُ عَامٌ وَالْعَبْدُ لَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِ، فَنِصْفُ الْوَاجِبِ مِنَ التَّغْرِيبِ نِصْفُ عَامٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَبِالْحِسَابِ كَالْحَدِّ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يُغَرَّبَ) لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ بَعْضُهُ، فَيَقْتَضِي بَقَاءَهُ فِي بَلَدِهِ، لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِحِصَّتِهِ، فَغَلَبَ حَقُّهُ عَلَى التَّغْرِيبِ، لِمَا فِي حَقِّ السَّيِّدِ مِنَ التَّأْكِيدِ. فَرْعٌ: إِذَا زَنَى عَبْدٌ ثُمَّ عُتِقَ فَعَلَيْهِ حَدُّ الرَّقِيقِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ حُرًّا وَالْآخِرُ رَقِيقًا فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَدُّهُ، وَإِنْ زَنَى بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَعَلَيْهِ حَدُّ حُرٍّ، وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنْهُ لَمْ يَسْقُطْ حَدُّهُ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ (وَحَدُّ اللُّوطِيِّ كَحَدِّ الزَّانِي سَوَاءٌ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ» وَلِأَنَّهُ زِنًا، فَكَانَ فَاحِشَةً كَالْإِيلَاجِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ جُلِدَ مِائَةً وَغُرِّبَ عَامًا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا جُلِدَ خَمْسُونَ مِنْ غَيْرِ تَغْرِيبٍ (وَعَنْهُ: حَدُّهُ الرَّجْمُ بِكُلِّ حَالٍ) بِكْرًا كَانَ أَوْ ثَيِّبًا، مُحْصَنًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهِيَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبِكْرِ: يُرْجَمُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَقَدْ عَابَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَذَمَّ فَاعِلَهُ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يُحْرَقُ اللُّوطِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً، فَعَلَيْهِ حَدُّ اللُّوطِيِّ. عند القاضي وَاخْتَارَ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ يُعَزَّرُ،   [المبدع في شرح المقنع] قُتِلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَقِيسًا عَلَى الزَّانِي فِي الْغُسْلِ كَذَلِكَ الْحَدُّ، وَإِنَّ الْغُسْلَ قَدْ يَجِبُ وَلَا حَدَّ، لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبَهَاتِ، بِخِلَافِ الْغُسْلِ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْغُسْلِ نَفْيُ الْحَدِّ وَأَوْلَى، وَنَصَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، لِخُرُوجِهِ عَنْ هَيْئَةِ الْفُرُوجِ وَأَحْكَامِهَا. مَسَائِلُ: يُعَزَّرُ غَيْرُ الْبَالِغِ مِنْهُمَا، وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ فِي دُبُرِهَا، بَلْ يُعَزَّرُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَمْلُوكُهُ كَأَجْنَبِيٍّ، وَفِي التَّرْغِيبِ: وَدُبُرُ أَجْنَبِيَّةٍ كَلِوَاطٍ، وَقِيلَ: كَزِنًا، وَزَانٍ بِذَاتِ مَحْرَمٍ كَلِوَاطٍ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: وَيُؤْخَذُ مَالُهُ، لِخَبَرِ الْبَرَاءِ، وَأَوَّلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ وَارِثٍ، وَأَوَّلَ جَمَاعَةٌ ضَرْبَ الْعُنُقِ فِيهِ عَلَى ظَنِّ الرَّاوِي، قَالَ أَحْمَدُ: يُقْتَلُ وَيُؤْخَذُ مَالُهُ عَلَى خَبَرِ الْبَرَاءِ، إِلَّا رَجُلًا يَرَاهُ مُبَاحًا فَيُجْلَدُ، قُلْتُ: فَالْمَرْأَةُ؟ قَالَ: كِلَاهُمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ يُقْتَلُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَحْمَدَ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، وَإِنَّ غَيْرَ الْمُسْتَحِلِّ كَزَانٍ. [حُكْمُ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً] (وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً) وَلَوْ سَمَكَةً (فَعَلَيْهِ حَدُّ اللُّوطِيِّ) عِنْدَ الْقَاضِي، لَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَاخْتَارَ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ) وَالْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ (أَنَّهُ يُعَزَّرُ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَصٌّ، وَلَا يُمْكِنْ قِيَاسُهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي فَرْجِ الْآدَمِيِّ، لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهَا، وَالنُّفُوسُ تَعَافُهُ، وَيُبَالَغُ فِي تَعْزِيرِهِ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ لَهُ فِيهِ كَوَطْءِ الْمَيْتَةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يُعْرَفُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، وَهُوَ مُخَرَّجٌ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِي الْبَهِيمَةَ فَوَقَفَ عِنْدَهَا، وَلَمْ يُثْبِتْ حَدِيثَ عَمْرٍو، وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ (وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ) عَلَيْهِمَا، مَأْكُولَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ، لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ لِلْخَبَرِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي قَتْلِهَا عَلَى الثَّانِي رِوَايَتَيْنِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالِاخْتِيَارُ قَتْلُهَا، وَإِنْ تُرِكَتْ فَلَا بَأْسَ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ، إِمَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلِهِ بِهَا، أَوْ بِإِقْرَارِهِ إِنْ كَانَتْ مِلْكَهُ، فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهَا بِحَالٍ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَكْلَ لَحْمِهَا، وَهَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَصْلٌ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَطَأَ فِي الْفَرْجِ سَوَاءٌ كَانَ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا، وَأَقَلُّ ذَلِكَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، فَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ أَتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا.   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِ مَالِكِهَا، وَقِيلَ إِنْ كَانَتْ تُؤْكَلُ ذُبِحَتْ وَحَلَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَكْلَ لَحْمِهَا) لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي حِلِّ الْأَكْلِ (وَهَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ لَحْمُ حَيَوَانٍ وَجَبَ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَحَرُمَ أَكْلُهُ كَسَائِرِ الْمَقْتُولَاتِ، فَعَلَى هَذَا يَضْمَنُ الْوَاطِئُ كَمَالَ قِيمَتِهَا، وَفِي الِانْتِصَارِ: احْتِمَالٌ، وَالثَّانِي: يَحِلُّ أَكْلُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذَبَحَهُ ذَابِحٌ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَجَازَ أَكْلُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يُفْعَلْ بِهِ ذَلِكَ، لَكِنْ يُكْرَهُ لِلشُّبْهَةِ، فَعَلَيْهَا يَضْمَنُ نَقْصَهَا. [شُرُوطُ إِقَامَةِ حَدِّ الزِّنَا] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ] فَصْلٌ (وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ) لِمَا يَأْتِي (أَحَدُهَا: أَنْ يَطَأَ فِي الْفَرْجِ) أَيْ: فَرْجٍ أَصْلِيٍّ (سَوَاءٌ كَانَ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا) أَصْلِيَّيْنِ، لِأَنَّ الدُّبُرَ فَرْجٌ مَقْصُودٌ أَشْبَهَ الْقُبُلَ، وَلِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَهُوَ مِمَّا يُسْتَبَاحُ، فَهَذَا أَوْلَى، وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا بَدَأَ قَوْمُ لُوطٍ بِوَطْءِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، ثُمَّ انْتَقَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الرِّجَالِ (وَأَقَلُّ ذَلِكَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ) الْأَصْلِيَّةِ مِنْ خَصِيٍّ أَوْ فَحْلٍ، أَوْ قَدْرِهَا لِعَدِمٍ (فِي الْفَرْجِ) لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِهِ (فَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ) فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً فَأَصَبْتُ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ حَدًّا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ إِذَا جَاءَ تَائِبًا (أَوْ أَتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا) أَيْ: إِذَا تَسَاحَقَتِ امْرَأَتَانِ فَهُمَا مَلْعُونَتَانِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 فَصْلٌ الثَّانِي: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ، فَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ، أَوْ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] «إِذَا أَتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَهُمَا زَانِيَتَانِ» . رواه مسلم ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إِيلَاجًا، أَشْبَهَ الْمُبَاشَرَةَ دُونَ الْفَرْجِ، وَعَلَيْهِمَا التَّعْزِيرُ، لِأَنَّهُ زِنًى لَا حَدَّ فِيهِ، أَشْبَهَ مُبَاشَرَةَ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيَّةَ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَكَذَا لَوْ جَامَعَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ بِذَكَرِهِ، أَوْ جُومِعَ فِي قُبُلِهِ فَلَا حَدَّ. فَرْعٌ: إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُقَبِّلُ الْآخَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ، فَإِنْ قَالَا: نَحْنُ زَوْجَانِ قُبِلَ قَوْلُهُمَا، فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ شُهِدَ عَلَيْهِمَا بِالزِّنَا، فَقَالَا: نَحْنُ زَوْجَانِ، فَقِيلَ: عَلَيْهِمَا الْحَدُّ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ بِالنِّكَاحِ، وَقِيلَ: لَا إِذَا لَمْ يُعْلَمُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ شُبْهَةٌ، كَمَا لَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ، فَادَّعَى أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُهُ. [الشَّرْطُ الثَّانِي انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ] فَصْلٌ (الثَّانِي: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبَهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (فَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ) فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ تَمَكَّنَتِ الشُّبْهَةُ فِيهِ كَوَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» أَضَافَ مَالَ وَلَدِهِ إِلَيْهِ وَجَعَلَهُ لَهُ، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ جَعْلِهِ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ الَّذِي يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: مَنْ وَطِئَ أَمَةَ وَلَدِهِ وَلَمْ يَنْوِ تَمَلُّكَهَا بِهِ، وَلَمْ يَكُنِ ابْنُهُ وَطِئَهَا، وَقِيلَ: أَوْ كَانَ، عُزِّرَ فِي الْأَشْهَرِ بِمِائَةِ سَوْطٍ، وَقِيلَ: إِنْ حَمَلَتْ مِنْهُ مَلَكَهَا، وَإِلَّا عُزِّرَ، وَإِنْ كَانَ ابْنُهُ وَطِئَهَا حُدَّ الْأَبُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ (أَوْ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ) فَكَذَلِكَ، لِأَنَّهُ فَرْجٌ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ، أَشْبَهَ الْمُكَاتَبَةَ وَالْمَرْهُونَةَ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 لِوَلَدِهِ، أَوْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ، أَوْ دَعَا الضَّرِيرُ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ، فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا، فَوَطِئَهَا، أَوْ وَطِئَ فِي نِكَاحِ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ، أَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا أَوْ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ، لِحَدَاثَةِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ نُشُوئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إِنْ أُكْرِهَ   [المبدع في شرح المقنع] لِبَيْتِ الْمَالِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، إِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ (أَوْ لِوَلَدِهِ) لِأَنَّ الشِّرْكَ فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ كَمِلْكِ الْكُلِّ (أَوْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ فَوَطِئَهَا) فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ بِمَا يُعْذَرُ مِثْلُهُ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قِيلَ لَهُ هَذِهِ زَوْجَتُكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لَكِنَّ عَلَيْهَا الْحَدَّ إِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ (أَوْ دَعَا الضَّرِيرُ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا، فَوَطِئَهَا) وَظَنَّهَا الْمَدْعُوَّةَ، كَمَا لَوْ زُفَّتْ إِلَيْهِ غَيْرُ زَوْجَتِهِ، وَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا، فَوَطِئَهَا يَظُنُّهَا الْمَدْعُوَّةَ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْمَدْعُوَّةُ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا شُبْهَةٌ، كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، لِأَنَّهُ لَا تَعَذُّرَ بِهَذَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا يَظُنُّهُ ابْنَهُ فَبَانَ أَجْنَبِيًّا (أَوْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ) أَوْ مِلْكٍ (مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ) يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَمُتْعَةٍ وَبِلَا وَلِيٍّ، وَشِرَاءِ فَاسِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَقِيلَ: أَوْ قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْوَطْءَ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَعَنْهُ: يُحَدُّ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ فِي وَطْءِ بَائِعٍ بِشَرْطِ خِيَارٍ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ حُكِمَ بِصِحَّتِهِ تَوَجَّهَ خِلَافٌ، وَكَذَا وَطْؤُهُ بِعَقْدٍ فُضُولِيٍّ، وَفِي ثَالِثٍ إِنْ وَطِئَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ حُدَّ، وَإِلَّا عُزِّرَ، وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ: يُحَدُّ قَبْلَهَا إِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِهَا، وَحُكِيَ رِوَايَةً (أَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا أَوْ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا) لِأَنَّ الْوَطْءَ قَدْ صَادَفَ مِلْكًا، فَكَانَ شُبْهَةً، وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ أَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ، لِحَدَاثَةِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نُشُوئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ) قُبِلَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، أَوْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخْفَ عَلَيْهِ (أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 الرَّجُلُ فَزَنَى حُدَّ، وَإِنْ وَطِئَ مَيِّتَةً، أَوْ مِلْكَ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ مِنَ الرِّضَاعِ فَوَطِئَهَا، فَهَلْ يُحَدُّ، أَوْ يُعَزَّرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ، كَنِكَاحِ   [المبدع في شرح المقنع] نَقُولُ لَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهَةٍ عَلَى الزِّنَا فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. «وَعَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ امْرَأَةً اسْتُكْرِهَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّ هَذَا شُبْهَةً وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا، وَلَا فَرْقَ فِي الْإِكْرَاهِ بِالْإِلْجَاءِ، وَهُوَ: أَنْ يَغْلِبَهَا عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ بِالتَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رَاعٍ أَوْ مَنْعِ طَعَامٍ مَعَ اضْطِرَارٍ، وَكَذَا الْمَفْعُولُ بِهِ لِوَاطًا قَهْرًا (وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إِنْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ فَزَنَى حُدَّ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالِانْتِشَارِ الْحَادِثِ وَالِاخْتِيَارِ، بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ، وَعَنْهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ شُبْهَةٌ، وَكَمَا لَوِ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، وَعَنْهُ فِيهِمَا: لَا حَدَّ إِلَّا بِتَهْدِيدٍ وَنَحْوِهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ الْفِعْلُ لَا الْقَوْلُ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: إِنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْقَتْلَ سَقَطَ عَنْهَا الدَّفْعُ، كَسُقُوطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِالْخَوْفِ (وَإِنْ وَطِئَ مَيِّتَةً أَوْ مَلَكَ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنَ الرِّضَاعِ فَوَطِئَهَا، فَهَلْ يُحَدُّ، أَوْ يُعَزَّرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَهُمَا رِوَايَتَانِ. إِحْدَاهُمَا: يُحَدُّ بِوَطْءِ مَيِّتَةٍ، قَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ، لِأَنَّهُ إِيلَاجٌ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ، لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، أَشْبَهَ الْحَيَّةَ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ ذَنْبًا. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُحَدُّ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الزَّجْرِ عَنْهُ، فَعَلَيْهَا يُعَزَّرُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ عَلَيْهِ حَدَّانِ، فَظَنَنْتُهُ يَعْنِي نَفْسَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ طَرْفِ مَيِّتٍ لِعَدَمِ ضَمَانِ الْجُمْلَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ قَتْلٍ بِخِلَافِ الْوَطْءِ، وَأَمَّا مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالرِّضَاعِ إِذَا وَطِئَهَا فَعَنْهُ: يُحَدُّ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ بِحَالٍ كَالْمُحَرَّمَةِ بِالنَّسَبِ، وَكَفَرْجِ الْغُلَامِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ، وَالْخَامِسَةِ، وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنَ النَّسَبِ وَالرِّضَاعِ، أَوِ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِلزِّنَا أَوْ لِغَيْرِهِ، وَزَنَى بِهَا، أَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَهُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ أَوْ بِصَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ،   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: لَا، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ أَشْبَهَتْ مُكَاتَبَتَهُ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ اجْتَمَعَ فِيهِ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ، وَالْحَدُّ يُبْنَى عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ فَإِذَا لَمْ يُحَدَّ عُزِّرَ، وَعَنْهُ: مِائَةُ سَوْطٍ وَكَذَا إِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ، أَوِ الْمُعْتَدَّةَ، أَوِ الْمُرْتَدَّةَ، أَوِ الْمَجُوسِيَّةَ (وَإِنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ) وَالْمَنْصُوصُ مَعَ عِلْمِهِ (كَنِكَاحِ الْمُزَوَّجَةِ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، فَأَوْجَبَ الْحَدَّ عَمَلًا بِالْمُقْتَضَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رُفِعَ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَقَالَ: هَلْ عَلِمْتُمَا؟ فَقَالَا: لَا، فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُمَا لَرَجَمْتُكُمَا. رَوَاهُ أَبُو نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ. وَلِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْحَدُّ بِوَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ، فَلَأَنْ يَجِبُ بِوَطْءِ الْمُزَوَّجَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَالْمُعْتَدَّةِ) فَلَوْ قَالَ: جَهِلْتُ فَرَاغَ الْمُعْتَدَّةِ، وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ، صُدِّقَ (وَالْخَامِسَةِ) لِعَدَمِ إِبَاحَتِهَا (وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنَ النَّسَبِ وَالرِّضَاعِ) لِلْعُمُومِ، وَعَنْهُ فِيمَنْ وَطِئَ ذَوَاتَ مَحَارِمِهِ: يُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ، رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ لِأَخْبَارٍ، وَعَنْهُ: وَيُؤْخَذُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، لِمَا «رَوَى الْبَرَاءُ، قَالَ: لَقِيتُ عَمِّي وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ، أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَآخُذَ مَالَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْجَوْزَجَانِيُّ. مَسْأَلَةٌ: حُكْمُ مَنْ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ، أَوْ نَكَحَ بِنْتَهُ مِنَ الزِّنَا كَذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخِلَافُ (أَوِ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِلزِّنَا أَوْ لِغَيْرِهِ، وَزَنَى بِهَا) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَوُجُودِ الْإِجَارَةِ كَعَدَمِهَا، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ وَتَغَيَّرَ الْحَالُ، لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ مَاتَ (أَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَهُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ) لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ قَتْلِهَا لَا يُوجِبُ إِبَاحَةَ وَطْئِهَا، فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ شُبْهَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 أَوْ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، أَوْ بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا، أَوْ أَمْكَنَتِ الْعَاقِلَةُ مِنْ نَفْسِهَا مَجْنُونًا أَوْ صَغِيرًا فَوَطِئَهَا، فَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ. فَصْلٌ الثَّالِثُ: أَنْ يَثْبُتَ الزِّنَا وَلَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقِرَّ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ   [المبدع في شرح المقنع] يَجِبَ الْحَدُّ عَمَلًا بِالنُّصُوصِ، وَقِيلَ: مَنْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ عَلَيْهَا قَوَدٌ لَمْ يُحَدَّ، إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِهِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ: هَلْ عَلَيْهِ عَقْرُهَا؟ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، هِيَ لَهُ (أَوْ بِصَغِيرَةٍ) يُوطَأُ مِثْلُهَا، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، لِأَنَّهَا كَالْكَبِيرَةِ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ صَغِيرَةً لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا، لِأَنَّهُ لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا، وَكَمَا لَوِ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ صَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا، وَرَدَّهُ الْمُؤَلِّفُ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ فِيهِ (أَوْ مَجْنُونَةٍ) لِأَنَّ الْوَاطِئَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَقَدْ فَعَلَ مَا يُوجِبُهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ (أَوْ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، أَوْ بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا) لِأَنَّ النِّكَاحَ وَالْمِلْكَ وُجِدَا بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ، فَلَمْ يَسْقُطْ، كَمَا لَوْ سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ مَلَكَهُ، أَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا، فَجَحَدَتْ كَسُكُوتِهَا (أَوْ أَمْكَنَتِ الْعَاقِلَةُ) أَيِ: الْمُكَلَّفَةُ (مِنْ نَفْسِهَا مَجْنُونًا أَوْ صَغِيرًا) وَقِيلَ: ابْنُ عَشْرٍ (فَوَطِئَهَا، فَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ) أَيْ: عَلَيْهَا الْحَدُّ، لِأَنَّ سُقُوطَهُ عَنْ أَحَدِ الْمُتَوَاطِئَيْنِ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطُهُ عَنِ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ زَنَى الْمُسْتَأْمَنُ بِمُسْلِمَةٍ. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ ثُبُوتُ الزِّنَا] [بِمَ يَثْبُتُ الزِّنَا] فَصْلٌ (الثَّالِثُ: أَنْ يَثْبُتَ الزِّنَا وَلَا يَثْبُتُ) زِنَاهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ (إِلَّا بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ، وَيُصَرِّحُ بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ، وَلَا يَنْزِعُ عَنْ   [المبدع في شرح المقنع] أَنْ يُقِرَّ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْأَسْلَمِيَّيْنِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ أُحْصِنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: بِمَجْلِسٍ، سَأَلَهُ الْأَثْرَمُ: بِمَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ؟ قَالَ: الْأَحَادِيثُ لَيْسَتْ تَدُلُّ إِلَّا عَلَى مَجْلِسٍ، إِلَّا عَنْ ذَاكَ الشَّيْخِ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَذَاكَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْحَكَمُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَكْفِي الْإِقْرَارُ مَرَّةً، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» . وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ، وَجَوَابُهُ: مَا سَبَقَ، وَبِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْحَدُّ بِمَرَّةٍ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ حَدٍّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى، «وَرَوَى نُعَيْمُ بْنُ هُزَالٍ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُلْتَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قَالَ: نَعَمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ) حُرٌّ وَعَبْدٌ، مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ لَا، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدٌّ، وَكَذَا النَّائِمُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ، وَالسَّكْرَانُ سَبَقَ حُكْمُهُ، وَفِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: لَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِهِ، لَكِنَّ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَالْقَذْفِ، إِذَا فَعَلَهُ حَالَ سُكْرِهِ، لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، فَأَمَّا الْأَخْرَسُ إِنْ لَمْ تُفْهَمْ إِشَارَتُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إِقْرَارٌ، وَإِنْ فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهَا، فَإِنْ أَقَرَّ الْعَاقِلُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَكَذَّبَتْهُ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا، لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ (وَيُصَرِّحُ بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ) لِتَزُولَ التُّهْمَةُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمَاعِزٍ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَنِكْتَهَا؟ لَا يُكَنِّي، قَالَ: نَعَمْ. فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْهُ: وَبِمَنْ زَنَى بِهَا، وَفِي الرِّعَايَةِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ الْخِلَافَ (وَلَا يَنْزِعُ عَنْ إِقْرَارِهِ حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ إِقَامَةِ الْحَدِّ بِالْإِقْرَارِ الْبَقَاءُ عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 إِقْرَارِهِ حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ الْحَدُّ. الثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ أَحْرَارٍ عُدُولٍ، يَصِفُونَ الزِّنَا وَيَجِيئُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ، فَإِنْ جَاءَ بَعْضُهُمْ   [المبدع في شرح المقنع] إِلَى تَمَامِ الْحَدِّ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ أَوْ هَرَبَ كُفَّ عَنْهُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، لِقِصَّةِ مَاعِزٍ. فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ بِهِ أَرْبَعًا فَأَنْكَرَ، أَوْ صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعٍ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا عَلَى الشُّهُودِ، وَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ إِنْ أَنْكَرَ، وَإِنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُمْ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى فِعْلِهِ (أَرْبَعَةٌ) إِجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] «وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ حِينَ قَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا، أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ» . رَوَاهُ مَالِكٌ. (رِجَالٌ) فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَحَمَّادٍ: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ وَامْرَأَتَانِ، وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ، لِأَنَّ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ شُبْهَةً، لِمَا فِي قَبُولِهَا مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبَهَاتِ (أَحْرَارٌ) فِي الْأَشْهَرِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ الْعَبْدُ لِعُمُومِ النَّصِّ، وَهُوَ عَدْلٌ مُسْلِمٌ ذَكَرٌ، فَقُبِلَ كَالْحُرِّ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ، فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ (عُدُولٌ) وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِهَا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ، فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ فَاسِقٍ، وَلَا مَسْتُورِ الْحَالِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا، وَاكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ كُفَّارٌ لَا تَتَحَقَّقُ الْعَدَالَةُ فِيهِمْ، فَلَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ وَلَا خَبَرُهُمُ الدِّينِيُّ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (يَصِفُونَ الزِّنَا) أَيْ: زِنًا وَاحِدٍ يَصِفُونَهُ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، فَيَقُولُونَ: رَأَيْنَا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا اعْتُبِرَ التَّصْرِيحُ فِي الْإِقْرَارِ كَانَ اعْتِبَارُهُ فِي الشَّهَادَةِ أَوْلَى، وَقَالَ طَائِفَةٌ: يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمَا لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا، لِيَحْصُلَ الرَّدْعُ بِالْحَدِّ، فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ قَدْ غَيَّبَهُ فِي فَرْجِهَا، كَفَى (وَيَجِيئُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ) عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ عُمَرَ شَهِدَ عِنْدَهُ أَبُو بَكْرَةَ وَنَافِعٌ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَلَمْ يَشْهَدْ زِيَادٌ، فَحَدَّ الثَّلَاثَةَ، وَلَوْ كَانَ الْمَجْلِسُ غَيْرَ مُشْتَرَطٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحُدَّهُمْ، لِجَوَازِ أَنْ يَكْمُلُوا بِرَابِعٍ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ فَحَدَّهُمْ، ثُمَّ جَاءَ رَابِعٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ، أَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَامْتَنَعَ الرَّابِعُ مِنَ الشَّهَادَةِ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْهَا، فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ. وَإِنْ كَانُوا فُسَّاقًا أَوْ عُمْيَانًا، أَوْ بَعْضُهُمْ، فَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ، وَعَنْهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ زَوْجًا، حُدَّ الثَّلَاثَةَ، وَلَاعَنَ الزَّوْجُ إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] فَشَهِدَ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْلَا اشْتِرَاطُ الْمَجْلِسِ لَكَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَبِهَذَا يُفَارِقُ سَائِرَ الشَّهَادَاتِ. وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13] وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَجْلِسَ، وَلِأَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ مَقْبُولَةٍ إِذَا افْتَرَقَتْ كَغَيْرِهَا، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلشُّرُوطِ (سَوَاءٌ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ) أَيْ: وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ، لِقِصَّةِ الْمُغِيرَةِ، فَإِنَّهُمْ جَاءُوا مُفْتَرِقِينَ، وَسُمِعَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنَّمَا حُدُّوا لِعَدَمِ كَمَالِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ أَبَا بَكَرَةَ قَالَ لِعُمَرَ: أَرَأَيْتَ لَوْ جَاءَ آخَرُ فَشَهِدَ أَكُنْتَ تَرْجَمُهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَلِأَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَاءُوا (أَوْ مُجْتَمِعِينَ) وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ، وَلِهَذَا يُجْزِئُ فِيهِ الْقَبْضُ فِيمَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِ (فَإِنْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ) مِنْ مَجْلِسِهِ، فَهُمْ قَذَفَةٌ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَا صَحِيحَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ أَصْلًا، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ (أَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَامْتَنَعَ الرَّابِعُ مِنَ الشَّهَادَةِ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْهَا، فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَهَذَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى كُلِّ رَامٍ لَمْ يَشْهَدْ بِمَا قَالَهُ أَرْبَعَةٌ، وَلِأَنَّ عُمَرَ جَلَدَ أَبَا بَكَرَةَ وَأَصْحَابَهُ، حَيْثُ لَمْ يُكْمِلِ الرَّابِعُ شَهَادَتَهُ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ شُهُودٌ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً، أَحَدُهُمْ فَاسِقٌ. فَرْعٌ: كُلُّ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا أَرْبَعَةُ شُهُودٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ: اللِّوَاطُ، وَوَطْءُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا، وَوَطْءُ الْبَهِيمَةِ، إِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْحَدُّ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يُعَزَّرُ، فَيُقْبَلُ بِشَاهِدَيْنِ، وَقِيلَ: بِأَرْبَعَةٍ، وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا كُلُّ وَطْءٍ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطْئًا كَمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ، تَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ وَجْهًا وَاحِدًا (وَإِنْ كَانُوا فُسَّاقًا، أَوْ عُمْيَانًا، أَوْ بَعْضَهُمْ) أَوْ بَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ عَبْدٌ، وَلَمْ يَقْبَلْهُ (فَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي كَمَا لَوْ لَمْ يَكْمُلِ الْعَدَدُ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَجْبُوبًا أَوْ رَتْقَاءَ (وَعَنْهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ، لِأَنَّهُمْ أَرْبَعَةٌ فَدَخَلُوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 شَاءَ، وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَلَدٍ، وَاثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَلَدٍ آخَرَ، فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَةِ بَيْتٍ، وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَتِهِ الْأُخْرَى، أَوْ شَهِدَا أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ، وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَحْمَرَ،   [المبدع في شرح المقنع] فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَكَمَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مَسْتُورُونَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ وَصْفِهِ الزِّنَا، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَيْهَا عَذْرَاءَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي الْوَاضِحِ: تَزُولُ حَصَانَتُهَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ. وَالثَّالِثَةُ: تُحَدُّ الْعُمْيَانُ خَاصَّةً، وَقَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ كَذِبُهُمْ، وَالْبَاقِي يَجُوزُ صِدْقُهُمْ، وَقَدْ كَمُلَ عَدَدُهُمْ، أَشْبَهَ مَسْتُورِي الْحَالِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ زَوْجًا، حُدَّ الثَّلَاثَةُ) لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ حَيْثُ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الزَّوْجِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ (وَلَاعَنَ الزَّوْجُ إِنْ شَاءَ) لِأَنَّ الزَّوْجَ إِذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ لَهُ الْخِيرَةُ بَيْنَ اللِّعَانِ وَتَرْكِهِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ بِحَالٍ (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَلَدٍ، وَاثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَلَدٍ آخَرَ) أَوِ اخْتَلَفَا فِي الْيَوْمِ (فَهُمْ قَذَفَةٌ وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ أَرْبَعَةٌ عَلَى زِنًا وَاحِدٍ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ كَمَا لَوِ انْفَرَدَ بِالشَّهَادَةِ اثْنَانِ (وَعَنْهُ: يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ) فَقَطْ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَفِي التَّبْصِرَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ: وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عَدَدُ الشُّهُودِ فِي كَوْنِهَا زَانِيَةً (وَهُوَ بَعِيدٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ زِنًا وَاحِدٍ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، فَلَمْ يَجِبِ الْحَدُّ، وَلِأَنَّ جَمِيعَ مَا تعتبر لَهُ الْبَيِّنَةُ يُعْتَبَرُ كَمَالُهَا فِي حَقٍّ وَاحِدٍ، فَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ لَهُ وَيَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ بَيْضَاءَ، وَآخَرَانِ بِامْرَأَةٍ سَوْدَاءَ، فَهُمْ قَذَفَةٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَةِ بَيْتٍ) صَغِيرٍ (وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَتِهِ الْأُخْرَى) كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ إِنْ كَانَتِ الزَّاوِيَتَانِ مُتَقَارِبَتَيْنِ، وَحُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ التَّصْدِيقَ مُمْكِنٌ، فَلَمْ يَجُزِ التَّكْذِيبُ، لَا يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِهِ فِعْلَيْنِ، فَلِمَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تَكْمُلَ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً، لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمْ، وَهَلْ يُحَدُّ الْجَمِيعُ، أَوْ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُحَدُّ الزَّانِي الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ دُونَ الْمَرْأَةِ وَالشُّهُودِ.   [المبدع في شرح المقنع] أَوْجَبْتُمُ الْحَدَّ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَهُوَ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ؟ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، بِدَلِيلِ مَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلَيْنِ، بِأَنْ يَكُونَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، أَمَّا لَوْ كَانَتِ الزَّاوِيَتَانِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ، فَالْقَوْلُ فِيهِمَا كَالْقَوْلِ فِي الْبَيْتَيْنِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ تُكْمَلُ الشَّهَادَةُ، سَوَاءٌ تَقَارَبَتَا أَوْ تَبَاعَدَتَا (أَوْ شَهِدَا أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ، وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَحْمَرَ كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا قَمِيصَانِ، فَذَكَرَ كُلُّ اثْنَيْنِ وَاحِدًا مِنْهُمَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصِ كَتَّانٍ، وَآخَرَانِ فِي قَمِيصِ خَزٍّ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تَكْمُلَ كَالَّتِي قَبْلَهَا) وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اخْتَلَفُوا فِي الْبَيْتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمْ) عَلَى الْأَشْهَرِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْمُطَاوِعَةِ غَيْرُ فِعْلِ الْمُكْرَهَةِ، فَعَلَى هَذَا: لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَلَا الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَكْمُلْ عَلَى فِعْلٍ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ عَلَيْهِمَا (وَهَلْ يُحَدُّ الْجَمِيعُ) أَيِ: الْأَرْبَعَةُ، لِقَذْفِهِمُ الرَّجُلَ (أَوْ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى شَاهِدَيِ الْمُطَاوَعَةِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُمَا قَذَفَا الْمَرْأَةَ بِالزِّنَا، وَلَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهَا، وَلَا يَجِبْ عَلَى شَاهِدَيِ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْذِفَا الْمَرْأَةَ، وَقَدْ كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا انْتَفَى الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ. وَالثَّانِي: يُحَدُّ الْجَمِيعُ، لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزِّنَا، فَلَزِمَهُمُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُهُمْ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُحَدُّ الزَّانِي الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ) وَاخْتَارَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ كَمُلَتْ عَلَى وُجُودِ الزِّنَا مِنْهُ، وَاخْتِلَافُهَا إِنَّمَا هُوَ فِي فِعْلِهَا فَلَا يَمْنَعُ كَمَالَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا (دُونَ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ بِزِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ، لِأَنَّهُ لَا حَدَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ (وَالشُّهُودِ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ، فَرْجَعَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْحَدِّ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاجِعِ، وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ. وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ، فَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَيُغَرَّمُ الرَّاجِعُ رُبْعَ مَا أَتْلَفُوهُ، وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَهُ لَمْ يُوجَدْ، وَفِي الْوَاضِحِ: لَا حَدَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهَا بَيْضَاءُ وَآخَرَانِ غَيْرُهُ لَمْ تُقْبَلْ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، وَكَمَا لَوِ اخْتَلَفُوا فِي تَعَدُّدِ الْمَكَانِ أَوِ الزَّمَانِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ، وَحُدُّوَا لِلْقَذْفِ. [الرُّجُوعُ فِي الشَّهَادَةِ] (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ، فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْحَدِّ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاجِعِ، وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ الرَّاجِعَ كَالتَّائِبِ قَبْلَ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ، وَلِأَنَّ فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ تَمْكِينًا لَهُ مِنَ الرُّجُوعِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ مَصْلَحَةُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا حُدَّ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّ بِرُجُوعِ الرَّاجِعِ نَقْصَ عَدَدِ الشُّهُودِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَدُّوا، كَمَا لَوْ كَانُوا فِي الِابْتِدَاءِ كَذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ: يُحَدُّ الْجَمِيعُ، قَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ لِنَقْصِ الْعَدَدِ، كَمَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ أَلَّا يُحَدَّ سِوَى الرَّاجِعِ إِذَا رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الْحَدِّ، وَلَوْ رَجَعَ الْكُلُّ، فَهَلْ يُحَدُّونَ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْوَاحِدِ (وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ، فَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ كَمُلَتْ، وَاتَّصَلَ بِهَا الْحُكْمُ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ لِعَدَمِ كَوْنِهِمْ قَذَفَةً (وَيُغَرَّمُ الرَّاجِعُ رُبْعَ مَا أَتْلَفُوهُ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِرُجُوعِهِ أَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ، فَيُقْبَلُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الرَّاجِعِ أَيْضًا، وَنَقَلَهُ أَبُو النَّصْرِ، لِأَنَّهُ تَائِبٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَحَدُّهُ - إِنْ وُرِّثَ - حَدُّ الْقَذْفِ، فَإِنْ كَانَ رَجْمًا ضَمِنَ رُبْعَ الْمُتْلَفِ بِدِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إِنْ صَرَّحَ بِالْخَطَأِ، وَإِنْ قَالَ: عَمَدْنَا الْكَذِبَ لِيُقْتَلَ، قُتِلَ وَحْدَهُ، وَإِنْ قَالَ: عَمَدْتُ ذَلِكَ وَحْدِي، فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَوَدٌ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُشَارَكَةِ الْعَامِدِ لِلْمُخْطِئِ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْبَكَارَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَوُجُودُهَا يَمْنَعُ مِنَ الزِّنَا ظَاهِرًا، وَالشُّهُودُ صِدْقُهُمْ مُحْتَمَلٌ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَطِئَهَا ثُمَّ عَادَتْ عُذْرَتُهَا، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِشَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ شَهَادَتَهَا مَقْبُولَةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَنَقَلَ أَبُو النَّصْرِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْبُوبِ: أَنَّ الشُّهُودَ قَذَفَةٌ، وَقَدْ أَحْرَزُوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 عَلَى الشُّهُودِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ عَلَى الشُّهُودِ أَنَّهُمْ هُمُ الزُّنَاةُ بِهَا، لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَهَلْ يُحَدُّ الشُّهُودُ الْأَوَّلُونَ حَدَّ الزِّنَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ حَمَلَتِ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ، لَمْ تُحَدَّ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] ظُهُورَهُمْ، فَذُكِرَ لَهُ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ: الْعَذْرَاءُ؟ قَالَ: عَنْهُ اخْتِلَافٌ، فَإِنْ رَجَمَهُ الْقَاضِي فَالْخَطَأُ مِنْهُ، قُلْتُ: فَتَرَى فِي هَذَا، أَوْ فِي مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا، فَلَمْ يَسْأَلِ الْقَاضِي عَنْ إِحْصَانِهِ حَتَّى رَجَمَهُ، أَنَّ الدِّيَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مَجْبُوبٍ وَنَحْوِهِ قَوْلَيْنِ بِخِلَافِ الْعَذْرَاءِ، وَفِي الشَّرْحِ: إِنْ شَهِدَ بِأَنَّهَا رَتْقَاءُ، أَوْ ثَبَتَ أَنَّ الرَّجُلَ مَجْبُوبٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الشُّهُودِ، لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ كَذِبُهُمْ (وَلَا عَلَى الشُّهُودِ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ صِدْقَهُمْ مُحْتَمَلٌ، وَفِي الرِّعَايَةِ: وَلَا عَلَى الرَّجُلِ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ عَلَى الشُّهُودِ أَنَّهُمْ هُمُ الزُّنَاةُ بِهَا لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْآخَرِينَ تَضَمَّنَتْ جَرْحَ الْأَوَّلِينَ، وَشَهَادَةُ الْآخَرِينَ تَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا التُّهْمَةُ (وَهَلْ يُحَدُّ الشُّهُودُ الْأَوَّلُونَ حَدَّ الزِّنَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ إِحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ قَدْ جَرَحَهُمُ الْآخَرُونَ بِشَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَالْآخَرُونَ تَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمُ التُّهْمَةُ، وَالثَّانِيَةُ: يُحَدُّونَ لَهَا، اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْآخَرِينَ صَحِيحَةٌ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِهَا، وَعَلَى كِلْتَيْهِمَا فِي حَدِّهِمْ لِلْقَذْفِ رِوَايَتَانِ: أَشْهَرُهُمَا بِأَنَّهُمْ يُحَدُّونَ (وَإِنْ حَمَلَتِ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ، لَمْ تُحَدَّ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهَا الْأَظْهَرُ، لَكِنَّهَا تُسْأَلُ، فَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّهَا أُكْرِهَتْ، أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ لَمْ تَعْتَرِفْ بِالزِّنَا، لَمْ تُحَدَّ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: بَلَى إِنْ لَمْ تَدَّعِ شُبْهَةً، وَفِي الْوَسِيلَةِ وَالْمَجْمُوعِ رِوَايَةٌ: وَلَوِ ادَّعَتْ شُبْهَةً، وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَلِكَ حَتَّى بَالَغَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ تَحْمِلُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، بِأَنْ تُدْخِلَ مَاءَ الرَّجُلِ فِي فَرْجِهَا، وَلِهَذَا تُصُوِّرَ حَمْلُ الْبِكْرِ وَوُجِدَ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِزِنًا قَدِيمٍ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَكَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا أَقْبَلُ بَيِّنَةً عَلَى زِنًا قَدِيمٍ، وَأَحُدُّهُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا، وَمَنْ قَذَفَ حُرًّا مُحْصَنًا، فَعَلَيْهِ جَلْدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، إِنْ كَانَ الْقَاذِفُ حُرًّا، وَأَرْبَعِينَ إِنْ كَانَ عَبْدًا، وَهَلْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِلْآدَمِيِّينَ؟   [المبدع في شرح المقنع] أَبِي مُوسَى مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ الشَّهَادَةِ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ يَدُلُّ عَلَى التُّهْمَةِ، وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُدَّعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ لِقَضِيَّةِ أَبِي بَكْرَةَ. [بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ] [حَدُّ الْقَذْفِ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ] بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ. وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَهُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا) فَبَيَانٌ لِمَعْنَى الْقَذْفِ، وَكَذَا رَمْيُهُ بِلِوَاطٍ أَوْ شَهَادَةٌ عَلَيْهِ بِهِ، وَلَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ، وَأَصْلُهُ: الرَّمْيُ بِالْحَجَرِ بِخِلَافِ الْخَذْفِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَإِنَّهُ الرَّمْيُ بِالْحَصَى، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ رَمْيُ الشَّيْءِ بِقُوَّةٍ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الرَّمْيِ بِالزِّنَا وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ، يُقَالُ: قَذَفَ يَقْذِفُ قَذْفًا، فَهُوَ قَاذِفٌ، وَجَمْعُهُ قُذَّافٌ وَقَذَفَةٌ، كَفَاسِقٍ وَفَسَقَةٍ، وَكَافِرٍ وَكَفَرَةٍ (وَمَنْ قَذَفَ) وَهُوَ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ (حُرًّا مُحْصَنًا، فَعَلَيْهِ جَلْدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً إِنْ كَانَ الْقَاذِفُ حُرًّا، وَأَرْبَعِينَ إِنْ كَانَ عَبْدًا) أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا، حُرًّا كَانَ الْقَاذِفُ أَوْ عَبْدًا، وَأَنَّ حَدَّهُ ثَمَانُونَ إِنْ كَانَ حُرًّا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَالرَّقِيقُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَيُرْوَى أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ جَلَدَ عَبْدًا قَذَفَ حُرًّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَذْفُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ، وَالْمُحْصَنُ هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: زَنَيْتِ   [المبدع في شرح المقنع] ثَمَانِينَ، وَبِهِ قَالَ قَبِيصَةُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: أَدْرَكْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَالْخُلَفَاءَ، هَلُمَّ جَرًّا، مَا رَأَيْتُ أَحَدًا جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ، رَوَاهُ مَالِكٌ. كَحَدِّ الزِّنَا، وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً، فَدَلِيلُنَا خَاصٌّ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ: يَكُونُ بِدُونِ سَوْطِ الْحُرِّ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ ذَاتَ مَحْرَمٍ أَوْ مَجْبُوبًا سِوَى وَلَدِهِ وَإِنْ نَزَلَ، نَصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ عُتِقَ قَبْلَ حَدٍّ، وَمُعْتَقٌ بَعْضُهُ بِالْحِسَابِ، وَقِيلَ: كَعَبْدٍ (وَهَلْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِلْآدَمِيِّينَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا وَهِيَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْهَرُ وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ، هُوَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، فَعَلَيْهِ يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ عَنْهُ، قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: لَا عَفْوُهُ عَنْ بَعْضِهِ. وَالثَّانِيَةُ: هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ، قَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَعَلَيْهَا لَا يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ أَوِ الْإِبْرَاءِ، وَلَا يَسْتَوْفِيهِ إِلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَعَلَيْهِمَا: لَا يُحَدُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ إِلَّا بِطَلَبٍ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِجْمَاعًا، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَبِدُونِهِ، وَلَا يَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِمَامِ أَنَّهُ حَدٌّ، وَفِي الْبُلْغَةِ: لَا يَسْتَوْفِيهِ بِدُونِهِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَوَجْهَانِ، وَإِنَّ هَذَا فِي الْقَذْفِ الصَّرِيحِ، وَإِنَّ غَيْرَهُ يَبْرَأُ بِهِ، سَوَاءٌ عَلَى خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ كَاعْتِبَارِ الْمُوَالَاةِ أَوِ النِّيَّةِ (وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ) كَمَنَ قَذَفَ مُشْرِكًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ مُسْلِمًا لَهُ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ مُسْلِمَةً لَهَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ، أَوْ مَنْ لَيْسَ بِعَفِيفٍ (يُوجِبُ التَّعْزِيرَ) رَدْعًا لَهُ عَنْ أَعْرَاضِ الْمَعْصُومِينَ وَكَفَالَةً عَنْ أَذَاهُمْ، وَقِيلَ: سِوَى سَيِّدٍ لِعَبْدِهِ. فَرْعٌ: يُحَدُّ أَبَوَاهُ وَإِنْ عَلَوْا بِقَذْفِهِ، وَإِنْ نَزَلَ كَقَوَدٍ، فَلَا يَرِثُهُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ وَرِثَهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ، وَحُدَّ لَهُ لِتَبْعِيضِهِ، وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا يُحَدُّ أَبٌ، وَفِي أُمٍّ وَجْهَانِ (وَالْمُحْصَنُ) هُنَا (هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ) هَذِهِ صِفَةُ الْمُحْصَنِ الَّذِي يُحَدُّ بِقَذْفِهِ، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ، فَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْكَافِرَ حُرْمَتُهُمَا نَاقِصَةٌ، فَلَمْ يُنْتَهَضْ لِإِيجَابِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ، وَفَسَّرَهُ بِصِغَرٍ عَنْ تِسْعِ سِنِينَ، لَمْ يُحَدَّ، وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْحَدِّ، وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَرَدَتْ فِي الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ، وَغَيْرُهُمَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا، وَأَمَّا الْعَقْلُ، فَلِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يُعَيَّرُ بِالزِّنَا، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، وَغَيْرُ الْعَاقِلِ لَا يَلْحَقُهُ شَيْنٌ بِإِضَافَةِ الزِّنَا إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، وَأَمَّا الْعِفَّةُ عَنِ الزِّنَا فَلِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَشِينُهُ الْقَذْفُ، وَالْحَدُّ إِنَّمَا وَجَبَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَسْقَطَ اللَّهُ الْحَدَّ عَنِ الْقَاذِفِ إِذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمَا قَالَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَلِأَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ لَا يُعَيَّرُ بِالْقَذْفِ، لِتَحَقُّقِ كَذِبِ الْقَاذِفِ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ إِنْ كَانَ ذَكَرًا، أَوْ تِسْعُ سِنِينَ إِنْ كَانَتْ أُنْثَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، بَلْ لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ فَاسِقًا، كَشُرْبِهِ الْخَمْرَ أَوْ لِبِدْعَةٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ بِالزِّنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ، وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِ مُبْتَدِعٍ وَلَا مُبْتَدِعَةٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إِذَا قَذَفَ أُمَّ وَلَدٍ - رَجُلٌ، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ؟ حُدَّ، وَإِذَا قَذَفَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ، أَوْ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ حُدَّ فِي رِوَايَةٍ، وَإِنْ قَذَفَ عَبْدٌ عَبْدًا جُلِدَ أَرْبَعِينَ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ، قِيلَ: إِنَّهَا مُخَرَّجَةٌ، وَلَيْسَتْ بِمَنْصُوصَةٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ. وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَطَعَ بِهَا الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، لِأَنَّ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ وَنَحْوَهُ يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِإِضَافَةِ الزِّنَا إِلَيْهِ وَيُعَيَّرُ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا جُعِلَ عَيْبًا فِي الرَّقِيقِ، أَشْبَهَ الْبَالِغَ، وَفِي اشْتِرَاطِ سَلَامَتِهِ مِنْ وَطْءٍ الشُّبْهَةِ وَجْهَانِ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ هَلْ يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ أَمْ لَا؟ فَذُكِرَ عَنِ الْقَاضِي أَنَّهُ وَصَفَهُ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ عَدَمُ وَصْفِهِ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ آخَرِينَ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ السَّلَامَةُ فِي ذَلِكَ. فَرْعٌ: إِذَا وَجَبَ الْحَدُّ بِقَذْفِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَيُطَالَبَ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ كَلَامِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الْمُطَالَبَةُ حِذَارًا مِنْ فَوَاتِ التَّشَفِّي، وَلَوْ قَذَفَ غَائِبًا اعْتُبِرَ قُدُومُهُ وَطَلَبُهُ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ طَالِبٌ فِي غَيْبَتِهِ، فَيُقَامُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا لِاحْتِمَالِ عَفْوِهِ، وَلَوْ قَذَفَ عَاقِلًا فَجُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلَبِ لَمْ يُقَمْ حَتَّى يُفِيقَ وَيُطَالَبَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الطَّلَبِ جَازَتْ إِقَامَتُهُ. مَسْأَلَةٌ: يُشْتَرَطُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: مُطَالَبَةُ الْمَقْذُوفِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 وَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ: زَنَيْتِ، وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ، وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَقَالَتْ: أَرَدْتَ قَذْفِي فِي الْحَالِ، فَأَنْكَرَهَا، عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا، فَزَالَ إِحْصَانُهُ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ، لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنِ الْقَاذِفِ.   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، الثَّانِي: أَلَّا يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ زَوْجًا، اعْتُبِرَ آخَرُ، وَهُوَ امْتِنَاعُهُ مِنَ اللِّعَانِ، وَتُعْتَبَرُ اسْتِدَامَةُ الطَّلَبِ إِلَى إِقَامَتِهِ، فَلَوْ طَلَبَ ثُمَّ عَفَا سَقَطَ، وَيُحَدُّ بِقَذْفٍ عَلَى جِهَةِ الْغَيْرَةِ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ - وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَأَنَّهَا عُذْرٌ فِي غَيْبَةٍ وَنَحْوِهَا (وَإِنْ قَالَ) لِمُحْصَنَةٍ (زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ، وَفَسَّرَهُ بِصِغَرٍ عَنْ تِسْعِ سِنِينَ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ إِنَّمَا وَجَبَ لِمَا يَلْحَقُ بِالْمَقْذُوفِ مِنَ الْعَارِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ لِلصِّغَرِ، بَلْ يُعَزَّرُ، زَادَ فِي الْمُغْنِي: إِنْ رَآهُ الْإِمَامُ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى طَلَبٍ، لِأَنَّهُ لِتَأْدِيبِهِ (وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَكَذَا فِي الْفُرُوعِ، فِي اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ، جَزَمَ فِي الْوَجِيزِ بِالْحَدِّ (وَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ: زَنَيْتِ، وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ، وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّهُ يُعْلَمُ كَذِبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ ثَبَتَ فَلَا حَدَّ عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ) لَمْ يُحَدَّ عَلَى الْأَشْهَرِ (وَقَالَتْ: أَرَدْتَ قَذْفِي فِي الْحَالِ فَأَنْكَرَهَا) فَهَلْ يُحَدُّ، أَوْ يُعَزَّرُ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ: وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ، بِقَوْلِهِ: زَنَيْتِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: زَنَيْتِ حَالَ النَّصْرَانِيَّةِ أَوِ الرِّقِّ، وَلَا حَدَّ مَعَ ذَلِكَ، لِأَنَّ ارْتِبَاطَ الْكَلَامِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَوْلَى مِنْ عَدَمِ ارْتِبَاطِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إِنْ أَضَافَهُ إِلَى جُنُونٍ، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُجَنُّ لَمْ يَقْذِفْهُ، وَفِي الْمُغْنِي: إِنِ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا حِينَ قَذَفَهُ، فَأَنْكَرَتْ، وَعُرِفَتْ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ وَإِفَاقَةٍ، فَوَجْهَانِ، وَإِنِ ادَّعَى رِقَّ مَجْهُولَةٍ فَرِوَايَتَانِ، وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ قَذْفًا مُتَقَدِّمًا كَانَ فِي صِغَرٍ، أَوْ قَالَ: زَنَيْتِ مُكْرَهَةً، أَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ، ثُمَّ ثَبَتَ زِنَاهَا فِي كُفْرٍ، لَمْ يُحَدَّ كَثُبُوتِهِ فِي إِسْلَامٍ، وَفِي الْمُبْهِجِ: إِنْ قَذَفَهُ بِمَا أَتَى فِي الْكُفْرِ حُدَّ لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ، وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: رَجُلٌ رَمَى امْرَأَةً بِمَا فَعَلَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: يُحَدُّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: لَوْ قَالَ ابْنُ عِشْرِينَ لِابْنِ خَمْسِينَ: زَنَيْتَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، لَمْ يُحَدَّ، وَهُوَ سَهْوٌ (وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا، فَزَالَ إِحْصَانُهُ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 فَصْلٌ وَالْقَذْفُ مُحَرَّمٌ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، فَيَعْتَزِلُهَا، وَتَأْتِي بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَذْفُهَا وَنَفْيُ وَلَدِهَا، الثَّانِي: أَلَّا تَأْتِيَ بِوَلَدٍ يَجِبُ نَفْيُهُ، أَوِ اسْتَفَاضَ فِي النَّاسِ زِنَاهَا، أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ   [المبدع في شرح المقنع] لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنِ الْقَاذِفِ) نَصَّ عَلَيْهِ. حَكَمَ حَاكِمٌ بِوُجُوبِهِ أَمْ لَا، لِأَنَّ الْحَدَّ يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ وُجُوبِهِ، وَكَمَا لَا يَسْقُطُ بِرِدَّتِهِ وَجُنُونِهِ، وَبِخِلَافِ فِسْقِ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ لِضِيقِ الشَّهَادَةِ، وَعَلَّلَهُ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَبِأَنَّ الزِّنَا نَوْعُ فِسْقٍ، وَاحْتِمَالُ وُجُودِ الْجِنْسِ أَكْثَرُ مِنَ النَّوْعِ إِلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ مُزِيلُهُ عَلَى الْقَذْفِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ. [يَحْرُمُ الْقَذْفُ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ] فَصْلٌ (وَالْقَذْفُ مُحَرَّمٌ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ) زَادَ فِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ: وَلَوْ دُونَ الْفَرْجِ، وَفِي الْمُغْنِي: أَوْ تُقِرُّ بِهِ فَيُصَدِّقُهَا (فَيَعْتَزِلُهَا، وَتَأْتِي بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الزَّانِي، زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ: وَكَذَا لَوْ وَطِئَهَا فِي طُهْرٍ زَنَتْ فِيهِ، وَظَنَّ الْوَلَدَ مِنَ الزَّانِي (فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَذْفُهَا) لِأَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ وَاجِبٌ، وَلَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالْقَذْفِ، لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ وَاجِبٌ (وَنَفْيُ وَلَدِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْيَقِينِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنَ الزَّانِي لِكَوْنِهَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ» وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّجُلَ مِثْلُهَا، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا، وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهَا. (الثَّانِي: أَلَّا تَأْتِيَ بِوَلَدٍ يَجِبُ نَفْيُهُ) لِأَنَّ بِالزَّوْجِ حَاجَةً إِلَى فَسْخِ النِّكَاحِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ زَوْجَةٍ شَأْنُهَا كَذَلِكَ، لِحَدِيثِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ (أَوِ اسْتَفَاضَ فِي النَّاسِ زِنَاهَا) وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 ثِقَةٌ، أَوْ رَأَى رَجُلًا يُعْرَفُ بِالْفُجُورِ يَدْخُلُ إِلَيْهَا، فَيُبَاحُ قَذْفُهَا وَلَا يَجِبُ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُمَا لَمْ يُبَحْ نَفْيُهُ بِذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ إِبَاحَتُهُ. فَصْلٌ وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ تَنْقَسِمُ إِلَى: صَرِيحٍ، وَكِنَايَةٍ، فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: يَا زَانِي، يَا عَاهِرُ   [المبدع في شرح المقنع] وَالشَّرْحِ لَا تَكْفِي اسْتِفَاضَةٌ بِلَا قَرِينَةٍ (أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ ثِقَةٌ) فَلَوْ كَانَ يُخْبِرُ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهَا (أَوْ رَأَى رَجُلًا يُعْرَفُ بِالْفُجُورِ يَدْخُلُ إِلَيْهَا) زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: خَلْوَةً (فَيُبَاحُ قَذْفُهَا) لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ فُجُورُهَا (وَلَا يَجِبُ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ فِرَاقُهَا، وَالسُّكُوتُ هُنَا أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَلِأَنَّ قَذْفَهَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَحْلِفَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا، أَوْ يُقِرَّ فَيَفْتَضِحَ. فَرْعٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا قَالَ: أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا زَنَتْ، فَكَذَّبَتْهُ، فَفِي كَوْنِهِ قَاذِفًا نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ جُعِلَ قَذْفًا، أَوْ قَذَفَهَا صَرِيحًا، فَلَهُ اللِّعَانُ، وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ، فَأَنْكَرَتْهُ، لَمْ تُطَلَّقْ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَلَوْ أَسْقَطَتْ جَنِينًا بِسَبَبِ الْقَذْفِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: الْمُبَاحُ أَنَّهُ يَرَاهَا تَزْنِي، أَوْ يَظُنُّهُ وَلَا وَلَدَ (وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُمَا) كَأَبْيَضَ بَيْنَ أَسْوَدَيْنِ، أَوْ بِالْعَكْسِ (لَمْ يُبَحْ نَفْيُهُ بِذَلِكَ) اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «لَعَلَّهُ نَزَعَةُ عِرْقٌ» ، وَلِأَنَّ دَلَالَةَ الشَّبَهِ ضَعِيفَةٌ، وَدَلَالَةُ الْفِرَاشِ قَوِيَّةٌ، بِدَلِيلِ قَضِيَّةِ سَعْدٍ وَعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ (وَقَالَ) الْقَاضِي وَ (أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ إِبَاحَتُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إِنْ جَاءَتْ بِهِ جَعْدًا. الْخَبَرَ. فَجَعَلَ الشَّبَهَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ لِعَانِهِ وَنَفْيِهِ إِيَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَجَعَلَ الشَّبَهَ مُرَجِّحًا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ لَهُ نَفْيَهُ بِقَرِينَةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَإِنِ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ جَازَ النَّفْيُ فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ كَانَ يَعْزِلُ عَنْهَا فَلَا، لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ. [أَلْفَاظُ الْقَذْفِ] [أَلْفَاظُ الْقَذْفِ الصَّرِيحَةُ] فَصْلٌ (وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ تَنْقَسِمُ إِلَى: صَرِيحٍ، وَكِنَايَةٍ) لِأَنَّهَا أَلْفَاظٌ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 زَنَى فَرْجُكَ، وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْقَذْفِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمَا يُحِيلُهُ، وَإِنْ قَالَ: يَا لُوطِيُّ، يَا مَعْفُوجُ، فَهُوَ صَرِيحٌ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّكَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّكَ تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ غَيْرَ إِتْيَانِ الرِّجَالِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: لَسْتَ بِوَلَدِ فُلَانٍ، فَقَدْ قَذَفَ أُمَّهُ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] فَانْقَسَمَتْ إِلَى ذَلِكَ كَالطَّلَاقِ (فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: يَا زَانِي، يَا عَاهِرُ زَنَى فَرْجُكَ، وَنَحْوُهُ) كَزَنَيْتَ، وَيَا مَنْيُوكُ (مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْقَذْفِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمَا يُحِيلُهُ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ، أَشْبَهَ صَرِيحَ الطَّلَاقِ (وَإِنْ قَالَ: يَا لُوطِيُّ، يَا مَعْفُوجُ) هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ: عَفَجَ، يَعْنِي: نَكَحَ، فَكَأَنَّهُ بِمَعْنَى مَنْكُوحٍ، أَيْ: مَوْطُوءٍ (فَهُوَ صَرِيحٌ) فِي الْمَنْصُوصِ، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهِمَا إِذَا قَذَفَهُ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّ اللُّوطِيَّ الزَّانِي بِالذُّكُورِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: يَا زَانِي، وَحِينَئِذٍ لَا يُسْمَعُ تَفْسِيرُهُ بِمَا يُحِيلُ الْقَذْفَ، وَعَنْهُ: مَعَ غَضَبٍ، لِأَنَّ قَرِينَةَ الْغَضَبِ تَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ الْقَذْفِ بِخِلَافِ حَالَةِ الرِّضَا (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّكَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) وَهَذَا رِوَايَةٌ نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ، لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، كَمَا لَوْ فَسَّرَهُ بِهِ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ (وَهُوَ بِعِيدٌ) لَأَنَّ إِطْلَاقَ لَفْظِهِ وَإِرَادَةَ مِثْلِ ذَلِكَ فِيهِ بُعْدٌ، مَعَ أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً أَنَّهَا وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا، أَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِوَطْءِ امْرَأَةٍ فِي دُبُرِهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَقِيلَ: لَا، وَمَبْنَى الْخِلَافِ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّكَ تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ غَيْرَ إِتْيَانِ الرِّجَالِ، احْتُمِلَ وَجْهَيْنِ) . أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ فَسَّرَ اللَّفْظَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ غَالِبًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: يَا زَانِي. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُحَدُّ، لِأَنَّ مَا فَسَّرَ بِهِ كَلَامَهُ مُحْتَمِلُ الْإِرَادَةِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبَهَاتِ. فَرْعٌ: إِذَا فَسَّرَ يَا مَنْيُوكَةُ بِفِعْلِ زَوْجٍ، فَلَيْسَ قَذْفًا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالتَّبْصِرَةِ، وَزَادَ: إِنْ أَرَادَ بِـ " زَانِي " الْعَيْنِ، أَوْ يَا عَاهِرَ الْيَدِ، لَمْ يُقْبَلْ مَعَ سَبْقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَذْفٍ صَرِيحٍ (وَإِنْ قَالَ: لَسْتَ بِوَلَدِ فُلَانٍ، فَقَدْ قَذَفَ أُمَّهُ) فِي الْمَنْصُوصِ إِلَّا مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ أَبُوهُ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ بِزِنَا أُمِّهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْضِي أَنَّ أُمَّهُ أَتَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ، وَذَلِكَ قَذْفٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 قَالَ: لَسْتَ بِوَلَدِي، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ أَزْنَى النَّاسِ، أَوْ أَزْنَى مِنْ فُلَانَةٍ، أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ، أَوْ لِامْرَأَةٍ: يَا زَانِي أَوْ قَالَ: زَنَتْ يَدَاكَ وَرِجْلَاكَ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَإِنْ قَالَ زَنَأْتَ فِي الْجَبَلِ   [المبدع في شرح المقنع] لَهَا، وَكَذَا إِنْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِنَفْيِ الرَّجُلِ عَنْ قَبِيلَتِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ لِأَعْجَمِيٍّ: إِنَّكَ عَرَبِيٌّ (وَإِنْ قَالَ: لَسْتَ بِوَلَدِي، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي قَذْفِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغْلِظَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِوَلَدِهِ. وَالثَّانِي: هُوَ صَرِيحٌ، لِأَنَّهُ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ، أَشْبَهَ نَفْيَ وَلَدِ غَيْرِهِ عَنْ أَبِيهِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا، فَلَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ، فَلَا حَدَّ، لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ قَالَ: لَسْتَ ابْنَ فُلَانَةٍ، عُذِّرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ أَحَدًا بِالزِّنَا (وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ أَزْنَى النَّاسِ) فَهُوَ قَاذِفٌ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، لِأَنَّهُ أَضَافَ إِلَيْهِ الزِّنَا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ (أَوْ أَزْنَى مِنْ فُلَانَةٍ) فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ الْقَاضِي، لِأَنَّ أَزَنَى مَعْنَاهُ الْمُبَالَغَةُ، فَفِيهِ الزِّنَا وَزِيَادَةٌ، وَقَدَّمَ فِي الْكَافِي: لَا، لِأَنَّ لَفْظَةَ أَفْعَلَ تُسْتَعْمَلُ لِلْمُنْفَرِدِ بِالْفِعْلِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَيْسَ بِقَذْفٍ إِلَّا أَنْ يُرِيدَهُ، لِأَنَّ مَوْضُوعَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي ذَلِكَ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ أَنْتَ أَزْنَى مِنْ زَيْدٍ فَقَدْ قَذَفَهُمَا صَرِيحًا، وَقِيلَ: كِنَايَةً، وَقِيلَ: لَيْسَ بِقَذْفٍ لِزَيْدٍ، وَهُوَ أَقَيْسُ (أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ، أَوْ لِامْرَأَةٍ: يَا زَانِي) فَصَرِيحٌ، نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الزِّنَا، وَزِيَادَةُ الْهَاءِ وَحَذْفُهَا خَطَأٌ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَاللَّحْنِ، وَكَفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لَهُمَا خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ فِي عَالِمٍ بِعَرَبِيَّةٍ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ كَمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ إِلَّا أَنْ يُفَسِّرَ بِهِ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ عَلَّامَةٌ فِي الزِّنَا، كَمَا يُقَالُ لِلْعَالِمِ: عَلَّامَةٌ (أَوْ قَالَ: زَنَتْ يَدَاكَ وَرِجْلَاكَ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ زِنَا الْفَرْجِ (وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فِي الْأَخِيرَةِ، لِأَنَّ زِنَا هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 مَهْمُوزًا فَهُوَ صَرِيحٌ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا. وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: فِي الْجَبَلِ، فَهَلْ هُوَ صَرِيحٌ، أَوْ كَالَّتِي قَبْلَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ فَضَحْتِهِ، وَغَطَّيْتِ أَوْ نَكَّسْتِ رَأْسَهُ، وَجَعَلْتِ لَهُ قُرُونًا، وَعَلَّقْتِ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ، وَأَفْسَدْتِ فِرَاشَهُ أَوْ يَقُولُ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ:   [المبدع في شرح المقنع] «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ» ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُرْجَعَ إِلَى تَفْسِيرِهِ. انْتَهَى. وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ أَفْرَدَ، فَلَوْ قَالَ: زَنَتْ يَدُكَ فَقَذْفٌ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَكَذَا الْعَيْنُ فِي التَّرْغِيبِ، وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: لَا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ يَا زَانِي ابْنَ الزَّانِيَةِ، لَزِمَهُ حَدَّانِ، فَإِنْ تَشَاحَّا قُدِّمَ حَدُّ الِابْنِ، وَعَنْهُ: حَدٌّ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَتْ أُمُّهُ حَيَّةً فَقَدْ قَذَفَهَا مَعَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً فَقَدْ قَذَفَهُ وَحْدَهُ (وَإِنْ قَالَ زَنَأْتَ فِي الْجَبَلِ مَهْمُوزًا فَهُوَ صَرِيحٌ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ عَامَّةَ النَّاسِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْقَذْفَ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا) لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ طَلَعْتَ، وَعَلَيْهِمَا إِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الصُّعُودَ فِي الْجَبَلِ قُبِلَ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: فِي الْجَبَلِ) أَيْ: زَنَأْتَ (فَهَلْ هُوَ صَرِيحٌ، أَوْ كَالَّتِي قَبْلَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ صَرِيحٌ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ مَعَ عَدَمِ الْقَوْلِ فِي الْجَبَلِ يَتَمَحَّضُ الْقَذْفُ، وَقِيلَ: هُوَ كَالَّتِي قَبْلَهَا، أَحَدُهُمَا: يَكُونُ صَرِيحًا فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ وَالْعَالِمِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَالثَّانِي: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: لَا قَذْفَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهَا لَفْظَةُ عِلْقٍ، وَذَكَرَهَا شَيْخُنَا صَرِيحَةً، وَمَعْنَاهُ قَوْلُ ابْنِ رَزِينٍ: كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عُرْفًا. [أَلْفَاظُ الْقَذْفِ الْكِنَايَةُ] (وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ قَوْلَهِ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ فَضَحْتِهِ) أَيْ: بِشَكْوَاكِ (وَغَطَّيْتِ أَوْ نَكَّسْتِ رَأْسَهُ) أَيْ: حَيَاءً مِنَ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ (وَجَعَلْتِ لَهُ قُرُونًا) أَيْ: أَنَّهُ: مُسَخَّرٌ لَكَ مُطِيعٌ مُنْقَادٌ كَالثَّوْرِ (وَعَلَّقْتِ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: مِنْ زَوْجٍ آخَرَ، أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (وَأَفْسَدْتِ فِرَاشَهُ) أَيْ: بِالنُّشُوزِ، أَيْ: بِالشِّقَاقِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 يَا حَلَالُ يَا ابْنَ الْحَلَالِ مَا يَعْرِفُكَ النَّاسُ بِالزِّنَا، يَا عَفِيفُ، أَوْ يَا فَاجِرَةُ، يَا قَحْبَةُ، يَا خَبِيثَةُ، أَوْ يَقُولُ لِعَرَبِيٍّ: يَا نَبَطِيُّ، يَا فَارِسِيُّ، يَا رُومِيُّ، أَوْ يَسْمَعُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا، فَيَقُولُ: صَدَقْتَ، أَوْ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّكَ زَنَيْتَ، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ، فَهَذَا كُلُّهُ كِنَايَةٌ، إِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ غَيْرَ الْقَذْفِ، قُبِلَ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: جَمِيعُهُ صَرِيحٌ، وَإِنْ قَذَفَ أَهْلَ بَلْدَةٍ أَوْ جَمَاعَةً لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَبِمَنْعِ الْوَطْءِ (أَوْ يَقُولُ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: يَا حَلَالُ يَا ابْنَ الْحَلَالِ) لِأَنَّهُ كَذَلِكَ حَقِيقَةً، (مَا يَعْرِفُكَ النَّاسُ بِالزِّنَا) حَقِيقَةُ النَّفْيِ، أَيْ: مَا أَنْتَ بِزَانٍ وَلَا أُمُّكَ زَانِيَةٌ (يَا عَفِيفُ) كَوْنُهُ كَذَلِكَ حَقِيقَةً، وَكَذَا يَا نَظِيفُ، يَا خَنِيثُ بِالنُّونِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْبَاءِ (أَوْ يَا فَاجِرَةُ) أَيْ: كَوْنُهَا مُخَالِفَةً لِزَوْجِهَا فِيمَا يَجِبُ طَاعَتُهَا فِيهِ (يَا قَحْبَةُ) قَالَ السَّعْدِيُّ: قَحَبَ الْبَعِيرُ وَالْكَلْبُ: سَعَلَ، وَهِيَ فِي زَمَانِنَا الْمُعَدَّةُ لِلزِّنَا (يَا خَبِيثَةُ) وَهِيَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ خَبُثَ الشَّيْءُ فَهُوَ خَبِيثٌ (أَوْ يَقُولُ لِعَرَبِيٍّ: يَا نَبَطِيُّ) مَنْسُوبٌ إِلَى النَّبَطِ، وَهُمْ: قَوْمٌ يَنْزِلُونَ بِالْبَطَائِحِ بَيْنَ الْعِرَاقَيْنِ (يَا فَارِسِيُّ) مَنْسُوبٌ إِلَى فَارِسَ، وَهِيَ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ، وَأَهْلُهَا الْفُرْسُ، وَفَارِسٌ أَبُوهُمْ (يَا رُومِيُّ) نِسْبَةٌ إِلَى الرُّومِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الرُّومُ بْنُ عِيصُو بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (أَوْ يَسْمَعُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا، فَيَقُولُ: صَدَقْتَ) أَيْ: فِي غَيْرِ الْإِخْبَارِ الْمَذْكُورِ (أَوْ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّكَ زَنَيْتَ، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ) أَيْ: مُوَافِقٌ لِلْكَذِبِ، أَوْ مَا أَنَا بِزَانٍ، أَوْ مَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ (فَهَذَا كُلُّهُ كِنَايَةٌ إِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ غَيْرَ الْقَذْفِ) وَعَنْهُ بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ (قُبِلَ قَوْلُهَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ غَيْرَ الزِّنَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَهُوَ إِذَنْ فَسَّرَ الْكَلَامَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ، وَعَلَيْهِ يُعَزَّرُ (وَفِي الْآخَرِ: جَمِيعُهُ صَرِيحٌ) فَيُحَدُّ بِهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، وَذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ عَنِ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا، فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ بِظَاهِرِ الْحَالِ وَالِاسْتِعْمَالِ، فَعَلَى هَذَا: إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ، لَمْ يُقْبَلْ كَالزَّانِي، وَعَنْهُ: لَا يُحَدُّ إِلَّا بِنِيَّةٍ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، وَالْقَرِينَةُ كَكِنَايَةِ طَلَاقٍ، وَفِي التَّرْغِيبِ: هُوَ قَذْفٌ بِنِيَّةٍ، وَلَا يَحْلِفُ مُنْكِرُهَا، وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ بَاطِنًا، وَفِي لُزُومِ إِظْهَارِهَا وَجْهَانِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 جَمِيعِهِمْ، عُزِّرَ، وَلَمْ يُحَدَّ. وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ، فَهَلْ يُحَدُّ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: لَا حَدَّ بِالتَّعْرِيضِ، كَقَوْلِهِ: يَا حَلَالُ ابْنَ الْحَلَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ بِذَلِكَ حَدٌّ» ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ التَّعْرِيضَ بِالْخِطْبَةِ دُونَ التَّصْرِيحِ بِهَا، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَهِيَ أَظْهَرُهُمَا، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالَةِ خُصُومَةٍ، وَلَا وُجِدَتْ قرينة فَلَا يَكُونُ قَذْفًا (وَإِنْ قَذَفَ أَهْلَ بَلْدَةٍ أَوْ جَمَاعَةً لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْ جَمِيعِهِمْ) عَادَةً وَعُرْفًا (عُزِّرَ وَلَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ لَا عَارَ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِكَذِبِ الْقَاذِفِ، وَيُعَزَّرُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالزُّورِ، كَمَا لَوْ سَبَّهُمْ بِغَيْرِ الْقَذْفِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ، وَفِي الْمُغْنِي: لَا يَحْتَاجُ التَّعْزِيرُ إِلَى مُطَالَبَةٍ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يُعَزَّرُ حَيْثُ لَا حَدَّ. مَسَائِلُ: يُعَزَّرُ فِي: يَا كَافِرُ، يَا فَاجِرُ، يَا حِمَارُ، يَا تَيْسُ، يَا رَافِضِيُّ، يَا خَبِيثَ الْبَطْنِ، أَوِ الْفَرْجِ، يَا عَدُوَّ اللَّهِ، يَا ظَالِمُ، يَا كَذَّابُ، يَا خَائِنُ، يَا شَارِبَ الْخَمْرِ، يَا مُخَنَّثُ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: فَاسِقٌ كِنَايَةٌ، وَمُخَنَّثٌ تَعْرِيضٌ، وَيُعَزَّرُ فِي: قَرْنَانَ، وَقَوَّادٍ، وَسَأَلَهُ حَرْبٌ: عَنْ دَيُّوثٍ، فَقَالَ: يُعَزَّرُ، وَفِي الْمُبْهِجِ: دَيُّوثٌ قَذْفٌ لِامْرَأَتِهِ، وَمِثْلُهُ: كَشْخَانُ، وَقَرْطَبَانُ، وَيَتَوَجَّهُ فِي مَأْبُونٍ كَمُخَنَّثٍ، وَفِي الرِّعَايَةِ: لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ كِنَايَةٌ، وَإِنَّ مَنْ قَالَ لِظَالِمٍ ابْنِ ظَالِمٍ: جَبَرَكَ اللَّهُ وَرَحِمَ سَلَفَكَ، يُعَزَّرُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ 1 - (وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ، فَهَلْ يُحَدُّ) أَوْ يُعَزَّرُ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: يُعَزَّرُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ رَضِيَ بِقَذْفِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَذَفَ نَفْسَهُ. وَالثَّانِي: يُحَدُّ، لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ الْقَذْفُ، وَقَدْ وُجِدَ، وَقَوْلُهُ لَا أَثَرَ لَهُ، لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ وَالشَّرْحِ: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَهَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: بِكَ زَنَيْتُ، لَمْ تَكُنْ قَاذِفَةً، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِتَصْدِيقِهَا. وَإِذَا قُذِفَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ إِذَا كَانَتِ الْأُمُّ فِي الْحَيَاةِ، وَإِنْ قُذِفَتْ، وَهِيَ مَيِّتَةٌ: مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً، حُدَّ الْقَاذِفُ إِذَا طَالَبَ الِابْنُ، وَكَانَ حُرًّا مُسْلِمًا، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ   [المبدع في شرح المقنع] يَسْقُطُ بِالْإِذْنِ فِيهِ كَالزِّنَا، أَوْ لِآدَمِيٍّ فَيَسْقُطُ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي إِتْلَافِ مَالِهِ، وَيُعَزَّرُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا لَا حَدَّ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: بِكَ زَنَيْتُ، لَمْ تَكُنْ قَاذِفَةً) لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ فِيمَا قَالَ، فَلَمْ يَجِبْ حَدٌّ، كَمَا لَوْ قَالَتْ: صَدَقْتَ (وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِتَصْدِيقِهَا) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الزِّنَا مِنْهَا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ زَانِيًا، بِأَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَدٌّ، لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَإِنْ قَالَ: زَنَى بِكِ فُلَانٌ، فَقَدْ قَذَفَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ فِيهَا رِوَايَتَانِ: فَعَلَى أَنَّهَا لَمْ تَقْذِفْهُ، يَتَخَرَّجُ: لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَمْ يَقْذِفْهَا، لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مُكْرَهَةٌ أَوْ نَائِمَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ فِي الزَّوْجَةِ، وَلَوْ كَانَ قَوْلُهَا: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي، أَوْ زَنَيْتُ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي، فَقَدْ قَذَفَتْهُ، وَفِي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ، وَإِنْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ، قَالَتْ: بَلْ أَنْتَ زَانٍ، حُدَّا، وَعَنْهُ: لَا لِعَانَ، وَتُحَدُّ هِيَ فَقَطْ، وَهِيَ سَهْوٌ عِنْدَ الْقَاضِي (وَإِذَا قُذِفَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ إِذَا كَانَتِ الْأُمُّ فِي الْحَيَاةِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلتَّشَفِّي، فَلَا يَقُومُ فيه غير الْمُسْتَحِقُّ مَقَامَهُ كَالْقِصَاصِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا مَاتَتْ وَوَرَّثَتْ حَدَّ الْقَذْفِ فَلِوَارِثِهِ الْمُطَالَبَةُ إِذَنْ (وَإِنْ قُذِفَتْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ: مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً حُدَّ الْقَاذِفُ إِذَا طَالَبَ الِابْنُ، وَكَانَ حُرًّا مُسْلِمًا، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) لِأَنَّهُ قَدْحٌ فِي نَسَبِ الْحَيِّ، لِأَنَّهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ يَنْسُبُهُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، فَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْإِحْصَانُ فِيهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي أُمِّهِ، لِأَنَّ الْقَذْفَ لَهُ، وَشُرِطَ فِيهِ الطَّلَبُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنَ الْحُقُوقِ فَلَا يُسْتَوْفَى بِغَيْرِ طَلَبِ مُسْتَحِقِّهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَإِسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ، لِأَنَّ الْحَدَّ وَجَبَ لِلْقَدْحِ فِي نَسَبِهِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِ مَيِّتَةٍ) وَذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ فِي غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِمَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْمُطَالَبَةُ، أَشْبَهَ قَذْفَ الْمَجْنُونِ، أَوْ يُقَالُ: الْمَيِّتَةُ لَا تُعَيَّرُ، وَالْحَيُّ لَمْ يُقْدَحْ فِيهِ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ إِذَا قَذَفَ مَيِّتَ مُحْصَنٍ أَوْ لَا حُدَّ الْقَاذِفُ إِذَا طَالَبَ وَارِثٌ مُحْصَنٌ خَاصَّةً. فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْوَارِثُ عَبْدًا أَوْ مُشْرِكًا فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 412 بِقَذْفِ مَيِّتَةٍ. وَإِنْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ سَقَطَ الْحَدُّ. وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا. وَإِنْ قَذَفَ الْجَمَاعَةَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَحَدٌّ وَاحِدٌ، إِذَا طَالَبُوا، أَوْ وَاحِدٌ   [المبدع في شرح المقنع] حَدَّ، وَإِنْ قُذِفَتْ جَدَّتُهُ فَقِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ كَقَذْفِ أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ حَيَّةً، فَيُعْتَبَرُ إِحْصَانُهَا، وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا الْمُطَالِبَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ إِذَا كَانَ مُحْصَنًا، لِأَنَّهُ قَدْحٌ فِي نَسَبِهِ، وَإِنْ قَذَفَ أَبَاهُ، أَوْ أَحَدًا مِنْ أقاربه غير أُمَّهَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ (وَإِنْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ سَقَطَ الْحَدُّ) عَنِ الْقَاذِفِ إِذَا كَانَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَدِّ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ، يَجِبُ بِالْمُطَالَبَةُ كَالرُّجُوعِ فِيمَا وَهَبَ وَلَدَهُ وَكَالشَّفِيعِ، فَعَلَى هَذَا هُوَ حَقٌّ لِلْوَرَثَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: سِوَى الزَّوْجَيْنِ، وَفِي الْمُغْنِي: لِلْعَصَبَةِ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ حُدَّ الْبَاقِي كَامِلًا، وَقِيلَ: يَسْقُطُ. [حُكْمُ قَذْفِ أُمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا) يَعْنِي: أَنَّ حَدَّهُ الْقَتْلُ، وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْقَدْحِ فِي النُّبُوَّةِ الْمُوجِبِ لِلْكُفْرِ، وَعَنْهُ: إِنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، لِأَنَّ هَذَا مِنْهُ رِدَّةٌ، وَالْمُرْتَدُّ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا حَدُّ قَذْفٍ، فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَقَذْفِ غَيْرِ أُمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَ حَدُّهُ لَكَانَ أَخَفَّ حُكْمًا مِنْ قَذْفِ آحَادِ النَّاسِ، قَالَ فِي الْمَنْثُورِ: وَهَذَا كَافِرٌ قُتِلَ مِنْ سَبِّهِ، فَيُعَايَا بِهَا، فَلَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ فَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ كَقَذْفِ غَيْرِهَا، وَعَنْهُ: بَلَى، لِأَنَّهُ لَوْ سَبَّ اللَّهَ فِي كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ، فَأَمَّا فِي مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَقْبُولَةٌ، وَقَذْفُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَقَذْفِ أُمِّهِ، وَيَسْقُطُ سَبُّهُ بِالْإِسْلَامِ كَسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى. فَرْعٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَذْفُ نِسَائِهِ كَقَدْحِهِ فِي دِينِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَقْتُلْهُمْ، لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا قَبْلَ عِلْمِهِ بَرَاءَتَهَا، وَأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِإِمْكَانِ الْمُفَارَقَةِ، فَتَخْرُجُ بِهَا مِنْهُنَّ، وَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَسَأَلَهُ حَرْبٌ: رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ كَذَا وَكَذَا إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ؟ فَعَظَّمَهُ جِدًّا، وَقَالَ عَنِ الْحَدِّ: لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ شَيْءٌ، وَذَهَبَ إِلَى حَدٍّ وَاحِدٍ. [قَذْفُ الْجَمَاعَةِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ] (وَإِنْ قَذَفَ الْجَمَاعَةَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ) يُتَصَوَّرُ مِنْهُمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 مِنْهُمْ، وَعَنْهُ: إِنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ حُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا، وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ، حُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا. وَإِنْ حُدَّ لِلْقَذْفِ، فَأَعَادَهُ لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ الْحَدُّ.   [المبدع في شرح المقنع] الزِّنَا (فَحَدٌّ وَاحِدٌ إِذَا طَالَبُوا، أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) ثُمَّ لَا حَدَّ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ قَذْفِ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ، لِأَنَّ الْحَدَّ إِنَّمَا وَجَبَ بِإِدْخَالِ الْمَعَرَّةِ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِقَذْفِهِ، وَبِحَدٍّ وَاحِدٍ يُظْهِرُ كَذِبَ هَذَا الْقَاذِفِ وَنُزُولِ الْمَعَرَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ قَذْفًا مُفْرَدًا، فَإِنْ كَذَّبَهُ فِي قَذْفٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُهُ فِي الْآخَرِ، وَلَا تَزُولُ الْمَعَرَّةُ، فَإِنْ طَلَبُوهُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُقِيمَ الْحَدُّ، لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، فَأَيُّهُمْ طَلَبَ وَاسْتَوْفَى سَقَطَ، وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ الطَّلَبُ بِهِ، كَحَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى أَوْلِيَائِهَا فِي تَزْوِيجِهَا، وَإِنْ أَسْقَطَهُ أَحَدُهُمْ فَلِغَيْرِهِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ (وَعَنْهُ: إِنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ حُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا) لِأَنَّهُ إِذَا طَالَبَ وَاحِدٌ أَوَّلًا لَزِمَ إِقَامَةُ الْحَدِّ مِنْ أَجْلِهِ، ثُمَّ إِذَا طَلَبَ الْآخَرُ لَزِمَ أَيْضًا، وَعَنْهُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، لِأَنَّهُ قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَلَزِمَهُ لَهُ حَدٌّ كَامِلٌ، وَعَنْهُ: إِنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ، وَأَجْنَبِيَّةً تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ هُنَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، كَمَا لَوْ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ قَالَ: يَا نَاكِحَ أُمِّهِ، الرِّوَايَاتُ، وَنَصَّ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، يُطَالِبُهُ، قِيلَ: إِنَّمَا أَرَادَ أُمَّهُ قَالَ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَهُ؟ هَذَا قَصْدٌ لَهُ (وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ، حُدَّ لِكُلٍّ وَاحِدٍ حَدًّا) عَلَى الْأَصَحِّ كَالدُّيُونِ وَالْقِصَاصِ، وَعَنْهُ: إِنْ طَالَبُوا مُجْتَمِعِينَ فَحَدٌّ وَاحِدٌ، وَإِلَّا تَعَدَّدَ، وَعَنْهُ: حَدٌّ وَاحِدٌ مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ جَمَاعَةٍ، أَوْ زَنَى بِنِسَاءٍ، أَوْ شَرِبَ أَنْوَاعًا مِنَ الْمُسْكِرِ، فَلَوْ قَالَ: يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ، فَهُوَ قَذْفٌ لَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَا مَيِّتَيْنِ ثَبَتَ الْحَقُّ لِوَلَدِهِمَا، وَلَمْ يَجِبْ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ، وَإِنْ قَالَ: يَا زَانِي ابْنَ الزَّانِي، فَهُوَ قَذْفٌ لَهُمَا بِكَلِمَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ حَيًّا، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَدٌّ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَالظَّاهِرُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ (وَإِنْ حُدَّ لِلْقَذْفِ فَأَعَادَهُ لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِ الْحَدُّ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، لِأَنَّهُ حُدَّ بِهِ مَرَّةً، فَلَمْ يُحَدَّ بِهِ ثَانِيَةً بِخِلَافِ السَّرِقَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا تَعَدَّدَ قَذْفُهُ وَلَمْ يُحَدَّ فَحَدٌّ وَاحِدٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَتَعَدَّدُ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ لِعَانِهِ، فَنَقَلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 414 بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَيُسَمَّى خَمْرًا   [المبدع في شرح المقنع] حَنْبَلٌ: يُحَدُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمَذْهَبُ يُعَزَّرُ، وَعَلَيْهِمَا لَا لِعَانَ، وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: يُلَاعِنُ، إِلَّا أَنْ يَقْذِفَهَا بِزِنًا، لَاعَنَ عَلَيْهِ مَرَّةً، وَاعْتَرَفَتْ أَوْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُلَاعِنُ لِنَفْيِ تَعْزِيرٍ، وَلَوْ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ بَعْدَ حَدِّهِ فَرِوَايَاتٌ، ثَالِثُهَا: يُحَدُّ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ. فَرْعٌ: إِذَا تَابَ مِنْ زِنًا حُدَّ قَاذِفُهُ، وَقِيلَ: يُعَزَّرُ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحَدُّ بِزِنًا جَدِيدٍ، لِكَذِبِهِ يَقِينًا، بِخِلَافِ مَنْ سَرَقَ عَيْنًا ثَانِيَةً، فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ مَا وُجِدَ فِي الْأَوَّلَةِ، وَإِنْ قَذَفَ مَنْ أَقَرَّتْ بِهِ مَرَّةً، وَفِي الْمُبْهِجِ: أَرْبَعًا، أَوْ شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ، أَوْ شَهِدَ بِهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا، فَلَا لِعَانَ وَيُعَزَّرُ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا. مَسْأَلَةٌ: لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا إِعْلَامُهُ وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ، وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ، وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ، وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ بِهِ الْمَظْلُومُ، وَإِلَّا دَعَا لَهُ وَاسْتَغْفَرَ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ، وَتَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ عَلَى النَّاسِ، لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَمْ يُبَحْ، وَلَا يَصِحُّ إِسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَإِذْنُهُ فِي عِرْضِهِ كَإِذْنِهِ فِي قَذْفِهِ، وَهِيَ كَإِذْنِهِ فِي دَمِهِ وَمَالِهِ. [بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ] [حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ] بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ. الْمُسْكِرُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ: أَسْكَرَ الشَّرَابُ فَهُوَ مُسْكِرٌ، إِذَا جَعَلَ صَاحِبَهُ سَكْرَانَ، أَوْ كَانَ فِيهِ قُوَّةٌ يَفْعَلُ ذَلِكَ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السَّكْرَانُ خِلَافُ الصَّاحِي، وَالْجَمْعُ: سَكْرَى، وَسُكَارَى، بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا، وَالْمَرْأَةُ: سَكْرَى، وَلُغَةُ بَنِي أَسَدٍ: سَكْرَانَةٌ. وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ أَنَّهَا حَلَالٌ فَمَرْجُوعٌ عَنْهُ، نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَسَنَدَهُ قَوْله تَعَالَى: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ} [المائدة: 90] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» . وَفِي لَفْظٍ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ. (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أَسْكَرُ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ نَزَّلَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ، مِنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَبَاحَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ إِذَا طُبِخَ مَا دُونَ السُّكْرِ، قَالَ الْخَلَّالُ: فُتْيَاهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي الرُّخْصَةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: جَاءَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِأَحَادِيثَ مَعْلُولَةٍ، وَقِيلَ: إِنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «قَالَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» . مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ. مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالسُّكْرِ الْمُسْكِرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ (وَيُسَمَّى خَمْرًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» ، لِأَنَّ الْخَمْرَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، أَيْ: غَطَّاهُ وَسَتَرَهُ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ، وَحُكْمُ عصير غير الْعِنَبِ كَحُكْمِهِ، رُوِيَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 ، وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ وَلَا لِلتَّدَاوِي، وَلَا لِعَطَشٍ، وَلَا لِغَيْرِهِ، إِلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا،   [المبدع في شرح المقنع] وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدٍ، وَأُبَيٍّ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا طُبِخَ وَذَهَبَ ثُلُثَاهُ، وَنَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إِذَا طُبِخَ وَلَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ، وَنَبِيذُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، نَقِيعًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ - حَلَالٌ، إِلَّا مَا بَلَغَ السُّكْرَ، وَجَوَابُهُ: مَا رَوَتْ عَائِشَةُ مَرْفُوعًا: «مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَسَعِيدٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَظَاهِرُهُ: يَقْتَضِي أَنَّ الْحَشِيشَةَ لَا تُسْكِرُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» يَقْتَضِي أَنَّهَا تُسْكِرُ، قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: الْحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَةُ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي الْحَدِّ، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ كَالْبَنْجِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسْكِرُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ نَجِسَةً بِخِلَافِ الْبَنْجِ، وَجَوَّزَة الطَّيبُ: لِأَنَّهَا تُسْكِرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، كَالْخَمْرِ يُسْكِرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَالْبَنْجُ يُغَيِّبُ الْعَقْلَ وَيُسْكِرُ بِغَيْرِ الِاسْتِحَالَةِ، كَجَوْزَةِ الطَّيبِ (وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ) لِعُمُومِ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» (وَلَا لِلتَّدَاوِي) لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ: «أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ، أَوْ كَرِهَ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حَسَّانِ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِعَيْنِهِ فَلَمْ يَحِلَّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي، كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ (وَلَا لِعَطَشٍ) لِأَنَّهُ لَا يُذْهِبُهُ وَلَا يُزِيلُهُ وَلَا يَدْفَعُ مَحْذُورَهُ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ عَمَلًا بِالْأَدِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنَ الْمُعَارِضِ (وَلَا لِغَيْرِهِ إِلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا) فَيَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَخَافَ التَّلَفَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وَلِأَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ مَطْلُوبٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهَا، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا، فَوَجَبَ جَوَازُهُ تَحْصِيلًا لِحِفْظِ النَّفْسِ الْمَطْلُوبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 وَمَنْ شَرِبَهُ مُخْتَارًا عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ   [المبدع في شرح المقنع] حِفْظُهَا، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ بَوْلًا، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا مَاءً نَجِسًا (وَمَنْ شَرِبَهُ) وَهُوَ مُكَلَّفٌ (مُخْتَارًا عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ) وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ، وَكَذَا إِذَا ادَّعَى الْجَهَالَةَ بِإِسْكَارِ غَيْرِ الْخَمْرِ، أَوْ تحريمه أو بِوُجُودِ الْحَدِّ بِهِ، وَمَثَلُهُ يَجْهَلُهُ، صُدِّقَ وَلَمْ يُحَدَّ، وَكَذَا إِذَا شَرِبَهَا مُكْرَهًا لِحِلِّهِ لَهُ، وَعَنْهُ: لَا تَحِلُّ لَهُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَفِي حَدِّهِ رِوَايَتَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى حِلِّهِ لَهُ وَعَدَمِهِ، وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ فِعْلُهُ لِلْمُكْرَهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُرَخِّصُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ (قَلِيلًا كَانَ) مَا شَرِبَهُ (أَوْ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا جَلَدُوا شَارِبَهَا، وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ خَمْرٌ، فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، وَلِأَنَّهُ شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مَطْرِبَةٌ، فَوَجَبَ الْحَدُّ بِهِ كَالْكَثِيرِ، وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ احْتَقَنَ بِهَا فِي الْمَنْصُوصِ، كَمَا لَوْ اسْتَعَطَ أَوْ عَجَنَ بِهِ دَقِيقًا فَأَكَلَهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَوْ تَمَضْمَضَ حُدَّ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: إِنْ وَصَلَ جَوْفَهُ حُدَّ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَثْبُتُ بِعَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا، وَلَا يَسْتَفْسِرُهُمَا الْحَاكِمُ عَمَّا شَرِبَ، لِأَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ يُوجِبُ الْحَدَّ، فَدَلَّ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرَهُ الْحَاكِمُ مُوجِبًا اسْتَفْسَرَهُمَا (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلْهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى خَالِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بِالشَّامِ، وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الْمَشُورَةِ: إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ. رَوَاهُ الْجَوْزَجَانِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَجَوَّزَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَأَنَّهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 ثَمَانُونَ جَلْدَةً، وَعَنْهُ: أَرْبَعُونَ إِنْ كَانَ حُرًّا. وَالرَّقِيقُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الذِّمِّيَّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهَلْ يَجِبُ الْحَدُّ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَالْعَصِيرُ إِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَرُمَ، إِلَّا أَنْ يُغْلَى قَبْلَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَعَنْهُ: أَرْبَعُونَ إِنْ كَانَ حُرًّا) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُمَا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ «جَلَدَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. لَا يُقَالُ: فِعْلُ عُمَرَ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُجَّةٌ، لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ فَعَلَ الزِّيَادَةَ عَلَى أَنَّهَا تَعْزِيرٌ، يَجُوزُ فِعْلُهَا إِذَا رَآهَا الْإِمَامُ، وَضَرَبَ عَلِيٌّ النَّجَاشِيَّ بِشُرْبِهِ فِي رَمَضَانَ ثَمَانِينَ، ثُمَّ حَبَسَهُ، ثُمَّ عِشْرِينَ مِنَ الْغَدِ، نَقَلَ صَالِحٌ: أَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُغَلَّظُ عَلَيْهِ كَمَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: يُعَزَّرُ بِعَشَرَةٍ فَأَقَلَّ، وَفِي الْمُغْنِي: عَزَّرَهُ بِعِشْرِينَ لِفِطْرِهِ (وَالرَّقِيقُ) عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً (عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ) كَالزِّنَا وَالْقَذْفِ، فَكَذَا مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، فَعَلَى الْأُولَى: يُحَدُّ أَرْبَعِينَ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: عِشْرِينَ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (إِلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ، فَلَمْ يُحَدَّ بِفِعْلِهِ، كَنِكَاحِ الْمَجُوسِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، لِأَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا عَالِمًا بِهِ مُخْتَارًا، أَشْبَهَ شَارِبَ النَّبِيذِ إِذَا اعْتَقَدَ حِلَّهُ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعِنْدِي يُحَدُّ إِنْ سَكِرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَوْ رَضِيَ بِحُكْمِنَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمِ الِانْقِيَادَ فِي مُخَالَفَةِ دِينِهِ (وَهَلْ يَجِبُ الْحَدُّ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . أَظْهَرُهُمَا: لَا يَجِبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، فَعَلَى هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 ذَلِكَ، فَيَحْرُمُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَصِيرٍ يَتَخَمَّرُ   [المبدع في شرح المقنع] يُعَزَّرُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، كَحَاضِرٍ مَعَ مَنْ يَشْرَبُهَا، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُحَدُّ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ: وَهِيَ الْأَظْهَرُ عَنْهُ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، لِأَنَّ الرَّائِحَةَ تَدُلُّ عَلَى شُرْبِهِ لَهَا، فَجَرَى مَجْرَى الْإِقْرَارِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الرَّائِحَةَ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِهَا، أَوْ ظَنَّهَا مَاءً، أَوْ أَكَلَ نَبْقًا بَالِغًا، أَوْ شَرِبَ شَرَابَ تُفَّاحٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْهُ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَعْمَلُ لِقَطْعِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ: الْكَسْفَرَةُ، وَعِرْقُ الْبَنَفْسَجِ، وَالثُّومُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ قَوِيَّةٌ. فَرْعٌ: إِذَا وُجِدَ سَكْرَانَ أَوْ تَقَيَّأَ الْخَمْرَ، فَعَنْهُ: لَا حَدَّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ الْأَظْهَرُ، وَعَنْهُ: بَلَى، عَلَى الثَّانِيَةِ الَّتِي يُحَدُّ بِالرَّائِحَةِ، لِفِعْلِ عُثْمَانَ وَهُوَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. تَنْبِيهٌ: لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ إِلَّا بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ: إِمَّا الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ، أَوِ الْإِقْرَارُ، وَيَكْفِي مَرَّةً كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَعَنْهُ: مَرَّتَيْنِ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ بَقِيَّةَ الْحُدُودِ بِمَرَّتَيْنِ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ: بِمَرَّتَيْنِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَلِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إِتْلَافًا، بِخِلَافِ حَدِّ السَّرِقَةِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ حَدِّ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ إِلَّا بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْقَوَدِ، فَدَلَّ عَلَى رِوَايَةٍ فِيهِ، وَهَذَا مُتَّجَهٌ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. [مَتَى يَحْرُمُ الْعَصِيرُ] (وَالْعَصِيرُ إِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) زَادَ بَعْضُهُمْ: بِلَيَالِيهَا (حَرُمَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَشْرَبُهُ إِلَى مَسَاءِ ثَالِثَةٍ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى الْخَدَمَ، أَوْ يُهْرَاقُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَحَكَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَصِيرِ: أَشْرَبُهُ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ شَيْطَانُهُ، قِيلَ: وَفِي كَمْ يَأْخُذُهُ شَيْطَانُهُ، قَالَ: فِي ثَلَاثٍ، قَالَ أَحْمَدُ: فَإِذَا أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَلَا تَشْرَبْهُ، وَلِأَنَّ الشِّدَّةَ تَحْصُلُ فِي ثَلَاثٍ غَالِبًا (إِلَّا أَنْ يُغْلَى قَبْلَ ذَلِكَ فَيَحْرُمَ، نَصَّ عَلَيْهِ) إِذَا غَلَى الْعَصِيرُ وَقَذَفَ بِزَبَدِهِ فَلَا خِلَافَ، لِصِحَّةِ إِطْلَاقِ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: إِذَا غَلَى أَكْرَهُهُ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ، فَإِذَا أَسْكَرَ فَحَرَامٌ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِيمَا نَشَّ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَصِيرٍ يَتَخَمَّرُ فِي ثَلَاثٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 فِي ثَلَاثٍ غَالِبًا، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَ فِي الْمَاءِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا وَنَحْوَهُ، لِيَأْخُذَ مُلُوحَتَهُ، مَا لَمْ يَشْتَدَّ عَلَيْهِ، أَوْ يَأْتِ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ، وَلَا يُكَرَهُ الِانْتِبَاذُ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ   [المبدع في شرح المقنع] غَالِبًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» ، وَلِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ، وَذَلِكَ فِي الْمُسْكِرِ لَا غَيْرِهِ، وَأَجَابَ عَنْ إِطْلَاقِ أَحْمَدَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ عَصِيرٌ يَتَخَمَّرُ فِي ثَلَاثٍ غَالِبًا. فَرْعٌ: إِذَا طُبِخَ مِنْهُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ حَلَّ، إِنْ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ شُرْبِ الطِّلَى، فَقَالَ: إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ، قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّهُ يُسْكِرُ، فَقَالَ: لَا، لَوْ كَانَ يُسْكِرُ مَا أَحَلَّهُ عُمَرُ، وَجَعَلَ أَحْمَدُ وَضْعَ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ كَعَصِيرٍ، وَأَنَّهُ إِنْ صُبَّ فِيهِ خَلٌّ أُكِلَ (وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَ فِي الْمَاءِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا وَنَحْوُهُ، لِيَأْخُذَ مُلُوحَتَهُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ» (مَا لَمْ يَشْتَدَّ عَلَيْهِ، أَوْ يَأْتِ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ) تَمَامٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ صَارَ مُسْكِرًا، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إِذَا نَقَعَ زَبِيبًا أَوْ تَمْرَ هِنْدِيٍّ أَوْ عُنَّابًا وَنَحْوَهُ لِدَوَاءٍ غَدْوَةً وَشَرِبَهُ عَشِيَّةً، وَبِالْعَكْسِ، هَذَا نَبِيذٌ أَكْرَهَهُ، وَلَكِنْ يَطْبُخُهُ وَيَشْرَبُهُ عَلَى الْمَكَانِ، فَهَذَا لَيْسَ بِنَبِيذٍ، فَإِنْ غَلَى الْعِنَبُ وَهُوَ عِنَبٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ. فَرْعٌ: إِذَا سَكِرَ مِنَ النَّبِيذِ فَسَقَ، وَكَذَا إِنْ شَرِبَ قَلِيلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلَا يُكْرَهُ الِانْتِبَاذُ فِي الدُّبَّاءِ) وَهِيَ الْقَرْعَةُ الْيَابِسَةُ الْمَجْعُولَةُ وِعَاءً (وَالْحَنْتَمِ) وَهِيَ جِدَارٌ مَدْهُونَةٌ، وَاحِدَتُهَا حَنْتَمَةٌ (/ 117 وَالنَّقِيرِ) وَهُوَ أَصْلُ النَّخْلَةِ يُنْقَرُ، ثُمَّ يُنْبَذُ فِيهِ التَّمْرُ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ (وَالْمُزَفَّتِ) وَهُوَ الْوِعَاءُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ، نَوْعٌ مِنَ الْقَارِ، / 85 لِمَا رَوَى بُرَيْدَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَعَنْهُ: يُكْرَهُ) قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 وَالْمُزَفَّتِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ، وَهُوَ أَنْ يَنْبِذَ شَيْئَيْنِ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَلَا بَأْسَ بِالْفَقَّاعِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْخَلَّالُ: وَعَلَيْهَا الْعَمَلُ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الِانْتِبَاذِ فِيهَا» ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، ذَكَرَهَا فِي " الْهَدْيِ "، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ دَلِيلَهُ نَاسِخٌ، وَعَنْهُ: وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَوْعِيَةِ إِلَّا سِقَاءً يُوكَى حَيْثُ بَلَغَ الشَّرَابَ (وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ، وَهُوَ أَنْ يَنْبِذَ شَيْئَيْنِ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ) أَوِ الْمُذَنِّبُ وَحْدَهُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَنَأْخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ، وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ، فَنَطْرَحُهُمَا فِيهِ، ثُمَّ نَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، فَنَنْبِذُهُ غَدْوَةً، فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، وَنَنْبِذُهُ عَشِيَّةً، فَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. فَلَمَّا كَانَتْ مُدَّةُ الْإِنْبَاذِ قَرِيبَةً، وَهِيَ يَوْمٌ أَوْ لَيْلَةٌ، لَا يُتَوَهَّمُ الْإِسْكَارُ فِيهَا، فَعَلَى هَذَا: لَا يُكْرَهُ، وَيُكْرَهُ إِذَا كَانَ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُ إِفْضَاؤُهُ إِلَى الْإِسْكَارِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنِ الْخَلِيطَيْنِ» ، وَأَدْنَى أَحْوَالِ النَّهْيِ الْكَرَاهَةُ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ فِي التَّنْبِيهِ، لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّهْوِ، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَلْيُنْبَذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. و َعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ، اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي، مَا لَمْ يُحْتَمَلْ إِسْكَارُهُ، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ حَرَامٌ إِذَا اشْتَدَّ وَأَسْكَرَ، وَإِذَا لَمْ يُسْكِرْ لَمْ يَحْرُمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا بَأْسَ بِالْفَقَّاعِ) أَيْ: يُبَاحُ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لِأَنَّهُ لَا يُسْكِرُ، وَيَفْسَدُ إِذَا بَقِيَ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِسْكَارُ، وَإِنَّمَا يُتَّخَذُ لِهَضْمِ الطَّعَامِ، وَصِدْقِ الشَّهْوَةِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، ذَكَرَهَا فِي الْوَسِيلَةِ، وَالْمَذْهَبُ: الْأَوَّلُ، وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ شُرْبِ الْأَقْسِمَاءِ، فَأَجَابَ بِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مِنْ زَبِيبٍ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُبَاحُ شُرْبُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَا لَمْ تَشْتَدَّ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، أَمَّا مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ يُفْسِدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 422 بَابُ التَّعْزِيرِ وَهُوَ التَّأْدِيبُ. وَهُوَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، كَالِاسْتِمْتَاعِ   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ، فَلَوْ وُضِعَ فِيهِ مَا يُحَمِّضُهُ، كَالْخَلِّ وَاللَّيْمُونِ، كَمَا يُوضَعُ فِي الْفَقَّاعِ الْمُشَذَّبِ، فَهَذَا يَجُوزُ شُرْبُهُ مُطْلَقًا، فَإِنَّ حُمُوضَتَهُ تَمْنَعُهُ أَنْ يَشْتَدَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ التَّعْزِيرِ] [تَعْرِيفُ التعزير وَحُكْمُهُ] بَابُ التَّعْزِيرِ. التَّعْزِيرُ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ، يُقَالُ: عَزَّرْتُهُ، أَيْ: مَنَعْتُهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّأْدِيبُ، وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ تَعَاطِي الْقَبِيحِ، وَمِنْهُ: التَّعْزِيرُ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ، لِأَنَّهُ مَنْعٌ لِعَدُوِّهِ مِنْ أَذَاهُ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: يُقَالُ: عَزَّرْتُهُ وَوَقَّرْتُهُ، وَأَيْضًا أَدَّبْتُهُ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَهُوَ طَرِيقٌ إِلَى التَّوْقِيرِ، لِأَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ بِهِ وَصُرِفَ عَنِ الدَّنَاءَةِ حَصَلَ لَهُ الْوَقَارُ وَالنَّزَاهَةُ (وَهُوَ التَّأْدِيبُ) فَبَيَانٌ لِمَعْنَى التَّعْزِيرِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْنِي بِالْعُقُوبَةِ الْمَشْرُوعَةِ عَلَى جِنَايَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ هُنَا، قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَفِيهِ نَظَرٌ (وَهُوَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ) وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ عَنَى بِهِ فِعْلَ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكَ الْوَاجِبَاتِ فَاللَّفْظُ جَامِعٌ، وَإِنْ عَنَى فِعْلَ الْمُحَرَّمَاتِ فَقَطْ، فَغَيْرُ جَامِعٍ، بَلِ التَّعْزِيرُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ أَيْضًا، وَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَفْتَقِرُ إِلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِهَا، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ فِيهَا حَدٌّ وَلَا كَفَّارَةٌ وَجَبَ أَنْ يُشْرَعَ فِيهَا التَّعْزِيرُ، لِتَحْقِيقِ الْمَانِعِ مِنْ فِعْلِهَا، وَفِي الشَّرْحِ: هُوَ وَاجِبٌ إِذَا رَآهُ الْإِمَامُ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ التَّعْزِيرُ، وَعَنْهُ: يُعَزَّرُ الْمُكَلَّفُ نَدْبًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي تَعْزِيرِ رَقِيقِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَشَاهِدِ زُورٍ، وَفِي الْوَاضِحِ: فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْهَرُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فِي سَبِّ صَحَابِيٍّ كَحَدٍّ، وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ، وَقَوْلُنَا: وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، فَائِدَتُهُ فِي الظِّهَارِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، لَكِنْ يُقَالُ: يَجِبُ التَّعْزِيرُ فِيهِ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ لَيْسَتْ لِأَجْلِ الْفِعْلِ، بَلْ بَدَلُ النَّفْسِ الْفَائِتَةِ، فَأَمَّا نَفْسُ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ الْجِنَايَةُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَيَظْهَرُ هَذَا بِمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا، اسْتَحَقَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 الَّذِي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَسَرِقَةِ مَا لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، وَالْجِنَايَةِ عَلَى النَّاسِ بِمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَالْقَذْفِ بِغَيْرِ الزِّنَا وَنَحْوِهِ، وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] التَّعْزِيرَ، وَلَا كَفَّارَةَ، وَلَوْ أَتْلَفَ بِلَا جِنَايَةٍ محرمة لَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ بِلَا تَعْزِيرٍ، وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُجَامِعِ فِي الصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ، لَا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ، إِذْ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهَا، لِأَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ الْحِنْثُ، وَيَمِينُ الْغَمُوسِ كَذْبَةٌ نُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْحِنْثِ، وَسَبَبُ التَّعْزِيرِ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ إِقْدَامُهُ عَلَى الْحَلِفِ كَذِبًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ التَّعْزِيرِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَجَبَ، وَمَا لَمْ يَكُنْ وَرَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَجَبَ كَالْحَدِّ، وَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ جَازَ لِلْأَخْبَارِ، وَإِنْ كَانَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ فَطَلَبَهُ لَزِمَهُ إِجَابَتُهُ، وَفِي الْكَافِي: يَجِبُ التَّعْزِيرُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَرَدَ الْخَبَرُ فِيهِمَا، وَمَا عَدَاهُمَا إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا مُعْتَرِفًا قَدْ أَظْهَرَ النَّدَمَ وَالْإِقْلَاعَ جَازَ تَرْكُ تَعْزِيرِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ، وَقَالَ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ: إِلَّا إِذَا شَتَمَ نَفْسَهُ أَوْ سَبَّهَا، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مُطَالَبَةٍ (كَالِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَهُ سَيِّئَةً (وَإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا أَتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَهُمَا زَانِيَتَانِ» (وَسَرِقَةِ مَا لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ) لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» (وَالْجِنَايَةِ عَلَى النَّاسِ بِمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ) لِأَنَّهُ تَعَدٍّ عَلَى الْغَيْرِ، أَشْبَهَ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ، لَا يُقَالُ: الْقِيَاسُ يقتضي مشروعية الْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَالتَّقْدِيرُ خِلَافُهُ، لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَقْتَضِي الْإِيجَابَ مُطْلَقًا، تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ (وَالْقَذْفِ بِغَيْرِ الزِّنَا) بِأَنْ يَرْمِيَهُ بِالْكَذِبِ، أَوْ بِالْفِسْقِ، فَعَلَى هَذَا: إِنْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ عُزِّرَا، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ، فَدَلَّ أَنَّ مَا رَآهُ تَعَيَّنَ، فَلَا يُبْطِلُهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ قَدْرُ تَعْزِيرِ عَيْنِهِ (وَنَحْوِهِ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ لِآخَرَ: يَا خَبِيثُ، قَالَ: هُوَ فَاسِقٌ، فِيهِ تَعْزِيرٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ إِمَّا جِنَايَةٌ عَلَى الشَّرْعِ، أَوْ عَلَى آدَمِيٍّ، وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْآدَمِيِّ عَمْدًا مُحَرَّمَةٌ وَفَاعِلُهَا مُقْدِمٌ عَلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَذَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ وَاجِبًا كَالْحَدِّ (وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ فَعَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ أَحَلَّتْهَا لَهُ، فَيُجْلَدَ مِائَةً، وَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِبَاحَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَا يُزَادُ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] الْحَدُّ) لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ فِي غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا مِلْكٍ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَوَطْءِ أمة غير زَوْجَتِهِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ أَحَلَّتْهَا لَهُ فَيُجْلَدُ مِائَةً) وَلَا رَجْمَ وَلَا تَغْرِيبَ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ: «أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُنَيْنٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَرُفِعَ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ، فَقَالَ: لِأَقْضِيَنَّ فِيكَ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَكَ جَلَدْتُكَ مِائَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَكَ رَجَمْتُكَ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْهُ، فَقَالَ: أَنَا أَتَّقِي هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا حَبِيبَ بْنَ سَالِمٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَعَنْهُ: يُعَزَّرُ مِائَةً إِلَّا سَوْطًا، وَعَنْهُ يُعَزَّرُ بِعَشْرٍ (وَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: يَلْحَقُهُ، جَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ كَوَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا فِي مِلْكٍ، وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ، أَشْبَهَ الزِّنَا الْمَحْضَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ ظَنَّ جَوَازَهُ لَحِقَهُ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ فِيهِ، وَفِي حَدِّهِ، وَعَنْهُ: يُحَدُّ فَلَا يَلْحَقُهُ لِعَدَمِ حِلِّهَا، وَلَوْ ظَنَّ حِلَّهَا، نَقَلَهُ مُهَنَّا (وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِبَاحَةِ) لِعُمُومِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي (فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ) وَهُوَ إِبَاحَةُ الزَّوْجَةِ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ هُنَا لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ. تَنْبِيهٌ: نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِيمَنْ زَنَى صَغِيرًا، لَمْ يَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي صَبِيٍّ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِي، لَيْسَ قَوْلُهُ شَيْئًا، وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ: أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أن غير الْمُكَلَّفُ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا، وَكَذَا الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى مَا فَعَلَ لِيَنْزَجِرَ، لَكِنْ لَا عُقُوبَةَ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ، وَفِي الْوَاضِحِ: مَنْ بَلَغَ عَشْرًا صَلُحَ تَأْدِيبُهُ فِي تَعْزِيرٍ عَلَى طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ، وَمِثْلُهُ زِنَاهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ فِي الْغِلْمَانِ، يَتَمَرَّدُونَ لَا بَأْسَ بِضَرْبِهِمْ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ مِثْلُ أَنْ يَظْلِمَ صَبِيٌّ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونٌ مَجْنُونًا، أَوْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً، فَيُقْتَصُّ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 عَشْرِ جَلَدَاتٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» وَعَنْهُ: مَا كَانَ سَبَبُهُ الْوَطْءَ، كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهِمَا؟ ضُرِبَ مِائَةً، وَيُسْقِطُ عَنْهُ النَّفْيُ. وَكَذَلِكَ يَتَخَرَّجُ فِيمَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الظَّالِمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ زَجْرٌ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ، لَكِنْ لِاشْتِفَاءِ الْمَظْلُومِ وَأَخْذِ حَقِّهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: يُفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا يَخْلُو عَنْ رَدْعٍ وَزَجْرٍ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ذَلِكَ لِلْعَدْلِ بَيْنَ خَلْقِهِ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْقِصَاصُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالشَّجَرِ وَالْعِيدَانِ جَائِزٌ شَرْعًا بِإِيقَاعِ مِثْلِ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا، وَكَمَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ فِي الْقِصَاصِ مِنَ الْحَجَرِ: لِمَ نَكَبَ أُصْبُعَ الرَّجُلِ؟ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْقِصَاصُ مُوَافِقٌ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ (وَلَا يُزَادُ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى عَشْرِ جَلَدَاتٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُرَادُ عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: إِلَّا فِي مُحَرَّمٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْهُ: يُتْبَعُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَعَنْهُ: لَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَدْنَى حَدٍّ مَشْرُوعٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَبْلُغَ بِكُلِّ جِنَايَةٍ حَدًّا مَشْرُوعًا فِي جِنْسِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى حَدِّ غَيْرِ جِنْسِهَا (وَعَنْهُ: مَا كَانَ سَبَبُهُ الْوَطْءَ، كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهِمَا) كَجَارِيَةِ وَلَدِهِ أَوْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَالْمُحَرَّمَةِ بِرَضَاعٍ وَمَيْتَةٍ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ (ضَرْبُ مِائَةٍ) لِمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ فِي وَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ بِإِذْنِهَا، فَيَتَعَدَّى إِلَى وَطْءِ أَمَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ فِي أَمَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا: يُجْلَدُ الْحَدَّ إِلَّا سَوْطًا. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى عَشْرٍ فَأَقَلَّ، إِلَّا فِي وَطْءِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ، فَيُعَزَّرُ حُرٌّ بِمِائَةٍ إِلَّا سَوْطًا، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ، لِحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ (وَيَسْقُطُ عَنْهُ النَّفْيُ) أَيْ: يُضْرَبُ مِائَةَ جَلْدَةٍ بِلَا نَفْيٍ، وَلَهُ نَقْصُهُ، وَيُرْجَعُ فِي أَقَلِّهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، مَعَ أَنَّهُ اخْتَارَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ لِلْحَاجَةِ، وَأَنَّهُ يُقْتَلُ مُبْتَدِعٌ دَاعِيَةٌ، وَنَقَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْأُطْرُوشُ فِي الدُّعَاةِ مِنَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 أَتَى بَهِيمَةً، وَغَيْرُ الْوَطْءِ لَا يُبْلَغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ. وَمَنِ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ عُزِّرَ، وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا مِنَ الزِّنَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْجَهْمِيَّةِ، وَعَنْ أَحْمَدَ، وَكَذَا كُلُّ وَطْءٍ فِي فَرْجٍ، وَهِيَ أَشْهَرُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَعَنْهُ: أَوْ دُونَهُ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عَلِيًّا وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ فِي لِحَافِهَا، فَضَرَبَهُ مِائَةً، وَالْعَبْدُ بِخَمْسِينَ إِلَّا سَوْطًا (وَكَذَلِكَ يَتَخَرَّجُ فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً) إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَا يُحَدُّ، بَلْ يُعَزَّرُ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ أَشْبَهَ وَطْءَ أَمَةِ امْرَأَتِهِ (وَغَيْرُ الْوَطْءِ لَا يُبْلَغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنَ الْمُعْتَدِينَ» . وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: لَا يُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ أَدْنَى الْحُدُودِ. تَنْبِيهٌ: التَّعْزِيرُ يَكُونُ بِضَرْبٍ، وَحَبْسٍ، وَتَوْبِيخٍ، وَقِيلَ: فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَلَا يَقْطَعُ عُضْوًا، وَلَا يَجْرَحُهُ، وَلَا يَأْخُذُ مَالَهُ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ مُسْتَحِقُّ الْحَدِّ سَقَطَ مَعَه التَّعْزِيرِ، وَإِنْ عَفَا مُسْتَحِقُّ التَّعْزِيرِ لَمْ يَسْقُطْ. فَائِدَةٌ: مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ حَتَّى بِعَيْنِهِ حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، قَالَ الْقَاضِي: لِلْوَالِي فِعْلُهُ، وَفِي التَّرْغِيبِ: لِلْإِمَامِ حَبْسُ الْعَائِنِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقْتَلَ إِذَا كَانَ يَقْتُلُ بِهَا غَالِبًا، وَفِيهِ نَظَرٌ. [حُكْمُ الِاسْتِمْنَاءِ] (وَمَنِ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) حَرُمَ، وَ (عُزِّرَ) لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ فِي جُزْئِهِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يُعْجِبُنِي بِلَا ضَرُورَةٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَأْمُرُونَ فِتْيَانَهُمْ أَنْ يَسْتَعِفُّوا بِهِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ مُطْلَقًا، وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، (وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا مِنَ الزِّنَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى بَدَنِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَفِعْلُهُ خَوْفًا عَلَى دِينِهِ أَوْلَى، وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نِكَاحٍ، وَلَوْ أَمَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، فَتَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِثْلَ الذَّكَرِ، وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ وَعَدَمُ الْقِيَاسِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 بَابٌ، الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِسَبْعَةِ أَشْيَاءَ، أَحَدُهَا: السَّرِقَةُ، وَهِيَ: أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِفَاءِ، وَلَا قَطْعَ عَلَى مُنْتَهِبٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ، وَلَا غَاصِبٍ، وَلَا خَائِنٍ، وَلَا جَاحِدِ وَدِيعَةٍ،   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: لَوِ اضْطُرَّ إِلَى جِمَاعٍ، وَلَيْسَ مَنْ يُبَاحُ وَطْؤُهَا، حُرِّمَ الْوَطْءُ اتِّفَاقًا [بَاب الْقَطْع فِي السَّرِقَةِ] [شُرُوطُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِفَاءِ] بَابٌ، الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فصاعدا» إِلَى غَيْرِهِ مِنَ النُّصُوصِ (وَلَا يَجِبُ) الْقَطْعُ (إِلَّا بِسَبْعَةِ أَشْيَاءَ) يَأْتِي حُكْمُهَا. (أَحَدُهَا: السَّرِقَةُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ، فَإِذَا لَمْ تُوجَدِ السَّرِقَةُ لَمْ يَكُنِ الْفَاعِلُ سَارِقًا (وَهِيَ: أَخْذُ الْمَالِ) أَيِ: الْمُحْتَرَمِ (عَلَى وَجْهِ الِاخْتِفَاءِ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى السَّرِقَةِ، وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ، وَمُسَارَقَةُ النَّظَرِ، إِذَا كَانَ يَسْتَخْفِي بِذَلِكَ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ، وَبِتَحْرِيمِهِ مِنْ مَالِكِهِ، أَوْ نَائِبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي الِانْتِصَارِ: وَلَوْ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَالْأَصَحُّ: وَلَوْ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ، وَلَيْسَ مِنْ مُسْتَحَقِّهِ، وَهُوَ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ، وَعَنْهُ: أَوْ مُكْرَهٌ (وَلَا قَطْعَ عَلَى مُنْتَهِبٍ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُنْتَهِبِ قَطْعٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، (وَلَا مُخْتَلِسٍ، وَلَا غَاصِبٍ، وَلَا خَائِنٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ وَالْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 428 وَلَا عَارِيَّةٍ، وَعَنْهُ: يُقْطَعُ جَاحِدُ الْعَارِيَّةِ، وَيُقْطَعُ الطَّرَّارُ، وَهُوَ: الَّذِي يَبُطُّ الْجَيْبَ، وَغَيْرَهُ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ، وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ.   [المبدع في شرح المقنع] يَسْمَعْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَلِأَنَّ الِاخْتِلَاسَ نَوْعٌ مِنَ النَّهْبِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْخَائِنِ، وَالْمُخْتَلِسِ فَالْغَاصِبُ أَوْلَى، وَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: يُقْطَعُ، لِأَنَّهُ يَسْتَخْفِي بِأَخْذِهِ، فَيَكُونُ سَارِقًا، وَالْمَنْقُولُ عَنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ خِلَافُهُ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ، وَلَا مُنْتَهِبٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ (وَلَا جَاحِدِ وَدِيعَةٍ) وِفَاقًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «لَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ» لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَارِقٍ (وَلَا عَارِيَّةٍ) ، وَلَا غَيْرِهَا مِنَ الْأَمَانَاتِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (وَعَنْهُ: يُقْطَعُ جَاحِدُ الْعَارِيَّةِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَالْكَوْسَجِ، وَالْخُوَارِزْمِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَجَزَمَ بِهَا ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَنَصَرَهَا الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: هُوَ حُكْمٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ يَدْفَعُهُ شَيْءٌ، وَالْأُولَى أَصَحُّ، وَالْمَرْأَةُ إِنَّمَا قُطِعَتْ يَدُهَا لِسَرِقَتِهَا، لَا لِجُحُودِهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» . وَإِنَّمَا عَرَّفَتْهَا عَائِشَةُ بِجَحْدِهَا الْعَارِيَّةَ، لِشُهْرَتِهَا بِذَلِكَ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مُوَافَقَةٌ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، وَالْقِيَاسِ، وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، فَيَكُونُ أَوْلَى (وَيُقْطَعُ الطَّرَّارُ، وَهُوَ: الَّذِي يَبُطُّ الْجَيْبَ، وَغَيْرَهُ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 429 فَصْلٌ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا مُحْتَرَمًا، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْفَاكِهَةِ، وَالْبِطِّيخِ، أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ ثَمِينًا كَالْمَتَاعِ، وَالذَّهَبِ، أَوْ غَيْرَ ثَمِينٍ كَالْخَشَبِ،   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِفَاءِ، أَشْبَهَ السَّارِقَ، وَسَوَاءٌ بَطَّ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَوْ قَطَعَهُ، فَأَخَذَهُ، فَعَلَى هَذَا: لَوْ بَطَّ جَيْبَهُ، فَسَقَطَ مِنْهُ نِصَابٌ، فَأَخَذَهُ قُطِعَ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَارِقًا كَالْمُخْتَلِسِ. [الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا مُحْتَرَمًا] فَصْلٌ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا) لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا حُرْمَةَ لَهُ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ قَطْعٌ، وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ غَيْرَ الْمَالِ لَا يُسَاوِي الْمَالَ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، لَا يُقَالُ: الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ، مُقَيَّدَةٌ بِهِ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، فَعَلَى هَذَا: لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ كَلْبٍ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّمًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا بِحُرٍّ لِمَا يَأْتِي (مُحْتَرَمًا) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ، تَجُوزُ سَرِقَتُهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَجَوَازُ الْأَخْذِ مِنْهُ يَنْفِي وُجُوبَ الْقَطْعِ (سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْفَاكِهَةِ وَالْبِطِّيخِ، أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ ثَمِينًا كَالْمَتَاعِ وَالذَّهَبِ، أَوْ غَيْرَ ثَمِينٍ كَالْخَشَبِ وَالْقَصَبِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الثَّمَرِ: «مَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ أُتْرُجَّةً فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَأَمَرَ عُثْمَانُ أَنْ تُقَوَّمَ، فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ بِدِينَارٍ، فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: هِيَ الْأُتْرُجَّةُ الَّتِي يَأْكُلُهَا النَّاسُ، وَلِأَنَّ هَذَا مَالٌ يُتَمَوَّلُ عَادَةً، وَيُرْغَبُ فِيهِ، فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ كَالْمُجَفَّفِ، وَسَوَاءٌ كَانَ أَصْلُهُ الْإِبَاحَةَ، أَوْ لَا، حَتَّى أَحْجَارٌ، وَلَبَنٌ، وَنَوْرَةٌ، وَفَخَّارٌ، وَزُجَاجٌ، وَمِلْحٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ: وَسِرْجِينٌ طَاهِرٌ، وَالْأَظْهَرُ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 430 وَالْقَصَبِ. وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ، وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ حُرٍّ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَعَنْهُ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الصَّغِيرِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْطَعُ، فَسَرَقَهُ وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ، فَهَلْ   [المبدع في شرح المقنع] وَثَلْجٌ، وَفِي مَاءٍ وَجْهَانِ، وَفِي الْوَاضِحِ: فِي صَيْدِ مَمْلُوكٍ مُحْرَزٍ رِوَايَتَانِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا قَطْعَ فِي طَيْرٍ، لِإِبَاحَتِهِ أَصْلًا، قَالَ فِي الْفُصُولِ: قَالَ شَيْخُنَا: لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إِذْ كَلُّ الْأَمْوَالِ كَذَلِكَ، وَعِنْدِي أَنَّ قَصْدَ الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ فِي الْأَصْلِ، كَالصُّيُودِ، وَمَا شَاكَلَهَا، لَا قَطْعَ فِيهَا، وَفِي الرَّوْضَةِ: إِنْ لَمْ يُتَمَوَّلْ عَادَةً، كَمَاءٍ، وَكَلَإٍ مُحْرَزٍ، فَلَا قَطْعَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مَمْلُوكًا، تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا أَشْبَهَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ، وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ، لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَفْهَمُ، وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ سَيِّدِهِ، وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا عَاقِلًا لَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَائِمًا، أَوْ مَجْنُونًا لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ سَيِّدِهِ، وَغَيْرِهِ فِي الطَّاعَةِ، فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ، كَأَعْجَمِيٍّ لَا يُمَيِّزُ، وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا، وَفِي الشَّرْحِ: إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ فِي حَالِ نَوْمِهِ، أَوْ جُنُونِهِ، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَوَجْهَانِ، وَفِي الْكَافِي: لَا يُقْطَعُ كَبِيرٌ، أَكْرَهُهُ، وَفِي التَّرْغِيبِ فِي عَبْدٍ نَائِمٍ وَسَكْرَانَ: وَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا سَرَقَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يُقْطَعْ بِخِلَافِ مَالِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَيِّدَهُ هُوَ السَّارِقُ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ حُرٍّ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، أَشْبَهَ الْكَبِيرَ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الصَّغِيرِ) كَالْمَجْنُونِ، لِأَنَّهُ مَسْرُوقٌ، أَشْبَهَ الْمَالَ وَالْبَهِيمَةَ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ كَالْكَبِيرِ النَّائِمِ (فَإِنْ قُلْنَا: لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 431 يُقْطَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُصْحَفٍ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ، وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سَائِرِ كُتُبِ الْعِلْمِ، وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ، وَلَا مُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ. وَإِنْ سَرَقَ إِنَاءً فِيهِ خَمْرٌ، أَوْ صَلِيبًا، أَوْ صَنَمَ ذَهَبٍ، لَمْ يُقْطَعْ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ.   [المبدع في شرح المقنع] يُقْطَعُ، فَسَرَقَهُ، وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ) أَوْ ثِيَابٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا (فَهَلْ يُقْطَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ: لَا قَطْعَ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ، أَشْبَهَ ثِيَابَ الْكَبِيرِ، وَلِأَنَّ يَدَ الصَّبِيِّ عَلَى مَا عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا يُوجَدُ مَعَ اللَّقِيطِ يَكُونُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْكَبِيرُ نَائِمًا عَلَى مَتَاعٍ فَسَرَقَهُ وَثِيَابَهُ، لَمْ يُقْطَعْ، لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: يُقْطَعُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَكَمَا لَوْ سَرَقَهُ مُفْرَدًا (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُصْحَفٍ) فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ) ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَالْأَخْبَارِ، وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ، وَالْفِقْهِ، وَقِيلَ: إِنْ سَرَقَهُ ذِمِّيٌّ قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَهُ مُسْلِمٌ فَوَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْطَعُ، وَعَلَيْهِ حِلْيَةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا، فَوَجْهَانِ (وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سَائِرِ كُتُبِ الْعِلْمِ) الْمُبَاحَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ حَقِيقَةً وَشَرْعًا، وَقِيلَ: إِنْ سَرَقَ كِتَابَ فِقْهٍ، أَوْ حَدِيثٍ يَحْتَاجُهُ لَمْ يُقْطَعْ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إِلَّا بِسَرِقَةِ دَفَاتِرِ الْحِسَابِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ كُتُبِ الْبِدَعِ وَالتَّصَاوِيرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ) كَطُنْبُورٍ، وَمِزْمَارٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مُفَصَّلًا نِصَابًا، لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ إِجْمَاعًا، فَلَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ كَالْخَمْرِ، وَقِيلَ: إِنْ سَرَقَهُ وَكَسَرَهُ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِلَّا قُطِعَ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: لَا قَطْعَ، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ، أَشْبَهَ الْخَشَبَ وَالْأَوْتَارَ، وَالثَّانِي، وَقَالَهُ الْقَاضِي: يُقْطَعُ، لِأَنَّهُ سرق نصابا مِنْ حِرْزٍ، أَشْبَهَ الْمُفْرَدَ، (وَلَا مُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ) ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ سَرَقَهُ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ، لِأَنَّهَا عَيْنٌ مُحَرَّمَةٌ، فَلَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهَا كَالْخِنْزِيرِ، وَلِأَنَّ مَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنَ الذِّمِّيِّ، كَالدَّمِ، وَعَنْهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ سَرِقَةً، وَفِي التَّرْغِيبِ مِثْلُهُ فِي إِنَاءِ نَقْدٍ، وَفِي الْفُصُولِ فِي قُضْبَانِ الْخَيْزُرَانِ وَمَخَادِّ الْجُلُودِ الْمُعَدَّةِ لِلصُّوفِيَّةِ: يُحْتَمَلُ كَآلَةِ لَهْوٍ، وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ (وَإِنْ سَرَقَ إِنَاءً فِيهِ خَمْرٌ) لَمْ يُقْطَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 432 فَصْلٌ، الثَّالِثُ: أَنْ يَسْرِقَ نِصَابًا، وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ مِنَ الذَّهَبِ   [المبدع في شرح المقنع] لَا قَطْعَ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ شَيْئًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، بِحَيْثُ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ بالشركة نصابا، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَوْ سَرَقَ إِنَاءً فِيهِ مَاءٌ أَوْ خَمْرٌ لَمْ يُقْطَعْ، عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، (أَوْ صَلِيبًا أَوْ صَنَمَ ذَهَبٍ) ، أَوْ فِضَّةٍ، وَعِبَارَةُ الْفُرُوعِ: أَوْ صَنَمَ نَقْدٍ، وَهِيَ أَوْلَى (لَمْ يُقْطَعْ) ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَوَجْهُهُمَا مَا سَبَقَ فِي سَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَسَرَ آلَةَ النَّقْدَيْنِ بِكُلِّ وَجْهٍ، لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ عَنِ النِّصَابِ، وَلِأَنَّهُمَا جَوْهَرَانِ يَغْلِبَانِ عَلَى الصَّنْعَةِ، وَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَكَذَا يُقْطَعُ بِإِنَاءِ نَقْدٍ بِهَا تَمَاثِيلُ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَقْصِدْ إِنْكَارًا. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَبْلُغَ الْمَسْرُوقُ نِصَابًا] فَصْلٌ (الثَّالِثُ أَنْ يَسْرِقَ نِصَابًا) فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةٍ دُونَ النِّصَابِ فِي قَوْلِهِمْ إِلَّا الْحَسَنَ، وَابْنَ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْقَلِيلِ كَالْكَثِيرِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَجَوَابُهُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فصاعدا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ. وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ» مَحْمُولٌ عَلَى حَبْلٍ، أَوْ بَيْضَةٍ تَبْلُغُ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْضَةِ بَيْضُ النَّعَامِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) لِأَنَّ غَيْرَهَا يُقَوَّمُ بِهَا لِمَا يَأْتِي، فَلَأَنْ يُقْطَعَ بِهَا نَفْسِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْعُرُوضِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِيهِ عَلَى أَنَّ الْعَرَضَ يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ، لِأَنَّ الْمِجَنَّ قُوِّمَ بِهَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ يُقَوَّمُ بِالذَّهَبِ، فَلِأَنَّ مَا كَانَ الْوَرِقُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 433 وَالْعُرُوضِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ رُبْعُ دِينَارٍ، أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ: لَا تُقَوَّمُ الْعُرُوضُ إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ. وَإِذَا سَرَقَ نِصَابًا، ثُمَّ نَقَصَتْ   [المبدع في شرح المقنع] فِيهِ أَصْلًا كَانَ الذَّهَبُ فِيهِ أَصْلًا، كَنِصَابِ الزَّكَاةِ، وَالدِّيَاتِ، وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ مِجَنًّا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، فَقَطَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأُتِيَ عُثْمَانُ بِرَجُلٍ سَرَقَ أُتْرُجَّةً، فَبَلَغَتْ قِيمَتُهَا رُبْعَ دِينَارٍ، فَقُطِعَ، وَقَالَ عَلِيٌّ: فَمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً، فَلَوْ كَانَتْ مَغْشُوشَةً فَلَا، خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِيهَا (وَعَنْهُ: أَنَّهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ رُبْعُ دِينَارٍ، أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا) نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي: أَنَّهَا أَوْلَى، وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، لِخَبَرِ عَائِشَةَ، وَلِقَوْلِهِ: «اقْطَعُوا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، لَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ» وَكَانَ رُبْعُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَالدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. قَوْلُهُ: " يَبْلُغُ " إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: يَسْرِقُ عَرَضًا قِيمَتُهُ كَأَحَدِهِمَا، (وَعَنْهُ: لَا تُقَوَّمُ الْعُرُوضُ إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ) لِأَنَّ التَّقْوِيمَ حَصَلَ بِهَا لَا بِالذَّهَبِ، وَاخْتُلِفَ فِي الذَّهَبِ، هَلْ هُوَ أَصْلٌ فِي الْقَطْعِ نَفْسِهِ؟ فَعَنْهُ: نَعَمْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ: لَا، فَعَلَى هَذِهِ يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ، فَمَا سَاوَى مِنْهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ رُبْعَ دِينَارٍ، وَمَا لَا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، لَمْ يُقْطَعْ بِهِ، وَإِنْ بَلَغَ رُبْعَ دِينَارٍ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: أَقَلُّهُ رُبْعُ دِينَارٍ، فَلَوْ كَانَ دُونَهَا، وَيُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، لَمْ يُقْطَعْ، وَعَلَى هَذَا: هُوَ أَصْلٌ فِي التَّقْوِيمِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْمُؤَلِّفِ، لِأَنَّهُ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ، فَكَانَ التَّقْوِيمُ بِهِ كَالْآخَرِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَيْسَ بِأَصْلٍ، وَإِنَّمَا الْأَصْلُ الدَّرَاهِمُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: مَتَى بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ أَدْنَى النِّصَابَيْنِ قُطِعَ، وَعَلَى الْأُخْرَى: الِاعْتِبَارُ بِالدَّرَاهِمِ فَقَطْ، وَفِي تَكْمِيلِهِ بِضَمٍّ مِنَ النَّقْدَيْنِ وَجْهَانِ، وَيَكْفِي تِبْرٌ فِي الْمَنْصُوصِ، أَيْ: يَكْفِي وَزْنُ التِّبْرِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 434 قِيمَتُهُ، أَوْ مَلَكَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، لَمْ يَسْقُطِ الْقَطْعُ. وَإِنْ دَخَلَ الْحِرْزَ، فَذَبَحَ شَاةً قِيمَتُهَا نِصَابٌ، فَنَقَصَتْ عَنِ النِّصَابِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا، لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَتُهُ مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ، وَقِيمَتُهُ وَحْدَهُ مَعَ الْآخَرِ أَرْبَعَةٌ، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِالْمَضْرُوبِ. [سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ] (وَإِذَا سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ: بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، لِأَنَّ النُّقْصَانَ وُجِدَ فِي الْعَيْنِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهَا الْقَطْعَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَقَصَ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَلِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ النِّصَابِ حَالَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ (أَوْ مَلَكَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، لَمْ يَسْقُطِ الْقَطْعُ) لِمَا «رَوَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّهُ نَامَ عَلَى رِدَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأُخِذَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، فَجَاءَ بِسَارِقِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ؟ إِنَّ هَذَا رِدَائِي عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّ النِّصَابَ شَرْطٌ فَلَمْ تُعْتَبَرِ اسْتِدَامَتُهُ كَالْحِرْزِ، لَكِنْ إِنْ مَلَكَ الْعَيْنَ قَبْلَ رَفْعِهِ إِلَى الْحَاكِمِ، وَالْمُطَالَبَةِ بِهَا عِنْدَهُ، لَمْ يَجِبِ الْقَطْعُ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِرَافِعِهِ عَفْوٌ، وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ، وَغَيْرِهِ: قَبْلَ الْحُكْمِ، قَالَ أَحْمَدُ: تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ، فَإِذَا صَارَ إِلَى السُّلْطَانِ، وَصَحَّ عِنْدَهُ الْأَمْرُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الِاعْتِرَافِ، وَجَبَ عَلَيْهِ إِقَامَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ: لَوْ مَلَكَهُ سَارِقُهُ قُطِعَ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَحْمَدَ (وَإِنْ دَخَلَ الْحِرْزَ، فَذَبَحَ شَاةً قِيمَتُهَا نِصَابٌ، فَنَقَصَتْ عَنِ النِّصَابِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا، لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْقَطْعِ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ الْحِرْزِ الْعَيْنَ، وَهِيَ نِصَابٌ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَذْبُوحَةً نِصَابًا قُطِعَ بِإِخْرَاجِهَا، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَلَا (وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَتُهُ مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ، وَقِيمَتُهُ وَحْدَهُ مَعَ الْآخَرِ أَرْبَعَةٌ، لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ نِصَابًا، وَالْمَشْرُوطُ عُدِمَ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِهِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا دِرْهَمًا، وَمَعًا عَشَرَةً، غُرِّمَ ثَمَانِيَةً الْمُتْلَفَ، وَنَقْصَ التَّفْرِقَةِ، وَقِيلَ: دِرْهَمَيْنِ، وَكَذَا جُزْءًا مِنْ كِتَابٍ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. فَرْعٌ: إِذَا أَتْلَفَ وَثِيقَةً لِغَيْرِهِ بِمَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِهَا، فَفِي إِلْزَامِهِ مَا تَضَمَّنَتْهُ احْتِمَالَانِ: أَقْوَاهُمَا: يَلْزَمُهُ، وَمِثْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِالضَّمَانِ فِي كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ، وَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْدِيلًا بِطَرَفِهِ دِينَارٌ مَشْدُودٌ يَعْلَمُهُ، وَقِيلَ: أَوْ يَجْهَلُهُ، صَحَّحَهُ فِي " الْمُذْهَبِ ": كَجَهْلِهِ قِيمَتَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 435 يُقْطَعْ، إِنِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ قُطِعُوا، سَوَاءٌ أَخْرَجُوهُ جُمْلَةً، أَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءًا. وَإِنْ هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا وَدَخَلَاهُ، فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا   [المبدع في شرح المقنع] (إِنِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ قُطِعُوا) ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ، كَهَتْكِ الْحِرْزِ، وَكَالْقِصَاصِ (سَوَاءٌ أَخْرَجُوهُ جُمْلَةً، أَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءًا) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمُ اشْتَرَكُوا فِي هَتْكِ الْحِرْزِ، وَإِخْرَاجِ النِّصَابِ فَلَزِمَهُمُ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ كَانَ ثَقِيلًا فَحَمَلُوهُ، وَفَارَقَ الْقِصَاصَ، فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ، وَلَا تُوجَدُ الْمُمَاثَلَةُ، إِلَّا أَنْ تُوجَدَ أَفْعَالُهُمْ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْيَدِ، وَهُنَا الْقَصْدُ الزَّجْرُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مُمَاثَلَةٍ، وَعَنْهُ: يُقْطَعُ مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ، لِأَنَّ الْقَطْعَ هُنَا لَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، فَلَا يَجِبُ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي سُقُوطِهِ أَوْلَى مِنْ الِاحْتِيَاطِ فِي إِيجَابِهِ، لِأَنَّهُ مِمَّا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُقْطَعْ بَعْضُهُمْ لِشُبْهَةٍ، فَلَا قَطْعَ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْهُ، لِوِلَادَةٍ، أَوْ سِيَادَةٍ، أَوْ عَدَمِ تَكْلِيفٍ، قُطِعَ غَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ إِنْ أَخَذَ نِصَابًا، وَقِيلَ: أَوْ أَقَلَّ، وَلَمْ يَذْكُرْه فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْمُحَرَّرِ "، إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا لَمْ يُقْطَعْ قُطِعَ الْأَجْنَبِيُّ، فَلَوْ أَقَرَّ بِمُشَارَكَةِ آخَرَ فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ وَلَمْ يُقِرَّ الْآخَرُ، فَفِي الْقَطْعِ وَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا سَرَقَ نِصَابًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ حِرْزٍ قُطِعَ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَوْ سَرَقَ مَا ظَنَّهُ فلوسا فبان نِصَابَ نَقْدٍ لَمْ يُقْطَعْ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الرِّعَايَةِ ". [هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا وَدَخَلَاهُ] (وَإِنْ هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا وَدَخَلَاهُ فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا وَحْدَهُ) قُطِعَا، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُخْرِجَ أَخْرَجَهُ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ وَمَعُونَتِهِ، (أَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا، فَقَدَّمَهُ إِلَى بَابِ النَّقْبِ، وَأَدْخَلَ الْآخَرُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ قُطِعَا) وَجْهًا وَاحِدًا، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي هَتْكِ الْحِرْزِ، وَإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ، كَمَا لَوْ حَمَلَاهُ وَأَخْرَجَاهُ، وَكَذَا إِنْ وَضَعَهُ وَسَطَ النَّقْبِ، فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ، وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ، وَإِنْ شَدَّهُ بِحَبْلٍ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 436 وَحْدَهُ، أَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا، فَقَدَّمَهُ إِلَى بَابِ النَّقْبِ، وَأَدْخَلَ الْآخَرُ يَدَهُ، فَأَخْرَجَهُ، قُطِعَا، وَإِنْ رَمَاهُ الدَّاخِلُ إِلَى خَارِجٍ، فَأَخَذَهُ الْآخَرُ، فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ وَحْدَهُ. وَإِنْ نَقَبَ أَحَدُهُمَا، وَدَخَلَ الْآخَرُ، فَأَخْرَجَهُ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْطَعَا، إِلَّا أَنْ يَنْقُبَ أَحَدُهُمَا وَيَذْهَبَ، وَيَأْتِيَ الْآخَرُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَيَسْرِقُ، فَلَا يُقْطَعُ.   [المبدع في شرح المقنع] فَأَدْخَلَ الْآخَرُ يَدَهُ فَأَخَذَهُ، أَوْ جَذَبَ الْحَبْلَ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": أَوْ أَخَذَهُ الَّذِي رَمَاهُ قُطِعَا (وَإِنْ رَمَاهُ الدَّاخِلُ إِلَى خَارِجٍ، فَأَخْذَهُ الْآخَرُ) أَوْ لَا، أَوْ أَعَادَهُ فِيهِ أَحَدُهُمَا (فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ وَحْدَهُ) ، وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي النَّقْبِ، لِأَنَّ الدَّاخِلَ أَخْرَجَ الْمَتَاعَ وَحْدَهُ، فَاخْتَصَّ الْقَطْعُ بِهِ، لَا يُقَالُ: هُمَا اشْتَرَكَا فِي الْهَتْكِ، لِأَنَّ شَرْطَهُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْهَتْكِ، وَالْإِخْرَاجِ، وَلَمْ يُوجَدِ الثَّانِي، فَانْتَفَى الْقَطْعُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: هُمَا (وَإِنْ نَقَبَ أَحَدُهُمَا، وَدَخَلَ الْآخَرُ، فَأَخْرَجَهُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْرِقْ، وَالثَّانِيَ لَمْ يَهْتِكِ الْحِرْزَ، وَقِيلَ: بَلَى، إِنْ تَوَاطَآ عَلَى السَّرِقَةِ، قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْطَعَا) لِأَنَّ فِعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَعَ بِقُوَّةِ الْآخَرِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَكَا فِي النَّقْبِ، وَالْإِخْرَاجِ (إِلَّا أَنْ يَنْقُبَ أَحَدُهُمَا وَيَذْهَبُ، وَيَأْتِي الْآخَرُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَيَسْرِقُ، فَلَا يُقْطَعُ) وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكِ الْحِرْزَ، وَمِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْقَطْعِ هَتْكُهُ. مَسَائِلُ: إِذَا أَخْرَجَ نِصَابًا إِلَى سَاحَةِ دَارٍ بَابُهَا مُغْلَقٌ مِنْ بَيْتٍ مِنْهَا فَرِوَايَتَانِ، وَإِنْ فَتَحَ هُوَ بَابَهَا فَوَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ مَفْتُوحًا قُطِعَ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ وَحْدَهُ مَفْتُوحًا فَلَا، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ ": إِنَّهُ إِنْ كَانَ الْبَيْتُ مُغْلَقًا فَفَتَحَهُ، أَوْ نَقَبَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْخَانُ فِي الْأَقْيَسِ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَإِنْ تَطَيَّبَ فِي الْحِرْزِ بِطِيبٍ، ثُمَّ خَرَجَ، وَلَوِ اجْتَمَعَ فَبَلَغَ نِصَابًا فَاحْتِمَالَانِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا فَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْهَرِ، لِأَنَّهُ حين إخراجه نَاقِصٌ عَنْ نِصَابٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 437 فَصْلٌ الرَّابِعُ: أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْحِرْزِ. فَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، أَوْ دَخَلَ الْحِرْزَ، فَأَتْلَفَهُ فِيهِ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَإِنِ ابْتَلَعَ جَوْهَرًا أَوْ ذَهَبًا، وَخَرَجَ بِهِ، أَوْ نَقَبَ، وَدَخَلَ، فَتَرَكَ   [المبدع في شرح المقنع] [الشَّرْطُ الرَّابِعُ: إِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ] فَصْلٌ (الرَّابِعُ: أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْحِرْزِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وَعَنْ عَائِشَةَ وَالنَّخَعِيِّ فِيمَنْ جَمَعَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنَ الْحِرْزِ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ، قَالَ سَعِيدٌ: ثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: ذَكَرَ لِعَائِشَةَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: لَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ حَتَّى يُخْرِجَ الْمَتَاعَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا شَفْرَةً لَحَزَزْتُ بِهَا يَدَهُ، وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ الْحِرْزُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ ثَابِتٌ، وَالْأَوَّلُ شَبِيهٌ بِالْإِجْمَاعِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الثِّمَارِ، فَقَالَ: مَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ أَكْمَامِهِ، وَاحْتُمِلَ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، وَمَا كَانَ مِنَ الْحِرْزِ، فَفِيهِ الْقَطْعُ إِذَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَبِهَذَا تُخَصُّ الْآيَةُ كَمَا خَصَصْنَاهَا بِالنِّصَابِ (فَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، أَوْ دَخَلَ الْحِرْزَ فَأَتْلَفَهُ فِيهِ) بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ ضمانه، لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ، وَلَا يُقْطَعُ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، سَوَاءٌ حَمَلَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، أَوْ تَرَكَهُ خَارِجًا مِنَ الْحِرْزِ (وَإِنِ ابْتَلَعَ جَوْهَرًا أَوْ ذَهَبًا وَخَرَجَ بِهِ) مِنَ الْحِرْزِ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ فِي كُمِّهِ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ مَا إِذَا خَرَجَا مِنْهُ أَوْ لَا، لَكِنْ إِنْ لَمْ يُخْرِجْ مَا ابْتَلَعَهُ فَلَا قَطْعَ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَقِيلَ: يُقْطَعُ قَدَمُهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ، فَقِيلَ: يُقْطَعُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ كُمِّهِ، وَقِيلَ: لَا، لِأَنَّهُ ضَمِنَهَا بِالْبَلْعِ، فَكَانَ إِتْلَافًا لَهَا لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 438 الْمَتَاعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، فَخَرَجَتْ بِهِ، أَوْ فِي مَاءٍ جَارٍ، فَأَخْرَجَهُ، أَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ أَوْ مَعْتُوهٍ: ادْخُلْ فَأَخْرِجْهُ، فَفَعَلَ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ. وَحِرْزُ الْمَالِ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِيهِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ، وَعَدْلِ السُّلْطَانِ وَجَوْرِهِ، وَقُوَّتِهِ، وَضَعْفِهِ، فَحِرْزُ الْأَثْمَانِ،   [المبدع في شرح المقنع] سَرِقَةً (أَوْ نَقَبَ، وَدَخَلَ، فَتَرَكَ الْمَتَاعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، فَخَرَجَتْ بِهِ) مِنْ غَيْرِ سَوْقِهَا، لِأَنَّ الْعَادَةَ مَشْيُ الْبَهِيمَةِ بِمَا وُضِعَ عَلَيْهَا، (أَوْ فِي مَاءٍ جَارٍ) وَقِيلَ: وَرَاكِدٍ، (فَأَخْرَجَهُ) الْمَتَاعَ إِلَى حَائِلٍ مِنَ الدَّارِ، فَأَطَارَتْهُ الرِّيحُ، فَهَذَا فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا قَطْعَ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ آلَةً لِلْإِخْرَاجِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ. وَالثَّانِي: يُقْطَعُ، لِأَنَّ فِعْلَهُ سَبَبُ خُرُوجِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَاقَ الْبَهِيمَةَ. فَرْعٌ: إِذَا رَمَى الْمَتَاعَ، فَأَطَارَتْهُ الرِّيحُ فَأَخْرَجَتْهُ، أَوْ فَتَحَ طَاقًا فَسَقَطَ مِنْهُ طَعَامٌ، أَوْ غَيْرُهُ قَدْرَ نِصَابٍ، أَوْ أَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ وَرَمَاهُ خَارِجًا عَنْهُ، أَوْ رَدَّهُ إِلَيْهِ، قُطِعَ، لِأَنَّهُ مَتَى ابْتَدَأَ الْفِعْلُ مِنْهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِعْلُ الرِّيحِ، كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا، فَأَعَانَتِ الرِّيحُ السَّهْمَ حَتَّى قَتَلَ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ، وَلَوْ رَمَى الْجِمَارَ، فَأَعَانَتْهَا الرِّيحُ حَتَّى وَقَعَ فِي الْمَرْمَى احْتَسَبَ بِهِ، (أَوْ قَالَ لِصَغِيرِهِ، أَوْ مَعْتُوهٍ: ادْخُلْ، فَأَخْرِجْهُ، فَفَعَلَ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ) لِأَنَّهُ لِاخْتِيَارِهِ لَهُمَا فَهُمَا كَالْآلَةِ، وَلَوْ أَمَرَهُمَا شَخْصٌ بِالْقَتْلِ، قُتِلَ الْآمِرُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا أَخْرَجَ خَشَبَةً أَوْ بَعْضَهَا مِنَ الْحِرْزِ لَمْ يُقْطَعْ، لِأَنَّ بَعْضَهَا لَا يَنْفَرِدُ عَنْ بَعْضٍ، وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَ عِمَامَةً، وَطَرَفُهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا، وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ نِصَابٍ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ تَمَامَهُ وَقَرُبَ، قُطِعَ، وَكَذَا إِنْ بَعُدَ فِي وَجْهٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ فِي لَيْلَةٍ قُطِعَ، لَا لَيْلَتَيْنِ، وَإِنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهَتْكِهِ وَأَهْمَلَهُ، فَلَا قَطْعَ، قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا يُبْنَى فِعْلُهُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ، وَلَوْ فَتَحَ أَسْفَلَ كُوَّارَةٍ، فَخَرَجَ الْعَسَلُ شَيْئًا فَشَيْئًا، قُطِعَ. فَرْعٌ: إِذَا عَلَّمَ قِرْدًا السَّرِقَةَ فَالْغُرْمُ فَقَطْ، ذَكَرَهُ أَبُو الْوَفَا، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ. 1 - (وَحِرْزُ الْمَالِ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِيهِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ، وَعَدْلِ السُّلْطَانِ، وَجَوْرِهِ، وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ، عُلِمَ أَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ إِلَى الْعُرْفِ، لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ كَمَا رَجَعْنَا إِلَى مَعْرِفَةِ الْقَبْضِ، وَالْفُرْقَةِ فِي الْبَيْعِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 439 وَالْجَوَاهِرِ، وَالْقُمَاشِ فِي الدُّورِ، وَالدَّكَاكِينِ فِي الْعُمْرَانِ وَرَاءَ الْأَبْوَابِ، وَالْأَغْلَاقِ الْوَثِيقَةِ، وَحِرْزُ الْبَقْلِ، وَالْبَاقِلَاءِ، وَنَحْوِهِ، وَقُدُورِهِ وَرَاءَ الشَّرَائِجِ إِذَا كَانَ فِي السُّوقِ حَارِسٌ، وَحِرْزُ الْخَشَبِ وَالْحَطَبِ، الْحَظَائِرُ، وَحِرْزُ الْمَوَاشِي الصِّيَرُ، وَحِرْزُهَا فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ إِلَيْهِ، هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا (فَحِرْزُ الْأَثْمَانِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْقُمَاشِ فِي الدُّورِ وَالدَّكَاكِينِ، فِي الْعُمْرَانِ وَرَاءَ الْأَبْوَابِ وَالْأَغْلَاقِ الْوَثِيقَةِ) وَهُوَ اسْمٌ لِلْقُفْلِ خَشَبًا كَانَ أَوْ حَدِيدًا، أَوْ يَكُونُ فِيهَا حَافِظٌ، لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي حِرْزِ ذَلِكَ بِذَلِكَ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ: فِي قُمَاشٍ غَلِيظٍ وَرَاءَ غَلَقٍ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: مَا جُعِلَ لِلسُّكْنَى، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ غَلَقٌ، فَسُرِقَ مِنْهُ: أُرَاهُ سَارِقًا، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَهُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْأَبْوَابُ مَفْتُوحَةً وَفِيهَا خَزَائِنُ مُغْلَقَةٌ فَالْخَزَائِنُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا، وَالْبُيُوتُ الَّتِي فِي الْبَسَاتِينِ، أَوِ الطُّرُقِ، أَوِ الصَّحْرَاءِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ فَلَيْسَتْ حِرْزًا، وَإِنْ كَانَتْ مُغْلَقَةً وَفِيهَا حَافِظٌ فَهِيَ حِرْزٌ، وَإِنْ كَانَ نَائِمًا، وَإِنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً فَلَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ يَقْظَانَ. تَتِمَّةٌ: الْخَيْمَةُ وَالْخَرْكَاةُ كَذَلِكَ، سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَفْتُوحُ الْبَابِ، أَوْ لَا بَابَ لَهُ، إِلَّا أَنَّهُ مُحْجَرٌ بِالْبِنَاءِ، فَإِنْ سَرَقَ صُنْدُوقًا فِيهِ مَتَاعٌ أَوْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا مَتَاعٌ وَلَا حَافِظَ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ سَرَقَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِيهِ قُطِعَ، وَعَنْهُ: إِنَّ الصَّنَادِيقَ الَّتِي فِي السُّوقِ، وَإِنْ حُمِلَتْ كَمَا هِيَ قُطِعَ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّ مَعَهَا شَيْئًا (وَحِرْزُ الْبَقْلِ، وَالْبَاقِلَاءِ وَنَحْوِهِ، وَقُدُورِهِ وَرَاءَ الشَّرَائِجِ) وَاحِدُهَا شَرِيجَةٌ، وَهُوَ: شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنْ قَصَبٍ، أَوْ نَحْوِهِ، يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ بِحَبْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ (إِذَا كَانَ فِي السُّوقِ حَارِسٌ) لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِحْرَازِهَا بِهِ (وَحِرْزُ الْخَشَبِ وَالْحَطَبِ) وَالْقَصَبِ (الْحَظَائِرُ) وَاحِدَتُهَا حَظِيرَةٌ، وَهِيَ: مَا يُعْمَلُ لِلْإِبِلِ، وَالْغَنَمِ مِنَ الشَّجَرِ تَأْوِي إِلَيْهِ، وَأَصْلُ الْحَظْرِ: الْمَنْعُ، فَيُعَبِّئُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَيُقَيِّدُهُ بِقَيْدٍ، بِحَيْثُ يَعْسُرُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي فُنْدُقٍ مُغْلَقًا عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مُحْرَزًا، وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": حِرْزُ حَطَبٍ تَعْبِئَتُهُ، وَرَبْطُهُ بِالْحِبَالِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. فَرْعٌ: حِرْزُ السُّفُنِ فِي الشَّطِّ بِرَبْطِهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 440 الْمَرْعَى بِالرَّاعِي، وَنَظَرِهِ إِلَيْهَا، وَحِرْزُ حَمُولَةِ الْإِبِلِ بِتَقْطِيرِهَا، وَقَائِدِهَا، وَسَائِقِهَا إِذَا كَانَ يَرَاهَا، وَحِرْزُ الثِّيَابِ فِي الْحَمَّامِ بِالْحَافِظِ، وَحِرْزُ الْكَفَنِ فِي الْقَبْرِ عَلَى الْمَيِّتِ، فَلَوْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَحِرْزُ الْمَوَاشِي) جَمْعُ مَاشِيَةٍ (الصِّيَرُ) وَاحِدهَا صِيرَةٌ، وَهِيَ حَظِيرَةُ الْغَنَمِ، (وَحِرْزُهَا فِي الْمَرْعَى بِالرَّاعِي وَنَظَرِهِ إِلَيْهَا) لِأَنَّ الْعَادَةَ حِرْزُهَا بِذَلِكَ، فَمَا غَابَ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ، فَقَدْ خَرَجَ عَنِ الْحِرْزِ لِأَنَّ الرَّاعِيَةَ هَكَذَا تُحْرَزُ (وَحِرْزُ حَمُولَةِ الْإِبِلِ بِتَقْطِيرِهَا، وَقَائِدِهَا، وَسَائِقِهَا إِذَا كَانَ يَرَاهَا) وَجُمْلَتُهُ: أَنَّ الْإِبِلَ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: بَارِكَةٍ، وَرَاعِيَةٍ، وَسَائِرَةٍ، فَحِرْزُ الْبَارِكَةِ الْمَعْقُولَةِ بِالْحَافِظِ يَقْظَانَ كَانَ أَوْ نَائِمًا، لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ صَاحِبَهَا يَعْقِلُهَا إِذَا نَامَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً، فَحِرْزُهَا بِحَافِظٍ يَقْظَانَ، وَحِرْزُ الرَّاعِيَةِ بِنَظَرِ الرَّاعِي إِلَيْهَا، فَمَا غَابَ عَنْ نَظَرِهِ، أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ، لِأَنَّ الرَّاعِيَةَ إِنَّمَا تُحْرَزُ بِالرَّاعِي وَنَظَرِهِ إِلَيْهَا، وَحِرْزُ السَّائِرَةِ الْحَمُولَةِ بِسَائِقٍ يَرَاهَا، مُقْطَّرَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُقْطَّرَةٍ، أَوْ بِتَقْطِيرِهَا مَعَ قَائِدٍ يَرَاهَا، وَفِي " التَّرْغِيبِ "، وَ " الشَّرْحِ ": يَكْثُرُ الِالْتِفَاتُ إِلَيْهَا، وَيَرَاهَا إِذَا الْتَفَتَ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا فَهُوَ مُحْرَزٌ بِقَوْدِهِ، وَالْحَافِظُ الرَّاكِبُ فِيمَا وَرَاءَهُ كَقَائِدٍ، وَلَوْ سُرِقَ مَرْكُوبُهُ مِنْ تَحْتِهِ فَلَا قَطْعَ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَإِنْ سَرَقَهُ بِرَاكِبِهِ الرَّقِيقُ، وَهُمَا يُسَاوِيَانِ نِصَابًا قُطِعَ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا وَمَعَهُ مَا يُسَاوِي نِصَابًا فَوَجْهَانِ (وَحِرْزُ الثِّيَابِ فِي الْحَمَّامِ بِالْحَافِظِ) جَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْبَيْتِ، وَعَنْهُ: لَا قَطْعَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَتَاعِ قَاعِدٌ، صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ، فَجَرَى مَجْرَى سَرِقَةِ الضَّيْفِ مِنَ الْبَيْتِ الْمَأْذُونِ فِي دُخُولِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ الْحَافِظُ مِنْ حِفْظِهِ فِيهِ، وَإِنْ فَرَّطَ فِي الْحِفْظِ، فَنَامَ، أَوِ اشْتَغَلَ، فَلَا قَطْعَ، وَيَضْمَنُ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِنِ اسْتَحْفَظَهُ رَبُّهُ صَرِيحًا، وَفِيهِ: لَا تَبْطُلُ الْمُلَاحَظَةُ بِفَتَرَاتٍ، وَأَعْرَاضٍ يَسِيرَةٍ، بَلْ بِتَرْكِهِ وَرَاءَهُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا سَرَقَ مِنَ الْحَمَّامِ، وَلَا حَافِظَ فِيهِ، فَلَا قَطْعَ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ. فَرْعٌ: وَحِرْزُ الثِّيَابِ فِي أَعْدَالٍ، أَوْ غَزْلٍ فِي سُوقٍ، وَخَانٍ، وَمَا كَانَ مُشْتَرِكًا فِي الدُّخُولِ إِلَيْهِ بِحَافِظٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَيْسَ الْحَمَّامِيُّ حَافِظًا بِجُلُوسِهِ، وَلَا الَّذِي يَدْخُلُ الطَّاسَاتِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 441 نَبَشَ قَبْرًا، وَأَخَذَ الْكَفَنَ قُطِعَ، وَحِرْزُ الْبَابِ تَرْكِيبُهُ فِي مَوْضِعِهِ، فَلَوْ سَرَقَ رِتَاجَ   [المبدع في شرح المقنع] (وَحِرْزُ الْكَفَنِ فِي الْقَبْرِ عَلَى الْمَيِّتِ، فَلَوْ نَبَشَ قَبْرًا وَأَخَذَ، الْكَفَنَ قُطِعَ) رُوِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا، وَلِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُحْتَرَمًا مِنْ حِرْزٍ، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِهِ كَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ يُوضَعُ فِيهِ عَادَةً وَلَا يُعَدُّ وَاضِعُهُ مُفَرِّطًا، وَعَنْهُ: لَا قَطْعَ، وَعَنْهُ: إِلَّا أَنْ يُخْرِجَ الْمَيِّتَ مِنَ الْقَبْرِ، وَيَأْخُذَهُ مِنْهُ، ذَكَرَهَا فِي " النِّهَايَةِ "، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ فِي الْقَبْرِ أَنْ يَكُونَ فِي حِرْزٍ، أَوْ لَا، كَالصَّحْرَاءِ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي الْوَاضِحِ: مِنْ مَقْبَرَةٍ مَصُونَةٍ بِقُرْبِ الْبَلَدِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي " التَّبْصِرَةِ " مَصُونَةً، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ مَشْرُوعًا، وَأَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْقَبْرِ، لِأَنَّهُ حِرْزٌ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنَ اللَّحْدِ، وَوَضَعَهُ فِي الْقَبْرِ فَلَا قَطْعَ، وَمَا زَادَ عَلَى الْكَفَنِ الْمَشْرُوعِ كَاللِّفَافَةِ، وَالرَّابِعَةِ، أَوْ تَرَكَ مَعَهُ طِيبًا، فَلَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الْخِلَافِ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الطِّيبِ، لِأَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ، وَفِي كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ، فِيهِ وَجْهَانِ، وَعَلَيْهِمَا هُوَ خَصْمُهُ، فَإِنْ عُدِمَ فَنَائِبُ الْإِمَامِ، وَلَوْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَقِيلَ: هُوَ، وَيُسْتَثْنَى عَلَى الْمَذْهَبِ مَا إِذَا أَكَلَهُ ضَبُعٌ، فَإِنَّ كَفَنَهُ إِرْثٌ، وَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ، وَهَلْ يُفْتَقَرُ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ إِلَى مُطَالَبَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. (وَحِرْزُ الْبَابِ تَرْكِيبُهُ فِي مَوْضِعِهِ) مَفْتُوحًا كَانَ أَوْ مُغْلَقًا، لِأَنَّهُ هَكَذَا يُحْفَظُ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": حِرْزُ بَابٍ، أَوْ خِزَانَةٍ بِغَلْقِهِ، أَوْ غَلْقِ بَابِ الدَّارِ عَلَيْهِ، وَحِرْزُ جِدَارِ الدَّارِ كَوْنُهُ مَبْنِيًّا فِيهِ إِذَا كَانَ فِي الْعُمْرَانِ، أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ إِذَا كَانَ ثَمَّ حَافِظٌ، فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الْجِدَارِ، أَوْ خَشَبَةً تبلغ نصابا قُطِعَ، وَإِنْ هَدَمَ الْحَائِطَ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَلَا قَطْعَ، وَأَبْوَابُ الْخَزَائِنِ فِي الدَّارِ إِنْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مُغْلَقًا، فَهِيَ مُحْرَزَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَفْتُوحًا فَلَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا حَافِظٌ. فَرْعٌ: حَلَقَةُ الْبَابِ إِنْ كَانَتْ مُسَمَّرَةً فَهِيَ مُحْرَزَةٌ، وَإِلَّا فَلَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 442 الْكَعْبَةِ، أَوْ بَابَ مَسْجِدٍ، أَوْ تَأْزِيرَهُ، قُطِعَ، وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سِتَارَتِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمَخِيطَةِ عَلَيْهَا، وَإِنْ سَرَقَ قَنَادِيلَ الْمَسْجِدِ، أَوْ حُصْرَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ نَامَ إِنْسَانٌ عَلَى رِدَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَرَقَهُ سَارِقٌ، قُطِعَ، وَإِنْ مَالَ رَأْسُهُ عَنْهُ، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] (فَلَوْ سَرَقَ رِتَاجَ الْكَعْبَةِ) وَهُوَ: بَابُهَا الْعَظِيمُ، وَيُقَالُ: أُرْتِجَ عَلَى الْقَارِئِ، إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِرَاءَةِ. (أَوْ بَابَ مَسْجِدٍ، أَوْ تَأْزِيرَهُ) وَهُوَ: مَا جُعِلَ مِنْ أَسْفَلِ حَائِطِهِ مِنْ لِبَادٍ أَوْ دُفُوفٍ، وَنَحْوِهِ (قُطِعَ) كَبَابِ بَيْتِ الْآدَمِيِّ، وَالْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ لِلْإِمَامِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَقِيلَ: لَا قَطْعَ، لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِمَا النَّاسُ، فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ، كَالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ مُسْلِمٌ بِبَابِ مَسْجِدٍ، كَحُصْرِهِ، وَنَحْوِهَا فِي الْأَصَحِّ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سِتَارَتِهَا) أَيِ: الْخَارِجَةِ مِنْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ كَغَيْرِ الْمَخِيطَةِ، وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ (وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمَخِيطَةِ عَلَيْهَا) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ حِرْزٌ مِثْلُهَا فِي الْعَادَةِ، وَحَمَلَ ابْنُ حَمْدَانَ النَّصَّ عَلَى غَيْرِ الْمَخِيطَةِ (وَإِنْ سَرَقَ قَنَادِيلَ الْمَسْجِدِ أَوْ حُصْرَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: يُقْطَعُ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ حِرْزٌ لَهَا، فَقُطِعَ كَالْبَابِ. وَالثَّانِي: لَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، كَالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَجْهًا وَاحِدًا، وَالْأَشْهَرُ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إِذَا كَانَ السَّارِقُ مُسْلِمًا، وَفِي " الْكَافِي ": إِنَّهُ إِذَا سَرَقَ قَنَادِيلَ مَسْجِدٍ أَوْ حُصْرَهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا جُعِلَ لِنَفْعِ الْمُصَلِّينَ فَلَا قَطْعَ. 1 - (وَإِنْ نَامَ إِنْسَانٌ عَلَى رِدَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ) ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ عَلَى مِجَرِّ فَرَسِهِ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ، أَوْ نَعْلِهِ فِي رِجْلِهِ (فَسَرَقَهُ سَارِقٌ قُطِعَ) لِمَا «رَوَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّهُ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى رِدَائِهِ، فَأَخَذَهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ سَارِقٌ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِهِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 443 يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ. وَإِنْ سَرَقَ مِنَ السُّوقِ غَزْلًا، وَثَمَّ حَافِظٌ، قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ سَرَقَ مِنَ النَّخْلِ، أَوِ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ عِوَضَهَا   [المبدع في شرح المقنع] وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَلَدِ، أَوْ بَرِّيَّةٍ (وَإِنْ مَالَ رَأْسُهُ عَنْهُ لَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُحْرَزًا، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ مَا دَامَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْضَائِهِ حَالَ نَوْمِهِ، فَإِنِ انْقَلَبَ عَنْهُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْضَائِهِ، فَلَا، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَجْهًا (وَإِنْ سَرَقَ مِنَ السُّوقِ غَزْلًا وَثَمَّ حَافِظٌ قُطِعَ) لِأَنَّ حِرْزَهُ بِحَافِظِهِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَافِظٌ فَلَا قَطْعَ، لِأَنَّهُ مال غير مُحْرَزٌ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": هَلْ حِرْزُهُ بِحَافِظٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنَ النَّخْلِ أَوِ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ) وِفَاقًا، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنْ كَانَ مِنْ بُسْتَانٍ مُحْرَزٍ فَفِيهِ الْقَطْعُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَكَسَائِرِ الْمُحْرَزَاتِ، وَجَوَابُهُ: مَا رَوَى رَافِعٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ، وَلَا كَثَرٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ، وَحَافِظٌ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الشَّجَرَةُ فِي دَارِهِ، وَهِيَ: مُحْرَزَةٌ، فَسَرَقَ مِنْهَا نِصَابًا قُطِعَ (وَيَضْمَنُ عِوَضَهَا مَرَّتَيْنِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الثمر الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حاجة غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلَفْظُهُ لَهُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ مِثْلِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِ غَرَامَةِ مِثْلَيْهِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ أَغْرَمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ نَحَرَ غِلْمَانُهُ نَاقَةَ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ مِثْلَيْ قِيمَتِهَا. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السَّرِقَةَ فِي عَامِ الْمَجَاعَةِ يُضَاعَفُ الْغُرْمُ فِيهَا عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ، وَلِأَنَّ الثِّمَارَ فِي الْعَادَةِ تَسْبِقُ الْيَدُ إِلَيْهَا، فَجَازَ أَنْ تُغَلَّظَ عَلَيْهِ فِي الْقِيمَةِ رَدْعًا لَهُ وَزَجْرًا، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمَوَاضِعِ، فَإِنَّهَا فِي الْعَادَةِ مُحْرَزَةٌ، فَالْيَدُ لَا تُسْرِعُ إِلَيْهَا، وَمُقْتَضَاهُ وَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ دُونَ نِصَابٍ ومن غير حِرْزٍ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَرْعٌ: لَا قَطْعَ فِي عَامِ مَجَاعَةِ غَلَاءٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيهِ، أَوْ يَشْتَرِي بِهِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: مَا لَمْ يُبْذَلْ لَهُ، وَلَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": مَا يُحْيِي بِهِ نَفْسَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 444 مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ حِرْزًا لِمَالٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِمَالٍ آخَرَ. فَصْلٌ الْخَامِسُ: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ، فَلَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ، وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا الْوَلَدُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ، وَإِنْ عَلَا، وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ بِالسَّرِقَةِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ حِرْزًا لِمَالٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِمَالٍ آخَرَ) لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَحَمَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَلَى قُوَّةِ السُّلْطَانِ، وَعَدْلِهِ، وَبَسْطِ الْأَمْنِ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَجَعْنَا فِي الْحِرْزِ إِلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَالْجَوَاهِرُ لَا تُحْرَزُ فِي الصِّيَرِ، فَإِنْ أَحْرَزَهَا فِيهَا عُدَّ مُفَرِّطًا، فَكَانَ الْعَمَلُ بِالْعُرْفِ أَوْلَى. فَرْعٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: فِي الْمَاشِيَةِ تُسْرَقُ مِنَ الْمَرْعَى - مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُحْرَزَةً - مَثَلًا قِيمَتُهَا لِلْخَبَرِ، وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لَا يُضْمَنُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، خُولِفَ فِي هَذَيْنِ لِلْأَثَرِ، وَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى غَرَامَةِ مَنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ بِمِثْلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهَا تُضَاعَفُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ. [الشَّرْطُ الْخَامِسُ انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ مِنَ الْمَسْرُوقِ] فَصْلٌ (الْخَامِسُ: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ) لِأَنَّ الْقَطْعَ حَدٌّ فَيُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ (فَلَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ) لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شُبْهَةً، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ، وَلِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ، أَخَذَهُ لِقَوْلِهِ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» ، وَلِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ (وَلَا الْوَلَدُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ، وَإِنْ عَلَا) لِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً تَمْنَعُ شَهَادَةَ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ، فَلَمْ يُقْطَعْ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ كَالْأَبِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِلِابْنِ فِي مَالِ أَبِيهِ حِفْظًا لَهُ، فَلَا يَجُوزُ إِتْلَافُهُ حِفْظًا لِلْمَالِ، وَعَنْهُ: يُقْطَعُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يُقَادُ بِهِ وَيُحَدُّ بِالزِّنَا بِجَارِيَتِهِ، فَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَجَوَابُهُ: مَا سَبَقَ، وَالزِّنَا بِجَارِيَتِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 445 مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، وَلَا مُسْلِمٌ بِالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] فَفِيهِ مَنْعٌ، وَإِنْ سَلِمَ، فَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا (وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ) لِأَنَّهَا أَوْلَى بِالْبِرِّ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ فَالْمُسَاوَاةُ، وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِهِمَا سَوَاءٌ (وَلَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ بِغُلَامٍ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ غُلَامِي قَدْ سَرَقَ، فَأَقْطَعُ يَدَهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: خَادِمُكُمْ أَخَذَ مَالَكُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا قَطْعَ، مَالُكَ سَرَقَ مَالَكَ، وَالْمُكَاتَبُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ، وَلَا يُقْطَعُ سَيِّدٌ بِسَرِقَةِ مَالِ مُكَاتَبِهِ فَإِنْ مَلَكَ وَفَاءً فَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ وَفِي " الِانْتِصَارِ " فِيمَنْ وَارِثُهُ حُرٌّ يُقْطَعُ، وَلَا يُقْتَلُ بِهِ، وَكُلُّ مَنْ لَا يُقْطَعُ الْإِنْسَانُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ لَا يُقْطَعُ عَبْدُهُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ. (وَلَا مُسْلِمٌ بِالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنَ الْخُمُسِ، فَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَقَالَ:» «مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَقَالَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا قَطْعَ، مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ. وَقَالَ سَعِيدٌ: ثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ: لَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَطْعٌ، وَكَذَا لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَنِيمَةٍ لَمْ تُخَمَّسْ، أَوْ فَقِيرٌ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَلَوْ سَرَقَ ذِمِّيٌّ، أَوْ عَبْدٌ مُسْلِمٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قُطِعَ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ (وَلَا مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ) كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُقْطَعِ الْأَبُ بِسَرِقَةِ مَالِ ابْنِهِ، لِكَوْنِ أَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 446 لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ، وَمَنْ سَرَقَ مِنَ الْغَنِيمَةِ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ أَوْ لِوَلَدِهِ أَوْ سَيِّدِهِ، لَمْ يُقْطَعْ. وَهَلْ يُقْطَعُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ الْمُحْرَزِ عَنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيُقْطَعُ سَائِرُ الْأَقَارِبِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ أَقَارِبِهِمْ، وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ فِيهِ شُبْهَةً، فَلَأَنْ لَا يُقْطَعَ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى (أَوْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ) كَمَالٍ مُشْتَرَكٍ لِأَبِيهِ وَابْنِهِ، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شُبْهَةً لَكُوْنِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَنَحْوِهِمَا لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ (وَمَنْ سَرَقَ مِنَ الْغَنِيمَةِ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ) أَيْ: لَمْ تُخَمَّسْ (أَوْ لِوَلَدِهِ، أَوْ سَيِّدِهِ، لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ لَهُ فِي الْمَالِ الْمَسْرُوقِ حَقًّا، أَوْ شُبْهَةَ حَقٍّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَمْنَعُ الْحَدَّ، وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ يُحْرَقُ رَحْلُهُ كَالْغَالِّ، وَإِنْ أُخْرِجَ الْخُمْسُ فَسَرَقَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ، قُطِعَ. (وَهَلْ يُقْطَعُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ الْمُحْرَزِ عَنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَكَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، إِحْدَاهُمَا: لَا قَطْعَ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ، وَهِيَ قَوْلُ عُمَرَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ حَجْبٍ، وَيَنْبَسِطُ بِمَالِهِ، أَشْبَهَ الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ، وَكَمَا لَوْ مَنَعَهَا نَفَقَتَهَا، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ ". وَالثَّانِيَةُ: يُقْطَعُ كَحِرْزٍ مُفْرَدٍ، قَالَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ "، كَضَيْفِهِ، وَصَدِيقِهِ، وَعَبْدِهِ مِنِ امْرَأَتِهِ، مِنْ مَالٍ مُحْرَزٍ عَنْهُ، وَلَمْ يَمْنَعِ الضَّيْفَ قِرَاهُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَفَرَّقَ قَوْمٌ، فَقَالُوا: يُقْطَعُ الزَّوْجُ بِسَرِقَةِ مَالِهَا، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِهَا، لِأَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ فِيهِ، فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ مَالُ أَحَدِهِمَا مُحْرَزًا عَنِ الْآخَرِ فَلَا قَطْعَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَرْعٌ: لَا تُقْطَعُ الزَّوْجَةُ بِسَرِقَةِ نَفَقَتِهَا، أَوْ نَفَقَةِ وَلَدِهَا الْوَاجِبَةِ مَعَ مَنْعِهَا مِنْهُمَا، سَوَاءٌ أَخَذَتْ قَدْرَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ قَدْرَ ذَلِكَ، فَالزَّائِدُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا، فَاسْتُحِقَّ أَخْذُهُ (وَيُقْطَعُ سَائِرُ الْأَقَارِبِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ أَقَارِبِهِمْ) نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَالْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّ الْقَرَابَةَ هُنَا لَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، فَلَا تَمْنَعُ الْقَطْعَ، وَلِأَنَّ الْآيَةَ وَالْأَخْبَارَ تَعُمُّ كُلَّ سَارِقٍ خَرَجَ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَقِيلَ: إِلَّا ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": قُطِعَ غَيْرُ أَبٍ (وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مَعْصُومًا بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ كَمَالِ الْمُسْلِمِ (وَالْمُسْتَأْمَنِ) لِأَنَّ مَالَهُ مَالُ الذِّمِّيِّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهِ (وَيُقْطَعَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 447 بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ، وَالْمُسْتَأْمَنِ، وَيُقْطَعَانِ بِسَرِقَةِ مَالِهِ. وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا وَادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ لَمْ يُقْطَعْ، وَعَنْهُ: يُقْطَعُ، وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ، وَإِذَا سَرَقَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَالَ السَّارِقِ، أَوِ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ مِنَ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ أَوِ الْمَغْصُوبَةُ، لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْحِرْزِ،   [المبدع في شرح المقنع] بِسَرِقَةِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ إِذَا قُطِعَ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِهِمْ فَلَأَنْ يُقْطَعُوا بِسَرِقَةِ مَالِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَكَقَوَدٍ، وَحَدِّ قَذْفٍ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَضَمَانِ مُتْلَفٍ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُقْطَعُ مُسْتَأْمَنٌ كَحَدِّ خَمْرٍ وَزِنًا، نَصَّ عَلَيْهِ، بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ، وَسَوَّى فِي " الْمُنْتَخَبِ " بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الْقَطْعِ (وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا) ، أَوْ بَعْضَهَا (وَادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ لَمْ يُقْطَعْ) نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَصَحُّ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ السَّارِقَ الظَّرِيفَ، لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُحْتَمَلٌ، فَيَكُونُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ (وَعَنْهُ: يُقْطَعُ) قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَةِ "، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَأَدَّى إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقَطْعِ، فَتَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ) اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ، لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ، وَكَذَا إِذَا ادَّعَى أَنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِ الدَّارِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَمَرَنِي رَبُّ الدَّارِ أَنْ أُخْرِجَهُ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَدُّ زِنًا، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: لَا يُحَدُّ (وَإِذَا سَرَقَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَالَ السَّارِقِ، أَوِ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ مِنَ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ أَوِ الْمَغْصُوبَةُ، لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُبْهَةً فِي هَتْكِ الْحِرْزِ مِنْ أَجْلِ أَخْذِ مَالِهِ، فَإِذَا هُتِكَ الْحِرْزُ صَارَ كَأَنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ أُخِذَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَقِيلَ: بَلَى، إِنْ تَمَيَّزَ، لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ قَدْرِ مَالِهِ إِذَا عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْحِرْزِ، أَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ قُطِعَ) لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ (إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ فَيَسْرِقَ قَدْرَ حَقِّهِ، فَلَا يُقْطَعُ) نَصَرَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 448 أَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ قُطِعَ، إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ، فَيَسْرِقُ قَدْرَ حَقِّهِ، فَلَا يُقْطَعُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ. وَمَنْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ، ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا، قُطِعَ. وَمَنْ أَجَّرَ دَارَهُ، أَوْ أَعَارَهَا، ثُمَّ سَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْمُسْتَعِيرِ، أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ، قُطِعَ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَبَاحَ لَهُ الْأَخْذَ، فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِي إِبَاحَةِ الْأَخْذِ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ، كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنْ سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فَهَلْ يُقْطَعُ؟ هُنَا فِيهِ وَجْهَانِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ) قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهَذَا لَا يَلْغِي الشبهة النَّاشِئَةَ عَنْ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَقِيلَ، إِنْ أَخَذَهُ وَلَا بَيِّنَةَ، أَوْ عَجَزَ عَنْهُ فَلَا. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَأْخُذُ بِدُونِ إِذْنِهِ، أَوْ إِذْنِ حَاكِمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَمَنْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا) مِنْ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ أَوْ غَيْرِهِ (قُطِعَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزَجِرْ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ غَيْرَهَا، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يُعَادُ مَرَّةً أُخْرَى، لَأَنَّ الْغَرَضَ إِظْهَارُ كَذِبِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ، وَهُنَا الْمَقْصُودُ: رَدْعُهُ، وَزَجْرُهُ عَنِ السَّرِقَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَيُرْدَعُ بِالثَّانِي، كَمَا لَوْ سَرَقَ عَيْنًا أُخْرَى (وَمَنْ آجَّرَ دَارَهُ أَوْ أَعَارَهَا، ثُمَّ سَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْمُسْتَعِيرِ، أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ قُطِعَ) لِأَنَّهُ هَتَكَ حِرْزًا، وَسَرَقَ منه نِصَابًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، فَقُطِعَ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مَنْ مَلَكَهُمَا، وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ لَا قَطْعَ عَلَى الْمُعِيرِ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ هَذَا قَدْ صَارَ حِرْزًا لِمِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْعَارِيَةِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " احْتِمَالٌ: إِنْ قَصَدَ بِدُخُولِهِ الرُّجُوعَ، قَالَ فِي " الْفُنُونِ ": لَهُ الرُّجُوعُ بِقَوْلِ لَا سَرِقَةَ. تَنْبِيهٌ: إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ السَّرِقَةُ قَبْلَ الْقَطْعِ قُطِعَ مَرَّةً، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، لِأَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَدَاخَلَ كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ، وَعَنْهُ: إِنْ سَرَقَ مِنْ جَمَاعَةٍ وَجَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ لَمْ تَتَدَاخَلْ، كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 449 فَصْلٌ السَّادِسُ: ثُبُوتُ السَّرِقَةِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، أَوْ إِقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ، وَلَا يَنْزِعُ عَنْ إِقْرَارِهِ حَتَّى يُقْطَعَ.   [المبدع في شرح المقنع] [الشَّرْطُ السَّادِسُ ثُبُوتُ السَّرِقَةِ] فَصْلٌ (السَّادِسُ: ثُبُوتُ السَّرِقَةِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ (بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ قَطْعَ السَّارِقِ يَجِبُ إِذَا شَهِدَ بِهَا شَاهِدَانِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ، بِشَرْطِ أَنْ يَصِفَاهَا، وَلَا تُسْمَعُ قَبْلَ الدَّعْوَى فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبًا، فَطَالَبَ وَلِيُّهُ، احْتَاجَ الشَّاهِدَانِ أَنْ يَرْفَعَا فِي نَسَبِهِ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ وَجَبَ الْقَطْعُ بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِمَا، وَلَا غَيْبَتِهِمَا، فَإِنْ شَهِدَتْ فِي غَيْبَتِهِ ثُمَّ حَضَرَ أُعِيدَتْ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمَسْرُوقِ، فَلَا قَطْعَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي اللَّوْنِ، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: سَرَقَ هَرَوِيًّا، وَقَالَ الْآخَرُ: مَرْوِيًّا، فَوَجْهَانِ (أَوْ إِقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلِصٍّ قَدِ اعْتَرَفَ، فَقَالَ: إِخَالُكَ سَرَقْتَ، قَالَ: بَلَى، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: بَلَى، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِسَارِقٍ: سَرَقْتَ، قَالَ: فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ مَرَّتَيْنِ، فَقُطِعَ. رَوَاهُ الْجَوْزَجَانِيُّ. وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِتْلَافًا، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ التَّكْرَارُ، كَحَدِّ الزِّنَا، أَوْ يُقَالُ: أَحَدُ حُجَّتَيِ الْقَطْعِ، فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّكْرَارُ كَالشَّهَادَةِ، وَيَصِفُهَا بِأَنْ يَذْكُرَ فِيهَا شُرُوطَ السَّرِقَةِ، بِخِلَافِ إِقْرَارِهِ بِزِنًا، فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفْصِيلِ وَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، بِخِلَافِ الْقَذْفِ، لِحُصُولِ التَّغْيِيرِ، وَعَنْهُ: فِي إِقْرَارِ عَبْدٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، نَقَلَهُ مُهَنَّا، لَا بَكُونُ الْمَتَاعُ عِنْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ عَلَى سَرِقَةِ نِصَابٍ، وَفِي " الْمُغْنِي ": أَوْ قَالَ: فَقَدْتُهُ، وَمَعْنَاهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَطَالَبَهُ هُوَ، أَوْ وَكِيلُهُ، أَوْ وَلِيُّهُ بِالسَّرِقَةِ لَا بِالْقَطْعِ، وَعَنْهُ: أَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَشَيْخُنَا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 450 فَصْلٌ السَّابِعُ: مُطَالَبَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِمَالِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ.   [المبدع في شرح المقنع] كَإِقْرَارِهِ بِزِنَا أَمَةِ غَيْرِهِ وَجَبَ قَطْعُهُ، وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ حَبْسُهُ، قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ، فَإِنَّ لِلْحَاكِمِ حَقًّا فِي الْقَطْعِ، فَيُحْبَسُ، وَإِنْ كَذَّبَ مُدَّعٍ نَفْسَهُ سَقَطَ قَطْعُهُ (وَلَا يَنْزِعُ عَنْ إِقْرَارِهِ حَتَّى يُقْطَعَ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِخَالُكَ سَرَقْتَ» عَرَّضَ لَهُ لِيَرْجِعَ وَلَوْ لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ بِرُجُوعِهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّ قَطْعَ السَّارِقِ حَدٌّ ثَبَتَ بِالِاعْتِرَافِ فَسَقَطَ بِالرُّجُوعِ، كَحَدِّ الزِّنَا، وَلِأَنَّ حُجَّةَ الْقَطْعِ زَالَتْ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، فَسَقَطَ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ. فَائِدَةٌ: قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُ: لَا بَأْسَ بِتَلْقِينِ السَّارِقِ لِيَرْجِعَ عَنْ إِقْرَارِهِ لِلْآثَارِ. [الشَّرْطُ السَّابِعُ: مُطَالَبَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِمَالِهِ] فَصْلٌ (السَّابِعُ: مُطَالَبَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِمَالِهِ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ "، وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْمُغْنِي "، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، لِأَنَّ الْمَالَ يُبَاحُ بِالْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُ أَبَاحَهُ إِيَّاهُ، أَوْ وَقَفَهُ عَلَى طَائِفَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ عَلَى جَمَاعَةِ السَّارِقِ مِنْهُمْ، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِ حِرْزِهِ، فَاعْتُبِرَتِ الْمُطَالَبَةُ لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَصَحَّحَهَا فِي الرِّعَايَةِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ مُوجِبَ الْقَطْعِ السَّرِقَةُ، وَقَدْ وُجِدَتْ فَوَجَبَ الْقَطْعُ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ كَالزِّنَا، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ أَوْسَعُ فِي الْإِسْقَاطِ، لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ أَبِيهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ زَنَى بِجَارِيَتِهِ حُدَّ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ شُرِعَ لِصِيَانَةِ مَالِ الْآدَمِيِّ، فَلَهُمْ بِهِ تَعَلُّقٌ، فَلَمْ يُسْتَوْفَ مِنْ غَيْرِ مُطَالِبٍ بِهِ، وَالزِّنَا حَقٌّ لِلَّهِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى الْمُطَالِبِ بِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ: غَصَبْتَنِي وَنَحْوَهُ، لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ لِاثْنَيْنِ فَتَخَالَفَا فِي إِقْرَارِهِ لَمْ يُقْطَعْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَنْ وَافَقَهُ نِصَابٌ فَيُقْطَعُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 451 فَصْلٌ وَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ، وَحُسِمَتْ. وَهُوَ أَنْ تُغْمَسَ فِي زَيْتٍ مَغْلِيٍّ، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ،   [المبدع في شرح المقنع] [قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى] فصل (وَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ) بِلَا خِلَافٍ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا، رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: إِذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَمِينَهُ مِنَ الْكُوعِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى، فَكَانَتِ الْبُدَاءَةُ بِهَا أَرْدَعَ، وَلِأَنَّهَا آلَةُ السَّرِقَةِ غَالِبًا فَنَاسَبَ عُقُوبَتُهُ بِإِعْدَامِ آلَتِهَا مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ، لِأَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ عَلَيْهَا إِلَى الْكُوعِ، وَإِلَى الْمِرْفَقِ، وَإِلَى الْمَنْكِبِ، وَإِرَادَةُ الْأَوَّلِ مُتَيَقَّنَةٌ، وَمَا سِوَاهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ مَعَ الشَّكِّ (وَحُسِمَتْ) وُجُوبًا، وَقَالَ: الْمُؤَلِّفُ يُسْتَحَبُّ (وَهُوَ أَنْ تُغْمَسَ فِي زَيْتٍ مَغْلِيٍّ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي سَارِقٍ: اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَالْحِكْمَةُ فِي الْحَسْمِ أَنَّ الْعُضْوَ إِذَا قُطِعَ فَغُمِسَ فِي ذَلِكَ الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ اسْتَدَّتْ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ، فَيَنْقَطِعُ الدَّمُ، إِذْ لَوْ تُرِكَ بِلَا حَسْمٍ لَنَزَفَ الدَّمُ، فَأَدَّى إِلَى مَوْتِهِ، وَيُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ، زَادَ فِي " الْبُلْغَةِ "، وَ " الرِّعَايَةِ ": ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إِنْ رَآهُ الْإِمَامُ (فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي السَّارِقِ: إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ كَالْإِجْمَاعِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 452 وَحُسِمَتْ. فَإِنْ عَادَ حُبِسَ، وَلَمْ يُقْطَعْ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى فِي الثَّالِثَةِ، وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى فِي الرَّابِعَةِ. وَمَنْ سَرَقَ وَلَيْسَ لَهُ يَدٌ يُمْنَى، قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنَّمَا قُطِعَتِ الرِّجْلُ الْيُسْرَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمُحَارَبَةِ ثَبَتَ فِي هَذَا قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ قَطْعَ الْيُسْرَى أَرْفَقُ بِهِ، لِأَنَّ مَشْيَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى أَسْهَلُ وَأَمْكَنُ لَهُ مِنَ الْيُسْرَى، وَيَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ مِنْ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الْمَشْيِ عَلَيْهَا، فَوَجَبَ ذَلِكَ، لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ بِهِ مَنْفَعَتُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ (مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ) لِأَنَّهُ أَحَدُ الْعُضْوَيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ فِي السَّرِقَةِ، فَيُقْطَعُ مِنَ الْمَفْصِلِ كَالْيَدِ، رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقْطَعُ السَّارِقَ مِنَ الْمَفْصِلِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ مِنْ شَطْرِ الْقَدَمِ وَيَتْرُكُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ "، فَقَالَ: مِنْ مَفْصِلِ كَعْبِهِ، يُتْرَكُ عَقِبُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَحُسِمَتْ) قَالَ أَحْمَدُ: «قَطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَرَ بِهِ فَحُسِمَ» . تَذْنِيبٌ: يُقْطَعُ السَّارِقُ بِأَسْهَلِ مَا يُمْكِنُهُ، فَيُجْلَسُ، وَيُضْبَطُ، لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ فَيَجْنِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَتُشَدُّ يَدُهُ بِحَبْلٍ، وَتُجَرُّ حَتَّى يُتَيَقَّنَ الْمَفْصِلُ، ثُمَّ تُوضَعُ السِّكِّينُ وَتُجَرُّ بِقُوَّةٍ لِتَقْطَعَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. (فَإِنْ عَادَ حُبِسَ) حَتَّى يَتُوبَ كَالْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ، وَفِي " الْإِيضَاحِ ": وَيُعَذِّبُهُ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": أَوْ يُغَرَّبُ، وَفِي " الْبُلْغَةِ ": يُعَزَّرُ، وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ (وَلَمْ يُقْطَعْ) أَيْ: يَحْرُمُ قَطْعُهُ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَنَصَرَهُ فِي " الْخِلَافِ " وَصَحَّحَهُ، وَإِنَّهَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّ قَطْعَ الْكُلِّ يُفَوِّتُ مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ، فَلَمْ يُشْرَعْ كَالْقَتْلِ، فَعَلَى هَذَا يُمْنَعُ مِنْ تَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى فِي الثَّالِثَةِ، وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى فِي الرَّابِعَةِ) ، وَاخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ فِي السَّارِقِ: إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» . رَوَاهُ الدَّرَاقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 453 سَرَقَ وَلَهُ يُمْنَى فَذَهَبَتْ، سَقَطَ الْقَطْعُ. وَإِنْ ذَهَبَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، لَمْ تُقْطَعِ الْيُمْنَى   [المبدع في شرح المقنع] أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، رَوَاهُ سَعِيدٌ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْقَتْلِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْخَامِسَةِ، لِحَدِيثٍ رَوَاهُ مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «جِيءَ بِسَارِقٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَامِسَةِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَتَلُوهُ» ، قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ: مُصْعَبٌ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ حَسَنٌ، وَقِيلَ: لِمَصْلَحَةٍ اقْتَضَتْهُ، وَقَالَ أَبُو الْمُصْعَبِ الْمَالِكِيُّ: يُقْتَلُ فِي الْخَامِسَةِ، وَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ كَالشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ يُقْتَلُ عِنْدَهُ إِذَا لَمْ يَنْتَهِ بِدُونِهِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يُحْمَلُ فِي حَقِّ رَجُلٍ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ، أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ، وَالْمُثْلَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأُصُولَ تَشْهَدُ بِنَفْيِ الْقَتْلِ، لِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ لَا تُوجِبُ الْقَتْلَ فِي الِابْتِدَاءِ لَا تُوجِبُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَسَائِرِ الْمَعَاصِي (وَمَنْ سَرَقَ وَلَيْسَ لَهُ يَدٌ يُمْنَى قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) لِأَنَّ الْيُمْنَى لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا مَحَلًّا لِلْقَطْعِ انْتَقَلَ الْقَطْعُ إِلَى مَا يَلِي ذَلِكَ، وَهُوَ الرِّجْلُ الْيُسْرَى، لَكِنْ إِنْ كَانَتْ يُمْنَاهُ شَلَّاءَ، فَعَنْهُ: تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَعَنْهُ: يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّهَا إِذَا قُطِعَتْ، وَرَقِيَ دَمُهَا، وَانْحَسَمَتْ عُرُوقُهَا، قُطِعَتْ، وَإِنْ قَالُوا: لَا يَرْقَى دَمُهَا فَلَا، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ رِوَايَتَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا، فَإِنْ كَانَتْ أَصَابِعُ الْيُمْنَى ذَاهِبَةً، فَقِيلَ: لَا تُقْطَعُ، وَتُقْطَعُ الرِّجْلُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ الْأَصَابِعِ كَخِنْصَرٍ، وَبِنْصَرٍ، أَوْ وَاحِدَ سِوَاهُمَا، قُطِعَتْ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا وَاحِدَةٌ، فَهِيَ كَالَّتِي ذَهَبَ جَمِيعُ أَصَابِعُهَا، وَإِنْ بَقِيَ اثْنَانِ فَالْأَوْلَى قَطْعُهَا، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَكَذَا حُكْمُ مَا لَوْ ذَهَبَ مُعْظَمُ نَفْعِهَا، كَقَطْعِ إِبْهَامٍ، أَوْ إِصْبُعَيْنِ فصاعدا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " (وَإِنْ سَرَقَ وَلَهُ يُمْنَى فَذَهَبَتْ) هِيَ، أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ، أَوْ مَعَ رِجْلَيْهِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا (سَقَطَ الْقَطْعُ) لِتَعَلُّقِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 454 عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَتُقْطَعُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. وَإِنْ وَجَبَ قَطْعُ يُمْنَاهُ، فَقَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَاهُ عَمْدًا، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ قَطَعَهَا خَطَأً فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا، وَفِي قَطْعِ يُمْنَى السَّارِقِ وَجْهَانِ. وَيَجْتَمِعُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ، فَتُرَدُّ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ إِلَى مَالِكِهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً غُرِّمَ قِيمَتَهَا، وَقُطِعَ. وَهَلْ يَجِبُ الزَّيْتُ   [المبدع في شرح المقنع] الْقَطْعِ بِهَا لِوُجُودِهَا، كَجِنَايَةٍ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ، فَمَاتَ (وَإِنْ ذَهَبَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى) أَوْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً، أَوْ شَلَّاءَ (لَمْ تُقْطَعِ الْيُمْنَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى) وَهِيَ: أَنَّ السَّارِقَ يُحْبَسُ فِي الثَّالِثَةِ، وَلَا يُقْطَعُ، لِأَنَّ قَطْعَهَا يَتَضَمَّنُ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَبَقَاؤُهُ بِلَا يَدٍ يَبْطِشُ بِهَا وهو غير جَائِزٌ (وَتُقْطَعُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى) لِأَنَّ غَايَتَهُ تَعْطِيلُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَبَقَاؤُهُ بِلَا يَدٍ يَبْطِشُ بِهَا وَاقِعٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ الْيُمْنَى تَعَلَّقَ بِهَا الْقَطْعُ وِفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي سُقُوطِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا ذَهَبَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ، لِتَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ، وَإِنْ ذَهَبَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى قَبْلَ سَرِقَتِهِ، أَوْ يَدُهُ لَمْ تُقْطَعْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ رِجْلَيْهِ أَوْ يُمْنَاهُمَا، قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي الْأَصَحِّ (وَإِنْ وَجَبَ قَطْعُ يُمْنَاهُ فَقَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَاهُ) بِلَا إِذْنِهِ (عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا (وَإِنْ قَطَعَهَا خَطَأً فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا) لِأَنَّ مَا أَوْجَبَ عَمْدُهُ الْقَوَدَ أَوْجَبَ خَطَؤُهُ الدِّيَةَ، بِدَلِيلِ الْقَتْلِ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ: يُجْزِئُ وَلَا ضَمَانَ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَضْمِينُهُ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: إِنْ قُطِعَ دَهْشَةً، أَوْ ظَنَّهَا تُجْزِئُ كَفَتْ، وَلَا ضَمَانَ (وَفِي قَطْعِ يُمْنَى السَّارِقِ وَجْهَانِ) . أَحَدُهُمَا: لَا قَطْعَ، لِأَنَّ قَطْعَهَا يُفْضِي إِلَى قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَتَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ مِنْهُ، فَلَمْ يُشْرَعْ كَقَتْلِهِ. وَالثَّانِي: بَلَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " بِنَاءً عَلَى قَطْعِهَا فِي الثَّالِثَةِ، فَعَلَى الْأُولَى: فِي قَطْعِ رِجْلِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: لَا، (وَيَجْتَمِعُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ يَجِبَانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ، فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَالْجَزَاءِ، وَالْقِيمَةِ فِي الصَّيْدِ الْحَرَمِيِّ الْمَمْلُوكِ، (فَتُرَدُّ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ إِلَى مَالِكِهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً (وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً غُرِّمَ قِيمَتَهَا) أَوْ مِثْلَهَا، إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، (وَقُطِعَ) مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " يُحْتَمَلُ لَا يُغَرَّمُ شَيْئًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 455 الَّذِي يُحْسَمُ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالِ السَّارِقِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بَابٌ، حَدُّ الْمُحَارِبِينَ وَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ بِالسِّلَاحِ فِي الصَّحْرَاءِ،   [المبدع في شرح المقنع] عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا أَقَمْتُمُ الْحَدَّ عَلَى السَّارِقِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ التَّضْمِينَ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ، وَالْمِلْكُ يَمْنَعُ الْقَطْعَ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَدِيثُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ فِيهِ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَوْ سُلِّمَ صِحَّتُهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي أُجْرَةِ الْقَاطِعِ (وَهَلْ يَجِبُ الزَّيْتُ الَّذِي يُحْسَمُ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالِ السَّارِقِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَأُجْرَةِ الْقَاطِعِ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَصَالِحِ لَمْ يَذْكُرْ فِي " الْكَافِي " غَيْرَهُ، فَإِنْ لَمْ تُحْسَمْ فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ لَا مُدَاوَاةَ الْمَحْدُودِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا مِنْ مَالِ السَّارِقِ، قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ مُدَاوَاةٌ كَمُدَاوَاتِهِ فِي مَرَضِهِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَقْطُوعِ حَسْمُ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَأْثَمْ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّدَاوِيَ فِي الْمَرَضِ. [بَابٌ حَدُّ الْمُحَارِبِينَ] [تَعْرِيفُ الْمُحَارِبِ وَحُكْمُهُ] بَابٌ، حَدُّ الْمُحَارِبِينَ. الْمُحَارِبُونَ وَاحِدُهُمْ مُحَارِبٌ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ حَارَبَ يُحَارِبُ، وَهُوَ فَاعِلٌ مِنَ الْحَرْبِ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ الْحَرْبُ اشْتِقَاقُهَا مِنَ الْحَرَبِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ مَصْدَرُ حَرَبَ مَالَهُ أَيْ: سَلَبَهُ، وَالْحَرِيبُ الْمَحْرُوبُ، وَالْأَصْلُ فِيهِمْ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] وَالْكُفَّارُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ كَمَا تُقْبَلُ قَبْلَهَا، فَلَمَّا خَصَّهُ بِمَا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عُلِمَ أَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 456 فَيَغْصِبُونَهُمُ الْمَالَ مُجَاهَرَةً، فَأَمَّا مَنْ يَأْخُذُهُ سَرِقَةً فَلَيْسَ بِمُحَارِبٍ، وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ لَمْ يَكُونُوا مُحَارِبِينَ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حُكْمُهُمْ فِي   [المبدع في شرح المقنع] أَرَادَ الْمُحَارِبِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَدًّا لَا كُفْرًا، وَالْحَدُّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُرْتَدِّينَ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ لِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا قَضِيَّةُ الْعُرَنِيِّينَ، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً، وَأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُمْ كَانَتْ قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ الْحُدُودُ، ثُمَّ قَالَ فَحُكْمُ مَنْ خَرَجَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا نَزَلَ مِنَ الْحُدُودِ وَلَوْلَا قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ قَطْعِ الْيَدِ مَعَ الرِّجْلِ لِلْمُحَارِبِ لَقُلْنَا لَا تُقْطَعُ إِلَّا يَدُهُ الْيُمْنَى كَالسَّارِقِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فَعَلَى هَذَا يَجِيءُ أَنْ يَصِحَّ عَفْوُ وَلِيِّ الدَّمِ عَنِ الْمُحَارِبِ، وَيَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا فِيهِ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي " الرِّعَايَةِ " (وَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ) وَهُمْ كُلُّ مُكَلَّفٍ مُلْتَزِمٍ لِيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ، وَلَوْ أُنْثَى، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ وَالْعَبْدُ، وَالذِّمِّيُّ كَضِدِّهِمَا، وَعَنْهُ: يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ فَيَحِلُّ دَمُهُ وَمَالُهُ بِكُلِّ حَالٍ، (وَهُمُ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ بِالسِّلَاحِ) هَذَا أَحَدُ الشُّرُوطِ فِيهِمْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ سِلَاحٌ فَلَيْسُوا مُحَارِبِينَ، لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ مَنْ قَصَدَهُمْ، وَالْأَصَحُّ وَلَوْ كَانَ بِعَصًا وَحَجَرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ السِّلَاحِ الَّذِي يَأْتِي عَلَى النَّفْسِ، أَشْبَهَ الْمُحَدَّدَ، وَفِي " الْبُلْغَةِ "، وَغَيْرِهَا وَجْهٌ وَيَدٌ، وَفِي " الشَّرْحِ "، وَإِنْ قَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ بِمُثْقَلٍ قُتِلَ كَمَا لَوْ قَتَلَ بِمُحَدَّدٍ وَإِنْ قَتَلَ بِآلَةٍ لَا يَجِبِ الْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ بِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ أَيْضًا لِدُخُولِهِمْ فِي الْعُمُومِ. فَرْعٌ: مَنْ قَاتَلَ اللُّصُوصَ وَقُتِلَ قُتِلَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى (فِي الصَّحْرَاءِ) لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ الْمُحَارِبِينَ (فَيَغْصِبُونَهُمُ الْمَالَ) الْمُحْتَرَمَ (مُجَاهَرَةً) أَيْ: يَأْخُذُونَ الْمَالَ قَهْرًا اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَنَصْرَهُ الْقَاضِيَ فِي " الْخِلَافِ " وَذَكَرَهُ الْمَذْهَبُ (فَأَمَّا مَنْ يَأْخُذُهُ سَرِقَةً فَلَيْسَ بِمُحَارِبٍ) لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى مَنَعَةٍ، وَقُوَّةٍ، وَإِنِ اخْتَطَفُوهُ، وَهَرَبُوا فَهُمْ مُنْتَهِبُونَ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ لَمْ يَكُونُوا مُحَارِبِينَ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ الْوَاجِبَ يُسَمَّى حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ إِنَّمَا هُوَ فِي الصَّحْرَاءِ لِأَنَّ الْمِصْرَ يَلْحَقُ فِيهِ الْغَوْثُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 457 الْمِصْرِ، وَالصَّحْرَاءِ وَاحِدٌ، وَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ، وَأَخَذَ الْمَالَ، قُتِلَ حَتْمًا، وَصُلِبَ حَتَّى يَشْتَهِرَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يَقَعُ   [المبدع في شرح المقنع] غَالِبًا فَتَذْهَبُ شَوْكَتُهُمْ، وَيَكُونُونَ مُخْتَلِسِينَ لَا قُطَّاعَ طَرِيقٍ، (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حُكْمُهُمْ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ وَاحِدٌ) وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْحَابِ لِعُمُومِ الْآيَةِ فِيهِمْ، وَلِأَنَّ ضَرَرَهُمْ فِي الْمِصْرِ أَعْظَمُ، فَكَانُوا بِالْحَدِّ أَوْلَى، وَفِي " الْفُرُوعِ " قِيلَ: فِي صَحْرَاءَ، وَقِيلَ: وَمِصْرٍ، إِنْ لَمْ يُغَثْ وَحَكَى فِي " الْكَافِي "، وَ " الشَّرْحِ " عَنِ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ إِذَا كَبَسُوا دَارًا فِي مِصْرٍ بِحَيْثُ يَلْحَقُهُمُ الْغَوْثُ عَادَةً لَمْ يَكُونُوا مُحَارِبِينَ وَإِنْ حَصَرُوا قَرْيَةً أَوْ بَلَدًا لَا يَلْحَقُهُمُ الْغَوْثُ عَادَةً فَهُمْ قُطَّاعُ طَرِيقٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي " الرِّعَايَةِ " فِيهِ خِلَافًا وَيُعْتَبَرُ ثُبُوتُهُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إِقْرَارًا مَرَّتَيْنِ كَسَرِقَةٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَفِي سُقُوطِهِ الْيُسْرَى كَسَرِقَةٍ وَجْهَانِ، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ (وَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ قُتِلَ حَتْمًا وَصُلِبَ حَتَّى يَشْتَهِرَ) لِمَا صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ بِـ " أَوْ " فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ قَدْ عُرِفَ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّ مَا أُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرُ فَيُبْدَأُ بِالْأَخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَمَا أُرِيدَ بِهِ التَّرْتِيبُ فَيُبْدَأُ بِالْأَغْلَظِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، وَلِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْرَامِ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ حُكْمُ الزَّانِي، وَالْقَاذِفِ، وَالسَّارِقِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ وَجَبَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يُخَيَّرِ الْإِمَامُ فِيهِ كَقَطْعِ السَّارِقِ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ، وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِذَا خَافُوا السَّبِيلَ، وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا مِنَ الْأَرْضِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُتِلَ وَصُلِبَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَقَتْلُهُ مُتَحَتِّمٌ لَا يَدْخُلُهُ عَفْوٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالصَّلْبِ بَعْدَ الْقَتْلِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 458 عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلْبِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ. وَإِنْ قَتَلَ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ، فَهَلْ يُقْتَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَهَلْ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: يُصْلَبُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُقْتَلُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ الْقَتْلَ عَلَى الصَّلْبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَلِأَنَّهُ شُرِعَ رَدْعًا لِغَيْرِهِ، لِيَشْتَهِرَ أَمْرُهُ، وَلَوْ شُرِعَ لِرَدْعِهِ فَقَطْ لَسَقَطَ بِقَتْلِهِ كَمَا تَسْقُطُ سَائِرُ الْحُدُودِ مَعَ الْقَتْلِ، وَالصَّلْبُ حَتْمٌ فِي حَقِّ مَنْ قَتَلَ، وَأَخَذَ الْمَالَ، فَلَا يَسْقُطُ بِعَفْوٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَيَكُونُ حَتَّى يَشْتَهِرَ، ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ زَجْرُ غَيْرِهِ وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلْبِ) اقْتَصَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى حِكَايَتِهِ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَصْدُقُ اسْمُ الصَّلْبِ، وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ يُصْلَبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهَذَا تَوْقِيتٌ بِغَيْرِ تَوْقِيفٍ مَعَ أَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ يُفْضِي إِلَى تَغَيُّرِهِ، وَنَتْنِهِ، (وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ) اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوجِبُ حَدًّا مُفْرَدًا فَإِذَا اجْتَمَعَا وَجَبَ حَدُّهُمَا كَمَا لَوْ زَنَى، وَسَرَقَ، فَعَلَى هَذَا يُقْطَعُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُقْتَلُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُدْفَعُ إِلَى أَهْلِهِ، فَيُغَسَّلُ، وَيُكَفَّنُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ قَتْلِهِ لَمْ يُصْلَبْ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقَتْلِ، فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ (وَإِنْ قَتَلَ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ) كَوَلَدِهِ، وَعَبْدٍ، وَذِمِّيٍّ، (فَهَلْ يُقْتَلُ؟ قَاطِعُ الطَّرِيقِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: يُقْتَلُ، وَيُصْلَبُ، قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِلْعُمُومِ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُكَافَأَةُ كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا، ذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ " أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» فَعَلَى هَذَا إِذَا قَتَلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا أَوْ حُرٌّ عَبَدًا، وَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ لِأَخْذِ الْمَالِ، وَغَرِمَ دِيَةَ ذِمِّيٍّ، وَقِيمَةَ عَبْدٍ، وَإِنْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا غَرِمَ دِيَتَهُ، وَنُفِيَ، وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: الْقَتْلُ حَقٌّ لِلَّهِ فَلَمْ يَقْتُلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 459 يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَحُكْمُ الرَّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ، وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ، قُتِلَ، وَهَلْ يُصْلَبُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ، قُطِعَتْ يَدُهُ   [المبدع في شرح المقنع] مَنْ يُكَافِئُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي " الشَّرْحِ " عَنِ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ إِذَا قَتَلَهُ لِيَأْخُذَ الْمَالَ فَإِنْ قَتَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَعَدَاوَةٍ، فَالْوَاجِبُ قِصَاصٌ غَيْرُ مُتَحَتِّمٍ، (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) كَالطَّرْفِ (فَهَلْ يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَكَذَا فِي الْفُرُوعِ. إِحْدَاهُمَا: قَالَ فِي " الشَّرْحِ "، وَهِيَ أَوْلَى لَا يَتَحَتَّمُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُ، وَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الْقِصَاصِ. وَالثَّانِيَةُ: يَتَحَتَّمُ، قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، وَحَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ نَوْعُ قَوَدٍ، فَتَحَتَّمَ اسْتِيفَاؤُهُ، كَالْقَوَدِ فِي النَّفْسِ، وَلَا يَسْقُطُ مَعَ تَحَتُّمِ الْقَتْلِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ سُقُوطُهُ بِتَحَتُّمِ قَتْلِهِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَسْقُطَ الْجِنَايَةُ، إِنْ قُلْنَا يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهَا، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْقُطَ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ إِنْ قُلْنَا يَتَحَتَّمُ فِي الطَّرْفِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ "، وَهَذَا وَهْمٌ. [حُكْمُ الرَّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ] (وَحُكْمُ الرَّدْءِ) وَالطَّلِيعِ (حُكْمُ الْمُبَاشِرِ) لِأَنَّ حَدَّ الْمُبَاشِرِ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا، فَاسْتَوَى فِيهَا الرَّدْءُ، وَالْمُبَاشِرُ كَالْغَنِيمَةِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمُحَارَبَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَنَعَةِ، وَالْمُعَاضَدَةِ، وَالْمُبَاشِرُ لَا يَتَمَكَّنُ إِلَّا بِالرَّدْءِ فَوَجَبَ التَّسَاوِي فِي الْحُكْمِ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ السَّرِقَةَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ؟ ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَإِنْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ، وَأَخَذَ الْمَالَ بَعْضُهُمْ جَازَ قَتْلُهُمْ، وَصَلْبُهُمْ، فَرَدْءُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَهُوَ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمَالَ آخِذُهُ، وَقِيلَ: قَرَارُهُ عَلَيْهِ، وَفِي " الْإِرْشَادِ ": مَنْ قَاتَلَ اللُّصُوصَ وَقُتِلَ قُتِلَ الْقَاتِلُ فَقَطْ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْآمِرُ كَرَدْءٍ، وَأَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ كَذَلِكَ، وَإِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تُحْضِرُ النِّسَاءَ لِلْقَتْلِ تُقْتَلُ، وَالْمُرَادُ بِالرَّدْءِ هُوَ الْعَوْنُ لِلْمُبَاشِرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] . (وَمَنْ قَتَلَ) مُكَافِئَهُ (وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ، قُتِلَ) حَتْمًا لِأَنَّهُ قَاتِلٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا أَثَرَ لِعَفْوِ الْوَلِيِّ (وَهَلْ يُصْلَبُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: لَا يُصْلَبُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي "، لِأَنَّ جِنَايَتَهُمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 460 الْيُمْنَى، وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، وَحُسِمَتَا، وَخُلِّيَ، وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ أَخَذَ مَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي مِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مَقْطُوعَةً، أَوْ مُسْتَحَقَّةً فِي قِصَاصٍ، أَوْ شَلَّاءَ، قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَهَلْ تُقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْهِ؟ يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَطْعِ   [المبدع في شرح المقنع] بِأَخْذِ الْمَالِ مَعَ الْقَتْلِ أَعْظَمُ، فَكَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ أَغْلَظَ. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ يَجِبُ قَتْلُهُ، فَيُصْلَبُ كَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ (وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يُقْتَلْ قُطِعَتْ) حَتْمًا (يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] وَإِنَّمَا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لِلْمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَ فِي السَّارِقِ، لِأَنَّهُ سَارِقٌ وَزِيَادَةٌ، ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى لِتَحَقُّقِ الْمُخَالَفَةِ، وَلِيَكُونَ أَرْفَقَ بِهِ فِي مَكَانِ مَشْيِهِ، وَلَا يَنْتَظِرُ انْدِمَالَ الْيَدِ، بَلْ يُقْطَعَانِ (فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَطْعِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَأْخِيرِ شَيْءٍ مِنْهُمَا، فَيُبْدَأُ بِيَمِينِهِ، فَتُقْطَعُ وَتُحْسَمُ، ثُمَّ بِرِجْلِهِ كَذَلِكَ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ (وَحُسِمَتَا) لِقَوْلِهِ: «اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» لِأَنَّ الْحَسْمَ يَسُدُّ أَفْوَاهَ الْعُرُوقِ، وَيَمْنَعُ الدَّمَ مِنَ النَّزْفِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حَتْمًا (وَخُلِّيَ) بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ قَدِ اسْتُوْفِيَ، أَشْبَهَ الْمَدِينَ إِذَا أَدَّى دَيْنَهُ (وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ أَخَذَ مَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي مِثْلِهِ) ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا قَطْعَ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ» وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَلِأَنَّهَا جِنَايَةٌ تَعَلَّقَتْ بِهَا عُقُوبَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحَارِبِ، فَلَا تَغْلِيظَ فِي الْمُحَارِبِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ كَالْقَتْلِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ أَيْضًا فإن أخذوا مِنْ مَالٍ لَهُمْ فِيهِ شَرِكَةٌ أَوْ شُبْهَةٌ - عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْرُوقِ - لَمْ يُقْطَعْ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَجْهَانِ (فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مَقْطُوعَةً) بِأَنْ قُطِعَتْ فِي سَرِقَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا (أَوْ مُسْتَحَقَّةً فِي قِصَاصٍ، أَوْ شَلَّاءَ، قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) كَمَا لَوْ كَانَتْ يُمْنَاهُ مَوْجُودَةً، لَأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ، وَكَذَا إِنْ كَانَتِ الْيُمْنَى مَوْجُودَةً، وَالْيُسْرَى مَعْدُومَةً فإنا نَقْطَعُ الْمَوْجُودَ مِنْهَا حَسْبُ، وَيَسْقُطُ الْقَطْعُ فِي الْمَعْدُومِ، لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْفَرْضُ قَدْ زَالَ، فَيَسْقُطُ، كَالْغُسْلِ فِي الْوُضُوءِ، وَإِنْ عَدِمَ يُسْرَى يَدَيْهِ قُطِعَتْ يُسْرَى رِجْلَيْهِ، وَإِنْ عَدِمَ يُمْنَى يَدَيْهِ لَمْ تُقْطَعْ يُمْنَى رِجْلَيْهِ (وَهَلْ تُقْطَعُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 461 يُسْرَى السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ. وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ، وَلَا أَخَذَ مَالًا نُفِيَ وَشُرِّدَ، وَلَا يُتْرَكُ يَأْوِي إِلَى بَلَدٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ نَفْيَهُ تَعْزِيرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ، وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَتْ عَنْهُ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، مِنَ الصَّلْبِ، وَالْقَطْعِ، وَالنَّفْيِ، وَانْحِتَامِ الْقَتْلِ، وَأَخْذٍ   [المبدع في شرح المقنع] يُسْرَى يَدَيْهِ؟) أَيْ: قُطِعَ لِلْمُحَارَبَةِ، ثُمَّ حَارَبَ ثَانِيًا، فَهَلْ تُقْطَعُ بَقِيَّةُ أَرْبَعَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَذَلِكَ (يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَطْعِ يُسْرَى السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ) ، فَإِنْ قُلْنَا: يُقْطَعُ، ثُمَّ قُطِعَتْ هاهنا، لِأَنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ الْقَطْعَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا لَوْ سَرَقَ، وَلَا يُمْنَى لَهُ، وَلَا رِجْلَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تُقْطَعُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، سَقَطَ لِأَنَّ قَطْعَهَا يُفْضِي إِلَى تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، وَتَتَعَيَّنُ دِيَةٌ لِقَوَدٍ لَزِمَهُ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ كَتَقْدِيمِهَا بِسَبْقِهَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ. فَرْعٌ: إِذَا عَدِمَ يَدَهُ الْيُسْرَى، أَوْ بَطْشَهَا بِشَلَلٍ، أَوْ نَقْصٍ، قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى دُونَ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَقِيلَ: يُقْطَعَانِ، وَيَتَخَرَّجُ عَكْسُهُ، فَلَوْ كَانَ مَا وَجَبَ قَطْعُهُ أَشَلَّ، فَذَكَرَ أَهْلُ الطِّبِّ أَنَّ قَطْعَهُ يُفْضِي إِلَى تَلَفِهِ سَقَطَ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ كَالْمَعْدُومِ، وَإِنْ قَالُوا: لَا يُفْضِي إِلَى تَلَفِهِ، فَفِي قَطْعِهِ رِوَايَتَانِ (وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَا أَخَذَ مَالًا نُفِيَ وَشُرِّدَ) أَيْ: طُرِدَ، وَلَوْ عَبْدًا (وَلَا يُتْرَكُ يَأْوِي إِلَى بَلَدٍ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَنَصَرُوهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] ، وَظَاهِرُهُ يَتَنَاوَلُ نَفْيَهُ من جميعها، وَهُوَ يَبْطُلُ بِنَفْيِ الزَّانِي إِلَى مَكَانٍ، فَعَلَى هَذَا: يُنْفَوْنَ مُدَّةً تَظْهَرُ فِيهَا تَوْبَتُهُمْ، وَتَحْسُنُ سِيرَتُهُمْ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَقِيلَ: يُنْفَوْنَ عَامًا كَالزَّانِي (وَعَنْهُ: أَنَّ نَفْيَهُ تَعْزِيرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ) مِنْ: ضَرْبٍ، وَحَبْسٍ، وَنَفْيٍ، لِأَنَّ الْغَرَضَ الرَّدْعُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِمَا ذُكِرَ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": بِهِمَا، وَعَنْهُ: نَفْيُهُمْ حَبْسُهُمْ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً، وَفِي " الْوَاضِحِ " وَغَيْرِهِ رِوَايَةُ أَنَّ نَفْيَهُمْ طَلَبُ الْإِمَامِ لَهُمْ، لِيُقِيمَ فِيهِمْ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً نُفُوا مُتَفَرِّقِينَ (وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَتْ عَنْهُ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، مِنَ الصَّلْبِ، وَالْقَطْعِ، وَالنَّفْيِ، وَانْحِتَامِ الْقَتْلِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 462 بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، مِنَ النَّفْسِ، وَالْمَالِ، وَالْجِرَحِ، إِلَّا أَنْ يُعْفَى لَهُمْ عَنْهَا. وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى سِوَى ذَلِكَ، فَتَابَ قَبْلَ إِقَامَتِهِ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قَبْلَ إِصْلَاحِ الْعَمَلِ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدٌّ سَقَطَ عَنْهُ.   [المبدع في شرح المقنع] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34] فَعَلَى هَذَا: يَسْقُطُ عَنْهُمْ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ، أَطْلَقَ فِي " الْمُبْهِجِ " فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى: رِوَايَتَيْنِ (وَأَخَذَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، مِنَ النَّفْسِ، وَالْمَالِ، وَالْجِرَاحِ، إِلَّا أَنْ يُعْفَى لَهُمْ عَنْهَا) لِأَنَّهَا حُقُوقٌ عَلَيْهِمْ لَمْ يُعْفَ عَنْهَا، فَلَمْ تَسْقُطْ لِغَيْرِ الْمُحَارِبِ، لَا يُقَالُ: الْآيَةُ عَامَّةٌ، فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ؟ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ إِلَّا بِرِضَاهُ، لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ، وَالشُّحِّ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ كَوْنَ تَوْبَتِهِمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، فَدَلَّ عَلَى عَدَمِهَا بَعْدَهَا، وَلِأَنَّهُ إِذَا تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَوْبَةُ إِخْلَاصٍ، وَبَعْدَهَا تُقْيَةٌ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَلِأَنَّ فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ تَرْغِيبًا فِي تَوْبَتِهِ، وَالرُّجُوعِ عَنْ مُحَارَبَتِهِ، وَبَعْدَ الْقُدْرَةِ لَا حَاجَةَ فِي تَرْغِيبِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَجَزَ عَنِ الْفَسَادِ، وَالْمُحَارَبَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ هُوَ تَحْتَ حُكْمِنَا، وَفِي خَارِجِيٍّ، وَبَاغٍ، وَمُرْتَدٍّ مُحَارِبٍ الْخِلَافُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِبَيِّنَةٍ، وَقِيلَ: وَقَرِينَةٍ، وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْكَافِرُ فَلَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ فِي كُفْرِهِ إِجْمَاعًا [مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَابَ] (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى سِوَى ذَلِكَ) كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ (فَتَابَ قَبْلَ إِقَامَتِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ) ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَذْهَبَ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: لِعُمُومِ آيَةِ الزِّنَا، وَالسَّارِقِ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَجَمَ مَاعِزًا، وَالغَامِدِيَّةَ، وَقَدْ جَاءَا تَائِبَيْنِ» ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ كَفَّارَةٌ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالتَّوْبَةِ، كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَلِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ كَالْمُحَارِبِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ) نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ " وَصَحَّحَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] وَلِقَوْلِهِ: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: 39] وَفِي الْخَبَرِ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» ، وَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَسَقَطَ بِالتَّوْبَةِ كَحَدِّ الْمُحَارِبِ (قَبْلَ إِصْلَاحِ الْعَمَلِ) ، وَكَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 463 فَصَلٌ (وَمَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ، أَوْ حُرْمَتُهُ، أَوْ مَالُهُ، فَلَهُ الدَّفْعُ عَنْ ذَلِكَ بِأَسْهَلِ مَا يَعْلَمُ   [المبدع في شرح المقنع] فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى شَرْطَيْنِ، وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّأْكِيدِ، وَالْمُبَالَغَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ صَلَاحُ الْعَمَلِ فِي تَوْبَةِ الْمُشْرِكِ، قَالَ الْقَاضِي: لَا يُعْتَبَرُ صَلَاحُ الْعَمَلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَأَبِي الْحَارِثِ، لِأَنَّهَا تَوْبَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْحَدِّ أَشْبَهَتْ تَوْبَةَ الْمُحَارِبِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَالْإِسْلَامِ، فَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، وَقِيلَ: قَبْلَ الْقُدْرَةِ، وَقِيلَ: قَبْلَ إِقَامَتِهِ، وَفِي بَحْثِ الْقَاضِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ عِلْمِ الْإِمَامِ بِهِمْ أَوْ لَا، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ فِي الْحَدِّ لَا يُكْمَلُ، وَإِنَّ هَرَبَهُ فِيهِ تَوْبَةٌ، وَعَنْهُ إِنْ ثَبَتَ الْحَدُّ بِنَفْيهِ لَمْ يَسْقُطْ، ذَكَرَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِمَا يَسْقُطُ فِي حَقِّ مُحَارِبٍ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ لَا، كَمَا قَبْلَ الْمُحَارَبَةِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ ": لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِ ذِمِّيٍّ، وَمُسْتَأْمِنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي ذِمِّيٍ، وَنَقَلَهُ فِيهِ أَبُو دَاوُدَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدٌّ سَقَطَ عَنْهُ) لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ، كَمَا يَسْقُطُ غَسْلُ مَا ذَهَبَ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ. تَذْنِيبٌ: إِذَا وَجَدَ رَجُلًا يَزْنِي مَعَ امْرَأَتِهِ فَقَتَلَهُ، فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَرَ، فَإِنِ ادَّعَى ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهِيَ شَاهِدَانِ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَرْبَعَةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً ضَمِنَهَا وَأَثِمَ، وَإِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً، فَلَا. فَائِدَةٌ: مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ حُبِسَ، وَأُطْعِمَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى يَمُوتَ، وَكَذَا مَنِ ابْتَدَعَ بِبِدْعَةٍ وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَيْهَا حُبِسَ حَتَّى يَكُفَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بِدْعَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. [مَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ أَوْ مَالُهُ فَلَهُ الدَّفْعُ] فَصْلٌ (وَمَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ، أَوْ حُرْمَتُهُ، أَوْ مَالُهُ وَإِنْ قَلَّ، كَافَأَهُ أَمْ لَا (فَلَهُ الدَّفْعُ عَنْ ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 464 دَفْعَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إِلَّا بِالْقَتْلِ، فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُتِلَ كَانَ شَهِيدًا، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ آدَمِيًّا، أَوْ بَهِيمَةً،   [المبدع في شرح المقنع] بِأَسْهَلِ مَا يَعْلَمُ) ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ ذَلِكَ بِأَسْهَلِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ (دَفَعَهُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَأَدَّى إِلَى تَلَفِهِ وَأَذَاهُ فِي نَفْسِهِ، وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَتَسَلَّطَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَأَدَّى إِلَى الْهَرَجِ وَالْمَرَجِ، لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، لِحُصُولِ الدَّفْعِ بِهِ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ هَرَبٌ، أَوِ احْتِمَاءٌ، وَنَحْوُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مَتَى عَلِمَ، أَوْ ظَنَّ الدَّافِعُ أَنَّ الصَّائِلَ عَلَيْهِ يَنْدَفِعُ بالقول لَمْ يَجُزْ ضَرْبُهُ بِشَيْءٍ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا تُرِيدُ قَتْلَهُ وَضَرْبَهُ لَكِنِ ادْفَعْهُ، وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: رَأَيْتُهُ يَعْجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ: أُقَاتِلُهُ، وَأَمْنَعُهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِعَصًا لَمْ يَضْرِبْهُ بِحَدِيدٍ (وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إِلَّا بِالْقَتْلِ، فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ ضَرَرَهُ إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إِلَّا بِهِ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى الدَّفْعِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) بِالْقَتْلِ، لِأَنَّهُ قَتَلَ لِدَفْعِ شَرِّ الصَّائِلِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ كَفِعْلِ الْبَاغِي. وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا ضَافَ نَاسًا مِنْ هُذَيْلٍ فَأَرَادَ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا، فَرَمَتْهُ بِحَجَرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَا يُودَى بِهِ (وَإِنْ قُتِلَ كَانَ شَهِيدًا) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمِنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلِأَنَّهُ قتل لدفع ظَلَمَ فَكَانَ شهيدا كَالْعَادِلِ إِذَا قَتَلَهُ الْبَاغِي، وَإِنْ قَتَلَهُ فَهَدَرٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَالِ مَزْحٍ، ذَكَرُهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَيُقَادُ بِهِ، ذَكَرَهُ آخَرُونَ (وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 465 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَكَمَا يَحْرُمُ قَتْلُ نَفْسِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى إِحْيَاءِ نَفْسِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا يَتَّقِي بِهِ، كَالْمُضْطَرِّ إِذَا وَجَدَ الْمَيْتَةَ، وَكَذَا عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ، لَا فِي فِتْنَةٍ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ، قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْمُنَجَّا، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إِذَا جَاءَ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ابْنَيْ آدَمَ، الْقَاتِلُ فِي النَّارِ، وَالْمَقْتُولُ فِي الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ فِتْنَةً فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّ عُثْمَانَ تَرَكَ الْقِتَالَ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ قِتَالِهِمْ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَأَنْكَرَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَعَلَى اللُّزُومِ إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَهْرُبَ، أَوْ يَحْتَمِيَ، أَوْ يَخْتَفِيَ، فَفِي جَوَازِ الدَّفْعِ وَجْهَانِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ حُرْمَتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ قُوَيْلٌ، فَإِنَّهُ إِذَا رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَوِ ابْنَتِهِ، أَوْ أُخْتِهِ يُزْنَي بِهَا، أَوْ تُلُوِّطَ بِابْنِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَنْصُوصِ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ، وَهُوَ مَنْعُهُ مِنَ الْفَاحِشَةِ، وَحَقُّ نَفْسِهِ بِالْمَنْعِ عَنْ أَهْلِهِ، فَلَا يَسَعُهُ إِضَاعَةُ هَذِهِ الْحُقُوقِ، وَلَا عَنْ مَالِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ حفظه مِنَ الضَّيَاعِ، وَالْهَلَاكِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " فِي الثَّلَاثَةِ: يَلْزَمُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ بَذْلُهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": الْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّ تَرْكَ قِتَالِهِ عَنْهُ أَفْضَلُ، وَأَطْلَقَ رِوَايَتَيِ الْوُجُوبِ فِي الْكُلِّ، زَادَ فِي " نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ " عَلَى الثَّلَاثَةِ: وَعِرْضِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، وَأَطْلَقَ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لُزُومَهُ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ (وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ آدَمِيًّا) مُكَلَّفًا، أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَعِنْدِي يَنْتَقِضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ (أَوْ بَهِيمَةً) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُجَوِّزِ لِلدَّفْعِ، وَهُوَ الصَّوْلُ، وَلِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 466 وَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا، أَوْ صَائِلًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ عَضَّ إِنْسَانٌ إِنْسَانًا، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ، ذَهَبَتْ هَدَرًا. وَإِنْ نَظَرَ فِي بَيْتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] حُرْمَةَ لَهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إِذَا أَمْكَنَهُ، كَمَا لَوْ خَافَ مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَارٍ، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَتَنَحَّى عَنْهُ (وَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا أَوْ صَائِلًا) أَيْ: إِذَا ادَّعَى صِيَالَةً بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَا إِقْرَارٍ لَمْ يُقْبَلْ (فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا) أَيْ: إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَمْرُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ سِلَاحٌ أَوْ لَا، فَإِنْ خَرَجَ بِالْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِخْرَاجُهُ، لَكِنْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى لِصًّا فَأَصْلَتَ عَلَيْهِ السَّيْفَ، قَالَ الرَّاوِي: فَلَوْ تَرَكْنَاهُ لَقَتَلَهُ. وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ، فَقَالَ: رَجُلٌ دَخَلَ بَيْتِي وَمَعَهُ حَدِيدَةٌ، أَقْتُلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ أَمْكَنَ إِزَالَةُ الْعُدْوَانِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، فَلَمْ يَجُزِ الْقَتْلُ، وَكَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْهُ شَيْئًا وَأَمْكَنَ أَخْذُهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَفِعْلُ ابْنِ عُمَرَ يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ التَّرْهِيبِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ ضَرْبُهُ بِأَسْهَلِ مَا يَعْلَمُ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ، فَإِنْ خَرَجَ بِالْعَصَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ بِالْحَدِيدِ، وَإِنْ وَلَّى هَارِبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا اتِّبَاعُهُ كَالْبُغَاةِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَطَّلَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ، لِأَنَّهُ لَقِيَ شَرَّهُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ، فَوَلَّى مُدْبِرًا فَقَطَعَ رِجْلَهُ، فَالرِّجْلُ مَضْمُونَةٌ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، لِأَنَّهُ فِي حَالٍ لَا يَحِلُّ لَهُ ضَرْبُهُ، وَالْيَدُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ سِرَايَةِ الْقَطْعِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ فَقَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى، فَالْيَدَانِ غَيْرُ مَضْمُونَتَيْنِ، وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَةِ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنْ يَضْمَنَ نِصْفَ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ اثْنَانِ، وَمَاتَ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِلَّا بِالْقَتْلِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ بِهِ، فَلَهُ قَتْلُهُ، وَهُوَ هَدَرٌ، كَالْبَاقِي، وَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَهُوَ شَهِيدٌ لِلْخَبَرِ، وَكَالْعَادِي، وَعَلَى الصَّائِلِ ضَمَانُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِقَطْعِ عُضْوٍ فَقَتَلَهُ، أَوْ قَطَعَ زِيَادَةً عَلَى مَا يَنْدَفِعُ بِهِ، ضَمِنَهُ (وَإِنْ عَضَّ إِنْسَانٌ إِنْسَانًا) عَضًّا مُحَرَّمًا (فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ ذَهَبَتْ هَدَرًا) لِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: «قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، وَفِي لَفْظٍ: بِثَنِيَّتِهِ، فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ، لَا دِيَةَ لَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ. وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ تَلِفَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّ صَاحِبِهِ فَلَمْ يُضْمَنْ، كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنِ الدَّافِعُ إِلَّا بِقَطْعِ يَدِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَعْضُوضُ ظَالِمًا أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 467 مِنْ خِصَاصِ الْبَابِ وَنَحْوِهِ، فَخَذَفَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] مَظْلُومًا، لِأَنَّ الْعَضَّ مُحَرَّمٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَضُّ مُبَاحًا، كَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ إِلَّا بِعَضِّهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَخْلِيصُ الْمَعْضُوضِ يَدَهُ بِأَسْهَلِ مَا يُمْكِنُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَكَّ لَحْيَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ لَكَمَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ جَذَبَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْلُصْ فَلَهُ أَنْ يَعْصِرَ خُصْيَتَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَبْعَجَ بَطْنَهُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْذِبَ يَدَهُ أَوَّلًا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، فَعَدَلَ إِلَى لَكْمِ فَكِّهِ، فَأَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ، لِإِمْكَانِ التَّخَلُّصِ بِمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ. (وَإِنْ نَظَرَ فِي بَيْتِهِ مِنْ خِصَاصِ الْبَابِ) وَهُوَ الْفُرُوجُ الَّذِي فِيهِ (وَنَحْوِهِ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَكِنْ ظَنَّهُ مُتَعَمِّدًا، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": أَوْ صَادَفَ عَوْرَةً مِنْ مَحَارِمِهِ وَأَصَرَّ، وَفِي " الْمُغْنِي ": وَلَوْ خَلَتْ مِنْ نِسَاءٍ (فَخَذَفَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا) وَفِي " الْفُرُوعِ ": فَتَلِفَتْ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِمَا، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذَنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إِلَّا بِذَلِكَ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلَا يَتْبَعُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَدْفَعُهُ بِالْأَسْهَلِ، فَيُنْذِرُهُ أَوَّلًا، كَمَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ لَمْ يَقْصِدْ أُذُنَهُ بِلَا إِنْذَارٍ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَقِيلَ: بَابٌ مَفْتُوحٌ كَخَصَاصَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «وَإِنْ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى بَابٍ لَا سِتْرَ لَهُ غَيْرِ مُغْلَقٍ، فَيَنْظُرُ، فَلَا خَطِيئَةَ عَلَيْهِ، إِنَّمَا الْخَطِيئَةُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ. وَلَوْ كَانَ إِنْسَانٌ عُرْيَانًا فِي طَرِيقٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَمْيُ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ. فَرْعٌ: إِذَا اطَّلَعَ فَرَمَاهُ، فَقَالَ الْمُطَّلِعُ: مَا تَعَمَّدْتُهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: بَلَى، وإن اطلع أعمى لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: بَلَى، إِنْ كَانَ سَمِيعًا كَالْبَصِيرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ النَّاظِرُ فِي مِلْكِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 468 بَابٌ قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ وَهُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، وَلَهُمْ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ.   [المبدع في شرح المقنع] [بَابٌ قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ] [تَعْرِيفُ أَهْلِ الْبَغْيِ] ِ الْبَغْيُ: مَصْدَرُ بَغَى يَبْغِي بَغْيًا، إِذَا اعْتَدَى، وَالْمُرَادُ هُنَا: الظَّلَمَةُ الْخَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ، الْمُعْتَدُونَ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] . وَفِيهَا فَوَائِدُ: مِنْهَا أَنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا بِالْبَغْيِ عَنِ الْإِيمَانِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَوْجَبَ قِتَالَهُمْ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَسْقَطَ قِتَالَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْهُمُ التَّبِعَةَ فِيمَا أَتْلَفُوهُ فِي قِتَالِهِمْ، وَمِنْهَا: أَنَّهَا أَجَازَتْ قِتَالَ كُلِّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا عَلَيْهِ، وَالْأَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ، مِنْهَا مَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَلَّا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِهِمْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَاتَلَ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَعَلِيًّا قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ وَأَهْلَ صِفِّينَ (وَهُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ) الْعَادِلِ، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ) سَوَاءٌ كَانَ صَوَابًا أَوْ خَطَأً، وَقِيلَ: بَلْ خَطَأٌ فَقَطْ، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (وَلَهُمْ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ) لَا جَمْعٌ يَسِيرٌ، خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ، فَإِنْ فَاتَ شَرْطٌ فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ، فَعَلَى هَذَا لَوِ امْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَخَرَجُوا عَنْ قَبْضَتِهِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، أَوْ كَانَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ وَلَا مَنَعَةَ لَهُمْ كَالْعَشَرَةِ، فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": لَا تَتِمُّ الشَّوْكَةُ إِلَّا وَفِيهِمْ وَاحِدٌ مُطَاعٌ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُمْ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": تَدْعُو إِلَى نَفْسِهَا، أَوْ إِلَى إِمَامٍ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ. أَصْلٌ: مَنْ كَفَّرَ أَهْلَ الْحَقِّ وَالصَّحَابَةَ، وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ بُغَاةٌ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ تَتَعَيَّنُ اسْتِتَابَتُهُمْ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا عَلَى إِفْسَادِهِمْ، لَا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُحْدَثِينَ: هُمْ كُفَّارٌ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ، لِلْأَخْبَارِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، ذَكَرَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَ " الرِّعَايَةِ ": أَنَّهَا أَشْهَرُ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 469 وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُرَاسِلَهُمْ، وَيَسْأَلَهُمْ مَا يَنْقِمُونَ مِنْهُ، وَيُزِيلَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ مَظْلَمَةٍ، وَيَكْشِفُ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ شُبْهَةٍ، فَإِنْ فَاءُوا، وَإِلَّا قَاتَلَهُمْ، وَعَلَى رَعِيَّتِهِ مَعُونَتُهُ عَلَى حَرْبِهِمْ، فَإِنِ اسْتَنْظَرُوهُ مُدَّةً رَجَا رُجُوعَهُمْ فِيهَا أَنْظَرَهُمْ، فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا مَكِيدَةٌ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ: الْخَوَارِجُ كِلَابُ النَّارِ، صَحَّ الْحَدِيثُ فِيهِمْ مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ، قَالَ: وَالْحُكْمُ فِيهِمْ عَلَى مَا قَالَ عَلِيٌّ، وَفِيمَا قَالَ: لَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى كُفْرِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، قَوْلُهُ: يَتَمَادَى فِي الْفَوْقِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَوَارِجَ يَجُوزُ قَتْلُهُمُ ابْتِدَاءً، وَالْإِجَازَةُ عَلَى جَرِيحِهِمْ. [مَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ قَبْلَ قِتَال أهل البغي] (وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُرَاسِلَهُمْ) لِلنَّصِّ، إِذِ الْمُرَاسَلَةُ، وَالسُّؤَالُ طَرِيقٌ إِلَى الصُّلْحِ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى رُجُوعِهِمْ إِلَى الْحَقِّ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَاسَلَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ، وَلَمَّا اعْتَزَلَتْهُ الْحَرُورِيَّةُ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَوَاضَعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ (وَيَسْأَلَهُمْ مَا يَنْقِمُونَ مِنْهُ وَيُزِيلَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ مَظْلَمَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ وَجَبَ مَعَ إِفْضَاءِ الْأَمْرِ إِلَى الْقَتْلِ وَالْهَرَجِ وَالْمَرَجِ، فَلَأَنْ يَجِبُ فِي حَالٍ يُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَيَكْشِفَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ شُبْهَةٍ) لِأَنَّ كَشْفَهَا طَرِيقٌ إِلَى رُجُوعِهِمْ إِلَى الْحَقِّ، وَذَلِكَ مَطْلُوبٌ إِلَّا أَنْ يَخَافَ كَلْبَهُمْ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ، فَإِنْ أَبَوُا الرُّجُوعَ وَعَظَهُمْ، وَخَوَّفَهُمُ الْقِتَالَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ شَرِّهِمْ لَا قَتْلُهُمْ، (فَإِنْ فَاءُوا) أَيْ: رَجَعُوا إِلَى الطَّاعَةِ (وَإِلَّا قَاتَلَهُمْ) أَيْ: يَلْزَمُ الْقَادِرَ قِتَالُهُمْ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ حَتَّى يَبْدَءُوهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الْمُؤَلِّفِ، وَقَالَا فِي الْخَوَارِجِ: لَهُ قَتْلُهُمُ ابْتِدَاءً، وَتَتِمَّةُ الْجَرِيحِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " فِي الْخَوَارِجِ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ بُغَاةٌ، لَهُمْ حُكْمُهُمْ، وَفَرَّقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ (وَعَلَى رَعِيَّتِهِ مَعُونَتُهُ عَلَى حَرْبِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَإِنِ اسْتَنْظَرُوهُ مُدَّةً رَجَا رُجُوعَهُمْ فِيهَا أَنْظَرَهُمْ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 470 يُنْظِرْهُمْ وَقَاتَلَهُمْ. وَلَا يُقَاتِلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إِتْلَافُهُ كَالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا يَسْتَعِينُ فِي حَرْبِهِمْ بِكَافِرٍ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَيْهِمْ بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَا يُتْبَعُ لَهُمْ مُدْبِرٌ، وَلَا يُجَازِ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُغْنَمْ لَهُمْ مَالٌ، وَلَا تُسْبَى   [المبدع في شرح المقنع] عَنْهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": ثَلَاثًا، وَلِأَنَّ الْإِنْظَارَ الْمَرْجُوَّ بِهِ رُجُوعُهُمْ أَوْلَى مِنْ مُعَالَجَتِهِمْ بِالْقِتَالِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْهَرَجِ وَالْمَرَجِ (فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا مَكِيدَةٌ لَمْ يُنْظِرْهُمْ) لِأَنَّ الْإِنْظَارَ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ أَنْ يَصِيرَ طَرِيقًا إِلَى قَهْرِ أَهْلِ الْحَقِّ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَعْطَوْهُ عَلَيْهِ مَالًا أَوْ رَهْنًا، لِأَنَّهُ يُخَلِّي سَبِيلَهُمْ إِذَا انْقَضَتِ الْحَرْبُ كَمَا يُخَلِّي الْأُسَارَى، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، فَإِنْ سَأَلُوهُ أَنْ يُنْظِرَهُمْ أَبَدًا، وَيَدَعَهُمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ وَيَكُفُّوا عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ قَوِيَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا جَازَ (وَقَاتَلَهُمْ) حَيْثُ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ ضَعُفَ عَنْهُ أَخَّرَهُ حَتَّى يَقْوَى، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُمْ مَنْ لَا يُقَاتِلُ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ، وَإِذَا قَاتَلَ مَعَهُمْ عَبِيدٌ، أَوْ نِسَاءٌ، أَوْ صِبْيَانٌ، فَهُمْ كَالرَّجُلِ الْبَالِغِ الْحُرِّ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَمُرَاهِقٌ وَعَبْدٌ كَخَيْلٍ. [أَحْكَامُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ] (وَلَا يُقَاتِلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إِتْلَافُهُ كَالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ) لِأَنَّهُ يَعُمُّ مَنْ يَجُوزُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ (إِلَّا لِضَرُورَةٍ) كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ، فَإِنْ رَمَاهُمُ الْبُغَاةُ بِهِ جَازَ رَمْيُهُمْ، (وَلَا يَسْتَعِينُ فِي حَرْبِهِمْ بِكَافِرٍ) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِهِ، فَلَأَنْ لَا يُسْتَعَانَ بِهِ فِي قِتَالِ مُسْلِمٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ كَفُّهُمْ لَا قَتْلُهُمْ، وَهُوَ لَا يَقْصِدُ قَتْلَهُمْ، فَإِنِ احْتَاجَ فَقَدَرَ عَنْ كَفِّهِمْ عَنْ فِعْلِ مَا لَا يَجُوزُ جَازَتْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا. (وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَيْهِمْ بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ؟) أَيْ: خَيْلِهِمْ (عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: لَا، جَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَحْمَدَ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ عَنْ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عَصَمَ أَمْوَالَهُمْ، وَإِنَّمَا أُتِيحَ قِتَالُهُمْ لِرَدِّهِمْ إِلَى الطَّاعَةِ، فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَى الْعِصْمَةِ، كَمَالِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ ضَرُورَةٌ، فَيَجُوزُ كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فِي الْمَخْمَصَةِ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إِلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى أَسْلِحَةِ الْكُفَّارِ، وَعَلَيْهِ: لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ قِتَالُهُمْ، وَيَجِبُ رَدُّهُ بَعْدَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ، كَمَا يَرُدُّ سَائِرَ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَرُدُّهُ حَالَ الْحَرْبِ، لِئَلَّا يُقَاتِلُونَا بِهِ (وَلَا يُتْبَعُ لَهُمْ مُدْبِرٌ، وَلَا يُجَازِ عَلَى جَرِيحٍ) وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ إِذَا تَرَكُوا الْقِتَالَ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، لِمَا رَوَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 471 لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ، وَمَنْ أُسِرَ مِنْ رِجَالِهِمْ حُبِسَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ، ثُمَّ يُرْسَلَ، وَإِنْ أُسِرَ صَبِيٌّ، أَوِ امْرَأَةٌ، فَهَلْ يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، أَوْ يُخَلَّى فِي الْحَالِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِذَا   [المبدع في شرح المقنع] مَرْوَانُ، قَالَ: خَرَجَ خَارِجٌ يَوْمَ الْجَمَلِ لِعَلِيٍّ: لَا يُقْتَلَنَّ مُدْبِرٌ، وَلَا يُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحٍ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَعَنْ عَمَّارٍ نَحْوَهُ، وَكَالصَّائِلِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِنَّ الْمُدْبِرَ مَنِ انْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُ لَا الْمُتَحَرِّفَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَعَلَى هَذَا: إِذَا قَتَلَ إِنْسَانًا مُنِعَ مِنْ قَتْلِهِ ضَمِنَهُ، وَهَلْ يَلْزَمْهُ الْقِصَاصُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ (وَلَا يُغْنَمُ لَهُمْ مَالٌ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكْفُرُوا بِبَغْيِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَعِصْمَةُ الْأَمْوَالِ تَابِعَةٌ لِدِينِهِمْ (وَلَا تُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِأَحَدٍ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ سَبَبٌ أَصْلًا، بِخِلَافِ أَهْلِ الْبَغْيِ، فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُمُ الْبَغْيُ وَالْقِتَالُ. (وَمَنْ أُسِرَ مِنْ رِجَالِهِمْ حُبِسَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ) لِأَنَّ فِي إِطْلَاقِهِمْ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ (ثُمَّ يُرْسَلُ) بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ إِرْسَالِهِمْ خَوْفُ مُسَاعَدَةِ أَصْحَابِهِمْ، وَقَدْ زَالَ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": لَا، مَعَ بَقَاءِ شَوْكَتِهِمْ، وَقِيلَ: يُرْسَلُ إِنْ أُمِنَ ضَرَرُهُ، فَإِنْ بَطَلَتْ، وَيُتَوَقَّعُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْحَالِ فَوَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا أَسَرَ رَجُلًا مُطَاعًا خُلِّيَ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ ": إِنْ أُمِنَ شَرُّهُ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الطَّاعَةِ، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَكَانَ رَجُلًا جَلْدًا حُبِسَ، وَأُطْلِقَ بَعْدَ الْحَرْبِ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ ": وَشُرِطَ عَلَيْهِ أَلَّا يَعُودَ إِلَى الْقِتَالِ. (وَإِنْ أُسِرَ صَبِيٌّ أَوِ امْرَأَةٌ، فَهَلْ يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، أَوْ يُخَلَّى فِي الْحَالِ، يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: يُحْبَسُونَ، لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ قُلُوبِ الْبُغَاةِ، وَكَالرَّجُلِ. وَالثَّانِي: يُخَلَّوْنَ فِي الْحَالِ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ "، لِأَنَّهُ لَا يُخْشَى مِنْ تَخْلِيَتِهِ. فَرْعٌ: لَا يُكْرَهُ لِلْعَادِلِ قَتْلُ ذَوِي رَحِمِهِ الْبَاغِينَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ، أَشْبَهَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَالْأَصَحُّ يُكْرَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 472 انْقَضَى الْحَرْبُ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَالَهُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ أَخَذَهُ، وَلَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْهِمْ حَالَ الْحَرْبِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَهَلْ يَضْمَنُ الْبُغَاةُ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْحَرْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ أَتْلَفَ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ شَيْئًا ضَمِنَهُ، وَمَا   [المبدع في شرح المقنع] الشَّافِعِيُّ: «كَفَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ» ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ، وَذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " احْتِمَالًا، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِمُصَاحَبَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ فِدَاءُ أُسَارَى أَهْلِ الْعَدْلِ بِأُسَارَى الْبُغَاةِ، فَإِنْ قَتَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ أُسَارَى أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يَجُزْ لِأَهْلِ الْعَدْلِ قَتْلُ أَسْرَاهُمْ، فَإِنِ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْبُغَاةِ فَقَدَرَ الْإِمَامُ عَلَى قَهْرِهِمَا، لَمْ يُعِنْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَإِنْ عَجَزَ وَخَافَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى حَرْبِهِ ضَمَّ إِلَيْهِ أَقْرَبَهُمَا إِلَى الْحَقِّ، فَإِنِ اسْتَوَيَا اجْتَهَدَ فِي ضَمِّ إِحْدَاهُمَا، وَلَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ مَعُونَةَ إِحْدَاهُمَا، بَلْ الِاسْتِعَانَةَ عَلَى الْأُخْرَى، فَإِذَا هَزَمَهَا لَمْ يُقَاتِلْ مَنْ مَعَهُ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ (وَإِذَا انْقَضَى الْحَرْبُ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَالَهُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ أَخَذَهُ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: مَنْ عَرَفَ شَيْئًا أَخَذَهُ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ بِالْإِسْلَامِ، أَشْبَهَ مَالَ غَيْرِ الْبُغَاةِ (وَلَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْهِمْ حَالَ الْحَرْبِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنُ دَفْعُ الْبُغَاةِ إِلَّا بِقَتْلِهِمْ جَازَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِمْ مِنْ إِثْمٍ، وَلَا ضَمَانٍ، وَلَا كَفَّارَةٍ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ الصَّائِلَ عَلَيْهِ (وَهَلْ يَضْمَنُ الْبُغَاةُ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْحَرْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا ضَمَانَ، قَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْفُرُوعِ "، وَنَصَرَهَا فِي " الشَّرْحِ "، وَالْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ "، وَصَحَّحَهَا، لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ: هَاجَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنْ لَا يُقَادَ أَحَدٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ، عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إِلَّا مَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَاحْتَجَّ بِهِ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَلِأَنَّ تَضْمِينَهُمْ يُفْضِي إِلَى تَنْفِيرِهِمْ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الطَّاعَةِ، فَسَقَطَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ، وَكَأَهْلِ الْعَدْلِ. وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُونَ، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِأَهْلِ الرِّدَّةِ: تُودُونَ قَتْلَانَا، وَلَا نُودِي قَتْلَاكُمْ، وَلِأَنَّهَا نُفُوسٌ، وَأَمْوَالٌ مَعْصُومَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 473 أَخَذُوا فِي حَالِ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ خَرَاجٍ، أَوْ جِزْيَةٍ لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَمَنِ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاتِهِ إِلَيْهِمْ قُبِلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنِ ادَّعَى ذَمِّيٌ دَفْعَ جِزْيَتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] أُتْلِفَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا ضَرُورَةِ دَفْعٍ مُبَاحٍ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالَّذِي تَلِفَ في غير حَالَ الْحَرْبِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ وَلَمْ يُمْضِهِ، ثُمَّ لَوْ وَجَبَ التَّعْزِيرُ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّينَ لَمْ يَلْزَمْ مِثْلُهُ هُنَا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ سَائِغٌ، وَأُولَئِكَ كُفَّارٌ لَا تَأْوِيلَ لَهُمْ، وَإِذَا ضَمِنَ الْمَالَ، فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ، فَإِنْ أَهْدَرَ فَالْقَوَدُ أَوْلَى (وَمَنْ أَتْلَفَ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ شَيْئًا ضَمِنَهُ) أَيْ: مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الضَّمَانِ، تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ فِي حَالِ الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ، وَهَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُ الْبَاغِي؟ إِذَا قَتَلَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي غَيْرِ الْمَعْرَكَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ، فَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَالصَّحِيحُ إِبَاحَةُ قَتْلِهِمْ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ (وَمَا أَخَذُوا فِي حَالِ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ خَرَاجٍ أَوْ جِزْيَةٍ لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى صَاحِبِهِ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَوْهُ، وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الِاحْتِسَابِ بِهَا ضَرَرًا عَظِيمًا وَمَشَقَّةً كَبِيرَةً، فَإِنَّهُمْ قَدْ يَغْلِبُونَ عَلَى الْبِلَادِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ، فَلَوْ لَمْ يَحْتَسِبْ بِمَا أَخَذُوهُ لَحَصَلَ الضَّرَرُ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى بُغَاةٍ وَخَوَارِجَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْخَوَارِجِ، وَيَقَعُ مَوْقِعَهُ، قَالَ الْقَاضِي فِي " الشَّرْحِ ": هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّمَا يَجُوزُ أَخْذُهُمْ إِذَا نَصَّبُوا لَهُمْ إِمَامًا، وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إِلَيْهِمِ اخْتِيَارًا، وَعَنْ أَحْمَدَ: الْوَقْفُ فِيمَا أَخَذُوهُ مِنْ زَكَاةٍ، فَلَوْ صَرَفَهُ أَهْلُ الْبَغْيِ فِي جِهَتِهِ صَحَّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَدَفْعُ سَهْمِ الْمُسْتَرْزِقَةِ إِلَى أَجْنَادِهِمْ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (وَمَنِ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاتِهِ إِلَيْهِمْ قُبِلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُسْتَحْلَفُ النَّاسُ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ (وَإِنِ ادَّعَى ذِمِّيٌّ دَفْعَ جِزْيَتِهِ إِلَيْهِمْ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَأْمُونِينَ، وَلِأَنَّهَا عِوَضٌ أَشْبَهَتِ الْأُجْرَةَ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ إِذَا مَضَى الْحَوْلُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبُغَاةَ لَا يَدَّعُونَ الْجِزْيَةَ لَهُمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 474 إِلَيْهِمْ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنِ ادَّعَى إِنْسَانٌ دَفْعَ خَرَاجِهِ إِلَيْهِمْ فَهَلْ يُقْبَلُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ، وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ إِلَّا مَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ. وَإِنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَعَانُوهُمُ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، إِلَّا أَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُمْ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنِ ادَّعَى إِنْسَانٌ دَفْعَ خَرَاجِهِ إِلَيْهِمْ فَهَلْ يُقْبَلُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَشْهَرُهُمَا: لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّهُ عِوَضٌ أَشْبَهَ الْجِزْيَةَ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى مُسْلِمٍ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ كَالزَّكَاةِ، وَقِيلَ: بَلَى، إِنْ حَلَفَ (وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ) لِأَنَّهُمْ أَخْطَئُوا فِي فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ بِاجْتِهَادِهِمْ، أَشْبَهَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيُؤْخَذُ عَنْهُمُ الْعِلْمُ مَا لَمْ يَكُونُوا دُعَاةً. انْتَهَى. فَأَمَّا الْخَوَارِجُ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ إِذَا خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ فَلَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةٌ، لِأَنَّهُمْ فُسَّاقٌ (وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ إِلَّا مَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ) لِأَنَّ نَفْيَهُمْ فِي أَمْرٍ يُسَوَّغُ فِيهِ التَّأْوِيلُ، أَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْفُرُوعِ، فَعَلَى هَذَا: إِنْ خَالَفَ حُكْمُ حَاكِمِهِمْ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا، أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَمْوَالَهُمْ نُقِضَ حُكْمُهُ. فَرْعٌ: إِذَا كَتَبَ قَاضِيهِمْ إِلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ جَازَ قَبُولُ كِتَابِهِ، لِأَنَّهُ قَاضٍ ثَابِتُ الْقَضَاءِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَ " التَّرْغِيبِ ": الْأَوْلَى رَدُّ كِتَابِهِ قَبْلَ حُكْمِهِ كَسْرًا لِقُلُوبِهِمْ، فَأَمَّا الْخَوَارِجُ إِذَا وَلَّوْا قَاضِيًا لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ لِلْفِسْقِ، وَفِي " الْمُغَنِي "، وَ " الشَّرْحِ " احْتِمَالٌ: يَصِحُّ قَضَاؤُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، كَمَا لَوْ أَقَامَ الْحَدَّ، أَوْ أَخَذَ جِزْيَتَهُ وَخَرَاجًا وَزَكَاةً. [اسْتِعَانَةُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ] (وَإِنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَعَانُوهُمْ) طَوْعًا مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 475 ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَعُونَةُ مَنِ اسْتَعَانَ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ، وَيُغَرَّمُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ. وَإِنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَمِنُوهُمْ لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُمْ، وَإِنْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ، وَلَمْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبٍ،   [المبدع في شرح المقنع] (انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ) قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، كَمَا لَوِ انْفَرَدُوا بِقِتَالِهِمْ، وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقِيلَ: لَا يَنْتَقِضُ، لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَعْرِفُونَ الْمُحِقَّ مِنَ الْمُبْطِلِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً لَهُمْ، فَعَلَى هَذَا حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ فِي قَتْلِ مُقْبِلِهِمْ، وَالْكَفِّ عَنْ أَسِيرِهِمْ، وَمُدْبِرِهِمْ، وَجَرِيحِهِمْ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ ": إِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، وَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ لِخَوْفِ الْخِيَانَةِ مِنْهُمْ، وَيَلْزَمُ الدَّفْعُ عَنْهُمْ، وَالْمُسْتَأْمَنُونَ بِخِلَافِ هَذَا (إِلَّا أَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَعُونَةُ مَنِ اسْتَعَانَ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ) وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ مَا ادَّعَوْهُ مُحْتَمَلٌ، فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " فِي الْأَصَحِّ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَجْهَانِ (وَيُغَرَّمُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) فِي الْأَصَحِّ حَالَ الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْبَغْيِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا تَأْوِيلَ لَهُمْ، لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ كَيْلَا يُؤَدِّيَ إِلَى تَنْفِيرِهِمْ عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى ذَلِكَ فِيهِمْ، وَالثَّانِي: لَا يَضْمَنُونَ كَالْمُسْلِمِينَ. (وَإِنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَأَمَّنُوهُمْ) أَوْ عَقَدُوا لَهُمْ ذِمَّةً (لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُمْ) لِأَنَّ الْأَمَانَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ إِلْزَامُ كَفَّهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَهْلِ الْعَدْلِ قَتْلُهُمْ لِمَنْ لَمْ يُؤَمِّنُوهُ، وَحُكْمُ أَسِيرِهِمْ حُكْمُ أَسِيرِ أَهْلِ الْحَرْبِ قَبْلَ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، فَأَمَّا الْبُغَاةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ قَتْلُهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَمَّنُوهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُمُ الْغَدْرُ بِهِمْ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": إِلَّا أَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بُغَاةٍ. أَصْلٌ: إِذَا اسْتَعَانُوا بِمُسْتَأْمَنِينَ فَأَعَانُوهُمْ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، وَصَارُوا كَأَهْلِ الْحَرْبِ، لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا كَفَّهُمْ عَنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ مُكْرَهِينَ لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُمْ، وَإِنِ ادَّعَوْهُ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَإِنْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ) مِثْلَ تَكْفِيرِ مَنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 476 لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ، وَإِنْ سَبُّوا الْإِمَامَ عَزَّرَهُمْ، وَإِنْ جَنَوْا جِنَايَةً أَوْ أَتَوْا حَدًّا أَقَامَهُ   [المبدع في شرح المقنع] ارْتَكَبَ كَبِيرَةً، وَتَرَكَ الْجَمَاعَةَ (وَلَمْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبٍ) وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا، فَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِذَلِكَ قَتْلُهُمْ وَلَا قِتَالُهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ (لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ) وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَخْطُبُ، فَقَالَ رَجُلٌ بِبَابِ الْمَسْجِدِ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، ثُمَّ قَالَ: لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ: لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلَا نَمْنَعُكُمُ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْمَدِينَةِ» ، فَعَلَى هَذَا: حُكْمُهُمْ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ، وَالْمَالِ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ، وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ يَتَعَرَّضُونَ وَيُكَفِّرُونَ، قَالَ: لَا تَعَرَّضُوا لَهُمْ، قُلْتُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يُكْرَهُ مِنْ أَنْ يُحْبَسُوا، قَالَ: لَهُمْ وَالِدَاتٌ وَأَخَوَاتٌ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: الْحَرُورِيَّةُ إِذَا دَعَوْا إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ إِلَى دِينِهِمْ فَقَاتِلْهُمْ، وَإِلَّا فَلَا يُقَاتَلُونَ (وَإِنْ سَبُّوا الْإِمِامَ) أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ صَرِيحًا (عَزَّرَهُمْ) لِأَنَّهُمُ ارْتَكَبُوا مُحَرَّمًا لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ عَرَّضُوا بِالسَّبِّ فَفِي تَعْزِيرِهِمْ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْإِبَاضِيَّةِ، وَسَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ: يُسْتَتَابُونَ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ، وَأَمَّا مَنْ رَأَى تَكْفِيرَهُمْ فَمُقْتَضَى قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ يُسْتَتَابُونَ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا قُتِلُوا لِكُفْرِهِمْ (وَإِنْ جَنَوْا جِنَايَةً أَوْ أَتَوْا حَدًّا أَقَامَهُ عَلَيْهِمْ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي ابْنِ مُلْجِمٍ لَمَّا جَرَحَهُ: أَطْعِمُوهُ، وَاسْقُوهُ، وَاحْبِسُوهُ، فَإِنْ عِشْتُ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي، وَإِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تُمَثِّلُوا بِهِ، وَلِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِبُغَاةٍ فَهُمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّ فِي إِسْقَاطِ ذَلِكَ عَنْهُمْ تَجْرِئَتَهُمْ عَلَى الْفِعْلِ، وَذَلِكَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ. أَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ فِي مُبْتَدِعٍ دَاعِيَةٍ لَهُ دُعَاةٌ: أَرَى حَبْسَهُ، وَكَذَا فِي " التَّبْصِرَةِ ": عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُمْ وَرَدْعُهُمْ، وَلَا يُقَاتِلُهُمْ إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبِهِ فَكَبُغَاةٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي الْحَرُورِيَّةِ: الدَّاعِيَةُ يُقَاتَلُ كَبُغَاةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ يُقَاتَلُ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، وَكُلُّ مَنْ مَنَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 477 عَلَيْهِمْ، وَإِنِ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ لِعَصَبِيَّةٍ، أَوْ طَلَبِ رِئَاسَةٍ فَهُمَا ظَالِمَتَانِ، وَتَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَا أَتْلَفَتْ عَلَى الْأُخْرَى. بَابٌ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَهُوَ الَّذِي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، فَمَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ، أَوْ جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ، أَوْ وَحْدَانِيَّتَهُ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] فَرِيضَةً، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: أَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَنْ شَرِيعَةٍ مُتَوَاتِرَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ قِتَالُهَا حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، كَالْمُحَارِبِينَ وَأَوْلَى، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنِ الْأَصْحَابِ تَكْفِيرَ مَنْ خَالَفَ فِي أَصْلٍ، كَخَوَارِجَ، وَرَافِضَةٍ، وَمُرْجِئَةٍ، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَنْ قَالَ: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ الْمَعَاصِيَ، أَوْ وَقَفَ فِيمَنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ، وَفِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ، وَإِنِ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ، وَفِي " الْمُغْنِي ": يُخَرَّجُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ اسْتُحِلَّ بِتَأْوِيلٍ كَالْخَوَارِجِ، وَفِي " نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ ": مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ، وَإِلَّا فَسَقَ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ كُفْرَ الْخَوَارِجِ، وَالرَّافِضَةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَالْمُرْجِئَةِ، وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ كَفَّرْنَاهُ فَسَقَ وَهَجَرَ، وَفِي كُفْرِهِ وَجْهَانِ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَيَعْقُوبَ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهِيَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ، بَلْ صَرِيحَةٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَفَّرْنَا الْجَهْمِيَّةَ لَا أَعْيَانَهُمْ (وَإِنِ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ لِعَصَبِيَّةٍ، أَوْ طَلَبِ رِئَاسَةٍ فَهُمَا ظَالِمَتَانِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بَاغِيَةٌ عَلَى صَاحِبَتِهَا (وَتَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَا أَتْلَفَتْ عَلَى الْأُخْرَى) لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ نَفْسًا مَعْصُومَةً وَمَالًا مَعْصُومًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَأَوْجَبُوا الضَّمَانَ عَلَى مَجْمُوعِ الطَّائِفَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ الْمُتْلَفِ، قَالَ: وَإِنْ تَقَابَلَا تَقَاصَّا، لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ، وَالْمُعِينَ وَاحِدٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، قَالَ: وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ مَا نَهَبَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الْأُخْرَى تَسَاوَيَا، وَمَنْ دَخَلَ لِلْإِصْلَاحِ فَقَتَلَتْهُ طَائِفَةٌ ضَمِنَتْهُ، وَإِنْ جُهِلَتْ ضَمِنَتَاهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيُخَالِفُ الْمَقْتُولُ فِي زِحَامِ الْجَامِعِ، وَالطَّوَافِ، لِأَنَّ الزِّحَامَ هُنَا لَيْسَ فِيهِ تَعَدٍّ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. [بَاب حُكْمُ الْمُرْتَدِّ] [تَعْرِيفُ الْمُرْتَدِّ] بَابٌ، حُكْمُ الْمُرْتَدِّ الْمُرْتَدُّ لُغَةً: الرَّاجِعُ، يُقَالُ: ارْتَدَّ فَهُوَ مُرْتَدٌّ إِذَا رَجَعَ، وَشَرْعًا، هُوَ: الرَّاجِعُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ إِمَّا نُطْقًا أَوِ اعْتِقَادًا أَوْ شَكًّا، وَقَدْ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ، وَلِهَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 478 صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ، أَوِ اتَّخَذَ لِلَّهِ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا، أَوْ جَحَدَ نَبِيًّا، أَوْ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ سَبَّ اللَّهَ، أَوْ رَسُولَهُ، كَفَرَ. وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ (وَهُوَ الَّذِي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ) لِأَنَّهُ بَيَانٌ لَهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة: 217] وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ (فَمَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ) أَيْ: إِذَا كَفَرَ طَوْعًا وَلَوْ هَازِلًا بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَقِيلَ: وَكَرْهًا، وَالْأَصَحُّ بِحَقٍّ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ، أَوْ أَنْكَرَ الشَّهَادَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا، كَفَرَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهَادَنُوا عَلَى الْمُوَادَعَةِ، وَلَا أَنْ يُصَالَحُوا بِمَا يُقِرُّونَ بِهِ عَلَى رِدَّتِهِمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي (أَوْ جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ، أَوْ وَحْدَانِيَّتَهُ) لِأَنَّ جَاحِدَ ذَلِكَ مُشْرِكٌ بِاللَّهِ تَعَالَى (أَوْ) جَحَدَ (صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ) اللَّازِمَةِ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، لِأَنَّهُ كَجَاحِدِ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَفِي الْفُصُولِ: شَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ مُتَّفَقًا عَلَى إِثْبَاتِهَا، أَوِ (اتَّخَذَ لِلَّهِ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا) لِأَنَّهُ تَعَالَى نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَنَفَاهُ عَنْهُ، فَمُتَّخِذُهُ مُخَالِفٌ لَهُ غَيْرُ مُنَزِّهٍ لَهُ عَنْ ذَلِكَ (أَوْ جَحَدَ نَبِيًّا) لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ جَاحِدٌ لِنُبُوَّةِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، (أَوْ) جَحَدَ (كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ) لِأَنَّ جَحْدَ شَيْءٍ مِنْهُ كَجَحْدِهِ كُلِّهِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِ الْكُلِّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ سَبَّ اللَّهَ، أَوْ رَسُولَهُ، كَفَرَ) لِأَنَّهُ لَا يَسُبُّ وَاحِدًا مِنْهُمَا إِلَّا وَهُوَ مُكَذِّبٌ جَاحِدٌ بِهِ، وَكَذَا إِذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوْ كَانَ مُبْغِضًا لِرَسُولِهِ، وَلِمَا جَاءَ بِهِ اتِّفَاقًا. فَرْعٌ: إِذَا كَذَبَ عَلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقِيلَ: مُسْتَحِلًّا، أَوْ قَذَفَهُ، كَفَرَ، وَإِنِ اسْتَحَلَّ الْكَذِبَ الْمُحَرَّمَ عَلَى غَيْرِهِ كَفَرَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِيمَا يَعْلَمُ صِدْقَهُ فِيهِ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ أَثِمَ، فَإِنِ اعْتَرَفَ بِهِ عُزِّرَ، فَإِنْ تَابَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قُبِلَتْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 479 شَيْئًا مِنْهَا، أَوْ أَحَلَّ الزِّنَا، أَوِ الْخَمْرَ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا لِجَهْلٍ عُرِّفَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ كُفِّرَ. وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ تَهَاوُنًا لَمْ يَكْفُرْ. وَعَنْهُ، يَكْفُرُ، إِلَّا الْحَجَّ لَا يَكْفُرُ بِتَأْخِيرِهِ بِحَالٍ،   [المبدع في شرح المقنع] الْأَصْحَابِ، وَغَيْرِهِمْ، وَحَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ، عَنْ أَحْمَدَ، وَطَائِفَةٍ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: الحلبي عَنْ أَحْمَدَ تُقْبَلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُكْتَبُ عَنْهُ حَدِيثٌ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ. وَإِنْ كَذَّبَ نَصْرَانِيٌّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَرَجَ مِنْ دِينِهِ، لِأَنَّ عِيسَى صَدَّقَ بِهِ، لا العكس، لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ بِعِيسَى وَلَا بَشَّرَ لَهُ. [مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ] (وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ، أَوْ شَيْئًا مِنْهَا) ، أَوِ الطَّهَارَةَ لَهَا، (أَوْ أَحَلَّ الزِّنَا، أَوِ الْخَمْرَ) أَوْ شَكَّ فِيهِ، (أَوْ شَيْئًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا) كَالدَّمِ (لِجَهْلٍ، عُرِّفَ ذَلِكَ) لِيَصِيرَ عَالِمًا بِهِ، (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ) كَالنَّاشِئِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَمْصَارِ (كُفِّرَ) لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ، وَلِسَائِرِ الْأُمَّةِ. فَرْعٌ: قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ سَجَدَ لِشَمْسٍ، أَوْ قَمَرٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": أَوْ أَتَى بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ صَرِيحٍ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوْ تَوَهَّمَ أَنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَوِ التَّابِعِينَ، أَوْ تَابِعِيهِمْ قَاتَلَ مَعَ الْكُفَّارِ، أَوْ أَجَازَ ذَلِكَ، أَوْ أَصَرَّ فِي دَارِنَا عَلَى خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَكْفُرُ جَاحِدُ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ وَالْمُسْكِرِ كُلِّهِ كَالْخَمْرِ [حُكْمُ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ] (وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ تَهَاوُنًا لَمْ يَكْفُرْ) ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَبَانِي الْإِسْلَامِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَارِكَ الشَّهَادَتَيْنِ تَهَاوُنًا كَافِرٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ ذَلِكَ فَكَمَا ذَكَرَهُ، إِلَّا الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ يُدْعَى إِلَيْهَا، فَإِنِ امْتَنَعَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ كَمُرْتَدٍّ، فَإِنْ أَصَرَّ كُفِّرَه بِشَرْطِهِ، وَإِذَا تَرَكَ شَرْطًا أَوْ رُكْنًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَانَ كَتَرْكِهَا، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَهُوَ مُعْتَقَدٌ وُجُوبُهُ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: حُكْمُهُ حُكْمُ تَارِكِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَلَا يُكَفَّرُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بِحَالٍ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": إِذَا تَرَكَ تَهَاوُنًا فَرْضَ الصَّلَاةِ، أَوِ الزَّكَاةِ، أَوِ الصَّوْمِ، أَوِ الْحَجِّ، بِأَنْ عَزَمَ أَلَّا يَفْعَلَهُ أَبَدًا، أَوْ أَخَّرَهُ إِلَى عَامٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ قَبْلَهُ، اسْتُتِيبَ كَالْمُرْتَدِّ، فَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ حَدًّا، وَعَنْهُ: كُفْرًا، نَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَاخْتَارَهَا، وَعَنْهُ: يُخْتَصُّ الْكُفْرُ بِالصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: تَهَاوُنًا كَزَكَاةٍ إِذَا قَاتَلَ الْإِمَامَ عَلَيْهَا (وَعَنْهُ يَكْفُرُ إِلَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 480 فَمَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ مِنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ دُعِيَ إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ،   [المبدع في شرح المقنع] الْحَجَّ لَا يَكْفُرُ بِتَأْخِيرِهِ بِحَالٍ) لِأَنَّ فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ خِلَافًا، وَعَنْهُ لَا كُفْرَ، وَلَا قَتْلَ فِي الصَّوْمِ، وَالْحَجِّ خَاصَّةً. فَرْعٌ: مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَأَسَرَّ الْكُفْرَ فَمُنَافِقٌ كَافِرٌ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَإِنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْوَاجِبِ، وَفِي قَلْبِهِ أَلَّا يَفْعَلَ فَنِفَاقٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي ثَعْلَبَةَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: 75] وَهَلْ يَكْفُرُ عَلَى وَجْهَيْنِ. (فَمَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ يُوجِبُ الْحَدَّ، فَاسْتَوَى فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، كَالزِّنَا، وَمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ تَقَدَّمَ لَهُمْ إِسْلَامٌ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ قَتْلِ الْمَرْأَةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَصْلِيَّةُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الشُّيُوخُ وَلَا الْمَكَافِيفُ، (وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ) مُخْتَارٌ، لِأَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَالْمَجْنُونَ، وَمَنْ زَالَ عقله بِنَوْمٍ، أَوْ إِغْمَاءٍ، أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ، وَلَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ (دُعِيَ إِلَيْهِ) أَيْ: لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِاسْتِتَابَتِهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَلِقَوْلِ عُمَرَ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ وُجُوبُ الضَّمَانِ، بِدَلِيلِ نِسَاءِ الْحَرْبِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى، فَسَأَلَهُ عَنِ النَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، فَقَالَ: مَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟ قَالَ: قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: فَهَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا، وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا، وَاسْتَتَبْتُمُوهُ، لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ، وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي. رَوَاهُ مَالِكٌ. وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 481 وَضُيِّقَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ، بَلْ تُسْتَحَبُّ، وَيَجُوزُ قَتْلُهُ فِي الْحَالِ. وَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، وَلَا يَقْتُلُهُ إِلَّا الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَسَاءَ   [المبدع في شرح المقنع] لَمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِصْلَاحُهُ، فَلَمْ يَجُزْ إِتْلَافُهُ قَبْلَ اسْتِصْلَاحِهِ، كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَتَكَرَّرُ فِيهَا الرَّأْيُ، وَيَتَقَلَّبُ النَّظَرُ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ، بَلْ يَجِبُ قَتْلُهُ فِي الْحَالِ إِلَّا أَنْ يَطْلُبَ الْأَجَلَ فَيُؤَجَّلُ ثَلَاثًا (وَضُيِّقَ عَلَيْهِ) بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ، لِيَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ (فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ فِدَاءٍ عَنْهُ، لِأَنَّ كُفْرَهُ أَغْلَظُ (وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ) رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، وَلِقَوْلِ مُعَاذٍ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، وَلِأَنَّهُ يُقْتَلُ لِكُفْرِهِ، فَلَمْ تَجِبِ اسْتِتَابَتُهُ كَالْأَصْلِيِّ (بَلْ تُسْتَحَبُّ) لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا وأقلها الاستحباب (وَيَجُوزُ قَتْلُهُ فِي الْحَالِ) كَالْأَصْلِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ الْخَبَرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ، وَالْخَبَرُ الْآخَرُ رُوِيَ فِيهِ: أَنَّ الْمُرْتَدَّ اسْتُتِيبَ قَبْلَ قُدُومِ مُعَاذٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُدْعَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ أَبَى ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: يُسْتَتَابُ أَبَدًا، وَهَذَا يُفْضِي إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ أَبَدًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ (وَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ) لِقَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَرَّبْنَاهُ، فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَلِأَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَسْرَعُ لِزُهُوقِ النَّفْسِ، وَلَا يَجُوزُ حَرْقُهُ بِالنَّارِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَمَرَ بَتَحْرِيقِهِمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» ، يَعْنِي: النَّارَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَلَا يَقْتُلُهُ إِلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، لِأَنَّهُ قُتِلَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ إِلَى الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ، كَقَتْلِ الْحُرِّ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» لَا يَتَنَاوَلُ الْقَتْلَ فِي الرِّدَّةِ، لِأَنَّهُ قُتِلَ لِكُفْرِهِ، وَلَا حَدَّ فِي حَقِّهِ، وَخَبَرُ حَفْصَةَ لَمَّا بَلَغَ عُثْمَانَ تَغَيَّظَ عَلَيْهَا، وَشَقَّ عَلَيْهِ، وَالْجَلْدُ فِي الزِّنَا تَأْدِيبٌ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ (فَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَسَاءَ وَعُزِّرَ) لِافْتِئَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 482 وَعُزِّرَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قُتِلَ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ، أَوْ بَعْدَهَا، وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الْإِسْلَامَ صَحَّ إِسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ إِسْلَامُهُ دُونَ رِدَّتِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] الْقَاتِلِ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ غَيْرُ مَعْصُومٍ (سَوَاءٌ قُتِلَ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا) لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي الْجُمْلَةِ، وَرِدَّتُهُ مُبِيحَةٌ لِدَمِهِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَهَا، فَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ قَتَلَهُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ وَأَخَذَ مَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ، وَمَا تَرَكَهُ بِدَارِنَا مَعْصُومٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَصِيرُ فَيْئًا فِي الْحَالِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ. فَرْعٌ: رَسُولُ الْكُفَّارِ لَا يُقْتَلُ، وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا، حَكَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " عَنِ " الْهَدْيِ "، بِدَلِيلِ رَسُولِ مُسَيْلِمَةَ، وَفِي " الْفُنُونِ " فِي مَوْلُودٍ بِرَأْسَيْنِ فَبَلَغَ، نَطَقَ أَحَدُهُمَا بِالْكُفْرِ، وَالْآخَرُ بِالْإِسْلَامِ، إِنْ نَطَقَا مَعًا، فَفِي أَيِّهِمَا يَغْلِبُ احْتِمَالَانِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ إِنْ تَقَدَّمَ الْإِسْلَامُ فَمُرْتَدٌّ (وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الْإِسْلَامَ صَحَّ إِسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِإِسْلَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ صَبِيٌّ، وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ، وَسَبْقِهِ، وَقَالَ: سَبَقْتُكُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا ... صَبِيًّا مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حِلْمِي وَيُقَالُ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الصِّبْيَانِ، وَمِنَ الرِّجَالِ: أَبُو بَكْرٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ: خَدِيجَةُ، وَمِنَ الْعَبِيدِ: بِلَالٌ، وَقَالَ عُرْوَةُ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَهُمَا ابْنَا ثَمَانِ سِنِينَ، وَلَمْ يُرَدَّ عَلَى أَحَدٍ إِسْلَامُهُ مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ، وَلِأَنَّ مَنْ صَحَّ إِسْلَامُهُ صَحَّتْ رِدَّتُهُ كَالْبَالِغِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» . الْخَبَرَيْنِ. وَالصَّبِيُّ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا صَحَّ إِسْلَامُهُ كُتِبَ لَهُ لَا عَلَيْهِ، وَتَحْصُلُ لَهُ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ، لَا يُقَالُ: الْإِسْلَامُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ، وَنَفَقَةَ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ، وَحُرْمَةَ مِيرَاثِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ، وَفَسْخَ نِكَاحِهِ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ نَفْعٌ مَحْضٌ، لِأَنَّهَا سَبَبُ النَّمَاءِ، وَالزِّيَادَةِ، مَحْصَنَةٌ لِلْمَالِ، وَالْمِيرَاثِ، وَالنَّفَقَةَ أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ، وَذَلِكَ مَجْبُورٌ بِحُصُولِ الْمِيرَاثِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَسُقُوطِ نَفَقَةِ أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ، ثُمَّ هُوَ ضَرَرٌ مَغْمُورٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ، وَالْخَلَاصِ مِنَ الشَّقَاءِ، وَالْخُلُودِ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 483 شَيْءٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَدْرِ مَا قُلْتُ، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى قَوْلِهِ، وَأُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ، وَيُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْجَحِيمِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَعْقِلَ الْإِسْلَامَ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِهِ، فَإِنَّ الطِّفْلَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ اعْتِقَادُ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُ لَقْلَقَةٌ بِلِسَانِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَشَرَطَ الْخِرَقِيُّ مَعَ ذَلِكَ، وَتَبِعَهُ فِي " الْوَجِيزِ ": أَنْ يَكُونَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِضَرْبِهِ عَلَى الصَّلَاةِ لِعَشْرٍ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ أَكْثَرَ الْمُصَحِّحِينَ لِإِسْلَامِهِ لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِدُوا لَهُ حَدًّا مِنَ السِّنِينَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَتَى حَصَلَ لَا حَاجَةَ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهِ (وَعَنْهُ: يَصِحُّ إِسْلَامُهُ دُونَ رِدَّتِهِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ، وَنَفْعٍ، فَصَحَّ مِنْهُ، بِخِلَافِ الرِّدَّةِ، فَعَلَى هَذَا: حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَرْتَدَّ، فَإِنْ بَلَغَ وَأَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ كَانَ مُرْتَدًّا (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» . الْخَبَرَ. وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ تَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنَ الصَّبِيِّ، كَالْهِبَةِ، وَالْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، أَشْبَهَ الطِّفْلَ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِنِ ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ، لِأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: يَصِحُّ مِنِ ابْنِ خَمْسِ سِنِينَ، وَأَخَذَهُ مِنْ إِسْلَامِ عَلِيٍّ (وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَصْحَابِ، وَعَلَيْهِنَّ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ، قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ ": يَتَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُونَ، وَيُدْفَنُ بِمَقَابِرِهِمْ، وَإِنَّ فَرْضِيَّتَهُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى صِحَّتِهِ كَصِحَّتِهِ تَبَعًا، وَكَصَوْمِ مَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ رَمَضَانَ (وَإِنْ أَسْلَمَ) ثُمَّ، رَجَعَ (ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَدْرِ مَا قُلْتُ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى قَوْلِهِ) كَالْبَالِغِ (وَأُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، لِمَعْرِفَتِنَا بِعَقْلِهِ، لِأَنَّهُ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَلِهَذَا صَحَّ إِسْلَامُهُ، لِأَنَّهُ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ، أَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ، وَعَنْهُ: يَنْتَقِلُ مِنْهُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ فِي مَظِنَّةِ النَّقْصِ، وَصِدْقَهُ جَائِزٌ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَقْلُهُ لِلْإِسْلَامِ، وَمَعْرِفَتُهُ بِهِ، وَفِعْلُهُ فِعْلُ الْعُقَلَاءِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِهِمْ (وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 484 وَقْتِ بُلُوغِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى كُفْرِهِ قُتِلَ. وَمَنِ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانُ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَصْحُوَ، وَتَتِمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ رِدَّتِهِ، فَإِنْ مَاتَ فِي سُكْرِهِ مَاتَ كَافِرًا، وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ. وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ، وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، أَوْ مَنْ سَبَّ اللَّهَ،   [المبدع في شرح المقنع] أَيِ: الصَّبِيُّ لَا يُقْتَلُ إِذَا ارْتَدَّ حَتَّى يَبْلُغَ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ رِدَّتِهِ، أَوْ لَا، لِأَنَّ الْغُلَامَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الزِّنَا، وَالْقَتْلِ، فَكَذَا لَا يَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الرِّدَّةِ (وَيُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ بُلُوغِهِ) لِأَجْلِ وُجُوبِ اسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثًا (فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى كُفْرِهِ، قُتِلَ) لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ مُصِرٌ عَلَى رِدَّتِهِ، فَوَجَبَ قَتْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُرْتَدًّا قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَصْلِيًّا فَارْتَدَّ، أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ صَبِيًّا، ثُمَّ ارْتَدَّ. فَرْعٌ: مَنْ أَسْلَمَ، وَقَالَ: لَمْ أَدْرِ مَا قُلْتُ، أَوْ لَمْ أَعْتَقِدِ الْإِسْلَامَ، وَإِنَّمَا أَظْهَرْتُ الشَّهَادَتَيْنِ، صَارَ مُرْتَدًّا، نَصَّ عَلَيْهِ، فِي مَوَاضِعَ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ مِنْهُ مَعَ ظَنِّ صِدْقِهِ، نَقَلَهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ. [السَّكْرَانُ إِذَا ارْتَدَّ] (وَمَنِ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانُ) صَحَّتْ رِدَّتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " كَإِسْلَامِهِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ، فَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ حَدَّ الْفِرْيَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا فِي سُكْرِهِ، وَاعْتَبَرُوا مَظَنَّتَهَا، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، فَصَحَّتْ رِدَّتُهُ كَالصَّاحِي، وَلِأَنَّهُ لَا يَزُولُ عقله بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِهَذَا يَتَّقِي الْمَحْذُورَاتِ، وَيَفْرَحُ بِمَا يَسُرُّهُ، وَيَغْتَمُّ بِمَا يَضُرُّهُ، وَيَزُولُ سُكْرُهُ عَنْ قُرْبٍ، أَشْبَهَ النَّاعِسَ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ (لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَصْحُوَ) فَيَكْمُلَ عَقْلُهُ، وَيَفْهَمَ مَا يُقَالُ لَهُ، وَتَزُولَ شُبْهَتُهُ، لِأَنَّ الْقَتْلَ جُعِلَ لِلزَّجْرِ (وَتَتِمُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ رِدَّتِهِ) لِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنِ اسْتَمَرَّ سُكْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَصْحُوَ، ثُمَّ يُسْتَتَابُ عَقِبَ صَحْوِهِ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ فِي الْحَالِ (فَإِنْ مَاتَ) ، أَوْ قُتِلَ (فِي سُكْرِهِ مَاتَ كَافِرًا) لِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ ارْتِدَادِهِ، وَلَمْ تَرِثْهُ وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِالِاعْتِقَادِ، وَالْقَصْدِ، وَالسَّكْرَانُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ، أَشْبَهَ الْمَعْتُوهَ، وَلِأَنَّهُ زَائِلٌ العقل غير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 485 ورَسُولَهُ، أَوِ السَّاحِرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ،   [المبدع في شرح المقنع] مُكَلَّفٌ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، وَجَوَابُهُ: الْمَنْعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ فَإِنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ إِسْلَامُهُ فَقَطْ، حَكَاهَا ابْنُ الْبَنَّا. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ رِدَّةُ مَجْنُونٍ، وَلَا إِسْلَامُهُ، لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ، فَإِنِ ارْتَدَّ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يُقْتَلْ فِي حَالِ جُنُونِهِ، لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْإِصْرَارِ عَلَى الرِّدَّةِ، وَالْمَجْنُونُ لَا يُوصَفُ بِالْإِصْرَارِ، فَإِنْ قُتِلَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ عُزِّرَ الْقَاتِلُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَتَلَ كَافِرًا لَا عَهْدَ لَهُ، أَشْبَهَ قَتْلَ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ. (وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ؟) وَهُوَ: الْمُنَافِقُ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، وَيُخْفِي الْكُفْرَ (وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، أَوْ مَنْ سَبَّ اللَّهَ، أَوْ رَسُولَهُ، أَوِ السَّاحِرِ) أَيْ: مَنْ كَفَرَ بِسِحْرِهِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ) الْأَشْهَرُ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ "، وَذَكَرَ ابْنُ حَمْدَانَ: أَنَّهَا أَظْهَرُ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِزَنَادِقَةٍ فَسَأَلَهُمْ، فَجَحَدُوا، فَقَامَتْ عَلَيْهِمُ الْبَيِّنَةُ، فَقَتَلَهُمْ، وَلَمْ يَسْتَتِبْهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مَسَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ. وَلِأَنَّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ خَطَرًا، لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الثِّقَةِ بِهِ، وَلِأَنَّ إِبْقَاءَهُ يُؤَدِّي إِلَى السُّلْطَةِ فِي الْبَاطِنِ عَلَى إِفْسَادِ عَقَائِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ. فَرْعٌ: مَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ وَأَبْطَنَ الْفِسْقَ فَكَالزِّنْدِيقِ فِي تَوْبَتِهِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ قَبُولِ تَوْبَةِ السَّاحِرِ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ، وَكَذَا مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا} [النساء: 137] وَلِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ ظَبْيَانَ بْنِ عُمَارَةَ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ أُتِيَ بِكَ مَرَّةً، فَزَعَمْتَ أَنَّكَ تُبْتَ، وَأَرَاكَ قَدْ عُدْتَ، فَقَتَلَهُ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ إِنْ تَكَرَّرَتْ ثَلَاثًا، أَمَّا مَنْ سَبَّ اللَّهَ، أَوْ رَسُولَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، لِأَنَّ ذَنْبَهُ عَظِيمٌ جِدًّا، أَشْبَهَ الزِّنْدِيقَ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَوْ تَنْقُصُهُ، وَقِيلَ: وَلَوْ تَعْرِيضًا، نَقَلَ حَنْبَلٌ: مَنْ عَرَّضَ بِشَيْءٍ مِنْ ذِكْرِ الرَّبِّ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 486 وَالْأُخْرَى تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَغَيْرِهِ. وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ إِسْلَامُهُ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَفِي " الْفُصُولِ " عَنْ أَصْحَابِنَا: لَا تُقْبَلُ إِنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَمْ يُعْلَمْ إِسْقَاطُهُ، وَإِنَّهَا تُقْبَلُ إِنْ سَبَّ اللَّهَ، لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، لِأَنَّ الْخَالِقَ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ، فَلَا تُلْحَقُ بِهِ، بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ، فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لَهَا، فَافْتَرَقَا، وَأَمَّا السَّاحِرُ فَنَقَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ اسْتَتَابَ سَاحِرًا، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي أَتَتْ هَارُوتَ وَمَارُوتَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ السِّحْرَ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، أَشْبَهَ الزِّنْدِيقَ (وَالْأُخْرَى تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَغَيْرِهِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، زِنْدِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَوْلَى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الرِّعَايَةِ "، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَمْ أُؤْمَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَجَّحَ هَذَا فِي " الشَّرْحِ "، وَأَجَابَ عَنْ قَتْلِ ابْنِ النَّوَّاحَةِ: بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ فِي تَوْبَتِهِ، لِأَنَّهُ أَظْهَرَهَا، وَمَا زَالَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ فِي الزِّنْدِيقِ لَا يُسْتَتَابُ، قَالَ أَحْمَدُ: كُنْتُ أَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا، ثُمَّ هِبْتُهُ، قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَجَعَ، فَلَوْ زَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ وَلَدًا فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إِخْبَارًا عَنْ رَبِّهِ: «يَشْتِمُنِي ابْنُ آدَمَ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي، أَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنَّ لِي وَلَدًا» وَلَا شَكَّ أَنَّ تَوْبَتَهُ مَقْبُولَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ، فَإِذَا قُبِلَتْ تَوْبَةُ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى، فَمَنْ سَبَّ نَبِيَّهُ أَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ، وَالصَّحِيحُ الْأُولَى، لِأَنَّ أَدِلَّتَهَا خَاصَّةٌ، وَالثَّانِيَةَ عَامَّةٌ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ. فَرْعٌ: الْخِلَافُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ إِنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ تَرْكِ قِتَالِهِمْ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّهِمْ، وَأَمَّا قَبُولُهَا فِي الْبَاطِنِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ حَيْثُ صَدَقَ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَجَمَاعَةٌ، وَفِي إِرْشَادِ ابْنِ عَقِيلٍ رِوَايَةُ: " لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ زِنْدِيقٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 487 اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِإِنْكَارِ فَرْضٍ، أَوْ إِحْلَالِ مُحَرَّمٍ، أَوْ جَحْدِ نَبِيٍّ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ إِلَى دِينِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، فَلَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ، يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إِلَى الْعَالَمِينَ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] بَاطِنًا "، وَضَعَّفَهَا، وَقَالَ: كَمَنْ تَظَاهَرَ بِالصَّلَاحِ إِذَا أَتَى مَعْصِيَةً، فَتَابَ مِنْهَا، وَإِنْ قَتَلَ عَلِيٌّ زِنْدِيقًا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهَا، كَتَوْبَةِ قَاطِعِ طَرِيقٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ رِوَايَةً: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ دَاعِيَةٍ إِلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ، اخْتَارَهَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقْلَا، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": مَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. [تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ] (وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ) وَكُلِّ كَافِرٍ (إِسْلَامُهُ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا يَثْبُتُ بِهِ إِسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، فَكَذَا الْمُرْتَدُّ، وَلَا يُحْتَاجُ مَعَ ثُبُوتِ إِسْلَامِهِ إِلَى الْكَشْفِ عَنْ صِحَّةِ رِدَّتِهِ، وَهَذَا يُمْكِنُ لِمَنْ كَانَتْ رِدَّتُهُ بِجَحْدِ الْوَحْدَانِيَّةِ، أَوْ جَحْدِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَظَاهِرُهُ: لَا يُغْنِي قَوْلُهُ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَعَنْهُ: بَلَى، قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، «لِأَنَّ يَهُودِيًّا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا مُحْتَجًّا بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ إِلَّا وَيُقِرُّ بِمَنْ أَرْسَلَهُ، وَعَنْهُ: مِنْ مُقِرٍّ بِهِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَبِهَذَا جَاءَتِ الْأَخْبَارُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئَيْنِ لَا يَزُولُ جَحْدُهُ إِلَّا بِإِقْرَارِهِمَا جَمِيعًا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مِمَّنْ لَا يُقِرُّ بِهِ كوثني لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَلِخَبَرِ أُسَامَةَ وَقَتْلِهِ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. لِأَنَّهُ مَصْحُوبٌ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، وَمُسْتَلْزِمٌ لَهُ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ النَّبِيَّ رَسُولُ اللَّهِ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِلَّا أَنْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِإِنْكَارِ فَرْضٍ، أَوْ إِحْلَالِ مُحَرَّمٍ، أَوْ جَحْدِ نَبِيٍّ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ إِلَى دِينِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، فَلَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ) لِأَنَّ رِدَّتَهُ بِجَحْدِهِ، فَإِذَا لَمْ يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الرِّدَّةِ الْمُوجِبَةِ لِتَكْفِيرِهِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 488 يَقُولُ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ. وَإِذَا مَاتَ الْمُرْتَدُّ، فَأَقَامَ وَارِثُهُ   [المبدع في شرح المقنع] فَإِذَا كَانَتْ رِدَّتُهُ بِاعْتِقَادِ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إِلَى الْعَرَبِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ (يَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إِلَى الْعَالَمِينَ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ كَلِمَةَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إِقْرَارِهِ بِمَا جَحَدَهُ (أَوْ يَقُولُ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالشَّهَادَةِ مَا يَعْتَقِدُهُ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِذَلِكَ. فَرْعٌ: يَكْفِي جَحْدُهُ لِرِدَّتِهِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِهَا فِي الْأَصَحِّ كَرُجُوعِهِ عَنْ حَدٍّ لَا بَعْدَ بَيِّنَةٍ، بَلْ يُجَدِّدُ إِسْلَامَهُ، قَالَ جَمَاعَةٌ: يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، أَوْ تَنَصَّرَ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ عُدُولٌ، فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْ، وَأَنَا مُسْلِمٌ، قَبْلَ قَوْلِهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا أَسْلَمَ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُقِرَّ بِمَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ عَدْلٌ لَمْ يَفْتَقِرِ الْحُكْمُ إِلَى إِقْرَارِهِ بل إخراجه إِلَى ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِنَاءُ حُكْمٍ عَلَى هَذَا الْإِقْرَارِ كَالْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لُقِّنَهُ، وَأَنَّهُ فَعَلَهُ خَوْفَ الْقَتْلِ، وَهُوَ إِقْرَارُ تَلْجِئَةٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ أَوْ مُسْلِمٌ، لَمْ يُكْتَفَ بِذَلِكَ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي الْيَهُودِيِّ إِذَا قَالَ: قَدْ أَسْلَمْتُ، أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ، يُجْبَرُ عَلَيْهِ، قَدْ عُلِمَ مَا يُرَادُ مِنْهُ، وَنَصَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ الْبَنَّا الِاكْتِفَاءَ بِذَلِكَ عَنِ الشَّهَادَتَيْنِ، لِمَا رَوَى الْمِقْدَادُ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ، فَقَاتَلَنِي، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ، أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ: لَا تَقْتُلْهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ اسْمٌ لِشَيْءٍ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِهِ فَقَدْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ احْتِمَالًا: أَنَّ هَذَا فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، أَوْ مَنْ جَحَدَ الْوَحْدَانِيَّةَ، أَمَّا مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ نَبِيٍّ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ فَرِيضَةٍ، وَنَحْوِهِ فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِهَذَا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْإِسْلَامَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ كُلَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ كَافِرٌ. فَرْعٌ: إِذَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَفَرَ، وَادَّعَى الْإِكْرَاهَ، قُبِلَ مَعَ قَرِينَةٍ، وَلَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِكَلِمَةِ كُفْرٍ فَادَّعَاهُ، قُبِلَ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ، وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى صَلَاتَيْنِ، قُبِلَ مِنْهُ وَأُمِرَ بِالْخَمْسِ. (وَإِذَا مَاتَ الْمُرْتَدُّ، فَأَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الرِّدَّةِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 489 بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الرِّدَّةِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. وَلَا يَبْطُلُ إِحْصَانُ الْمُسْلِمِ بِرِدَّتِهِ، وَلَا عِبَادَاتُهُ الَّتِي فَعَلَهَا فِي إِسْلَامِهِ إِذَا عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ. . فَصْلٌ، وَمَنِ ارْتَدَّ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا، وَتَصَرُّفَاتُهُ مَوْقُوفَةً، فَإِنْ أَسْلَمَ ثَبَتَ   [المبدع في شرح المقنع] السَّلَامُ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا» . الْخَبَرَ. سَوَاءٌ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ مُنْفَرِدًا، فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهَا رُكْنٌ يَخْتَصُّ بِهِ الْإِسْلَامُ، فَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ إِسْلَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ إِسْلَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهَا إِذَا شَهِدَتْ بِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِهَا مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ صَوْمٍ، أَوْ حَجٍّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَلَا يَثْبُتُ الْإِسْلَامُ حَتَّى يأتي بصلاة تَتَمَيَّزَ عَنْ صَلَاةِ الْكُهَّانِ، وَلَا تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّ مَنْ حَجَّ أَوْ صَامَ - يَقْصِدُ رَمَضَانَ - أَوْ آتَى مَالَهُ عَلَى وَجْهِ الزَّكَاةِ، أَوْ أَذَّنَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْأَذَانِ - قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: أو غير وَقْتِهِ - هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي: أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالْحَجِّ فَقَطْ، (وَلَا يَبْطُلُ إِحْصَانُ الْمُسْلِمِ بِرِدَّتِهِ) يَعْنِي: إِذَا كَانَ مُحْصَنًا فَارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَزُلْ إِحْصَانُهُ، بَلْ إِذَا زَنَا فَإِنَّهُ يُرْجَمُ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِحْصَانِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَيْهِ (وَلَا عِبَادَاتُهُ الَّتِي فَعَلَهَا فِي إِسْلَامِهِ إِذَا عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُ فَعَلَهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهَا، فَلَمْ تَعُدْ إِلَى ذِمَّتِهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": فِي الصَّوْمِ وَجْهَانِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَقَدَّمَ فِيهَا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": أَنَّهُ إِذَا صَلَّى، ثُمَّ كَفَرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ فِي وَقْتِهَا لَمْ يُعِدْهَا، وَقِيلَ: بَلَى، وَإِنْ حَجَّ، ثُمَّ كَفَرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَرِوَايَتَانِ، أَشْهَرُهُمَا: لَا يُعِيدُ. [الرِّدَّةُ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ] فَصْلٌ. (وَمَنِ ارْتَدَّ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ) أَيْ: لَا يُحْكَمُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، لِأَنَّ الرِّدَّةَ سَبَبٌ يُبِيحُ دَمَهُ، فَلَمْ يَزُلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 490 مِلْكُهُ، وَتَصَرُّفَاتُهُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَتُقْضَى دُيُونُهُ، وَأُرُوشُ جِنَايَاتِهِ، وَيُنْفَقُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، وَمَا أَتْلَفَ مِنْ شَيْءٍ ضَمِنَهُ، وَيَتَخَرَّجُ فِي الْجَمَاعَةِ الْمُمْتَنِعَةِ أَلَّا تَضْمَنَ مَا   [المبدع في شرح المقنع] مِلْكُهُ بِهَا، كَزِنَا الْمُحْصَنِ، لِأَنَّ زَوَالَ الْعِصْمَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ زَوَالُ الْمُلْكِ كَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَأَهْلِ الْحَرْبِ (بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا، وَتَصَرُّفَاتُهُ) مِنَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِ (مَوْقُوفَةً) عَلَى الْمَذْهَبِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا: لِأَنَّهُ مَالٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، فَكَانَ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَوْقُوفًا، كَتَبَرُّعِ الْمَرِيضِ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ: أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَفِي " الْوَسِيلَةِ " نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يُمْنَعُ مِنْهُ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ: أَنَّهُ يُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ، وَجُعِلَ فِي " التَّرْغِيبِ " كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفِ وَاحِدًا، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَلَمْ يَقُولُوا: يُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ، بَلْ قَالُوا: يُمْنَعُ مِنْهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ ثَبَتَ مِلْكُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ) وَكَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا (وَإِلَّا بَطَلَتْ) أَيْ: إِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي رِدَّتِهِ، كَانَ بَاطِلًا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِقَطْعِ ثَوَابِهِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ، وَيَنْتَقِلُ مَالُهُ فَيْئًا مِنْ حِينِ مَوْتِهِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": عَلَى ذَلِكَ تَنْفُذُ مُعَاوَضَتُهُ، وَيُقِرُّ بِيَدِهِ، وَتُوقَفُ تَبَرُّعَاتُهُ، وَتُرَدُّ بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا، (وَتُقْضَى دُيُونُهُ) لَا دَيْنٌ مُتَجَدِّدٌ فِي الرِّدَّةِ (وَأُرُوشُ جِنَايَاتِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (وَيُنْفَقُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ، أَشْبَهَ الدَّيْنَ (وَمَا أَتْلَفَ مِنْ شَيْءٍ ضَمِنَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَلَأَنْ يُوجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَعَنْهُ: إِنْ فَعَلَهُ بِدَارِ حَرْبٍ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ مُرْتَدَّةٍ، مُمْتَنِعَةٍ فَلَا، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ، وَالْمُؤَلِّفُ، لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، وَكَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ إِجْمَاعًا، وَقِيلَ: هُمْ كَبُغَاةٍ، قَالَ: وَإِنَّ الْمُرْتَدَّ تَحْتَ حُكْمِنَا لَيْسَ مُحَارِبًا يَضْمَنُ إِجْمَاعًا. فَرْعٌ: يُؤْخَذُ بِحَدِّ فِعْلِهِ فِي رِدَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ كَقَبْلِهَا، وَظَاهِرٌ نَقَلَ مُهَنَّا، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ: إِنْ أَسْلَمَ فَلَا، كَعِبَادَتِهِ، (وَيَتَخَرَّجُ فِي الْجَمَاعَةِ الْمُمْتَنِعَةِ أَلَّا تَضْمَنَ مَا أَتْلَفَتْهُ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبُغَاةِ، وَلِأَنَّ الْبَاغِيَ إِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ مَا أَتْلَفَهُ، لِأَنَّ فِي تَضْمِينِهِ تَنْفِيرًا لَهُ عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى قَبْضَةِ الْإِمَامِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْجَمَاعَةِ الْمُرْتَدَّةِ الْمُمْتَنِعَةِ، وَصَحَّحَ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَتْلَفُوهُ حَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 491 أَتْلَفَتْهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ رُدَّ إِلَيْهِ تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا، وَإِذَا أَسْلَمَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] الْحَرْبِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ) وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَصَاحِبُ " التَّبْصِرَةِ "، وَ " الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ "، وَهُوَ رِوَايَةٌ، لِأَنَّ عِصْمَةَ نَفْسِهِ، وَمَالِهِ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِإِسْلَامِهِ، فَزَوَالُ إِسْلَامِهِ مُزِيلُ عِصْمَتِهِمَا، كَمَا لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوا إِرَاقَةَ دَمِهِ بِرِدَّتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكُوا أَمْوَالَهُ بِهَا، وَعَنْهُ: إِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ تَبَيَّنَّا زَوَالَهُ مِنْ حِينِ رِدَّتِهِ، فَلَوْ بَاعَ شِقْصًا مَشْفُوعًا أُخِذَ عَلَى الْأُولَى، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ بِرِدَّتِهِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ، فَكَانَ تَصَرُّفُهُ مَوْقُوفًا، كَتَصَرُّفِ الْمَرِيضِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ رُدَّ إِلَيْهِ تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا) أَيْ: جَدِيدًا لِزَوَالِهِ بِرِدَّتِهِ. تَذْنِيبٌ: إِذَا تَزَوَّجَ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى النِّكَاحِ كَنِكَاحِ الْكَافِرِ مُسْلِمَةً، وَكَذَا لَوْ زُوِّجَ مُوَلِّيَتَهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ مَوْقُوفًا، فَلَوْ وُجِدَ مِنْهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ كَالصَّيْدِ، وَالِاتِّهَابِ، وَالشِّرَاءِ، ثَبَتَ الْمِلْكُ إِنْ بَقِيَ مِلْكُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَاحْتَجَّ بِهِ فِي " الْفُصُولِ " عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ، وَأَنَّ الدَّوَامَ أَوْلَى، وَعَلَى رِوَايَةٍ يَرِثُهُ مُسْلِمٌ، أَوْ أَهْلُ دِينِهِ الَّذِي اخْتَارَهُ، فَكَمُسْلِمٍ فِيهِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": لَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ (وَإِذَا أَسْلَمَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَقْضِي، صَحَّحَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاجِبَةٌ الْتَزَمَ بِوُجُوبِهَا، وَاعْتَرَفَ بِهِ فِي زَمَنِ إِسْلَامِهِ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ كَغَيْرِ الْمُرْتَدِّ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ، وَهِيَ الْأَشْهَرُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَكَالْحَرْبِيِّ، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَأْمُرِ الْمُرْتَدِّينَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُمْ، وَقَدَّمَ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ صَلَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَزَكَاةٍ، وَقِيلَ: يقضي غير الْحَجُّ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: أَنَّهُ لَوْ جُنَّ بَعْدَ تَرْكِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الصَّلَاةُ، وَإِنْ حَاضَتْ سَقَطَتْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 492 رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ، وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمَا، لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُمَا وَلَا اسْتِرْقَاقُ أَوْلَادِهِمَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي دار الْإِسْلَامِ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ قُتِلَ، وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ وُلِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ الرِّدَّةِ، وَهَلْ يُقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمَا، لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُمَا) لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى الرِّدَّةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الَّذِينَ سَبَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ كَانُوا أَسْلَمُوا، وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ الرِّدَّةِ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ: تُسْبَى الْمُرْتَدَّةُ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ (وَلَا اسْتِرْقَاقُ أَوْلَادِهِمَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَامِ وَالِدِهِ، وَكَوَلَدِ مَنْ أُسِرَ مِنْ ذِمَّةٍ (وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ قُتِلَ) لِلْخَبَرِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ بُلُوغُهُمْ (وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مِنْ وُلِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ الرِّدَّةِ) فِي الْمَنْصُوصِ، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ، لِأَنَّهُ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَلَيْسَ بِمُرْتَدٍّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، كَوَلَدِ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ. فَرْعٌ: الْحَمْلُ حَالَ رَدَّتِهِ - ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ - أَنَّهُ كَالْحَادِثِ بَعْدَ كُفْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِي " الْكَافِي " الْحَمْلُ كَالْوَلَدِ الظَّاهِرِ، لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَلِهَذَا يَرِثُ (وَهَلْ يُقَرُّونَ؟) أَيْ: مَنْ وُلِدَ بَعْدَ الرِّدَّةِ (عَلَى كُفْرِهِمْ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ ": يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ، كَأَوْلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَكَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكُهُمَا فِي جَوَازِ الِاسْتِرْقَاقِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقَرُّونَ، فَإِذَا أَسْلَمُوا رَقُّوا، لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ مَنْ لَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرٍ، فَلَا يُقَرُّونَ كَالْمَوْجُودِينَ قَبْلَ الرِّدَّةِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهَلْ يُقَرُّ بِجِزْيَةٍ، أَمِ الْإِسْلَامِ، وَيَرِقُّ، أَوِ الْقَتْلِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. فَرْعٌ: إِذَا لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ، فَهُوَ وَمَا مَعَهُ كَحَرْبِيٍّ، وَمَا بِدَارِنَا فَيْءٌ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ. وَلَوِ ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ، وَجَرَى فِيهِ حُكْمُهُمْ، فَدَارُ حَرْبٍ يُغْنَمُ مَالُهُمْ، وَوَلَدٌ حَدَثَ بَعْدَ الرِّدَّةِ، وَعَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُمْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 493 فَصَلٌ: وَالسَّاحِرُ الَّذِي يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ، فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ، وَنَحْوُهُ، يَكْفُرُ، وَيُقْتَلُ،   [المبدع في شرح المقنع] [حُكْمُ السِّحْرِ وَالسَّاحِرِ] فَصْلٌ. اعْلَمْ أَنَّ السِّحْرَ عَقْدٌ، وَرُقَى، وَكَلَامٌ يُتَكَلَّمُ بِهِ، أَوْ يَعْمَلُ شَيْئًا يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ الْمَسْحُورِ، أَوْ قَلْبِهِ، أَوْ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَهُ، وَلَهُ حَقِيقَةٌ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، فَمِنْهُ مَا يَقْتُلُ، وَمِنْهُ مَا يُمْرِضُ، وَمِنْهُ مَا يَمْنَعُ الرَّجُلَ مِنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ، وَمِنْهُ مَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] وَجَوَابُهُ: قَوْله تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 2] {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق: 3] {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] يَعْنِي السَّوَاحِرَ اللَّاتِي يَعْقِدْنَ فِي سِحْرِهِنَّ، وَلَوْلَا أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً لَمَا أُمِرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: يَكْفُرُ السَّاحِرُ بِتَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ كَاعْتِقَادِ حِلِّهِ، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَكَفَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِعَمَلِهِ، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا، وَحَمَلَ ابْنُ عَقِيلٍ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي كُفْرِهِ عَلَى مُعْتَقَدِهِ، وَأَنَّ فَاعِلَهُ يَفْسُقُ، وَيُقْتَلُ حَدًّا (وَ) هُوَ (السَّاحِرُ الَّذِي يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ، فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ، وَنَحْوُهُ يَكْفُرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] (وَيُقْتَلُ) بِالسَّيْفِ، لِمَا رَوَى جُنْدُبٌ مَرْفُوعًا، قَالَ: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ جُنْدُبٍ مَوْقُوفٌ، وَعَنْ بَجَالَةَ بْنِ عَبْدٍ، قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ، وَسَاحِرَةٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَسَعِيدٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 494 فَأَمَّا الَّذِي يَسْحَرُ بِالْأَدْوِيَةِ، وَالتَّدْخِينِ، وَسَقْيِ شَيْءٍ لَا يَضُرُّ فَلَا يَكْفُرُ، وَلَا يُقْتَلُ، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ. وَيُقْتَصُّ مِنْهُ إِنْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ. وَأَمَّا الَّذِي يَعْزِمُ عَلَى الْجِنِّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا فَتُطِيعُهُ فَلَا يَكْفُرُ، وَلَا يُقْتَلُ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ.   [المبدع في شرح المقنع] وَقَتَلَتْ حَفْصَةُ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. رَوَاهُ مَالِكٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْمُدَبِّرَةِ الَّتِي سَحَرَتْهَا فَبَاعَتْهَا، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» . الْخَبَرَ. فَإِنْ قَتَلَ بِهِ قُتِلَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: هَذَا فِي السَّاحِرِ الْمُسْلِمِ، فَأَمَّا سَاحِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا يُقْتَلُ بِسِحْرِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": إِنِ اعْتُقِدَ جَوَازُهُ (فَأَمَّا الَّذِي يَسْحَرُ بِالْأَدْوِيَةِ وَالتَّدْخِينِ وَسَقْيِ شَيْءٍ لَا يَضُرُّ فَلَا يَكْفُرُ، وَلَا يُقْتَلُ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ السَّاحِرَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِأَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، فَيَخْتَصُّ الْكُفْرُ بِهِمْ، وَيُبْقِي مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ السَّحَرَةِ عَلَى أَصْلِ الْعِصْمَةِ (وَلَكِنْ يُعَزَّرُ) إِذَا ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": إِنَّهُ يُعَزَّرُ بِمَا يَرْدَعُهُ، وَمَا قَالَهُ غَرِيبٌ، وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَذَى بِكَلَامِهِ، وَعَمَلِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ، أَشْبَهَ السِّحْرَ، وَلِهَذَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ، ويُنْتِجُ مَا يَعْمَلُهُ السِّحْرَ، أَوْ أَكْثَرَ، فَيُعْطَى حُكْمُهُ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمُتَمَاثِلِينَ وَالْمُتَقَارِبِينَ، لَا سِيَّمَا إِنْ قُلْنَا: يُقْتَلُ الْآمِرُ بِالْقَتْلِ عَلَى رِوَايَةٍ، فَهُنَا أَوْلَى (وَيُقْتَصُّ مِنْهُ إِنْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ) كَمَا يُقْتَصُّ مِنَ الْمُسْلِمِ، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ. [الْعَازِمُ عَلَى الْجِنِّ] (وَأَمَّا الَّذِي يَعْزِمُ عَلَى الْجِنِّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا فَتُطِيعُهُ، فَلَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ) وَهُوَ الْمُعْزِمُ، وَكَذَا مَنْ يَحُلُّ السِّحْرَ، وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْهَا، قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَحُلُّ السِّحْرَ، فَقَالَ: رَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ، وَفِي " الشَّرْحِ ": إِنْ كَانَ يَحُلُّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، أَوِ الذِّكْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِشَيْءٍ مِنَ السِّحْرِ فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ (وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ) تَبَعًا لِلْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " (فِي السَّحَرَةِ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي هَذَا تَفْصِيلًا، فَقَالَ: السَّاحِرُ إِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ فَاعِلَةٌ، وَيَدَّعِي بِسِحْرِهِ مُعْجِزَاتٍ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 495 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] يَجُوزُ وُجُودُ مِثْلِهَا إِلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْجِنَّ تُخْبِرُهُ بِالْمُغَيَّبَاتِ، وَأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ صُوَرِ الْأَشْيَاءِ، وَالطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ، وَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ الْمُدَبِّرُ لِذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ هَذَا الْفِعْلِ مِنْ جِهَتِهِ، لَمْ يُصَدِّقْهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَكْفُرُ إِلَّا بِالِاعْتِقَادِ، لِأَنَّ السِّحْرَ صِنَاعَةٌ تَعُودُ بِفَسَادِ أَحْوَالٍ، وَأَخْذِ أَمْوَالٍ، وَقَتْلِ نُفُوسٍ، وَهَذَا الْقَدْرُ بِالْمُبَاشَرَةِ لَا يُوجِبُ التَّكْفِيرَ. أَصْلٌ: مُشَعْبِذٌ وَقَائِلٌ بِزَجْرِ طَيْرٍ، وَضَارِبٌ بِحَصًى، وَشَعِيرٍ، وَقِدَاحٍ: إِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إِبَاحَتَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِهِ عُزِّرَ، وَكُفَّ عَنْهُ، وَإِلَّا كَفَرَ، وَيَحْرُمُ طِلْسَمٌ، وَرُقْيَةٌ بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ. فَرْعٌ: مَنْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ لَمْ يَجِبْ تَعْزِيرُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ الْقَتْلِ، وَقَدْ سَقَطَ، وَالْحَدُّ إِذَا سَقَطَ بِالتَّوْبَةِ، أَوِ اسْتُوْفِيَ لَمْ تَجُزِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ شُفِعَ عِنْدَهُ فِي شَخْصٍ، فَقَالَ: لَوْ جَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْفَعُ مَا قُبِلَ، إِنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قُبِلَ، لَا قَبْلَهَا فِي أَظْهَرِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَيُسَوَّغُ تَعْزِيرُهُ، أَيْ: بَعْدَ التَّوْبَةِ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا أَسْلَمَ أَبُو حَمْلٍ، أَوْ طِفْلٍ، أَوْ أَحَدِهِمَا لَا جَدَّ وَجَدَّةَ، وَالْمَنْصُوصُ، أَوْ مُمَيِّزٌ لَمْ يَبْلُغْ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا فَمُسْلِمٌ. الثَّانِيَةُ: إِذَا مَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي دَارِنَا، وَقِيلَ: أَوْ دَارُ حَرْبٍ، فَمُسْلِمٌ عَلَى الْأَصَحِّ، نَقَلَهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَفِي " الْمُوجَزِ " وَ " التَّبْصِرَةِ ": لَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ: فَهُوَ مُسْلِمٌ إِذَا مَاتَ أَبَوَاهُ، وَيَرِثُ أَبَوَيْهِ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: إِنْ كَفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَمُسْلِمٌ، وَيَرِثُ الْوَلَدُ الْمَيِّتَ، لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْإِسْلَامِ، وَاخْتِلَافِ الدِّينِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ، كَالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ، وَلِأَنَّهُ يَرِثُ إِجْمَاعًا، فَلَا يَسْقُطُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَكَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ وَلَدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ حُصُولُ إِرْثِهِ قَبْلَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، كَمَا قَالُوا: الدِّينُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ مَالِكًا يَوْمَ الْمَوْتِ، لَكِنْ فِي حُكْمِ الْمَالِكِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. الثَّالِثَةُ: أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ، وَعَنْهُ: الْوَقْفُ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 496 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ   [المبدع في شرح المقنع] أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ مَجْنُونًا، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَكْلِيفَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ، وَيَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ كَصَغِيرٍ، فَيُعَايَا بِهَا، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ وُلِدَ أَعْمَى، أَبْكَمَ، أَصَمَّ، وَصَارَ رَجُلًا، هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، هُوَ مَعَ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ، ثُمَّ أَسْلَمَا بَعْدَمَا صَارَ رَجُلًا، قَالَ: هُوَ مَعَهُمَا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُمَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ. الرَّابِعَةُ: مَنْ أَطْلَقَ الشَّارِعُ كُفْرَهُ كَدَعْوَاهُ غَيْرَ أَبِيهِ، وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقِيلَ: كَفَرَ النِّعْمَةَ، وَقِيلَ: قَارَبَ الْكُفْرَ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ رِوَايَتَيْنِ. إِحْدَاهُمَا: تَشْدِيدٌ وَتَأْكِيدٌ، وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ الْوَقْفُ، وَلَا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ يُنْقَلُ عَنِ الْمِلَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ. خَاتِمَةٌ قَالَ الْأَصْحَابُ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَتْ شَرْعًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَكَذَا إِنْ عُدِمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا بِلَا مَوْتٍ، كَزِنَا ذِمِّيَّةٍ، وَلَوْ بِكَافِرٍ، وَاشْتِبَاهِ وَلَدٍ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 497 كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْحِلُّ، فَيَحِلُّ كُلُّ طَعَامٍ طَاهِرٍ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَغَيْرِهَا، فَأَمَّا النَّجَاسَاتُ كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَغَيْرِهِمَا، وَمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ مِنَ السُّمُومِ،   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ] [حُكْمُ الْأَطْعِمَةِ] وَهِيَ: جَمْعُ طَعَامٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ مَا يُؤْكَلُ، وَرُبَّمَا خَصَّ بِهِ الْبُرَّ، وَالْمُرَادُ هُنَا: مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ، فَيَتَبَيَّنُ مَا يُبَاحُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ، وَمَا يَحْرُمُ. (وَالْأَصْلُ فِيهَا الْحِلُّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِمُسْلِمٍ، وَقَالَ أَيْضًا: اللَّهُ أَمَرَ بِالشُّكْرِ، وَهُوَ: الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ، بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ، وَتَرْكِ الْمَحْذُورِ، فَإِنَّمَا أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى طَاعَتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَانَ بِالْمُبَاحِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، كَمَنْ يُعْطِي الْخُبْزَ، وَاللَّحْمَ لِمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْفَوَاحِشِ، وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] أَيْ: عَنِ الشُّكْرِ عَلَيْهِ، (فَيَحِلُّ كُلُّ طَعَامٍ طَاهِرٍ) يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ النَّجِسِ، (لَا مَضَرَّةَ فِيهِ) عَلَى مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَالسُّمُومِ، ثُمَّ مَثَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ) ، فَهُوَ بَيَانٌ لِمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِمَّا جَمَعَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ، (وَغَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، مِمَّا يَجْمَعُ الطُّعْمَ، وَالطَّهَارَةَ، وَعَدَمَ الْمَضَرَّةِ، وَقَدْ سَأَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ عَنِ الْمِسْكِ، يُجْعَلُ فِي الدَّوَاءِ وَيَشْرَبُهُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، (فَأَمَّا النَّجَاسَاتُ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ) فَمُحَرَّمَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] ، وَلِأَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ أَقْبَحُ مِنْ الِادِّهَانِ بِدُهْنِهَا وَالِاسْتِصْبَاحِ، وَهُوَ حَرَامٌ، فَلَأَنْ يَحْرُمُ مَا هُوَ أَقْبَحُ مِنْهُ بِطَرِيقِ لأولى، (وَغَيْرِهِمَا) أَيْ: غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ النَّجَاسَاتِ مُحَرَّمٌ، فَلِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 وَنَحْوِهَا، فَمُحَرَّمَةٌ، وَالْحَيَوَانَاتُ مُبَاحَةٌ إِلَّا الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ. وَمَا لَهُ نَابٌ يَفْرِسُ بِهِ كَالْأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالذِّئْبِ، وَالْفَهْدِ، وَالْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَابْنِ آوَى، وَالسِّنَّوْرِ، وَابْنِ عُرْسٍ،   [المبدع في شرح المقنع] خَبِيثٌ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَ الْخَبِيثِ، وَفِي الْخَبَرِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: لَا تَقْرَبُوهُ» ، وَفِي الْأَكْلِ قُرْبَانُهُ، وَهُوَ منهى عَنْهُ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، (وَمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ مِنَ السُّمُومِ وَنَحْوِهَا فَمُحَرَّمَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتُلُ غَالِبًا، فَحَرُمَ أَكْلُهُ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الْهَلَاكِ، وَلِذَا عُدَّ مَنْ أَطْعَمَ السُّمَّ لِغَيْرِهِ قَاتِلًا، وَفِي الْوَاضِحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ السُّمَّ نَجِسٌ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَكْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنَ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ، (وَالْحَيَوَانَاتُ مُبَاحَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] ، وَلِعُمُومِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِبَاحَةِ (إِلَّا الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ) فإنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ أَحْمَدُ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهُوهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهَا، وَسَنَدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا قَالَا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] ، وَأَجَابَ فِي الْخِلَافِ بِأَنَّ: مَعْنَاهُ قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ. وَحَدِيثُ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ مُخْتَلِفُ الْإِسْنَادِ، وَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ مَعَ مَا عَارَضَهُ، مَعَ أَنَّ الْإِذْنَ بِالتَّنَاوُلِ مِنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الِاضْطِرَارِ. فَرْعٌ: حُكْمُ أَلْبَانِهَا كَهِيَ، وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ حُكْمَ اللَّبَنِ كَاللَّحْمِ. [تَحْرِيمُ مَا لَهُ نَابٌ] (وَمَا لَهُ نَابٌ يَفْرِسُ بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ (كَالْأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالذِّئْبِ، وَالْفَهْدِ، وَالْكَلْبِ) لِمَا رَوَى أَبُو ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيُّ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ من السباع» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «كُلُّ ذِي نَابٍ من السباع حَرَامٌ» . رَوَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 وَالنِّمْسِ، وَالْقِرْدِ، إِلَّا الضَّبُعَ. وَمَا لَهُ مِخْلَبٌ مِنَ الطَّيْرِ يَصِيدُ بِهِ، كَالْعُقَابِ، وَالْبَازِي،   [المبدع في شرح المقنع] مُسْلِمٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ يَخُصُّ بِهِ عُمُومَ الْآيَاتِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَسَدُ وَنَحْوُهُ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِمَنْ يَبْدَأُ بِالْعَدْوَى، وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يُدَاوَى بِلَحْمِ كَلْبٍ، قَالَ: لَا شَفَاهُ اللَّهُ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، (وَالْخِنْزِيرِ) ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَابٌ يَفْرِسُ بِهِ، (وَابْنِ آوَى) سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ عُرْسٍ، فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ يَنْهَشُ بِأَنْيَابِهِ فَهُوَ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَأْخُذُ بِمَخَالِيبِهِ فَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مِنْهُ يُعْطِي أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِمَا الْقُوَّةُ، وَأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنَ الثَّعْلَبِ، وَإِنَّ الْأَصْحَابَ اعْتَبَرُوا الْقُوَّةَ، وَلِأَنَّهُ مُسْتَخْبَثٌ غَيْرُ مُسْتَطَابٍ، وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْكَلْبَ، وَرَائِحَتُهُ خَبِيثَةٌ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ، (وَالسِّنَّوْرِ) الْأَهْلِيِّ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ الْهِرِّ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: غَرِيبٌ، قَالَ أَحْمَدُ: أَلَيْسَ يُشْبِهُ السِّبَاعَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ فِي كَلَامِهِ إِلَّا الْكَرَاهَةُ. وَجَعَلَهُ أَحْمَدُ قِيَاسًا، وَأَنَّهُ يُقَالُ: يَعُمُّهَا اللَّفْظُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: هُوَ سَبُعٌ، وَيَعْمَلُ بِأَنْيَابِهِ كَالسَّبُعِ، وَنَقَلَ فِيهِ جَمَاعَةٌ: يُكْرَهُ، قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ مَسْخٌ. (وَابْنِ عُرْسٍ) وَقَدْ تَقَدَّمَ، (وَالنِّمْسِ) لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ السِّبَاعِ، (وَالْقِرْدِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْرِيمِ أَكْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لَحْمِ الْقِرْدِ» ، وَلِأَنَّهُ سَبُعٌ لَهُ نَابٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ مَسْخٌ، فَيَكُونُ مِنَ الْخَبَائِثِ الْمُحَرَّمَةِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِذِكْرِ الدُّبِّ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ مُطْلَقًا خِلَافًا لِابْنِ رَزِينٍ، وَفِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: كَبِيرٌ، وَهُوَ سَهْوٌ، قَالَ أَحْمَدُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَابٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَكَذَا الْفِيلُ، (إِلَّا الضَّبُعَ) فَإِنَّهُ مُبَاحٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَابٌ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الضَّبُعِ، فَقَالَ: هُوَ صَيْدٌ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إِذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. لَا يُقَالُ: بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 وَالصَّقْرِ، وَالشَّاهِينِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْبُومَةِ، وَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ كَالنَّسْرِ، وَالرَّخَمِ، وَاللَّقْلَقِ، وَغُرَابِ الْبَيْنِ، وَالْأَبْقَعِ. وَمَا يُسْتَخْبَثُ كَالْقُنْفُذِ، وَالْفَأْرة، وَالْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ، وَالْحَشَرَاتِ   [المبدع في شرح المقنع] عُمُومِ النَّهْيِ، لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى حِلِّهِ خَاصٌّ، وَالنَّهْيَ عَامٌّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ. [تَحْرِيمُ مَا لَهُ مِخْلَبٌ مِنَ الطَّيْرِ] (وَمَا لَهُ مِخْلَبٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الظُّفْرِ لِلْإِنْسَانِ، (مِنَ الطَّيْرِ يَصِيدُ بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ (كَالْعُقَابِ، وَالْبَازِي، وَالصَّقْرِ، وَالشَّاهِينِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْبُومَةِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَعَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: مَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَى عَنْهُ، وَقَالَ اللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَحْرُمُ شَيْءٌ مِنَ الطَّيْرِ، لِعُمُومِ الْآيَاتِ الْمُبِيحَةِ، وَجَوَابُهُ: الْخَبَرُ، وَبِهِ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَاتِ، وَكَذَا كُلُّ مَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِقَتْلِهِ، أَوْ نَهَى عَنْهُ، وَفِي التَّرْغِيبِ: تَحْرِيمًا إِذْ لَوْ حَلَّ لَقَيَّدَهُ بِغَيْرِ مَأْكَلِهِ، (وَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ (كَالنَّسْرِ، وَالرَّخَمِ، وَاللَّقْلَقِ، وَغُرَابِ الْبَيْنِ، وَالْأَبْقَعِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» . الْخَبَرَ. فَذَكَرَ مِنْهَا الْغُرَابَ، وَالْبَاقِي كَهُوَ لِلْمُشَارَكَةِ بَيْنَهُمَا فِي أَكْلِهَا الْجِيَفَ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبَاحَ قَتْلَهَا فِي الْحَرَمِ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكُولٍ فِي الْحَرَمِ، وَلِأَنَّ مَا يُؤْكَلُ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ، بَلْ يُذْبَحُ، وَيُؤْكَلُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ، وَجَعَلَ فِيهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَتَيِ الْجَلَّالَةِ، وَإِنَّ غَالِبَ أَجْوِبَةِ أَحْمَدَ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمٌ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: لَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ. [مَا يُسْتَخْبَثُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالْحَشَرَاتِ] (وَمَا يُسْتَخْبَثُ) أَيْ: مَا تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ، وَالْأَصَحُّ ذُو الْيَسَارِ، وَقِيلَ: عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: وَالْمُرُوءَةُ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَمَا اسْتَطَابَتْهُ، فَهُوَ طَيِّبٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] ، وَالَّذِينَ تُعْتَبَرُ اسْتِطَابَتُهُمْ وَاسْتِخْبَاثُهُمْ، هُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ نَزَلَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابُ، وَخُوطِبُوا بِهِ وَبِالسُّنَّةِ، فَرَجَعَ مُطْلَقُ أَلْفَاظِهَا إِلَى عُرْفِهِمْ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ أَهْلُ الْبَوَادِي، لِأَنَّهُمْ لِلضَّرُورَاتِ وَالْمَجَاعَةِ يَأْكُلُونَ مَا وَجَدُوا، وَلِهَذَا سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَمَّا يَأْكُلُونَ، فَقَالَ: كُلُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 كُلِّهَا، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ، وَغَيْرِهِ، كَالْبَغْلِ، وَالسِّمْعِ: وَلَدِ الضَّبُعِ مِنَ الذِّئْبِ، وَالعِسْبَارِ: وَلَدِ الذِّئْبَةِ مِنَ الذِّيخِ، وَفِي الثَّعْلَبِ وَالْوَبْرِ وَسِنَّوْرِ الْبَرِّ وَالْيَرْبُوعِ رِوَايَتَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] مَا دَبَّ وَدَرَجَ إِلَّا أُمَّ جَنِينٍ، وَمَا لَا تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ، وَلَا ذُكِرَ فِي الشَّرْعِ يُرَدُّ إِلَى أَقْرَبِ الْأَسْمَاءِ شَبَهًا بِهِ، وَعَنْ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ: لَا أَثَرَ لِاسْتِخْبَاثِ الْعَرَبِ، فَإِنْ لَمْ يُحَرِّمْهُ الشَّرْعُ حَلَّ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (كَالْقُنْفُذِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هُوَ مِنَ الْخَبَائِثِ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو دَاوُدَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هُوَ حَرَامٌ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَعَلَّلَ أَحْمَدُ الْقُنْفُذَ بِأَنَّهُ يَبْلُغُهُ أَنَّهُ مَسْخٌ، أَيْ: لَمَّا مُسِخَ عَلَى صُورَتِهِ دَلَّ عَلَى خُبْثِهِ، وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَيَأْكُلُ الْحَشَرَاتِ، أَشْبَهَ الْجُرَذَ، (وَالْفَأْرَةِ) وَهِيَ الْفُوَيْسِقَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَالْحَيَّاتِ) جَمْعُ حَيَّةٍ، لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُحْرِمًا بِقَتْلِهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ لَهَا نَابًا من السباع، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَالْعَقَارِبِ) وَالْوَطْوَاطِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ، (وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا) كَالدِّيدَانِ، وَبَنَاتِ وَرْدَانَ، وَالْخَنَافِسِ، وَالزَّنَابِيرِ، وَالنَّحْلِ، وَفِيهِمَا رِوَايَةٌ فِي الْإِشَارَةِ وَفِي الرَّوْضَةِ: يُكْرَهُ ذُبَابٌ وَزُنْبُورٌ، وَفِي التَّبْصِرَةِ: فِي خُفَّاشٍ، وَخُطَّافٍ: وَجْهَانِ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْخُفَّاشَ، لِأَنَّهُ مَسْخٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَلْ هِيَ لِلتَّحْرِيمِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ كَالْبَغْلِ) وَهُوَ مُحَرَّمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ حَرَّمَ الْحِمَارَ الْأَهْلِيَّ، (وَالسِّمْعِ: وَلَدِ الضَّبُعِ مِنَ الذِّئْبِ، وَالْعِسْبَارِ: وَلَدِ الذِّئْبَةِ مِنَ الذِّيخِ) وَهُوَ الذَّكَرُ مِنَ الضِّبْعَانِ، فَيَكُونُ الْعِسْبَارُ عَكْسَ السِّمْعِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ تَمَيَّزَ كَحَيَوَانٍ مِنْ نَعْجَةٍ، نِصْفُهُ خَرُوفٌ وَنِصْفُهُ كَلْبٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لَا مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُبَاحَيْنِ كَبَغْلٍ مِنْ وَحْشٍ وَخَيْلٍ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرٍ كَذُبَابِ الْبَاقِلَاءِ يُؤْكَلُ تَبَعًا لَا أَصْلًا، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحِلُّ بِمَوْتِهِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ كَذُبَابٍ، فِيهِ رِوَايَتَانِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 وَمَا عَدَا ذَلِكَ مُبَاحٌ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالْخَيْلِ، وَالدَّجَاجِ، وَالْوَحْشِيِّ مِنَ الْبَقَرِ،   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ: فِي الْبَاقِلَاءِ الْمُدَوِّدِ: يَجْتَنِبُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَذَّرْهُ فَأَرْجُو. وَقَالَ عَنْ تَفْتِيشِ الثَّمَرِ الْمُدَوِّدِ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا عَلِمَهُ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ الْمَأْكُولَيْنِ مَغْصُوبًا فَهُوَ تَبَعٌ لِأُمِّهِ حِلًّا وَحُرْمَةً وَمِلْكًا، (وَفِي الثَّعْلَبِ، وَالْوَبْرِ، وَسِنَّوْرِ الْبَرِّ، وَالْيَرْبُوعِ: رِوَايَتَانِ) وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ تَحْرِيمُ الثَّعْلَبِ، وَاخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وصححها الحلواني وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فِيهِ إِلَّا عَطَاءً، وَكُلُّ شَيْءٍ اشْتَبَهَ عَلَيْكَ فَدَعْهُ، وَلِأَنَّهُ سَبُعٌ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ. وَالثَّانِيَةُ: يُبَاحُ، اخْتَارَهَا الشَّرِيفُ، وَأَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُ يُفْدَى فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ. وَالْأَوَّلُ: أَظْهَرُ لِلنَّهْيِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ من السباع. الثَّانِيَةُ: الْوَبْرُ، هُوَ مُبَاحٌ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي، وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، لِأَنَّهُ يَأْكُلُ النَّبَاتَ، وَلَيْسَ لَهُ نَابٌ يَفْرِسُ بِهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْمُسْتَخْبَثَاتِ، فَكَانَ مُبَاحًا كَالْأَرْنَبِ. وَالثَّانِيَةُ: حَرَامٌ، وَقَالَهُ الْقَاضِي قِيَاسًا عَلَى السِّنَّوْرِ. الثَّالِثَةُ: سِنَّوْرُ الْبَرِّ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وصححه الحلواني وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ أَكْلِ الْهِرِّ» ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْبَرِّيُّ، وَالثَّانِيَةُ: مُبَاحٌ، لِأَنَّهُ بَرِّيٌّ أَشْبَهَ الْحِمَارَ الْبَرِّيَّ. الرَّابِعَةُ: الْيَرْبُوعُ، وَهُوَ مُبَاحٌ، نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَعُرْوَةُ، لِقَضَاءِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ حَكَمَ فِيهِ بِجَفْرَةٍ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَالثَّانِيَةُ: حَرَامٌ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْفَأْرَ، وَكَبَقٍّ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي هُدْهُدٍ وَصُرَدٍ، وَفِي سِنْجَابٍ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: مُحَرَّمٌ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ يَنْهَشُ بِنَابِهِ، أَشْبَهَ الْجُرَذَ، وَالسِّنَّوْرَ، وَالثَّانِي: يُبَاحُ، أَشْبَهَ الْيَرْبُوعَ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْغُدَافِ وَالْفَنَكِ. [الْمُبَاحُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ] (وَمَا عَدَا هَذَا مُبَاحٌ) بِلَا كَرَاهَةٍ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، (كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 وَالظِّبَاءِ، وَالْحُمُرِ، وَالزَّرَافَةِ، وَالنَّعَامَةِ، وَالْأَرْنَبِ، وَالضَّبُعِ، وَالضَّبِّ، وَالزَّاغِ، وَغُرَابِ   [المبدع في شرح المقنع] ، وَهِيَ: الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، (وَالْخَيْلِ) عِرَابِهَا وَبَرَاذِينِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ مُسْتَطَابٌ، لَيْسَ بِذِي نَابٍ، وَلَا مِخْلَبٍ، فَكَانَ حَلَالًا كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُكْرَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] . وَعَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَخَيْلِهَا، وَبِغَالِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَجَوَابُهُ: بِأَنْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ مَنْسُوخٌ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: حَدِيثُ الْإِبَاحَةِ أَصَحُّ، وَيُشْبِهُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا، قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَقَالَ: فِيهِ رَجُلَانِ لَا يُعْرَفَانِ. وَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهُمْ يَتَمَسَّكُونَ بِدَلِيلِ خِطَابِهَا، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، مَعَ أَنَّ نَصَّهُ عَلَى رُكُوبِهَا لِكَوْنِهِ أَغْلَبَ مَنَافِعِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهَا، وَفِي بِرْذَوْنٍ رِوَايَةٌ بِالْوَقْفِ، (وَالدَّجَاجِ) عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، «وَقَالَ أَبُو مُوسَى: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ الدَّجَاجَ» ، (وَالْوَحْشِيِّ مِنَ الْبَقَرِ، وَالظِّبَاءِ، وَالْحُمُرِ) وَالتَّيْسِ، وَالْوَعْلِ، وَالْمَهَا، وَسَائِرِ الْوَحْشِ مِنَ الصُّيُودِ كُلِّهَا، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ تَأَنَّسَ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ أَنَّ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ إِذَا تَأَنَّسَ وَاعْتَلَفَ، هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَهْلِيِّ، قَالَ أَحْمَدُ: وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا شَيْءٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي كَمَا قَالَ، وَلِأَنَّ الضَّبَّ إِذَا تَأَنَّسَتْ لَمْ تَحْرُمْ، كَالْأَهْلِيِّ إِذَا تَوَحَّشَ لَمْ يَحِلَّ، (وَالزَّرَافَةِ) فِي الْمَنْصُوصِ، لِأَنَّهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 الزَّرْعِ، وَسَائِرِ الطَّيْرِ، وَجَمِيعِ حَيَوَانِ الْبَحْرِ إِلَّا الضِّفْدِعَ، وَالْحَيَّةَ، وَالتِّمْسَاحَ، وَقَالَ ابْنُ   [المبدع في شرح المقنع] تُشْبِهُ الْبَعِيرَ إِلَّا أَنَّ عُنُقَهَا أَطْوَلُ مِنْ عُنُقِهِ، وَجِسْمَهَا أَلْطَفُ مِنْ جِسْمِهِ وَأَعْلَا مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَحْرِيمِهَا، وَلِأَنَّهَا مُسْتَطَابَةٌ لَيْسَ لَهَا نَابٌ، وَلَا هِيَ مِنَ الْمُسْتَخْبَثَاتِ، أَشْبَهَتِ الْإِبِلَ. وَعَنْهُ: الْوَقْفُ فِيهَا، وَحَرَّمَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، (وَالنَّعَامَةِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ فِيهَا بِالْفِدْيَةِ إِذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ، (وَالْأَرْنَبِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَرَ بِأَكْلِهَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُسْتَطَابٌ لَيْسَ بِذِي نَابٍ، أَشْبَهَ الظِّبَاءَ، وَلَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِتَحْرِيمِهِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ رِوَايَةً بِتَحْرِيمِهَا، (وَالضَّبُعِ) وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهَا فِيمَا سَبَقَ، وَفِيهَا رِوَايَةٌ قَالَهُ: ابْنُ الْبَنَّا، وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ الضَّبُعِ، فَقَالَ: وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ!» ؛ لَكِنَّ هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمُخَارِقِ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَفِي الرَّوْضَةِ: إِنْ عُرِفَ مِنْهُ أَكْلُ مَيْتَةٍ فَكَجَلَّالَةٍ، (وَالضَّبِّ) قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتَ مَيْمُونَةَ فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ، قَالَ خَالِدٌ: فَاحْتَزَزْتُهُ، فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ النَّهْيِ فِيهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ، (وَالزَّاغِ) وَهُوَ صَغِيرٌ أَغْبَرُ، (وَغُرَابِ الزَّرْعِ) وَهُوَ أَسْوَدُ كَبِيرٌ يَطِيرُ مَعَ الزَّاغِ، وَلِأَنَّ مَرْعَاهُمَا الزَّرْعُ، وَالْحُبُوبُ، أَشْبَهَا الْحَجَلَ، وَقِيلَ: هُمَا وَاحِدٌ، (وَسَائِرِ) أَيْ: بَاقِي، (الطَّيْرِ) كَالْفَوَاخِتِ، وَالْقَنَابِرِ، وَالْقَطَا، وَالْكُرْكِيِّ، وَالْكَرَوَانِ، وَالْبَطِّ، وَالْأوَزِّ، وَالْحُبَارَى، «لِقَوْلِ سَفِينَةَ: أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُبَارَى» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَكَذَلِكَ الْغَرَانِيقُ، وَالطَّوَاوِيسُ، وَطَيْرُ الْمَاءِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 حَامِدٍ: وَإِلَّا الْكَوْسَجَ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادِ: لَا يُبَاحُ مِنَ الْبَحْرِ مَا يَحْرُمُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ، كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ، وَإِنْسَانِهِ. وَتَحْرُمُ الْجَلَّالَةُ الَّتِي أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةُ، وَلَبَنُهَا وَبَيْضُهَا   [المبدع في شرح المقنع] وَنَقَلَ مهنا: يُؤْكَلُ الْأَيِّلُ، قِيلَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ الْخَبَائِثَ، فَعُجِبَ مِنْ ذَلِكَ، (وَجَمِيعِ حَيَوَانِ الْبَحْرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] ، «، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ.» رَوَاهُ مَالِكٌ. وَفِي الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ لِابْنِ آدَمَ (إِلَّا الضِّفْدِعَ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَفِي الْخَبَرِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ: لَوْ أَكَلَ أَهْلِي الضَّفَادِعَ لَأَطْعَمْتُهُمْ، لَا يُعَارِضُهُ، (وَالْحَيَّةَ) لِأَنَّهَا مِنَ الْخَبَائِثِ، وَفِيهَا وَجْهٌ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، (وَالتِّمْسَاحَ) وَفِي الْوَجِيزِ كَـ الْمُقْنِعِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ النَّاسَ. قَالَ أَحْمَدُ: يُؤْكَلُ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ، إِلَّا: الضِّفْدِعَ، وَالْحَيَّةَ، وَالتِّمْسَاحَ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُبَاحُ، لِأَنَّهُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ، (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ) وَالْقَاضِي (وَإِلَّا الْكَوْسَجَ) ، وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ أَحْمَدَ فِي التِّمْسَاحِ، وَصَحَّحَ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ حَلَالٌ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَهُوَ: سَمَكَةٌ فِي الْبَحْرِ لَهَا خُرْطُومٌ كَالْمِنْشَارِ تَفْتَرِسُ، وَرُبَّمَا الْتَقَمَتِ ابْنَ آدَمَ وَقَصَمَتْهُ نِصْفَيْنِ، وَهِيَ الْقِرْشُ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا إِذَا صِيدَتْ لَيْلًا وَجَدُوا فِي جَوْفِهَا شَحْمَةً طِبِّيَّةً، وَإِنْ صِيدَتْ نَهَارًا لَمْ يَجِدُوهَا، (وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ) وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّجَّادِ، وَحَكَاهُ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً (لَا يُبَاحُ مِنَ الْبَحْرِ مَا يَحْرُمُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَإِنْسَانِهِ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُبَاحٍ فِي الْبَرِّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ كَلْبُ الْمَاءِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مُبَاحٌ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَكِبَ عَلَى سَرْجٍ عَلَيْهِ جِلْدٌ مِنْ جُلُودِ كِلَابِ الْمَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، (وَتَحْرُمُ الْجَلَّالَةُ الَّتِي أَكْثَرُ عَلَفِهَا) أَيْ: غِذَائِهَا، (النَّجَاسَةُ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 حَتَّى تُحْبَسَ، وَعَنْهُ: تُكْرَهُ، وَلَا تَحْرُمُ، وَتُحْبَسُ ثَلَاثًا، وَعَنْهُ: يُحْبَسُ الطَّائِرُ ثَلَاثًا، وَالشَّاةُ سَبْعًا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَمَا سُقِيَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ مِنَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ   [المبدع في شرح المقنع] الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا.» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: «نهى عَنْ رُكُوبِ الْجَلَّالَةِ» ، وَفِي أُخْرَى لَهُ: «نهى عَنْ رُكُوبِ جَلَّالَةِ الْإِبِلِ» . وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَعَنْ رُكُوبِ الْجَلَّالَةِ، وَأَكْلِ لَحْمِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. قَالَ الْقَاضِي: هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ، فَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ حَرُمَ لَحْمُهَا وَلَبَنُهَا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا الطَّاهِرَ لَمْ يَحْرُمْ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَتَحْدِيدُهَا بِكَوْنِ أَكْثَرِ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ لَمْ أَسْمَعْهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، لَكِنْ يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ بِمَا يَكُونُ كَثِيرًا فِي مَأْكُولِهَا، وَيُعْفَى عَنِ الْيَسِيرِ، (وَلَبَنُهَا) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شُرْبِ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، (وَبَيْضُهَا) وَلَحْمُهَا وَلَبَنُهَا، وَلِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنَ النَّجَاسَةِ، (حَتَّى تُحْبَسَ) وتطعم الطاهر، إِذِ الْمَنْعُ يَزُولُ بِحَبْسِهَا، (وَعَنْهُ: تُكْرَهُ، وَلَا تَحْرُمُ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي حُرْمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ لَا يَنْجُسُ بِأَكْلِ النَّجَاسَاتِ، لِأَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ لَا يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِ أَعْضَائِهِ، وَالْكَافِرُ الَّذِي يَأْكُلُ الْخِنْزِيرَ وَالْمُحَرَّمَاتِ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ ظَاهِرِهِ، إِذْ لَوْ نَجُسَ لَمَا طَهُرَ بِالْإِسْلَامِ وَالِاغْتِسَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ (وَتُحْبَسُ ثَلَاثًا) أَيْ: تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَكْلَهَا حَبَسَهَا ثَلَاثًا، وَأُطْعِمَتِ الطَّاهِرَاتِ (وَعَنْهُ: يُحْبَسُ الطَّائِرُ ثَلَاثًا، وَالشَّاةُ سَبْعًا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ) مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ (أَرْبَعِينَ يَوْمًا) قَدَّمَهَا فِي الْكَافِي، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْإِبِلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 مُحَرَّمٌ، وَإِنْ سُقِيَ بِالطَّاهِرِ طَهُرَ وَحَلَّ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَلَا يَحْرُمُ، بَلْ يُطَهَّرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ لَبَنًا.   [المبدع في شرح المقنع] الْجَلَّالَةِ، أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا، وَلَا يُشْرَبَ لَبَنُهَا، وَلَا يُحْمَلَ عَلَيْهَا إِلَّا الْأَدَمُ، وَلَا يَرْكَبَهَا النَّاسُ حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ. وَلِأَنَّهَا أَعْظَمُ جِسْمًا، وَعَنْهُ: يُحْبَسُ غَيْرُ طَائِرٍ أَرْبَعِينَ، وَعَنْهُ: وَالْبَقَرُ ثَلَاثِينَ، ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَهُوَ وَهْمٌ، قَالَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ: الْكُلُّ أَرْبَعِينَ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الشَّالَنْجِيِّ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُعْلَفَ الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ الَّتِي لَا يُرَادُ ذَبْحُهَا بِالْقُرْبِ الْأَطْعِمَةَ النَّجِسَةَ أَحْيَانًا. انْتَهَى. وَيَحْرُمُ عَلْفُهَا نَجَاسَةً، تُؤْكَلُ قَرِيبًا، أَوْ تُحْلَبُ قَرِيبًا، وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبْحُهُ أَوْ حَلْبُهُ، وَقِيلَ: بِقَدْرِ حَبْسِهَا الْمُعْتَبَرِ جَازَ فِي الْأَصَحِّ كَغَيْرِ الْمَأْكُولِ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ إِطْعَامُ الْمَيْتَةِ كَلْبًا مُعَلَّمًا، أَوْ طَائِرًا مُعَلَّمًا، وَالنَّصُّ جَوَازُهُ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ تَحْرِيمَ عَلْفِهَا مَأْكُولًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا. فَرْعٌ: كَرِهَ أَحْمَدُ رُكُوبَهَا، لِأَنَّهَا رُبَّمَا عَرِقَتْ فَأَصَابَهُ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ: بَقَرَةٌ شَرِبَتْ خَمْرًا أَيَجُوزُ أَكْلُهَا؛، قَالَ: لَا، حَتَّى تَنْتَظِرَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ تَحْرِيمَ الْجَلَّالَةِ، وَأَنَّ مِثْلَهُ خَرُوفٌ ارْتَضَعَ مِنْ كَلْبَةٍ، ثُمَّ شَرِبَ لَبَنًا طَاهِرًا، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ. [حُكْمُ مَا سُقِيَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ مِنَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ] (وَمَا سُقِيَ) أَوْ سُمِّدَ، (بِالْمَاءِ النَّجِسِ مِنَ الزُّرُوعِ، وَالثِّمَارِ مُحَرَّمٌ) نَجِسٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كُنَّا نُكْرِي أَرَاضِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَدْمُلُوهَا بِعَذِرَةِ النَّاسِ» . وَلَوْلَا أَنَّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا يَحْرُمُ لَمْ يَكُنْ فِي الِاشْتِرَاطِ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَةِ وَتَتَرَبَّى فِيهَا أَجْزَاؤُهُ، وَالِاسْتِحَالَةُ لَا تُطَهِّرُ، ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْ ثَمَرٍ بِشَجَرَةٍ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ. قَالَ السَّامِرِيُّ: هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى الْمَقْبَرَةِ الْعَتِيقَةِ، (وَإِنْ سُقِيَ بِالطَّاهِرِ) أَيْ: بِالطَّهُورِ بِحَيْثُ يَسْتَهْلِكُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ، (طَهُرَ وَحَلَّ) لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ مُعَدٌّ لِتَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ، وَكَالْجَلَّالَةِ إِذَا حُبِسَتْ وَأُطْعِمَتِ الطَّاهِرَاتِ، (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 فَصْلٌ: وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى مُحَرَّمٍ مِمَّا ذَكَرْنَا حَلَّ لَهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ، وَهَلْ لَهُ الشِّبَعُ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] الْفُقَهَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ (لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا يَحْرُمُ) بَلْ هُوَ طَاهِرٌ مُبَاحٌ، (بَلْ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ) لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِهَا فَتَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، (كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ) فِي أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ وَيَصِيرُ (لَبَنًا) فَطَهُرَ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: أَنَّهُ كَرِهَ الْعَذِرَةَ، وَرَخَّصَ فِي السِّرْجِينِ. مَسَائِلُ: كَرِهَ أَحْمَدُ أَكْلَ طِينٍ لِضَرُورَةٍ، وَسَأَلَ رَجُلٌ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ عَنْ أَكْلِ الْمَدَرِ؟ فَقَالَ: حَرَامٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا} [البقرة: 168] ، وَلَمْ يَقُلْ: كُلُوا الْأَرْضَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ أَكْلَهُ عَيْبٌ إِنْ كَانَ يُتَدَاوَى بِهِ كَالْأَرْمَنِيِّ، أَوْ كَانَ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، وَلَا نَفْعَ كَالْيَسِيرِ جَازَ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَكَذَا يُكْرَهُ أَكْلُ غُدَّةٍ، وَأُذُنٍ، وَقَلْبٍ، وَبَصَلٍ، وَثُومٍ، ونحوها، مَا لَمْ يُنْضِجْهُ بِطَبْخٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَبٍّ دِيسَ بِحُمُرٍ، وَمُدَاوَمَةُ أَكْلِ لَحْمٍ، وَلَا بَأْسَ بِلَحْمٍ نِيءٍ، وَلَحْمٍ مُنْتِنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيهِمَا: يُكْرَهُ، وَجَعَلَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَوْمُ حِينَ يُوضَعُ الطَّعَامُ فيفجأهم، وَالْخُبْزُ الْكِبَارُ، وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ بَرَكَةٌ، وَوَضْعُهُ تَحْتَ الْقَصْعَةِ لِاسْتِعْمَالِهِ لَهُ، وَحَرَّمَهُ الْآمِدِيُّ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ الْكَرَاهَةَ إِلَّا مِنْ طَعَامِ مَنْ عَادَتُهُ السَّمَاحَةُ. [الِاضْطِرَارُ إِلَى أَكْلِ الْمُحَرَّمِ] فَصْلٌ. (وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى مُحَرَّمٍ مِمَّا ذَكَرْنَا) سِوَى سُمٍّ وَنَحْوِهِ، بِأَنْ يَخَافَ تَلَفًا، وَقِيلَ: أَوْ ضَرَرًا، وَفِي الْمُنْتَخَبِ: أَوْ مَرَضًا، أَوِ انْقِطَاعًا عَنِ الرُّفْقَةِ، وَمُرَادُهُ يَنْقَطِعُ فَيَهْلِكُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، أَكَلَ وُجُوبًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وِفَاقًا، وَقِيلَ: نَدْبًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (حَلَّ لَهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] ، وَيَحْرُمُ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ إِجْمَاعًا (وَهَلْ لَهُ الشِّبَعُ؟ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ، وَمَيْتَةً وَصَيْدًا، وَهُوَ مُحْرِمٌ؛ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحِلَّ لَهُ الطَّعَامُ، وَالصَّيْدُ، إِذَا لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ الْمَيْتَةَ،   [المبدع في شرح المقنع] رِوَايَتَيْنِ) . أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَاسْتَثْنَى مَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ، فَإِذَا انْدَفَعَتِ الضَّرُورَةُ لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ. وَالثَّانِيَةُ: يُبَاحُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ الْحَرَّةَ فَنَفَقَتْ عِنْدَهُ نَاقَةٌ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اسْلُخْهَا حَتَّى نُقَدِّدَ شَحْمَهَا وَلَحْمَهَا وَنَأْكُلَهُ، فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ غِنًى يُغْنِيكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَكُلُوهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ مَا جَازَ سَدُّ الرَّمَقِ مِنْهُ جَازَ الشِّبَعُ مِنْهُ كَالْمُبَاحِ، وَقِيلَ: هَذَا مُقَيَّدٌ بِدَوَامِ الْخَوْفِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا تَزَوُّدُهُ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَجَوَّزَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَالْفَضْلُ: يَتَزَوَّدُ إِنْ خَافَ الْحَاجَةَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: كَمَا يَتَيَمَّمُ، وَيَتْرُكُ الْمَاءَ إِذَا خَافَ، كَذَا هُنَا، وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَفَرٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ، وَلَمْ يَتُبْ فَلَا، وَيَجِبُ تَقْدِيمُ السُّؤَالِ قَبْلَ أَكْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لِسَائِلٍ: قُمْ قَائِمًا لِيَكُونَ لَكَ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ الْقَاضِي: يَأْثَمُ إِذَا لَمْ يَسْأَلْ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: إِنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ مُبَاحَةٌ، قِيلَ: فَإِنْ تَوَقَّفَ، قَالَ: مَا أَظُنُّ أَحَدًا يَمُوتُ مِنَ الْجُوعِ، اللَّهُ يَأْتِيهِ بِرِزْقِهِ، (وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ) أَيْ: جَهِلَهُ (وَمَيْتَةً وَصَيْدًا، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ) ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ، وَالضِّيقِ، وَحَقُّهُ يُلْزِمُهُ غَرَامَتَهُ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهِ، وَفِي الْفُنُونِ قَالَ حَنْبَلِيٌّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا خِلَافَ هَذَا، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحِلَّ لَهُ الطَّعَامُ، وَالصَّيْدُ، إِذَا لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ الْمَيْتَةَ) هَذَا وَجْهٌ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّعَامِ الْحَلَالِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَذَلَهُ مَالِكُهُ، وَفِي الْكَافِي: هِيَ أَوْلَى إِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ، وَإِلَّا أَكَلَ الطَّعَامَ، لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ، وَلَوْ بِقِتَالِهِ، ثُمَّ صَيْدًا، ثُمَّ مَيْتَةً، فَلَوْ عَلِمَهُ، وَبَذَلَهُ فَفِي بَقَاءِ حِلِّهِ - كَبَذْلِ حُرَّةٍ بُضْعَهَا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا - مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ، فَإِنْ بَذَلَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَلْزَمُ مُعْسِرًا عَلَى احْتِمَالٍ، فَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَطَعَامًا أَكَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَإِنْ وَجَدَ لَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ، وَمَيْتَةً أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَأْكُلُ مِنَ الْمَيْتَةِ، فَإِنِ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ تَحَرَّى عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا طَعَامًا لَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ بَذْلُهُ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ أَبَى لِلْمُضْطَرِّ أَخَذَهُ قَهْرًا، وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهُ، فَإِنْ مَنَعَهُ فَلَهُ قِتَالُهُ عَلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ، أَوْ قَدْرِ شِبَعِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الطَّعَامِ   [المبدع في شرح المقنع] الْأَشْهَرِ، وَلَوْ وَجَدَ مَيْتَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَكَلَ مِنْهَا، (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا طَعَامًا لَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ، لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي الضَّرُورَةِ، وَانْفَرَدَ بِالْمِلْكِ، أَشْبَهَ غَيْرَ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ أَخْذُ الْمَاءِ مِنَ الْعَطْشَانِ، وَيَلْزَمُ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَحَدٌ فَمَاتَ لَزِمَهُ ضمانه، لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ، فَهَلْ يَمْلِكُهُ، أَوْ يَدْفَعُهُ إِلَى الْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: لَهُ إِمْسَاكُهُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إِيثَارُهُ، وَفِي الْهَدْيِ: لَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ غَايَةُ الْجُودِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] ، وَلِفِعْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعُدَّ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِمْ، (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ (لَزِمَهُ بَذْلُهُ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ إِحْيَاءُ نَفْسِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ فَلَزِمَهُ بَذْلُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَنَافِعِهِ فِي تَخْلِيصِهِ مِنَ الْغَرَقِ، (بِقِيمَتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فِي ذِمَّةِ مُعْسِرٍ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَفِي زِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ وَجْهَانِ، وَفِي الِانْتِصَارِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: فَرْضًا بِعِوَضِهِ، وَقِيلَ: مَجَّانًا، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَالْمَنْفَعَةِ فِي الْأَشْهَرِ، (فَإِنْ أَبَى فلِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ) بِالْأَسْهَلِ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَخَذَهُ (قَهْرًا) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ مَالِكِهِ، (وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهُ) أَيْ: يُعْطِي الْمَالِكَ قِيمَتَهُ، لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ فَوَاتُ الْعَيْنِ، وَفَوَاتُ الْمَالِيَّةِ، (فَإِنْ مَنَعَهُ فَلَهُ قِتَالُهُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُ، كَمَا ذَكَرَ فِي دَفْعِ الصَّائِلِ (عَلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) وَهُوَ الْأَوْلَى، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (أَوْ قَدْرِ شِبَعِهِ) لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَانِعِي الزَّكَاةِ، (عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ) لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُبِيحَ لِلْقِتَالِ مَنْعُ مَا يُبَاحُ لَهُ، لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، لَكِنْ لَوْ لَمْ يَبِعْهُ إِلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَخَذَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ، وَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ كَالْحَرْبِيِّ، وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ حَلَّ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ؟ وَإِنْ وُجِدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا، فَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَجْهَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] ، وَأَعْطَاهُ قِيمَتَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقَاتِلُهُ، (فَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الطَّعَامِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِقِتَالِهِ، أَشْبَهَ الصَّائِلَ، (وَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمَ كَالْحَرْبِيِّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ حَلَّ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ، فَلَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَلَهُ أَكْلُهُ، (وَإِنْ وُجَدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا فَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَجْهَانِ) . أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ يَشْتَرِكَانِ فِي الْحُرْمَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ» . وَالثَّانِي: بَلَى، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ الْأَكْلَ مِنَ اللَّحْمِ لَا مِنَ الْعَظْمِ. وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الْحُرْمَةِ لَا بِمِقْدَارِهَا، بِدَلِيلِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الضَّمَانِ وَالْقَوَدِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهُوَ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ حَيًّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ، وَلَا إِتْلَافُ عُضْوٍ مِنْهُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، لِأَنَّ الْمَعْصُومَ الْحَيَّ مِثْلُ الْمُضْطَرِّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ نَفْسَهُ بِإِتْلَافِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُضْطَرُّ شَيْئًا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَكْلُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ، لِأَنَّهُ يُتْلِفُهُ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ مَوْهُومٌ، فَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ، وَلَا الْعُدُولُ إِلَى الْمَيْتَةِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَسُمَّهُ فِيهِ، أَوْ يَكُونَ الطَّعَامُ فِيهِ مَضَرَّةً، أَوْ يَخَافَ أَنْ يُمْرِضَهُ، وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، كَدَفْعِ بَرْدٍ، وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ، وَكَوْنُهُ وَجَبَ بَذْلُهُ مَجَّانًا مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْعِوَضُ. مَسْأَلَةٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الْجُبْنِ؛ فَقَالَ: يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، فَقِيلَ لَهُ عَنِ الْجُبْنِ الَّذِي تَصْنَعُهُ الْمَجُوسُ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي، وَذَكَرَ أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجُبْنِ، وَقِيلَ لَهُ: تُعْمَلُ فِيهِ الْإِنْفَحَةُ الْمَيْتَةُ؟ قَالَ: سَمُّوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَوْزًا، أَوْ بَيْضًا قُومِرَ بِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 فَصْلٌ وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرٍ فِي شَجَرٍ لَا حَائِطَ عَلَيْهِ، وَلَا نَاظِرَ فَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَلَا يَحْمِلُ. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ. وَفِي الزَّرْعِ وَشُرْبِ لَبَنِ الْمَاشِيَةِ رِوَايَتَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] [حُكْمُ أَكْلِ الثَّمَرِ مِنْ بُسْتَانٍ لَا حَائِطَ لَهُ وَلَا نَاظِرَ] فَصْلٌ. (وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرٍ فِي شَجَرٍ لَا حَائِطَ عَلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُوجَزِ، (وَلَا نَاظِرَ) وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْوَسِيلَةِ، (فَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: إِنَّهُ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا أَتَيْتَ حَائِطَ بُسْتَانٍ فَنَادِ صَاحِبَ الْبُسْتَانِ، فَإِنْ أَجَابَكَ، وَإِلَّا فَكُلْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَفَعَلَهُ أَنَسٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ، وَأَبُو بَرْزَةَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ بِقَدْرِ شَهْوَتِهِ، وَلَا يَشْبَعُ، ومقتضى كَلَامُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنَ السَّاقِطِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ رِوَايَةً، وَفِي التَّرْغِيبِ: يَجُوزُ لِمُسْتَأْذِنٍ ثَلَاثًا لِلْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُحَوَّطًا بِحَائِطٍ، أَوْ نَاطُورٍ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ، لِأَنَّ إِحْرَازَهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شُحِّ صَاحِبِهِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ مَجْمُوعًا، إِلَّا لِمُضْطَرٍّ، وَلَا يَرْمِي شَجَرًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَصْعَدُهَا، (وَلَا يَحْمِلُ) شَيْئًا بِحَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا أَوْ لَا، لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ فَقَطْ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «فَكُلْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ» ، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «وَلَا تَتَّخِذْ خُبْنَةً» (وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ) وَقَالَ: قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ قَوْلُهُ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» ، الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْأَكْلِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا، تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ الْحَاجَةِ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الثمر الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: «مَا أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي الْحَاجَةِ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ وَالْعُقُوبَةُ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَعَنْهُ: الرُّخْصَةُ لِلْمُسَافِرِ فَقَطْ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِيمَا سَقَطَ لِلْمُحْتَاجِ وَغَيْرِهِ، وَاحْتَجَّ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ لَهَا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِرَافِعٍ: «لَا تَرْمِ، وَكُلْ مَا وَقَعَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَعَنْهُ: وَيَضْمَنُهُ، اخْتَارَهَا فِي الْمُبْهِجِ لِلْعُمُومَاتِ، (وَفِي الزَّرْعِ) الْقَائِمِ، (وَشُرْبِ لَبَنِ الْمَاشِيَةِ؛ رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ. الْأُولَى: أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنَ الزَّرْعِ الْقَائِمِ شَيْئًا، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الثِّمَارِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهَا رَطْبَةً، فَالنَّفْسُ تَتُوقُ إِلَيْهَا، بِخِلَافِ الزَّرْعِ. وَالثَّانِيَةُ، وَهِيَ أَشْهَرُ: أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنَ الْفَرِيكِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَكْلِهِ رَطْبًا، أَشْبَهَ الثَّمَرَ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ الْبَاقِلَاءَ، وَالْحِمَّصَ الْأَخْضَرَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الثَّانِيَةِ فِي شُرْبِ لَبَنِ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ، عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا، فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ، وَلَا يَحْمِلْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ» . مُتَّفَقٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ ضِيَافَةُ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَإِنْ أَبَى فَلِلضَّيْفِ طَلَبُهُ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ. وَحَمَلَهَا فِي الرِّعَايَةِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَائِطٌ، أَوْ حَافِظٌ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ جَازَ مُطْلَقًا، وَيُقَدِّمُهُ عَلَى الْمَيْتَةِ، لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَهُوَ أَسْهَلُ. (وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ ضِيَافَةُ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ) قَالَ أَحْمَدُ: الضِّيَافَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كُلُّ مَنْ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَيِّفَهُ، لِمَا رَوَى الْمِقْدَادُ بْنُ كَرِيمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْلَةُ الضَّيْفِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ مَحْرُومًا كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اقْتَضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ.» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ: «فَإِنْ لَمْ يُقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ.» وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ: «فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَلَهُمْ حَقُّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّ ضِيَافَةَ الْكَافِرِ لَا تَجِبُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ فِي رِوَايَةٍ: وَتَجِبُ لِذِمِّيٍّ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، لِأَنَّ الضِّيَافَةَ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَأَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا لِلْمُسَافِرِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ نُصُوصِهِ أَنَّهَا تَجِبُ لِحَاضِرٍ، وَفِيهِ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ، في قرية، وَفِي مِصْرَ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ، جَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ أَنَّ الْمُسْلِمَ تَجِبُ عَلَيْهِ ضِيَافَةُ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ فِي الْقُرَى لَا الْأَمْصَارِ (يَوْمًا وَلَيْلَةً) وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِيهِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، لِمَا رَوَى أَبُو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ مَرْفُوعًا، قَالَ: «الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهَا تَجِبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِهَذَا الْخَبَرِ، وَهِيَ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مَعَ أُدُمٍ، وَفِي الْوَاضِحِ، وَلِفَرَسِهِ تِبْنٌ لَا شَعِيرٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: كَأُدُمِهِ، وَأَوْجَبَ شَيْخُنَا الْمَعْرُوفُ عَادَةً، قَالَ: كَزَوْجَةٍ، وَقَرِيبٍ، وَرَفِيقٍ، وَمَنْ قَدَّمَ لِضِيفَانِهِ طَعَامًا لَمْ يَجُزْ لَهُ قِسْمَتُهُ، لِأَنَّهُ أَبَاحَهُ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ، (فَإِنْ أَبَى فَلِلضَّيْفِ طَلَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ) أَيْ: يُحَاكِمُهُ وَيَطْلُبُ حَقَّ ضِيَافَتِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: إِذَا بُعِثُوا فِي السَّبِيلِ يُضَيِّفُهُمْ مَنْ مَرُّوا بِهِ ثَلَاثَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَتُسْتَحَبُّ ضِيَافَتُهُ ثَلَاثًا، فَمَا زَادَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِنْزَالُهُ فِي بَيْتِهِ إِلَّا أَلَّا يَجِدَ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا يَبِيتُ فِيهِ. بَابُ الذَّكَاةِ لَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنَ الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ إِلَّا الْجَرَادَ وَشِبْهَهُ، وَالسَّمَكَ   [المبدع في شرح المقنع] أَيَّامٍ، فَإِنْ أَبَوْا أَخَذُوا مِنْهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، (وَتُسْتَحَبُّ ضِيَافَتُهُ ثَلَاثًا) لِخَبَرِ أَبِي شُرَيْحٍ، (فَمَا زَادَ) أَيْ: عَلَى الثَّلَاثَةِ، (فَهُوَ صَدَقَةٌ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَكَانَ كَصَدَقَةِ النَّفْلِ، (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِنْزَالُهُ فِي بَيْتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَرَجِ، وَالْمَشَقَّةِ، وَالْخَبَرُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الضِّيَافَةِ فَقَطْ، وَأَوْجَبَهُ فِي الْمُفْرَدَاتِ مُطْلَقًا كَالنَّفَقَةِ، (إِلَّا أَلَّا يَجِدَ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا يَبِيتُ فِيهِ) فَيَلْزَمُهُ إِنْزَالُهُ فِي بَيْتِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَلَا يَصُومَنَّ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الْأَضْحَى: النَّاسُ فِيهِ تَبَعٌ لِوَفْدِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ بَيْتِهِ، وَهُمْ كَالضَّيْفِ، فَلَا يَحْسُنُ صَوْمُهُ عِنْدَ مُضَيِّفِهِ. فَائِدَةٌ: مَنِ امْتَنَعَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَمَذْمُومٌ مُبْتَدِعٌ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْبِطِّيخِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ كَذِبٌ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ [بَابُ الذَّكَاةِ] [حُكْمُ التَّذْكِيَةِ] بَابُ الذَّكَاةِ يُقَالُ: ذَكَّى الشَّاةَ وَنَحْوَهَا تَذْكِيَةً، أَيْ: ذَبَحَهَا، وَالِاسْمُ: الذَّكَاةُ، وَالْمَذْبُوحُ ذَكِيٌّ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. (لَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنَ الْحَيَوَانِ) الْمُبَاحِ، (الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ) ، وَقَالَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْبَحْرِيِّ: أَوْ عُقِرَ، لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ، (إِلَّا الْجَرَادَ وَشِبْهَهُ) فَإِنَّهُ يُبَاحُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ، لِقَوْلِهِ: «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ: الْحُوتُ، وَالْجَرَادُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 وَسَائِرَ مَا لَا يَعِيشُ إِلَّا فِي الْمَاءِ، فَلَا ذَكَاةَ لَهُ. وَعَنْهُ فِي السَّرَطَانِ وَسَائِرِ الْبَحْرِيِّ أَنَّهُ يَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ، وَعَنْهُ فِي الْجَرَادِ: لَا يُؤْكَلُ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ كَكَبْسِهِ وَتَغْرِيقِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ لَهُ، وَيُبَاحُ بِمَا فِيهِ، (وَالسَّمَكَ وَسَائِرَ مَا لَا يَعِيشُ إِلَّا فِي الْمَاءِ، فَلَا ذَكَاةَ لَهُ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِلْأَخْبَارِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا مَاتَ بِسَبَبٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى إِبَاحَةِ مَا مَاتَ بِسَبَبٍ، مِثْلُ أَنْ صَادَهُ إِنْسَانٌ، أَوْ نَبَذَهُ الْبَحْرُ، أَوْ جَزَرَ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ فِي الطَّافِي، وَنُصُوصُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَتَقَذَّرْهُ، وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «وَمَا مَاتَ فِيهِ وَطَفَا، فَلَا تَأْكُلُوهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَذَكَرَ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنِ الصِّدِّيقِ وَغَيْرِهِ حِلَّهُ، قَالَ: وَمَا يُرْوَى خِلَافَ ذَلِكَ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عِنْدَ قَائِلِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] ، وَهُوَ: مَا رَمَى بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا مَاتَ فِيهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ، وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ ذَبَحَ مَا فِي الْبَحْرِ لِبَنِي آدَمَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مَوْقُوفًا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً يَجْرِي مَجْرَى دِيدَانِ الْخَلِّ وَالْبَاقِلَاءِ، فَيَحِلُّ بِمَوْتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالذُّبَابِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ حَرُمَ لَمْ يَنْجُسْ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَعَنْهُ: مَعَ دَمٍ. فَرْعٌ: كَرِهَ أَحْمَدُ شَيَّ سَمَكٍ حَيٍّ لَا جَرَادٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِمَا: يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَحْرُمُ بَلْعُهُ حَيًّا، ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إِجْمَاعًا، وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: يُكْرَهُ، (وَعَنْهُ فِي السَّرَطَانِ وَسَائِرِ الْبَحْرِيِّ أَنَّهُ يَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ) لِأَنَّ السَّرَطَانَ لَا دَمَ فِيهِ، قَالَ أَحْمَدُ: السَّرَطَانُ لَا بَأْسَ بِهِ. قِيلَ لَهُ: يُذْبَحُ؟ قَالَ: لَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَقْصُودَ الذَّبْحِ إِنَّمَا هُوَ إِخْرَاجُ الدَّمِ، وَتَطْيِيبُ اللَّحْمِ بِإِزَالَتِهِ عَنْهُ، فَأَمَّا مَا لَا دَمَ لَهُ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى ذَبْحِهِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 وَيُشْتَرَطُ لِلذَّكَاةِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ، أَحَدُهَا: أَهْلِيَّةُ الذَّابِحِ، وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا مُسْلِمًا، أَوْ كِتَابِيًّا فَتُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ نَصَارَى بَنِي   [المبدع في شرح المقنع] وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا كَانَ مَأْوَاهُ الْبَحْرَ، وَهُوَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ، كَطَيْرِ الْمَاءِ، وَالسُّلَحْفَاةِ، وَكَلْبِ الْمَاءِ، فَلَا يَحِلُّ إِلَّا بِذَبْحِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَذَهَبَ إِلَيْهِ قَوْمٌ لِلْأَخْبَارِ، وَالْأَصَحُّ فِي السَّرَطَانِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِالذَّكَاةِ، (وَعَنْهُ: فِي الْجَرَادِ لَا يُؤْكَلُ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ؛ كَكَبْسِهِ وَتَغْرِيقِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ لَهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِيهِ كَالذَّبْحِ فِي غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ مَا أُبِيحَتْ مَيْتَتُهُ لَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ سَبَبٌ بِدَلِيلِ السَّمَكِ. [شُرُوطُ الذَّكَاةِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَهْلِيَّةُ الذَّابِحِ] (وَيُشْتَرَطُ لِلذَكَاةِ) وَفِي الرَّوْضَةِ وَالْعُمْدَةِ: لِلنَّحْرِ (شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ) قَالَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، (أَحَدُهَا: أَهْلِيَّةُ الذَّابِحِ) وَهُوَ الْمُذَكِّي، (وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا) لِيَصِحَّ قَصْدُ التَّذْكِيَةِ، وَلَوْ مُكْرَهًا، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ كَذَبْحِ مَغْصُوبٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ الْأَكْلِ، وَفِي التَّعْلِيقِ لَوْ تَلَاعَبَ بِسِكِّينٍ عَلَى حَلْقِ شَاةٍ، فَصَارَ ذَبْحًا، وَلَمْ يَقْصِدْ حَلَّ أَكْلِهَا لَمْ تُبَحْ، وَعَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ تَحْرِيمَ مَا قَتَلَهُ مُحْرِمٌ لِصَوْلِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَكْلُهُ، أَوْ وَطِئَهُ آدَمِيٌّ إِذَا قُتِلَ، وَفِي التَّرْغِيبِ: هَلْ يَكْفِي قَصْدُ الذَّبْحِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِحْلَالِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، (مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ. وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَا تَأْكُلُوا مِنَ الذَّبَائِحِ إِلَّا مَا ذَبَحَ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ. وَالْعَدْلُ، وَالْفَاسِقُ سَوَاءٌ وَلَوْ مُمَيِّزًا، وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ: لَا دُونَ عَشْرٍ (فَتُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى) وَلَوْ قِنًّا، وَهُوَ كَالْحُرِّ إِجْمَاعًا، ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَاخْتُلِفَ فِي ذَبْحِ الصَّبِيِّ، وَقَيَّدَهُ أَحْمَدُ بِإِطَاقَةِ الذَّبْحِ، وَالْجُنُبِ وَالْآبِقِ؛ نَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الْأَقْلَفِ: لَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا حَجَّ، هِيَ مِنْ تَمَامِ الْإِسْلَامِ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: لَا بَأْسَ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ جُنُبٌ، وَمِثْلُهُ حَائِضٌ، وَظَاهِرُهُ: إِبَاحَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 تَغْلِبَ، وَلَا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ، وَلَا تُبَاحُ ذَكَاةُ مَجْنُون، وَلَا سَكْرَانَ، وَلَا طِفْلٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ، وَلَا وَثَنِيٍّ، وَلَا مَجُوسِيٍّ، وَلَا مُرْتَدٍّ.   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَاةِ أَعْمَى، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا (وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ) فِي الْأَظْهَرِ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا تَأْكُلُوا مِنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ. وَظَاهِرُ الْمَتْنِ وَالْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: الْإِبَاحَةُ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَفِي التَّرْغِيبِ: فِي الصَّابِئَةِ رِوَايَتَانِ، مَأْخَذُهُمَا هَلْ هُمْ مِنَ النَّصَارَى، أَمْ لَا؟ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: يَسْبِتُونَ، جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْيَهُودِ، وَكُلُّ مَنْ يَصِيرُ إِلَى كِتَابٍ فَلَا بَأْسَ بِذَبِيحَتِهِ، (وَلَا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غير كِتَابِيٌّ) قَالَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ: تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، وَالْأَشْهَرُ الْحِلُّ مُطْلَقًا لِلْعُمُومِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: مَنْ أَقَرَّ بِجِزْيَةٍ حَلَّتْ ذَكَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. (وَلَا تُبَاحُ ذَكَاةُ مَجْنُونٍ) وَفِي مَعْنَاهُ: الْمَغْمِيٌّ عَلَيْهِ فِي حَالِ إِغْمَائِهِ، (وَلَا سَكْرَانَ وَلَا طِفْلٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمُ الْقَصْدُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَرَبَ إِنْسَانًا بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَ عُنُقَ شَاةٍ (وَلَا وَثَنِيٍّ، وَلَا مَجُوسِيٍّ) أَمَّا الْمَجُوسُ فَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ، لِمَفْهُومِ الْآيَةِ، وَلِخَبَرٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَكَسَائِرِ الكفار غير أَهْلِ الْكِتَابِ، وَشَذَّ أَبُو ثَوْرٍ، فَأَبَاحَ صَيْدَهُ وَذَبِيحَتَهُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ. وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَلِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: خَرَقَ أَبُو ثَوْرٍ الْإِجْمَاعَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنْ مَا صَادَهُ الْمَجُوسُ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادٍ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: أَصَحُّهُمَا عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ التَّحْرِيمُ، وَأَمَّا الْوَثَنِيُّ فَحُكْمُهُ كَالْمَجُوسِ، بَلْ هُمْ شَرٌّ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْمَجُوسَ لَهُمْ شِبْهُ كِتَابٍ، (وَلَا مُرْتَدٍّ) لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ كَالْوَثَنِيِّ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ تَحِلُّ ذَكَاةُ مُرْتَدٍّ إِلَى أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنِ انْتَقَلَ إِلَى دِينٍ يُقِرُّ أَهْلُهُ بِكِتَابٍ وَجِزْيَةٍ، وَأَقَرَّ عَلَيْهِ حَلَّتْ ذَكَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 فَصْلٌ الثَّانِي: الْآلَةُ، وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَ بِمُحَدَّدٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ قَصَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ، إِلَّا السِّنَّ، وَالظُّفْرَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرُ. فَإِنْ ذَبَحَ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ حَلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] [الشَّرْطُ الثَّانِي: الْآلَةُ] فَصْلٌ (الثَّانِي: الْآلَةُ، وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَ بِمُحَدَّدٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ قَصَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ) كَخَشَبٍ، (إِلَّا السِّنَّ وَالظُّفْرَ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، (لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنُّ وَالظُّفُرُ) » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعٍ، «وَلِأَنَّ جَارِيَةَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَكْلِهَا.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِيهِ فَوَائِدُ، وَفِي عَظْمِ غَيْرِ سِنٍّ رِوَايَتَانِ، كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ يُبَاحُ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ اللَّفْظِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهِيَ أَصَحُّ، وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ تَحْرِيمَ الذَّبْحِ بِالسِّنِّ بِكَوْنِهِ عَظْمًا، (فَإِنْ ذَبَحَ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ حَلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ الذَّكَاةَ وُجِدَتْ مِمَّنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الذَّبْحِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَذْبُوحُ مَغْصُوبًا، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اسْتَجْمَرَ بِالرَّوْثِ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ الْمُذَكَّى مَغْصُوبًا، فَهُوَ مَيْتَةٌ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَمِثْلُهَا سِكِّينٌ ذَهَبٌ وَنَحْوُهَا، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ، وَفِي التَّرْغِيبِ: يَحْرُمُ بِعَظْمٍ، وَلَوْ بِسَهْمٍ نَصْلُهُ عَظْمٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 فَصْلٌ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ والمري، وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] [الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ والمري] فَصْلٌ. (الثَّالِثُ: أَنْ يَقْطَعَ) مِنَ الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، (الْحُلْقُومَ والمري) وَهِيَ: الْوَهْدَةُ الَّتِي تَرْبِطُ بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إِجْمَاعًا، قَالَ عُمَرُ: النَّحْرُ فِي اللَّبَّةِ، وَالْحَلْقِ لِمَنْ قَدَرَ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَرَوَى سَعِيدٌ، وَالْأَثْرَمُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ بَيْتِنَا: أَلَا إِنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ، «قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ؛ قَالَ: لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لَأَجْزَأَكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ أَبُو الْعُشَرَاءِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَحَدِيثُهُ غَلَطٌ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ وَاسْمِهِ وَسَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي أَحْكَامِهِ: هَذَا فِيمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ والْمري، وَهُمَا مَجْرَى الطَّعَامِ وَالنَّفَسِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْكَافِي، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَوْلَى، وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، لِأَنَّهُ قَطْعٌ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ الْأَرْبَعَةَ، وَاخْتَصَّ الذَّبْحُ بِالْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ، لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ بِالذَّبْحِ فِيهِ الدِّمَاءُ السَّيَّالَةُ، وَيُسْرِعُ زُهُوقُ الرُّوحِ، فَيَكُونُ أَطْيَبَ لِلَّحْمِ، وَأَخَفَّ عَلَى الْحَيَوَانِ، (وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ) ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ» ، وَهِيَ الَّتِي تَذْبَحُ فَتَقْطَعُ الْجِلْدَ، وَلَا تَفْرِي الْأَوْدَاجَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 نَحَرَهُ أَجْزَأَهُ، وَهُوَ أَنْ يَطْعَنَهُ بِمُحَدَّدٍ فِي لَبَّتِهِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرَ، وَيَذْبَحَ مَا   [المبدع في شرح المقنع] سَعِيدٌ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أُهْرِيقَ الدَّمُ وَقُطِعَ الْوَدَجُ فَكُلْ، إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَهُمَا عِرْقَانِ مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ، وَعَنْهُ: أَوْ أَحَدُهُمَا، وَفِي الْإِيضَاحِ: الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ، وَفِي الْإِرْشَادِ: المري وَالْوَدَجَيْنِ، وَفِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ: يَكْفِي قَطْعُ الْأَوْدَاجِ وَحْدَهَا، لَكِنْ لَوْ قَطَعَ أَحَدَهُمَا مَعَ الْحُلْقُومِ أَوِ المري أَوْلَى بِالْحِلِّ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَ وَجْهًا: يَكْفِي قَطْعُ ثَلَاثٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ، وَظَاهِرُهُ: لَا يَضُرُّ رَفْعُ يَدِهِ إِنْ أَتَمَّ الذَّكَاةَ عَلَى الْفَوْرِ، وَاعْتُبِرَ فِي التَّرْغِيبِ قَطْعًا تَامًّا، فَلَوْ بَقِيَ مِنَ الْحُلْقُومِ جِلْدَةٌ، وَلَمْ يَنْفُذِ الْقَطْعُ، وَانْتَهَى الْحَيَوَانُ إِلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ قَطَعَ الْجِلْدَةَ لَمْ يَحِلَّ. فَرْعٌ: إِذَا أَبَانَ رَأْسَهُ بِالذَّبْحِ، لَمْ يَحْرُمْ بِهِ الْمَذْبُوحُ قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَكْلُهُ مُبَاحٌ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ وَيَحِلُّ، وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ رَأْسَ بَطَّةٍ، أَوْ شَاةٍ بِالسَّيْفِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الذَّبِيحَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعِمْرَانَ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ قَطْعُ مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ مَعَ الذَّبْحِ، (وَإِنْ نَحَرَهُ أَجْزَأَهُ) أَيْ: إِذَا نَحَرَ مَا يَذْبَحُ أَجَزَأَهُ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ كَعَكْسِهِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» . وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: نَحَرْنَا فَرَسًا، وَفِي رِوَايَةٍ: ذَبَحْنَا، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً» ، وَلِأَنَّهُ ذَكَّاهُ فِي مَحِلِّهِ، فَجَازَ أَكْلُهُ كَالْحَيَوَانِ الْآخَرِ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَبْحِ الْبَقَرِ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ عَنْهُ أَظْهَرُ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ ذَبْحُ إِبِلٍ، وَعَنْهُ: وَلَا تُؤْكَلُ، (وَهُوَ أَنْ يَطْعَنَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 سِوَاهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، مِثْلُ أَنْ يَنِدَّ الْبَعِيرُ، أَوْ يَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ، صَارَ كَالصَّيْدِ، إِذَا جَرَحَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَهُ، فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ، إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ، فَلَا يُبَاحُ، وَإِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا وَهُوَ مُخْطِئٌ، فَأَتَتِ السِّكِّينُ عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهَا، وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ أُكِلَتْ، وَإِنْ فَعَلَهُ   [المبدع في شرح المقنع] بِمُحَدَّدٍ فِي لَبَّتِهِ) فَبَيَانٌ لِمَعْنَى النَّحْرِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ هَكَذَا يَفْعَلُونَ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ قَالَا: النَّحْرُ فِي اللَّبَّةِ، وَالذَّبْحُ فِي الْحَلْقِ، وَالذَّبْحُ وَالنَّحْرُ فِي الْبَقَرِ وَاحِدٌ، (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْحَرَ الْبَعِيرُ، وَيُذْبَحَ مَا سِوَاهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّحْرِ، لِأَنَّ أَغْلَبَ مَاشِيَةِ قَوْمِهِ الْإِبِلُ، وَأُمِرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالذَّبْحِ، لِأَنَّ غَالِبَ مَاشِيَتِهِمُ الْبَقَرُ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَحَرَ الْبُدْنَ، وَذَبَحَ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ بِيَدِهِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ: يُنْحَرُ الْبَقَرُ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: إِنَّ مَا صَعُبَ وَضْعُهُ فِي الْأَرْضِ نُحِرَ، (فَإِنْ عُجِزَ عَنْ ذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَنِدَّ الْبَعِيرُ) أَيْ: إِذَا ذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ شَارِدًا، (أَوْ يَتَرَدَّى) أَيْ: يَسْقُطُ، (فِي بِئْرٍ فَلَا يُقْدَرُ عَلَى ذَبْحِهِ، صَارَ كَالصَّيْدِ إِذَا جَرَحَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَهُ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِمَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَدَّ بَعِيرٌ، وَفِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدُ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ منها فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الذَّكَاةِ بِحَالِ الْحَيَوَانِ وَقْتَ ذَبْحِهِ، لَا بِأَصْلِهِ، بِدَلِيلِ الْوَحْشِيِّ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ وَجَبَتْ ذَكَاتُهُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، فَكَذَلِكَ الْأَهْلِيُّ إِذَا تَوَحَّشَ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: يُقْتَلُ مِثْلُهُ غَالِبًا، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، إِلَّا أَنْ يُذَكَّى، قَالَ أَحْمَدُ: لَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ رَافِعٍ، (إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ فَلَا يُبَاحُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الذَّبْحَ قَتَلَهُ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ فَحَرُمَ، كَمَا لَوْ جَرَحَ الصَّيْدَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ، وَقِيلَ: يَحِلُّ إِنْ جَرَحَهُ بِجَرْحٍ مُوحٍ، (وَإِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا وَهُوَ مُخْطِئٌ، فَأَتَتِ السِّكِّينُ) وَلَوْ عَبَّرَ بِالْآلَةِ لَعَمَّ، (عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهَا وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ) أَيْ: فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِوُجُودِ الْحَرَكَةِ، وَعَنْهُ: أَوْ لَا، وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 عَمْدًا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَكُلُّ مَا وُجِدَ فِيهِ سَبَبُ الْمَوْتِ، كَالْمُنْخَنِقَةِ، وَالْمُتَرَدِّيَةِ، وَالنَّطِيحَةِ،   [المبدع في شرح المقنع] الْمُغْنِي: غَلَبَ بَقَاؤُهَا، (أُكِلَتْ) قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّهَا حَلَّتْ بِالذَّبْحِ، وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ: يَحْرُمُ مَعَ حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ. ، (وَإِنْ فَعَلَهُ عَمْدًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ: هُمَا رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَا تُبَاحُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّهُ في غير محل الذَّبْحِ، كَمَا لَوْ بَقَرَ بَطْنَهَا. وَالثَّانِيَةُ: تَحِلُّ إِذَا بَقِيَتْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ والمري، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَهِيَ أَصَحُّ، لِأَنَّ الذَّبْحَ إِذَا أَتَى عَلَى مَا فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، حَلَّ كَالْمُتَرَدِّيَةِ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِ مُطْلَقًا، وَفِي الشَّرْحِ: إِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ والمري أَوْ لَا، نُظِرَتْ: فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ بَقَاءَ ذَلِكَ، لِحِدَّةِ الْآلَةِ وَسُرْعَةِ الْقَطْعِ، فَالْأَوْلَى إِبَاحَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ كَآلَةٍ، وَأَبْطَأَ قَطْعُهُ، وَطَالَ تَعْذِيبُهُ لَمْ يُبَحْ. فَرْعٌ: مُلْتَوٍ عُنُقُهُ كَمَعْجُوزٍ عَنْهُ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقُبِلَ: حُكْمُهُ كَذَلِكَ. (وَكُلُّ مَا وُجِدَ فِيهِ سَبَبُ الْمَوْتِ كَالْمُنْخَنِقَةِ، وَالْمُتَرَدِّيَةِ، وَالنَّطِيحَةِ، وَأَكِيلَةِ السَّبُعِ إِذَا أَدْرَكَ ذَكَاتَهَا، وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أَكْثَرُ مِنْ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّتْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، وَلِحَدِيثِ جَارِيَةِ كَعْبٍ، وَلِمَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي شَاةٍ وَقَعَ قَصَبَتُهَا، أَيِ: الْأَمْعَاءُ بِالْأَرْضِ، فَأَدْرَكَهَا فَذَبَحَهَا بِحَجَرٍ، يُلْقِي مَا أَصَابَ الْأَرْضَ، وَيَأْكُلُ سَائِرَهَا، وَسَوَاءٌ انْتَهَتْ إِلَى حَالٍ يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ مَعَهُ أَوْ تَعِيشُ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَ السَّامِرِيُّ: أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ مَبْلَغًا لَا تَعِيشُ لِمِثْلِهِ لَمْ تَحِلَّ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إِنْ رَجَا حَيَاتَهَا حَلَّتْ، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ: أَنَّهَا تَحِلُّ بِشَرْطِ أَنْ تَتَحَرَّكَ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَلَوْ بِيَدٍ، أَوْ رِجْلٍ، أَوْ طَرَفِ ذَنَبٍ، وَحَكَاهُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 وَأَكِيلَةِ السَّبُعِ، إِذَا أَدْرَكَ ذَكَاتَهَا، وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أَكْثَرُ مِنْ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، حَلَّتْ، وَإِنْ صَارَتْ حَرَكَتُهَا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لَمْ تَحِلَّ. فَصْلٌ الرَّابِعُ: أَنْ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ، لَا يَقُومُ غَيْرُهَا   [المبدع في شرح المقنع] الْفُرُوعِ قَوْلًا. وَقِيلَ: أَوْ لَا، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ يَمُوتُ بِالسَّبَبِ، وَعَنْهُ: لِدُونِ أَكْثَرِ يَوْمٍ، لَمْ يَحِلَّ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ تَعِيشُ زَمَانًا يَكُونُ بِالْمَوْتِ بِالذَّبْحِ أَسْرَعَ مِنْهُ حَلَّتْ بِالذَّبْحِ، وَعَنْهُ: يَحِلُّ مُذَكًّى قَبْلَ مَوْتِهِ مُطْلَقًا، وَفِي كِتَابِ الْآدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ: وَتُشْتَرَطُ حَيَاةٌ يُذْهِبُهَا الذَّبْحُ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَعَنْهُ: إِنْ تَحَرَّكَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالْمَرُّوذِيُّ وَأَبُو طَالِبٍ، وَفِي التَّرْغِيبِ: لَوْ ذَبَحَ وَشَكَّ فِي الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ، وَوَجَدَ مَا يُقَارِبُ الْحَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي التَّذْكِيَةِ الْمُعْتَادَةِ، حَلَّ فِي الْمَنْصُوصِ، وَمُرَادُهُمْ بِالْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ مَا جَازَ بَقَاؤُهَا أَكْثَرَ الْيَوْمِ، (وَإِنْ صَارَتْ حَرَكَتُهَا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، لَمْ تَحِلَّ) لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ، كَمَا لَوْ ذَبَحَهَا بَعْدَ ذَبْحِ الْوَثَنِيِّ، وَكَذَا فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. فَرْعٌ: وَمَرِيضَةٌ، وَمَا صِيدَ بِشَبَكَةٍ، أَوْ شَرَكٍ، أَوْ أُحْبُولَةٍ، أَوْ فَخٍّ، أَوْ أَنْقَذَهُ مِنْ مَهْلَكَةٍ، فَهُوَ كَمُنْخَنِقَةٍ. [الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ] فَصْلٌ. (الرَّابِعُ: أَنْ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ) وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَوْ قَبْلَهُ قَرِيبًا، فَصَلَ بِكَلَامٍ، أَوْ لَا كَالطَّهَارَةِ، فَعَلَى هَذَا: إِنْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ ثُمَّ أَخَذَ السِّكِّينَ، أَوْ كَانَتْ بِيَدِ مُفْتَرِكِهَا وَأَخَذَ أُخْرَى، أَوْ تَحَدَّثَ ثُمَّ ذَبَحَ حَلَّتْ، لِأَنَّهُ سَمَّى عَلَيْهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، وَالْفِسْقُ حَرَامٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ وَأَطْلَقَ، «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا ذَبَحَ سَمَّى» ، فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ) لِأَنَّ إِطْلَاقَ التَّسْمِيَةِ تَنْصَرِفُ إِلَيْهَا وَلَوْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ، وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ، وَالسَّلَامِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَفْظُهُ، وَفِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ إِنْ سَمَّى بِغَيْرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 مَقَامَهَا، إِلَّا الْأَخْرَسَ، فَإِنَّهُ يُومِئُ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ لَمْ تُبَحْ،   [المبدع في شرح المقنع] الْعَرَبِيَّةِ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ، صَحَّحَ فِي الرِّعَايَةِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، (لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا) كَالتَّسْبِيحِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الشَّرْحِ، وَقِيلَ: يَكْفِي تَكْبِيرٌ وَنَحْوُهُ، وَيَضْمَنُ أَجِيرٌ تَرَكَهَا إِنْ حَرُمَتْ، وَاخْتَارَ فِي النَّوَادِرِ لِغَيْرِ شَافِعِيٍّ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ يَضْمَنُهُ النَّقْصُ إِنْ حَلَّتْ، (إِلَّا الْأَخْرَسَ، فَإِنَّهُ يُومِئُ إِلَى السَّمَاءِ) لِأَنَّ إِشَارَتَهُ تَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ، وَكَذَا إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ أَشَارَ إِشَارَةً تَدُلُّ عَلَى التَّسْمِيَةِ. فَرْعٌ: يُسَنُّ التَّكْبِيرُ مَعَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا، كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنْصُوصِ، وَفِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَجُوزُ ذِكْرُهُ مَعَهَا شَيْئًا، وَاخْتَارَ ابْنُ شَاقْلَا: أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهَا، (فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ) عَمْدًا، أَوْ جَهْلًا، (لَمْ تُبَحْ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا أُبِيحَتْ) ذَكَرَ فِي الْكَافِي: أَنَّهَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ: أَنَّهَا أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، لِحَدِيثِ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ، مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ.» رَوَاهُ سَعِيدٌ، لَكِنَّ الْأَحْوَصَ ضَعِيفٌ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيمَنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ، قَالَ: الْمُسْلِمُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ التَّسْمِيَةَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ عُمَرُ: لَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى تَرْكِهَا عَمْدًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وَالْأَكْلُ مِمَّا نَسِيتَ عَلَيْهِ التَّسْمِيَةَ لَيْسَ بِفِسْقٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ» . وَقَالَ أَحْمَدُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] يَعْنِي: الْمَيْتَةَ، نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ، (وَعَنْهُ: تُبَاحُ فِي الْحَالَيْنِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ رَخَّصَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 وَإِنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا أُبِيحَتْ، وَعَنْهُ: تُبَاحُ فِي الْحَالَيْنِ، وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ فِيهِمَا. وَتَحْصُلُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا، أَوْ مُتَحَرِّكًا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يُبَحْ إِلَّا بِذَبْحِهِ، وَسَوَاءٌ أَشَعَرَ، أَوْ لَمْ يَشْعُرْ.   [المبدع في شرح المقنع] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ، قَالَ: اسْمُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوِ اشْتُرِطَتْ لَمَا حَلَّتِ الذَّبِيحَةُ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِهَا، لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الشَّرْطِ شَكٌّ فِي الْمَشْرُوطِ، وَالذَّبِيحَةُ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ التَّسْمِيَةِ حَلَالٌ، بِدَلِيلِ حِلِّ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إِتْيَانِهِمْ بِهَا، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَ، وَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْمَنْعِ مِنَ الشَّكِّ، (وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ فِيهِمَا) قَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَلِأَنَّ الشَّيْءَ مَتَى كَانَ شَرْطًا لَا يُعْذَرُ فِي تَرْكِهِ سَهْوًا، كَالْوُضُوءِ مَعَ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ الْمُسْلِمُ بِاشْتِرَاطِهَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَكْسَهَا، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الصَّيْدِ. فَرْعٌ: إِذَا شَكَّ فِي تَسْمِيَةِ الذَّابِحِ حَلَّ، فَلَوْ وَجَدَ شَاةً مَذْبُوحَةً فِي مَوْضِعٍ يُبَاحُ ذَبْحُ أَكْثَرِ أَهْلِهِ حَلَّتْ، وَإِلَّا فَلَا. [ذَكَاةُ الْجَنِينِ] (وَتَحْصُلُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ) الْمَأْكُولِ، (بِذَكَاةِ أُمِّهِ إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا، أَوْ مُتَحَرِّكًا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَلِأَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ خِلْقَةٍ، يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا، فَتَكُونُ ذَكَاتُهُ بِذَكَاتِهَا كَأَعْضَائِهَا، وَلِأَنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَيَوَانِ تَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ، إِلَّا بِأَنْ تُجْعَلَ ذَكَاةُ أُمِّهِ ذَكَاتَهُ، لَكِنِ اسْتَحَبَّ أَحْمَدُ ذَبْحَهُ لِيَخْرُجَ دَمُهُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 فَصْلٌ وَيُكْرَهُ تَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَالذَّبْحُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ، وَأَنْ يَحُدَّ السِّكِّينَ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ (وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يُبَحْ إِلَّا بِذَبْحِهِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، لِأَنَّهُ نَفْسٌ أُخْرَى، وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ بِحَيَاتِهِ، وَقُدِّمَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ كَالْمُنْخَنِقَةِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: إِنْ خَرَجَ حَيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَبْحِهِ، وَعَنْهُ: يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قَرِيبًا (وَسَوَاءٌ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ) لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ إِذَا أَشْعَرَ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ: إِذَا أَشْعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَانَ النَّاسُ عَلَى إِبَاحَتِهِ إِلَى أَنْ جَاءَ النُّعْمَانُ، فَقَالَ: لَا يَحِلُّ، لِأَنَّ ذَكَاةَ نَفْسٍ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ، وَجَوَابُهُ: مَا سَبَقَ، وَحَكَمَ بِإِبَاحَتِهِ تَيْسِيرًا عَلَى عِبَادِهِ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ تَحْرِيمُهُ كَتَحْرِيمِ أَبِيهِ، وَلَوْ وَجَأَ بَطْنَ أُمِّهِ فَأَصَابَ مَذْبَحَهُ يُذَكَّى وَالْأُمُّ مَيْتَةٌ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» مَنْ رَفَعَ جَعَلَهُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هُوَ ذَكَاةُ أُمِّهِ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَذْكِيَتِهِ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَالْجُمْهُورِ، وَمَنْ نَصَبَ قَدَّرَهُ كَذَكَاةِ الْجَنِينِ فَلَمَّا حُذِفَ الْجَارُّ نُصِبَ، فَعَلَيْهِ يَفْتَقِرُ الْجَنِينُ إِلَى ذَبْحٍ مُسْتَأْنَفٍ، لَكِنْ قَدَّرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ النَّصْبِ، تَقْدِيرُهُ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَةِ الرَّفْعِ الْمَشْهُورَةِ. [تَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ] فَصْلٌ (وَيُكْرَهُ تَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ) قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ سِيرِينَ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ضَحَّى وَجَّهَ أُضْحِيَتَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَقَالَ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} [الأنعام: 79] » الْآيَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قُرْبَةً كَالْأُضْحِيَّةِ، فَكُرِهَ تَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَالْأَذَانِ، فَيُسَنُّ تَوْجِيهُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهَا الْأَيْسَرِ، وَرِفْقُهُ بِهَا، وَحَمْلُهُ عَلَى الْآلَةِ بِقُوَّةٍ، وَإِسْرَاعُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 وَالْحَيَوَانُ يُبْصِرُهُ، وَأَنْ يَكْسِرَ عُنُقَ الْحَيَوَانِ، أَوْ يَسْلُخَهُ حَتَّى يَبْرُدَ. فَإِنْ فَعَلَ أَسَاءَ وَأُكِلَتْ، وَإِذَا ذَبَحَ الْحَيَوَانَ، ثُمَّ غَرِقَ فِي مَاءٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَقْتُلُ مِثْلَهُ، فَهَلْ يَحِلُّ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، كَذِي الظُّفُرِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا.   [المبدع في شرح المقنع] بِالشَّحْطِ، (وَالذَّبْحُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّ الْإِحْسَانَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، حَتَّى فِي حَالِ إِزْهَاقِ النُّفُوسِ، نَاطِقِهَا وَبَهِيمِهَا، وَلِأَنَّ الذَّبْحَ بِآلَةٍ كَالَّةٍ فِيهِ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ (وَأَنْ يَحُدَّ السِّكِّينَ، وَالْحَيَوَانُ يُبْصِرُهُ) لِأَنَّ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى شَاةٍ، وَهُوَ يَحُدُّ السِّكِّينَ، فَضَرَبَهُ حَتَّى أَفْلَتَ الشَّاةَ، وَيُكْرَهُ ذَبْحُ شَاةٍ، وَالْآخَرُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ كَذَلِكَ، (وَأَنْ يَكْسِرَ عُنُقَ الْحَيَوَانِ، أَوْ يَسْلُخَهُ حَتَّى يَبْرُدَ) أَيْ: حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا «تَعْجَلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. وَعَنْ عُمَرَ مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ، وَحَرَّمَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَفْعَلُ، وَفِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ قَطْعُ رَأْسِهِ قَبْلَ سَلْخِهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَفْعَلُ، وَكَذَا يُكْرَهُ قَطْعُ عُضْوٍ مِنْهُ قَبْلَ الزُّهُوقِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، (فَإِنْ فَعَلَ أَسَاءَ، وَأُكِلَتْ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بَعْدَ حِلِّهَا وَذَبْحِهَا، سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ دَجَاجَةً فَأَبَانَ رَأْسَهَا، فَقَالَ: يَأْكُلُهَا، قِيلَ لَهُ: وَالَّذِي بَانَ مِنْهَا؛ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا قَطَعَ الرَّأْسَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَلَوْ قَطَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَهُوَ مَيْتَةٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلِأَنَّ إِبَاحَتَهُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالذَّبْحِ، وَلَيْسَ هَذَا بِذَبْحٍ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَكْرَهُ نَفْخَ اللَّحْمِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: الَّذِي لِلْبَيْعِ، لِأَنَّهُ غِشٌّ. (وَإِذَا ذَبَحَ الْحَيَوَانَ ثُمَّ غَرِقَ فِي مَاءٍ أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَقْتُلُ مِثْلَهُ، فَهَلْ يَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . أَنَصُّهُمَا: لَا يَحِلُّ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُعِينُ عَلَى زُهُوقِ النَّفْسِ، فَيَحْصُلُ مِنْ سَبَبٍ مُبِيحٍ وَمُحَرِّمٍ. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، قَدَّمَهَا فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 وَإِنْ ذَبَحَ حَيَوَانًا غَيْرَهُ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ شَحْمُ الثَّرْبِ وَالْكُلْيَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَحَكَاهُ عَنِ الْخِرَقِيِّ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ، إلا   [المبدع في شرح المقنع] الرِّعَايَةِ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: أَنَّهَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لِحُصُولِ ذَبْحِهِ، وَطُرْئَانِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ حَصَلَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالذَّبْحِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ مَا أَصَابَهُ، لِحُصُولِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِحِلِّهِ، (وَإِذَا ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَذِي الظُّفُرِ) مِنَ الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا، (لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ أَظْهَرُ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَذَبْحُ مَا يَحِلُّ لَنَا أَشْبَهَ الْمُسْلِمَ، وَقُدِّمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَقِيلَ: لَا، كَظَنِّهِ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ، ذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذِي الظُّفُرِ كَالْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِ الشُّحُومِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِمْ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُنَا لَهُمْ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ تَحْرِيمَهَا، لِأَنَّ الْحُكْمَ لِاعْتِقَادِنَا. مَسْأَلَةٌ: ذُو الظُّفُرِ مَا لَيْسَ بِمُنْفَرِجِ الْأَصَابِعِ، كَإِبِلٍ وَنَعَامٍ وَبَطٍّ وَوَزٍّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجُمِعَ، وَقِيلَ: هِيَ الْإِبِلُ خَاصَّةً، وَعِنْدَ ابْنِ قُتَيْبَةَ: هِيَ كُلُّ ذِي حَافِرٍ مِنَ الدَّوَابِّ، وَمِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ، (وَإِنْ ذَبَحَ) أَيِ: الْكِتَابِيُّ، (حَيَوَانًا غَيْرَهُ) أَيْ: مَا يَحِلُّ لَهُ، (لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ شَحْمُ الثَّرْبِ) وَهُوَ بِوَزْنِ فَلْسٍ، يُغْشِي الْكِرْشَ وَالْأَمْعَاءَ رَقِيقٌ، (وَالْكُلْيَتَيْنِ) وَاحِدُهَا كُلْيَةٌ وَكُلْوَةٌ، بِضَمِّ الْكَافِ فِيهَا، وَالْجَمْعُ: كُلْيَاتٌ وَكُلًى، (فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ) وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ (وَحَكَاهُ عَنِ الْخِرَقِيِّ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ) لِمَا «رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، قَالَ: أَصَبْتُ مِنْ شَحْمِ يَوْمِ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ، فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا شَيْئًا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَبَسِّمًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهَا ذَكَاةٌ أَبَاحَتِ اللَّحْمَ فَأَبَاحَتِ الشَّحْمَ، كَذَكَاةِ الْمُسْلِمِ، وَكَذَبْحِ حَنَفِيٍّ حَيَوَانًا فَتَبَيَّنَ حَامِلًا وَنَحْوَهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْيَهُودِ شَحْمُ الثَّرْبِ وَالْكُلْيَةِ مِنْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] أَيْ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم وَاخْتَارَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي تَحْرِيمَهُ. وَإِنْ ذَبَحَ لِعِيدِهِ، أَوْ لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى شَيْءٍ يُعَظِّمُونَهُ لَمْ يَحْرُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ ذَبَحَ حَيَوَانًا فَوَجَدَ فِي بَطْنِهِ جَرَادًا، أَوْ طَائِرًا فَوَجَدَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] حَرَّمْنَا عَلَى الْيَهُودِ كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَجَمِيعَ شُحُومِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَهِيَ الثَّرْبُ وَالْكُلَى، (إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا) مَا عَلِقَ بِالظَّهْرِ وَالْجَنْبِ مِنْ دَاخِلٍ، (أَوِ الْحَوَايَا) وَهِيَ: الْمَصَارِينُ، (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) هُوَ شَحْمُ الْإِلْيَةِ، لِمَا فِيهَا مِنَ الْعَظْمِ، (وَاخْتَارَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي) وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَصَحَّحَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، (تحريمه) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ طَعَامِهِمْ، وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْبَهِيمَةِ لَمْ تُبَحْ لِذَابِحِهَا، فَلَمْ تُبَحْ لِغَيْرِهِ كَالدَّمِ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ الذَّكَاةَ تَفْتَقِرُ إِلَى الْقَصْدِ، وَالْكِتَابِيُّ لَمْ يَقْصِدْ ذَكَاةَ هَذَا الشَّحْمِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْآيَةَ حُجَّةٌ لَنَا، فَإِنَّ مَعْنَى طَعَامِهِمْ ذَبَائِحُهُمْ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا مِنْهُمْ. فَرْعٌ: يَحْرُمُ عَلَيْنَا إِطْعَامُهُمْ شَحْمًا مِنْ ذَبْحِنَا، نَصَّ عَلَيْهِ، لبقاء تحريمه، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: نُسِخَ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا. (وَإِنْ ذَبَحَ لِعِيدِهِ، أَوْ لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى شَيْءٍ يُعَظِّمُونَهُ لَمْ يَحْرُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ طَعَامِهِمْ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الذَّكَاةَ، وَهُوَ مِمَّنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَعَنْهُ لَا تَحِلُّ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِأَنَّهُ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: كَلُوا وَأَطْعِمُونِي. رَوَاهُ سَعِيدٌ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ كُرَيْتٍ الْأَمْلُولِيِّ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ كَذَلِكَ، رَوَاهُمَا سَعِيدٌ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الشَّامِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنَّهُ مَكْرُوهٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ أَنْ يَذْكُرَ عَلَيْهِ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي مَا ذُبِحَ لِلزُّهَرَةِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْكَنِيسَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَذَكَرَ الْآيَةَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا ذَبَحَهُ مُسْلِمٌ لِكِتَابِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَمَنْ ذَبَحَ حَيَوَانًا فَوَجَدَ فِي بَطْنِهِ جَرَادًا) أَوْ سَمَكَةً فِي بَطْنِ أُخْرَى (أَوْ طَائِرًا، فَوَجَدَ فِي حَوْصَلَتِهِ حَبًّا، أَوْ وَجَدَ الْحَبَّ فِي بَعْرِ الْجَمَلِ لَمْ يَحْرُمْ) صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 حَوْصَلَتِهِ حَبًّا، أَوْ وَجَدَ الْحَبَّ فِي بَعْرِ الْجَمَلِ، لَمْ يَحْرُمْ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ.   [المبدع في شرح المقنع] وَالْجَدُّ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» . الْخَبَرَ. وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ فِي مَحَلٍّ طَاهِرٍ، لَا تُعْتَبَرُ لَهُ ذَكَاةٌ، فَأُبِيحَ كَالطَّافِي (وَعَنْهُ: يَحْرُمُ) لِأَنَّهُ رَجِيعٌ، فَيَكُونُ مُسْتَخْبَثًا، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَحْرُمُ جَرَادٌ فِي بَطْنِ سَمَكٍ، لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، وَمَيْتَتُهُ حَرَامٌ، لَا الْعَكْسُ كَحِلِّ مَيْتَةِ صَيْدِ الْبَحْرِ. تَنْبِيهٌ: يَحْرُمُ بَوْلُ طَاهِرٍ كَرَوْثِهِ، وَأَبَاحَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَ رِوَايَةً فِي بَوْلِ الْإِبِلِ وِفَاقًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ فِيهِ: لَا، وَكَلَامُهُ فِي الْخِلَافِ يَدُلُّ عَلَى حِلِّ بَوْلِهِ وَرَوْثِهِ، لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ يُحَلِّلُهُ كَاللَّبَنِ، وَبِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلَّحْمِ، وَاحْتَجَّ فِي الْفُصُولِ بِإِبَاحَةِ شُرْبِهِ كَاللَّبَنِ، وَدَلَّتْ عَلَى الْوَصْفِ قِصَّةُ الْعُرَنِيِّينَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 كِتَابُ الصَّيْدِ وَمَنْ صَادَ صَيْدًا فَأَدْرَكَهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لَمْ يَحِلَّ إِلَّا بِالذَّكَاةِ. فَإِنْ خَشِيَ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الصَّيْدِ] [حِلُّ الصَّيْدِ بِالذَّكَاةِ] وَهُوَ: فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ صَادَ يَصِيدُ صَيْدًا فَهُوَ صَائِدٌ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْمَصِيدِ، تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى إِبَاحَتِهِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] ، وقَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] الْآيَةَ، وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ، مِنْهَا حَدِيثُ عَدِيٍّ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ: مَا كَانَ وَحْشِيًّا حَلَالًا غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُبَاحٌ لَنَا صَيْدُهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَيُكْرَهُ لَهْوًا، وَهُوَ أَطْيَبُ مَأْكُولٍ، وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: الزِّرَاعَةُ أَفْضَلُ مَكْسَبٍ، وَقِيلَ: عَمَلُ الْيَدِ، وَقِيلَ: التِّجَارَةُ، وَأَفْضَلُهَا فِي بَزٍّ، وَعِطْرٍ، وَزَرْعٍ وَغَرْسٍ، وَمَاشِيَةٍ، وَأَبْغَضُهَا فِي رَقِيقٍ، وَصُوفٍ، وَأَفْضَلُ الصَّنَائِعِ خِيَاطَةٌ، مَعَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا نَصَحَ فِيهِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَأَدْنَاهَا حِيَاكَةٌ وَحِجَامَةٌ وَنَحْوُهُمَا، وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً: صَبْغٌ وَصِيَاغَةٌ وَحِدَادَةٌ وَنَحْوُهَا. (وَمَنْ صَادَ صَيْدًا فَأَدْرَكَهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لَمْ يَحِلَّ إِلَّا بِالذَّكَاةِ) يَعْنِي: إِذَا أَدْرَكَهُ مُتَحَرِّكًا فَوْقَ حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَذْكِيَتِهِ لَمْ يُبَحْ إِلَّا بِهَا، ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 مَوْتَهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُذَكِّيهِ بِهِ، أَرْسَلَ الصَّائِدَ لَهُ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَحِلَّ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَحِلُّ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَحِلُّ إِلَّا أَنْ يُذَكِّيَهُ. وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ، ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ سَائِرَ مَا قُدِرَ عَلَى ذَكَاتِهِ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَيِّ، بِدَلِيلِ قِصَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعَنْهُ: يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قَرِيبًا، وَعَنْهُ: دُونَ مُعْظَمِ يَوْمٍ، وَفِي التَّبْصِرَةِ: دُونَ نِصْفِهِ، (فَإِنْ خَشِيَ مَوْتَهُ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُذَكِّيهِ بِهِ أَرْسَلَ الصَّائِدَ لَهُ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ) قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ السَّامِرِيُّ، لِأَنَّهُ صَيْدٌ قَتَلَهُ الْجَارِحُ لَهُ مِنْ غَيْرِ إِمْكَانِ ذَكَاتِهِ فَأُبِيحَ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا، وَعِبَارَةُ الْخِرَقِيُّ: أَشْلَى الصَّائِدَ، وَفِي الْمُغْنِي: مَعْنَى أَشْلَى فِي الْعَرَبِيَّةِ: دَعَاهُ، إِلَّا أَنَّ الْعَامَّةَ تَسْتَعْمِلُهُ بِمَعْنَى: أَغْرَاهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِرَقِيَّ أَرَادَ دَعَاهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَخْشَ مَوْتَهُ أَوْ وَجَدَ مَعَهُ مَا يُذَكِّيهِ بِهَا لَمْ يَحِلَّ إِلَّا بِهَا، لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى ذَكَاتِهِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الذَّهَابُ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيُذَكِّيَهِ، (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ، لَمْ يَحِلَّ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، لِأَنَّ الْإِرْسَالَ ذَكَاةٌ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى ذَكَاتِهِ فَلَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَحِلَّ فَكَذَا هُنَا، (وَقَالَ الْقَاضِي) وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا: (يَحِلُّ) بِالْإِرْسَالِ، قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، لِأَنَّ إِدْرَاكَ الصَّيْدِ بِلَا آلَةٍ تَذْكِيَةٌ كَلَا إِدْرَاكٍ، وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ حَيًّا لَحَلَّ، فَكَذَا إِذَا أَدْرَكَهُ بِلَا آلَةٍ، (وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَحِلُّ إِلَّا أَنْ يُذَكِّيَهُ) وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يُبَحْ بِقَتْلِ الْجَارِحِ كَالْأَنْعَامِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِ التَّذْكِيَةِ، إِذَا كَانَتْ مَعَهُ فَلَمْ يُبَحْ بِغَيْرِهَا، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ آلَةٌ كَسَائِرٍ الْمَقْدُورِ عَلَى تَذْكِيَتِهِ، وَمَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ عَلَى مَا يَخَافُ مَوْتَهُ إِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ الْحَيَوَانُ أَوْ يُذَكّى، فَإِنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ، لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِالذَّكَاةِ. فَرْعٌ: إِذَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ مِنَ الذَّبْحِ، فَجَعَلَ يَعْدُو مِنْهُ يَوْمَهُ حَتَّى مَاتَ تَعَبًا وَنَصَبًا حَلَّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ خِلَافَهُ، لِأَنَّ الْإِتْعَابَ يُعِينُهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَصَارَ كَالْمَاءِ [رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ] (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ) أَيْ: مَنَعَهُ مِنَ الِامْتِنَاعِ، وَحَبَسَهُ عَنْهُ مَلَكَهُ، (ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ، لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 فَقَتَلَهُ، لَمْ يَحِلَّ، وَلِمَنْ أَثْبَتَهُ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا عَلَى قَاتِلِهِ، إِلَّا أَنْ يُصِيبَ الْأَوَّلُ مَقْتَلَهُ دُونَ الثَّانِي، أَوْ يُصِيبَ الثَّانِي مَذْبَحَهُ فَيَحِلَّ، وَعَلَى الثَّانِي مَا خَرَقَ مِنْ جِلْدِهِ. وَإِنْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ مُتَحَرِّكًا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ، وَمَتَى أَدْرَكَهُ مَيِّتًا حَلَّ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، فَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ صَيْدًا،   [المبدع في شرح المقنع] يَحِلَّ) لِأَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فَلَمْ يُبَحْ إِلَّا بِذَبْحِهِ، (وَلِمَنْ أَثْبَتَهُ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا عَلَى قَاتِلِهِ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ، (إِلَّا أَنْ يُصِيبَ الْأَوَّلُ مَقْتَلَهُ دُونَ الثَّانِي، أَوْ يُصِيبَ الثَّانِي مَذْبَحَهُ فَيَحِلَّ) لِأَنَّهُ ذَكَاةٌ، فَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْأَوَّلُ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَبَرِئَ مِنَ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وإن اتفقا عَلَى السَّابِقِ، وَأَنْكَرَ الثَّانِي كَوْنَ الْأَوَّلِ أَثْبَتَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ لِاعْتِرَافِهِ بِتَحْرِيمِهِ، وَيَحِلُّ لِلثَّانِي، فَإِنْ رَمَيَاهُ وَوَجَدَاهُ مَيِّتًا، وَلَمْ يُعْلَمْ مَنْ أَثْبَتَهُ مِنْهُمَا، فَهُوَ بَيْنُهُمَا، وَإِنْ وَجَدَاهُ مَيِّتًا حَلَّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ، (وَعَلَى الثَّانِي مَا خَرَقَ مِنْ جِلْدِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ سِوَى ذَلِكَ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إِذَا رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ مَلَكَهُ، ثُمَّ إِنْ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَصَابَ مَقْتَلَهُ، وَالثَّانِي مَذْبَحَهُ قَصْدًا حَلَّ، وَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ غُرْمُ مَا خَرَقَ مِنْ جِلْدِهِ، وَقِيلَ: بَلْ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ حَيًّا مَجْرُوحًا وَكَوْنِهِ مُذَكًّى، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ يَحْرُمُ، وَعَلَى الثَّانِي قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ، إِنْ لَمْ يُدْرِكِ الْأَوَّلُ ذَبْحَهُ بَلْ مَيِّتًا، أَوْ كَمَذْبُوحٍ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَلَمْ يَذْبَحْهُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ الثَّانِي كَذَلِكَ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحَيْنِ مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ، وَعِنْدِي: إِنَّمَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ. [شُرُوطُ حِلِّ الصَّيْدِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ] (وَإِنْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ مُتَحَرِّكًا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ) أَيْ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَاةٍ، لِأَنَّ عَقْرَهُ كَذَكَاتِهِ، (وَمَتَّى أَدْرَكَهُ مَيِّتًا حَلَّ) لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ أُقِيمَ مَقَامَ الذَّكَاةِ، وَالْجَارِحُ لَهُ آلَةُ السِّكِّينِ، وَعَقْرُهُ بِمَنْزِلَةِ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ، (بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالصَّائِدُ بِمَنْزِلَةِ الْمُذَكِّي فَتُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ، وَفِي الْمَجُوسِيِّ رِوَايَةٌ فِي مَا صَادَهُ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادٍ: أَنَّهُ لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 أَوْ أَرْسَلَا عَلَيْهِ جَارِحًا، أَوْ شَارَكَ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ فِي قَتْلِهِ، لَمْ يَحِلَّ.   [المبدع في شرح المقنع] يَحِلُّ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدٍ الْكُلَاعِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُونَ مِنْ صَيْدِ الْمَجُوسِ. إِسْمَاعِيلُ عَنِ الشَّامِيِّينَ حُجَّةٌ. وَفِي الْأَعْمَى قُوَيْلٌ لِابْنِ حَمْدَانَ: إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِتَعَذُّرِ قَصْدِهِ صَيْدًا مُعَيَّنًا، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ: أَنَّ مَا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى ذَكَاةٍ كَالْحُوتِ إِذَا صَادَهُ مَنْ لَا تُبَاحُ ذَكَاتُهُ أَنَّهُ يُبَاحُ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ لَا ذَكَاةَ لَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا، (فَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ صَيْدًا، أَوْ أَرْسَلَا عَلَيْهِ جَارِحًا) أَوْ جَارِحًا غَيْرَ مُعَلَّمٍ، أَوْ غَيْرَ مُسَمًّى عَلَيْهِ، (أَوْ شَارَكَ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ فِي قَتْلِهِ) أَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا لَا يَعْرِفُ مُرْسِلَهُ، أَوْ لَا يَعْرِفُ حَالَهُ، أَوْ مَعَ سَهْمِهِ سَهْمًا كَذَلِكَ، (لَمْ يَحِلَّ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَلَا تَأْكُلْ، إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ، فَغَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ، كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَا يُؤْكَلُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ، فَإِذَا شَكَكْنَا فِي الْمُبِيحِ رُدَّ إِلَى أَصْلِهِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ، فَاسْتَرْسَلَ مَعَهُ آخَرَ بِنَفْسِهِ. فَرْعٌ إِذَا أَرْسَلَ جَمَاعَةٌ كِلَابًا بِشَرْطِهِ، وَسَمَّوْا، فَوَجَدُوا الصَّيْدَ قَتْلًا، لَا يَدْرُونَ مَنْ قَتَلَهُ، حَلَّ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا أَوْ كَانَتِ الْكِلَابُ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَهُوَ بَيْنُهُمْ، وَإِلَّا كَانَ لِمَنْ كَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَعَلَى مَنْ حَكَمْنَا لَهُ بِهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ قَتِيلًا وَالْكِلَابُ نَاحِيَةً وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحُوا، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ خِيفَ فَسَادُهُ بَاعُوهُ ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى ثَمَنِهِ. (وَإِنْ أَصَابَ سَهْمُ أَحَدِهِمَا الْمَقْتَلَ دُونَ الْآخَرِ فَالْحُكْمُ لَهُ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 وَإِنْ أَصَابَ سَهْمُ أَحَدِهِمَا الْمَقْتَلَ دُونَ الْآخَرِ فَالْحُكْمُ لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحِلَّ، وَإِنْ رَدَّ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ الصَّيْدَ عَلَى كَلْبِ الْمُسْلِمِ، فَقَتَلَهُ، حَلَّ. وَإِنْ صَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ حَلَّ، وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ، وَإِنْ صَادَ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ الْمُسْلِمِ لَمْ يَحِلَّ، وَإِنْ أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبًا، فَزَجَرَهُ الْمَجُوسِيُّ، حَلَّ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ الْمَجُوسِيُّ، فَزَجَرَهُ الْمُسْلِمُ، لَمْ يَحِلَّ. .   [المبدع في شرح المقنع] وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَفِي الشَّرْحِ: فَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا مَقْتَلَهُ دُونَ الْآخَرِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ قَدْ عَقَرَهُ مُوحِيًا، ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي وهو غير مُوحٍ، فَالْحُكْمُ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ الثَّانِي مُوحِيًا، فَهُوَ مُبَاحٌ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُسْلِمًا، لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ حَصَلَتْ بِهِ، (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحِلَّ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الرَّوْضَةِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ إِرْسَالِهِ لَهُ، لَكِنْ لَوْ أَثْخَنَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ، وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، حَرُمَ، وَيَضْمَنُهُ لَهُ. فَرْعٌ: إِذَا رَمَى سَهْمًا ثُمَّ ارْتَدَّ، أَوْ مَاتَ بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ، حَلَّ. (وَإِنْ رَدَّ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ الصَّيْدَ عَلَى كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَهُ حَلَّ) لِأَنَّ جَارِحَةَ الْمُسْلِمِ انْفَرَدَتْ بِقَتْلِهِ فَأُبِيحَ، كَمَا لَوْ رَمَى الْمَجُوسِيُّ سَهْمَهُ، فَرَدَّ الصَّيْدَ، فَأَصَابَهُ سَهْمُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَهُ، أَوْ أَمْسَكَ الْمَجُوسِيُّ شَاةً فَذَبَحَهَا مُسْلِمٌ، (وَإِنْ صَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ حَلَّ) وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، ذُكِرَ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وِفَاقًا، وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَا وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، لِأَنَّهُ آلَةٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَادَهُ بِقُوَّتِهِ وَسَهْمِهِ، (وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ) وَإِنْ كَانَ لِمُسْلِمٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] وَكَلْبُ الْمَجُوسِيِّ غَيْرُ مُعَلَّمٍ مِنْ مُسْلِمٍ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى إِبَاحَةِ الصَّيْدِ بِمَا عَلَّمْنَاهُ وَمَا عَلَّمَهُ غَيْرُنَا، فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: جَابِرٌ، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، (وَإِنْ صَادَ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ الْمُسْلِمِ لَمْ يَحِلَّ) فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ صَادَ بِقَوْسِهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، (وَإِنْ أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبًا فَزَجَرَهُ الْمَجُوسِيُّ) فَزَادَ عَدْوُهُ أَوْ ذَبَحَ مَا أَمْسَكَهُ لَهُ مَجُوسِيٌّ بِكَلْبِهِ وَقَدْ جَرَحَهُ غَيْرُ مُوحٍ، (حَلَّ) ؛ لِأَنَّ الصَّائِدَ هُوَ الْمُسْلِمُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، (وَإِنْ أَرْسَلَهُ الْمَجُوسِيُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 فَصْلٌ الثَّانِي: الْآلَةُ، وَهِيَ نَوْعَانِ، مُحَدَّدٌ، فَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِآلَةِ الذَّكَاةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ جَرْحِهِ بِهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِثَقْلَةٍ لَمْ يُبَحْ. وَإِنْ صَادَ بِالْمِعْرَاضِ أَكَلَ مَا قَتَلَ بِحَدِّهِ دُونَ عَرْضِهِ، وَإِنْ نَصَبَ مَنَاجِلَ أَوْ سَكَاكِينَ، وَسَمَّى عِنْدَ نَصْبِهَا، فَقَتَلَتْ صَيْدًا أُبِيحَ، وَإِنْ قَتَلَ   [المبدع في شرح المقنع] فَزَجَرَهُ الْمُسْلِمُ) وَقِيلَ: وَلَمْ يَزِدْ عَدْوُ كَلْبِهِ بِزَجْرِ الْمُسْلِمِ، (لَمْ يَحِلَّ) لِأَنَّ الصَّائِدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ إِذِ الْعِبْرَةُ بِالْإِرْسَالِ. [الشَّرْطُ الثَّانِي الْآلَةُ] [أَنْوَاعُ الْآلَةِ] [النَّوْعُ الْأَوَّلُ مُحَدَّدٌ] فَصْلٌ (الثَّانِي: الْآلَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ مُحَدَّدٌ فَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِآلَةِ الذَّكَاةِ) لِأَنَّهَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهَا فَيَجِبُ أَنْ يُشْتَرَطَ لِلْمُحَدَّدِ مَا يُشْتَرَطُ لِآلَةِ الذَّكَاةِ، (وَلَا بُدَّ مِنْ جَرْحِهِ بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيٍّ: «مَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَرَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ قَتَلَهُ بِثَقْلَةٍ لَمْ يُبَحْ) لِأَنَّهُ وَقِيذٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ بِشَبَكَةٍ أَوْ فَخٍّ أَوْ بُنْدُقَةٍ، وَلَوْ شَدَخَتْهُ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ (وَإِنْ صَادَ بِالْمِعْرَاضِ) قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: هُوَ خَشَبَةٌ مُحَدَّدَةُ الطَّرَفِ، وَقِيلَ: فِيهِ حَدِيدَةٌ، (أَكَلَ مَا قَتَلَ بِحَدِّهِ) قَالَ أَحْمَدُ: الْمِعْرَاضُ يُشْبِهُ السَّهْمَ، يُحْذَفُ بِهِ الصَّيْدُ، فَرُبَّمَا أَصَابَ الصَّيْدَ بِحَدِّهِ، فَخَرَقَ، فَهُوَ مُبَاحٌ، (دُونَ عَرْضِهِ) لِلْخَبَرِ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ: وَلَمْ يَجْرَحْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ، لِأَنَّهُ وَقِيذٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَحُكْمُ الصَّوَّانِ الَّذِي لَهُ حَدٌّ كَالْمِعْرَاضِ، (وَإِنْ نَصَبَ مَنَاجِلَ أَوْ سَكَاكِينَ، وَسَمَّى عِنْدَ نَصْبِهَا فَقَتَلَتْ صَيْدًا أُبِيحَ) إِذَا جَرَحَهُ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، لِأَنَّ النَّصْبَ جَرَى مَجْرَى الْمُبَاشَرَةِ فِي الضَّمَانِ، فَكَذَا فِي الْإِبَاحَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُبَاحُ بِحَالٍ، كَمَا لَوْ نَصَبَ سِكِّينًا فَذَبَحَتْ شَاةً، وَلِأَنَّهُ لَوْ رَمَى سَهْمًا، وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا، فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ، وَهَذَا أَوْلَى، وَجَوَابُهُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ يَدُكَ.» وَلِأَنَّهُ قَتَلَ الصَّيْدَ بِمَا لَهُ حَدٌّ، جَرَتِ الْعَادَةُ بِالصَّيْدِ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ وَفَارَقَ مَا إِذَا نَصَبَ سِكِّينًا، فَإِنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالصَّيْدِ بِهَا، وَإِذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ، لَمْ يُبَحْ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ. وَلَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَتَلَهُ، لَمْ يَحِلَّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُرْحُ مُوحِيًا كَالذَّكَاةِ، فَهَلْ يَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ،   [المبدع في شرح المقنع] رَمَى سَهْمًا وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُعْتَادٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُ صَيْدًا فَلَمْ يَصِحَّ قَصْدُهُ بِخِلَافِ هَذَا، وَقِيلَ: يَحِلُّ مُطْلَقًا، فَإِنْ بَانَ مِنْهُ عُضْوٌ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَائِنِ بِضَرْبَةِ الصَّائِدِ، وَحَيْثُ حَلَّ فَظَاهِرُهُ يَحِلُّ، وَلَوِ ارْتَدَّ أَوْ مَاتَ، (وَإِنْ قَتَلَ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ، لَمْ يُبَحْ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ) كَذَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ، فَغُلِّبَ الْمُحَرَّمُ، وَكَسَهْمَيْ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ، وَلِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْ ضَرَرِ السُّمِّ، فَعَلَى هَذَا: إِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ، وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: إِذَا اجْتَمَعَ فِي الصَّيْدِ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ، مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمُثَقِّلٍ وَمُحَدَّدٍ، أَوْ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ وَغَيْرِهِ، إِلَى آخِرِهِ، لَمْ يُبَحْ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَلَا تَأْكُلْ.» وَبِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ، فَإِذَا شَكَكْنَا فِي الْمُبِيحِ رُدَّ إِلَى أَصْلِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَعَانَ لَمْ يَأْكُلْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَيْسَ هَذَا فِي كَلَامِ أَحْمَدَ بِمُرَادٍ، وَفِي الْفُصُولِ: إِذَا رُمِيَ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ لَمْ يُبَحْ، لَعَلَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ شَارَكَ السَّهْمَ تَغْرِيقٌ بِالْمَاءِ، (وَلَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ) لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِالْمُشَارِكِ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُرْحُ مُوحِيًا كَالذَّكَاةِ، فَهَلْ يَحِلُّ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ، أَشْهَرُهُمَا، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ: أَنَّهُ يَحْرُمُ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ، أَشْبَهَ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِيَةُ: يَحِلُّ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ بِالذَّبْحِ، وَجَوَابُهُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَإِنْ «وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَلَا خِلَافَ في تحريمه إِذَا كَانَتْ الجراح غير مُوحِيَة، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْتُلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 فَمَاتَ، حَلَّ. وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَغَابَ عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ غَيْرَ سَهْمِهِ، حَلَّ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَتِ الْجِرَاحُ مُوحِيَةً حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ: إِنْ وَجَدَهُ فِي يَوْمِهِ حَلَّ، وَإِلَّا   [المبدع في شرح المقنع] خَارِجًا مِنَ الْمَاءِ، أَوْ يَكُونَ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَقْتُلُهُ الْمَاءُ، أَوْ كَانَ التَّرَدِّي لَا يَقْتُلُ مِثْلَ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ، فَلَا خِلَافَ فِي إِبَاحَتِهِ، لِأَنَّ التَّرَدِّيَ وَالْوُقُوعَ إِنَّمَا حَرَّمَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا، أَوْ مُعِينًا عَلَى الْقَتْلِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ هُنَا، (وَإِنْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ) أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ جَبَلٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعُلُوِّ لَعَمَّ، (فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ، حَلَّ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ زُهُوقُ رُوحِهِ بِالرَّمْيِ، لَا بِالْوُقُوعِ، وَعَنْهُ: يَحِلُّ بِجَرْحٍ مُوحٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ سُقُوطَهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ، كَمَا لَوْ أَصَابَهُ فَوَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ، وَالْمَاءُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ، (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَغَابَ عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ غَيْرَ سَهْمِهِ، حَلَّ) فِي الْأَشْهَرِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنِي فِي سَهْمِي، قَالَ: مَا رَدَّ عَلَيْكَ سَهْمُكَ فَكُلْ. قَالَ: فَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي، قَالَ: وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ مَا لَمْ تَجِدْ فِيهِ غَيْرَ سَهْمِكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ جَرْحَهُ بِسَهْمِهِ سَبَبُ إِبَاحَتِهِ، وَقَدْ وُجِدَ يَقِينًا، وَالْمُعَارِضُ لَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَكَمَا لَوْ وَجَدَهُ بِفَمِ كَلْبِهِ، أَوْ وَهُوَ يَعْبَثُ بِهِ، أَوْ سَهْمَهُ فِيهِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ مُوحِيَةً أَوْ لَا، وَجَدَهُ مَيِّتًا فِي يَوْمِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، لَكِنْ لَوْ غَابَ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ وَجَدَهُ عَقِيرًا وَحْدَهُ وَالسَّهْمَ وَالْكَلْبَ نَاحِيَةً، لَمْ يُبَحْ، (وَعَنْهُ: إِنْ كَانَتِ الْجِرَاحُ مُوحِيَةً حَلَّ) لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ ظَهَرَ إِسْنَادُ الزُّهُوقِ إِلَيْهِ، (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ مُوحِيًا لَمْ يَظْهَرْ إِسْنَادُ الزُّهُوقِ إِلَيْهِ، (وَعَنْهُ: إِنْ وَجَدَهُ فِي يَوْمِهِ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِذَا رَمَيْتَ فَأَقْعَصْتَ فَكُلْ، وَإِنْ رَمَيْتَ فَوَجَدْتَ فِيهِ سَهْمَكَ مِنْ يَوْمِكَ أَوْ لَيْلَتِكَ فَكُلْ، وَإِنْ غَابَ عَنْكَ فَلَا تَأْكُلْ، لِأَنَّكَ لَا تَدْرِي مَا حَدَثَ بَعْدَكَ. لَا يُقَالُ: الْأَوَّلُ مُطْلَقٌ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُتَبَيِّنٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 فَلَا. وَإِنْ وَجَدَ بِهِ غَيْرَ أَثَرِ سَهْمِهِ مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ لَمْ يُبَحْ، وَإِنْ ضَرَبَهُ فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا، وَبَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، لَمْ يُبَحْ مَا أَبَانَ مِنْهُ، وَإِنْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِجِلْده حَلَّ، وَإِنْ أَبَانَهُ وَمَاتَ فِي الْحَالِ، حَلَّ الْجَمِيعُ، وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ مَا أَبَانَ   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ، فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ مَرْفُوعًا، قَالَ: «إِذَا رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ، فَكُلْ» . وَعَنْهُ: إِنْ غَابَ مُدَّةً قَرِيبَةً حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِنْ غَابَ نَهَارًا حَلَّ، لَا لَيْلًا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ اللَّيْلِ تَخَطُّفُ الْهَوَامِّ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ أَكْلُ مَا غَابَ، (وَإِنْ وَجَدَ بِهِ غَيْرَ أَثَرِ سَهْمِهِ، مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ، لَمْ يُبَحْ) نَصَّ عَلَيْهِ لِلْأَخْبَارِ، وَكَمَا لَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا سِوَاهُ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا هُنَا بِالظَّنِّ، كَالسَّهْمِ الْمَسْمُومِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَتَوَجَّهُ التَّسْوِيَةُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّنِّ الِاحْتِمَالُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْأَثَرُ مِمَّا لَا يَقْتُلُ مِثْلَهُ، فَهُوَ مُبَاحٌ، لِأَنَّ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ. فَرْعٌ: إِذَا غَابَ قَبْلَ عَقْرِهِ، ثُمَّ وَجَدَ سَهْمَهُ أَوْ كَلْبَهُ عَلَيْهِ، فَفِي الْمُنْتَخَبِ وَالْمُغْنِي: إِنَّهُ حَلَالٌ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ كَمَا لَوْ وَجَدَ سَهْمَهُ أَوْ كَلْبَهُ نَاحِيَتَهُ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَحَنْبَلٍ حِلُّهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، (وَإِنْ ضَرَبَهُ فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا وَبَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، لَمْ يُبَحْ مَا أَبَانَ مِنْهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ» . وَعَنْهُ: إِنْ ذُكِّيَ حَلَّ الْبَائِنُ، وَإِنْ كَثُرَ كَبَقِيَّتِهِ، وَإِنْ قَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ، أَوْ قَطَعَ رَأْسَهُ، حَلَّ الْجَمِيعُ، فَإِنْ لَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ فَرِوَايَتَانِ، أَشْهَرُهُمَا: إِبَاحَتُهُمَا، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُبَاحُ مَا أَبَانَ مِنْهُ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ مَا كَانَ ذَكَاةً لِبَعْضِهِ كَانَ ذَكَاةً لِجَمِيعِهِ، كَمَا لَوْ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ، وَالْخَبَرُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي حَيًّا حَتَّى يَكُونَ الْمُنْفَصِلُ مِنْهُ مَيِّتًا. (وَإِنْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ) رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبِنْ، (وَإِنْ أَبَانَهُ وَمَاتَ فِي الْحَالِ، حَلَّ الْجَمِيعُ) عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا لَوْ قَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ، (وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ مَا أَبَانَ مِنْهُ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ مَا أُبِينَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْحَيَاةِ فِي الْعَادَةِ، فَلَمْ يُبَحْ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ الصَّيَّادُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَجَوَابُهُ سَبَقَ، بِدَلِيلِ الْمَذْبُوحِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا بَقِيَ سَاعَةً، وَرُبَّمَا مَشَى حَتَّى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 مِنْهُ، وَإِنْ أَخَذَ قِطْعَةً مِنْ حُوتٍ وَنَحْوِهِ، وَأَفْلَتَ حَيًّا، أُبِيحَ مَا أَخَذَ مِنْهُ. وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُحَدَّدٍ كَالْبُنْدُقِ وَالْحَجَرِ وَالْعَصَا وَالشَّبَكَةِ وَالْفَخِّ، فَلَا يُبَاحُ مَا قُتِلَ بِهِ، لِأَنَّهُ وَقِيذٌ.   [المبدع في شرح المقنع] يَمُوتَ، وَمَعَ هَذَا هُوَ حَلَالٌ، (وَإِنْ أَخَذَ قِطْعَةً مِنْ حُوتٍ وَنَحْوِهِ، وَأَفْلَتَ حَيًّا، أُبِيحَ مَا أَخَذَ مِنْهُ) لِأَنَّ أَقْصَى مَا فِيهِ أَنَّهُ مَيْتَةٌ، وَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ لِلْخَبَرِ. تَذْنِيبٌ: قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِصَيْدِ اللَّيْلِ، قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: مَا عَلِمْتُ أَحَدًا كَرِهَهُ، وَلَمْ يَكْرَهْ أَحْمَدُ صَيْدَ الْفِرَاخِ الصِّغَارِ مِنْ أَوْكَارِهَا، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا بَأْسَ بِصَيْدِ الصَّيْدِ الْوَحْشِيِّ بِاللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ أَوْكَارِهَا، وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِالطَّرِيدَةِ، كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي مَغَازِيهِمْ، وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَقَعَ الصَّيْدُ بَيْنَ الْقَوْمِ، فَيَقْطَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ قِطْعَةً بِسَيْفِهِ، حَتَّى يُؤْتَى عَلَى آخِرِهِ، وَهُوَ حَيٌّ، قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي إِلَّا أَنْ يَصِيدَ الصَّيْدَ، يَقَعُ بَيْنَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَكَاتِهِ، وَيَأْخُذُونَهُ قِطَعًا، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، (وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُحَدَّدٍ كَالْبُنْدُقِ، وَالْحَجَرِ) الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ، (وَالْعَصَا، وَالشَّبَكَةِ، وَالْفَخِّ، فَلَا يُبَاحُ مَا قُتِلَ بِهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، إِلَّا عَنِ الْحَسَنِ. وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ عَمَّارٌ: إِذَا رَمَيْتَ بِالْحَجَرِ أَوِ الْمِعْرَاضِ أَوِ الْبُنْدُقَةِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَإِنْ قَلَّ. وَجَوَابُهُ: قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ} [المائدة: 3] الْآيَةَ، (لِأَنَّهُ وَقِيذٌ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ، فَوَجَبَ أَلَّا يُبَاحَ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ شَاةً بِعَصَا فَمَاتَتْ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْمَوْقُوذَةُ الَّتِي تُضْرَبُ حَتَّى تُوقَذَ، أَيْ: تُشْرِفَ عَلَى الْمَوْتِ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا يَضْرِبُونَهَا بِالْعَصَا، فَإِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا، دَلِيلُ الْأَكْثَرِ مَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَدِيٍّ مَرْفُوعًا: «إِذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَخَرَقْتَ فَكُلْ، وَإِنْ لَمْ تَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ، وَلَا تَأْكُلْ مِنَ الْمِعْرَاضِ إِلَّا مَا ذَكَّيْتَ، وَلَا تَأْكُلْ مِنَ الْبُنْدُقَةِ إِلَّا مَا ذَكَّيْتَ» . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَلْقَ عَدِيًّا، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلَوْ شَدَخَهُ أَوْ خَرَقَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 النَّوْعُ الثَّانِي: الْجَارِحَةُ، فَيُبَاحُ مَا قَتَلَتْهُ إِذَا كَانَتْ مُعَلَّمَةً، إِلَّا الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ، فَلَا يُبَاحُ صَيْدُهُ. وَالْجَوَارِحُ نَوْعَانِ: مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ، كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ، فَتَعْلِيمُهُ بِثَلَاثَةِ   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ الصَّيْدُ بِمُثَقِّلٍ لَا يَجْرَحُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْخَذْفِ، وَقَالَ: إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا، وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. [النَّوْعُ الثَّانِي الْجَارِحَةُ] (النَّوْعُ الثَّانِي: الْجَارِحَةُ فَيُبَاحُ مَا قَتَلَتْهُ إِذَا كَانَتْ مُعَلَّمَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] قَالَ ابْنُ حَزْمٍ اتَّفَقُوا فِيمَا إِذَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، وَكُلُّ سَبْعٍ مِنْ طَيْرٍ أَوْ ذِي أَرْبَعٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ، وَلَمْ يُدْرَكْ فِيهِ حَيَاةٌ أَصْلًا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَلَوْ ذُكِّيَ، وَحِينَئِذٍ مَا قَتَلَتْهُ الْجَارِحَةُ جَرْحًا، وَعَنْهُ: وَصَدْمًا وَخَنْقًا، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، فَيُبَاحُ، (إِلَّا الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ) وَهُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ وَالْمُؤَلِّفُ: هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنَهُ لَوْنٌ سِوَاهُ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: كُلُّ لَوْنٍ لَمْ يُخَالِطْهُ لَوْنٌ آخَرُ فَهُوَ بَهِيمٌ، قِيلَ لَهُمَا: مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، قَالَا: نَعَمْ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُرَخِّصُ فِيهِ، يَعْنِي مِنَ السَّلَفِ، (فَلَا يُبَاحُ صَيْدُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ شَيْطَانٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهُوَ الْعِلَّةُ، وَالسَّوَادُ عَلَامَةٌ، كَمَا يُقَالُ إِذَا رَأَيْتَ صَاحِبَ السِّلَاحِ فَاقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ فَالْعِلَّةُ الرِّدَّةُ، وَنَقَلَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الْكَرَاهَةَ، وَأَبَاحَهُ الْأَكْثَرُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ وَكَغَيْرِهِ مِنَ الْكِلَابِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ بَلَى، وَمِثْلُهُ فِي أَحْكَامِهِ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَيَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ كَخِنْزِيرٍ، قَالَ جَمَاعَةٌ: يُقْتَلُ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ، وَنَقَلَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ لَا بَأْسَ بِهِ. 1 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 أَشْيَاءَ: بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إِذَا أُرْسِلَ، وَيَنْزَجِرَ إِذَا زُجِرَ، وَإِذَا أَمْسَكَ لَمْ يَأْكُلْ، وَلَا يُعْتَبَرْ تَكَرُّرُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ لَمْ يَحْرُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيْدِهِ، وَلَمْ يُبَحْ مَا أَكَلَ مِنْهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى: يَحِلُّ. وَالثَّانِي: ذُو الْمِخْلَبِ كَالْبَازِيِّ وَالصَّقْرِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَالْجَوَارِحُ نَوْعَانِ مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ) وَفِي الْمُذْهَبِ وَالتَّرْغِيبِ: وَالنَّمِرِ، (فَتَعْلِيمُهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إِذَا أُرْسِلَ وَيَنْزَجِرَ إِذَا زُجِرَ) لَا فِي وَقْتِ رُؤْيَتِهِ لِلصَّيْدِ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، (وَإِذَا أَمْسَكَ لَمْ يَأْكُلْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْمُعَلَّمِ تُرْكُ الْأَكْلِ، فَكَانَ شَرْطًا كَالِانْزِجَارِ إِذَا زُجِرَ، وَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْخِصَالَ تُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْكَلْبِ، فَإِنَّهُ الَّذِي يُجِيبُ صَاحِبَهُ إِذَا دَعَاهُ وَيَنْزَجِرُ إِذَا زُجِرَ، وَالْفَهْدُ لَا يَكَادُ يُجِيبُ دَاعِيًا وَإِنْ عُدَّ مُتَعَلِّمًا فَيَكُونُ التَّعْلِيمُ فِي حَقِّهِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ خَاصَّةً، أَوْ بِمَا يُعِدُّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ مُتَعَلِّمًا، (وَلَا يُعْتَبَرُ تَكَرُّرُ ذَلِكَ مِنْهُ) اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، لِأَنَّهُ تَعَلَّمَ صَنْعَةً أَشْبَهَ سَائِرَ الصَّنَائِعِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَبَرُ تَكَرُّرُ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يَصِيرَ فِي الْعُرْفِ مُعَلَّمًا، وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثٌ، نَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي، لِأَنَّ تَرْكَ الْأَكْلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِشِبَعٍ أَوْ عَارِضٍ فَيُعْتَبَرُ تَكْرَارُهُ، وَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ ثَلَاثًا كَالِاسْتِجْمَارِ وَالْأَقْرَاءِ وَالشُّهُورِ فِي الْعِدَّةِ، وَالصَّنَائِعِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا إِلَّا مَنْ تَعَلَّمَهَا، وَتَرْكُ الْأَكْلِ مُمْكِنُ الْوُجُودِ مِنَ الْمُتَعَلِّمِ وَغَيْرِهِ، فَعَلَى هَذَا يَحِلُّ فِي الرَّابِعَةِ، وَقِيلَ: مَرَّتَيْنِ فَيَحِلُّ فِي الثَّالِثَةِ، (فَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ لَمْ يَحْرُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيْدِهِ) رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَعَ اجْتِمَاعِ شُرُوطِ التَّعْلِيمِ فِيهِ، فَلَا يَحْرُمُ بِالِاحْتِمَالِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَلَّمًا مَا أَكَلَ، (وَلَمْ يُبَحْ مَا أَكَلَ مِنْهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 وَالْعُقَابِ وَالشَّاهِينِ، فَتَعْلِيمُهُ بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إِذَا أُرْسِلَ، وَيُجِيبَ إِذَا دُعِيَ، وَلَا يُعْتَبَرَ تَرْكُ الْأَكْلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرَحَ الصَّيْدَ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِصَدْمَتِهِ أَوْ خَنَقَهُ لَمْ يُبَحْ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُبَاحُ. وَمَا أَصَابَهُ فَمُ الْكَلْبِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] الصَّحِيحَةُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ» . وَرَوَاهُ سَعِيدٌ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقِيلَ: حِينَ الصَّيْدِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقِيلَ: قَبْلَ مُضِيِّهِ، وَلَا يَخْرُجُ بِأَكْلِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا، فَيُبَاحُ صَيْدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، (وَالْأُخْرَى: يَحِلُّ) رُوِيَ عَنْ سَعْدٍ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، حَكَاهُ عَنْهُمْ أَحْمَدُ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَلَا حُجَّةَ فِيهَا، مَعَ أَنَّ حَدِيثَنَا هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ وَأَصَحُّ، فَلَوْ شَرِبَ مِنْ دَمِهِ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، لَمْ يَحْرُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي الِانْتِصَارِ: مِنْ دَمِهِ الَّذِي جَرَى، وَكَرِهَهُ الشَّعْبِيُّ وَالثَّوْرِيُّ. 1 - (وَالثَّانِي: ذُو الْمِخْلَبِ كَالْبَازِيِّ، وَالصَّقْرِ، وَالْعُقَابِ، وَالشَّاهِينِ، فَتَعْلِيمُهُ بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إِذَا أُرْسِلَ، وَيُجِيبَ إِذَا دُعِيَ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَرْكُ الْأَكْلِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ الصَّقْرُ فَكُلْ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ. وَلِأَنَّ تَعْلِيمَهُ بِالْأَكْلِ، وَيَتَعَذَّرُ تَعْلِيمُهُ بِدُونِهِ، فَلَمْ يَقْدَحْ فِي تَعْلِيمِهِ، بِخِلَافِ الْكَلْبِ، (وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرَحَ الصَّيْدَ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِصَدْمَتِهِ، أَوْ خَنَقَهُ، لَمْ يُبَحْ) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ جَرْحٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِالْحَجَرِ وَالْبُنْدُقِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُبَاحُ) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْعُمُومَ فِيهِمَا مَخْصُوصٌ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ إِبَاحَتِهِ. (وَمَا أَصَابَهُ فَمُ الْكَلْبِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمَحَالِّ. وَالثَّانِي: لَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ أَمَرَا بِأَكْلِهِ، وَلَمْ يَأْمُرَا بِغَسْلِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 فَصْلٌ الثَّالِثُ: إِرْسَالُ الْآلَةِ قَاصِدًا لِلصَّيْدِ، فَإِنِ اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ، أَوْ غَيْرُهُ بِنَفْسِهِ، لَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ وَإِنْ زَجَرَهُ، إِلَّا أَنْ يَزِيدَ عَدْوُهُ بِزَجْرِهِ، فَيَحِلَّ. وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ إِلَى هَدَفٍ فَقَتَلَ صَيْدًا، أَوْ أَرْسَلَهُ يُرِيدُ الصَّيْدَ، وَلَا يَرَى صَيْدًا، لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ إِذَا   [المبدع في شرح المقنع] [فَصْلٌ الشَّرْطُ الثَّالِثُ: إِرْسَالُ الْآلَةِ قَاصِدًا لِلصَّيْدِ] فصل (الثَّالِثُ: إِرْسَالُ الْآلَةِ قَاصِدًا لِلصَّيْدِ) فَعَلَى هَذَا لَوْ سَقَطَ سَيْفٌ مِنْ يَدِهِ عَلَيْهِ، فَعَقَرَهُ، أَوِ احْتَكَّتْ شَاةٌ بِشَفْرَةٍ فِي يَدِهِ، لَمْ تَحِلَّ (فَإِنِ اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ، أَوْ غَيْرُهُ بِنَفْسِهِ، لَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُؤْكَلُ إِذَا جَرَحَهُ الصَّائِدُ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا سَمَّى عِنْدَ انْفِلَاتِهِ أُبِيحَ، وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْكِلَابِ تَنْفَلِتُ مِنْ مَرَابِطِهَا، فَتَصِيدُ الصَّيْدَ، قَالَ: إِذَا سَمَّى فَكُلْ، قَالَ الْخَلَّالُ: هَذَا عَلَى مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَجَوَابُهُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ إِرْسَالَ الْجَارِحَةِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ، وَلِهَذَا اعْتُبِرَتِ التَّسْمِيَةُ مَعَهُ، (وَإِنْ زَجَرَهُ) أَيْ: لَمْ يَحِلَّ، لِأَنَّ الزَّجْرَ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا عَنِ اسْتِرْسَالِ الصَّائِدِ بِنَفْسِهِ، (إِلَّا أَنْ يَزِيدَ عَدْوُهُ بِزَجْرِهِ فَيَحِلَّ) لِأَنَّ زَجْرَهُ لَهُ أَثَّرَ فِي عَدْوِهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ، لِأَنَّ فِعْلَ الْآدَمِيِّ إِذَا انْضَافَ إِلَى فِعْلِ الْبَهِيمَةِ، كَانَ الِاعْتِبَارُ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَدَا عَلَى إِنْسَانٍ، فَأَغْرَاهُ آدَمِيٌّ فَأَصَابَهُ، ضَمِنَ، فَلَوْ أَرْسَلَهُ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ، ثُمَّ سَمَّى وَزَجَرَهُ، فَزَادَ عَدْوُهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: إِبَاحَتُهُ، لِأَنَّهُ انْزَجَرَ بِتَسْمِيَتِهِ وَزَجْرِهِ، أَشْبَهَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا، لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِالْإِرْسَالِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: إِنْ صَادَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ لَا يُعْجِبُنِي، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ: إِنِ اسْتَرْسَلَ الطَّائِرُ بِنَفْسِهِ فَصَادَ وَقَتَلَ، حَلَّ وَأَكَلَ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْكَلْبِ، (وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ، أَوْ سَهْمَهُ إِلَى هَدَفٍ) وَهُوَ كُلُّ مُرْتَفَعٍ مِنْ بِنَاءٍ، أَوْ كَثِيبِ رَمْلٍ، أَوْ جَبَلٍ، (فَقَتَلَ صَيْدًا، أَوْ أَرْسَلَهُ يُرِيدُ الصَّيْدَ، وَلَا يَرَى صَيْدًا، لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ إِذَا قَتَلَهُ) لِأَنَّ قَصْدَ الصَّيْدِ شَرْطٌ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ فِي السَّهْمِ (وَإِنْ رَمَى حَجَرًا يَظُنُّهُ صَيْدًا، فَأَصَابَ صَيْدًا، لَمْ يَحِلَّ) قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 قَتَلَهُ، وَإِنْ رَمَى حَجَرًا يَظُنُّهُ صَيْدًا، فَأَصَابَ صَيْدًا، لَمْ يَحِلَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحِلَّ. وَإِنْ رَمَى صَيْدًا، فَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ، وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَتَلَ جَمَاعَةً حَلَّ، وَإِنْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَعَانَتْهُ الرِّيحُ فَقَتَلَتْهُ، وَلَوْلَاهَا مَا وَصَلَ - حَلَّ، وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ مَلَكَهُ، فَإِنْ تَحَامَلَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ، فَدَخَلَ خَيْمَةَ إِنْسَانٍ فَأَخَذَهُ، فَهُوَ لِآخِذِهِ، وَلَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ صَيْدٌ، فَإِنْ خَرَقَهَا، وَذَهَبَ بِهَا،   [المبدع في شرح المقنع] الْحَقِيقَةِ، وَكَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ، أَوْ ظَنَّهُ أَوْ عَلِمَهُ غَيْرَ صَيْدٍ، فَأَصَابَ صَيْدًا، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحِلَّ) اخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي، لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَصْدِ تَنْبَنِي عَلَى الظَّنِّ، وَقَدْ وُجِدَ وَصَحَّ، وَكَمَا لَوْ رَمَى غَيْرُهُ، أَوْ هُوَ وَغَيْرُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَكَّ، هَلْ هُوَ صَيْدٌ أَمْ لَا؛ لَمْ يُبَحْ، لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَصْدِ تَنْبَنِي عَلَى الْعِلْمِ، وَلَمْ يُوجَدْ. تَتِمَّةٌ: إِذَا قَصَدَ إِنْسَانًا أَوْ حَجَرًا، أَوْ رَمَى عَبَثًا غَيْرَ قَاصِدٍ صَيْدًا فَقَتَلَهُ، لَمْ يَحِلَّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا، لِكَوْنِ الصيد لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِعِلْمِهِ، وَإِنْ ظَنَّهُ صَيْدًا، فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ حَلَّ، وَإِنْ ظَنَّهُ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا، لَمْ يُبَحْ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ رَمَى مَا ظَنَّهُ حَجَرًا، أَوْ آدَمِيًّا، فَبَانَ صَيْدًا، أَوْ رَمَى حَجَرًا ظَنَّهُ صَيْدًا، فَأَصَابَ صَيْدًا، أَوْ سَمِعَ حِسٍّا لَيْلًا، أَوْ رَأَى سَوَادًا، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً، أَوْ سَهْمَهُ، فَأَصَابَ صَيْدًا فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: إِنْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا مَعْصُومًا، أَوْ بَهِيمَةً، أَوْ حَجَرًا، فَقَتَلَهُ، فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ، لَمْ يُبَحْ، (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ، حَلَّ) وَالْجَارِحُ كَالسَّهْمِ فِي هَذَا، نَصَّ عَلَيْهِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ، فَحَلَّ مَا صَادَهُ، كَمَا لَوْ أَرْسَلَهَا عَلَى كِبَارٍ فَتَفَرَّقَتْ عَنْ صِغَارٍ، أَوْ كَمَا لَوْ أَخَذَ صَيْدًا فِي طَرِيقِهِ، (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَتَلَ جَمَاعَةً حَلَّ) لِأَنَّ شَرْطَ الْحِلِّ قَصْدُ الصَّيْدِ فِي الْجُمْلَةِ، لَا قَصْدُ الصَّيْدِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا، (وَإِنْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَعَانَتْهُ الرِّيحُ فَقَتَلَتْهُ، وَلَوْلَاهَا مَا وَصَلَ، حَلَّ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَهْمِهِ وَرَمْيِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَ سَهْمُهُ عَلَى حَجَرٍ، فَرَدَّهُ عَلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ، وَلِأَنَّ الْإِرْسَالَ لَهُ حُكْمُ الْحِلِّ، وَالرِّيحُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا، (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ مَلَكَهُ) لِأَنَّهُ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ، (فَإِنْ تَحَامَلَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَلَزِمَهُ، كَمَا يَلْزَمُهُ رَدُّ مِلْكِ غَيْرِهِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 فَصَادَهُ آخَرُ، فَهُوَ لِلثَّانِي، وَإِنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ، فَوَثَبَتْ سَمَكَةٌ فَوَقَعَتْ فِي حِجْرِهِ، فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ السَّفِينَةِ. وَإِنْ صَنَعَ بِرْكَةً لِيَصِيدَ بِهَا السَّمَكَ، فَمَا حَصَلَ فِيهَا   [المبدع في شرح المقنع] كَالشَّاةِ وَنَحْوِهَا، (وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ، فَدَخَلَ خَيْمَةَ إِنْسَانٍ) أَوْ غَيْرَهَا (فَأَخَذَهُ فَهُوَ لِآخِذِهِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ، لِكَوْنِهِ مُمْتَنِعًا، فَمَلَكَهُ الثَّانِي بِأَخْذِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ خَرَجَ مِنْهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: هُوَ لِصَاحِبِ الْخَيْمَةِ، وَلَوْ نَصَبَ خَيْمَةً لِلْأَخْذِ مَلَكَهُ، وَإِنْ مَاتَ فِيهَا، فَهُوَ لَهُ. فَرْعٌ: إِذَا رَمَى طَيْرًا عَلَى شَجَرَةٍ فِي دَارِ قَوْمٍ، فَطَرَحَهُ فِي دَارِهِمْ فَأَخَذُوهُ، فَهُوَ لِلرَّامِي، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِإِزَالَةِ امْتِنَاعِهِ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إِنْ حَمَلَ نَفْسَهُ فَسَقَطَ خَارِجَ الدَّارِ، فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ سَقَطَ فِيهَا فَهُوَ لَهُمْ. وَفِي الرِّعَايَةِ: لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لِلْمُوحِي، (وَلَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ) أَوْ فَخِّهِ أَوْ شَرَكِهِ (صَيْدٌ) فَهُوَ لَهُ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ بِآلَتِهِ (فَإِنْ خَرَقَهَا، وَذَهَبَ بِهَا، فَصَادَهُ آخَرُ، فَهُوَ لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ الْأَوَّلُ، وَمَا مَعَهُ لُقَطَةٌ، فَإِنْ كَانَ يَمْشِي بِالشَّبَكَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ، فَهُوَ لِصَاحِبِهَا، لَكِنْ إِنْ أَمْسَكَهُ الصَّائِدُ وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْفَلَتَ مِنْهُ، لَمْ يَزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ شَرَدَتْ فَرَسُهُ، أَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ صَادَهُ فَوَجَدَ عَلَيْهِ عَلَامَةً كَقِلَادَةٍ فِي عُنُقِهِ أَوْ قُرْطٍ فِي أُذُنِهِ، فَلَوْ وَجَدَ طَائِرًا مَقْصُوصَ الْجَنَاحِ فَلُقَطَةٌ، وَيَمْلِكُ الصَّيْدَ بِإِلْجَائِهِ إِلَى مَضِيقٍ يَعْجِزُ عَنِ الِانْفِلَاتِ مِنْهُ، وَكَذَا إِذَا وَقَعَ فِي دِبْقٍ يمنعه مِنَ الطَّيَرَانِ، (وَإِنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ فَوَثَبَتْ سَمَكَةٌ فَوَقَعَتْ فِي حِجْرِهِ، فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ السَّفِينَةِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ، لِأَنَّ السَّمَكَ مِنَ الصَّيْدِ الْمُبَاحِ، فَمُلِكَتْ بِالسَّبْقِ إِلَيْهَا، كَمَا لَوْ فَتَحَ حِجْرَهُ لِلْأَخْذِ، زَادَ فِي الْوَجِيزِ: مَا لَمْ تَكُنِ السَّفِينَةُ مُعَدَّةً لِلصَّيْدِ، فِي هَذَا الْحَالِ، وَقِيلَ: هُوَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَيَكُونَ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهَا إِذَا وَقَعَتْ في السفينة فَهِيَ لِصَاحِبِهَا، لِأَنَّ السَّفِينَةَ مِلْكُهُ، وَيَدُهُ عَلَيْهَا، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ السَّمَكَةُ وَثَبَتْ بِفِعْلِ إِنْسَانٍ لِقَصْدِ الصَّيْدِ فَهِيَ لَهُ دُونَ مَنْ وَقَعَتْ فِي حِجْرِهِ، لِأَنَّ الصَّائِدَ أَثْبَتَهَا بِذَلِكَ. فَرْعٌ: إِذَا دَخَلَتْ ظَبْيَةٌ دَارَهُ، فَأَغْلَقَ بَابَهُ وَجَهِلَهَا، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهَا، وَمِثْلُهُ إِحْيَاءُ أَرْضٍ بِهَا كَنْزٌ مَلَكَهُ، كَنَصْبِ خَيْمَةٍ، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ دَخَلَ الصَّيْدُ دَارَهُ، فَأَغْلَقَ بَابَهُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 مَلَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا ذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ حَصَلَ فِي أَرْضِهِ سَمَكٌ، أَوْ عَشَّشَ فِيهَا طَائِرٌ، لَمْ يَمْلِكْهُ وَلِغَيْرِهِ أَخْذُهُ، وَيُكْرَهُ صَيْدُ السَّمَكِ بِالنَّجَاسَةِ، وَصَيْدُ الطَّيْرِ بِالشِّبَاشِ. وَإِذَا أَرْسَلَ الصَّيْدَ، وَقَالَ: أَعْتَقْتُكَ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَزُولَ، وَيَمْلِكَهُ مَنْ أَخَذَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] أَوْ بُرْجَهُ، فَسَدَّ الْمَنَافِذَ، أَوْ حَصَلَتِ السَّمَكَةُ فِي بِرْكَتِهِ، فَسَدَّ مَجْرَى الْمَاءِ، فَقِيلَ: يَمْلِكُهُ، وَقِيلَ: إِنْ سَهُلَ تَنَاوُلُهُ مِنْهُ، وَإِلَّا كَمُتَحَجِّرٍ لِلْأَحْيَاءِ، وَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ قَصْدِ التَّمَلُّكِ بِغَلْقٍ وَسَدٍّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: مَا يَبْنِيهِ النَّاسُ مِنَ الْأَبْرِجَةِ، فَتُعَشْعِشُ بِهَا الطُّيُورُ يَمْلِكُونَ الْفِرَاخَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الطُّيُورُ مَمْلُوكَةً، فَهِيَ لِأَرْبَابِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَحَوَّلَ طَيْرٌ مِنْ بُرْجِ زَيْدٍ إِلَى بُرْجِ عَمْرٍو، لَزِمَ عَمْرًا رَدُّهُ، وَإِنِ اخْتَلَطَ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ مُنِعَ عَمْرٌو مِنَ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَنْقُلُ الْمِلْكَ حَتَّى يَصْطَلِحَا، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ حَقَّهُ، أَوْ وَهَبَهُ، صَحَّ فِي الْأَقْيَسِ (وَإِنْ صَنَعَ بِرْكَةً لِيَصِيدَ بِهَا السَّمَكَ، فَمَا حَصَلَ فِيهَا مَلَكَهُ) لِأَنَّهَا آلَةٌ لِلصَّيْدِ، قَصَدَ بِهَا السَّمَكَ فَمَلَكَهُ، وَكَمَا لَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَةٍ، أَوْ فَخٍّ، أَوْ مِنْجَلٍ (وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا ذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْهُ) كَمَا لَوْ تَوَحَّلَ الصَّيْدُ فِي أَرْضِهِ، وَفِي التَّرْغِيبِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: يَمْلِكُهُ بِالتَّوَحُّلِ (وَكَذَلِكَ إِنْ حَصَلَ فِي أَرْضِهِ سَمَكٌ، أَوْ عَشَّشَ فِيهَا طَائِرٌ لَمْ يَمْلِكْهُ) لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِذَلِكَ، أَشْبَهَ الْبِرْكَةَ الَّتِي لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الِاصْطِيَادُ، نَقَلَ صَالِحٌ وَحَنْبَلٌ، فِيمَنْ صَادَ مِنْ نَخْلَةٍ بِدَارِ قَوْمٍ: هُوَ لَهُ، فَإِنْ رَمَاهُ بِبُنْدُقَةٍ فَوَقَعَ فِيهَا فَهُوَ لِأَهْلِهَا، (وَلِغَيْرِهِ أَخْذُهُ) عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ، وَلِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، لَكِنْ يَأْثَمُ بِدُخُولِهَا بِدُونِ إِذْنِ رَبِّهَا، وَقِيلَ: مُسْتَأْجِرُهَا أَوْلَى مِنْ رَبِّهَا، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لِلْمُؤَجِّرِ، (وَيُكْرَهُ صَيْدُ السَّمَكِ بِالنَّجَاسَةِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِمَا فِيهِ مِنْ أَكْلِ السَّمَكِ لِلنَّجَاسَةِ، فَيَصِيرُ كَالْجَلَّالَةِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَنَقَلَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ: اسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِالسُّلْطَانِ، وَفِي الْمُبْهِجِ فِيهِ: وَبِمُحَرَّمٍ، رِوَايَتَانِ. وَكَرِهَ أَحْمَدُ الصَّيْدَ بِبَنَاتِ وَرْدَانَ، وَقَالَ: مَأْوَاهَا الْحُشُوشُ، وَكَذَا بِالضَّفَادِعِ (وَصَيْدُ الطَّيْرِ بِالشِّبَاشِ) وَهُوَ طَائِرٌ تَخِيطُ عَيْنَيْهِ وَيُرْبَطُ، لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ. وَكَذَا يُكْرَهُ مِنْ وَكْرِهِ، أَطْلَقَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ لَا بِلَيْلٍ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا، كَالْفَرْخِ مِنْهُ، وَلَا بِمَا يُسْكِرُ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يُكْرَهُ بِلَيْلٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 فَصْلٌ الرَّابِعُ: التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إِرْسَالِ السَّهْمِ أَوِ الْجَارِحَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ يُبَحْ، سَوَاءٌ   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِشَبَكَةٍ، وَفَخٍّ، وَدِبْقٍ، قَالَ أَحْمَدُ: وَكُلِّ حِيلَةٍ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يُكْرَهُ بِمُثَقَّلٍ، كَبُنْدُقٍ، وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الرَّمْيَ بِهِ مُطْلَقًا، لِنَهْيِ عُثْمَانَ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُنْدُقِ، يُرْمَى بِهِ الصَّيْدُ، لَا لِلْعَبَثِ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هُوَ مَعْصِيَةٌ، فَلَوْ مَنَعَهُ الْمَاءُ حَتَّى صَادَهُ حَلَّ أَكْلُهُ، وَحَرَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُصَادُ الْحَمَامُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَحْشِيًّا (وَإِذَا أَرْسَلَ الصَّيْدَ، وَقَالَ: أَعْتَقْتُكَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إِجْمَاعًا، كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَكَانْفِلَاتِهِ، أَوْ نَدَّ أَيَّامًا، ثُمَّ صَادَهُ آخَرُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْإِرْسَالَ وَالْاعْتِقَاقَ لَا يُوجِبُ زَوَالَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجُوزُ أَعْتَقْتُكَ فِي حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ، لِأَنَّهُ فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَزُولَ، وَيَمْلِكَهُ مَنْ أَخَذَهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَالْإِرْسَالُ يَرُدُّهُ إِلَى أَصْلِهِ بِخِلَافِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَلِأَنَّ الْإِرْسَالَ هُنَا بَعِيدٌ، وَهُوَ: رَدُّ الصَّيْدِ إِلَى الْخَلَاصِ مِنْ أَيْدِي الْآدَمِيِّينَ، وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ اشْتَرَى عُصْفُورًا مِنْ صَبِيٍّ، فَأَطْلَقَهُ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إِرْسَالُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ إِذَا أَحْرَمَ، بِخِلَافِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْعِتْقُ إِحْدَاثُ قُوَّةٍ تُصَادِفُ الرِّقَّ، وَهُوَ ضَعْفٌ شَرْعِيٌّ يَقُومُ بِالْمَحَلِّ، فَيَمْنَعُهُ عَنْ دَفْعِ يَدِ الِاسْتِيلَاءِ عَنْهُ، وَالرِّقُّ غَيْرُ الْمَالِيَّةِ. [فَصْلٌ الشَّرْطُ الرَّابِعُ التَّسْمِيَةُ] فصل (الرَّابِعُ: التَّسْمِيَةُ) فِي الْجُمْلَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَلِلْأَخْبَارِ، (عِنْدَ إِرْسَالِ السَّهْمِ أَوِ الْجَارِحَةِ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفِعْلُ الْمَوْجُودُ مِنَ الْمُرْسِلِ، فَاعْتُبِرَتِ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ كَمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَوْ قَبْلَهُ قَرِيبًا، فَصَلَ بِكَلَامٍ أَوْ لَا (فَإِنْ تَرْكَهَا لَمْ يُبَحْ، سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: إِنْ نَسِيَهَا عَلَى السَّهْمِ أُبِيحَ، وَإِنْ نَسِيَهَا عَلَى الْجَارِحَةِ لَمْ تُبَحْ.   [المبدع في شرح المقنع] الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ، وَأَنَّهُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، لِلْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّيْدِ وَالذَّبِيحَةِ أَنَّ الذَّبْحَ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ، فَجَازَ أَنْ يُسَامِحَ فِيهِ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ، وَلِأَنَّ فِي الصَّيْدِ نُصُوصًا خَاصَّةً، وَلِأَنَّ الذَّبِيحَةَ تَكْثُرُ وَيَكْثُرُ النِّسْيَانُ فِيهَا، (وَعَنْهُ: إِنْ نَسِيَهَا عَلَى السَّهْمِ أُبِيحَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ.» (وَإِنْ نَسِيَهَا عَلَى الْجَارِحَةِ لَمْ تُبَحْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّهْمَ آلَةٌ حَقِيقَةً وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارٌ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ بِاخْتِيَارِهِ، وَعَنْهُ: تَسْقُطُ مَعَ السَّهْوِ مُطْلَقًا، ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إِجْمَاعًا، قَالَ الْخَلَّالُ: سَهَا حَنْبَلٌ فِي نَقْلِهِ، وَعَنْهُ: سُنَّةٌ، نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: الْآيَةُ فِي الْمَيْتَةِ، قَدْ رَخَّصَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَكْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ الْمُسْلِمُ بِاشْتِرَاطِهَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَكْسَهَا، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ، وَلَيْسَ بِجَاهِلٍ كناس الصوم، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَسَبَقَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ وَأَخَذَ غَيْرَهُ لَمْ يُبَحْ مَا صَادَ بِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنِ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ، اعْتُبِرَتْ عَلَى الْآلَةِ الَّتِي يَصِيدُ بِهَا، بِخِلَافِ الذَّبِيحَةِ، وَقِيلَ: يُبَاحُ كَمَا لَوْ سَمَّى عَلَى سِكِّينٍ، وَأَخَذَ غَيْرَهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالْيَمِينُ الَّتِي تَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ هِيَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [الْيَمِينُ الَّتِي تَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ] وَهِيَ جَمْعُ يَمِينٍ، وَالْيَمِينُ: الْقَسَمُ، وَالْجَمْعُ: أَيْمُنٌ وَأَيْمَانٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ أَحَدُهُمْ يَضْرِبُ يَمِينَهُ عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ، فَالْيَمِينُ: تَوْكِيدُ الْحُكْمِ بِذِكْرِ مُعَظَّمٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَهِيَ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ تُؤَكَّدُ بِهَا أُخْرَى، وَهُمَا كَشَرْطٍ وَجَزَاءٍ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِجْمَاعُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] ، وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ، مِنْهَا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: «إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ يَمِينَكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَوَضْعُهَا فِي الْأَصْلِ لِتَأْكِيدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] وَ {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ قَاصِدٍ لِلْيَمِينِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَالْإِقْرَارِ، وَفِي الْمُمَيِّزِ وَجْهٌ، قَالَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَفِي السَّكْرَانِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى التَّكْلِيفِ وَعَدَمِهِ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَالشَّرْحِ، وَبَنَاهُ فِي الْكَافِي عَلَى طَلَاقِهِ، وَتَصِحُّ مِنَ الْكَافِرِ، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ، وَقَالَهُ جَمْعٌ وَقَالَ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ، وَجَوَابُهُ: «أَنَّ عُمَرَ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ» ، وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقَسَمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] ، قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَكُلُّ مَنْ صَحَّتْ يَمِينُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ صَحَّتْ يَمِينُهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ كَالْمُسْلِمِ، وَعَنِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ لَا يَفُونَ بِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 13] وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ (وَالْيَمِينُ) تَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ: وَاجِبٌ: كَالَّتِي يُنَجِّي بِهَا إِنْسَانًا مَعْصُومًا مِنْ هَلَكَةٍ، وَكَذَا إِنْجَاءُ نَفْسِهِ، مِثْلَ أَنْ تَتَوَجَّهَ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَرِيءٌ. وَمَنْدُوبٌ: كَحَلِفٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ، مِنْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ، أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ، فَقِيلَ: هُوَ مَنْدُوبٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْعُوهُ إِلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، وَقِيلَ: لَا، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْأَغْلَبِ، وَلَوْ كَانَ طَاعَةً لَمْ يُخِلُّوا بِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى النَّذْرِ. وَمُبَاحٌ: كَالْحَلِفِ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ، أَوْ تَرْكِهِ، وَالْحَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ بِشَيْءٍ هُوَ صَادِقٌ فِيهِ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ. وَمَكْرُوهٌ: كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ مَكْرُوهٍ، وَلَا يَلْزَمُ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى تَرْكِهَا لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهَا، وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ الْحَلِفُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَحَرَامٌ: وَهُوَ الْحَلِفُ الْكَاذِبُ، وَمِنْهُ الْحَلِفُ عَلَى مَعْصِيَةٍ، أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ وَمَتَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمَانِ، أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، نَحْوَ: وَاللَّهِ، وَالْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ، وَالْأَوَّلِ: الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَالْآخِرِ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ، وَرَازِقِ الْعَالِمِينَ، فَهَذَا الْقَسَمُ بِهِ يَمِينٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَالثَّانِي: مَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَإِطْلَاقُهُ يَنْصَرِفُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالْعَظِيمِ، وَالْقَادِرِ، وَالرَّبِّ، وَالْمَوْلَى، وَالرَّازِقِ، وَنَحْوِهِ، فَهَذَا إِنْ نَوَى بِالْقَسَمِ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ، فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ. وَأَمَّا مَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَسْمَائِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] كَانْتِ الْيَمِينُ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ، أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، فَحِلُّهَا حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَنْدُوبٍ، أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ، فَحَلُّهَا مَكْرُوهٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُبَاحٍ، فَحَلُّهَا مُبَاحٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ وَتَرْكِ مَنْدُوبٍ، فَحَلُّهَا مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، فَحَلُّهَا وَاجِبٌ. (الَّتِي تَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ) بِشَرْطِ الْحِنْثِ، (هِيَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ إِذَا أُطْلِقَتْ تَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمَةٌ، فَكَانَ الْحَلِفُ بِهَا مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ، كَالْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَكَوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَعِلْمِهِ. [الْحَلِفُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى] (وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمَانِ، أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، نَحْوَ: وَاللَّهِ، وَالْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ، وَالْأَوَّلِ: الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَالْآخِرِ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ، وَرَازِقِ الْعَالَمِينَ) وَكَذَا رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَرَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، (فَهَذَا الْقَسَمُ بِهِ يَمِينٌ بِكُلِّ حَالٍ) نَوَى بِهِ الْيَمِينَ أَوْ لَا، لِأَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ صَرِيحٌ فِي مَقْصُودِهِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى نِيَّةٍ كَصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ. (وَالثَّانِي: مَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَإِطْلَاقُهُ يَنْصَرِفُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالْعَظِيمِ، وَالْقَادِرِ، وَالرَّبِّ، وَالْمَوْلَى، وَالرَّازِقِ، وَنَحْوِهِ، فَهَذَا إِنْ نَوَى بِالْقَسَمِ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ، فَهُوَ يَمِينٌ) لِأَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، (وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ) لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50] وَ {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: 42] ، {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] ، وَمِثْلَ رَحْمَانِ الْيَمَامَةِ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ، وَالْمَوْلَى الْمُعْتِقُ، وَالْقَادِرُ بِاكْتِسَابِهِ، وَالْعَالِمُ فِي الْبَلَدِ، وَرَازِقُ الْجُنْدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ بِهِ غَيْرَهُ لَمْ يَبْقَ يَمِينًا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَكُونُ يَمِينًا. وَإِنْ قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ، وَعَهْدِ اللَّهِ، وَايْمِ اللَّهِ، وَأَمَانَةِ اللَّهِ، وَمِيثَاقِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَكِبْرِيَائِهِ، وَجَلَالِهِ، وَعِزَّتِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهُوَ يَمِينٌ. وَإِنْ قَالَ:   [المبدع في شرح المقنع] لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ لِمَا يُوجِبُ الْقَسَمَ، وَفِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي: إِنَّ الرَّحْمَنَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ أَوْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ مُضَافًا، لِقَوْلِهِمْ فِي مُسَيْلِمَةَ: رَحْمَانُ الْيَمَامَةِ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا أَوْرَدَهُ السَّامِرِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ مَذْهَبًا، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَالتَّعْلِيقِ: أَنَّهُ إِذَا قَالَ: وَالرَّبِّ، وَالْخَالِقِ، وَالرَّازِقِ، لَا فَعَلْتُ كَذَا، وَأَطْلَقَ، وَلَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ، أَنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْ: أُقْسِمُ، وَقِيلَ: يَمِينٌ مُطْلَقًا، وَقَالَهُ طَلْحَةُ الْعَاقُولِيُّ (وَأَمَّا مَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَسْمَائِهِ) وَلَا يَنْصَرِفُ إِطْلَاقُهُ إِلَيْهِ وَيَحْتَمِلُهُ (كَالشَّيْءِ، وَالْمَوْجُودِ) وَالْحَيِّ، وَالْعَالِمِ، وَالْمُؤْمِنِ، وَالْكَرِيمِ، (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ يَمِينًا) لِأَنَّ الْحَلِفَ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ لَمْ يُقْصَدْ، وَلَا اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي إِرَادَتِهِ، فَوَجَبَ أَلَّا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى، (وَإِنْ نَوَاهُ كَانَ يَمِينًا) عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقْسِمَ بِشَيْءٍ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى قَاصِدًا بِهِ الْحَلِفَ، فَكَانَ يَمِينًا مُكَفَّرَةً، كَالْمَلِكِ، وَالْقَادِرِ، (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَكُونُ يَمِينًا) أَيْضًا، لِأَنَّ الْيَمِينَ إنما تنعقد بِحُرْمَةِ الِاسْمِ - فَمَعَ الِاشْتِرَاكِ لَا تَكُونُ لَهُ حُرْمَةٌ - وَالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ لا تنعقد بِهَا الْيَمِينُ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ أَقْسَمَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى قَاصِدًا الْحَلِفَ بِهِ، فَكَانَ يَمِينًا، وَمَا انْعَقَدَتْ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ بِالِاسْمِ الْمُحْتَمَلِ الْمُرَادِ بِهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ النِّيَّةَ تَصْرِفُ اللَّفْظَ إِلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ، فَيَصِيرُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ كَالْكِنَايَاتِ. [الْحَلِفُ بِـ وَحَقِّ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ] (وَإِنْ قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ، وَعَهْدِ اللَّهِ، وَايْمِ اللَّهِ، وَأَمَانَةِ اللَّهِ، وَمِيثَاقِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَكِبْرِيَائِهِ، وَجَلَالِهِ، وَعِزَّتِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهُوَ يَمِينٌ) وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا قَالَ فِي حَلِفِهِ: وَحَقِّ اللَّهِ، فَهِيَ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّ لِلَّهِ حُقُوقًا يَسْتَحِقُّهَا لِنَفْسِهِ، مِنَ الْبَقَاءِ، وَالْعَظَمَةِ، وَالْجَلَالِ، وَالْعِزَّةِ، وَقَدِ اقْتَرَنَ عرف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] الاستعمال بِالْحَلِفِ بِهَا، فَيَنْصَرِفُ إِلَى صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ: وَقُدْرَةِ اللَّهِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا قَالَ: وَعَهْدِ اللَّهِ، وَكَفَالَتِهِ، فَهِيَ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، لِأَنَّ عَهْدَ اللَّهِ يَحْتَمِلُ كَلَامَهُ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ وَنَهَانَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} [يس: 60] وَكَلَامُهُ قَدِيمٌ صِفَةٌ لَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ لِمَا تَعَبَّدْنَا بِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا بِإِطْلَاقِهِ، كَقَوْلِهِ: وَكَلَامِ اللَّهِ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ، لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، فَهُوَ يَمِينٌ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّ الْعَهْدَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ الْحَلِفُ بِهِ يَمِينًا، كَمَا لَوْ قَالَ: وَخَلْقِ اللَّهِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ، فَهِيَ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُقْسِمُ بِهِ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يُصْرَفَ إِلَيْهِ كَالْحَلِفِ بِعَمْرِو اللَّهِ، وَعَنْهُ: إِنْ نَوَى الْيَمِينَ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. فَائِدَةٌ: ايْمُ كَايْمُنٍ، وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ، تُفْتَحُ وَتُكْسَرُ، وَمِيمُهُ مَضْمُومَةٌ، وَقَالُوا: ايْمُنُ اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ، مَعَ كَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: أَلِفُهَا أَلِفُ قَطْعٍ، وَهِيَ جَمْعُ يَمِينٍ، فَكَانُوا يَحْلِفُونَ بِالْيَمِينِ، فَيَقُولُونَ: وَيَمِينِ اللَّهِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ. الرَّابِعَةُ: إِذَا قَالَ فِي حَلِفِهِ: وَأَمَانَةِ اللَّهِ، فَهِيَ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ، إِذَا نَوَى صِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى، لِمَا ذُكِرَ فِي عَهْدِ اللَّهِ. الْخَامِسَةُ: إِذَا قَالَ فِي حَلِفِهِ: وَمِيثَاقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، كَعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَوَى الْقَسَمَ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَقْدُورِ، فَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَمِينٌ. مَسْأَلَةٌ: يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ، لِمَا رَوَى بُرَيْدَةُ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. السَّادِسَةُ: إِذَا قَالَ فِي قَسَمِهِ: وَعَظَمَةِ اللَّهِ، وَكِبْرِيَائِهِ، وَجَلَالِهِ، فَهُوَ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 وَالْعَهْدِ، وَالْمِيثَاقِ، وَسَائِرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ صِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْهُ: يَكُونُ يَمِينًا. وَإِنْ قَالَ: لَعَمْرُو اللَّهِ كَانَ يَمِينًا، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، كَعِزَّةِ اللَّهِ، وَعِلْمِهِ، لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِالْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. [الْحَلِفُ بِـ وَالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ] (وَإِنْ قَالَ: وَالْعَهْدِ، وَالْمِيثَاقِ، وَسَائِرَ ذَلِكَ) أَيْ: بَاقِيهِ، (وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ اللَّهِ، فَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا، كَالشَّيْءِ، وَالْمَوْجُودِ، (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ) بِإِطْلَاقِهِ، (صِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى) فَيَكُونَ يَمِينًا عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ النِّيَّةَ تُجْعَلُ لِلْعَهْدِ وَنَحْوِهِ كَأَمَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ حَلِفٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، (وَعَنْهُ) بِإِطْلَاقِهِ، (يَكُونُ يَمِينًا) لِأَنَّ اللَّامَ إِذَا كَانَتْ لِلتَّعْرِيفِ صَرَفَتْهُ إِلَى عَهْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ دَخَلَ فِيهِ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ غَلَّظَ أَمْرَ الْعَهْدِ، وَقَالَ: هُوَ شَدِيدٌ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَحَلَفَتْ عَائِشَةُ لَا تُكَلِّمُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا كَلَّمَتْهُ أَعْتَقَتْ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا، وَتَقُولَ: وَاعَهْدَاهُ، قَالَ: وَيُكَفِّرُ إِذَا حَلَفَ بِالْعَهْدِ وَحَنِثَ بِأَكْثَرَ مِنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ. [الْحَلِفُ بِـ لَعَمْرُو اللَّهِ] (وَإِنْ قَالَ: لَعَمْرُو اللَّهِ كَانَ يَمِينًا) نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ أَقْسَمَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ كَالْحَلِفِ بِبَقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] وَقَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا رَضِيَتْ كِرَامُ بَنِي بَشِيرٍ ... لَعَمْرُو اللَّهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا إِذِ الْعَمْرُ ـ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا: الْحَيَاةُ، وَاسْتُعْمِلَ فِي الْقَسَمِ الْمَفْتُوحِ خَاصَّةً، وَاللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا، تَقْدِيرُهُ: قَسَمِي (وَقَالَ أَبُو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 أَبُو بَكْرٍ: لَا يَكُونُ يَمِينًا إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ. وَإِنْ حَلَفَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِالْقُرْآنِ فَهِيَ يَمِينٌ فِيهَا كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنْهُ: بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ قَالَ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ، أَوْ أَشْهَدَ بِاللَّهِ، أَوْ أُقْسِمُ بِاللَّهِ، أَوْ أَعْزِمُ بِاللَّهِ، كَانَ يَمِينًا.   [المبدع في شرح المقنع] بَكْرٍ: لَا يَكُونُ يَمِينًا إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ) هَذَا رِوَايَةٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ يَمِينًا بِتَقْدِيرِ خَبَرٍ مَحْذُوفٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَعَمْرُو اللَّهِ مَا أُقْسِمُ بِهِ، فَيَكُونُ مَجَازًا، وَالْمَجَازُ لَا يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ الْإِطْلَاقُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ احْتِيَاجَ الْكَلَامِ إِلَى تَقْدِيرٍ لَا يَضُرُّ، لِأَنَّ اللَّفْظَ إِذَا اشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ صَارَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دُونَ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ لَعَمْرُكَ اللَّهُ، فَقِيلَ: هُوَ مِثْلَ نَشَدْتُكَ اللَّهَ، وَإِنْ قَالَ: لَعَمْرُكَ، أَوْ لَعَمْرِي، أَوْ عَمْرُكَ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّهُ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ مَخْلُوقٍ، وَنَقَلَ الْجَوْزَجَانِيُّ: إِذَا قَالَ: لَعَمْرِي، كَانَ يَمِينًا، وَقَالَهُ الْحَسَنُ: فَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ. [حَلَفَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِالْقُرْآنِ] (وَإِنْ حَلَفَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِالْقُرْآنِ) أَوْ آيَةٍ مِنْهُ، (فَهِيَ يَمِينٌ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ، وَلَمْ يَكْرَهْ أَحْمَدُ الْحَلِفَ بِالْمُصْحَفِ، لِأَنَّ الْحَالِفَ إِنَّمَا قَصَدَ الْمَكْتُوبَ فِيهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ بِالْإِجْمَاعِ، (فِيهَا كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ) قَدَّمَهُ الْأَئِمَّةُ، مِنْهُمُ الْجَدُّ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَكْرَارَ الْيَمِينِ بِهَا لَا يُوجِبُ أَكْثَرَ مِنْ كَفَّارَةٍ، فَهَذَا أَوْلَى، وَكَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، (وَعَنْهُ: بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ) إِنْ قَدَرَ، قَالَ فِي الْكَافِي: هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عَنْهُ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَهِيَ قَوْلُ الْحَسَنِ، لِمَا رَوَى مُجَاهِدٌ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ بِسُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ وَيَمِينُ صَبْرٍ» . وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ، ورواه بمعناه أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا، قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ. وَعَنْهُ: يَجِبُ مُطْلَقًا، وَفِي الْفُصُولِ: وُجِّهَ بِكُلِّ حَرْفٍ، وَفِي الرَّوْضَةِ: مَنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ فَحَنِثَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، (وَإِنْ قَالَ: أَحْلِفُ) أَوْ حَلَفْتُ، (بِاللَّهِ، أَوْ أَشْهَدُ بِاللَّهِ، أَوْ أُقْسِمُ بِاللَّهِ، أَوْ أَعْزِمُ بِاللَّهِ كَانَ يَمِينًا) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ سَوَاءٌ نَوَى الْيَمِينَ، أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ، وَعَنْهُ: يَكُونُ يَمِينًا.   [المبدع في شرح المقنع] أَطْلَقَ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] ، {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} [الأنعام: 109] ، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6] . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ لَتَنْزِلِنَّهْ ... طَائِعَةً أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ وَأَنْشَدَ أَعْرَابِيٌّ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتفْعَلَنَّهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِاللَّهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْفِعْلَ كَانَ يَمِينًا، فَإِذَا ضَمَّ إِلَيْهِ مَا يُؤَكِّدُهُ، كَانَ أَوْلَى، وَحَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنِ الْأَكْثَرِ فِي: أُقْسِمُ، وَأَشْهَدُ بِاللَّهِ، (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْقَسَمَ بِاللَّهِ، وَيَحْتَمِلُ الْقَسَمَ بِغَيْرِهِ، فَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا كَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُهُمَا، (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ) لِأَنَّ النِّيَّةَ تَصْرِفُ اللَّفْظَ إِلَى الْقَسَمِ بِاللَّهِ، فَيَجِبُ جَعْلُهُ يَمِينًا، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشَّرْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ، (وَعَنْهُ: يَكُونُ يَمِينًا) «لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُخْبِرَنِّي بِمَا أَصَبْتُ مِمَّا أَخْطَأْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تُقْسِمْ يَا أَبَا بَكْرٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. «وَلِقَوْلِ الْعَبَّاسِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَقَسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُبَايِعَنَّهُ، فَبَايَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: أَبْرَرْتُ قَسَمَ عَمِّي» . لَكِنْ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: عَزَمْتُ وَأَعْزِمُ، لَيْسَ يَمِينًا، وَلَوْ نَوَى، لِأَنَّهُ لَا شَرْعَ وَلَا لُغَةَ، وَلَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ نَوَى. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: آلَيْتُ، وَآلِي بِاللَّهِ، يَمِينٌ فِيهَا كَفَّارَةٌ، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَإِنْ نَوَى الْخَبَرَ عَمَّا يَفْعَلُهُ ثَانِيًا، أَوْ عَمَّا فَعَلَهُ مَاضِيًا، فَلَيْسَ يَمِينًا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَكَذَا إِنْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ، وَأَرَادَ عَقْدَ الْيَمِينِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا صِفَتِهِ، وَإِنْ قَالَ: قَسَمًا بِاللَّهِ، فَهُوَ يَمِينٌ، تَقْدِيرُهُ: أَقْسَمْتُ قَسَمًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 فَصْلٌ وَحُرُوفُ الْقَسَمِ: الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ بِاسْمِ اللَّهِ خَاصَّةً، وَيَجُوزُ الْقَسَمُ بِغَيْرِ حَرْفِ الْقَسَمِ، فَيَقُولُ: اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ، بِالْجَرِّ وَالنَّصْبِ. وَإِنْ قَالَ: اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ، مَرْفُوعًا، كَانَ يَمِينًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَا يَنْوِي بِهِ الْيَمِينَ. وَيُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ   [المبدع في شرح المقنع] [حُرُوفُ الْقَسَمِ] فَصْلٌ (وَحُرُوفُ الْقَسَمِ: الْبَاءُ) وَهِيَ الْأَصْلُ، لِأَنَّهَا الْحَرْفُ الَّتِي تَصِلُ بِهَا الْأَفْعَالُ الْقَاصِرَةُ عَنِ التَّعَدِّي إِلَى مَفْعُولَاتِهَا، وَتَدْخُلُ عَلَى الْمُضْمَرِ وَالْمُظْهَرِ، (وَالْوَاوُ) وَهِيَ بَدَلٌ مِنْهَا، وَيَلِيهَا الْمُظْهَرُ، وَهِيَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، (وَالتَّاءُ) وَهِيَ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَتَخْتَصُّ، (بَاسِمِ اللَّهِ خَاصَّةً) فَإِذَا أَقْسَمَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ فِي مَوْضِعِهِ كَانَ قَسَمًا صَحِيحًا، لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعَزِيزِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْقَسَمَ بِهَا لَمْ يُقْبَلْ، وَقِيلَ: بَلَى، فِي: تَاللَّهِ لَأَقُومَنَّ، إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ قِيَامِي بِمَعُونَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْحَرْفَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. مَسْأَلَةٌ: جَوَابُهُ فِي الْإِيجَابِ: بـ إِنَّ خَفِيفَةً وَثَقِيلَةً، وَبِاللَّامِ فِي الْمُبْتَدَأِ، وَالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ مَقْرُونًا بِنُونَيِ التَّوْكِيدِ، وَقَدْ يَتَعَاقَبَانِ، وَفِي الْمَاضِي مَعَ قَدْ، وَقَدْ تُحْذَفُ مَعَهَا اللَّامُ لِطُولِ الْكَلَامِ، وَفِي النَّفْيِ بِمَا، وَإِنَّ بِمَعْنَاهَا، وَبِلَا، وَتُحْذَفُ لَامُهُ لَفْظًا نَحْوَ: وَاللَّهِ أَفْعَلُ. (وَيَجُوزُ الْقَسَمُ بِغَيْرِ حَرْفِ الْقَسَمِ، فَيَقُولُ: اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ، بِالْجَرِّ وَالنَّصْبِ) وَالْمُرَادُ انْعِقَادُ الْيَمِينِ، لِأَنَّهُ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ عرف الاستعمال فِي الشَّرْعِ، «فَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّكَ قَتَلْتَهُ، قَالَ: آللَّهِ إِنِّي قَتَلْتُهُ» ، «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُسَامَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ: آللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلَّا وَاحِدَةً» . وَفِي اللُّغَةِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي (وَإِنْ قَالَ: اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ، مَرْفُوعًا كَانَ يَمِينًا) لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ يَمِينٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ يَمِينًا، كَالْقَسَمِ الْمَحْضِ، وَفِي الْمُغْنِي: لَا، كَمَا لَوْ كَانَ الْقَائِلُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَا يَنْوِي بِهِ الْيَمِينَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا نَوَاهَا، مُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا نَوَاهَا كَانَ يَمِينًا، لِأَنَّهُ قَصَدَ الْقَسَمَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَّ، وَفِي الشَّرْحِ: فَإِنْ قَالَ: اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ، بِالرَّفْعِ، وَنَوَى الْيَمِينَ فَهُوَ يَمِينٌ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ لَحَنَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ يَمِينًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ يَمِينًا فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ، انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ تَعَمَّدَهُ لَمْ يَضُرَّ، لِأَنَّهُ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَحْكَامُ تَتَعَلَّقُ بِمَا أَرَادَهُ النَّاسُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَلْحُونَةِ، كَقَوْلِهِ: حَلَفْتُ بِاللَّهِ، رَفْعًا وَنَصْبًا، وَاللَّهِ أَصُومُ، أَوْ أُصَلِّي، وَنَحْوَهُ، وَكَقَوْلِ الْكَافِرِ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي. فَرْعٌ: هَاءُ اللَّهِ يَمِينٌ بِالنِّيَّةِ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَدَّهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ حَرْفَ قَسَمٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، فَالظَّاهِرُ لَا يَكُونُ يَمِينًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا عُرْفٌ وَلَا نِيَّةٌ، وَلَا في جَوَابه حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى الْقَسَمِ. [الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى] (وَيُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) وَصِفَاتِهِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ شَيْءٍ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لِمَ لَا يُكْرَهُ؛ لَا يُحْلَفُ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى، لِمَا رَوَى عُمَرُ مَرْفُوعًا، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ: لَأَنْ أَحَلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّ حَسَنَةَ التَّوْحِيدِ أَعْظَمُ مِنْ حَسَنَةِ الصِّدْقِ، وَسَيِّئَةَ الْكَذِبِ أَسْهَلُ مِنْ سَيِّئَةِ الشِّرْكِ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. فَعَلَى هَذَا اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ مع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا، وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْيَمِينِ بِهِ، سَوَاءٌ أَضَافَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، مِثْلَ قَوْلِهِ: وَمَعْلُومِ اللَّهِ، وَخَلْقِهِ، وَرِزْقِهِ، وَبَيْتِهِ، أَوْ لَمْ يُضِفْهُ، مِثْلَ: وَالْكَعْبَةِ، وَالنَّبِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحَلِفِ بِرَسُولِ اللَّهِ خَاصَّةً.   [المبدع في شرح المقنع] تحريمه، وَاخْتَارَ فِيمَنْ حَلَفَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ وَحَنِثَ، يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُوقِعَهُ أَوْ يُكَفِّرَ، كَحَلِفِهِ بِاللَّهِ: لَيُوقِعَنَّهُ، وَذَكَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُنِي، وَنَحْوَهُ يَمِينٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَخَرَّجَهُ عَلَى نُصُوصِ أَحْمَدَ، وَهُوَ خِلَافُ صَرِيحِهَا، وَعَنْهُ: يَجُوزُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَجَوَابُهُ مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّ هَذِهِ اللفظة غير مَحْفُوظَة، وَإِنَّمَا أَقْسَمَ بِمَخْلُوقَاتِهِ، فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَلِلَّهِ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ، وَقِيلَ: فِي أَقْسَامِهِ إِضْمَارُ الْقَسَمِ، أَيْ: بِرَبِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِحَقِّ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو، وَبِحَقِّ أَبِيهِ، أَنَّهُ آثِمٌ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، (وَلَا تُجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْيَمِينِ بِهِ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ فِي الْحَلِفِ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ، صِيَانَةً لِلِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ، (سَوَاءٌ أَضَافَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، مِثْلَ قَوْلِهِ: وَمَعْلُومِ اللَّهِ، وَخَلْقِهِ، وَرِزْقِهِ، وَبَيْتِهِ، أَوْ لَمْ يُضِفْهُ، مِثْلَ: وَالْكَعْبَةِ وَالنَّبِيِّ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، (وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحَلِفِ بِرَسُولِ اللَّهِ خَاصَّةً) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ فِيمَنْ حَلَفَ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ أَحَدُ شَرْطَيِ الشَّهَادَةِ، أَشْبَهَ الْحَلِفَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْتَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَهُوَ، وَالْأَشْهَرُ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْأَحَادِيثِ، وَكَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ على الاستحباب. فَرْعٌ: لَا يَلْزَمُهُ إِبْرَارُ قَسَمٍ فِي الْأَصَحِّ، كَإِجَابَةِ سُؤَالٍ بِاللَّهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مُعَيَّنٍ، فَلَا تَجِبُ إِجَابَةُ سَائِلٍ يُقْسِمُ عَلَى النَّاسِ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «وَأُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ؛ قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الَّذِي يُسْأَلُ بِاللَّهِ، وَلَا يُعْطِي بِهِ» . فَدَلَّ عَلَى إِجَابَةِ مَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ، أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً، وَهِيَ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْبِرُّ وَالْحِنْثُ، وَذَلِكَ الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ. وَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي فَلَيْسَتْ مُنْعَقِدَةً، وَهِيَ نَوْعَانِ: يَمِينُ الْغَمُوسِ، وَهِيَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَاذِبًا   [المبدع في شرح المقنع] [شُرُوطُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً] فَصْلٌ (وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) وَهِيَ عَلَى الْحَالِفِ، فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ، وَحُكِيَ عَنْهُ عَلَى الْمُحْنِثِ، (ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً) لأن غير الْمُنْعَقِدَة: إِمَّا غَمُوسٌ، أَوْ نَحْوُهَا، وَإِمَّا لَغْوٌ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، (وَهِيَ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْبِرُّ وَالْحِنْثُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ لِلْحِنْثِ وَالْمَنْعِ، (وَذَلِكَ الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ، فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِالْأَيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهَا أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَظَاهِرُهُ إِرَادَةُ الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمَانِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْيَمِينُ الَّتِي فِيهَا الْكَفَّارَةُ بِالْإِجْمَاعِ هِيَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الْأَفْعَالِ. (وَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي فَلَيْسَتْ مُنْعَقِدَةً) لِأَنَّ شَرْطَ الِانْعِقَادِ إِمْكَانُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، وَذَلِكَ فِي الْمَاضِي مُتَعَذِّرٌ، وَحَاصِلُهُ ـ كَمَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ـ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ إِرَادَةَ تَحْقِيقِ خَبَرٍ فِيهِ مُمْكِنٌ بِقَوْلٍ يُقْصَدُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى فِعْلِ الْمُمْكِنِ أَوْ تَرْكِهِ، وَالْحَلِفُ عَلَى الْمَاضِي إِمَّا بِرٌّ، وَهُوَ الصَّادِقُ، وَإِمَّا غَمُوسٌ، وَهُوَ الْكَاذِبُ، أَوْ لَغْوٌ وَهُوَ مَا لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا إِثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَالْأَوْلَى أَنَّهَا عِبَارَةُ الْأَمْرِ أَوْ تَوْكِيدُهُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، (وَهِيَ نَوْعَانِ: يَمِينُ الْغَمُوسِ) وَهِيَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ الْفَاجِرَةُ، يَقْتَطِعُ بِهَا حَقَّ غَيْرِهِ، وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّارِ، وَغَمُوسٌ لِلْمُبَالَغَةِ، (وَهِيَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا) عَلَى الْمَاضِي، (كَاذِبًا عَالِمًا بِكَذِبِهِ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ يَمِينَ الْغَمُوسِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَنَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهَا يمين غير مُنْعَقِدَة، وَلَا تُوجِبُ بَرًّا، وَلَا يُمْكِنُ فِيهَا، أَشْبَهَتِ اللَّغْوَ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ إِثْمَهَا، فَلَا تُشْرَعُ فِيهَا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَعُدُّ مِنَ الْيَمِينِ الَّتِي لَا كَفَّارَةَ فِيهَا الْيَمِينَ الْغَمُوسَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ ـ لِلْخَبَرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 عَالِمًا بِكَذِبِهِ، وَعَنْهُ: فِيهَا الْكَفَّارَةُ. وَمِثْلُهَا الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَحِيلٍ، كَقَتْلِ الْمَيِّتِ وَإِحْيَائِهِ، وَشُرْبِ مَاءِ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ، الثَّانِي: لَغْوُ الْيَمِينِ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ، ف َيَبِينُ بِخِلَافِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا.   [المبدع في شرح المقنع] الصَّحِيحِ ـ الَّتِي لَا تَمْحُوهَا الْكَفَّارَةُ، (وَعَنْهُ: فِيهَا الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْحَلِفَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُخَالَفَةَ مَعَ الْقَصْدِ، فَوَجَبَتْ فِيهَا الْكَفَّارَةُ كَالْمُسْتَقْبَلِ، وَحِينَئِذٍ يَأْثَمُ، كَمَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ، وَطَلَاقٌ، وَظِهَارٌ، وَحَرَامٌ، وَنَذْرٌ، فَيُكَفِّرُ كَاذِبٌ فِي لِعَانِهِ، (وَمِثْلُهَا الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَحِيلٍ، كَقَتْلِ الْمَيِّتِ وَإِحْيَائِهِ، وَشُرْبِ مَاءِ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ) أَمَّا الْمُسْتَحِيلُ عَقْلًا كَصَوْمِ أَمْسِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فِيهَا كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَقَالَ القاضي: تنعقد يَمِينُهُ مُوجِبَةٌ لِلْكَفَّارَةِ فِي الْحَالِ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ اسْتِحَالَتَهُ أَوْ لَا، وَأَمَّا الْمُسْتَحِيلُ عَادَةً كَإِحْيَاءِ الْمَيِّتِ وَقَلْبِ الْأَعْيَانِ، فَإِذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، قَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقَطَعَ بِهِ السَّامِرِيُّ، لِأَنَّهُ يَتَصَوَّرُ وُجُودَهُ، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ مَأْيُوسٌ مِنْهُ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ كَالَّتِي قَبْلَهَا، قَالَهُ فِي الْكَافِي، وَجَزَمَ بِهِمَا فِي الْوَجِيزِ، وَفِي الرِّعَايَةِ أَوْجُهٌ: ثَالِثُهَا: تَنْعَقِدُ فِي الْمَحَالِّ عَادَةً فَقَطْ. (الثَّانِي: لَغْوُ الْيَمِينِ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ) مَاضٍ، (يَظُنُّهُ فَيُبَيَّنُ بِخِلَافِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا) وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا، وَفِي الْكَافِي: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وَهَذَا مِنَّةٌ، وَلِأَنَّهُ يَكْثُرُ، فَلَوْ وَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لَشَقَّ وَتَضَرَّرُوا بِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، وَكَيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَعَنْهُ: فِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَيْسَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِمَعْنَاهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَيْمَانُ اللَّغْوِ مَا كَانَ فِي الْمِرَاءِ، وَالْمُزَاحَةِ، وَالْهَزْلِ، وَالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ، وَأَيْمَانُ الْكَفَّارَةِ كُلُّ يَمِينٍ حُلِفَ عَلَيْهَا عَلَى جِدٍّ مِنَ الْأَمْرِ، فِي غَضَبٍ أَوْ غَيْرِهِ. إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنِ الْأَكْثَرِ: أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ فَيَتَبَيَّنُ بِخِلَافِهِ، سَوَاءٌ قَصَدَهُ أَمْ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَخَصَّهُ أَحْمَدُ بِالْمَاضِي فَقَطْ، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 فَصْلٌ الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ مُخْتَارًا، فَإِنْ حَلَفَ مُكْرَهًا لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ، وَإِنْ سَبَقَتِ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهَا، كَقَوْلِهِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ، فِي عَرْضِ حَدِيثِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. الثَّالِثُ: الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] بِحِنْثِهِ فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ، لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَقِيلَ: إِنْ عَقَدَهَا يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ فَبَانَ خِلَافُهُ، فَكَمَنَ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، وَفَعَلَهُ نَاسِيًا. [الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَحْلِفَ مُخْتَارًا] فَصْلٌ (الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ مُخْتَارًا فَإِنْ حَلَفَ مُكْرَهًا لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وعنه: تنعقد، حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ، لِخَبَرِ حُذَيْفَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَكَكَفَّارَةِ الصَّيْدِ، وَجَوَابُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ عَلَى مَقْهُورٍ يَمِينٌ.» وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَكَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَكَفَّارَةِ الصَّيْدِ كَمَسْأَلَتِنَا، (وَإِنْ سَبَقَتِ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهَا كَقَوْلِهِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ، فِي عُرْضِ حَدِيثِهِ) عُرْضُ الشَّيْءِ، بِالضَّمِّ: جَانِبُهُ، وَبِالْفَتْحِ: خِلَافُ طُولِهِ، (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّهَا مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ لِمَا رَوَى عَطَاءٌ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ: وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا، وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّ اللَّغْوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الكلام غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَذَلِكَ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ إِذَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ يَمِينٌ عَلَى قَوْلٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ فِي رِوَايَةٍ، فَإِنْ حَنِثَ فِيهَا، وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِي الْمَاضِي، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: فِي الْأَشْهَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَرِوَايَتَانِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 يَتْرُكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ مُخْتَارًا ذَاكِرًا، وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: عَلَى النَّاسِي كَفَّارَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ، فَعَلَ أَوْ تَرَكَ،   [المبدع في شرح المقنع] سَوَاءٌ قُلْنَا هِيَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، أَمْ لَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ فِيهَا الْكَفَّارَةَ، إِنْ قُلْنَا: لَيْسَ هُوَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ] (الثَّالِثُ: الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ) لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَحْنَثْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ حُرْمَةَ الْقَسَمِ، (بِأَنْ يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ يَتْرُكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ) لِأَنَّ الْحِنْثَ الْإِثْمُ، وَلَا وُجُودَ لَهُ إِلَّا بِمَا ذُكِرَ (مُخْتَارًا ذَاكِرًا) لِأَنَّ غَيْرَهُمَا الْمُكْرَهُ وَالنَّاسِي، وَنَبَّهَ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَنَصَرَ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ، وَيَحْنَثُ فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ، قَالَ السَّامِرِيُّ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا، وَلِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ، فَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْإِكْرَاهُ كَالنِّسْيَانِ، لِشُمُولِ الْحَدِيثِ لَهُمَا، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: الْمُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَلْجَأَ إِلَيْهِ، فَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ. الثَّانِي: أَنْ يُكْرَهَ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَحْنَثُ، كَكَفَّارَةِ الصَّيْدِ، وَنَصَرَ فِي الشَّرْحِ عَدَمَهُ، وَلَا نُسَلِّمُ الْكَفَّارَةَ فِي الصَّيْدِ، بَلْ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ، (وَعَنْهُ: عَلَى النَّاسِي كَفَّارَةٌ) لِأَنَّ الْفِعْلَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، أَشْبَهَ الذَّاكِرَ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، (وَإِنْ حَلَفَ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ) وَيُسَمَّى هَذَا اسْتِثْنَاءٌ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ أَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُ: قَدِ اسْتَثْنَى، وَابْنُ مَاجَهْ، وَلَفْظُهُ: فَلَهُ ثُنْيَاهُ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ: رواه غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ. وَإِذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا، وَنَوَى وَقْتًا بِعَيْنِهِ، تَقَيَّدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ مَتَى قَالَ: لَأَفْعَلَنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَتَى شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ، وَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ، (فَعَلَ أَوْ تَرَكَ إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ) مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، وَلَا سُكُوتٍ يُمْكِنُ الْكَلَامُ فِيهِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ، فَاعْتُبِرَ اتِّصَالُهُ كَالشَّرْطِ وَجَوَابِهِ: وَخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ بِـ إِلَّا، فَعَلَى هَذَا: لَوْ سَكَتَ لِانْقِطَاعِ نَفَسِهِ، أَوْ عَطَسَ وَنَحْوِهِ، لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَعَنْهُ: مَعَ فَصْلٍ يَسِيرٍ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، جَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ، إِنَّمَا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ بِالْقُرْبِ، وَلَمْ يَخْلِطْ كَلَامَهُ بِغَيْرِهِ، وَنَقَلَ عَنْهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ مِثْلَهُ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالِاسْتِثْنَاءِ كَلَامٌ، وَعَنْهُ، وَفِي الْمَجْلِسِ، وَحَكَاهُ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ أَخَّرَهُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا اسْتَثْنَى بَعْدَ سَنَةٍ فَلَهُ ثُنْيَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، قَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ الْخَبَرَ، وَلَمْ يَقُلْ فَاسْتَثْنِ، وَلَوْ جَازَ لَأَمَرَ بِهِ وَحَمَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] الْآيَةَ، فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْكَذِبِ، لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الْيَمِينِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ تُكَفَّرُ، وَالْكَذِبُ لَا يُكَفَّرُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فَائِدَتُهُ الْخُرُوجُ مِنَ الْكَذِبِ، وَفِي الْمُبْهِجِ: يَصِحُّ، وَلَوْ تَكَلَّمَ، وَيُشْتَرَطُ نُطْقُهُ، إِلَّا مِنْ مَظْلُومٍ خَائِفٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: خَائِفٍ، لِأَنَّ يَمِينَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ، أَوْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَأَوِّلِ، وَفِي اعْتِبَارِ قَصْدِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَجْهَانِ: فَائِدَتُهُمَا فِيمَنْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ عَادَةً، أَوْ أَتَى بِهِ تَبَرُّكًا، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَإِنْ شَكَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِلَّا مِمَّنْ عَادَتُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَاحْتَجَّ بِالْمُسْتَحَاضَةِ تَعْمَلُ بِالْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ، وَلَمْ تَجْلِسْ أَقَلَّ الْحَيْضِ، وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْعِبَادَةِ. (وَإِذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا، وَنَوَى وَقْتًا بِعَيْنِهِ، تَقَيَّدَ بِهِ) لِأَنَّ النِّيَّةَ تَصْرِفُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ إِلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، فَلَأَنْ تَصْرِفَهُ إِلَى وَقْتٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 يَنْوِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ فِعْلِهِ، إِمَّا بِتَلَفِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ مَوْتِ الْحَالِفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا اسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْثُ وَالتَّكْفِيرُ،   [المبدع في شرح المقنع] آخَرَ بِطْرِيقِ الْأَوْلَى (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ فِعْلِهِ، إِمَّا بِتَلَفِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ مَوْتِ الْحَالِفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ) «لِقَوْلِ عُمَرَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تُخْبِرْنَا أَنَا سَنَأْتِي الْبَيْتَ، وَنَطُوفُ بِهِ؛ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؛ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ» وَلِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَى فِعْلِهِ لَمْ يَتَوَقَّفْ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَفِعْلُهُ مُمْكِنٌ، فَلَمْ تَحْصُلْ مُخَالَفَةُ مَا حُلِفَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَدَمَ الْحِنْثِ، لِأَنَّ شَرْطَهُ الْمُخَالَفَةُ، (وَإِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا اسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْثُ وَالتَّكْفِيرُ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ لِأَخْبَارٍ، مِنْهَا خَبَرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي مُوسَى، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، فَقَالَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّ بِرَّهُ وَإِقَامَتَهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْلَى، وَسَبَقَ تَقْسِيمُهُ إِلَى الْخَمْسَةِ، (وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْحَلِفِ) كَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ، وَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ، وَصَرَّحَ بِهَا فِي الرِّعَايَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10] هَذَا ذَمٌّ لَهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ فِعْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إِلَى حَدِّ الْإِكْثَارِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُكْثِرُ الْحَلِفَ، لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] ، وَبَعْضُهُمْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَلَفَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ، وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَمَعْنَاهَا: لَا تَجْعَلُوا أَيْمَانَكُمْ بِاللَّهِ مَانِعَةً لَكُمْ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ أَحْمَدُ: وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَلَّا يَصِلَ قَرَابَتَهُ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا فِي التَّكْفِيرِ، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَيُبِرَّ، وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ عَادَ إِلَى الْيَمِينِ، فَالنَّهْيُ عَنْهُ: الْحَلِفُ عَلَى قَوْلِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْحَلِفِ، وَإِنْ دُعِيَ إِلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ مُحِقٌّ، اسْتُحِبَّ افْتِدَاءُ يَمِينِهِ، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا بَأْسَ. فَصْلٌ وَإِنْ حَرَّمَ أَمَتَهُ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ لَمْ يُحَرَّمْ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى كُلِّ يَمِينٍ (وَإِنْ دُعِيَ إِلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَهُوَ مُحِقٌّ اسْتُحِبَّ) وَفِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: فَالْأَوْلَى (افْتِدَاءُ يَمِينِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ وَالْمِقْدَادَ تَحَاكَمَا إِلَى عُمَرَ فِي مَالٍ اسْتَقْرَضَهُ الْمِقْدَادُ، فَجَعَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ عَلَى الْمِقْدَادِ، فَرَدَّهَا عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ أَنْصَفَكَ، فَأَخَذَ عُثْمَانُ مَا أَعْطَاهُ الْمِقْدَادُ، وَلَمْ يَحْلِفْ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرٌ بَلَاءً، فَيُقَالُ: يَمِينُ عُثْمَانَ (فَإِنْ حَلَفَ فَلَا بَأْسَ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَرْكُهُ أَوْلَى، فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُبَاحٌ كَتَرْكِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَحْلِفَ عَلَى تَصْدِيقِ مَا أَخْبَرَهُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْقُرْآنِ، فِي سَبَأٍ، وَيس، وَالتَّغَابُنِ، وَقَالَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي يَدِهِ عَصًا: أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَمْنَعَنَّكُمُ الْيَمِينُ مِنْ حُقُوقِكُمْ، وَلِأَنَّهُ حَلِفُ صِدْقٍ عَلَى حَقٍّ، أَشْبَهَ الْحَلِفَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ: يُسْتَحَبُّ لِمَصْلَحَةٍ، كَزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ، وَتَوْكِيدِ الْأَمْرِ، وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» تَطْمِينًا مِنْهُ لِقَلْبِهِ. فَرْعٌ: ذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَالْمَشْرُوعُ أَنْ يَقُولَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَا، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. [إِذَا حَرَّمَ أَمَتَهُ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ لَمْ يُحَرَّمْ] فَصْلٌ (وَإِنْ حَرَّمَ أَمَتَهُ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ) كَطَعَامٍ وَلِبَاسٍ وَنَحْوِهِمَا، سِوَى الزَّوْجَةِ (لَمْ يَحْرُمْ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُ يَمِينًا، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 فَعَلَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا تُزِيلُهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ كَافِرٌ، أَوْ بَرِيءٌ مِنَ اللَّهِ، أَوْ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَوِ الْقُرْآنِ، أَوِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إِنْ فَعَلَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَسْتَحِلُّ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْيَمِينُ عَلَى الشَّيْءِ لَا تُحَرِّمُهُ، فَكَذَا إِذَا حَرَّمَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَرَّمًا لَتَقَدَّمَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، كَالظِّهَارِ، وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلِهِ، وَسَمَّاهُ خَيْرًا، (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِنْ فَعَلَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] ، يَعْنِي: التَّكْفِيرَ، وَسَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ قَالَ: «لَنْ أَعُودَ إِلَى شُرْبِ الْعَسَلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا: وَقَدْ حَلَفْتُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينًا» ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ مَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا تُزِيلُهُ الْكَفَّارَةُ) هَذَا وَجْهٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] وَكَتَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ التَّكْفِيرَ فَلَهُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَحِلُّ فِعْلِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا تَنَاقُضٌ، وَكَذَا تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، نَحْوَ: إِنْ أَكَلْتُهُ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَطَعَامِي عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالْيَمِينُ تَنْقَسِمُ إِلَى أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ، وَهَلْ تُسْتَحَبُّ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ، أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، (وَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ كَافِرٌ، أَوْ بَرِيءٌ مِنَ اللَّهِ، أَوْ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَوِ الْقُرْآنِ، أَوِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا) لِمَا رَوَى ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ بملة غير الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «مَنْ قَالَ إِنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَامِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ) يَمِينٍ، (إِنْ فَعَلَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 الزِّنَى وَنَحْوَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: عَصَيْتُ اللَّهَ، أَوْ أَنَا أَعْصِي اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي، أَوْ مَحَوْتُ الْمُصْحَفَ، إِنْ فَعَلْتُ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَإِذَا قَالَ: عَبْدُ فُلَانٍ   [المبدع في شرح المقنع] لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَقُولُ هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ مَجُوسِيٌّ، أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، فِي الْيَمِينِ يَحْلِفُ بِهَا، فَيَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَقَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ. وَلِأَنَّ قَوْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ، فَكَانَ يَمِينًا، كَالْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ هُوَ فَاسِقٌ إِنْ فَعَلَهُ، لِإِبَاحَتِهِ فِي حَالٍ، وَالثَّانِيَةُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهَا الْمُؤَلِّفُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: الْوَقْفُ، نَقَلَهَا حَرْبٌ، (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَسْتَحِلُّ الزِّنَى، وَنَحْوَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) إِذَا قَالَ هُوَ يَسْتَحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، أَوْ عَكَسَ وَأَطْلَقَ، أَوْ عَلَّقَهُ وَحَنِثَ، فَوَجْهَانِ، لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ ذَلِكَ أو تحريمه يُوجِبُ الْكُفْرَ، فَيُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. (وَإِنْ قَالَ: عَصَيْتُ اللَّهَ، أَوْ أَنَا أَعْصِي اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي، أَوْ مَحَوْتُ الْمُصْحَفَ إِنْ فَعَلْتُ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا نَقْصَ فِيهَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى مَا سَبَقَ، فَيُبْقَى الْحَالِفُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ إِذَا قَالَ عَصَيْتُ اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي، أَنَّهُ يَمِينٌ لِدُخُولِ التَّوْحِيدِ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَحَوْتُ الْمُصْحَفَ: هُوَ يَمِينٌ، لِأَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يَقْصِدْ بِقَوْلِهِ: مَحَوْتُهُ، إِلَّا إِسْقَاطَ حُرْمَتِهِ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ، وَلِأَنَّهُ إذا أَسْقَطَ حُرْمَتَهُ كَانَ يَمِينًا، كَذَا إِذَا أَتَى بِمَا فِي مَعْنَاهُ، (وَإِذَا قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 حُرٌّ لَأَفْعَلَنَّ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إِنْ حَنِثَ، وَإِنْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي، فَهِيَ يَمِينٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ، فَتَشْتَمِلُ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ. فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يَعْرِفُهَا وَنَوَاهَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِمَا   [المبدع في شرح المقنع] عَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ لَأَفْعَلَنَّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) أَيْ: فَلَغْوٌ، وَكَذَا إِنْ عَلَّقَهُ، لِأَنَّ تَعْلِيقَ الشَّيْءِ بِالشَّرْطِ أثره أَنْ يَصِيرَ عِنْدَ الشَّرْطِ كَالْمُطْلَقِ، وَإِذَا كَانَ الْمُطْلَقُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا، فَكَذَا الْمُعَلَّقُ، وَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ إِذَا حَنِثَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِتَنْجِيزِهِ، فَالْمُعَلَّقُ أَوْلَى، وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، لِأَنَّهُ حَلَفَ بِإِخْرَاجِ مَالِ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: مَالُ فُلَانٍ صَدَقَةٌ، (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إِنْ حَنِثَ) لِأَنَّهُ حَلَفَ بِالْعِتْقِ فِيمَا لَا يَقَعُ إِلَّا بِالْحِنْثِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ فُلَانًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: لِلَّهِ عَلَيَّ إِلَى آخِرِهِ، أَنَّهُ نَذْرٌ فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ، لِكَوْنِ النَّذْرِ كَالْيَمِينِ، وَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِخِلَافِهِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَمَالُ فُلَانٍ صَدَقَةٌ، أَوْ فَعَلَى فُلَانٍ الْحَجُّ، أَوْ هُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ فِيهِ الْخِلَافَ. (وَإِنْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي) الْبَيْعَةُ: الْمُبَايَعَةُ، أَنْ يَحْلِفَ بِهَا عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ وَالْأَمْرِ الْمُهِمِّ، وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِالْمُصَافَحَةِ، (فَهِيَ يَمِينٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ) بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ، وَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ قِتَالَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَحَاصَرَهُ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَتَلَهُ، وَأَخْرَجَهُ فَصَلَبَهُ، فَوَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحِجَازَ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ وَلَّاهُ الْعِرَاقَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، فَوَلِيَهَا عِشْرِينَ سَنَةً فَزَلْزَلَ أَهْلَهَا، وَرَوَى ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ، تَجَهَّزُوا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ بَاضَ فِيهِمْ وَفَرَّخَ، اللَّهُمَّ عَجِّلْ لَهُمُ الْغُلَامَ الثَّقَفِيَّ، الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَقْبَلُ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِهِمْ، (فَتَشْتَمِلُ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَصَدَقَةِ الْمَالِ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَالْحَجِّ (فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يَعْرِفُهَا وَنَوَاهَا، انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِمَا فِيهَا) مِنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ بِهِمَا تَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، فَكَذَا مَا عَدَاهُمَا فِي قَوْلِ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاسْتَثْنَى فِي الْوَجِيزِ الْيَمِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تَنْعَقِدَ بِحَالٍ إِلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ يَمِينٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، وَفَعَلَهُ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. .   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْكَافِي، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ فِيهَا لِمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنِ اسْمِ اللَّهِ الْمُعَظَّمِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْكِنَايَةِ (وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ: إِذَا لَمْ يُعَرِّفْهَا وَلَمْ يَنْوِهَا فَلَغْوٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ النِّيَّةِ فِيمَا لَا يَعْرِفُهُ، وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيُّ عَنْهَا، فَقَالَ: لَسْتُ أُفْتِي فِيهَا بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ الْحَالِفُ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا مِنَ الْأَيْمَانِ، فَقَالَ: يَعْرِفُهَا، أَوْ لَا يَعْرِفُهَا، قَالَ: نَعَمْ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أنها تنعقد إِذَا نَوَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا، (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تَنْعَقِدَ بِحَالٍ) لِمَا ذَكَرْنَا، (إِلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) لِانْعِقَادِهِمَا بِالْكِنَايَةِ، وَقِيلَ: وَالصَّدَقَةُ، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ عَلِمَهَا لَزِمَهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ. فَرْعٌ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَلْزَمُهُ فِيهَا: عِتْقٌ، وَطَلَاقٌ، وَظِهَارٌ، وَنَذْرٌ، وَيَمِينٌ بِاللَّهِ، بِنِيَّةِ ذَلِكَ، وَفِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ الْوَجْهَانِ، وَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْحَالِفَ بِالْكُلِّ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ، وَمَنْ حَلَفَ بِأَحَدِهَا، فَقَالَ آخَرُ: يَمِينِي مِنْ يَمِينِكَ، أَوْ عَلَيْهَا، أَوْ مِثْلُهَا، يَنْوِي الْتِزَامَ مِثْلِهَا، لَزِمَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي طَلَاقٍ، وَفِي الْمُكَفَّرَةِ وَجْهَانِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ: أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ يَمِينُ الْأَوَّلِ مِمَّا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، كَطَلَاقٍ، وَعِتْقٍ انْعَقَدَتْ يَمِينُ الثَّانِي، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: أَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ لَا تَنْعَقِدُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ. (وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ يَمِينٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، وَفَعَلَهُ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ، وَإِنْ قَالَ: مَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَأَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ، فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 فَصْلٌ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَهِيَ تَجْمَعُ تَخْيِيرًا وَتَرْتِيبًا، فَيُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، أَوْ كِسْوَتِهِمْ، أَوْ تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ، وَالْكِسْوَةُ لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ يُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، إِنْ شَاءَ قَبْلَ الْحِنْثِ،   [المبدع في شرح المقنع] [كَفَّارَةُ الْيَمِينِ] [التَّخْيِيرُ وَالتَّرْتِيبُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ] فَصْلٌ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (وَهِيَ تَجْمَعُ تَخْيِيرًا وَتَرْتِيبًا) فَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ: الْإِطْعَامِ، وَالْكِسْوَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالتَّرْتِيبُ فِيهَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ الصِّيَامِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] ، وَفِي السُّنَّةِ أَحَادِيثُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَيُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ، أَوْ تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ فِي الظِّهَارِ، وَيُجْزِئُ أَنْ يُطْعِمَ بَعْضًا، وَيَكْسُوَ بَعْضًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ قَوْلٌ، كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَكَعِتْقٍ مَعَ غَيْرِهِ (وَالْكِسْوَةِ لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ يُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ) الْفَرْضَ، نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَقَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، كَوَبَرٍ، وَصُوفٍ، وَمَا يُسَمَّى كِسْوَةً، وَلَوْ عَتِيقًا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ، فَإِذَا ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ بِاللَّبْسِ، فَلَا يَجُوزُ كَالْحَبِّ الْمَعِيبِ (وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ) لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ لُبْسُهُ فِي الصَّلَاةِ وَيُسَمَّى عُرْيَانًا شَرْعًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: يَتَقَدَّرُ ذَلِكَ بِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْكِسْوَةَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ، فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، كَالْإِطْعَامِ وَالْإِعْتَاقِ، وَلِأَنَّ التَّكْفِيرَ عِبَادَةٌ تعتبر فِيهَا الْكِسْوَةُ أَشْبَهَتِ الصَّلَاةَ، وَنَصَّ عَلَى الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ، كَالْخِرَقِي وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ السَّتْرَ غَالِبًا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَوْ أَعْطَاهَا ثَوْبًا وَاسِعًا يَسْتُرُ بَدَنَهَا وَرَأْسَهَا أَجْزَأَ ذَلِكَ إِنَاطَةً بِسَتْرِ عَوْرَتِهَا فِي الصَّلَاةِ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة: 196] أَيْ: إِذَا عَجَزَ عَنِ الْعِتْقِ، وَالْإِطْعَامِ، وَالْكِسْوَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ. وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْيَمِينِ، وَمَنْ كَرَّرَ أَيْمَانًا قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَعَلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] لِلْآيَةِ، (مُتَتَابِعَاتٍ) أَيْ: بِلَا عُذْرٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِقِرَاءَةِ أُبَيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، حَكَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ خَبَرًا، وَكَصَوْمِ الظِّهَارِ، وَعَنْهُ: تَفْرِيقُهَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَلِ الدَّيْنُ كَزَكَاةٍ فَيَصُومَ، أَمْ لَا كَفِطْرِهِ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَا يَنْتَقِلُ إِلَى الصَّوْمِ، إِلَّا إِذَا عَجَزَ كَعَجْزِهِ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا اسْتَدَانَ إِنْ قَدَرَ، وَإِلَّا صَامَ. فَرْعٌ: تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَنَذْرٌ عَلَى الْفَوْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ (إِنْ شَاءَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ) سَوَاءٌ كَانَ صَوْمًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ: عُمَرُ، وَابْنُهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَلْمَانُ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» ، رَوَاهُ، أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلِأَنَّهُ كَفَّرَ بَعْدَ سَبَبِهِ، فَجَازَ، كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَكَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ، وَالْحِنْثُ شَرْطٌ وَلَيْسَ بِسَبَبٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: بَعْدَهُ أَفْضَلُ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، وَهَذَا مَحَلُّهُ، مَا لَمْ يَكُنِ الْحِنْثُ حَرَامًا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَفَّرَ بَعْدَهُ مُطْلَقًا، وَفِي الْوَاضِحِ عَلَى رِوَايَةٍ: حِنْثُهُ بِعَزْمِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ يَمِينِهِ بِنِيَّتِهِ لَا يَجُوزُ، بَلْ لَا يَصِحُّ، وَفِيه رِوَايَة: لَا يَجُوزُ بِصَوْمٍ، لِأَنَّهُ تَقْدِيمُ عِبَادَةٍ كَصَلَاةٍ، وَاخْتَارَ فِي التَّحْقِيقِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْحِنْثِ، كَمَا لَوْ كَفَّرَ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَكَحِنْثٍ مُحَرَّمٍ فِي وَجْهٍ. [تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْيَمِينِ] (وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْيَمِينِ) عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لِلْحُكْمِ قَبْلَ سَبَبِهِ، كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ، مَعَ أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ ذَكَرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيمِهَا (وَمَنْ كَرَّرَ أَيْمَانًا قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَدٌّ، بِدَلِيلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنْهُ: لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ   [المبدع في شرح المقنع] قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا» . فَوَجَبَ أَنْ تَتَدَاخَلَ كَالْحُدُودِ (وَعَنْهُ: لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ) وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِيمَنْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، وَمِيثَاقُهُ وَكَفَالَتُهُ ثُمَّ حَنِثَ، فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِثْلَ الْأُولَى، وَكَمَا لَوِ اخْتَلَفَ مُوجِبُهَا، كَيَمِينٍ وَظِهَارٍ، وَعَنْهُ: إِنْ حَلَفَ أَيْمَانًا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ، أَوِ التَّفْهِيمَ، (وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ) كَوَاللَّهِ لَا قُمْتُ، وَاللَّهِ لَا قُمْتُ، (فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَفْعَالٍ) نَحْوَ: وَاللَّهِ لَا قُمْتُ، وَاللَّهِ لَا قَعَدْتُ، (فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَنَصَرَهَا فِي الشَّرْحِ، لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ كَانَ سَبَبُهَا وَاحِدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّأْكِيدَ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَفْعَالٍ، فَلِأَنَّهَا أَيْمَانٌ لَا يَحْنَثُ فِي إِحْدَاهُنَّ بِالْحِنْثِ فِي الْأُخْرَى، فَوَجَبَ فِي كُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا، كَالْمُخْتَلِفَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهَا كَفَّارَاتٌ مِنْ جِنْسٍ، فَقَدْ أَحَلَّتْ كَالْحُدُودِ، وَأَجَابَ فِي الشَّرْحِ بِأَنَّ الْحُدُودَ وَجَبَتْ لِلزَّجْرِ، وَتَنْدَرِئُ فِي الشُّبْهَةِ، وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهَا رُبَّمَا أَفْضَى إِلَى التَّلَفِ، لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ بَدَنِيَّةٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ وَحَنِثَ فِي الْجَمِيعِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ، وَالْحِنْثَ وَاحِدٌ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا ثُمَّ حَنِثَ فِي أُخْرَى، فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، كَمَا لَوْ وَطِئَ فِي رَمَضَانَ فَكَفَّرَ، ثُمَّ وَطِئَ ثَانِيَةً. تَنْبِيهٌ: مِثْلُهُ الْحَلِفُ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ، أَوْ بِطَلَاقٍ مُكَفَّرٍ، قَالَهُ شَيْخُنَا، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ حَلَفَ نُذُورًا كَثِيرَةً مُسَمَّاةً إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمُ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَكَرَّرَهُ، لَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ، إِذَا لَمْ يَنْوِ، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا ثَلَاث إِجْمَاعًا، وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنَ الشَّرْطِ الْجَزَاءُ، فَتَقَعُ الثَّلَاثُ مَعًا لِلتَّلَازُمِ، وَلَا رَبْطَ فِي الْيَمِينِ، وَلِأَنَّهَا لِلزَّجْرِ وَالتَّطْهِيرِ، فَهِيَ كَالْحُدُودِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَالْأَصْلُ حَمْلُ اللَّفْظِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَفْعَالٍ فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ. وَإِنْ كَانَتِ الْأَيْمَانُ مُخْتَلِفَةَ الْكَفَّارَةِ، كَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا، وَكَفَّارَةُ الْعَبْدِ الصَّوْمُ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ فَحُكْمُهُ فِي الْكَفَّارَةِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ. بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ، وَيُرْجَعُ فِي الْأَيْمَانِ إِلَى النِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ رُجِعَ إِلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى فَائِدَةٍ أُخْرَى، مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَإِنْ كَانَتِ الْأَيْمَانُ مُخْتَلِفَةَ الْكَفَّارَةِ، كَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا) لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ، كَالْحُدُودِ مِنْ أَجْنَاسٍ، (وَكَفَّارَةُ الْعَبْدِ الصَّوْمَ) لِأَنَّهُ كَفَّارَةُ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ، وَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْعَبْدِ، وَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَيَصِحُّ بِإِعْتَاقٍ، وَإِطْعَامٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، إِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَلْ لَهُ إِعْتَاقُ نَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، (وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ) وَلَا مِنْ نَذْرِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَقَضَائِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ حَلَفَ، أَوْ حَنِثَ بِإِذْنِهِ رُوعِيَ الْحَلِفُ فَقَطْ، (وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ) وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ: وَمَنْ بَعْضُهُ، وَهُوَ أَوْلَى، (فَحُكْمُهُ فِي الْكَفَّارَةِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا، أَشْبَهَ الْحُرَّ الْكَامِلَ، وَقِيلَ: لَا يُكَفِّرُ بِعِتْقٍ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ، وَجَوَابُهُ: بِالْمَنْعِ. فَرْعٌ: يُكَفِّرُ كَافِرٌ، وَلَوْ مُرْتَدًّا بِغَيْرِ صَوْمٍ [بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ] [مَا يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْأَيْمَانِ] [الْأَوَّلُ النِّيَّةُ وَالسَّبَبُ] بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ (وَيُرْجَعُ فِي الْأَيْمَانِ إِلَى النِّيَّةِ) أَيْ: إِلَى نِيَّةِ حَالِفٍ لَيْسَ ظَالِمًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ يَحْتَمِلُهَا، فَمَتَى نَوَى بِيَمِينِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِمَا نَوَاهُ، دُونَ مَا لَفَظَ بِهِ، سَوَاءٌ نَوَى ظَاهِرَ اللَّفْظِ، أَوْ مَجَازَهُ، مِثْلَ أَنْ يَنْوِيَ مَوْضُوعَ اللَّفْظِ، أَوِ الْخَاصَّ بِالْعَامِّ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 هَيَّجَهَا، فَإِذَا حَلَفَ: لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ، لَمْ يَحْنَثْ، إِذَا قَصَدَ أَلَّا يَتَجَاوَزَهُ، أَوْ كَانَ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ إِلَّا بِمِائَةٍ، فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] غير ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى» فَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَيْمَانُ، وَلِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ يصرف إِلَى مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى مَا أَرَادَهُ دُونَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَكَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ مَعَ اطِّلَاعِهِ عَلَى تَعَيُّنِ إِرَادَتِهِ أَوْلَى، وَيُقْبَلُ حُكْمًا مَعَ قُرْبٍ الاحتمال مِنَ الظَّاهِرِ، وَمَعَ تَوَسُّطِهِ رِوَايَتَانِ: أَشْهَرُهُمَا: الْقَبُولُ. مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ التَّعْرِيضُ فِي الْمُخَاطَبَةِ لِغَيْرِ ظَالِمٍ بِلَا حَاجَةٍ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: لَا، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاخْتَارَهُ، لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ كَتَدْلِيسِ الْمَبِيعِ، وَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ التَّدْلِيسَ، وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي، وَنَصُّهُ: لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ مَعَ الْيَمِينِ، (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ رُجِعَ إِلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا) قَدَّمَهُ فِي الْخِرَقِيِّ وَالْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَحَكَى رِوَايَةً، وَقَدَّمَهُ الْقَاضِي بِمُوَافَقَتِهِ أوضع، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَعَلَيْهَا عُمُومُ لَفْظِهِ احْتِيَاطًا، ثُمَّ إِلَى التَّعْيِينِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَضْعُ لَفْظِهِ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ لُغَةً، وَفِي الْمَذْهَبِ: فِي الِاسْمِ وَالْعُرْفِ وَجْهَانِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ النِّيَّةُ، ثُمَّ السَّبَبُ، ثُمَّ مُقْتَضَى لَفْظِهِ عُرْفًا أَوْ لُغَةً، (فَإِذَا حَلَفَ: لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ، لَمْ يَحْنَثْ إِذَا قَصَدَ أَلَّا يَتَجَاوَزَهُ، أَوْ كَانَ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْيَمِينِ تَعْجِيلُ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ، وَلَا كَانَ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ـ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا ـ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إِلَّا بِقَضَائِهِ فِي الْغَدِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَبْرَأُ فِي كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّ عُرْفَ هَذِهِ الْيَمِينِ فِي الْقَضَاءِ التَّعْجِيلُ، فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ إِلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ غَدًا، وَقَصَدَ مَطْلَهُ، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ، حَنِثَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، فَإِنْ كَانَ كَأَكْلِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ وَقْتًا، وَلَمْ يَنْوِ مَا يَقْتَضِي تَعْجِيلَهُ، وَلَا كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِيهِ، لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ فِي وَقْتِهِ، نَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَبْرَأُ بِتَعْجِيلِهِ عَنْ وَقْتِهِ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ إِلَّا بِمِائَةٍ، فَبَاعَهُ، بِأَكْثَرَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، (وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ حَنِثَ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 بَاعَهُ بِأَقَلَّ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، وَنَوَى الْيَوْمَ، لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ دُعِيَ إِلَى غَدَاءٍ، فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى، اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ إِذَا قَصَدَهُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ الْمَاءَ مِنَ الْعَطَشِ، يَقْصِدُ قَطْعَ الْمِنَّةِ، حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ، وَكُلِّ مَا فِيهِ الْمِنَّةُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، يَقْصِدُ قَطْعَ مِنَّتِهَا، فَبَاعَهُ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ الْحَالَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: مَا لَهُ عَلَيَّ، وَلَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ كَثِيرٌ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، وَنَوَى الْيَوْمَ، لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِي غَيْرِهَا) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَيْمَانِ بِالنِّيَّةِ، وَلِأَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَصِيرُ بِالْإِرَادَةِ خَاصًّا، وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ خَاصَّةً كَقَوْلِهِ: لَا دَخَلْتُ دَارًا الْيَوْمَ، لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِي غَيْرِهِ، فَكَذَا إِذَا نَوَاهُ، وَفِي الْفُرُوعِ: إِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، وَنَوَى الْيَوْمَ، قُبِلَ حُكْمًا، وَعَنْهُ: لَا، وَيَدِينُ. (وَإِنْ دُعِيَ إِلَى غَدَاءٍ، فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى، اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ، إِذَا قَصَدَهُ) أَيِ: اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِالْغَدَاءِ عِنْدَ الدَّاعِي إِذَا قَصَدَهُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا، لَكِنَّ الْقَصْدَ خَصَّصَهُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ دُعِيَ إِلَى غَدَاءٍ، فَحَلَفَ: لَا يَتَغَدَّى عِنْدَ الدَّاعِي، وَفِيهِ وَجْهٌ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ الْمَاءَ مِنَ الْعَطَشِ، يَقْصِدُ قَطْعَ الْمِنَّةِ، حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِهِ، وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ، وَكُلِّ مَا فِيهِ الْمِنَّةُ) لِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} [النساء: 49] ، يُرِيدُ: لَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا. وَلِقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا أَقَلَّ مِنْهُ، كَقُعُودِهِ فِي ضَوْءِ نَارِهِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ: إِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَطْعَ الْمِنَّةِ لَمْ يَحْنَثْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ سَبَبٌ، وَإِنْ كَانَ لِهَذِهِ الْيَمِينِ عَادَةٌ وَعُرْفٌ، فَهُوَ كَمَنْ حَلَفَ: لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، يَقْصِدُ قَطْعَ مِنَّتِهَا، فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَنِثَ) وَكَذَا إِنِ انْتَفَعَ بِثَمَنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا، فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا ثَمَنَهَا» وَيَحْنَثُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي غَيْرِ اللُّبْسِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي دَارٍ - يُرِيدُ جَفَاءَهَا - وَلَمْ يَكُنِ لِلدَّارِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ، فَأَوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا حَنِثَ. وَإِنْ حَلَفَ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ بِهِ يُلْحِقُ الْمِنَّةَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَطْعَ الْمِنَّةِ، وَلَا كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا بِمَا تَنَاوَلَتْهُ يَمِينُهُ، وَهُوَ لُبْسُهُ خَاصَّةً، فَإِنْ نَوَى اجْتِنَابَ اللُّبْسِ خَاصَّةً، قُدِّمَتِ النِّيَّةُ عَلَى السَّبَبِ وَجْهًا وَاحِدًا، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، لِأَنَّ النِّيَّةَ وَافَقَتْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَلَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إِلَى كُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، لِأَنَّ لِكَوْنِهِ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا أَثَرًا فِي دَاعِيَةِ الْيَمِينِ، فَلَمْ يَجُزْ حَذْفُهُ، وَقِيلَ: إِنِ انْتَفَعَ بِمَا لَهَا فِيهِ مِنَّةٌ بِقَدْرِهِ، أَوِ ارْتَدَّ، حَنِثَ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَذَكَرَ فِي التَّعْلِيقِ وَالْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمَا: يَحْنَثُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، لِأَنَّهُ لَا يَمْحُو مِنَّتَهَا إِلَّا بِالِامْتِنَاعِ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْهَا، مِمَّا يَتَضَمَّنُ مِنَّةً، لِيَخْرُجَ مَخْرَجَ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ اللَّفْظُ أَعَمَّ مِنَ السَّبَبِ، كَرَجُلٍ امْتَنَّتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ بِبَيْتِهَا، فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا، فَقِيلَ: يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ، كَكَلَامِ الشَّارِعِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، لِأَنَّ قرينة حَالَهُ دَالَّةٌ عَلَى إِرَادَةِ الْخَاصِّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَاهُ، لِإِقَامَةِ السَّبَبِ مَقَامَ النِّيَّةِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي دَارٍ يُرِيدُ جَفَاءَهَا، وَلَمْ يَكُنِ لِلدَّارِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ، فَأَوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا، حَنِثَ) أَوْ لَا عُدْتُ رَأَيْتُكِ تَدْخُلِينَهَا، يَنْوِي مَنْعَهَا، حَنِثَ، وَلَوْ لَمْ يَرَهَا لِمُخَالَفَتِهِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، وَمَعْنَى الْإِيوَاءِ: الدُّخُولُ، يُقَالُ: أَوَيْتُ أَنَا، وَآوَيْتُ غَيْرِي، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 10] {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون: 50] فَإِنِ اجْتَمَعَ مَعَهَا فِيمَا لَيْسَ بِدَارٍ، وَلَا بَيْتٍ، لَمْ يَحْنَثْ، سَوَاءٌ كَانَتِ الدَّارُ سَبَبَ يَمِينِهِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِأَنَّهُ قَصَدَ جَفَاءَهَا بِهَذَا النَّوْعِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: أَقَلُّ الْإِيوَاءِ سَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهَا فِيمَا لَيْسَ بِبَيْتٍ، فَإِنْ قَصَدَ جَفَاءَهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلدَّارِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ، حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ هِيَ فِيهِمْ، يَقْصِدُ الدُّخُولَ عَلَيْهَا، حَنِثَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 لِعَامِلٍ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَعُزِلَ، أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَهَا، أَوْ عَلَى عَبْدِهِ فَأَعْتَقَهُ، وَنَحْوَهُ يُرِيدُ مَا دَامَ كَذَلِكَ، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْحَالَ تَصْرِفُ الْيَمِينَ إِلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ السَّبَبَ إِذَا كَانَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ عَمَّمْنَاهُ بِهِ، وَإِنِ اقْتَضَى الْخُصُوصَ، مِثْلَ: مَنْ نَذَرَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ، فَزَالَ الظُّلْمُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: النَّذْرُ يُوَفَّى بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ، فَصَارَ كَالْمَنْوِيِّ سَوَاءً، وَإِنْ حَلَفَ: لَا رَأَيْتُ مُنْكَرًا إِلَّا رَفَعْتُهُ إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] يَقْصِدْ شَيْئًا، وَإِنِ اسْتَثْنَاهَا بِقَلْبِهِ فَوَجْهَانِ، فَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا فِيهِ فَوَجَدَهَا فِيهِ، فَهُوَ كَالدُّخُولِ عَلَيْهَا نَاسِيًا، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَحْنَثُ، فَأَقَامَ، فَهَلْ يَحْنَثُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. (وَإِنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَعُزِلَ، أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَهَا، أَوْ عَلَى عَبْدِهِ فَأَعْتَقَهُ، وَنَحْوَهُ يُرِيدُ مَا دَامَ كَذَلِكَ، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ) لِأَنَّ الْخُرُوجَ بَعْدَ مَا ذُكِرَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ خُرُوجٌ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ لِتَخْصِيصِ اللَّفْظِ بِإِرَادَةِ زَمَنِ الْعِمَالَةِ، وَالزَّوْجِيَّةِ، وَالْعُبُودِيَّةِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْحَالَ تَصْرِفُ الْيَمِينَ إِلَيْهِ) لِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ فِي الْخُصُوصِ، لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ فِي الْعُمُومِ، وَلَوْ نَوَى الْخُصُوصَ لَاخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ، فَكَذَا إِذَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهَا لَا تَنْحَلُّ، لِأَنَّ لَفْظَ الشَّارِعِ إِذَا كَانَ عَامًّا لِسَبَبٍ خَاصٍّ، وَجَبَ الْأَخْذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، كَذَلِكَ يَمِينُ الْحَالِفِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ إِذَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتِ الصِّفَةُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَعُزِلَ، أَنَّهَا لَا تَنْحَلُّ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ السَّبَبَ إِذَا كَانَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ عَمَّمْنَاهُ بِهِ، وَإِنِ اقْتَضَى الْخُصُوصَ، مِثْلَ مَنْ نَذَرَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ، فَزَالَ الظُّلْمُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: النَّذْرُ يُوَفَّى بِهِ) نَظَرًا إِلَى عُمُومِ اللَّفْظِ، فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ (وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ، فَصَارَ كَالْمَنَوِيِّ سَوَاءً) لِأَنَّ أُصُولَهُ تَقْتَضِي تَقْدِيمَ النِّيَّةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 فُلَانٍ الْقَاضِي، فَعُزِلَ، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، إِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَالسَّبَبِ عَلَى عُمُومِ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ اللَّفْظِ الْعَامِّ وَقَصْرِهِ عَلَى الْحَاجَةِ، فَكَذَا تَجِبُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، لِكَوْنِهَا دَاخِلَةً فِي الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا اخْتَلَفَ السَّبَبُ وَالنِّيَّةُ، مِثْلَ أَنِ امْتَنَّتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِغَزْلِهَا، فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، يَنْوِي اجْتِنَابَ اللَّبْسِ خَاصَّةً، دُونَ الِانْتِفَاعِ بِثَمَنِهِ وَغَيْرِهِ، قُدِّمَتِ النِّيَّةُ عَلَى السَّبَبِ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ النِّيَّةَ وَافَقَتْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَإِنْ نَوَى بِيَمِينِهِ ثَوْبًا وَاحِدًا، فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقَدَّمُ السَّبَبُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ وَالسَّبَبُ، وَهُوَ الِامْتِنَانُ، يُؤَكِّدُ ذَلِكَ الظَّاهِرَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ السَّبَبَ إِنَّمَا اعْتُبِرَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْقَصْدِ، فَإِذَا خَالَفَ حَقِيقَةَ الْقَصْدِ لَمْ يُعْتَبَرْ، فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّفْظُ بِعُمُومِهِ، وَالنِّيَّةُ تَخُصُّهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، (وَإِنْ حَلَفَ: لَا رَأَيْتُ مُنْكَرًا إِلَّا رَفَعْتُهُ إِلَى فُلَانٍ الْقَاضِي، فَعُزِلَ، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ إِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا) لِأَنَّ الرَّفْعَ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ، فِيمَا إِذَا حَلَفَ لِعَامِلٍ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَنَوَى مَا دَامَ عَامِلًا (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) أَحَدَهُمَا: لَا تَنْحَلُّ، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَالثَّانِيَ: بَلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: رَفَعَهُ إِلَيْهِ إِلَّا فِي حَالِ وِلَايَتِهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: إِذَا رَفَعَهُ إِلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ بَرَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي وِلَايَتِهِ وَأَمْكَنَ رَفْعُهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى عُزِلَ، لَمْ يَبِرَّ، وَهَلْ يَحْنَثُ بِعَزْلِهِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ كَمَا لَوْ مَاتَ. وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فَوَاتُهُ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَلِيَ فَيَرْفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ رَفْعِهِ إِلَيْهِ حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنِ الْوَالِي، أَذَنْ؛ فَفِي تَعْيِينِهِ وَجْهَانِ، فِي التَّرْغِيبِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ تَعْيِينِ الْعَهْدِ وَالْجِنْسِ، وَفِيهِ: لَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، فَقِيلَ: فَاتَ الْبِرَّ كَمَا لَوْ رَآهُ مَعَهُ، وَقِيلَ: لَا، لِإِمْكَانِ صُورَةِ الرَّفْعِ، فَعَلَى الْأُولَى: هِيَ كَإِبْرَائِهِ مِنْ دَيْنٍ بَعْدَ حَلِفِهِ لِيَقْضِيَهُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ، وَكَذَا قَوْلُهُ جَوَابًا لِقَوْلِهَا: تَزَوَّجْتَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، فَإِنَّهَا تُطَلَّقُ مَعَهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَخْذًا بِالْأَعَمِّ مِنْ لَفْظٍ وَسَبَبٍ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا حَلَفَ: لَا رَأَيْتُكِ تَدْخُلِينَ دَارَ زَيْدٍ، يُرِيدُ مَنْعَهَا، فدخلت، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 فَصْلٌ فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ رُجِعَ إِلَى التَّعْيِينِ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ، فَدَخَلَهَا وَقَدْ صَارَتْ فَضَاءً أَوْ حَمَّامًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ بَاعَهَا فُلَانٌ، أَوْ لَا لَبِسْتُ هَذَا الْقَمِيصَ،   [المبدع في شرح المقنع] حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَرَهَا، وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَبِيتُ عِنْدَ فُلَانَةَ فَمَكَثَ عِنْدَهَا حَتَّى مَضَى أَكْثَرُ اللَّيْلِ، حَنِثَ، لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ تَقَعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَكَثَ أَقَلَّ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي فِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا حَلَفَ لَا يَكْفُلُ بِمَالٍ، فَكَفَلَ بِبَدَنٍ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَحْنَثُ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْقِيَاسُ عَدَمُهُ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ: يَحْنَثُ، إِلَّا إِذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنَ الْمَالِ، وَصَحَّحْنَا هَذَا الشَّرْطَ. الثَّالِثَةُ: إِذَا حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَ زَوْجَتِهِ هَذَا الْعِيدَ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ: إِذَا عَيَّدَ النَّاسُ دَخَلَ إِلَيْهَا، قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ: أَيَّامَ الْعِيدِ، فَقَالَ: عَلَى مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ وَيَعْهَدُونَ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِذَا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالَ أَنْ يُكَبِّرُوا حَتَّى يَفْرَغُوا مِنْ عِيدِهِمْ، يَعْنِي: مِنْ صَلَاتِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَأْوِيَ عِنْدَهَا فِي عِيدِ الْفِطْرِ حَتَّى تَغِيبَ شَمْسُ يَوْمِهِ، وَلَا يَأْوِيَ فِي عِيدِ الْأَضْحَى حَتَّى تَغِيبَ شَمْسُ آخَرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. [الثَّانِي التَّعْيِينُ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ] فَصْلٌ (فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ) أَيِ: النِّيَّةُ وَالسَّبَبُ (رُجِعَ إِلَى التَّعْيِينِ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، لِأَنَّ التَّعْيِينَ أَبْلَغُ مِنْ دَلَالَةِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسَمَّى، لِأَنَّهُ يَنْفِي الْإِبْهَامَ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ الِاسْمِ، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى عَيْنِ شَخْصٍ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ عَلَى مُسَمًّى بِاسْمٍ، لَمْ يَجِبْ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ، وَكَذَا يُقَدَّمُ التَّعْيِينَ عَلَى الصِّفَةِ وَالْإِضَافَةِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الصِّفَةُ عَلَيْهِ (فَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ، فَدَخَلَهَا وَقَدْ صَارَتْ فَضَاءً، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ مَسْجِدًا، أَوْ بَاعَهَا فُلَانٌ) لِأَنَّ التَّعْيِينَ يَقْتَضِي الْحِنْثَ، وَزَوَالُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 فَجَعَلَهُ سَرَاوِيلَ أَوْ رِدَاءً أَوْ عِمَامَةً وَلَبِسَهُ، أَوْ لَا كَلَّمْتُ هَذَا الصَّبِيَّ فَصَارَ شَيْخًا، أَوِ امْرَأَةَ فُلَانٍ، أَوْ صَدِيقَهُ فُلَانًا، أَوْ غُلَامَهُ سَعْدًا، فَطُلِّقَتِ الزَّوْجَةُ، وَزَالَتِ الصَّدَاقَةُ، وَعُتِقَ الْعَبْدُ، وَكَلَّمَهُمْ. أَوْ لَا أَكَلْتُ لَحْمَ هَذَا الْحَمْلِ فَصَارَ كَبْشًا، أَوْ لَا أَكَلْتُ هَذَا الرُّطَبَ، فَصَارَ تَمْرًا أَوْ دِبْسًا أَوْ خَلًّا، أَوْ لَا أَكَلْتُ هَذَا اللَّبَنَ، فَتَغَيَّرَ أَوْ عُمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَكَلَهُ، حَنِثَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ.   [المبدع في شرح المقنع] الِاسْمِ يَنْفِيهِ، وَالتَّعْيِينُ رَاجِحٌ عَلَى الِاسْمِ (أَوْ لَا لَبِسْتُ هَذَا الْقَمِيصَ فَجَعَلَهُ سَرَاوِيلَ أَوْ رِدَاءً أَوْ عِمَامَةً وَلَبِسَهُ) لِمَا ذَكَرْنَا (أَوْ لَا كَلَّمْتُ هَذَا الصَّبِيَّ فَصَارَ شَيْخًا، أَوِ امْرَأَةَ فُلَانٍ، أَوْ صَدِيقَهُ فُلَانًا، أَوْ غُلَامَهُ سَعْدًا، فَطُلِّقَتِ الزَّوْجَةُ، وَزَالَتِ الصَّدَاقَةُ، وَعُتِقَ الْعَبْدُ، وَكَلَّمَهُمْ) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهَا تَقْتَضِي وَصْفَ الْمَحْلُوفِ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالصَّدَاقَةِ، أَوْ كَوْنِهِ غُلَامًا، وَالصِّفَةُ كَالِاسْمِ، بَلْ أَضْعَفُ، فَإِذَا غَلَبَ التَّعْيِينُ عَلَى الِاسْمِ، فَلَأَنْ يَغْلِبَ عَلَى الصِّفَةِ أَوْلَى (أَوْ لَا أَكَلْتُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ، فَصَارَ كَبْشًا، أَوْ لَا أَكَلْتُ هَذَا الرُّطَبَ، فَصَارَ تَمْرًا أَوْ دِبْسًا أَوْ خَلًّا) لِأَنَّهُ كَسُكْنَى الدَّارِ وَالْقَمِيصِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ (أَوْ لَا أَكَلْتُ هَذَا اللَّبَنَ، فَتَغَيَّرَ، أَوْ عُمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَكَلَهُ) لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ وَخَلْطَ شَيْءٍ آخَرَ مَعَهُ بِمَنْزِلَة زَوَالِ الِاسْمِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ (حَنِثَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ: فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا، كَقَوْلِهِ: دَارَ فُلَانٍ فَقَطْ، أَوِ التَّمْرَ الْحَدِيثَ فَعُتِّقَ، أَوِ الرَّجُلَ الصَّحِيحَ فَمَرِضَ، وَكَالسَّفِينَةِ تُنْقَضُ ثُمَّ تُعَادُ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ) وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ نَاوِيًا لِلصِّفَةِ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ إِذَا زَالَتْ، وَقَرِينَةُ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ ذَلِكَ، فَصَارَ كَالْمَنَوِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ، فِي نَحْوِ بَيْضَةٍ صَارَتْ فَرْخًا، وَإِنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ الْبَيْضَةَ أَوِ التُّفَّاحَةَ، فَعَمِلَ مِنْهَا شَرَابًا، أَوْ نَاطِفًا فَالْوَجْهَانِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَسَائِلِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 فَصْلٌ فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ رَجَعْنَا إِلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ، وَالْأَسْمَاءُ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: شَرْعِيَّةٍ، وَحَقِيقِيَّةٍ، وَعُرْفِيَّةٍ. فَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ، فَهِيَ: أَسْمَاءٌ لَهَا مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ، وَمَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهِ، فَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ، وَتَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، أَوْ لَا يَنْكِحُ، فَنَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا، لَمْ يَحْنَثْ. إِلَّا أَنْ يُضِيفَ الْيَمِينَ إِلَى شَيْءٍ   [المبدع في شرح المقنع] [الثَّالِثُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ] [أَقْسَامُ الِاسْمِ] [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الْأَسْمَاءُ الشَّرْعِيَّةُ] فَصْلٌ (فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ) أَيِ: التَّعْيِينُ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ، (رَجَعْنَا إِلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ الْمُسَمَّى، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ هُنَا، فَوَجَبَ أَنْ يُرْجَعَ إِلَيْهِ عَمَلًا بِهِ، لِسَلَامَتِهِ عَنِ الْمُعَارَضَةِ (وَالْأَسْمَاءُ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: شَرْعِيَّةٍ، وَحَقِيقِيَّةٍ، وَعُرْفِيَّةٍ) مَا لَهُ مُسَمًّى وَاحِدٌ، كَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إِلَى مُسَمَّاهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَمَا لَهُ مَوْضُوعٌ شَرْعِيٌّ، وَمَوْضُوعٌ لُغَوِيٌّ، كَالْوُضُوءِ، فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إِلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَمَا لَهُ مَوْضُوعٌ حَقِيقِيٌّ، وَمَجَازٌ لَمْ يَشْتَهِرْ كَالْأَسَدِ، فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إِلَى الْحَقِيقَةِ، كَكَلَامِ الشَّارِعِ وَمَا اشْتُهِرَ مَجَازُهُ حَتَّى صَارَتِ الْحَقِيقَةُ مَغْمُورَةً فِيهِ، فَهُوَ أَقْسَامٌ: مِنْهَا مَا يَغْلِبُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ، كَالرَّاوِيَةِ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِلْمَزَادَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِمَا يُسْتَقَى عَلَيْهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، وَالظَّعِينَةِ فِي الْعُرْفِ لِلْمَرْأَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ النَّاقَةُ الَّتِي يُظْعَنُ عَلَيْهَا، فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إِلَى الْمَجَازِ، لِأَنَّهُ الَّذِي يُرِيدُهُ بِيَمِينِهِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَشْبَهَ الْحَقِيقَةَ فِي غَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ أَنْوَاعِهَا (فَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ، فَهِيَ: أَسْمَاءٌ لَهَا مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ، وَمَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ، كَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَنَحْوِهِ، فَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، لِأَنَّ الشَّارِعَ إِذَا قَالَ: صَلِّ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْأَفْعَالِ، إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِكَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ الْمَوْضُوعِ اللُّغَوِيِّ، فَكَذَا يَمِينُ الْحَالِفِ (وَتَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِهِ بِالْيَمِينِ، (فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، أَوْ لَا يَنْكِحُ، فَنَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا، لَمْ يَحْنَثْ) نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ الْجَمَاعَةُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 لَا تُتَصَوَّرُ فِيهِ الصِّحَّةُ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوِ الْحُرَّ، فَيَحْنَثُ بِصُورَةِ الْبَيْعِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَفَعَلَتْ، لَمْ تُطَلَّقْ.   [المبدع في شرح المقنع] الْيَمِينَ عَلَى ذَلِكَ تَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ الْمَشْرُوعُ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ، لِوُجُودِهِ صُورَةً، وَعَنْهُ: فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ نَكَحَهَا نِكَاحًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَوَجْهَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنِ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَيْعًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَنَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ شَرْعِيٌّ، فَيَحْنَثُ بِهِ كَاللَّازِمِ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا مَلَكْتُ هَذَا، فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا، لَمْ يَحْنَثْ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، (إِلَّا أَنْ يُضِيفَ الْيَمِينُ إِلَى شَيْءٍ لَا تُتَصَوَّرُ فِيهِ الصِّحَّةُ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ، أَوِ الْحُرَّ، فَيَحْنَثَ بِصُورَةِ الْبَيْعِ) أَيْ: إِذَا قَيَّدَ يَمِينَهُ بِمُمْتَنِعِ الصِّحَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ، فَيَحْنَثُ فِي الْأَصَحِّ، بِصُورَةِ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ حَمْلُ يَمِينِهِ عَلَى عَقْدٍ صَحِيحٍ، فَتَعَيَّنَ مَحَلًّا لَهَا، (وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِيهِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَفَعَلَتْ، لَمْ تُطَلَّقْ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هُوَ أَقْيَسُ، وَخَرَّجَهُ السَّامِرِيُّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّرَاءُ كَالْبَيْعِ، وَخَالَفَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي: إِنْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِيهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَإِنْ حَلَفَ لَتَبِيعَنَّهُ، فَبَاعَهُ بِعَرْضٍ بَرَّ، وَكَذَا نَسِيئَةً، وَقِيلَ: يُنْقَضُ يَمِينُهُ. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ، أَوْ لَا يُزَوِّجُ فَأَوْجَبَ وَلَمْ يَقْبَلِ الْمُشْتَرِي وَالزَّوْجُ - لَمْ يَحْنَثْ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبُولِ، فَلَمْ يَقَعْ عَلَى الْإِيجَابِ بِدُونِهِ، وَإِنْ قَبِلَهُ حَنِثَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ بَرَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ نَظِيرَتَهَا أَوْ أَعْلَى مِنْهَا، إِلَّا أَنْ يَحْتَالَ عَلَى حَلِّ يَمِينِهِ بِتَزْوِيجٍ لَا يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ، وَالْمَذْهَبُ يَبِرُّ بِدُخُولِهِ بِنَظِيرَتِهَا، وَالْمُرَادُ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ بِمَنْ تَغُمُّهَا وَتَتَأَذَّى بِهَا لِظَاهِرِ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهَا: أَوْ مُقَارِبِهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَنْصُوصُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَدْخُلَ، وَلَا تُشْتَرَطُ مُمَاثَلَتُهَا، وَاعْتُبِرَ فِي الرَّوْضَةِ حَتَّى فِي الْجِهَازِ، وَلَمْ يَذْكُرْ دُخُولًا، وَإِنْ حَلَفَ لَيُطَلِّقَنَّ ضَرَّتَهَا، فَفِي بِرِّهِ بِرَجْعِيٍّ خِلَافٌ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا تَسَرَّيْتُ، فَوَطِئَ جَارِيَةً حَنِثَ، قَدَّمَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 وَإِنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ حَلَفَ لَا صَلَّيْتُ صَلَاةً، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَفْرَغَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالتَّكْبِيرِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا   [المبدع في شرح المقنع] فِي الرِّعَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَطَأَ فَيُنْزِلَ، فَحْلًا كَانَ أَوْ خَصِيًّا، وَعَنْهُ: إِنْ عَزَلَ فَلَا حِنْثَ، وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ التَّسَرِّيَ مَأْخُوذٌ مِنَ السِّرِّ، وَهُوَ الْوَطْءُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] ولِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْإِنْزَالُ وَلَا التَّحْصِينُ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا) لِأَنَّ إِمْسَاكَ بَعْضِ يَوْمٍ لَيْسَ بِصَوْمٍ شَرْعِيٍّ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَنْوِ عَدَدًا، وَأَقَلُّ ذَلِكَ يَوْمٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرْعِ صَوْمٌ مُفْرَدٌ أَقَلُّ مِنْ يَوْمِ، فَلَزِمَهُ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشُرُوعٍ صَحِيحٍ، وَقِيلَ: إِنْ حَنِثَ بِفِعْلٍ بعض المحلوف، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، حَكَاهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ قَوْلًا، كَقَوْلِهِ: صَوْمًا، وَكَحَلِفِهِ لَيَفْعَلَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَدَامَ فَوَجْهَانِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً) بِسَجْدَتَيْهَا، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: بَلَى، إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَسَبَهُ فِي الْفُرُوعِ إِلَى الْأَصْحَابِ، أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ (وَقَالَ الْقَاضِي إِنْ حَلَفَ: لَا صَلَّيْتُ صَلَاةً، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَفْرَغَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ) لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُصَلٍّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ فِيهِ صَلَاةٌ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُشْبِهُ هَذَا مَا إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهَا لَا تُطَلَّقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ بِأَوَّلِ الْحَيْضِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 يَهَبُ زَيْدًا شَيْئًا وَلَا يُوصِي لَهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَفَعَلَ وَلَمْ يَقْبَلْ زَيْدٌ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، فَوَهَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ أَعَارَهُ لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَإِنْ وَقَفَ   [المبدع في شرح المقنع] الْخَطَّابِ، وَأَمَّا الطَّوَافُ فَقَالَ الْمَجْدُ: لَيْسَ صَلَاةً مُطْلَقَةً وَلَا مُضَافَةً، لَكِنْ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ إِنَّهُ صَلَاةٌ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ فِي الْحَدِيثِ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ مِثْلَ الصَّلَاةِ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا، إِلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ، وَهُوَ النُّطْقُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ الْحَجِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ لَا يَحُجُّ حَنِثَ بِإِحْرَامِهِ بِهِ، وَقِيلَ: بِفَرَاغِ أَرْكَانِهِ، وَيَحْنَثُ بِحَجٍّ فَاسِدٍ، وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا فَدَامَ فَوَجْهَانِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالتَّكْبِيرِ) هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ بِذَلِكَ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُصَلٍّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ فِيهِ صَلَاةً، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ مَا ذُكِرَ ثَانِيًا مَوْجُودٌ فِيمَنْ شَرَعَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ زَيْدًا شَيْئًا، وَلَا يُوصِي لَهُ، وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ) وَلَا يُعِيرُهُ، وَلَا يُهْدِي لَهُ (فَفَعَلَ وَلَمْ يَقْبَلْ زَيْدٌ، حَنِثَ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَهُ ابْنُ شُرَيْحٍ: لِأَنَّ ذَلِكَ لَا عِوَضَ لَهُ، فَيَحْنَثُ بِالْإِيجَابِ فَقَطْ، كَالْوَصِيَّةِ، وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ مِثْلُهُ فِي بَيْعٍ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي: إِنْ بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلِأَنَّ الِاسْمَ يَقَعُ عَلَيْهَا بِدُونِ الْقَبُولِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] ، أَرَادَ الْإِيجَابَ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَلَا قَبُولَ لَهَا حِينَئِذٍ. فَرْعٌ: إِذَا نَذَرَ أَنْ يَهَبَهُ شَيْئًا بَرَّ بِالْإِيجَابِ كَيَمِينِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: يُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَوَهَبَهُ، لَمْ يَحْنَثْ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ نَوْعٌ مِنَ الْهِبَةِ، وَلَا يَحْلِفُ الْحَالِفُ عَلَى نَوْعٍ بِفِعْلِ نَوْعٍ آخَرَ، وَلَا يَثْبُتُ لِلْجِنْسِ حُكْمُ النَّوْعِ، وَلِهَذَا حُرِّمَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ تُحَرَّمِ الْهِبَةُ، وَلَا الْهَدِيَّةُ، لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَهَبُهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، حَنِثَ) لِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ، كَمَا لَوْ أَهْدَى إِلَيْهِ، أَوْ أَعْمَرَهُ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلَّهِ يجب إخراجه، فَلَيْسَ هُوَ هِبَةً مِنْهُ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ تَطَوُّعًا حَنِثَ، لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ غَيْرَهُ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ) هَذَا رِوَايَةٌ، لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 عَلَيْهِ حَنِثَ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ بَاعَهُ وَحَابَاهُ حَنِثَ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ.   [المبدع في شرح المقنع] اسْمًا وَحُكْمًا، وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِعَيْنٍ فِي الْحَيَاةِ فَيَحْنَثُ بِهِ كَالْهَدِيَّةِ، وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُسَمَّى هِبَةً، وَاخْتِلَافُ التَّسْمِيَةِ لِكَوْنِ الصَّدَقَةِ نَوْعًا مِنَ الْهِبَةِ، فَتَخْتَصُّ بِاسْمٍ دُونَهَا، كَاخْتِصَاصِ الْهَدِيَّةِ وَالْعُمْرَى بِاسْمَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُمَا ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِمَا هِبَةً (وَإِنْ أَعَارَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْعَارِيَةَ إِبَاحَةٌ، وَالْهِبَةَ تَمْلِيكٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، قَالَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْمُعِيرُ الرُّجُوعَ فِيهَا، وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ إِجَارَتَهَا (إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّ الْعَارِيَةَ هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ هِبَةِ الْعَيْنِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ بِالْعِوَضِ كَالْعَيْنِ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَهُ بِعَيْنٍ فِي الْحَيَاةِ، فَهُوَ فِي الْعُرْفِ هِبَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، كَوَصِيَّةٍ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ عَلَى رِوَايَةٍ، وَبَنَاهُ فِي الْمُغْنِي عَلَى الْمِلْكِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ حَنِثَ بِمُسَاوَاتِهِ الْهِبَةَ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ مِلْكِهِ فَلَا، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَمْنُوعٌ مِنْ هِبَةِ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنَ الْمَنْعِ مِنَ الْهِبَةِ الْمَنْعُ مِنَ الْوَقْفِ (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ (وَإِنْ بَاعَهُ وَحَابَاهُ حَنِثَ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ تَرَكَ لَهُ بَعْضَ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَوْ وَهَبَهُ بَعْضَ الثَّمَنِ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ) هَذَا وَجْهٌ، وَهُوَ أَوْلَى، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يَمْلِكُ الشَّفِيعُ أَخَذَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ كَانَ هِبَةً أَوْ بَعْضَهُ لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ كُلِّهِ، وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ الْخِلَافَ، وَيَحْنَثُ بِالْهَدِيَّةِ خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَإِنْ أَضَافَهُ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ الْأَكْلَ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَسْقَطَ عَنْهُ دَيْنًا لَمْ يَحْنَثْ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ، لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي: الْأَسْمَاءُ الْحَقِيقِيَّةُ، وإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، فَأَكَلَ الشَّحْمَ، أَوِ الْمُخَّ، أَوِ الْكَبِدَ، أَوِ الطِّحَالَ، أَوِ الْقَلْبَ، أَوِ الْكِرْشَ، أَوِ الْمُصْرَانَ، أَوِ الْإِلْيَةَ وَالدِّمَاغَ وَالْقَانِصَةَ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ أَكَلَ الْمَرَقَ لَمْ يَحْنَثْ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي، قَالَ   [المبدع في شرح المقنع] [الْقِسْمُ الثَّانِي الْأَسْمَاءُ الْحَقِيقِيَّةُ] فَصْلٌ (الْقِسْمُ الثَّانِي: الْأَسْمَاءُ الْحَقِيقِيَّةُ) وَهِيَ نِسْبَةً إِلَى الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي وَضْعٍ أَوَّلَ. (وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، فَأَكَلَ الشَّحْمَ، أَوِ الْمُخَّ، أَوِ الْكَبِدَ، أَوِ الطِّحَالَ، أَوِ الْقَلْبَ، أَوِ الْكِرْشَ، أَوِ الْمُصْرَانَ، أَوِ الْإِلْيَةَ وَالدِّمَاغَ وَالْقَانِصَةَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا وَيَنْفَرِدُ، عَلَّقَهُ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، وَلَوْ أَمَرَ وَكِيلَهُ بِشِرَاءِ لَحْمٍ فَاشْتَرَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ لَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا، وَلَا يَنْفُذُ الشِّرَاءُ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً، قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً، بَلْ هُوَ مِنَ الْحَيَوَانِ كَالْعَظْمِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَحْنَثُ إِذَا قَصَدَ اجْتِنَابَ الدَّسَمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ كَارِعٍ وَذَنَبٍ، فَإِنْ أَكَلَ مِنَ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الظَّهْرِ وَالْجَنْبِ وَفِي تَضَاعِيفِ اللَّحْمِ لَمْ يَحْنَثْ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَحْمًا، وَلَا بَائِعُهُ شَحَّامًا، وَيُسَمَّى لَحْمًا سَمِينًا، وَلَوْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ اللَّحْمِ فَاشْتَرَاهُ لَزِمَهُ، وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ} [الأنعام: 146] ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الشَّحْمَ فِي صِفَتِهِ وَذَوْبِهِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَحْمًا، وَلَا أَنَّهُ بِمُفْرَدِهِ يُسَمَّى لَحْمًا، وَلَا يُسَمَّى بَائِعُهُ شَحَّامًا، بَلْ لَحَّامًا، لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَا هُوَ الْأَصْلُ دُونَ التَّبَعِ، وَفِي كِلَا الدَّلِيلَيْنِ نَظَرٌ، إِذْ بِمُجَرَّدِ شَبَهِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يُسَمَّى بِاسْمِهِ وَيُعْطَى حُكْمَهُ، عَلَى أَنَّ شَبَهَ سَمِينِ الظَّهْرِ بِالْإِلْيَةِ أَقْرَبُ مِنْ شَبَهِهِ بِالشَّحْمِ. فَرْعٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِحُكْمِ لَحْمِ الرَّأْسِ وَاللِّسَانِ وَالسَّنَامِ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، أَوْ أَكْلِ السَّمِينِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ لَا يَنْصَرِفُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ، فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكَلَ زُبْدًا، أَوْ سَمْنًا، أَوْ كِشْكًا، أَوْ مَصْلًا، أَوْ جُبْنًا، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ، فَأَكَلَ لَبَنًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ   [المبدع في شرح المقنع] عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إِلَيْهِ، وَعَنْهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى رَأْسًا أَوْ كَارِعًا لَا يَحْنَثُ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ. وَالثَّانِي: بَلَى، لِأَنَّهُ لَحْمٌ، وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَكَلَ الْمَرَقَ لَمْ يَحْنَثْ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ (وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي) ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو (مِنْ قِطَعِ اللَّحْمِ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ حَقِيقَةً، وَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ كَالْكَبِدِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَجْزَاءَ اللَّحْمِ فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ مَاءُ اللَّحْمِ، وَدُهْنُهُ. 1 (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ، فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ حَنِثَ) أَيْ: إِذَا أَكَلَ بَيَاضَ اللَّحْمِ كَسَمِينِ الظَّهْرِ، يَحْنَثُ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى شَحْمًا، وَيُشَارِكُ شَحْمَ الْبَطْنِ فِي اللَّوْنِ وَالذَّوْبِ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْعُرْفِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ طَلْحَةَ الْعَاقُولِيِّ، وَعَلَى هَذَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْإِلْيَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: الشَّحْمُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْجَوْفِ مِنْ شَحْمِ الْكُلَى وَغَيْرِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْإِلْيَةِ، أَوِ اللَّحْمِ الْأَبْيَضِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنْ أَكَلَ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الشَّحْمِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ، لِأَنَّ اللَّحْمَ لَا يَخْلُو مِنْ شَحْمٍ. 1 - (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكَلَ زُبْدًا، أَوْ سَمْنًا، أَوْ كِشْكًا، أَوْ مَصْلًا، أَوْ جُبْنًا) أَوْ أَقِطًا (لَمْ يَحْنَثْ) نَصَّ عَلَيْهِ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَبَنًا، وَهَذَا إِنْ لَمْ يَظْهَرْ طَعْمُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدُ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ فِيهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي الزُّبْدِ إِنْ ظَهَرَ فِيهِ لَبَنٌ، حَنِثَ بِأَكْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ أَكَلَ مِنْ لَبَنِ الْأَنْعَامِ، أَوِ الصَّيْدِ، أَوْ لَبَنِ آدَمِيَّةٍ، حَنِثَ، حَلِيبًا كَانَ، أَوْ رَائِبًا، مَائِعًا، أَوْ جَامِدًا، لِأَنَّ الْجَمِيعَ لَبَنٌ. (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ، فَأَكَلَ لَبَنًا لَمْ يَحْنَثْ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى زُبْدًا وَلَا سَمْنًا، وَفِي الْمُغْنِي إِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الزُّبْدُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ ظَهَرَ حَنِثَ، لِأَنَّ ظُهُورَهُ كَوُجُودِهِ، وَكَذَا إِنْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ، فَأَكَلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ، فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالتَّمْرِ، وَالرُّمَّانِ، حَنِثَ، وَإِنْ أَكَلَ الْبِطِّيخَ حَنِثَ، وَيُحْتَمَلُ أَلا يَحْنَثَ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا، فَأَكَلَ مُذَنِّبًا حَنِثَ، وَإِنْ أَكَلَ تَمْرًا أَوْ بُسْرًا، أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا، فَأَكَلَ   [المبدع في شرح المقنع] سَمْنًا، وَإِنْ أَكَلَ سَمْنًا وَإِنْ أَكَلَ جُبْنًا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يُصْنَعُ مِنَ اللَّبَنِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا، فَأَكَلَ شَيْئًا مِمَّا يُصْنَعُ مِنَ اللَّبَنِ سِوَى السَّمْنِ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي الزُّبْدِ وَجْهٌ، فَإِنْ أَكَلَ السَّمْنَ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي طَبِيخٍ يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ حَنِثَ. 1 (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ) غَيْرَ بَرِّيٍّ (كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالتَّمْرِ، وَالرُّمَّانِ) وَالْمَوْزِ، وَالْأُتْرُجِّ، وَالنَّبْقِ، وَالْأَصَحُّ وَلَوْ يَابِسًا كَصَنَوْبَرٍ وَعُنَّابٍ (حَنِثَ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى فَاكِهَةً عُرْفًا وَشَرْعًا، وَيُسَمَّى بَائِعُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ فَاكِهَانِيًّا، لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا لَيْسَا مِنَ الْفَاكِهَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] لِأَنَّهُمَا ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ يُتَفَكَّهُ بِهِمَا كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ، وَالْعَطْفُ لَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، بَلْ لِتَشْرِيفِهِمَا وَتَخْصِيصِهِمَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ} [البقرة: 98] وَلَيْسَ مِنْهَا زَيْتُونٌ، وَبَلُّوطٌ، وَبُطْمٌ، وَزُعْرُورٌ أَحْمَرُ، وَآسٌ، وَسَائِرُ ثَمَرٍ بَرِّيٍّ لَا يُسْتَطَابُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ حَنِثَ بِالثَّمَرَةِ فَقَطْ، وَلَوْ لَقَطَ مِنْ تَحْتِهَا (وَإِنْ أَكَلَ الْبِطِّيخَ حَنِثَ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ يَنْضَجُ وَيَحْلُو، أَشْبَهَ ثَمَرَةَ الشَّجَرِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ) ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَجْهًا، لِأَنَّهُ ثَمَرٌ بَقْلُهُ كَالْخِيَارِ (وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ) وَسَائِرِ الْخُضْرَوَاتِ، كَقَرْعٍ، وَبَاذِنْجَانٍ، وَجَزَرٍ، وَلِفْتٍ، وَفُجْلٍ، وَقُلْقَاسٍ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فَاكِهَةً، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. 1 (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ مُذَنِّبًا) وَهُوَ الَّذِي بَدَا فِيهِ الْإِرْطَابُ مِنْ ذَنَبِهِ، وَبَاقِيهِ بُسْرًا وَمُنْصِفًا، وَهُوَ الَّذِي بَعْضُهُ بُسْرٌ وَبَعْضُهُ رُطَبٌ، أَوْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا، فَأَكَلَ ذَلِكَ (حَنِثَ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ آكِلَهُ قَدْ أَكَلَ الرُّطَبَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رُطَبًا. فَرْعٌ: حَلَفَ وَاحِدٌ: لَيَأْكُلَنَّ رُطَبًا، وَآخَرُ: لَيَأْكُلَنَّ بُسْرًا، فَأَكَلَ الْأَوَّلُ مَا فِي النِّصْفِ مِنَ الرَّطْبَةِ، وَأَكَلَ الْآخَرُ بَاقِيَهَا، بَرَّ. (وَإِنْ أَكَلَ تَمْرًا أَوْ بُسْرًا) لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُطَبٍ (أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 رُطَبًا أَوْ دِبْسًا أَوْ نَاطِفًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ أُدُمًا حَنِثَ بِأَكْلِ الْبَيْضِ وَالشِّوَاءِ وَالْجُبْنِ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتُونِ وَاللَّبَنِ وَسَائِرِ مَا يُصْبَغُ بِهِ، وَفِي التَّمْرِ وَجْهَانِ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ تَمْرًا، فَأَكَلَ رُطَبًا، أَوْ دِبْسًا، أَوْ نَاطِفًا، لَمْ يَحْنَثْ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَمَرٍ، وَإِنْ أَكَلَ رُطَبًا غَيْرَ بُسْرٍ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: أَوْ هُمَا عَنْ مُذَنِّبٍ، فَلَا حِنْثَ. (وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ أُدُمًا حَنِثَ بِأَكْلِ الْبَيْضِ وَالشِّوَاءِ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَالْجُبْنِ وَالْمِلْحِ) فِي الْأَشْهَرِ فِيهِ (وَالزَّيْتُونِ، وَاللَّبَنِ، وَسَائِرِ مَا يُصْبَغُ بِهِ) أَيْ: مَا يُغْمَسُ فيه الخبز، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْمَغْمُوسُ فِيهِ صَبْغًا، لِأَنَّ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بأكل الخبز بِهِ هُوَ التَّأَدُّمُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} [المؤمنون: 20] «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ، وَادَّهِنُوا بِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَيِّدُ أُدُمِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» . رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِهِ، «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَيِّدُ إِدَامِكُمُ الْمِلْحُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَلِأَنَّهُ يُؤْكَلُ به الخبز عَادَةً وَيُعَدُّ لِلتَّأَدُّمِ، فَكَانَ أُدْمًا، (وَفِي التَّمْرِ وَجْهَانِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: هُوَ أُدْمٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ، وَقَالَ: هَذِهِ إِدَامُ هَذِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَدَمُ بِهِ عَادَةً، وَهُوَ فَاكِهَةٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا زَبِيبٌ وَنَحْوُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: لَا يَحْنَثُ. فَرْعٌ: الْقُوتُ: خُبْزٌ، وَفَاكِهَةٌ يَابِسَةٌ، وَلَبَنٌ، وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ: قُوتُ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَيَحْنَثُ بِحَبٍّ يُقْتَاتُ فِي الْأَصَحِّ، وَالطَّعَامُ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ، وَفِي مَاءٍ، وَدَوَاءٍ، وَوَرَقِ شَجَرٍ، وَتُرَابٍ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا، فَلَبِسَ ثَوْبًا، أَوْ دِرْعًا، أَوْ جَوْشَنًا، أَوْ خُفًّا، أَوْ نَعْلًا، حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا، فَلَبِسَ حِلْيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ حَنِثَ، وَإِنْ لَبِسَ عَقِيقًا   [المبدع في شرح المقنع] وَنَحْوِهَا، وَجْهَانِ، وَالْعَيْشُ عرفا: الخبز، وَفِي اللُّغَةِ الْعَيْشُ: الْحَيَاةُ، فَيَتَوَجَّهُ مَا يَعِيشُ بِهِ، فَيَكُونُ كَالطَّعَامِ. 1 - (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا فَلَبِسَ ثَوْبًا أَوْ دِرْعًا، أَوْ جَوْشَنًا، أَوْ خُفًّا، أَوْ نَعْلًا حَنِثَ) لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، فَحَنِثَ بِهِ كَالثِّيَابِ، لَكِنْ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْخُفِّ أَوِ النَّعْلِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ كَيْفَ لَبِسَهُ، وَلَوْ تَعَمَّمَ بِهِ، وَلَوِ ارْتَدَى بِسَرَاوِيلَ، أَوِ اتَّزَرَ بِقَمِيصٍ لا بطيه، وَلَا بِتَرْكِهِ عَلَى رَأْسِهِ، وَلَا بِنَوْمِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَدَثَّرَ بِهِ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ قَالَ: قَمِيصًا، فَاتَّزَرَ بِهِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنِ ارْتَدَى فَوَجْهَانِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا، فَلَبِسَ حِلْيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ، حَنِثَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] ، وقَوْله تَعَالَى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23] ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ: إِنِّي جَاعِلٌ فِيكَ الْحِلْيَةَ، وَالصَّيْدَ، وَالطِّيبَ، وَكَذَهَبٍ وَجَدَهُ، (وَإِنْ لَبِسَ عَقِيقًا أَوْ سَبَجًا) وَحَرِيرًا (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ كَخَرَزِ الزُّجَاجِ، وَفِي الْوَسِيلَةِ: تَحْنَثُ الْمَرْأَةُ بِحَرِيرٍ، (وَإِنْ لَبِسَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ) زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: الْمُفْرَدِينَ، وَمِنْطَقَةٌ مُحَلَّاةٌ لَا سَيْفٌ، (فِي مُرْسَلَةٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا حِنْثَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ إِذَا لَمْ يَلْبَسْهُ، فَكَذَا إِذَا لَبِسَهُ، وَالثَّانِي: بَلَى، كَلَبْسِ سُوَارٍ وَخَاتَمٍ، وَلِأَنَّهَا مِنْ حُلِيِّ الرِّجَالِ، وَلَا يُقْصَدُ بِلَبْسِهَا مُحَلَّاةً إِلَّا التَّجَمُّلُ بِهَا. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ خَاتَمًا فَلَبِسَهُ فِي غَيْرِ خِنْصَرٍ حَنِثَ، لِأَنَّهُ لَابِسٌ، وَلَا فَرْقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 أَوْ سَبَجًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ لَبِسَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ، أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارَهُ، فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] بَيْنَ الْخِنْصَرِ وَغَيْرِهِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ الِاصْطِلَاحُ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِالْخِنْصَرِ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً، فَجَعَلَهَا فِي رِجْلِهِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ عَيْبٌ وَمَشَقَّةٌ بِخِلَافِهِ هُنَا. 1 - (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ، أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارَهُ، فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ، وَلَبِسَ ثَوْبَهُ، وَدَخَلَ دَارَهُ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ، فَلَا حِنْثَ) نَقُولُ إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ، فَدَخَلَ دَارَ عَبْدِهِ، حَنِثَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّ دَارَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، وَالثَّوْبُ وَالدَّابَّةُ كَالدَّارِ، لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ للسيد فَيَتَنَاوَلُهُمَا يَمِينُ الْحَالِفِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَحْنَثُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ فُلَانٌ لِأَنَّ الدَّارَ تُضَافُ إِلَى سَاكِنِهَا كَإِضَافَتِهَا إِلَى مَالِكِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] ، وَلِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَلِأَنَّ سَاكِنَ الدَّارِ مُخْتَصٌّ بِهَا، فَكَانَتْ إِضَافَتُهَا إِلَيْهِ صَحِيحَةً، وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعُرْفِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ دَارُ زَيْدٍ، وَفَسَّرَ إِقْرَارَهُ بِسُكْنَاهَا، احْتُمِلَ أَنْ يُقْبَلَ تَفْسِيرُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ بِقَرِينَةِ الْإِقْرَارِ يَصْرِفُهُ إِلَى الْمِلْكِ، وَلَوْ حَلَفَ: لَا دَخَلْتُ مَسْكَنَ زَيْدٍ، حَنِثَ بِدُخُولِهِ الدَّارَ الَّتِي يَسْكُنُهَا، وَلَوْ قَالَ: هَذَا السَّكَنُ لِزَيْدٍ كَانَ مُقِرًّا لَهُ بِهَا (وَإِنْ رَكِبَ دَابَّةً اسْتَعَارَهَا فُلَانٌ) أَوْ غَصَبَهَا (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ فُلَانًا لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَ الدَّابَّةِ، وَفَارَقَ مَسْأَلَةَ الدَّارِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الدَّارِ، لِكَوْنِهِ اسْتَعَارَهَا أَوْ غَصَبَهَا، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ لِسُكْنَاهُ بِهَا، فَأُضِيفَتْ إِلَيْهِ، وَلَوْ غَصَبَهَا أَوِ اسْتَعَارَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْكُنَهَا لَمْ تَصِحَّ إِضَافَتُهَا إِلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْمُسْتَعَارَةِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: وإِنْ قَالَ: لَا أَسْكُنُ مَسْكَنَهُ، فَفِيمَا لَا يَسْكُنُهُ زَيْدٌ مِنْ مِلْكِهِ، وَمَا يَسْكُنُهُ بِغَصْبٍ وَجْهَانِ، وَفِي التَّرْغِيبِ الْأَقْوَى: إِنْ كَانَ سَكَنَهُ مَرَّةً حَنِثَ، وَإِنْ قَالَ: مَلَكَهُ، فَفِيمَا اسْتَأْجَرَهُ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِهِ فَرَكِبَ دَابَّةً جُعِلَتْ بِرَسْمِهِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهَا حِينَئِذٍ، كَحَلِفِهِ لَا يَرْكَبُ رَحْلَ هَذِهِ الدَّابَّةِ، وَلَا يَبِيعُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ سَطْحَهَا حَنِثَ) لِأَنَّهُ مِنَ الدَّارِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا، بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، وَمَنْعِ الْجُنُبِ مِنَ اللُّبْثِ فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ إِذَا دَخَلَهُ، كَمَا لَوْ دَخَلَ الدَّارَ نَفْسَهَا، وَإِنْ حَلَفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 وَلَبِسَ ثَوْبَهُ، وَدَخَلَ دَارَهُ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ، فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ رَكِبَ دَابَّةً اسْتَعَارَهَا فُلَانٌ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِهِ فَرَكِبَ دَابَّةً جُعِلَتْ بِرَسْمِهِ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَدَخَلَ سَطْحَهَا حَنِثَ، وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إِنْسَانًا حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَإِنْ زَجَرَهُ، فَقَالَ: تَنَحَّ، أَوِ اسْكُتْ، حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ، فَتَكَلَّمَا مَعًا حَنِثَ، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] لَيَخْرُجَنَّ مِنَ الدَّارِ، فَصَعِدَ سَطْحَهَا لَمْ يَبِرَّ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ أَوْ قرينة عمل بِهَا، فَإِنْ صَعِدَ عَلَى شَجَرَةٍ حَتَّى صَارَ فِي مُقَابَلَةِ سَطْحِهَا بَيْنَ حِيطَانِهَا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ بَيْنَ حِيطَانِهَا، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، وَكَذَا إِنْ كَانَتِ الشَّجَرَةُ فِي غَيْرِ الدَّارِ، فَتَعَلَّقَ بِفَرْعٍ مَادٍّ عَلَى الدَّارِ فِي مُقَابَلَةِ سَطْحِهَا، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَدِّهَا، أَشْبَهَ الْقَائِمَ عَلَى سَطْحِهَا. وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا (وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) : أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي حَدِّهَا. وَالثَّانِي: لَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ قَامَ فِي مَوْضِعٍ إِذَا أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. 1 (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إِنْسَانًا حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إِنْسَانٍ) لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، وَلِفِعْلِهِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ حَنِثَ، لَأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، فَيَحْنَثُ بِهِ كَغَيْرِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ ولم يعرفه فَوَجْهَانِ، وَإِنْ صَلَّى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إِمَامًا، وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ، لَمْ يَحْنَثْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِنْ أُرْتِجَ عَلَيْهِ فِيهَا فَفَتَحَ عَلَيْهِ الْحَالِفُ (وَإِنْ زَجَرَهُ، فَقَالَ: تَنَحَّ، أَوِ اسْكُتْ، حَنِثَ) لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ، فَيَدْخُلُ فِي مَا حَلَفَ عَلَى عَدَمِهِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا، فَلَوْ كَاتَبَهُ، أَوْ رَاسَلَهُ، حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَلَّا يُشَافِهَهُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِنِيَّةٍ، أَوْ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ، وَلَوْ كَانَتِ الرِّسَالَةُ تَكْلِيمًا لَتَنَاوَلَ مُوسَى وَغَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِكَوْنِهِ كَلِيمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ} [الشورى: 51] ، لِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِفْهَامِ الْآدَمِيِّينَ، أَشْبَهَ الْخِطَابَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَكْلِيمٍ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] ، وَالرَّمْزُ لَيْسَ بِتَكْلِيمٍ، لَكِنْ إِنْ نَوَى تَرْكَ مُوَاصَلَةٍ، أَوْ سَبَبٍ، أَوْ كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: زَمَنًا، أَوْ دَهْرًا، أَوْ بَعِيدًا، أَوْ مَلِيًّا، رَجَعَ إِلَى أَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ، وَإِنْ قَالَ: عُمُرًا، احْتَمَلَ ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ   [المبدع في شرح المقنع] يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ) أَوْ لَا كَلَّمْتُ فُلَانًا حَتَّى يُكَلِّمَنِي، أَوْ حَتَّى يَبْدَأَنِي بِكَلَامٍ، (فَتَكَلَّمَا مَعًا، حَنِثَ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبْتَدِئٌ، إِذْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ كَلَامٌ سِوَاهُ، وَفِي الرِّعَايَةِ: قُلْتُ: لَا، لَكِنْ إِذَا قَالَ: لَا بَدَأْتُهُ بِكَلَامٍ، فَتَكَلَّمَا مَعًا، لَمْ يَحْنَثْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، لِعَدَمِ الْبِدَايَةِ، وَالثَّانِي: بَلَى، لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا) وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا (فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْحِينَ الْمُطْلَقَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَقَلُّهُ سِتَّةٌ، فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِ الْآدَمِيِّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ أَقَلُّ زَمَنٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ كَالْكَثِيرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] ، فَإِنْ قُلْتَ تَرِدُ لِلسَّنَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] ، وَيُرَادُ بِهِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] ، وَيُرَادُ بِهِ سَاعَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] وقال: جِئْتُهُ مُنْذُ حِينٍ، وَإِنْ كَانَ أَتَاهُ مِنْ سَاعَةٍ، وَيُرَادُ بِهِ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54] ، فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِطْلَاقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْإِطْلَاقِ الْخَالِي عَنِ الْإِرَادَةِ، مَعَ أَنَّ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَبَا عُبَيْدَةَ قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] ، سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَا اسْتُشْهِدُوا بِهِ مِنَ الْمُطْلَقِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَقَلُّ، فَحُمِلَ عَلَى الْيَقِينِ، وَقِيلَ: إِنْ عَرَّفَهُ فَلِلْأَبَدِ، كَالدَّهْرِ وَالْعُمُرِ، أَمَّا إِذَا قَيَّدَ لَفْظَهُ، أَوْ بَيَّنَهُ بِزَمَنٍ، فَإِنَّهَا تَتَقَيَّدُ بِهِ، (وَإِنْ قَالَ: زَمَنًا، أَوْ دَهْرًا، أَوْ بَعِيدًا، أَوْ مَلِيًّا، رَجَعَ إِلَى أَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِي إِرَادَتِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: إِنَّ زَمَنًا كَحِينٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِي وَقْتٍ وَنَحْوِهِ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا مَا يُؤَثِّرُ فِي مِثْلِهِ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ وَالزَّمَانِ كَحِينٍ، وَاخْتَارَه فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ لِلْأَبَدِ كَالدَّهْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ زَمَانًا، فَهُوَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، (وَإِنْ قَالَ: عُمُرًا، احْتَمَلَ ذَلِكَ) أَيْ: يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى أَقَلِّ مَا تَنَاوَلَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 ذلك، واحتمل أَنْ يَكُونَ أَرْبَعِينَ عَامًا، وَقَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِثْلَ الْحِينِ، إِلَّا بَعِيدًا أَوْ مَلِيًّا، فَإِنَّهُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ قَالَ: الْأَبَدَ، وَالدَّهْرَ، فَذَلِكَ عَلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ، وَالْحُقْبُ: ثَمَانُونَ سَنَةً، وَالشُّهُورُ: اثْنَا عَشَرَ، عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ ثَلَاثًا كَالْأَشْهُرِ، وَالْأَيَّامُ: ثَلَاثَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَابَ هَذِهِ الدَّارِ فَحَوَّلَ   [المبدع في شرح المقنع] اللَّفْظُ (وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعِينَ عَامًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} [يونس: 16] ، وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كَالْحِينِ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنَ الْعُمُرِ وَالدَّهْرِ، (وَقَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِثْلَ الْحِينِ) ، لِمَا تَقَدَّمَ، (إِلَّا بَعِيدًا أَوْ مَلِيًّا) زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ طَوِيلًا، (فَإِنَّهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ قَالَ: الْأَبَدَ، وَالدَّهْرَ) وَالْعُمُرَ (فَذَلِكَ عَلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ) ، لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ دُخُولَ الزَّمَانِ كُلِّهِ. (وَالْحُقْبُ) ، بِضَمِّ الْحَاءِ: (ثَمَانُونَ سَنَةً) ، نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ أَدْنَى زَمَانٍ، لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ عَامًا، وَقِيلَ: لِلْأَبَدِ (وَالشُّهُورُ اثْنَا عَشَرَ عِنْدَ الْقَاضِي) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] ، (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ (ثَلَاثًا) لِأَنَّهُ جَمْعٌ (كَالْأَشْهُرِ) فَإِنَّهَا ثَلَاثَةٌ وَجْهًا وَاحِدًا، (وَالْأَيَّامُ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَإِنْ عَيَّنَ أَيَّامًا تَبِعَتْهَا اللَّيَالِي. 1 - (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَابَ هَذِهِ الدَّارِ فَحَوَّلَ وَدَخَلَهُ حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، وَكَذَا إِذَا جَعَلَ لَهَا بَابًا آخَرَ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ، أَوْ قَلَعَ الْبَابَ وَنَصَبَهُ فِي دَارٍ أُخْرَى، لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي نُصِبَ فِيهِ الْبَابُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ بَابِهَا، فَدَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ، وَيَتَخَرَّجُ، بَلَى، إِذَا أَرَادَ بِيَمِينِهِ اجْتِنَابَ الدَّارِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ لِلدَّارِ سَبَبٌ هَيَّجَ الْيَمِينَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَ زَوْجَتِهِ فِي دَارٍ، فَأَوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إِلَى حِينِ الْحَصَادِ، انْتَهَتْ يَمِينُهُ بِأَوَّلِهِ) لِأَنَّ إِلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، فَتَنْتَهِي عِنْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 وَدَخَلَهُ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إِلَى حِينِ الْحَصَادِ، انْتَهَتْ يَمِينُهُ بِأَوَّلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مُدَّتِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ، أَوْ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ، حَنِثَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ.   [المبدع في شرح المقنع] أَوَّلِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مُدَّتِهِ) هذه رِوَايَةٌ، لِأَنَّ إِلَى تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ هِجْرَانَهُ، وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِتَنَاوُلِ الْجَمِيعِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ، أَوْ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ، حَنِثَ) لِأَنَّهُ مَالٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ لِلْمُخَالَفَةِ فِي يَمِينِهِ، وَالدَّيْنُ مَالٌ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَالْحَوَالَةِ، أَشْبَهَ الْمُودَعَ، وَلِأَنَّ الْمَالَ مَا تَنَاوَلَهُ النَّاسُ عَادَةً لِطَلَبِ الرِّبْحِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَيْلِ مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ، وَجَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَالْمِلْكُ يَخْتَصُّ الْأَعْيَانَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَلَا يَعُمُّ الدَّيْنَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: إِذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ نَذْرُهُ الصَّامِتَ مِنْ مَالِهِ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْمَالِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَغْصُوبٌ حَنِثَ، وَكَذَا إِنْ كَانَ ضَائِعًا فِي وَجْهٍ، فَإِنْ ضَاعَ عَلَى وَجْهٍ قَدْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ، لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَشْهَرِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَ أَوِ اشْتَرَى عَقَارًا وَنَحْوَهُ لَا يَحْنَثُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ حَنِثَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ فِعْلَ وَكِيلِهِ كَفِعْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُوَكَّلِ فِيهِ وَالْآمِرِ بِهِ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، فَأَمَرَ مَنْ حَلَقَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَحْنَثُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ جَارِيَةً بِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِنَفْسِهِ، فَلَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فَإِذَا وَكَّلَ فِيهِ وَأَضَافَ إِلَى الْمُوَكَّلِ فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، فَكَلَّمَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ، أَوْ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ، فَضَرَبَهُ بِأَمْرِهِ حَنِثَ. قَاعِدَةٌ: تُطَلَّقُ امْرَأَةُ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زِنْدِيقًا بِقَائِلٍ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، قَالَهُ سَجَّادَةُ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَبْعَدَهُ، وَالسَّفَلَةُ مَنْ لَمْ يُبَالِ بِمَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ، وَلَا يُبَالِي عَلَى أَيِّ مَعْصِيَةٍ رُئِيَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الرِّعَاعُ السَّفَلَةُ وَالْغَوْغَاءُ نَحْوُ ذَلِكَ، وَأَصْلُ الْغَوْغَاءِ: صِغَارُ الْجَرَادِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 فَصْلٌ فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الْعُرْفِيَّةُ، فَهِيَ أَسْمَاءٌ اشْتَهَرَ مَجَازُهَا حَتَّى غَلَبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَالرَّاوِيَةِ، وَالظَّعِينَةِ، وَالدَّابَّةِ، وَالْغَائِطِ، وَالْعَذِرَةِ، وَنَحْوِهَا، فَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِالْعُرْفِ دُونَ الْحَقِيقَةِ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَتِهِ، تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِجِمَاعِهَا، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ دَارٍ، تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِدُخُولِهَا رَاكِبًا، أَوْ مَاشِيًا، أَوْ حَافِيًا، أَوْ مُنْتَعِلًا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ   [المبدع في شرح المقنع] [الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْأَسْمَاءُ الْعُرْفِيَّةُ] فَصْلٌ (فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الْعُرْفِيَّةُ، فَهِيَ أَسْمَاءٌ اشْتَهَرَ مَجَازُهَا حَتَّى غَلَبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ) لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَشْتَهِرْ تَكُونُ مَجَازًا لُغَةً، وَسُمِّيَتْ عُرْفِيَّةً لِاسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ لَهَا فِي غَيْرِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً فِي مَعْنًى، ثُمَّ يَصِيرُ مَدْلُولُهُ عَلَى مَعْنًى آخَرَ عُرْفِيٍّ، وَلَا شُبْهَةَ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ (كَالرَّاوِيَةِ) لِلْمَزَادَةِ فِي الْعُرْفِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْجَمَلُ: الَّذِي يستقى عَلَيْهِ، (وَالظَّعِينَةِ) هِيَ فِي الْعُرْفِ لِلْمَرْأَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِلنَّاقَةِ الَّتِي يُظْعَنُ عَلَيْهَا، (وَالدَّابَّةِ) : اسْمٌ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ: اسْمٌ لِمَا دَبَّ، (وَالْغَائِطِ، وَالْعَذِرَةِ) فِي الْعُرْفِ: الْخَارِجُ الْمُسْتَقْذَرُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْغَائِطُ: الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْعَذِرَةُ: فِنَاءُ الدَّارِ، (وَنَحْوِهَا) أَيْ: نَحْوِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، (فَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِالْعُرْفِ) لِأَنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْحَالِفَ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ، فَصَارَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ (دُونَ الْحَقِيقَةِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مَهْجُورَةً، وَلَا يَعْرِفُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ. (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَتِهِ تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِجِمَاعِهَا) لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْصَرِفُ اللَّفْظُ فِي الْعُرْفِ إِلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى، حَنِثَ بِوَطْئِهَا أَيْضًا، وَقَدْ سَبَقَ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ دَارٍ تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِدُخُولِهَا) لِأَنَّهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْجِمَاعِ، فَوَجَبَ تَعَلُّقُ يَمِينِهِ بِدُخُولِهَا، (رَاكِبًا، أَوْ مَاشِيًا، أَوْ حَافِيًا، أَوْ مُنْتَعِلًا) لِأَنَّ الْيَمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الدُّخُولِ، وَكَذَا إِنْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي الدَّارِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنْ دَخَلَهَا رَاكِبًا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ فِيهَا، وَهَلْ يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَقْبَرَةٍ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ لَا، إِنْ قُدِّمَ الْعُرْفُ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» ، إِنَّ اسْمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 الرَّيْحَانَ، فَشَمَّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ وَالْيَاسَمِينَ، أَوْ لَا يَشُمُّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ، فَشَمَّ دُهْنَهُمَا أَوْ مَاءَ الْوَرْدِ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَحْنَثُ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، فَأَكَلَ سَمَكًا، حَنِثَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الدَّارِ يَقَعُ عَلَى الْمَقَابِرِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ الدَّارَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى الرَّبْعِ الْمَسْكُونِ، وَعَلَى الْخَرَابِ غَيْرِ الْمَأْهُولِ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ، فَشَمَّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ وَالْيَاسَمِينَ) ، وَلَوْ كَانَ يَابِسًا، (أَوْ لَا يَشُمُّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ، فَشَمَّ دُهْنَهُمَا، أَوْ مَاءَ الْوَرْدِ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ) ، وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى عُرْفًا، وَيَمِينُهُ تَخْتَصُّ بالريحان الفارسي، (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحْنَثُ) قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِشَمِّ كُلِّ نَبْتٍ رِيحُهُ طَيِّبٌ كَمِرْزَجُوشَ، لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرَّيْحَانِ حَقِيقَةً، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِشَمِّ الْفَاكِهَةِ، وَجْهًا وَاحِدًا. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَشُمُّ طِيبًا، فَشَمَّ نَبْتًا طَيِّبَ الرِّيحِ كَالْخُزَامِ وَنَحْوِهِ، حَنِثَ فِي الْأَشْهَرِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، فَأَكَلَ سَمَكًا، حَنِثَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ) قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَالْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] ، وَلِأَنَّهُ جِسْمُ حَيَوَانٍ يُسَمَّى لَحْمًا، فَحَنِثَ بِأَكْلِهِ كَلَحْمِ الطَّيْرِ، وَتَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ (وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى) إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ إِطْلَاقُ اسْمِ اللَّحْمِ، وَلَوْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ لَحْمٍ، فَاشْتَرَى لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا، وَلَا بَيْضًا، حَنِثَ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطَّيْرِ، وَالسَّمَكِ، وَبَيْضِ السَّمَكِ، وَالْجَرَادِ، عِنْدَ الْقَاضِي. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِأَكْلِ رَأْسٍ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا، أَوْ بِيضٍ يُزَايَلُ بَائِضُهُ حَالَ الْحَيَاةِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا، فَدَخَلَ مَسْجِدًا، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ بَيْتَ شَعْرٍ، أَوْ أُدْمٍ، أَوْ لَا يَرْكَبُ، فَرَكِبَ سَفِينَةً، حَنِثَ عِنْدَ   [المبدع في شرح المقنع] سَمَكًا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ الِاسْمَ، فَيُقَالُ مَا أَكَلْتُ لَحْمًا، وَإِنَّمَا أَكَلْتُ سَمَكًا، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا قَعَدْتُ تَحْتَ سَقْفٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِقُعُودِهِ تَحْتَ السَّمَاءِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى سَقْفًا مَحْفُوظًا، لِأَنَّهُ مَجَازٌ، كَذَا هُنَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ وَالسَّقْفِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ تَحْتَ سَقْفٍ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَالسَّمَاءُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا بِيَمِينِهِ، وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ ثَمَّ مَجَازٌ، وَهُنَا حَقِيقَةٌ لِكَوْنِهِ مِنْ حَيَوَانٍ يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ، فَكَانَ الِاسْمُ فِيهِ حَقِيقَةً كَلَحْمِ الطَّيْرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا، وَلَا بَيْضًا، حَنِثَ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ، وَبَيْضِ السَّمَكِ، وَالْجَرَادِ) وَغَيْرِ ذَلِكَ (عِنْدَ الْقَاضِي) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِعُمُومِ الِاسْمِ فِيهِ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَاءِ الْمِلْحِ وَالْمَاءِ النَّجِسِ، وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا حَنِثَ بِكُلِّ خُبْزٍ، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ كَانَ خُبْزُ بَلَدِهِ الْأُرْزَ حَنِثَ بِهِ، وَفِي حِنْثِهِ بِخُبْزِ غَيْرِهِ الْوَجْهَانِ، (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِأَكْلِ رَأَسٍ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا، أَوْ بَيْضٍ يُزَايَلُ بَائِضَهُ حَالَ الْحَيَاةِ) لِأَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ اللَّفْظُ عُرْفًا، فَلَمْ يَحْنَثْ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شِوَاءً فَأَكَلَ بَيْضًا، وَنَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: بَيْضُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ يُزَايِلُهُمَا فِي الْحَيَاةِ، وَلَا يُؤْكَلُ فِي حَيَاتِهِمَا، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ كَالْمُقْنِعِ، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ كَانَ بِمَكَانٍ الْعَادَةُ إِفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فِيهِ حَنِثَ، وَفِي غَيْرِ مَكَانِهِ وَجْهَانِ نَظَرًا إِلَى أَصْلِ الْعَادَةِ أَوْ عَادَةِ الْحَالِفِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ يُسَمَّى بَيْضًا غَيْرَ بَيْضِ الْحَيَوَانِ، وَلَا بِشَيْءٍ يُسَمَّى رَأْسًا غَيْرَ رُءُوسِ الْحَيَوَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِرَأْسٍ وَلَا بَيْضٍ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا، فَدَخَلَ مَسْجِدًا، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ بَيْتَ شَعْرٍ، أَوْ أُدْمٍ) حَنِثَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا بَيْتَانِ حَقِيقَةً، لِقَوْلِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 أَصْحَابِنَا، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ، فَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ، فَقَرَأَ أَوْ سَبَّحَ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ دَقَّ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ فَقَالَ: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ، يَقْصِدُ تَنْبِيهَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] ، وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96] ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَإِذَا كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْتًا وَفِي عُرْفِ الشَّارِعِ حَنِثَ بِدُخُولِهِ كَبَيْتِ الْإِنْسَانِ، وَأَمَّا بَيْتُ الشَّعْرِ وَالْأُدْمِ، فَلِأَنَّ اسْمَ الْبَيْتِ يَقَعُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا} [النحل: 80] وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْخَيْمَةَ كَذَلِكَ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ السَّامِرِيُّ، وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا، لَكِنْ إِنْ عَيَّنَ خَيْمَةً اقْتُلِعَتْ وَضُرِبَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ نَقَلَهَا حَنِثَ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ دِهْلِيزِ دَارٍ أَوْ صُفَّتِهَا، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا. (أَوْ لَا يَرْكَبُ، فَرَكِبَ سَفِينَةً، حَنِثَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) لِأَنَّهُ رُكُوبٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41] ، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العنكبوت: 65] ، (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا وَلَا رُكُوبًا فِي الْعُرْفِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَظَاهِرُ الْمُغْنِي: أَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ فَقَطْ، قَالَ: لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا تُسَمِّي ذَلِكَ بَيْتًا، (فَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ، فَقَرَأَ، أَوْ سَبَّحَ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، لَمْ يَحْنَثْ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعُرْفِ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ، وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى زَكَرِيَّا بِالتَّسْبِيحِ مَعَ قَطْعِ الْكَلَامِ عَنْهُ، وَقَالَ: إِنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ» . الْخَبَرَ. وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، لِأَنَّ مَا لَا يُحْنَثُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُحْنَثُ بِهِ خَارِجًا مِنْهَا، كَالْإِشَارَةِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ، فَخَنَقَهَا، أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا، أَوْ عَضَّهَا، حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ، فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً، لَمْ يُبِرَّ فِي يَمِينِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَشْرُوعِ فِي الصَّلَاةِ (وَإِنْ دَقَّ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ) بَابَهُ (فَقَالَ: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ، يَقْصِدُ تَنْبِيهَهُ) بِالْقُرْآنِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَمِينُهُ إِنَّمَا تَنْصَرِفُ إِلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ لَبَطَلَتْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ لَمَا بَطَلَتْ، قِيلَ: فِي ذَلِكَ مَنْعٌ، وَإِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْقُرْآنِ، وَقَدْ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ الشَّكِّ فِي شَرْطِهَا بِخِلَافِ الْحَلِفِ، فَإِنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِيهِ كَوْنُ الْمُتَكَلَّمِ بِهِ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ، وَقَدْ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيهِ، فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ فِي شَرْطِهِ، وَفِي الْمَذْهَبِ وَجْهٌ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْصِدِ الْقُرْآنَ أَنَّهُ يَحْنَثُ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَحَقِيقَةُ الذِّكْرِ مَا نُطِقَ بِهِ، فَتُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ فِعْلًا كَالْحَرَكَةِ، وَيَتَضَمَّنُ مَا يَقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ مِنَ الْحُرُوفِ وَالْمَعَانِي، فَلِهَذَا يُجْعَلُ الْقَوْلُ قِسْمًا لِلْفِعْلِ، وَقِسْمًا آخَرَ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْمَلُ عَمَلًا، فَقَالَ قَوْلًا كَالْقِرَاءَةِ، هَلْ يَحْنَثُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ فَسَمِعَ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إِجْمَاعًا، قَالَهُ أَبُو الْوَفَاءِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ، فَخَنَقَهَا، أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا، أَوْ عَضَّهَا، حَنِثَ) لِأَنَّهُ قَصَدَ تَرْكَ تَأْلِيمِهَا، وَقَدْ آلَمَهَا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَمِلُ أَلَّا يَحْنَثَ بِذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ أَلَّا يُؤْلِمَهَا، أَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، لَكِنْ لَوْ عَضَّهَا لِلتَّلَذُّذِ وَلَمْ يَقْصِدْ تَأْلِيمَهَا لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بَرَّ، لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ بِالضَّرْبِ، وَإِنْ ضَرَبَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يَبِرَّ، وَهَلِ اللَّطْمُ وَالْوَكْزُ ضَرْبٌ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. (وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ، فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً، لَمْ يَبِرَّ فِي يَمِينِهِ) نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ السَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 فَصْلٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا، فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكَلَ زُبْدًا، أَوْ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا، فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ لَا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا، فَأَكَلَ نَاطِفًا، أَوْ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا، فَأَكَلَ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ، أَوْ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا، فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُ السَّمْنِ، أَوْ طَعْمُ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْفُرُوعِ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ فِي الْعُرْفِ، لِأَنَّ السَّوْطَ هُنَا آلَةٌ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَصْدَرِ، وَانْتَصَبَ انْتِصَابَهُ، لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ: لَأَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ يَمِينِهِ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ لُغَةً، فَلَا يَبِرُّ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: يَبِرُّ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَدُّ: يُضْرَبُ بِعُثْكَالِ النَّخْلِ، يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَكَحَلِفِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ بِمِائَةٍ، وَأَجَابَ فِي الشَّرْحِ عَنْ قِصَّةِ أَيُّوبَ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَوْ كَانَ عَامًّا لَمَا خُصَّ بِالْمِنَّةِ عَلَيْهِ، وَعَنِ الْمَرِيضِ الْمَجْلُودِ، بِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي الْحَدِّ الَّذِي وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ، فَلَأَنْ لَا يَتَعَدَّى إِلَى الْيَمِينِ أَوْلَى. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ بِعَشَرَةِ أَسْوَاطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا بَرَّ. وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يَبِرَّ بِضَرْبِهِ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَكَذَا إِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ عَشْرَ ضَرَبَاتٍ. [حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ] فَصْلٌ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا، فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكَلَ زُبْدًا، أَوْ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا، فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ لَا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا، فَأَكَلَ نَاطِفًا، أَوْ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا، فَأَكَلَ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ، أَوْ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا، فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ، لَمْ يَحْنَثْ) قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي فِي اللَّحْمِ الْأَحْمَرِ، وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ الْمُسْتَهْلَكَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الَّذِي حُلِفَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْمُسْتَهْلَكِ فِيهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا، فَأَكَلَ تَمْرًا، وَلِأَنَّ الْمُسْتَهْلَكَ فِي الشَّيْءِ يَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْحَالِفِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا حَلَفَ لِمَعْنًى في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 شَيْءٍ مِنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، حَنِثَ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْأَحْمَرِ وَحْدَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ حِنْطَةٍ فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ. . فَصْلٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَشَرِبَهُ، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَأَكَلَهُ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ:   [المبدع في شرح المقنع] المحلوف عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَعَيَّنَ عَدَمُ الْحِنْثِ، لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الْمَحْلُوفِ مِنْ أَجْلِهِ، (وَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُ السَّمْنِ، أَوْ طَعْمُ شَيْءٍ مِنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، حَنِثَ) ، كَمَا لَوْ أَكَلَ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا، وَكَحَلِفِهِ عَلَى اللَّبَنِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِمُسَمَّاهُ، وَلَوْ مِنْ صَيْدٍ وَآدَمِيَّةٍ، (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْأَحْمَرِ وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْ شَحْمٍ فَيَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ قَلَّ، لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الطَّبِيخِ، فَيَبِينُ عَلَى وَجْهِ الْمَرَقِ، وفارق مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا، فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ لَا يَظْهَرُ طَعْمُهُ، وَلَا لَوْنُهُ، لِأَنَّ هَذَا قَدْ يَظْهَرُ الدُّهْنُ فِيهِ، (وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ حِنْطَةٍ فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ) لِأَنَّ الشَّعِيرَ يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ بِتَرْكِهِ فِيهِ، وَأَكْلُهُ لَهُ أَكْلٌ لِمَا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ أَكْلِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَكَلَ مُنْفَرِدًا، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ طَحَنَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، فَلَوْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً، فَأَكَلَهَا خُبْزًا أَوْ طَحِينًا حَنِثَ، لِأَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تُؤْكَلُ حَبًّا عَادَةً، فَانْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إِلَى أَكْلِهَا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، فَأَكَلَ فِيهَا، أَوْ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِهَا، حَنِثَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الْقَرْيَةَ، فَأَوَى إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا، مِمَّا هُوَ فِي حَدِّهَا، حَنِثَ، لِأَنَّ النَّاحِيَةَ وَالْحَدَّ مِنْ جُمْلَةِ الْقَرْيَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. [حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَشَرِبَهُ أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَأَكَلَهُ] فَصْلٌ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَشَرِبَهُ، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَأَكَلَهُ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ) ، هَذَا رِوَايَةٌ لِأَنَّ الْحَالِفَ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ يَقْصِدُ بِهِ فِي الْعُرْفِ اجْتِنَابَ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَحُمِلَتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ تَحْرِيمَ شُرْبِهَا، وَلَوْ قَالَ طَبِيبٌ لِمَرِيضٍ: لَا تَأْكُلِ الْعَسَلَ، كَانَ نَاهِيًا لَهُ عَنْ شُرْبِهِ، وَبِالْعَكْسِ، (وَقَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ نَبِيذًا، فَثَرَّدَ فِيهِ وَأَكَلَهُ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 يَحْنَثُ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ نَبِيذًا، فَثَرَّدَ فِيهِ وَأَكَلَهُ: لَا يَحْنَثُ، فَيَخْرُجُ فِي كُلِّ مَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ فَشَرِبَهُ، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَأَكَلَهُ، وَجْهَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ عَيَّنَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَعَيِّنْهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَطْعَمُهُ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ، وَإِنْ ذَاقَ وَلَمْ يَبْلَعْهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَائِعًا، فَأَكَلَهُ بِالْخُبْزِ حَنِثَ.   [المبدع في شرح المقنع] لَا يَحْنَثُ) هَذِهِ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ نَقَلَهَا مُهَنَّا، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ، لِأَنَّ الْأَفْعَالَ أَنْوَاعٌ كَالْأَعْيَانِ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ، كَذَلِكَ الْأَفْعَالُ (فَيَخْرُجُ فِي كُلِّ مَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ فَشَرِبَهُ، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَأَكَلَهُ وَجْهَانِ) مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ (وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ عَيَّنَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ تَغَيُّرَ صِفَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَنْفِي الْحِنْثَ، فَكَذَلِكَ تَغَيُّرُ صِفَةِ الْفِعْلِ، وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ فَلَا حِنْثَ، لِأَنَّهُ لَمْ تَحْصُلِ الْمُخَالَفَةُ مِنْ جِهَةِ الِاسْمِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ التَّعْيِينِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَيْسَ لِلتَّعْيِينِ أَثَرٌ فِي الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ، فَإِنَّ الْحِنْثَ فِي الْمُعَيَّنِ إِنَّمَا كَانَ لِتَنَاوُلِهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِجْرَاءِ مَعْنَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَى التَّنَاوُلِ الْعَامِّ فِيهِمَا، وَهَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ التَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ، وَعَدَمُ الْحِنْثِ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلِ الْفِعْلَ الَّذِي حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ غَيْرَهُ، وَهَذَا فِي الْمُعَيَّنِ كَهُوَ فِي الْمُطْلَقِ، لِعَدَمِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، أَوْ لَا يَفْعَلُهُمَا، فَمَصَّ رُمَّانًا، أَوْ قَصَبَ سُكَّرٍ، فَرِوَايَتَانِ أَنَصُّهُمَا: لَا حِنْثَ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ، فَمَصَّ قَصَبَ السُّكَّرِ، أَوِ الرُّمَّانَ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا أَوْ لَا يَشْرَبُهُ، فَتَرَكَهُ فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَ، وَابْتَلَعَهُ فَعَلَى الْخِلَافِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَطْعَمُهُ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ) وَمَصِّهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} [البقرة: 249] ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ طُعْمٌ (وَإِنْ ذَاقَ وَلَمْ يَبْلَعْهُ لَمْ يَحْنَثْ) فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّائِمَ لَا يُفْطِرُ بِهِ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُهُ، حَنِثَ بِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ أَوْ ذَوْقِهِ، لِأَنَّهُ ذَوْقٌ وَزِيَادَةٌ، وَفِي الرِّعَايَةِ: حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ، ثُمَّ قَالَ: قَلْتُ فِيمَنْ لَا ذَوْقَ لَهُ نَظَرٌ. (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَائِعًا فَأَكَلَهُ بِالْخُبْزِ حَنِثَ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 فَصْلٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَلَا يَتَطَيَّبُ، فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ وَلَا يَلْبَسُ فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ، حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا هُوَ دَاخِلُهَا، فَأَقَامَ فِيهَا، حَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ. وَإِنْ حَلَفَ لَا   [المبدع في شرح المقنع] كُلُوا الزَّيْتَ» . وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى أَكْلًا، وَيُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ كَذَلِكَ. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنَ الْكُوزِ، فَصَبَّ مِنْهُ فِي إِنَاءٍ، وَشَرِبَ لَمْ يَحْنَثْ، وَعَكْسُهُ إِنِ اغْتَرَفَ بِإِنَاءٍ مِنَ النَّهَرِ أَوِ الْبِئْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ عَدَمُ حِنْثِهِ بِكَرْعِهِ مِنَ النَّهْرِ، لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ، كَحَلِفِهِ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَتَعَمَّمَ بِهِ. [حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَطَهَّرُ وَلَا يَتَطَيَّبُ فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ] فَصْلٌ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَلَا يَتَطَيَّبُ، فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ) فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقِ اسْمُ الْفِعْلِ عَلَى مُسْتَدِيمِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا يُقَالُ: تَزَوَّجْتُ شَهْرًا، وَلَا تَطَهَّرْتُ شَهْرًا، وَلَا تَطَيَّبْتُ شَهْرًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ: مُنْذُ شَهْرٍ، وَلَمْ يُنْزِلِ الشَّارِعُ اسْتِدَامَةَ التَّزْوِيجِ وَالطِّيبِ مَنْزِلَةَ اسْتَدَامَتِهِ فِي تحريمه في الْإِحْرَامِ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ، وَلَا يَلْبَسُ) وَلَا يَقُومُ، وَلَا يَقْعُدُ، وَلَا يُسَافِرُ (فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ، حَنِثَ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّ الْمُسْتَدِيمَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ: رَكِبَ شَهْرًا، وَلَبِسَ شَهْرًا، وَقَدِ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ هَذَا فِي الْإِحْرَامِ، حَيْثُ حَرَّمَ لُبْسَ الْمَخِيطِ، فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِاسْتِدَامَتِهِ، كَمَا أَوْجَبَهَا فِي ابْتِدَائِهِ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: فِي اللُّبْسِ اسْتِدَامَةً حِنْثٌ إِنْ قَدَرَ عَلَى نَزْعِهِ، وَيُلْحَقُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا، وَعَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَطَأُ، فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، أَوْ لَا يُضَاجِعُهَا عَلَى فِرَاشٍ فَضَاجَعَتْهُ وَدَامَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُضَاجَعَةَ تَقَعُ عَلَى الِاسْتِدَامَةِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: اضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ لَيْلَةً، قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ شِهَابٍ: الْخُرُوجُ وَالنَّزْعُ لَا يُسَمَّى سَكَنًا وَلَا لَبْسًا، وَالنَّزْعُ جِمَاعٌ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إِيلَاجٍ وَإِخْرَاجٍ، فَهُوَ شَطْرُهُ، وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ لَا يَحْنَثُ بِالنَّزْعِ فِي الْحَالِ وِفَاقًا، وَكَذَا إِذَا حَلَفَ لَا يُمْسِكُ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ، أَوْ لَا يُشَارِكُهُ فَدَامَ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا هُوَ دَاخِلُهَا فَأَقَامَ فِيهَا، حَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي) لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ غَيْرَهُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، فَدَخَلَ فُلَانٌ عَلَيْهِ فَأَقَامَ مَعَهُ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا، أَوْ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَهُوَ مُسَاكِنُهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ فِي الْحَالِ حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يُقِيمَ لِنَقْلِ مَتَاعِهِ، أَوْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْخُرُوجَ، فَيُقِيمَ إِلَى أَنْ يُمْكِنَهُ، وَإِنْ خَرَجَ دُونَ مَتَاعِهِ وَأَهْلِهِ حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يُودِعَ مَتَاعَهُ أَوْ يُعِيرَهُ، أَوْ تَأْبَى امْرَأَتُهُ الْخُرُوجَ مَعَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَقَامِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَابْتِدَائِهِ فِي التَّحْرِيمِ (وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) لِأَنَّ الدُّخُولَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِدَامَةِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: دَخَلْتُهَا مُنْذُ شَهْرٍ، وَلَا يُقَالُ: دَخَلْتُهَا شَهْرًا، فَجَرَى مَجْرَى التَّزْوِيجِ، وَلِأَنَّ الِانْفِصَالَ مِنْ خَارِجٍ إِلَى دَاخِلٍ، وَلَا يُوجَدُ فِي الْإِقَامَةِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَنِثَ، قَالَ السَّامِرِيُّ: فَحَمَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنَ الْكَوْنِ فِي دَاخِلِهَا، وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ، حَتَّى يَبْتَدِئَ دُخُولَهَا، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ فُرْقَةَ أَهْلِهَا، أَوْ عَدَمَ الْكَوْنِ فِيهَا، أَوِ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ وَإِلَّا إِذَا دَخَلَ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، فَدَخَلَ فُلَانٌ عَلَيْهِ، فَأَقَامَ مَعَهُ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ) ، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ هُنَا كَالْإِقَامَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْأَصَحُّ الْحِنْثُ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا) وَهُوَ سَاكِنُهَا، أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً هُوَ رَاكِبُهَا، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا هُوَ لَابِسُهُ، (أَوْ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَهُوَ مُسَاكِنُهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ فِي الْحَالِ، حَنِثَ) ، لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ السُّكْنَى سُكْنَى، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: سَكَنَ الدَّارَ شَهْرًا، (إِلَّا أَنْ يُقِيمَ لِنَقْلِ مَتَاعِهِ) وَأَهْلِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الِانْتِقَالَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ، وَيَكُونُ نَقْلُهُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، لَا لَيْلًا، وَإِنْ تَرَدَّدَ إِلَى الدَّارِ لِنَقْلِ الْمَتَاعِ، أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ، لَمْ يَحْنَثْ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسُكْنَى، وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ إِنْ دَخَلَهَا، وَإِنْ تَرَدَّدَ زَائِرًا فَلَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سُكْنَى، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وِفَاقًا، وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا (أَوْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْخُرُوجَ، فَيُقِيمُ إِلَى أَنْ يُمْكِنَهُ) ، لِأَنَّهُ أَقَامَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَإِزَالَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ النَّهْيِ (وَإِنْ خَرَجَ دُونَ مَتَاعِهِ) الْمَقْصُودِ (وَأَهْلِهِ) مَعَ إِمْكَانِ نَقْلِهِمْ، وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ، وَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 وَلَا يُمْكِنَهُ إِكْرَاهُهَا، فَيَخْرُجَ وَحْدَهُ، فَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا، فَبَنَيَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا وَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَتَانِ، كُلُّ حُجْرَةٍ تَخْتَصُّ بِبَابِهَا وَمَرَافِقِهَا، فَسَكَنَ كُلٌّ وَاحِدٍ حُجْرَةً، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ   [المبدع في شرح المقنع] ظَاهِرُ الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ، أَوْ تَرَكَ لَهُ بِهِ شَيْئًا (حَنِثَ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّ السُّكْنَى تَكُونُ بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: فُلَانٌ سَاكِنٌ فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ، وَإِنْ نَزَلَ بَلَدًا بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَيُقَالُ: سَكَنَهُ، لَكِنْ إِنْ خَرَجَ عَازِمًا عَلَى السُّكْنَى بِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا عَنْ أَهْلِهِ الَّذِينَ فِي الدَّارِ، لَمْ يَحْنَثْ، زَادَ فِي الشَّرْحِ: فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: إِنْ خَرَجَ بِأَهْلِهِ، فَسَكَنَ بِمَوْضِعٍ، وَقِيلَ: أَوْ وَجَدَهُ بِمَا يَتَأَثَّثُ بِهِ فَلَا. فَرْعٌ: إِذَا أَقَامَ فِي الدَّارِ لِإِكْرَاهٍ، أَوْ لَيْلٍ، أَوْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُرُوجِ أَبْوَابٌ مُغْلَقَةٌ، أَوْ لِعَدَمِ مَا يَنْقُلُ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ، أَوْ مَنْزِلٍ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ فِي طَلَبِ النَّقْلَةِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَقَامَ غَيْرَ نَاوٍ لَهَا حَنِثَ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ. (إِلَّا أَنْ يُودِعَ مَتَاعَهُ أَوْ يُعِيرَهُ) ، أَوْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْهُ، (أَوْ تَأْبَى امْرَأَتُهُ الْخُرُوجَ مَعَهُ، وَلَا يُمْكِنَهُ إِكْرَاهُهَا، فَيَخْرُجَ وَحْدَهُ، فَلَا يَحْنَثُ) ، لِأَنَّ زَوَالَ الْيَدِ وَالْعَجْزَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُمَا حِنْثٌ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا، فَبَنَيَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ، حَنِثَ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، إِذَا كَانَا فِي دَارٍ حَالَةَ الْيَمِينِ، وَتَشَاغَلَا بِبِنَاءِ الْحَائِطِ، لِأَنَّهُمَا مُتَسَاكِنَانِ قَبْلَ انْفِرَادِ إِحْدَى الدَّارَيْنِ مِنَ الْأُخْرَى، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ وَالْمَجْدُ قَوْلًا بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، فَإِنْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا، وَقَسَمَاهَا حُجْرَتَيْنِ، وَفَتَحَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَابًا، وَبَيْنَهُمَا حَاجِزٌ، وَسَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ حُجْرَةً، لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَسَاكِنَيْنِ، وَقَالَ مَرَّةً: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، لِكَوْنِهِ عَيْنُ الدَّارِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسَاكِنْهُ فِيهَا (وَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَتَانِ، كُلُّ حُجْرَةٍ تَخْتَصُّ بِبَابِهَا وَمَرَافِقِهَا، فَسَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ حُجْرَةً) وَلَا نِيَّةَ، وَلَا سَبَبَ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَاكِنٌ فِي حُجْرَتِهِ، فَلَا يَكُونُ مساكنا لِغَيْرِهِ، وَكَذَا إِنْ سَكَنَا فِي دَارَيْنِ مُتَجَاوِرَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُنُونِ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ دَخَلْتِ عَلَيَّ الْبَيْتَ، وَلَا كُنْتِ لِي زَوْجَةً إِنْ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 الْبَلْدَةِ، فَخَرَجَ وَحْدَهُ دُونَ أَهْلِهِ بَرَّ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنَ الدَّارِ، فَخَرَجَ دُونَ أَهْلِهِ لَمْ يَبِرَّ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ، أَوْ لَيَرْحَلَنَّ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ فَفَعَلَ، فَهَلْ لَهُ الْعَوْدُ إِلَيْهَا؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] تَكْتُبِي لِي نِصْفَ مَالِكِ، فَكَتَبَتْ لَهُ بَعْدَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، تَقَعُ الثَّلَاثُ، لِأَنَّهُ يَقَعُ بِاسْتِدَامَةِ الْمَقَامِ، فَكَذَا اسْتِدَامَةُ الزَّوْجِيَّةِ. (وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ، فَخَرَجَ وَحْدَهُ دُونَ أَهْلِهِ بَرَّ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخُرُوجِ لَمْ يُعَارِضْهَا مُعَارِضٌ، فَوَجَبَ حُصُولُ الْبِرِّ لِحُصُولِ الْحَقِيقَةِ، وَكَذَا إِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنَ الدَّارِ وَلَا يَأْوِي أَوْ يَنْزِلُ فِيهَا، نَصَّ عَلَيْهِمَا، أَوْ لَا يَسْكُنُ الْبَلَدَ، أَوْ لَيَرْحَلَنَّ مِنْهُ، فَكَحَلِفِهِ لَا يَسْكُنُ الدَّارَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنَ الدَّارِ، فَخَرَجَ دُونَ أَهْلِهِ لَمْ يَبِرَّ) لِأَنَّ الدَّارَ يَخْرُجُ مِنْهَا صَاحِبُهَا كُلَّ يَوْمٍ عَادَةً، وَظَاهِرُ حَالِهِ إِرَادَةُ خروج غير الْمُعْتَادِ، بِخِلَافِ الْبَلَدِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا وَهُوَ خَارِجٌ عَنْهَا فَدَخَلَهَا، أَوْ كَانَ فِيهَا غَيْرَ سَاكِنٍ فَدَامَ جُلُوسُهُ، فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: إِنْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنَ الْكَوْنِ فِيهَا حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إِنِ انْتَقَلَ إِلَيْهَا بِرَحْلِهِ الَّذِي يَحْتَاجُهُ السَّاكِنُ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ بَاتَ لَيْلَتَيْنِ فَلَا حِنْثَ، وَفِي الشَّرْحِ: إِذَا حَلَفَ عَلَى الرَّحِيلِ منْ بَلَدٍ لَمْ يَبِرَّ إِلَّا بِرَحِيلِ أَهْلِهِ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ، أَوْ لَيَرْحَلَنَّ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ فَفَعَلَ، فَهَلْ لَهُ الْعُودُ إِلَيْهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْعُودِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَرَجَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى الْخُرُوجِ، وَقَدْ خَرَجَ فَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ، وَلِقَوْلِهِ: إِنْ خَرَجْتُ فَلَكَ دِرْهَمٌ، اسْتَحَقَّ بِخُرُوجٍ أَوَّلَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِيَةُ: يَحْنَثُ بِالْعَوْدِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ قَصْدُ هِجْرَانِ مَا حَلَفَ عَلَى الرَّحِيلِ مِنْهُ، وَالْعَوْدُ يُنَافِي مَقْصُودَ يَمِينِهِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ، أَوْ سَبَبٌ، أَوْ قَرِينَةٌ، عُمِلَ بِهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 فَصْلٌ إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا، وَيُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ فَلَمْ يَمْتَنِعْ، أَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ رَجُلًا، فَخَدَمَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] [حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا] فَصْلٌ (إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا) وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِامْتِنَاعُ، لَمْ يَحْنَثْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنْ حُمِلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (وَيُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ، فَلَمْ يَمْتَنِعْ) حَنِثَ فِي الْمَنْصُوصِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي كَمَا لَوْ حُمِلَ بِأَمْرِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَلِي لِمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِامْتِنَاعُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: كَيْفَمَا دَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ، حَنِثَ مُطْلَقًا، وَلَوْ من غير بَابَهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ أُكْرِهَ بِضَرْبٍ وَنَحْوِهِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِلْخَبَرِ وَالْمَعْنَى، (أَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ رَجُلًا، فَخَدَمَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ قَصَدَ اجْتِنَابَ خِدْمَتِهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ (وَيُحْتَمَلْ أَنْ لَا يَحْنَثَ) وَهُوَ وَجْهٌ، لِأَنَّهُ اسْتَخْدَمَهُ، وَالسُّكُوتُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الَّذِي شَقَّ ثَوْبَهُ مُطَالَبَةَ الَّذِي شَقَّهُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ عَبْدَهُ حَنِثَ، لِأَنَّ عَبْدَهُ يَخْدِمُهُ عَادَةً، فَمَعْنَى يَمِينِهِ لَأَمْنَعَنَّكَ خِدْمَتِي، فَإِذَا لَمْ يَنْهَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، بِخِلَافِ عَبْدِ غَيْرِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْنَثُ فِيهِمَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ غَدًا، فَتَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغَدِ، حَنِثَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ) نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَحُجَّنَّ الْعَامَ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ لِمَرَضٍ، أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِمَعْنًى فِي الْمَحَلِّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ ضَرْبَ الْعَبْدِ لِصِغَرٍ بِهِ، أَوْ تَرَكَ الْحَالِفُ الْحَجَّ لِصُعُوبَةِ الطَّرِيقِ، وَيَحْنَثُ عُقَيْبَ تَلَفِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقِيلَ: فِي آخِرِ الْغَدِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ) وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ، لَا مِنْ جِهَتِهِ، أَشْبَهَ الْمُكْرَهَ، أَمَّا لَوْ تَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَجْهًا وَاحِدًا، قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَإِنْ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي غَدٍ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ضَرْبِهِ، فَكَمَا لَوْ مَاتَ فِي يَوْمِهِ، وَإِنْ مَاتَ فِي غَدٍ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ضَرْبِهِ، حَنِثَ وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ ضَرَبَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 لَا يَحْنَثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ غَدًا، فَتَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغَدِ، حَنِثَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ، وَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فَأَبْرَأَهُ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَحِقُّ، فَقَضَى وَرَثَتُهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ، وَإِنْ بَاعَهُ بِحَقِّهِ عَرَضًا لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَحَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْيَوْمَ لَمْ يَبِرَّ، نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَصَامَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَبِرُّ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُهُ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَإِنْ جُنَّ الْعَبْدُ فَضَرَبَهُ بَرَّ، وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ) أَيْ: قَبْلَ الْغَدِ، أَوْ جُنَّ فَلَمْ يَفُقْ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْغَدِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْحِنْثَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بفوات المحلوف عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ، وَهُوَ الْغَدُ، وَالْحَالِفُ قَدْ خَرَجَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا يُمْكِنُ حِنْثُهُ بِخِلَافِ مَوْتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ فِي غَدٍ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ ضَرْبِهِ، فَلَمْ يَضْرِبْهُ، حَنِثَ وَجْهًا وَاحِدًا، وَكَذَا إِنْ هَرَبَ الْعَبْدُ أَوْ مَرِضَ، أَوِ الْحَالِفُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَرْبِهِ (وَإِنْ حَلَفَ لِيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فَأَبْرَأَهُ) مِنْهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ (فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا إِذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فَتَلِفَ قَبْلَ فِعْلِهِ. أَحَدُهُمَا: الْحِنْثُ، لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَالْإِبْرَاءُ لَيْسَ بِقَضَاءٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مَا قَضَانِي حَقِّي، وَإِنَّمَا أَبْرَأْتُهُ مِنْهُ. وَالثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ: عَدَمُهُ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْقَضَاءِ حُصُولُ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ، فَلَا يَحْنَثُ، وَفِي التَّرْغِيبِ: أَصْلُهُمَا إِذَا مُنِعَ مِنَ الْإِيفَاءِ فِي غَدٍ كَرْهًا لَا يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ فِيهِمَا الْخِلَافَ (وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَحِقُّ فَقَضَى وَرَثَتُهُ لَمْ يَحْنَثْ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ وَالْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ قَضَاءَ وَرَثَتِهِ يَقُومُ مَقَامَ قَضَائِهِ فِي إِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ، فَكَذَلِكَ فِي يَمِينِهِ، (وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ غَدًا، فَمَاتَ الْعَبْدُ الْيَوْمَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُورُ، لَأَنَّ مَوْتَ الْعَبْدِ يُخَالِفُ ذَلِكَ، لِأَنَّ ضَرْبَ غَيْرِهِ لَا يَقُومُ مَقَامَ ضَرْبِهِ (وَإِنْ بَاعَهُ بِحَقِّهِ عَرَضًا، لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ) قَدَّمَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ بَرَّ، وَإِنْ حَلَفَ لَا فَارَقْتُهُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي، فَهَرَبَ مِنْهُ، حَنِثَ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِفِرَاقِهِ، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ حَلَفَ: لَا   [المبدع في شرح المقنع] السَّامِرِيُّ وَالْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، لِأَنَّهُ قَضَاهُ حَقَّهُ (وَحَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ: لَا فَارَقْتُكَ وَلِي قِبَلَكَ حَقٌّ، لَمْ يَحْنَثْ وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ فَالرِّوَايَتَانِ، وَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ إِنْ كُرِهَ، (وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ) أَوْ مَعَ رَأْسِهِ، أَوْ إِلَى رَأْسِهِ، أَوْ إِلَى اسْتِهْلَالِهِ، أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ، (فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ بَرَّ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الوقت المحلوف عَلَيْهِ، لِأَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ هُوَ آخِرُهُ، وَلَوْ تَأَخَّرَ فَرَاغُ كَيْلِهِ لِكَثْرَتِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، أَنَّهُ إِذَا قَضَاهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ بَرَّ، وَإِنْ فَاتَهُ حَنِثَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْتُ: فَيَخْرُجُ ضِدُّهُ إِنْ عُذِرَ، وَيَحْنَثُ إِذَا تَأَخَّرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ مَعَ إِمْكَانِهِ، وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا تُعْتَبَرُ الْمُقَارَنَةُ، فَتَكْفِي حَالَةُ الْغُرُوبِ (وَإِنْ حَلَفَ: لَا فَارَقْتُهُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي، فَهَرَبَ مِنْهُ حَنِثَ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ لَا حَصَلَ مِنَّا فُرْقَةٌ، وَقَدْ حَصَلَ، وَكَإِذْنِهِ، وَلِقَوْلِهِ: لَا افْتَرَقْنَا، (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَحْنَثُ) هَذَا رِوَايَةٌ، قَدَّمَهَا فِي الْكَافِي وَالتَّرْغِيبِ، وَنَصَرَهَا فِي الشَّرْحِ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ حَمْدَانَ، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلَمْ تُوجَدِ الْمُفَارَقَةُ إِلَّا مِنْ غَيْرِهِ، وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ: أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ وَإِمْسَاكُهُ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْحَالِفُ فِي الْفُرْقَةِ فَفَارَقَهُ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْنَثُ (وَإِنْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِفِرَاقِهِ، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) فِي الْإِكْرَاهِ إِذَا فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ وَصَدَّهُ عَنْهُ، وَالْمَذْهَبُ الْحِنْثُ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِفِرَاقِهِ، فَفَارَقَهُ لِعِلْمِهِ بِوُجُوبِ مُفَارَقَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَصُدَّهُ الْحَاكِمُ بَعْدَ فَلَسِهِ حَنِثَ، وَقِيلَ: إِنْ قَضَاهُ حَقَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَهُوَ نَاوٍ الْوَفَاءَ، فَفَارَقَهُ، فَلَا، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ لَفْظُهُ: لَا فَارَقْتُكَ وَلِي قِبَلَكَ حَقٌّ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قَالَ: حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 افْتَرَقْنَا، فَهَرَبَ مِنْهُ، حَنِثَ، وَقُدِّرَ الْفِرَاقُ مَا عَدَّهُ النَّاسُ فِرَاقًا، كَفُرْقَةِ الْبَيْعِ. بَابُ النَّذْرِ وَهُوَ: أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى شَيْئًا وَلَا يَصْحُ إِلَّا مِنْ مُكَلَّفٍ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] حَنِثَ، وَكَذَا إِنْ أَحَالَهُ بِهِ، فَقَبِلَ وَانْصَرَفَ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ بَرَّ، فَوَجْهَانِ، وَإِنْ فَارَقَهُ عَنْ كَفِيلٍ، أَوْ رَهْنٍ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، حَنِثَ، وَإِنْ وَجَدَهَا مُسْتَحِقُّهَا وَأَخَذَهَا، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي النَّاسِي. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ أَلَّا يُعْطِيَهُ شَيْئًا، فَوَفَّاهُ عَنْهُ غَيْرُهُ بِلَا إِذْنِهِ، فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا فَارَقْتُكَ حَتَّى آخُذَ حَقِّي، فَفَرَّ الْغَرِيمُ، حَنِثَ الْحَالِفُ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَوَجْهَانِ، وَإِنْ فَرَّ الْحَالِفُ، فَلَا، عَلَى الْأَشْهَرِ. (وَإِنْ حَلَفَ: لَا افْتَرَقْنَا، فَهَرَبَ مِنْهُ، حَنِثَ) لِأَنَّ يَمِينَهُ تَقْتَضِي أَلَّا تَحْصُلَ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ بِوَجْهٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَقَدْ حَصَلَتْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا أَخَذْتَ حَقَّكَ مِنِّي، فَأُكْرِهَ عَلَى دَفْعِهِ حَنِثَ، وَإِنْ وَضَعَهُ الْحَالِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ فِي حِجْرِهِ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَا يُضَمَّنُ بِمِثْلِ هَذَا مَالٌ وَلَا صَيْدٌ، وَيَحْنَثُ لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ: لَا أُعْطِيكَ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ عَطَاءً، إِذْ هُوَ تَمْكِينٌ وَتَسْلِيمٌ بِحَقٍّ، فَهُوَ كَتَسْلِيمِ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَأُجْرَةٍ وَزَكَاةٍ، وَإِنْ أَخَذَهُ حَاكِمٌ فَدَفَعَهُ إِلَى الْغَرِيمِ وَأَخَذَهُ حَنِثَ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: لَا تَأْخُذُ حَقَّكَ عَلَيَّ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا، كَقَوْلِهِ: وَلَا أُعْطِيكَهُ. (وَقُدِّرَ الْفِرَاقُ مَا عَدَّهُ النَّاسُ فِرَاقًا كَفُرْقَةِ الْبَيْعِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهُ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ، كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ [بَابُ النَّذْرِ] [تَعْرِيفُ النذر وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ] بَابُ النَّذْرِ يُقَالُ: نَذَرْتُ أَنْذُرُ ـ بِكَسْرِ الذَّالِ وَضَمِّهَا ـ نَذْرًا، فَأَنَا نَاذِرٌ، أَيْ: أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا تَبَرُّعًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] ، {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَيَتَعَيَّنُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 كَافِرًا، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَصِحُّ فِي مُحَالٍ وَلَا وَاجِبٍ، فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ، أَوْ صَوْمُ رَمَضَانَ، لَمْ يَنْعَقِدْ. وَالنَّذْرُ   [المبدع في شرح المقنع] يُسْتَحَبُّ، لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ، وَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا، لَمَا مَدَحَ الْمُوفِينَ بِهِ، لَأَنَّ ذَمَّهُمْ مِنَ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ أَشَدُّ مِنْ طَاعَتِهِمْ فِي وَفَائِهِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَرُدُّ قَضَاءً، وَلَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا مُحْدَثًا، وَتَوَقَّفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي تَحْرِيمِهِ، وَحَرَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْمَذْهَبُ مُبَاحٌ (وَهُوَ: أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى شَيْئًا) يَحْتَرِزُ بِهِ عَنِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ، فَيَقُولُ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِلَّا مَعَ دَلَالَةِ حَالٍ، وَفِي الْمَذْهَبِ: بِشَرْطِ إِضَافَتِهِ، فَيَقُولُ: لِلَّهِ عَلَيَّ (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ مُكَلَّفٍ) فَلَا يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، كَالْإِقْرَارِ وَكَالطِّفْلِ، (مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا) ذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَشَرْطُهُ: أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، أَمَّا الْأَوَّلُ، فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَيَصِحُّ مِنْهُ، وَلَوْ بِعِبَادَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ عُمَرَ: إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ.» وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ، وَالْمَخْزُومِيِّ، وَالْبُخَارِيِّ، وَابْنِ جَرِيرٍ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ، وَحَمَلُوا خَبَرَ عُمَرَ عَلَى النَّدْبِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ مِنْهُ غَيْرَ عِبَادَةٍ، لِأَنَّ نَذْرَهُ لَهَا كَالْعِبَادَةِ لَا الْيَمِينِ (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ) لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِغَيْرِهِ، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، (وَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ) كَالْيَمِينِ (وَلَا يَصِحُّ فِي مُحَالٍ وَلَا وَاجِبٍ، فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ، أَوْ صَوْمُ رَمَضَانَ، لَمْ يَنْعَقِدْ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الْمُسْتَحِيلِ، كَصَوْمِ أَمْسِ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُهُ، وَالْوَفَاءُ بِهِ أَشْبَهَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ، وَقِيلَ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ، وَمُوجِبُهُ مُوجِبُهَا، إِلَّا فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ قُرْبَةً، وَأَمْكَنَهُ فِعْلُهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأُخْتِ عُقْبَةَ، لَمَّا نَذَرَتِ الْمَشْيَ، وَلَمْ تُطِقْهُ، فَقَالَ: «لِتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا، وَلْتَرْكَبْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 الْمُنْعَقِدُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا: النَّذْرُ الْمُطْلَقُ، وَهُوَ: أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، فَتَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. الثَّانِي: نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَهُوَ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَنْعُ مِنْ شَيْءٍ أَوِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: إِنْ كَلَّمْتُكَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ، أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ، أَوْ عِتْقُ عَبْدِي، أَوِ الصَّدَقَةُ بِمَالِي، فَهَذَا يَمِينٌ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَالتَّكْفِيرِ. الثَّالِثُ: نَذْرُ   [المبدع في شرح المقنع] «وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» . قَالَ أَحْمَدُ: أَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْيَمِينِ فِي أَحَدِ أَقْسَامِهِ، وَهُوَ نَذْرُ اللَّجَاجِ، فَكَذَلِكَ فِي سَائِرِهِ، سِوَى مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الْوَاجِبِ، كَصَوْمِ رَمَضَانَ، قَالَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامٌ، وَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُ مَا هُوَ لَازِمٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِكَفَّارَةِ يَمِينٍ إِنْ تَرَكَهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ فَفَعَلَهُ، فَإِنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ. فَرْعٌ: مَنْ نَذَرَ فِعْلَ وَاجِبٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ مُبَاحٍ، انْعَقَدَ نَذْرُهُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ، مَعَ بَقَاءِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ، وَالْكَرَاهَةِ، وَالْإِبَاحَةِ بِحَالِهِنَّ، كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ لَاغٍ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ. [أَقْسَامُ النَّذْرِ] [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ] (وَالنَّذْرُ الْمُنْعَقِدُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا: النَّذْرُ الْمُطْلَقُ، وَهُوَ: أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ) وَلَا نِيَّةَ لَهُ، وَفَعَلَهُ (فَتَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ، لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٌ، وَعَائِشَةُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ. [الْقِسْمُ الثَّانِي نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ] (الثَّانِي: نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَهُوَ مَا) عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ (يُقْصَدُ بِهِ الْمَنْعُ مِنْ شَيْءٍ، أَوِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: إِنْ كَلَّمْتُكَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ، أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ، أَوْ عِتْقُ عَبْدِي، أَوِ الصَّدَقَةُ بِمَالِي فَهَذَا) إِنْ وُجِدَ شَرْطُهُ فَهُوَ (يَمِينٌ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَالتَّكْفِيرِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ، وَكَفَّارَتُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 الْمُبَاحِ، كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبِي، أَوْ أَرْكَبَ دَابَّتِي، فَهَذَا كَالْيَمِينِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَإِنْ نَذَرَ مَكْرُوهًا كَالطَّلَاقِ اسْتُحِبَّ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ فَيَتَخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ هَذَا جَمْعٌ لِلصِّفَتَيْنِ، فَيَخْرُجُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَنْهُ: يَتَعَيَّنُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِلْخَبَرِ، وَفِي الْوَاضِحِ: يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا قَالَ، نَقَلَ صَالِحٌ: إِذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُلْزِمُ بِذَلِكَ، أَوْ لَا أُقَلِّدُ مَنْ يَرَى الْكَفَّارَةَ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَوْكِيلٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ بَتَّةً، قَالَ شَيْخُنَا: وَإِنْ قَصَدَ لُزُومَ الْجَزَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ لَزِمَهُ مُطْلَقًا عِنْدَ أَحْمَدَ، نَقَلَ الْجَمَاعَةُ فِيمَنْ حَلَفَ بِحَجَّةٍ: إِنْ أَرَادَ يَمِينًا كَفَّرَ يَمِينَهُ، وَإِنْ أَرَادَ نَذْرًا فَعَلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ، فَفَعَلَهُ عُتِقَ، لِأَنَّ الْعِتْقَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، أَشْبَهَ الطَّلَاقَ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ بِعْتُكَ ثَوْبِي فَهُوَ صَدَقَةٌ، فَقَالَ: فَإِنِ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ، لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ. [الْقِسْمُ الثَّالِثُ نَذْرُ الْمُبَاحِ] (الثَّالِثُ: نَذْرُ الْمُبَاحِ كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبِي، أَوْ أَرْكَبَ دَابَّتِي، فَهَذَا كَالْيَمِينِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ، وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) لِمَا سَبَقَ، وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا نَذْرَ إِلَّا فِيمَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ.» وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «بَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بَرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْسِ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَأَنْ يَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرُوهُ، فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِكَفَّارَةٍ، فَإِنْ وَفَى بِهِ أَجْزَأَهُ، «لِأَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ، فَقَالَ: فَأَوْفِ بِنَذْرِكِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ بِمَعْنَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ بَرَّ بِفِعْلِهِ، فَكَذَا إِذَا نَذَرَهُ، لَأَنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ. (وَإِنْ نَذَرَ مَكْرُوهًا كَالطَّلَاقِ اسْتُحِبَّ أَنْ يُكَفِّرَ) لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِهِ (وَلَا يَفْعَلَهُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 الرَّابِعُ: نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَصَوْمِ يَوْمِ الْحَيْضِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ، فَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ وَيُكَفَّرُ، إِلَّا أَنْ يَنْذِرَ نَحْرَ وَلَدِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَذَلِكَ.   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى، فَإِنْ فَعَلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَالْخِلَافُ فِيهِ كَالَّذِي قَبْلَهُ. [الْقِسْمُ الرَّابِعُ نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ] (الرَّابِعُ: نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَصَوْمِ يَوْمِ الْحَيْضِ) وَفِيهِ وَجْهٌ، كَصَوْمِ يَوْمِ عِيدٍ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ (وَيَوْمِ النَّحْرِ، فَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ.» (وَيُكَفِّرُ) فِي الثَّلَاثَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِمْرَانُ، وَسَمُرَةُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَلِأَنَّ النَّذْرَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ، وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ، فَهَذَا مِمَّا لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ كَفَّرَ فَهُوَ أَعْجَبُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: إِذَا نَذَرَ نَذْرًا يَجْمَعُ فِي يَمِينِهِ الْبِرَّ وَالْمَعْصِيَةَ، يُنَفِّذُ فِي الْبِرِّ، وَيُكَفِّرُ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَإِذَا نَذَرَ نُذُورًا كَثِيرَةً لَا يُطِيقُهَا، أَوْ مَا لَا يَمْلِكُ، فَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمِثْلُهُ نَذْرُ سِرَاجِ بِئْرٍ وَشَجَرَةٍ مُجَاوِرَةٍ عِنْدَهُ، قَالَ: مَنْ يُعَظِّمُ شَجَرَةً، أَوْ جَبَلًا، أَوْ مَغَارَةً، أَوْ مَقْبَرَةً، إِذَا نَذَرَ لَهُ، أَوْ لِسُكَّانِهِ، أَوْ لِلْمُضَافِينَ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ إِجْمَاعًا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (إِلَّا أَنْ يَنْذُرَ نَحْرَ وَلَدِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ كَذَلِكَ) ذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَلِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، أَشْبَهَ نَذْرَ ذَبْحِ أَخِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلِأَنَّ مَا يُوجِبُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَوْجَبَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ إِذَا عَلَّقَهُ عَلَى وَلَدِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ ذَبْحُ كَبْشٍ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَنْعَقِدَ نَذْرُ الْمُبَاحِ وَلَا الْمَعْصِيَةِ، وَلَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ أَوِ الِاعْتِكَافَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، فَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ، فَلَهُ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] كَالْقَسَمِ، وَأَبُوهُ وَكُلُّ مَعْصُومٍ كَالْوَلَدِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ مَا لَمْ نَقِسْ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ الْعَمُّ وَالْأَخُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ بَيْنَهُمْ وِلَايَةً. (وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ ذَبْحُ كَبْشٍ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ أَظْهَرُ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْكَبْشَ عِوَضًا عَنْ ذَبْحِ إِسْمَاعِيلَ، بَعْدَ أَنْ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِهِ، وَقَدْ أُمِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ إِبْرَاهِيمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] ، وَنَذْرُ الْآدَمِيِّ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِلْزَامَ، كَالْأَمْرِ قَبْلَ إِمْكَانِهِ، وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَقِيلَ: كَهَدْيٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَلْزَمَانِهِ، وَعَنْهُ: إِنْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُهُ فَعَلَيَّ كَذَا، أَوْ نَجَزَهُ وَقَصَدَ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ، وَإِلَّا فَنَذْرُ مَعْصِيَةٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ، وَلَوْ نَذَرَ طَاعَةً حَالِفًا بِهَا أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِلَا خِلَافٍ عَنْ أَحْمَدَ، فَكَيْفَ لَا يُجْزِئُهُ إِذَا نَذَرَ مَعْصِيَةً حَالِفًا بِهَا؛ فَعَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَلْزَمَانِ النَّاذِرَ، وَالْحَالِفُ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ بَنُوهُ ثَلَاثَةً، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَهُمْ، لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ كِبَاشٍ، أَوْ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: لِأَنَّ لَفْظَ الْوَاحِدِ إِذَا أُضِيفَ اقْتَضَى الْعُمُومَ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَنْعَقِدَ نَذْرُ الْمُبَاحِ وَلَا الْمَعْصِيَةِ) لِحَدِيثِ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: نَذَرَتْ «أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَاسْتَفْتَيْتُ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. وَذَكَرَ الْآدَمِيُّ: نَذْرُ شُرْبِ الْخَمْرِ لَغْوٌ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ: نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ لَغْوٌ، قَالَ: وَنَذْرُهُ لِشَيْخٍ مُعَيَّنٍ حَيٍّ لِلِاسْتِعَانَةِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ كَحَلِفِهِ بِغَيْرِهِ (وَلَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا نَذْرَ إِلَّا فِيمَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ» . أَيْ: لَا نَذْرَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي انْعِقَادِهِ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ، ثُمَّ أَكَّدَ الِاحْتِمَالَ بِقَوْلِهِ: (وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ أَوْ الِاعْتِكَافَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ) غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ (فَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) فَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِأَلْفٍ لَزِمَهُ جَمِيعُهَا، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ ثُلُثُهُ.   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُنُونِ: يُكْرَهُ إِشْعَالُ الْقُبُورِ وَتَبْخِيرُهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ نَذَرَ قِنْدِيلَ نَقْدٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَصْرِفُ لِجِيرَانِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قِيمَتَهُ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْخَتْمَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ كَمَنْ وَقَفَهُ عَلَى مَسْجِدٍ لَا يَصِحُّ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فَيَكْسِرُ، وَهُوَ لِمَصْلَحَتِهِ، (وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ، فَلَهُ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِقَوْلِ كَعْبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي قِصَّةِ تَوْبَةِ أَبِي لُبَابَةَ: «وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِالْجَمِيعِ مَكْرُوهٌ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَيْسَ لَنَا فِي نَذْرِ الطَّاعَةَ مَا يُجْزِئُ بَعْضُهُ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِوُجُوبِهَا، وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» . وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، هَلْ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ أَوِ الصَّامِتَ خَاصَّةً؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. فَرْعٌ: إِذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِمَّا يَمْلِكُهُ، أَجْزَأَهُ الثُّلُثُ، فَإِنْ نفذ هَذَا الْمَالُ وَأَنْشَأَ غَيْرَهُ فَقَضَى دَيْنَهُ، فَيَجِبُ إِخْرَاجُ ثُلُثِهِ يَوْمَ حِنْثِهِ، وَفِي الْهَدْيِ: يَوْمَ نَذْرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَفِيهِ: أَنَّهُ يُخْرِجُ قَدْرَ الثُّلُثِ يَوْمَ نَذْرِهِ، وَلَا يُسْقِطُ مِنْهُ قَدْرَ دَيْنِهِ (وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِأَلْفٍ لَزِمَهُ جَمِيعُهَا) قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، لِأَنَّهُ مَنْذُورٌ وَهُوَ قُرْبَةٌ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْمَنْذُورَاتِ (وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ ثُلُثُهُ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، لِأَنَّهُ مَالُ نَذْرٍ لِلصَّدَقَةِ، فَأَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ لِجَمِيعِ الْمَالِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنَّمَا خُولِفَ هَذَا فِي جَمِيعِ الْمَالِ لِلْأَثَرِ فِيهِ، وَلِمَا فِي الصَّدَقَةِ بِالْمَالِ كُلِّهِ مِنَ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 فَصْلٌ الْخَامِسُ: نَذْرُ التَّبَرُّرِ، كَنَذْرِ الصِّيَامِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالِاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَنَحْوِهَا مِنَ التَّقَرُّبِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، سَوَاءٌ نَذَرَهُ مُطْلَقًا، أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يَرْجُوهُ، فَقَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ سَلَّمَ مَالِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، فَمَتَى وُجِدَ شَرْطُهُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ، وَلَزِمَهُ فِعْلُهُ. وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ صَوْمُ رَمَضَانَ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَنْذُورُ هَاهُنَا يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الْمَالِ، فَيَكُونَ كَنَذْرِ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: إِنْ زَادَ عَلَى ثُلُثِ الْكُلِّ أَجْزَأَهُ قَدْرُ الثُّلْثِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ يَلْزَمُ الْمُسَمَّى رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِنْ قَالَ: إِنْ مَلَكْتُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَهِيَ صَدَقَةٌ، إِنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الْيَمِينِ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ أَرَادَ النَّذْرَ أَجْزَأَهُ الثُّلُثُ. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ أَوْ نَذَرَ لَا رَدَدْتُ سَائِلًا، فَقِيَاسُ قَوْلِنَا: إِنَّهُ كَمَنْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَصَّلْ لَهُ إِلَّا مَا يَحْتَاجُهُ، فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ الزَّائِدِ، وَحَبَّةُ بُرٍّ لَيْسَتْ سُؤَالَ السَّائِلِ، وَالْمَقَاصِدُ مُعْتَبَرَةٌ، وَيُحْتَمَلُ خُرُوجُهُ مِنْ نَذْرِهِ بِحَبَّةِ بُرٍّ لِتَعْلِيقِ حُكْمِ الرِّبَا عَلَيْهَا، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ. [الْقِسْمُ الْخَامِسُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ] فَصْلٌ (الْخَامِسُ: 1 نَذْرُ التَّبَرُّرِ) وَهُوَ التَّقَرُّبُ، يُقَالُ: تَبَرَّرَ تَبَرُّرًا، أَيْ: تَقَرَّبَ تَقَرُّبًا (كَنَذْرِ الصِّيَامِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالِاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَنَحْوِهَا مِنَ التَّقَرُّبِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ) كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَنَحْوِهِ (سَوَاءٌ نَذَرَهُ مُطْلَقًا، أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يَرْجُوهُ) لِشُمُولِهِ لَهُمَا (فَقَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، أَوْ سَلَّمَ مَالِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، فَمَتَى وُجِدَ شَرْطُهُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ، وَلَزِمَهُ فِعْلُهُ) أَقُولُ: نَذْرُ التَّبَرُّرِ، وَهُوَ نَذْرُ الْمُسْتَحَبِّ، يَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا، مِنْهَا: مَا إِذَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ اسْتَجْلَبَهَا، أَوْ نِقْمَةٍ اسْتَدْفَعَهَا، وَتَكُونُ الطَّاعَةُ الْمُلْتَزِمَةُ مِمَّا لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، فَلِهَذَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إِجْمَاعًا، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقُدُومِ الْحَاجِّ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، أَوْ فَعَلْتُ كَذَا لِدَلَالَةِ الْحَالِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي: إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ تَصَدَّقْتُ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ قَالَ: إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَصُومُ كَذَا: هَذَا نَذْرٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَإِنِ ابْتَلَانِي اللَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 وَيَوْمَا الْعِيدَيْنِ، وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ رِوَايَتَانِ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي يَوْمَيِ   [المبدع في شرح المقنع] لَأَصْبِرَنَّ، وَلَإِنْ لَقِيتُ عَدُوَّ اللَّهِ لَأُجَاهِدَنَّ، نَذْرٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، كَقَوْلِ الْآخَرِ: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 75] ، وَمِنْهَا الْتِزَامُ طَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا، فَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، لِقَوْلِ أَبِي عَمْرٍو، غُلَامِ ثَعْلَبٍ: النَّذْرُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَعْدٌ بِشَرْطٍ، لِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ الْآدَمِيُّ بَعِوَضٍ يَلْزَمُهُ كَالْبَيْعِ، وَمَا الْتَزَمَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْهِبَةِ، وَمِنْهَا نَذْرُ طَاعَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْوُجُوبِ، كَالِاعْتِكَافِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، فَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ، لِقَوْلِهِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ.» وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ الَّذِينَ يَنْذُرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَلِأَنَّهُ الْتِزَامٌ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَلَزِمَهُ لِمَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ، وَكَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمْ سَلَّمُوهَا وهي غير وَاجِبَة عِنْدَهُمْ، وَمَا حَكَوْهُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْمُلْتَزَمَ نَذْرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ، وَالْجِعَالَةُ وَعْدٌ بِشَرْطٍ، وَلَيْسَتْ بِنَذْرٍ. مَسَائِلُ: إِذَا نَذَرَ الْحَجَّ الْعَامَ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، فَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ الْحَجُّ عَنْهُمَا، وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى، أَصْلُهُمَا: إِذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ، فَوَافَقَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، وَإِذَا نَذَرَ صِيَامًا، وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا، أَجْزَأَهُ صَوْمُ يَوْمٍ بِلَا خِلَافٍ، وَيَنْوِيهِ لَيْلًا، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَإِذَا نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تُجْزِئُ فِي فَرْضٍ، وَعَنْهُ: تُجْزِئُهُ رَكْعَةٌ بِنَاءً عَلَى التَّنَفُّلِ بِهَا، فَدَلَّ أَنَّ فِي لُزُومِهَا قَائِمًا الْخِلَافُ. وَإِنْ نَذَرَهَا قَائِمًا لَمْ تَجُزْ جَالِسًا، وَلَوْ عَكَسَ جَازَ، فَإِنْ صَلَّى جَالِسًا لِعَجْزٍ كَفَى، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، هِيَ بِمَوْضِعِ غَصْبٍ مَعَ الصِّحَّةِ، وَلَهُ الصَّلَاةُ قَائِمًا مِنْ نَذْرٍ جَالِسًا، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ، كَشَرْطِ تَفْرِيقِ صَوْمٍ، وَفِي النَّوَادِرِ: لَوْ نَذَرَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ، أَوْ أَطْلَقَ، لَمْ يَجِبْ، وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ إِنْ عَيَّنَ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ، وَالْمَنْصُوصُ لَوْ حَلَفَ يَقْصِدُ التَّقَرُّبَ، بِأَنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَإِنْ سَلِمَ مَالِي لِأَتَصَدَّقَنَّ بِكَذَا، فَوَجَدَ شَرْطَهُ، لَزِمَهُ فِعْلُهُ، وَيَجُوزُ فِعْلُهُ قَبْلَهُ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَالْفُنُونِ، لِوُجُودِ أَحَدِ سَبَبَيْهِ، وَمَنَعَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ مَنَعَ كَوْنَهُ سَبَبًا [إِذَا نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ] (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ) مُعَيَّنَةٍ (لَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ صَوْمُ رَمَضَانَ وَيَوْمَا الْعِيدَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الصَّوْمُ عَنِ النَّذْرِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ كَاللَّيْلِ (وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ رِوَايَتَانِ) وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ صَوْمَهَا عَنِ الْفَرْضِ هَلْ هُوَ جَائِزٌ، أَمْ لَا؟ (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَإِذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ، فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ أَوْ حَيْضٍ، أَفْطَرَ وَقَضَى وَكَفَّرَ، وَعَنْهُ: يُكَفِّرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَنُقِلَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ صَامَ يَوْمَ الْعِيدِ صَحَّ صَوْمُهُ، وَإِنْ وَافَقَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَهَلْ يَصِحُّ صَوْمُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا، فَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ) فَيَتَنَاوَلُهَا نَذْرُهُ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ صَوْمِهَا عَنِ الْفَرْضِ، وَيُكَفِّرُ فِي الْأَصَحِّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَعَنْهُ: يَتَنَاوَلُ أَيَّامَ النَّهْيِ دُونَ أَيَّامِ رَمَضَانَ، فَإِنْ وَجَبَ فَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، وَمَا أَفْطَرَهُ بِلَا عُذْرٍ قَضَاهُ مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفُ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، فَإِنْ قَالَ: سَنَةً، وَأَطْلَقَ، فَيَصُومُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا سِوَى رَمَضَانَ وَأَيَّامِ النَّهْيِ، وَيَقْضِيهِمَا، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ فِي الْأَقْيَسِ، وَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فِي رِوَايَةٍ، وَعَيَّنَ أَوَّلَهُمَا، فَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ، وَمَعَ جَوَازِ التَّفَرُّقِ تُكْمَلُ أَيَّامُهَا، وَقِيلَ: بَلَى عِدَّةَ الشُّهُورِ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَصُومُ مَعَ التَّفْرِيقِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنْ صَامَهَا مُتَتَابِعَةً فَهِيَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ تَمَامٍ، وَإِنْ قَالَ سَنَةً مِنَ الْآنِ فَكَمُعَيَّنَةٍ، وَقِيلَ: كَمُطْلَقَةٍ فِي لُزُومِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لِلنَّذْرِ (وَإِذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسَ، فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ أَوْ حَيْضٍ، أَفْطَرَ) لِأَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ صَوْمَهُ، (وَقَضَى) لِأَنَّهُ فَاتَهُ مَا نَذَرَ صَوْمَهُ، (وَكَفَّرَ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ، وَكَمَا لَوْ فَاتَهُ لَمَرَضٍ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنَّ مَنِ ابْتَدَأَ بِصَوْمِ كُلِّ اثْنَيْنٍ وَخَمِيسٍ لَزِمَهُ، فَإِنْ صَادَفَ مَرَضًا أَوْ حَيْضًا غَيْرَ مُعْتَادٍ قَضَى، وَقِيلَ: وَكَفَّرَ، كَمَا لَوْ صَادَفَ عِيدًا، وَعَنْهُ: تَكْفِي الْكَفَّارَةُ عَنْهُمَا، وَقِيلَ: لا قَضَاء، وَلَا كَفَّارَةَ مَعَ حَيْضٍ وَعِيدٍ، (وَعَنْهُ: يُكَفِّرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ) كَمَا لَوْ نَذَرَتِ الْمَرْأَةُ صَوْمَ يَوْمِ حَيْضِهَا (وَنُقِلَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ صَامَ يَوْمَ الْعِيدِ صَحَّ صَوْمُهُ) لِأَنَّهُ وَفَّى بِنَذْرِهِ (وَإِنْ وَافَقَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَهَلْ يَصِحُّ صَوْمُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ صَوْمِهَا عَنِ الْفَرْضِ، لِأَنَّ النَّذْرَ إِذَا صَادَفَ زَمَنًا قَابِلًا لِلصَّوْمِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِلَّا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ يَوْمِ الْعِيدِ، وَفِي الْمُغْنِي رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: أَنَّهُ يَقْضِي، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ) صَحَّ نَذْرُهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَوْمُهُ بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي قَبْلَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ زَمَنٌ يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ التَّطَوُّعِ، فَانْعَقَدَ نَذْرُهُ لِصَوْمِهِ كَمَا لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا تَطَوُّعًا، وَقَالَ: لِلَّهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا إِتْمَامُ صِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ، سَوَاءٌ قَدِمَ وَهُوَ مُفْطِرٌ أَوْ صَائِمٌ، وَإِنْ وَافَقَ قُدُومُهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُجْزِئُهُ صِيَامُهُ لِرَمَضَانَ وَنَذْرِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ. وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ نَذْرِهِ وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمِي، وَلَا نُسَلِّمُ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَ قُدُومَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَنَوَى صَوْمَهُ، وَكَانَ صَوْمًا يَجُوزُ فِيهِ صَوْمُ النَّذْرِ أَجْزَأَهُ (فَقَدِمَ لَيْلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) عِنْدَ الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُهُ، فَلَمْ يَجِبْ نَذْرُهُ، وَلَا يَلْزَمْهُ أَنْ يَصُومَ صَبِيحَتَهُ، وَفِي الْمُنْتَخَبِ: يُسْتَحَبُّ (وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا) وَهُوَ مُفْطِرٌ، فَالْمَذْهَبُ يَقْضِي، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ كَقُدُومِهِ لَيْلًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ (فَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ صَوْمُهُ بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ (وَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا إِتْمَامُ صِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ) كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ بَقِيَّةَ يَوْمِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَتَّبًا عَلَى عَدَمِ الِانْعِقَادِ، لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ، سَوَاءٌ قَدِمَ وَهُوَ مُفْطِرٌ) لِأَنَّهُ أَفَطَرَ مَا نَذَرَ صَوْمَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَلَمْ يَصُمْهُ، (أَوْ صَائِمٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ مِنَ اللَّيْلِ، وَإِنْ قَدِمَ وَلَمْ يُفْطِرْ، فَنَوَى، أَجْزَأَهُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُوجَبَ النَّذْرِ الصَّوْمُ مِنْ قُدُومِهِ، وَعَلَى الْقَضَاءِ يُكَفِّرُ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: لَا، كَالْأُخْرَى، وَإِنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أَكَلَ فِيهِ قَضَى فِي وَجْهٍ، وَفِي الِانْتِصَارِ: وَيُكَفِّرُ (وَإِنْ وَافَقَ قُدُومُهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُجْزِئُهُ صِيَامُهُ لِرَمَضَانَ وَنَذْرِهِ) لِأَنَّهُ نَذَرَ صَوْمَهُ، وَقَدْ وَفَى بِهِ، وَكَوْنُهُ يُجْزِئُهُ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ النَّذْرَ صَحِيحٌ مُنْعَقِدٌ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ النَّذْرَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ، لِأَنَّ نَذْرَهُ وَافَقَ زَمَنًا يَسْتَحِقُّ صِيَامُهُ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ نَذْرُ طَاعَةٍ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ غَالِبًا (وَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ عَنْ نَذْرِهِ (وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ. إِحْدَاهُمَا: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَهِيَ أَشْهَرُ، لِتَأَخُّرِ النَّذْرِ عَنْ زَمَنِهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِأَنَّهُ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَّرَ صَوْمَ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ، وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ لِمَا يَأْتِي، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُكَفِّرُ إِنْ لَمْ يَصُمْهُ، وَعَنْهُ: يَكْفِيهِ لِرَمَضَانَ وَنَذْرِهِ، وَفِي نِيَّةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 وَلَا كَفَّارَةَ. وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ، فَلَمْ يَصُمْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ. وَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ   [المبدع في شرح المقنع] نَذْرِهِ وَجْهَانِ، وَفِي الْفُصُولِ: لَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ آخَرَ، لِأَنَّ صَوْمَهُ أَغْنَى عَنْهُمَا، بَلْ لِتَعَذُّرِهِ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَيْضًا: إِذَا نَوَى صَوْمَهُ عَنْهُمَا، فَقِيلَ: لَغْوٌ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ (وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ نَذْرِهِ وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ) لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ قَبْلَ وَقْتِ النَّذْرِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَاتَهُ. وَبَقِيَ هُنَا مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا قَدِمَ يَوْمَ عِيدٍ، فَعَنْهُ: لَا يَصُومُهُ وَيَقْضِي وَيُكَفِّرُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَقْضِي فَقَطْ كَالْمُكْرَهِ، وَعَنْهُ: إِنْ صَامَهُ صَحَّ، كَمَا لَوْ نَذَرَ مَعْصِيَةً وَفَعَلَهَا، وَقِيلَ: يُكَفِّرُ من غير قَضَاء، كَمَا لَوْ نَذَرَتِ الْمَرْأَةُ صَوْمَ يَوْمِ حَيْضِهَا، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، بِنَاءً عَلَى نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا وَافَقَ يَوْمَ حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، فَكَمَا لَوْ وَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ، إِلَّا أَنَّهَا لَا تَصُومُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، فَعَلَى هَذَا تَقْضِي وَتُكَفِّرُ عَلَى الْأَشْهَرِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا قَدِمَ وَهُوَ صَائِمٌ عَنْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ، فَعَنْهُ: يَكْفِيهِ لَهُمَا، وَالْأَصَحُّ يُتِمُّهُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ، بَلْ يَقْضِي نَذْرَ الْقُدُومِ، كَصَوْمِهِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ كَفَّارَةٍ، أَوْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ. الرَّابِعَةُ: إِذَا قَدِمَ وَهُوَ صَائِمٌ تَطَوُّعًا، فَعَنْهُ: يُتِمُّهُ وَيَعْتَقِدُهُ عَنْ نَذْرِهِ، وَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجِدَ فِي بَعْضِهِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ إِتْمَامَ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ، كَمَا لَوْ قَدِمَ وَهُوَ مُفْطِرٌ. خَاتِمَةٌ: نَذْرُ اعْتِكَافِهِ كَصَوْمِهِ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْفُصُولِ وَالتَّرْغِيبِ: يَقْضِي بَقِيَّةَ الْيَوْمِ لِصِحَّتِهِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ، إِلَّا إِذَا اشْتَرَطَ الصَّوْمَ، فَكَنَذْرِ صَوْمِهِ، وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَهُ بَعْضَ يَوْمٍ لَزِمَهُ يَوْمٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ. [إِذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ] (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَصُمْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِأَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ مُعَيَّنٌ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ (وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِتَأَخُّرِ النَّذْرِ عَنْ وَقْتِهِ، لِأَنَّهُ يَمِينٌ (وَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: يُكَفِّرُ، قَدَّمَهَا فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ أَفْطَرَ فِي بَعْضِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ، وَيُكَفِّرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُتِمَّ بَاقِيَهُ، وَيَقْضِيَ وَيُكَفِّرَ. وَإِذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ، وَإِنْ نَذَرَ صِيَامَ أَيَّامٍ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ لِتَأْخِيرِ النَّذْرِ عَنْ وَقْتِهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا، كَتَأْخِيرِ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، لِأَنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ (وَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ) وَكَذَا الْحَجُّ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ إِذَا كَانَ لَهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِهَا كَالصَّلَاةِ، لَكِنْ إِذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، فَتَصَدَّقَ قَبْلَهُ، أَجْزَأَهُ وِفَاقًا، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَهُ الِانْتِقَالُ إِلَى زَمَنٍ أَفْضَلَ، وَأَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الدَّهْرَ، أَوْ صَوْمَ الْاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَلَهُ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ كَالْمَكَانِ، قَالَ: وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ لِمَنْ نَذَرَ الْحَجَّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَنْ يَتَمَتَّعَ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ (وَإِنْ أَفْطَرَ فِي بَعْضِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ) لِأَنَّهُ صَوْمٌ يَجِبُ مُتَتَابِعًا بِالنَّذْرِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ التَّتَابُعَ، وَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهُ مُتَتَابِعًا مُتَّصِلًا بِإِتْمَامِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، لِأَنَّ بَاقِيَ الشَّهْرِ مَنْذُورٌ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الصَّوْمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ، أَنَّ تَتَابُعَ رَمَضَانَ بِالشَّرْعِ، وَتَتَابُعَ النَّذْرِ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى صِفَةٍ ثُمَّ فَرَّقهَا، (وَيُكَفِّرُ) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ لِفَوَاتِ زَمَنِ النَّذْرِ، وَقِيلَ: لَا يُكَفِّرُ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ شَرَطَ التَّتَابُعَ، لِأَنَّ وُجُوبَ التَّتَابُعِ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ لَا النَّذْرِ، فَلَمْ يُبْطِلْهُ الْفِطْرُ كَشَهْرِ رَمَضَانَ، فَعَلَى هَذَا يُكَفِّرُ عَنْ فِطْرِهِ، وَيَقْضِي أَيَّامَ فِطْرِهِ بَعْدَ إِتْمَامِ صَوْمِهِ، وَهَذَا أَقْيَسُ وَأَصَحُّ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (وَيُحْتَمَلُ) هَذَا الاحتمال رِوَايَةٌ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ (أَنْ يُتِمَّ بَاقِيَهُ) لِأَنَّ التَّتَابُعَ فِيمَا نَذَرَهُ وَجَبَ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ، لَا مِنْ حَيْثُ الشَّرْطِ، فَلَمْ يُبْطِلْهُ الْفِطْرُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ (وَيَقْضِي) كَمَا لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ (وَيُكَفِّرُ) لِفَوَاتِ زَمَنِ النَّذْرِ. فَرْعٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِمَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْنِي وَيَقْضِي وَيُكَفِّرُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 مَعْدُودَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ، وَإِنْ نَذَرَ صِيَامًا مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ لِمَرَضٍ أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، كَمَا لَوْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَفِي وَصْلِ الْقَضَاءِ وَتَتَابُعِهِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفُ مُتَتَابِعًا، أَوْ يَبْنِي وَيُكَفِّرُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا جُنَّ جَمِيعَ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْأَصَحِّ َلَمْ يُكَفِّرْ، وَإِنْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيعَ الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ، كَمَا لَوْ حَاضَتْ فِي رَمَضَانَ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ. [حُكْمُ نَذْرِ الصَّوْمِ] (وَإِذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ) خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا بِالْهِلَالِ، وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ بِالْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا (لَزِمَهُ التَّتَابُعُ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الشَّهْرِ يَقْتَضِي التَّتَابُعَ، وَكَمَنَ نَوَاهُ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ، لِأَنَّ الشَّهْرَ يَقَعُ عَلَى مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ وَلَا نِيَّةٌ، كَمَا لَوْ نَذَرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ قَطَعَهُ بِلَا عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ، وَبِعُذْرٍ يُخَيَّرُ بَيْنَهُ بِلَا كَفَّارَةٍ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ، وَيُتِمُّ ثَلَاثِينَ وَيُكَفِّرُ (وَإِنْ نَذَرَ صِيَامَ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ) وَلَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا (لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ) نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّ الْأَيَّامَ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى التَّتَابُعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وَعَنْهُ فِيمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَصُومُهَا مُتَتَابِعًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْذُورَةِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ نَوَى التَّتَابُعَ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ) فَيَلْزَمُهُ لِلْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا هَلْ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ فِيمَا دُونَ الثَلَاثِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، صَحَّحَ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ فِي الْعَشَرَةِ دُونَ الثَلَاثِينَ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ، وَإِنْ شَرَطَ تَفْرِيقَهَا لَزِمَهُ فِي الْأَقْيَسِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ لَزِمَهُ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ رَمَضَانُ وَالْأَيَّامُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا، فَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ لَمْ يَقْضِهِ وَيُكَفِّرُ، وَإِنْ لَزِمَهُ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ كَفَّارَةٌ قَدَّمَهُ عَلَى النَّذْرِ، وَإِذَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَكَانَتْ كَفَّارَتُهُ الصِّيَامُ احْتُمِلَ أَنْ لَا تَجِبَ، وَاحْتُمِلَ أَنْ تَجِبَ، وَلَا تَجِبُ بِفِعْلِهَا كَفَّارَةٌ، (وَإِنْ نَذَرَ صِيَامًا مُتَتَابِعًا) غَيْرَ مُعَيَّنٍ (فَأَفْطَرَ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ قَضَى لَا غَيْرَ) كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، وَالْمَرَضُ وَالْحَيْضُ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، فَلَمْ يَجِبْ الِاسْتِئْنَافُ لِبَقَاءِ التَّتَابُعِ حُكْمًا، وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الِاسْتِئْنَافِ مُتَتَابِعًا بِلَا كَفَّارَةٍ، وَبَيْنَ الْبِنَاءِ وَقَضَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 حَيْضٍ، قَضَى لَا غَيْرَ، وَإِنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ، وَإِنْ أَفْطَرَ لِسَفَرٍ، أَوْ مَا يُبِيحُ الْفِطْرَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ نَذَرَ صِيَامًا فَعَجَزَ عَنْهُ، لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُكَفِّرَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ نَذَرَ   [المبدع في شرح المقنع] مَا تَرَكَ مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْبِنَاءِ فَهَلْ يُتِمُّ ثَلَاثِينَ، أَوِ الْأَيَّامَ الْفَائِتَةَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَفِي التَّكْفِيرِ وَجْهٌ كَشَهْرَيِ الْكَفَّارَةِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ (وَإِنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ) وِفَاقًا ضَرُورَةَ الْوَفَاءِ بِالتَّتَابُعِ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ (وَإِنْ أَفْطَرَ لِسَفَرٍ، أَوْ مَا يُبِيحُ الْفِطْرَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَيْ: إِذَا أَفْطَرَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ، كَالسَّفَرِ، فَقِيلَ: لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّوْمِ، كَالْمَرَضِ الَّذِي يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ، وَقِيلَ: بَلَى، لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِاخْتِيَارِهِ كَالْفِطْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَرَضِ الْمُبِيحِ، وَالسِّفْرِ الْمُبِيحِ، فَإِنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ، بِخِلَافِ السَّفَرِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَقْطَعَ السَّفَرُ التَّتَابُعَ، لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ، بِخِلَافِ الْمَرَضِ (وَإِنْ نَذَرَ صِيَامًا فَعَجَزَ عَنْهُ، لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، لِأَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ، وَسَبَبُ الْإِطْعَامِ الْعَجْزُ عَنْ وَاجِبِ الصَّوْمِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ السَّبَبَانِ وَاجْتَمَعَا، فَلَمْ يَسْقُطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ إِلَّا الْإِطْعَامُ فَقَطْ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ، كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ الْمَشْرُوعِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) هَذَا رِوَايَةٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهَا فِي الْكَافِي، وَذَكَرَ أَنَّها أَقْيَسُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَسَائِرِ النُّذُورِ، وَقِيَاسُ الْمَنْذُورِ عَلَى الْمَنْذُورِ أَوْلَى، لِأَنَّ رَمَضَانَ يُطْعَمُ عَنْهُ عِنْدَ الْعَجْزِ بِالْمَوْتِ، فَكَذَلِكَ فِي الْحَيَاةِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ، وَيَتَخَرَّجُ أَلَّا تَلْزَمَهُ كَفَّارَةٌ فِي الْعَجْزِ عَنْهُ، كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنِ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَفِي النَّوَادِرِ احْتِمَالٌ يُصَامُ عَنْهُ، وَسَبَقَ فِعْلُ الْوَلِيِّ عَنْهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَكَذَا إِنْ نَذَرَهُ عَاجِزًا عَنْهُ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَا كَانَ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ، أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمُرَادُهُمْ غَيْرُ الْحَجِّ، وَإِلَّا فَلَوْ نَذَرَ مَعْضُوبٌ أَوْ صَحِيحٌ أَلْفَ حَجَّةٍ لَزِمَهُ، وَيُحَجُّ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ لَا يُطِيقُهُ وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَرَمِ، لَمْ يُجْزِئْهُ إِلَّا أَنْ يَمْشِيَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَشْيَ لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ نَذَرَ   [المبدع في شرح المقنع] شَيْئًا مِنْهُ، وَإِلَّا أَتَى بِمَا يُطِيقُهُ مِنْهُ، وَكَفَّرَ لِلْبَاقِي، وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِعَارِضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ، فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ، فَإِنْ كَانَ عَنْ صَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَفَاتَ وَقْتُهُ قَضَاهُ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ كَفَّارَةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ [نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَرَمِ] (وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ) الْحَرَامِ (أَوْ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَرَمِ) لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» . (لَمْ يُجْزِئْهُ إِلَّا أَنْ يَمْشِيَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) أَيْ: لَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي أَحَدِهِمَا، لِأَنَّهُ مَشى إِلَى عِبَادَةِ، وَالْمَشْيُ إِلَى الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ، مَا لَمْ يَنْوِ إِتْيَانَهُ لَا حَقِيقَةَ مَشْيٍ مِنْ مَكَانِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي إِجْمَاعًا، مُحْتَجًّا بِهِ وَبِمَا لَوْ نَذَرَهُ مِنْ مَحَلِّهِ لَمْ يَجُزْ مِنْ مِيقَاتِهِ عَلَى قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ مِنَ الْأَبْعَدِ مِنْ إِحْرَامِهِ، أَوْ مِنْ مِيقَاتِهِ (فَإِنْ تَرَكَ الْمَشْيَ لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) قَدَّمَهُ الْأَصْحَابُ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، «لِقَوْلِ عُقْبَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، لِتَخْرُجْ رَاكِبَةً، وَلْتَكْفُرْ يَمِينَهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ، وَلِأَنَّ الْمَشْيَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّرْعُ بِمَوْضِعٍ، كَنَذْرِ التَّحَفِّي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَادِرًا، وَلِهَذَا ذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ رِوَايَةً: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ دَمٌ) وَأَفْتَى بِهِ عَطَاءٌ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدِهِ عَنْ عِمْرَانَ، قَالَ: مَا «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا، إِلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، وَنَهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ، وَفِيهِ: وَإِنَّ مِنَ الْمُثْلَةِ أَنْ يَنْذُرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا، فَإِذَا نَذَرَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَلْيُهْدِ هَدْيًا، وَلِيَرْكَبْ» ، وَلِأَنَّهُ أَخَلَّ بِوَاجِبٍ فِي الْإِحْرَامِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَفِي الْمُغْنِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَسْتَأْنِفُهُ مَاشِيًا، لِتَرْكِهِ صِفَةَ الْمَنْذُورِ، كَتَفْرِيقِهِ صَوْمًا مُتَتَابِعًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ مَعَ الْعَجْزِ كَفَّارَةٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَهَلْ عَلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 الرُّكُوبَ فَمَشَى، فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ. وَإِنْ نَذَرَ رَقَبَةً، فَهِيَ الَّتِي تُجْزِئُ عَنِ الْوَاجِبِ، إِلَّا أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] هَدْيٌ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَى الْبَيْتِ، وَأَنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا» . فَرْعٌ: إِذَا عَجَزَ عَنِ الْمَشْيِ بَعْدَ الْحَجِّ كَفَّرَ وَأَجْزَأَهُ، وَإِنْ مَشَى بَعْضَ الطَّرِيقِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: يَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَيَرْكَبُ مَا مَشَى، وَيَمْشِي مَا رَكِبَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ إِلَّا حَجٌّ يَمْشِي فِي جَمِيعِهِ. أَصْلٌ: يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِالْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَوْضِعًا بِعَيْنِهِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَمْشِي مِنْ مِيقَاتِهِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ، قَالَ: وَالْخَبَرُ فِيهِ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَيَلْزَمُهُ الْمَنْذُورُ مِنْهُمَا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَى أَنْ يَتَحَلَّلَ، لِأَنَّ ذَلِكَ انْقِضَاءٌ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ فَرَغَ، وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالتَّحَلُّلَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِنْ نَذَرَ الرُّكُوبَ فَمَشَى، فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا نَذَرَ، فَهُوَ بِمَعْنَى الرُّكُوبِ إِذَا نَذَرَ الْمَشْيَ، وَلِأَنَّ الرُّكُوبَ فِي نفسه غير طَاعَةٍ. إِحْدَاهُمَا: تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ دُونَ الدَّمِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي. وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ دَمٌ، لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِتَرْكِ الْإِنْفَاقِ، وَفِي الشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ: إِلَّا أَنَّهُ إِذَا مَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ مَعَ إِمْكَانِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ. فَائِدَةٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوِ الْأَقْصَى، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إِتْيَانُهُمَا، وَالصَّلَاةُ فِيهِمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مُرَادُهُمْ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ، لِأَفْضَلِيَّةِ بَيْتِهَا، وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ حَرَمٍ لَزِمَهُ عِنْدَ وُصُولِهِ رَكْعَتَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، مَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يَأْتِهِمَا أَصْلًا، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدَيْهِمَا فَلْيَأْتِهِمَا. فَرْعٌ: إِذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ مَاشِيًا، وَجَبَ الْقَضَاءُ مَشْيًا، وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ الْفَاسِدِ مَاشِيًا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُ، وَإِذَا عَيَّنَ لِنَحْرِ الْهَدْيِ مَوْضِعًا مِنَ الْحَرَمِ تَعَيَّنَ، وَكَانَ لِفُقَرَائِهِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ مَعْصِيَةً، لِلْخَبَرِ، وَإِنْ نَذَرَ سَتْرَ الْبَيْتِ وَتَطْيِيبَهُ لَزِمَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 يَنْوِيَ رَقَبَةً بِعَيْنِهَا، وَإِنْ نَذَرَ الطَّوَافَ عَلَى أَرْبَعٍ، طَافَ طَوَافَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] مَسْأَلَةٌ: إِذَا نَذَرَ الْحَجَّ الْعَامَ فَلَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ نَذَرَ أُخْرَى فِي الْعَامِ الثَّانِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ يَصِحُّ، وَأَنْ يَبْدَأَ بِالثَّانِيَةِ لِفَوْتِهَا، وَيُكَفِّرَ لِتَأْخِيرِ الْأُولَى، وَفِي الْمَعْذُورِ الْخِلَافُ (وَإِنْ نَذَرَ رَقَبَةً فَهِيَ الَّتِي تُجْزِئُ عَنِ الْوَاجِبِ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَةِ (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ رَقَبَةً بِعَيْنِهَا) فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالنِّيَّةِ كَالْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ، لَكِنْ لَوْ مَاتَ الْمَنْذُورُ، أَوْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ عِتْقِهِ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلْ تُصْرَفُ قِيمَتُهُ فِي الرِّقَابِ، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الْوَلَاءِ، إِذِ الْأَصْلُ فِيهِ ذَلِكَ، وَفِي الرِّعَايَةِ: مَنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ أَوْ نِيَّتِهِ شَيْئًا مِنْ عَدَدِ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ هَدْيِ رِقَابٍ كَفَاهُ مَا عَيَّنَهُ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ بِاللَّفْظِ بِهِ، لَا مَا نَوَاهُ فَقَطْ، وَإِنْ عَيَّنَ الْهَدْيَ بِغَيْرِ حَيَوَانٍ جَازَ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ عَيَّنَ الْهَدْيَ بِمَا يُنْقَلُ لَزِمَهُ إِنْفَاذُهُ إِلَى الْحَرَمِ، لِيُفَرَّقَ هُنَاكَ، وَإِلَّا بِيعَ، وَأَنْفَذَ ثَمَنَهُ لِيُفَرَّقَ هُنَاكَ (وَإِنْ نَذَرَ الطَّوَافَ) فَأَقَلُّهُ أُسْبُوعٌ (وَإِنْ نَذَرَهُ عَلَى أَرْبَعٍ طَافَ طَوَافَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِخَبَرٍ رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ الْكِنْدِيُّ أَنَّهُ «قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ أُمُّهُ كَبْشَةُ بِنْتُ مَعْدِي كَرِبَ عَمَّةُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آلَيْتُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَبْوًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: طُوفِي عَلَى رِجْلَيْكِ سَبْعِينَ: سَبْعًا عَنْ يَدَيْكِ، وَسَبْعًا عَنْ رِجْلَيْكِ» . أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَاجِبٌ، وَلِأَنَّ فِيهِ عَلَى أَرْبَعٍ مِثْلَهُ، وَعَنْهُ: يَطُوفُ عَلَى رِجْلَيْهِ وَاحِدًا، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لُزُومُهَا، وَمِثْلُهُ نَذْرُ السَّعْيِ عَلَى أَرْبَعٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ سَعْيَانِ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ طَاعَةً عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، كَنَذْرِهِ صَلَاةً عُرْيَانًا، أَوِ الْحَجَّ حَافِيًا حَاسِرًا، وَفَى بِالطَّاعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وَفِي الْكَفَّارَةِ لِتَرْكِهِ الْمَنْهِيِّ وَجْهَانِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: النَّذْرُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْفَوْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَهْدِيَ هَدَايَا، لَزِمَهُ أَنْ يَهْدِيَ إِلَى الْحَرَمِ لِيَنْحَرَ هُنَاكَ وَيُفَرِّقَ، فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا بِغَيْرِ مَكَّةَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ يُضَحِّيَ أُضْحِيَّةً فِي مَوْضِعٍ عَيَّنَهُ، لَزِمَهُ نَحْرُ ذَلِكَ، وَيُفَرِّقُ لَحْمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَهُ. الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا يَلْزَمُ وَاخْتَارَهُ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ مِنْ تَأْجِيلِ الْعَارِيَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ عِوَضِ الْمُتْلَفِ بِمُؤَجَّلٍ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: بِمَ يُعْرَفُ الْكَذَّابُونَ؟ قَالَ: بِخُلْفِ الْمَوَاعِيدِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] ، وَلِخَبَرِ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ» وَبِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: «الْعِدَةُ عَطِيَّةٌ» وَبِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ: «الْعِدَةُ دَيْنٌ» وَمَذْهَبُ مَالِكٍ يَلْزَمُ بِسَبَبٍ كَمَنْ قَالَ: تَزَوَّجْ وَأُعْطِكَ كَذَا، وَاحْلِفْ لَا تَشْتُمْنِي وَلَكَ كَذَا، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 كِتَابُ الْقَضَاءِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ، أَتَذْهَبُ حُقُوقُ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْقَضَاءِ] [تَعْرِيفُ القضاء وَأَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ] ِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْقَضَاءُ فِي الْأَصْلِ إِحْكَامُ الشَّيْءِ وَالْفَرَاغُ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى إِمْضَاءِ الْحُكْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4] ، أَيْ: أَمْضَيْنَا وَأَنْهَيْنَا. وَسُمِّيَ الْحَاكِمُ قَاضِيًا ; لِأَنَّهُ يُمْضِي الْأَحْكَامَ وَيُحْكِمُهَا. وَيَكُونُ بِمَعْنَى أَوْجَبَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَ بِهِ لِإِيجَابِهِ الْحُكْمَ عَلَى مَنْ يُجِبُ عَلَيْهِ. وَاصْطِلَاحًا: النَّظَرُ بَيْنَ الْمُتَرَافِعِينَ لَهُ لِلْإِلْزَامِ وَفَصْلِ الْخُصُومَاتِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: 26] . وقَوْله تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء: 65] . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. [حُكْمُ القضاء] وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَصْبِ الْقُضَاةِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّاسِ. (وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) كَالْإِمَامَةِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْمِيرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 النَّاسِ؟ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ فِي كُلِّ إِقْلِيمٍ قَاضِيًا، وَيَخْتَارُ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنْوَاعِ الِاجْتِمَاعِ، وَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُهَا دِينًا وَقُرْبَةً، فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، وَإِنَّمَا فَسَدَ حَالُ بَعْضِهِمْ لِطَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَالْمَالِ بِهَا، وَمَنْ فَعَلَ مَا يُمْكِنُهُ لَمْ تَلْزَمْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ. وَعَنْهُ: سُنَّةٌ. نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَعَنْهُ: لَا يُسَنُّ دُخُولُهُ فِيهِ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي، هُوَ أَسْلَمُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ (قَالَ أَحْمَدُ: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ، أَتَذْهَبُ حُقُوقُ النَّاسِ!) لِأَنَّ أَمْرَ النَّاسِ لَا يَسْتَقِيمُ بِدُونِهِ، كَالْجِهَادِ وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ إِنْ لَمْ يُؤَدَّ الْحَقُّ فِيهِ. لِمَا رَوَى مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ، إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ» . قَالَ مَسْرُوقٌ: لَأَنْ أَحْكُمَ يَوْمًا بِحَقٍّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْزُوَ سَنَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَعَلَى هَذَا: إِذَا أَجْمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ أَثِمُوا، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ لَمْ يَحْتَكِمُوا فِي غَيْرَةٍ (فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ فِي كُلِّ إِقْلِيمٍ) هُوَ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ. (قَاضِيًا) لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الرَّعِيَّةِ، الْمُتَكَلِّمُ بِمَصْلَحَتِهِمْ، الْمَسْؤُولُ عَنْهُمْ، فَيَبْعَثُ الْقُضَاةَ إِلَى الْأَمْصَارِ، كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَلِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعَثَ عَلِيًّا قَاضِيًا إِلَى الْيَمَنِ، وَوَلَّى عُمَرُ شُرَيْحًا قَضَاءَ الْكُوفَةِ، وَكَعْبَ بْنَ سُورٍ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. (وَيَخْتَارُ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 يَجِدُ، وَأَوْرَعَهُمْ، وَيَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، وَتَحَرِّي الْعَدْلِ وَالِاجْتِهَادِ فِي إِقَامَةِ الْحَقِّ، وَأَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي كُلِّ صُقْعٍ أَصْلَحَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَهُمْ. وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لَهُ إِذَا طُلِبَ وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ الدُّخُولُ فِيهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ يَأْثَمُ الْقَاضِي بِالِامْتِنَاعِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا يَأْثَمُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. فَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ كُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ بِغَيْرِ   [المبدع في شرح المقنع] وَأَوْرَعَهُمْ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْقَضَاءِ. (وَيَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، وَتَحَرِّي الْعَدْلِ وَالِاجْتِهَادِ فِي إِقَامَةِ الْحَقِّ) لِأَنَّ ذَلِكَ تَذْكِرَةٌ لَهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، وَإِعَانَةٌ لَهُ فِي إِقَامَةِ الْحَقِّ، وَتَقْوِيَةٌ لِقَلْبِهِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى اهْتِمَامِ الْإِمَامِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَأَهْلِهِ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْهُ كُتِبَ لَهُ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ. (وَأَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي كُلِّ صُقْعٍ) أَيْ: نَاحِيَةٍ. (أَصْلَحَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَهُمْ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ، وَتَنْبِيهًا عَلَى مَصْلَحَةِ رَعِيَّةِ بَلَدِ الْقَاضِي، وَحَثًّا لَهُ عَلَى اخْتِيَارِ الْأَصْلَحِ، وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ: أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ نَصْبَ مَنْ يُكْتَفَى بِهِ. (وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لَهُ إِذَا طُلِبَ) وَلَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ أَهَمَّ مِنْهُ. (وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ الدُّخُولُ فِيهِ) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ بِهِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ. وَقِيلَ: وَيَلْزَمُهُ طَلَبُهُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنْ كَانَ فِيهِ غَيْرَ أَهْلٍ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ إِزَالَتَهُ أُثِيبَ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ لِيُخْتَصَّ بِالنَّظَرِ أُبِيحَ، فَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ تَمْكِينِهِ فَاحْتِمَالَانِ. وَقِيلَ: يُحْرَمُ بِخَوْفِهِ مَيْلًا. (وَعَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ يَأْثَمُ الْقَاضِي بِالِامْتِنَاعِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ؛) مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ؟ (قَالَ: لَا يَأْثَمُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ) ، نَقَلَهَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَإِنْ طُلِبَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُجِيبَ إِلَيْهِ. فِي ظَاهِرِ الكَلَامِ   [المبدع في شرح المقنع] الْخَطَرِ وَالْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ، لَكِنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ بِالْوَاجِبِ لِظُلْمِ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ. وَحَكَى ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنِ الثَّلَاثَةِ: أَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الدُّخُولُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ أَحْمَدُ فِي أَظْهَرِ رِوَايَتَيْهِ: لَيْسَ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الدُّخُولُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ. (وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ كُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ؛ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ لِقَصْدِ إِقَامَةِ الْحَقِّ، وَخَوْفًا أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ. ذَكَرُهُ الْقَاضِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ، بَلْ يُسْتَحَبُّ إِذَنْ، وَقَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ يَحْرُمُ بِدُونِهِ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَنَّهُ لِقَصْدِ الْمَنْزِلَةِ وَالْمُبَاهَاةِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَإِنَّ طَائِفَةً كَرِهَتْهُ إِذَنْ، وَطَائِفَةً لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 أَحْمَد. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْأَفْضَلُ الْإِجَابَةُ إِلَيْهِ إِذَا أَمِنَ نَفْسَهُ. وَلَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ إِلَّا بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ. وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّي كَوْنَ الْمُوَلَّى عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] ، وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى نَالَهُ فَغَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَإِنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَالْمُرَادُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلٌ، وَإِلَّا حُرِمَ وَقُدِحَ فِيهِ (وَإِنْ طُلِبَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُجِيبَ إِلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الْكَلَامِ أَحْمَدُ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَفِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ الْأَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَطَرِ وَالتَّشْدِيدِ، وَلِمَا فِي تَرْكِهِ مِنَ السَّلَامَةِ، وَذَلِكَ طَرِيقَةُ السَّلَفِ، وَقَدْ أَرَادَ عُثْمَانُ تَوْلِيَةَ ابْنِ عُمَرَ الْقَضَاءَ فَأَبَى. (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْأَفْضَلُ الْإِجَابَةُ إِلَيْهِ إِذَا أَمِنَ نَفْسَهُ) لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَعَلَ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ أَجْرًا مَعَ الْخَطَأِ، وَأَسْقَطَ عَنْهُ حُكْمَ الْخَطَأِ، وَلِأَنَّ فِيهِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ وَأَدَاءَ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحَقِّهِ، وَرَدَّ الظَّالِمِ عَنْ ظُلْمِهِ، بِدَلِيلِ تَوْلِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ كَذَلِكَ. وَلَا يَخْتَارُ إِلَّا الْأَفْضَلَ، وَقِيلَ: مَعَ خُمُولِهِ، وَحَمَلَ فِي الْمُغْنِي كَلَامَ ابْنِ حَامِدٍ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: أَوْ فَقْرِهِ. فَرْعٌ: يَحْرُمُ بَذْلُ مَالٍ فِيهِ وَأَخْذُهُ وَطَلَبُهُ، وَفِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ، وَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِمُ الْكَرَاهَةَ بِالطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَوْلِيَةُ الْحَرِيصِ لَا يَنْفِي أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ، يُكْرَهُ. مَسْأَلَةٌ إِذَا جَهِلَ الْقَضَاءَ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ خَافَ الْمَيْلَ حُرِمَ دُخُولُهُ فِيهِ، وَقِيلَ: مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَهُوَ يَصْلُحُ لَهُ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الدُّخُولَ فِيهِ، وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ شُرُوطُهُ. 1 - (وَلَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ إِلَّا بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 صِفَةٍ تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ. وَتعيينُ مَا يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْبُلْدَانِ وَمُشَافَهَتُهُ بِالْوِلَايَةِ أَوْ مُكَاتَبَتُهُ بِهَا، وَإِشْهَادُ شَاهِدَيْنِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ إِذَا كَانَ بَلَدُهُ قَرِيبًا، تَسْتَفِيضُ فِيهِ أَخْبَارُ بَلَدِ الْإِمَامِ. وَهَلْ   [المبدع في شرح المقنع] وَالنَّهْيِ وَهُوَ وَاجِبُ الطَّاعَةِ، مَسْمُوعُ الْكَلِمَةِ، مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْوِلَايَاتِ شَرْعًا وَحِسًّا. أَوْ نَائِبِهِ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهُ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ أَشْبَهَ عَقْدَ الذِّمَّةِ. [شُرُوطُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ] (وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّي كَوْنَ الْمُوَلَّى عَلَى صِفَةٍ تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقَضَاءِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ. وَحَاصِلُهُ: إِنْ كَانَ يَعْرِفُ صَلَاحِيَتَهُ وَلَّاهُ، وَإِلَّا سَأَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْعِلْمُ، فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ، الْعِلْمُ بِذَلِكَ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهِ. (وَتعَيين مَا يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ) كَالْكُوفَةِ وَنَوَاحِيهَا. (وَالْبُلْدَانِ) كَبَغْدَادَ وَنَحْوِهَا، لِيَعْلَمَ مَحَلَّ وِلَايَتِهِ فَيَحْكُمَ فِيهِ وَلَا يَحْكُمَ فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ وَلِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْوِكَالَةِ. (وَمُشَافَهَتُهُ بِالْوِلَايَةِ) ، أَيْ: يُشَافِهُهُ الْإِمَامُ بِهَا إِنْ كَانَ حَاضِرًا. (أَوْ مُكَاتَبَتُهُ بِهَا) إِنْ كَانَ غَائِبًا؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ، كَالتَّوْكِيلِ، وَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ لَهُ عَهْدًا بِمَا وَلَّاهُ؛ وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ،» وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارًا أَمِيرًا، وَعَبْدَ اللَّهِ قَاضِيًا. (وَإِشْهَادُ شَاهِدَيْنِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ) أَيْ: إِذَا كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي وَلَّاهُ فِيهِ بَعِيدًا لَا يَسْتَفِيضُ إِلَيْهِ الْخَبَرُ بِمَا يَكُونُ فِي بَلَدِ الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا. (وَقَالَ الْقَاضِي: تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ إِذَا كَانَ بَلَدُهُ قَرِيبًا تَسْتَفِيضُ فِيهِ أَخْبَارُ بَلَدِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْوِلَايَةِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ مَعَ قُرْبِ مَا بَيْنَهُمَا، كَخَمْسَةِ أَيَّامٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَوْ بِالِاسْتِفَاضَةِ إِذَا كَانَ بَلَدُهُ قَرِيبًا تَسْتَفِيضُ فِيهِ أَخْبَارُ الْمُوَلَّى لَهُ. وَأَطْلَقَ الْآدَمِيُّ: أَوِ اسْتِفَاضَةٌ، وَظَاهِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَهَلْ تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُوَلِّي؟) بِكَسْرِ اللَّامِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) : إِحْدَاهُمَا: تُشْتَرَطُ كَمَا تُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَلِّي. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ الْكُبْرَى تَصِحُّ مِنْ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، فَصَحَّتْ وِلَايَتُهُ، كَالْعَدْلِ، وَلِأَنَّهَا لَوِ اعْتُبِرَتْ فِي الْمُوَلِّي أَفْضَى إِلَى تَعَذُّرِهَا بِالْكُلِّيَّةِ فِيمَا إِذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُوَلِّي؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَلْفَاظُ التَّوْلِيَةِ الصَّرِيحَةُ سَبْعَةٌ: وَلَّيْتُكَ الْحُكْمَ، وَقَلَّدْتُكَ، وَاسْتَنَبْتُكَ، وَاسْتَخْلَفْتُكَ، وَرَدَدْتُ إِلَيْكَ الحكم، وَفَوَّضْتُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْتُ لَكَ الْحُكْمَ. فَإِذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْهَا وَالْقَبُولُ مِنَ الْمَوْلَى، انْعَقَدَتِ الْوِلَايَةُ. وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ: اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ، وعَوَّلْتُ عَلَيْكَ، وَوَكَلْتُ إِلَيْكَ، وَأَسْنَدْتُ إِلَيْكَ الْحُكْمَ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا، حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا قَرِينَةٌ. نَحْوُ: فَاحْكُمْ، أَوْ فَتَوَلَّ مَا عَوَّلْتُ عَلَيْكَ فيه، وَمَا أَشْبَهَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ. وَعَنْهُ: سِوَى الْإِمَامِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ أَيْ: إِذَا وَلَّاهُ إِمَامٌ فَاسِقٌ صَحَّ، إِنْ وَلَّاهُ نَائِبُهُ الْفَاسِقُ فَلَا. فَرْعٌ: لَا يَنْعَزِلُ إِمَامٌ أَعْظَمُ بِفِسْقٍ يَطْرَأُ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: بَلَى، كَالْحَاكِمِ، وَلَا تَنْعَقِدُ الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى لِفَاسِقٍ، وَعَنْهُ: تَنْعَقِدُ. وَلَوْ غَلَبَهُمْ بِسَيْفِهِ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ، وَهِيَ أَشْهَرُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 فصل وَإِذَا ثَبَتَتِ الْوِلَايَةُ وَكَانَتْ عَامَّةً، اسْتَفَادَ بِهَا النَّظَرَ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ: فَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَدَفْعِهِ إِلَى رَبِّهِ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِ   [المبدع في شرح المقنع] [أَلْفَاظُ التَّوْلِيَةِ] (وَأَلْفَاظُ التَّوْلِيَةِ الصَّرِيحَةُ سَبْعَةٌ: وَلَّيْتُكَ الْحُكْمَ، وَقَلَّدْتُكَ، وَاسْتَنَبْتُكَ، وَاسْتَخْلَفْتُكَ، وَرَدَدْتُ إِلَيْكَ الحكم، وَفَوَّضْتُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْتُ إليك الْحُكْمَ) لِأَنَّ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ دَلَالَةً لَا تَفْتَقِرُ مَعَهَا إِلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَذَلِكَ هُوَ الصَّرِيحُ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ عَلَى هَذِهِ: اسْتَكْفَيْتُكَ، وَقِيلَ: رَدَدْتُهُ، وَفَوَّضْتُهُ، وَجَعَلْتُهُ إِلَيْكَ كِنَايَةً. (فَإِذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْهَا) أَيْ: وَاحِدٌ مِنْهَا. (وَالْقَبُولُ مِنَ الْمُوَلَّى) الْحَاضِرِ فِي الْمَجْلِسِ، وَالْغَائِبِ بَعْدَهُ (انْعَقَدَتِ الْوِلَايَةُ) لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ إِلَّا ذَلِكَ، فَمَتَى أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَوُجِدَ الْقَبُولُ صَحَّتْ، كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ. وَيَصِحُّ الْقَبُولُ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُلْنَا: هُوَ نَائِبٌ عَنِ الشَّرْعِ كَفَى، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ نَائِبُ مَنْ وَلَّاهُ فَلَا. مَسْأَلَةٌ: تَصِحُّ تَوْلِيَةُ مَفْضُولٍ مَعَ مَوْجُودٍ فَاضِلٍ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ وَكَانَ أَصْلَحَ لِلدِّينِ وَالنَّاسِ. وَإِنْ فَوَّضَ الْإِمَامُ إِلَى إِنْسَانٍ تَوْلِيَةَ الْقَاضِي جَازَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ اخْتِيَارُ نَفْسِهِ وَلَا وَالِدِهِ وَلَا وَلَدِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الصَّدَقَةِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ اخْتِيَارُهُمَا إِذَا كَانَا صَالِحَيْنِ لِلْوِلَايَةِ. (وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ: اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ، وَعَوَّلْتُ عَلَيْكَ، وَوَكَلْتُ إِلَيْكَ، وَأَسْنَدْتُ إِلَيْكَ الْحُكْمَ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ التَّوْلِيَةَ وَغَيْرَهَا، مِنْ كَوْنِهِ يَأْخُذُ بِرَأْيِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَنْصَرِفُ إِلَى التَّوْلِيَةِ (حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا قَرِينَةٌ، نَحْوُ: فَاحْكُمْ، أَوْ فَتَوَلَّ مَا عَوَّلْتُ عَلَيْكَ فِيهِ، وَمَا أَشْبَهَه) ذلك لِأَنَّ هَذِهِ الْقَرِينَةَ تَنْفِي الِاحْتِمَالَ. [الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى لَا تَصِحُّ إِلَّا لِمُسْلِمٍ] 1 فَصْلٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا تَصِحُّ الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى إِلَّا لِمُسْلِمٍ حُرٍّ، ذَكَرٍ، مُكَلَّفٍ، عَدْلٍ، مُجْتَهِدٍ، شُجَاعٍ، مُطَاعٍ، ذِي رَأْيٍ، سَمِيعٍ، بَصِيرٍ، نَاطِقٍ، قُرَشِيٍّ. وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ، وَالِاسْتِيلَاءِ قَهْرًا مَعَ بَقِيَّةِ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ. وَعَنْهُ: لَا يَضُرُّ فِسْقُهُ الْمُقَارِنُ وَجَهْلُهُ. فَإِنْ شَرَطْنَا حِينَ الْبَيْعَةِ عَدَمَ فِسْقِهِ وَجَهْلِهِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِفِسْقِهِ الطَّارِئِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا طَاعَةَ لَهُ فِي مَعْصِيَةٍ. وَمَنْ ثَبَتَتْ وِلَايَتُهُ قَهْرًا زَالَتْ بِهِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَشُرُوطُ الْقَضَاءِ تَنْقُصُ عَنْ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ بِالشَّجَاعَةِ؛ لِسُقُوطِ الْحَرْبِ عَنِ الْقَاضِي، وَحَاجَةِ الْإِمَامِ إِلَيْهِ. وَبِالنَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ الدِّينِيَّةِ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا النَّسَبُ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ عَنِ الرَّعِيَّةِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَوْ خَرَجَ رَجُلٌ عَلَى الْإِمَامِ فَقَهَرَهُ وَغَلَبَ النَّاسَ بِسَيْفِهِ حَتَّى أَقَرُّوا لَهُ وَأَذْعَنُوا بِطَاعَتِهِ وَبَايَعُوهُ صَارَ إِمَامًا يَحْرُمُ قِتَالُهُ وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ خَرَجَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا حَتَّى بَايَعُوهُ طَوْعًا وَكَرْهًا؛ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مِنْ شَقِّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَإِرَاقَةِ دِمَائِهِمْ وَذَهَابِ أَمْوَالِهِمْ. [مَا يُسْتَفَادُ بِالْوِلَايَةِ إِذَا ثَبَتَتْ وَكَانَتْ عَامَّةً] فَصْلٌ (وَإِذَا ثَبَتَتِ الْوِلَايَةُ وَكَانَتْ عَامَّةً) أَيْ: لَمْ تُقَيَّدْ بِنَوْعٍ (اسْتَفَادَ بِهَا النَّظَرَ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَزَادَ عَلَيْهَا وَاحِدًا: وَهُوَ جِبَايَةُ الْخَرَاجِ، وَفِي الْفُرُوعِ وَالزَّكَاةِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَالِاحْتِسَابُ عَلَى الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ وَإِلْزَامُهُمْ بِالشَّرْعِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 الْيَتَامَى وَالْمَجَانِينِ وَالسُّفَهَاءِ، وَالْحَجْرِ عَلَى مَنْ يَرَى الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَالنَّظَرِ فِي الْوُقُوفِ فِي عَمَلِهِ بِإِجْرَائِهَا عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَتَزْوِيجِ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا وَلِيَّ لَهُنَّ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِ عَمَلِهِ بِكَفِّ الْأَذَى عَنْ طرقات الْمُسْلِمِينَ وَأَفْنِيَتِهِمْ، وَتَصَفُّحِ حَالِ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ، وَالِاسْتِبْدَالِ بِمَنْ ثَبَتَ جَرْحُهُ مِنْهُمْ. فَأَمَّا جِبَايَةُ الْخَرَاجِ، وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْوِلَايَةِ لَا حَدَّ لَهُ شَرْعًا، بَلْ يُتَلَقَّى مِنَ اللَّفْظِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ. (فَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَدَفْعِهِ إِلَى رَبِّهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْقَضَاءِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: أَتَذْهَبُ حُقُوقُ النَّاسِ! (وَالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمَجَانِينِ وَالسُّفَهَاءِ) لِأَنَّ بَعْضَهُمْ مُخْتَصٌّ بِنَظَرِ الْحَاكِمِ وَهُوَ السَّفِيهُ، وَبَعْضَهُمْ هُوَ بَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَلِيٌّ فَتَرْكُ نَظَرِهِ فِي مَالِهِ يُؤَدِّي إِلَى ضَيَاعِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلِيٌّ فَتَرْكُ نَظَرِهِ فِي حَالِ الْوَلِيِّ يُؤَدِّي إِلَى طَمَعِهِ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ (وَالْحَجْرِ عَلَى مَنْ يَرَى الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ) لِأَنَّ الْحَجْرَ يَفْتَقِرُ إِلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، فَلِذَلِكَ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ. (وَالنَّظَرِ فِي الْوُقُوفِ فِي عَمَلِهِ بِإِجْرَائِهَا عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو إِلَى إِجْرَائِهَا عَلَى شُرُوطِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا نَاظِرٌ خَاصٌّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. (وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا) لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ. (وَتَزْوِيجِ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا وَلِيَّ لَهُنَّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ.» وَالْقَاضِي نَائِبُهُ. (وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُقِيمُهَا وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ. (وَإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ) وَالْعِيدِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ مَا لَمْ يُخَصَّا بِإِمَامٍ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ أَوِ الْوَاقِفِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَلِأَنَّ الْخُلَفَاءَ كَانُوا يُقِيمُونَهُمَا. (وَالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِ عَمَلِهِ بِكَفِّ الْأَذَى عَنْ طرقات الْمُسْلِمِينَ وَأَفْنِيَتِهِمْ) لِأَنَّهُ مَرْصَدٌ لِلْمَصَالِحِ. (وَتَصَفُّحِ حَالِ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ، وَالِاسْتِبْدَالِ بِمَنْ ثَبَتَ جَرْحُهُ مِنْهُمْ) لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْقَضَاءِ تَوَلِّيهَا، فَعِنْدَ إِطْلَاقِ الْوِلَايَةِ تَنْصَرِفُ إِلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. (فَأَمَّا جِبَايَةُ الْخَرَاجِ وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ) إِذَا لَمْ يُخَصَّا بِعَامِلٍ، قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ. (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) : الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 وَلَهُ طَلَبُ الرِّزْقِ لِنَفْسِهِ وَأُمَنَائِهِ وَخُلَفَائِهِ مَعَ الْحَاجَةِ، فَأَمَّا مَعَ عَدَمِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدُهُمَا: يَدْخُلَانِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْخِصَالِ. الثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَثْبُتْ بِتَوَلِّي الْقَضَاءِ لَهُمَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: فِي الْخَرَاجِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَمِيرُ الْبَلَدِ إِنَّمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْأَدَبِ، وَلَيْسَ إِلَيْهِ الْمَوَارِيثُ وَالْوَصَايَا وَالْفُرُوجُ وَالْحُدُودُ وَالرَّحِمُ، إِنَّمَا ذَلِكَ لِلْقَاضِي، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ بَيِّنَةً فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ حُكْمِهِ، وَتَجِبُ إِعَادَةُ الشَّهَادَةِ لِتَعْدِيلِهَا (وَلَهُ طَلَبُ الرِّزْقِ لِنَفْسِهِ وَأُمَنَائِهِ وَخُلَفَائِهِ مَعَ الْحَاجَةِ) وَرَخَّصَ فِيهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَزَقَ شُرَيْحًا فِي كُلِّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَرَزَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ نِصْفَ شَاةٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِذَا جَازَ لَهُ الطَّلَبُ لِنَفْسِهِ جَازَ لِمَنْ هُوَ فِي مَعْنَاهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا، وَإِنْ كَانَ فَبِقَدْرِ عَمَلِهِ، مِثْلَ مَالِ الْيَتِيمِ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَكْرَهُ الْأُجْرَةَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَلَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ أَجْرًا. (فَأَمَّا مَعَ عَدَمِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . أحدهما: الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ فَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ. وَفَرَضَ عُمَرُ لِزَيْدٍ وَغَيْرِهِ، وَأَمَرَ بِفَرْضِ الرِّزْقِ لِمَنْ تولي مِنَ الْقُضَاةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ فَرْضُ الرِّزْقِ لَتَعَطَّلَتْ وَضَاعَتِ الْحُقُوقُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 فصل وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ، وأَنْ يُوَلِّيَهُ خَاصًّا فِي أَحَدِهِمَا،   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مَنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ، فَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ، فَإِنَّ عُمَرَ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِقَاضِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا. قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ وَلَا يَعْمَلُهُ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ كَالصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْقٌ وَلَيْسَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَقَالَ لِلْخَصْمَيْنِ: لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا حَتَّى تَجْعَلَا لِي جَعْلًا، جَازَ. وَقِيلَ: لَا. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلَّدَ الْقَضَاءُ لِوَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِالْحَقِّ، وَالْحَقُّ لَا يَتَعَيَّنُ فِي مَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ. وَفِي فَسَادِ التَّوْلِيَةِ وَجْهَانِ، كَالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فِي الْبَيْعِ. وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَحْدَهُ صَحَّ، وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ إِمَامٍ غَيْرِهِ، وَمَذْهَبِ غَيْرِ مَنْ وَلَّاهُ إِنْ قَوِيَ عِنْدَهُ دَلِيلُهُ، وَقِيلَ: لَا. وَلِلْإِمَامِ تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ فِي بَلَدِهِ وَفِي غَيْرِهِ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ صَحَّ، وَإِنْ نَهَاهُ فَلَا، وَإِنْ أَطْلَقَ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَ فِي الشَّرْحِ الْجَوَازَ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ فِيمَا لَا يُبَاشِرُهُ مِثْلُهُ عُرْفًا أَوْ يَشُقُّ، فَإِنِ اسْتُخْلِفَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ الِاسْتِخْلَافُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يُولَّ. وَتَشْتَرِطُ أَهْلِيَّةُ النَّائِبِ لِمَا تَوَلَّاهُ. [لِلْحَاكِمِ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَاضِيَ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ] فَصْلٌ (وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ) بِأَنْ يُوَلِّيَهُ الْقَضَاءَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 أَوْ فِيهِمَا. فَيُوَلِّيهِ عُمُومَ النَّظَرِ فِي بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ خَاصَّةً فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي أَهْلِهِ، مَنْ طَرَأَ إِلَيْهِ أَوْ يَجْعَلُ إِلَيْهِ الْحُكْمَ فِي الْمُدَايَنَاتِ خَاصَّةً، أَوْ فِي قَدْرٍ مِنَ الْمَالِ لَا يَتَجَاوَزُهُ، أَوْ يُفَوِّضُ إِلَيْهِ عُقُودَ الْأَنْكِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، يَجْعَلُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ عَمَلًا، فَيَجْعَلُ إِلَى أَحَدِهِمَا الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِلَى الْآخَرِ عُقُودَ الْأَنْكِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا. فَإِنْ جَعَلَ إِلَيْهِمَا عَمَلًا وَاحِدًا جَازَ.   [المبدع في شرح المقنع] وَسَائِرِ الْبُلْدَانِ. (وَأَنْ يُوَلِّيَهُ خَاصًّا فِي أَحَدِهِمَا) بِأَنْ يُوَلِّيَهُ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فِي بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ مِنَ الْمَحَالِّ، وَكَذَا عَكْسُهُ. (أَوْ فِيهِمَا) بِأَنْ يُوَلِّيَهُ الْحُكْمَ فِي الْمُدَايَنَاتِ، أَوْ عُقُودَ الْأَنْكِحَةِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ أَوِ الْمَحَالِّ. (فَيُوَلِّيهِ عُمُومَ النَّظَرِ فِي بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ خَاصَّةً فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي أَهْلِهِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. (مَنْ طَرَأَ إِلَيْهِ) لِأَنَّ الطَّارِئَ يُعْطَى حُكْمَ أَهْلِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الدِّمَاءَ الْوَاجِبَةَ لِأَهْلِ مَكَّةَ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا فِي الطَّارِئِ إِلَيْهَا كَأَهْلِهَا. (أَوْ يَجْعَلُ إِلَيْهِ الْحُكْمَ فِي الْمُدَايَنَاتِ خَاصَّةً أَوْ فِي قَدْرٍ مِنَ الْمَالِ لَا يَتَجَاوَزُهُ، أَوْ يُفَوِّضُ إِلَيْهِ عُقُودَ الْأَنْكِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا) لِأَنَّ الْخِيَرَةَ فِي التَّوْلِيَةِ إِلَى الْإِمَامِ فَكَذَا فِي صِفَتِهَا، وَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي الْكُلِّ، فَكَذَا فِي الْبَعْضِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَنِيبُ أَصْحَابَهُ كُلًّا فِي شَيْءٍ، فَوَلَّى عُمَرَ الْقَضَاءَ، وَبَعَثَ عَلِيًّا قَاضِيًا بِالْيَمَنِ، وَكَانَ يُرْسِلُ بَعْضَهُمْ لِجَمْعِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ. (وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ) مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالنَّظْمِ؛ لِأَنَّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِي قَضَائِهِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْوِكَالَةِ. (قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، يَجْعَلُ إِلَى كُلٍّ وَاحِدٍ عَمَلًا، فَيَجْعَلُ إِلَى أَحَدِهِمَا الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِلَى الْآخَرِ عُقُودَ الْأَنْكِحَةِ) لِأَنَّ الْإِمَامَ كَامِلُ الْوِلَايَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ، إِذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ كَتَوْلِيَةِ الْقَاضِي الْوَاحِدِ. (فَإِنْ جَعَلَ إِلَيْهِمَا عَمَلًا وَاحِدًا جَازَ) صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهَا نِيَابَةٌ فَجَازَ جَعْلُهَا إِلَى اثْنَيْنِ كَالْوَكَالَةِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ خَلِيفَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَالْإِمَامُ أَوْلَى. وعِنْدَ القاضي أَبِي الْخَطَّابِ: (لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوَلِّي، أَوْ عُزِلَ الْمُوَلَّى مَعَ صَلَاحِيَتِهِ، لَمْ تَبْطُلْ وِلَايَتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَتَبْطُلُ فِي الْآخَرِ، وَهَلْ يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ؟ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] يَجُوزُ) لِأَنَّهُمَا قَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي الِاجْتِهَادِ فَتَقِفُ الْحُكُومَةُ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ كُلَّ حَاكِمٍ يَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ. وَيُقَدَّمُ قَوْلُ الطَّالِبِ وَلَوْ عِنْدَ نَائِبٍ، فَإِنْ كَانَا مُدَّعِيَيْنِ اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ بَاقٍ، اعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْحَاكِمَيْنِ مِنْهُمَا مَجْلِسًا، فَإِنِ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى حَاكِمٍ. قَالَ حَرْمَلَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْلَا شُعْبَةُ مَا عُرِفَ الْحَدِيثُ بِالْعِرَاقِ، كَانَ يَجِيءُ إِلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ لَهُ: لِتُحَدِّثْ وَإِلَّا اسْتَعْدَيْتُ عَلَيْكَ السُّلْطَانَ. وَفِي الرِّعَايَةِ: يُقَدَّمُ مِنْهُمَا مَنْ طَلَبَ حُكْمَ الْمُسْتَنِيبِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ تَنَازَعَا أُقْرِعَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنْ كَانَا فِي الْحَاجِزِ كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ، لَيْسَ الْحَاكِمُ فِي وِلَايَةِ أَحَدِهِمَا، فَإِلَى الْوَالِي الْأَعْظَمِ. (وَإِنْ مَاتَ الْمُوَلِّي) بِكَسْرِ اللَّامِ (أَوْ عُزِلَ الْمُوَلَّى) بِفَتْحِهَا (مَعَ صَلَاحِيَتِهِ لَمْ تَبْطُلْ وِلَايَتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا لَوْ عَقَدَ الْوَلِيُّ النِّكَاحَ عَلَى مَوْلَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ أَوْ فَسَخَهُ. (وَتَبْطُلُ فِي الْآخَرِ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فِي الثَّانِيَةِ: لَا، الْأُولَى: كَالْوَكِيلِ، قَالَ عُمَرُ: لَأَعْزِلَنَّ أَبَا مَرْيَمَ، وَأُوَلِّي رَجُلًا إِذَا رَآهُ الْفَاجِرُ فَرِقَهُ. فَعَزَلَهُ وَوَلَّى كَعْبَ بْنَ سُورٍ، وَوَلَّى عَلِيٌّ أَبَا الْأَسْوَدِ ثُمَّ عَزَلَهُ، فَقَالَ: لِمَ عَزَلْتَنِي وَمَا جَنَيْتُ؛ قَالَ: رَأَيْتُكَ يَعْلُو كَلَامُكَ عَلَى الْخَصْمَيْنِ. وَجَزَمَ فِي التَّرْغِيبِ: بِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ فِي أَمْرٍ مُعَيَّنٍ، وَسَمَاعِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِذَا قَالَ الْمُوَلِّي: مَنْ نَظَرَ فِي الْحُكْمِ فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] شَهَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَإِحْضَارِ مُسْتَعِدٍ عَلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ عَزَلَهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَنْعَزِلْ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُلْنَا: الْحَاكِمُ نَائِبُ الشَّرْعِ لَمْ يَنْعَزِلْ، وَإِنْ قُلْنَا: نَائِبُ مَنْ وَلَّاهُ انْعَزَلَ. وَفِي الشَّرْحِ: لَا يَنْعَزِلُ بِالْمَوْتِ، وَهَلْ يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا، وَهُنَا لَا ضَرَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ حَتَّى يُوَلَّى آخَرُ مَكَانَهُ. وَلِهَذَا لَا يَنْعَزِلُ الْوَالِي بِمَوْتِ الْإِمَامِ وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَعَقْدِ وَصِيٍّ، وَنَاظَرَ عَقْدًا جَائِزًا كَوِكَالَةٍ وَشَرِكَةٍ وَمُضَارِبَةٍ. وَمِثْلُهُ كُلُّ عَقْدٍ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، كَوَالٍ وَمَنْ نَصَّبَهُ لِجِبَايَةِ مَالٍ وَصَرْفِهِ، وَأَمْرِ الْجِهَادِ، وَوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْمُحْتَسِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. (وَهَلْ يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْوَكِيلِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ: بِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ كَالْوَكِيلِ، وَالْأَشْهَرُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ قَضَايَا النَّاسِ وَأَحْكَامُهُمْ فَيَشُقُّ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ. تَنْبِيهٌ: إِذَا تَغَيَّرَ حَالُ الْقَاضِي بِزَوَالِ عَقْلٍ أَوْ مَرَضٍ يَمْنَعُهُ مِنَ الْقَضَاءِ أَوِ اخْتَلَّ فِيهِ بَعْضُ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ عَزْلُهُ وَجْهًا وَاحِدًا. وَفِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ يَنْعَزِلُ، فَإِنِ اسْتَخْلَفَ الْقَاضِي خَلِيفَةً فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ كَالْوَكِيلِ، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ فِي الْأَرْضِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَفِيهَا لَهُ عَزْلُ نَائِبِهِ بِأَفْضَلَ مِنْهُ. وَقِيلَ: بِمِثْلِهِ. وَقِيلَ: بِدُونِهِ؛ لِمَصْلَحَةٍ فِي الدِّينِ. وَقَالَ الْقَاضِي: عَزْلُ نَفْسِهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ فِي خَطَأِ الْإِمَامِ، وَفِي الرِّعَايَةِ فِي نَائِبِهِ فِي الْحُكْمِ، وَقِيَمِ الْأَيْتَامِ، وَنَاظِرِ الْوَقْفِ، وَنَحْوِهِ أَوْجُهٌ. ثَالِثُهَا: إِنِ اسْتَخْلَفَهُمْ بِإِذْنِ مَنْ وَلَّاهُ فَلَا. وَرَابِعُهَا: إِنْ قَالَ: اسْتُخْلِفَ عَنْكَ. انْعَزَلُوا. وَإِنْ قَالَ: عَنِّي. فَلَا، وَلَا يَبْطُلُ مَا فَرَضَهُ فَارِضٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي الْأَشْهَرِ. وَمَنْ عُزِلَ أَوِ انْعَزَلَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَلَزِمَهُ إِعْلَامُ وَلِيِّ الْأَمْرِ. فَلَوْ تَابَ الْفَاسِقُ وَحَسُنَ حَالُهُ، أَوْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَهُوَ خَلِيفَتِي، أَوْ قَدْ وَلَّيْتُهُ، لَمْ تَنْعَقِدِ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَنْظُرُ. وَإِنْ قَالَ: وَلَّيْتُ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمْ فَهُوَ خَلِيفَتِي. انْعَقَدَتِ الْوِلَايَةُ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا، عَاقِلًا، حُرًّا، مُسْلِمًا،   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: يَنْعَزِلُ بِهِ، فَهَلْ يَعُودُ قَاضِيًا بِلَا تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَمَنْ أُخْبِرَ بِمَوْتِ قَاضِي بَلَدٍ، وَوَلِيَ غَيْرُهُ فَبَانَ الْأَوَّلُ حَيًّا، لَمْ يَنْعَزِلْ فِي الْأَقْوَى. (وَإِذَا قَالَ الْمُوَلِّي: مَنْ نَظَرَ فِي الْحُكْمِ فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَهُوَ خَلِيفَتِي، أَوْ قَدْ وَلَّيْتُهُ لَمْ تَنْعَقِدِ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَنْظُرُ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَالْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ بِالْوِلَايَةِ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَنْعَقِدَ لِمَنْ نَظَرَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ وِلَايَةَ الْإِمَارَةِ بَعْدَ زَيْدٍ عَلَى شَرْطٍ، فَكَذَا وِلَايَةُ الْحُكْمِ. (وَإِنْ قَالَ: وَلَّيْتُ فُلَانًا وَفُلَانًا فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمَا فَهُوَ خَلِيفَتِي. انْعَقَدَتِ الْوِلَايَةُ) لِمَنْ نَظَرَ لِأَنَّهُ وَلَّاهُمَا جَمِيعًا، ثُمَّ عَيَّنَ السَّابِقَ مِنْهُمَا. [شُرُوطُ الْقَاضِي] فَصْلٌ (وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا) لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَنْعَقِدُ قَوْلُهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا، فَلَأَنْ لَا يُنَفَّذَ فِي غَيْرِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا، وَالْقَاضِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَبَيْنَ الْحَالَيْنِ مُنَافَاةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الْفَرَجِ فِي كُتُبِهِ: بَالِغًا. وَفِي الِانْتِصَارِ فِي صِحَّةِ أَشُدِّهِ لَا يُعْرَفُ فِيهِ رِوَايَةٌ. (ذَكَرًا) وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورِيَّةُ. وَجَوَابُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ نَاقِصَةُ الْعَقْلِ، وَقَلِيلَةُ الرَّأْيِ، لَيْسَتْ أَهْلًا لِحُضُورِ الرِّجَالِ. (حُرًّا) لِأَنَّ الْعَبْدَ مَنْقُوصٌ بِرِقِّهِ، مَشْغُولٌ بِحُقُوقِ سَيِّدِهِ، كَالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، لَكِنْ تَصِحُّ وِلَايَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 سَمِيعًا، بَصِيرًا، مُتَكَلِّمًا، مُجْتَهِدًا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] عَبْدٍ إِمَارَةً سِرِّيَّةً، وَقَسْمُ صَدَقَةٍ وَفَيْءٍ، وَإِمَامَةُ صَلَاةٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقَالَ فِيهِ: بِإِذْنِ سَيِّدٍ. (مُسْلِمًا) لِأَنَّ الْكُفْرَ يَقْتَضِي إِذْلَالَ صَاحِبِهِ، وَالْقَضَاءُ يَقْتَضِي احْتِرَامَهُ، وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي الشَّهَادَةِ، فَكَذَا هُنَا، عَدْلًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فَهَذَا أَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ مَنْ فِيهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ تَائِبًا مِنْ قَذْفٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَوْ فِسْقٍ بِشُبْهَةٍ، فَوَجْهَانِ. (سَمِيعًا) لِأَنَّ الْأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ. (بَصِيرًا) لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَعْرِفُ الْمُدَّعِيَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا الْمُقِرَّ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ. (مُتَكَلِّمًا) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يُمْكِنُهُ النُّطْقُ بِالْحُكْمِ، وَلَا يَفْهَمُ جَمِيعُ النَّاسِ إِشَارَتَهُ. (مُجْتَهِدًا) إِجْمَاعًا، ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ وَلَا لِمُفْتٍ تَقْلِيدُ رَجُلٍ لَا يَحْكُمُ وَلَا يُفْتِي إِلَّا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاقِدُ الِاجْتِهَادِ، إِنَّمَا يَحْكُمُ بِالتَّقْلِيدِ! وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَلِأَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِّيًّا مُقَلِّدًا، فَالْحَاكِمُ أَوْلَى. وَلَكِنْ فِي الْإِفْصَاحِ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى تَقْلِيدِ كُلٍّ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا تَوْلِيَةُ مُجْتَهِدٍ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا عنى بِهِ مَا كَانَتِ الْحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ مَا اسْتَقَرَّ مِنَ هذه الْمَذَاهِبِ. وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ وَمُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ إِمَامِهِ لِلضَّرُورَةِ. وَاخْتَارَ فِي الْإِفْصَاحِ وَالرِّعَايَةِ: أَوْ مُقَلِّدًا. وَقِيلَ: يُفْتِي بِهِ ضَرُورَةً. قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: مَا أَعِيبُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ خَمْسَ مَسَائِلَ لِأَحْمَدَ يُفْتِي بِهَا. وَظَاهِرُ نَقْلِ عَبْدِ اللَّهِ: يُفْتِي غَيْرَ مُجْتَهِدٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى الْحَاجَةِ. فَعَلَى هذا يُرَاعِي أَلْفَاظَ إِمَامِهِ وَمُتَأَخِّرَهَا وَتَقْلِيدَ كِبَارِ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ يَعْرِفُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحَقِيقَةَ والمجاز، وَالْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْمُجْمَلَ وَالْمُبَيَّنَ، وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ، وَالْخَاصَّ وَالْعَامَّ، وَالْمُطْلَقَ   [المبدع في شرح المقنع] وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَحْكُمُ وَلَوِ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ، وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الظَّاهِرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ الْخِلَافُ فِي مُجْتَهِدٍ. (وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ، نَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ أُمِّيًّا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ مَعْرِفَةُ الْكِتَابَةِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ لِيَعْلَمَ مَا يَكْتُبُهُ كَاتِبُهُ فَيَأْمَنَ تَحْرِيفَهُ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَشَرَطَ الْخِرَقِيُّ وَالْحَلَوَانِيَّةُ وَابْنُ رَزِينٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنْ يَكُونَ وَرِعًا، وَقِيلَ: وَزَاهِدًا. وَأَطْلَقَ فِيهِمَا فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا مُغَفَّلًا، وَهُوَ مُرَادٌ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: لَا يَكُونُ بَلِيدًا، وَلَا نَافِيًا لِلْقِيَاسِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تُقِيُّ الدِّينِ: الْوِلَايَةُ لَهَا رُكْنَانِ: الْقُوَّةُ وَالْأَمَانَةُ، فَالْقُوَّةُ فِي الْحُكْمِ تَرْجِعُ إِلَى الْعِلْمِ بِالْعَدْلِ وَتَنْفِيذِ الْحُكْمِ. وَالْأَمَانَةُ تَرْجِعُ إِلَى خَشْيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ، فَالشَّابُّ بِالصِّفَاتِ كَغَيْرِهِ، لَكِنَّ الْأَسَنَّ أَوْلَى، مَعَ التَّسَاوِي يُرَجَّحُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ أَيْضًا. (وَالْمُجْتَهِدُ) مَأْخُوذٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ: وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. (مَنْ يَعْرِفُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحَقِيقَةَ) وَهِيَ: اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي وَضْعٍ أَوَّلَ. (وَالْمَجَازَ) وَهُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ وَضْعٍ أَوَّلَ. زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ. (وَالْأَمْرَ) وَهُوَ: الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ. (وَالنَّهْيَ) وَهُوَ: اقْتِضَاءُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ، لَا بِقَوْلِ كُفَّ. (وَالْمُجْمَلَ) وَهُوَ: مَا لَا يُفْهَمُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 وَالْمُقَيَّدَ، وَالنَّاسِخَ الرافع وَالْمَنْسُوخَ، وَالْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَعْرِفُ مِنَ السُّنَّةِ صَحِيحَهَا مِنْ سَقِيمِهَا وَتَوَاتُرَهَا مَنْ آحَادِهَا وَمُرْسَلَهَا وَمُتَّصِلَهَا، وَمُسْنَدَهَا وَمُنْقَطِعَهَا، مِمَّا لَهُ تُعَلُّقٌ بِالْأَحْكَامِ خَاصَّةً، وَيَعْرِفُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ،   [المبدع في شرح المقنع] مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ. (وَالْمُبَيَّنَ) وَهُوَ: إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي وَالْوُضُوحِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: اسْمٌ جَامِعٌ لِمَعَانٍ مُجْتَمِعَةِ الْأُصُولِ مُتَشَعِّبَةِ الْفُرُوعِ. (وَالْمُحْكَمَ) الْمُتَّضِحَ الْمَعْنَى. (وَالْمُتَشَابِهَ) مُقَابِلُهُ: إِمَّا لِاشْتِرَاكٍ، أَوْ ظُهُورِ تَشْبِيهٍ. (وَالْخَاصَّ) قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ. (وَالْعَامَّ) مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقُ أَجْزَائِهِ. (وَالْمُطْلَقَ) مَا دَلَّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ. (وَالْمُقَيَّدَ) وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ. (وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ) فَهُوَ: الرَّافِعُ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. (وَالْمَنْسُوخَ) وَهُوَ: مَا ارْتَفَعَ شَرْعًا بَعْدَ ثُبُوتِهِ شَرْعًا. (وَالْمُسْتَثْنَى) وَهُوَ الْمُخْرَجُ بِإِلَّا، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ لَفْظٍ شَامِلٍ لَهُ. (وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ) وَهُوَ: الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا دُلَّ عَلَيْهِ بِإِلَّا، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا. (وَيَعْرِفُ مِنَ السُّنَّةِ صَحِيحَهَا) وَهُوَ: مَا نَقَلَهُ الْعَدْلُ الضَّابِطُ عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ شُذُوذٍ وَلَا عِلَّةٍ. (مِنْ سَقِيمِهَا) وَهُوَ مَا لَمْ تُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ كَالْمُنْقَطِعِ وَالْمُنْكَرِ وَالشَّاذِّ وَغَيْرِهَا. (وَتَوَاتُرَهَا) هُوَ: الْخَبَرُ الَّذِي نَقَلَهُ جَمْعٌ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، مُسْتَوِيًا فِي ذَلِكَ طَرَفَاهُ وَوَسَطُهُ. الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي عَدَدٍ، بَلْ يُسْتَدَلُّ بِحُصُولِ الْعِلْمِ عَلَى حُصُولِ الْعَدَدِ، وَالْعِلْمُ الْحَاصِلُ عَنْهُ ضَرُورِيٌّ فِي الْأَصَحِّ مِنْ آحَادِهَا، وَهُوَ مَا عَدَا التَّوَاتُرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ رَاوِيهِ وَاحِدًا، بَلْ كُلُّ مَا لَمْ يَبْلُغِ التَّوَاتُرَ فَهُوَ آحَادٌ. وَمُرْسَلَهَا) وَهُوَ: قَوْلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَمُتَّصِلَهَا) وَهُوَ: مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رُوَاتِهِ سَمِعَهُ مِمَّنْ فَوْقَهُ، سَوَاءٌ كَانَ مَرْفُوعًا أَوْ مَوْقُوفًا، (وَمُسْنَدَهَا) وَهُوَ: مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ مِنْ رَاوِيهِ إِلَى مُنْتَهَاهُ. وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَمُنْقَطِعَهَا) هُوَ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ سَنَدُهُ، عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ الِانْقِطَاعُ. (مِمَّا لَهُ تُعَلُّقٌ بِالْأَحْكَامِ خَاصَّةً) . وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا الْمُتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حِفْظُ خَمْسِمِائَةِ آيَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الْمُعْظَمُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ هُوَ مَنْ يَعْرِفُ الصَّوَابَ بِدَلِيلِهِ، كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَا دَلَالَةٌ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ، فَوَجَبَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 وَالْقِيَاسَ وَحُدُودَهُ وَشُرُوطَهُ، وَكَيْفِيَّةَ اسْتِنْبَاطِهِ، وَالْعَرَبِيَّةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمَا يُوَالِيهِمْ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ وَرُزِقَ فَهْمُهُ، صَلَحَ للفتيا والْقَضَاءِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.   [المبدع في شرح المقنع] لِيُعْرَفَ دَلَالَتُهُ، وَوَقْفُ الِاجْتِهَادِ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ. (وَيَعْرِفُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ) وَهُوَ: اتِّفَاقُ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ عَلَى أَمْرٍ (مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ) . (وَالْقِيَاسُ) وَهُوَ: رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ بِعِلَّةٍ. (وَحُدُودَهُ) عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. (وَشُرُوطَهُ) بَعْضَهَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَصْلِ، وَبَعْضَهَا إِلَى الْفَرْعِ، وَبَعْضَهَا إِلَى الْعِلَّةِ. (وَكَيْفِيَّةَ اسْتِنْبَاطِهِ) عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَحَالِّهَا. (وَالْعَرَبِيَّةَ) هِيَ: الْإِعْرَابُ، أَوِ الْأَلْفَاظُ الْعَرَبِيَّةُ. وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ مِنْ حَيْثُ اخْتِصَاصِهَا بِأَحْوَالٍ هِيَ: الْإِعْرَابُ، لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنَ اللُّغَاتِ. (الْمُتَدَاوَلَةَ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ) وَالْيَمَنِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ. (وَمَا يُوَالِيهِمْ) لِيَعْرِفَ بِهِ اسْتِنْبَاطَ الْأَحْكَامِ مِنْ أَصْنَافِ عُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لَلْفُتْيَا، فَالْحُكْمُ مِثْلُهُ بَلْ أَشَدُّ. (وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ) أَوْ عَلَى أَكْثَرِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ. (وَرُزِقَ فَهْمُهُ، صَلُحَ لَلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ) لِأَنَّ الْعَالِمَ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَوَضْعِهَا فِي مَوَاضِعِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: مَنْ حَصَّلَ أُصُولَ الْفِقْهِ وَفُرُوعَهُ فَمُجْتَهِدٌ، وَلَا يُقَلِّدُ أَحَدًا. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. وَقِيلَ: مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: كَخَوْفِهِ عَلَى خُصُومٍ مُسَافِرِينَ فَوَّتَ رُفْقَتَهُمْ فِي الْأَصَحِّ، وَيَتَحَرَّى الِاجْتِهَادَ فِي الْأَصَحِّ. 1 - مَسَائِلُ: الْأُولَى: تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ، فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ فَاسِقٍ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ إِجْمَاعًا، فَإِنْ فُسِّقَ بِشُبْهَةٍ فَوَجْهَانِ. وَمَا مَنَعَ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ مَنَعَ دَوَامَهَا، وَقِيلَ: الْفِسْقُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ وَدَوَامَهَا، وَفِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى رِوَايَاتٌ: ثَالِثُهَا: يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا لَا دَوَامَهَا، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَا فُقِدَ مِنْهَا فِي الدَّوَامِ أَزَالَ الْوِلَايَةَ، إِلَّا فَقْدَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ، فَإِنَّ وِلَايَةَ حُكْمِهِ بَاقِيَةٌ فِيهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ نَسِيَ الْفِقْهَ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] خَرِسَ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَلَمْ تُفْهَمْ إِشَارَتُهُ، أَوْ فَسَقَ، أَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ مُحَرَّمٍ أَوْ إِغْمَاءٍ، أَوْ عَمِيَ انْعَزَلَ، وَيَلْزَمُ الْمُدَّعِي أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَفْرُغَ لَهُ الْحَاكِمُ مِنْ شُغْلِهِ، وَلَهُ مُلَازَمَةُ غَرِيمِهِ حَتَّى يَفْرُغَ إِنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ حَاضِرَةً أَوْ قَرِيبَةً، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً بَعِيدَةً فَوَجْهَانِ. الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ فُتْيَا مَسْتُورِ الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ قَرَابَةً، أَوْ أَخْرَسَ تُفْهَمُ إِشَارَتُهُ أَوْ كِتَابَتُهُ، أَوْ مَعَ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ، وَقِيلَ: وَعَدَاوَةٍ، وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُفْتِيَ. وَقِيلَ: لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ دُونَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، وَنَحْوِهِمَا. الثَّالِثَةُ: يُحْرَمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفُتْيَا وَاسْتِفْتَاءُ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ، فَإِنْ عُرِفَ مَا سُئِلَ عَنْهُ وَجَوَابُهُ، أَجَابَ سَرِيعًا. وَيُحْرَمُ أَنْ يَتْتَبَعَ الْحِيَلَ الْمُحَرَّمَةَ وَالْمَكْرُوهَةَ وَالتَّرَخُّصَ لِمَنْ أَرَادَ نَفْعَهُ، وَالتَّغْلِيظَ لِمَنْ أَرَادَ ضُرَّهُ، وَإِنْ حَسُنَ قَصْدُهُ فِي حِيلَةٍ لَا شُبَهَ فِيهَا، وَلَا مَفْسَدَةَ لِيَخْلُصَ بِهَا حَالِفًا مِنْ يَمِينِهِ، كَقِصَّةِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَازَ. وَيَحْرُمُ التَّحَيُّلُ لِتَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ بِلَا ضَرُورَةٍ. الرَّابِعَةُ: يُمْنَعُ مِنَ الْفُتْيَا فِي حَالٍ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا فَإِنْ أَفْتَى وَأَصَابَ كُرِهَ وَصَحَّ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَلَهُ أَخْذُ رِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ تَعَيَّنَ أَنَّهُ يُفْتِي وَلَهُ كِفَايَةٌ فَوَجْهَانِ. وَإِنْ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِهَا وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا يَقْطَعُهُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ، فَلَهُ أَخْذُهُ، فَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى فُتْيَاهُ أُجْرَةً، وَمَعَ عَدَمِهِ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ خَطِّهِ لَا فُتْيَاهُ. وَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ رِزْقًا لِيَتَفَرَّغَ لِفَتَاوِيهِمْ جَازَ. وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ إِنْ كَانَتْ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُهُ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ لِنَفْعِهِ بِجَاهِهِ أَوْ مَالِهِ. وَيُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ عَلَى الْأَوْرَعِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ وَإِمْكَانُ تَوْلِيَةِ سِوَاهُ فِي الْأَقْيَسِ، وَلَا يَكْفِيهِ قَوْلُ مَنْ لَمْ تَسْكُنْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ مِنْهُمَا. الْخَامِسَةُ: يَلْزَمُ كُلَّ مُقَلِّدٍ أَنْ يَلْتَزِمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَشْهَرِ، فَلَا يُقَلِّدَ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقِيلَ: ضَرُورَةً، فَإِنِ الْتَزَمَ فِيمَا أَفْتَى بِهِ أَوْ عَمِلَ بِهِ أَوْ ظَنَّهُ حَقًّا أَوْ لَمْ يَجِدْ مُفْتِيًا لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَا تَجُوزُ الْفَتْوَى فِي عِلْمِ الْكَلَامِ بَلْ يُنْهَى السَّائِلُ عَنْهُ، وَالْعَامَّةُ أَوْلَى، وَيُؤْمَرُ الْكُلُّ بِالْإِيمَانِ الْمُجْمَلِ، وَمَا يَلِيقُ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ الْجَزْمُ، وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 فصل وَإِنْ تَحَاكَمَ رَجُلَانِ إِلَى رَجُلٍ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، فَحَكَّمَاهُ بَيْنَهُمَا، نَفَذَ حُكْمُهُ فِي الْمَالِ، والْقِصَاصِ وَالْحَدِّ وَالنِّكَاحِ وَاللِّعَانِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. ذَكَرَهُ أَبُو   [المبدع في شرح المقنع] إِتْيَانُهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ، وَيَجُوزُ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ الظَّنُّ، وَإِثْبَاتُهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، وَالِاجْتِهَادُ فِيهِ، وَلَا اجْتِهَادَ فِي الْقَطْعِيَّاتِ، وَلَا الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ، وَإِنْ نَهَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ عَنِ الْحُكْمِ فِيهَا، فَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. [إِنْ تَحَاكَمَ رَجُلَانِ إِلَى رَجُلٍ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ] فَصْلٌ (وَإِنْ تَحَاكَمَ رَجُلَانِ إِلَى رَجُلٍ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ فَحَكَّمَاهُ بَيْنَهُمَا نَفَذَ حُكْمُهُ) لِمَا رَوَى أَبُو شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قُومِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ عَلَيَّ الْفَرِيقَانِ. فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَحَاكَمَا إِلَيْهِ وَارْتَضَيَا بِهِ، فَلَمْ يَقُلْ بَيْنَهُمَا الْحَقَّ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ» . رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ. وَلَوْلَا أَنَّ حُكْمَهُ يَلْزَمُهُمَا لَمَا لَحِقَهُ هَذَا الذَّمُّ لِأَنَّ عُمَرَ وَأُبَيًّا تَحَاكَمَا إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَتَحَاكَمَ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ إِلَى جُبَيْرٍ. لَا يُقَالُ: إِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا إِمَامَيْنِ فَيَصِيرُ حَاكِمًا مَنْ رَدَّ الْحُكْمَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمَا أَكْثَرُ مِنَ الرِّضَى بِحُكْمِهِ خَاصَّةً، وَذَلِكَ لَا يَصِيرُ الْحُكْمُ إِلَيْهِ قَاضِيًا وَهُوَ حِينَئِذٍ كَحَاكِمِ الْإِمَامِ، وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ إِلَّا فِيمَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ (فِي الْمَالِ وَالْقِصَاصِ وَالْحَدِّ) كَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْوَجِيزِ بِحَدِّ الْقَذْفِ خَاصَّةً (وَالنِّكَاحِ وَاللِّعَانِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عُمُومِ الْأَحَادِيثِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: يَنْفُذُ فِي غَيْرِ فَرَجٍ، كَتَصَرُّفِهِ ضَرُورَةً فِي تَرِكَةِ مَيِّتٍ فِي غَيْرِ فَرَجٍ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 الْخَطَّابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ إِلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً. بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي. يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ، حَلِيمًا ذَا أَنَاةٍ وَفِطْنَةٍ، بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ، وَإِذَا وَلِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، سَأَلَ عَمَّنْ فِيهِ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نُفُوذَ حُكْمِهِ بَعْدَ حُكْمِ حَاكِمِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ إِنْ حَكَّمَ أَحَدُهُمَا خَصْمَهُ أَوْ حَكَّمَا مُفْتِيًا فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ جَازَ، وَأَنَّهُ يَكْفِي وَصْفُ الْقِصَّةِ لَهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِالرِّضَى بِهِ قَبْلَ حُكْمِهِ لِئَلَّا يَجْحَدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا. وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ مِنْهُ جَازَ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَهُ قَبْلَ تَمَامِهِ فَوَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الرِّضَى بِحُكْمِهِ. فَائِدَةٌ: لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِحُكْمِهِ، وَيَلْزَمُ الْحُكَّامَ قَبُولُهُ، وَكِتَابُهُ كَكِتَابِ حَاكِمِ الْإِمَامِ. (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ إِلَّا فِي الْمَالِ خَاصَّةً) هَذِهِ رِوَايَةٌ حَكَاهَا فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ. [بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي] [الْآدَابُ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَحَلَّى بِهَا] بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي الْأَدَبُ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ وَضَمِّهَا، لُغَةً: إِذَا صَارَ أَدَبِيًّا فِي خُلُقٍ أَوْ عِلْمٍ. فَأَدَبُ الْقَاضِي: أَخْلَاقُهُ الَّتِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِهَا، وَالْخُلُقُ صُورَتُهُ الْبَاطِنَةُ. (يَنْبَغِي) أَيْ: يُسَنُّ. (أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ) لِئَلَّا يَطْمَعَ فِيهِ الظَّالِمُ، وَالْعُنْفُ ضِدُّ الرِّفْقِ. (لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ) لِئَلَّا يَهَابَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَظَاهِرُ الْفُصُولِ يَجِبُ ذَلِكَ. (حَلِيمًا) لِئَلَّا يَغْضَبَ مِنْ كَلَامِ الْخَصْمِ، فَيَمْنَعَهُ ذَلِكَ مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، (ذَا أَنَاةٍ) ، الْأَنَاةُ: اسْمُ مَصْدَرٍ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى عَجَلَتِهِ. (وَفِطْنَةٍ) لِئَلَّا يُخْدَعَ كَغَيْرِهِ. (بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ: عَفِيفٌ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 الْفُقَهَاءِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْعُدُولِ. وَيُنْفِذُ عِنْدَ مُسِيرِهِ مَنْ يَعْلَمُهُمْ يَوْمَ دُخُولِهِ لِيَتَلَقَّوْهُ. وَيَدْخُلُ الْبَلَدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوِ الْخَمِيسِ أَوِ السَّبْتِ، لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ، فَيَأْتِي الْجَامِعَ   [المبدع في شرح المقنع] حَلِيمٌ، عَالِمٌ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ، يَسْتَشِيرُ ذَوِي الْأَلْبَابِ، لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَرِعًا لِيُؤْمَنَ مِنْهُ مَعَ ذَلِكَ أَخْذُ مَا لَا يَحِلُّ، عَفِيفًا: هُوَ الَّذِي يَكُفُّ عَنِ الْحَرَامِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَطْمَعُ فِي مَيْلِهِ مَعَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. فَرْعٌ: إِذَا افْتَأَتَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ، فَفِي الْمُغْنِي: لَهُ تَأْدِيبُهُ وَالْعَفْوُ. وَفِي الْفُصُولِ: يَزْجُرُهُ فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: يَنْتَهِرُهُ وَيَصِيحُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ: يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ كَالْإِقْرَارِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْمُتَظَلِّمِينَ عَلَى الْحُكَّامِ وَأَعْوَانِهِمْ، فَجَازَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ. وَلِهَذَا شَقَّ رَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَأَدَّبَهُ بِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ حَقٌّ لَهُ. (وَإِذَا وَلِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ سَأَلَ عَمَّنْ فِيهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْعُدُولِ) لِيَعْرِفَ حَالَهُمْ، حَتَّى يُشَاوِرَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْمُشَاوَرَةِ، وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ. (وَيُنْفِذُ عِنْدَ مَسِيرِهِ مَنْ يَعْلَمُهُمْ يَوْمَ دُخُولِهِ لِيَتَلَقَّوْهُ) لِأَنَّ فِي تَلَقِّيهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَذَلِكَ طَرِيقٌ لِقَبُولِ قَوْلِهِ وَنُفُوذِ أَمْرِهِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَأْمُرُهُمْ بِتَلَقِّيهِ. (وَيَدْخُلُ الْبَلَدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوِ الْخَمِيسِ أَوِ السَّبْتِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي سَبْتِهَا وَخَمِيسِهَا» ، وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ قَدِمَ يَوْمَ الْخَمِيسَ» ، وَلِأَنَّ الِاثْنَيْنَ يَوْمٌ مُبَارَكٌ. وَفِي الْكَافِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ يَوْمَ الْخَمِيسِ. وَذَكَرَ آخَرُونَ يُسْتَحَبُّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَيَوْمَ الْخَمِيسَ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: أَوِ السَّبْتِ. (لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ) أَيْ: أَحْسَنَهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ سُودًا، وَإِلَّا فَالْعِمَامَةُ، فَقَدْ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَكَذَا أَصْحَابُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ غَيْرُ السَّوَادِ أَوْلَى لِلْأَخْبَارِ. وَأَنَّهُ يَدْخُلُ ضَحْوَةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 فَيُصَلِّي فيه رَكْعَتَيْنِ وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ، أَمَرَ بِعَهْدِهِ فَقُرِئَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَ مَنْ يُنَادِي مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَحْضُرْ يَوْمَ كَذَا. ثُمَّ يَمْضِي إِلَى مَنْزِلِهِ، وَيَنْفُذُ فَيَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ مِنَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ. ثُمَّ يَخْرُجُ الْيَوْم الَّذِي وَعَدَ بِالْجُلُوسِ فِيهِ عَلَى أَعْدَلِ أَحْوَالِهِ، غَيْرَ غَضْبَانَ وَلَا جَائِعٍ وَلَا شَبْعَانَ وَلَا حَاقِدٍ وَلَا مَهْمُومٍ بِأَمْرٍ يَشْغَلُهُ عَنِ الْفَهْمِ فَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي مَجْلِسِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] لِاسْتِقْبَالِ الشَّهْرِ، وَلَا يَتَطَيَّرُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ تَفَاءَلَ فَحَسَنٌ. (فَيَأْتِي الْجَامِعَ) لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ أَهْلُ الْبَلَدِ لِلطَّاعَةِ، وَهُوَ أَوْسَعُ الْأَمْكِنَةِ. (فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ» . (وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِأَنَّ خَيْرَ الْمَجَالِسِ مَا استقبل بِهِ الْقِبْلَةَ. (فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَمَرَ بِعَهْدِهِ فَقُرِئَ عَلَيْهِمْ) أَيْ: عَلَى الْحَاضِرِينَ لِيَعْلَمُوا تَوْلِيَتَهُ، وَيَعْلَمُوا احْتِيَاطَ الْإِمَامِ عَلَى اتباع أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَالنَّهْيِ عَنْ مُخَالَفَتِهِ، وَقَدْرَ الْمُوَلَّى عِنْدَهُ، وَيَعْلَمُوا حُدُودَ وِلَايَتِهِ وَمَا فُوِّضَ إِلَيْهِ الْحُكْمُ فِيهَا. (وَأَمَرَ مَنْ يُنَادِي: مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَحْضِرْ يَوْمَ كَذَا،) لِيَعْلَمَ مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فَيَقْصِدَ الْحُضُورَ لِفَصْلِ حَاجَتِهِ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: وَلْيُقِلَّ مِنْ كَلَامِهِ إِلَّا لِحَاجَةٍ لِلْخَبَرِ. (ثُمَّ يَمْضِي إِلَى مَنْزِلِهِ) لِيَسْتَرِيحَ مِنْ نَصَبِ سَفَرِهِ، وَيُعِدَّ أَمْرَهُ وَيُرَتِّبَ نُوَّابَهُ، لِيَكُونَ خُرُوجُهُ عَلَى أَعْدَلِ أَحْوَالِهِ. (وَيَنْفُذُ فَيَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ) بِكَسْرِ الدَّالِّ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. (مِنَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ) وَهُوَ: الدَّفْتَرُ الْمَنْصُوبُ لِيُثْبِتَ حُجَجَ النَّاسِ وَوَثَائِقَهُمْ وَسِجِلَّاتِهِمْ وَوَدَائِعَهُمْ، وَلِأَنَّهُ الْأَسَاسُ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ وَهُوَ فِي يَدِ الْحَاكِمِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَقَدْ صَارَتْ إِلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَلْيَأْمُرْ كَاتِبًا ثِقَةً يُثْبِتُ مَا تَسَلَّمَهُ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ. (ثُمَّ يَخْرُجُ الْيَوْم الَّذِي وَعَدَ بِالْجُلُوسِ فِيهِ عَلَى أَعْدَلِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ غَضْبَانَ، وَلَا جَائِعٍ، وَلَا شَبْعَانَ، وَلَا حَاقِد، وَلَا مَهْمُومٍ بِأَمْرٍ يَشْغَلُهُ عَنِ الْفَهْمِ) لِيَكُونَ أَجْمَعَ لِقَلْبِهِ وَأَبْلَغَ فِي تَيَقُّظِهِ لِلصَّوَابِ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ. صَرَّحَ بِالْغَضَبِ وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. (فَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِ) مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا؛ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 وَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ، وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ، وَيَسْتَعِينُ بِاللَّهِ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُ سِرًّا أَنْ يَعْصِمَهُ مِنَ الزَّلَلِ وَيُوَفِّقَهُ لِلصَّوَابِ وَلِمَا يُرْضِيهِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. وَيَجْعَلُ مَجْلِسَهُ فِي مَكَانٍ فَسِيحٍ كَالْجَامِعِ وَالْفَضَاءِ وَالدَّارِ الْوَاسِعَةِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ السُّنَّةَ سَلَامُ الْمَارِّ عَلَى الْمَمْرُورِ بِهِ. (ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي مَجْلِسِهِ) لِأَنَّ السُّنَّةَ سَلَامُ الدَّاخِلِ عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ. (وَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» . وَالْأَخِيرُ قَالَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ. وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ. (وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ) وَنَحْوِهِ فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي هَيْبَتِهِ وَأَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ وَأَعْظَمُ لِحُرْمَةِ الشَّرْعِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَجْلِسُ عَلَى التُّرَابِ وَلَا عَلَى حَصِيرِ الْمَسْجِدِ. لَكِنْ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ جُلُوسِهِ عَلَى الْبِسَاطِ دُونَ تُرَابٍ وَحَصِيرٍ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَائِهِ، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ أَوْلَى، فَيَكُونُ وَجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنْفَذَ بِسَاطًا أَوْ لَبَّادًا أَوْ حَصِيرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لِيُفْرَشَ لَهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ. وَفِي الْكَافِي: وَيَبْسُطُ تَحْتَهُ شَيْئًا يَجْلِسُ عَلَيْهِ لِيَكُونَ أَوْقَرَ لَهُ. (وَيَسْتَعِينُ بِاللَّهِ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُ سِرًّا أَنْ يَعْصِمَهُ مِنَ الزَّلَلِ وَيُوَفِّقَهُ لِلصَّوَابِ وَلِمَا يُرْضِيهِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ مُطْلَقًا، فَفِي وَقْتِ الْحَاجَةِ أَوْلَى، وَالْقَاضِي أَشَدُّ النَّاسِ إِلَيْهِ حَاجَةً. (ويجعل مَجْلِسَهُ فِي مَكَانٍ فَسِيحٍ كَالْجَامِعِ) وَيَصُونُهُ عَمَّا يُكْرَهُ. (وَالْفَضَاءِ وَالدَّارِ الْوَاسِعَةِ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ إِنْ أَمْكَنَ) لِيَكُونَ ذَلِكَ أَوْسَعَ عَلَى الْخُصُومِ وَأَقْرَبَ إِلَى الْعَدْلِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْقَضَاءُ فِي الْجَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ، لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ السُّنَّةُ. وَالْقَضَاءُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ، فَإِنِ اتَّفَقَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخُصُومِ مَانِعٌ مِنْ دُخُولِهِ كَحَيْضٍ وَكُفْرٍ، وَكَّلَ وَكِيلًا، أَوْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَخْرُجَ فَيُحَاكِمَ إِلَيْهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 وَسَطِ الْبَلَدِ إِنْ أَمْكَنَ. وَلَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا وَلَا بَوَّابًا، إِلَّا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ إِنْ شَاءَ. وَيُعْرَضُ الْقَصَصُ، فَيَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَلَا يُقَدِّمُ السَّابِقَ فِي أَكْثَرَ مِنْ حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ حَضَرُوا دُفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا، قَدَّمَ أَحَدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ. وَيَعْدِلُ بَيْنَ   [المبدع في شرح المقنع] [لَا يَتَّخِذُ الْقَاضِي حَاجِبًا وَلَا بَوَّابًا] (وَلَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا وَلَا بَوَّابًا) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ إِمَامٍ أَوْ وَالٍ يَغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، إِلَّا أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ» . إِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. وَلِأَنَّ الْحَاجِبَ رُبَّمَا قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَ وَأَخَّرَ الْمُتَقَدِّمَ لِغَرَضٍ لَهُ. (إِلَّا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ إِنْ شَاءَ) وَفِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: إِلَّا مِنْ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَدْعُو حَاجَتُهُ إِلَى ذَلِكَ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى الْخُصُومِ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلْحُكُومَةِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا. وَفِي الْمَذْهَبِ: يَتْرُكُهُ نَدْبًا. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الْخُصُومِ إِذَا تَنَازَعُوا إِلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ، وَلَا لَهُ أَنْ يَحْتَجِبَ إِلَّا فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ مَنْ يُرَتِّبُ النَّاسَ. (وَيُعْرَضُ الْقَصَصُ) لِيَقْضِيَ حَوَائِجَ أَصْحَابِهَا. (فَيَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ) كَمَا لَوْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ. (وَلَا يُقَدِّمُ السَّابِقَ فِي أَكْثَرَ مِنْ حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ) لِئَلَّا يَسْتَوْعِبَ الْمَجْلِسَ بِدَعَاوِيهِ فَيَضُرَّ بِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَلِيهِ سَبَقَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدَّعْوَى الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ: يُقَدِّمُ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لِئَلَّا تَضْجَرَ الْبَيِّنَةُ، وَفِي الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ مُتَأَخِّرٍ (فَإِذَا حَضَرُوا دُفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا، قَدَّمَ أَحَدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ) لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لِلتَّرْجِيحِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَكَذَا هُنَا. وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ: يُقَدِّمُ الْمُسَافِرَ الْمُرْتَحِلَ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْمَرْأَةَ فِي حُكُومَاتٍ يَسِيرَةٍ. فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ مِثْلَ الْمُقِيمِينَ أَوْ أَقَلَّ وَفِي تَقْدِيمِهِمْ ضَرَرٌ اعْتُبِرَ رِضَى الْمُقِيمِينَ، وَقِيلَ: إِنْ كَانُوا مِثْلَهُمْ أَوْ أَكْثَرَ سَوَّى بَيْنَهُمْ، فَإِنِ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ حَضَرَ قَبْلَ الْآخَرِ لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ، فَهَلْ يُقَدِّمُ الْحَاكِمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، أَوْ يَصْرِفُهُمَا حَتَّى يَتَّفِقَا، أَوْ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ؛ فِيهِ أَوْجُهٌ. وَالِاعْتِبَارُ بِسَبْقِ الْمُدَّعِي، لَكِنْ لَوْ قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَ أَوْ عَكَسَ، صَحَّ قَضَاؤُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. [الْعَدْلُ بَيْنَ الْخُصُومِ] (وَيَعْدِلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) لُزُومًا فِي الْأَصَحِّ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 الْخَصْمَيْنِ فِي لَحْظِهِ وَلَفْظِهِ وَمَجْلِسِهِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا، فَيُقَدِّمُ الْمُسْلِمَ عَلَيْهِ فِي الدُّخُولِ، وَيَرْفَعُهُ فِي الْجُلُوسِ. وَقِيلَ: يُسَوِّي بَيْنَهُمَا. وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا، وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ، وَلَا يُعَلِّمُهُ كَيْفَ يَدَّعِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي   [المبدع في شرح المقنع] (فِي لَحْظِهِ وَلَفْظِهِ وَمَجْلِسِهِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ قَضَاةُ الْبَصْرَةِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنِ ابْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ فِي لَفْظِهِ وَإِشَارَتِهِ وَمَقْعَدِهِ، وَلَا يَرْفَعَنَّ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مَا لَا يَرْفَعُهُ عَلَى الْآخَرِ» . وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَعَدْلِكَ، حَتَّى لَا يَيْأَسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِكَ، وَلَا يَطْمَعَ الشَّرِيفُ فِي حَيْفِكَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الْهُذَلِيِّ، وَهُوَ وَاهٍ. وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَفْهَمْ حُجَّتَهُ فَيُؤَدِّي إِلَى ظُلْمِهِ وَانْكِسَارِ قَلْبِهِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ ذَلِكَ يُسَنُّ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا فَيُقَدِّمَ الْمُسْلِمَ عَلَيْهِ فِي الدُّخُولِ، وَيَرْفَعَهُ فِي الْجُلُوسِ) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ. لِمَا رَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: وَجَدَ عَلِيٌّ دِرْعَهُ مَعَ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: دِرْعِي سَقَطَتْ وَقْتَ كَذَا. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: دِرْعِي فِي يَدِي، وَبَيْنِي وَبَيْنَكَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ. فَارْتَفَعَا إِلَى شُرَيْحٍ فَلَمَّا رَآهُ شُرَيْحٌ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَجَلَسَ مَعَ الْيَهُودِيِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْتُ مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجْلِسِ» . وَإِسْنَادُهُ فِيهِ ضَعْفٌ. وَإِظْهَارًا لِشَرَفِ الْإِسْلَامِ. (وَقِيلَ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْعَدْلَ يَقْتَضِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِحَدِيثِ عَلِيٍّ، وَهُوَ وَاجِبُ التَّقْدِيمِ لِأَنَّهُ خَاصٌّ، وَالْخَاصُّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: يُفَضَّلُ عَلَيْهِ دُخُولًا، وَأَمَّا جُلُوسًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ. (وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا) لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ، وَرُبَّمَا أَدَّى إِلَى ضَعْفِهِ عَنْ إِقَامَةِ حُجَّتِهِ. (وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ) لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يُضِيفُهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَكَ خَصْمٌ؛ قَالَ: نَعَمُ. قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 الْآخَرِ يَجُوزُ لَهُ تَحْرِيرُ الدَّعْوَى لَهُ إِذَا لَمْ يُحْسِنُ تَحْرِيرَهَا. وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ إِلَى خَصْمِهِ لِيُنْظِرَهُ، أَوْ لِيَضَعَ عَنْهُ، أَوْ يَزِنَ عَنْهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ   [المبدع في شرح المقنع] تَحَوَّلْ عَنَّا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُضَيِّفُوا أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إِلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ» . وَفِي الْكَافِي: لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ. (وَلَا يُعَلِّمُهُ كَيْفَ يَدَّعِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِمَا فِيهِ مِنِ الْإِعَانَةِ عَلَى خَصْمِهِ وَكَسْرِ قَلْبِهِ (وَفِي الْآخَرِ: يَجُوزُ لَهُ تَحْرِيرُ الدَّعْوَى لَهُ إِذَا لَمْ يُحْسِنُ تَحْرِيرَهَا) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى خَصْمِهِ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ تَعْلِيمِهِ تَسَبُّبًا إِلَى تَأْخِيرِ حَقِّهِ، وَعَدَمِ الْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَرِيمِهِ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يُسَوِّي بَيْنَ خَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِهِ، وَلِحْظِهِ وَلَفْظِهِ، وَلَوْ ذِمِّيًّا فِي وَجْهٍ. فَرْعٌ: مَا لَزِمَ ذِكْرُهُ فِي الدَّعْوَى مِنْ شَرْطٍ أَوْ سَبَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا إِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ أَنَّ الْحَاكِمَ يَسْأَلُ عَنْهُ لِيَذْكُرَهُ وَيُحَرِّرَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا. (وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ إِلَى خَصْمِهِ لِيُنْظِرَهُ، أَوْ يَضَعَ عَنْهُ، أَوْ يَزِنَ عَنْهُ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ مُعَاذًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمَهُ لِيُكَلِّمَ غُرَمَاءَهُ، فَلَوْ تَرَكُوا الْأَخْذَ لَتَرَكُوا لِمُعَاذٍ لِأَجْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. مُرْسَلٌ جَيِّدٌ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ «أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُمْ فَاعْطِهِ» . قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا حُكْمٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ مَنْعَ وَزْنِهِ عَنْهُ. وَفِي سُؤَالِ الْوَضْعِ عَنْهُ رِوَايَةٌ، ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ. فَرْعٌ: إِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا رَدَّ عَلَيْهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: يَصْبِرُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِمَا مَعًا إِلَّا أَنْ يَتَمَادَى عُرْفًا. وَقِيلَ: يُكْرَهُ قِيَامُهُ لَهُمَا. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: سُنَّةُ الْقَاضِي أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ. [إِحْضَارُ الْقَاضِي الْفُقَهَاءَ فِي مَجْلِسِهِ] (وَيَنْبَغِي) أَيْ: يُسَنُّ (أَنْ يَحْضُرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 إِنْ أَمْكَنَ وَيُشَاوِرُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ، فَإِنِ اتَّضَحَ لَهُ حُكْمٌ، وَإِلَّا أَخَّرَهُ، وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا حَاقِنٌ، وَلَا فِي شِدَّةِ الْجُوعِ   [المبدع في شرح المقنع] مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ إِنْ أَمْكَنَ) حَتَّى إِذَا حَدَثَتْ حَادِثَةٌ، سَأَلَهُمْ عَنْهَا لِيَذْكُرُوا أَدِلَّتَهُمْ فِيهَا، وَجَوَابَهُمْ عَنْهَا فَإِنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى اجْتِهَادِهِ، وَأَقْرَبُ إِلَى صَوَابِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ افْتِئَاتًا عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِمَا يُخَالِفُ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا. (وَيُشَاوِرُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] «وَقَدْ شَاوَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، وَشَاوَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ، وَعُمَرُ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ، وَشَاوَرَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ» ، وَلَا مُخَالِفَ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ. وَالْمُشَاوَرَةُ هُنَا لِاسْتِخْرَاجِ الْأَدِلَّةِ وَيُعْرَفُ الْحَقُّ بِالِاجْتِهَادِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَحْسَنَهُ لَوْ فَعَلَهُ الْحُكَّامُ، يُشَاوِرُونَ وَيَنْتَظِرُونَ. (فَإِنِ اتَّضَحَ لَهُ حَكَمَ) وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَأْخِيرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْحَقِّ عَنْ مَوْضِعِهِ. (وَإِلَّا أَخَّرَهُ) حَتَّى يَتَّضِحَ الْحَقُّ فَيَحْكُمَ بِهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْقَضَاءِ بِالْجَهْلِ. [لَا يُقَلِّدُ الْقَاضِي غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ] (وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْمُجْتَهِد لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ كَالْمُجْتَهِدِينَ فِي الْقِبْلَةِ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ، قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا يَدْرِي عُمَرُ أَصَابَ الْحَقَّ أَمْ أَخْطَأَ. وَلَوْ كَانَ حَكَمَ بِحُكْمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ هَذَا. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: لَا تُقَلِّدْ أَمْرَكَ أَحَدًا، وَعَلَيْكَ بِالْأَثَرِ. وَقَالَ أَحْمَدُ للْفَضْل بْن زِيَادٍ: لَا تُقَلِّدْ دِينَكَ الرِّجَالَ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُوا أَنْ يَغْلَطُوا. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ مُسَافِرًا يَخَافُ فَوْتَ رُفْقَتِهِ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ، وَإِنْ فَوَّضَهُ إِلَى مَنِ اتَّضَحَ لَهُ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ صَحَّ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْهُمْ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 وَالْعَطَشِ، وَالْهَمِّ، وَالْوَجَعِ، وَالنُّعَاسِ، وَالْبَرْدِ الْمُؤْلِمِ، وَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ، فَإِنْ خَالَفَ وَحَكَمَ فَوَافَقَ الْحَقَّ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ، وَقِيلَ: إِنْ عَرَضَ ذَلِكَ بَعْدَ فَهْمِ الْحُكْمِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْتَشِيَ، وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إِلَّا مِمَّنْ كَانَ   [المبدع في شرح المقنع] وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ كَانَتِ الْعِبَادَةُ مِمَّا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا كَالصَّلَاةِ فَعَلَهَا بِحَسَبِ حَالِهِ وَيُعِيدُ إِذَا قَدَرَ، كَمَنَ عَدِمَ الطَّهُورَيْنِ فَلَا ضَرُورَةَ إِلَى التَّقْلِيدِ، وَلِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُهُ، وَهُوَ التَّقْلِيدُ بِخَوْفِ فَوْتِ وَقْتِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَذِيِّ: إِذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا أَعْرِفُ فِيهَا خَبَرًا قُلْتُ فِيهَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ إِمَامٌ عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَالَمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا» . فَرْعٌ: إِذَا حَكَمَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ حَكَمَ بِالْحَقِّ لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. [لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ] (وَلَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ) غَضَبًا كَثِيرًا، لِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَمَلَهُ الْغَضَبُ عَلَى الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ، وَفِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا: «إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَلَا حَاقِنٌ، وَلَا فِي شِدَّةِ الْعَطَشِ وَالْجُوعِ، وَالْهَمِّ، وَالْوَجَعِ، وَالنُّعَاسِ، وَالْبَرْدِ الْمُؤْلِمِ، وَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ) قِيَاسًا عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ: شَهْوَةُ نِكَاحٍ، وَكَسَلٌ، وَحُزْنٌ، وَخَوْفٌ، وَفَرَحٌ غَالِبٌ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ حُضُورَ الْقَلْبِ وَاسْتِيفَاءَ الْفِكْرِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْغَالِبِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى الْغَضَبِ. (فَإِنْ خَالَفَ وَحَكَمَ فَوَافَقَ الْحَقَّ نَفَذَ حُكْمُهُ) فِي الْأَصَحِّ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ لِلزُّبَيْرِ فِي شِرَاحِ الْحَرَّةِ وَهُوَ غَضْبَانُ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ) لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. (وَقِيلَ: إِنْ عَرَضَ ذَلِكَ بَعْدَ فَهْمِ الْحُكْمِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا) لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَمْنَعُ مِنَ الْحُكْمِ مَعَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِشْغَالِ الْفَهْمِ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِيمَا إِذَا عَرَضَ بَعْدَ فَهْمِ الْحُكْمِ، مَوْجُودٌ فِيمَا إِذَا عَرَضَ قَبْلَهُ، وَلِغَضَبِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَضِيَّةِ الزُّبَيْرِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي أَحْكَامِهِ: بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْحُكْمِ فِي حَالِ الْغَضَبِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يَشْغَلُ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ أَبِي بَكْرَةَ وَالزُّبَيْرِ. لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ حَالَةَ غَضَبِهِ. [لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْتَشِيَ وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ] (وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْتَشِيَ) ، الرَّشْوَةُ: بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهَا، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَادَا فِي الْحُكْمِ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَزَادَ وَالرَّايِشَ، يَعْنِي: الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا بِهَا. فَإِنْ رَشَاهُ عَلَى وَاجِبٍ، أَوْ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ، فَقَالَ عَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَانِعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ مَالَهُ كَمَا يَسْتَفِيدُ الرَّجُلُ أَسِيرَهُ. (وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ) لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هِدَايَةُ الْعُمَّالِ غُلُولٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَعَنْهُ قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ. فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ، فَيَجِيءُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي، أَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؛ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا نَبْعَثُ أَحَدًا مِنْكُمْ فَيَأْخُذُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ عَفْرَةَ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَتِ الْهَدِيَّةُ فِيمَا مَضَى هَدِيَّةً، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَهِيَ رَشْوَةٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 يَهْدِي إِلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ حُكُومَةٌ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي ذَلِكَ مَنْ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ. وَيُسْتَحَبُّ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: فَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ: الْهَدِيَّةُ تَفْقَأُ عَيْنَ الْحَكَمِ. (إِلَّا مِمَّنْ كَانَ يَهْدِي إِلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونُ لَهُ حُكُومَةٌ) لِأَنَّ التُّهْمَةَ مُنْتَفِيَةٌ، لِأَنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ الِاسْتِمَالَةِ، أَوْ مِنْ أَجْلِ الْحُكُومَةِ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّنَزُّهُ عَنْهَا، وَفِي الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ: إِنَّهُ إِنْ أَحَسَّ أَنَّهُ يُقَدِّمُهَا بَيْنَ يَدَيْ حُكُومَةٍ، أَوْ أَنَّهُ فَعَلَهَا حَالَ الْحُكُومَةِ، أَنَّهُ يَحْرُمُ أَخْذُهَا. قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْأَوْلَى الْوَرَعُ عَنْهَا فِي غَيْرِ حَالِ الْحُكُومَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ لِحُكُومَةٍ مُنْتَظَرَةٍ. تَنْبِيهٌ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ أَوْ قَبِلَ هَدِيَّةً، فَقِيلَ: تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ. وَقِيلَ: تُرَدُّ إِلَى مَالِكِهَا، قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. وَقِيلَ: يَمْلِكُ بِتَعْجِيلِهِ الْمُكَافَأَةَ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: هَدِيَّةُ الْعَامِلِ لِلصَّدَقَاتِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، فَدَلَّ أَنَّ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الرَّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَجْهَيْنِ. قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ شَيْئًا، يُرْوَى: هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ، وَالْحَاكِمُ خَاصَّةً لَا أُحِبُّهُ لَهُ، إِلَّا مِمَّنْ كَانَ لَهُ بِهِ خُلْطَةٌ وَصِلَةٌ وَمُكَافَأَةٌ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ. [تَوَلِّي الْقَاضِي الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ] (وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ) خُصُوصًا بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ فَيُحَابَى، فَيَكُونُ كَالْهَدِيَّةِ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ عَنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أَوْ شَقَّ جَازَ لِقَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي ذَلِكَ مَنْ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ) لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ، وَجَعَلَهَا الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ كَهَدِيَّةِ الْوَالِي. سَأَلَهُ حَرْبٌ: هَلْ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي أَنْ يَتَّجِرَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ شَدَّدَ فِي الْوَالِي. [يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي عِيَادَةُ الْمَرْضَى وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ وَحُضُورُ الْوَلَائِمِ] (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ عِيَادَةُ الْمَرْضَى وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ، مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنِ الْحُكْمِ) لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ، وَقَدْ وَعَدَ الشَّارِعُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا عَظِيمًا، فَيَدْخُلُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ. وَلَهُ حُضُورُ الْبَعْضِ ; لِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 لَهُ عِيَادَةُ الْمَرْضَى وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ، مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنِ الْحُكْمِ. وَلَهُ حُضُورُ الْوَلَائِمِ، وَإِنْ كَثُرَتْ تَرَكَهَا كُلَّهَا، وَلَمْ يُجِبْ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. وَيُوصِي الْوُكَلَاءَ وَالْأَعْوَانَ عَلَى بَابِهِ بِالرِّفْقِ بِالْخُصُومِ، وَقِلَّةِ الطَّمَعِ. وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونُوا شُيُوخًا أَوْ كُهُولًا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ. وَيَتَّخِذُ كَاتِبًا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا عَدْلًا حَافِظًا عَالِمًا   [المبدع في شرح المقنع] هَذَا يَفْعَلُهُ لِنَفْعِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْوَلَائِمِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَيُوَدِّعُ الْغَازِيَ وَالْحَاجَّ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَشْغَلَهُ حُضُورُ ذَلِكَ عَنِ الْحُكْمِ فَلَا ; لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْفَصْلِ بَيْنَ الْخُصُومِ وَمُبَاشَرَةَ الْحُكْمِ أَوْلَى. (وَلَهُ حُضُورُ الْوَلَائِمِ) كَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِحُضُورِهَا. (وَإِنْ كَثُرَتْ تَرَكَهَا كُلَّهَا) لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عَنِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ، لَكِنَّهُ يَسْأَلُهُمُ التَّحْلِيلَ وَيَعْتَذِرُ. (وَلَمْ يُجِبْ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ) أَيْ: بِلَا عُذْرٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كَسْرًا لِقَلْبِ مَنْ لَمْ يُجِبْهُ، إِلَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِعُذْرٍ يمنعه مِنْ مُنْكَرٍ أَوْ بُعْدٍ أَوِ اشْتِغَالٍ بِهَا زَمَنًا طَوِيلًا، فَلَهُ الْإِجَابَةُ لِأَنَّ عُذْرَهُ طَاعَةٌ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُكْرَهُ مُسَارَعَتُهُ إِلَى غَيْرِ وَلِيمَةِ عُرْسٍ، مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حُضُورُهَا. وَفِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ، وَقَدَّمَ: لَا يَلْزَمُهُ حُضُورُ وَلِيمَةِ عُرْسٍ، وَذَكَرَ لَهُ الْقَاضِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ حضور وَلِيمَة عُرْسٍ. وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُهَا. وَقِيلَ: إِنْ وَجَبَتْ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ. فَرْعٌ: لَوْ تَضَيَّفَ رَجُلًا، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَجُوزُ. وَفِي الْفُنُونِ: لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ. [يُوصِي الْقَاضِي الْوُكَلَاءَ وَالْأَعْوَانَ عَلَى بَابِهِ بِالرِّفْقِ بِالْخُصُومِ] (وَيُوصِي الْوُكَلَاءَ وَالْأَعْوَانَ عَلَى بَابِهِ بِالرِّفْقِ بِالْخُصُومِ وَقِلَّةِ الطَّمَعِ) تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى الْفِعْلِ الْجَمِيلِ اللَّائِقِ بِمَجَالِسِ الْحُكَّامِ وَالْقُضَاةِ (وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونُوا شُيُوخًا أَوْ كُهُولًا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ) لِأَنَّ فِي ضِدِّ ذَلِكَ ضَرَرًا بِالنَّاسِ، فَيَجِبُ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِمَا يَزُولُ بِهِ الضَّرَرُ عَنْهُمْ، وَالْكُهُولُ وَالشُّيُوخُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ ; لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَأْتِيهِ النِّسَاءُ وَفِي اجْتِمَاعِ الشَّبَابِ بِهِنَّ ضَرَرٌ. (وَيَتَّخِذُ كَاتِبًا) أَيْ: يُبَاحُ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُسَنُّ ; لِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 يُجْلِسُهُ بِحَيْثُ يُشَاهِدُ مَا يَكْتُبُهُ، وَيَجْعَلُ الْقِمَطْرَ مَخْتُومًا بَيْنَ يَدَيْهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَحْكُمَ إِلَّا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ. وَلَا يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ، وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ. وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بَعْضُ خُلَفَائِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ ذَلِكَ.   [المبدع في شرح المقنع] - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَكْتَبَ زَيْدًا وَغَيْرَهُ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ تَكْثُرُ أَشْغَالُهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ جَازَ، وَالْأَوْلَى الِاسْتِنَابَةُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ السَّامَرِيِّ: أَنَّهُ لَا يُتَّخَذُ إِلَّا مَعَ الْحَاجَةِ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ (مُسْلِمًا) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} [آل عمران: 118] ، (مُكَلَّفًا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَالْفَاسِقِ. (عَدْلًا) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَوْضِعُ أَمَانَةٍ. (حَافِظًا عالما) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِعَانَةً عَلَى أَمْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ عَارِفًا قَالَهُ فِي الْكَافِي لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا أَفْسَدَ مَا يَكْتُبُهُ بِجَهْلِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ مَا فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ وَرِعًا نَزِهًا جَيِّدَ الْخَطِّ. (يُجْلِسُهُ بِحَيْثُ يُشَاهِدُ مَا يَكْتُبُهُ) أَيْ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْلِسَهُ بِحَيْثُ يُشَاهِدُ مَا يَكْتُبُهُ ; لِأَنَّهُ أَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ وَأَمْكَنُ لِإِمْلَائِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَعَدَ نَاحِيَةً جَازَ ; لِأَنَّ مَا يَكْتُبُهُ يُعْرَضُ عَلَى الْحَاكِمِ. مَسْأَلَةٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ حَاسِبًا ; لِأَنَّهُ عَمَلُهُ وَبِهِ يُقَسَّمُ، فَهُوَ كَالْخَطِّ لِلْكَاتِبِ، وَالْعِفَّةِ لِلْحَاكِمِ. (وَيَجْعَلُ الْقِمَطْرَ) هُوَ: بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ، أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ الَّذِي تُصَانُ فِيهِ الْكُتُبُ. (مَخْتُومًا بَيْنَ يَدَيْهِ) لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهُ مِنْ أَنْ يُغَيَّرَ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَحْكُمَ إِلَّا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ) لِيَسْتَوْفِيَ بِهِمُ الْحُقُوقَ وَيُثْبِتَ بِهِمُ الْحُجَجَ وَالْمَحَاضِرَ، وَيَحْرُمُ تَعْيِينُهُ قَوْمًا بِالْقَبُولِ ; لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ. (وَلَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ) أَيْ: لَا يُنَفِّذُ حُكْمَهُ لِنَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهَا، وَيَتَحَاكَمُ هُوَ وَخَصْمُهُ إِلَى قَاضٍ آخَرَ أَوْ بَعْضِ خُلَفَائِهِ ; لِأَنَّ عُمَرَ حَاكَمَ أُبَيًّا إِلَى زَيْدٍ، وَحَاكَمَ عُثْمَانُ طَلْحَةَ إِلَى جُبَيْرٍ. (وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ) ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعًا كَشَهَادَتِهِ لَهُ. (وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بَعْضُ خُلَفَائِهِ) لِزَوَالِ التُّهْمَةِ. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ ذَلِكَ) هَذَا رِوَايَةٌ فِي الْمُبْهِجِ، وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 فَصْلٌ وَأَوَّلُ من يَنْظُرُ فِيهِ أَمْرُ الْمُحَبَّسِينَ، فَيَبْعَثُ ثِقَةً إِلَى الْحَبْسِ فَيَكْتُبُ اسْمَ كُلِّ مَحْبُوسٍ وَمَنْ حَبَسَهُ وَفِيمَ حَبَسَهُ فِي رُقْعَةٍ مُنْفَرِدَةٍ، ثُمَّ يُنَادى فِي الْبَلَدِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْمَحُبَّسِينَ غَدًا، فَمَنْ لَهُ فيهم خَصْمٌ فَلْيَحْضُرْ فَإِذَا كَانَ الْغَدُ، وَحَضَرَ   [المبدع في شرح المقنع] وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَالْأَجَانِبِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَصْمُ مِنْهُمْ أَوْ أَجْنَبِيًّا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بَيْنَ وَالِدَيْهِ أَوْ وَلَدَيْهِ لَمْ يَجُزْ فِي الْأَشْهَرِ. وَقِيلَ: بَلَى ; لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَهُ فَارْتَفَعَتْ تُهْمَةُ الْمَيْلِ، وَلَهُ اسْتِخْلَافُ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ كَحُكْمِهِ لِغَيْرِهِ بِشَهَادَتِهِمَا، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَأَبُو الْوَفَا. وَزَادَ: إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِمَا مِنْ ذَلِكَ تُهْمَةٌ وَلَمْ يُوجَبْ لَهُمَا بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا رِيبَةٌ لَمْ تَثْبُتْ بِطَرِيقِ التَّزْكِيَةِ. وَقِيلَ: لَا، فَإِذَا صَارَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ حَاكِمًا حَكَمَ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. فَرْعٌ: لَا يَحْكُمُ، وَقِيلَ: لَا يُفْتِي عَلَى عَدُوِّهِ، وَجَوَّزَ الْمَاوَرْدِيُّ الشَّافِعِيُّ حُكْمَهُ عَلَى عَدُوِّهِ ; لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ. وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي عَمُودَيْ نِسْبَةٍ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ لَا يَحْكُمُ عَلَى عَدُوِّهِ كَالشَّهَادَةِ، وَلَا نَقْلَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَمَنَعَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ كَالشَّهَادَةِ. [يَسْتَحِبُّ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَمْرِ الْمَسَاجِينِ أَوَّلًا] فَصْلٌ (وَأَوَّلُ مَنْ يَنْظُرُ فِيهِ أَمْرُ الْمَحَبَّسِينَ) لِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ، وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْبَقَاءَ فِيهِ، فَاسْتُحِبَّ الْبَدَاءَةُ بِهِمْ. (فَيَبْعَثُ ثِقَةً إِلَى الْحَبْسِ فَيَكْتُبُ اسْمَ كُلِّ مَحْبُوسٍ وَمَنْ حَبَسَهُ وَفِيمَ حَبَسَهُ فِي رُقْعَةٍ مُنْفَرِدَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَالِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلِئَلَّا يَتَكَرَّرَ بِكِتَابَتِهِ فِي رُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ النَّظَرُ فِي حَالِ الْأَوَّلِ مِنْهَا فَالْأَوَّلِ، بَلْ يُخْرِجُ وَاحِدَةً مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْقُرْعَةِ. (ثُمَّ يُنَادِي فِي الْبَلَدِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْمَحْبُوسِينَ غَدًا فَمَنْ لَهُ فِيهِمْ خَصْمٌ فَلْيَحْضُرْ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِعْلَامًا بِيَوْمِ جُلُوسِ الْقَاضِي. وَفِي الشَّرْحِ: أَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 الْقَاضِي أَحْضَرَ رُقْعَةً، فَقَالَ: هَذِهِ رُقْعَةُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، فَمَنْ خَصْمُهُ؛ فَإِنْ حَضَرَ خَصْمُهُ نَظَرَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ حُبِسَ فِي تُهْمَةٍ أَوِ افْتِئَاتٍ عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ، خَلَّى سَبِيلَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] الْقَاضِيَ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْبَلَدِ بِذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَنَّهُ يَجْعَلُ الرِّقَاعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَمُدُّ يَدَهُ إِلَيْهَا فَمَا رُفِعَ فِي يَدِهِ مِنْهَا نَظَرَ إِلَى اسْمِ الْمَحْبُوسِ، وَقِيلَ: يَخُصُّهُ بِقُرْعَةٍ. (فَإِذَا كَانَ الْغَدُ وَحَضَرَ الْقَاضِي أَحْضَرَ رُقْعَةً، فَقَالَ: هَذِهِ رُقْعَةُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، فَمَنْ خَصْمُهُ؟) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحُكْمُ إِلَّا بِذَلِكَ. (فَإِنْ حَضَرَ خَصْمُهُ نَظَرَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ لِذَلِكَ وُلِّيَ، وَلَا يُسْأَلُ خَصْمَهُ لِمَ حَبَسْتَهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَاكِمَ إِنَّمَا حَبَسَهُ لِحَقٍّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَسْأَلُ الْمَحْبُوسَ لِمَ حُبِسْتَ؛ فَإِنْ قَالَ: جِئْتُ بِحَقٍّ أَمَرَهُ بِقَضَائِهِ. طَلَبَهُ وَخَصَمَهُ، فَإِنْ أَبَى وَلَهُ مَوْجُودٌ قَضَاهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ كَالْمُدَّعَى بِهِ. وَفِي الشَّرْحِ: قَالَ لَهُ الْقَاضِي: اقْضِهِ وَإِلَّا رَدَدْتُكَ إِلَى الْحَبْسِ. فَإِنِ ادَّعَى عَجْزًا وَكَذَّبَهُ خَصْمُهُ، أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ بِتَلَفِهِ أَوْ نَفَادِهِ أَوْ عَجْزِهِ أَوْ عُسْرَتِهِ، أُعِيدَ حَبْسُهُ إِنْ طَلَبَهُ غَرِيمُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ قَضَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ مَوْجُودِهِ أَوْ ثَمَنِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أُعِيدَ حَبْسُهُ بِطَلَبِ غَرِيمِهِ. وَقِيلَ: إِنْ حَلَفَ خَصْمُهُ أَنَّهُ قَادِرٌ حَبَسَهُ. وَإِلَّا حَلَفَ الْمُنْكِرُ عَلَى التَّلَفِ وَالْإِعْسَارِ، وَخُلِّيَ كَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ. وَإِنْ صَدَّقَهُ غَرِيمُهُ فِي عَجْزِهِ وَإِعْسَارِهِ، أَوْ ثَبَتَ بَيِّنَةٌ أُطْلِقَ بِلَا يَمِينٍ. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ ; لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِالظَّاهِرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ لَا يَعْلَمُهُ. وَإِنْ أَقَامَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً بِأَنَّ لَهُ مِلْكًا مُعَيَّنًا، فَقَالَ: هُوَ لِزَيْدٍ. فَكَذَّبَهُ زَيْدٌ، بِيعَ فِي الدَّيْنِ ; لِأَنَّ إِقْرَارَهُ سَقَطَ بِإِكْذَابِهِ. وَكَذَا إِنْ صَدَّقَهُ زَيْدٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ لِصَاحِبِ الْيَدِ بِالْمِلْكِ، فَتَضَمَّنَتْ شَهَادَتُهَا وُجُوبَ الْقَضَاءِ مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ قُبِلَتْ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ ; لِأَنَّهَا حَقُّ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي إِقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ يُثْبِتُ الْإِقْرَارَ وَيُسْقِطُ الْبَيِّنَةَ ; لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لِمَنْ لَا يَدَّعِيهِ وَيُنْكِرُهُ. فَإِنْ صَدَّقَهُ زَيْدٌ وَلَهُ بَيِّنَةٌ فَهُوَ لَهُ ; لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ قَوِيَتْ بِإِقْرَارِ صَاحِبِ الْيَدِ. وَإِنْ عِلْمَ رَبُّ الدَّيْنِ عُسْرَتَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ حَبْسُهُ، وَوَجَبَ إِنْظَارُهُ إِلَى يُسْرَتِهِ. (فإِنْ كَانَ حُبِسَ فِي تُهْمَةٍ أَوِ افْتِئَاتٍ عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ خَلَّى سَبِيلَهُ) ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ ظُلْمٌ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّأْدِيبُ، وَقَدْ حَصَلَ. وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ: أَنَّ الْحَاكِمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ، وَقَالَ: حُبِسْتُ ظُلْمًا، وَلَا حَقَّ عَلَيَّ، وَلَا خَصْمَ لِي. نَادَى بِذَلِكَ ثَلَاثًا، فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ، وَإِلَّا أَحْلَفَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ. ثُمَّ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْأَيْتَامِ   [المبدع في شرح المقنع] إِنْ شَاءَ خَلَّاهُ، وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى، فَإِطْلَاقُهُ بِإِذْنِهِ وَلَوْ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَنَفَقَةٍ، فَيَرْجِعُ، وَوَضَعَ مِيزَابَ بِنَاءٍ وَغَيْرِهِ وَأَمَرَهُ بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ، ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَقُرْعَتُهُ وَإِطْلَاقُ مَحْبُوسٍ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ إِنْ كَانَ. وَمِثْلُهُ: تَقْدِيرُ مُدَّةِ حَبْسِهِ، وَالْمُرَادُ إِذَا لَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَأْذَنْ بِحَبْسِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: حُبِسْتُ لِتَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ. أُعِيدَ حَبْسُهُ فِي الْأَصَحِّ، إِنْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ وَكَانَ الْأَوَّلُ قَدْ حَكَمَ بِهِ، وَإِلَّا نَادَى أَنَّهُ حَكَمَ بِإِطْلَاقِهِ. وَكَذَا إِنْ قُلْنَا: لَا يُحْبَسُ فِي ذَلِكَ وَصَدَّقَهُ خَصْمُهُ. فَإِنْ قَالَ الْخَصْمُ: الْحَاكِمُ قَدْ عَرَفَ عَدَالَةَ شُهُودِي وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ. قَبِلَ قَوْلَهُ. وَإِنْ قَالَ: حُبِسْتُ لِتَكْمِيلِ الْبَيِّنَةِ. فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: حُبِسْتُ لِتَعْدِيلِهَا. وَإِنْ قَالَ: حُبِسْتُ فِي ثَمَنِ كَلْبٍ أَوْ خَمْرٍ أَرَقْتُهُ لِذِمِّيٍّ. وَصَدَّقَهُ خَصْمُهُ أَطْلَقَهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّ الثَّانِيَ يُنَفِّذُ حُكْمَ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُ حُكْمِ غَيْرِهِ بِاجْتِهَادِهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ: يَتَوَقَّفُ وَيَجْتَهِدُ فِي الْمُصَالَحَةِ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ. وَإِنْ قَالَ خَصْمُهُ: حُبِسْتُ بِحَقٍّ غَيْرِ هَذَا. صُدِّقَ لِلظَّاهِرِ. وَإِنْ قَالَ: خَصْمِي غَائِبٌ وَوَكِيلُهُ، وَأَنَا مَظْلُومٌ. كَتَبَ إِلَيْهِ لِيَحْضُرَ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُحَاكِمُهُ أُطْلِقَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُطْلَقَ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ جُهِلَ مَكَانُهُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَضْمَنَ عَلَيْهِ وَيُطْلَقَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْكَفِيلُ أَطْلَقَهُ إِذَا أَيِسَ مِنْ خَصْمٍ لَهُ وَكَفِيلٍ. (وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ، وَقَالَ: حُبِسْتُ ظُلْمًا، وَلَا حَقَّ عَلَيَّ وَلَا خَصْمَ لِي. نَادَى بِذَلِكَ ثَلَاثًا فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ) نَظَرَ بَيْنَهُمَا. (وَإِلَّا أَحْلَفَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خَصْمٌ لَظَهَرَ. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. تَنْبِيهٌ: فِعْلُهُ حُكْمٌ، كَتَزْوِيجِ يَتِيمَةٍ، وَشِرَاءِ عَيْنٍ غَائِبَةٍ، وَعَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلَّفُ فِي الْأَخِيرَةِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ الْأزَجِيُّ فِيمَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، وَقُلْنَا يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُقِرُّ لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ. وَفِي التَّعْلِيقِ وَالْمُحَرَّرِ: فِعْلُهُ حُكْمٌ إِنْ حَكَمَ بِهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وِفَاقًا لَفُتْيَاهُ، فَإِذَا قَالَ: حَكَمْتُ بِصِحَّتِهِ. نَفَذَ حُكْمُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. وَسَبَقَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: الْحَاكِمُ لَيْسَ هُوَ الْفَاسِخَ، وَإِنَّمَا يَأْذَنُ أَوْ يَحْكُمُ بِهِ، فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى حُكْمٍ بِصِحَّتِهِ، لَكِنْ لَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 وَالْمَجَانِينِ وَالْوُقُوفِ. ثُمَّ فِي حَالِ الْقَاضِي قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لَمْ يَنْقَضْ مِنْ أَحْكَامِهِ إِلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ وَسُنَّة أَوْ إِجْمَاعًا. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا   [المبدع في شرح المقنع] عَقَدَ هُوَ أَوْ فَسَخَ فَهُوَ فِعْلُهُ. وَهَلْ فِعْلُهُ حُكْمٌ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ. مَسَائِلُ: حُكْمُهُ بِشَيْءٍ حَكَمٌ بِلَازِمِهِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي أَحْكَامِ مَفْقُودٍ. وَثُبُوتُ شَيْءٍ عِنْدَهُ لَيْسَ حُكْمًا بِهِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي صِفَةِ السِّجِلِّ. وَتَنْفِيذُ الْحُكْمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ، قَالَهُ شَيْخُنَا ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَمَلٌ بِالْحُكْمِ وَإِجَازَةٌ لَهُ وَإِمُضَاءٌ، كَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ. [النَّظَرُ فِي أَمْرِ الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ وَفِي حَالِ الْقَاضِي قَبْلَهُ] (ثُمَّ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ وَالْوُقُوفِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ الْمُطَالَبَةَ، لِأَنَّ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ لَا قَوْلَ لَهُمَا، وَأَرْبَابُ الْوُقُوفِ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يَتَعَيَّنُونَ. وَيَنْظُرُ أَيْضًا فِي الْوَصَايَا الَّتِي لَيْسَ لَهَا نَاظِرٌ مُعَيَّنٌ. فَلَوْ نَفَّذَ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ لَمْ يَعْزِلْهُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَةُ أَهْلِيَّتِهِ، لَكِنْ يُرَاعِيهِ، فَدَلَّ أَنَّ إِثْبَاتَ صِفَةٍ كَعَدَالَةٍ وَجَرْحٍ وَأَهْلِيَّةِ وَصِيَّةٍ وَغَيْرِهَا حُكْمٌ. (ثُمَّ فِي حَالِ الْقَاضِي قَبْلَهُ) وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ قَضَايَا مَنْ قَبْلَهُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا: أَنَّهُ يَجِبُ. قِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ النَّظَرَ فِي حَالِ مَنْ قَبْلَهُ. (فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لَمْ يَنْقُضْ مِنْ أَحْكَامِهِ إِلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ) مُتَوَاتِرَةً كَانَتْ أَوْ آحَادًا، كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ فَيَلْزَمُ نَقْضُهُ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَقِيلَ: مُتَوَاتِرًا. وَكَذَا يَنْقُضُ حُكْمَ مَنْ جَعَلَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فِي الْأَصَحِّ. (أَوْ إِجْمَاعًا) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حِكَمٌ أَصْلًا. وَقِيلَ: وَلَوْ ظَنِّيًّا. وَقِيلَ: وَقِيَاسًا جَلِيًّا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُنْقَضُ إِذَا خَالَفَ مَا ذُكِرَ ; لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَمْ يُصَادِفْ شَرْطَهُ فَوَجَبَ نَقْضُهُ، لِأَنَّ شَرْطَ الِاجْتِهَادِ عَدَمُ مُخَالَفَةِ مَا ذُكِرَ، وَلِأَنَّهُ إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَّطَ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ كَافِرَيْنِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. وَفِي الْمُغْنِي: أَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَنْقُضُهُ إِلَّا بِمُطَالَبَتِهِ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى -. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 يَصْلُحُ، نَقَضَ أَحْكَامَهُ وَإِنْ وَافَقَتِ الصَّحِيحَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْقُضَ الصَّوَابَ مِنْهَا. وَإِنِ اسْتَعْدَاهُ أحد عَلَى خَصْم لَهُ أَحْضَرَهُ. وَعَنْهُ: لَا يُحْضِرُهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاه   [المبدع في شرح المقنع] وَكَذَا يَنْقُضُ حُكْمَهُ بِمَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ وِفَاقًا. وَفِي الْإِرْشَادِ: هَلْ يَنْقُضُ بِمُخَالَفَةِ صَحَابِيٍّ يَتَوَجَّهُ نَقْضُهُ إِنْ قِيلَ بِحُجِّيَّتِهِ كَالنَّصِّ. فَرْعٌ: إِذَا حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، لَمْ يَنْقُضْ. ذَكَرُهُ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعًا. قَالَ سَعِيدٌ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ، وَيَنْزِلُ الْقُرْآنُ بِغَيْرِ مَا قَضَى، فَيَسْتَقْبِلُ حُكْمَ الْقُرْآنِ وَلَا يَرُدُّ قَضَاءَهُ الْأَوَّلَ» . هَذَا مُرْسَلٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَنْقُضُ، وَإِذَا تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الْوَاقِعَةِ فَتَغَيَّرَ الْقَضَاءُ بِهَا، لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْقَضَاءِ الْأَوَّلِ، بَلْ رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ ; لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا فِيهَا، وَالْمُخَالَفَةُ فِي قَضِيَّةِ نَقْضٍ مَعَ الْعِلْمِ. (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ نَقَضَ أَحْكَامَهُ وَإِنْ وَافَقَتِ الصواب) فِي الْأَشْهَرِ فِي الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَضَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ لِفَقْدِ شَرْطِ الْقَضَاءِ فِيهِ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْقُضَ الصَّوَابَ مِنْهَا) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ الْحَقَّ وَصَلَ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ. فَرْعٌ: إِذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ، حَكَمَ بِمَا يُغَيِّرُ اجْتِهَادَهُ إِلَيْهِ، وَكَذَا إِنْ بَانَ فِسْقُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَنْقُضْهُ. فَائِدَةٌ: يَنْظُرُ فِي أُمَنَاءِ الْحَاكِمِ قَبْلَهُ، فَمَنْ فَسَقَ عَزَلَهُ، وَيَضُمُّ إِلَى الضَّعِيفِ أَمِينًا وَلَهُ إِبْدَالُهُ، ثُمَّ فِي الضَّوَالِّ وَاللُّقَطَةِ. [إِنِ اسْتَعْدَاهُ عَلَى الْقَاضِي خَصْمٌ لَهُ] (وَإِنِ اسْتَعْدَاهُ أحد عَلَى خَصْم لَهُ) حَاضِرٌ بِمَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ، (أَحْضَرَهُ) لُزُومًا فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا ; لِأَنَّ ضَرَرَ فَوَاتِ الْحَقِّ أَعْظَمُ مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ. وَلِلْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ أَنْ يُوكِلَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إِنْ كَرِهَ الْحُضُورَ، وَلَوْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ أَوْ حَاكِمٌ لِيَحْضُرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ حَيْثُ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ إِحْضَارُهُ بِطَلَبٍ مِنْهُ لَزِمَهُ الْحُضُورُ. (وَعَنْهُ: لَا يُحْضِرُهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاه أَصْلًا) . رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَبْذِيلِ أَهْلِ الْمَرُوءَاتِ وَإِهَانَةِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ. وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 أَصْلًا. وَإِنِ اسْتَعْدَاهُ عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ سَأَلَهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ، فَإِنْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ رِشْوَةٍ رَاسَلَهُ. فَإِنِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ أَمْرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ تَبْذِيلِي. فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا، أَحْضَرَهُ وَإِلَّا فَهَلْ يُحْضِرُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: حَكَمَ عَلَيَّ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، فَأَنْكَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَإِنْ قَالَ الْحَاكِمُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُسْتَوْعِبِ: إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يُعَامِلُهُ، لَا يُحْضِرُهُ حَتَّى يُحَرِّرَ دَعْوَاهُ. وَهَذِهِ رِوَايَةٌ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَمَتَى لَمْ يَحْضُرْ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي تَخَلُّفِهِ، وَإِلَّا أَعْلَمَ الْوَالِيَ بِهِ، فَإِذَا حَضَرَ فَلَهُ تَأْدِيبُهُ. (وَإِنِ اسْتَعْدَاهُ عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ سَأَلَهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ) أَيْ: يَعْتَبِرُ تَحْرِيرَ الدَّعْوَى فِي حَقِّهِ. (فَإِنْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ رِشْوَةٍ، رَاسَلَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى اسْتِخْلَاصِ الْحَقِّ، لِمَا فِي إِحْضَارِهِ مِنْ الِامْتِهَانِ وَتَسْلِيطِ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يُؤْمَنُ مَعَهُ امْتِنَاعُ وُصُولِ الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي مُرَاسَلَةً بَلْ يُحْضِرُهُ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (فَإِنِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ) لِأَنَّ الْحَقَّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بِاعْتِرَافِهِ. (وَإِنْ أَنْكَرَ وَقَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ تَبْذِيلِي. فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا أَحْضَرَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى اسْتِخْلَاصِ حَقِّ الْمُسْتَعْدِي. (وَإِلَّا فَهَلْ يُحْضِرُهُ؛) إِذَا لَمْ يَعْلَمُ. (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) سَبَقَتَا. (وَإِنْ قَالَ: حَكَمَ عَلَيَّ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ) عَمْدًا (فَأَنْكَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: قَوْلُ الْحَاكِمِ. (بِغَيْرِ يَمِينٍ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ لَتَطَرَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إِلَى إِبْطَالِ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ. وَالْيَمِينُ تَجِبُ لِلتُّهْمَةِ، وَالْقَاضِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. وَقِيلَ: تَجِبُ يَمِينُهُ لِإِنْكَارِهِ. لَكِنْ إِنْ قَالَ: حَكَمْتُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: حَكَمَ عَلَيَّ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ أَوْ عَدُوَّيْنِ، أَوْ جَارَ عَلَيَّ فِي الْحُكْمِ. وَلَهُ بَيِّنَةٌ أَحْضَرَهُ، أَوْ وَكِيلَهُ، وَحَكَمَ بِهَا. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَفِي إِحْضَارِهِ قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يُحْضِرُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَعْتَرِفَ، وَكَمَا لَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ فِيهِ امْتِهَانًا، وَأَعْدَاءُ الْقَاضِي كَثِيرَةٌ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ فَاعْتَرَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ قَبِلَ قَوْلَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَهُ ظُلْمًا، فَهَلْ يُحْضِرُهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ فَاعْتَرَفَ، حَكَمَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا قَبِلَ قَوْلَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ. (وَإِنْ قَالَ الْحَاكِمُ الْمَعْزُولُ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 الْمَعْزُولُ: كُنْتُ حَكَمْتُ فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِحَقٍّ. قَبْلَ قَوْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقْبَلَ. وَإِنِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ غَيْرِ بَرْزَةٍ، لَمْ يُحْضِرْهَا وَأَمَرَهَا بِالتَّوْكِيلِ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ أَرْسَلَ إِلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا. وَإِن ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ عَنِ الْبَلَدِ فِي مَوْضِعٍ لَا   [المبدع في شرح المقنع] كُنْتُ حَكَمْتُ فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِحَقٍّ. قَبِلَ قَوْلَهُ) إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَسُوغُ لَهُ الْحُكْمُ، نَصَّ عَلَيْهِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: مَا لَمْ يُتَّهَمْ، لِأَنَّ عَزْلَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ، كَمَا لَوْ كَتَبَ كِتَابًا إِلَى قَاضٍ آخَرَ ثُمَّ عُزِلَ، وَوَصَلَ الْكِتَابُ بَعْدَ عَزْلِهِ، لَزِمَ الْمَكْتُوبَ إِلَيْهِ قَبُولُ كِتَابِهِ بَعْدَ عَزْلِ كَاتِبِهِ، وَلِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا حَكَمَ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ أَشْبَهَ حَالَ وِلَايَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يُقْبَلُ قَوْلَهُ مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى إِبْطَالِ حُكْمِ حَاكِمٍ. وَهُوَ حَسَنٌ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقْبَلَ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ إِذَا كَانَ مَعَهُ شَاهِدٌ آخَرُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْبَلُ إِلَّا شَاهِدَانِ سِوَاهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ. كَقَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ وَكَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ. فَأَمَّا إِنْ قَالَ فِي حَالِ وِلَايَتِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ، لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الْحُكْمَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ، كَالزَّوْجِ إِذَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى كَذَا وَكَذَا فَحَكَمَ بِهِ قُبِلَ. وَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا قَالَ: حَكَمْتُ بِعِلْمِي، أَوْ بِالنُّكُولِ، أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ. قُبِلَ. وَإِنْ قَالَ: حَكَمْتُ. وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى بَيِّنَةٍ وَلَا غَيْرِهَا قُبِلَ. [إِنِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ غَيْرِ بَرْزَةٍ] (وَإِنِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ غَيْرِ بَرْزَةٍ) أَيْ: لَيْسَتْ مُعْتَادَةً أَنْ تَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهَا. (لَمْ يُحْضِرْهَا) لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ. (وَأَمَرَهَا بِالتَّوْكِيلِ) لِأَجْلِ فَصْلِ الْخُصُومَةِ، وَلِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهَا فَلَا تَبْتَذِلُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ. (وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ أَرْسَلَ إِلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا) لِأَنَّ إِحْضَارَهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَالْيَمِينُ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَهَذَا طَرِيقُهُ. فَيَبْعَثُ أَمِينًا مَعَهُ شَاهِدَانِ فَيَسْتَحْلِفُهَا بِحَضْرَتِهِمَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي: إِنَّ الْحَاكِمَ يَبْعَثُ مَنْ يَقْضِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَرِيمِهَا فِي دَارِهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 حَاكِمَ فِيهِ، كَتَبَ إِلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا، قِيلَ: لِلْخَصْمِ: حَقِّقْ مَا تَدَّعِيهِ، ثُمَّ يُحْضِرُهُ، وَإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ.   [المبدع في شرح المقنع] لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ» الْخَبَرَ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ أَسْتُرُ. وَرُبَّمَا مَنَعَهَا الْحَيَاءُ مِنَ النُّطْقِ بِحُجَّتِهَا سِيَّمَا مَعَ جَهْلِهَا بِالْحُجَّةِ. وَذَكَرَ السَّامَرِيُّ: أَنَّهُ يُخَيِّرُ. وَأَطْلَقَ فِي الِانْتِصَارِ النَّصَّ فِيهَا، وَاخْتَارَهُ إِنْ تَعَذَّرَ الْحَقُّ بِدُونِ حُضُورِهَا، وَإِلَّا لَمْ يُحْضِرْهَا. وَأَطْلَقَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ إِحْضَارَهَا ; لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ، وَالْمُدَّةُ يَسِيرَةٌ كَسَفَرِهَا مِنْ مَحَلَّةٍ إِلَى مَحَلَّةٍ. وَحُكْمُ الْمَرِيضِ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ السَّعْيُ وَالْحَرَكَةُ. فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ بَرْزَةً، أَيْ: تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا غَيْرَ مُخَدَّرَةٍ فَإِنَّهُ يُحْضِرُهَا. وَلَا يُعْتَبَرُ لِخُرُوجِهَا مَحْرَمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ. [إِنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ عَنِ الْبَلَدِ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ] (وَإِنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ عَنِ الْبَلَدِ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ، كَتَبَ إِلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمَا) ، نَقُولُ: إِذَا اسْتَعْدَى عَلَى غَائِبٍ فِي غَيْرِ وِلَايَةِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْدِيَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ فِي وِلَايَتِهِ وَلَهُ هُنَاكَ خَلِيفَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ عِنْدَهُ، وَكَتَبَ إِلَى خَلِيفَتِهِ وَلَمْ يُحْضِرْهُ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ نَفَذَ إِلَى خَصْمِهِ لِيُحَاكِمَهُ عِنْدَ خَلِيفَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَلِيفَةٌ كَانَ فِيهِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ أَذِنَ لَهُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْ يَصْلُحُ بَعَثَ إِلَى ثِقَةٍ يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى قَطْعِ الْخُصُومَةِ، مَعَ عَدَمِ الْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ بِالْإِحْضَارِ. (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا) أَيْ: إِذَا تَعَذَّرَ أَوْ أَبَى الْخَصْمَانِ قَبُولَ ذَلِكَ. (قِيلَ لِلْخَصْمِ: حرر مَا تَدَّعِيهِ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيهِ لَيْسَ بِحَقٍّ عِنْدَهُ، كَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ، وَقِيمَةِ الْكَلْبِ، فَلَا يُكَلَّفُ الْحُضُورَ، لِمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ مَعَ الْمَشَقَّةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْحَاضِرِ. (ثُمَّ يُحْضِرُهُ، وَإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَةِ، وَقَدْ تَعَيَّنَ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: لِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَعَنْهُ: لِدُونِ يَوْمٍ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ وَزَادَ: بِلَا مُؤْنَةٍ وَمَشَقَّةٍ. وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا يُحْضِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ حَتَّى تَتَحَرَّرَ دَعْوَاهُ. وَفِيهِ يَتَوَقَّفُ إِحْضَارُهُ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، إِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ. قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُحْضِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَهُ مَا ادَّعَاهُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 بَابُ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ. إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ الخَصْمَانِ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: مَنِ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؛ وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا. فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى قَدَّمَهُ. وَإِنِ ادَّعَيَا مَعًا، قَدَّمَ أَحَدَهُمَا بِالْقُرْعَةِ. فَإِذَا   [المبدع في شرح المقنع] ادعي قَبْلَهُ شَهَادَة لَمْ تُسْمَعْ وَلَمْ يُعَدْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُحَلَّفْ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُهَا وَلَا أُؤَدِّيهَا. فَظَاهِرٌ، وَلَوْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا ادَّعَى بِهِ. إِنْ قِيلَ: كِتْمَانُهَا مُوجِبٌ لِضَمَانِ مَا تَلَفَ، وَلَا يَبْعُدُ، كَمَا يَضْمَنُ مَنْ تَرَكَ الْإِطْعَامَ الْوَاجِبَ. وَكَوْنُهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ لِفِسْقِهِ بِكِتْمَانِهِ لَا يَنْفِي ضَمَانَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ] [سَمَاعُ الْخَصْمَيْنِ مَعًا] بَابُ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ. طَرِيقُ كُلِّ شَيْءٍ: مَا تُوُصِّلَ بِهِ إِلَيْهِ. وَالْحُكْمُ: الْفَصْلُ. (إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ الْخَصْمَانِ) الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ، أَوْ يُجْلِسُهُمَا لِذَلِكَ. لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْخَصْمَيْنِ يَقْعُدَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنُ لِلْحَاكِمِ مِنَ الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِمَا وَالنَّظَرِ فِي خُصُومَتِهِمَا. وَفِي الرِّعَايَةِ: إِذَا جَاءَهُ خَصْمَانِ فَجَلَسَا بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ أَجْلَسَهُمَا حَاجِبُهُ، أَوْ أَذِنَ لَهُمَا الْحَاكِمُ بِذَلِكَ، أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ إِنْ كَانَا شَرِيفَيْنِ أَوْ كَبِيرَيْنِ. (فَلَهُ أَنْ يَقُولَ مَنِ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا) لِأَنَّ كَلَامَهُ يَسْتَدْعِي طَالِبًا لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَقِيلَ: بَلْ يَسْكُتُ حَتَّى يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا. وَيَقُولُ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِهِ: مَنِ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟ إِنْ سَكَتَا جَمِيعًا، وَلَا يَقُولُ الْحَاكِمُ وَلَا حَاجِبُهُ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا: تَكَلَّمْ ; لِأَنَّ فِي إِفْرَادِهِ بِذَلِكَ تَفْضِيلًا لَهُ وَتَرْكًا لِلْإِنْصَافِ. (فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى قَدَّمَهُ) ، لِأَنَّ لِلسَّابِقِ حَقُّ تَقَدُّمٍ، فَلَوْ قَالَ الْخَصْمُ: أَنَا الْخَصْمُ. لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ. (وَإِنِ ادَّعَيَا مَعًا قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ) هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهَا مُرَجَّحَةٌ عِنْدَ الِازْدِحَامِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 انْقَضَتْ حُكُومَتُهُ، سَمِعَ دَعْوَى الْآخَرِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْخَصْمِ: مَا تَقُولُ فِيمَا ادَّعَاهُ؛ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَمْلِكُ سُؤَالَهُ حَتَّى يَقُولَ الْمُدَّعِي: اسْأَل سُؤَالَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ، لَمْ يَحْكُمْ حَتَّى يُطَالِبَهُ الْمُدَّعِي بِالْحُكْمِ. وَإِنْ أَنْكَرَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي: أَقْرَضْتُهُ   [المبدع في شرح المقنع] بِدَلِيلِ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ. وَقِيلَ: مَنْ شَاءَ الْحَاكِمُ قَدَّمَ مِنْهُمَا. وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَقِيلَ: يُؤَخِّرُهُمَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَنِ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا. (فَإِذَا انْقَضَتْ حُكُومَتُهُ سَمِعَ دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّ التَّزَاحُمَ قَدْ زَالَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا عَلِيُّ إِذَا جَلَسَ إِلَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْمَعَ شَكِيَّةَ أَحَدٍ إِلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ، هَكَذَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ثُمَّ يَقُولُ لِلْخَصْمِ: مَا تَقَوُلُ فِيمَا ادَّعَاهُ؟) قَدَّمَهُ وَصَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يَقْتَضِي ذَلِكَ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ سُؤَالَهُ حَتَّى يَقُولَ الْمُدَّعِي: اسْأَل سُؤَالَهُ عَنْ ذَلِكَ؟) هَذَا وَجْهٌ كَالْحُلْمِ. (فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ) سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ السُّؤَالِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ وَلَكِنْ (لَمْ يَحْكُمْ له حَتَّى يُطَالِبَهُ الْمُدَّعِي بِالْحُكْمِ) ذَكَرَهُ السَّامَرِيُّ وَالْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ حَقٌّ لَهُ، فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إِلَّا بِمَسْأَلَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ. وَاخْتَارَ جَمْعٌ: لَهُ الْحُكْمُ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْمُدَّعِي. وَهُوَ الظَّاهِرُ ; لِأَنَّ الْحَالَ يَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِ، فَاكْتَفَى بِهَا كَمَا اكْتَفَى فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، الْجَوَابُ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُ مُطَالَبَةَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ، فَيَتْرُكُ مُطَالَبَتَهُ لِجَهْلِهِ فَيَضِيعُ حَقُّهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَائِهِ، فَاشْتِرَاطُهُ يُنَافِي ظَاهِرَ حَالِهِمْ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إِذَا أَقَرَّ فَقَدْ ثَبَتَ، وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى قَوْلِهِ: قَضَيْتُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِخِلَافِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ ; لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِاجْتِهَادِهِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ الْحَاكِمُ: يَسْتَحِقُّ عَلَيْكَ كَذَا. فَقَالَ: نَعَمْ. لَزِمَهُ، ذِكْرُهُ فِي الْوَاضِحِ. (وَإِنْ أَنْكَرَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي: أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا، أَوْ بِعْتُهُ. فَيَقُولَ: مَا أَقْرَضَنِي، وَلَا بَاعَنِي، أَوْ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ. صَحَّ الجواب) لِنَفْيِهِ عَيْنَ مَا ادَّعَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 أَلْفًا، أَوْ بِعْتُهُ. فَيَقُولُ: مَا أَقْرَضَنِي، وَلَا بَاعَنِي، أَوْ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ. صَحَّ الجواب. وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ: لِي بَيِّنَةٌ وإِنْ لَمْ يَقُلْ، قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ. أَمَرَهُ بِإِحْضَارِهَا فَإِذَا أَحْضَرَهَا، سَمِعَهَا   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: (لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: (مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَاهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ) وَهَذَا مَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِسَبَبِ الْحَقِّ. فَلَوِ ادَّعَتْ مَنْ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْمَهْرَ، فَقَالَ: لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا. لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ، وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إِنْ لَمْ يَقُمْ بَيِّنَةٌ بِإِسْقَاطِهِ ; لِجَوَابِهِ فِي دَعْوَى قَرْضٍ اعْتَرَفَ بِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا. وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّتْ فِي مَرَضِهَا: لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ. لَمْ تُقْبَلْ إِلَّا بَيِّنَةُ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ. نَقَلَهُ مُهَنَّا أَوْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ فِي الصِّحَّةِ. تَنْبِيهٌ: لَوِ ادَّعَى بِدِينَارٍ فَقَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ حَبَّةً. فَلَيْسَ بِجَوَابٍ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي رَفْعِ الدَّعْوَى إِلَّا بِنَصٍّ لَا بِظَاهِرٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَعُمُّ الْحَبَّاتِ، وَمَا لَمْ يَنْدَرِجْ فِي لَفْظِ حَبَّةٍ مِنْ بَابِ الْفَحْوَى، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: نَعَمْ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ. وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ مِائَةٌ. فَقَالَ: لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ مِائَةٌ. اعْتُبِرَ فِي الْأَصَحِّ قَوْلُهُ، وَلَا شَيْءَ مِنْهَا كَالْيَمِينِ. فَإِنْ نَكَلَ عَنْ مَا دُونَ الْمِائَةِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ إِلَّا جُزْءًا. وَإِنْ قُلْنَا: بِرَدِّ الْيَمِينِ. حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى مَا دُونَ الْمِائَةِ إِذَا لَمْ يَسْنُدِ الْمِائَةَ إِلَى عَقْدٍ، لِكَوْنِ الْيَمِينِ لَا تَقَعُ إِلَّا مَعَ ذِكْرِ النِّسْبَةِ كَمُطَابِقِ الدَّعْوَى، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ. [الْبَيِّنَةُ أَوِ الْيَمِينُ] (وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ: لِي بَيِّنَةٌ) لِأَنَّ الْحَقَّ طَرِيقٌ لَهُ، وَالْبَيِّنَةُ طَرِيقٌ إِلَى تَخْلِيصِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ، قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْحَضْرَمِيِّ: «لَكَ بَيِّنَةٌ؛ قَالَ: لَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ: فَلَكَ يَمِينُهُ. فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي عَارِفًا بِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْبَيِّنَةِ خُيِّرَ الْحَاكِمُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَبَيْنَ السُّكُوتِ. وَظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ: وَلَا يَقُولُهُ. (فَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ. أَمَرَهُ بِإِحْضَارِهَا) لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى تَخْلِيصِ الْحَقِّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 الْحَاكِمُ. وَحَكَمَ بِهَا إِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ فِي مَجْلِسِهِ إِذَا سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ. فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَعَهُ أَحَدٌ، أَوْ سَمِعَهُ مَعَهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ: يَقُولُ لَهُ: أَحْضِرْهَا إِنْ شِئْتَ. وَفِي الْمُغْنِي: أَنَّ الْمُدَّعِيَ إِذَا قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ. لَمْ يَقُلْ لَهُ الْحَاكِمُ: أَحْضِرْهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ، فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَرَى. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: فَيُحْمَلُ أَمْرُهُ بِالْإِحْضَارِ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ ; لِأَنَّ حَمْلَ الْأَمْرِ عَلَى حَقِيقَتِهِ يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي. (فَإِذَا أَحْضَرَهَا) لَمْ يَسْأَلْهَا الْحَاكِمُ حَتَّى يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ. فَإِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي سُؤَالَهَا لَمْ يَقُلِ اشْهَدَا، وَلَا يُلَقِّنْهُمَا. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يَنْبَغِي. وَفِي الْمُوجَزِ: يُكْرَهُ كَتَعَنُّتِهِمَا. (سَمِعَهَا الْحَاكِمُ) لِأَنَّ الْإِحْضَارَ مِنْ أَجْلِ السَّمَاعِ. فَيَقُولُ الْحَاكِمُ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلْيَذْكُرْ مَا عِنْدَهُ. فَإِذَا شَهِدَا وَاتَّضَحَ الْحَقُّ لَزِمَهُ، وَلَمْ يَجُزْ تَرْدِيدُهَا. وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ ظَنَّ الصُّلْحَ أَخَّرَهُ. وَفِي الْفُصُولِ: أَحْبَبْنَا لَهُ أَمْرَهُمَا بِالصُّلْحِ، أَيْ: إِذَا كَانَ فِيهَا لَبْسٌ. فَإِنْ أَبِيَا أَخَّرَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْجَهْلِ حَرَامٌ. فَإِنْ عَجَّلَ قَبْلَ الْبَيَانِ لَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا يَسَعُهُ الصُّلْحُ فِي الْأُمُورِ الْمُشْكِلَةِ، أَمَّا إِذَا اسْتَنَارَتِ الْحُجَّةُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ إنَّهُ مَا أَصْلَحَ بَيْنَ الْمُتَحَاكِمَيْنِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحَا، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُحْدِثُ بَيْنَ الْقَوْمِ الضَّغَائِنَ. (وَحَكَمَ بِهَا إِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي) بِأَنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ صَحِيحَةً. وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: يَقُولُ الْحَاكِمُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: قَدْ شَهِدَا عَلَيْكَ، فَإِنْ كَانَ لَكَ قَادِحٌ، فَبَيِّنْهُ عِنْدِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَعْنِي يُسْتَحَبُّ. وَذَكَرَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ فِيمَا إِذَا ارْتَابَ فِيهِمَا، فَدَلَّ أَنَّ لَهُ الْحُكْمَ مَعَ الرِّيبَةِ. وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مَا يَقْدَحُ فِيهَا حَكَمَ عَلَيْهِ إِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي الْحُكْمَ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إِلَّا بِمَسْأَلَة مُسْتَحَقّه. (وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ فِي مَجْلِسِهِ إِذَا سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ) لِأَنَّ التُّهْمَةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَلَهُ الْحُكْمُ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْكُمُ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ مِمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الْقَدَحِ بِاتِّفَاقٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَكَمْتُ بِكَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ. (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَعَهُ أَحَدٌ، وسَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَلَهُ الْحُكْمُ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا لُبِسَ بِمَحْضِ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ وَلَا يَضُرُّ رُجُوعُ الْمُقِرِّ. (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْكُمُ بِهِ) هَذا رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ هُبَيْرَةَ ; لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِعِلْمِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَعَنْهُ: لَا يَحْكُمُ بِإِقْرَارٍ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى يَسْمَعَهُ مَعَهُ عَدْلَانِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. فَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الْإِشْهَادَ عَلَى إِقْرَارِهِ عِنْدَهُ لَزِمَهُ. (وَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ) فِي غَيْرِ ذَلِكَ (فِيمَا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ) . وَفِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي الْمُحَرَّرِ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَدَلَّ أَنَّهُ يَقْضِي بِمَا سَمِعَ لَا بِمَا يَعْلَمُ. وَفِي حَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَا أَخَذْتُهُ، وَلَا دَعَوْتُ لَهُ أَحَدًا حَتَّى يَكُونَ مَعِي غَيْرِي. حَكَاهُ أَحْمَدُ. (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِه سَوَاءٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 جَوَازِه سَوَاءٌ كَانَ فِي حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ. وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: مَا لِي بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ فَيُعْلِمُهُ أَنَّ لَهُ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ. وَإِنْ سَأَلَ إِحْلَافَهُ أَحْلَفَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ. وَإِنْ أَحْلَفَهُ أَوْ حَلَفَ هُوَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ الْمُدَّعِي لَمْ يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ وَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] كَانَ فِي حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ) وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَالْمُزْنِيُّ، لِحَدِيثِ هِنْدَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ فَجَازَ الْحُكْمُ بِهِ، كَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَكَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ. وَعَنْ أَحْمَدَ: يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الْحُدُودِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا اخْتِلَافَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ. وَهَلْ يَحْكُمُ بِهِ فِي غَيْرِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ نَقَلَ حَنْبَلٌ: إِذَا رَآهُ عَلَى حَدٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ إِلَّا بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ شَهَادَةُ رَجُلٍ. وَنَقَلَ أَيْضًا: أَنَّهُمَا يَذْهَبَانِ إِلَى حَاكِمٍ آخَرَ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَأَجَابَ فِي الشَّرْحِ عَنْ حَدِيثِ هِنْدَ: أَنَّهُ فُتْيَا لَا حُكْمٌ، بِدَلِيلِ عَدَمِ حُضُورِ أَبِي سُفْيَانَ، وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَيُفَارِقُ الْحُكْمَ بِالشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إِلَى تُهْمَةٍ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَأَمَّا الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ: فَإِنَّهُ يَحْكُمُ فِيهِ بِعِلْمِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِعِلْمِهِ لَتَسَلْسَلَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ شَهَادَةِ مَنْ يُعْلَمُ فِسْقُهُ، وَلِأَنَّ التُّهْمَةَ لَا تَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ صِفَاتِ الشُّهُودِ مَعْنًى ظَاهِرٌ. وَقَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: لَيْسَ هَذَا بِحُكْمٍ ; لِأَنَّهُ يَعْدِلُ هُوَ وَيَجْرَحُ غَيْرُهُ، وَيَجْرَحُ هُوَ وَيَعْدِلُ غَيْرُهُ، وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ. وَعَلَى الْمَنْعِ: هَلْ عِلْمُهُ كَشَاهِدٍ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. [إِنْ قَالَ الْمُدَّعِي مَا لِي بَيِّنَةٌ] (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: مَا لِي بَيِّنَةٌ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. (فَيُعْلِمُهُ أَنَّ لَهُ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ. (وَإِنْ سَأَلَ إِحْلَافَهُ أَحْلَفَهُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ طَرِيقٌ إِلَى تَخْلِيصِ حَقِّهِ. يَلْزَمُ الْحَاكِمَ إِجَابَةُ الْمُدَّعِي كَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، وَتَكُونُ عَلَى صِفَةِ جَوَابِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: بِصِفَةِ الدَّعْوَى. وَعَنْهُ: يَكْفِي تَحْلِيفُهُ: لَا حَقَّ لَكَ عَلَيَّ، فَإِذَا أَحْلَفَهُ (خَلَّى سَبِيلَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ حَقٌّ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِحْلَافُهُ قَبْلَ سُؤَالِهِ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ لَهُ، كَنَفْسِ الْحَقِّ. وَيَمِينُ الْمُنْكِرِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَهُ تَحْلِيفُهُ مَعَ عِلْمِهِ قُدْرَتَهُ عَلَى حَقِّهِ نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 بِالنُّكُولِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. فَيَقُولُ لَهُ: إِنْ حَلَفْتَ، وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْكَ ثَلَاثًا. فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَضَى عَلَيْهِ إِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ وقال أبو الْخَطَّابِ: تُرَدُّ   [المبدع في شرح المقنع] نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إِنْ عَلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ مَالًا يُؤَدِّي إِلَيْهِ حَقَّهُ أَرْجُو أَنْ لَا يَأْثَمَ. وَظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: يكره مَسْأَلَة حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً عِنْدَ حَاكِمٍ لَمْ يَحْلِفْ ثَانِيَةً عِنْدَهُ، وَلَا عِنْدَ مَنْ عَرَفَ حَلِفَهُ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِالْيَمِينِ الْأُولَى فَلَهُ طَلَبُهُ وَاحِدَةً بِكُلِّ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ، وَيُحَلِّفُهُ عِنْدَ مَنْ جَهِلَ حَلِفَهُ ; لِبَقَاءِ الْحَقِّ مَعَ انْقِطَاعِ الْخُصُومَةِ عِنْدَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ. (وَإِنْ أَحْلَفَهُ أَوْ حَلَفَ هُوَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ الْمُدَّعِي لَمْ يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا. فَإِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي أَعَادَهَا لَهُ ; لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَكُنْ يَمِينَهُ. وَإِنْ أَمْسَكَ الْمُدَّعِي عَنْ إِحْلَافِ خَصْمِهِ ثُمَّ أَرَادَ إِحْلَافَهُ بِالدَّعْوَى الْمُقَدَّمَةِ جَازَ ; لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ. وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا فَلَهُ تَجْدِيدُ الدَّعْوَى وَطَلَبُهَا ; لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِبْرَاءِ مِنَ الْيَمِينِ، وَهَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ الَّتِي أَبْرَأَهُ مِنَ الْيَمِينِ فِيهَا. فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتِ الدَّعْوَى، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ يَمِينًا أُخْرَى لَا فِي هَذَا الْمَجْلِسِ وَلَا فِي غَيْرِهِ ; لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ، وَعَنْهُ: يَبْرَأُ بِتَحْلِيفِ الْمُدَّعِي. وَعَنْهُ: وَيُحَلِّفُهُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُحَلِّفْهُ، ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ رِوَايَةِ مُهَنَّا: أَنَّ رَجُلًا اتَّهَمَ رَجُلًا بِشَيْءٍ، فَحَلَفَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَا أَحْلِفُ إِلَّا أَنْ يَحْلِفَ لِي عِنْدَ السُّلْطَانِ. أَلَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، قَدْ ظَلَمَهُ وَتَعَنَّتَهُ وَلَا يَصِلُهُ بِاسْتِثْنَاءٍ. فِي الْمُغْنِي: أَوْ بِمَا لَا يَفْهَمُ ; لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُزِيلُ حُكْمَ الْيَمِينِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: هِيَ يَمِينٌ كَاذِبَةٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْوِيلُ وَالتَّوْرِيَةُ فِيهَا إِلَّا لِمَظْلُومٍ. (وَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. نَصَّ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَالْأَثْرَمِ وَحَرْبٍ. (وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا) وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا ; لِأَنَّ عُثْمَانَ قَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِنُكُولِهِ عَنِ الْيَمِينِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. (فَيَقُولُ لَهُ: إِنْ حَلَفْتَ، وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْكَ ثَلَاثًا) ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي لِأَنَّ النُّكُولَ ضَعِيفٌ، فَوَجَبَ اعْتِضَادُهُ بِالتَّكْرَارِ ثَلَاثًا، وَصَرَّحَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَقَالَ: قَدْ صَوَّبَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: مَا هُوَ بِبَعِيدٍ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ. فَيُقَالُ لِلنَّاكِلِ: لَكَ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي. فَإِنَّ رَدَّهَا حَلَفَ الْمُدَّعِي، وَحَكَمَ لَهُ، وَإِنْ نَكَلَ صَرَفَهُمَا، فَإِنْ عَادَ أَحَدُهُمَا فَبَذَلَ الْيَمِينَ لَمْ يَسْمَعْهَا فِي ذَلِكَ المجلس، حَتَّى   [المبدع في شرح المقنع] الْمُحَرَّرِ وَالْفُصُولِ: بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا لَحَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عَلَى نَفْيِ دَعْوَاهُ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ الْحَاكِمَ يَقُولُ ذَلِكَ مَرَّةً، وَسَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ مَرِيضًا أَوْ غَيْرَهُمَا. (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَضَى عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ كَإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ، لَا كَإِقْرَارٍ وَلَا كَبَذْلٍ. (إِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْمُدَّعِي فَلَمْ يُفْعَلْ إِلَّا بِسُؤَالِهِ. (وقال أبو الْخَطَّابِ) وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ (تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى بِالْيَمِينِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَأَخَذَهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ. (وَقَالَ: قَدْ صَوَّبَهُ أَحْمَدُ) فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. (وَقَالَ: مَا هُوَ بِبَعِيدٍ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ يَقْتَضِيهِ، وَأَنَّهُ حَكَمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّهَادَةِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ رِضَى الْمُنْكِرِ وَكَذَا فِي الْقَسَامَةِ، فَإِذَا رَضِيَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ كَانَ أَوْلَى. فَعَلَى ذَلِكَ، لَا يُشْتَرَطُ إِذْنُ نَاكِلٍ فِي الرَّدِّ. وَشَرَطَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ السَّامَرِيُّ. وَيَمِينُهُ كَإِقْرَارِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بَعْدَهَا بِأَدَاءٍ وَلَا إِبْرَاءٍ. وَقِيلَ: كَبَيِّنَةٍ فَتُسْمَعُ. وَقِيلَ: يُحْبَسُ حَتَّى يُجِيبَ: إِمَّا بِإِقْرَارٍ أَوْ حَلِفٍ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ أَصْحَابِنَا. (فَيُقَالُ لِلنَّاكِلِ: لَكَ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ أَشْبَهَ قَوْلَهُ: لَكَ يَمِينُهُ. (فَإِنْ رَدَّهَا حَلَفَ الْمُدَّعِي، وَحُكِمَ لَهُ) لِاسْتِكْمَالِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ. (وَإِنْ نَكَلَ) مَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ. (صَرَفَهُمَا) وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهُ إِذَا نَكَلَ سُئِلَ عَنْ سَبَبِ نُكُولِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِنُكُولِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ: امْتَنَعْتُ لِأَنَّ لِي بَيِّنَةً أُقِيمُهَا، أَوْ حِسَابًا أَنْظُرُ فِيهِ) فَهُوَ عَلَى حَقٍّ مِنَ الْيَمِينِ، وَلَا يُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ إِلَّا حَقُّهُ. بِخِلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (فَإِنْ عَادَ أَحَدُهُمَا فَبَذَلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 يَحْتَكِمَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ. وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ. بَعْدَ قَوْلِهِ: مَا لِي بَيِّنَةٌ. لَمْ تُسْمَعْ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُسْمَعَ وَإِنْ قَالَ: مَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً. ثُمَّ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ لِي بَيِّنَةً. سُمِعَتْ. وَإِنْ قَالَ شَاهِدَانِ: فَنَحْنُ نَشْهَدُ لَكَ. فَقَالَ: هَذَانِ بَيِّنَتِي. سُمِعَتْ. فإِنْ قَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي. لَمْ يُكَلَّفْ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ. وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ يَمِينَهُ. فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْيَمِينَ لَمْ يَسْمَعْهَا فِي ذَلِكَ) الْمَجْلِسِ ; لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا. (حَتَّى يَحْتَكِمَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ) لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ تَصِيرُ مُحَاكَمَةً ثَانِيَةً. فَإِذَا اسْتَأْنَفَ الدَّعْوَى أُعِيدَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا كَالْأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ بَذَلَهَا النَّاكِلُ قَبْلَ عَرْضِهَا عَلَى الْمُدَّعِي وَبَعْدَهُ بِرِضَاهُ سُمِعَتْ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ شَرْطُهُ: عَدَمُ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ. وَقُلْنَا: بِهِ لِكَوْنِ الْمُدَّعِي وَلِيًّا وَنَحْوَهُ، قُضِيَ بِالنُّكُولِ. وَقِيلَ: يَحْلِفُ الْوَلِيُّ. وَقِيلَ: إِنْ بَاشَرَ مَا ادَّعَاهُ. وَقِيلَ: يُحَلِّفُ حَاكِمٌ. وَقَطَعَ الْمُؤَلِّفُ: يَحْلِفُ إِذَا عَقَلَ وَيَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِنُكُولِهِ. تَنْبِيهٌ: الَّذِي يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ الْمَالُ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ. وَهَلْ يُقْضَى بِالنُّكُولِ فِي دَعْوَى الْوِكَالَةِ بِالْمَالِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقَالَ السَّامَرِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي دَعْوَى الْكَفَالَةِ: هَلْ يُقْضَى فِيهَا بِالنُّكُولِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا: الْحُكْمُ بِهِ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. [إِنْ قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ مَا لِي بَيِّنَةٌ] (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ. بَعْدَ قَوْلِهِ: مَا لِي بَيِّنَةٌ. لَمْ تُسْمَعْ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ قَدْ تُحَقِّقُ كَذِبَهُ فَيَعُودُ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ الْمَقْصُودِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: كَذَبَ شُهُودِي، وأَوْلَى. وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُسْمَعَ) هَذَا وَجْهٌ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ حَلَّفَهُ أَوْ لَمْ يُحَلِّفْهُ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْسَى، أَوْ يَكُونُ الشَّاهِدَانِ سَمِعَا مِنْهُ وَصَاحِبُ الْحَقِّ لَا يَعْلَمُهُ، فَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ زُورٌ، أَوْ لَا حَقَّ لِي فِيهَا. ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ بِحَالٍ. (وَإِنْ قَالَ: مَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً. ثُمَّ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ لِي بَيِّنَةً، سُمِعَتْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْ بَيِّنَتَهُ. (وَإِنْ قَالَ شَاهِدَانِ: فَنَحْنُ نَشْهَدُ لَكَ. فَقَالَ: هَذَانِ بَيِّنَتِي. سُمِعَتْ) وَهِيَ أَوْلَى مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا ; لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهَا. لَكِنْ لَوْ شَهِدَتْ بِغَيْرِ مَا ادَّعَاهُ فَهُوَ مُكَذِّبٌ لَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنِ ادَّعَى شَيْئًا فَأُقِرَّ لَهُ بِغَيْرِهِ لَزِمَهُ إِذَا صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ، وَالدَّعْوَى بِحَالِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. (فإِنْ قَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي. لَمْ يُكَلَّفْ إِقَامَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 كَانَتْ غَائِبَةً فَلَهُ إِحْلَافُهُ. وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ حَلَفَ   [المبدع في شرح المقنع] الْبَيِّنَةِ) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا، وَلَهُ تَحْلِيفُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. [الْبَيِّنَةُ الْغَائِبَةُ] (وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ) وَأُرِيدُ مُلَازِمَةَ خَصْمِي حَتَّى أُقِيمَهَا. لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَفِي الشَّرْحِ: إِذَا قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ. لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِكَفِيلٍ، وَلَا مُلَازَمَتُهُ حَتَّى تَحْضُرَ الْبَيِّنَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ قَبْلَهُ حَقٌّ. وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ قَرِيبَةً فَلَهُ مُلَازَمَتُهُ حَتَّى يُحْضِرَهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ أَقَامَتْهَا، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مُلَازَمَتِهِ لَذَهَبَ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إِقَامَتِهَا إِلَّا بِحَضْرَتِهِ. وَتُفَارَقُ الْبَيِّنَةُ الْبَعِيدَةُ وَمَنْ لَا يُمْكِنُ حُضُورُهَا. فَإِنَّ إِلْزَامَهُ الْإِقَامَةَ إِلَى حِينِ حُضُورِهَا يَحْتَاجُ إِلَى حَبْسٍ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ. (وَأُرِيدُ يَمِينَهُ. فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً فَلَهُ إِحْلَافُهُ) ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى اسْتِخْلَاصِ الْحَقِّ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنِ الْبَلَدِ فَلَهُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: يَمْلِكُ إِقَامَتَهَا فَقَطْ. (وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً) فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ. (فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) : أَحَدُهُمَا: يَمْلِكُ إِقَامَتَهَا أَوْ تَحْلِيفَهُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، لِأَنَّ فَصْلَ الْخُصُومَةِ يُمْكِنُ بِإِحْضَارِ الْبَيِّنَةِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْيَمِينِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُجَابُ إِلَيْهِمَا ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ إِلَّا إِقَامَتَهَا فَقَطْ. وَاسْتَدَلَّ فِي الشَّرْحِ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَطْلُبْ يَمِينَهُ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُبْدَلِهَا، كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ مَعَ مُبْدَلَاتِهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 الْمُنْكِرُ ثُمَّ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً حُكِمَ بِهَا، وَلَمْ تَكُنِ الْيَمِينُ مُزِيلَةً لِلْحَقِّ. وَإِنْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ، قَالَ لَهُ الْقَاضِي: إِنْ أَجَبْتَ وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا، وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ. وَقِيلَ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُجِيبَ. وَإِنْ قَالَ: لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ. لَمْ يَكُنْ مُجِيبًا. وَإِنْ قَالَ: لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ. لَمْ يَلْزَمِ الدَّاعِيَ إِنْظَارُهُ. وَإِنْ قَالَ: قَدْ قَضَيْتُهُ، أَوْ أَبْرَأَنِي،   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ قَالَ: أَحْلِفُوهُ، وَلَا أُقِيمُ بَيِّنَةً. حَلَفَ ; لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ نَفْسَ الْحَقِّ. ثُمَّ فِي جَوَازِ إِقَامَتِهَا بَعْدَ الْحَلِفِ وَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَامَ شَاهِدًا فِي الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ بِلَا رِضَى خَصْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ، بَلْ طَلَبَ يَمِينَ الْمُنْكِرِ حَلَفَ لَهُ. فَإِنْ حَلَفَ، ثُمَّ قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا أَحْلِفُ مَعَ شَاهِدَيَّ. لَمْ يُسْتَحْلَفْ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ فِعْلُهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ. وَإِنْ عَادَ فَبَذَلَ الْيَمِينَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ. [إِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ ثُمَّ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً] (وَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ ثُمَّ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً حُكِمَ بِهَا، وَلَمْ تَكُنِ الْيَمِينُ مُزِيلَةً لِلْحَقِّ) وِفَاقًا لِقَوْلِ عُمَرَ: الْبَيِّنَةُ الصَّادِقَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. وَلِأَنَّ كُلَّ حَالَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَقُّ فِيهَا بِإِقْرَارِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا قَبِلَ الْيَمِينَ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ لَوْ أَزَالَتِ الْحَقَّ لَاجْتَرَأَ الْفَسَقَةُ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَدَاوُدُ: لَا تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ. وَرُدَّ بِمَا سَبَقَ. (وَإِنْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ) أَوْ قَالَ: لَا أُقِرُّ، وَلَا أُنْكِرُ. أَوْ قَالَ: أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ. قَالَهُ فِي عُيُونُ الْمَسَائِلِ وَالْمُنْتَخَبِ. (قَالَ لَهُ الْقَاضِي: إِنْ أَجَبْتَ وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ نَاكِلٌ عَمَّا تَوَجَّبَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْهُ، كَالْيَمِينِ. وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا: أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ طَرِيقٌ إِلَى ظُهُورِ الْحَقِّ. وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ مِنَ الْحَاكِمِ ثَلَاثًا، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ كَامِلَيْنِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ بِقَوْلِهِ: مَرَّةً. (وَقِيلَ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُجِيبَ) إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ السَّامَرِيُّ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ. فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قضى بِهَا وَجْهًا وَاحِدًا. (وَإِنْ قَالَ: لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ. لَمْ يَكُنْ مُجِيبًا) لِأَنَّ الْجَوَابَ إِقْرَارٌ أَوْ إِنْكَارٌ، وَهَذَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا. (وَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 وَلِي بَيِّنَةٌ بالإبراء أَوِ القضاء، وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ، أُنْظِرَ ثَلَاثًا. وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ فَإِنْ عَجَزَ، حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ وَاسْتَحَقَّ، وَإِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ جَعَلَ الْخَصْمَ فِيهَا، وَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ: لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ. لَمْ يَلْزَمِ الدَّاعِيَ إِنْظَارُهُ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالسَّامَرِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ حَقِّهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْجَوَابِ ثَبَّتَ لَهُ مَالًا فَلَمْ يَلْزَمْهُ إِنْظَارُهُ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِنْظَارُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ دَيْنِهِ، أَوْ يَعْلَمُ هَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا؛ وَالثَّلَاثُ: مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ، وَلَا يُمْهَلُ أَكْثَرَ مِنْهَا ; لِأَنَّهُ كَثِيرٌ. (وَإِنْ قَالَ: قَدْ قَضَيْتُهُ، أَوْ أَبْرَأَنِي، وَلِي بَيِّنَةٌ بِالْإِبْرَاءِ أَوِ الْقَضَاءِ. وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ، أُنْظِرَ ثَلَاثًا) لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ، وَلَا تَتَكَامَلُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ إِنْظَارُهُ ; لِقَوْلِهِ: لِي بَيِّنَةٌ بِدَفْعِ دَعْوَاهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ. (وَلِلْمُدَّعِي مُلَازِمَتُهُ) لِأَنَّ جَنْبَتَهُ أَقْوَى، لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تُوَجِّهَ عَلَيْهِ، وَدَعْوَى الْإِسْقَاطِ الْأَصْلُ عَدَمُهَا، وَكَيْلَا يَهْرُبَ أَوْ يَغِيبَ. وَلَا يُؤَخِّرَ الْحَقَّ عَنِ الْمُدَّةِ الَّتِي أُنْظِرَ فِيهَا. (فَإِنْ عَجَزَ، حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ وَاسْتَحَقَّ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُنْكِرًا، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكَرِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا قَضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَصُرِفَ. وَإِنْ قُلْنَا: بِرَدِّ الْيَمِينِ فَلَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ، فَإِنْ أَبَى حَكَمَ عَلَيْهِ. هَذَا كُلُّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْكَرَ سَبَبَ الْحَقِّ، أَتَى، فَأَمَّا إِنْ أَنْكَرَهُ ثُمَّ ادَّعَى قَضَاءً أَوْ إِبْرَاءً سَابِقًا لِإِنْكَارِهِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةً، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَزَادَ: بِأَنْ قَالَ: قَتَلْتَ دَابَّتِي، فَلِي عَلَيْكَ ثَمَنُهَا أَلْفٌ. فَقَالَ: لَا تَلْزَمُنِي، أَوْ لَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ شَيْئًا مِنْهُ. فَقَدْ أَجَابَ، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِالْقَتْلِ احْتَاجَ إِلَى مُسْقِطٍ. وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ مِائَةُ دِينَارٍ. قَالَ: بَلْ أَلْفُ دِرْهَمٍ. فَمَا أَجَابَ، وَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ إِنْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي، وَدَعْوَى الذَّهَبِ بَاقِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَإِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ جَعَلَ الْخَصْمَ فِيهَا) وَكَانَ صَاحِبَ الْيَدِ ; لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ اعْتَرَفَ أَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِهِ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِهِ إِقْرَارٌ صَحِيحٌ. (وَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) : أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا لِلْمُدَّعِي، قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا لَزِمَهُ غُرْمُهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الْعَيْنُ لِزَيْدٍ. ثُمَّ قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ حَاضِرًا مُكَلَّفًا سُئِلَ فَإِنِ ادعى لِنَفْسِهِ وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ وَأَخَذَهَا. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: لَيْسَتْ لِي وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ. سُلِّمَتْ إِلَى الْمُدَّعِي، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. فِي الْآخَرِ: لَا تُسَلَّمُ إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَجْعَلُهَا الْحَاكِمُ عِنْدَ أَمِينٍ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِغَائِبٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ سَقَطَتْ عَنْهُ الدَّعْوَى. ثُمَّ إِنْ   [المبدع في شرح المقنع] هِيَ لَعُمَرَ. فَإِنَّهَا تُدْفَعُ إِلَى زَيْدٍ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعُمَرَ. وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُرْمُ مَعَ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ. فَعَلَى هَذَا إِنْ نَكَلَ عَنْهَا مَعَ طَلَبِهَا أُخِذَ مِنْهُ بَدَلُهَا، ثُمَّ إِنْ صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فَهُوَ كَأَحَدِ مُدَّعِيَيْنِ عَلَى ثَالِثٍ، أَقَرَّ لَهُ الثَّالِثُ وَسَيَأْتِي. وَالثَّانِي: لَا يَحْلِفُ ; لِأَنَّ الْخُصُومَةَ انْقَلَبَتْ إِلَى غَيْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَنْتَقِلَ الْيَمِينُ إِلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: مَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِزَيْدٍ فَكَذَّبَهُ، صَدَّقَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ مَضْمُونًا لَهُ إِذَا عُلِمَ بَعْدُ. وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ لِزَيْدٍ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ بِإِنْكَارِهِ جَهْلًا، وَيَغْرَمُهُ الْمُقِرُّ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. (فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ حَاضِرًا مُكَلَّفًا سُئِلَ) لِيَتَبَيَّنَ الْحَالُ. (فَإِنِ ادعى لِنَفْسِهِ وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ وَأَخَذَهَا) لِأَنَّهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ، فَيَحْلِفُ وَيَأْخُذُ الْعَيْنَ ; لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَوْنُهَا لَهُ بِإِقْرَارٍ مِنَ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ، وَانْدَفَعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي، فَوَجَبَ الْأَخْذُ عَمَلًا بِالْمقتضي. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ) لِأَنَّ الْيَدَ صَارَتْ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَشْبَهَ مَا لَوِ ادَّعَى شَخْصٌ فَأَقَرَّ بِهَا لَهُ. (وَإِنْ قَالَ: لَيْسَتْ لِي) أَوْ قَالَ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. (وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ. سُلِّمَتْ إِلَى الْمُدَّعِي، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ أَوْلَى، فَتُسَلَّمُ إِلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ ; لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهَا أَشْبَهَ الَّتِي بِيَدِهِ، وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ لَوِ ادَّعَاهَا ثُمَّ نَكَلَ، قُضِيَ عَلَيْهِ بِهَا لِلْمُدَّعِي، فَمَعَ عَدَمِ ادِّعَائِهِ أَوْلَى. فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ اقْتَرَعَا عَلَيْهَا. (وَفِي الْآخَرِ: لَا تُسَلَّمُ إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ مُسْتَحِقُّهَا. (وَيَجْعَلُهَا الْحَاكِمُ عِنْدَ أَمِينٍ) كَمَالٍ ضَائِعٍ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي أَنَّهَا لَهُ، وَتُسَلَّمَ إِلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ الْيَمِينِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يُقَرُّ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِغَائِبٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ سَقَطَتْ عَنْهُ الدَّعْوَى) لِأَنَّ الدَّعْوَى صَارَتْ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَصِيرُ الْغَائِبُ وَالْوَلِيُّ خَصْمَيْنِ إِنْ صَدَقَا، وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. (ثُمَّ إِنَّ كَانَ لِلْمُدَّعِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ. وَهَلْ يَحْلِفُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إِلَيْهِ، وَأُقِرَّتْ فِي يَدِهِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً إنَّهَا لِمَنْ سَمَّى، فَلَا يَحْلِفُ وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِمَجْهُولٍ، قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تُعَرِّفَهُ، وَإِمَّا أَنْ نَجْعَلَكَ نَاكِلًا.   [المبدع في شرح المقنع] بَيِّنَةٌ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ) لِأَنَّ جَانِبَهُ قَدْ تَرَجَّحَ بِهَا. (وَهَلْ يَحْلِفُ) مَعَهَا؛ (عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: لَا يَحْلِفُ، جَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَهِيَ أَشْهَرُ ; لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَحْدَهَا كَافِيَةٌ لِلْخَبَرِ. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، لِأَنَّ الْغَائِبَ وَالصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ لَا يَقُومُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بِالْحُجَّةِ، فَاحْتِيجَ إِلَى الْيَمِينِ لِتَأْكِيدِ الْبَيِّنَةِ. وَقِيلَ: إِنْ جُعِلَ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ أَخَذَهَا وَحَلَفَ، وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الرِّعَايَةِ: إنَّهُ إِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ تَعَارَضَتَا، وَأُقِرَّتْ بِيَدِ الْمُدَّعِي إِنْ قَدَّمْنَا بَيِّنَةَ الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْغَائِبِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ) لَمْ يَقْضِ لَهُ بِهَا، وَيُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَقْدِمَ الْغَائِبُ وَيَصِيرَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ مُكَلَّفًا، فَتَكُونُ الْخُصُومَةُ لَهُ. (حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إِلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ الدَّفْعُ، وَمَنْ لَزِمَهُ الدَّفْعُ مَعَ الْإِقْرَارِ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ. (وَأُقِرَّتْ فِي يَدِهِ) لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ انْدَفَعَتْ دَعْوَاهُ بِالْيَمِينِ. وَفِي الشَّرْحِ: إِذَا قَالَ الْمُدَّعِي: أَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. أَحْلَفْنَاهُ، وَتُقَرُّ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ، وَلَوْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ غَرِمَ بَدَلَهَا. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلْ تَكُونُ عِنْدَ أَمِينِ الْحَاكِمِ حَتَّى يَأْخُذَهَا الْمُقَرُّ لَهُ. فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي اثْنَيْنِ غَرِمَ عِوَضَيْنِ لَهُمَا. وَفِي الشَّرْحِ: مَتَى عَادَ الْمُقِرُّ بِهَا لِغَيْرِهِ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ لَمْ تُسْمَعْ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ إِقْرَارِهِ. (إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لِمَنْ سَمَّى، فَلَا يَحْلِفُ) أَيْ: إِذَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلِيهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا لِمَنْ سَمَّاهُ، سَمِعَهَا الْحَاكِمُ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ عَنِ الْحَاضِرِ، وَسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ، وَلَمْ يَقْضِ بِهَا ; لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْغَائِبِ، وَالْغَائِبُ لَمْ يَدَعْهَا هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا، إِذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَإِنَّ لِلْمُودِعِ الْمُحَاكَمَةَ فِي الْوَدِيعَةِ إِذَا غُصِبَتْ. وَاقْتَصَرَ فِي الرِّعَايَةِ عَلَى حِكَايَةِ هَذَا التَّخْرِيجِ فَقَطْ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ أَنَّهَا مَعَهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، لَمْ يَقْضِ بِهَا. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ، وَقُلْنَا لَهُمَا: الْمُحَاكَمَةُ. ثَبَتَ الْمِلْكُ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِمَجْهُولٍ، قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تُعَرِّفَهُ، وَإِمَّا أَنْ نَجْعَلَكَ نَاكِلًا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 فَصْلٌ وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إِلَّا مُحَرَّرَةً تَحْرِيرًا يَعْلَمُ بِهِ الْمُدَّعِي إِلَّا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِالْمَجْهُولِ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعي عَيْنًا حَاضِرَةً عَيَّنَهَا وَإِنْ كَانَتْ   [المبدع في شرح المقنع] وَنَقْضِيَ عَلَيْكَ. لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الدَّعْوَى عَلَى مَجْهُولٍ، فَيَضِيعُ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ هَذَا. فَإِنِ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ لَمْ تُسْمَعْ فِي الْأَشْهَرِ. [لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إِلَّا مُحَرَّرَةً تَحْرِيرًا يَعْلَمُ بِهِ الْمُدَّعِي] فَصْلٌ (وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إِلَّا مُحَرَّرَةً تَحْرِيرًا يَعْلَمُ بِهِ الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، فَإِنِ اعْتَرَفَ بِهِ أَلْزَمَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُلْزِمَهُ مَجْهُولًا. (إِلَّا فِي الْوَصِيَّةِ) وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ السَّامَرِيُّ. (وَالْإِقْرَارِ) وَالْخُلْعِ، وَعَبْدٍ مُطْلَقٍ فِي مَهْرٍ حَيْثُ صَحَّحْنَاهُ. (فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِالْمَجْهُولِ) لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى أَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ لَصَحَّ، فَكَذَا هَذَا. وَشَرْطُهَا أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِالْحَالِّ، فَلَا بُدَّ فِي الدَّعْوَى بِالدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ حَالًّا. وَقِيلَ: تُسْمَعُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لِإِثْبَاتِهِ إِذَا خَافَ سَفَرَ الشُّهُودِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسْمَعُ، فَيَثْبُتُ أَصْلُ الْحَقِّ لِلُزُومِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَدَعْوَى تَدْبِيرٍ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي قَتْلِ أَبِي أَحَدِ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ، أَنَّهُ يُسْمَعُ لِلْحَاجَةِ لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا، وَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمْ. وَكَذَا دَعْوَى غَصْبٍ وَسَرِقَةٍ، لَا إِقْرَارٍ وَبَيْعٍ إِذَا قَالَ: نَسِيتُ. لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ، وَإِنْ يُصَرِّحْ بِهَا فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ عَنْ دَعْوَى فِي وَرَقَةٍ ادَّعَى بِمَا فِيهَا، وَأَنْ تَنْفَكَّ عَمَّا يُكَذِّبُهَا، فَلَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ الْمُشَارَكَةَ فِيهِ، لَمْ تُسْمَعِ الثَّانِيَةُ وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي، إِلَّا أَنْ يَقُولَ: غَلِطْتُ أَوْ كَذَبْتُ فِي الْأَوَّلِ. فَالْأَظْهَرُ تُقْبَلُ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ لِإِمْكَانِهِ، وَالْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمَا. (فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا حَاضِرَةً) فِي الْمَجْلِسِ. (عَيَّنَهَا) لِأَنَّهُ يَنْتَفِي اللَّبْسُ. وَكَذَا إِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، لَكِنْ لَمْ تَحْضُرْ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، اعْتُبِرَ إِحْضَارُهَا لِلتَّعْيِينِ، وَيَجِبُ إِحْضَارُهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إِنْ أَقَرَّ أَنَّ بِيَدِهِ مِثْلَهَا. وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهَا بِيَدِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ حُبِسَ أَبَدًا حَتَّى يُحْضِرَهَا، أَوْ يَدَّعِيَ تَلَفَهَا فَيُصَدَّقُ لِلضَّرُورَةِ، وَتَكْفِي الْقِيمَةُ. تَنْبِيهٌ: إِذَا ادَّعَى دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ، ذَكَرَ مَوْتَهُ وَحَرَّرَ الدَّيْنَ وَالتَّرِكَةَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَفِي الْمُغْنِي: أَوْ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ. وَإِنِ ادَّعَى مَالًا مُطْلَقًا لَمْ يَجِبْ ذِكْرُ سَبَبِهِ وَقَدْرِهِ وَجِنْسِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَإِنِ ادَّعَى عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، لَمْ يُعْتَبَرْ ذِكْرُ سَبَبِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا لِكَثْرَةِ سَبَبِهِ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: أَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْعَيْنَ الَّتِي فِي يَدِكَ أَوْ ذِمَّتِكَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 غَائِبَةً ذَكَرَ صِفَاتِهَا، إِنْ كَانَتْ تَنْضَبِطُ بِهَا. وَالْأَوْلَى ذِكْرُ قِيمَتِهَا. وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، ذَكَرَ قَدْرَهَا وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا، وَإِنْ ذَكَرَ قِيمَتَهَا كَانَ أَوْلَى. وَإِنْ لَمْ تَنْضَبِطْ بِالصِّفَاتِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قِيمَتِهَا. وَإِنِ ادَّعَى نِكَاحًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ بِعَيْنِهَا إِنْ حَضَرَتْ، وَإِلَّا ذَكَرَ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا، وَذَكَرَ شُرُوطَ النِّكَاحِ، وإن تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا، فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ..، وَإِنِ ادَّعَى بَيْعًا أَوْ عَقْدًا سِوَاهُ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ؛ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِنِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ نِكَاحًا عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً ذَكَرَ صِفَاتِهَا، إِنْ كَانَتْ تَنْضَبِطُ بِهَا) لِأَنَّهَا تَتَمَيَّزُ بِذَلِكَ، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ. (وَالْأَوْلَى) مَعَ ذَلِكَ. (ذِكْرُ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ أَضْبُطُ. (وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ذَكَرَ قَدْرَهَا وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا) مَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ، لِأَنَّ الْمِثْلَ وَاجِبٌ، لَا يَتَحَقَّقُ الْمِثْلُ بِدُونِهَا. (وَإِنْ ذَكَرَ قِيمَتَهَا كَانَ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَضْبَطُ وَأَحْضَرُ. (وَإِنْ لَمْ تَنْضَبِطْ بِالصِّفَاتِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِذَلِكَ. (وَإِنِ ادَّعَى نِكَاحًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ بِعَيْنِهَا إِنْ حَضَرَتْ) لِأَنَّ اللَّبْسَ يَنْتَفِي بِذَلِكَ. (وَإِلَّا ذَكَرَ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا) لِأَنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ إِلَّا بِذَلِكَ. (وَذَكَرَ شُرُوطَ النِّكَاحِ) الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي شُرُوطِهِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِهَا حَتَّى يَعْلَمَ الْحَالَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، لِيَعْرِفَ كَيْفَ يَحْكُمُ. (وإن تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا، فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ) وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ نَوْعُ مِلْكٍ، كَمَا لَوِ ادَّعَى بَيْعًا أَوْ عَقْدًا غَيْرَهُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لَهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ. وَتَتَعَلَّقُ الْعُقُوبَةُ بِجِنْسِهِ. فَاشْتَرَطَ شُرُوطَهُ كَالْقَتْلِ. فَإِنِ ادَّعَى اسْتِدَامَةَ الزَّوْجِيَّةِ وَلَمْ يَدَّعِ عَقْدًا، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ شُرُوطِهِ فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالِاسْتِفَاضَةِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ مَعَهَا اجْتِمَاعُ الشُّرُوطِ. وَفِي آخَرَ: بَلَى كَدَعْوَى الْعَقْدِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: يُعْتَبَرُ فِي النِّكَاحِ وَصْفُهُ بِالصِّحَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ انْتِفَاءُ الْمُفْسِدِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَدَّةً، وَلَا مُرْتَدَّةً. (وَإِنِ ادَّعَى بَيْعًا أَوْ عَقْدًا سِوَاهُ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) : أَصَحُّهُمَا: يُعْتَبَرُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ كَالنِّكَاحِ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ أَوْلَى وَأَصَحُّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 رَجُلٍ، وَادَّعَتْ مَعَهُ نَفَقَةً أَوْ مَهْرًا، سُمِعَتْ دَعْوَاهَا. وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ سِوَى النِّكَاحِ، فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنِ ادَّعَى قَتْلَ مَوْرُوثِهِ ذَكَرَ الْقَاتِلَ، وَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ أَوْ شَارَكَ غَيْرَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي مِلْكِ الْإِمَاءِ خَاصَّةً. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوِ ادَّعَى بَيْعًا لَازِمًا، أَوْ هِبَةً مَقْبُوضَةً، كَفَى فِي الْأَشْهَرِ. وَفِي اعْتِبَارِ وَصْفِ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: وَيَذْكُرُ الْقِيمَةَ وَالْوَصْفَ دُونَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ. فَلَوِ ادَّعَى بَيْعًا أَوْ هِبَةً لَمْ تُسْمَعْ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ: وَيَلْزَمُكَ التَّسْلِيمُ إِلَيَّ. لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَمَا لَزِمَ ذِكْرُهُ فِي الدَّعْوَى وَلَمْ يَذْكُرْهُ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، لِتَصِيرَ الدَّعْوَى مَعْلُومَةً، فَيُمْكِنُ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ بِهَا. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى عَقَارًا غَائِبًا بَعِيدًا، كَفَى شُهْرَتُهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ حَاكِمٍ عَنْ تَحْدِيدِهِ ; لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ. وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا عَيَّنَهُ إِنْ أَمْكَنَ. [إِنِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ وَادَّعَتْ مَعَهُ نَفَقَةً أَوْ مَهْرًا] (وَإِنِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ، وَادَّعَتْ مَعَهُ نَفَقَةً أَوْ مَهْرًا سُمِعَتْ دَعْوَاهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّ حَاصِلَ دَعْوَاهَا دَعْوَى الْحَقِّ مِنَ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ. (وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ سِوَى النِّكَاحِ، فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ: أَحَدُهُمَا: تُسْمَعُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ حُقُوقًا لَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوِ ادَّعَتْ مَعَ النِّكَاحِ مَهْرًا. وَالثَّانِي: لَا تُسْمَعُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ أَشْهَرُ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهَا، فَدَعْوَاهَا لَهُ إِقْرَارٌ لَا يُسْمَعُ مَعَ إِنْكَارِ الْمُقِرِّ لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ انْتِفَاءِ مُفْسِدَاتِهِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ قُبِلَ قَوْلُ الزَّوْجِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تُسْتَحْلَفِ الْمَرْأَةُ وَالْحَقُّ عَلَيْهَا، فَلِأَنْ لَا يُسْتَحْلَفَ مَنِ الْحَقُّ لَهُ وَهُوَ يُنْكِرُهُ أَوْلَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُسْتَحْلَفَ ; لِأَنَّ دَعْوَاهَا إِنَّمَا سُمِعَتْ لِتَضَمُّنِهَا دَعْوَى حُقُوقٍ مَالِيَّةٍ، فَشُرِعَ فِيهَا الْيَمِينُ. وَإِنْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِالنِّكَاحِ، ثَبَتَ لَهَا مَا تَضَمَّنَهُ النِّكَاحُ مِنْ حُقُوقِهَا. وَأَمَّا إِبَاحَتُهَا لَهُ فَتَنْبَنِي عَلَى بَاطِنِ الْأَمْرِ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ حَلَّتْ لَهُ ; لِأَنَّ إِنْكَارَهُ النِّكَاحَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتِ امْرَأَتَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ. هَلْ يُمَكَّنُ مِنْهَا فِي الظَّاهِرِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى رِقَّ جَارِيَةِ رَجُلٍ فَصَدَّقَهُ، لَمْ يَسْتَحِقَّهَا بِإِقْرَارِهِ. 1 (وَإِنِ ادَّعَى قَتْلَ مَوْرُوثِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 وَأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَيَصِفُهُ. وَإِنِ ادَّعَى الْإِرْثَ، ذَكَرَ سَبَبَهُ. وَإِنِ ادَّعَى شَيْئًا مُحَلًّى قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِه، فلو كَانَ مُحَلًّى بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِلْحَاجَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَ الْقَاتِلَ، وَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ أَوْ شَارَكَ غَيْرَهُ، وَأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَيَصِفُهُ) لِأَنَّ الْحَالَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِهِ لِتَرَتُّبِ حُكْمِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ: قَدَّهُ نِصْفَيْنِ وَكَانَ حَيًّا، أَوْ ضَرَبَهُ وَهُوَ حَيٌّ. صَحَّ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرِ الْحَيَاةَ فَوَجْهَانِ. وَإِنْ قَالَ: ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ. فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: فَأَوْضَحَ عَظْمَهُ؛ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. (وَإِنِ ادَّعَى الْإِرْثَ ذَكَرَ سَبَبَهُ) لِاخْتِلَافِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقَدْرَهُ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ: مَاتَ فُلَانٌ وَأَنَا وَارِثُهُ. (وَإِنِ ادَّعَى شَيْئًا مُحَلًّى قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى الرِّبَا. (فَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِلْحَاجَةِ) إِذِ الثَّمَنِيَّةُ مُنْحَصِرَةٌ فِيهِمَا. فَإِنِ ادَّعَى نَقْدًا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ كَفَى ذِكْرُ قَدْرِهِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ وَصْفِهِ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى أَنَّ زَيْدًا أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ، لَمْ تُسْمَعْ حَتَّى يَقُولَ: أَدَّعِي عَلَيْهِ حَالًّا أَطْلُبُهُ بِمَا فِيهَا مِنْهُ. وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ: لِي عَلَيْكَ، أَوْ لِي فِي ذِمَّتِكَ كَذَا. حَتَّى يَقُولَ: وَهُوَ حَالٌّ، وَأَنَا أَطْلُبُكَ بِهِ. وَفِي الْوَدِيعَةِ، يَقُولُ: وَأَنَا أَطْلُبُ أَنْ تُمَكِّنَنِي مِنْ أَخْذِهَا. وَلَا يَقُولُ: أَطْلُبُ تَسْلِيمَهَا. فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُهَا إِلَيْهِ، بَلِ التَّمْكِينُ مِنْهَا، وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ قِيمَتِهَا. الْعَارِيَّةُ وَالْغَصْبُ، وَيَقُولُ وَهُمَا فِي يَدِهِ: يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إِلَيَّ. وِفِي السَّلَمِ، يَذْكُرُ شُرُوطَهُ. وَكَذَا فِي دَعْوَى الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ الْإِتْلَافُ فِي وَجْهٍ. فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ فِي الْحَالِ، فَشَهِدَتْ أَنَّهَا لَهُ أَمْسِ أَوْ فِي يَدِهِ، لَمْ تُسْمَعْ فِي الْأَشْهَرِ وَإِنْ قَالَ خَصْمَهُ: كَانَتْ بِيَدِكَ أَمْسِ. لَمْ يَلْزَمْ خَصْمَهُ شَيْءٌ. مَسْأَلَةٌ: تَصِحُّ دَعْوَى الْحِسْبَةِ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ فِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَفِي حَقِّ كُلِّ آدَمِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَرِبَاطٍ وَجِسْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ مُسْتَحِقُّهُ. وَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى وَبَعْدَهَا مِنْ رَبِّهِ وَغَيْرِهِ. ادَّعَى شَجَرَةً أَوْ دَابَّةً، لَمْ يَسْتَحِقَّ النِّتَاجَ وَالثَّمَرَةَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا الثَّمَرَةَ الظَّاهِرَةَ عند إِقَامَة الْبَيِّنَةِ، وَيَسْتَحِقُّ الْمَوْجُودَ إِذَنْ. وَقِيلَ: لَا إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ مِلْكُهُ لِلْأَصْلِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَمَنِ اشْتَرَى شَيْئًا فَأَخَذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا، رَدَّ بَائِعُهُ ثَمَنَهُ الَّذِي قَبَضَهُ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مِلْكًا سَابِقًا عَلَى الْمُشْتَرِي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 فَصْلٌ وَتُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فِي اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي. وَعَنْهُ:   [المبدع في شرح المقنع] وَمَنِ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَذَكَرَ شُهُودَ الْمِلْكِ وَسَبَبَهُ، صَحَّ، وَلَمْ يَضُرَّهُ ذِكْرُهُ. وَلَوْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي سَبَبًا غَيْرَهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ. شَهِدَ لَهُ عَدْلَانِ بِحَقٍّ مَالِيٍّ لَا عِنْدَ حَاكِمٍ، فَلَهُ أَخْذُهُ فِي الْأَقْيَسِ. وَإِنْ شَهِدَا لَهُ بِقَوَدٍ لَا عِنْدَ حَاكِمٍ، فَلَا يَأْخُذُهُ. وَقِيلَ: بَلَى، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ. فَرْعٌ: أَعْطَى دَلَّالًا ثَوْبًا يُسَاوِي عَشْرَةً لِيَبِيعَهُ بِعِشْرِينَ، فَجَحَدَهُ، فَقَالَ: أَدَّعِي ثَوْبًا، إِنْ كَانَ بَاعَهُ فَلِي عِشْرُونَ، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلِي عَيْنُهُ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلِي عَشْرَةٌ. فَقَدِ اصْطَلَحَ الْقُضَاةُ عَلَى قَبُولِ هَذِهِ الدَّعْوَى الْمَرْدُودَةِ لِلْحَاجَةِ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا، فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلِي رَدُّهُ، وَإِلَّا قِيمَتُهُ، صَحَّ. وَقِيلَ: بَلْ يَدَّعِيهِ، فَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ ادَّعَى قِيمَتَهُ. وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ بِيَدِ الْمُنْكِرِ سُمِعَتْ فِي الْأَشْهَرِ. [قَبُولُ شَهَادَةِ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ] فَصْلٌ (وَتُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فِي اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْكَافِي، وَذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ. وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] الآية، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَامِ» . وَسَوَاءٌ طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ أَوْ لَا، لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، كَالْإِسْلَامِ. فَعَلَى هَذَا يَكْتُبُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ، وَكُنْيَتَهُ وَحِلْيَتَهُ، وَصَنْعَتَهُ وَسُوقَهُ، وَمَسْكَنَهُ، وَمَنْ شَهِدَ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَمَا شَهِدَ بِهِ، فِي رِقَاعٍ وَيَدْفَعُهَا إِلَى أَصْحَابِ مَسَائِلِهِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَهُ حَالَ مَنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ، مِنْ غَيْرِ شَحْنَاءَ وَلَا عَصَبِيَّةٍ، وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يُعَرِّفَهُمُ الْمَشْهُودَ، وَلَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، وَلَا الْمَسْؤُولِينَ، وَيَدْفَعُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ رُقْعَةً، وَلَا يَعْلَمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ لِيَسْأَلُوا عَنْهُ، فَإِنْ رَجَعُوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمَا عَمِلَ بِعِلْمِهِ وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا، إِلَّا أَنْ يَرْتَابَ بِهِمَا، فَيُفَرِّقُهُمَا. فَإِنِ اخْتَلَفَا لَمْ يَقْبَلْهُمَا،   [المبدع في شرح المقنع] بِتَعْدِيلِهِ قَبِلَهُ مِنِ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَرَجَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَيَشْهَدَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ إِلَّا شَهَادَةُ الْمَسْؤُولِينَ ; لِأَنَّهُمْ شُهُودُ أَصْلٍ. فَإِنْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ. وَلَمْ يُبَيِّنَا سَبَبَهُ، فَوَجْهَانِ. (وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ) وَهي قَوْلُ الْحَسَنِ. (اخْتَارَها الْخِرَقِيُّ) وَأَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ لِقَبُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ. وَلِقَوْلِ عُمَرَ: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ. وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ أَمْرٌ خَفِيٌّ سَبَبُهَا الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَدَلِيلُ ذَلِكَ الْإِسْلَامُ. فَإِذَا وُجِدَ فَلْيَكْتَفِ بِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ. فَعَلَى هَذِهِ، (إِنْ جَهِلَ إِسْلَامَهُ رَجَعَ إِلَى أقواله) لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا صَارَ مُسْلِمًا بِالِاعْتِرَافِ. وَلَا يَكْفِي ظَاهِرُ الدَّارِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَفِي جَهْلِ حُرِّيَّتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إِنْ مَنَعُوا عَدَالَةَ الْعَبْدِ فَيُمْنَعُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ» . وَهُمْ مِنْ حُمَّالِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ وَالْفَتْوَى، فَهُمْ عُدُولٌ لِقَوْلِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ) . وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ ظَاهِرَ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ، مَمْنُوعٌ، بَلِ الظَّاهِرُ عَكْسُ ذَلِكَ، وَقَوْلُ عُمَرَ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِشَاهِدَيْنِ، فَقَالَ لَهُمَا: لَسْتُ أَعْرِفُكُمَا، وَلَا يَضُرُّكُمَا إِنْ لَمْ أَعْرِفْكُمَا. وَلِأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ قَدْ صَارَ صَحَابِيًّا وَهُمْ عُدُولٌ كُلُّهُمْ. (وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمَا عَمِلَ بِعِلْمِهِ) فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ لَتَسَلْسَلَ، لِأَنَّ الْمُزَكِّيَ يَحْتَاجُ إِلَى عَدَالَتِهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ احْتَاجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُزَكِّينَ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُزَكِّيهِمَا إِلَى مُزَكِّينَ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ. (وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا) لِأَنَّ شُرُوطَ الْحُكْمِ قَدْ وُجِدَتْ. (إِلَّا أَنْ يَرْتَابَ بِهِمَا) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ سُؤَالُهُمَا، وَالْبَحْثُ عَنْ صِفَةِ تَحَمُّلِهِمَا وَغَيْرِهِ. (فَيُفَرِّقُهُمَا) اسْتِحْبَابًا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 وَإِنِ اتَّفَقَا وَعَظَهُمَا وَخَوَّفَهُمَا، فَإِنْ ثَبَتَا حَكَمَ بِهَا إِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي. وَإِنْ جَرَحَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ بِالْجَرْحِ. وَإِنْ سَأَلَ الْإِنْظَارَ، أُنْظِرَ ثَلَاثًا. وَلِلْمُدَّعِي   [المبدع في شرح المقنع] صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْكَافِي وَالْوَجِيزِ، وَعِبَارَةُ السَّامَرِيِّ وَابْنِ حَمْدَانَ كَالَّتِي قَبْلَهَا. (وَيَسْأَلُ كُلَّ وَاحِدٍ: كَيْفَ تَحَمَّلْتَ الشَّهَادَةَ؛ وَمَتَى؛ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ؛ وَهَلْ كُنْتَ وَحْدَكَ؛ أَوْ أَنْتَ وَصَاحِبَكَ؟) . لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ سَبْعَةً خَرَجُوا، فَفُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَأَتَتْ زَوْجَتُهُ عَلِيًّا، فَدَعَا السِّتَّةَ، فَسَأَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَأَنْكَرَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. فَظَنَّ الْبَاقُونَ أَنَّهُ قَدِ اعْتَرَفَ، فَاسْتَدْعَاهُمْ فَاعْتَرَفُوا، فَقَالَ لِلْأَوَّلِ: قَدْ شَهِدُوا عَلَيْكَ. فَاعْتَرَفَ، فَقَتَلَهُمْ. (فَإِنِ اخْتَلَفَا لَمْ يَقْبَلْهُمَا) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُوقَفُ عَنْ قَبُولِهَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَفِي الشَّرْحِ: سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمَا. (وَإِنِ اتَّفَقَا وَعَظَهُمَا وَخَوَّفَهُمَا) لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِتَوَقُّفِهِمَا بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِمَا شَاهِدَيْ زُورٍ. (فَإِنْ ثَبَتَا) عَلَى قَوْلِهِمَا. (حَكَمَ بِهَا إِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الشَّرْطَ ثَبَاتُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا إِلَى حِينِ الْحُكْمِ، وَطَلَبُ الْمُدَّعِي الْحُكْمَ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُنْكِرِ: قَدْ قَبِلْتُهُمَا، فَإِنْ جَرَحْتَهُمَا، وَإِلَّا حَكَمْتُ عَلَيْكَ. ذَكَرَهُ السَّامَرِيُّ. (وَإِنْ جَرَحَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ بِالْجَرْحِ) لِيَتَحَقَّقَ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ. (وَإِنْ سَأَلَ الْإِنْظَارَ، أُنْظِرَ ثَلَاثًا) ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ ; لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ إِقَامَتَهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ يَشُقُّ وَيَعْسُرُ. فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُمَا شَهِدَا عِنْدَ قَاضٍ بِذَلِكَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِفِسْقِهِمَا، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إِذَا رُدَّتْ لِفِسْقٍ لَمْ تُقْبَلْ مَرَّةً ثَانِيَةً. فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا يُشْهِدُهُمُ النَّاسُ، فَيَسْتَغْنُونَ بِإِشْهَادِهِمْ عَنْ تَعْدِيلِهِمْ، وَيَكْتَفِي عَنِ الْكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ. قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شُهُودِهِ كُلَّ قَلِيلٍ. وَهَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. (وَلِلْمُدَّعِي مُلَازِمَتُهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تُوَجِّهَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِي مَا يُسْقِطُهُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 مُلَازَمَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً حَكَمَ عَلَيْهِ. وَلَا يَسْمَعُ الْجَرْحَ إِلَّا مُفَسَّرًا بِمَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، إِمَّا أَنْ يَرَاهُ أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فَاسِقٌ وَلَيْسَ بِعَدْلٍ. وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَاسْقٌ يَعْرِفُ حَالَهُ، قَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي شُهُودًا. وَإِنْ جَهِلَ حَالَهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. (فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً حُكِمَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ وَضُحَ عَلَى وَجْهٍ لَا إِشْكَالَ فِيهِ. (وَلَا يَسْمَعُ الْجَرْحَ إِلَّا مُفَسَّرًا بِمَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، إِمَّا أَنْ يَرَاهُ أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ) قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي شَارِبِ يَسِيرِ النَّبِيذِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقْبَلَ مُجَرَّدَ الْجَرْحِ ; لِئَلَّا يَجْرَحَهُ بِمَا لَا يَرَاهُ الْقَاضِي جَرْحًا. وَفِي الِاسْتِفَاضَةِ وَجْهٌ، كَتَزْكِيَةٍ. (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فَاسِقٌ وَلَيْسَ بِعَدْلٍ) كَالتَّعْدِيلِ فِي الْأَصَحِّ. لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالسَّبَبِ يَجْعَلُ الْجَارِحَ فَاسِقًا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّعْرِيضُ. وَقِيلَ: إِنِ اتَّحَدَ مَذْهَبُ الْجَارِحِ وَالْحَاكِمِ، أَوْ عَرَفَ الْجَارِحُ أَسْبَابَ الْجَرْحِ قَبِلَ إِجْمَالَهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْمُحَرَّرِ: الْمُبَيَّنُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ. وَالْمُطْلَقُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ فَاسِقٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ الْمُبَيَّنُ وَالْمُطْلَقُ، أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَنَحْوَهُ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ: بَلَغَنِي عَنْكَ كَذَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] . فَرْعٌ: إِذَا صَرَّحَ الْجَارِحُ بِقَذْفِهِ بِالزِّنَى، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ. وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ وَلَا فِي التَّعْدِيلِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ. وَعَنْهُ: بَلَى، كَالرِّوَايَةِ وَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهَا شَهَادَةٌ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَقْصِدُ بِهِ الْمَالَ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ فِي الْقِصَاصِ. وَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ مِنَ الْخَصْمِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. مَسْأَلَةٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُتَوَسِّمِينَ، وَذَلِكَ إِذَا حَضَرَ شَاهِدَانِ مُسَافِرَانِ فَشَهِدَا عِنْدَ حَاكِمٍ لَا يَعْرِفُهُمَا، كَشَاهِدَيِ الْحَضَرِ. [إِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَاسْقٌ يَعْرِفُ حَالَهُ] (وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَاسِقٌ يَعْرِفُ حَالَهُ، قَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي شُهُودًا) لِأَنَّ ذَلِكَ يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ مَعَ السَّتْرِ عَلَى الشَّاهِدِ. (وَإِنْ جَهِلَ حَالَهُ) لَزِمَهُ الْبَحْثُ. (وَطَالَبَ الْمُدَّعِيَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 وَطَالَبَ الْمُدَّعِي بِتَزْكِيَتِهِ. وَيَكْفِي فِي التَّزْكِيَةِ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ مَرْضِيٌّ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: ليَّ وعلي. وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ، وَجَرَحَهُ اثْنَانِ، فَالْجَرْحُ أَوْلَى. وَإِنْ سَأَلَ   [المبدع في شرح المقنع] بِتَزْكِيَتِهِ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلشَّاهِدَيْنِ: جِيئَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا. وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ، فَالشَّكُّ فِي وُجُودِهَا كَعَدَمِهَا، كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ. (وَيَكْفِي فِي التَّزْكِيَةِ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ، فَإِذَا شَهِدَا أَنَّهُ عَدْلٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إِذَا قُلْنَا: لَيْسَتْ شَهَادَةً. وَلَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدُ فِي الْجَمِيعِ، وَهِيَ حَقُّ الشَّرْعِ، يَطْلُبُهَا الْحَاكِمُ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهَا الْخَصْمُ. وَقِيلَ: بَلْ حَقُّهُ. (وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: لِي وَعَلِيَّ) لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَدْلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ; لِئَلَّا يَكُونَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ أَوْ قُرَابَةٌ، وَلِئَلَّا يَكُونَ عَدْلًا فِي شَيْءٍ دُونَ آخَرَ. وَفِي الشَّرْحِ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ لَمْ تَزُلْ بِقَرَابَةٍ وَلَا عَدَاوَةٍ، وَإِنَّمَا تُرَدُّ لِلتُّهْمَةِ مَعَ كَوْنِهِ عَدْلًا، ثُمَّ إِنَّ هَذَا إِذَا كَانَ مَعْلُومًا انْتِفَاؤُهُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِهِ، وَلَا نَفْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِالْحَقِّ مَنْ عَرَفَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُ، وَلِأَنَّ الْعَدُوَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ شَهَادَتِهِ لَهُ بِالتَّزْكِيَةِ، وَإِنَّمَا تُمْنَعُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ. وَلَا يَكْفِي فِيهَا أَنْ يَقُولَ: مَا أَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ الْمُزَكِّينَ مَعْرِفَةُ الْحَاكِمِ خِبْرَتَهُمَا الْبَاطِنَةَ بِصُحْبَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَمَعْرِفَةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. لِقَوْلِ عُمَرَ ; لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ إِظْهَارُ الطَّاعَاتِ وَإِسْرَارُ الْمَعَاصِي. وَفِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا: وَلَا يَتَّهِمُ بِمَعْصِيَةٍ. وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ تَعْدِيلٌ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ، وَكَذَا تَصْدِيقُهُ لَهُ. وَلَا تَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي الْأَشْهَرِ فِيهِنَّ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعَدِّلَ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَتَغَيَّرُونَ. وَقَالَ: قِيلَ لِشُرَيْحٍ: قَدْ أَحْدَثْتَ فِي قَضَائِكَ. قَالَ: إِنَّهُمْ أَحْدَثُوا فَأَحْدَثْنَا. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: لَا يَلْزَمُ الْمُزَكِّيَ الْحُضُورُ لِلتَّزْكِيَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ. وَإِنْ جَهِلَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ مَنَعَهُ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرُوهُ: أَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُعَدِّلَ لَا خِبْرَةَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بِالتَّعْدِيلِ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا: لَا يَجُوزُ لِلْمُعَدِّلِ الشَّهَادَةُ بِالْعَدَالَةِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ خِبْرَةً بَاطِنَةً. فَأَمَّا الْحَاكِمُ إِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الْعَدْلُ بِالتَّعْدِيلِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْحَالِ، فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الشَّهَادَةَ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ. وَإِنِ اسْتَكْشَفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى يُزَكِّيَ شُهُودَهُ، فَهَلْ يُحْبَسُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا، وَسَأَلَهُ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ حَبَسَهُ إِنْ كَانَ فِي الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ حَاكَمَ إِلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ تَرْجَمَ لَهُ مَنْ يَعْرِفُ لِسَانَهُ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] الْحَالَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ فَحَسَنٌ. (وَإِنْ عَدَلَهُ اثْنَانِ، وَجَرَحَهُ اثْنَانِ، فَالْجَرْحُ أَوْلَى) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْجَارِحَ يُخْبِرُ بِأَمْرٍ بَاطِنٍ خَفِيَ عَلَى الْمُعَدِّلِ، وَشَاهِدُ الْعَدَالَةِ يُخْبِرُ عَنْ أَمْرٍ ظَاهِرٍ، وَلِأَنَّ الْجَارِحَ مُثْبِتٌ وَالْمُعَدِّلَ نَافٍ، وَكَذَا إِنْ زَادَ عَدَدُ الْمُعَدِّلِ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ وَجَرَحَهُ وَاحِدٌ وَقَبِلْنَا جَرْحَهُ قُدِّمَ التَّعْدِيلُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ بَيِّنَةَ الْجَرْحِ لَمْ تَكْمُلْ. وَإِنْ جَرَحَهُ اثْنَانِ قُدِّمَا إِذَا بَيَّنَا سَبَبَ جَرْحِهِ، فَإِنْ أَخْبَرَ أَحَدُهُمَا: بِتَعْدِيلِهِ، وَالْآخَرُ: بِجَرْحِهِ، بَعَثَ آخَرَيْنِ، فَإِنْ أَخْبَرَا بِجَرْحِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ أَحَدًا. قُدِّمَ الْجَرْحُ. فَرْعٌ: إِذَا عَصَى فِي بَلَدِهِ فَانْتَقَلَ عَنْهُ، فَجَرَحَهُ اثْنَانِ فِي بَلَدِهِ، وَزَكَّاهُ اثْنَانِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ، قَدَّمَ التَّزْكِيَةَ. وَيَكْفِي فِيهَا الظَّنُّ، بِخِلَافِ الْجَرْحِ. (وَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى يُزَكِّيَ شُهُودَهُ، فَهَلْ يُحْبَسُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَشْهُرُهُمَا: أَنَّهُ يُحْبَسُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَزَادَ: لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْعَدَالَةُ، وَيُحْبَسُ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: لَا يُجِيبُهُ إِلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. وَقِيلَ: يُحْبَسُ فِي الْمَالِ وَنَحْوِهِ فَقَطْ. وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ سَأَلَ كَفِيلًا بِهِ في غير حَدّ، أَوْ جَعَلَ عَيْنَ مُدَّعَاهُ فِي يَدِ عَدْلٍ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ. (وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا، وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ حَبَسَهُ، إِنْ كَانَ فِي الْمَالِ) جَزَمَ بِهِ في أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ الشَّاهِدَ حُجَّةٌ فِيهِ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي. وَالْيَمِينُ إِنَّمَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ شَاهِدٍ آخَرَ، وَلَمْ يَحْصُلِ التَّعَذُّرُ. وَقِيلَ: لَا يُحْبَسُ. (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) : أَحَدُهُمَا: لَا يَحْبِسُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي إِثْبَاتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ. وَالثَّانِي: بَلَى، كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ إِنْ حُبِسَ لِيُقِيمَ شَاهِدًا آخَرَ يُتِمُّ بِهِ الْبَيِّنَةَ، فَهُوَ كَالْحَقِّ الَّذِي لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَإِنْ حُبِسَ لِيَحْلِفَ مَعَهُ، فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحَلِفَ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ، فَإِنْ ثَبَتَ حَقُّهُ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 يَقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّعْرِيفِ وَالرِّسَالَةِ، إِلَّا قَوْلَ عَدْلَيْنِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلٌ وَاحِدٌ في الكل. وَمَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً، فَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ يُحْبَسُ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ وَإِلَّا حَلَفَ غَرِيمُهُ وَأُطْلِقَ. وَقِيلَ: إِنْ طَلَبَ يَمِينَ الْمُنْكِرِ فَأَبَى، وَلَمْ تَثْبُتْ عَدَالَةُ الشَّاهِدِ حُبِسَ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: إِنْ تَوَقَّفَ الْحُكْمُ عَلَى شَاهِدٍ آخَرَ، لَمْ يُحْبَسْ غَرِيمُهُ حَتَّى يُقِيمَهُ، وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدَيْنِ بِأَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ، وَسَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ، فَوَجْهَانِ. وَإِنْ أَقَامَتِ الْمَرْأَةُ شَاهِدَيْنِ بِطَلَاقِهَا، وَلَمْ تُعْرَفْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، لَا إِنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا. (وَإِنْ حَاكَمَ إِلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ، تَرْجَمَ لَهُ مَنْ يَعْرِفُ لِسَانَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ إِلَّا بِذَلِكَ. (وَلَا يَقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ، وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَالتَّعْرِيفِ) الْمُرَادُ بِهِ تَعْرِيفُ الْحَاكِمِ، لَا تَعْرِيفَ الشَّاهِدِ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ فُلَانَةٌ، وَيَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي. وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ فِي الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ. (وَالرِّسَالَةِ) وَالتَّزْكِيَةِ. (إِلَّا قَوْلَ عَدْلَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. لِأَنَّ ذَلِكَ إِثْبَاتُ شَيْءٍ يَبْنِي الْحَاكِمُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ، فَافْتَقَرَ إِلَى ذَلِكَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ يَشْهَدَا بِذَلِكَ شِفَاهًا. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَالِ وَالزِّنَى. أَمَّا الْمَالُ: فَيَشْهَدُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَفِي الزِّنَى: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ. وَذَلِكَ شَهَادَةٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا. (وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلٌ وَاحِدٌ) فِي الْكُلِّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ «لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ، فَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ، حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُتَبَهُ، وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُم» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعِنْدَهُ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا تَقُولُ هَذِهِ؛ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هَذِهِ حَاطِبُ تُخْبِرُكَ بِالَّذِي صُنِعَ مَعَهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 تَجْدِيدِ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَصْلٌ وَإِنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ أَوْ مُسْتَتِرٍ فِي الْبَلَدِ أَوْ مَيِّتٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ وَلَهُ بَيِّنَةٌ، سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ بِهَا. وَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ؟ وَلَا مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَكَالرِّوَايَةِ وَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ. فَعَلَى هَذَا يَكْفِي إِخْبَارُ عَدْلٍ بِدُونِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ وَالِدًا وَوَلَدًا أَوْ أَعْمَى لِمَنْ خَبَرَهُ بَعْدَ عَمَاهُ لَا قَبْلَهُ، وَعَنْهُ: بِشَرْطِ حُرِّيَّتِهِ. ذَكَرَهَا ابْنُ هُبَيْرَةَ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يقبل خَبَر الْعَبْدِ كَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ، ويكتفي بِالرُّقْعَةِ مَعَ الرَّسُولِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ تَجِبُ الْمُشَافَهَةُ، وَتُعْتَبَرُ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ رَتَّبَهُ حَاكِمٌ يَسْأَلُ سِرًّا عَنِ الشُّهُودِ لِتَزْكِيَةٍ أَوْ جَرْحٍ، وَمَنْ نَصَّبَهُ لِلْحُكْمِ بِجَرْحٍ وَتَعْدِيلٍ وَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ، قَنِعَ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ. (وَمَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً، فَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) : أَحَدُهُمَا: لَا يَحْتَاجُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، كَالزَّمَنِ الْقَرِيبِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، فَلَا يَزُولُ حَتَّى يَثْبُتَ الْجَرْحُ. وَالثَّانِي: بَلَى، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ، لِأَنَّ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ تَتَغَيَّرُ الْأَحْوَالُ. [الِادِّعَاءُ عَلَى الْغَائِبِ] فَصْلٌ (وَإِنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ) مَسَافَةَ قَصْرٍ. (أَوْ مُسْتَتِرٍ فِي الْبَلَدِ) أَوْ فِي دُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ. (أَوْ مَيِّتٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ) وَعِبَارَةُ الْفُرُوعِ: أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ. وَهِيَ أَحْسَنُ. (وَلَهُ بَيِّنَةٌ سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ بِهَا) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 شَيْءٍ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ثُمَّ إِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فَهُوَ   [المبدع في شرح المقنع] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ، لِحُكْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ هِنْدَ وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا، وَلِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا يُفْضِي إِلَى تَأْخِيرِ الْحَقِّ مَعَ إِمْكَانِ اسْتِيفَائِهِ، وَالسَّمَاعُ مِنْ أَجْلِ الْحُكْمِ. وَلَيْسَ تَقَدُّمُ الْإِنْكَارِ هُنَا شَرْطًا. وَلَوْ فُرِضَ إِقْرَارُهُ فَهُوَ تَقْوِيَةٌ لِثُبُوتِهِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: لَا تَفْتَقِرُ الْبَيِّنَةُ إِلَى جُحُودٍ، إِذِ الْغَيْبَةُ كَالسُّكُوتِ، وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعُ عَلَى سَاكِتٍ. لَكِنْ لَوْ قَالَ: هُوَ مُعْتَرِفٌ، وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا. لَمْ تُسْمَعْ. وَقَالَهُ الْآدَمِيُّ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُسْتَتِرَ وَالْمَيِّتَ كَالْغَائِبِ، بَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّ الْمُسْتَتِرَ لَا عُذْرَ لَهُ بِخِلَافِ الْغَائِبِ. وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَإِنَّهُمَا لَا يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ. الْفَائِدَةُ: وَلَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ بِحَقٍّ لِلَّهِ ; لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ. فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالسَّرِقَةِ قَضَى بِالْغُرْمِ دُونَ الْقَطْعِ، وَفِي حَدِّ الْقَاذِفِ وَجْهَانِ. (وَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ؟ وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) : إِحْدَاهُمَا: لَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى بَقَاءِ حَقِّهِ. اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَكَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى حَاضِرٍ. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، قَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَضَاهُ أَوْ على غَيْر ذَلِكَ. وَكَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَادَّعَى بَعْضَ ذَلِكَ وَطَلَبَ الْيَمِينَ، وَلَا يَتَعَرَّضُ فِي يَمِينِهِ لَصِدْقِ الْبَيِّنَةِ لِكَمَالِهَا، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَامَ شَاهِدًا، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُ وَلَا يَلِينُ مَعَ بَيِّنَةٍ إِلَّا هُنَا ; لِأَنَّ فِيهِ طَعْنًا عَلَى الْبَيِّنَةِ. وَعَنْهُ: بَلَى، فَعَلَهُ عَلِيٌّ. وَعَنْهُ: مَعَ رِيبَةٍ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ. وَعَنْهُ: لَا يَحْكُمُ عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَكَانَ شُرَيْحٌ لَا يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ. وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى غَائِبٍ بِحَالٍ، إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ لِلْحَاضِرِ، مِثْلَ: أَنْ يَكُونَ وَكِيلُ الْغَائِبِ، أَوْ وَصِيٌّ، أَوْ جَمَاعَةٌ شُرَكَاءُ فِي شَيْءٍ فَيَدَّعِي عَلَى أَحَدِهِمْ وَهُوَ حَاضِرٌ، فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 عَلَى حُجَّتِهِ. وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ فِي الْبَلَدِ غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ لَمْ تُسْمَعِ الدعوى. فَإِنِ امْتَنَعَ عَنِ الْحُضُورِ، سُمِعَتِ الْبَيِّنَةُ وَحُكِمَ بِهَا، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَحْضُرَ. فَإِنْ أَبَى، بَعَثَ إِلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ لِيُحْضِرَهُ. فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الِاسْتِتَارُ، أَقْعَدَ عَلَى بَابِهِ مَنْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِي دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ حَتَّى   [المبدع في شرح المقنع] الْغَائِبِ. (ثُمَّ إِذَا قَدَمَ الْغَائِبُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ إِذَا زَالَ صَارَ كَالْحَاضِرِ الْمُكَلَّفِ. فَإِنْ قَدَمَ الْغَائِبُ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ تَجِبْ إِعَادَةُ الْبَيِّنَةِ، لَكِنْ يُخْبِرُهُ الْحَاكِمُ بِالْحَالِ وَيُمَكِّنُهُ مِنَ الْجَرْحِ، فَإِنْ جَرَحَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ مُطْلَقًا لَمْ يُقْبَلْ، لِجَوَازِ كَوْنِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ، وَإِلَّا قُبِلَ. (وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ فِي الْبَلَدِ غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ) أَوْ غَائِبًا عَنْهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ. (لَمْ تُسْمَعِ) الدَّعْوَى وَلَا (الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَحْضُرَ) ، لِأَنَّ حُضُورَهُ مُمْكِنٌ، فَلَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ، كَحَاضِرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ الْغَائِبِ. (فَإِنِ امْتَنَعَ منِ الْحُضُورِ، سُمِعَتِ الْبَيِّنَةُ وَحُكِمَ بِهَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) قَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ وَهِيَ أَشْهَرُ، لِأَنَّه إِذَا سُمِعَتْ عَلَى غَائِبٍ وَحُكِمَ بِهَا، فَلَأَنْ تُسْمَعَ عَلَى الْحَاضِرِ الْمُمْتَنِعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ; لِأَنَّ الْحَاضِرَ الْمُمْتَنِعَ لَا عُذْرَ لَهُ. (وَالْأُخْرَى لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَحْضُرَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَقْضِي لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ الثَّانِي» . فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَأَصَرَّ عَلَى الِاسْتِتَارِ، حَكَمَ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا وَفَّاهُ مِنْهُ. وَإِلَّا قَالَ لِلْمُدَّعِي: إِنْ عَرَفْتُ لَهُ مَالًا وَثَبَتَ عِنْدِي، وَفَّيْتُكَ مِنْهُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يُسْمَعَانِ، وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. (فَإِنْ أَبَى، بَعَثَ إِلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ لِيُحْضِرَهُ) فَعَلَى هَذَا يُنْفِذُ مَنْ يَقُولُ فِي مَنْزِلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْقَاضِي يَطْلُبُهُ إِلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَأَخْبَرُوهُ، وَيَحْرُمُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ. لَكِنْ صَرَّحَ فِي التَّبْصِرَةِ: إِنْ صَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ، أَمَرَ بِالْهُجُومِ عَلَيْهِ وَإِخْرَاجِهِ. وَنَصُّهُ: يَحْكُمُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ: يَحْكُمُ عَلَيْهِ إِذَا خَرَجَ. قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي حَرَمِهِ، كَمَنْ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ. (فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الِاسْتِتَارُ، أَقْعَدَ عَلَى بَابِهِ مَنْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِي دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ حَتَّى يَحْضُرَ) ، إِذِ الْحَاكِمُ يَضَيِّقُ عَلَيْهِ بِمَا يَرَاهُ حَتَّى يَحْضُرَ. وَالْحُكْمُ لِلْغَائِبِ مُمْتَنِعٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 يَحْضُرَ. فإِنِ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِب وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ فُلَانٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَيْهِ، فَأَقَرَّ المدعى عَلَيْهِ، أَوْ ثبت بِبَيِّنَة سَلَّمَ إِلَى الْمُدَّعِي نَصِيبَهُ، وَأَخَذَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْغَائِبِ فَيَحْفُظُهُ لَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَالُ دَيْنًا أَنْ يُتْرَكَ نَصِيبُ الْغَائِبِ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ حَتَّى يَقْدِمَ. وإذا ادَّعَى إِنْسَانٌ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لِامْتِنَاعِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَهُ، وَالْكِتَابَةُ لَهُ إِلَى قَاضٍ آخَرَ، لِيَحْكُمَ لَهُ بِكِتَابِهِ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ. وَيَصِحُّ تَبَعًا. وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنِ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِبٍ) أَوْ غَيْرِ رَشِيدٍ. (وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ فُلَانٍ أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِ، فَأَقَرَّ) الْمُدَّعَى (عَلَيْهِ، أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ سَلَّمَ إِلَى الْمُدَّعِي نَصِيبَهُ، وَأَخَذَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْغَائِبِ فَيَحْفَظُهُ لَهُ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ تَسْلِيمَ نَصِيبِهِ إِلَيْهِ. وَكَذَا حُكْمُهُ بِوَقْفٍ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَمْ يُخْلَقْ تَبَعًا، وَإِثْبَاتُ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ الْوِكَالَةَ فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ، فَتَثْبُتُ لَهُ تَبَعًا وَسُؤَالُ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ الْحَجْرَ كَالْكُلِّ، وَقَدْ سَبَقَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْقَضِيَّةُ الْوَاحِدَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى عَدَدٍ أَوْ أَعْيَانٍ كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي الْمُشْرِكَةِ، أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لِوَاحِدٍ أَوْ عَلَيْهِ يَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ، وَحُكْمُهُ لِطَبَقَةٍ حُكْمٌ لِلثَّانِيَةِ إِنْ كَانَ الشَّرْطُ وَاحِدًا، ثُمَّ مَنْ أَبْدَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْأَوَّلَ مِنَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، فَلِلثَّانِي الدَّفْعُ بِهِ. (وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَالُ دَيْنًا أَنْ يَتْرُكَ نَصِيبَ الْغَائِبِ) وَغَيْرِ الرَّشِيدِ. (فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ حَتَّى يَقْدُمَ) وَيَرْشُدَ الْآخَرُ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّلَفُ إِذَا قَبَضَهُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْبَاقِي شَارَكَ الْآخَرَ فِيمَا أَخَذَهُ. فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ، وَرَشَدَ الْآخَرُ لَمْ تَعُدِ الدَّعْوَى إِلَّا مِنْ جِهَةٍ غَيْرِ الْإِرْثِ. وَإِنْ أَقَامَ الْحَاضِرُ الرَّشِيدَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ فِي الْإِرْثِ، أَخَذَ حَقَّهُ. فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَرَشَدَ الْآخَرُ حَلَفَا بِدُونِ إِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، إِلَّا فِي غَيْرِ الْإِرْثِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ تَعَرُّضُ التَّلَفِ بِفَلَسٍ وَمَوْتٍ وَعَزْلِ الْحَاكِمِ وَتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ، وَكَالْمَنْقُولِ. وَكَمَا لَوْ آجَرَهُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، ثُمَّ إِذَا دَفَعْنَا إِلَى الْحَاضِرِ نِصْفَ الْعَيْنِ أَوِ الدَّيْنِ لَمْ يُطَالِبْهُ بِضَمِينٍ، لِأَنَّ فِيهِ طَعْنًا عَلَى الشُّهُودِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: سَوَاءٌ كَانَ الشَّاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ أَوْ لَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا فِي نَفْيِ وَارِثٍ آخَرَ، حَتَّى يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ وَالْمَعْرِفَةِ الْمُتَقَادِمَةِ. فَعَلَى هَذَا: يَسْأَلُ الْحَاكِمُ، وَيَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي أَنَّ فُلَانًا مَاتَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 بِحَقٍّ فَصَدَّقَهُ، قَبْلَ قَوْلِ الْحَاكِمِ وَحْدَهُ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ ذَلِكَ، فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا وَأَمْضَى الْقَضَاءَ، وَكَذَلِكَ إِنْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا   [المبدع في شرح المقنع] فَلْيَأْتِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ لَظَهَرَ دَفَعَ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ مَعَ الِابْنِ ذُو فَرْضٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْطَى فَرْضَهُ كَامِلًا. وَعَلَى الْآخَرِ: يُعْطَى الْيَقِينَ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ أُعْطِيَتْ رُبْعَ الثَّمَنِ عَائِلًا، فَيَكُونُ رُبُعُ التُّسْعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ جَدَّةٌ وَثَبَتَ مَوْتُ أُمِّهِ أَعْطَيْتَهَا ثُلُثَ السُّدْسِ. وَتُعْطَاهُ عَائِلًا فَيَكُونُ ثُلُثَ الْعُشْرِ، وَلَا يُعْطَى الْعَصَبَةُ شَيْئًا. مَسْأَلَةٌ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي دَارٍ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لَهُ أَمْسِ، مَلَّكَهُ، أَوْ مُنْذُ شَهْرٍ سُمِعَتِ الْبَيِّنَةُ وَقُضِيَ بِهَا فِي الْأَشْهَرِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْمَاضِي، فَإِذَا ثَبَتَ اسْتُدِيمَ حَتَّى يُعْلَمَ زَوَالُهُ، وَلَا تُسْمَعَ فِي وَجْهٍ، صَحَّحَهُ الْقَاضِي. لَكِنْ إِنِ انْضَمَّ إِلَى شَهَادَتِهِ بَيَانُ سَبَبِ يَدِ الثَّانِي، سُمِعَتْ وَقُضِيَ بِهَا. فَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي أَمْسِ، سُمِعَ إِقْرَارُهُ فِي الصَّحِيحِ وَحُكِمَ بِهِ. وَيُفَارِقُ الْبَيِّنَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَقْوَى مِنَ الْبَيِّنَةِ. الثَّانِي: أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ إِلَّا عَلَى مَا ادَّعَاهُ، وَالدَّعْوَى يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِالْحَالِ، وَالْإِقْرَارُ يُسْمَعُ ابْتِدَاءً. (وَإِنِ ادَّعَى إِنْسَانٌ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحَقٍّ فَصَدَّقَهُ، قَبِلَ قَوْلَ الْحَاكِمِ وَحْدَهُ) كَمَا لَوْ أَقَرَّ خَصْمُهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَاكِمَ عَنْ إِقْرَارِهِ، فَقَالَ: نَعَمْ. وَلَيْسَ هَذَا حُكْمًا بِعِلْمٍ، إِنَّمَا هُوَ إِمْضَاءُ الْحُكْمِ السَّابِقِ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ مَنَعَنَا الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ، فَلَا. (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ ذَلِكَ، فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا وَأَمْضَى الْقَضَاءَ) ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى إِمْضَائِهِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ لَا يَقْبَلُهُمَا. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إِلَى الْعِلْمِ وَالِاحْتِيَاطِ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى الظَّنِّ، كَالشَّاهِدِ إِذَا نَسِيَ شَهَادَتَهُ، فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَنَّهُ شَهِدَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِ غَيْرِهِ قَبِلَ، فَكَذَا إِذَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِهِ. وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَسْتَقِيمُ ; لِأَنَّ ذِكْرَ مَا نَسِيَهُ لَيْسَ إِلَيْهِ، وَالْحَاكِمُ يُمْضِي مَا حَكَمَ بِهِ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَالشَّاهِدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِمْضَاءِ شَهَادَتِهِ. وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ صَوَابَ نَفْسِهِ، فَإِنْ تَيَقَّنَهُ لَمْ يَقْبَلْهُمَا ; لِقِصَّةِ ذِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 شَهِدَا عِنْدَكَ بِكَذَا، قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا. وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ، لَكِنْ وَجَدَهُ فِي قِمَطْرِةِ تَحْتَ خَتْمِهِ بِخَطِّهِ فَهَلْ يُنَفِّذُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ إِذَا رَأَى خَطَّهُ فِي كِتَابٍ بِشَهَادَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهَا، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْيَدَيْنِ. (وَكَذَلِكَ إِنْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدَكَ بِكَذَا، قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا) كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْحَقِّ نَفْسِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ، لَكِنْ وَجَدَهُ فِي قِمَطْرِةِ تَحْتَ خَتْمِهِ بِخَطِّهِ) وَتَيَقَّنَهُ، ذَكَرَهُ الِأَصْحَاب وَلَمْ يَذْكُرْهُ. (فَهَلْ يُنَفِّذُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) : إِحْدَاهُمَا: لَا يَعْمَلُ بِهِ، إِلَّا أَنْ يَذْكُرَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: الْمَذْهَبُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: هُوَ الْأَشْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ ; لِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ لَمْ يَعْلَمْهُ، فَلَمْ يَجُزْ إِنْفَاذُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ كَحُكْمِ غَيْرِهِ. وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّرَ عَلَيْهِ، وَعَلَى خَطِّهِ وَخَتْمِهِ، وَكَخَطِّ أَبِيهِ بِحُكْمٍ أَوْ شَهَادَةٍ، لَمْ يَشْهَدْ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا إِجْمَاعًا. وَالثَّانِيَةُ: يَحْكُمُ بِهِ. اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهَذَا الَّذِي رَأَيْتُهُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الشَّاهِدِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي قِمَطْرِة تَحْتَ خَتْمِهِ لَمْ يَحْتَمِلْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، إِلَّا احْتِمَالًا بَعِيدًا كَاحْتِمَالِ كَذِبِ الشَّاهِدَيْنِ. وَالثَّالِثَةُ: يُنَفِّذُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي حِرْزِهِ وَحِفْظِهِ كَقِمَطْرِةِ، أَوْ لَا. فَإِنْ قُلْتَ: لَوْ وَجَدَ فِي دَفْتَرِ أَبِيهِ حَقًّا عَلَى إِنْسَانٍ، جَازَ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَيَحْلِفَ عَلَيْهِ. قُلْنَا: هَذَا يُخَالِفُ الْحُكْمَ وَالشَّهَادَةَ، بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ خَطَّ أَبِيهِ بِشَهَادَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا وَلَا يَشْهَدَ بِهَا. وَلَوْ وَجَدَ حُكْمَ أَبِيهِ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ إِنْفَاذُهُ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ فَعَلَهُ فَرُوعِيَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا كَتَبَهُ أَبُوهُ فَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى نَفْسِهِ، فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ. (وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ إِذَا رَأَى خَطَّهُ) جَزْمًا (فِي كِتَابٍ بِشَهَادَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهَا، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، أَيْ: فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَعَلَّلَ فِي الشَّرْحِ الْجَوَازَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا خَطُّهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: لَوْ ضَاعَ أَوِ انْمَحَى لَمْ يَضُرَّهُ، وَلَوْ شَهِدَ بِخِلَافِهِ صَحَّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 فَصْلٌ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ حَقٌّ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُهُ بِالْحَاكِمِ، وَقَدَرَ عَلَى مَالٍ له، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قَدَرَ حَقِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ أَخَذَ بِقَدْرِه، وَإِلَّا قَوَّمَهُ وَأَخَذَ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا أُخْبِرَ حَاكِمٌ آخَرُ بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ عَمِلَ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُخْبِرِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: عَنِ الْمَجْلِسِ وَيَقْبَلُ خَبَرَهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا، أَوْ فِي عَمَلِ أَحَدِهِمَا. وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا يُقْبَلُ، إِلَّا أَنْ يُخْبِرَ فِي عَمَلِهِ حَاكِمًا فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَعْمَلُ بِهِ إِذَا بُلِّغَ عَمَلَهُ وَجَازَ حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَا فِي وِلَايَةِ الْمُخْبِرِ فَوَجْهَانِ. وَفِيهِ إِذَا قَالَ: سَمِعْتُ الْبَيِّنَةَ، فَاحْكُمْ. لَا فَائِدَةَ فِيهِ مَعَ حَيَاةِ الْبَيِّنَةِ، بَلْ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا. [مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ حَقٌّ هَلْ يَأْخُذُهُ بِنَفْسِهِ] فَصْلٌ (مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ حَقٌّ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُهُ بِالْحَاكِمِ، وَقَدَرَ عَلَى مَالٍ له، لَمْ يَجُزْ) أَيْ: يَحْرُمُ. (أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» . وَقَوْلُهُ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ وَالْمُعَارَضَةَ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ، إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ عَلَى ضَيْفٍ أَخْذُ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ فَلَهُ ذَلِكَ. فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ: لَوْ أَخَذَ شَيْئًا لَزِمَهُ رَدُّهُ أَوْ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ تَسَاقَطَا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ غَرِمَهُ. وَتَقَدَّمَ لَوْ غَصَبَهُ مَالًا، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالِهِ أَخَذَهُ قَهْرًا، زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى فِتْنَةٍ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا، فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ. وَجْهًا وَاحِدًا ; لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَضِيَا. (وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ) هَذا رِوَايَةٌ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّيَا الْأَخْذَ بِالْعَدْلِ. (فَإِنْ قَدَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 بِقَدْرِه مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ، لِحَدِيثِ هِنْدَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» . وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ أَخَذَ بِقَدْرِه) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ (وَإِلَّا) ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ. (قَوَّمَهُ وَأَخَذَ بِقَدْرِه) لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ لَا مُقَابِلَ لَهُ. (مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ، لِحَدِيثِ هِنْدَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» . وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّ حَدِيثَ هِنْدَ قَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إِلَى الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِيَّةِ وَاجِبٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالْمُحَاكَمَةُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ تَشُقُّ، بِخِلَافِ مَنْ لَهُ دَيْنٌ. وَفَرَّقَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ أَنَّ قِيَامَ الزَّوْجِيَّةِ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا مِنَ الْبَسْطِ فِي مَالِهِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ مَا يُؤَثِّرُ فِي أَخْذِ الْحَقِّ، وَبَذْلِ الْيَدِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَعَلَى الْجَوَازِ، لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا يَبِيعُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَلْحَقُهُ فِيهِ تُهْمَةٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ، كَمَا قَالُوا فِي الرَّهْنِ يُرْكَبُ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ. فَأَمَّا إِنْ كَانَ مُقِرًّا بِهِ بَاذِلًا لَهُ، أَوْ كَانَ مَانِعًا لَهُ لِأَمْرٍ يُبِيحُ الْمَنْعَ كَالتَّأْجِيلِ وَالْإِعْسَارِ، أَوْ قَدَرَ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ بِالْحَاكِمِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. فَرْعٌ: نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنَيْهِ وَحَرْبٌ: عَلَى أَنَّ لِابْنِ الابن أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ أَبِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ. وَيَتَخَرَّجُ جَوَازُهُ بِنَاءً عَلَى تَنْفِيذِ الْوَصِيِّ الْوَصِيَّةَ مَا فِي يَدِهِ إِذَا كَتَمَ الْوَرَثَةُ تَعْيِينَ التَّرِكَةِ. (وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ) وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أَنَّهُ يُزِيلُ الْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ.   [المبدع في شرح المقنع] حُكْمٌ بِشَهَادَةِ زُورٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، كَالْمَالِ الْمُطْلَقِ. (وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أَنَّهُ يُزِيلُ الْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا، فَرُفِعَا إِلَى عَلِيٍّ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ، فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَنِي، اعْقِدْ بَيْنَنَا عَقْدًا حَتَّى أَحِلَّ لَهُ. فَقَالَ: شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ. فَعَلَى هَذَا: يَحِلُّ لِمُدَّعِي النِّكَاحِ وَطْءُ الْمَرْأَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا. وَالتَّصَرُّفُ فِي الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ. وَلِمَنْ عَلِمَ كَذِبَ شُهُودِ الطَّلَاقِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْمَرْأَةِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّزْوِيجَ إِلَى الشَّاهِدَيْنِ لَا إِلَى حُكْمِهِ. لَكِنَّ اللِّعَانَ يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَالْبَيِّنَةُ أَوْلَى. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ اللِّعَانَ حَصَلَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ لَا بِصِدْقِ الزَّوْجِ. وَلِهَذَا لَوْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ. لَكِنْ أَجَابَ حَنْبَلِيٌّ بِأَنَّ اللِّعَانَ وَضَعَهُ الشَّرْعُ لِسَتْرِ الزَّانِيَةِ وَصِيَانَةِ النَّسَبِ، فَتَعَقَّبَ الْفَسْخُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ إِلَّا بِهِ، وَمَا وَضَعَهُ الشَّرْعُ لِلْفَسْخِ بِهِ زَوَالُ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ مِنْ مَسْأَلَتِنَا إِلَّا جَهْلُ الْحَاكِمِ بِبَاطِنِ الْأَمْرِ، وَعِلْمُهُمَا وَعِلْمُ الشُّهُودِ أَكْثَرُ مِنَ النَّصِّ فِي الدَّلَالَةِ ; لِأَنَّ النَّصَّ مَعْلُومٌ وَهَذَا مَحْسُوسٌ. وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ كَالْمُقْنِعِ ثُمَّ اسْتَثْنَى: إِلَّا فِي أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَطَعَ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يُحِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ. فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ شُفْعَةَ جِوَارٍ، زَالَ بَاطِنًا فِي الْأَعْرَفِ. وَلَوْ حَكَمَ لِمُجْتَهِدٍ أَوْ عَلَيْهِ بِمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ، عَمِلَ بَاطِنًا بِالْحُكْمِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: بِاجْتِهَادِهِ. وَإِنْ بَاعَ حَنْبَلِيٌّ - مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ - فَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ شَافِعِيٌّ، نَفَذَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إِلَّا أَبَا الْخَطَّابِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ، مَنْ حُكِمَ لَهُ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ بِبَيِّنَةِ زُورٍ، حَلَّتْ لَهُ حُكْمًا، ثُمَّ إِنْ وَطَأَ مَعَ الْعِلْمِ فَكَزِنًى، وَيُصْبِحُ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ، خِلَافًا لِلْمُؤَلِّفِ. وَإِنْ حَكَمَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِشُهُودٍ زُورٍ، فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهَا ظَاهِرًا، وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ الْحَالَ، نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ وَطِئَهَا فَهَلْ يُحَدُّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 بَابُ حكم كِتَابِ الْقَاضِي إلى القاضي يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، كَالْقَرْضِ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ النِّكَاحُ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَطْءِ لِلْمَرْأَةِ مِنِ اثْنَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَطَأُهَا بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، وَالْآخَرُ بِحُكْمِ الْبَاطِنِ. وَهَذَا فَسَادٌ. وَكَالْمُتَزَوِّجِ بِلَا وَلِيٍّ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا رَدَّ حَاكِمٌ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِرَمَضَانَ، لَمْ يُؤَثِّرْ كَمِلْكٍ مُطْلَقٍ، وَأَوْلَى، لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِحُكْمِهِ فِي عِبَادَةٍ وَوَقْتٍ وَإِنَّمَا هُوَ فَتْوَى، فَلَا يُقَالُ: حَكَمَ بِكَذِبِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. وَفِي الْمُغْنِي: أَنَّ رَدَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ هُنَا، لِتَوَقُّفِهِ فِي الْعَدَالَةِ، وَلِهَذَا لَوْ ثَبَتَتْ حُكِمَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أُمُورُ الدِّينِ وَالْعِبَادَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْكُمُ فِيهَا إِلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، إِجْمَاعًا. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِثْبَاتَ سَبَبِ الْحُكْمِ كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالزَّوَالِ لَيْسَ بِحُكْمٍ. فَمَنْ لَمْ يَرَهُ سَبَبًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ: أَنَّهُ حُكْمٌ. الثَّانِيَةُ: إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ حُكْمٌ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ لِيُنَفِّذَهُ، لَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: مَعَ عَدَمِ نَصٍّ يُعَارِضُهُ. وَكَذَا إِنْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ، كَحُكْمِهِ بِعِلْمِهِ وَنُكُولِهِ وَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: لَا يَلْزَمُهُ، إِلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ آخَرُ قَبْلَهُ. الثَّالِثَةُ: إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ خَصْمَانِ عَقْدًا فَاسِدًا عِنْدَهُ فَقَطْ، وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ نَافِذُ الْحُكْمِ، حُكِمَ بِصِحَّتِهِ، فَلَهُ إِلْزَامُهُمَا ذَلِكَ، وَرَدُّهُ وَالْحُكْمُ بِمَذْهَبِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنَّهُ كَالْبَيِّنَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، كَبَيِّنَتِهِ إِنْ عَيَّنَا الْحَاكِمَ. الرَّابِعَةُ: مَنْ قَلَّدَ فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ لَمْ يُفَارِقْ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ، كَحُكْمٍ بِخِلَافِ مُجْتَهِدٍ نَكَحَ ثُمَّ رَأَى بُطْلَانَهُ، فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ، وَلَا يَلْزَمُ إِعْلَامُ الْمُقَلِّدِ بِتَغَيُّرِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ فِي إِتْلَافٍ بِمُخَالَفَةِ قَاطِعٍ ضَمِنَ، لَا مُسْتَفْتِيهِ، وَفِي تَضْمِينِ مُفْتٍ لَيْسَ أَهْلًا وَجْهَانِ. [بَابُ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي] [الْأَحْوَالُ الَّتِي يُقْبَلُ فِيهَا كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي] بَابُ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29] ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 وَالْغَصْبِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالصُّلْحِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ وَلَا يُقْبَلُ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَهَلْ يُقْبَلُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، كالْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّسَبِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالتَّوْكِيلِ، وَالْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَأَمَّا حَدُّ   [المبدع في شرح المقنع] وَكُتُبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ وَمُلُوكِ الْأَطْرَافِ، وَكَانَ يَكْتُبُ إِلَى عُمَّالِهِ وَسُعَاتِهِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى قَبُولِهِ. فَإِنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ لَا يُمْكِنُهُ إِتْيَانُهُ وَلَا مُطَالَبَتُهُ إِلَّا بِكِتَابِ الْقَاضِي، وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ قَبُولِهِ. (يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، كَالْقَرْضِ، وَالْغَصْبِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالصُّلْحِ، وَالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. (وَلَا يُقْبَلُ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ ; لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السَّتْرِ، وَالدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْإِسْقَاطِ بِالرُّجُوعِ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ. (وَهَلْ يُقْبَلُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، كالْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّسَبِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالتَّوْكِيلِ، وَالْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) : إِحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ لَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا، كَقَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلا بِشَاهِدَيْنِ كَحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى -. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ إِلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ. وَفِي الشَّرْحِ: أَنَّ الْمَذْهَبَ: لَا يُقْبَلُ فِي الْقِصَاصِ كَالْحَدِّ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْفَرْعِ، وَمَا لَا فَلَا، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ; لِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. (فَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ، فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلَّهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 الْقَذْفِ، فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ. وَإِنْ قُلْنَا: هو لِآدَمِيِّ فَهُوَ كَالْقِصَاصِ. وَيَجُوزُ كِتَابُه فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنَفِّذَهُ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ، وَمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَيَجُوزُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ دُونَ الْقَرِيبَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضٍ   [المبدع في شرح المقنع] - تَعَالَى - فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ) كَحُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى. (وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِآدَمِيٍّ فَهُوَ كَالْقِصَاصِ) جَزَمَ فِي الْوَجِيزِ بِثُبُوتِهِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ; لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ. وَذَكَرُوا فِيمَا إِذَا تَغَيَّرَتْ حَالُهُ أَنَّهُ أَصْلٌ، وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ، فَلَا يُسَوَّغُ نَقْضُ الْحُكْمِ بِإِنْكَارِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ. وَلَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ، بَلْ يَمْنَعُ إِنْكَارَهُ الْحُكْمَ، كَمَا يَمْنَعُ رُجُوعَ شُهُودِ الْأَصْلِ الْحُكْمَ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ، وَأَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ. [كِتَابُ الْقَاضِي فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنَفِّذَهُ] (وَيَجُوزُ كِتَابُهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ) مِثْلُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى إِنْسَانٍ بِحَقٍّ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَفَاؤُهُ. أَوْ يَدَّعِيَ حَقًّا عَلَى غَائِبٍ، وَيُقِيمَ بَيِّنَةً عِنْدَهُ، وَيَسْأَلَ الْحَاكِمَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ، فَيَحْكُمَ عَلَيْهِ، وَيَسْأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِحُكْمِهِ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْغَائِبُ، فَيَكْتُبَ لَهُ إِلَيْهِ. أَوْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى حَاضِرٍ، فَيَهْرُبَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، فَيَسْأَلَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْحَاكِمَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِحُكْمِهِ، فَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ إِجَابَتُهُ ; لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ. (لِيُنَفِّذَهُ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ، وَمَسَافَةِ الْقَصْرِ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ إِلَيْهِ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ، يَجِبُ إِمْضَاؤُهُ عَلَى كُلِّ حَاكِمٍ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَفِي حَقٍّ للَّهِ - تَعَالَى -. (وَيَجُوزُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ دُونَ الْقَرِيبَةِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ نَقْلُ شَهَادَةٍ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَكِتَابُهُ بِالْحُكْمِ لَيْسَ هُوَ نَقْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ. وَعَنْهُ: فَوْقَ يَوْمٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: خَرَّجْتُهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَقَلَّ كَخَبَرٍ. وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَكُونُ فِي كِتَابِهِ: شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِكَذَا. لِيَكُونَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَقْضِي، وَلَا يَكْتُبُ: ثَبَتَ عِنْدِي. لِأَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا كَبَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 مُعَيَّنٍ، وَإِلَى مَنْ يَصِلُ إِلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ، وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ يُحْضِرُهُمَا الْقَاضِي الْكَاتِبُ فَيَقْرَأُهُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ يَقُولُ:   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ ; لِأَنَّهُ خَبَرٌ بِالثُّبُوتِ كَشُهُودِ الْفَرْعِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْر وَنَهْي يَتَضَمَّنُ إِلْزَامًا. فَرْعٌ: لَوْ أَثْبَتَ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ، كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، فَإِنْ حَكَمَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ، فَلِحَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَهُ مَسَافَةً قَرِيبَةً. وَإِنْ لَمْ يَحْكُمِ الْمَالِكِيُّ، بَلْ قَالَ: ثَبَتَ كَذَا. فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ. ثُمَّ إِنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا نَفَّذَهُ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَلُزُومِ الْحَنْبَلِيِّ تَنْفِيذَهُ، يَنْبَنِي عَلَى لُزُومِ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخَطِّ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ. وَلِهَذَا لَا يُنَفِّذُهُ الْحَنَفِيُّ حَتَّى يُنَفِّذَهُ آخَرُ. وَلِلْحَنْبَلِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَمَعَ قُرْبِهَا، الْخِلَافُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ) كَكِتَابِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ. (وَإِلَى مَنْ يَصِلُ إِلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ كَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا. (وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ) عَدْلَانِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ ضَبْطُهُمَا لِمَعْنَاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ فَقَطْ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: عِنْدَ الْكَاتِبِ. وَيَتَوَجَّهُ لَنَا: أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَخَتْمَهُ اكْتَفَى بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَوَّارٍ وَالْعَنْبَرِيِّ ; لِأَنَّهُ يَحْصُلُ غَلَبَةُ الظَّنِّ أَشْبَهَ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ مَا أَمْكَنَ إِتْيَانُهُ بِالشَّهَادَةِ لَمْ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الظَّاهِرِ، كَإِثْبَاتِ الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَتْمُ يُمْكِنُ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ نَقْلُ حُكْمٍ أَوْ إِثْبَاتٍ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بُدٌّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. (يُحْضِرُهُمَا الْقَاضِي الْكَاتِبُ) لِأَنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ بِغَيْرِ مَعْرِفَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ غَيْرُ جَائِزٍ. (فَيَقْرَأُهُ عَلَيْهِمَا) وَهَذَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْقَبُولِ، بَلْ قِرَاءَتُهُ هِيَ الْوَاجِبَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَهُ الْحَاكِمُ ; لِأَنَّهُ أَبْلَغُ. وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَا مَعَهُ فِيمَا يَقْرَؤُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْظُرَا جَازَ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ إِلَّا ثِقَةٌ. (ثُمَّ يَقُولُ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 أُشْهِدُكُمَا أَنَّ هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، فَإِذَا وَصَلَا إِلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، دَفَعَا إِلَيْهِ الْكِتَابَ، وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إِلَيْكَ، مِنْ عَمَلِهِ وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ. وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَشْهَدَا بِمَا فِيهِ وَبخْتمه، وَلَا يُشْتَرَطُ خَتْمُهُ. وَإِنْ كَتَبَ كِتَابًا وَأَدْرَجَهُ   [المبدع في شرح المقنع] أُشْهِدُكُمَا أَنَّ هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ) لِأَنَّهُ يُحَمِّلُهُمَا الشَّهَادَةَ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ إِشْهَادُهُ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَإِنْ قَالَ: اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ. كَانَ أَوْلَى. فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانٍ. فَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ حَتَّى يَقُولَ: اشْهَدَا عَلَيَّ. كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِئُ. ثُمَّ إِنْ قَلَّ مَا فِي الْكِتَابِ اعْتَمَدَا عَلَى حِفْظِهِ، وَإِلَّا كَتَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا نُسْخَةً بِهِ. وَيَقْبِضَانِ الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَا ; لِئَلَّا يَدْفَعَ إِلَيْهِمَا غَيْرَهُ. (فَإِذَا وَصَلَا إِلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، دَفَعَا إِلَيْهِ الْكِتَابَ) ثُمَّ يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ شَهِدَا بِهِ. (وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إِلَيْكَ، كَتَبَهُ مِنْ عَمَلِهِ وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مِنْ قَاضٍ، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ قَضَائِهِ. وَفِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ: كَتَبَهُ بِحَضْرَتِنَا، وَقَالَ لَنَا: اشْهَدَا عَلَيَّ، كَتَبْتُهُ فِي عَمَلِي، فَثَبَتَ عِنْدِي وحَكَمْتُ بِهِ مِنْ كَذَا وَكَذَا. فَيَشْهَدَانِ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا إِذَا وَصَلَ فِي مَجْلِسِ عَمَلِهِ. (وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَشْهَدَا بِمَا فِيهِ، وَبختمه) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ. (وَلَا يُشْتَرَطُ خَتْمُهُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ وَلَمْ يَخْتِمْهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ لَا يَقْرَأُ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ. فَاتَّخَذَ الْخَاتَمَ. [الْكِتَابُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ] وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُقْبَلُ سَوَاءٌ كَانَ مَخْتُومًا أَوْ غَيْرَ مَخْتُومٍ، وَمَفْتُولًا أَوْ غَيْرَ مَفْتُولٍ ; لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَا عَلَى الْخَطِّ وَالْخَتْمِ. فَإِنِ انْمَحَى الْخَطُّ وَكَانَا يَحْفَظَانِ مَا فِيهِ، جَازَ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ. فَائِدَةٌ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ اسْمَهُ فِي الْعُنْوَانِ، وَلَا ذِكْرُ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فِي بَاطِنِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا لَمْ يَذْكُرِ اسْمَهُ لَا يُقْبَلُ ; لِأَنَّ الْكِتَابَ إِلَيْهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 وَخَتَمَهُ، وَقَالَ: هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانٍ، اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ. لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً وَخَتَمَهَا ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَى مَا فِيهَا: فَلَا، حَتَّى يُعْلِمَهُ مَا فِيهَا. وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ لِقَوْلِهِ: إِذَا وُجِدَتْ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةً عِنْدَ رَأْسِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَوْ أَعْلَمَ بِهَا أَحَدًا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورًا، فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ مَا فِيهَا. وَعَلَى هَذَا إِذَا عَرَفَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَخَتْمُهُ، جَازَ قَبُولُهُ، وَالْعَمَلُ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَلَا يَكْفِي ذِكْرُ اسْمِهِ فِي الْعُنْوَانِ دُونَ بَاطِنِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَلَى وَجْهِ الْمُخَاطَبَةِ. (وَإِنْ كَتَبَ كِتَابًا وَأَدْرَجَهُ وَخَتَمَهُ، وَقَالَ: هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانٍ، اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ. لَمْ يَصِحَّ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمَجْهُولٍ لَا يَعْلَمَانِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ. كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مَالًا. (لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً وَخَتَمَهَا ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَى مَا فِيهَا: فَلَا حَتَّى يُعْلِمَهُ بِمَا فِيهَا) هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى جِهَةِ الْأَصْلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ. (وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ) هَذا رِوَايَةٌ، كَمَا لَوْ شَهِدَا مَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنَ الدَّرَاهِمِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَهَا. (لِقَوْلِهِ: إِذَا وُجِدَتْ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةً عِنْدَ رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَوْ أَعْلَمَ بِهَا أَحَدًا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورًا، فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ مَا فِيهَا) لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى. فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا. (وَعَلَى هَذَا إِذَا عَرَفَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَخَتْمُهُ، جَازَ قَبُولُهُ) لِأَنَّ الْقَبُولَ هُنَا كَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ عُرِفَ خَطُّهُ بِإِقْرَارٍ وَإِنْشَاءٍ، أَوْ عَقْدٍ أَوْ شَهَادَةٍ، عُمِلَ بِهِ كَمَيِّتٍ. فَإِنْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ مَضْمُونَهُ، فَكَاعْتِرَافِهِ بِالصَّوْتِ وَإِنْكَارِ مَضْمُونِهِ. وَذَكَرَ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُحْكَمُ بِخَطِّ شَاهِدٍ مَيِّتٍ. وَقَالَ: الْخَطُّ كَاللَّفْظِ إِذَا عُرِفَ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا خَطُّهُ كَمَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا صَوْتُهُ. (وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى. فَرْعٌ: إِذَا تَرَافَعَ إِلَيْهِ خَصْمَانِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ، إِلَّا بِتَرَاضِيهِمَا بِهِ. فَيَكُونُ حُكْمُ غَيْرِ الْقَاضِي إِذَا تَرَاضَيَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَصْمَانِ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَوْ لَمْ يَكُونَا. وَلَوْ تَرَافَعَ إِلَيْهِ اثْنَانِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ، كَانَ لَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِقَاضٍ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُ كَانُوا، أَوْ مَنَعَهُ مِنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 الْأَوَّلِ، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ، فَأَحْضَرَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ الْخَصْمَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ: لَسْتُ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ. وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، فَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: غَيْرِي. لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ فِي الْبَلَدِ مَنْ يُسَاوِيهِ فِيمَا سُمِّيَ وَوُصِفَ بِهِ، فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى يَعْلَمَ مَنِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا. وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِعَزْلٍ أَوْ مَوْتٍ، لَمْ يَقْدَحْ فِي   [المبدع في شرح المقنع] الْحُكْمِ فِي غَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُ مَا كَانَ، كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا أَذِنَ فِيهِ، أَوْ مَنَعَ مِنْهُ ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِتَوْلِيَتِهِ، فَكَانَ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهَا. (فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ، فَأَحْضَرَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ الْخَصْمَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ: لَسْتُ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. وَكَذَا إِنْ رَدَّ الْيَمِينَ، عَلَى الْخِلَافِ. (إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ) لِأَنَّ قَوْلَهُ مُعَارَضٌ بِالْبَيِّنَةِ، وَهِيَ رَاجِحَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ ; لِأَنَّهُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا. (وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، فَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: غَيْرِي. لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِي ذَلِكَ (إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ فِي الْبَلَدِ مَنْ يُسَاوِيهِ فِيمَا سُمِّيَ وَوُصِفَ بِهِ، فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى يَعْلَمَ مَنِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الِاسْمِ، وَهُوَ يُشَاكُّ فِيهِ. وَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ إِلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ يُعْلِمُهُ بِالْحَالِ حَتَّى يَحْضُرَ الشَّاهِدَانِ، فَيَشْهَدَانِ عِنْدَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا. فَإِنِ ادَّعَى الْمُسَمَّى أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَقَدْ مَاتَ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَ الْمُعَامَلَةِ، وَكَانَ مِمَّنْ أَمْكَنَ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْكُومِ لَهُ مُعَامَلَةٌ، فَقَدْ وَقَعَ الْإِشْكَالُ، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى الَّذِي مَاتَ، وَإِلَّا فَلَا إِشْكَالَ. فَرْعٌ: يُقْبَلُ كِتَابَهُ فِي حَيَوَانٍ فِي الْأَصَحِّ بِالصِّفَةِ اكْتِفَاءً بِهَا، كَمَشْهُودٍ عَلَيْهِ لَا لَهُ. فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ مُشَارَكَتُهُ فِي صِفَتِهِ، أَخَذَهُ مُدَّعِيهِ بِكَفِيلٍ مَخْتُومًا عُنُقُهُ، فَيَأْتِي بِهِ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ لِيَشْهَدَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ وَيَقْضِيَ لَهُ بِهِ، وَيَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي جَارِيَةً سُلِّمَتْ إِلَى أَمِينٍ يُوَصِّلُهَا. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مَا ادَّعَا لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَمَؤُنَتُهُ مُنْذُ تَسَلَّمَهُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَزَادَ: دُونَ نَفْعِهِ، وَحُكْمُهُ كَمَغْصُوبٍ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِلَا حَقٍّ. وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُ كِتَابَهُ بِهِ ; لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يَكْفِي، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لِرَجُلٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 كِتَابِهِ. وَإِنْ تَغَيَّرَتْ بِفِسْقٍ لَمْ يَقْدَحْ فِيمَا حَكَمَ بِهِ، وَبَطَلَ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] بِالْوَصْفِ وَالتَّحْلِيَةِ، كَذَلِكَ الْمَشْهُورُ بِهِ. وَالْأَوَّلُ: رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ قِيَاسًا عَلَى الْعَيْنِ. وَيُخَالِفُ الْمَشْهُودَ لَهُ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ فِيهِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَهُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ دَعْوَاهُ. وَقِيلَ: يَحْكُمُ بِهِ الْكَاتِبُ، وَيُسَلِّمُ الْمَكْتُوبَ إِلَيْهِ لِمُدَّعِيهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: عَلَى الْأَوَّلِ لَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا صِفَتُهُ كَذَا، وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ، بَلْ يَكْتُبْ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُدَّعَى بِهِ لِيَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ. فَلَوْ كَانَ عَقَارًا مَحْدُودًا فِي بَلَدِ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، أَنْفَذَ حُكْمَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَأَخَذَهُ بِهِ. وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْقُولٍ مَعْرُوفٍ لَا يُشْتَبَهُ. تذنيب: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَكْتُبُ فِي الْكِتَابِ اسْمَ الْخَصْمَيْنِ، وَاسْمَ أَبَوَيْهِمَا أَوْ جَدَّيْهِمَا، وَحِلْيَتَهُمَا، وَقَدْرَ الْمَالِ، وَتَارِيخَ الدَّعْوَى، وَقِيَامَ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَطَلَبَ الْخَصْمِ الْحُكْمَ، وَإِجَابَتَهُ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ ذِكْرُ شُهُودِ الْمَالِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْجَدِّ فِي النَّسَبِ بِلَا حَاجَةٍ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إِذَا عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْجَدِّ. فَائِدَةٌ: إِذَا تَحَمَّلَهَا وَشَهِدَ بِهَا عِنْدَ حَاكِمٍ، لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِهَا بِشَرْطِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْكِتَابُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ أَوْ مُطْلَقًا. وَلَيْسَ لِشُهُودِ الْكِتَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ. وَلَهُمْ كِرَاءُ دَوَابِّهِمْ فَقَطْ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَاكِمٌ: فَإِنْ شَاءُوا شَهِدُوا عِنْدَهُ لِيُمْضِيَهُ، وَيَكْتُبَ إِلَى قَاضِي بَلَدِ الْخَصْمِ. وَإِنْ شَاءُوا أَشْهَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى شَهَادَتِهِ شَاهِدَيْنِ، يَشْهَدَانِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ. (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِعَزْلٍ أَوْ مَوْتٍ لَمْ يَقْدَحْ فِي كِتَابِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ ; لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي الْكِتَابِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَهُمَا حَيَّانِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ الْكِتَابُ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ أَوْ يَنْعَزِلْ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَ إِنْ كَانَ فِيمَا حَكَمَ بِهِ فَحُكْمُهُ لَا يَبْطُلُ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فَهُوَ أَصْلٌ، وَاللَّذَانِ شَهِدَا عَلَيْهِ فَرْعٌ، وَلَا تَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِمَوْتِ شَاهِدِ الْأَصْلِ. وَقِيلَ: لَا، كَمَا لَوْ فَسَقَ فَيَنْقَدِحُ، خَاصَّةً فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ. (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ بِفِسْقٍ لَمْ يَقْدَحْ فِيمَا حَكَمَ بِهِ) قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: كَمَا لَوْ حَكَمَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَسَقَ وَفِيهِ شَيْءٌ. وَفِي الشَّرْحِ: كَمَا لَوْ حَكَمَ بِشَيْءٍ ثُمَّ بَانَ فِسْقُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ مَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِهِ، كَذَا هُنَا. (وَيَبْطُلُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ) لِأَنَّ بَقَاءَ عَدَالَةِ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ شَرْطٌ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 وَإِذَا تَغَيَّرَتْ حَالُ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، فَلِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ قَبُولُ الْكِتَابِ وَالْعَمَلُ بِهِ. فَصْلٌ وَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اكْتُبْ إِلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ أَنَّكَ حَكَمْتَ عَلَيَّ حَتَّى لَا يَحْكُمَ عَلَيَّ ثَانِيًا. لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ. وَلَكِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِالْقَضِيَّةِ، وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ حَقٌّ، أَوْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ، مِثْلُ: إِنْ أَنْكَرَ، وَحَلَّفَهُ الْحَاكِمُ، فَسَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ يَكْتُبَ   [المبدع في شرح المقنع] الْحُكْمِ بِشَاهِدَيِ الْفَرْعِ، فَكَذَلِكَ بَقَاءُ عَدَالَةِ الْحَاكِمِ ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ. (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ) بِأَيِّ حَالٍ كَانَ. (فَلِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ قَبُولُ الْكِتَابِ وَالْعَمَلُ بِهِ) كَذَا ذَكَرَهُ مُعْظَمُ أَصْحَابِنَا ; لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى مَا حَفِظَهُ الشُّهُودُ وَتَحَمَّلُوهُ. وَمَنْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً وَشَهِدَ بِهَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ قَاضٍ الْحُكْمُ بِهَا، وَلَوْ ضَاعَ الْكِتَابُ أَوِ انْمَحَى. وَكَمَا لَوْ شَهِدَا بِأَنَّ فُلَانًا الْقَاضِيَ حَكَمَ بِكَذَا، لَزِمَهُ إِنْفَاذُهُ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ بِحَالِهِ، وَوَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى غَيْرِهِ، عَمِلَ بِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَلَوْ شَهِدَا بِخِلَافِ مَا فِيهِ قُبِلَ، اعْتِمَادًا عَلَى الْعِلْمِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَا: فَإِنْ قَالَا: هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إِلَيْكَ، أَخْبَرَنَا مَنْ نَثِقُ بِهِ. لَمْ يَجُزِ الْعَمَلُ بِهِمَا. وَإِنْ قَدِمَ غَائِبٌ فَلِلْكَاتِبِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِلَا إِعَادَةِ شُهُودٍ، قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ. [الْكِتَابَةُ إِلَى الْحَاكِمِ بِالْحُكْمِ] فَصْلٌ (وَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اكْتُبْ إِلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ أَنَّكَ حَكَمْتَ عَلَيَّ حَتَّى لَا يَحْكُمَ عَلَيَّ ثَانِيًا. لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ ; لِأَنَّ الْحَاكِمَ إِنَّمَا يَحْكُمُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ غَيْرُهُ، أَوْ فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنَفِّذَهُ غَيْرُهُ، وَكِلَاهُمَا مَفْقُودٌ هُنَا. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ، لِيَخْلُصَ مِمَّا يَخَافُهُ. فَإِنْ قَالَ: اشْهَدْ لِي عَلَيْكَ بِمَا جَرَى. لَزِمَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ. (وَلَكِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِالْقَضِيَّةِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ثَانِيًا، وَفِيهِ ضَرَرٌ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا. (وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ حَقٌّ، أَوْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ، مِثْلُ: إِنْ أَنْكَرَ، وَحَلَّفَهُ الْحَاكِمُ) أَن ثُبُوتٌ مُجَرَّدٌ، أَوْ مُتَّصِلٌ بِحُكْمٍ وَتَنْفِيذٍ، أَوْ سَأَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ. (فَسَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى ; لِيُثْبِتَ حَقَّهُ أَوْ بَرَاءَتَهُ، لَزِمَهُ إِجَابَتُهُ. وَإِنْ سَأَلَه مَنْ ثَبَتَ مَحْضَرُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ نُسْخَتَيْنِ: نُسْخَةً يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، ونسخة يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ. وَالْوَرَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَمِنْ مَالِ الْمَكْتُوبِ لَهُ.   [المبدع في شرح المقنع] يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، لِيُثْبِتَ حَقَّهُ أَوْ بَرَاءَتَهُ، لَزِمَهُ إِجَابَتُهُ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَلْزَمُهُ إِجَابَةُ مَنْ سَأَلَهُ لِتَبْقَى حُجَّتُهُ فِي يَدِهِ. فَعَلَى هَذَا: إِذَا ثَبْتَ لَهُ حَقٌّ بِإِقْرَارٍ، فَسَأَلَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنَ الْإِقْرَارِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قُلْنَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْسَى. وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ حَقٌّ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي بَعْدَ النُّكُولِ، فَسَأَلَهُ الْمُدَّعِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ، لَزِمَهُ. لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَحْلِفَ، وَلَا حُجَّةَ لِلْمُدَّعِي غَيْرُ الْإِشْهَادِ. فَأَمَّا إِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ، فَسَأَلَهُ الْإِشْهَادَ، فَالْمَشْهُورُ: يَلْزَمُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ وَإِلْزَامِ خَصْمِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ ; لِأَنَّ لَهُ بِالْحَقِّ بَيِّنَةً. وَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ، وَسَأَلَ الْحَاكِمَ الْإِشْهَادَ عَلَى بَرَاءَتِهِ لَزِمَهُ ; لِيُكُونَ حُجَّةً لَهُ فِي سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ مَرَّةً أُخْرَى. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَهُ، فَهُوَ كَالْإِشْهَادِ، لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ رُبَّمَا نَسِيَا الشَّهَادَةَ أَوْ نَسِيَا الْخَصْمَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ ; لِأَنَّ الْإِشْهَادَ يَكْفِيهِ. وَإِنْ سَأَلَهُ أَنْ يُسَجِّلَ بِهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ (وَإِنْ سَأَلَهُ مَنْ ثَبَتَ مَحْضَرُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُ) أَيْ: كِتَابَتَهُ وَأَتَاهُ بِوَرَقَةٍ، لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلِهَذَا قَالَ: (فَعَلَ ذَلِكَ) قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أَخَذَ السَّاعِي زَكَاتَهُ كَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَلْزَمُهُ إِنْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ. وَمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ سُجِّلَ وَغَيْرُهُ مَحْضَرٌ. وَفِي الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ: الْمَحْضَرُ: شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَهُ، لَا الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ. (وَجَعَلَهُ نُسْخَتَيْنِ: نُسْخَةً يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، وَنُسْخَةً يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ) هَذَا هُوَ الْأَوْلَى، حَتَّى إِذَا هَلَكَتْ وَاحِدَةٌ بَقِيَتِ الْأُخْرَى. (وَالْوَرَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَمِنْ مَالِ الْمَكْتُوبِ لَهُ) لِأَنَّهُ الطَّالِبُ لِذَلِكَ، لِأَنَّ مُعْظَمَ الْحَاجَةِ لَهُ. فَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ ; لِأَنَّ عَلَيْهِ الْكِتَابَةَ دُونَ الْغُرْمِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ حُكِمَ لَهُ بِحَقٍّ بِحُجَّةٍ بِيَدِهِ، فَأَقْبَضَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْحَقَّ، وَطَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ الْحُجَّةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ مَا قَبَضَهُ مُسْتَحَقًّا، فَيَحْتَاجُ إِلَى حُجَّةٍ تَخُصُّهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 فصل وَصِفَةُ الْمَحْضَرِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، حَضَرَ الْقَاضِي فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ عَلَى كَذَا. وَإِنْ كَانَ نَائِبًا كَتَبَ: خَلِيفَةُ الْقَاضِي فُلَانٍ قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، بِمَوْضِعِ كَذَا، مُدَّعٍ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، وَأَحْضَرَ مَعَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، فَادَّعَى عَلَيْهِ كَذَا، فَأَقَرَّ لَهُ أَوْ فَأَنْكَرَ. فَقَالَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؛ فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَحْضَرَهَا. وَسَأَلَهُ سَمَاعَهَا، فَفَعَلَ أَوْ فَأَنْكَرَ، وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ. وَسَأَلَ إِحْلَافَهُ، فَأَحْلَفَهُ. وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنَّ طَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنَ الْبَائِعِ الْأَصْلَ، لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ لَهُ عِنْدَ الدَّرْكِ. وَلِمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ بِبَيِّنَةٍ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَدَائِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ رَبُّهُ بِأَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَا. ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. [صِفَةُ الْمَحْضَرِ] فَصْلٌ (وَصِفَةُ الْمَحْضَرِ) هُوَ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالضَّادِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الصَّكِّ، سُمِّيَ مَحْضَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ وَالشُّهُودِ. (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) تُذْكَرُ فِي ابْتِدَاءِ كُلِّ فِعْلٍ تَبَرُّكًا بِهَا، (حَضَرَ الْقَاضِي فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ عَلَى كَذَا) إِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا. (وَإِنْ كَانَ نَائِبًا كَتَبَ: خَلِيفَةُ الْقَاضِي فُلَانٍ قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، بِمَوْضِعِ كَذَا) إِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِاعْتِرَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَكْتُبَ: فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ ; لِأَنَّ الِاعْتِرَافَ يَصِحُّ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ. وَإِنْ كَتَبَ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى إِقْرَارِهِ شَاهِدَانِ، كَانَ آكَدَ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ. وَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ احْتَاجَ أَنْ يَذْكُرَ مَجْلِسَ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ ; لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ إِلَّا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ. وَلَيْسَ فِي الْمَحْضَرِ ثُبُوتُ الْحَقِّ، سَوَاءٌ ثَبَتَ بِالِاعْتِرَافِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ. (مُدَّعٍ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ وَأَحْضَرَ مَعَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ) يَرْفَعُ فِي نَسَبِهِمَا حَتَّى يَتَمَيَّزَا، وَيَذْكُرُ حِلْيَتَهُمَا ; لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا، فَرُبَّمَا اسْتَعَارَ النَّسَبَ. هَذَا إِذَا جَهِلَهُمَا الْحَاكِمُ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَنَسَبِهِمَا، قَالَ: فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، وَأَحْضَرَ مَعَهُ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ. وَإِنْ أَخَلَّ بِذِكْرِ حِلْيَتِهِمَا جَازَ ; لِأَنَّ ذِكْرَ نَسَبِهِمَا إِذَا رُفِعَ فِيهِ أَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْحِلْيَةِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: ذِكْرُ حِلْيَتِهِمَا أَوْلَى. (فَادَّعَى عَلَيْهِ كَذَا، فَأَقَرَّ لَهُ أَوْ فَأَنْكَرَ، فَقَالَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَحْضَرَهَا، وَسَأَلَهُ سماعها، فَفَعَلَ أَوْ فَأَنْكَرَ، وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَسَأَلَ إِحْلَافَهُ، فَأَحْلَفَهُ. وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَإِنْ رَدَّ الْيَمِينَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 حَكَمَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَإِنْ رَدَّ الْيَمِينَ فَحَلَّفَهُ حَكَى ذَلِكَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، وَيُعْلِمُ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِحْلَافِ جَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي الْبَيِّنَةِ شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ. وَأَمَّا السِّجِلُّ فَهُوَ لِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمُ بِهِ. وَصِفَتُهُ: أَنْ يَكْتُبَ: هَذَا مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، وَيَذْكُرَ مَا تَقَدَّمَ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الشُّهُودِ أَشْهَدَهُمْ، أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَقَدْ عَرَّفَهُمَا بِمَا رَأَى مَعَهُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ، وَيَذْكُرُهُمَا إِنْ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ، وَإِلَّا قَالَ: مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، جَازَ حُضُورُهُمَا وَسَمَاعُ الدَّعْوَى مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، مَعْرِفَةُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ وَيَذْكُرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُ طوعا فِي صِحَّةٍ مِنْهُ، وَجَوَازِ أَمْرٍ بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ فِي كِتَابٍ نُسْخَتُهُ. وَيَنْسَخُ الْكِتَابَ   [المبدع في شرح المقنع] فَحَلَّفَهُ حَكَى ذَلِكَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، وَيُعْلِمُ) عَلَى رَأْسِ الْمَحْضَرِ. (فِي الْإِقْرَارِ) وَالْإِنْكَارِ. (وَالْإِحْلَافِ جَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ جَرَى، فَالْعَلَامَةُ فِيهِ بِمَا ذُكِرَ تَحْقِيقٌ لِلْقَضِيَّةِ، وَإِخْبَارٌ عَنْهَا. وَيَذْكُرُ مَعَ ذَلِكَ فِي رَأْسِ الْمَحْضَرِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. (وَفِي الْبَيِّنَةِ شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ، وَيَكُونُ فِي آخِرِ الْمَحْضَرِ. وَفِي الشَّرْحِ: يَكْتُبُ عَلَامَتَهُ مَعَ ذَلِكَ فِي رَأْسِ الْمَحْضَرِ، وَإِنِ اقْتَصَرَ جَازَ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. (وَأَمَّا السِّجِلُّ) : هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَالْجِيمِ، الْكِتَابُ الْكَبِيرُ. (فَهُوَ لِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمِ بِهِ) هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَاهُ. (وَصِفَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ: هَذَا مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، وَيَذْكُرُ مَا تَقَدَّمَ) فِي أَوَّلِ الْمَحْضَرِ. (مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الشُّهُودِ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَقَدْ عَرَفَهُمَا بِمَا رَأَى مَعَهُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ، وَيَذْكُرُهُمَا إِنْ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ، وَإِلَّا قَالَ: مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، جَازَ حُضُورُهُمَا وَسَمَاعُ الدَّعْوَى مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، مَعْرِفَةُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ) مَعْرِفَةُ: مَرْفُوعًا، فَاعِلُ ثَبَتَ عِنْدَهُ. (وَيَذْكُرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَصْلٌ. (وَإِقْرَارُهُ) بِالرَّفْعِ، مَعْطُوفٌ عَلَى (مَعْرِفَةُ) ، وَالتَّقْدِيرُ: ثَبَتَ عِنْدَهُ مَعْرِفَةُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، وَإِقْرَارُهُ. وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى (الْمَشْهُودَ) ، أَيْ: وَيَذْكُرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَإِقْرَارَهُ طَوْعًا (فِي صِحَّةٍ مِنْهُ وَسَلَامَةٍ وَجَوَازِ أَمْرٍ) حَتَّى يَخْرُجَ الْمُكْرَهُ، وَنَحْوُهُ (بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 الْمُثْبَتَ وِالْمَحْضَرَ جَمِيعَهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ قَالَ: وَإِنَّ الْقَاضِيَ أَمْضَاهُ وَحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلا شَهِدَ بِهِ الْخَصْمُ الْمُدَّعِي، وَيَذْكُرُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ الْخَصْمُ الْحَاضِرُ مَعَهُ بِحُجَّةٍ، وَجَعَلَ كُلَّ ذِي حُجَّةٍ عَلَى حُجَّتِهِ، وَأَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى إِنْفَاذِهِ وَحُكْمِهِ وَإِمْضَائِهِ، مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الشُّهُودِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فِي الْيَوْمِ الْمُؤَرَّخِ فِي أَعْلَاهُ، وَأَمَرَ بِكَتْبِ هَذَا السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ، ويجلد نُسْخَة مِنْهُمَا بِدِيوَانِ الْحُكْمِ، وَتُدْفَعُ الْأُخْرَى إِلَى مَنْ كَتَبَهَا لَهُ. وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ وَوَثِيقَةٌ فِيمَا أَنْفَذَهُ منهما لتضمنها، وَهَذَا يُذْكَرُ ليخرج مِنَ الْخِلَافِ. وَلَوْ قَالَ: إِنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ مَا فِي كِتَابٍ نُسْخَتُهُ كَذَا. وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ، سَاغَ ذَلِكَ لِجَوَازِ الحكم عَلَى الْغَائِبِ. وَمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنَ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ عَلَى قِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا، يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَيُكْتَبُ عَلَيْهَا: مَحَاضِرُ وَقْتِ كَذَا، مِنْ سَنَةِ كَذَا.   [المبدع في شرح المقنع] كِتَابٍ نسخته وَيَنْسَخُ الْكِتَابَ الْمُثْبَتَ والْمَحْضَرَ جَمِيعَهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ قَالَ: وَإِنَّ الْقَاضِيَ أَمْضَاهُ وَحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا شَهِدَ بِهِ الْخَصْمُ الْمُدَّعِي، وَيَذْكُرُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ الْخَصْمُ الْحَاضِرُ مَعَهُ بِحُجَّةٍ، وَجَعَلَ كُلَّ ذِي حُجَّةٍ عَلَى حُجَّتِهِ، وَأَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى إِنْفَاذِهِ وَحُكْمِهِ وَإِمْضَائِهِ، مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الشُّهُودِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فِي الْيَوْمِ الْمُؤَرَّخِ فِي أَعْلَاهُ، وَأَمَرَ بِكَتْبِ هَذَا السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ) لِأَنَّهُمَا اللتان، تَقُومُ إِحْدَاهُمَا مَقَامَ الْأُخْرَى. (وَيُجَلِّدُ نُسْخَةً مِنْهُمَا بِدِيوَانِ الْحُكْمِ، وَتُدْفَعُ الْأُخْرَى إِلَى مَنْ كَتَبَهَا لَهُ. وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ وَوَثِيقَةٌ فِيمَا أَنْفَذَهُ مِنْهُمَا) لِتَضَمُّنِهِمَا ذَلِكَ. (وَهَذَا يُذْكَرُ لِيَخْرُجَ مِنَ الْخِلَافِ) فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. (وَلَوْ قَالَ: إِنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ مَا فِي كِتَابِ نُسْخَتُهُ كَذَا. وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ، سَاغَ ذَلِكَ لِجَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ) عِنْدَنَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الثُّبُوتُ الْمُجَرَّدُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى حُضُورِهِمَا، بَلْ إِلَى دَعْوَاهُمَا. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ هَلْ تَفْتَقِرُ إِلَى حضور الْخَصْمَيْنِ؟ فَأَمَّا التَّزْكِيَةُ فَلَا. (وَمَا يجتمع عِنْدَهُ مِنَ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ) زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ سَنَةٍ. (عَلَى قِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا، يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ) لِأَنَّ إِفْرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ يَشُقُّ. (وَيُكْتَبُ عَلَيْهَا: مَحَاضِرُ وَقْتِ كَذَا، مِنْ سَنَةِ كَذَا) لِتَتَمَيَّزَ وَلِيُمْكِنَ إِخْرَاجُهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا. قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا وَكَّلَ أَمِينَهُ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 بَابُ الْقِسْمَةِ وَقِسْمَةُ الْأَمْلَاكِ جَائِزَةٌ وَهي نَوْعَانِ: قِسْمَةُ تَرَاضٍ: وَهِيَ مَا فِيهَا ضَرَرٌ أَوْ رَدُّ عِوَضٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، كَالدُّورِ الصِّغَارِ وَالْحَمَّامِ وَالْعَضَائِدِ الْمُتَلَاصِقَةِ اللَّاتِي لَا يُمْكِنُ   [المبدع في شرح المقنع] يَكْتُبُ مَعَ ذَلِكَ أَسْمَاءَ أَصْحَابِهَا وَيَخْتِمُ عَلَيْهَا. فَإِنْ أَحْضَرَ خَصْمَهُ وَادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ أَلْزَمَهُ بِالْحَقِّ بِسُؤَالِ خَصْمِهِ. وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ، فَلَا فِي الْأَشْهَرِ. وَإِنْ نَسِيَ الْوَاقِعَةَ، فَشَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهُ حَكَمَ بِهَا، أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ، لَزِمَهُ ثُبُوتُهَا وَالْحُكْمُ بِهَا بِسُؤَالِ الْمُدَّعِي فِي الْأَظْهَرِ. [بَابُ الْقِسْمَةِ] [تَعْرِيفُ الْقِسْمَةِ وَحُكْمُهَا] بَابُ الْقِسْمَةِ الْقِسْمَةُ: بِكَسْرِ الْقَافِ، وَالْقِسْمِ بِكَسْرِهَا أَيْضًا، وَهُوَ النَّصِيبُ الْمَقْسُومُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقِسْمُ: مَصْدَرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ فَانْقَسَمَ. وَقَاسَمَهُ الْمَالَ، وَتَقَاسَمَاهُ، وَاقْتَسَمَاهُ، وَالِاسْمُ: الْقِسْمَةُ. وَهِيَ تَمْيِيزُ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِفْرَازُهَا عَنْهَا. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا. وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: 28] ، {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] الآية. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقَسَّمْ، وَكَانَ يُقَسِّمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ. وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ ; لِيَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ مِنَ التَّصَرُّفِ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ، وَيَتَخَلَّصُ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَكَثْرَةِ الْأَيْدِي. (وَقِسْمَةُ الْأَمْلَاكِ جَائِزَةٌ) لِلدَّلِيلِ السَّابِقِ. [أَنْوَاعُ الْقِسْمَةِ] [قِسْمَةُ تَرَاضٍ] (وهي نَوْعَانِ: قِسْمَةُ تَرَاضٍ: وَهِيَ مَا فِيهَا ضَرَرٌ أَوْ رَدُّ عِوَضٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، كَالدُّورِ الصِّغَارِ وَالْحَمَّامِ وَالْعَضَائِدِ) وَاحِدَتُهَا: عِضَادَةٌ، وَهِيَ مَا يُصْنَعُ لِجَرَيَانِ الْمَاءِ فِيهِ مِنَ السَّوَاقِي وَذَوَاتِ الْكَتِفَيْنِ، وَمِنْهُ عِضَادَتَا الْبَابِ: وَهُمَا جَنَبَتَاهُ مِنْ جَانِبَيْهِ. (الْمُتَلَاصِقَةِ اللَّاتِي لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلِّ عَيْنٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 قِسْمَةُ كُلِّ عَيْنٍ مُفْرَدَةٍ، وَالْأَرْضِ الَّتِي فِي بَعْضِهَا بِئْرٌ أَوْ بِنَاءٌ، وَنَحْوُهُ. مِمَّا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِالْأَجْزَاءِ وَالتَّعْدِيلِ إِذَا رَضُوا بِقِسْمَتِهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ جَازَ. وَهَذِهِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْبَيْعِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ. وَالضَّرَرُ الْمَانِعُ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] مُنْفَرِدَةً، وَالْأَرْضِ الَّتِي فِي بَعْضِهَا بِئْرٌ أَوْ بِنَاءٌ، وَنَحْوُهُ. لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِالْأَجْزَاءِ) لِأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ قِسْمَتُهُ بِالْأَجْزَاءِ مِثْلَ: أَنْ تَكُونَ الْبِئْرُ وَاسِعَةً، يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ نِصْفَهَا لِوَاحِدٍ وَنِصْفَهَا لِلْآخَرِ، وَيَجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزًا فِي أَعْلَاهَا. أَوِ الْبِنَاءُ كَبِيرًا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ. (وَالتَّعْدِيلِ) مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الْأَرْضِ بِئْرٌ يُسَاوِي مِائَةً، وَفِي الْآخَرِ مِنْهَا بِنَاءٌ يُسَاوِي مِائَةً، تَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ لَا قِسْمَةَ تَرَاضٍ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْبِئْرُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَعَ نِصْفِ الْأَرْضِ، وَالْبِنَاءُ لِلْآخَرِ مَعَ نِصْفِ الْأَرْضِ. (إِذَا رَضُوا بِقِسْمَتِهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ جَازَ) فَأَجَازَ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَإِنْ طَلَبَا مِنَ الْحَاكِمِ أَنْ يُقَسِّمَهُ بَيْنَهُمَا أَجَابَهُمَا إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُمَا ; لِأَنَّ الْيَدَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ، فَثَبَتَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ. وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مِنَ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَالِاتِّهَابِ. (وَهَذِهِ) الْقِسْمَةُ. (جَارِيَةٌ مَجْرَى الْبَيْعِ) لِمَا فِيهَا مِنَ الرَّدِّ، وَبِهَذَا تَصِيرُ بَيْعًا ; لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ بَذَلَ الْمَالَ عِوَضًا عَمَّا حَصَلَ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ. (لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَلَهُمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ.» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَهُ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَلِأَنَّهُ إِتْلَافٌ وَسَفَهٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْحَجْرَ، أَشْبَهَ هَدْمَ الْبِنَاءِ، وَلِأَنَّ فِيهَا إِمَّا ضَرَرٌ وَإِمَّا رَدُّ عِوَضٍ، وَكِلَاهُمَا لَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ. لَكِنْ إِذَا دَعَا شَرِيكَهُ إِلَى بَيْعٍ فِي قِسْمَةِ تَرَاضٍ أُجْبِرَ، فَإِنْ أَبَى بِيعَ عَلَيْهِمَا، وَقُسِّمَ الثَّمَنُ. نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ وَحَنْبَلٌ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَالْفُصُولِ وَالْإِفْصَاحِ وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا الْإِجَارَةُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 الْقِسْمَةِ: وهُوَ نَقْصُ الْقِيمَةِ بِالْقِسْمِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ أَوْ لَا يَنْتَفِعَانِ بِهِ مَقْسُومًا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، كَرَجُلَيْنِ: لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ وَيَتَضَرَّرُ الْآخَرُ، فَطَلَبَ مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ الْقَسْمَ لَمْ يُجْبُرْ الْآخَرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَبَهُ الْآخَرُ أُجْبِرَ الْأَوَّلُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ طَلَبَهُ الْأَوَّلُ أُجْبِرَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ فِي وَقْفٍ. وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ فِي الْإِجَارَةِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَدِدْتُ لَوْ مُحِيَ مِنَ الْمَذْهَبِ. قَالَ: وَقَدْ عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَمَالِيكِهِ، بَاعَهُمُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. فَإِذَا صِرْنَا إِلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ شَرِيكٍ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ وَمِلْكٌ، فَلِمَ لَا يَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ شَرِيكٍ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا مِلْكَ! (وَالضَّرَرُ الْمَانِعُ مِنَ الْقِسْمَةِ) أَيْ: قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ. (هُوَ نَقْصُ الْقِيمَةِ بِالْقَسْمِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ نَقْصَ قِيمَتِهِ ضَرَرٌ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا. وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ، انْتَفَعُوا بِهِ مَقْسُومًا أو لا. (أَوْ لَا يَنْتَفِعَانِ بِهِ مَقْسُومًا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ) وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ الْقِيَاسُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا دَارٌ صَغِيرَةٌ، إِذَا قُسِّمَتْ أَصَابَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْضِعًا ضَيِّقًا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي شَيْءٍ غَيْرِ الدَّارِ، أَوْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ دَارًا، فَلَا إِجْبَارَ ; لِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَجْرِي مَجْرَى الْإِتْلَافِ، بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ. فَإِنَّ اعْتِبَارَهُ يُؤَدِّي إِلَى بُطْلَانِ الْقِسْمَةِ غَالِبًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ. وَلِأَنَّ ضَرَرَ نَقْصِ الْقِيمَةِ يَنْجَبِرُ بِزَوَالِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، فَيَصِيرُ كَالْمَعْدُومِ. (فَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، كَرَجُلَيْنِ؛ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ وَيَتَضَرَّرُ الْآخَرُ، فَطَلَبَ مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ الْقَسْمَ لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ عَلَيْهِ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ فِيهِ إِضَاعَةَ مَالٍ، وَلِأَنَّهَا قِسْمَةٌ يَضُرُّ بِهَا صَاحِبَهُ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا، كَمَا لَوِ اسْتُضِرَّا مَعًا، فِي الْأَصَحِّ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. (فَإِنْ طَلَبَهُ الْآخَرُ أُجْبِرَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ شَرِيكَهُ مَالِكٌ، طَلَبَ إِفْرَازَ نَصِيبِهِ الَّذِي لَا يُسْتَضَرُّ بِتَمْيِيزِهِ، فَوَجَبَ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ. (وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ طَلَبَهُ الْأَوَّلُ أُجْبِرَ الْآخَرُ، وَإِنْ طَلَبَهُ الْمَضْرُورُ لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ) ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 الْآخَرُ، وَإِنْ طَلَبَهُ الْمَضْرُورُ لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبِيدٌ أَوْ بَهَائِمُ أَوْ ثِيَابٌ وَنَحْوُهَا، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ، لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ عَلَيْهِ، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] هذا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ كَمَا لَوْ كَانَا لَا يُسْتَضَرَّانِ، وَلِأَنَّهُ يُطَالِبُ بِحَقٍّ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ. وَالثَّالِثَةُ: أَيُّهُمَا طَلَبَ لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَلَبَهُ الْمُسْتَضِرُّ أُجْبِرَ الْآخَرُ. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّ ضَرَرَ الطَّالِبِ رَضِيَ بِهِ مَنْ يَسْقُطُ حُكْمُهُ، وَالْآخَرُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا: أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَنِ الْقِسْمَةِ ; لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَإِنَّ طَلَبَ الْقِسْمَةِ مِنَ الْمُسْتَضِرِّ سَفَهٌ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُلْنَا: الْمَانِعُ مِنَ الْإِجْبَارِ نَقْصُ الْقِيمَةِ، أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَلَا. فَرْعٌ: مَا تَلَاصَقَ مِنْ دُورٍ وَعَضَائِدَ وَنَحْوِهَا، اعْتُبِرَ الضَّرَرُ وَعَدَمُهُ فِي كُلِّ عَيْنٍ وَحْدَهَا. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ حَقَّهُ إِذَا كَانَ خَيْرًا لَهُ. (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبِيدٌ أَوْ بَهَائِمُ أَوْ ثِيَابٌ وَنَحْوُهَا) مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ. وَفِي الْمُغْنِي: مِنْ نَوْعٍ. (فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ عَلَيْهِ) أَيْ: إِذَا كَانَتْ مُتَفَاضِلَةً، لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ. وَكَمَا لَوِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ ضَرَرٌ وَلَا رَدُّ عِوَضٍ، فَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ. (وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْبَرُ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ إِذَا تَسَاوَتِ الْقِيمَةُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: هُوَ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُجَابُ إِذَا تَفَاوَتَتِ الْقِيمَةُ. وَقَوَّى أَبُو الْخَطَّابِ عَدَمَ الْإِجْبَارِ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ الدُّورِ، بِأَنْ يَأْخُذَ هَذَا دَارًا كَالْأَجْنَاسِ. يُؤَيِّدُهُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ اخْتِلَافًا مِنْ قِيمَةِ الدَّارِ الْكَبِيرَةِ ; لِأَنَّهَا ذَاتُ بُيُوتٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 الْقَاضِي: يُجْبَرُ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ، لَمْ يُجْبَرِ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قِسْمَةٍ. وَإِنِ اسْتَهْدَمَ لَمْ يُجْبِرْ عَلَى قَسْمِ عَرْصَتِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إِنْ طَلَبَ قَسْمَهُ طُولًا، بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُ نِصْفُ الطُّولِ فِي كَمَالِ الْعَرْضِ، أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ. وَإِنْ طَلَبَ قَسْمَهُ عَرْضًا، وَكَانَتْ تَسَعُ حَائِطَيْنِ أُجْبِرَ الممتنع، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دَارٌ لَهَا عُلُوٌّ وَسُفْلٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا،   [المبدع في شرح المقنع] وَاسِعَةٍ وَضَيِّقَةٍ وَقَدِيمَةٍ وَحَدِيثَةٍ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَا يَمْنَعُ الْإِجْبَارَ، كَذَلِكَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ. وَفَارَقَ الدُّورَ فَإِنَّهُ أَمْكَنَ قِسْمَةُ كُلِّ دَارٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهَا، وَهُنَا لَا يُمْكِنُ. وَفِي الشَّرْحِ: فَإِنْ كَانَتِ الثِّيَابُ أَنْوَاعًا كَحَرِيرٍ وَقُطْنٍ فَهِيَ كَالْأَجْنَاسِ. فَرْعٌ: الْآجُرُّ وَاللَّبِنُ الْمُتَسَاوِي الْقَالَبِ: مِنْ قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ. وَالْمُتَفَاوِتُ: مِنْ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ. (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ، لَمْ يُجْبَرِ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قِسْمَةٍ) صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ به فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا. (وَإِنِ اسْتَهْدَمَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَسْمِ عَرْصَتِهِ) وَهِيَ الَّتِي لَا بِنَاءَ فِيهَا ; لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلْحَائِطِ أَشْبَهَ الْأَوَّلَ. (وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إِنْ طَلَبَ قَسْمَهُ طُولًا، بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُ نِصْفُ الطُّولِ فِي كَمَالِ الْعَرْضِ، أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ. وَقِيلَ: لَا يُجْبَرُ ; لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنْ يَبْقَى مِلْكُهُ الَّذِي يَلِي نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ حَائِطٍ. (وَإِنْ طَلَبَ قَسْمَهُ عَرْضًا، وَكَانَتْ تَسَعُ حَائِطَيْنِ أُجْبِرَ) الْمُمْتَنِعُ. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَحَكَاهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ عَنِ الْقَاضِي فَقَطْ ; لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَقْسُومًا. وَقِيلَ: لَا يُجْبَرُ ; لِأَنَّهُ لَا تَدْخُلُهُ الْقُرْعَةُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَلِي مِلْكَ الْآخَرِ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ: وَمَعَ الْقِسْمَةِ، فَقِيلَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَلِيهِ. وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا كَانَ لَا يَسَعُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمْ ; لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا إِجْبَارَ فِي الْحَائِطِ بِخِلَافِ الْعَرْصَةِ. وَقِيلَ: لَا إِجْبَارَ فِيهِمَا، إِلَّا فِي قِسْمَةِ الْعَرْصَةِ طُولًا فِي كَمَالِ عَرْضِهَا. وَإِنْ رَضِيَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ. (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دَارٌ لَهَا عُلُوٌّ وَسُفْلٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا، لِأَحَدِهِمَا الْعُلُوُّ وَلِلْآخَرِ السُّفْلُ) أَوْ قَسْمَ الْعُلُوِّ وَحْدَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَلَا إِجْبَارَ كَدَارَيْنِ مُتَلَاصِقَتَيْنِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْكَنٌ مُنْفَرِدٌ. وَلِأَنَّ فِي إِحْدَى الصُّوَرِ قَدْ يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُلُوُّ سُفْلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 لِأَحَدِهِمَا الْعُلُوُّ وَلِلْآخَرِ السُّفْلُ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَنَافِعُ، لَمْ يُجْبَرِ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قَسْمِهَا، وَإِنْ تَرَاضِيَا عَلَى قَسْمِهَا كَذَلِكَ وَعَلَى قَسْمِ الْمَنَافِعِ بِالْمُهَايَأَةِ جَازَ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ ذَاتُ زَرْعٍ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا دُونَ الزَّرْعِ قُسِّمَتْ،   [المبدع في شرح المقنع] الْآخَرِ، فَيُسْتَضَرُّ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَفِي أَحَدِهِمَا يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ، وَالْقِسْمَةُ تُرَادُ لَهُ. وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا مَعًا وَلَا ضَرَرَ، أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ وَعُدِلَ بِالْقِيمَةِ. وَلَا يُحْسَبُ فِيهَا ذِرَاعُ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْ عُلُوٍّ، وَلَا ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ. (أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَنَافِعُ لَمْ يُجْبَرِ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قَسْمِهَا) جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ ; لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَنَافِعِ إِنَّمَا تَكُونُ بِقِسْمَةِ الزَّمَانِ، وَالزَّمَانُ إِنَّمَا يُقْسَمُ بِأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَهَذَا لَا تَسْوِيَةَ فِيهِ، فَإِنَّ الْآخَرَ يَتَأَخَّرُ حَقُّهُ فَلَا يُجْبَرُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ مُشَاعٌ وَالْمَنَافِعَ تَابِعَةٌ لَهُ. وَعَنْهُ: يُجْبَرُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْقِسْمَةِ بِالْمَكَانِ. وَلَا ضَرَرَ. (وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى قَسْمِهَا كَذَلِكَ) أَيْ: بِزَمَنٍ أَوْ مَكَانٍ صَحَّ، وَيَقَعُ جَائِزًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ: يَقَعُ لَازِمًا إِنْ تَعَاهَدَا مُدَّةً مَعْلُومَةً. وَقِيلَ: لَازِمًا بِالْمَكَانِ مُطْلَقًا. (وَعَلَى قَسْمِ الْمَنَافِعِ بِالْمُهَايَأَةِ جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَإِذَا رَضِيَا بِهِ جَازَ. فَإِنِ انْتَقَلَتْ كَانْتِقَالِ الْوَقْفِ، فَهَلْ تَنْتَقِلُ مَقْسُومَةً أَوْ لَا؛ فِيهِ نَظَرٌ. فَإِنْ كَانَتْ إِلَى مُدَّةٍ لَزِمَتِ الْوَرَثَةَ وَالْمُشْتَرِيَ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ: وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ، إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَى جِهَتَيْنِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُقْسَمُ عَيْنُهُ قِسْمَةً لَازِمَةً اتِّفَاقًا ; لِتَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ يَأْتِي مِنَ الْبُطُونِ، لَكِنْ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ، وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ، وَهَذَا وَجْهٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا فَرْقَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَفِي الْمُبْهِجِ: لُزُومُهَا إِذَا اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ تَهَايَوْا. تَتِمَّةٌ: نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ فِي مُدَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَصَ الْحَادِثُ عَنِ الْعَادَةِ فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ. (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ ذَاتُ زَرْعٍ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا دُونَ الزَّرْعِ قُسِّمَتْ) جَزَمَ بِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 وَإِنْ طَلَبَ قَسْمَهَا مَعَ الزَّرْعِ أَوْ قَسْمَ الزَّرْعِ مُفْرَدًا، لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ وَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ، وَالزَّرْعُ فَصِيلٌ أَوْ قُطْنٌ، جَازَ، وَإِنْ كَانَ بَذْرًا وسَنَابِلَ قَدِ اشْتَدَّ حَبُّهَا، فَهَلْ يَجُوزُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ فِي السَّنَابِلِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَذْرِ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] الْأَصْحَابُ. كَالْخَالِيَةِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الزَّرْعَ فِي الْأَرْضِ كَالْقُمَاشِ فِي الدَّارِ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْقَسْمَ، كَذَا هُنَا. وَسَوَاءٌ خَرَجَ الزَّرْعُ أَوْ كَانَ بَذْرًا، فَإِذَا اقْتَسَمَاهَا بَقِيَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكًا، كَمَا لَوْ بَاعَا الْأَرْضَ لِغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْكَافِي: هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا. وَالْأَوْلَى: أَنَّهُ لَا يَجِبُ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاءُ الزَّرْعِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْأَرْضِ الْمَقْسُومَةِ إِلَى الْجَدَادِ، بِخِلَافِ الْقُمَاشِ. (وَإِنْ طَلَبَ قَسْمَهَا مَعَ الزَّرْعِ) لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ ; لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِهِ وَحْدَهُ وَهُوَ الزَّرْعُ، وَلِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ عَنْهَا، فَلَمْ تَجِبْ قِسْمَتُهُ كَالْقُمَاشِ فِيهَا. وَفِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي: أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي فَصِيلٍ وَحَبٍّ مُشْتَدٍّ ; لِأَنَّ الزَّرْعَ كَالشَّجَرِ فِي الْأَرْضِ، وَالْقِسْمَةُ إِفْرَازُ حَقٍّ. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ، لَمْ يُجْبَرْ إِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ بَيْعَ السُّنْبُلِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ. وَقِيلَ: بَلَى، لِأَنَّهُ دَخَلَ تَبَعًا. وَفِي الْبَذْرِ وَجْهَانِ. (أَوْ قَسْمَ الزَّرْعِ مُفْرَدًا، لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعْدِيلِ الْمَقْسُومِ، وَتَعْدِيلُ الزَّرْعِ بِالسِّهَامِ لَا يُمْكِنُ لِبَقَائِهِ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ. (وَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ وَالزَّرْعُ فَصِيلٌ أَوْ قُطْنٌ، جَازَ) كَبَيْعِهِ، وَلِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، وَلِجَوَازِ التَّفَاضُلِ إِذَنْ. (وَإِنْ كَانَ بَذْرًا وَسَنَابِلَ قَدِ اشْتَدَّ حَبُّهَا، فَهَلْ يَجُوزُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَصَحُّهُمَا: لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّ الْبَذْرَ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا السُّنْبُلُ فَلِأَنَّهُ بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّسَاوِي. وَالثَّانِي: بَلَى، إِذَا اقْتَسَمَاهُ مَعَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَبَعًا. وَبَنَاهُ فِي التَّرْغِيبِ عَلَى أَنَّهَا هَلْ هِيَ إِفْرَازٌ أَوْ بَيْعٌ؟ (وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ فِي السَّنَابِلِ) مَعَ الْأَرْضِ. (وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَذْرِ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي السُّنْبُلِ أَقَلُّ. (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 نَهْرٌ أَوْ قَنَاةٌ أَوْ عَيْنٌ يَنْبُعُ مَاؤُهَا، فَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا عِنْدَ اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ. وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى قسمه بِالْمُهَايَأَةِ جَازَ. وَإِنْ أَرَادَا قَسْمَ ذَلِكَ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ، أَوْ حَجَرٍ مُسْتَوٍ فِي مَصْدِمِ الْمَاءِ فِيهِ ثُقْبَانِ عَلَى قَدْرِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، جَازَ. فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْقِيَ بِنَصِيبِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شِرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ جَازَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزُ. وَيَجِيءُ عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ، وَيَنْتَفِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ. فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي: قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ: وَهِيَ مَا لَا ضَرَرَ فِيهَا، وَلَا رَدَّ عِوَضٍ، كَالْأَرْضِ   [المبدع في شرح المقنع] أَوْ قَنَاةٌ أَوْ عَيْنٌ يَنْبُعُ مَاؤُهَا، فَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا عِنْدَ اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . وَالنَّفَقَةُ لِحَاجَةٍ بِقَدْرِ سَقْيِهِمَا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَى، شَارَكَ فِي الْغَرَامَةِ مَا فَوْقَهُ دُونَ مَا تَحْتَهُ. فَإِنِ احْتَاجَ النَّهْرُ بَعْدَ الْأَسْفَلِ إِصْلَاحًا، كَتَصَرُّفِ الْمَاءِ فَعَلَيْهِمَا (إِنِ اتَّفَقَا عَلَى قسمه بِالْمُهَايَأَةِ) كَيَوْمٍ لِهَذَا، وَيَوْمٍ لِلْآخَرِ. (جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَكَالْأَعْيَانِ. (وَإِنْ أَرَادَا قَسْمَ ذَلِكَ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ، أَوْ حَجَرٍ مُسْتَوٍ فِي مَصْدِمِ الْمَاءِ فِيهِ ثُقْبَانِ عَلَى قَدْرِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، جَازَ) لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، فَجَازَ كَقَسْمِ الْأَرْضِ بِالتَّعْدِيلِ، وَيُسَمَّى الْمَرَازَ. (فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْقِيَ بِنَصِيبِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شِرْبٍ) الشِّرْبُ: بِكَسْرِ الشِّينِ، وَهُوَ النَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ. (مِنْ هَذَا النَّهْرِ جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. وَهُوَ يَتَصَرَّفُ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ. وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكًا. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ) هَذَا وَجْهٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا طَالَ الزَّمَانُ يُظَنُّ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَرْضِ حَقًّا فِي السَّقْيِ مِنَ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَيَأْخُذُ لِذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ. فَإِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُجْرِيَ بَعْضَهُ فِي سَاقِيَةٍ إِلَى أَرْضِهِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ، لَمْ يَجُزْ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَمْدَانَ. (وَيَجِيءُ عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ، وَيَنْتَفِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَالْمُبَاحُ يَنْتَفِعُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ. [قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ] فَصْلٌ (النَّوْعُ الثَّانِي: قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ) لِأَنَّهُ يَلِي الْأَوَّلَ، وَهُوَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي. (وَهِيَ مَا لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 الْوَاسِعَةِ وَالْقُرَى وَالْبَسَاتِينِ، وَالدُّورِ الْكِبَارِ وَالدَّكَاكِينِ الْوَاسِعَةِ، وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ كَالدِّبْسِ وَخَلِّ التَّمْرِ، أَوْ لَمْ تَمَسَّهُ كَخَلِّ الْعِنَبِ وَالْأَدْهَانِ وَالْأَلْبَانِ. فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا القسم وَأَبَى الْآخَرُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ   [المبدع في شرح المقنع] ضَرَرَ فِيهَا، وَلَا رَدَّ عِوَضٍ، كَالْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ وَالْقُرَى وَالْبَسَاتِينِ، وَالدُّورُ الْكِبَارُ وَالدَّكَاكِينُ الْوَاسِعَةُ) وَالْمُرَادُ بِهِ أَحَدُهَا ـ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَسَاوِيَةَ الْأَجْزَاءِ أَوْ لَا ـ إِذَا أَمْكَنَ قَسْمُهَا بِالتَّعْدِيلِ، بِأَنْ لَا يُجْعَلَ شَيْءٌ مَعَهَا، فَلَهُمَا قَسْمُ أَرْضِ بُسْتَانٍ وَحْدَهَا وَغَلَّتِهِ وَالْجَمِيعِ، فَإِنْ قَسَّمَا الْجَمِيعَ أَوِ الْأَرْضَ فَقِسْمَةُ إِجْبَارٍ، وَيَدْخُلُ الشَّجَرُ تَبَعًا. وَإِنْ قَسَّمَا الشَّجَرَ فَقَطْ فَتَرَاضٍ، وَلِأَنَّ جَوَازَ قَسْمِ الْأَرْضِ مَعَ اخْتِلَافِهَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَسْمِ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ بَيْعٌ أَوْ إِفْرَازٌ (وَالْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ الْغَرَضَ تَمْيِيزُ الْحَقِّ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَنْوَاعٌ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَّتِهِ، أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ، وَإِنْ طَلَبَ قَسْمَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ، لَمْ يُجْبَرْ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ نَوْعٍ بِنَوْعٍ آخَرَ، وَلَيْسَ بِقِسْمَةٍ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَغَيْرِ الشَّرِيكِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ، وَكَانَ بَيْعًا يُعْتَبَرُ لَهُ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ (سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ كَالدِّبْسِ وَخَلِّ التَّمْرِ، أَوْ لَمْ تَمَسَّهُ كَخَلِّ الْعِنَبِ وَالْأَدْهَانِ وَالْأَلْبَانِ) وَنَحْوِهَا، لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْغَرَضَ تَمْيِيزُ الْحَقِّ (فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا) الْقَسْمَ (وَأَبَى الْآخَرُ أُجْبِرَ) الْمُمْتَنِعُ هُوَ أَوْ وَلِيُّهُ، وَكَذَا حَاكَمَ فِي الْأَشْهَرِ (عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِزَالَةَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالشَّرِكَةِ، وَحُصُولَ النَّفْعِ لِلشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا تَمَيَّزَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِحَسَبِ اخْتِيَارِهِ، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ إِحْدَاثِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ مَعَ الِاشْتِرَاكِ وَيُشْتَرَطُ لَهُ ـ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ ـ أَنْ يُثْبِتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ مَلَكَهُمَا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ فِي الْإِجْبَارِ عَلَيْهِمَا حُكْمًا عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمَا، فَلَا يَثْبُتُ إِلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ لِخَصْمِهِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الرِّضَى؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَبَيْعٍ مَرْهُونٍ وَجَانٍ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: فَيَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِسَهْمٍ مِنْ ضَيْعَةٍ بِيَدِ قَوْمٍ، فَهَرَبُوا مِنْهُ، يُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ وَيُدْفَعُ إِلَيْهِ حَقُّهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 الْقِسْمَةُ إِفْرَازُ حَقِّ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا فَتَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَقْفِ وَإِنْ كَانَ نِصْفُ الْعَقَارِ طَلْقًا وَنِصْفُهُ وَقْفًا، جَازَتْ قِسْمَتُهُ. وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الثِّمَارِ خَرْصًا، وَقِسْمَةُ مَا يُكَالُ وَزْنًا، وَمَا يُوزَنُ كَيْلًا، وَالتَّفَرُّقُ فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَقَسَمَ لَمْ يَحْنَثْ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَالْبَيْعِ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ بَعْضُهَا يُسْقَى سَيْحًا، وَبَعْضُهَا   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْغَائِبِ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَجُوزُ ثُبُوتُهُ، وَأَنَّهُ أَوْلَى. وَفِي الْمُحَرَّرِ: يُقَسِّمُ حَاكِمٌ عَلَى غَائِبٍ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ، وَفِي الْمُبْهِجِ وَالْمُسْتَوْعِبِ: بَلْ مَعَ وَكِيلِهِ فِيهَا الْحَاضِرُ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي عَقَارٍ بِيَدِ غَائِبٍ (وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ إِفْرَازُ) يُقَالُ: فَرَزْتُ الشَّيْءَ وَأَفْرَزْتُهُ إِذَا عَزَلْتَهُ، وَالْإِفْرَازُ: مَصْدَرُ أَفْرَزَ، (حَقِّ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَقَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى لَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَلَا تَجِبُ فِيهَا شُفْعَةٌ. وَيَلْزَمُ بِإِخْرَاجِ الْقُرْعَةِ، وَيَتَقَدَّرُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ بِمُقَدَّرٍ، وَيَدْخُلُهَا الْإِجْبَارُ (وَلَيْسَتْ بَيْعًا) لِأَنَّهَا تُخَالِفُهُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْأَسْبَابِ، فَلَمْ تَكُنْ بَيْعًا كَسَائِرِ الْعُقُودِ، (فَتَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَقْفِ) أَيْ: تَصِحُّ بِلَا رَدٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا (وَإِنْ كَانَ نِصْفُ الْعَقَارِ طِلْقًا) الطِّلْقُ: - بِكَسْرِ الطَّاءِ - الْحَلَالُ، وَسُمِّيَ الْمَمْلُوكُ طِلْقًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ حَلَالٌ، وَالْمَوْقُوفُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَنِصْفُهُ وَقْفًا جَازَتْ قِسْمَتُهُ) إِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُ الطِّلْقِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ، عُوِّضَ وَفَعَلَا ذَلِكَ فِي وَقْفٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ بَعْضَ الطِّلْقِ، ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، (وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الثِّمَارِ خَرْصًا) ، أَيِ: الَّتِي تُخْرَصُ، (وَقِسْمَةُ مَا يُكَالُ وَزْنًا وَمَا يُوزَنُ كَيْلًا) لِأَنَّ الْغَرَضَ التَّمْيِيزُ، زَادَ فِيهِمَا فِي التَّرْغِيبِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَرْعٌ: يَجُوزُ قَسْمُ لَحْمِ رَطْبٍ بِمِثْلِهِ، وَلَحْمِ هَدْيٍ وَأَضَاحٍ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، (وَالتَّفَرُّقُ فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ) لِأَنَّ التَّفَرُّقَ إِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ (وَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَقَسَمَ، لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ (وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَالْبَيْعِ) لِأَنَّهُ يَبْذُلُ نَصِيبَهُ مِنْ أَحَدِ السَّهْمَيْنِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنَ السَّهْمِ الْآخَرِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ (فَلَا يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ) فَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ مَا كُلُّهُ وَقْفٌ أَوْ بَعْضُهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 بَعْلًا، أَوْ فِي بَعْضِهَا نَخْلٌ، وَفِي بَعْضِهَا شَجَرٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَ كُلِّ نوع عَلَى حِدَةٍ، وَطَلَبَ الْآخَرُ قَسْمَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ، قُسِّمَتْ كُلُّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ إِذَا أَمْكَنَ. فَصْلٌ. وَيَجُوزُ لِلشُّرَكَاءِ وَأَنْ يُنَصِّبُوا قَاسِمًا يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ، وَأَنْ يَسْأَلُوا الْحَاكِمَ نَصْبَ   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي الْمُحَرَّرِ عَلَيْهِمَا: إِنْ كَانَ الرَّدُّ مِنْ رَبِّ وَقْفٍ لِرَبِّ الطِّلْقِ، جَازَتْ قِسْمَتُهُ بِالتَّرَاضِي فِي الْأَصَحِّ. وَفِي التَّرْغِيبِ عَلَيْهِمَا: مَا كُلُّهُ وَقْفٌ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا شُفْعَةَ مُطْلَقًا لِجَهَالَةِ ثَمَنٍ وَيُفْسَخُ بِعَيْبٍ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ لِفَوَاتِ التَّعْدِيلِ، وَإِنْ بَانَ غَبْنٌ فَاحِشٌ لَمْ يَصِحَّ. وَعَلَى الثَّانِي: كَبَيْعٍ، وَيَصِحُّ بِقَوْلِهِ: رَضِيتُ؛ بِدُونِ لَفْظِ الْقِسْمَةِ، وَفِيهِ عَلَى الثَّانِي فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ. مُلْحَقٌ: قَالَ الْقَاضِي: فِي الْخِلَافِ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ: وَيَثْبُتُ فِي الْقِسْمَةِ الْخِيَارَانِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ وَضْعَهُمَا لِلنَّظَرِ، وَهَذَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ هُنَا. وَفِي النِّهَايَةِ: الْقِسْمَةُ إِفْرَازُ حَقٍّ عَلَى الصَّحِيحِ، فَلَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ احْتَمَلَ أَنْ يَدْخُلَهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ بَعْضُهَا يُسْقَى سَيْحًا، وَبَعْضُهَا بَعْلًا، وَفِي بَعْضِهَا نَخْلٌ، وَفِي بَعْضِهَا شَجَرٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ، وَطَلَبَ الْآخَرُ قَسْمَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ، قُسِّمَتْ كُلُّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ إِذَا أَمْكَنَ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى التَّعْدِيلِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا فِي الْجَمِيعِ، وَلِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْقِسْمَةِ زَوَالُ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِيمَا ذُكِرَ. وَحِينَئِذٍ فَتَتَعَيَّنُ إِجَابَةُ طَالِبِهِ، لِأَنَّ ضَرَرَ صَاحِبِهِ يَزُولُ بِإِجَابَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ قِسْمَةُ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ قُسِّمَ الْجَمِيعُ إِنْ كَانَ قَابِلًا لَهَا، وَإِلَّا فَلَا. [يَجُوزُ لِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَتَقَاسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ] فَصْلٌ (وَيَجُوزُ لِلشُّرَكَاءِ) أَنْ يَتَقَاسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنْ يُنَصِّبُوا قَاسِمًا يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ) لِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 قَاسِمٍ يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ، وَمِنْ شَرْطِ مَنْ يُنَصَّبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَارِفًا بِالْقِسْمَةِ، فَمَتَى عُدِلَتِ السِّهَامُ وَأُخْرِجَتِ الْقُرْعَةُ لَزِمَتِ الْقِسْمَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَ فِيمَا فِيهِ رَدّ عوض بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ، حَتَّى يتراضيا بِذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ لَمْ يَجُزْ أَقَلُّ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْحَقَّ لَهُمْ لَا يَعْدُوهُمْ (وَأَنْ يَسْأَلُوا الْحَاكِمَ نَصْبَ قَاسِمٍ يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ) لِأَنَّ طَلَبَ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُمْ، فَجَازَ أَنْ يَسْأَلُوا الْحَاكِمَ ـ كَغَيْرِهِ مِنَ الْحُقُوقِ ـ (وَمِنْ شَرْطِ مَنْ يُنَصَّبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَارِفًا بِالْقِسْمَةِ) مَعَ إِسْلَامٍ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، وَفِي الْمُغْنِي: عَارِفًا بِالْحِسَابِ؛ لِأَنَّهُ كَالْخَطِّ لِلْكَاتِبِ. وَفِي الْكَافِي: إِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ اشْتُرِطَتْ عَدَالَتُهُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِمْ لَمْ تُشْتَرَطْ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ كَانَ عَدْلًا كَانَ كَقَاسِمِ الْحَاكِمِ فِي لُزُومِ قِسْمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا لَمْ تَلْزَمْ قِسْمَتُهُ إِلَّا بِتَرَاضِيهِمَا ـ كَمَا لَوِ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ ـ وَتُبَاحُ أُجْرَتُهُ، وَعَنْهُ: هِيَ كَقُرْبَةٍ. نَقَلَ صَالِحٌ: أَكْرَهُهُ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَا تَأْخُذْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ أَجْرًا، وَهِيَ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إِذَا أَطْلَقَ الشُّرَكَاءُ الْعَقْدَ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدٌ بِالِاسْتِئْجَارِ بِلَا إِذْنٍ، وَقِيلَ: بِعَدَدِ الْمُلَّاكِ، وَفِي الْكَافِي: عَلَى مَا شَرَطَا. فَعَلَى النَّصِّ: أُجْرَةُ شَاهِدٍ يَخْرُجُ لِقَسْمِ الْبِلَادِ، وَوَكِيلٍ وَأَمِينٍ لِلْحِفْظِ عَلَى مَالِكٍ وَفَلَّاحٍ كَأَمْلَاكٍ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (فَمَتَى عُدِلَتِ السِّهَامُ وَأُخْرِجَتِ الْقُرْعَةُ لَزِمَتِ الْقِسْمَةُ) ـ أَيْ: قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ ـ لِأَنَّ الْقَاسِمَ كَالْحَاكِمِ، وَقُرْعَتَهُ كَالْحُكْمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي تَعْدِيلِ السِّهَامِ، كَاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَ قُرْعَتُهُ. وَقِسْمَةُ التَّرَاضِي إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا رَدُّ عِوَضٍ فَتَلْزَمُ، كَمَا إِذَا كَانَ فِيهَا رَدُّ عِوَضٍ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَ فِيمَا فِيهِ رَدٌّ) عِوَضٌ (بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ، حَتَّى يَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ) بَعْدَ الْقُرْعَةِ، سَوَاءٌ قَسَّمَهَا الْحَاكِمُ أَوْ قَاسَمَهُ أَوْ قَاسَمَهُمْ؛ لِأَنَّ رِضَاهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُزِيلُهُ، فَوَجَبَ اسْتِمْرَارُهُ، وَلِأَنَّهَا بَيْعٌ فَلَا يَلْزَمُ بِغَيْرِ التَّرَاضِي كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، وَقِيلَ: الرِّضَى بَعْدَهَا مُطْلَقًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 قَاسِمَيْنِ، وَإِنْ خَلَتْ مِنْ تَقْوِيمٍ أَجْزَأَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ، وَإِذَا سَأَلُوا الْحَاكِمَ قِسْمَةَ عَقَارٍ، لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَهُمْ قَسْمُهُ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ: أَنَّ قَسْمَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ، لَا عَنْ بَيِّنَةٍ شُهِدَتْ لَهُمْ بِمِلْكِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى طَلَبِ الْقِسْمَةِ لَمْ يَقْسِمْهُ.   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: بِالرِّضَى بَعْدَهَا إِنِ اقْتَسَمَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمًا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، أَوْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَاخْتَارَ أَحَدَ الْقَسْمَيْنِ جَازَ، وَيَلْزَمُ بِتَرَاضِيهِمَا وَتَفَرُّقِهِمَا كَالْبَيْعِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ (وَإِذَا كَانَ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ لَمْ يَجُزْ أَقَلُّ مِنْ قَاسِمَيْنِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ فَلَمْ يَقْبَلْ أَقَلَّ مِنَ اثْنَيْنِ، كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ، وَقِيلَ: يَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ (وَإِنْ خَلَتْ مِنْ تَقْوِيمٍ أَجْزَأَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ الْقَاسِمَ مُجْتَهِدٌ فِي التَّقْوِيمِ، وَهُوَ يَعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ أَشْبَهَ الْحَاكِمَ. وَفِي الْكَافِي: لِأَنَّهُ حَكَمَ بَيْنَهُمَا، فَأَشْبَهَ الْحَاكِمَ، (وَإِذَا سَأَلُوا الْحَاكِمَ قِسْمَةَ عَقَارٍ، لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَهُمْ قَسْمُهُ) لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ، فَثَبَتَ لَهُمْ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَاوَلَ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْقِسْمَةِ (وَذَكَرَ) الْحَاكِمُ الْقَاسِمَ (فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ قَسْمَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ، لَا عَنْ بَيِّنَةٍ شُهِدَتْ لَهُمْ بِمِلْكِهِمْ) لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ الْحَاكِمُ بَعْدَهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهِمْ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى ضَرَرِ مَنْ يَدَّعِي فِي الْعَيْنِ حَقًّا، وَقَدْ سَبَقَ (وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى القسمة طلب لَمْ يَقْسِمْهُ) حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ حَقٌّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ القسمة، لَمْ يَرْضَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُوجِبُ الْقِسْمَةَ لَمْ يَجُزِ التَّصَرُّفُ فِي حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ مُهَايَأَةٌ لَازِمَةٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ بَطَلَتِ الْمُهَايَأَةُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 فَصْلٌ وَيَعْدِلُ الْقَاسِمُ السِّهَامَ بِالْأَجْزَاءِ إِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً، وَبِالْقِيمَةِ إِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً، وَبِالرَّدِّ إِنْ كَانَتْ تَقْتَضِيهِ، ثُمَّ يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمٌ صَارَ لَهُ، وَكَيْفَمَا أَقْرَعَ جَازَ إِلَّا أَنْ الأحوط أن يَكْتُبَ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي رُقْعَةٍ، ثُمَّ يُدْرِجَهَا فِي بَنَادِقِ شَمْعٍ أَوْ طِينٍ مُتَسَاوِيَةِ الْقَدْرِ وَالْوَزْنِ، وَتُطْرَحُ فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ، وَيُقَالُ لَهُ: أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا السَّهْمِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ كَانَ لَهُ، ثُمَّ الثَّانِي كَذَلِكَ،   [المبدع في شرح المقنع] [يَعْدِلُ الْقَاسِمُ السِّهَامَ] فَصْلٌ (وَيَعْدِلُ الْقَاسِمُ السِّهَامَ) لِأَنَّ ضِدَّ ذَلِكَ جَوْرٌ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ إِجْمَاعًا (بِالْأَجْزَاءِ إِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً) كَأَرْضٍ قِيمَةَ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا مُتَسَاوِيَةً، فَهَذِهِ تَعْدِلُ سِهَامَهَا بِالْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ التَّسَاوِي بِالْأَجْزَاءِ التَّسَاوِي بِالْقِيمَةِ (وَبِالْقِيمَةِ إِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً) كَأَرْضِ أَحَدِ جَوَانِبِهَا يُسَاوِي مِثْلَيِ الْآخَرِ، فَهَذِهِ يَعْدِلُ فِيهَا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ التَّعْدِيلُ بِالْأَجْزَاءِ، لَمْ يَبْقَ إِلَّا التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ ضَرُورَةً، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْإِجْبَارِ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِهِمَا ـ وَهَذَا مَعَ اتِّفَاقِ السِّهَامِ وَاخْتِلَافِهَا ـ (وَبِالرَّدِّ إِنْ كَانَتْ تَقْتَضِيهِ) كَأَرْضٍ قِيمَتُهَا مِائَةٌ، فِيهَا شَجَرٌ أَوْ بِئْرٌ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ، فَإِذَا جُعِلَتِ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا كَانَتِ الثُّلُثَ، وَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى أَنْ تُجْعَلَ مَعَ الْأَرْضِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، يَرُدُّهَا مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الشَّجَرُ أَوِ الْبِئْرُ عَلَى مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْأَرْضُ؛ لِيَكُونَا نِصْفَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ (ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ) لِإِزَالَةِ الْإِبْهَامِ الْحَاصِلِ، قِيَاسًا لِبَعْضِ مَوَارِدِ الشَّرْعِ عَلَى بَعْضٍ (فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمٌ صَارَ لَهُ) لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْقُرْعَةِ (وَكَيْفَمَا أَقْرَعَ جَازَ) لِأَنَّ الْغَرَضَ التَّمْيِيزُ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ، فَعَلَى هَذَا: يَجُوزُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِخَوَاتِمَ وَحَصًى وَغَيْرِ ذَلِكَ (إِلَّا) أَنَّ الْأَحْوَطَ (أَنْ يَكْتُبَ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي رُقْعَةٍ) لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى التَّمْيِيزِ (ثُمَّ يُدْرِجَهَا فِي بَنَادِقِ شَمْعٍ أَوْ طِينٍ مُتَسَاوِيَةِ الْقَدْرِ وَالْوَزْنِ) لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ (وَتُطْرَحُ فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ (وَيُقَالُ لَهُ: أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا السَّهْمِ) لِيَعْلَمَ مَنْ لَهُ ذَلِكَ (فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ كَانَ لَهُ) لِأَنَّ اسْمَهُ خَرَجَ عَلَيْهِ، وَيُمَيِّزُ سَهْمَهُ بِهِ (ثُمَّ الثَّانِي كَذَلِكَ) أَيْ: كَالْأَوَّلِ مِنَ الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ كَالْأَوَّلِ مَعْنًى، يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمًا (وَالسَّهْمُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ، إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَسِهَامُهُمْ مُتَسَاوِيَةٌ) لِأَنَّ السَّهْمَ الثَّالِثَ يُعَيَّنُ لَهُ لِزَوَالِ الْإِبْهَامِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ الْبَنَادِقَ تُجْعَلُ طِينًا وَتُطْرَحُ فِي مَاءٍ، فَأَيُّ الْبَنَادِقِ أَنْحَلَ عَنْهَا الطِّينُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 وَالسَّهْمُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ ـ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَسِهَامُهُمْ مُتَسَاوِيَةٌ ـ وَإِنْ كَتَبَ اسْمَ كُلِّ سَهْمٍ فِي رُقْعَةٍ، وَقَالَ: أَخْرِجْ بُنْدُقَةً بِاسْمِ فُلَانٍ، وَأَخْرِجِ الثَّانِيَةَ بِاسْمِ الثَّانِي، وَالثَّالِثَةَ لِلثَّالِثِ، جَازَ. وَإِنْ كَانَتِ السِّهَامُ مُخْتَلِفَةً؛ كَثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمُ النِّصْفُ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، وَلِلْآخَرِ السُّدُسُ، فَإِنَّهُ يُجَزِّئُهَا سِتَّةَ أَجْزَاءٍ وَيُخْرِجُ الْأَسْمَاءَ عَلَى السِّهَامِ لَا غَيْرَ، فَيَكْتُبُ بِاسْمِ صَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثًا وَبَاسِمِ صَاحِبِ الثُّلُثِ ثنتين وَبَاسِمِ صَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدَةً،   [المبدع في شرح المقنع] وَخَرَجَتْ رُقْعَتُهَا عَلَى أَعْلَى الْمَاءِ فَهِيَ لَهُ، وَكَذَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَمَا بَعْدَهُ، فَإِنْ خَرَجَ اثْنَانِ مَعًا أُعِيدَتِ الْقُرْعَةُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَوْلَى وَأَسْهَلُ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ (وَإِنْ كَتَبَ اسْمَ كُلِّ سَهْمٍ فِي رُقْعَةٍ، وَقَالَ: أَخْرِجْ بُنْدُقَةً بِاسْمِ فُلَانٍ، وَأَخْرِجِ الثَّانِيَةَ بِاسْمِ الثَّانِي، وَالثَّالِثَةَ لِلثَّالِثِ، جَازَ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي قَبْلَهُ (وَإِنْ كَانَتِ السِّهَامُ مُخْتَلِفَةً، كَثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمُ النِّصْفُ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، وَلِلْآخَرِ السُّدُسُ، فَإِنَّهُ يُجَزِّئُهَا سِتَّةَ أَجْزَاءٍ) لِأَنَّ السِّهَامَ مُخْتَلِفَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَجْزِئَتِهَا بِحَسَبِ أَقَلِّ الشُّرَكَاءِ نَصِيبًا وَهُوَ السُّدُسُ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. فَلَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمُ النِّصْفُ، وَلِلْآخَرِ الرُّبُعُ، وَلِلْآخَرِ الثُّمُنُ، فَأَجْزَاؤُهَا ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ (وَيُخْرِجُ الْأَسْمَاءَ عَلَى السِّهَامِ لَا غَيْرَ) أَيْ: لَا يَجُوزُ إِلَّا هَذَا؛ لِئَلَّا يَخْرُجَ السَّهْمُ الرَّابِعُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ، فَيَقُولُ: آخُذُهُ وَسَهْمَيْنِ قَبْلَهُ، وَيَقُولُ صَاحِبَاهُ: يَأْخُذُهُ وَسَهْمَيْنِ بَعْدَهُ. فَيَخْتَلِفُونَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ السَّهْمُ الثَّانِي، ثُمَّ خَرَجَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ السَّهْمُ الْأَوَّلُ، لَتَفَرَّقَ نَصِيبُهُ (فَيَكْتُبُ بِاسْمِ صَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثًا) أَيْ: ثَلَاثَ رِقَاعٍ (وَبَاسِمِ صَاحِبِ الثُّلُثِ ثِنْتَيْنِ) أَيْ: رُقْعَتَيْنِ (وَبَاسِمِ صَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدَةً) كَذَا ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِحَسَبِ التَّجْزِئَةِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ يَكْتُبُ بِاسْمِ كُلِّ وَاحِدٍ رُقْعَةً لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، ثُمَّ ذَكَرَا هَذَا قَوْلًا، وَقَالَا: هَذَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ خُرُوجُ اسْمِ صَاحِبِ النِّصْفِ، وَإِذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 وَيُخْرِجُ بُنْدُقَةً عَلَى السَّهْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ أَخَذَهُ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ، وَإِنْ خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَالثَّانِيَ، ثُمَّ يُقْرِعُ بَيْنَ الْآخَر وَالْبَاقِي لِلثَّالِثِ. فَصْلٌ فَإِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ غَلَطًا فِيمَا تَقَاسَمُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَشْهَدُوا عَلَى تَرَاضِيهِمْ بِهِ، لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] كَتَبَ ثَلَاثًا حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَأَغْنَى (وَيُخْرِجُ بُنْدُقَةً عَلَى السَّهْمِ الْأَوَّلِ) لِيَعْلَمَ لِمَنْ هُوَ (فَإِنْ خَرَجَ) اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ (أَخَذَهُ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ) لِيَجْتَمِعَ لَهُ حَقُّهُ وَلَا يَتَضَرَّرَ بِتَفْرِقَتِهِ (وَإِنْ خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَالثَّانِيَ) لِمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ يُقْرِعُ بَيْنَ الْآخَر) لِأَنَّ الْإِبْهَامَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا بَاقٍ (وَالْبَاقِي لِلثَّالِثِ) وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا قُرْعَةَ فِي مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ إِلَّا لِلِابْتِدَاءِ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِرَبِّ الْأَكْثَرِ أَخَذَ كُلٌّ حَقَّهُ، فَإِنْ تَعَدَّدَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ تَوَجَّهَ وَجْهَانِ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا دَارَانِ أَوْ خَانَانِ أَوْ أَكْثَرُ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَهُ فِي إِحْدَى الدَّارَيْنِ أَوْ أَحَدِ الْخَانَيْنِ، وَيَجْعَلَ الْبَاقِيَ نَصِيبًا لِلْآخَرِ، لَمْ يُجْبَرِ الْآخَرُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُجْبَرُ إِذَا رَأَى الْحَاكِمُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ تَقَارَبَتَا أَوْ تَفَرَّقَتَا؛ لِأَنَّهُ أَنَفَعُ وَأَعْدَلُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَتَا مُتَجَاوِرَتَيْنِ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ تَتَقَارَبُ مَنْفَعَتُهُمَا، بِخِلَافِ الْمُتَبَاعِدَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا حُجْرَةَ الْأُخْرَى أُجْبِرَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُمَا تَجْرِيَانِ مَجْرَى الْوَاحِدَةِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ نَقَلَ حَقَّهُ مِنْ عَيْنٍ إِلَى عَيْنٍ أُخْرَى، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَالْمُتَفَرِّقِينَ، وَالْحُكْمُ فِي الدَّكَاكِينِ كَالدُّورِ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ. [إِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ غَلَطًا فِيمَا تَقَاسَمُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ] فَصْلٌ (فَإِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ غَلَطًا فِيمَا تَقَاسَمُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَشْهَدُوا عَلَى تَرَاضِيهِمْ بِهِ، لَمْ يُلْتَفَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا قَسَّمَهُ قَاسِمُ الْحَاكِمِ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا قَسَّمَهُ قَاسِمُهُمُ الَّذِي نَصَّبُوهُ، وَكَانَ فِيمَا اعْتَبَرْنَا فِيهِ الرِّضَى بَعْدَ الْقُرْعَةِ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَقَاسِمِ الْحَاكِمِ، وَإِنْ تَقَاسَمُوا ثُمَّ اسْتَحَقَّ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ بَطَلَتْ،   [المبدع في شرح المقنع] إِلَيْهِ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ، وَرِضَاهُ بِالزِّيَادَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ يَلْزَمُهُ، وَصَحَّحَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ تُقْبَلُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُحْتَمَلٌ، فَتُنْقَضُ الْقِسْمَةُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ مُسَلَّمٍ فِيهِ، ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا فِي كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ. وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ حَقَّهُ فِي الزِّيَادَةِ سَقَطَ بِرِضَاهُ، مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَسْقُطُ إِذَا عَلِمَهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَرْسَلًا مَغْبُونًا بِمَا يُسَامَحُ بِهِ عَادَةً، أَوِ الثُّلُثُ أَوِ السُّدُسُ عَلَى الْخِلَافِ (وَإِنْ كَانَ فِيمَا قَسَّمَهُ قَاسِمُ الْحَاكِمِ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ.» (وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.» وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَلَا يَحْلِفُ الْقَاسِمُ (وَإِنْ كَانَ فِيمَا قَسَّمَهُ قَاسِمُهُمُ الَّذِي نَصَّبُوهُ، وَكَانَ فِيمَا اعْتَبَرَنَا فِيهِ الرِّضَى بَعْدَ الْقُرْعَةِ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْقِسْمَةِ (وَإِلَّا فَهُوَ كَقَاسِمِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ، وَكَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ بَيْعٌ، أَوْ كَانَتْ مَعَ رَدٍّ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَى الْغَلَطِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِفْرَازٌ سُمِعَتْ. فَرْعٌ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ أَنَّ زَيْدًا أَخَذَ حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ بِجَعْلٍ فَلَا. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ (وَإِنْ تَقَاسَمُوا ثُمَّ اسْتَحَقَّ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ بَطَلَتْ) الْقِسْمَةُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَقَاسِمَيْنَ لَمْ يَأْخُذْ حَقَّهُ، وَكَمَا لَوْ فَعَلَا ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمَا بِالْحَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مِنَ الْحِصَّتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ لَمْ تَبْطُلْ فِيمَا بَقِيَ عَلَى الْأَشْهَرِ، لِأَنَّ الْبَاقِيَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرُ حَقِّهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ضَرَرُ الْمُسْتَحِقِّ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ، كَسَدِّ طَرِيقِهِ أَوْ مَجْرَى مَائِهِ أَوْ ضَوْئِهِ وَنَحْوِهِ، فَيَبْطُلُ لِأَنَّ هَذَا يَمْنَعُ التَّعْدِيلَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 وَإِنْ كَانَ شَائِعًا فِيهِمَا فَهَلْ تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارَيْنِ قِسْمَةَ تَرَاضٍ، فَبَنَى أَحَدُهُمَا أو غرس فِي نَصِيبِهِ، ثُمَّ خَرَجَتِ الدَّارُ مُسْتَحَقَّةً، وَنُقِضَ بِنَاؤُهُ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى شَرِيكِهِ، وَإِنْ خَرَجَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَيْبٌ فَلَهُ فَسْخُ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنِ الْبَاقِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مُقَابَلَةِ مَا بَقِيَ لِلْآخَرِ (وَإِنْ كَانَ شَائِعًا فِيهِمَا فَهَلْ تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) : أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ شَرِيكُهُمَا لَمْ يَحْضُرْ وَلَمْ يَأْذَنْ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَاهُ. وَالثَّانِي: لَا، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ فِي نَصِيبِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ بَقَاءُ حَقِّهِ فِي يَدِهِمَا جَمِيعًا مَعَ بَقَائِهِمَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَا. وَإِذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا مِنْ سَهْمِي تَحَالَفَا وَنَقَضَتِ الْقِسْمَةُ، (وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارَيْنِ قِسْمَةَ تَرَاضٍ، فَبَنَى أَحَدُهُمَا أَوْ غَرَسَ فِي نَصِيبِهِ، ثُمَّ خَرَجَتِ الدَّارُ مُسْتَحَقَّةً وَنَقَضَ بِنَاؤهُ) وَقُلِعَ غِرَاسُهُ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى شَرِيكِهِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ لَا يَقْتَسِمَانِ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالتَّرَاضِي، وَلَوْ بَاعَهُ نِصْفَ الدَّارِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا غَرَمَ كَذَا هَذَا أَوْ كَذَا فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ إِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ، وَإِنْ قُلْنَا إِفْرَازٌ فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّهُ أَفْرَزَ لَهُ حَقَّهُ مِنْ حَقِّهِ وَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ مَا غَرَمَ فِيهِ. وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ رُجُوعَهُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا لَمْ يَرْجِعْ حَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْعًا فَلَا يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ وَلَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ فِي الْغُرُورِ، إِذَا اقْتَسَمَا الْجَوَارِيَ أَعْيَانًا. وَعَلَى هَذَا فَالَّذِي لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِهِ يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِمَا فَوَّتَهُ مِنَ الْمَنْفَعَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ (وَإِنْ خَرَجَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَيْبٌ فَلَهُ فَسْخُ الْقِسْمَةِ) ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، إِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ نَقْصٌ عَنْ قَدْرِ حَقِّهِ الْخَارِجِ لَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ فَسْخِ الْقِسْمَةِ اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَهُ. وَلَهُ الْإِمْسَاكُ مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي نَصِيبِهِ فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ اسْتِدْرَاكًا لِحَقِّهِ الثَّابِتِ كَالْمُشْتَرِي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 الْقِسْمَةِ، وَإِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ الْعَقَارَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ إِفْرَازُ حَقٍّ، لَمْ تَبْطُلِ الْقِسْمَةُ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ انْبَنَى عَلَى بَيْعِ التَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، هَلْ يَجُوزُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. وإذا اقْتَسَمَا، فَحَصَلَتِ الطَّرِيقُ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَا مَنْفَذَ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَبْطُلَ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ فِيهَا شَرْطٌ، وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَإِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ الْعَقَارَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ إِفْرَازُ حَقٍّ، لَمْ تَبْطُلِ الْقِسْمَةُ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَلَمْ يَقَعْ ضَرَرٌ فِي حَقِّ أَحَدٍ، لَكِنْ إِنِ امْتَنَعُوا مِنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَإِنِ امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ وَحْدَهُ، وَفِي الْكَافِي فِي صِحَّةِ الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ فِي التَّرِكَةِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ (وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ) ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ (انْبَنَى عَلَى بَيْعِ التَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، هَلْ يَجُوزُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَحَكَاهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، رِوَايَتَانِ. الْأَصَحُّ: الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْجَانِيَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَيَتَمَكَّنُّ مَالِكُهُ مِنْ بَيْعِهِ، فَكَذَا الْوَارِثُ. وَالثَّانِيَةُ: لَا؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِيهَا كَالرَّهْنِ. تَنْبِيهٌ: تَرِكَةُ الْمَيِّتِ يَثْبُتُ فِيهَا الْمِلْكُ لِوَرَثَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: يُمْنَعُ بِقَدْرِهِ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّةِ الْوَرَثَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَرِيمَ لَا يَحْلِفُ عَلَى دَيْنِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَحِلُّهُ الذِّمَّةُ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ، فَيَتَخَيَّرُ الْوَارِثُ بَيْنَ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا كَالرَّهْنِ وَالْجَانِي، وَلَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ وَالنَّمَاءِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، أَشْبَهَ كَسْبَ الْجَانِي، وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ كَنَمَاءِ الرَّهْنِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 لِلْآخَرِ بَطَلَتِ الْقِسْمَةُ. وَيَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ قَسْمُ مَالِ الْمُولَى عَلَيْهِ مَعَ شَرِيكِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَمَنِ اخْتَارَ الْأَوَّلَ قَالَ: تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالرَّهْنِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ، وَلِهَذَا مُنِعَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَعَلَى الْأُخْرَى: حُكْمُهُ حُكْمُ التَّرِكَةِ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْنَةِ مِنْهَا، فَإِنْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هُوَ صَحِيحٌ إِنْ قَضَى الدَّيْنَ، وَإِلَّا نُقِضَ تَصَرُّفُهُ، كَمَا إِذَا تَصَرَّفَ السَّيِّدُ فِي الْجَانِي وَلَمْ يُؤَدِّ الْجِنَايَةَ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تَصَرُّفُهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِالتَّرِكَةِ كَتَعَلُّقِهِ بِالرَّهْنِ، لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ قَبْلَ الْوَفَاءِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِالنَّمَاءِ، وَإِنْ قُلْنَا كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي ـ وَهُوَ الْأَقْيَسُ ـ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، ثُمَّ إِنْ ظَهَرَ الدَّيْنُ فَلِرَبِّهِ الْفَسْخُ وَأَخْذُ دَيْنِهِ، فِي الْأَصَحِّ، وَالدَّيْنُ الْمُسْتَغْرَقُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا كَانَ لَهُ شَجَرٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَثْمَرَتْ، وَمَاتَ، فَالثَّمَرَةُ إِرْثٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا دَيْنٌ، وَفِيهَا الزَّكَاةُ إِنْ قُلْنَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ مَعَ الدَّيْنِ، تَعَلَّقَ بِهَا الدَّيْنُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَفِي الزَّكَاةِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ وَنَقَلْنَا التَّرِكَةَ قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ فَكَذَا، وَإِلَّا فَلَا. فَرْعٌ: إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ أَرْضًا، وَرَضِيَ رَبُّهَا بِإِخْرَاجِ ثُلُثِهَا، فَقَسَمَهَا الْوَرَثَةُ وَقَالُوا: نَحْنُ نُخْرِجُ قِيمَةَ الثُّلُثِ بَيْنَنَا، فَقِيلَ: يَجُوزُ كَالدَّيْنِ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ بَعْضُ الْأَرْضِ، فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ. وَقَالَ السَّامَرِّيُّ: تَبْطُلُ فِي حَقِّ كُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنَ الثُّلُثِ، وَفِي الْبَاقِي وَجْهَانِ، وَكَذَا إِنْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ ثُلُثُهَا وَيُصْرَفَ فِي جِهَةِ عَيْنِهَا (وَإِذَا اقْتَسَمَا فَحَصَلَتِ الطَّرِيقُ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَا مَنْفَذَ لِلْآخَرِ بَطَلَتِ الْقِسْمَةُ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ النَّصِيبَ الَّذِي لَا طَرِيقَ لَهُ لَا قِيمَةَ لَهُ إِلَّا قِيمَةُ مِلْكِهِ، فَلَمْ يَحْصُلْ تَعْدِيلٌ، وَالْقِسْمَةُ تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ أَنْ يَأْخُذَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ أَخَذَهُ رَاضِيًا عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ جَازَ، كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَكَذَا طَرِيقُ مَاءٍ، وَنَصُّهُ: هُوَ لَهُمَا مَا لَمْ يَشْتَرِطَا رَدَّهُ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: قِيَاسُهُ: جُعِلَ الطَّرِيقُ مِثْلَهُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، مَا لَمْ يَشْرُطْ صَرْفَهَا عَنْهُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 بَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ الْمُدَّعِي: مَنْ إِذَا سَكَتَ تَرَكَ، وَالْمُنْكِرُ: مَنْ إِذَا سَكَتَ لَمْ يَتْرُكْ. وَلَا تَصِحُّ   [المبدع في شرح المقنع] وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي مَجْرَى الْمَاءِ: لَا يُغَيِّرُ مَجْرَى الْمَاءِ وَلَا يَضُرُّ بِهَذَا، إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ لَهُ النَّفَقَةَ حَتَّى يَصْلُحَ مَسِيلُهُ. فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُمَا ظُلَّةٌ فَوَقَعَتْ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا، فَهِيَ لَهُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا (وَيَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ قَسْمُ مَالِ الْمُولَى عَلَيْهِ مَعَ شَرِيكِهِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إِمَّا بَيْعٌ وَإِمَّا إِفْرَازُ حَقٍّ، وَكِلَاهُمَا يَجُوزُ لَهُمَا، وَلِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةَ الصَّغِيرِ فَجَازَتْ كَالشِّرَاءِ، وَيَجُوزُ لَهُمَا قِسْمَةُ التَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ لِضَرَرِ الْحَاجَةِ إِلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ: وَوَلِيُّ الْمُولَى عَلَيْهِ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ بِمَنْزِلَتِهِ، وَكَذَلِكَ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي إِذَا رَآهَا مَصْلَحَةً. [بَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ] [تَعْرِيفُ الدعاوى والبينات] بَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ الدَّعَاوَى: وَاحِدُهَا دَعْوَى، وَهِيَ إِضَافَةُ الْإِنْسَانِ إِلَى نَفْسِهِ مِلْكًا أَوِ اسْتِحْقَاقًا أَوْ نَحْوَهُ. وَفِي الشَّرْعِ: إِضَافَتُهُ إِلَى نَفْسِهِ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُضَافُ إِلَيْهِ اسْتِحْقَاقُ شَيْءٍ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: هِيَ إِخْبَارُ خَصْمِهِ بِاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَجْهُولٍ، كَوَصِيَّةٍ وَإِقْرَارٍ عَلَيْهِ، أَوْ عِنْدَهُ لَهُ، أو لِمُوَكِّلِهِ أَوْ مُوَلِّيهِ أَوْ لِلَّهِ حَسْبُهُ بِطَلَبِهِ مِنْهُ عِنْدَ حَاكِمٍ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الطَّلَبِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ وَإِذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا لَمْ تَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَهِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهَا لَهُ، لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهَا، إِذَا لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْيَمِينُ تَخْتَصُّ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَّا فِي الْقَسَامَةِ وَدَعَاوَى الْأُمَنَاءِ الْمَقْبُولَةِ، وَحَيْثُ يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَوْ نَقُولُ بِرَدِّهَا، وَالْبَيِّنَاتُ: جَمْعُ بَيِّنَةٍ، مِنْ بَانَ يَبِينُ فَهُوَ بَيِّنٌ، وَالْأُنْثَى: بَيِّنَةٌ، أَيْ: وَاضِحَةٌ، وَهُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيِ: الدَّلَالَةُ الْبَيِّنَةُ، (الْمُدَّعِي: مَنْ إِذَا سَكَتَ تَرَكَ، وَالْمُنْكِرُ: مَنْ إِذَا سَكَتَ لَمْ يَتْرُكْ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ طَالِبٌ وَالْمُنْكِرَ مَطْلُوبٌ؛ أَيْ: مُطَالَبٌ بِالْحَقِّ، وَقِيلَ: الْمُدَّعِي مَنْ يَطْلُبُ خِلَافَ الظَّاهِرِ أَوِ الْأَصْلِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَكْسُهُ. / 50 وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَسْلَمْنَا مَعًا، فَالنِّكَاحُ بَاقٍ، وَادَّعَتِ التَّعَاقُبَ، فَالْمُدَّعِي هِيَ، وَعَلَى الثَّانِي هُوَ، وَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ بِاعْتِبَارَيْنِ، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى مَقْلُوبَةٌ وَسَمِعَهَا بَعْضُهُمْ وَاسْتَنْبَطَهَا، فَذَكَرُوا فِي الشُّفْعَةِ إِذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً، وَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ وَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِ الثَّمَنِ، ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يَبْقَى فِي يَدِ الشَّفِيعِ. الثَّانِي: فِي يَدِ الْحَاكِمِ. الثَّالِثُ: ـ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ـ يَلْزَمُ الشَّفِيعَ بِقَبْضِهِ، أَوْ يبرئ مِنْهُ. وَفِي السَّلَمِ إِذَا جَاءَهُ بِالسَّلَمِ قَبْلَ مَحِلِّهِ لَزِمَهُ قَبْضُهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ، فَحَيْثُ لَزِمَهُ الْقَبْضُ إِنَّ دَعْوَاهُ تُسْمَعُ، وَيَلْزَمُ رَبُّ الدَّيْنِ بِقَبْضِهِ. [مَنْ تَصِحُّ مِنْهُ الدَّعْوَى] (وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) لِأَنَّ مَنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لَا قَوْلَ لَهُ يُعْتَمَدُ، وَتَصِحُّ عَلَى السَّفِيهِ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ إِذْنٌ، وَبَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ، وَيَحْلِفُ إِذَا أَنْكَرَ. [أَحْوَالُ الْعَيْنِ الْمَدَّعَاةِ] [أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا] (وَإِذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا لَمْ تَخْلُ مِنْ أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَهِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهَا لَهُ، لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهَا، إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ) «لِقَضَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَلَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً، أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا أَوْ لَهُ عَلَيْهَا حِمْلٌ، والآخر أخذ بزمامها، فهي للأول، وإن تنازعا قميصا أحدهما لابسه وَالْآخَرُ أخذ بِكُمِّهِ، فَهُوَ لِلَابِسِهِ. وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الدَّارِ وَالْخَيَّاطُ الْإِبْرَةَ وَالْمِقَصَّ فَهُمَا لِلْخَيَّاطِ، وَإِنْ تَنَازَعَ هُوَ وَالْقَرَّابُ   [المبدع في شرح المقنع] وَلِقَوْلِهِ فِي قَضِيَّةٍ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ ظَاهِرًا، أَوْ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَهُ، فَشُرِعَتِ الْيَمِينُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهَا، لَكِنْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِذَلِكَ كَثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ، وَلَا عَاقِلَةَ صَاحِبِ الْحَائِطِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا تَثْبُتُ فِيهِ الْحُقُوقُ وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ بِهِ الدَّعْوَى، وَفِي الرَّوْضَةِ: أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَفِي التَّمْهِيدِ: بِبَيِّنَةٍ (وَلَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا أَوْ لَهُ عَلَيْهَا حِمْلٌ) الْحِمْلُ: بِالْكَسْرِ، مَا عَلَى رَأْسٍ وَظَهْرٍ، وَبِالْفَتْحِ: مَا فِي بَطْنِ الْحُبْلَى، وَفِي حَمْلِ الشَّجَرَةِ بِهِمَا (وَالْآخَرُ أخذ بِزِمَامِهَا) وَقِيلَ: غَيْرُ مَكَّارٍ (فَهِيَ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَقْوَى، وَيَدَهُ آكَدُ، لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْفِي لِلْمَنْفَعَةِ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ، وَالْآخَرُ رَاكِبُهَا فَهِيَ لِلرَّاكِبِ، فَإِنِ ادَّعَيَا الْحِمْلَ فَهُوَ لِلرَّاكِبِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْحِمْلِ مَعًا، أَشْبَهَ مَا لَوِ اخْتَلَفَ السَّاكِنُ وَمَالِكُ الدَّارِ فِي قُمَاشٍ فِيهَا، بِخِلَافِ السَّرْجِ فَإِنَّهُ فِي الْعَادَةِ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ (وَإِنْ تَنَازَعَا قَمِيصًا، أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ أخذ بِكُمِّهِ، فَهُوَ لِلَابِسِهِ) لِأَنَّهُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الرَّاكِبِ مَعَ الْأَخْذِ بِالزِّمَامِ، فَالرَّاكِبُ أَوْلَى، فَكَذَا مَا هُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ كُمُّهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَبَاقِيهِ مَعَ الْآخَرِ، أَوْ تَنَازَعَا عِمَامَةً طَرَفَهَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَبَاقِيَهَا بِيَدِ الْآخَرِ، تَحَالَفَا وَهِيَ بَيْنَهُمَا، فَيَمِينُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي أَخَذَهُ. وَعَنْهُ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَأَخَذَهَا، إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ وَاحِدٌ نِصْفَهَا فَأَقَلَّ، وَالْآخَرُ كُلَّهَا أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ، فَيَصْدُقُ مُدَّعِي الْأَقَلِّ بِيَمِينِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ جَمْعٌ: يَتَحَالَفَانِ، (وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الدَّارِ وَالْخَيَّاطُ الْإِبْرَةَ وَالْمِقَصَّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَتُسَمَّى كُلُّ فَرْدَةٍ مِقَصًّا (فَهُمَا لِلْخَيَّاطِ) لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْخَيَّاطِ فِي ذَلِكَ أَظْهَرُ، وَالظَّاهِرُ مَعَهُ فَكَانَ أَقْوَى، وَإِنْ نَازَعَهُ الْخَيَّاطُ فِي قَمِيصٍ يَخِيطُهُ فِيهَا، أَوِ النَّجَّارُ فِي خَشَبٍ يَنْجُرُهُ فِيهَا، أَوْ فِي فَرْشٍ وَقُطْنٍ وَصُوفٍ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ (وَإِنْ تَنَازَعَ هُوَ وَالْقَرَّابُ الْقِرْبَةَ فَهِيَ لِلْقَرَّابِ) لِمَا ذَكَرْنَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 الْقِرْبَةَ فَهِيَ لِلْقَرَّابِ، وَإِنْ تَنَازَعَا عَرْصَةً فِيهَا شَجَرٌ، أَوْ بِنَاءً لِأَحَدِهِمَا فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ تَنَازَعَا حَائِطًا مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ، أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ لَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ، أَوْ لَهُ عَلَيْهِ أَزْجٌ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَحْلُولًا مِنْ بِنَائِهِمَا، أَوْ مَعْقُودًا بِهِمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَلَا تُرَجَّحُ   [المبدع في شرح المقنع] بِخِلَافِ الْخَابِيَةِ وَالْجَرَّارِ فَإِنَّهُمَا لِصَاحِبِ الدَّارِ (وَإِنْ تَنَازَعَا عَرْصَةً فِيهَا شَجَرٌ أَوْ بِنَاءً لِأَحَدِهِمَا فَهِيَ لَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الْمِلْكِ ظَاهِرًا، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ ثَبَتَا بِالِاقْتِدَارِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ تَنَازَعَا حَائِطًا مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ، أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ لَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ، أَوْ لَهُ عَلَيْهِ أَزْجٌ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْأَبْنِيَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: هُوَ الْقَبْوُ (فَهُوَ لَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَجِّحُ قَوْلَ مُدَّعِيهِ، فَكَانَ لَهُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَيَحْلِفُ لِخَصْمِهِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ إِحْدَاثُهُ لَمْ يُرَجَّحْ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَتَمَلَّكَ الْحَائِطَ الْمُشْتَرَكَ. ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يَتَرَجَّحُ بِهَذَا الِاتِّصَالِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (وَإِنْ كَانَ مَحْلُولًا مِنْ بِنَائِهِمَا، أَوْ مَعْقُودًا بِهِمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنَّ نِصْفَ الْحَائِطِ لَهُ، وَإِنْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى جَمِيعِهِ أَنَّهُ لَهُ وَمَا هُوَ لِصَاحِبِهِ جَازَ، وَإِنْ نَكَلَا عَنِ الْيَمِينِ كَانَ الْحَائِطُ فِي أَيْدِيهِمَا عَلَى مَا كَانَ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا قضى عَلَيْهِ وَكَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ، فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً تَعَارَضَتَا وَصَارَا كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا (وَلَا تُرَجَّحُ الدَّعْوَى بِوَضْعِ خَشَبِ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ) قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَسْمَحُ بِهِ الْجَارُ، وَهُوَ عِنْدَنَا حَقٌّ يَجِبُ التَّمْكِينُ مِنْهُ، أَشْبَهَ إِسْنَادَ مَتَاعِهِ إِلَيْهِ وَتَزْوِيقِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرَجَّحَ بِهِ الدَّعْوَى، وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ كَالْبَانِي عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ كَوْنَهُ مُسْتَحِقًّا تَشْتَرِطُ لَهُ الْحَاجَةُ إِلَى وَضْعِهِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَتَسَامَحُونَ بِهِ، وَلِأَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِذَلِكَ، فَتَرَجَّحَ بِهِ كَالْأَزْجِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا لَا تُرَجَّحُ، بِخِلَافِ الْجِذْعَيْنِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لَهُمَا (وَلَا بِوُجُوهِ الْآجُرِّ وَالتَّزْوِيقِ وَالتَّجْصِيصِ) وَالتَّحْسِينِ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا لَهُ عَلَى الْآخَرِ سُتْرَةٌ غَيْرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 الدَّعْوَى بِوَضْعِ خَشَبِ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ وَلَا بِوُجُوهِ الْآجُرِّ، وَالتَّزْوِيقِ وَالتَّجْصِيصِ وَمَعَاقِدِ الْقَمْطِ فِي الْخُصِّ. وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي سُلَّمٍ مَنْصُوبٍ أَوْ دَرَجَةٍ منصوبة، فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الدَّرَجَةِ مَسْكَنٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا.   [المبدع في شرح المقنع] مُبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ وَيُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ (وَمَعَاقِدِ الْقَمْطِ) الْمَعَاقِدُ: جَمْعُ مَعْقِدٍ - بِكَسْرِ الْقَافِ - مَا تُشَدُّ بِهِ الْأَخْصَاصُ (فِي الْخُصِّ) وَهُوَ بَيْتٌ يُعْمَلُ مِنْ خَشَبٍ وَقَصَبٍ، وَجَمْعُهُ: أَخْصَاصٌ، سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفُرُوجِ وَالْأَنْقَابِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهَا لَا يُرَجَّحُ الدَّعْوَى بِكَوْنِ الدَّوَاخِلِ إِلَى أَحَدِهِمَا وَالْخَوَارِجِ، وَوُجُوهِ الْآجُرِّ وَالْحِجَارَةِ، وَلَا كَوْنِ الْآجُرَّةِ الصَّحِيحَةِ مِمَّا يَلِي أَحَدَهُمَا، وَلَا مَعَاقِدِ الْقَمْطِ فِي الْخُصِّ، يَعْنِي: الْخُيُوطَ الَّتِي يُشَدُّ بِهَا الْخُصُّ. وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عِمْرَانَ ـ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَابْنُ مَاجَهْ ـ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَلِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ مَنْ بَنَى حَائِطًا جَعَلَ وَجْهَ الْحَائِطِ كَمَا إِذَا لَبِسَ ثِيَابَهُ، فَيَجْعَلُ أَحْسَنَهَا أَعْلَاهَا الظَّاهِرُ لِلنَّاسِ، لِيَرَوْهُ فَيَتَزَيَّنُ بِهِ (وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي سُلَّمٍ مَنْصُوبٍ أَوْ دَرَجَةٍ) مَنْصُوبَةٍ، (فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، لِكَوْنِهِ يُرَادُ لِلصُّعُودِ، وَالْعَرْصَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الدَّرَجَةُ لَهُ أَيْضًا لِانْتِفَاعِهِ بِهَا وَحْدَهُ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الدَّرَجَةِ مَسْكَنٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا سَقْفًا لِلسُّفْلَانِيِّ وَمَوْطِئًا لِلْفَوْقَانِيِّ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنْ كَانَ تَحْتَهَا طَاقٌ صَغِيرٌ لَمْ تُبْنَ الدَّرَجَةُ لِأَجْلِهِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ مَرْفَقًا يُجْعَلُ فِيهِ جَبُّ الْمَاءِ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ؛ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِأَجْلِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهَا وَانْتِفَاعَهُمَا حَاصِلٌ بِهَا، فَهِيَ كَالسَّقْفِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ: فَإِنْ كَانَ فِي الدَّرَجَةِ طَاقَةٌ وَنَحْوُهَا، فَهَلْ تَكُونُ بَيْنَهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا كَانَتْ دَارٌ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَبْيَاتٍ: وَاحِدٌ سَاكِنٌ فِي أَحَدِ أَبْيَاتِهَا، وَآخَرُ سَاكِنٌ فِي الْبَوَاقِي، وَاخْتَلَفَا فِيهَا، كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ سَاكِنٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَنْفَصِلُ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَا يُشَارِكُ الْخَارِجُ مِنْهُ السَّاكِنَ فِيهِ لِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَنَازَعَا السَّاحَةَ الَّتِي يَتَطَرَّقُ مِنْهَا إِلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّقْفِ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَنَازَعَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي رَفٍّ مَقْلُوعٍ أَوْ مِصْرَاعٍ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ، فَهُوَ لِصَاحِبِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ تَنَازَعَا دَارًا فِي أَيْدِيهِمَا فَادَّعَاهَا أَحَدُهُمَا، وَادَّعَى الْآخَرُ نِصْفَهَا، جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالْيَمِينُ عَلَى مُدَّعِي النِّصْفِ. وَإِنْ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ أَوْ وَرَثَتُهُمَا فِي قُمَاشِ   [المبدع في شرح المقنع] الْبُيُوتِ، فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا (وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّقْفِ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا يَنْتَفِعَانِ بِهِ، غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالَ الْبُنْيَانِ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا كَالْحَائِطِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ، وَيَتَحَالَفَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ السُّكْنَى إِلَّا بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ أَمْكَنَ إِحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَاءِ الْعُلُوِّ فَهُوَ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ تَعَذَّرَ، فَهُوَ لِرَبِّ السُّفْلِ إِنْ حَلَفَ. وَإِنْ تَنَازَعَا حَائِطَ الْعُلُوِّ أَوْ سَقْفَهُ فَهُوَ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَإِنْ تَنَازَعَا حَائِطَ السُّفْلِ فَهُوَ لِرَبِّهِ، لَمْ يُذْكَرْ فِي الشَّرْحِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْبَيْتِ، فَكَانَ لِصَاحِبِهِ، وَقِيلَ: هُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لِنَفْعِهِمَا، فَهُوَ كَالسَّلَمِ تَحْتَ مَسْكَنٍ (وَإِنْ تَنَازَعَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي رَفٍّ مَقْلُوعٍ أَوْ مِصْرَاعٍ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ، فَهُوَ لِصَاحِبِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ بَيْنَهُمَا) قَالَهُ مُعْظَمُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّفَّ وَالْمِصْرَاعَ تَابِعٌ لِلْمَنْصُوبِ، وَذَلِكَ لِصَاحِبِ الدَّارِ فَكَذَا مَا يَتْبَعُهُ، وَإِمَّا كَوْنُهُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَيَتَحَالَفَانِ. وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: أَنَّ مَا يَتْبَعُ الدَّارَ فِي الْبَيْعِ لِرَبِّ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهَا، أَشْبَهَ الشَّجَرَةَ الْمَغْرُوسَةَ فِيهَا، وَمَا لَا يَتْبَعُهَا لِلْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَالْعَادَةُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤَجِّرُ دَارَهُ فَارِغَةً. وَنَصُّهُ لِمُؤَجَّرٍ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي بَيْعٍ، وَكَذَا مَا لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَجَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ، وَمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ فَلِمُكْتَرٍ (وَإِنْ تَنَازَعَا دَارًا فِي أَيْدِيهِمَا فَادَّعَاهَا أَحَدُهُمَا وَادَّعَى الْآخَرُ نِصْفَهَا، جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالْيَمِينُ عَلَى مُدَّعِي النِّصْفِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 الْبَيْتِ، فَمَا كَانَ يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ، وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنِ اخْتَلَفَ صَانِعَانِ فِي قُمَاشِ دُكَّانٍ لَهُمَا، حَكَمَ بِآلَةِ كُلِّ صِنَاعَةٍ لِصَاحِبِهَا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَتْ أَيْدِيهِمَا   [المبدع في شرح المقنع] الْكُلِّ فِي يَدِهِ نِصْفٌ لَا مُنَازِعَ فِيهِ، وَمُدَّعِيَ النِّصْفِ فِي يَدِهِ نِصْفٌ مُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِلْخَبَرِ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّ لِمُدَّعِي الْكُلِّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا؛ لِأَنَّ النِّصْفَ لَا مُنَازِعَ فِيهِ، وَالنِّصْفَ الْآخَرَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ دَعْوَاهُمَا فِيهِ. وَجَوَابُهُ: سَبَقَ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَكَذَا لَوِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا ثُلُثَهَا، وَالْآخَرُ جَمِيعَهَا، وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لِلْمُدَّعِي بِتَقَدُّمِ بَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ فِي النِّصْفِ، وَإِنْ قَدَّمْنَا بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ فَالنِّصْفُ لِمُدَّعِيهِ، وَقِيلَ: إِنْ سَقَطَتَا فَالتَّسْوِيَةُ، وَفِي الْيَمِينِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ ثَالِثٍ فَلِمُدَّعِي الْكُلِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا، وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ رُبُعٌ مَعَ الْبَيِّنَةِ وَالتَّحَالُفِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: هِيَ لَهُمَا نِصْفَيْنِ لِلتَّسَاقُطِ، وَقِيلَ: يَقْتَرِعَانِ عَلَى النِّصْفِ. وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ ثَلَاثَةٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمْ نِصْفَهَا، وَالْآخَرُ ثُلُثَهَا، وَالثَّالِثُ سُدُسَهَا، فَهِيَ لَهُمْ كَذَلِكَ، سَوَاءٌ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيِّنَةً أَمْ لَا (وَإِنْ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ) ، حُرَّيْنِ كَانَا أَوْ رَقِيقَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُهُ، (أَوْ وَرَثَتُهُمَا) أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَرَثَةُ الْآخَرِ (فِي قُمَاشِ الْبَيْتِ، فَمَا كَانَ يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ) ، كَالسَّيْفِ وَالْعِمَامَةِ، (فَهُوَ لِلرَّجُلِ) لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ (وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ) ، كَالْحُلِيِّ وَزِينَتِهِنَّ، (فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَقِيلَ: وَلَا عَادَةَ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ: الْمُصْحَفُ لَهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ تَكْتُبُ وَلَا تَقْرَأُ بِذَلِكَ فَهُوَ لَهُ (وَإِنِ اخْتَلَفَ صَانِعَانِ فِي قُمَاشِ دُكَّانٍ لَهُمَا، حَكَمَ بِآلَةِ كُلِّ صِنَاعَةٍ لِصَاحِبِهَا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَلِأَنَّ الْآلَةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّانِعِ كَالْقُمَاشِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِيمَا فِي أَيْدِيهِمَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ (وَقَالَ الْقَاضِي) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (إِنْ كَانَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا هو فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ بِهَا لِلْمُدَّعِي فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ،   [المبدع في شرح المقنع] فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ) لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ أَقْوَى مِنَ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَنَازَعَ الْخَيَّاطُ وَصَاحِبُ الدَّارِ الْإِبْرَةَ وَالْمِقَصَّ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا الْمُشَاهَدَةُ فَهُوَ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ مِمَّا خَرَجَ عَنِ الْمَسْكَنِ وَالدُّكَّانِ بِالصَّلَاحِيَّةِ فَقَطْ بِحَالٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا يَدٌ حُكْمِيَّةٌ أَشْبَهَ سَائِرَ الْمُخْتَلِفَيْنِ (وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا هو فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ، فَشُرِّعَتِ الْيَمِينُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ) لِأَنَّهَا تُظْهِرُ الْحَقَّ (وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَمْ يَحْلِفْ لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَحَدُ حُجَّتَيِ الدَّعْوَى، فَيُكْتَفَى بِهَا كَالْيَمِينِ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْفُتْيَا مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُسْتَحْلَفُ الرَّجُلُ مَعَ بَيِّنَتِهِ. قِيلَ لِشُرَيْحٍ: مَا هَذَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي الْقَضَاءِ؛ فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّاسَ أَحْدَثُوا فَأَحْدَثْتُ. قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ الْقَيَّمِ: وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ، لَا سِيَّمَا مَعَ التُّهْمَةِ، وَيَخْرُجُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَجْهَانِ. قَالَ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُهَنَّا، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يُقِيمُ الشُّهُودَ، أَيَسْتَقِيمُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِ الشُّهُودِ: احْلِفْ؛ قَالَ: قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ. قُلْتُ: مَنْ ذَكَرَهُ؛ قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ حُنَيْسٍ، قَالَ: اسْتَحْلَفَ عَلِيٌّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْحُرِّ الشُّهُودَ (وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ) وَهِيَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، أُقِيمَتْ بَيِّنَةُ مُنْكِرٍ بَعْدَ زَوَالِ يَدِهِ أَوْ لَا، (حَكَمَ بِهَا لِلْمُدَّعِي فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْبَيِّنَةَ فِي جَنَبَةِ المدعي بِقَوْلِهِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» فَلَا يَبْقَى فِي جَنَبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَكْثَرُ فَائِدَةً؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا كَبَيِّنَةِ الْجُرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ، وَبَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا تُثْبِتُ ظَاهِرًا دَلَّتِ الْيَدُ عَلَيْهِ فَلَمْ تُفِدْ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُ بَيِّنَةِ الْمُنْكِرِ رُؤْيَةَ التَّصَرُّفِ، وَمُشَاهَدَةُ الْيَدِ أَشْبَهَتِ الْيَدَ الْمُفْرَدَةَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 وَعَنْهُ: إِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ قَطِيعَةً مِنَ الْإِمَامِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِمَا: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ تَرْجِيحٌ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ ـ فِيه رِوَايَة أُخْرَى ـ: أَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ أَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْخَارِجِ، وَأَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَالَ الْقَاضِي: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ مُطْلَقًا، اخْتَاره أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّهُمَا تَعَارَضَتَا وَمَعَ صَاحِبِ الْيَدِ تَرْجِيحٌ بِهَا، فَقُدِّمَتْ كَالنَّصَّيْنِ إِذَا تَعَارَضَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا الْقِيَاسُ (وَعَنْهُ: إِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ قَطِيعَةٌ مِنَ الْإِمَامِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَابَّةٍ أَوْ بَعِيرٍ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ أَنْتَجَهَا، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا لِلَّذِي فِي يَدِهِ» وَلِأَنَّهَا إِذَا شَهِدَتْ بِالسَّبَبِ أَفَادَتْ مَا لَا تُفِيدُهُ الْيَدُ، وَتَرَجَّحَتْ بِالْيَدِ فَوَجَبَ تَرْجِيحُهَا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ (فَهِيَ لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ) . قَالَ أَحْمَدُ: الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي، لَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ بَيِّنَةٌ، وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ، إِلَّا أَنْ تَمْتَازَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ أَوْ سَبْقِهِ فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ، وَعَلَى هَذَا يَكْفِي مُطْلَقُ السَّبَبِ. وَعَنْهُ: تُعْتَبَرُ إِفَادَتُهُ لِلسَّبْقِ، فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهَا أَنْتَجَتْ فِي مِلْكِهِ تَعَارَضَتَا، وَقَدَّمَ فِي الْإِرْشَادِ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ خَارِجٍ (وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِمَا: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ تَرْجِيحٌ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَقْوَى مِنْهَا، لِأَنَّهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهَا الْيَدَ، بِخِلَافِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ ـ فِيه رِوَايَة أُخْرَى ـ: أَنَّهَا) ، أَيْ: بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ، (مُقَدَّمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ) لِأَنَّ جَنْبَتَهُ أَقْوَى مِنْ جَنَبَةِ الْخَارِجِ، بِدَلِيلِ أَنَّ يَمِينَهُ تُقَدَّمُ عَلَى يَمِينِهِ (وَإِنْ أَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْخَارِجِ، وَأَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَالَ الْقَاضِي: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَارِجُ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَأَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ نَائِبَةٌ عَنْهُ (وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ) لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ فِي حَقِّ الدَّاخِلِ فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ الْخَارِجِ، وَقِيلَ: يَتَعَارَضَانِ، فَلَوِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] ادَّعَى الْخَارِجُ أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُهُ أَوْدَعَهَا إِيَّاهُ أَوْ آجَرَهُ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى؛ نَصَرَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَكَمَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ الْوَدِيعَةَ. وَقَالَ الْقَاضِي: بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ مُقَدَّمَةٌ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَارِجُ فِي الْمَعْنَى. وَمِثْلُهُ: لَوِ ادَّعَى أَنَّ الدَّاخِلَ غَصَبَهُ إِيَّاهَا. فَرْعٌ: إِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَلَمْ يَعْدِلْهَا، لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَتُسْمَعُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَلَا تُسْمَعُ قَبْلَ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَتَعْدِيلِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَالتَّسْلِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلدَّاخِلِ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، فَرَفَعْنَا يَدَهُ فَجَاءَتْ بَيِّنَتُهُ، وَقَدِ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي بَيِّنَةِ خَارِجٍ، وَإِنِ ادَّعَاهُ مُسْتَنِدًا إِلَى مَا قَبْلَ رَفْعِ يَدِهِ، فَبَيِّنَةُ دَاخِلٍ، وَالْمُرَادُ فَمَنْ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ يُقَدِّمُهَا وَيَنْقُضُ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَالْمُرَادُ إِنْ كَانَ يَرَى تَقْدِيمَهَا عِنْدَ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَكَمَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ بَيِّنَةِ دَاخِلٍ، فَقَدْ بَيَّنَ إِسْنَادَ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ إِلَى حَالَةِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا كَانَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ شَاةٌ مَسْلُوخَةٌ وَبَاقِيهَا فِي يَدِ آخَرَ، فَادَّعَاهَا كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ، فَلِكُلٍّ مَا فِي يَدِهِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ـ وَقُلْنَا بِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ ـ فَلِكُلٍّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَ فِي يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةٌ، فَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَهُ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الشَّاةُ الَّتِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَا تَعَارُضَ، وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: الشَّاةُ الَّتِي فِي يَدِكَ مِنْ نِتَاجِ شَاتِي هَذِهِ، فَالتَّعَارُضُ فِي النِّتَاجِ لَا فِي الْمِلْكِ. الثَّالِثَةُ: إِذَا ادَّعَى شَاةً بِيَدِ عَمْرٍو، وَأَقَامَ بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ، فَإِنْ أَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ لَمْ تُسْمَعْ؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةُ دَاخِلٍ لَهُ يَدٌ. الرَّابِعَةُ: إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ شَاةٌ، فَادَّعَى عَمْرٌو أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَادَّعَى زَيْدٌ أَنَّهَا فِي يَدِهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً، فَهِيَ لِعَمْرٍو بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ، فَإِنْ شُهِدَتْ بَيِّنَةُ عَمْرٍو بِأَنَّهَا مِلْكُهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ فَقَدْ تَعَارَضَ التَّرْجِيحَانِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ أَنَّهُ مَلَكَهَا مُنْذُ سَنَةٍ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَنَّهُ مَلَكَهَا مُنْذُ سَنَتَيْنِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، عَلَى الْمَشْهُورِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 فصل الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ فِي يَدَيْهِمَا فَيَتَحَالَفَانِ وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَنَازَعَا مُسَنَّاةً بَيْنَ نَهَرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْض الْآخَرِ، تَحَالَفَا وَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَنَازَعَا صَبِيًّا فِي يَدَيْهِمَا ـ وَإِنْ كَانَ مُمَيَّزًا ـ فَقَالَ: إِنِّي حُرٌّ، فَهُوَ حُرٌّ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ   [المبدع في شرح المقنع] [كَوْنُ الْعَيْنِ فِي يَدِي الْمُتَدَاعِيَيْنِ] فصل (الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ فِي يَدَيْهِمَا فَيَتَحَالَفَانِ وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ يَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ نَكَلَا جَمِيعًا عَنِ الْيَمِينِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ قُضِيَ لَهُ بِجَمِيعِهَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا فِي يَدِهِ بِيَمِينِهِ، وَمَا فِي يَدِ الْآخَرِ بِنُكُولِهِ، أَوْ بِيَمِينِهِ الَّتِي رُدَّتْ عَلَيْهِ بِنُكُولِ صَاحِبِهِ، وَفَى كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، إِنَّمَا يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الَّذِي نَجْعَلُهُ لَهُ، (وَإِنْ تَنَازَعَا مُسَنَّاةً) الْمُسَنَّاةُ: السَّدُّ الَّذِي يَرِدُ مَاءَ النَّهْرِ مِنْ جَانِبِهِ (بَيْنَ نَهَرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْضِ الْآخَرِ، تَحَالَفَا، وَهِيَ بَيْنَهُمَا) ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ بَيْنَ مِلْكِهِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَشْبَهَ الْحَائِطَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ، وَقِيلَ: لِرَبِّ النَّهْرِ، وَقِيلَ: لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَلِرَبِّ النَّهْرِ الِارْتِفَاقُ بِهَا فِي تَنْظِيفِ النَّهْرِ، وَالْحَوْضُ كَالنَّهْرِ فِي ذَلِكَ. فَرْعٌ: إِذَا تَنَازَعَا جَرَّارًا بَيْنَ مِلْكِهِمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَيَتَحَالَفَانِ، وَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَنَّ نِصْفَهُ لَهُ، وَفِي الْمُغْنِي: يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ كُلَّهُ لَهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا صَبِيًّا) مَجْهُولَ النَّسَبِ (فِي يَدَيْهِمَا) كذلك، أَيْ: يَتَحَالَفَانِ وَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْ نَفْسِهِ، أَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ، إِلَّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ سَبَبَ يَدِهِ غَيْرُ الْمِلْكِ، مِثْلَ: أَنْ يَلْتَقِطَهُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِرِقِّهِ؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَدْ وُجِدَ فِيهِ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَهُوَ الْيَدُ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ، فَيَحْكُمُ بِرِقِّهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ. فَعَلَى هَذَا: إِذَا بَلَغَ وَادَّعَى الْحُرِّيَةَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِرِقِّهِ قَبْلَ دَعْوَاهُ، فَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى بَدَنِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى ثَوْبِهِ، فَهُوَ وَثَوْبُهُ لِلْأَوَّلِ (وَإِنْ كَانَ مُمَيَّزًا، فَقَالَ: إِنِّي حُرٌّ، فَهُوَ حُرٌّ) قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْحُرِّيَّةُ، وَهِيَ الْأَصْلُ فِي بَنِي آدَمَ، وَلِأَنَّهُ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ، أَشْبَهَ الْبَالِغَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 يَكُونَ كَالطِّفْلِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، قَدَّمَ أَسْبَقَهُمَا تَارِيخًا، فَإِنْ وُقِّتَتْ إِحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتِ الْأُخْرَى، فَهُمَا سَوَاءٌ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الْمُطْلَقَةِ، وَإِنْ شَهِدَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ، وَالْأُخْرَى بِالْمِلْكِ وَالنِّتَاجِ،   [المبدع في شرح المقنع] (إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ) فَيُعْمَلُ بِهَا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالطِّفْلِ) أَيْ: يَكُونَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، أَشْبَهَ الطِّفْلَ، وَكَمَا لَوِ اعْتَرَفَ بِرِقِّهِ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَيَا رِقَّ بَالِغٍ فَصَدَّقَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا ـ وَلَا بَيِّنَةَ ـ حَلَفَ لَهُمَا وَخُلِّيَ، وَإِنْ صَدَقَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ رِقَّهُ إِنَّمَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ جَحَدَهُمَا قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ سَكَتَ هُوَ أَوِ الْمُمَيَّزُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُمَا. وَقِيلَ: بَلَى، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً بِرِقِيِّة أَحَدُهُمَا، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِحُرِّيَّتِهِ تَعَارَضَتَا، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْحُرِّيَّةِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ (وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُظْهِرُ صَاحِبَ الْحَقِّ (وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، قَدَّمَ أَسْبَقَهُمَا تَارِيخًا) قَالَ الْقَاضِيَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ لِصَاحِبِهَا فِي وَقْتٍ لَمْ تُعَارِضْ فِيهِ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ، وَلِهَذَا لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَاقِي ذَلِكَ الزَّمَانَ، وَتَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْمِلْكِ فِي الْحَالِ فَسَقَطَتَا وَبَقِيَ مِلْكُ السَّابِقِ تجب اسْتَدَامَتِهِ، مِثْلَ أَنْ تَشْهَدَ إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَالْأُخْرَى أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيُّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ أَوْلَى لِجَوَازِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ دُونَ الْأَوَّلِ، فَإِذَا لَمْ يُرَجَّحْ بِهَذَا فَلَا أَقَلَّ مِنَ التَّسَاوِي. وَأَجَابَ فِي الْمُغْنِي عَنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَثْبُتُ تَبَعًا لِلزَّمَنِ الْحَاصِلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَتِ الدَّعْوَى بِالزَّمَنِ الْمَاضِي لَمْ تُسْمَعْ (فَإِنْ وُقِّتَتْ إِحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتِ الْأُخْرَى، فَهُمَا سَوَاءٌ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُطْلَقَةِ مَا يَقْتَضِي التَّقْدِيمَ، فَوَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا، كَمَا لَوْ أُطْلِقَتَا جَمِيعًا (وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الْمُطْلَقَةِ) هَذَا وَجْهٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا قَبْلَ الْمُوَقَّتَةِ (وَإِنْ شَهِدَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ، وَالْأُخْرَى بِالْمِلْكِ وَالنِّتَاجِ أَوْ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، فَهَلْ تُقَدَّمُ بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) : الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 أَوْ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، فَهَلْ تُقَدَّمُ بِذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَلَا تُقَدَّمُ إِحْدَاهُمَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَلَا اشْتِهَارِ الْعَدَالَةِ، وَلَا الرجلان عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَا تَسَاوَتَا تَعَارَضَتَا، وَقُسِّمَتِ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدُهُمَا: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمُهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ: لَا تُرَجَّحُ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي إِثْبَاتِ أَصْلِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ فَوَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: تُقَدَّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْأُخْرَى، كَتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ. وَعَنْهُ: لَا تُقَدَّمُ إِحْدَاهُمَا إِلَّا بِالسَّبْقِ، أَوْ سَبَبٍ يُفِيدُهُ كَالنِّتَاجِ فِي مِلْكِهِ وَالْإِقْطَاعِ، فَأَمَّا سَبَبُ الْإِرْثِ أَوِ الْهِبَةِ أَوِ الشِّرَاءِ فَلَا، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَعَلَى هَاتَيْنِ إِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمِلْكٍ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأُطْلِقَتِ الْأُخْرَى، فَهَلْ هُمَا سَوَاءٌ أَوْ تُقَدَّمُ الْمُطْلَقَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِسَبْقِ الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ. وَقِيلَ: هُمَا كَغَيْرِهِمَا فِي السُّقُوطِ وَغَيْرِهِ. وَكَذَا إِذَا اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ (وَلَا تقدم إِحْدَاهُمَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَلَا اشْتِهَارِ الْعَدَالَةِ، وَلَا الرجلان عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ الشَّهَادَةَ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ وَبِالْعَدَالَةِ وَبِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ. وَعَنْهُ: تُرَجَّحُ بِاشْتِهَارِ الْعَدَالَةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرَّجُلَيْنِ وَتَخْرِيجٌ فِي كَثْرَةِ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ يُرَجَّحُ بِذَلِكَ، وَالشَّهَادَةُ خَبَرٌ، وَلِأَنَّ الظَّنَّ يَقْوَى بِذَلِكَ (وَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ حُجَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، فَتَقَدَّمَ عَلَى الْمُخْتَلِفِ فِيهِ. وَالثَّانِي: لَا تُرَجَّحُ بِذَلِكَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: بَلْ تَتَعَارَضَانِ؛ لِأَنَّهُمَا حُجَّتَانِ أَشْبَهَتَا الْبَيِّنَتَيْنِ، (وَإِذَا تَسَاوَتَا تَعَارَضَتَا) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (وَقُسِّمَتِ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا) عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَعَنْهُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ وَأَخَذَهَا، فَإِنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ، لَمْ تُسْمَعِ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَا: وَهِيَ مِلْكُهُ، وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ، وَإِنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ وَهِيَ مِلْكُهُ، وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو وَهِيَ مِلْكُهُ، وَأَقَامَا بِذَلِكَ بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا. وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَفِي الْكَافِي: إنَّهُ الْأَوْلَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي بَعِيرٍ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ، فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَعِيرِ بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ خَارِجٌ فِي نِصْفِهَا الْآخَرِ، (بِغَيْرِ يَمِينٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ لِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ (وَعَنْهُ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا) ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، فَعَلَى هَذَا: يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِهِ وَكَالْخَبَرَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ. وَجَوَابُهُ: الْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ، وَالْبَيِّنَةُ الرَّاجِحَةُ يَحْكُمُ بِهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَنَصَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَسْتَهِمَانِ عَلَى مَنْ يَحْلِفُ، وَتَكُونُ الْعَيْنُ لَهُ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْقُرْعَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي مَوْضِعِ الْإِبْهَامِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا (فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ لِصَاحِبِهِ (وَأَخَذَهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ الْقُرْعَةِ، وَالْمُقَدَّمُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ (فَإِنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ، لَمْ تُسْمَعِ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَا: وَهِيَ مِلْكُهُ، وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ) لِأَنَّ مُجَرَّدَ الشِّرَاءِ لَا يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ انْضِمَامِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ، وَلِأَنَّ مُجَرَّدَ الشِّرَاءِ لَوْ أَفَادَ لَتَمَكَّنَ مَنْ أَرَادَ انْتِزَاعَ مِلْكٍ مِنْ يَدِ شَخْصٍ بِذَلِكَ، بِأَنْ يُوَافِقَ شَخْصًا لَا مِلْكَ لَهُ عَلَى إِيقَاعِ الشِّرَاءِ عَلَى الْمِلْكِ الَّذِي فِي يَدِ ذَلِكَ الشَّخْصِ، وَيَنْتَزِعُهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ (وَإِنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ وَهِيَ مِلْكُهُ، وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو وَهِيَ مِلْكُهُ، وَأَقَامَا بِذَلِكَ بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا) لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي السَّبَبِ وَثُبُوتِ الْمِلْكِ وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّعَارُضَ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَرْضًا. وهو رِوَايَةٌ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 اشْتَرَاهَا مِنْهُ، أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ أَوْ أَعْتَقَهُ، قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِأَبِي خَلَّفَهَا تَرِكَةً، وَأَقَامَتِ امْرَأَتُهُ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ أَصْدَقَهَا إِيَّاهَا، فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِيَةُ: يُقَدِّمُ أَسْبَقَهُمَا تَارِيخًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهِيَ لِلْخَارِجِ. فَرْعٌ: مَنِ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِهِ، فَأَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو حِينَ كَانَتْ مِلْكَهُ، وَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ فَهِيَ لِزَيْدٍ، وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَا دَعْوَى وَقْفِهَا عَلَيْهِ مِنْ عَمْرٍو، وَهِبَتِهَا لَهُ مِنْهُ، وَمَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ ادَّعَاهُ، وَذَكَرَ تَلَقِّيَهُ مَنْ سَمِعَ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ، فَهَلْ يَلْزَمُ ذِكْرُ تَلَقِّيهِ مِنْهُ؟ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: إِذَا قَالَ: آجرتك هَذَا الْبَيْتَ بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: بَلْ جَمِيعُ الدَّارِ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ أَوْ أَعْتَقَهُ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ عَلَى بَيِّنَةِ الْمِلْكِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، فَثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْأَوَّلِ وَالشِّرَاءُ مِنْهُ لِلثَّانِي، وَلَمْ تُرْفَعْ يَدُهُ بَلْ تُقِرُّ فِي يَدِهِ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِأَنَّ بَيِّنَتَهُ مُقَدَّمَةٌ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ، فَإِنَّ الْيَدَ تُرْفَعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ هُوَ الدَّاخِلُ، كَقَوْلِهِ: أَبْرَأَنِي مِنَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ. أَمَّا لَوْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ، طُولِبَ بِالتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ يَطُولُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكٍ إِلَى حِينِ وَقْفِهِ، وَأَقَامَ وَارِثٌ بَيِّنَةً أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهُ مِنَ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ: قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ وارث؛ لِأَنَّ مَعَهَا مَزِيدَ عِلْمٍ، كَتَقْدِيمِ مَنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ (وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِأَبِي خَلَّفَهَا تَرِكَةً، وَأَقَامَتِ امْرَأَتُهُ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ أَصْدَقَهَا إِيَّاهَا فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ) لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا شَهِدَتْ بِالسَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِنَقْلِ الْمِلْكِ، وَقَوْلُ الِابْنِ: إِنَّ أَبَاهُ تَرَكَهَا تَرِكَةً لَا تُعَارِضُهَا، وَإِنَّ نَافِيَهَا فِي مُسْتَنَدِهَا فِيهِ هُوَ الِاسْتِصْحَابُ، وَقَدْ تَبَيَّنَ قَطْعُهُ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى سَبَبِ النَّقْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ فَيَصْدُقُ الِابْنُ إِنْ حَلَفَ. تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَتْ دَارٌ بِيَدِ زَيْدٍ، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ بِكَذَا وَقُبِلَ، أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 فصل الْقِسْمُ الثَّالِثُ: تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ   [المبدع في شرح المقنع] لَمْ يقبل وَهِيَ مِلْكُهُ، بَلْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَاتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا. فَإِنْ قُلْنَا: تُقَسَّمُ تَحَالُفًا، وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى زَيْدٍ بِمَا وَزَنَ لَهُ. وَقِيلَ: بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَبَعَّضَتْ عَلَيْهِ. فَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ طَلَبُ كُلِّ الدَّارِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ حَكَمَ لَهُ بِنِصْفِ السِّلْعَةِ وَنِصْفِ الثَّمَنِ فَلَا يَعُودُ النِّصْفُ الْآخَرُ إِلَيْهِ، وَإِنْ أَقْرَعْنَا فَهِيَ لِمَنْ قَرَعَ، وَفِي الْيَمِينِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَإِنْ سَقَطَتَا فَكَمَا سَبَقَ. وَإِنِ اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا حَكَمَ بِالْأَسْبَقِ وَغَرِمَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلثَّانِيَةِ وَإِنْ أَرْخَتْ إِحْدَاهُمَا أَوْ لَمْ تُؤَرِّخَا تَعَارَضَتَا فِي الْمِلْكِ فِي الْحَالِ، لَا فِي الشِّرَاءِ لِجَوَازِ تَعَدُّدِهِ وَتَجَدُّدِهِ، وَإِنِ ادَّعَاهَا زَيْدٌ لِنَفْسِهِ حَلَفَ لَهُمَا مَرَّةً، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: يَسْقُطَانِ، حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا وَأَخَذَهَا، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقُرْعَةِ فَمَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا غَيْرَ زَيْدٍ حَلَفَ أَنَّهَا لَهُ وَحْدَهُ وَأَخَذَهَا. وَإِنْ قُلْنَا: تُقَسَّمُ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ ـ فِي رِوَايَةِ الْكَوْسَجِ ـ فِي رَجُلٍ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَةٍ، وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا، فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ نِصْفَ السِّلْعَةِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، فَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ. [كَوْنُ الْعَيْنِ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا] فصل (الْقِسْمُ الثَّالِثُ: تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا) نَقُولُ: إِذَا ادَّعَاهَا صَاحِبُ الْيَدِ لِنَفْسِهِ، قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا فِي الْأَشْهَرِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا لَزِمَهُ الْعَيْنُ لَهُمَا أَوْ عَوَّضَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَأَمَرَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 الْقُرْعَةُ حَلَفَ، وَأَخَذَهَا فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي عَبْدًا فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يُرَجَّحْ بإِقْرَاره، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ تَعَارَضَتَا، وَالْحُكْمُ عَلَى مَا   [المبدع في شرح المقنع] رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَلِأَنَّ الْقُرْعَةَ تَتَمَيَّزُ عِنْدَ التَّسَاوِي، وَلِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدٌ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِهِ (فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ وَأَخَذَهَا) لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ: يَقْتَسِمَانِهَا، وَيَتَحَالَفَانِ، وَقِيلَ: مَنْ قَرَعَ مِنَ الْمُدَّعِيَيْنِ وَحَلَفَ فَهِيَ لَهُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ إِذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا، وَصَدَّقَاهُ فِي نَفْيِ الْعِلْمِ لَمْ يَحْلِفْ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ وَاقْتَرَعَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ أَنَّهَا لَهُ وَأَخَذَهَا. وَإِنْ كَذَّبَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ بِذَلِكَ، وَاقْتَرَعَا قَبْلَ حَلِفِهِ الْوَاجِبِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ نَكَلَ تَعَيَّنَ قَبْلَهُ. وَإِنِ اقْتَرَعَا قَبْلُ، فَلَا حَلِفَ عَلَيْهِ كَغَيْرِ الْمَقْرُوعِ الْمُكَذَّبِ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْقِيمَةُ، وَعَنْهُ: يَقِفُ الْحُكْمُ حَتَّى يَأْتِيَا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ، قَالَ: لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ فَسَقَطَتَا، كَمَا لَوِ ادَّعَيَا زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ وَلَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُمَا يَسْقُطَانِ كَذَا هُنَا، (فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي عَبْدًا) مُكَلَّفًا (فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يُرَجَّحْ بإِقْرَاره) هذا رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَشْبَهَ الطِّفْلَ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا صَدَقَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ لَهُ كَمُدَّعٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ صَدَّقَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا، وَإِنْ جَحَدَ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَحُكِيَ: لَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لَمْ يُرَجَّحْ بِإِقْرَارِهِ. مَسَائِلُ: إِذَا أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ حَلَفَ وَأَخَذَهَا، وَيَحْلِفُ الْمُقِرُّ لِلْآخَرِ، وَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهَا، وَإِنْ أَخَذَهَا الْمُقِرُّ لَهُ فَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَخَذَهَا مِنْهُ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِلْمُقِرِّ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُقِرِّ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا وَنَكَلَ عَنِ التَّعْيِينِ اقْتَسَمَاهَا، وَإِنْ قَالَ: هِيَ لِأَحَدِهِمَا وَأَجْهَلَهُ، فَإِنْ صَدَّقَاهُ لَمْ يَحْلِفْ وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَأَخَذَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا أَظْهَرَتْ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلَّعِينِ الْمَالِكِ لَهَا (وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ تَعَارَضَتَا) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَسَوَاءٌ كَانَ مُقِرًّا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، أَوْ لَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدٍ (وَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) وَفِيهِ رِوَايَتَانِ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 تَقَدَّمَ، فَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يرَجَّحْ بِذَلِكَ، وَإِنِ ادَّعَاهَا صَاحِبُ الْيَدِ   [المبدع في شرح المقنع] إِحْدَاهُمَا: الْقُرْعَةُ، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْمُنَجَّا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرٍ، وَجَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشُهُودٍ عُدُولٍ، فَأَسْهَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ. فَعَلَى هَذَا: مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ مَعَ بَيِّنَتِهِ، تَرْجِيحًا لَهَا. وَالثَّانِيَةُ: تُقَسَّمُ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي الْبَعِيرِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ فِي يَدِهِمَا، وَفِي قَوْلٍ: يَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ. فَرْعٌ: إِذَا أَنْكَرَهُمَا مِنَ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ، وَكَانَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَإِنْ قُلْنَا تُسْتَعْمَلُ الْبَيِّنَتَانِ، أُخِذَتِ الْعَيْنُ مِنْ يَدِهِ وَقُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُدْفَعُ إِلَى مَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَإِنْ قُلْنَا: بِسُقُوطِهِمَا، حَلَفَ صَاحِبُ الْيَدِ وَأُقِرَّتْ فِي يَدِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ (فَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يرَجَّحْ بِذَلِكَ) كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ لِأَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ، إِذَا قُلْنَا: لَا تَسْقُطُ الْبَيِّنَتَانِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ زَوَالُ مِلْكِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ قُلْنَا: بِسُقُوطِهِمَا، فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا قَبْلَ إِقْرَارِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ صَارَ الْمُقِرُّ لَهُ صَاحِبَ الْيَدِ؛ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ مُقِرٌّ بِأَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا جَمِيعًا فَالْيَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْجُزْءِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ: أَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِهَا أَنَّهَا لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ يَحْلِفُ الْمُقِرُّ لِلْآخَرِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ عِوَضُهَا. فَرْعٌ: أَخَذَ ثَوْبًا مِنْ زَيْدٍ بِعَشَرَةٍ، وَآخَرَ مِنْ عَمْرٍو بِعِشْرِينَ، فَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْأَكْثَرَ قِيمَةً، وَلَا بَيِّنَةَ، اقْتَرَعَا، فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَأَخَذَ الْأَكْثَرَ قِيمَةً، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَنَازَعَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَفِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا إِنِ اشْتَرَاهَا مِنْهُمَا اثْنَانِ أَوْ بَاعَهُ لَهُمَا وَاحِدٌ (وَإِنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 لِنَفْسِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهِيَ لَهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ فَيكُونُ لِمَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٍ فَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ، وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ زَيْدًا أَعْتَقَهُ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً انْبَنَى عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ زَيْدٍ، فَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ مَا إِذَا ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ   [المبدع في شرح المقنع] ادَّعَاهَا صَاحِبُ الْيَدِ لِنَفْسِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهِيَ لَهُ) لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْيَدِ وَهُوَ مُنْكِرٌ، فَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ لِلْخَبَرِ، وَكَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ) لِأَنَّهُ يَظْهَرُ الْمُسْتَحِقُّ لَهَا دُونَ صَاحِبِ الْيَدِ (فَيكُونُ لِمَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ) لِأَنَّ بَيِّنَتَهُمَا أَظْهَرَتْ أَنَّهُمَا الْمُسْتَحِقَّانِ لَهَا، وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لِصَاحِبِ الْيَدِ، فَرَجَحَتْ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِالْقُرْعَةِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ صَاحِبُ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا لَكِنْ لَا يَعْلَمُهُ بِعَيْنِهِ. تَنْبِيهٌ: ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى أَوِ اتَّهَبَ مِنْ زَيْدٍ عَبْدَهُ، وَادَّعَى آخَرُ كَذَلِكَ، أَوِ ادَّعَى الْعَبْدُ الْعِتْقَ وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، بِذَلِكَ قَدَّمْنَا أَسْبَقَ التَّصَرُّفَيْنِ إِنْ عَلِمَ التَّارِيخَ، وَإِلَّا تَعَارَضَتَا فَتَسْقُطَانِ، أَوْ يُقَسَّمُ أَوْ يُقْرَعُ كَمَا سَبَقَ. وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعِتْقِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بِيَدِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَوْ يَدِ نَفْسِهِ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ إِلْغَاءٌ لِهَذِهِ الْيَدِ، لِلْعِلْمِ بِمُسْتَنَدِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَلَا تَعَارُضَ، بَلِ الْحُكْمُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ، قَالَهُ الْمَجْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٌ فَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ، وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ زَيْدًا أَعْتَقَهُ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً انْبَنَى عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَاخِلٌ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ خَارِجٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ يَدٌ، هَذَا إِذَا كَانَا بِتَارِيخٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَا بِتَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قَدَّمْنَا الْأُولَى وَبَطَلَتِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ إِنْ سَبَقَ الْعِتْقُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ صَحَّ الْبَيْعُ لَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ. لَا يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ فَأَعْتَقَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يُبْطِلُهُ عِتْقُ الْبَائِعِ (وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ زَيْدٍ، فَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ مَا إِذَا ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا) لِأَنَّ الْعَبْدَ عَيْنٌ، وَهُوَ فِي يَدِ غَيْرِ الْمُتَنَازِعَيْنِ، فَعَلَى هَذَا: يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ زَيْدٍ، فَإِنْ أَنْكَرَهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَإِنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا قُبِلَ إِقْرَارُهُ وَحَلَفَ لِلْآخَرِ، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 غَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ، فَادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنِّي بِثَمَنٍ سَمَّاهُ فَصَدَّقَهُمَا، لَزِمَهُ الثَّمَنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا حَلَفَ لَهُمَا وَبَرِئَ، وإِنْ صَدَّقَ أَحَدَهُمَا لَزِمَهُ مَا ادَّعَاهُ، وَحَلَفَ لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ فَلَهُ الثَّمَنُ وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَأَمْكَنَه صِدْقُهُمَا لِاخْتِلَافِ تَارِيخِهِمَا، أَوْ إِطْلَاقِهِمَا، أَوْ إِطْلَاقِ إِحْدَاهُمَا وَتَارِيخِ الْأُخْرَى، عَمِلَ بِهِمَا، وَإِنِ اتَّفَقَ   [المبدع في شرح المقنع] بَيِّنَةً حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قُدِّمَتِ السَّابِقَةُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقُرْعَةِ، أُقْرِعَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْعَبْدِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ وَحُكِمَ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ، جُعِلَ نِصْفُ الْعَبْدِ مَبِيعًا وَنَصِفُهُ حُرًّا، ثُمَّ يَسْرِي إِلَى بَاقِيهِ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُوسِرًا (وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنِّي بِثَمَنٍ سَمَّاهُ فَصَدَّقَهُمَا، لَزِمَهُ الثَّمَنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ مَلَكَهُ الْآخَرُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ، فَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَقَدْ أَقَرَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى الْبَاقِي، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ (وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا حَلَفَ لَهما وَبَرِئَ) لِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي (وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدَهُمَا لَزِمَهُ مَا ادَّعَاهُ) لِتَوَافُقِهِمَا عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ (وَحَلَفَ لِلْآخَرِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ فَلَهُ الثَّمَنُ) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِنْكَارِ لِلْخَبَرِ (وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَأَمْكَنَ صِدْقُهُمَا لِاخْتِلَافِ تَارِيخِهِمَا، أَوْ إِطْلَاقِهِمَا، أَوْ إِطْلَاقِ إِحْدَاهُمَا وَتَارِيخِ الْأُخْرَى، عَمِلَ بِهما) ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَإِذَا أَمْكَنَ صِدْقُهُمَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِمَا، كَالْخَبَرَيْنِ إِذَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا، وَقِيلَ: إِذَا لَمْ تُوَرّخَا أَوْ إِحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا، كَمَا لَوِ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا. وَفِي الْكَافِي: بِاحْتِمَالِ اسْتِوَاءِ تَارِيخِهِمَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ سُؤَالًا: وَهُوَ أَنَّهُ لِمَ قُلْتُمْ: إِنَّ الْبَائِعَ إِذَا كَانَ وَاحِدًا وَالْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ، فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي الْمُحَرَّمِ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي صَفَرٍ، يَكُونُ شِرَاءُ الثَّانِي بَاطِلًا؟ وَأَجَابَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْأَوَّلِ، لَمْ يُبْطِلْهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ لِلثَّانِي ثَانِيًا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا ثُبُوتُ شِرَائِهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُبْطِلُ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَانِيًا مِلْكَ نَفْسِهِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا، وَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ بَاعَنِي إِيَّاهُ بِأَلْفٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً، قَدَّمَ أَسْبَقَهُمَا تَارِيخًا، وَإِنْ لَمْ تَسْبِقْ إِحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: غَصَبَنِي إِيَّاهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: مَلَّكَنِيهِ، أَوْ أَقَرَّ لِي بِهِ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً فَهُوَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَلَا يَغْرَمُ لِلْآخَرِ شَيْئًا.   [المبدع في شرح المقنع] وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ لَهُ فَافْتَرَقَا (وَإِنِ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا) لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا، وَالتَّسَاوِي يُوجِبُ التَّعَارُضَ (وَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّسَاقُطِ، رَجَعَ إِلَى قَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقُرْعَةِ، وَجَبَ الثَّمَنُ لِمَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ وَيَبْرَأُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ، قُسِّمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْبَاقِي (وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ بَاعَنِي إِيَّاهُ بِأَلْفٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً، قَدَّمَ أَسْبَقَهُمَا تَارِيخًا) لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ حَاصِلٌ لِمَنْ سَبَقَ، فَوُقُوعُ الْعَقْدِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ (وَإِنْ لَمْ تَسْبِقْ إِحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا) لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّعَارُضِ (وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: غَصَبَنِي إِيَّاهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: مَلَّكَنِيهِ، أَوْ أَقَرَّ لِي بِهِ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً فَهُوَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ) لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَصْبُهُ مِنْ هَذَا ثُمَّ مَلَكَهُ الْآخَرُ (وَلَا يَغْرَمُ لِلْآخَرِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا حَالَتِ الْبَيِّنَةُ بَيْنَهُمَا. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى عَمْرٌو عَبْدًا بِيَدِ زَيْدٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَأَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ عَمْرٍو، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ زَيْدٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ: لَمْ يَتَنَاقَضْ بِهِ أَصْلُنَا فِي تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الدَّاخِلَةُ لَا تُفِيدُ إِلَّا مَا تُفِيدُهُ الْيَدُ، وَهَذِهِ تُفِيدُ الْيَدَ وَالشِّرَاءَ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ عَمْرٍو؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو وَقَبَضَهُ مِنْهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ السَّامَرِّيِّ: التَّعَارُضُ وَالتَّسَاقُطُ، وَأَنَّهُ يَبْقَى لِزَيْدٍ إِنْ حَلَفَ. فَائِدَةٌ: ادَّعَى نِكَاحَ صَغِيرَةٍ فِي يَدِهِ، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَفَسَخَهُ الْحَاكِمُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِعَقْدٍ وَشَهَادَةٍ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ إِذَا بَلَغَتْ قُبِلُ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَفِي الرِّعَايَةِ هُوَ أَظْهَرُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 بَابُ في تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: مَتَى قُتِلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قُتِلَ، وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ، فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ فَيُعْتَقَ، أَوْ تَتَعَارَضَانِ وَيَبْقَى عَلَى الرِّقِّ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ مِتُّ فِي الْمُحَرَّمِ فَسَالِمٌ حُرٌّ،   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنِ ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَقَرَّتْهُ بِذَلِكَ قُبِلَ إِقْرَارُهَا؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا وَهِيَ غَيْرُ مُتَّهَمَةٍ، لِأَنَّهَا لَوْ أَرَادَتِ النِّكَاحَ لَمْ تُمْنَعْ مِنْهُ، فَإِنِ ادَّعَاهَا اثْنَانِ، فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا بِلَا بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِأَصْلِ النِّكَاحِ وَشُرُوطِهِ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ، فَإِنَّهَا لَوْ أَرَادَتِ ابْتِدَاءَ تَزْوِيجِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مِنْ دَعْوَى الْآخَرِ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا فَلَا نِكَاحَ، وَإِنِ اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا فَهِيَ لِلْأَسْبَقِ تَارِيخًا، فَإِنْ جُهِلَ الْأَسْبَقُ عُمِلَ بِقَوْلِ الْوَلِيِّ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: الْمُجْبَرُ، فَإِنْ جَهِلَ فَسَخَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ [بَابٌ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ] [إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ مَتَى قُتِلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قُتِلَ] بَابٌ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ التَّعَارُضُ: مَصْدَرٌ، تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ: إِذَا تَقَابَلَتَا، تَقُولُ: عَارَضَتْهُ بِمِثْلِ مَا صَنَعَ؛ أَيْ: أَتَيْتُ بِمِثْلِ مَا أَتَى، فَتَعَارُضُهُمَا: أَنْ تَشَهَدَ إِحْدَاهُمَا بِنَفْيِ مَا أَثْبَتَتْهُ الْأُخْرَى، أَوْ بِالْعَكْسِ. فَالتَّعَارُضُ: التَّعَادُلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: مَتَى قُتِلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قُتِلَ، وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَتْلِ، لَكِنْ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ عَلَى نَفْيِهِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً، أَنَّهَا تُقْبَلُ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ، فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ فَيُعْتَقَ، أَوْ تَتَعَارَضَانِ فَيَبْقَى عَلَى الرِّقِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ) الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِزِيَادَةٍ وَهُوَ الْقَتْلُ. وَالثَّانِي: تَتَعَارَضَانِ فَتَسْقُطَانِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ؛ لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا تَشْهَدُ بِضِدِّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى، فَعَلَى هَذَا: يَبْقَى الْعَبْدُ رَقِيقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِتْقُهُ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُقَسَّمُ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: فَيُعْتَقُ نِصْفُهُ إِذَنْ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ مِتُّ فِي الْمُحَرَّمِ فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ مِتُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 وَإِنْ مِتُّ فِي صَفَرٍ فَغَانِمٌ حُرٌّ، وأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِهِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ سَالِمٍ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ مِتُّ فِي مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ بَرِئْتُ فَغَانِمٌ حُرٌّ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، تَعَارَضَتَا، بَقِيَا عَلَى الرِّقِّ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَعْتِقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ غَانِمٌ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَشْهَدُ بِزِيَادَةٍ، وَإِنْ أَتْلَفَ ثَوْبًا، فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ   [المبدع في شرح المقنع] فِي صَفَرٍ فَغَانِمٌ حُرٌّ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِهِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ سَالِمٍ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ: أَنَّهُمَا تَتَعَارَضَانِ فَتَسْقُطَانِ وَيَبْقَيَانِ عَلَى الرِّقِّ إِذَا جُهِلَ وَقْتُ مَوْتِهِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ غَانِمٍ فَيُعْتَقُ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَفِي الْكَافِي: أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، فَيُعْتَقُ مَنْ يَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَإِنْ بَانَ مَوْتُهُ بَعْدُ وَجُهِلَ زَمَنُهُ وَلَا بَيِّنَةَ رُقَّا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ فِي غَيْرِ الشَّهْرَيْنِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ: يُحْتَمَلُ فِيمَا إِذَا ادَّعَى الْوَرَثَةُ مَوْتَهُ قَبْلَ الْمُحَرَّمِ أَنْ يُعْتَقَ مَنْ شَرَطَهُ الْمَوْتَ فِي صَفَرٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ مَعَهُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: إِذَا عُلِمَ مَوْتُهُ فِي أَحَدِ الشَّهْرَيْنِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُعْمَلُ فِيهِمَا بِأَصْلِ الْحَيَاةِ (وَإِنْ قَالَ: إِنْ مِتُّ فِي مَرَضِي هَذَا، فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ بَرِئْتُ فَغَانِمٌ حُرٌّ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، تَعَارَضَتَا بَقِيَا عَلَى الرِّقِّ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تُكَذِّبُ الْأُخْرَى، وَتُثْبِتُ زِيَادَةً بِنَفْيِهَا الْأُخْرَى. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ أَثَرُهُ فِي إِسْقَاطِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَلَوْ لَمْ تَكُونَا لَعُتِقَ أَحَدُهُمَا، فَكَذَلِكَ إِذَا سَقَطَتَا (وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْتَقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ) وهو رِوَايَةٌ قَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ وَلَا يُعْلَمُ عَيْنُهُ، وَكَمَا لَوْ جُهِلَ مِمَّ مَاتَ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ غَانِمٌ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَشْهَدُ بِزِيَادَةٍ) وَقِيلَ: يُعْتَقُ سَالِمٌ وَحْدَهُ، وَحكي فِي الْفُرُوعِ: الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهَا، وَكَذَا حَكَمَ: إِنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي بَدَلَ فِي. وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ: أَنَّهُ إِذَا جُهِلَ مِمَّ مَاتَ، أَنَّهُمَا عَلَى الرِّقِّ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ فِي الْمَرَضِ بِحَادِثٍ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ الْحَادِثِ، وَيُحْتَمَلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 قِيمَتَهُ عِشْرُونَ، وَشَهِدَتْ أُخْرَى أَنَّ قِيمَتَهُ ثَلَاثُونَ، لَزِمَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ، وَلَوْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ وَابْنُهَا، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَوَرِثْتُهُ، وَقَالَ أَخُوهَا: مَاتَ ابْنُهَا فَوَرِثَتْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا، وَلَا بَيِّنَةَ، حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَكَانَ مِيرَاثُ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ لِأَخِيهَا وَزَوْجِهَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ   [المبدع في شرح المقنع] أَنْ يُعْتَقَ مَنْ شَرَطَهُ الْمَرَضَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُهُ وَعَدَمُ الْبُرْءِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ الْوَرَثَةُ: أَعْتَقَكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَقَالَ: بَلْ فِي صِحَّتِهِ، فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَهُوَ دُونَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ، عُتِقَ، وَإِلَّا صُدِّقَ الْوَرَثَةُ (وَإِنْ أَتْلَفَ ثَوْبًا، فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ قَيِمَتَهُ عِشْرُونَ، وَشَهِدَتْ أُخْرَى أَنَّ قِيمَتَهُ ثَلَاثُونَ، لَزِمَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ، وَرُبَّمَا اطَّلَعَتْ بَيِّنَةُ الْأَقَلِّ عَلَى مَا يُوجِبُ النَّقْصَ، فَتَكُونُ شَهَادَةٌ بِزِيَادَةٍ خَفِيَتْ عَلَى بَيِّنَةِ الْأَكْثَرِ. وَعَنْهُ: تَسْقُطَانِ لِتَعَارُضِهِمَا فِي الزَّائِدِ، فَيَحْلِفُ الْغَارِمُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: الْأَكْثَرُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي نَظِيرِهَا فِيمَنْ آجَرَ حِصَّةَ مُولِيهِ، قَالَتْ: بَيِّنَةٌ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَبَيِّنَةٌ بِنِصْفِهَا، وَإِنْ كَانَ بِكُلِّ قِيمَةٍ شَاهِدٌ ثَبَتٌ عَشَرَةٌ بهما عَلَى الْأَوَّلَةِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَحْلِفُ مَعَ أَحَدِهِمَا وَلَا تَعَارُضَ؛ لِعَدَمِ كَمَالِ بَيِّنَةِ الْأَقَلِّ، وَنَصَرَ الْمُؤَلِّفُ الْأَوَّلَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا فِي الزَّائِدِ، وَتُخَالِفُ الزِّيَادَةَ فِي الْإِخْبَارِ. فَإِنَّ مَنْ يَرْوِي النَّاقِصَ لَا يَنْفِي الزَّائِدَ، وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَتْ بِأَلْفٍ لَا يَنْفِي أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفًا أُخْرَى. فَرْعٌ: إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ قَائِمَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ مَا يُصَدِّقُهَا الْحِسُّ، فَإِنِ احْتَمَلَ، فَقَالَ شَيْخُنَا ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَوِ اخْتَلَفَتْ بَيِّنَتَانِ فِي قِيمَةِ عَيْنٍ قَائِمَةٍ لِيَتِيمٍ يُرِيدُ الْوَصِيُّ بَيْعَهَا، أُخِذَ بَيِّنَةُ الْأَكْثَرِ (ولَوْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ وَابْنُهَا، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَوَرِثْتُهُ، وَقَالَ أَخُوهَا: مَاتَ ابْنُهَا فَوَرِثَتْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا، وَلَا بَيِّنَةَ، حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَكَانَ مِيرَاثُ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ لِأَخِيهَا وَزَوْجِهَا نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ سَبَبَ الحي مَنْ مَوْرُوثه مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ لِبَقَاءِ مَوْرُوثِ الْآخَرِ بَعْدَهُ، وَهَذَا الْأَمْرُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَزُولُ عَنِ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا، وَقِيَاسُ مَسَائِلِ الْغَرْقَى أَنْ تجْعَلَ لِلْأَخِ سُدُسُ مَا لِلِابْنِ، وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ.   [المبدع في شرح المقنع] لَا يُقَالُ: قَدْ أَعْطَيْتُمُ الزَّوْجَ وَهُوَ لَا يَدَّعِي إِلَّا الرُّبُعَ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ لِجَمِيعِهِ؛ رُبُعُهُ بِمِيرَاثِهِ مِنْهَا وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ بِإِرْثِهِ مِنِ ابْنِهِ، (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْعَمَلُ بِهِمَا وَجَبَ تَسَاقُطُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (وَقِيَاسُ مَسَائِلِ الْغَرْقَى أَنْ تُجْعَلَ لِلْأَخِ سُدُسُ مَا لِلِابْنِ، وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ) لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَاتَتْ أَوَّلًا، فَيَكُونُ مِيرَاثُهَا لِابْنِهَا وَزَوْجِهَا، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ فَوَرِثَ الزَّوْجُ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ، فَصَارَ مِيرَاثُهَا كُلُّهُ لِزَوْجِهَا، ثُمَّ يُقَدَّرُ أَنَّ الِابْنَ مَاتَ أَوَّلًا فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِأَبِيهِ، ثُمَّ مَاتَتْ أُمُّهُ وَفِي يَدِهَا الثُّلُثُ فَكَانَ بَيْنَ أَخِيهَا وَزَوْجِهَا نِصْفَيْنِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، فَلَمْ يَرِثِ الْأَخُ إِلَّا سُدُسَ مَالِ الِابْنِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَخْتَصُّ مَنْ جَهِلَ مَوْتَهُمَا وَاتَّفَقَ وَارِثُهُمَا عَلَى الْجَهْلِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا شَهِدَ اثْنَانِ لِاثْنَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ مِنْ تَرِكَةِ زَيْدٍ، فَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةٍ مِنْ تِلْكَ التَّرِكَةِ، أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا طَلَّقَ ضَرَّةَ أُمِّهِمَا، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا فِيهِمَا عَلَى الْأَشْهَرِ. وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ زَيْدًا أَخَذَ مِنْ صَبِيٍّ أَلْفًا، وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى عَمْرٍو أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا، لَزِمَ الْوَلِيَّ طَلَبُهُ بِهِمَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَخَذَهَا مِنْهُ وَرَدَّهُ إِلَيْهِ بِلَا إِذْنِ وَلِيِّهِ. وَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى أَلْفٍ بِعَيْنِهِ، طَلَبَهُ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلٍ، فَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ قَتَلَاهُ، فَصَدَّقَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَيْنِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ الْآخَرَيْنِ وَحْدَهُمَا لَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ لِكَوْنِهِمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا ضَرَرًا، وَإِنْ صَدَّقَ الْجَمِيعَ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَعَارِضَتَانِ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 فصل إِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ، وَشَهِدَتْ أُخْرَى أَنَّهُ وصى بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ عُتِقَ دُونَ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى: يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَهُ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ، عُتِقَ غَانِمٌ وَحْدَهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ وَارِثَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ،   [المبدع في شرح المقنع] [إِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ أَوْصَى بِشَيْءٍ وَشَهِدَتْ أُخْرَى بِغَيْرِهِ] فصل (إِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ، وَشَهِدَتْ أُخْرَى أنه وصى بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ عُتِقَ دُونَ صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ تَتَرَجَّحْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَالْقُرْعَةُ مُرَجَّحَةٌ، بِدَلِيلِ الْإِمَامَةِ (إِلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ) لِأَنَّ الْوَصِيَّيْنِ سَوَاءٌ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا أَوِ اخْتَلَفَ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يُسَوَّى فِيهَا بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى: يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَهُ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَلِأَنَّ الْقُرْعَةَ إِنَّمَا تَجِبُ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا، وَالْأَوَّلُ هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَتَعَيَّنَتِ الْقُرْعَةُ، وَلِحَدِيثِ عِمْرَانَ، لِأَنَّ الْمُقْتَضَى مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْحَيَاةِ مَوْجُودٌ بَعْدَ الْمَمَاتِ. وَالْمَذْهَبُ ـ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ ـ: أَنَّهُ إِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةُ وَارِثِهِ بِعِتْقِ سَالِمٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ، وَبَيِّنَةُ وَارِثِهِ بِعِتْقِ غَانِمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأُجِيزَ الثُّلُثُ فَكَأَجْنَبِيَّيْنِ يُعْتَقُ أَسْبَقُهُمَا، عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ سَبَقَتِ الْأَجْنَبِيَّةُ فَكَذَّبَتْهَا الْوَارِثَةُ، أَوْ سَبَقَتِ الْوَارِثَةُ ـ وَهِيَ فَاسِقَةٌ ـ عُتِقَا، وَإِنْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا عُتِقَ وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ نِصْفُهُمَا، وَإِنْ كَانَتِ الْوَارِثَةُ فَاسِقَةً غَيْرَ مُكَذِّبَةٍ عُتِقَ سَالِمٌ وَحْدَهُ، وَوَقَفَ عِتْقُ غَانِمٍ عَلَى قُرْعَةٍ، أَوْ يُعْتَقُ نِصْفُهُ عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ جَمَعَتِ الْوَارِثَةُ الْفِسْقَ وَالتَّكْذِيبَ، أَوِ الْفِسْقَ وَالشَّهَادَةَ بِالرُّجُوعِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ عُتِقَا مَعًا (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ عُتِقَ غَانِمٌ وَحْدَهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ وَارِثَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ) لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ. لَا يُقَالُ: هُمَا يُثْبِتَانِ وَلَاءَ سَالِمٍ لِأَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُسْقِطَانِ وَلَاءَ غَانِمٍ أَيْضًا. عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ سَبَبِ الْمِيرَاثِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ غَانِمٍ سُدُسَ الْمَالِ، وَبَيِّنَتُهُ أَجْنَبِيَّةً قُبِلَتْ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِيهَا، فَعَلَى هَذَا يُعْتَقُ غَانِمٌ وَحْدَهُ (وَإِنْ كَانَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ غَانِمٍ سُدُسَ الْمَالِ، وَبَيِّنَتُهُ أَجْنَبِيَّةٌ قُبِلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ وَارِثَةً عُتِقَ الْعَبْدَانِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِسَالِمٍ عُتِقَ وَحْدَهُ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَانِمٍ عُتِقَ هُوَ وَنِصْفُ سَالِمٍ، وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَعْتَقَ سَالِمًا فِي مَرَضِهِ، وَشَهِدَتِ الْأُخْرَى أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الْمَالِ عُتِقَ سَالِمٌ وَحْدَهُ، وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ، عُتِقَ أَقْدَمُهُمَا تَارِيخًا، فَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ عُتِقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا وَارِثَةً وَلَمْ تَكْذِبِ الْأَجْنَبِيَّةُ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَتْ:   [المبدع في شرح المقنع] وَارِثَةً عُتِقَ الْعَبْدَانِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ أَمَّا سَالِمٌ فَلِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِهِ، وَأَمَّا غَانِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِعِتْقِهِ، مَعَ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ، فَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ بِهِمَا، وَيَبْقَى أَصْلُ الْعِتْقِ لِغَانِمٍ، فَاحْتِيجَ إِلَى الْقُرْعَةِ لِيَتَمَيَّزَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ غَيْرِهِ (فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِسَالِمٍ عُتِقَ وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ ثُلُثُ الْمَالِ (وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَانِمٍ عُتِقَ هُوَ وَنِصْفُ سَالِمٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ ثُلُثُ الْمَالِ، كَمَا لَوْ لَمْ تَشْهَدْ بِالرُّجُوعِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِالرُّجُوعِ لَمْ تُقْبَلْ، فَكَأَنَّ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ يُعْتَقَ مِنَ الَّذِي قِيمَتُهُ الثُّلُثُ نِصْفُهُ، وَيُقْرَعُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ، فَأَيُّهُمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ عُتِقَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ، عُتِقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَاهُ (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَعْتَقَ سَالِمًا فِي مَرَضِهِ، وَشَهِدَتِ الْأُخْرَى أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الْمَالِ عُتِقَ سَالِمٌ وَحْدَهُ) لِأَنَّ عَطَايَا الْمَرِيضِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى وَصَايَاهُ لِرُجْحَانِهَا بِنَفْسِ الْإِيقَاعِ (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ) وَلَا تَارِيخَ ثَبَتَ إِعْتَاقُهُ لَهُمَا بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّ مَا شَهِدَتْ بِهِ كُلُّ بَيِّنَةٍ لَا تَنْفِي مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى (عُتِقَ أَقْدَمُهُمَا تَارِيخًا) لِأَنَّ عَطَايَا الْمَرِيضِ يُقَدَّمُ فِيهَا الْأَسْبَقُ فَالْأَسْبَقُ (فَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ) بِأَنِ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا أَوْ أُطْلِقَتَا أَوْ إِحْدَاهُمَا، فَهُمَا سَوَاءٌ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ (عُتِقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ) لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَسَاوَتَا فَاحْتِيجَ إِلَى التَّمْيِيزِ، وَالتَّرْجِيحُ حَاصِلٌ بِالْقُرْعَةِ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ (فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا وَارِثَةً وَلَمْ تَكْذِبِ الْأَجْنَبِيَّةُ فَكَذَلِكَ) أَيْ: يُعْتَقُ أَقْدَمُهُمَا تَارِيخًا مَعَ الْعِلْمِ بِهِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَةَ غَيْرُ مُتَّهَمَةٍ وَلَا مُكَذَّبَةٍ، وَهِيَ بِمَثَابَةِ الْأَجْنَبِيِّ. وَلَوْ كَانَتِ الْبَيِّنَتَانِ أَجْنَبِيَّتَيْنِ لَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَكَذَا إِذَا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا وَارِثَةً (وَإِنْ قَالَتْ: مَا أَعْتَقَ سَالِمًا، وَإِنَّمَا أَعْتَقَ غَانِمًا، عُتِقَ غَانِمٌ كُلُّهُ) لِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِعِتْقِهِ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ ثُلُثَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 مَا أَعْتَقَ سَالِمًا، وَإِنَّمَا أَعْتَقَ غَانِمًا، عُتِقَ غَانِمٌ كُلُّهُ، وَحُكْمُ سَالِمٍ كَحُكْمِهِ لَوْ لَمْ يُطْعَنْ فِي بَيِّنَتِهِ، أَنَّهُ يُعْتَقُ إِنْ تَقَدَّمَ تَارِيخُ عِتْقِهِ، أَوْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ كَانَتِ الْوَارِثَةُ فَاسِقَةً، وَلَمْ تَطْعَنْ فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ عُتِقَ سَالِمٌ كُلُّهُ، فَإِنْ كَانَ تَارِيخُ عِتْقِهِ سَابِقًا، أَوْ خَرَجَتِ له الْقُرْعَةُ عُتِقَ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا أَوْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِسَالِمٍ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَقُ مِنْ غَانِمٍ نِصْفُهُ، وَإِنْ كَذَبَتْ بَيِّنَةُ سَالِمٍ عُتِقَ الْعَبْدَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] إِنْ حُكِمَ بِعِتْقِ سَالِمٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي شَهِدَتِ الْأَجْنَبِيَّتَانِ كَالْمَغْصُوبِ مِنَ التَّرِكَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنَ الثُّلُثِ حَالَ الْمَوْتِ، وَحَالُ الْمَوْتِ فِي قَوْلِ الْوَرَثَةِ لَمْ يُعْتَقْ سَالِمٌ، إِنَّمَا عُتِقَ بِالشَّهَادَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ (وَحُكْمُ سَالِمٍ كَحُكْمِهِ لَوْ لَمْ يَطْعَنْ فِي بَيِّنَتِهِ، أَنَّهُ يُعْتَقُ إِنْ تَقَدَّمَ تَارِيخُ عِتْقِهِ، أَوْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَإِلَّا فَلَا) لِأَنَّ طَعْنَ الْوَارِثَةِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ مُثْبِتَةٌ وَالْوَارِثَةَ نَافِيَةٌ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَإِذَا لَمْ يُقْبَلِ الطَّعْنُ صَارَ طَعْنُهَا كَلَا طَعْنٍ، وَلَوْ لَمْ تَطْعَنِ الْوَارِثَةُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ لَكَانَ الْحُكْمُ كَمَا ذُكِرَ، فَكَذَا مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ (فَإِنْ كَانَتِ الْوَارِثَةُ فَاسِقَةً، وَلَمْ تَطْعَنْ فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ عُتِقَ سَالِمٌ كُلُّهُ) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْعَادِلَةَ شَهِدَتْ بِعِتْقِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهَا (وَيُنْظَرُ فِي غَانِمٍ فَإِنْ كَانَ تَارِيخُ عِتْقِهِ سَابِقًا، أَوْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ عُتِقَ كُلُّهُ) كَإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ (وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا أَوْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِسَالِمٍ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ لَوْ كَانَتْ عَادِلَةً لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِذَا كَانَتْ فَاسِقَةً أَوْلَى (وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَقُ مِنْ غَانِمٍ نَصِفُهُ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ مَعَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ لِلْآخَرِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، فَصَارَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، قَالَ: الْمُؤَلِّفُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ لَأَعْتَقْنَا أَحَدَهُمَا بِالْقُرْعَةِ؛ وَلِأَنَّهُ فِي حَالِ تَقْدِيمِ تَارِيخِ عِتْقِ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ لَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ عَادِلَةً، فَمَعَ فِسْقِهَا أَوْلَى (وَإِنْ كُذِّبَتْ بَيِّنَةُ سَالِمٍ عُتِقَ الْعَبْدَانِ) لِأَنَّ سَالِمًا مَشْهُودٌ بِعِتْقِهِ، وَغَانِمٌ مُقِرٌّ لَهُ بِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لِلْعِتْقِ سِوَاهُ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ سِوَاهُ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ مِنْ غَانِمٍ ثُلُثَاهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. فَرْعٌ: ذَكَرَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّدْبِيرَ مَعَ التَّنْجِيزِ، كَآخِرِ التَّنْجِيزَيْنِ مَعَ أَوَّلِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَنْجِيزٌ بِالْمَوْتِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنِ الْمُنْجَزِ فِي الْحَيَاةِ، أصل إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّ زَيْدًا أَوْصَى لِعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ وَصَّى لِبَكْرٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 فصل إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ، فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ فَالْقَوْلُ قَوْل من يَدَّعِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَالْمِيرَاثُ لِلْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقِرُّ وَلَدُهُ عَلَى الْكُفْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفِ الْمُسْلِمُ   [المبدع في شرح المقنع] رَجَعَ عَنْ وَصِيَّةِ أَحَدِهِمَا، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قُرِعَ قُدِّمَ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ وَصِيَّتُهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالسَّامَرِّيُّ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، وَإِذَا صَحَّ الرُّجُوعُ عَنْ إِحْدَاهُمَا بِغَيْرِ تَعْيِينٍ صَحَّتِ الشَّهَادَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ فِيهَا بِالْمَجْهُولِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُعِينَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ لِهَذَا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ أَلْفًا، فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ وَصَّى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ وَصَّى لِعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ، انْبَنَى عَلَى الْخِلَافِ. أَحَدُهُمَا: يَتَعَارَضَانِ، فَيَحْلِفُ عَمْرٌو مَعَ شَاهِدِهِ، وَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا. وَالثَّانِي: لَا، فَيَنْفَرِدُ زَيْدٌ بِالثُّلُثِ، وَتَقِفُ وَصِيَّةُ عَمْرٍو عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. فَأَمَّا إِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِالرُّجُوعِ عَنْ وَصِيَّةِ زَيْدٍ فَلَا تَعَارُضَ، وَيَحْلِفُ عَمْرٌو مَعَ شَاهِدِهِ وَتَثْبُتُ لَهُ الْوَصِيَّةُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنْ فِي الْأُولَى تَقَابَلَتِ الْبَيِّنَتَانِ فَقَدَّمْنَا أَقْوَاهُمَا. وَفِي الثَّانِيَةِ: لَمْ تَتَقَابَلَا وَإِنَّمَا ثَبَتَ الرُّجُوعُ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَالُ. [اخْتِلَافُ دِينِ الْوَرَثَةِ بِالِادِّعَاءِ] فصل (إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ، فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ) مِنْ إِسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ، (فَالْقَوْلُ قَوْلُ من يدَّعِيهِ) رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، إِنْ حَلَفَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ، (وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَالْمِيرَاثُ لِلْكَافِرِ) جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، إِنِ اعْتَرَفَ الْمُسْلِمُ بِأُخُوَّةِ الْكَافِرِ، (لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقِرُّ وَلَدَهُ عَلَى الْكُفْرِ فِي دَارِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 أَنَّهُ أَخُوهُ، وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَيِّتِ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ؛ فِي غَسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: ْقِيَاسُ المذهب أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَظْهَرَ أَصْلُ دِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ منهما بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ تَعَارَضَتَا، وَإِنْ قَالَ شَاهِدَانِ: نَعْرِفُهُ مُسْلِمًا، وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] الْإِسْلَامِ) وَلِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ كَافِرًا أَوْ هُوَ يَدَّعِي إِسْلَامَهُ، فَجُعِلَ أَصْلُ دِينِهِ الْكُفْرَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْأَصْلِ. وَعَنْهُ: هُوَ بَيْنَهُمَا. رَوَاهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، اعْتَرَفَ أَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ لَا، وَقِيلَ: هُوَ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ، فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخُوهُ الْكَافِرُ مُرْتَدًّا لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ رِدَّتُهُ، (وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفِ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَخُوهُ وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْيَدِ وَالدَّعْوَى، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي أَيْدِيهِمَا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَيِّتِ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي غَسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ) وَالدَّفْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا) إِنْ لَمْ تَكُنِ التَّرِكَةُ فِي أَيْدِيهِمَا، فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا، قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَتَحَالَفَانِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ سَهْوٌ لِاعْتِرَافِهِمَا أَنَّهُ إِرْثٌ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ التَّرِكَةَ إِذَا كَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَنَّهَا لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُقِرُّ بِأَنَّ هَذِهِ التَّرِكَةَ تَرِكَةُ هَذَا الْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْمِيرَاثِ فَلَا حُكْمَ لِيَدِهِ، (يُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَظْهَرَ أَصْلُ دِينِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْمُسْتَحِقَّ إِلَّا بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَوْ يَصْطَلِحَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: إِنْ عَرَفَ وَلَا بَيِّنَةَ فَقَوْلٌ مُدَّعٍ. وَقِيلَ: يُقْرَعُ أَوْ يُوقَفُ. فَرْعٌ: حُكْمُ سَائِرِ الْأَقَارِبِ كَالْأَوْلَادِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَسَيَأْتِي (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ) وَلَمْ يُعْرَفْ أَصْلُ دِينِهِ (تَعَارَضَتَا) لِأَنَّهُمَا تَسَاوَتَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّعَارُضَ، وَفِي الْكَافِي: إِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ أَبِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 شَاهِدَانِ: نعرفه كَافِرًا، فَالْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ إِذَا لَمْ يُؤَرِّخِ الشُّهُودُ مَعْرِفَتَهُمْ، وَإِنْ خَلَّفَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي دِينِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبَوَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنَيْنِ، وَإِنْ خَلَّفَ ابْنًا كَافِرًا، وَأَخًا وَامْرَأَةً مُسْلِمَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي دِينِهِ   [المبدع في شرح المقنع] مُوسَى: يَكُونَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ إِذَا تَعَارَضَتَا قُدِّمَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ تُقَسَّمُ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اطَّلَعْ عَلَى أَمْرٍ خَفِيَ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْأُخْرَى. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكَافِي: فَإِنِ اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا عَمِلَ بِالْأَخِيرَةِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِهَا أَنَّهُ انْتَقَلَ عَمَّا شَهِدَتْ بِهِ الْأُولَى، وَإِنِ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا. وَإِنْ أَطْلَقَتَا أَوْ إِحْدَاهُمَا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ، (وَإِنْ قَالَ شَاهِدَانِ: نَعْرِفُهُ مُسْلِمًا، وَقَالَ شَاهِدَانِ: كَافِرًا فَالْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ إِذَا لَمْ يُؤَرِّخِ الشُّهُودُ مَعْرِفَتَهُمْ) لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا مُمْكِنٌ، إِذِ الْإِسْلَامُ يَطْرَأُ عَلَى الْكُفْرِ وَعَكْسِهِ، خِلَافَ الظَّاهِرِ، لِعَدَمِ إِقْرَارِ الْمُرْتَدِّ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ قُدِّمَتِ النَّاقِلَةُ عَنْهُ، وَإِلَّا فَرِوَايَاتُ التَّعَارُضِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي وَلَوِ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُنْتَخَبِ. وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِسْلَامِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، وَالْأُخْرَى بِعَكْسِهَا، تَعَارَضَتَا سَوَاءٌ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ أَوْ لَا، فَتَسْقُطَانِ، أَوْ تُسْتَعْمَلَانِ بِقِسْمَةٍ أَوْ قُرْعَةٍ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لَهُ مَعَ الِاشْتِبَاهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيُدْفَنُ مَعَنَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: بَلْ وَحْدَهُ، (وَإِنْ خَلَّفَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي دِينِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبَوَيْنِ) ، لِأَنَّ كَوْنَهُمَا كَافِرَيْنِ بِمَنْزِلَةِ مَعْرِفَةِ أَصْلِ دِينِهِ، وَقِيلَ: قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَحْكُومٌ لَهُ بِدِينِ أَبَوَيْهِ، (وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنَيْنِ) هَذَا وَجْهٌ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هُوَ أَوْلَى لِظَاهِرِ دَارٍ، وَانْقِطَاعِ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ عَنِ الْأَبَوَيْنِ بِالْبُلُوغِ؛ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ، عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ تُعْطَى الْمَرْأَةُ الرُّبُعَ وَيُقَسَّمَ الْبَاقِي بَيْنَ الِابْنِ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ، وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا، فَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَقَالَ: أَسْلَمْتُ قَبْلَ مَوْتِ أَبِي، وَقَالَ أَخُوهُ: بَلْ بَعْدَهُ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ، فَإِنْ قَالَ: أَسْلَمْتُ فِي الْمُحَرَّمِ، وَمَاتَ   [المبدع في شرح المقنع] لِأَنَّ كُفْرَ أَبَوَيْهِ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ دِينِهِ فِي صِغَرِهِ، وَإِسْلَامَ ابْنَيْهِ يَدُلُّ عَلَى إِسْلَامِهِ فِي كِبَرِهِ، فَيُعْمَلُ بِهِمَا جَمِيعًا، يُحْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مُقْتَضَاهُ. وَقِيلَ: يُصَدَّقُ ابْنَاهُ فِي دَارِنَا، وَقِيلَ: يَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا، وَيَحْلِفُ مَنْ قُدِّمَ قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَّفَ ابْنًا كَافِرًا وَأَخًا وَامْرَأَةً مُسْلِمِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي دِينِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ، عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُ الْأَبِ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَمَا أَقَرَّ وَلَدَهُ عَلَى الْكُفْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، (وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي الْإِبْهَامِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ تُعْطَى الْمَرْأَةُ الرُّبُعَ) لِأَنَّ الْوَلَدَ الْكَافِرَ لَا يَحْجِبُ الزَّوْجَةَ (وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ الِابْنِ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي الدَّعْوَى، وَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الِابْنِ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ. وَفِيهِ وَجْهٌ: جَمِيعُ الْمِيرَاثِ لِلِابْنِ، فَجَعَلَ أَصْلَ دِينِهِ الْكُفْرَ، وَحَكَمَ بِبَقَائِهِ اسْتِصْحَابًا لِلْحَالِ، وَقِيلَ: هُمَا مَعَ ابْنِهِ كَأَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِيمَا ذَكَرْنَا، لَكِنَّ النِّصْفَ لِلْمَرْأَةِ، وَالْأَخِ عَلَى أَرْبَعَةِ سهمٍ وَلَهُ ثَلَاثَةٌ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِابْنِهِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ (وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا، فَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَقَالَ: أَسَلَمْتُ قَبْلَ مَوْتِ أَبِي) أو بعده قَبْلَ قَسْمِ تَرِكَتِهِ، وَقُلْنَا بِأَنَّهُ يَرِثُ، (وَقَالَ أَخُوهُ: بَلْ بَعْدَهُ. فَلَا مِيرَاثَ لَهُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكُفْرِ إِلَى أَنْ يُعْلَمَ زَوَالُهُ، وَعَلَى أَخِيهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَيَكُونُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ أَخِيهِ، وَقُدِّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمَا قَالَا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْكَافِرِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ مَوْتِ أَبِيهِمَا أَمْ لَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا، فَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فَأَنْكَرَ، فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا (فَإِنْ قَالَ: أَسْلَمْتُ فِي الْمُحَرَّمِ، وَمَاتَ أَبِي فِي صَفَرٍ، وَقَالَ أَخُوهُ: بَلْ مَاتَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 أَبِي فِي صَفَرٍ، وَقَالَ أَخُوهُ: بَلْ مَاتَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَلَهُ الْمِيرَاثُ مَعَ أَخِيهِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَلَهُ الْمِيرَاثُ مَعَ أَخِيهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاتِهِ إِلَى أَنْ يُعْلَمَ زَوَالُهَا، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، فَقِيلَ: تَتَعَارَضَانِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ مَنِ ادَّعَى تَقْدِيمَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَى الْأُخْرَى، وَإِنْ قَالَ أَكْبَرُهُمَا: أَسْلَمْتُ أَنَا فِي الْمُحَرَّمِ، وَمَاتَ أَبِي فِي صَفَرٍ، وَقَالَ أَصْغَرُهُمَا: أَسْلَمْتُ أَنَا فِي صَفَرٍ، وَفِيهَا أَسْلَمَ أَبِي وَرِثَاهُ، وَقِيلَ: إِنْ صَدَقَ الْأَكْبَرُ بِإِسْلَامِ الْأَصْغَرِ فِيهِ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَإِلَّا فَلَا شَرِكَةَ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 كِتَابُ الشَّهَادَاتِ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِا مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عَنِ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] [تَعْرِيفُ الشهادات وَحُكْمُهَا] ِ. وَهِيَ جَمْعُ شَهَادَةٍ، وَهِيَ الْإِخْبَارُ عَمَّا شُوهِدَ أَوْ عُلِمَ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ انْعِقَادُهَا، وَمِنْ ثَمَّ كَذَّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] ، لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ لَمْ تُوَاطِئْ أَلْسِنَتَهُمْ، وَالشَّهَادَةُ يَلْزَمُ مِنْهَا ذَلِكَ، فَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ، وَإِذًا لَمْ يَصْدُقْ إِطْلَاقُ (نَشْهَدُ) انْتَهَى. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشَّهَادَةُ خَبَرٌ قَاطِعٌ، فَتُطْلَقُ عَلَى التَّحَمُّلِ، تَقُولُ: شَهِدْتُ، بِمَعْنَى تَحَمَّلْتُ، وَعَلَى الْأَدَاءِ، تَقُولُ: شَهِدْتُ عِنْدَ الْقَاضِي شَهَادَةً؛ أَيْ: أَدَّيْتُهَا، وَعَلَى الْمَشْهُودِ بِهِ تَقُولُ: تَحَمَّلْتُ شَهَادَةً، يَعْنِي الْمَشْهُودَ بِهِ، وَاشْتِقَاقُهَا مِنَ الْمُشَاهَدَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يُخْبِرُ عَمَّا شَاهَدَهُ، وَتُسَمَّى بَيِّنَةً لِأَنَّهَا تُبَيِّنُ مَا الْتُبِسَ. وَهِيَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَلَا تُوجِبُه، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا. وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ، {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَالسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ؛ لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ. (تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ) أَيِ: الْمَشْهُودِ بِهِ، فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ (وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْقَلْبَ بِالْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْعِلْمِ بِهَا، وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنَ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ، فَيُؤَدِّي إِلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ، وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَزِمَ أَدَاؤُهَا كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ، وَشَأْنُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ (إِذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ) وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 الْبَاقِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا مَنْ يَكْفِي تَعَيَّنَتْ عَلَى مَنْ وُجِدَ، قَالَ الْخِرَقِيُّ: مَنْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، لَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عَنْ إِقَامَتِهَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: فِي إِثْمِهِ بِامْتِنَاعِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ؛ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِدُعَائِهِ، وَلِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنِ الِامْتِنَاعِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ فِي حَقِّهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ إِلَيْهَا، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ. وَالْأَوْلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالتَّحَمُّلِ، وَإِذَا وَجَبَ تَحَمُّلُهَا فَفِي وُجُوبِ كِتَابَتِهَا لِتُحْفَظَ وَجْهَانِ (وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا مَنْ يَكْفِي تَعَيَّنَتْ عَلَى مَنْ وُجِدَ) فَتَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، إِنْ دُعِيَ وَقُدِّرَ بِلَا ضَرَرٍ فِي بَدَنِهِ أَوْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] ، وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَزِمَ أَدَاؤُهَا كَالْوَدِيعَةِ (قَالَ الْخِرَقِيُّ: مَنْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، لَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عَنْ إِقَامَتِهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ) ظَاهِرُهُ: أَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِظَاهِرِ الْآيَاتِ. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] . وَقِيلَ: بَلْ أَدَاؤُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمُؤَلِّفُ فِي كُتُبِهِ. فَعَلَى هَذَا: إِذَا كَانَ الْمُتَحَمِّلُ جَمَاعَةً فَالْأَدَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ، فَإِذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عَنِ الْجَمِيعِ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْكُلُّ أَثِمُوا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا مَنْ يَكْفِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ وُجِدَ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ ـ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يَمْنَعْهُ سَيِّدُهُ ـ كصَلَاةِ الْفَرْضِ، فَإِنْ أَدَّى شَاهِدٌ وَأَبَى الْآخَرُ، وَقَالَ: احْلِفْ أَنْتَ بَدَلِي، فَهَلْ يَأْثَمُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُتَحَمِّلَيْنِ الْقِيَامُ بِالشَّهَادَةِ، كَمَا تَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الصَّلَاةُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ نِسْبِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَدَائِهَا، فَلَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ أَدَائِهَا لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ، إِذْ جَمِيعُ التَّكَالِيفِ مَلْحُوظٌ فِيهَا الْقُدْرَةُ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ، فَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] ، عَلَى أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فِي   [المبدع في شرح المقنع] يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، حَيْثُ قَرَأَ: (وَلَا يُضَارَرْ) بِالْفَتْحِ. وَقِيلَ: مَبْنِيَّةٌ لِلْفَاعِلِ، قَالَهُ عُمَرُ، يَقْرَأُ: (وَلَا يُضَارِرْ) بِالْكَسْرِ، فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إِذًا لِلشَّاهِدِ عَمَّا يَطْلُبُ مِنْهُ، أَوْ عَنِ التَّحْرِيفِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا إِضْرَارَ» وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ إِذَا عَجَزَ الشَّاهِدُ عَنِ الْمَشْيِ فَأُجْرَةُ الْمَرْكُوبِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى رَبِّ الشَّهَادَةِ، كَنَفَقَةِ الْمُحْرِمِ فِي الْحَجِّ، وَهَذَا إِذَا كَانَ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ. وَقِيلَ: مَا يَرْجِعُ إِلَى مَنْزِلِهِ لِيَوْمِهِ، حَكَاهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَقِيلَ: إِنْ قَلَّ الشُّهُودُ وَكَثُرَ أَهْلُ الْبَلَدِ فَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَإِلَّا فَفَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالْأَدَاءُ مُخْتَصٌّ بِمَجْلِسِ الْحَاكِمِ، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْمُؤَلِّفِ، وَأَوْرَدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ مَذْهَبًا مُطْلَقًا، وَالَّذِي أَوْرَدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ: أَنَّهُ يَخْتَصُّ الْمَالَ وَكُلَّ حَقِّ آدَمِيٍّ. فَرْعٌ: إِذَا دُعِيَ فَاسِقٌ إِلَى شَهَادَةٍ، فَلَهُ الْحُضُورُ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَمُرَادُهُ لِتَحَمُّلِهَا. وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: إِنَّ التَّحَمُّلَ لَا تُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَالَةُ، فَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى صَارَ عَدْلًا قُبِلَتْ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا) وَكَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ؛ لِئَلَّا يَأْخُذَ الْعَرْضَ عَنْ فَرْضِ الْعَيْنِ، (وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ وَقَعَ مِنْهُمْ فَرْضًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْجَعْلِ كَـ الْمُحَرَّرِ. وَفِي الْفُرُوعِ: جَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى عِيَالِهِ فَرْضُ عَيْنٍ فَلَا يَشْتَغِلُ عَنْهُ بِفَرْضِ كِفَايَةٍ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَأَصْلُ ذَلِكَ فِي أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقُرْبِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 حَدٍّ لِلَّهِ تعالى أُبِيحَ إِقَامَتُهَا وَلَمْ تُسْتَحَبَّ، وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ بِالْوُقُوفِ عَنْهَا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. و َمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي الْمُغْنِي: مَنْ لَهُ كِفَايَةٌ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ كِفَايَةٌ، وَلَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، فَلَهُ أَخْذُهَا، وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ، وَقِيلَ: يُبَاحُ مَعَ التَّعْيِينِ لِلْحَاجَةِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ مَعَ التَّحَمُّلِ، وَقِيلَ: أُجْرَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمُزَكٍّ وَمُعَرَّفٍ وَمُتَرْجَمٍ وَمُفْتٍ وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوْدٍ وَحَافِظِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمُحْتَسَبٍ وَخَلِيفَةٍ. [مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى] (وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أُبِيحَ إِقَامَتُهَا) مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ وَأَصْحَابَهُ وَالْجَارُودَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ، أَقَامُوا الشَّهَادَةَ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ بِشُرْبِ الْخَمْرِ، (وَلَمْ تُسْتَحَبَّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» . وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو الْفَرَجِ، وَالتَّرْغِيبُ كَالْمُؤَلِّفِ، تَرَكَهُ لِلتَّرْغِيبِ فِي السَّتْرِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي آخِرِ الرِّعَايَةِ مِنْ وُجُوبِ الْإِغْضَاءِ عَمَّنْ سَتَرَ الْمَعْصِيَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخَلَّالِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيمَنْ عُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ لَا يُسْتَرُ عَلَيْهِ (وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْرِضَ لَهُمْ بِالْوُقُوفِ عَنْهَا، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ الْمُغِيرَةِ لَمَّا شَهِدَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَجَاءَ الرَّابِعُ: مَا تَقُولُ يَا سَلْحَ الْغُرَابِ، وَكَالتَّعَرُّضِ لِلْفَاعِلِ بِالرُّجُوعِ عَنْ إِقْرَارِهِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: تَلْقِينُهُ الرُّجُوعَ مَشْرُوعٌ، وَالثَّانِي: لَا، كَحَقِّ آدَمِيٍّ. فَرْعٌ: إِذَا دَعَا زَوْجٌ أَرْبَعَةً لِتَحَمُّلِهَا بِزِنَى امْرَأَتِهِ جَازَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} [النساء: 15] . وَقِيلَ: لَا، كَغَيْرِهِ، أَوْ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ قَالَ: احْضُرَا لِتَسْمَعَا قَذْفَ زَيْدٍ لِي، لَزِمَهُمَا، وَيَتَوَجَّهُ إِنْ لَزِمَ إِقَامَةُ الشَّهَادَةِ، وَهَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا اسْتَحَبَّ إِعْلَامُهُ بِه، وَلَهُ إِقَامَتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا بِمَا   [المبدع في شرح المقنع] قَدِيمٍ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. [مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا] (وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي» الْخَبَرُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ أَدَاءَهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَلَا يُسْتَوْفَى إِلَّا بِرِضَاهُ، كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عَدَالَتِهِ؛ كَشَهَادَةِ حِسْبَةٍ، وَيُقِيمُهَا بِطَلَبِهِ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْحَاكِمُ، وَيَحْرُمُ كَتْمُهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيُقْدَحُ فِيهِ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ بِيَدِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَصِلُ إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعَانَةُ أَحَدِهِمَا، وَيُعِينُ مُتَأَوِّلًا مُجْتَهِدًا، (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا اسْتَحَبَّ إِعْلَامُهُ به) لِأَنَّ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى حَقِّهِ، وَكَالْوَدِيعَةِ، (وَلَهُ إِقَامَتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ! الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهَا.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَتَرْكُ إِطْلَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ لِأَجْلِ الْخَبَرِ الْآخَرِ، جَمْعًا بَيْنَهُمَا. [لَا يَشْهَدُ إِلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ] (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ} [الزخرف: 86] . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا شَهِدَ بِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَإِتْقَانٍ. وَمَعْنَاهُ: لَكِنْ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الشَّهَادَةِ، قَالَ: تَرَى الشَّمْسَ عَلَى مِثْلِهَا، فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ.» رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِغَيْرِ عِلْمٍ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ. وَمُدْرَكُ الْعِلْمِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ (بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ) غَالِبًا، زَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ: حَالُ التَّحَمُّلِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] . وَيَخْتَصُّ الثَّلَاثُ فِي الْآيَةِ بِالسُّؤَالِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْفُؤَادِ، وَهُوَ يَسْتَنِدُ إِلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، لِأَنَّ مُدْرَكَ الشَّهَادَةِ الرُّؤْيَةُ وَالسَّمَاعُ، وَهُمَا بِالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ دُونَ مَا عَدَاهُمَا مِنْ مَدَارِكِ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْمَسُّ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ، لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا فِي الشَّهَادَةِ فِي الْأَغْلَبِ، (وَالرُّؤْيَةُ تَخْتَصُّ بِأَفْعَالِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 يَعْلَمُهُ بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ. وَالرُّؤْيَةُ تَخْتَصُّ بِأَفْعَالِ؛ كَالْقَتْلِ، وَالْغَصْبِ، وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالرَّضَاعِ، وَالْوِلَادَةِ، وَغَيْرِهَا، وَالسَّمَاعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: سَمَاعٌ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، نَحْوَ الْإِقْرَارِ   [المبدع في شرح المقنع] كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالرَّضَاعِ وَالْوِلَادَةِ وَغَيْرِهَا) كَالْعُيُوبِ الْمَرْئِيَّةِ فِي الْمَبِيعِ وَنَحْوِهَا، (وَالسَّمَاعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: سَمَاعٌ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، نَحْوَ الْإِقْرَارِ وَالْعُقُودِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) وَحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَلَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ فِيهَا إِلَّا بِسَمَاعِ الْقَوْلِ وَمَعْرِفَةِ الْقَائِلِ يَقِينًا، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهُ بِهِ لِاخْتِفَائِهِ، أَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَإِنْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِدُونِهِ كَمَعْرِفَةِ صَوْتِ الْقَائِلِ كَفَى؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ رَآهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمْعٍ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ حَتَّى يُشَاهِدَ الْقَائِلُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ تُشْتَبَهُ، وَأُجِيبَ: بِأَنَّ جَوَازَ الِاشْتِبَاهِ فِي الْأَصْوَاتِ كَجَوَازِ اشْتِبَاهِ الصُّوَرِ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ فَيُخَيَّرُ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ فِي إِقْرَارٍ وَحُكْمٍ، وَعَنْهُ: وَغَيْرُهُمَا حَتَّى يَشْهَدَهُ. وَعَنْهُ: إِنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ سَابِقٍ نَحْوَ: كَانَ لَهُ، فَحَتَّى يَشْهَدَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ شَهِدَ، سَوَاءٌ وَقْتَ الْحُكْمِ أَوْ لَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَا: إِذَا كَانَ بَعْدَهُ، فَيَقُولَانِ: أَخْبِرْنَا أَنَّهُ حُكْمٌ، وَلَا يَقُولَانِ: أَشْهِدْنَا. وَعَلَى الْأُولَى إِذَا قَالَ الْمُتَحَاسِبَانِ: لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا جَرَى بَيْنَنَا، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ، وَلَزِمَ إِقَامَتُهَا عَلَى الْأَشْهَرِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا عَرَفَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِاسْمِهِ وَعَيْنِهِ وَنَسَبِهِ، جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَفِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَعَرَفَهُ بِهِ مَنْ يَسْكُنُ إِلَيْهِ، جَازَ أَنْ يَشْهَدَ فِي الْأَصَحِّ، وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ مُهَنَّا الِاكْتِفَاءُ بِمَعْرِفَةِ الِاسْمِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَ بِهِ التَّمْيِيزُ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّسَبِ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ. قَالَ أَحْمَدُ: إِلَّا لِمَنْ تُعْرَفُ، وَعَلَى مَنْ تُعْرَفُ، وَقَالَ: لَا تَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ مَعْرِفَتَهَا، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْمَنْعِ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ بِتَعْرِيفِ غَيْرِهِ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِتَجْوِيزِهِ الشَّهَادَةَ بِالِاسْتِفَاضَةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 وَالْعُقُودِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَسَمَاعٌ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِفَاضَةِ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا بِذَلِكَ؛ كَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَالْمِلْكِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْخُلْعِ، وَالْوَقْفِ وَمَصْرِفِهِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَلَاءِ،   [المبدع في شرح المقنع] وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَشْهَدُ عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِعِصْمَتِهَا، وَقَطَعَ بِهِ، وَحَمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، لِلْخَبَرِ. فَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهَا وَتَصَرُّفَهَا صَحِيحٌ إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً (وَسَمَاعٌ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِفَاضَةِ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا بِذَلِكَ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهَا يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ مَا ذُكِرَ ـ غَالِبًا ـ فِي بَعْضِهَا، وَهُوَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا (كَالنَّسَبِ) وَهُوَ مَحَلُّ إِجْمَاعٍ كَالْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِلَّا بِالِاسْتِفَاضَةِ (وَالْمَوْتِ وَالْمِلْكِ) الْمُطْلَقِ، قَيَّدَهُ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِثْلَ أَنْ يَسْتَفِيضَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مِلْكُ فُلَانٍ (وَالنِّكَاحِ) قَالَ جَمَاعَةٌ: دَوَامُهُ، لَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا (وَالْخُلْعِ وَالْوَقْفِ) ، أَيْ: أَنَّهُ وَقْفُ زَيْدٍ، لَا أَنَّهُ وَقَفَهُ (وَمَصْرِفِهِ) وَحَكَاهُ فِي الْمُغْنِي عَنِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَفِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ الْوَقْفَ وَمَصْرِفَهُ يَثْبُتُ بِهَا، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا (وَالْعِتْقِ) أَيْ: أَنَّهُ عَتِيقٌ وَحُرٌّ، لَا أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ (وَالْوَلَاءِ وَالْوِلَايَةِ وَالْعَزْلِ) لِأَنَّ الْعِلْمَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَتَعَذَّرُ غَالِبًا، أَشْبَهَ النَّسَبَ. لَا يُقَالُ: يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهِ بِمُشَاهَدَةِ سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ لَا يُنَافِي التَّعَذُّرَ غَالِبًا، وَلِأَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ لَا يُعْلَمُ بِهِ الْمُسَبَّبُ قَطْعًا؛ لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَ مَثَلًا غَيْرَ مِلْكِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَالْوَقْفِ وَالنِّكَاحِ وَالْعِتْقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، وَقَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ وَزَادَ: مَصْرِفَ الْوَقْفِ وَالْمَوْتَ وَالْوِلَايَةَ وَالْعَزْلَ، وَكَذَا فِي الْكَافِي، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْوَلَاءَ، (وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) كَالطَّلَاقِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي عَمْدِ الْأَدِلَّةِ: مُقْتَضَى تَعْلِيلِ أَصْحَابِنَا أَنْ يَثْبُتَ الدَّيْنُ بِالِاسْتِفَاضَةِ. وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَدٍّ وَلَا قَوَدٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ حَامِدٍ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الشَّهَادَةَ بِمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: تُسْمَعُ فِيمَا تَسْتَقِرُّ مَعْرِفَتُهُ بِالتَّسَامُعِ، لَا فِي عِقْدٍ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا فِي نَسَبٍ وَمَوْتٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ وَعِتْقٍ وَوَلَاءٍ وَنِكَاحٍ وَوَقْفٍ،. [الِاسْتِفَاضَةُ فِي الشَّهَادَةِ] (وَلَا تُقْبَلُ الِاسْتِفَاضَةُ إِلَّا مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 وَالْوِلَايَةِ، وَالْعَزْلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَلَا تُقْبَلُ الِاسْتِفَاضَةُ إِلَّا مِنْ عَدَدٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي: تُسْمَعُ مِنْ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا، وَإِنْ سَمِعَ إِنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبِ أَبٍ أَوِ ابْنٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ، جَازَ أَنْ يَشْهَدَ له بِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَشْهَدْ، وَإِنْ سَكَتَ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، وَإِنْ رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إِنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ؛ مِنَ النَّقْضِ وَالْبِنَاءِ   [المبدع في شرح المقنع] عَدَدٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ فَيْضِ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي كَثْرَةَ الْقَائِلِ بِهِ، (وَقَالَ الْقَاضِي: تُسَمَعُ مِنْ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا) يَسْكُنُ قَلْبُهُ إِلَى خَبَرِهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا حَقٌّ مِنَ الْحُقُوقِ، فَوَجَبَ أَنْ يُسْمَعَ مِنْهُمَا كَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ وَحَفِيدُهُ أَوْ وَاحِدٌ تَسْكُنُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ. وَالْأَوَّلُ: الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اكْتَفَى بِاثْنَيْنِ لَاشْتَرَطَ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِيهَا بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ، وَالثَّالِثُ بَعِيدٌ عَنْ مَعْنَاهَا، وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةٍ لَمْ يَعْلَمْ تَلَقِّيَهَا مِنَ الِاسْتِفَاضَةِ، وَمَنْ قَالَ: شَهِدْتُ بِهَا، فَفَرَّعَ، وَفِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ: الشَّهَادَةُ بِهَا خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ، وَأَنَّهَا تَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ، (وَإِنْ سَمِعَ إِنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبِ أَبٍ أَوِ ابْنٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ، جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ) لِتُوَافِقَ الْمُقِرَّ وَالْمُقَرَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، (وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَشْهَدْ) لِتَكْذِيبِهِ إِيَّاهُ (وَإِنْ سَكَتَ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ إِقْرَارٌ بِهِ، بِدَلِيلِ مَنْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ فَسَكَتَ، كَانَ مُقِرًّا بِهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ فِي النِّكَاحِ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يَتَكَرَّرَ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ، فَاعْتُبِرَ لَهُ التَّكْرَارُ لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ، (وَإِنْ رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إِنْسَانٍ) مُدَّةً طَوِيلَةً، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَشْمَلُ الْقَصِيرَةَ، وَصَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ (يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ؛ مِنَ النَّقْضِ وَالْبِنَاءِ، وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ، وَنَحْوِهَا، جَازَ أَنْ يَشْهَدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَنَحْوِهَا، جَازَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَشْهَدَ إِلَّا بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ. فصل وَمَنْ شَهِدَ بِالنِّكَاحِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شُرُوطِهِ وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ   [المبدع في شرح المقنع] بِالْمِلْكِ لَهُ) قَدَّمَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَاسْتِمْرَارُهَا مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ يُقَوِّيهَا، فَجَرَتْ مَجْرَى الِاسْتِفَاضَةِ، وَالِاحْتِمَالُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ، بِدَلِيلِ جَوَازِهَا بِالْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى مَا عَايَنَهُ مِنَ السَّبَبِ، كَالْبَيْعِ وَالْإِرْثِ وَنَحْوِهِمَا، مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُوَرِّثَ لَيْسَ مَالِكًا. وَفِي الْمُغْنِي: لَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ هُنَا، فَجَازَتْ بِالظَّنِّ، وَيُسَمَّى عِلْمًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ هُنَا، فَاكْتَفَى بِالظَّنِّ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَال يُعْتَبَرُ حُضُورُ الْمُدَّعِي وَقْتَ تَصَرُّفِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَرَابَتَهُ، وَلَا يَخَافُ مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ عَارَضَهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى الْمُتَصَرِّفِ أَنَّ ذَلِكَ مِلْكُهُ، لَا يَجُوزُ لِمَنْ رَآهُ يَتَصَرَّفُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ لَا بِمَا ذَكَرَ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَشْهَدَ إِلَّا بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ) هَذَا وَجْهٌ، وَصَحَّحَهُ السَّامَرِّيُّ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَالِكَةٍ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يَشْهَدُ بِمِلْكٍ بِتَصَرُّفِهِ. وَعَنْهُ: مَعَ يَدِهِ. وَفَرَّقَ قَوْمٌ، فَقَالُوا: يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ، وَفِي الْقَصِيرَةِ بِالْيَدِ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. [فِي مَنْ شَهِدَ بِالنِّكَاحِ أَوِ الرَّضَاعِ أَوِ الزِّنَى] فصل (وَمَنْ شَهِدَ بِالنِّكَاحِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شُرُوطِهِ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي شُرُوطِهِ، فَيَجِبُ ذِكْرُهَا لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الشَّاهِدُ صِحَّتَهُ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ إِذَا اتَّحَدَ مَذْهَبُ الشَّاهِدِ وَالْحَاكِمِ لَا يَجِبُ التَّبْيِينُ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيمَنِ ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْمَيِّتَةَ امْرَأَتُهُ وَهَذَا ابْنُهُ مِنْهَا، فَإِنْ أَقَامَهَا بِأَصْلِ النِّكَاحِ وَيَصْلُحُ ابْنُهُ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ، وَالْفِرَاشُ ثَابِتٌ يَلْحَقُهُ. وَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ زَوْجُهَا، لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِأَصْلِ النِّكَاحِ، وَيُعْطَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 عَدْلٍ وَرِضَاهَا، وَإِنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ عَدَدِ الرَّضَعَاتِ، وَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ ثَدْيِهَا، أَوْ مِنْ لَبَنٍ حُلِبَ مِنْهُ، وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ، احْتَاجَ أَنْ يَقُولَ: ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، أَوْ جَرَحَهُ فقتله أو مات من ذلك فإن قال جرحه فَمَاتَ، لَمْ يُحْكَمْ بِهِ، وَإِنْ شَهِدَ بِالزِّنَا فَلَا بُدَّ من ذكر مَنْ زَنَى بِهَا، وَأَيْنَ زَنَى؛ وَكَيْفَ زَنَى؛ وَأَنَّهُ رَأَى ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا، وَمِنْ   [المبدع في شرح المقنع] الْمِيرَاثَ (وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا) إِنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً، هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلْخِلَافِ فِي بَعْضِهَا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي صِحَّةِ بَدَنِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ، لَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ: فِي صِحَّتِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا شَهِدَ بِاسْتِبَاحَةِ الزَّوْجِيَّةِ جَازَ، وَإِنْ ذَكَرَ سَبَبَهَا لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً، وَقِيلَ: لَا يَشْهَدُ فِيهَا بِاسْتِفَاضَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَإِنْ عَقَدَ بِلَفْظٍ لَا خِلَافَ فِيهِ شَهِدَ بِالْعَقْدِ وَالزَّوْجِيَّةِ، تَقُولُ: حَضَرْتُ الْعَقْدَ الْجَارِيَ بَيْنَهُمَا وَأَشْهَدُ بِهِ، وَإِنْ قَالَ: حَضَرْتُ وَشَهِدْتُ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَالصِّحَّةُ أَظْهَرُ. فَرْعٌ: مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ذِكْرُ شُرُوطِهِ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ، (وَإِنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ عَدَدِ الرَّضَعَاتِ، وَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ ثَدْيِهَا، أَوْ مِنْ لَبَنٍ حُلِبَ مِنْهُ) لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ ابْنُهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: وَدُخُولُ اللَّبَنِ إِلَى جَوْفِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ رَأَى امْرَأَةً اتَّخَذَتْ صَبِيًّا تَحْتَ ثِيَابِهَا فَأَرْضَعَتْهُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ بِإِرْضَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَتَّخِذَ شَيْئًا عَلَى هَيْئَةِ الثَّدْيِ تُمِصُّهُ لَهُ. (وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ، احْتَاجَ أَنْ يَقُولَ: ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، أَوْ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ، أَوْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ مَا ذَكَرَ شَرْطٌ فِي إِيجَابِ الْقَتْلِ، فَاحْتِيجَ إِلَى قَوْلِهِ فِي الشَّهَادَةِ بِهِ، وَيُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْآلَةِ، وَوَصْفُ الْجِنَايَةِ بِعَمْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالِانْفِرَادُ بِهِ أَوْ شَارَكَ غَيْرَهُ، (فَإِنْ قَالَ: جَرَحَهُ فَمَاتَ، لَمْ يُحْكَمْ بِهِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِغَيْرِ هَذَا، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدِ الْمَوْتُ إِلَى الْجُرْحِ، فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْمَوْتِ بِسَبَبِ جُرْحِهِ، فَإِنْ قَالَ: ضَرَبَهُ فَوَجَدَهُ مُوَضَّحًا، أَوْ فَسَالَ دَمُهُ، لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَالَ: ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَهُ، فَوَجَدَ فِي رَأْسِهِ مُوَضَّحَتَيْنِ وَجَبَ دِيَةٌ مُوَضَّحَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَهَا، وَلَمْ يَجِبْ قِصَاصٌ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَيَّتَهُمَا الَّتِي شَهِدَ بِهَا (وَإِنْ شَهِدَ بِالزِّنَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَنْ زَنَى بِهَا، وَأَيْنَ زَنَى؛ وَكَيْفَ زَنَى؛ وَأَنَّهُ رَأَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْمُزْنَى بِهَا وَلَا ذِكْرِ الْمَكَانِ، وإن شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالنِّصَابِ وَالْحِرْزِ، وَصِفَةِ السَّرِقَةِ، وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَذْفِ ذَكَرَ الْمَقْذُوفَ وَصِفَةَ الْقَذْفِ، وَإِنْ شَهِدَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ ابْنُ أَمَةِ فُلَانٍ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ حَتَّى يَقُولَا: وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا) لِأَنَّ اسْمَ الزِّنَى يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَقَدْ يَعْتَقِدُ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِزِنَى زِنًى، فَاعْتُبِرَ ذِكْرُ صِفَتِهِ؛ لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ، وَلِأَنَّهُ إِذَا اعْتُبِرَ التَّصْرِيحُ فِي الْإِقْرَارِ كَانَ اعْتِبَارُهُ فِي الشَّهَادَةِ أَوْلَى، وَقَدْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، أَوْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَقَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلَيْنِ، فَاعْتُبِرَ الْمَكَانُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الشُّهُودُ ذَلِكَ سَأَلَهُمُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، (وَمِنْ أَصْحَابِنَا) ، وَهُوَ ابْنُ حَامِدٍ، (مَنْ قَالَ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَلَا ذِكْرِ الْمَكَانِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ ذِكْرُهُمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الشَّهَادَةِ فِي رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ ذِكْرُ الْمَكَانِ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا ذِكْرُ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْأَزْمِنَةَ فِي الزِّنَى وَاحِدَةٌ لَا تَخْتَلِفُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: بَلَى، لِتَكُونَ شَهَادَتُهُمْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ، وَتُقْبَلُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ كَالْقِصَاصِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تُقْبَلُ، لِقَوْلِ عُمَرَ (وَإِنْ شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالنِّصَابِ وَالْحِرْزِ، وَصِفَةِ السَّرِقَةِ) ، لِأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، وَلِتَتَمَيَّزَ السَّرِقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ مِنْ غَيْرِهَا (وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَذْفِ ذَكَرَ الْمَقْذُوفَ وَصِفَةَ الْقَذْفِ) وَيَذْكُرُ الْقَاذِفَ، وَقِيلَ: وَأَيْنَ؛ وَمَتَى؛ (وَإِنْ شَهِدَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ ابْنُ أَمَةِ فُلَانٍ لَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِهِ حَتَّى يَقُولَا: وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ قَوْلُهُمَا: وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ. فَإِنْ قَالَا: فِي مِلْكِهِ. صَحَّ؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ أَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَنَمَاءُ مِلْكِهِ لَهُ مَا لَمْ يَرِدْ نَقْلُهُ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْمِلْكِ السَّابِقِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ بِمِلْكٍ سَابِقٍ، قُلْنَا: الْفَرْقُ ـ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ ـ النَّمَاء تَابِعٌ لِلْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ، فَإِثْبَاتُ مِلْكِهِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ، وَجَرَى مَجْرَى مَا لَوْ قَالَ: مَلَكَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِهِ، فَإِنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي تَبَعًا لِلْحَالِ، فَيَكُونُ لَهُ النَّمَاءُ فِيمَا مَضَى؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا شَهِدَتْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَقَوِيَتْ بِذَلِكَ. وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَتْ بِالسَّبَبِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، فَقَالَ: أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا، ثَبَتَ الْمِلْكُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَمَعَ ذِكْرِهِ أَوْلَى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 أَعْتَقَهَا، لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا حَتَّى يَقُولَا: وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ، أَوِ الطَّيْرَ مِنْ بَيْضَتِهِ، أو الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ، أحكِمَ لَهُ بِهَا، وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ وَارِثُهُ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمَانِ لَهُ وَارِثًا غيره، سَلَّمَ الْمَالَ إِلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، أَوْ لَمْ يَكُونَا، وَإِنْ قَالَا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَ عَلَى إِقْرَارِ غَيْرِهِ بِحَقٍّ، فَقِيلَ: يُعْتَبَرُ ذِكْرُ سَبَبِهِ. وَالْأَصَحُّ: لَا، كَاسْتِحْقَاقِ مَالٍ، وَإِنْ شَهِدَ بِسَبَبٍ يُوجِبُهُ، وَاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: مَنْ شَهِدَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو بِشَيْءٍ، سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِهِ، انْتَهَى. وَلَا تُعْتَبَرُ إِشَارَتُهُ إِلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ حَاضِرٍ مَعَ نَسَبِهِ وَوَصْفِهِ، وَلَا قَوْلُهُ طَوْعًا فِي صِحَّتِهِ مُكَلَّفًا، عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَمَا صَحَّتِ الشَّهَادَةُ بِهِ صَحَّتِ الدَّعْوَى، وَبِالْعَكْسِ. وَعَلَى اخْتِيَارِ الْمُؤَلِّفِ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمِلْكِ وَالتَّسْلِيمِ، وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ أَوْ أَعْتَقَهَا، لَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِهَا حَتَّى يَقُولَا: وَهِيَ فِي مِلْكِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُ وَيَقِفُ وَيَعْتِقُ مَا لَا يَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ قَوْلَ الشَّاهِدَيْنِ: وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، لَتَمَكَّنَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَ شَيْئًا مِنْ يَدِ غَيْرِهِ أَنْ يَتَّفِقَ هُوَ وَشَخْصٌ، وَيَبِيعُهُ إِيَّاهُ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ، ثُمَّ يَنْتَزِعُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِهِ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ، (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ، أَوِ الطَّيْرَ مِنْ بَيْضَتِهِ، أَوِ الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ، أحكم لَهُ بِهَا) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ الْغَزَلَ عَيْنُ الْقُطْنِ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ، وَالطَّيْرَ هُوَ الْبَيْضَةُ اسْتَحَالَتْ، وَالدَّقِيقَ عَيْنُ الْحِنْطَةِ، وَإِنَّمَا تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهَا، وَقِيلَ: أَوِ الْبَيْضَةُ مِنْ طَيْرِهِ فَكَذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ: لَا، حَتَّى يَقُولَا: بَاضَتْهَا فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْضَةَ غَيْرُ الطَّيْرِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ نَمَائِهِ كَالْوَلَدِ، (وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ، وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ وَارِثُهُ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمَانِ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، سَلَّمَ الْمَالَ إِلَيْهِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ عِلْمُهُ، فَكَفَى فِيهِ الظَّاهِرُ مَعَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ بِعَدَمِ وَارِثٍ آخَرَ (سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، أَوْ لَمْ يَكُونَا) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْبَيِّنَةِ يُعَضِّدُهُ الْأَصْلُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ فَيَجِبُ الْكَشْفُ عَنْ حَالِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِمْ بِوَارِثٍ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى عَدَمِهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، فَيَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي بِمَوْتِهِ وَلْيَحْضُرْ وَارِثُهُ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ سَلَّمَهُ، وَقِيلَ: بِكَفِيلٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 غَيْرَهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ، احْتَمَلَ أَنْ يُسَلَّمَ إِلَيْهِ الْمَالُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُسَلَّمَ إِلَيْهِ حَتَّى يَسْتَكْشِفَ الْقَاضِي عَنْ خَبَرِهِ فِي الْبُلْدَانِ الَّتِي سَافَرَ إِلَيْهَا. وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَخْفِي،   [المبدع في شرح المقنع] فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُكْمِلُ لِذِي الْفَرْضِ فَرْضَهُ. وَعَلَى الثَّانِي: ـ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ ـ يَأْخُذُ الْيَقِينَ، وَهُوَ رُبُعُ ثَمَنٍ لِلزَّوْجَةِ عَائِلًا، وَسُدُسٌ لِلْأُمِّ عَائِلًا، مِنْ كُلِّ ذِي فَرْضٍ لَا حَجْبَ فِيهِ، وَلَا يَقِينَ فِي غَيْرِهِ. وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ لَهُ بِالْإِرْثِ كَفَى، نَقَلَ الْأَزَجِيُّ فِيمَنِ ادَّعَى إِرْثًا، لَا يَخْرُجُ فِي دَعْوَاهُ إِلَى إِثْبَاتِ السَّبَبِ الَّذِي يَرِثُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي الْإِرْثَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ أَدْنَى حَالَاتِهِ أَنَّهُ يَرِثُ بِالرَّحِمِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِنَا، وَالْمَعْرُوفُ خِلَافَهُ (وَإِنْ قَالَا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ) أَوْ بِأَرْضِ كَذَا (احْتَمَلَ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ الْمَالَ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ إِلَيْهِ حَتَّى يَسْتَكْشِفَ الْقَاضِي عَنْ خَبَرِهِ فِي الْبُلْدَانِ الَّتِي سَافَرَ إِلَيْهَا) وَقَالَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَعْلَمَانِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ، وَيَعْلَمَانِ لَهُ وَارِثًا فِي غَيْرِهَا فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَوْ قَالَا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَإِنْ شَهِدَا بِأَنَّهُ ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، وَبَيِّنَةٌ كَذَلِكَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا وَقُسِّمَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: إِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى إِثْبَاتٍ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ ظَاهِرًا، فَإِنَّهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يَعْرِفُهُ جَارُهُ، وَمَنْ يَعْرِفُ بَاطِنَ أَمْرِهِ، بِخِلَافِ دِينِهِ عَلَى الْمَيِّتِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتٍ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ سِوَاهُ لِخَفَاءِ الدَّيْنِ. فَرْعٌ: لَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ مُطْلَقًا، بِدَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْإِعْسَارِ، بَلْ يُقْبَلُ إِذَا كَانَ النَّفْيُ مَحْصُورًا، كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ، دُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ كَالْإِثْبَاتِ، وَهَلْ يَشْهَدُ عَقْدًا فَاسِدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ؛ وَيَشْهَدُ بِهِ؛ يَتَوَجَّهُ دُخُولُهَا فِيمَنْ أَتَى فَرْعًا مُخْتَلَفًا فِيهِ. قَالَ فِي التَّعْلِيقِ: يَشْهَدُ. وَفِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: يَجُوزُ لِلْكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ أَنْ يَكْتُبَ وَيَشْهَدَ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَرَ جَوَازَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وَالْفَقِيهُ يَحْكُمُ بِمَا يَرَاهُ مِنَ الْخِلَافِ. فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَبْطَلَ مِنْ وَصَايَاهُ وَاحِدَةً، وَنَسِيَا عَيْنَهَا، لَمْ تُقْبَلْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 وَمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُقِرُّ بِحَقٍّ، أَوْ يَشْهَدُ شَاهِدًا بِحَقٍّ، أَوْ يَسْمَعُ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ، أَوْ يَشْهَدُ عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ إِنْفَاذِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ.   [المبدع في شرح المقنع] هَذِهِ الشَّهَادَةُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: بَلَى، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ فِي الْوَصِيَّةِ. وَفِيهَا فِي التَّرْغِيبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُقْرَعُ بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا فَهِيَ الصَّحِيحَةُ، (وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَخْفِي) وَهُوَ الْمُتَوَارِي عَنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَهِيَ مَقْبُولَةٌ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْبٍ، وَلِأَنَّهُ قَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ خَصْمُهُ يُقِرُّ سِرًّا وَيَجْحَدُ جَهْرًا، فَلَوْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَأَدَّى إِلَى بُطْلَانِ الْحَقِّ. وَالثَّانِيَةُ: لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهُوَ أَمَانَةٌ» . وَفِي ثَالِثَةٍ: إِنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ فِي الْحَالِ شَهِدَ بِهِ، كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ كَذَا. وَإِنْ أَقَرَّ بِسَابِقَتِهِ كَأَقْرَضَنِي، وَكَانَ عَلَيَّ وَقَضَيْتُهُ إِذَا جَعَلْنَاهُ إِقْرَارًا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ حَتَّى يُشْهِدَهُ بِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهِيَ الْأَصَحُّ. وَعَنْهُ: يَشْهَدُ بِمَا سَمِعَهُ، وَلَا يُؤَدِّي حَتَّى يَقُولَ: اشْهَدْ عَلَيَّ، فَإِذَا قَالَهُ وَجَبَ الْأَدَاءُ (وَمَنْ سَمِعَ رَجُلًا) مُكَلَّفًا (يُقِرُّ بِحَقٍّ) أَوْ عَقْدٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ (أَوْ يَشْهَدُ شَاهِدًا بِحَقٍّ) فَعَلَى الْخِلَافِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ: اشْهَدْ. وَعَنْهُ: لَا، كَالشَّهَادَةِ. وَفَرَّقَ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ ضَعِيفَةٌ فَاعْتَبَرَ تَقْوِيَتَهَا بِالِاسْتِدْعَاءِ (أَوْ يَسْمَعُ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ، أَوْ يَشْهَدُ عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ إِنْفَاذِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ ظَاهِرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 فصل. إذا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَحْمَرَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَبْيَضَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ الْيَوْمَ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ أَمْسِ، لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى الْفِعْلِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ لَمْ تُكْمَلِ الْبَيِّنَةُ. وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ   [المبدع في شرح المقنع] الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَلَيْهِ السَّمَاعُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ وَأَصْحَابَهُ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ وَلَمْ يَقُلْ عُمَرُ هَلْ أُشْهِدُكُمْ أَوْ لَا؛ وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ لَمْ يَسْأَلِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرُهُمْ، (وَلَا يَجُوزُ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) ، وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ تَلْزَمُ الشَّهَادَةُ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً فِي الْأَفْعَالِ: لَا يَشْهَدُ، حَتَّى يَقُولَ لَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: اشْهَدْ، وَهَذَا إِنْ أَرَادَ بِهِ الْعُمُومَ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَقُولُ لِأَحَدٍ: اشْهَدْ عَلَيَّ أَنِّي غَصَبْتُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي تَكُونُ بِالتَّرَاضِي كَقَرْضٍ وَبَيْعٍ جَازَ. [إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا] فصل. (إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَحْمَرَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَبْيَضَ) لِأَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي صِفَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ الْيَوْمَ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ أَمْسِ، لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ) لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْوَقْتِ (وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى الْفِعْلِ، إِذ اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ) لِأَنَّ أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ غَيْرُ الْآخَرِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْوَاقِعَ فِي يَوْمٍ غَيْرُ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ فِي يَوْمٍ آخَرَ، فَلَوْ شَهِدَا بِفِعْلٍ مُتَّحِدٍ فِي نَفْسِهِ كَإِتْلَافِ ثَوْبٍ وَقَتْلِ زَيْدٍ، أَوْ بِاتِّفَاقِهِمَا كَغَصْبٍ وَسَرِقَةٍ، وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ صِفَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ، كَلَوْثٍ وَآلَةِ قَتْلٍ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ، لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا لِلتَّنَافِي. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُوجَبَ الْقَطْعُ وَالْقَوَدُ، وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفُ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ، وَيَأْخُذُ مَا شَهِدَ بِهِ مِنْ مَالٍ، وَقِيلَ: لَا حَدَّ بِحَالٍ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَعَدُّدُهُ وَلَمْ يَشْهَدْ بِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ الْيَوْمَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ دَارَهُ أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ إِيَّاهَا الْيَوْمَ، كَمُلَتِ الْبَيِّنَةُ وَثَبَتَ الْبَيْعُ وَالْإِقْرَارُ وَكَذَلِكَ كُلُّ   [المبدع في شرح المقنع] مُتَّحِدٌ، فَبِكُلِّ شَيْءٍ شَاهِدٌ فَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ بَدَّلَ شَاهِدٌ بَيِّنَةً ثَبَتَا هُنَا إِنِ ادَّعَاهُمَا، وَإِلَّا مَا ادَّعَاهُ وَتَعَارَضَتَا فِي الْأُولَى. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِيهِ؛ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ. فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْفِعْلِ، وَآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ، جُمِعَتْ شَهَادَتُهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِقِصَّةِ الْوَلِيدِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، وَلَوْ شَهِدَا فِي وَقْتَيْنِ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ، أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى الْفِعْلِ وَآخَرَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ، لَمْ يُجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا أَقَرَّ بِهِ غَيْرَ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدَانِ، وَهَذَا يَبْطُلُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى إِقْرَارَيْنِ، مَسْأَلَةٌ: إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ عَمْدًا أَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ أَوْ قَتَلَهُ وَسَكَتَ، ثَبَتَ الْقَتْلُ وَصَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي صِفَتِهِ، (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ الْيَوْمَ) لِأَنَّهُمَا ـ وَإِنْ كَانَا إِقْرَارَيْنِ ـ فُهُمَا إِقْرَارٌ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَكَذَا فِي الرِّعَايَةِ مَعَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي كُلِّ شَهَادَةٍ عَلَى الْقَوْلِ (أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ دَارَهُ أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ إِيَّاهَا الْيَوْمَ، كَمُلَتِ الْبَيِّنَةُ وَثَبَتَ الْبَيْعُ) ، لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَجُوزُ أَنْ يُعَادَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَلَمْ يُؤَثِّرْ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخَرُ بِالْفَارِسِيَّةِ، (وَالْإِقْرَارُ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، (وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى الْقَوْلِ) . وَكَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ، وَسَوَاءٌ اخْتَلَفَا وَقْتًا أَوْ مَكَانًا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ وَاحِدٌ، كَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ أَوْ مَوْضِعِهِ أَوِ اللُّغَةِ الْمُقِرِّ بِهَا. وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ: أَنَّهُمَا إِذَا اخْتَلَفَا وَقْتًا أَوْ مَكَانًا لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكَافِي فِي الْإِقْرَارِ خِلَافًا أَنَّ الشَّهَادَةَ تَكْمُلُ فِيهِ، وَذَكَرَ فِي غَيْرِهِ احْتِمَالَيْنِ (إِلَّا النِّكَاحَ إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ، لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ) لِأَنَّ اخْتِلَافَ الشُّهُودِ فِي الْوَقْتِ يَمْنَعُ مِنْ كَمَالِ الْبَيِّنَةِ وَمِنْ ثُبُوتِهِ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْكَامِلَةَ يَثْبُتُ مُوجِبُهَا ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ وَالْبَيِّنَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا يَثْبُتُ مُوجِبُهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 شَهَادَةٍ عَلَى الْقَوْلِ إِلَّا النِّكَاحَ، إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ، لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ، وَكَذَلِكَ الْقَذْفُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَثْبُتُ الْقَذْفُ. وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْنِ، ثَبَتَ أَلْفٌ وَيَحْلِفُ عَلَى الْآخَرِ مَعَ   [المبدع في شرح المقنع] وَأَمَا ثَانِيًا: لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ حُصُولَ الشَّاهِدَيْنِ لَهُ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ لَمْ يَتَحَقَّقْ حُصُولُ الشَّرْطِ، فَلَمْ يَثْبُتِ الْمَشْرُوطُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا. وَفِي الشَّرْحِ: لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بِكُلِّ عَقْدٍ إِلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يَثْبُتْ، (وَكَذَلِكَ الْقَذْفُ) أَلْحَقَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْقَذْفَ بِالْأَفْعَالِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَكْمُلْ عَلَى قَذْفِهِ، وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الشُّهُودِ شُبْهَةٌ وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَثْبُتُ الْقَذْفُ) لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ وَاحِدٌ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ وَسَائِرَ الْأَمْوَالِ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي يَوْمَ الْخَمِيسِ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ قَتَلَهُ أَوْ قَذَفَهُ أَوْ غَصَبَهُ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي بِهَذَا يَوْمَ السَّبْتِ، كَمُلَتِ الْبَيِّنَةُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَكْمُلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ إِقْرَارٍ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ إِلَّا وَاحِدٌ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْفِعْلِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْمُقِرَّ بِهِ وَاحِدٌ، وَقَدْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ فَكَمُلَتْ، كَمَا لَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِهِ وَاحِدًا، وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْفِعْلِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى فِعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَنَظِيرُهُ فِي الْإِقْرَارِ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي قَتْلَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَالْآخَرُ: أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ الَّذِي شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ دَنَانِيرَ، وَالْآخَرُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهَا تَكْمُلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمُقْتَضَى، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قُلْتُ: وَعَلَى عَدَمِ الْجَمْعِ، لِمُدَّعِي الْقَتْلِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ. وَمَتَى جَمَعْنَا مَعَ اخْتِلَافِ الْوَقْتِ فِي قَتْلٍ أَوْ طَلَاقٍ فَالْعِدَّةُ وَالْإِرْثُ يَلِي آخِرَ الْمُدَّتَيْنِ (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْنِ، ثَبَتَ أَلْفٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا كَمُلَتْ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَزِدْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَسَوَاءٌ عَزَوَا ـ أَوْ أَحَدُهُمَا ـ الشَّهَادَةَ إِلَى الْإِقْرَارِ، أَوْ جِهَةِ وَاحِدة غَيْرِهِ، أَوْ لَمْ يَعْرِفَا، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بِكُلِّ إِقْرَارٍ إِلَّا وَاحِدٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 شَاهِدِهِ إِنْ أَحَبَّ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ، فَهَلْ تَكْمُلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَلْفٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ قَرْضٍ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ ثَمَنٍ مَبِيعٍ، لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ بَعْضُهُ، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيَبْطُلُ إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ غُدْوَةً، وَآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا عَشِيَّةً، مَعَ أَنَّ كُلَّ إِقْرَارٍ إِنَّمَا شَهِدَ بِهِ وَاحِدٌ، وَكَذَا إِذَا شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَلْفٍ وَآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ، أَوْ شَاهِدٌ بِثَلَاثِينَ وَآخَرُ بِعِشْرِينَ، وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفُ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ، وَيَأْخُذُ مَا شَهِدَا بِهِ، ذَكَرَهُ السَّامَرِّيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ (وَيَحْلِفُ عَلَى الْآخَرِ مَعَ شَاهِدِهِ إِنْ أَحَبَّ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهَذَا إِذَا أَطْلَقْنَا الشَّهَادَةَ، أَوْ لَمْ تَخْتَلِفِ الْأَسْبَابُ وَالصِّفَاتُ، فَإِنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِأَلْفٍ وَآخَرَانِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَمْ تَخْتَلِفِ الأسباب وَالصِّفَاتُ دَخَلَتِ الْخَمْسُمِائَةٍ فِي الْأَلْفِ، وَوَجَبَ لَهُ أَلْفٌ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَإِنِ اخْتَلَفَ الْأَسْبَابُ وَالصِّفَاتُ وَجَبَا؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ، فَهَلْ تَكْمُلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَلْفٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، أَحَدُهُمَا: تَكْمُلُ كَالَّتِي قَبْلَهَا، جَزَمَ بِهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ كَانَتْ مُطَابِقَةً غَيْرَ مُسْنَدَةٍ لِلْمَشْهُودِ بِهِ عَلَى سَبَبٍ، فَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَسَوَاءٌ عَزَوَا أَوْ أَحَدُهُمَا الشَّهَادَةَ إِلَى إِقْرَارٍ أَوْ جِهَةِ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْزُوَا، فَعَلَى هَذَا: يَحْلِفُ الْمُدَّعِي إِنْ شَاءَ لِتَمَامِ الْأَكْثَرِ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَأْخُذُ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: لَا تَكْمُلُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ مِنْ غَيْرِ الْأَلْفَيْنِ، فَعَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا وَغَيْرُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ قَرْضٍ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ ثَمَنٍ مَبِيعٍ، لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ) جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْأَلْفَيْنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْآخَرَ، فَعَلَى هَذَا: يَحْلِفُ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ، وَيَأْخُذُ مَا شَهِدَ بِهِ، وَقِيلَ: إِنْ شَهِدَا عَلَى الْإِقْرَارِ كَمَلَتْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ وَآخَرُ بِأَلْفٍ مِنْ قَرْضٍ كَمَلَتِ الْبَيِّنَةُ، (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ بَعْضُهُ، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ مَا قَضَاهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ كَلَامُهُ مُتَنَاقِضًا فَتَفْسُدُ شَهَادَتُهُ، وَفَارَقَ هَذَا مَا لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ عَنِ الشَّهَادَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قرضه أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ نِصْفَهُ، صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ، لَمْ يَجُزْ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَجُوزُ. بَابُ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهِيَ سِتَّةٌ: أَحَدُهَا: الْبُلُوغُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَإِقْرَارٌ بِغَلَطِ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَرَضَهُ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ نِصْفَهُ، صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الْوَفَاءَ لَا يُنَافِي الْقَرْضَ، وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ كَالَّتِي قَبْلَهَا، وَيَتَخَرَّجُ فِيهِمَا أَنْ لَا يَثْبُتَ بِشَهَادَتِهِمَا سِوَى الْخَمْسِمِائَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْتَاجُ قَضَاءُ الْخَمْسِمِائَةِ إِلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ (وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ، لَمْ يَجُزْ) إِذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلِّ الْحُكْمَ فَوْقَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108] ، وَلِأَنَّهُ لَوْ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ، لَسَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِبَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْأَلْفِ، وَالْقَاضِي يَحْكُمُ بِالْقَدْرِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ الْحُكْمُ فِيهِ، وَذَكَرَهُ نَصًّا (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَجُوزُ) لِأَنَّ مَالِكَ الشَّيء مَالِكٌ لِبَعْضِهِ، فَمَنْ شَهِدَ بِأَلْفٍ فَقَدْ شَهِدَ بِخَمْسِمِائَةٍ. فَائِدَةٌ: إِذَا شَهِدَ اثْنَانِ فِي مَحْفِلٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ، قُبِلَ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى خَطِيبٍ أَنَّهُ قَالَ أَوْ فَعَلَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْخُطْبَةِ شَيْئًا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُهُمَا، مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي سَمْعٍ وَبَصَرٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُمْ: إِذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مَعَ مُشَارَكَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ، رُدَّ. [بَابُ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ] [الْبُلُوغُ] بَابُ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ (وَهِيَ سِتَّةٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ (أَحَدُهَا: الْبُلُوغُ) لِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ كَالصَّبِيِّ (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ) ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَالسَّامَرِّيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ رِجَالِنَا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ مِمَّنْ هُوَ فِي حَالِ أَهْلِ الْعَدَالَةِ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ إِلَّا فِي الْجِرَاحِ، إِذَا شَهِدُوا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنِ الْحَالِ الَّتِي تَجَارَحُوا عَلَيْهَا. الثَّانِي: الْعَقْلُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَعْتُوهٍ وَلَا مَجْنُونٍ، إِلَّا مَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ إِذَا شَهِدَ فِي إِفَاقَتِهِ. الثَّالِثُ:   [المبدع في شرح المقنع] وَلَيْسَ مِمَّنْ يُرْضَى، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الشَّاهِدَ الْكَاتِمَ شَهَادَتَهُ آثِمٌ، وَالصَّبِيَّ لَيْسَ بِآثِمٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَاهِدٍ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ خَوْفِهِ مِنْ مَأْثَمِ الْكَذِبِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْإِقْرَارِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، كَالْمَجْنُونِ (وَعَنْهُ: تُقْبَلُ مِمَّنْ هُوَ فِي حَالِ أَهْلِ الْعَدَالَةِ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ ضَبْطُ مَا يَشْهَدُ بِهِ، فَقُبِلَتْ كَالْبَالِغِ. وَاسْتَثْنَى ابْنُ حَامِدٍ مِنْهَا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا احْتِيَاطًا، وَهَلْ يكتفي بِالْعَقْلِ فَقَطْ ـ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ـ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بُلُوغِ عَشْرِ سِنِينَ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُغْنِي عَلَى قَوْلَيْنِ. وَعَنْهُ: مِنَ الْمُمَيَّزِ، وَقِيلَ: عَلَى مِثْلِهِ (وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ إِلَّا فِي الْجِرَاحِ، إِذَا شَهِدُوا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنِ الْحَالِ الَّتِي تَجَارَحُوا عَلَيْهَا) رَوَاهُ سَعِيدٌ، ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمْ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُهُمْ وَضَبْطُهُمْ، فَإِنْ تَفَرَّقُوا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُلَقَّنُوا، وَحَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ: إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ، خَاصَّةً إِذَا أَدَّاهَا أَوْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ عَنْ تِلْكَ الْحَالِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى رُجُوعِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَزَادَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ. [الْعَقْلُ] (الثَّانِي: الْعَقْلُ) وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، وَهُوَ فِطْنَةٌ، وَالْعَاقِلُ مَنْ عَرَفَ الْوَاجِبَ عَقْلًا؛ الضَّرُورِيَّ وَغَيْرَهُ، وَالْمُمْكِنَ وَالْمُمْتَنِعَ، وَمَا يَضُرُّهُ وَيَنْفَعُهُ غَالِبًا؛ لِأَنَّ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لَا يُمْكِنُهُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَلَا أَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ ذَلِكَ إِلَّا بِضَبْطِ الشَّهَادَةِ، (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَعْتُوهٍ وَلَا مَجْنُونٍ) وَلَا سَكْرَانَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 الْكَلَامُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْبَلَ فِيمَا طَرِيقُهُ الرُّؤْيَةُ إِذَا فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ. الرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كَافِرٍ إِلَّا أَهْلَ الْكِتَابِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ مَنْ لَيْسَ بِعَاقِلٍ لَا تُقْبَلُ، إِذْ لَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ عِلْمٌ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ (إِلَّا مَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ إِذَا شَهِدَ فِي إِفَاقَتِهِ) وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ عَاقِلٍ، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُخْنَقْ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ تَحَمَّلَهَا فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ؛ لِأَنَّ تَحَمُّلَهُ فِي جُنُونِهِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الضَّبْطِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: مَنْ يُصْرَعُ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَقِيلَ: تُقْبَلُ فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ، وَقَدَّمَ هَذَا فِي الرِّعَايَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي الْمُقْنِعِ قَوْلًا. [الْكَلَامُ] (الثَّالِثُ: الْكَلَامُ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّيَقُّنُ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ مَعَ فَقْدِ الْكَلَامِ، (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ، وَالشَّهَادَةُ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَقِينُ، فَلَمْ تُقْبَلْ كَإِشَارَةِ النَّاطِقِ، وَإِنَّمَا قُبِلَتِ الْإِشَارَةُ فِي أَحْكَامِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَهِيَ مَعْدُومَةٌ هُنَا، لَا يُقَالُ: إِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أَشَارَ إِلَى أَصْحَابِهِ أَنْ يَجْلِسُوا فَامْتَثَلُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُفَارِقُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اكْتُفِيَ بِهَا مِنْهُ مَعَ كَوْنِهِ نَاطِقًا، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْبَلَ فِيمَا طَرِيقُهُ الرُّؤْيَةُ إِذَا فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ) هَذَا وَجْهٌ، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ حَاصِلٌ فِي التَّحَمُّلِ، وَإِشَارَةُ الْمُؤَدِّي الْعَاجِزِ عَنِ النُّطْقِ كَنُطْقِهِ، وَفَارَقَ مَا طَرِيقُهُ السَّمَاعُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْأَخْرَسَ غَالِبًا يَكُونُ أَصَمَّ، فَيَقَعُ الْخَلَلُ فِي التَّحَمُّلِ. فَلَوْ تَحَمَّلَهَا وَأَدَّاهَا بِخَطِّهِ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِيهَا، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ، وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ عَكْسَهَا. [الْإِسْلَامُ] (الرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ) وَهُوَ إِجْمَاعٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ عِشْرِينَ نَفْسًا (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كَافِرٍ) عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رِجَالِنَا وَلَا هُوَ مَرْضِيٌّ، (إِلَّا أَهْلَ الْكِتَابِ) وَهُمُ الْيَهُودُ والنصارى وَمَنْ يُوَافِقُهُمْ فِي التَّدَيُّنِ (فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، إِذَا لَمْ يُوجَدُ غَيْرُهُمْ) فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، فَشَهَادَتُهُمْ فِي السَّفَرِ بِمَوْتِ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ جَائِزَةٌ. قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] الآيات، نَزَلَتْ فِي تَمِيمٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 إِذَا لَمْ يُوجَدُ غَيْرُهُمْ، وَحَضَرَ الْمُوصِيَ الْمَوْتُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيُحَلِّفُهُمُ الْحَاكِمُ بَعْدَ الْعَصْرِ: لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ   [المبدع في شرح المقنع] الدَّارِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ، شَهِدَا بِوَصِيَّةِ سَهْمِي، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَضَى بِهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَضَى ابْنُ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِهَذَا قَالَ أَكَابِرُ الْمَاضِينَ. وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً؛ مِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالُوا: مِنْ غَيْرِ مِلَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ، وَلِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا قَسَامَةَ عَلَيْهِمَا. وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى التَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَمَانَ فِيهِ، وَحَمْلُهَا عَلَى الْيَمِينِ غَيْرُ مَقْبُولٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] ، وَلِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَى ذَوِي الْعَدْلِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمَا شَاهِدَانِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَفِي الْمُحَرَّرِ: رِوَايَتَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. وَ (أَوْ) فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ} [المائدة: 106] لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ، وَالْمَعْنَى: إِنْ لَمْ تَجِدُوا هَذَا، وَقِيلَ: وَالْمَعْنَى: بَلَى، (وَحَضَرَ الْمُوصِيَ الْمَوْتُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ) لِمَا سَبَقَ (وَيُحَلِّفُهُمُ الْحَاكِمُ) وُجُوبًا، وَقِيلَ: نَدْبًا (بَعْدَ الْعَصْرِ) لِخَبَرِ أَبِي مُوسَى، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لِأَنَّهُ وَقْتٌ تُعَظِّمُهُ أَهْلُ الْأَدْيَانِ (لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ، وَأنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 الرَّجُلِ، فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا قَامَ آخَرَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمُوصِي فَحَلَفَا بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَلَقَدْ خَانَا وَكَتَمَا وَيَقْضِي لَهُمْ، وَعَنْهُ: تقبل شَهَادَة بَعْضِهم عَلَى بَعْضِ، والمذهب الْأَوَّلِ. الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَحْفَظُ   [المبدع في شرح المقنع] لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقْوَقَا هَذِهِ، وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ فَأَتَيَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَأَخْبَرَاهُ وَقَدِمَا بِتَرِكَةٍ وَوَصِيَّةٍ، فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ مَا خَانَا وَلَا كَتَمَا وَلَا كَذِبَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا غَيَّرَا، وَأَنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ، فَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (فَإِنْ عُثِرَ) ، أَيْ: فَإِنِ اطَّلَعَ (عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا) فَعَلَا مَا أَوْجَبَ إِثْمًا، وَاسْتَوْجَبَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا لِمَنِ الْآثِمِينَ (قَامَ آخَرَانِ) أَيْ: شَاهِدَانِ آخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ، أَيِ: الْإِثْمُ، (مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمُوصِي) وَمَعْنَاهُ مِنَ الَّذِينَ جُنِيَ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْمَيِّتِ وَعَشِيرَتُهُ. وَفِي قِصَّةِ بُدَيْلٍ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتْ خِيَانَةُ الرَّجُلَيْنِ حَلَفَ رَجُلَانِ مِنْ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ إِنَاءُ صَاحِبِهِمَا، وَأَنَّ شَهَادَتَهُمَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا (فَحَلَفَا بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَلَقَدْ خَانَا وَكَتَمَا) ، أَيْ: لَيَمِينُنَا أَحَقُّ بِالصَّوَابِ مِنْ يَمِينِ هَذَيْنِ الْخَائِنَيْنِ (وَيَقْضِي لَهُمْ) لِمَا سَلَفَ (وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ) نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَكَالْمُسْلِمِينَ (وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِ لَا تُقْبَلُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ كَالْحَرْبِيِّ، وَالْخَبَرُ مَرْدُودٌ بِضَعْفِهِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ، وَلَوْ سَلِمَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْيَمِينَ لِأَنَّهَا تُسَمَّى شَهَادَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] . وَعَلَى الثَّانِيَةِ: أَجَازَهَا الْبَرْمَكِيُّ فِي صُورَةٍ خَاصَّةٍ لِلْحَاجَةِ، وَهِيَ شَهَادَةُ الْبَنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ الْآخَرَ أَخُوهُ. وَعَلَيْهَا تُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُ فِي دِينِهِ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ فِيهَا. وَاخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْكُفْرُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْأَشْهَرُ لَا. [أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَحْفَظُ] (الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ وَلَا مَعْرُوفٍ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ. فصل. السَّادِسُ: الْعَدَالَةُ: وَهُوَ اسْتِوَاءُ أَحْوَالِهِ فِي دِينِهِ، وَاعْتِدَالُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ،   [المبدع في شرح المقنع] يَحْفَظُ) لِأَنَّ مَنْ لَا يَحْفَظُ لَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ) ، بِفَتْحِ الْفَاءِ، اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَغْفَلَ، (وَلَا مَعْرُوفٍ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الثِّقَةَ لَا تَحْصُلُ بِقَوْلِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُ مِمَّا غَلِطَ فِيهَا وَنَسِيَ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا شَهِدَ عَلَى غَيْرِ مَنِ اسْتُشْهِدَ عَلَيْهِ، أَوْ بِغَيْرِ مَا شَهِدَ بِهِ، أَوْ لِغَيْرِ مَنْ أَشْهَدَهُ، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَسَهْوٍ لِمَا سَبَقَ. وَفِي التَّرْغِيبِ: الصَّحِيحُ، إِلَّا فِي أَمْرٍ جَلِيٍّ يَكْشِفُهُ الْحَاكِمُ وَيُرَاجِعُهُ حَتَّى يَعْلَمَ ببينة، وَأَنَّهُ لَا سَهْوَ وَلَا غَلَطَ فِيهِ. وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهَا تُقْبَلُ مِمَّنْ يَقِلُّ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْلَمُ مِنَ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ. [الْعَدَالَةُ] [حُكْمُ اشتراط العدالة في الشاهد] فصل. (السَّادِسُ: الْعَدَالَةُ) قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ: الْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْعَدَالَةُ، وَانْتِفَاءُ التُّهْمَةِ، وَالْعِلْمُ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] ، وَقُرِئَ بِالْمُثَلَّثَةِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ أَنْ يَتَحَامَلَ عَلَى غَيْرِهِ فَيَشْهَدَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. «وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، مَرْفُوعًا: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَالْقَانِعُ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَيْتِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأَشْدَقُ، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ: وَزَانٍ وَزَانِيَةٍ، رَوَى نَحْوَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْهُمُ: التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ. (وَهُوَ اسْتِوَاءُ أَحْوَالِهِ فِي دِينِهِ، وَاعْتِدَالُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ) الْعَدَالَةُ فِي اللُّغَةِ: عِبَارَةٌ عَنِ الِاسْتِوَاءِ وَالِاسْتِقَامَةِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ ضِدُّ الْجَوْرِ، وَالْجَوْرُ: الْمَيْلُ، فَالْعَدْلُ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 وَقِيلَ: الْعَدْلُ مَنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ. وَيُعْتَبَرُ لَهَا شَيْئَانِ: الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَرْتَكِبَ كَبِيرَةً، وَلَا يُدْمِنَ عَلَى صَغِيرَةٍ، وَقِيلَ:   [المبدع في شرح المقنع] الِاسْتِوَاءُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا (وَقِيلَ: الْعَدْلُ مَنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ، [مَا يُعْتَبَرُ للعدالة] [الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ] (وَيُعْتَبَرُ لَهَا شَيْئَانِ: الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ) بِشُرُوطِهَا، زَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: بِسُنَنِهَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَالسَّامَرِّيُّ وَالْمَجْدُ: وَالسُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ فِيمَنْ يُوَاظِبُ عَلَى تَرْكِ سُنَنِ الصَّلَاةِ: رَجُلُ سُوءٍ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: وَالْوِتْرُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، وَأَثَّمَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ تَرْكِ فَرْضٍ، وَإِلَّا فَلَا يَأْثَمُ بِسُّنَّةٍ (وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ) لِأَنَّ مَنْ أَدَّى الْفَرَائِضَ، وَاجْتَنَبَ الْمَحَارِمَ، عُدَّ صَالِحًا عُرْفًا، فَكَذَا شَرْعًا (وَهُوَ) أَيِ: اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ (أَنْ لَا يَرْتَكِبَ كَبِيرَةً، وَلَا يُدْمِنَ عَلَى صَغِيرَةٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ اجْتِنَابِ كُلِّ الْمَحَارِمِ يُؤَدِّي إِلَى أَلَّا تُقْبَلَ شَهَادَةُ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ ذَنْبٍ مَا. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32] ، مَدَحَهُمْ لِاجْتِنَابِهِمْ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَ وُجِدَ مِنْهُمْ صَغِيرَةٌ. وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا» ، أَيْ: لَمْ يُلِمَّ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ، وهو كَبِيرَةٌ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ مُرْتَكِبِ كَبِيرَةٍ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبِ الْكَبِيرَةَ وَأَدْمَنَ عَلَى الصَّغِيرَةِ لَا يُعَدُّ مُجْتَنِبًا لِلْمَحَارِمِ، وَفِي الْكَافِي: إِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الصَّغَائِرِ بِالْأَغْلَبِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 8] . وَقِيلَ: وَلَا تُكَرَّرُ مِنْهُ صَغِيرَةٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثًا، وَفِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: لَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ. وَالْكَبِيرَةُ: نَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، كَالشِّرْكِ بِاللَّهِ وَقَتْلِ النَّفْسِ الْحَرَامِ، أَوْ وَعِيدٍ فِي الْآخِرَةِ، كَأَكْلِ الرِّبَا. وَعَنْهُ: فِيمَنْ أَكَلَ الرِّبَا: إِنْ أَكْثَرَ لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ، قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: فَاعْتُبِرَ الْكَثْرَةُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ. وَالصَّغِيرَةُ كَنَظَرٍ مُحَرَّمٍ، وَاسْتِمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّاتِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَالنَّبَزِ بِاللَّقَبِ، وَالتَّجَسُّسِ. وَفِي الْفُصُولِ: وَالْغِيبَةُ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ مِنَ الصَّغَائِرِ، وَعَكْسُهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْكَذِبُ مِنَ الصَّغَائِرِ. وَعَنْهُ: تُرَدُّ بِكِذْبَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَكَذِبٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَمْيِ فِتَنٍ وَنَحْوِهِ. وَيَجِبُ أَنْ تُخَلِّصَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنَ الْقَتْلِ، وَيُبَاحُ لِإِصْلَاحٍ وَحَرْبٍ وَزَوْجَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَكُلُّ مَقْصُودٍ مَحْمُودٍ لَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ التَّوْرِيَةُ فِي ظَاهِرٍ، نَقَلَ حَنْبَلٌ، وَفِي مُعْتَمَدِ الْقَاضِي: مَعْنَى الْكَبِيرَةِ أَنَّ عِقَابَهَا أَعْظَمُ، وَالصَّغِيرَةِ أَقَلُّ، وَلَا يُعْلَمَانِ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ تَكَرَّرَتِ الصَّغَائِرُ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: تَجْتَمِعُ وَتَكُونُ كَبِيرَةً، وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَا يُخَالِفُهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ إِلَّا الْخَيْرُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ أَوِ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ قَاطِعِ الرَّحِمِ، وَمَنْ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ، وَإِذَا أَخْرَجَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ الْأُسْطُوَانَةَ، وَلَا يَكُونُ ابْنُهُ عَدْلًا إِذَا وَرِثَ أَبَاهُ حَتَّى يَرُدَّ مَا أَخَذَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، (وَقِيلَ: أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ إِلَّا الْخَيْرُ) لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ شَرْعًا. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَهِيَ فِعْلُ مَا يَجِبُ وَيُسْتَحَبُّ، وَتَرْكُ مَا يَحْرُمُ وَيُكْرَهُ، وَمُجَانَبَةُ الرَّيْبِ وَالتُّهَمِ، وَمُلَازَمَةُ الْمُرُوءَةِ. 1 - (وَلَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ فَاسِقٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ أَوِ الِاعْتِقَادِ) . أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ كَالزِّنَى وَالْقَتْلِ وَنَحْوِهَا، فَلَا خِلَافَ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ ـ وَهُوَ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ ـ فَوَجَبَ رَدُّ الشَّهَادَةِ؛ لِعُمُومِ النُّصُوصِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا تُعْجِبُنِي شَهَادَةُ الْجَهْمِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ المعلنة. وَذَكَرَ السَّامَرِّيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ فَسَقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ كَفَرَ بِهَا، كَالْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَبِنَفْيِ الْقَدَرِ، وَالْمُشَبِّهَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ، وَالْجَهْمِيَّةِ، وَاللَّفْظِيَّةِ وَالْوَاقِفِيَّةِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا فِي تَكْفِيرِ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ وَالسَّلَفَ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَمَنْ سَبَّ عَلِيًّا مِنَ الْخَوَارِجِ: خِلَافًا، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَدَمُ التَّكْفِيرِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: فِي تَكْفِيرِ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقِ الْمَعَاصِيَ، وَتَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ وَالْوَاقِفِيَّةِ، وَتَكْفِيرِ مَنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ رِوَايَتَانِ. وَمَنْ قَلَّدَ فِي خَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِهَا فِسْقٌ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَكْفُرُ كَمُجْتَهِدِهِمُ الدَّاعِيَةِ. وَعَنْهُ: فِيهِ لَا، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى صَاحِبِ التَّلْخِيصِ؛ لِقَوْلِ أَحْمَدَ لِلْمُعْتَصِمِ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 الِاعْتِقَادِ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ الْمُتَدَيِّنِ بِهِ، إِذَا لَمْ يَتَدَيَّنْ بِالشَّهَادَةِ لِمُوَافِقِهِ عَلَى مُخَالِفِهِ، وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْفُرُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، أَوْ شَرِبَ مِنَ النَّبِيذِ مَا لَا يُسْكِرُهُ، أَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ الْوَاجِبَ مَعَ إِمْكَانِهِ وَنَحْوَهُ، مُتَأَوِّلًا فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ رُدَّتْ   [المبدع في شرح المقنع] يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، (وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ الْمُتَدَيِّنِ بِهِ، إِذَا لَمْ يَتَدَيَّنْ بِالشَّهَادَةِ لِمُوَافِقِةِ عَلَى مُخَالِفِهِ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. كَالْخَطَّابِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْكَافِرِ، فَإِذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَانَ قَبُولُ قَوْلِ الْفَاسِقِ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ الْمُتَدَيِّنِ بِهِ أَوْلَى. وَعَنْهُ: جَوَازُ الرِّوَايَةِ عَنِ الْقَدَرِيِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً، فَكَذَا الشَّهَادَةُ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْفِسْقِ، أَشْبَهَ الْآخَرَ (وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْفُرُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا) بَيَّنَ الْأَئِمَّةُ خِلَافًا شَائِعًا، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ (فَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، أَوْ شَرِبَ مِنَ النَّبِيذِ مَا لَا يُسْكِرُهُ، أَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ الْوَاجِبَ مَعَ إِمْكَانِهِ وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ أَخَّرَ الزَّكَاةَ مَعَ إِمْكَانِهِ (مُتَأَوِّلًا) أَوْ مُقَلِّدًا كَتَأَوُّلٍ، (فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ) قَدَّمَهُ السَّامَرِّيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْفُرُوعِ رَحْمَةٌ لِلْعِبَادِ، وَالتَّأْوِيلَ فِيهَا سَائِغٌ جَائِزٌ، بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَمْ يَعِبْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يُفَسِّقْهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ، أَشْبَهَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يُفَسَّقُ مُتَأَوِّلٌ لَمْ يَسْكَرْ مِنْ نَبِيذٍ، اخْتَارَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ كَحَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَلِلسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ. وَعَنْهُ: أُجِيزَ شَهَادَتُهُ، وَلَا أُصَلِّي خَلْفَهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: الْمُسْكِرُ خَمْرٌ، وَلَيْسَ يَقُومُ مَقَامَ الْخَمْرَةِ بِعَيْنِهَا، فَإِنْ شَرِبَهَا مُسْتَحِلًّا قُتِلَ، وَإِنْ لَمْ يُجَاهِرْ وَلَمْ يُعْلِنْ وَلَمْ يَسْتَحِلَّهَا حُدَّ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِيهِ. وَعَنْهُ: إِنْ أَخَّرَ الْحَجَّ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فُسِّقَ، وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى اعْتِقَادِ تَحْرِيمِ التَّأْخِيرِ. فَأَمَّا إِنِ اعْتَقَدَ الْجَوَازَ فَلَا، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَكَذَا حَمَلَهَا فِي الشَّرْحِ. ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: تُرَدُّ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِ عُمَرَ: مَا هُمْ مُسْلِمِينَ. (وَإِنْ فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، زَادَ فِي الشَّرْحِ: إِذَا تَكَرَّرَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ، أَشْبَهَ فِعْلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 شَهَادَتُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُرَدَّ. الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ وَهُوَ فِعْلُ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَافِعِ وَالْمُتَمَسْخِرِ وَالْمُغَنِّي وَالرَّقَّاصِ   [المبدع في شرح المقنع] الْمُحَرَّمِ إِجْمَاعًا (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تُرَدَّ) كَالْمُتَّفَقِ عَلَى حِلِّهِ، وَلِأَنَّ لِفِعْلِهِ مَسَاغًا فِي الْجُمْلَةِ. وَفِي الْإِرْشَادِ: إِلَّا أَنْ يُجِيزَ رِبَا الْفَضْلِ، أَوْ يَرَى الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ لِتَحْرِيمِهِمَا الْآنَ، وَذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَا خَالَفَ النَّصَّ مِنْ جِنْسِ مَا يَنْقُضُ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ، أَوْ أَكَلَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ، أَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَهُ مِنَ الزِّنَى، أَوْ أُمَّ مَنْ زَنَى بِهَا، احْتَمَلَ أَنْ تُرَدَّ. تَنْبِيهٌ: مَنْ أَخَذَ بِالرُّخَصِ فُسِّقَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَرِهَهُ الْعُلَمَاءُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: غَيْرُ مُتَأَوِّلٍ وَلَا مُقَلِّدٍ، وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ مِمَّنْ تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا مُخْتَلِفًا فِيهِ: لَا يُعِيدُ فِي رِوَايَةٍ، وَيُتَوَجَّهُ تَقَيُّدُهُ بِمَا لَمْ يَنْقُضْ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ، وَقِيلَ: لَا يُفَسَّقُ إِلَّا الْعَالِمُ، مَعَ ضَعْفِ الدَّلِيلِ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، وَامْتِنَاعِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةٍ، فَفِيهَا وَجْهَانِ، وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ. وَمَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إِمَامٍ بِعَيْنِهِ اسْتُتِيبَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي دُخُولِ الْفُقَهَاءِ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَأَدْخَلَهُمُ الْقَاضِي، وَأَخْرَجَهُمُ ابْنُ عَقِيلٍ. [اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ] (الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ) ، وَهِيَ بِالْهَمْزِ بِوَزْنِ سُهُولَةٍ: الْإِنْسَانِيَّةُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَكَ أَنْ تُشَدِّدَ، (وَهُوَ فِعْلُ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ) عَادَةً؛ لِأَنَّ مَنْ فَقَدَهَا فَقَدِ اتَّصَفَ بِالدَّنَاءَةِ وَالسِّقَاطَةِ، وَكَلَامُهُ لَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِهِ (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَافِعِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الصَّفْعُ: كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ، فَالْمُصَافِعُ إِذَنْ مَنْ يَصْفَعُ غَيْرَهُ، وَيُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ قَفَاهُ فَيَصْفَعُهُ (وَالْمُتَمَسْخِرُ وَالْمُغَنِّي وَالرَّقَّاصِ) أَيْ: كَثِيرِ الرَّقْصِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سُخْفٌ وَدَنَاءَةٌ، فَمَنْ رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ فَلَيْسَتْ لَهُ مُرُوءَةٌ، وَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَحَاصِلُهُ: إنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ شَهَادَةَ مَنْ ذُكِرَ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ الْمُرُوءَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِخَصْلَةٍ مِمَّا ذُكِرَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا اتَّصَفَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ كَوْنَهُ فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ، لَا يُقَالُ: فِعْلُ الْمُحَرَّمِ مَرَّةً لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فَيَمَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ عَلَيْهِ مَشْهُورٌ بِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ، وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَالْكَبِيرَةِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ مَا اتَّصَفَ بِهِ غَيْرَ مُحَرَّمٍ، كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ كَوْنَهُ فِعْلَ دَنَاءَةٍ وَسَفَهًا، وَذَلِكَ مِنْ فَقْدِ الْمُرُوءَةِ. فَقَوْلُهُ: (لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَافِعِ) إِلَى آخِرِهِ، فَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا دَنَاءَةٌ وَسَفَهٌ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهَا مِنَ الشَّرْعِ وَلَمْ يُرَدَّ، وَيَلْتَحِقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ حِكَايَةُ مَا يُضْحِكُ بِهِ النَّاسَ، وَنَارْنَجِيَّاتُ وَتَعْرِيَتُهُ وَبَوْلُهُ فِي شَارِعٍ، وَكَشْفُ رَأْسِهِ أَوْ بَطْنِهِ أَوْ صَدْرِهِ أَوْ ظَهْرِهِ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ فِيهِ، وَتَحْرِيشُ الْبَهَائِمِ وَالْجَوَارِحِ لِلصَّيْدِ، وَدَوَامُ اللَّعِبِ وَالْمُعَالَجَةُ بِشَيْلِ الْأَحْجَارِ وَالْخَشَبِ الثِّقَالِ، وَمَا عَدَّهُ النَّاسُ سَفَهًا كَمُتَزَيٍّ بِزِيٍّ يُسْخَرُ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: يُكْرَهُ غِنَاءٌ، قَالَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ. الْخَبَرَ. وَقَالَ عُمَرُ: الْغِنَاءُ زَادُ الرَّاكِبِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي: هُوَ حَرَامٌ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] . قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ الْغِنَاءُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] : هُوَ الْغِنَاءُ. وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ شِرَاءِ الْمُغَنِّيَاتِ وَبَيْعِهِنَّ وَالتِّجَارَةِ فِيهِنَّ وَأَكْلِ أَثْمَانِهِنَّ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. فَعَلَى هَذَا: تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِفِعْلِهِ الْمُحَرَّمَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِعْلُهُ دَنَاءَةٌ وَسَفَهٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: يَبِيعُ الْوَصِيُّ جَارِيَةَ الطِّفْلِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُغَنِّيَةٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ ـ أَيْضًا ـ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ، لَا يُعْجِبُنِي. وَذَكَرَ فِي الشِّفَا الْإِجْمَاعَ عَلَى كُفْرِ مَنِ اسْتَحَلَّهُ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِمَا: يَحْرُمُ مَعَ آلَةٍ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا. وَكَذَا قَالُوا هُمْ وَابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّ اسْتِمَاعَهُ مِنَ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ يَحْرُمُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ دَاوَمَهُ أَوِ اتَّخَذَهُ صِنَاعَةً بِقَصْدٍ، أَوِ اتَّخَذَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً يَجْمَعُ عَلَيْهِمَا، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا. مَسَائِلُ: الْأُولَى: يَحْرُمُ مِزْمَارٌ وَطُنْبُورٌ وَنَحْوُهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، فَمَنْ أَدَامَ اسْتِعْمَالَهَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَكَذَا عُودٌ وَجُنْكٌ؛ لِأَنَّهَا تُطْرِبُ وَتَفْعَلُ فِي طِبَاعِ غَالِبِ النَّاسِ مَا تَفْعَلُهُ الْمُسْكِرَاتُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أُنَاسٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» ، مُخْتَصَرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ. وَالْمَعَازِفُ: الْمَلَاهِي، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمِزْمَارُ مُبَاحٌ لِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَجَوَابُهُ: الْفَرْقُ بَيْنَ السَّمَاعِ وَالِاسْتِمَاعِ، بِدَلِيلِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَالْمُحَرَّمُ إِنَّمَا هُوَ الِاسْتِمَاعُ، مَعَ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ قَالَ: الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِمَاعُ كُلِّ مَلْهَاةٍ مَعَ غِنَاءٍ وَغَيْرِهِ فِي سُرُورٍ وَغَيْرِهِ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الطَّبْلَ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ لِغَيْرِ حَرْبٍ. الثَّانِيَةُ: الضَّرْبُ بِالْقَضِيبِ مَكْرُوهٌ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ تَصْفِيقٌ وَرَقْصٌ، وَإِنْ خَلَا عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآلَةِ لَهْوٍ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يُسْمَعُ مُنْفَرِدًا، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ، وَالتَّغْيِيرُ يَتْبَعُ الْغِنَاءَ الَّذِي مَعَهُ إِنْ حُرِّمَ حَرُمَ، وَإِنْ كُرِّهَ كَرُهَ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ مُطْلَقًا. قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ التَّغْيِيرَ؛ لِأَنَّهُ يُلِذُّ وَيُطْرِبُ، وَقَالَ: لَا يُسْمَعُ التَّغْيِيرُ، فَقِيلَ: هُوَ بِدْعَةٌ. فَقَالَ: حَسْبُكَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي الْكَافِي: مَنْ أَدْمَنَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا مَعْصِيَةٌ وَإِمَّا دَنَاءَةٌ. الثَّالِثَةُ: يُبَاحُ الدُّفُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَرَّمًا لَمَا أَبَاحَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعُرْسِ، ذَكَرَهُ السَّامَرِّيُّ وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، قِيلَ: وَالْخِتَانُ. وَقِيلَ: وَسُرُورٌ حَادِثٌ غَيْرُهُمَا، لَكِنْ إِنْ ضَرَبَ بِهِ الرِّجَالُ تَشْبِيهًا بِالنِّسَاءِ كُرِهَ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ، الرَّابِعَةُ: الْحُدَاءُ، بِضَمِّ الْحَاءِ، وَقِيلَ: بِكَسْرِهَا، لَا بَأْسَ بِهِ، وَلِذَلِكَ يُنْشِدُ الْأَعْرَابُ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْإِنْشَادِ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى حَدِّ الْغِنَاءِ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: هُوَ كَالْغِنَاءِ. الْخَامِسَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الشِّعْرُ كَالْكَلَامِ، حَسَنُهُ كَحَسَنِهِ، وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ. قَالَ أَحْمَدُ ـ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ـ: مَا يُكْرَهُ مِنْهُ؛ قَالَ: الْهِجَاءُ وَالرَّقِيقُ الَّذِي يُشَبِّبُ بِالنِّسَاءِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ الْجَاهِلِيُّ فَمَا أَنْفَعَهُ. وَسَأَلَهُ عَنِ الْخَبَرِ: «لِأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» فَتَلَكَّأَ، فَذُكِرَ لَهُ قَوْلُ النَّضْرِ: لَمْ تَمْتَلِئْ أَجْوَافُنَا؛ لِأَنَّ فِيهَا الْقُرْآنَ وَغَيْرَهُ، وَهَكَذَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَإِنْ أَفْرَطَ شَاعِرٌ بِالْمِدْحَةِ بِإِعْطَائِهِ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ، أَوْ شَبَّبَ بِمَدْحِ خَمْرٍ أَوْ بِأَمْرَدَ، فُسِّقَ، لَا إِنْ شَبَّبَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. السَّادِسَةُ: تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْأَلْحَانِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: بِدْعَةٌ لَا تُسْمَعُ، كُلُّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 وَاللَّاعِبِ بِالشَّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَالَّذِي يَتَغَذَّى فِي السُّوقِ، وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ فِي مَجْمَعِ   [المبدع في شرح المقنع] يُعْجِبُنِي، إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَبْعُ الرَّجُلِ كَأَبِي مُوسَى، وَنَقَلَ جَمْعٌ: أَوْ يُحْسِنُهُ بِلَا تَكَلُّفٍ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنْ غَيَّرْتَ النَّظْمَ حُرِّمَتْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ فِي الْكَرَاهَةِ، وَفِي الْوَسِيلَةِ: يَحْرُمُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: لَا، وَلَمْ يُفَرِّقْ (وَاللَّاعِبِ بِالشَّطْرَنْجِ) وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ، قَالَ: وَهُوَ مَيْسِرُ الْعَجَمِ، وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: هُوَ شَرٌّ مِنَ النَّرْدِ، قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ وَهُوَ فِيهَا فَأَحْرَقَهَا، وَمَرَّ عَلِيٌّ عَلَى قَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِهِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؛! رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] ، وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْحَقِّ فَيَكُونُ مِنَ الضَّلَالِ، وَلَا نُسَلِّمُ عَلَى لَاعِبٍ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ إِجْمَاعًا (وَالنَّرْدِ) هُوَ مُحَرَّمٌ، وَإِنْ خَلَا عَنْ قِمَارٍ؛ لِمَا رَوَى بُرَيْدَةُ مَرْفُوعًا، قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالنَّرْدُ: اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَشِيرُ: بِمَعْنَى حُلْوٍ. وَرَوَى أَبُو مُوسَى مَرْفُوعًا، قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ أَحْمَدُ: النَّرْدُ أَشَدُّ مِنَ الشَّطْرَنْجِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: إِنَّمَا شَدَّدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 النَّاسِ، وَيُحَدِّثُ بِمُبَاضَعَةِ أَهْلِهِ وَأَمَتِهِ، وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَأَمَّا الشَّيْنُ فِي الصِّنَاعَةِ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالنَّخَّالِ، الذي يغربل في الطريق على فلوس وغيرها، وَالنَّفَّاطِ وَالْقَمَّامِ وَالزَّبَّالِ وَالْمُشَعْوِذِ وَالدَّبَّاغِ وَالْحَارِسِ وَالْقَرَّادِ وَالْكَبَّاشِ، فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إِذَا حَسُنَتْ طريقتهم؛ عَلَى وجهين.   [المبدع في شرح المقنع] فَائِدَةٌ: ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ حُكْمَ اللَّعِبِ بِالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَالصَّدْرِ ـ وَهُوَ حُفَرٌ تُجْعَلُ فِي الْأَرْضِ وَالْكِعَابِ ـ حُكْمُ النَّرْدِ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: «مَنْ لَعِبَ بِالْكِعَابِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ مِنَ الْمَيْسِرِ، وَالْحَمَامِ: ـ أَيِ: اللَّاعِبُ بِهَا ـ فَإِنْ قَصَدَ الْمُرَاهَنَةَ وَأَخَذَ حَمَامَ غَيْرِهِ حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ عَبَثًا وَلَهْوًا فَهُوَ دَنَاءَةٌ وَسَفَهٌ. قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ لَعِبَ بِالْحَمَامِ الطَّيَّارَةِ يُرَاهِنُ عَلَيْهَا أَوْ يُسَرِّحُهَا مِنَ الْمَوَاضِعِ لَعِبًا، لَمْ يَكُنْ عَدْلًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا سَرَّحَ حَمَامًا، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بَصَرَهُ، فَقَالَ: «شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانًا» . فَأَمَّا إِنْ قَصَدَ بِتَعْلِيمِهَا حَمْلَ الْكُتُبِ بِمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، أو اسْتِفْرَاخَهَا، أَوْ لِلْأُنْسِ بِأَصْوَاتِهَا، جَازَ. (وَالَّذِي يَتَغَذَّى فِي السُّوقِ) وَالنَّاسُ يَرَوْنَهُ، وَأَلْحَقَ بِهِ فِي الْغَنِيَّةِ أَكْلَهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَمَّا إِنْ أَكَلَ كَسْرَةً وَنَحْوَهَا لَمْ يَضُرَّ. (وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ فِي مَجْمَعِ النَّاسِ) وَكَذَا نَوْمُهُ بَيْنَ جَالِسِينَ، وَخُرُوجُهُ عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ بِلَا عُذْرٍ، وَكَذَا طُفَيْلِيٌّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. (وَيُحَدِّثُ بِمُبَاضَعَةِ أَهْلِهِ وَأَمَتِهِ) وَمُخَاطَبَتِهِمَا بِخِطَابٍ فَاحِشٍ بَيْنَ النَّاسِ، (وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ) أَيْ: يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ فِي حَمَّامٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ حَرَامٌ، لِأَنَّ فِيهِ كَشْفًا لِعَوْرَتِهِ، الْمَأْمُورُ بِسَتْرِهَا، (وَنَحْوَ ذَلِكَ) كَمَنْ بَنَى حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ، نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ. (فَأَمَّا الشَّيْنُ فِي الصِّنَاعَةِ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالنَّخَّالِ) الَّذِي يُغَرْبِلُ فِي الطَّرِيقِ عَلَى فُلُوسٍ وَغَيْرِهَا (وَالنَّفَّاطِ) الَّذِي يَلْعَبُ بِالنِّفْطِ، مِثْلَ لَبَّانٍ وَتَمَّارٍ (وَالْقَمَّامِ) الْكَنَّاسِ، يُقَالُ: قَمَّ الْبَيْتَ: إِذَا كَنَسَهُ (وَالزَّبَّالِ) وَهُوَ الَّذِي صِنَاعَتُهُ الزِّبْلُ، كَنْسًا وَجَمْعًا وَنَقْلًا (وَالْمُشَعْوِذِ) قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: لَيْسَتْ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَهُوَ خِفَّةٌ فِي الْيَدَيْنِ كَالسِّحْرِ (وَالدَّبَّاغِ وَالْحَارِسِ) وَالْحَدَّادِ وَالصَّبَّاغِ (وَالْقَرَّادِ) الَّذِي يَلْعَبُ بِالْقِرْدِ، وَيَطُوفُ بِهِ الْأَسْوَاقَ وَغَيْرَهَا مُكْتَسِبًا بِهِ (وَالْكَبَّاشِ) الَّذِي يَلْعَبُ بِالْكِبَاشِ وَيُنَاطِحُ بِهَا، وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ السُّفَهَاءِ وَالسَّفَلَةِ (فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إِذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 فصل. وَمَتَّى زَالَتِ الْمَوَانِعُ مِنْهُمْ، فَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ،   [المبدع في شرح المقنع] تُقْبَلُ، زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ: لَا مَسْتُورَ الْحَالِ مِنْهُمْ، وَإِنْ قَبِلْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَيْهِمْ، فَبِرَدِّ شَهَادَةِ فَاعِلِهِ يَمْنَعُ مِنْ تَعَاطِيهِ فَيُؤَدِّي إِلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ بِالْخَلْقِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ يَتَجَنَّبُهُ أَهْلُ الْمُرُوءَاتِ. وَفِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: أَنَّ الْأَوْلَى قَبُولُ شَهَادَةِ الْحَائِكِ وَالْحَارِسِ وَالدَّبَّاغِ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْمُرُوءَاتِ، وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ قَالَ: تَرِدُ بِبَلَدٍ يُسْتَزْرَى بِهِمْ فِيهِ. وَفِي الْفُنُونِ: وَكَذَا خَيَّاطٌ، وَهُوَ غَرِيبٌ. فَرْعٌ: الصَّيْرَفِيُّ وَنَحْوُهُ: إِنْ لَمْ يَتَّقِ الرِّبَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ الصَّرْفَ، وَيُكْرَهُ كَسْبُ مَنْ صَنْعَتُهُ دَنِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ مَعَ إِمْكَانِ أَصْلَحِ مِنْهَا، وَمَنْ يُبَاشِرِ النَّجَاسَةَ كَجَزَّارٍ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ قَسَاوَةَ قَلْبِهِ، وَفَاصِدٍ وَمُزَيِّنٍ وَجَرَائِحِيٍّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَبَيْطَارٍ، وَظَاهِرُ الْمُغْنِي: لَا يُكْرَهُ كَسْبُ فَاصِدٍ، أَفْضَلُ الْمَعَايِشِ: التِّجَارَةُ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: الزِّرَاعَةُ، وَاخْتَارَ فِي الْفُرُوعِ: الصَّنْعَةُ بِالْيَدِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: أَفْضَلُ الصَّنَائِعِ الْخِيَاطَةُ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا وَعَنْ عَمَلِ الْخُوصِ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؛ قَالَ: كُلَّمَا نَصَحَ فِيهِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَكَانَ إِدْرِيسُ خَيَّاطًا، وَكَذَا لُقْمَانُ، وَيُسْتَحَبُّ الْغَرْسُ وَالْحَرْثُ، وَاتِّخَاذُ الْغَنَمِ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: حَثَّنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى لُزُومِ الصَّنْعَةِ، وَكَانَ زَكَرِيَّا نَجَّارًا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [زَوَالُ مَوَانِعِ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ] فصل. (وَمَتَّى زَالَتِ الْمَوَانِعُ مِنْهُمْ، فَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْفَاسِقُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ مَوْجُودٌ، إِنَّمَا رُدَّتْ لِمَانِعٍ وَقَدْ زَالَ، وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 وَتَابَ الْفَاسِقُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَلَا يُعْتَبَرُ إِصْلَاحُ الْعَمَلِ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ فِي التَّائِبِ إِصْلَاحُ الْعَمَلِ سَنَةً، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ قَاذِفٍ؛ وَتَوْبَتُهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ، وَقِيلَ:   [المبدع في شرح المقنع] يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ بِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ أَوْلَى إِذَا كَانَ مَعْصِيَةً مَشْهُورَةً، وَشَرْطُهَا نَدَمٌ وَإِقْلَاعٌ وَعَزْمٌ عَلَى أَلَّا يَعُودَ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ تَعَالَى، فَإِنْ تَابَ مِنْ حَقِّ آدَمِيٍّ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُبَرِّئَهُ مِنْهُ، أَوْ يُؤَخِّرَهُ بِرِضَاهُ، أَوْ يَنْوِيَ رَدَّهُ إِذَا قَدَرَ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَيُعَوِّضُ اللَّهُ الْمَظْلُومَ بِمَا شَاءَ، فَتُقْبَلُ إِذَنْ، وَإِنْ كَانَ مَنْ حَقٍّ لِلَّهِ كَزَكَاةٍ وَصَلَاةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ سَرِيعًا بِحَسَبِ طَاقَتِهِ، وَيُعْتَبَرُ رَدَّ مَظْلَمَةٍ أَوْ يَسْتَحِلُّهُ أَوْ يَسْتَمْهِلُهُ مُعْسِرٌ (وَلَا يُعْتَبَرُ إِصْلَاحُ الْعَمَلِ) نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ تُقْبَلُ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ، فَلَأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَلِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَبِي ذَرٍّ: تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ وَلِحُصُولِ الْمَغْفِرَةِ بِهَا (وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ فِي التَّائِبِ إِصْلَاحُ الْعَمَلِ سَنَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [النور: 5] ، فَنَهَى عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ اسْتَثْنَى التَّائِبَ الْمُصْلِحَ، وَلِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا أَمَرَ بِضَرْبِ ضُبَيْعٍ وَأَمَرَ بِهِجْرَانِهِ حَتَّى بَلَغَهُ تَوْبَتُهُ، فَأَمَرَ أَنْ لَا يُكَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ سَنَةٍ، وَقِيلَ: إِنْ فُسِّقَ بِفِعْلٍ، وَإِلَّا لَمْ يُعْتَبَرْ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً. وَعَنْهُ: فِي مُبْتَدَعٍ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْحُلْوَانِيُّ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مُضِيُّ مُدَّةٍ يَعْلَمُ حَالَهُ فِيهَا، وَعَنْهُ: وَمُجَانَبَةُ قَرِينَةٍ فِيهِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَامِدٍ: أَنَّهُ يَجِيءُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا وُجُودُ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ لِظَاهِرِ الْآيَةِ: {إِلا مَنْ تَابَ} [مريم: 60] . فَرْعٌ: إِذَا عَلَّقَ تَوْبَتَهُ بِشَرْطٍ، فَإِنَّهُ غَيْرُ تَائِبٍ حَالًا، وَلَا عِنْدَ وُجُودِهِ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ قَاذِفٍ) أَيْ: تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ بِالْقَذْفِ إِذَا لَمْ يُحَقِّقْهُ لِلْآيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَاذِفِ الْمَرْدُودِ الشَّهَادَةِ: وَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 إِنْ عَلِمَ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ: قَدْ نَدِمْتُ عَلَى مَا قُلْتُ، وَلَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهِ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ. فصل. وَلَا تُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ الْحُرِّيَّةُ، بَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي   [المبدع في شرح المقنع] الَّذِي لَمْ يَأْتِ بِمَا يُحَقِّقُ قَذْفَهُ، كَالزَّوْجِ يَقْذِفُ زَوْجَتَهُ وَيَتَحَقَّقُ عَدَمُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ اللِّعَانِ، وَكَالْأَجْنَبِيِّ يَقْذِفُ أَجْنَبِيَّةً وَيَتَحَقَّقُ عَدَمُهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَهَذَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَتُوبَ، فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ سَوَاءٌ حُدَّ أَوْ لَا، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُهُمْ، وَكَسَائِرِ الذُّنُوبِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى. وَلِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي ذَرٍّ: إِنْ تُبْتَ قَبِلْتُ شَهَادَتَكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَاحْتَجُّوا بِهِ مَعَ اتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، مَعَ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ لِعَدَمِ تَوْبَتِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إِنْ تَنَاوَلَتْهُ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ لِفِسْقِهِ، وَإِلَّا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، كَرِوَايَتِهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ (وَتَوْبَتُهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] «تَوْبَتُهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ» وَلِكَذِبِهِ حُكْمًا (وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ: قَدْ نَدِمْتُ عَلَى مَا قُلْتُ، وَلَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهِ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ النَّدَمَ تَوْبَةٌ لِلْخَبَرِ، وَإِنَّمَا اعْتُبِرَ الْقَوْلُ لِيُعْلَمَ تَحَقُّقُ النَّدَمِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ سَبًّا، فَالتَّوْبَةُ مِنْهُ إِكْذَابُ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ شَهَادَةً، فَبِأَنْ يَقُولَ: الْقَذْفُ حَرَامٌ بَاطِلٌ، وَلَنْ أَعُودَ إِلَى مَا قُلْتُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا فَلَا يؤمن بِالْكَذِبِ، وَهُوَ قَوْلُ السَّامَرِّيِّ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَقُولُ: نَدِمْتُ عَلَى مَا كَانَ مِنِّي، وَلَا أَعُودُ إِلَى مَا أُتَّهَمُ فِيهِ، وَلَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِ مَا كَانَ مِنِّي؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ أَلَّا يَشْهَدَ. [الْحُرِّيَّةُ لَا تُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ] فصل. (وَلَا تُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ الْحُرِّيَّةُ) نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَمَةِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ أَنَسٌ يُجِيزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ، لَيْسَ شَيْءٌ يَدْفَعُهُ، وَلِأَنَّهُ ـ تَعَالَى ـ أَمَرَ بِإِشْهَادِ ذَوِي عَدْلٍ مِنَّا، وَمَنْ فَقَدَ الْحُرِّيَّةَ فَهُوَ عَدْلٌ، بِدَلِيلِ قَبُولِ رِوَايَتِهِ وَفُتْيَاهُ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ عَدْلٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَالْحُرِّ (بَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ) ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: أَبُو ثَوْرٍ، وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ، وَهُوَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَرَوَاهُ ـ أَيْضًا ـ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ لِعُمُومِ الْآيَاتِ، وَلِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي الرَّضَاعِ، وَلِقَوْلِهِ: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ» . وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا وَصُلَحَائِهَا مَوَالِيَ، وَلَمْ يَحْدُثْ فِيهِمْ بِالْإِعْتَاقِ إِلَّا الْحُرِّيَّةُ، وَهِيَ لَا تَحْدُثُ عِلْمًا وَلَا دِينًا (إِلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيهِمَا؛ لِمَا فِي شَهَادَتِهِ مِنَ الْخِلَافِ، إِذْ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ ـ وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ـ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا الْحُرِّيَّةُ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. وَالثَّانِيَةُ: تُقْبَلُ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَنْ أَحْمَدَ مَنْعٌ فِي الْحُدُودِ، وَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعُمُومِ. وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: أَنَّهَا تُعْتَبَرُ فِي حَدٍّ لَا قِصَاصٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ وَصَاحِبِ الرَّوْضَةِ. وَفِي الْكَافِي: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي الْحَدِّ، وَفِي الْقَوَدِ احْتِمَالَانِ. فَرْعٌ: مَتَى تَعَيَّنَتْ حُرِمَ مَنْعُهُ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: مَنْ أَجَازَ بِشَهَادَتِهِ لَمْ يُجِزْ لِسَيِّدِهِ مَنْعَهُ مِنْ قِيَامِهَا، فَلَوْ عَتَقَ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ فَشَهِدَ حَرُمَ رَدُّهُ. قَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ: فَلَوْ رَدَّهُ مَعَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ فُسِّقَ، وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدِيرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ كَالْقِنِّ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَمَةِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ) الْأَحْرَارِ؛ لِدُخُولِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] ، مَعَ حَدِيثِ عُقْبَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 النِّسَاءِ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ عَلَى مَا يَرَاهُ، وَعَلَى الْمَسْمُوعَاتِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ صَمَمِهِ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِي الْمَسْمُوعَاتِ إِذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَبِالِاسْتِفَاضَةِ، وَتَجُوزُ فِي الْمَرْئِيَّاتِ الَّتِي تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى، إِذَا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا بِعَيْنِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَيْضًا، وَيَصِفُهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ غَالِبًا، وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ عَلَى مَا يَرَاهُ) لِأَنَّهُ فِيمَا رَآهُ كَغَيْرِهِ (وَعَلَى الْمَسْمُوعَاتِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ صَمَمِهِ) لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَمَنْ لَيْسَ بِهِ صَمَمٌ (وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِي الْمَسْمُوعَاتِ إِذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ) أَيِ: صوت الْمَشْهُود عَلَيْهِ. وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ: الْقَبُولُ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ لِلْأَعْمَى وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ كَالْبَصِيرِ، وَلِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا أَجَازَا شَهَادَةَ الْأَعْمَى، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ لَهُ بِذَلِكَ، كَاسْتِمْتَاعِهِ بِزَوْجَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا طَرِيقُهُ الرُّؤْيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا رُؤْيَةَ لَهُ، (وَبِالِاسْتِفَاضَةِ) لِأَنَّهُ يُعْتَمَدُ الْقَوْلُ، وَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَزَادَ: وَالتَّرْجَمَةُ، وَإِذَا أَقَرَّ عِنْدَ أُذُنِهِ وَيَدُ الْأَعْمَى عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ ضَبَطَهُ حَتَّى حَضَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُجِزْهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْأَفْعَالِ لَا تَجُوزُ عَلَى الْأَقْوَالِ كَالصَّبِيِّ، وَلِأَنَّ الْأَصْوَاتَ تُشْتَبَهُ (وَتَجُوزُ فِي الْمَرْئِيَّاتِ الَّتِي تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى، إِذَا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ) لِأَنَّ الْعَمَى فَقْدُ حَاسَّةٍ لَا يَخِلُّ بِالتَّكْلِيفِ، فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَالصَّمَمِ، وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ، سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فِيمَا قَدْ عَرَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَى، فَقَالَ: جَائِزٌ فِي كُلِّ مَا ظَنَّهُ نَحْوَ النَّسَبِ، وَلَا تَجُوزُ فِي الْحُدُودِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّ أَصْحَابَهُ جَوَّزُوا ذَلِكَ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا بِعَيْنِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ (تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَيْضًا، وَيَصِفُهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَكَذَا إِنْ تَعَذَّرَ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ الْمَشْهُودِ لَهَا أَوْ عَلَيْهَا أَوْ بِهَا، لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ (وَيُحْتَمَلُ) هَذَا وَجْهٌ (أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ غَالِبًا) وَعَلَّلَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا، وَفِي الْمُحَرَّرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 ثُمَّ عَمِيَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَشَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزَةٌ فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى الرَّضَاعِ، وَالْقَاسِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَالْحَاكِمِ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْفُرُوعِ الْوَجْهَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. وَهُمَا أَيْضًا فِيمَا إِذَا عَرَفَهُ بِصَوْتِهِ (وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ عَمِيَ) أَوْ خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ (قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُكْمُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ طَرَأَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا يُورِثُ تُهْمَةً فِي حَالِ الشَّهَادَةِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الْحُكْمَ بِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَ ثُمَّ مَاتَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْبَلُ كَمَا لَوْ طَرَأَ الْفِسْقُ. وَفَرَّقَ فِي الشَّرْحِ: بِأَنَّ الْفِسْقَ يُورِثُ تُهْمَةً فِي حَالِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، لَكِنْ لَوْ حَدَثَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ مَا لَا يَجُوزُ مَعَهُ شَهَادَةٌ، لَمْ يَحْكُمْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَبْطِنُ الْفِسْقَ وَيُظْهِرُ الْعَدَاوَةَ، فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا حِينَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، فَلَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ بِهَا مَعَ الشَّكِّ، إِلَّا عَدَاوَةً ابْتَدَاهَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، بِأَنْ قَذَفَ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ، لِأَنَّهَا لَوْ أَبْطَلْنَاهَا بِهَذَا لَتَمَكَّنَ كُلُّ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِقَذْفِهِ، وَكَذَا الْمُنَازَعَةُ وَالْمُقَاوَلَةُ وَقْتَ غَضَبِهِ وَمُحَاكَمَتِهِ بِدُونِ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ سَابِقَةٍ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى حَدِّ الْعَدَاوَةِ أَوِ الْفِسْقِ. فَإِنْ حَدَّثَ بَعْضَ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَدًّا لِلَّهِ لَمْ يَسْتَوْفِ؛ لِأَنَّ هَذَا شُبْهَةٌ وَهُوَ يَدْرَأُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مَالًا اسْتُوفِيَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ، وَإِنْ كَانَ قَوْدًا أَوْ حَدَّ قَذْفٍ فَوَجْهَانِ (وَشَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزَةٌ فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَأَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الزِّنَى، فَتُقْبَلُ فِيهِ كَغَيْرِهِ، وَلَدُ الزِّنَى لَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا قَبِيحًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظِيرٌ، لِأَنَّ الزَّانِيَ لَوْ تَابَ لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَهُوَ الَّذِي فَعَلَ الْفِعْلَ الْقَبِيحَ فَإِذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَعَ مَا ذُكِرَ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: وَدَّتِ الزَّانِيَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ يَزْنِينَ، لَا أَعْلَمُهُ ثَابِتًا عَنْهُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ عُثْمَانُ كَلَامًا بِالظَّنِّ عَنْ ضَمِيرِ امْرَأَةٍ لَمْ يَسْمَعْهَا تَذْكُرُهُ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى الرَّضَاعِ، وَالْقَاسِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ، وَالْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ، وَعَنْهُ فِي شَهَادَةِ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ: أَخْشَى أَنْ لَا تُقْبَلَ، فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. بَابُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ. وَيَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَالِدٍ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْحَاكِمِ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ فِي الرَّضَاعِ وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ، إِذَا كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَسَبَقَهُ إِلَيْهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُغْنِي (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ، وَالْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ (وَعَنْهُ: فِي شَهَادَةِ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ: أَخْشَى أَنْ لَا تُقْبَلَ، فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: لَا تُقْبَلُ، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ. لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ.» وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْجَفَاءِ فِي الدِّينِ. وَالثَّانِي: تُقْبَلُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ الْمُنَجَّا؛ لِأَنَّ مَنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الْبَدْوِ قُبِلَتْ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، دَلِيلُهُ شَهَادَةُ الْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْبَدَوِيِّ لَا تُقْبَلُ لِلْجَهْلِ بِعَدَالَتِهِ الْبَاطِنَةِ، وَخَصَّهُ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ مَنْ يَسْأَلُهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ. [بَابُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ] [قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ] بَابُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ. الْمَوَانِعُ: جَمْعُ مَانِعٍ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ مَنَعَ الشَّيْءَ: إِذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ، فَهَذِهِ الْمَوَانِعُ تَحُولُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَمَقْصُودِهَا، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا قَبُولُهَا وَالْحُكْمُ بِهَا (وَيَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) يَأْتِي عَدُّهَا (أَحَدُهَا: قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ) وَهِيَ بِمَعْنَى لَا تُقْبَلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا وَلَدٍ لِوَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ. وَعَنْهُ: تُقْبَلُ فِيمَا لَا يَجُرُّ بِهِ نَفْعًا غَالِبًا، نَحْوَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِعَقْدِ نِكَاحٍ، أَوْ قَذْفٍ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، ولا تقبل شهادة الوالد لولده، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] لِعَمُودَيْ نَسَبِهِ (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ) مِنْ قَبِيلِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ (وَلَا وَلَدٍ لِوَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ، وَآبَاؤُهُمَا وَأُمَّهَاتُهُمَا، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ: أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا ظَنِينٍ فِي قَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءٍ» ، وَفِي إِسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ، وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَالظَّنِينُ: الْمُتَّهَمُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمِيلُ إِلَيْهِ بِطَبْعِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا» . وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ دِينُهُمَا أَوِ اخْتَلَفَ. لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُؤَلِّفُ وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: لَا مِنْ زِنًى وَرَضَاعٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ وُجُوبِ الاتفاق وَالصِّلَةِ، وَعِتْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَالتَّبَسُّطِ فِي الْمَالِ (وَعَنْهُ: تُقْبَلُ فِيمَا لَا يَجُرُّ بِهِ نَفْعًا غَالِبًا، نَحْوَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ قَذْفٍ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَنْتَفِعُ بِمَا يَحْصُلُ لِلْآخَرِ، فَتَنْتَفِيَ التُّهْمَةُ عَنْهُ فِي شَهَادَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَشَهَادَتِهِ لَهُ بِمَالٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَنِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ (وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ) لِدُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ) لِأَنَّ مَالَ ابْنِهِ كَمَالِهِ لِلْخَبَرِ، فَكَانَتْ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: تُقْبَلُ مُطْلَقًا، ذَكَرَهَا فِي الْمُبْهِجِ وَالْوَاضِحِ؛ لِأَنَّهُمَا عَدْلَانِ فَيَدْخُلَانِ فِيهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ، وَقَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَغَيْرُهُمْ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 بَعْضٍ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا تُقَبَلُ شَهَادَةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ، وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَا عَلَى أَبِيهِمَا بِقَذْفِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا وَهِيَ تَحْتَهُ أَوْ طَلَاقِهَا، فَاحْتِمَالَانِ فِي الْمُنْتَخَبِ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] ، وَلِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ لَا تُهْمَةَ فِيهَا، فَشَهَادَتُهُ عَلَيْهِ أَبْلَغُ فِي الصِّدْقِ كَشَهَادَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ عَلَيْهِ كَغَيْرِ الْعَدْلِ. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: لَا أَرَى شَهَادَةَ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ فِي حَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ؛ لِاتِّهَامِهِ فِي الْمِيرَاثِ، وَمُكَاتَبِ وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ لَهُمَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَ لِوَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ، أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِأَلْفٍ، أَوْ بِحَقٍّ آخَرَ مُشْتَرَكٍ، بَطَلَتْ فِي الْكُلِّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ فَقَطْ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ، وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهَا ابْنُ هُبَيْرَةَ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِشَهَادَتِهِ لِيَنْبَسِطَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَالِ الْآخَرِ، وَاتِّسَاعِهِ بِسَعَتِهِ، وَإِضَافَةِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى الْآخَرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] ، وَ {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] ، وَلِأَنَّ يَسَارَ الرَّجُلِ يَزِيدُ فِي نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ، وَيَسَارَهَا يَزِيدُ فِي قِيمَةِ بُضْعِهَا الْمَمْلُوكِ لِزَوْجِهَا، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ مِنْ غَيْرِ حَجْبٍ، فَأَوْجَبَ التُّهْمَةَ فِي شَهَادَتِهِ. وَظَاهِرٌ: وَلَوْ بَعْدَ الْفِرَاقِ، وَالْأُخْرَى: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عُقِدَ عَلَى مَنْفَعَةٍ، فَلَا يَتَضَمَّنُ رَدَّ الشَّهَادَةِ كَالْإِجَارَةِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّ شَهَادَةَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَقْبُولَةٌ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ: فِي قَبُولِهَا رِوَايَتَانِ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ فَشَهَادَتُهُ لَهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِعَبْدِهِ بِنِكَاحٍ، وَلَا لِأَمَتِهِ بِطَلَاقٍ (وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ يَنْبَسِطُ فِي مَالِهِ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ، فَهُوَ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، زَادَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 لِأَخِيهِ، وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ وَالصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ، الْمَوْلَى لِعَتِيقِهِ. فصل. الثَّانِي: أَنْ يَجُرَّ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا بِشَهَادَتِهِ كَشَهَادَةِ السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ، وَالْوَارِثِ   [المبدع في شرح المقنع] فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: بِمَالٍ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا. قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ أَجَازَ ابْنُ الزُّبَيْرِ شَهَادَةَ الْأَخِ لِأَخِيهِ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومَاتِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى عَمُودَيِ النَّسَبِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّفَاوُتِ (وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ) أَيْ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ كَالْأَخِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْهُ، (وَالصَّدِيقِ) الْمُلَاطِفِ (لِصَدِيقِهِ) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِصَدَاقَةٍ وَكِيدَةٍ، وَعَاشِقٍ لِمَعْشُوقِة؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ يَطِيشُ (الْمَوْلَى لِعَتِيقِهِ) كَالْأَخِ لِأَخِيهِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، وعليه: وَلِغَيْرِ سَيِّدِهِ، لَكِنْ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ، وَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْمُعْتِقَ غَصَبَهُمَا مِنْهُ، فَشَهِدَ الْعَتِيقَانِ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِعَوْدِهِمَا إِلَى الرِّقِّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا أَنَّ مُعْتِقَهُمَا غَيْرُ بَالِغٍ حَالَ الْعِتْقِ، أَوْ جَرَحَا الشَّاهِدَيْنِ بِحُرِّيَّتِهِمَا، وَلَوْ عِتْقًا بِتَدْبِيرٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَشَهِدَا بَدَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِي الرِّقِّ، لَمْ يُقْبَلْ لِإِقْرَارِهِمَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِرِقِّهِمَا لِغَيْرِ سَيِّدٍ. فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ الشَّاهِدُ مَعَ شَهَادَتِهِ لَمْ تُرَدَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَمَعَ النَّهْيِ عَنْهُ يُتَوَجَّهُ عَلَى كَلَامِهِ، فِي التَّرْغِيبِ: تُرَدُّ. [أَنْ يَجُرَّ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا بِشَهَادَتِهِ] فصل. (الثَّانِي: أَنْ يَجُرَّ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا بِشَهَادَتِهِ) لِأَنَّ فَاعِلَهُ مُتَّهَمٌ فِي الشَّهَادَةِ، وَالتُّهْمَةُ يُمْنَعُ مِنْ قَبُولِهَا (كَشَهَادَةِ السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ) بِمَالٍ (وَالْوَارِثِ لِمَوْرُوثِهِ بِالْجُرْحِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَسْرِي، فَتَجِبُ الدِّيَةُ لَهُ ابْتِدَاءً، وَيُقْبَلُ لَهُ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِهِ فِي الْأَشْهَرِ، فَلَوْ حَكَمَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَتَغَيَّرِ الْحُكْمُ بَعْدَ مَوْتِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ شَهِدَ غَيْرُ وَارِثٍ فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَارِثًا، سَمِعْتُ دُونَ عَكْسِهِ، وَالْمَانِعُ مَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ نَفْعٌ حَالَ الشَّهَادَةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 لِمَوْرُوثِهِ بِالْجُرْحِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، وَالْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ، وَالْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ بِمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ، وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ، وَالْغُرَمَاءِ لِلْمُفْلِسِ بِالْمَالِ، وَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ بِعَفْوِ الْآخَرِ عَنْ شُفْعَتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَلِهَذَا جَازَ شَهَادَةُ الْوَارِثِ لِمَوْرُوثِهِ، مَعَ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَهُ، وَشَهَادَتُهُ لِامْرَأَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَشَهَادَتُهُ لِغَرِيمٍ لَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُوَفِّيَهُ مِنْهُ، أَوْ يُفْلِسَ فَيَتَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهِ، وَمُنِعَتِ الشَّهَادَةُ لِمَوْرُوثِهِ بِالْجُرْحِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْضَى إِلَى الْمَوْتِ بِهِ، فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِلْوَارِثِ الشَّاهِدِ ابْتِدَاءً فَيَكُونُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ، مُوجِبًا لَهُ بِهِ حَقًّا ابْتِدَاءً، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّاهِدِ لِمَوْرُوثِهِ الْمَرِيضِ بِحَقٍّ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ، فَلَمْ يُمْنَعِ الشَّهَادَةُ لَهُ كَالشَّهَادَةِ لِلْغَرِيمِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَجَزْتُمْ شَهَادَةَ الْغَرِيمِ لِغَرِيمِهِ بِالْجُرْحِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، كَمَا أَجَزْتُمْ شَهَادَتَهُ لَهُ بِمَالٍ. قُلْنَا: إِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ لِلشَّاهِدِ ابْتِدَاءً، إِنَّمَا تَجِبُ لِلْقَتِيلِ وَالْوَرَثَةِ ثُمَّ يَسْتَوْفِي الْغَرِيمُ مِنْهَا، فَأَشْبَهَتِ الشَّهَادَةَ لَهُ بِمَالٍ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ (وَالْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ فِيهِ حَقُّ التَّصَرُّفِ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ فِيهَا، وَأَجَازَ شُرَيْحٌ وَأَبُو ثَوْرٍ شَهَادَتَهُ لِلْمُوصَى عَلَيْهِمْ إِذَا كَانَ الْخَصْمُ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُمْ، فَقُبِلَتْ كَمَا بَعْدَ زَوَالِ الْوَصِيَّةِ، (وَالْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ بِمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ) وَعَبَّرَ السَّامَرِّيُّ عَنْهُ بِالْقَانِعِ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالْوَكِيلِ، وَتُرَدُّ مِنْ وَصِيٍّ وَوَكِيلٍ وَلَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ. وَقِيلَ: وَكَانَ خَاصَمَ فِيهِ، وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: أَنَّهَا تقبل بَعْدَ عَزْلِهِ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِنْ خَاصَمَ فِي خُصُومَةٍ مَرَّةً، ثُمَّ نَزَعَ، ثُمَّ شَهِدَ لَمْ تُقْبَلْ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ، وَيَتِيمٌ فِي حِجْرِهِ، (وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ) بِمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِاتِّهَامِهِ، وَكَذَا الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ (وَالْغُرَمَاءِ لِلْمُفْلِسِ) الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (بِمَالٍ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُفْلِسُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْحَجْرِ فَتُقْبَلُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: لَا تُقْبَلُ قَبْلَ الْحَجْرِ مَعَ إِعْسَارِهِ، (وَأَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ بِعَفْوِ الْآخَرِ عَنْ شُفْعَتِهِ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، فَإِنْ شَهِدَ بَعْدَ إِسْقَاطِ شُفْعَتِهِ قُبِلَتْ؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. مَسَائِلُ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَجِيرٍ لِمَنِ اسْتَأْجَرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ فِيهِ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ: أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ ـ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ ـ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 فصل. الثَّالِثٌ: أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا، كَشَهَادَةِ الْعَاقِلَةِ بِجُرْحِ شُهُودِ قَتْلِ الْخَطَأِ، وَالْغُرَمَاءِ بِجُرْحِ شُهُودِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُفْلِسِ، وَالسَّيِّدِ بِجُرْحِ مَنْ شَهِدَ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ بِدَيْنٍ، وَالْوَصِيِّ بِجُرْحِ الشَّاهِدِ عَلَى الْأَيْتَامِ، وَالشَّرِيكِ بِجُرْحِ الشَّاهِدِ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] كَيْفَ لَا يَجُوزُ؛ وَلَكِنَّ النَّاسَ تَكَلَّمُوا فِيهِ فَرَأَيْتُهُ يَغْلِبُ عَلَى قَلْبِهِ جَوَازُهُ، وَلَا حَاكِمٍ لِمَنْ فِي حِجْرِهِ، قَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَالرَّوْضَةِ، وَتُقْبَلُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ: وَلَا لِمَنْ لَهُ كَلَامٌ أَوِ اسْتِحْقَاقٌ فِي شَيْءٍ، وَإِنْ قَلَّ كَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي قَوْمٍ فِي دِيوَانٍ آجَرُوا شَيْئًا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ؛ لِأَنَّهُمْ وُكَلَاءُ أَوْ وُلَاةٌ. قَالَ: وَلَا شَهَادَةُ دِيوَانِ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ عَلَى الْخُصُومِ. [أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا] فصل. (الثَّالِثُ: أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا، كَشَهَادَةِ الْعَاقِلَةِ بِجُرْحِ شُهُودِ قَتْلِ الْخَطَأِ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الدِّيَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ فَقِيرًا أَوْ بَعِيدًا فَاحْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا: تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنَ الدِّيَةِ. وَالثَّانِي: لَا لِجَوَازِ أَنْ يُوسِرَ أَوْ يَمُوتَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَيَحْمِلَهَا، (وَالْغُرَمَاءِ بِجُرْحِ شُهُودِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُفْلِسِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْفِيرِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ (وَالسَّيِّدِ بِجُرْحِ مَنْ شَهِدَ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ بِدَيْنٍ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهَا لِمَا يَحْصُلُ بِهَا مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: «مَضَتِ السُّنَّةُ فِي الْإِسْلَامِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ، وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ. » يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» . وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ الضَّامِنِ بِإِبْرَاءِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ أَوْ قَضَائِهِ، غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا (وَالْوَصِيِّ بِجُرْحِ الشَّاهِدِ عَلَى الْأَيْتَامِ، وَالشَّرِيكِ بِجُرْحِ الشَّاهِدِ عَلَى شَرِيكِهِ) لِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 شَرِيكِهِ وَسَائِرِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِإِنْسَانٍ إِذَا شَهِدَ بِجُرْحِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ. فصل. الرَّابِعُ: الْعَدَاوَةُ كَشَهَادَةِ الْمَقْذُوفِ عَلَى قَاذِفِهِ، وَالْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ عَلَى قَاطَعِهِ، وَالزَّوْجِ بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَتِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] مُتَّهَمٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَسَائِرِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِإِنْسَانٍ إِذَا شَهِدَ بِجُرْحِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ) كَالْوَصِيِّ، وَالْوَكِيلِ، وَالشَّرِيكِ، وَغَرِيمِ الْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَنَحْوِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ الَّذِي يَتَضَمَّنُ إِزَالَةَ حُقُوقِهِمْ مِنَ الْمَشْهُودِ بِهِ. [الْعَدَاوَةُ] فصل. (الرَّابِعُ: الْعَدَاوَةُ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا زَانٍ وَلَا زَانِيَةٍ، وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْغِمْرُ: الْحِقْدُ، وَلِأَنَّ الْعَدَاوَةَ تُورِثُ تُهْمَةً شَدِيدَةً فَمَنَعَتِ الشَّهَادَةَ، كَالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَوْرُوثَةً أَوْ مُكْتَسَبَةً. وَفِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ: ظَاهِرَةٌ، بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسُرُّ بِمَسَاءَةِ الْآخَرِ وَيَغْتَمُّ بِفَرَحِهِ، وَيَطْلُبُ لَهُ الشَّرَّ، زَادَ ابْنُ حَمْدَانَ: أَوْ حَاسِدٍ. لَكِنْ فِي الْخَبَرِ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ: الْحَسَدُ وَالظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ، إِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَتْبَعْ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تَتَحَقَّقْ، وَإِذَا تَطَيَّرَتْ فَامْضِ» . وَعِبَارَةُ الْخِرَقِيِّ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ. فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ خَاصَمَ فِي حَقٍّ، كَالْوَكِيلِ وَالشَّرِيكِ فِيمَا هُوَ وَكِيلٌ أَوْ شَرِيكٌ فِيهِ (كَشَهَادَةِ الْمَقْذُوفِ عَلَى قَاذِفِهِ، وَالْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ عَلَى قَاطِعِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا. فَعَلَى هَذَا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إِنْ شَهِدُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَيْنَا أَوْ عَلَى الْقَافِلَةِ، بَلْ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ: هَلْ قَطَعُوهَا عَلَيْكُمْ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْحَثُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 فصل. الْخَامِسُ: أَنْ يَشْهَدَ الْفَاسِقُ بِشَهَادَةٍ فَتُرَدُّ، ثُمَّ يَتُوبُ ويُعِيدُهَا، فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ، وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ حَتَّى صَارَ عَدْلًا، قُبِلَتْ بغير خلاف نعلمه، وَلَوْ   [المبدع في شرح المقنع] عَمَّا يشَهد بِهِ المشهودُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ عَرَضُوا لَنَا وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى غَيْرِنَا، فَفِي الْفُصُولِ: تُقْبَلُ، قَالَ: وَعِنْدِي لَا. (وَالزَّوْجِ بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَتِهِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ تُهْمَةً بِخِلَافِ الصَّدَاقَةِ، فَإِنَّ فِي شَهَادَةِ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ بِالزُّورِ نَفْعَ غَيْرِهِ بِمَضَرَّةِ نَفْسِهِ، وَبَيْعِ آخِرَتِهِ بِدُنْيَا غَيْرِهِ، وَشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ يَقْصِدُ بِهَا نَفْعَ نَفْسِهِ مِنَ التَّشَفِّي بِعَدُوِّهِ فَافْتَرَقَا. وَأَمَّا الْمُحَاكَمَةُ فِي الْأَمْوَالِ فَلَيْسَتْ عَدَاوَةً تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ فِي غَيْرِ مَا حَاكَمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَقْبَلْ لَاتَّخَذَ النَّاسُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إِلَى إِبْطَالِ الشَّهَادَاتِ وَالْحُقُوقِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهَا تُقْبَلُ لِعَدُوِّهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. وَعَنْهُ: لَا، كَمَا لَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ. [أَنْ يَشْهَدَ الْفَاسِقُ بِشَهَادَةٍ فَتُرَدُّ، ثُمَّ يَتُوبُ وَيُعِيدُهَا] فصل. (الْخَامِسُ: أَنْ يَشْهَدَ الْفَاسِقُ بِشَهَادَةٍ فَتُرَدُّ، ثُمَّ يَتُوبُ وَيُعِيدُهَا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ) جَزَمَ بِهِ الْمُحَرَّرُ وَالْوَجِيزُ وَالسَّامَرِّيُّ، وَزَادَ وَجْهًا وَاحِدًا (لِلتُّهْمَةِ) فِي أَدَائِهَا لِكَوْنِهِ يُعَيَّرُ بِرَدِّهَا، فَرُبَّمَا قَصَدَ بِأَدَائِهَا أَنْ تُقْبَلَ لِإِزَالَةِ الْعَارِ الَّذِي لَحِقَهُ بِرَدِّهَا، وَلِأَنَّهَا رُدَّتْ بِاجْتِهَادٍ فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لِذَلِكَ الِاجْتِهَادِ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ، حَكَاهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَالنَّظَرُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، كَغَيْرِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَكَمَا لَوْ شَهِدَ وَهُوَ كَافِرٌ فَرُدَّتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ (وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ حَتَّى صَارَ عَدْلًا قُبِلَتْ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ أَجْلِ الْعَارِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي الرَّدِّ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا، وَهَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْكَافِرُ إِذَا شَهِدَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَرْوُونَ بَعْدَمَا كَبِرُوا، كَابْنِ جَعْفَرٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالشَّهَادَةُ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ هُنَا مُنْتَفِيَةٌ، وَكَذَا الْعَبْدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ، ثُمَّ أَعَادُوهَا بَعْدَ زَوَالِ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ وَالصِّبَا قُبِلَتْ، وَإِنْ شَهِدَ لِمُكَاتَبِهِ أَوْ لِمَوْرُوثِهِ بالِجرْح قَبْلَ بُرْئِهِ، فَرُدَّتْ، ثُمَّ أَعَادُوهَا بَعْدَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَبُرْءِ الْجريح، فَفِي رَدِّهَا وَجْهَانِ، وَإِنْ شَهِدَ الشفيع بِعَفْوِ شَرِيكِهِ   [المبدع في شرح المقنع] إِذَا شَهِدَ بَعْدَ الْعِتْقِ (وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ، ثُمَّ أَعَادُوهَا بَعْدَ زَوَالِ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ وَالصِّبَا) ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ وَهِيَ أَوْلَى، (قُبِلَتْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ؛ لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ لَا غَضَاضَةَ فِيهَا، فَلَا تَقَعُ تُهْمَةٌ فِي الْإِعَادَةِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلِأَنَّ الْبُلُوغَ وَالْحُرِّيَّةَ لَيْسَا مِنْ فِعْلِهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ بِخِلَافِ الْفِسْقِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا تُقْبَلُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى كَالْفَاسِقِ، وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ مُجْتَهِدٌ فِيهَا، فَإِذَا رُدَّتْ لَمْ تُقْبَلْ كَالْفَاسِقِ. وَكَذَا إِذَا رُدَّتْ لِجُنُونٍ أَوْ خَرَسٍ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِنْ شَهِدَ لِمُكَاتَبِهِ أَوْ لِمَوْرُوثِهِ بِالْجُرْحِ قَبْلَ بُرْئِهِ، فَرُدَّتْ، ثُمَّ أَعَادُوهَا بَعْدَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَبُرْءِ الْجَرِيحِ، فَفِي رَدِّهَا وَجْهَانِ) . أَحَدُهُمَا: تُقْبَلُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمَانِعِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، أَشْبَهَ زَوَالَ الصِّبَا، وَلِأَنَّ رَدَّهَا بِسَبَبٍ لَا عَارَ فِيهِ، فَلَا يُتَّهَمُ فِي قَصْدِ نَفْيِ الْعَارِ بِإِعَادَتِهَا، بِخِلَافِ الْفِسْقِ. وَالثَّانِي: لَا تُقْبَلُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَذَكَرَ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ الْأَوْلَى، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ رَدَّهَا بِاجْتِهَادِهِ فَلَا يَنْقُضُ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ، وَلِأَنَّهَا رُدَّتْ بِالتُّهْمَةِ كَالْمَرْدُودَةِ لِلْفِسْقِ، وَنَصَرَ الْمُؤَلِّفُ الْأَوَّلَ، فَإِنَّ الْأَصْلَ قَبُولُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ، وَأَمَّا نَقْضُ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ فَهُوَ جَائِزٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ، غَيْرُ جَائِزٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَاضِي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 فِي الشُّفْعَةِ عَنْهَا فَرُدَّتْ، ثُمَّ عَفَا الشَّاهِدُ عَنْ شُفْعَتِهِ، وَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَمْ يُقْبَلْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْبَلَ. بَابُ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَالْمَشْهُودُ بِهِ يَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا: الزِّنَى وَمَا يُوجِبُ حَدَّهُ، فَلَا يُقْبَلُ   [المبدع في شرح المقنع] بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي قَضِيَّةٍ بِقَضَايَا مُخْتَلِفَةٍ، وَقَبُولُ الشَّهَادَةِ هُنَا مِنَ النَّقْضِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَرْعٌ: الْخِلَافُ جَارٍ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ رُدَّتِ التُّهْمَةُ رَحِمٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ، ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ، ثُمَّ أَعَادَهَا، وَقِيلَ: إِنْ زَالَ الْمَانِعُ بِاخْتِيَارِ الشَّاهِدِ، كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ وَتَطْلِيقِ الزَّوْجَةِ رُدَّتْ، وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ شَهِدَ الشَّفِيعُ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ فِي الشُّفْعَةِ عَنْهَا، فَرُدَّتْ، ثُمَّ عَفَا الشَّاهِدُ عَنْ شُفْعَتِهِ، وَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ، لَمْ يُقْبَلْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ أَشْبَهَ الْفَاسِقَ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْبَلَ) هَذَا وَجْهٌ؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا رُدَّتْ لِكَوْنِهِ يَجُرُّ بِهَا إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِعَفْوِهِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مِنْ مَوَانِعِهَا الْحِرْصُ عَلَى أَدَائِهَا قَبْلَ اسْتِشْهَادِ مَنْ يَعْلَمُ بِهَا، قَبْلَ الدَّعْوَى أَوْ بَعْدَهَا، فَتُرَدُّ، وَهَلْ يَصِيرُ مَجْرُوحًا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَمِنْ مَوَانِعِهَا الْعَصَبِيَّةُ، فَلَا شَهَادَةَ لِمَنْ عُرِفَ بِهَا، وَبِالْإِفْرَاطِ فِي الْحَمِيَّةِ، كَتَعْصِيبِ قَبِيلَةٍ عَلَى قَبِيلَةٍ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ رُتْبَةَ الْعَدَاوَةِ. فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَ عِنْدَ حَاكِمٍ، فَقَالَ آخَرُ: أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدَ بِهِ، أَوْ بِذَلِكَ، أَوْ كَذَلِكَ، أَوْ بِمَا وَضَعْتُ بِهِ خَطِّي، فَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا. ثَالِثُهَا يَصِحُّ فِي: وَبِذَلِكَ وَكَذَلِكَ فَقَطْ، وَهُوَ أَشْهَرُ، وَفِي نُكَتِ الْمُحَرَّرِ: إِنَّ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ فِي الْجَمِيعِ أَوْلَى. [بَابُ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ] [الزِّنَى وَمَا يُوجِبُ حَدَّهُ] بَابُ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ. وَعَدَدُ شُهُودِهِ (وَالْمَشْهُودُ بِهِ يَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ) يَأْتِي بَيَانُهَا (أَحَدُهَا: الزِّنَى وَمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 فِيهِ إِلَّا أَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَحْرَارٍ، وَهَلْ يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَى بِشَاهِدَيْنِ أَوْ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِأَرْبَعَةٍ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. الثَّانِي: الْقِصَاصُ سَائِرُ الْحُدُودِ، فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا رَجُلَانِ   [المبدع في شرح المقنع] يُوجِبُ حَدَّهُ) كَاللِّوَاطِ (فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا أَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَحْرَارٍ) عُدُولٍ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَى (وَهَلْ يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَى بِشَاهِدَيْنِ أَوْ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِأَرْبَعَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إِحْدَاهُمَا: لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِأَرْبَعَةٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِحَدِّ الزِّنَى، فَأَشْبَهَ الْفِعْلَ، وَالْمُرَادُ الْإِقْرَارُ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ أَرْبَعُ. الثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ عَدْلَانِ كَسَائِرِ الْأَقَارِبِ، فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ أَعْجَمِيًّا، فَفِي التَّرْجَمَةِ وَجْهَانِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ تُرْجُمَانَانِ. وَمَنْ عَزَّرَ بِوَطْءِ فَرْجٍ، ثَبَتَ بِرَجُلَيْنِ، قَدَّمَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: أَرْبَعَةٌ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: مَعَ الْبَيِّنَةِ وَاثْنَيْنِ مَعَ الْإِقْرَارِ، وَتَثْبُتُ الْمُبَاشَرَةُ دُونَ الْفَرْجِ وَمَا أَوْجَبَ تَعْزِيرًا بِعَدْلَيْنِ، أَشْبَهَ ظُلْمَ النَّاسِ. [الْقِصَاصُ وَسَائِرُ الْحُدُودِ] (الثَّانِي: الْقِصَاصُ سَائِرُ الْحُدُودِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا رَجُلَانِ حُرَّانِ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ إِلَّا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعَنْ عَطَاءٍ وَحَمَّادٍ: يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْقِصَاصِ فَيُقْبَلُ فِيهِ اثْنَانِ، كَقَطْعِ الطَّرَفِ بِخِلَافِ الزِّنَى، وَهَذَا مِمَّا يَحْتَاطُ لِدَرْئِهِ وَيَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى إِثْبَاتِهِ. لَا يُقَالُ: الْقَتْلُ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَى، وَاشْتُرِطَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ كَانَ الْقَتْلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِيهِ حَقُّ آدَمِيٍّ. وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعَةِ إِسْقَاطٌ لَهُ، بِخِلَافِ الزِّنَى، وَفِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ شُبْهَةٌ، «رَوَى الزُّهْرِيُّ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ. » وَعَنْهُ: جَوَازُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ بَيْنَهِنَّ فِي الْحَمَّامَاتِ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ خِلَافٌ سَبَقَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ عَمْدٍ ثَبَتَ إِقْرَارُهُ بِمَرَّةٍ، وَعَنْهُ: أَرْبَعَ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: يَرُدُّهُ وَيَسْأَلُ عَنْهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 حُرَّانِ. الثَّالِثُ: مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، غَيْرَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالْوَكَالَةِ فِي غَيْرِ الْمَالِ، وَالْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا رَجُلَانِ، وَعَنْهُ: فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالْعِتْقِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَعَنْهُ يقبل فِي الْعِتْقِ: شَاهِدٌ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي، وَقَالَ الْقَاضِي: النِّكَاحُ وَحُقُوقُهُ مِنَ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالرَّجْعَةِ، لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَالْوَكَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْكِتَابَةُ وَنَحْوُهَا تَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ،   [المبدع في شرح المقنع] لَعَلَّ بِهِ جُنُونًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. [مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ] (الثَّالِثُ: مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، غَيْرَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ كَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالْوَكَالَةِ فِي غَيْرِ الْمَالِ، وَالْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) ؛ كَالظِّهَارِ وَالِاسْتِيلَاء وَالنِّكَاحِ (وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا رَجُلَانِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَذَكَرَ السَّامَرِّيُّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ، قَالَهُ فِي الرَّجْعَةِ، وَالْبَاقِي قِيَاسًا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، أَشْبَهَ الْعُقُوبَاتِ، وَلِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إِلَى عَدَمِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ (وَعَنْهُ: فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالْعِتْقِ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، أَشْبَهَ الْمَالَ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ إِلْحَاقَ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهِ بِالْمَالِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي: لَا يَثْبُتَانِ إِلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً (وَعَنْهُ: يُقْبَلُ فِي الْعِتْقِ شَاهِدٌ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي) اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ مُسْتَنَدَهَا عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إِلَى الْعِتْقِ، وَفِي قَبُولِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُعْتِقِ تَوْسِعَةٌ فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ (وَقَالَ الْقَاضِي: النِّكَاحُ وَحُقُوقُهُ مِنَ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالرَّجْعَةِ، لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا (وَالْوَكَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْكِتَابَةُ وَنَحْوُهَا يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) مَا خَلَا الْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةَ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ أَنَّهُ وَصِيٌّ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ، فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْوَصِيَّةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 قَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يُوَكِّلُ آخر وَيُشْهِدُ عَلَى نَفْسِهِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ: إِنْ كَانَتْ فِي الْمُطَالَبَةِ بِدَيْنٍ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا. الرَّابِعُ: الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ وَجِنَايَةِ الْخَطَأِ، يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَشَاهِدٌ وَيَمِينُ   [المبدع في شرح المقنع] وَنَصَّ فِي الْإِعْسَارِ: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِثَلَاثَةٍ؛ لِحَدِيثِ قَبِيصَةَ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ فِي حِلِّ الْمَسْأَلَةِ لَا فِي الْإِعْسَارِ. وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ وَأَبُو الْحَارِثِ وَيَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ فِي الْأَسِيرِ يَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ الْأَسْرِ لِيَدْرَأَ عَنْهُ الرِّقَّ: إِنْ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْأَسْرَى، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَكَذَا إِنْ شَهِدَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. فَنَصَّ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهَا فِي الْإِسْلَامِ. قَالَ الْقَاضِي: فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ الشَّهَادَةُ، يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ يَمِينٍ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: هَلْ يُقْبَلُ الرَّجُلَانِ وَالْمَرْأَتَانِ أَوِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي دَعْوَى قَتْلِ الْكَافِرِ لِاسْتِحْقَاقِ سَلَبِهِ؟ وَدَعْوَى الْأَسِيرِ إِسْلَامًا سَابِقًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَرْعٌ: يُقْبَلُ طَبِيبٌ وَبَيْطَارٌ وَاحِدٌ فِي مَعْرِفَةِ دَاءٍ وَمُوضِحَةٍ، إِنْ تَعَذَّرَ آخَرُ. نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَعْسُرُ عَلَيْهِ إِشْهَادُ اثْنَيْنِ فَكَفَى الْوَاحِدُ كَالرَّضَاعِ. وَإِنْ أَمْكَنَ إِشْهَادُ اثْنَيْنِ لَمْ يَكْتَفِ بِدُونِهِمَا ; لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ قَبُولَ الْوَاحِدِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا قُدِّمَ قَوْلُ الْمُثْبِتِ. (قَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يُوَكِّلُ آخَرَ وَيُشْهِدُ عَلَى نَفْسِهِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ: إِنْ كَانَتْ فِي الْمُطَالَبَةِ بِدَيْنٍ) صَحَّ ; لِأَنَّ الْوَكَالَةَ فِي اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ يُقْصَدُ مِنْهَا الْمَالُ كَالْحَوَالَةِ. (فَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا) لِمَا سَبَقَ. [الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ] (الرَّابِعُ: الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ كَالْبَيْعِ) وَالْأَجَلُ وَالْخِيَارُ فِيهِ. (وَالْقَرْضُ وَالْوَصِيَّةُ لَهُ) أَيْ: لِمُعَيَّنٍ، وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إِنْ مَلَكَهُ. وَتَسْمِيَةُ مَهْرٍ، وَرِقٌّ مَجْهُولُ النَّسَبِ. (وَجِنَايَةُ الْخَطَأِ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَشَاهِدٌ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] ، نَصَّ عَلَى الْمُدَايَنَةِ، وَقِسْنَا عَلَيْهِ سَائِرَ مَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَالُ، أَشْبَهَتِ الشَّهَادَةَ بِنَفْسِ الْمَالِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] مَعَ الرِّجَالِ لِلنَّصِّ. وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَرَوْنَ ثُبُوتَ الْمَالِ لِمُدَّعِيهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ» ، زَادَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فِي الْأَمْوَالِ. وَلِأَحْمَدَ ـ فِي رِوَايَةٍ ـ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ؛ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ، وَلِذَلِكَ شُرِعَتْ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْيَدِ، وَفِي حَقِّ الْمُنْكِرِ. وَالْمُدَّعِي هُنَا ظَهَرَ صِدْقُهُ بِشَاهِدِهِ فَوَجَبَ أَنْ تُشْرَعَ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ. وَقِيلَ: تُقْبَلُ امْرَأَتَانِ وَيَمِينٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ قُبِلَ امْرَأَةٌ وَيَمِينٌ تَوَجَّهَ ; لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا أُقِيمَا مَقَامَ رَجُلٍ فِي التَّحَمُّلِ، وَلِخَبَرِ الدِّيَانَةِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي: شَاهِدِي صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ. وَقِيلَ: بَلَى، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. وَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْحَقُّ. وَإِنْ نَكَلَ حُكِمَ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهَلْ تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَشْهَرُهُمَا: لَا تُرَدُّ ; لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي جَنْبَتِهِ وَقَدْ أَسْقَطَهَا بِنُكُولِهِ عَنْهَا، وَصَارَتْ فِي جَنْبَةِ غَيْرِهِ فَلَمْ تَعُدْ إِلَيْهِ. كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَلَ عَنْهَا فَرُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي فَنَكَلَ عَنْهَا. وَالثَّانِيَ: تُرَدُّ ; لِأَنَّ سَبَبَهَا نُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِذَا حَلَفَ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمَاعَةِ أَخَذَ نَصِيبَهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ نَاكِلٌ. وَلَا يَحْلِفُ وَرَثَةُ نَاكِلٍ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ نُكُولِهِ. وَعَنْهُ: فِي الْوَصِيَّةِ يَكْفِي وَاحِدٌ. وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا نِسَاءٌ فَامْرَأَةٌ. وَسَأَلَهُ ابْنُ صَدَقَةَ: الرَّجُلُ يُوصِي وَيُعْتِقُ وَلَا يَحْضُرُهُ إِلَّا النِّسَاءُ، تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ؛ قَالَ: نَعَمْ، فِي الْحُقُوقِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 الْمُدَّعِي، وَهَلْ تُقْبَلُ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ ـ دُونَ الْقِصَاصِ ـ كَالْهَاشِمَةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. الْخَامِسُ: مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، كَعُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ وَالرَّضَاعِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْحَيْضِ   [المبدع في شرح المقنع] وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي الْحُقُوقِ، فَأَمَّا الْمَوَارِيثُ فَيُقْرَعُ. وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ إِلَّا رَجُلَانِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. (وَهَلْ تُقْبَلُ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ ـ دُونَ الْقِصَاصِ ـ كَالْهَاشِمَةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ، شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) نَقُولُ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ الَّتِي لَا تُوجِبُ قَوَدًا كَجَائِفَةٍ وَجِنَايَةِ أَبٍ وَقَتْلِ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ وَحُرٍّ بِعَبْدٍ: رِوَايَتَانِ. ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلُ وَامْرَأَتَانِ وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ إِلَّا الْمَالَ أَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا رَجُلَانِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ; لِأَنَّهَا جِنَايَةُ عَمْدٍ، أَشْبَهَتِ الْمُوضِحَةَ. فَعَلَى الْأُولَى: إِنْ كَانَ الْقَوَدُ فِي بَعْضِهَا كَمَأْمُومَةٍ وَهَاشِمَةٍ، هَلْ يَثْبُتُ الْمَالُ فَقَطْ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالْمَذْهَبُ ـ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ـ: أَنَّهُ يُقْبَلُ ; لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمَالُ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا رَمَى سَهْمًا عَلَى إِنْسَانٍ فَتَعَدَّى مِنْهُ إِلَى آخَرَ فَمَاتَا، ثَبَتَ الثَّانِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. وَكَذَا الْأَوَّلُ، إِنْ كَانَ مُوجِبَهُ الْقَوَدُ، وَالشَّاهِدُ لَوْثٌ حَلَفَ مَعَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَثْبُتُ الدِّيَةُ. وَقِيلَ: وَالْقَوَدُ أَيْضًا. [مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ] (الْخَامِسُ: مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، كَعُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ وَالرَّضَاعِ) وَعَنْهُ: وَتَحْلِفُ فِيهِ. (وَالِاسْتِهْلَالِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْحَيْضِ وَنَحْوِهِ، فَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 وَنَحْوِهِ، فَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنِ امْرَأَتَيْنِ، وَإِنْ شَهِدَ بِهِ الرَّجُلُ وكَانَ أَوْلَى بِثُبُوتِهِ. فصل: إِذَا شَهِدَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يَثْبُتْ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ وَإِنْ شَهِدُوا   [المبدع في شرح المقنع] بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّضَاعِ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيدٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ. وَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَالَةُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَفِي الْفُرُوعِ: يُقْبَلُ فِيهِ امْرَأَةٌ لَا ذِمِّيَّةٌ. نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ وَغَيْرُهُ. وَفِي الِانْتِصَارِ: فَيَجِبُ أَنْ لَا يُلْتَفَتَ إِلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَا مَجْلِسِ الْحُكْمِ كَالْخَبَرِ، وَلَا أَعْرِفُ عَنْ إِمَامِنَا مَا يَرُدُّهُ. (وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنِ امْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّ كُلَّ جِنْسٍ لَمْ يَثْبُتِ الْحَقُّ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِاثْنَيْنِ كَالرِّجَالِ. (وَإِنْ شَهِدَ بِهِ الرَّجُلُ) كَانَ كَالْمَرْأَةِ. (كَانَ أَوْلَى بِثُبُوتِهِ) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ مَا قُبِلَ فِيهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ قُبِلَ فِيهِ قَوْلُ الرَّجُلِ، كَالرِّوَايَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُهُ: أَنَّ الْجِرَاحَةَ وَغَيْرَهَا فِي الْحَمَّامِ وَالْعُرْسِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ، أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ ادَّعَتْ إِقْرَارَ زَوْجِهَا بِأُخُوَّةِ رَضَاعَةٍ فَأَنْكَرَ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَقُلْنَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْإِقْرَارِ، لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ نِسَاءٌ فَقَطْ. وَتَرْكُ الْقَابِلَةِ وَنَحْوِهَا الْأُجْرَةَ لِحَاجَةِ الْمَقْبُولَةِ أَفْضَلُ، وَإِلَّا دَفَعَتْهَا إِلَى مُحْتَاجٍ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. [فصل فِي شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ] فصل (إِذَا شَهِدَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ. (لَمْ يَثْبُتْ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ ; لِأَنَّ الْقَتْلَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَالْمَالُ بَدَلٌ مِنْهُ. فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْأَصْلُ لَمْ يَجِبْ بَدَلُهُ. وَإِنْ قُلْنَا مُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِالِاخْتِيَارِ. فَلَوْ أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ وَحْدَهَا أَوْجَبْنَا مُعَيَّنًا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ الْمَالُ إِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَوْ حُرًّا. (وَإِنْ شَهِدُوا بِالسَّرِقَةِ ثَبَتَ الْمَالُ) لِكَمَالِ بَيِّنَتِهِ (دُونَ الْقَطْعِ) كَذَا فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 بِالسَّرِقَةِ ثَبَتَ الْمَالُ. وَإِنِ ادَّعَى رَجُلٌ الْخُلْعَ، قُبِلَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَإِنِ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إِلَّا رَجُلَانِ، وَإِذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَوَلَدُهَا مِنْهُ، قُضِيَ لَهُ بِالْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ. وَهَلْ تَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ وَنَسَبُهُ مِنْ مُدَّعِيهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ ; لِأَنَّ السَّرِقَةَ تُوجِبُهُمَا أَيْ: الْمَالَ وَالْقَطْعَ، فَإِذَا قَصُرَتْ عَنْ أَحَدِهِمَا ثَبَتَ الْآخَرُ. وَاخْتَارَ فِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ: لَا يَثْبُتُ الْمَالُ كَالْقَطْعِ ; لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ ـ وَهُوَ أَحَدُ مُوجِبَيْهَا ـ فَإِذَا بَطَلَتْ فِي أَحَدِهِمَا بَطَلَتْ فِي الْآخَرِ. وَبَنَى فِي التَّرْغِيبِ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءَ بِالْغُرْمِ عَلَى نَاكِلٍ. (وَإِنِ ادَّعَى رَجُلٌ الْخُلْعَ، قُبِلَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمَالَ الَّذِي خَالَعَتْهُ بِهِ، فَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ فَتَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. (وَإِنِ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إِلَّا رَجُلَانِ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ بِذَلِكَ إِلَّا الْفَسْخَ، وَلَا يَثْبُتُ إِلَّا بِعَدْلَيْنِ. فَأَمَّا إِنِ اخْتَلَفَا فِي عِوَضِ الْخُلْعِ أَوِ الصَّدَاقِ ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ; لِأَنَّهُ مَالٌ. (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ. (لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ، وَوَلَدُهَا مِنْهُ قُضِيَ لَهُ بِالْجَارِيَةِ أَمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكَهَا، وَقَدْ أَقَامَ بَيِّنَةً كَافِيَةً فِيهِ، وَيَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ بِإِقْرَارِهِ ; لِأَنَّ إِقْرَارَهُ ثَبَتَ، وَالْمِلْكُ ثَبَتَ فِي مِلْكِهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ: أَنَّهُ حَصَلَ بِقَوْلِ الْبَيِّنَةِ، وَلَيْسَ هُوَ بِمُرَادٍ، بَلْ مُرَادُهُ الْحُكْمُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عِلَّةِ ذَلِكَ، وَعِلَّتُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُقِرٌّ بِأَنَّ وَطْأَهَا كَانَ فِي مِلْكِهِ. (وَهَلْ يَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ وَنَسَبُهُ مِنْ مُدَّعِيهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ. الْأَشْهَرُ ـ كَمَا نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ ـ: أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ وَلَا نَسَبُهُ ; لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا يَبْقَى الْوَلَدُ فِي يَدِ الْمُنْكِرِ مَمْلُوكًا لَهُ. وَالثَّانِيَةُ: يَثْبُتَانِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ الْوَلَدَ نَمَاءُ الْجَارِيَةِ وَقَدْ ثَبَتَتْ لَهُ، فَتَبِعَهَا الْوَلَدُ فِي الْحُكْمِ، ثُمَّ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَحُرِّيَّتُهُ بِإِقْرَارِهِ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ أَبِيهِ بِدَعْوَاهُ وَإِنْ بَقِيَ عَبْدًا لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ. فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. قَدَّمَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ الْقَاضِي، وَتُرَدُّ فِيمَا يُرَدُّ فِيهِ، وَلَا   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ ; لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ بِمِلْكٍ قَدِيمٍ فَلَمْ يَثْبُتْ، وَالْحُرِّيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَقِيلَ: تَثْبُتُ كَالَّتِي قَبْلَهَا. مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ الْحَلِفُ بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ. كَمَنْ رَأَى خَطَّ مَوْرُوثِهِ بِأَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ شَيْئًا، أَوْ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، حَلَفَ إِذَا وَثِقَ بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ. وَإِنْ رَأَى زَيْدٌ بِخَطِّهِ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَى عَمْرٍو أَوْ أَنَّهُ قَضَاهُ وَعَلِمَ صِحَّةَ ذَلِكَ، حَلَفَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ أَبَاهُ أَوْ غَصَبَهُ شَيْئًا، حَلَفَ عَلَيْهِ وَضَمِنَهُ إِيَّاهُ، وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ لِغَيْرِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْ لَهُ الشَّهَادَةُ قَدْ زَوَّرَ عَلَى خَطِّهِ، وَلَا يُحْتَمَلُ هَذَا فِيمَا يُحْلَفُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ إِنَّمَا هُوَ لِلْحَالِفِ فَلَا يُزَوِّرُ أَحَدٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ مَا يَكْتُبُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ حُقُوقِهِ يَكْثُرُ فَيَنْسَى بَعْضَهُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ. وَالْأَوْلَى التَّوَرُّعُ عَنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ] [مَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَمَا تُرَدُّ فِيهِ] بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يُسْأَلُ عَنِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. فَقَالَ: هِيَ جَائِزَةٌ. وَكَانَ قَوْمٌ يُسَمُّونَهَا التَّأْوِيلَ. وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِجْمَاعُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَجْمَعَتِ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى إِمْضَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ. وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا، فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تُقْبَلْ لَبَطَلَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوُقُوفِ، وَمَا يَتَأَخَّرُ إِثْبَاتُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَوْ مَاتَتْ شُهُودُهُ. وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى النَّاسِ وَمَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَوَجَبَ قَبُولُهَا كَشَهَادَةِ الْأَصْلِ. (تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ الْقَاضِي، وَتُرَدُّ فِيمَا يُرَدُّ فِيهِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِهِمَا فَرْعًا لِأَصْلٍ. وَذَكَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 تُقْبَلُ إِلَّا أَنْ تَتَعَذَّرَ شَهَادَةُ شُهُودِ الْأَصْلِ بِمَوْتٍ، أَوْ مَرَضٍ، غَيْبَةٍ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِمْ. وَلَا يَجُوزُ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَه إِلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ شَاهِدُ الْأَصْلِ، فَيَقُولُ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ، وَقَدْ عَرَفْتَهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، أَقَرَّ عِنْدِي، وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ طَوْعًا بكَذَا، أَوْ شَهِدْتُ عَلَيْهِ، أَوْ أَقَرَّ   [المبدع في شرح المقنع] ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ قَبُولَهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ، فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. (وَلَا تُقْبَلُ) أَيْ: لَا يُحْكَمُ بِهَا، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ. (إِلَّا أَنْ تَتَعَذَّرَ شَهَادَةُ شُهُودِ الْأَصْلِ بِمَوْتٍ) وَعَلَى الْأَصَحِّ (أَوْ مَرَضٍ) أَوْ خَوْفٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ (غَيْبَةٍ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ أَقْوَى ; لِأَنَّهَا تُثْبِتُ نَفْسَ الْحَقِّ، وَهَذِهِ لَا تُثْبِتُهُ ; لِأَنَّ سَمَاعَ الْقَاضِي مِنْهُمَا مُتَيَقَّنٌ، وَصِدْقُ شَاهِدَيِ الْفَرْعِ عَلَيْهِمَا مَظْنُونٌ، فَلَمْ يُقْبَلِ الْأَدْنَى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَقْوَى، وَكَسَائِرِ الْأَبْدَالِ، وَالْغَيْبَةُ هُنَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ. ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ مَا دُونُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي: أَنَّهَا مَا لَا يَتَّسِعُ الْعَوْدُ وَالذَّهَابُ فِي يَوْمٍ. وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو حَامِدِ الشَّافِعِيُّ لِلْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ مَا دُونَ الْيَوْمِ. (وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِمْ) هذا رِوَايَةٌ: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِشَهَادَةِ فَرْعٍ فِي حَيَاةِ أَصْلٍ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ حَيًّا رُجِيَ حُضُورُهُ، فَكَانَ كَالْحَاضِرِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَتْ شَهَادَةُ الْأَصْلِ فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ مَاتَ شَاهِدُ الْأَصْلِ. [لَا يَجُوزُ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ شَاهِدُ الْأَصْلِ] (وَلَا يَجُوزُ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يشهده إِلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ شَاهِدُ الْأَصْلِ) قَالَ أَحْمَدُ: لَا تَكُونُ شَهَادَةٌ إِلَّا أَنْ يُشْهِدَكَ ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا مَعْنَى النِّيَابَةِ، وَالنِّيَابَةُ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَا تَجُوزُ. وَعَنْهُ: تَجُوزُ مُطْلَقًا. ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهَا فِي التَّبْصِرَةِ. (فَيَقُولُ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ وَقَدْ عَرَفْتَهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ أَقَرَّ عِنْدِي وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ طَوْعًا بِكَذَا، أَوْ شَهِدْتُ عَلَيْهِ، أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي بِذَلِكَ) هَذَا وَجْهُ تَعْدَادِ الشَّهَادَةِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا اسْتَرْعَى غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ حَتَّى يَسْتَرْعِيَهُ بِعَيْنِهِ. وَرَجَّحَ فِي الْمُغْنِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لِحُصُولِ الِاسْتِرْعَاءِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 عِنْدِي. وَإِنْ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا. لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ يَشْهَدُ بِحَقٍّ يَعْزُوهُ إِلَى سَبَبٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ، فَهَلْ يَشْهَدُ بِهِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَتَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا. لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ) مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ وَلَا شَهَادَةٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ لَمْ يَسْتَرْعِهِ الشَّهَادَةَ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالشَّهَادَةِ الْعِلْمَ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ الِاحْتِمَالِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا اسْتَرْعَاهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْتَرْعِيهِ إِلَّا عَلَى وَاجِبٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ. جَازَ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ، فَكَذَا هَذَا. قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ تَحْتَمِلُ الْعِلْمَ وَلَا تَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ ; لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَوْسَعُ فِي لُزُومِهِ مِنَ الشَّهَادَةِ، بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ فِي الْمَجْهُولِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ الْعَدَدُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَيْهَا. فَلَوْ قَالَ: أَشْهَدَنِي فُلَانٌ بِكَذَا، أَوْ عِنْدِي شَهَادَةٌ عَلَيْهِ بِكَذَا، أَوْ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، أَوْ شَهِدْتُ، أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي بِهِ، فَوَجْهَانِ: أَقْوَاهُمَا: الْمَنْعُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. (إِلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ يَشْهَدُ بِحَقٍّ يَعْزُوهُ إِلَى سَبَبٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ، فَهَلْ يَشْهَدُ بِهِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ: إِحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ. نَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لِمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: إنَّهُ الْأَشْهَرُ ; لِأَنَّهُ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَنِسْبَتُهُ الْحَقَّ إِلَى سَبَبِهِ يَزُولُ الِاحْتِمَالُ، أَشْبَهُ مَا لَوِ اسْتَرْعَاهُ. وَيُؤَدِّيهَا الْفَرْعُ بِصِفَةِ تَحَمُّلِهِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِ: وَإِلَّا لَمْ يُحْكَمْ بِهَا. وَفِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ: أَنَّهُ يَكْفِي الْعَارِفَ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُعَيِّنَا شَاهِدَيِ الْأَصْلِ وَيُسَمِّيَاهُمَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا سَمِعَهُ خَارِجَ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ يَقُولُ: عِنْدِي شَهَادَةٌ لِزَيْدٍ أَوْ أَشْهَدُ بِكَذَا. لَمْ يَصِرْ فَرْعًا. فَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَعُزِلَ، فَهَلْ يَصِيرُ الْحَاكِمُ الْمَعْزُولُ فَرْعًا عَلَى الشَّاهِدِ؛ قَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. [تَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ] (وَتَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 يَشْهَدَانِ عَلَيْهِمَا، سَوَاءٌ شَهِدَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ مِنْ شُهُودِ الْفَرْعِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ: لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ، عَلَى كُلِّ شَاهِدِ أَصْلٍ شَاهِدَا فَرْعٍ. وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ. وَعَنْهُ: لَهُنَّ مَدْخَلٌ   [المبدع في شرح المقنع] بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَيْهِمَا) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى هَذَا. (سَوَاءٌ شَهِدَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ مِنْ شُهُودِ الْفَرْعِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ الْجَمَاعَةُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقِيلَ: هُوَ إِجْمَاعٌ، كَمَا لَوْ شَهِدَا بِنَفْسِ الْحَقِّ ; وَلِأَنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ بَدَلٌ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ، فَاكْتُفِيَ بِمِثْلِ عَدَدِهِمْ. (وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ: لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى كُلِّ شَاهِدِ أَصْلٍ شَاهِدَا فَرْعٍ) اخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ ; لِأَنَّ شَاهِدَيِ الْفَرْعِ يُثْبِتَانِ شَهَادَةَ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ، فَلَا تَثْبُتُ شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِوَاحِدٍ، كَمَا لَا يَثْبُتُ إِقْرَارُ مُقِرَّيْنِ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ يَشْهَدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى وَاحِدٍ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: تَخْرِيجٌ أَنَّهُ يَكْفِي شَهَادَةُ فَرْعَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْلَيْنِ. وَفِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: إنَّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ بَطَّةَ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ ; لِأَنَّهُ إِثْبَاتُ قَوْلِ اثْنَيْنِ فَجَازَ بِشَاهِدَيْنِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى إِقْرَارِ نَفْسَيْنِ. وَعَنْهُ: تَكْفِي شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى اثْنَيْنِ. الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. فَرْعٌ: يَتَحَمَّلُ فَرْعٌ عَلَى فَرْعٍ. وَلَا يَجُوزُ لِشَاهِدِ أَصْلٍ أَنْ يَكُونَ فَرْعًا عَلَى أَصْلٍ آخَرَ مَعَهُ. وَلَا أَنْ يُزَكِّيَ أَصْلٌ رَفِيقَهُ فِي الشَّهَادَةِ. [هَلْ هُنَاكَ مَدْخَلٌ لِلنِّسَاءِ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ] (وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ) نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَالٍ، وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ أَشْبَهَ الْقَوَدَ وَالنِّكَاحَ. وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ لَهُنَّ مَدْخَلًا فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ قَدَّمَهَا فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ ; لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِمَالٍ. وَصَحَّحَهَا فِي الْمُحَرَّرِ. (وَعَنْهُ: لَهُنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 فَيَشْهَدُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ سَهْوٌ مِنْ نَاقِلِهَا. وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيِ الْفَرْعِ، حَتَّى تَثْبُتَ عِنْدَهُ عَدَالَتُهُمَا. وَعَدَالَةُ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ. وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَلَمْ   [المبدع في شرح المقنع] مَدْخَلٌ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَهَادَتِهِنَّ إِثْبَاتُ الْحَقِّ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ شُهُودُ الْأَصْلِ، فَكَانَ لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ كَالْبَيْعِ. وَعَنْهُ: لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي الْأُصُولِ ; لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ضَعْفًا فَاعْتُبِرَ تَقْوِيَتُهَا بِالذُّكُورِيَّةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي الْأَصْلِ. وَفِي الْفُرُوعِ: رِوَايَتَانِ. (فَيَشْهَدُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِدُخُولِهِنَّ فِيهِ. (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ) لِأَنَّ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ ضَعْفًا، فَلَا يُضَمُّ ضَعْفٌ إِلَى ضَعْفٍ. (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ سَهْوٌ مِنْ نَاقِلِهَا) لِأَنَّهُ إِذَا قُبِلَ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ عَلَى مِثْلِهَا فَلَأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ نَاقِلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ فِيهَا: أَقْبَلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ. وَهَذَا مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ رَجُلًا وَاحِدًا لَوْ كَانَ أَصْلًا، فَشَهِدَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَمَعَهُ مِائَةُ امْرَأَةٍ لَمْ يُقْبَلْ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ إِذَا شَهِدَ بِهَا وَحْدَهُ وَهُوَ فَرْعٌ وَيُحْكَمُ بِهَا. قَالَ: وَلَوْ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ ذَلِكَ، حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ حَتَّى يَنْضَمَّ إِلَيْهِ غَيْرُهُ. فَيَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى شَاهِدٍ وَاحِدٍ كَمَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. [حُكْمُ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيِ الْفَرْعِ] (وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيِ الْفَرْعِ، حَتَّى تَثْبُتَ عِنْدَهُ عَدَالَتُهُمَا وَعَدَالَةُ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ يَنْبَنِي عَلَى شَهَادَتِهِمَا، فَإِنْ عَدَّلَ شُهُودُ الْفَرْعِ شُهُودَ الْأَصْلِ كَفَى بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالْحَقِّ مَقْبُولَةٌ، فَكَذَا فِي الْعَدَالَةِ. وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِعَدَالَتِهِمْ تَوَلَّى الْحَاكِمُ ذَلِكَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِنْ لَمْ يُعَدِّلْ شَاهِدُ الْفَرْعِ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا ; لِأَنَّ تَرْكَ تَعْدِيلِهِمَا يَرْتَابُ بِهِ الْحَاكِمُ وَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْرِفَا ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْرِفَا عَدَالَتَهُمَا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 يَحْكُمْ حَتَّى حَضَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ، وَقَّفَ الْحُكْمَ عَلَى سَمَاعِ شَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ حَدَثَ مِنْهُمْ مَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ. وَإِنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ لَزِمَهُمُ الضَّمَانُ. وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ لَمْ يَضْمَنُوا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَضْمَنُوا.   [المبدع في شرح المقنع] وَيَتْرُكَاهَا اكْتِفَاءً بِمَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ عَدَالَتِهِمَا. (وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَلَمْ يَحْكُمْ حَتَّى حَضَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ، وَقَّفَ الْحُكْمَ عَلَى سَمَاعِ شَهَادَتِهِمْ) لِأَنَّهُ قُدِرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ الْعَمَلِ بِالْبَدَلِ، كَالْمُتَيَمِّمِ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَفِسْقِ بَعْضِهِمْ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ حُضُورُهُمْ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَإِنْ حَدَثَ مِنْهُمْ مَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَنْبَنِي عَلَيْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَسَقَ شُهُودُ الْفَرْعِ أَوْ رَجَعُوا. (وَإِنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ لَزِمَهُمُ الضَّمَانُ) لِأَنَّ الْإِتْلَافَ كَانَ بِشَهَادَتِهِمْ، كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا بِأَيْدِيهِمْ. فَإِنْ قَالُوا: بَانَ لَنَا كَذِبُ الْأَصْلِ أَوْ غَلَطُهُمْ. لَمْ يَضْمَنُوا. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ. (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ) أَيْ: بَعْدَ الْحُكْمِ. (لَمْ يَضْمَنُوا) قَدَّمَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، كَالْمُتَسَبِّبِ مَعَ الْمُبَاشِرِ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُلْجِئُوا الْحَاكِمَ إِلَى الْحُكْمِ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَضْمَنُوا) هَذَا قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَنَصَرَهُ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إِلَيْهِمْ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُمْ، وَلِأَنَّهُمْ سَبَبٌ فِي الْحُكْمِ فَضَمِنُوا كَالْمُزَكِّينَ. فَإِنْ قَالَ شَاهِدَا الْأَصْلِ: كَذَبْنَا أَوْ غَلَطْنَا. ضَمِنُوا. وَقِيلَ: لَا. وَإِنْ قَالُوا بَعْدَ الْحُكْمِ: مَا أَشْهَدَنَا بِشَيْءٍ. لَمْ يَضْمَنِ الْفَرِيقَانِ شَيْئًا. 1 - فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَ شَاهِدَا فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ، وَتَعَذَّرَ الْآخَرُ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ جَمْعٌ: إِذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا لِتَأَكُّدِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا غَيَّرَ الْعَدْلُ شَهَادَتَهُ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ، فَزَادَ فِيهَا أَوْ نَقَصَ قَبْلَ الْحُكْمِ، أَوْ أَدَّى بَعْدَ إِنْكَارِهَا، قُبِلَتْ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. كَقَوْلِهِ: لَا أَعْرِفُ الشَّهَادَةَ. وَقِيلَ: لَا، كَبَعْدِ الْحُكْمِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 فصل: وَمَتَى رَجَعَ شُهُودُ الْمَالِ بَعْدَ الْحُكْمِ لَزِمَهُمُ الضَّمَانُ، وَلَمْ يُنْقَضِ الْحُكْمُ   [المبدع في شرح المقنع] وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ. وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ الْحُكْمِ ـ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ـ لَغَتْ وَلَا حُكْمَ وَلَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ بَلْ قَالَ لِلْحَاكِمِ: تَوَقَّفْ. فَتَوَقَّفَ، ثُمَّ أَعَادَهَا إليها وقُبِلَتْ، فِي الْأَصَحِّ. وَفِي وُجُوبِ إِعَادَتِهَا احْتِمَالَانِ. وَإِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ شَهَادَةً فَأَنْكَرَ، ثُمَّ شَهِدَ بِهَا وَقَالَ: كُنْتُ أُنْسِيتُهَا. قُبِلَتْ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إِلَّا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: لَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ إِلَّا بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ: شَاهِدٌ وَمَشْهُودٌ بِهِ وَمَشْهُودٌ لَهُ وَمَشْهُودٌ عَلَيْهِ وَمَشْهُودٌ فِيهِ، يَعْنِي مَجْلِسَ الْحُكْمِ. [فصل فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ] [رُجُوعُ شُهُودِ الْمَالِ] فصل. (وَمَتَى رَجَعَ شُهُودُ الْمَالِ بَعْدَ الْحُكْمِ لَزِمَهُمْ) أَيْ: الشُّهُودَ. (الضَّمَانُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُمَا قَدِ اعْتَرَفَا بِأَنَّهُمَا قَدْ أَخْرَجَا مَالَهُ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَزِمَهُمَا الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ شَهِدَا بِعِتْقِهِ. وَلِأَنَّهُمَا نُسِبَا إِلَى إِتْلَافِ حَقِّهِ بِشَهَادَتِهِمَا بِالزُّورِ عَلَيْهِ فَضَمِنَا كَشَاهِدَيِ الْقِصَاصِ. بَلْ وُجُوبُ الْمَالِ أَوْلَى ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُمْ مَشْهُودٌ لَهُ، فَأَمَّا الْمُزَكُّونَ فَلَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا. ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ. وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُرْجَعُ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ بِشَيْءٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (وَلَمْ يُنْقَضِ الْحُكْمُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْفُتْيَا مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُنْقَضُ وَإِنِ اسْتَوْفَى الْحَقَّ، كَمَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ. وَجَوَابُهُ: أَنْ حَقَّ الْمَشْهُودِ لَهُ وَجَبَ فَلَا يَسْقُطُ، كَمَا لَوِ ادَّعَيَاهُ لِأَنْفُسِهِمَا. يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ حَقَّ الْإِنْسَانِ لَا يَزُولُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، وَلَيْسَ هَذَا وَاحِدًا مِنْهُمَا. وَفَارَقَ الْكَافِرُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحُكْمِ: وَهُوَ شَهَادَةُ الْعُدُولِ، وَهُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ صَادِقَيْنِ فِي شَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّمَا كَذَبَا فِي رُجُوعِهِمَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أو بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا أَوْ تَالِفًا. وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْعِتْقِ بعد الحكم غَرِمُوا الْقِيمَةَ. وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ غَرِمُوا نِصْفَ الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا. وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْقِصَاصِ أَوِ الْحَدِّ قَبْلَ   [المبدع في شرح المقنع] وَتُفَارِقُ الْعُقُوبَاتُ حَيْثُ لَا تُسْتَوْفَى لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبَهَاتِ. (سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا أَوْ تَالِفًا) لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَقِّ مُتَعَلِّقٌ بِالْحُكْمِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ ـ فِيمَا ذُكِرَ ـ عَلَى السَّوَاءِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ بِدَيْنٍ فَأَبْرَأَ مِنْهُ مُسْتَحِقَّهُ، ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَغْرِمَاهُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. [رُجُوعُ شُهُودِ الْعِتْقِ] (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْعِتْقِ) بَعْدَ الْحُكْمِ (غَرِمُوا الْقِيمَةَ) لِأَنَّهُمَا أَزَالَا يَدَهُ عَنْ عَبْدِهِ بِشَهَادَتِهِمَا الْمَرْجُوعِ عَنْهَا، أَشْبَهُ مَا لَوْ شَهِدَا بِحُرِّيَّتِهِ، وَإِنَّمَا غَرِمُوا الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنَ الْمُتَقَوِّمَاتِ. وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُمُ الْمَشْهُودُ لَهُ. فَإِنْ قَالَا: أَعْتَقَهُ عَلَى مِائَةٍ. وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا. [رُجُوعُ شُهُودِ الطَّلَاقِ] (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) وَبَعْدَ الْحُكْمِ (غَرِمُوا نِصْفَ الْمُسَمَّى) أَوْ بَدَلَهُ، لَا مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ نِصْفَهُ ; لِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوَّمٍ. بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَخْرَجَتْهُ مِنْ مِلْكِهِ بِرِدَّةٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى ; لِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ لِلزَّوْجِ بِشَهَادَتِهِمَا، كَمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ فَسَخَ نِكَاحَهُ، كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالنِّصْفِ. (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الدُّخُولِ. (لَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا) جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُمَا لَمْ يُقَرِّرَا عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَنْ يُخْرِجَا مِنْ مِلْكِهِ مُتَقَوَّمًا، أَشْبَهُ مَا لَوْ أَخْرَجَاهُ مَنْ مِلْكِهِ بِقَتْلِهَا أَوْ رَضَاعٍ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ الْمُسَمَّى كُلَّهُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا: أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا شَهِدَ قَوْمٌ بِتَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ، وَآخَرُونَ بِوُجُودِ شَرْطِهِ، ثُمَّ رَجَعُوا، فَالْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ. وَقِيلَ: عَلَى كُلِّ جِهَةٍ نِصْفُهُ. وَقِيلَ: يَغْرَمُ الْكُلَّ شُهُودُ التَّعْلِيقِ. قَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: إِذَا شَهِدَ اثْنَانِ بِالْعَقْدِ، وَاثْنَانِ بِالدُّخُولِ، وَاثْنَانِ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ رَجَعُوا فَالْغُرْمُ عَلَى شَاهِدَيِ الطَّلَاقِ. وَإِنْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ لِعَانٍ ثُمَّ رَجَعَا، غَرِمَا مَهْرَ الْمِثْلِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: بَلْ نِصْفَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَإِنْ رَجَعَا ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا رَضَاعًا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا. وَإِنْ رَجَعَ شُهُودٌ بِكِتَابَةٍ غَرِمُوا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَمُكَاتَبًا. فَإِنْ عَتَقَ.. فَمَا قِيمَتِهِ وَمَالَ الْكِتَابَةِ. وَقِيلَ: كُلَّ قِيمَتِهِ، وَكَذَا شُهُودٌ بِاسْتِيلَاءٍ. [رُجُوعُ شُهُودِ الْقِصَاصِ] (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْقِصَاصِ أَوِ الْحَدِّ) بَعْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُسْتَوْفَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَقَالُوا: أَخْطَأْنَا. فَعَلَيْهِمْ دِيَةُ مَا تَلِفَ، وَيَتَقَسَّطُ الْغُرْمُ بينهم عَلَى عَدَدِهِمْ. فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ غَرِمَ بِقِسْطِهِ. وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ سِتَّةٌ بِالزِّنَى،   [المبدع في شرح المقنع] الْحُكْمِ (قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُسْتَوْفَ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَالْمَالُ يُمْكِنُ جَبْرُهُ، وَالْقِصَاصُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي لَا لِلْجَبْرِ. فَعَلَى هَذَا: تَجِبُ دِيَةُ الْقَوَدِ، فَإِنْ وَجَبَ عَيْنًا فَلَا. قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُسْتَوْفَى إِنْ كَانَ لِآدَمِيٍّ كَالْفِسْقِ الطَّارِئِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ. (وَقَالُوا: أَخْطَأْنَا. فَعَلَيْهِمْ دِيَةُ مَا تَلِفَ) أَوْ أَرْشُ الضَّرْبِ ـ نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ــ، وَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَيُعَزَّرَا وَلَا قَوَدَ ; لِأَنَّ بِإِقْرَارِهِمْ حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِهِمْ، لَكِنْ عَلَى طَرِيقِ الْخَطَأِ. فَلَزِمَتْهُمُ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً. فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: عَمَدْتُ. وَقَالَ الْآخَرُ: أَخْطَأْتُ. فَعَلَى الْعَامِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظًا، وَعَلَى الْآخَرِ نِصْفُهَا مُخَفَّفًا، وَلَا قَوَدَ، فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: عَمَدْنَا. وَقَالَ الْآخَرُ: أَخْطَأْنَا. قُتِلَ الْمُعْتَرِفُ بِالْعَمْدِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: فِي رِوَايَةٍ: أَوْ غَرِمَ نِصْفَ الدِّيَةِ مُغَلَّظًا، وَالْمُخْطِئُ نَصِفَهَا مُخَفَّفًا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ. وَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ: عَمَدْتُ، وَلَا أَدْرِي مَا فَعَلَ غَيْرِي. قُتِلَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِمَا ; لِأَنَّ إِقْرَارَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَوِ انْفَرَدَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَوَدٌ. (وَيَتَقَسَّطُ الْغُرْمُ) بَيْنَهُمْ (عَلَى عَدَدِهِمْ) لِأَنَّ التَّفْوِيتَ حَصَلَ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ، فَوَجَبَ تَقْسِيطُ الْغَرَامَةِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، كَمَا لَوِ اتَّفَقَ جَمَاعَةٌ وَأَتْلَفُوا مِلْكًا لِإِنْسَانٍ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ رَجَعَ شَاهِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ غَرِمَ الْعُشْرَ. (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ غَرِمَ بِقِسْطِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ. كَمَا لَوْ رَجَعْنَا جَمِيعًا. وَقِيلَ: يَجِبُ الْكُلُّ عَلَى الرَّاجِعِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ. فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا، غَرِمَ الرَّجُلُ النِّصْفَ وَهُمَا النِّصْفَ. نَصَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 فَرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْهُمُ اثْنَانِ، غَرِمَا ثُلْثَ الدِّيَةِ لأنهما ثلث البينة. وَإِنْ رَجَعَ الْكُلُّ لَزِمَتْهُمُ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا، وَإِنْ شَهِدَ عليه أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، وَاثْنَانِ بِالْإِحْصَانِ، فَرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ ولَزِمَتْهُمُ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ عَلَى شُهُودِ الزِّنَى النِّصْفُ، وَعَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ النِّصْفُ وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، واثْنَانِ مِنْهُمْ بِالْإِحْصَانِ،   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي ; لِأَنَّهُمَا كَرَجُلٍ، فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فَعَلَيْهِ السُّدُسُ، وَعَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ سُدُسٌ. وَقِيلَ: مُنَاصَفَةً ; لِأَنَّ الرَّجُلَ نِصْفُ الْبَيِّنَةِ. وَقِيلَ: هُوَ كَأُنْثَى، وَكَذَا رَضَاعٌ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إِلَّا أَنَّهُ لَا تَشْطِيرَ، وَإِنَّا إِنْ قُلْنَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِامْرَأَتَيْنِ فَالْغُرْمُ بِالتَّسْدِيسِ. [رُجُوعُ شُهُودِ الزِّنَى] (وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ سِتَّةٌ بِالزِّنَى، فَرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْهُمُ اثْنَانِ، غَرِمَا ثُلُثَ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُمَا ثُلُثُ الْبَيِّنَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا ; لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزِّنَى قَائِمَةٌ بِغَيْرِهِمَا. (وَإِنْ رَجَعَ الْكُلُّ لَزِمَتْهُمُ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا) لِأَنَّهُمْ سِتَّةٌ فَالْغَرَامَةُ تُقَسَّطُ عَلَيْهِمْ. (وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، وَاثْنَانِ بِالْإِحْصَانِ، فَرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ) ضَمِنُوهُ ; لِأَنَّ قَتْلَهُ حَصَلَ بِمَجْمُوعِ الشَّهَادَتَيْنِ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا جَمِيعًا بِالزِّنَى. (وَلَزِمَتْهُمُ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ كَشُهُودِ الزِّنَى ; لِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ مِنْ جَمِيعِهِمْ. (وَفِي الْآخَرِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ (عَلَى شُهُودِ الزِّنَى النِّصْفُ، وَعَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ النِّصْفُ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّ قَتْلَهُ حَصَلَ بِنَوْعَيْنِ مِنَ الْبَيِّنَةِ، فَتُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنَانِ ; لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالشَّرْطِ لَا بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ. فَإِنْ شَهِدَ بِزِنَاهُ ثَمَانِيَةٌ، فَرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ أَرْبَعَةٌ، ضَمِنُوا نِصْفَ دِيَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ شَيْءٌ. وَإِنْ رَجَعَ الْكُلُّ ضَمِنُوهَا أَثْمَانًا. وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ لَزِمَتْهُمُ الدِّيَةُ كُلُّهَا. وَقِيلَ: نَصِفُهَا. تَنْبِيهٌ: إِذَا شَهِدَ بِالْقَتْلِ ثَلَاثَةٌ، أَوْ بِالزِّنَى خَمْسَةٌ، ثُمَّ رَجَعَ الزَّائِدُ مِنْهُمْ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَضُرَّ ; لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الْبَيِّنَةِ كَافٍ. وَيُحَدُّ الرَّاجِعُ ; لِأَنَّهُ قَاذِفٌ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ ; لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِمَنْ ثَبَتَ أَنَّهُ زَانٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ. وَإِنِ اسْتَوْفَى ثُمَّ رَجَعُوا أَوْ بَعْضُهُمْ، فَكَشَاهِدَيِ الْقَتْلِ وَأَرْبَعَةِ الزِّنَى، فِيمَا ذَكَرْنَا، نَصَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 صَحَّتِ الشَّهَادَةُ، فَإِنْ رُجِمَ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنِ الشَّهَادَةِ، فَعَلَى مَنْ شَهِدَ بِالْإِحْصَانِ ثُلْثَا الدِّيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُهُمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَإِنْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَرَجَعَ الشَّاهِدُ غَرِمَ الْمَالَ كُلَّهُ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَغْرَمَ النِّصْفَ. إذا بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْجَمَاعَةُ. فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ فِي الْقَتْلِ فَالثُّلُثُ، وَفِي الزِّنَى الْخُمُسُ. وَقِيلَ: لَا يَغْرَمُ شَيْئًا. وَهُوَ أَقْيَسُ. فَلَوْ رَجَعَ مِنْ خَمْسَةِ زِنًى اثْنَانِ، فَهَلْ عَلَيْهِمَا خُمُسَانِ أَوْ رُبُعٌ؛ أَوِ اثْنَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ قَتْلٍ، فَالثُّلُثَانِ أَوِ النِّصْفُ؛ فِيهِ الْخِلَافُ. (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، وَاثْنَانِ مِنْهُمْ بِالْإِحْصَانِ صَحَّتِ الشَّهَادَةُ) لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهَا. (فَإِنْ رُجِمَ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنِ الشَّهَادَةِ، فَعَلَى مَنْ شَهِدَ بِالْإِحْصَانِ ثُلُثَا الدِّيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْأَشْهَرُ الثُّلْثُ لِشَهَادَتِهِمَا بِالْإِحْصَانِ. والثلث لشهادتهما بالزنى (وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُهُمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا) النِّصْفُ لِشَهَادَتِهِمَا بِالْإِحْصَانِ، وَالرُّبُعُ لِشَهَادَتِهِمَا بِالزِّنَى. وَالْبَاقِي عَلَى الْآخَرِينَ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَى شَاهِدَيِ الْإِحْصَانِ إِلَّا النِّصْفُ ; لِأَنَّهُمَا كَأَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ، جَنَى اثْنَانِ جِنَايَتَيْنِ وَجَنَى الْآخَرَانِ أَرْبَعَ جِنَايَاتٍ. فَرْعٌ: لَا ضَمَانَ بِرُجُوعٍ عَنْ كَفَالَةٍ بِنَفْسٍ أَوْ بَرَاءَةٍ مِنْهَا، أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، أَوْ أَنَّهُ عَفَا عَنْ دَمٍ عَمْدٍ؛ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ مَالًا. وَفِي الْمُبْهِجِ: قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مُتَضَمَّنَةٌ بِهَرَبِ الْمَكْفُولِ، وَالْقَوَدُ قَدْ يَجِبُ مَالًا. فَرْعٌ: إِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى آخَرَ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ بِصَدَاقٍ ذَكَرَاهُ، وَشَهِدَ آخَرَانِ بِدُخُولِهِ بِهَا، ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ، لَزِمَ شُهُودَ النِّكَاحِ الضَّمَانُ ; لِأَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ الْمُسَمَّى. وَقِيلَ: عَلَيْهِمُ النِّصْفُ. وَعَلَى الْآخَرِينَ النِّصْفُ. وَإِنْ شَهِدَ مَعَ هَذَا شَاهِدَانِ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ ; لِأَنَّهُمَا لَمْ يُوجِبَا عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ [رُجُوعُ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ] (وَإِنْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَرَجَعَ الشَّاهِدُ غَرِمَ الْمَالَ كُلَّهُ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةُ الدَّعْوَى فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ، كَالشَّاهِدَيْنِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْيَمِينَ قَوْلُ الْخَصْمِ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى خَصْمِهِ. وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ، فَجَرَى مَجْرَى مُطَالَبَتِهِ لِلْحَاكِمِ بِالْحُكْمِ. وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا حُجَّةٌ لَكِنْ إِنَّمَا جَعَلْنَاهَا حُجَّةَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ. وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَى شَهَادَتِهِ، وَكَيَمِينِهِ عَلَى بَيِّنَةِ غَائِبٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ، نُقِضَ، وَيُرْجَعُ بِالْمَالِ أَوْ بِبَدَلِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ إِتْلَافًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٍ فَعَلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: يَجُوزُ فِي أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنْ تُسْمَعَ يَمِينُ الْمُدَّعِي قَبْلَ الشَّاهِدِ. (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَغْرَمَ النِّصْفَ) لِأَنَّهُ أَحَدُ حُجَّتَيِ الدَّعْوَى كَالشَّاهِدَيْنِ. فَرْعٌ: رُجُوعُ شُهُودِ تَزْكِيَةٍ كَرُجُوعِ مَنْ زَكُّوهُمْ. وَمَنْ شَهِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمُنَافٍ لِلْأُولَةِ فَكَرُجُوعِهِ وَأَوْلَى. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ [بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ] (إِذَا بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ نُقِضَ) أَيْ: إِذَا بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ كُفْرُ الشُّهُودِ نُقِضَ بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ كَوْنُ الشَّاهِدِ مُسْلِمًا، وَلَمْ يُوجَدْ. وَكَذَا إِذَا بَانَ فِسْقُهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَيُرْجَعُ بِالْمَالِ أَوْ بِبَدَلِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ نُقِضَ فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ الْحَقُّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا أُلْزِمَ بِرَدِّهِ بِعَيْنِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ إِتْلَافًا) كَقَتْلٍ أَوْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّهِ بِإِتْلَافٍ حِسِّيٍّ، أَوْ بِمَا سَرَى إِلَيْهِ (فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ) ؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ قَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ، وَشُهُودُ التَّزْكِيَةِ أَلْجَؤُوا الْحَاكِمَ إِلَى الْفِعْلِ، فَلَزِمَهُمُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِحَقٍّ ثُمَّ حَكَمَ حَاكِمٌ بِهَا، ثُمَّ رَجَعَا؛ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ، وَالشُّهُودُ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِمْ، وَإِنَّمَا التَّفْرِيطُ مِنَ الْمُزَكِّينَ. قَالَ الْقَاضِي: الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ السَّامَرِّيُّ ; لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي الْحُكْمِ بِمَنْ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ ; لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوا الْحَقَّ عَلَى مُسْتَحِقِّيهِ بِشَهَادَتِهِمُ الْبَاطِلَةِ، كَمَا لَوْ رَجَعُوا. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ فَعَلَى الْحَاكِمِ) لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ لِتَفْرِيطِهِ. وَكَذَا إِنْ كَانَ مُزَكُّونَ فَمَاتُوا. ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ وَلَا قَوَدَ ; لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 الْحَاكِمِ. وَعَنْهُ: لَا يُنْقَضُ إِذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ. وَإِنْ شَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ بِحَقٍّ، ثُمَّ مَاتُوا حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ إِذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ. وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ بِشَاهِدِ الزُّورِ وعَزَّرَهُ وَطَافَ بِهِ   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ قَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فَيَنْصَبُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ حُكِمَ لَهُ بِمَالٍ فَقَبَضَهُ، ثُمَّ بَانَ فِسْقُ الشُّهُودِ. قُلْنَا: ثُمَّ حَصَلَ فِي يَدِ الْمُسْتَوْفِي مَالُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَضَمَانُهُ إِنْ تَلِفَ، وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا أَتْلَفَ شَيْئًا بِخَطَأِ الْإِمَامِ وَتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ فَافْتَرَقَا. (وَعَنْهُ: لَا يُنْقَضُ إِذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ) لِأَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ أَنْ لَا يَظْهَرَ لِلْقَاضِي فِسْقُ الشُّهُودِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ، وَالْكُفْرُ لَا يَخْفَى غَالِبًا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْتَرِفَا بِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِمَا، لَكِنْ تَبَيَّنَ فَقْدُ شَرْطِ الْحُكْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ بِنَقْضِهِ. كَمَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حُكْمٌ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ. وَإِنْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ وَلَدًا أَوْ وَالِدًا أَوْ عَدُوًّا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي حَكَمَ يَرَى الْحُكْمَ بِهِ، لَمْ يُنْقَضْ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إِجْمَاعًا، وَإِلَّا نُقِضَ. فَرْعٌ: إِذَا جَلَدَ الْإِمَامَ إِنْسَانًا بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ بَانَ فِسْقُهُمْ أَوْ كُفْرُهُمْ أَوْ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ، ضَمِنَ الْإِمَامُ مَا حَصَلَ بِسَبَبِ الضَّرْبِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ أَوْ قَتَلَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَضْمَنُ فِي الْكُفْرِ وَالرِّقِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. [شَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ بِحَقٍّ ثُمَّ مَاتُوا] (وَإِنْ شَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ بِحَقّه، ثُمَّ مَاتُوا حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ) لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْكَذِبِ فِيهَا، وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الْفِسْقِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ. وَكَذَا إِنْ جُنُّوا. (إِذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ) لِحُصُولِ الثِّقَةِ لِلْحَاكِمِ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ مَعَ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ. [إِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ بِشَاهِدِ الزُّورِ] (وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ بِشَاهِدِ الزُّورِ) بِإِقْرَارِهِ أَوْ عَلِمَ كَذِبَهُ وَتَعَمُّدَهُ. وَفِي الْكَافِي: يَثْبُتُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يُقِرَّ بِذَلِكَ، أَوْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِهِ، أَوْ يَشْهَدَ بِمَا يَقْطَعُ بِكَذِبِهِ. (وعَزَّرَهُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ ; وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ مُحَرَّمٌ يَضُرُّ بِهِ النَّاسَ، أَشْبَهَ النَّسَبَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُشْتَهَرُ فِيهَا، فَيُقَالُ: إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاجْتَنِبُوهُ. وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إِلَّا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ قَالَ: أَعْلَمُ، أَوْ أَحَقُّ. لَمْ يُحْكَمْ بِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَالْقَذْفَ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ زَجْرًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنِ ارْتِكَابِ مِثْلِ فِعْلِهِ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ تَابَ. وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَالثَّانِي: لَا تَعْزِيرَ. وَهُمَا فِي كُلِّ تَائِبٍ بَعْدَ وُجُوبِ التَّعْزِيرِ. وَتَعْزِيرُهُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ مَا لَمْ يُخَالِفْ نصا. وَفِي الْمُغْنِي: أَوْ مَعْنَى نَصٍّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ عُقُوبَاتٍ إِنْ لَمْ يَرْتَدِعْ إِلَّا بِهِ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرِ جَلْدَاتٍ. وَنَقَلَ مُهَنَّا كَرَاهَةَ تَسْوِيدِ الْوَجْهِ. (وَطَافَ بِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُشْتَهَرُ فِيهَا) لِيَشْتَهِرَ أَمْرُهُ، فَيُجْتَنَبُ. (فَيُقَالُ: إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاجْتَنِبُوهُ) لِيَحْصُلَ إِعْلَامُ النَّاسِ بِذَلِكَ، فَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَسَائِرِ التَّائِبِينَ. وَلَا يُعَزَّرُ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ وَلَا بِغَلَطِهِ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ رُجُوعِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي ; لِأَنَّ التَّعَارُضَ لَا يُعْلَمُ بِهِ كَذِبُ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِعَيْنِهَا، وَالْغَلَطُ قَدْ يَعْرِضُ لِلصَّادِقِ الْعَدْلِ وَلَا يَتَعَمَّدُهُ فَعُفِيَ عَنْهُ. وَكَذَا إِذَا ظَهَرَ فِسْقُهُ ; لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الصِّدْقَ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنِ ادَّعَى شُهُودُ الْقَوَدِ الْخَطَأَ عُزِّرُوا. [اللَّفْظُ الَّذِي تُقْبَلَ بِهِ الشَّهَادَةُ] (وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إِلَّا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَصْدَرٌ فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِفِعْلِهَا الْمُشْتَقِّ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنًى لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا، بِدَلِيلٍ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي اللِّعَانِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهَا. (فَإِنْ قَالَ: أَعْلَمُ، أَوْ أَحَقُّ. لَمْ يَحْكُمْ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَعْتَمِدُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَالثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ. اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا تَابِعِيٍّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 بَابُ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِلَّا فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: أَقُولُ: إِنَّ الْعَشَرَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا أَشْهَدُ. فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: مَتَى قُلْتَ فَقَدْ شَهِدْتَ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَهَلْ مَعْنَى الْقَوْلِ وَالشَّهَادَةِ إِلَّا وَاحِدٌ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْعِلْمُ شَهَادَةٌ. فَرْعٌ: لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى الْآنَ، بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى] [مَشْرُوعِيَّة اليمين في الدعاوي] بَابُ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى الْيَمِينُ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ فِي الْحَالِ، وَلَا تُسْقِطُ الْحَقَّ. وَتَصِحُّ يَمِينُ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ فِيمَا يَصِحُّ بَذْلُهُ. وَمَنْ أَنْكَرَ بُلُوغَهُ بَعْدَ إِقْرَارِهِ، أَوِ ادَّعَاهُ لِتِسْعِ سِنِينَ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. فَإِذَا بَلَغَ حَلَفَ. وَقِيلَ: إِنِ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ احْتَاجَ بَيِّنَةً فَلَا يُحَلِّفُهُ. وَلَا يَحْلِفُ وَصِيٌّ عَلَى نَفْيِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُوصِي. قَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: بَلْ عَلَى نَفْيِ لُزُومِهِ مِنَ التَّرِكَةِ إِلَى الْمُدَّعِي. وَلَا شَاهِدَ عَلَى صِدْقِهِ إِلَّا الْمُرْضِعَةُ، وَلَا حَاكِمَ عَلَى حُكْمِهِ أَوْ نَفْيِهِ أَوْ عَدْلِهِ أَوْ نَفْيِ جَوْرِهِ وَظُلْمِهِ، وَلَوْ مَعْزُولًا، وَلَا الْمُدَّعِي إِذَا طَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ، فَقَالَ: لِيَحْلِفْ أَنَّهُ مَا أَحْلَفَنِي. وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ، فَإِنْ أَبَى حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينَ الرَّدِّ. وَلَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لِيَحْلِفْ أَنَّهُ مَا أَحْلَفَنِي. وَلَا مَنْ حُكِمَ لَهُ بِشَيْءٍ فَقَالَ خَصْمُهُ: إِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ. وَإِنْ ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ الْمَيِّتَ وَصَّى لِلْفُقَرَاءِ بِشَيْءٍ فَأَنْكَرَهُ الْوَرَثَةُ، وَنَكَلُوا عَنِ الْيَمِينِ حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا أَوْ يُقِرُّوا. وَقِيلَ: يَحْكُمُ بِذَلِكَ، وَلَا يَحْلِفُ الْوَصِيُّ. وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ فِي دَفْتَرِهِ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ لِمَيِّتٍ لَا وَارِثَ لَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ، حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ. وَلَا يَحْلِفُ الْحَاكِمُ، فِي الْأَصَحِّ. (وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ فِي كُلِّ حَقٍّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِلَّا فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالرِّقِّ وَالْوَلَاءِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالنَّسَبِ وَالْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِي الطَّلَاقِ وَالْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ رِوَايَتَانِ، وَسَائِرُ السِّتَّةِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ   [المبدع في شرح المقنع] لِآدَمِيٍّ) فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَقَدَّمَهَا ابْنُ رَزِينٍ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهَا أَوْلَى ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَجَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذِكْرِ الدِّمَاءِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الدَّعْوَى بِالدَّمِ تُشْرَعُ فِيهَا الْيَمِينُ، وَسَائِرُ الْحُقُوقِ إِمَّا مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ فَوَجَبَ مَشْرُوعِيَّةُ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّهَا دَعْوَى صَحِيحَةٌ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ كَدَعْوَى الْمَالِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تُشْرَعُ فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ غَيْرِ الْعَشَرَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَسَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ إِمَّا مَالٌ أَوْ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ، إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ. (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِلَّا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ) فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِمَا. قَالَ: وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ; لِأَنَّ أَمْرَهُمَا أَشَدُّ وَلَا يَدْخُلُهُمَا الْبَدَلُ. (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِلَّا فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَالرَّجْعَةِ وَالرِّقِّ، وَالْوَلَاءِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَالنَّسَبِ وَالْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْآدَمِيُّ، وَزَادُوا: الْإِيلَاءَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، فَلَا تُشْرَعُ فِيهَا الْيَمِينُ كَالْحُدُودِ. (وَقَالَ الْقَاضِي: فِي الطَّلَاقِ وَالْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ رِوَايَتَانِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى تَأَكُّدِهَا يَنْبَغِي أَلَا تُشْرَعَ الْيَمِينُ فِيهَا، وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ فَتُشْرَعُ فِيهَا. (وَسَائِرُ السِّتَّةِ) أَيْ: جَمِيعُهَا. (لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ) لِتَأَكُّدِهَا وَعَدَمِ مُسَاوَاةِ غَيْرِهَا لَهَا. وَعَنْهُ: يُسْتَحْلَفُ إلا فِي طَلَاقٍ وَإِيلَاءٍ وَقَوَدٍ وَقَذْفٍ. وَعَنْهُ: يُسْتَحْلَفُ فِيمَا يقضي فِيهِ بِالنُّكُولِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: مَا لَا يَجُوزُ بَدَلُهُ وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ. وَفَسَّرَ الْقَاضِي الِاسْتِيلَادَ بِأَنْ يَدَّعِيَ اسْتِيلَادَ أَمَةٍ، فَتُنْكِرَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ الْمُدَّعِيَةُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 الْخِرَقِيُّ: لَا يُحْلَفُ فِي الْقِصَاصِ وَلَا فِي الْمَرْأَةِ إِذَا أَنْكَرَتِ النِّكَاحَ. وَتَحْلِفُ إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُؤلِي مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَلَفَ، وَإِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا بِعِتْقِهِ حَلَفَ مَعَهُ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحُدُودِ وَالْعِبَادَاتِ   [المبدع في شرح المقنع] وَذَكَرَ الْقَاضِي وَالسَّامَرِّيُّ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَيْهِ وَالْوِكَالَةَ لَا يُسْتَحْلُفُ فِيهِمَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُسْتَحْلَفُ فِي إِيلَاءٍ وَلَا فِيهِ. قَالَ السَّامَرِّيُّ: لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ إِذَا ادَّعَيَا عَلَى الرَّجُلِ. فَإِنِ ادَّعَاهُمَا الرَّجُلُ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَرْأَةِ ; لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ. (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يُحْلَفُ فِي الْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. (وَلَا فِي الْمَرْأَةِ إِذَا أَنْكَرَتِ النِّكَاحَ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَدَلُهَا. (وَتَحْلِفُ إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا) لِمَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِيَاطِ لِبُضْعِهَا، وَإِذَا أَحْلَفْنَاهُ فِي ذَلِكَ قَضَيْنَا فِيهِ بِالنُّكُولِ، إِلَّا فِي قَوَدِ النَّفْسِ خَاصَّةً. قَالَ أَحْمَدُ ـ فِي رِوَايَةِ الْكَوْسَجِ ـ فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَذَفَهُ فَأَنْكَرَ: يَحْلِفُ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ أُقِيمَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. وَعَنْهُ: لَا يُقْضَى بِالْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. قَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: وَهِيَ أَصَحُّ. وَعَنْهُ: لَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ إِلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَمَتَى لَمْ يَثْبُتِ الْقَوَدُ بِنُكُولِهِ، فَهَلْ يَلْزَمُ النَّاكِلَ الدِّيَةُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْقَسَامَةِ. وَكُلُّ نَاكِلٍ قُلْنَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ، فَهَلْ يُخَلَّى سَبِيلُهُ أَوْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصْلُهُمَا إِذَا نَكَلَتِ الزَّوْجَةُ عَنِ اللِّعَانِ، وَفِي رَدِّ الْيَمِينِ خِلَافٌ سَبَقَ. فَإِنْ قُلْنَا بِرَدِّ الْيَمِينِ فَتَعَذَّرَ رَدُّهَا، قُضِيَ بِالنُّكُولِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفُ وَلِيُّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ. وَقِيلَ: إِنْ بَاشَرَ مَا ادَّعَاهُ. وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفَا إِذَا زَالَ الْمَانِعُ، وَلَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ قَبْلَ ذَلِكَ. (وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُؤلِي مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَلَفَ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْلِفْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى تَضَرُّرِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا. (وَإِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا بِعِتْقِهِ حَلَفَ مَعَهُ) ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ نَقْلُ مِلْكٍ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ. (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحُدُودِ وَالْعِبَادَاتِ) أَمَّا الْحُدُودُ فَلَا نَعْلَمُ فِيهَا خِلَافًا ; لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَخُلِّيَ، فَلَئِنْ لَا يُسْتَحْلَفَ مَعَ الْإِقْرَارِ أَوْلَى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 وَنَحْوِهَا وَيَجُوزُ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْبَلَ. وَلَا يُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَسَائِرِ مَا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ شَاهَدٌ وَيَمِين المدعي وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ، حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى النَّفْيِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ. وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ   [المبدع في شرح المقنع] وَأَمَّا الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ كَدَعْوَى السَّاعِي عَلَى الزَّكَاةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ يَمِينٍ كَالْحُدُودِ وَكَالصَّلَاةِ وَكَذَا لَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ صَدَقَةٍ، قُبِلَ قَوْلُهُ فِي نَفْيِ ذَلِكَ بِغَيْرِ يَمِينٍ ; لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي فِيهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ. كَمَا لَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَضَمَّنَتْ دَعْوَاهُ حَقًّا لَهُ مِثْلُ: أَنْ يَدَّعِيَ سَرِقَةَ مَالِهِ أَوِ الزِّنَى بِجَارِيَتِهِ لِيَأْخُذَ مَهْرَهَا، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَتَجِبُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ، وَيقضي بِالنُّكُولِ فِي الْمَغْرَمِ. (وَيَجُوزُ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَشْهُودِ بِهِ. (وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ) وما (شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٌ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ ; لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ نَاقِصَةٌ وَإِنَّمَا انْجَبَرَتْ بِانْضِمَامِ الذَّكَرِ إِلَيْهِنَّ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْبَلَ) هَذَا وَجْهٌ ; لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ فِي الْمَالِ تَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ، وَيَبْطُلُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِجْمَاعًا. (وَلَا يُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَسَائِرِ مَا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، شَاهِدٌ وَيَمِينُ) الْمُدَّعِي، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ) مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ مِائَةً عَلَى شَخْصٍ، وَيُقِيمَ شَاهِدًا وَيُرِيدَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ. (أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ) مِثْلُ أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ مِائَةٌ، فَيَقُولُ: مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا. (حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَحْلَفَ رَجُلًا، فَقَالَ: قُلْ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا لَهُ عَلَيْكَ حَقٌّ» 1 - (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى النَّفْيِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ: يَحْلِفُ فِي إِثْبَاتٍ وَنَفْيٍ عَلَى الْبَتِّ، إِلَّا لِنَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: أَوْ نَفْيُ دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ فَيَكْفِيهِ نَفْيُ الْعِلْمِ. (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ) مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ غَيْرَهُ غَصَبَهُ ثَوْبَهُ. (أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 غَيْرِهِ أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ. وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً. فَرَضُوا جَازَ وَإِنْ أَبَوْا حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا.   [المبدع في شرح المقنع] لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ «وَلَكِنْ أُحَلِّفُهُ وَاللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَرْضِي غَصَبَنِيهَا أَبُوهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِحَاطَةُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ فِعْلِ نَفْسِهِ. وَكَالشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ بِالْقَطْعِ فِيمَا يُمْكِنُ الْقَطْعُ فِيهِ مِنَ الْعُقُودِ. وَعَلَى الظَّنِّ فِيمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقَطْعُ مِنَ الْأَمْلَاكِ وَالْأَنْسَابِ. وَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِانْتِفَائِهِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إِلَّا فُلَانٌ وَفُلَانٌ. وَعَنْهُ: يَمِينُ النَّفْيِ الْعِلْم فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَعَنْهُ: وَغَيْرُهَا عَلَى الْعِلْمِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَرْفُوعًا «لَا تَضْطَرُّوا النَّاسَ فِي أَيْمَانِهِمْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ» . وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يَمِينُهُ بَتٌّ عَلَى فِعْلِهِ، وَنَفْيٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ. وَعَبْدُهُ كَأَجْنَبِيٍّ فِي حَلِفِهِ عَلَى الْبَتِّ. وَأَمَّا بَهِيمَتُهُ فَمَا يُنْسَبُ إِلَى تَفْرِيطٍ وَتَقْصِيرٍ فَعَلَى الْبَتِّ، وَإِلَّا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ. (وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً. فَرَضُوا جَازَ) ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْضُ الْيَمِينِ، كَمَا أَنَّ الْحُقُوقَ إِذَا قَامَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ الْوَاحِدَةُ لَا يَكُونُ لِكُلِّ حَقٍّ بَعْضُ الْبَيِّنَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ، فَإِذَا رَضِيَ بِهَا اثْنَانِ صَارَتِ الْحُجَّةُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَاقِصَةً، وَالْحَجَّةُ النَّاقِصَةُ لَا تَكْمُلُ بِرِضَى الْخَصْمِ، كَمَا لَوْ رَضِيَ أَنْ يُحْكَمَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ. 1 - (وَإِنْ أَبَوْا حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَحَكَى الْإِصْطَخْرِيُّ: أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِيَ حَلَّفَ رَجُلًا بِحَقٍّ لِرَجُلَيْنِ يَمِينًا وَاحِدَةً، فَخَطَّأَهُ أَهْلُ عَصْرِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 فصل. وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ: هِيَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى اسْمُهُ. وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَغْلِيظَهَا بِلَفْظٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ مَكَانٍ، جَازَ فَفِي اللَّفْظِ، يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غيره، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الطَّالِبِ الْغَالِبِ، الضَّارِّ النَّافِعِ، الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ. وَالْيَهُودِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى،   [المبدع في شرح المقنع] فَرْعٌ: إِذَا تَوَكَّلَ لِجَمَاعَةٍ فِي دَعْوَى وَاحِدَةٍ فِي حُقُوقٍ، صَحَّ دَعْوَاهُ بِالْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً. وَهَلْ تَكْفِي يَمِينٌ لِلْكُلِّ أَوْ أَيْمَانٌ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. وَمَنِ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ شَيْئًا بِدَعَاوَى فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَلِكُلِّ دَعْوَى يَمِينٌ. وَقِيلَ: وَضِدُّهُ. وَإِنِ ادَّعَى الْكُلُّ دَعْوَى وَاحِدَةً فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ. وَإِنِ ادَّعَى رَبُّ الْمَاشِيَةِ أَنَّهُ كَانَ بَاعَهَا فِي حَوْلِهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ أَخْرَجَ الْفَرْضَ إِلَى سَاعٍ آخَرَ، فَهَلْ يَحْلِفُ وُجُوبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ وَجَبَ فَنَكَلَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ. فَإِنْ تَبَيَّنَ فَلَا، وَكَذَا الْجِرَاحُ. [فصل: الْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ] فصل (وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ هِيَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى اسْمُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} [الأنعام: 109] ، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] . وَالْأَخْبَارُ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. (وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَغْلِيظَهَا بِلَفْظٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ مَكَانٍ، جَازَ) وَلَمْ يُسْتَحَبَّ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ أَرْدَعُ لِلْمُنْكِرِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ: فِي غَيْرِ لِعِانٍ وَقَسَامَةٍ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ. ذَكَرَهَا فِي التَّبْصِرَةِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْحُلْوَانِيُّ لِعَدَمِ وُرُودِهِ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ قَالَ: وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ أَنَّهَا تُغَلَّظُ ; لِأَنَّهَا حُجَّةُ أَحَدِهِمَا فَوَجَبَ مَوْضِعُ الدَّعْوَى كَالْبَيِّنَةِ. وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ. وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ. (فَفِي اللَّفْظِ، يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الطَّالِبِ الْغَالِبِ، الضَّارِّ النَّافِعِ، الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ، وأنجاه مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ. وَالنَّصْرَانِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَجَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ. وَالْمَجُوسِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي وَصَوَّرَنِي. وَالزَّمَانُ: يُحَلِّفُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] الطَّالِبُ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ طَلَبَ الشَّيْءَ أَيْ: قَصَدَهُ. وَالْغَالِبُ: اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ غَلَبَ يَغْلِبُ بِمَعْنَى قَهَرَ. وَالضَّارُّ النَّافِعُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى: أَيْ: هُوَ قَادِرٌ عَلَى ضُرِّ مَنْ شَاءَ وَنَفَعِ مَنْ شَاءَ. وَخَائِنَةُ الْأَعْيُنِ، فُسِّرَ: بِأَنَّهُ يُضْمِرُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا وَيَكُفُّ لِسَانَهُ وَيُومِئُ بِعَيْنِهِ، فَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ سُمِّيَتْ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَلِفَ بِالْمُصْحَفِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُصْحَفِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رَأَيْتُهُمْ يُؤَكِّدُونَ الْيَمِينَ بِالْمُصْحَفِ، وَرَأَيْتُ ابْنَ مَازِنٍ قَاضِي صَنْعَاءَ يُغَلِّظُ الْيَمِينَ بِهِ. قَالَ أَصْحَابُهُ: فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِإِحْضَارِ الْمُصْحَفِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا تُتْرَكُ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفِعْلِ ابْنِ مَازِنٍ وَلَا غَيْرِهِ. 1 - (وَالْيَهُودِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ، وَأَنْجَاهُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْيَهُودِ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى؟» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. (وَالنَّصْرَانِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَجَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) لِأَنَّهُ لَفْظٌ تَتَأَكَّدُ بِهِ يَمِينُهُ، أَشْبَهَ الْيَهُودِيَّ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا تُغَلَّظُ فِي حَقِّ كُلِّ نَصْرَانِيٍّ بِذَلِكَ. وَفِيهِ إِشْكَالٌ ; لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ عِيسَى رَسُولُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُونَهُ ابْنًا لِلَّهِ. تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. فَتَغْلِيظُ الْيَمِينِ بِمَا ذُكِرَ يُؤَدِّي إِلَى خُرُوجِ الْيَمِينِ عَنْ أَنْ تَكُونَ يَمِينًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُغَلَّظَةً. (وَالْمَجُوسِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي وَصَوَّرَنِي) لِأَنَّهُ يُعَظِّمُ خَالِقَهُ وَرَازِقَهُ، أَشْبَهَ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ ذَلِكَ بِمَا يُعَظِّمُهُ مِنَ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا. وَالْوَثَنِيُّ كَالْمَجُوسِيِّ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ هُوَ وَمَنْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ. (وَالزَّمَانُ يُحَلِّفُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة: 106] . قِيلَ: الْمُرَادُ صَلَاةُ الْعَصْرِ (أَوْ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ) أَيْ: بَيْنَ الْأَذَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 وَالْمَكَانُ يُحَلِّفُهُ بِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَفِي الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. وَيَحْلِفُ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا. وَلَا تُغَلَّظُ الْيَمِينُ إِلَّا فِيمَا لَهُ خَطَرٌ، كَالْجِنَايَاتِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْمَالِ. وَقِيلَ: مَا يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَرْكَ التَّغْلِيظِ، فَتَرَكَهُ كَانَ مُصِيبًا.   [المبدع في شرح المقنع] وَالْإِقَامَةِ ; لِأَنَّهُ وَقْتٌ تُرْجَى فِيهِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ، فَتُرْجَى فِيهِ مُعَالَجَةُ الْكَاذِبِ. (وَالْمَكَانُ يُحَلِّفُهُ بِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ) لِأَنَّهُ مَقَامٌ شَرِيفٌ زَائِدٌ عَلَى غَيْرِهِ فِي الْفَضِيلَةِ. (وَفِي الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ) وَقَدْ وَرَدَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هِيَ مِنَ الْجَنَّةِ» . (وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ) كَمَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (عِنْدَ الْمِنْبَرِ) قِيَاسًا عَلَى الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ مَالِكُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . وَفِي الْوَاضِحِ: هَلْ يَرْقَى مُتَلَاعِنَانِ الْمِنْبَرَ؛ الْجَوَازُ، وَعَدَمُهُ. وَقِيلَ: إِنْ قَلَّ النَّاسُ لَمْ يَجُزِ الصُّعُودُ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: يَرْقَيَانِهِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: قِيَامُهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ أَبْلَغُ. 1 - (وَيَحْلِفُ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا) لِأَنَّ الْيَمِينَ تُغَلَّظُ فِي حَقِّهِمْ زَمَانًا، فَكَذَا مَكَانًا. قَالَ الشَّعْبِيُّ لِنَصْرَانِيٍّ: اذْهَبْ إِلَى الْبِيعَةِ. قَالَ كَعْبُ بْنُ سَوْرٍ فِي نَصْرَانِيٍّ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْمَذْبَحِ. (وَلَا تُغَلَّظُ الْيَمِينُ إِلَّا فِيمَا لَهُ خَطَرٌ، كَالْجِنَايَاتِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْمَالِ) قَدَّمَهُ السَّامَرِّيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّ التَّغْلِيظَ لِلتَّأْكِيدِ، وَمَا لَا خَطَرَ فِيهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْكِيدٍ. (وَقِيلَ: مَا يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ) لِأَنَّ قَطْعَهُ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهِ، وَالتَّأْكِيدُ يُنَاسِبُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَتُغَلَّظُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. (وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَرْكَ التَّغْلِيظِ فَتَرَكَهُ كَانَ مُصِيبًا) لِمُوَافَقَتِهِ مُطْلَقَ النَّصِّ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ. وَتَرْكُ التَّغْلِيظِ أَوْلَى، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ وَنَصَرَهُ لِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ، إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَصَحَّ؛ «لِتَحْلِيفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودَ بِقَوْلِهِ: نَشَدْتُكُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» . وَمَنْ بَذَلَ الْيَمِينَ دُونَ التَّغْلِيظِ لَمْ يَكُنْ نَاكِلًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ. وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُ بِطَلَاقٍ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وِفَاقًا، وَابْنُ عَبْدُ الْبَرِّ إِجْمَاعًا. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي إِحْلَافُ الْمُتَّهَمِ بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ؛ اسْتِبْرَاءً وَتَغْلِيظًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ آدَمِيٍّ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى حَقًّا عَلَى مُعْسِرٍ عَاجِزٍ عَنْهُ وَعَنْ بَعْضِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَوْ نَوَى السَّاعَةَ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَسَوَاءٌ خَافَ حَبْسًا أَوْ لَا. وَجَوَّزَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ بِالنِّيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَرَابِيسِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ. فَإِنْ عَلِمَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِعُسْرَتِهِ لَزِمَهُ إِنْظَارُهُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ مَنْعُهُ، إِذَا الْتَمَسَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ. مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا ادَّعَى جَمَاعَةٌ مَالًا لَهُمْ بِشَاهِدٍ، أَوْ أَقَامَ الْوَرَثَةُ شَاهِدًا بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ، وَغَيْرِهِ، وَحَلَفُوا اسْتَحَقُّوا. وَمَنْ نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا. وَإِذَا مَاتَ لَمْ يَحْلِفْ وَرَثَتُهُ. وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَنْكُلْ حَلَفُوا. وَلَوْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ غَائِبٌ فَحَضَرَ، أَوْ مَجْنُونٌ فَأَفَاقَ، حَلَفَ وَأَخَذَ حَقَّهُ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى إِعَادَةِ الشَّهَادَةِ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمُخَلَّفُ دَارًا فَحَلَفَ أَحَدُهُمْ، اشْتَرَكُوا فِيمَا أَخَذَهُ. فَلَوْ وَصَّى لِاثْنَيْنِ مَعَ شَاهِدٍ، وَالْآخَرُ مَجْنُونٌ أَوْ غَائِبٌ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ، أُعِيدَتِ الشَّهَادَةُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا تُجْزِئُ يَمِينٌ قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَالتَّزْكِيَةِ. الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَ لِمَيِّتٍ دَيْنٌ بِشَاهِدٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلَمْ يَحْلِفِ الْوَارِثُ مَعَ الشَّاهِدِ، فَهَلْ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَحْلِفَ؟ قَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَالْأَصَحُّ ـ إِنْ قُلْنَا التَّرِكَةُ لِلْوَارِثِ وَتُوَفَّى مِنْ حَيْثُ شَاءَ ـ: لَمْ يَحْلِفِ الْغَرِيمُ. وَإِنْ قُلْنَا لَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إِلَيْهِ قَبْلَ الْوَفَاءِ، حَلَفَ الْغَرِيمُ أَنِّي أَسْتَحِقُّ مِنْ دَيْنِي عَلَى الْمَيِّتِ، أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنَ كَذَا. الثَّالِثَةُ: إِذَا ادَّعَى الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ حَقًّا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَادَّعَى وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ حَقًّا لَهُمْ مِنْ وَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا، أَوِ ادَّعَى نَاظِرُ وَقْفٍ أَوْ قَيِّمُ مَسْجِدٍ حَقًّا لَهُمَا، فَأَنْكَرَهُمَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْلِفْ، قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَأُخِذَ مِنْهُ الْمُدَّعَى بِهِ. وَقِيلَ: يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ. وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيَأْخُذُ مَا ادَّعَاهُ. وَقَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: وَلَا يَحْلِفُ إِمَامٌ وَلَا حَاكِمٌ. وَإِنْ قُلْنَا بِحَلِفِ أَحَدِهِمْ فَأَقَامَ شَاهِدًا بِمَا ادَّعَاهُ، حَلَفَ لِإِتْمَامِ الْبَيِّنَةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 كِتَابُ الْإِقْرَارِ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ   [المبدع في شرح المقنع] [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] [تَعْرِيفُ الْإِقْرَارِ] الْإِقْرَارُ: الِاعْتِرَافُ، وَهُوَ إِظْهَارُ الْحَقِّ لَفْظًا. وَقِيلَ: تَصْدِيقُ الْمُدَّعِي حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا. وَشَرْعًا: إِظْهَارُ الْمُكَلَّفِ الرَّشِيدِ الْمُخْتَارِ مَا عَلَيْهِ: لَفْظًا أَوْ كِتَابَةً فِي الْأَقْيَسِ، أَوْ إِشَارَةً، أَوْ عَلَى مُوَكِّلِهِ، أَوْ مَوْرُوثِهِ، أَوْ مُوَلِّيهِ، بِمَا يُمْكِنُ صِدْقُهُ فِيهِ وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ. وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: 81] الآية. {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] ، وَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] . وَرَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِهِ. وَقَالَ لِأُنَيْسٍ: «اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَلِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَلَى وَجْهٍ تَنْتَفِي عَنْهُ التُّهْمَةُ وَالرِّيبَةُ. وَلِهَذَا كَانَ آكَدَ مِنَ الشَّهَادَةِ. فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا اعْتَرَفَ لَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ. وَإِنْ كَذَّبَ الْمُدَّعِي بَيِّنَتَهُ لَمْ تُسْمَعْ. فَلَوْ كَذَّبَ الْمُقِرَّ ثُمَّ صَدَّقَهُ سُمِعَ. (يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْوَجِيزِ. أَيْ: يَصِحُّ بِمَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْتِزَامُهُ، كَحَقِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 فَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُمَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فيه دُونَ مَا زَادَ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُ   [المبدع في شرح المقنع] آدَمِيٍّ وَحَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، كَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ بِيَدِهِ وَوِلَايَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ. لَا مَعْلُومًا، وَلَا مَا هُوَ فِي مِلْكِهِ حِينَ الْإِقْرَارِ بِهِ عَلَى الْأَشْهَرِ. وَلَا مَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ. وَلَا لِمَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ بِحَالٍ. وَأَمَّا إِقْرَارُهُ عَلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَتَصَرُّفِهِ شَرْعًا، فَدَعْوَى أَوْ شَهَادَةٌ. فَإِذَا صَارَتْ بِيَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ شَرْعًا، لَزِمَهُ حُكْمُ إِقْرَارِهِ. وَيَصِحُّ مَعَ إِضَافَةِ الْمِلْكِ إِلَيْهِ، كَدَارِي، عَلَى الْأَصَحِّ. [إِقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ] (فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُمَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» الْخَبَرَ. وَكَذَا حَكَمُ الْمُبَرْسَمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; وَلِأَنَّهُ الْتِزَامُ حَقٍّ بِالْقَوْلِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ كَالْبَيْعِ. وَهَذَا إِذَا كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطْبِقٍ فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ فِي إِفَاقَتِهِ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ) فِيهِ كَالْبَالِغِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. كَعَبْدٍ قَبِلَ حَجْرَ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَزَادَ: مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَاتِّفَاقِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَمَنَعَ فِي الِانْتِصَارِ عَدَمَ صِحَّتِهِ، ثُمَّ سَلَّمَ لِعَدَمِ مَصْلَحَتِهِ فِيهِ. وَكَذَا الدَّعْوَى وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالتَّحْلِيفُ وَنَحْوُهُ. وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ صِحَّةَ إِقْرَارِ مُمَيِّزٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِي إِقْرَارِهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ إِذَا أَقَرَّ فِي قَدْرِ إِذْنِهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ ; لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَكَالطِّفْلِ. وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى غَيْرِ الْمَأْذُونِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: هُوَ حَمْلٌ بِلَا دَلِيلٍ. (دُونَ مَا زَادَ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ صِحَّةِ إِقْرَارِهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 السَّكْرَانِ، وَيَتَخَرَّجُ صِحَّتُهُ بِنَاءً عَلَى إطلاقه. وَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمُكْرَهِ إِلَّا أَنْ يُقِرَّ بِغَيْرِ   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: إِذَا أَقَرَّ مَنْ شَكَّ فِي بُلُوغِهِ فَأَنْكَرَهُ: صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. قَالَهُ الشَّيْخَانِ. لِحُكْمِنَا بِعَدَمِ يَمِينِهِ، أَيْ: بِعَدَمِ يَمِينِ الصَّبِيِّ. وَلَوِ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ قُبِلَ بِبَيِّنَةٍ. وَفِي التَّرْغِيبِ: يُصَدَّقُ صَبِيٌّ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِلَا يَمِينٍ. وَإِنْ قَالَ: أَنَا صَبِيٌّ. لَمْ يُحَلَّفْ وَيُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يُصَدَّقُ فِي سَنٍّ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ، وَهُوَ تِسْعُ سِنِينَ، وَيَلْزَمُهُ بِهَذَا الْبُلُوغِ مَا أَقَرَّ بِهِ. قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِهِ الْجَارِيَةُ. فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْبَتَ بِعِلَاجٍ أَوْ دَوَاءٍ لَا بِالْبُلُوغِ لَمْ يُقْبَلْ. ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَتَاوِيهِ. أَمَّا لَوْ قَالَ بَعْدَ الْبُلُوغِ: لَمْ أَكُنْ بَالِغًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ. قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّغَرُ. وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِذِمَّتِهِ ظَاهِرًا. وَلَوِ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ زَائِلَ الْعَقْلِ، لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: يُقْبَلُ إِذَا كَانَ عُهِدَ مِنْهُ جُنُونٌ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ قَبُولُهُ مِمَّنْ غُلِبَ عَلَيْهِ. (وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ) قِيَاسًا عَلَيْهِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى ; لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَلَا يُحْبَسُ بِهِ. وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ: يَصِحُّ بَعْدَ حَجْرِ سَيِّدِهِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فَأَقَرَّ، جَازَ. وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ ثُمَّ أَذِنَ فَأَقَرَّ بِهِ، صَحَّ. ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُمَا. [إِقْرَارُ السَّكْرَانِ] (وَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُ السَّكْرَانِ) أَيْ: فِي حَالِ غَيْرِ إِفَاقَتِهِ. نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ عَاقِلٍ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ كَالْمَجْنُونِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِصِحَّةِ قَوْلِهِ. (أو يَتَخَرَّجُ صِحَّتُهُ بِنَاءً عَلَى إطلاقِهِ) ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ تَجْرِي مَجْرَى أَفْعَالِ الصَّاحِي. وَقَالَ فِي الْكَافِي: السَّكْرَانُ بِمَعْصِيَةٍ، حُكْمُ إِقْرَارِهِ: حُكْمُ طَلَاقِهِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: أَمَّا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، فَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. [إِقْرَارُ الْمُكْرَهِ] (وَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمُكْرَهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ كَالْبَيْعِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، مِثْلُ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى الْإِقْرَارِ لِإِنْسَانٍ فَيُقِرَّ لِغَيْرِهِ، أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَيُقِرَّ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا. أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِدَنَانِيرَ فَيُقِرَّ بِدَرَاهِمَ، فَيَصِحُّ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ ثَمَرِهِ، فَبَاعَ دَارَهُ فِي ذَلِكَ، صَحَّ. وَأَمَّا الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ، فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِغَيْرِ الْمَالِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ، صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى: لَا   [المبدع في شرح المقنع] فَعَلَى هَذَا: تَحْرُمُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَكَتْبُ حُجَّةٍ. قَالَهُ فِي النُّكَتِ. (إِلَّا أَنْ يُقِرَّ بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، مِثْلَ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى الْإِقْرَارِ لِإِنْسَانٍ فَيُقِرَّ لِغَيْرِهِ. أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَيَقَرَّ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا. أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِدَنَانِيرَ فَيُقِرَّ بِدَرَاهِمَ فَيَصِحُّ) إِقْرَارُهُ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ فَصَحَّ مِنْهُ. كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ابْتِدَاءً. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ أَنْ يُقِرَّ بِأَلْفٍ، فَأَقَرَّ بِبَعْضِهَا لَمْ يَصِحَّ. فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامُ. لَكِنْ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مُقَيَّدًا أَوْ مَحْبُوسًا أَوْ مُوَكَّلًا بِهِ أَوْ هَدَّدَهُ قَادِرٌ، قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ; لِأَنَّ هَذَا دَلَالَةُ الْإِكْرَاهِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَمَارَةِ الْإِكْرَاهِ: اسْتَفَادَ بِهَا أَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، فَيُحَلَّفُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَلَمْ يَرْتَضِهِ فِي الْفُرُوعِ. فَرْعٌ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ. وَقِيلَ: يَتَعَارَضَانِ وَتَبْقَى الطَّوَاعِيَةُ فَلَا يُقْضَى بِهَا. وَلَوْ قَالَ مَنْ ظَاهِرُهُ الْإِكْرَاهُ: عَلِمْتُ لَوْ لَمْ أُقِرَّ أَيْضًا أُطْلِقْتُ، فَلَمْ أَكُنْ مُكْرَهًا، لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنْهُ، فَلَا يُعَارِضُ يَقِينَ الْإِكْرَاهِ. (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ ثَمَره، فَبَاعَ دَارَهُ فِي ذَلِكَ، صَحَّ) وَكُرِهَ شِرَاؤُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْبَيْعِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُكْرَهْ أَصْلًا. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ لِمَا سَبَقَ. 1 - مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَقَرَّ بِغَيْرِ حَدٍّ خَالِصٍ لِلَّهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ، لَمْ يُقْبَلْ. ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ زَادَ: وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُ. وَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: إنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ حَدٍّ أَنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ. قَالَ السَّامَرِّيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبًا. وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ، وَهُوَ مُسْلِمٌ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي. وَإِنْ أَقَرَّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ. تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. [إِقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ] (وَأَمَّا الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ، فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِغَيْرِ الْمَالِ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. (وَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 يَصِحُّ، بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ. وَلَا يُحَاصُّ الْمُقَرُّ لَهُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي: يُحَاصُّهُمْ وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، إِلَّا أَنْ يُقِرَّ لِامْرَأَتِهِ   [المبدع في شرح المقنع] أَقَرَّ بِمَالٍ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ، صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) كَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَفِي الْكَافِي: أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ إِجْمَاعُ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ. فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ. (وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ عَطِيَّةِ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيٍّ، بِخِلَافِ الثُّلُثِ فَمَا دُونَ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. ذَكَرَهَا فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ كَالْإِقْرَارِ لِوَارِثٍ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ، أَشْبَهَ الْمُفْلِسَ. (وَلَا يُحَاصُّ الْمُقَرُّ لَهُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ) قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ السَّامَرِّيُّ، سَوَاءٌ أَخَبَرَ بِلُزُومِهِ قَبْلَ الْمَرَضِ أَوْ بَعْدَهُ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِتَرِكَتِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْفَلَسِ. (وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي) وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: (يُحَاصُّهُمْ) إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ وَفَاءٌ لِلْجَمِيعِ ; لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ يَجِبُ قَضَاؤُهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَتَسَاوَيَا كَدَيْنِ الصِّحَّةِ، وَكَمَا لَوْ ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ الَّتِي تَقُولُ: لَا تَصِحُّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ: لَا يُحَاصُّ. فَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا جَمِيعًا فِي الْمَرَضِ تَسَاوَيَا ; لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الْحَالِ، كَغَرِيمَيِ الصِّحَّةِ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِعَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ، أَوْ عَكْسِهِ: فَرَبُّ الْعَيْنِ أَحَقُّ. وَفِي الثَّانِيَةِ: احْتِمَالٌ فِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ، كَإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ. فَإِنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لَزِمَهُ فِي حَقِّهِ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا الْمُقَرُّ لَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْغُرَمَاءُ فِي الْأَشْهَرِ. (وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ أَجَازَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ. وَظَاهِرُ نَصِّهِ: لَا. وَهُوَ ظَاهِرُ الِانْتِصَارِ. وَالْأَوَّلُ: أَوْلَى ; لِأَنَّهُ إِيصَالُ الْمَالِ إِلَى وَارِثِهِ بِقَوْلِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْهِبَةِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَيَصِحَّ. وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ، فَهَلْ يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ؛ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] بَيِّنَةٌ أَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ إِذَا لَمْ يُتَّهَمْ، كَمَنْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ عَمٍّ، فَأَقَرَّ لِابْنَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ أَقَرَّ لِابْنِ عَمِّهِ قُبِلَ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ التُّهْمَةَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا بِنَفْسِهَا، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِمَظِنَّتِهَا، وَهُوَ الْإِرْثُ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ ; لِأَنَّ مَنْ صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ فِي الصِّحَّةِ صَحَّ فِي الْمَرَضِ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَعَلَى الْأَوَّلِ (إِلَّا أَنْ يُقِرَّ لِامْرَأَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَيَصِحُّ) نَصَّ عَلَيْهِ. بِالزَّوْجِيَّةِ لَا بِإِقْرَارِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ ; لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ بِمَا يُحَقَّقُ سَبَبُهُ، وَعُلِمَ وُجُوبُهُ، وَلَمْ تُعْلَمِ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَقَرَّ لِلْبَائِعِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَكُونُ مِنَ الثُّلُثِ. وَفِي التَّبْصِرَةِ وَنِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ وَالْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ: يَصِحُّ بِمَهْرِ مِثْلِهَا. فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ لَهَا بِالْإِقْرَارِ لَا بِالزَّوْجِيَّةِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ. فَلَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ، لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَخَذَتْهُ مِنْهُ، نَقَلَهُ مُهَنَّا. (وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ) بِمَالٍ (فَهَلْ يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِلَفْظَيْنِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ شَهِدَ لِابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ بِشَيْءٍ. وَفَرَّقَ فِي الشَّرْحِ بَيْنَهُمَا: بِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى، وَلِذَلِكَ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَالَةُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إِنْ عَزَاهُ إِلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ. فَرْعٌ: يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِأَخْذِ دَيْنِ صِحَّةٍ وَمَرَضٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ، فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ، لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ. وَإِنْ أَقَرَّ   [المبدع في شرح المقنع] وَذَكَرَ الشَّرِيفُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ: إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَاءِ دُيُونِهِ، قُبِلَ مِنْهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: لَا يَصِحُّ بِقَبْضِ مَهْرٍ وَخُلْعٍ، بَلْ حَوَالَةٍ وَمَبِيعٍ وَقَرْضٍ. وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ. (وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ، فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ، لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ. وَإِنْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ صَحَّ. وَإِنْ صَارَ وَارِثًا صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ) نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الْإِقْرَارِ لَا الْمَوْتِ. فَيَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى ; لِلتُّهْمَةِ فِيهَا، بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ كَالشَّهَادَةِ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ ثَبَتَ الْإِقْرَارُ؛ وَصَحَّ لِوُجُودِهِ مِنْ أَهْلِهِ خَالِيًا عَنْ تُهْمَةٍ، فَثَبَتَ الْحَقُّ بِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مُسْقِطٌ فَلَا يَسْقُطُ. وَإِذَا أَقَرَّ لِوَارِثٍ وَقَعَ بَاطِلًا لِاقْتِرَانِ التُّهْمَةِ بِهِ، فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ: لَا يَلْزَمُ ـ لَا بُطْلَانُهُ ـ ; لِأَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ. (وَقِيلَ: إِنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْمَوْتِ، فَيَصِحُّ فِي الْأُولَى، وَلَا يَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ، كَالْوَصِيَّةِ) وهو رِوَايَةٌ ; لِأَنَّهُ مَعْنًى يُعْتَبَرُ فِيهِ عَدَمُ الْمِيرَاثِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ حَالَةُ الْمَوْتِ كَالْوَصِيَّةِ. وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَطِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا حَالَةُ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَأَطْلَقَ فِي الْوَجِيزِ: الصِّحَّةَ فِيهِمَا. وَهُوَ غَرِيبٌ. وَكَذَا الْحُكْمُ إِنْ أَعْطَاهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ) أَيْ: إِذَا مَاتَ فِي مَرَضِهِ ; لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ لِوَارِثٍ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُبِنْهَا؛ وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ إِمَّا بِحَالِ الْإِقْرَارِ، أَوْ بِحَالِ الْمَوْتِ، وَالزَّوْجَةُ وَارِثَةٌ فِي الْحَالَيْنِ. وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَوْ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَاتَ، بَطَلَ إِلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ مَرِيضٌ بِهِبَةٍ أَنَّهَا صَدَرَتْ مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، صَحَّ ; لِأَنَّهُ وَهَبَ وَارِثًا. وَفِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ: يَصِحُّ لِأَجْنَبِيٍّ كَإِنْشَائِهِ. وَفِيهِ لِوَارِثٍ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ كَالْإِنْشَاءِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ أَوْ صُدِّقَ فِيهِ، ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُ الْوَارِثِ لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْقَبُولِ. وَفِي الرَّوْضَةِ وَالِانْتِصَارِ: لَا يَصِحُّ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 لِغَيْرِ وَارِثٍ صَحَّ. وَإِنْ صَارَ وَارِثًا صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْمَوْتِ، فَيَصِحُّ فِي الْأُولَى، وَلَا يَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ، كَالْوَصِيَّةِ. وَإِنْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِوَارِثٍ، صَحَّ. وَإِنْ أَقَرَّ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي صِحَّتِهِ، لَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُهَا. فصل وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ طَلَاقٍ، صَحَّ وَأُخِذَ بِهِ إِلَّا أَنْ يُقِرَّ بِقِصَاصٍ   [المبدع في شرح المقنع] (وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِوَارِثٍ، صَحَّ) صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْح، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ ; لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ، فَصَحَّ. كَمَا لَوْ لَمْ يَصِرْ وَارِثًا. (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ) لِأَنَّهُ حِينَ الْمَوْتِ وَارِثٌ، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ بِمَالٍ. وَجَوَابُهُ هُنَا: إِقْرَارٌ بِمَالٍ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، وَهُنَاكَ مِنْ طَرِيقِ الصَّرِيحِ، وَالْأُصُولُ فَرَّقْتَ بَيْنَ الْإِقْرَارَيْنِ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي صِحَّتِهِ، لَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُهَا) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَكَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ. تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِإِحْبَالِ الْأَمَةِ ; لِأَنَّهم يَمْلِكُ ذَلِكَ، فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ. وَكَذَا كُلُّ مَا مَلَكَهُ: مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ. فَإِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِهِ، فَوَلَدُهُ حُرُّ الْأَصْلِ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَإِنْ قَالَ: مِنْ نِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ. عَتَقَ الْوَلَدُ، وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. فَإِنْ كَانَ مِنْ نِكَاحٍ فَعَلَيْهِ الْوَلَاءُ ; لِأَنَّهُ مَسَّهُ رِقٌّ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنِ السَّبَبَ فَالْأَصْلُ الرِّقُّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِيلَادُهَا فِي مِلْكِهِ. وَلَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ، قَامَ مَقَامَهُ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ اسْتِيلَادِهَا. [فصل فِي إِقْرَارِ الْعَبْدِ] [إِقْرَارُ الْعَبْدِ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ طَلَاقٍ] فصل (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ طَلَاقٍ، صَحَّ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 فِي النَّفْسِ، فَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فِيمَا يَجِبُ بِهِ مِنَ الْمَالِ. وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِمَالٍ، لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحَالِ وَيُتْبَعْ بِهِ بَعْدَ   [المبدع في شرح المقنع] يُسْتَوْفَى مِنْ بَدَنِهِ، وَذَلِكَ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ ; لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ إِلَّا الْمَالَ. وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» . وَمَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ. (وَأَخَذَ بِهِ) فِي الْحَالِ ; لِأَنَّ مَنْ صَحَّ إِقْرَارُهُ أُخِذَ بِهِ كَالْحَدِّ، وَكَسَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ، وَسَوَاءٌ أَبَقَ أَمْ لَا. (إِلَّا أَنْ يُقِرَّ بِقِصَاصٍ فِي النَّفْسِ، فَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَالَهُ زُفَرُ وَالْمُزَنِيُّ ; لِأَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ السَّيِّدِ بِهِ، أَشْبَهَ الْإِقْرَارَ بِقَتْلِ الْخَطَأِ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي أَنَّهُ يُقِرُّ لِمَنْ يَعْفُو عَلَى مَالٍ، فَيَسْتَحِقُّ رَقَبَتَهُ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ طَلَبُ الدَّعْوَى مِنْهُ وَمِنْ سَيِّدِهِ جَمِيعًا. (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) وَابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: (يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ) كَالْأَطْرَافِ؛ وَلِأَنَّ إِقْرَارَ مَوْلَاهُ عَلَيْهِ بِهِ لَا يَصِحُّ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ لَتَعَطَّلَ. وَعَلَى هَذَا: يَطْلُبُهَا مِنْهُ فَقَطْ. وَلَيْسَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالْقَوَدِ الْعَفْوُ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ مَالٍ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِقَوَدٍ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا. وَقِيلَ: فِي إِقْرَارِهِ بِالْعُقُوبَاتِ رِوَايَتَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ. وَنَصُّهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ فِي غَيْرِ قَتْلٍ. (وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، لَمْ يُقْبَلْ) ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ إِلَّا الْمَالَ. وَقِيلَ: إِنْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ، وَجَبَ الْمَالُ دُونَ الْقَوَدِ ; لِأَنَّ الْمَالَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَهِيَ مَالٌ لِلسَّيِّدِ، فَصَحَّ إِقْرَارُهُ بِهِ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ. اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي. (إِلَّا فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَيُقْبَلُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْمَالُ) لِأَنَّ الْمَالَ لِلسَّيِّدِ. وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ لِلْعَبْدِ لَا لِلسَّيِّدِ. [إِقْرَارُ الْعَبْدِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِمَالٍ] (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِمَالٍ) أَوْ بِمَا يُوجِبُهُ، أَوْ مَأْذُونٌ لَهُ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالتِّجَارَةِ كَقَرْضٍ وَجِنَايَةٍ (لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. (وَيُتْبَعُ بِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 الْعِتْقِ. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِمَالٍ أَوْ بمَا يُوجِبُهُ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ قُبِلَ. وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ فِي يَدِهِ، وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ، قُبِلَ إِقْرَارُهُ فِي الْقَطْعِ دُونَ الْمَالِ. وَإِنْ أَقَرَّ لِعَبْدِهِ، أَوِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ عَبَدَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِأَلْفٍ، وَأَقَرَّ   [المبدع في شرح المقنع] بَعْدَ الْعِتْقِ) نَصَّ عَلَيْهِ. عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمُفْلِسِ. (وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ كَجِنَايَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْجِنَايَةَ فِعْلٌ، وَفِعْلُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ، وَمَا صَحَّ إِقْرَارُ الْعَبْدِ فِيهِ فَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ، وَإِلَّا فَسَيِّدُهُ. [أَقَرَّ السَّيِّدُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَالٍ أَوْ بِمَا يُوجِبُهُ] (وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِمَالٍ أَوْ بِمَا يُوجِبُهُ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ قُبِلَ) لِأَنَّ الْمَالَ حَقُّهُ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ كَسَائِرِ مَالِهِ. وَفِي الْكَافِي: إِنْ أَقَرَّ بِقَوَدٍ وَجَبَ الْمَالُ، وَيَفْدِي السَّيِّدُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ. فَائِدَةٌ: الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَالْقَنِّ. 1 - فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ مُكَاتَبٌ بِجِنَايَةٍ، تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ وَرَقَبَتِهِ. وَقِيلَ: لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِذِمَّتِهِ كَالْمَأْذُونِ. وَقَالَ السَّامَرِّيُّ: إِنْ أَقَرَّ مُكَاتَبٌ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ لَزِمَتْهُ، فَإِنْ عَجَزَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالسَّيِّدِ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَهُ الْقَاضِي. [أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ فِي يَدِهِ] (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ فِي يَدِهِ، وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ، قُبِلَ إِقْرَارُهُ فِي الْقَطْعِ دُونَ الْمَالِ) لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقٌّ لَهُ فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ فِي طَرْفٍ. وَأَمَّا الْمَالُ فَهُوَ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ فَلَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُ الْعَبْدِ بِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِمَالٍ فِي يَدِهِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ شُبْهَةٌ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يُعْتَقَ، وَيُتْبَعُ بِالْمَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَيَفْدِيهِ سَيِّدُهُ أَوْ يُسَلِّمُهُ بِهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. [أَقَرَّ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ أَوِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ] (وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ أَوِ الْعَبْدُ) غَيْرُ مُكَاتَبٍ (لِسَيِّدِهِ لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ إِقْرَارُهُمَا بِمَا بِيَدِهِمَا إِنْ قُلْنَا الْعَبْدُ يَمْلِكُ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ عَبْدٌ بِرِقِّهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ، لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِذَلِكَ، قُبِلَ ; لِأَنَّهُ فِي يَدِ السَّيِّدِ لَا فِي يَدِ نَفْسِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِأَلْفٍ، وَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِهِ ثَبَتَ) لِاتِّفَاقِهِمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 الْعَبْدُ بِهِ ثَبَتَ. وَإِنْ أَنْكَرَ عَتَقَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْأَلْفُ. وَإِنْ أَقَرَّ لَعَبْدِ غَيْرِهِ بِمَالٍ صَحَّ، ويكون لِمَالِكِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِبَهِيمَةٍ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ، فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهَا. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ فِي نَفْسِهَا، وَلَا يُقْبَلُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَرِقِّ الْأَوْلَادِ. وَإِنْ أَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَدًا كَانَ رَقِيقًا. وَإِذَا أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ هَلْ أَتَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ.   [المبدع في شرح المقنع] عَلَيْهِ، وَتَكُونُ كَالْكِتَابَةِ. (وَإِنْ أَنْكَرَ عَتَقَ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ. (وَلَمْ تَلْزَمْهُ الْأَلْفُ) لِأَنَّهُ مُدَّعٍ لَهَا. وَيَحْلِفُ الْعَبْدُ، عَلَى الْأَشْهَرِ. وَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ أَجْنَبِيًّا فَأَعْتَقَهُ فَأَنْكَرَهُ، عَتَقَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَحَلَفَ الْمُنْكِرُ عَلَى الثَّمَنِ. (وَإِنْ أَقَرَّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ بِمَالٍ صَحَّ، وَيَكُونُ لِمَالِكِهِ) لِأَنَّ السَّيِّدَ هُوَ الْجِهَةُ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا الْإِقْرَارُ، فَتَعَيَّنَ جَعْلُ الْمَالِ لَهُ، فَكَانَ الْإِقْرَارُ لِسَيِّدِهِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ بِتَصْدِيقِهِ وَيَبْطُلُ بِرَدِّهِ ; لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِ سَيِّدِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ لِبَهِيمَةٍ لَمْ يَصِحَّ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ، وَلَا لَهَا أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، كَقَوْلِهِ: بِسَبَبِهَا. زَادَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: يَدْفَعُ لِمَالِكِهَا كَالْإِقْرَارِ لِعَبْدِهِ فَيُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ بِسَبَبِ هَذِهِ الْبَهِيمَةِ. لَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا لِأَحَدٍ ; لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ ذِكْرُ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ. وَإِنْ قَالَ: لِمَالِكِهَا، أَوْ لِزَيْدٍ عَلَيَّ بِسَبَبِهَا أَلْفٌ صَحَّ. وَفِي الْفُرُوعِ: لَوْ قَالَ: لِمَالِكِهَا عَلَيَّ بِسَبَبِ حَمْلِهَا. فَإِنِ انْفَصَلَ وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. فَرْعٌ: لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِدَارٍ إِلَّا مَعَ السَّبَبِ. وَإِنْ أَقَرَّ لِمَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، وَذَكَرَ سَبَبًا صَحِيحًا لعله وَقْفِهِ صَحَّ. وَإِنْ أَطْلَقَ، فَالْأَشْهَرُ صِحَّتُهُ. [تَزَوَّجَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ] (وَإِنْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ، فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهَا) لِأَنَّ الْحُرِيَّةَ حَقٌّ لِلَّهِ فَلَمْ تَرْتَفِعْ بِقَوْلِ أَحَدٍ، كَالْإِقْرَارِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ. (وَعَنْهُ: يُقْبَلُ فِي نَفْسِهَا) صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِمَالٍ. (وَلَا يُقْبَلُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَرِقِّ الْأَوْلَادِ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ. (وَإِنْ أَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَدًا كَانَ رَقِيقًا) لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ ثُبُوتِ رِقِّهَا. (وَإِذَا أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ هَلْ أَتَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) : الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 فصل وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِنَسَبٍ صَغِيرٍ، أَوْ مَجْنُونٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ، أَنَّهُ ابْنُهُ، ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَرِثَهُ. وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا عَاقِلًا لَمْ يَثْبُتْ حَتَّى يُصَدِّقَهُ. وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدُهُمَا: ـ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ـ إنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ; لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَتَتْ بِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. وَالثَّانِي: بَلَى ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَلَدِهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِهِ. [فصل الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ] [أَقَرَّ الرَّجُلُ بِنَسَبٍ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ ابْنُهُ] فصل (وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِنَسَبِ صَغِيرٍ، أَوْ مَجْنُونٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ، أَنَّهُ ابْنُهُ، ثَبْتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّخْصَ لَا يُلْحَقُ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ صِدْقُهُ، وَأَنْ لَا يَدْفَعَ بِهِ نَسَبًا لِغَيْرِهِ، وَلَا يُنَازِعُهُ فِيهِ مُنَازِعٌ. وَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ. زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ: وَلَوْ أَسْقَطَ وَارِثًا مَعْرُوفًا، فَإِذَا بَلَغَ أَوْ عَقَلَ فَأَنْكَرَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ نَسَبٌ حُكِمَ بِثُبُوتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِرَدِّهِ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ. وَلَوْ طَلَبَ إِحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ ; لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ عَادَ فَجَحَدَ النَّسَبَ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. وَقِيلَ: يَسْقُطُ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهُ، كَالْمَالِ. وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ ; لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ. (وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَرِثَهُ) الْمُقِرُّ. نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَالْوَجِيزِ ; لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِهِ مَعَ الْحَيَاةِ الْإِقْرَارُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا. وَقِيلَ: لَا يَرِثُهُ لِلتُّهْمَةِ فِي أَخْذِ مِيرَاثِهِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: إِذَا مَاتَ الْمُقِرُّ وَرِثَهُ الْمُقَرُّ بِهِ. (وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا عَاقِلًا لَمْ يَثْبُتْ حَتَّى يُصَدِّقَهُ) لِأَنَّ لَهُ قَوْلًا صَحِيحًا فَاعْتُبِرَ تَصْدِيقُهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ. وَحِينَئِذٍ إِذَا صَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ ; لِأَنَّ بِتَصْدِيقِهِ يَحْصُلُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى التَّوَارُثِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا. (وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ) : الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ، فَادَّعَتِ الزَّوْجِيَّةَ، لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ. وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ، لَمْ يُقْبَلْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدُهُمَا: يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَإِرْثُهُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ، أَشْبَهَ الصَّغِيرَ. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ نَسَبَ الْمُكَلَّفِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِتَصْدِيقِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَأَجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ تَكْرَارُهُ فِي الْمَنْصُوصِ، فَيَشْهَدُ الشَّاهِدَانِ بِنَسَبِهِمَا بِدُونِهِ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ بِأَبٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ مَوْلَى أَعْتَقَهُ، قُبِلَ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ. وَفِي الْوَسِيلَةِ: إِذَا قَالَ عَنْ بَالِغٍ: هُوَ ابْنِي، أَوْ أَبِي. فَسَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ. فَائِدَةٌ: قَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ وَمَعَهَا طِفْلٌ، فَأَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ، لَحِقَهُ لِوُجُودِ الْإِمْكَانِ وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ. وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِهِ. وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتِ امْرَأَةُ رَجُلٍ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْبَتِهِ، لَحِقَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قُدُومٌ إِلَيْهَا، وَلَا عُرِفَ لَهَا خُرُوجٌ مِنْ بَلَدِهَا. (وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ فَادَّعَتِ الزَّوْجِيَّةَ، لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَيَدْخُلُ فِيهِ: مَا إِذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ صَغِيرٍ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِزَوْجِيَّةِ أُمِّهِ. وَكَذَا دَعْوَى أُخْتِهِ الْبُنُوَّةَ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. تَنْبِيهٌ: لَهُ أَمَتَانِ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدٌ وَلَا زَوْجَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا، فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ: ابْنِي. أُخِذَ بِالْبَيَانِ. فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَحُرِّيَّتُهُ، وَيُطَالَبُ بِبَيَانِ الِاسْتِيلَادِ. فَإِنْ قَالَ: اسْتَوْلَدْتُهَا فِي مِلْكِي. فَالْوَلَدُ حُرُّ الْأَصْلِ، أُمُّهُ أَمُّ وَلَدٍ. وَإِنْ قَالَ: مِنْ نِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ. فَالْأَمَةُ وولدها رَقِيقُ قِنٍّ. ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَتُرَقُّ الْأُخْرَى وَوَلَدُهَا. وَإِنِ ادَّعَتِ الْأُخْرَى أَنَّهَا الْمُسْتَوْلَدَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَتَعَيَّنِ الْوَارِثُ، عُرِضَ عَلَى الْقَافَةِ، فَأُلْحِقَ بِمَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ الْقَافَةُ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَافَةً أَوْ أُشْكِلَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَيُعْتَقُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 مَوْتِهِمَا ـ وَهُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ ـ صَحَّ إِقْرَارُهُ، وَثَبَتَ النَّسَبُ. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ، وَلِلْمُقَرِّ لَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ مَا فَضَلَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ. وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ بِنَسَبِ   [المبدع في شرح المقنع] وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَرِثُ. ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتَانِ ; لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقُرْعَةِ فِي تَمْيِيزِ النَّسَبِ، وَلَهَا مَدْخَلٌ فِي تَمْيِيزِ الرِّقِّ مِنَ الْحُرِّيَّةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ السَّامَرِّيُّ، ثُمَّ ذَكَرَ: أَنَّهُ يُجْعَلُ سَهْمُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ; لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَسْتَحِقُّ نَصِيبَ وَلَدٍ وَلَا يُعْرَفُ عَيْنُهُ، فَلَا تَسْتَحِقُّهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ، فَيَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ: يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ، وَيُسْتَسْعَى فِي بَاقِيهِ وَلَا يُرَقَّانِ. فَرْعٌ: إِذَا بَاعَ وَاشْتَرَى، ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِزَيْدٍ، صَحَّ وَلَمْ تَبْطُلْ عُقُودُهُ الْمَاضِيَةُ. [أَقَرَّ بِنَسَبِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ] (وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ لَمْ يُقْبَلْ) لِأَنَّ إِقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ. (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ـ وَهُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ ـ صَحَّ إِقْرَارُهُ، وَثَبَتَ النَّسَبُ) لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، وهي مُتَّفَقٌ عليها مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ؛ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ مَوْرُوثِهِ فِي حُقُوقِهِ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ، إِلَّا اللَّهُمَّ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ قَدْ نَفَاهُ، فَلَا يَثْبُتُ ; لِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى غَيْرِهِ نَسَبًا حُكِمَ بِنَفْيِهِ. وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ: مَا إِذَا كَانَ الْوَارِثُ ابْنَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهَا تَحُوزُ الْمَالَ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، فَإِنْ أَقَرَّتِ الزَّوْجَةُ بِابْنٍ لِزَوْجِهَا الْمَيِّتِ ـ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ غَيْرِهَا ـ أَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِابْنٍ لَهَا مَنْ غَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَصَدَّقَهُمَا نَائِبُ الْإِمَامِ ثَبَتَ النَّسَبُ. وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْمُقِرَّ إِذَا كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي الْمَالِ، فَكَذَا فِي النَّسَبِ. (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى فِي حَقِّ شَرِيكِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ فِي حَقِّهِ. فَلَوْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ عَاقِلًا وَمَجْنُونًا، فَأَقَرَّ الْعَاقِلُ بِأَخٍ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ. فَإِنْ مَاتَ الْمَجْنُونُ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ أَخِيهِ اعْتُبِرَ وِفَاقُهُ، وَإِلَّا كَفَى إِقْرَارُهُ. (وَلِلْمُقَرِّ لَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ مَا فَضَلَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ) أَوْ كُلُّهُ، إِنْ كَانَ يُسْقِطُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرَائِضِ. وَلَوْ مَاتَ الْمُنْكِرُ، وَالْمُقِرُّ وَارِثُهُ، ثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ مِنْهُمَا. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ، لَكِنْ يُعْطِيهِ الْفَاضِلَ فِي يَدِهِ عَنْ إِرْثِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 وَارِثٍ، لَمْ يُقْبَلْ إقراره، إِلَّا أَنْ يُصَدِّقُهُ مَوْلَاهُ. وَإِنْ أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ بِنِكَاحٍ عَلَى نَفْسِهَا، فَهَلْ يُقْبَلُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا بِهِ، قُبِلَ إِنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ أَقَرَّ   [المبدع في شرح المقنع] فَلَوْ مَاتَ الْمُقِرُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ بَنِي عَمٍّ، وَكَانَ الْمُقِرُّ أَخًا به، وَرِثَهُ دُونَهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي: يرثونه دون الْمُقَرّ بِهِ. وَلَوْ مَاتَ الْمُقِرُّ بِنَسَبٍ مُمْكِنٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَلَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا مِنْ ذَوِي سَهْمٍ وَلَا رَحِمٍ وَلَا مَوْلَى سِوَى الْمُقَرِّ بِهِ، جُعِلَ الْإِقْرَارُ كَالْوَصِيَّةِ، فَيُعْطَى ثُلُثَ الْمَالِ فِي وَجْهٍ، وَفِي الْآخَرِ جَمِيعَهُ. وَقِيلَ: لَا يُجْعَلُ كَالْوَصِيَّةِ، وَيَكُونُ الْإِرْثُ لِبَيْتِ الْمَالِ. [أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ بِنَسَبِ وَارِثٍ] (وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ بِنَسَبِ وَارِثٍ، لَمْ يُقْبَلْ إقراره، إِلَّا أَنْ يُصَدِّقُهُ مَوْلَاهُ) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِمَا يُسْقِطُهُ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُقْبَلَ بِدُونِهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِكُلِّ وَارِثٍ حَتَّى أَخٍ أَوْ عَمٍّ، بِشَرْطِ إِمْكَانِهِ وَتَصْدِيقِهِ إِنْ كَانَ مُكَلَّفًا. أَصْلٌ: إِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، أَوْ شَهِدَ بِهَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ، عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَيَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَائِعِ ; لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِرِقِّهِ. وَفِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لِلِاسْتِنْقَاذِ، فَإِذَا صَارَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ ; لِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ. فَإِنْ مَاتَ وَخَلَّفَ مَالًا فَرَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ إِقْرَارِهِ، فَالْمَالُ لَهُ ; لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَدَّعِيهِ سِوَاهُ. وَإِنْ رَجَعَا مَعًا، احْتُمِلَ أَنْ يُوقَفَ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا وَلَا يُعْرَفُ عَيْنُهُ. وَاحْتُمِلَ أَنَّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ يَأْخُذُهُ وَيَحْلِفُ ; لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَقِيلَ: يُقَرُّ فِي يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ: هُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ بِكُلِّ حَالٍ. وَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ فِي هَذَا الْبَيْعِ وَجْهَانِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ ثُبُوتِهِمَا لِلْمُشْتَرِي. وَإِنْ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ صَحَّ، وَلَمْ يَثْبُتَا فِيهِ، بَلْ يُعْتَقُ فِي الْحَالِ. وَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ فِي يَدِهِ فَرِوَايَتَانِ. [أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ بِنِكَاحٍ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا] (وَإِنْ أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ بِنِكَاحٍ عَلَى نَفْسِهَا، فَهَلْ يُقْبَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 أَنَّ فُلَانَةً امْرَأَتُهُ أَوْ أَقَرَّتْ أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا، فَلَمْ يُصَدِّقِ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ، صَحَّ وَوَرِثَهُ. وَإِنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ عَلَى مَوْرُوثِهِمْ بِدَيْنٍ لَزِمَهُمْ قَضَاؤُهُ مِنَ   [المبدع في شرح المقنع] أَشْهَرُهُمَا: ـ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ـ أَنَّهُ يُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهَا فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِمَالٍ؛ وَلِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِإِضَافَةِ الْإِقْرَارِ إِلَى شَرَائِطِهِ، وَكَبَيْعِ سِلْعَتِهَا. وَالثَّانِيَةُ: لَا ; لِأَنَّهَا تَدَّعِي النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ حُصُولُهَا بِالْإِقْرَارِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمَا بِبَلَدِ غُرْبَةٍ لِلضَّرُورَةِ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: يُقْبَلُ إِنِ ادَّعَى زَوْجِيَّتَهَا وَاحِدٌ لَا اثْنَانِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي: يَصِحُّ إِقْرَارُ بِكْرٍ بَالِغٍ بِهِ، وَإِنْ جَبَرَهَا الْأَبُ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِمَا لَا إِذْنَ فِيهِ، كَصَبِيٍّ أَقَرَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَنَّ أَبَاهُ أَجَّرَهُ فِي صِغَرِهِ، وَمَعَ بَيِّنَتِهِمَا يُقَدَّمُ أَسْبَقُهُمَا. فَإِنْ جُهِلَ عُمِلَ بِقَوْلِ الْوَلِيِّ. ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ وَالْمُبْهِجِ. (وَإِنْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا بِهِ، قُبِلَ إِنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً) نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ، وَكَذَا يُقْبَلُ إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَهِيَ مُقِرَّةٌ لَهُ بِالْإِذْنِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ. (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً فَلَا يُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى نِكَاحَ صَغِيرَةٍ بِيَدِهِ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، فَسَخَهُ حَاكِمٌ. وَإِنْ صَدَّقَتْهُ إِذَا بَلَغَتْ قُبِلَ؛ فَدَلَّ أَنَّ مَنِ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا فَأَنْكَرَ، فَطَلَبَتِ الْفُرْقَةَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ. وَسُئِلَ عَنْهَا الْمُؤَلِّفُ فَلَمْ يُجِبْ. (وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانَةَ امْرَأَتُهُ، أَوْ أَقَرَّتْ أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا، فَلَمْ يُصَدِّقِ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ، صَحَّ وَوَرِثَهُ) كَمَا لَوْ صَدَّقَهُ فِي الْحَيَاةِ، وَفِيهَا خِلَافُ الْقَاضِي. الثَّانِيَةُ: لَمْ يَجْحَدْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ. مَسْأَلَةٌ: وَهِيَ الْكِتَابُ فَيَصِحُّ وَتَرِثُهُ. وَيَتَخَرَّجُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَارِثِ بَعْدَهَا لَا إِرْثَ. الثَّالِثَةُ: كَذَّبَهُ فِي حَيَاتِهِ وَصَدَّقَهَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَوَجْهَانِ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 التَّرِكَةِ. فَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ لَزِمَهُم مِنْهُ بِقَدْرِ إرثه، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ، لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ. فصل: إِذَا أَقَرَّ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ صَحَّ. فَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ بَطَلَ، وَإِنْ وَلَدَتْ   [المبدع في شرح المقنع] أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا ; لِأَنَّهُ وُجِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِشَرْطِهِ، إِذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّصْدِيقِ الْفَوْرِيَّةُ. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهُ إِذَا كَذَّبَهُ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ مُتَّهَمٌ؛ لِحُصُولِ مَا يُنَافِيهِ قَبْلَهُ. قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ أَنْكَرَ الزَّوْجِيَّةَ، فَأَبْرَأَتْهُ فَأَقَرَّ بِهَا: لَهَا طَلَبُهُ بِحَقِّهَا. [أَقَرَّ الْوَرَثَةُ عَلَى مَوْرُوثِهِمْ بِدَيْنٍ] (وَإِنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ عَلَى مَوْرُوثِهِمْ بِدَيْنٍ لَزِمَهُمْ قَضَاؤُهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ عَلَى مَوْرُوثِهِمْ. (مِنَ التَّرِكَةِ) أَيْ: يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالتَّرِكَةِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ فِي حَيَاتِهِ ـ وَالْإِقْرَارُ أَبْلَغُ مِنَ الْبَيِّنَةِ ـ وَيَلْزَمُ الْوَارِثَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا، أَوْ قَدْرُ الدَّيْنِ كَالْجَانِي. (فَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ) بِلَا شَهَادَةٍ. (لَزِمَهُمْ مِنْهُم بِقَدْرِ إِرْثِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ. فَإِذَا وَرِثَ النِّصْفَ فَنِصْفُ الدَّيْنِ، كَإِقْرَارِهِ بِوَصِيَّةٍ لَا كُلُّ إِرْثِهِ. وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. وَهَذَا مَا لَمْ يَشْهَدْ مِنْهُمْ عَدْلَانِ، أَوْ عَدْلٌ وَيَمِينٌ، فَيَلْزَمُهُمُ الْجَمِيعُ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: إِنْ أَقَرَّ عَدْلَانِ أَوْ عَدَلٌ وَيَمِينٌ ثَبَتَ، وَمُرَادُهُ: وَشَهِدَ الْعَدْلُ. وَهُوَ مَعْنَيَ مَا فِي الرَّوْضَةِ. وَفِيهَا: إِنْ خَلَّفَ وَارِثًا وَاحِدًا لَا يَرِثُ كُلَّ الْمَالِ كَبِنْتٍ وَأُخْتٍ، فَأَقَرَّ بِمَا يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ، أَخَذَ رَبُّ الدَّيْنِ كُلَّ مَا بِيَدِهَا. (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ، لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ دَيْنُهُ إِذَا كَانَ حَيًّا مُفْلِسًا، كَذَا هُنَا إِذَا كَانَ مَيِّتًا. فَرْعٌ: يُقَدَّمُ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. وَقِيلَ: بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا. وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا مَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. [فصل إِذَا أَقَرَّ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ] فصل. (إِذَا أَقَرَّ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ) بِمَالٍ (صَحَّ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 حَيًّا وَمَيِّتًا فَهُوَ لِلْحَيِّ، وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا حَيَّيْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ إِلَّا أَنْ يعزيه إِلَى سَبَبٍ مِنْ إِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ. وَمَنْ أَقَرَّ لِكَبِيرٍ عَاقِلٍ بِمَالٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ بَطَلَ إِقْرَارُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: يُؤْخَذُ الْمَالُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ.   [المبدع في شرح المقنع] الْفُرُوعِ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ، فَصَحَّ كَالطِّفْلِ. (فَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ، بَطَلَ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ. وَكَذَا إِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ مَعَ وُجُوبِ تَفْسِيرِهِ، أَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعُ سِنِينَ مَعَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا. وَقِيلَ: إِنْ مَاتَ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ صَحَّ، وَنَزَلَ عَلَى مَا أَمْكَنَ. (وَإِنْ وَلَدَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا فَهُوَ لِلْحَيِّ) لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ مُحَقَّقٌ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ. (وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا حَيَّيْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يَعْزُوَهُ إِلَى مَا يُوجِبُ التَّفَاضُلَ مِنْ إِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَيُعْمَلُ بِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: بَلْ أَثْلَاثًا. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ أَطْلَقَ، كُلِّفَ ذِكْرَ السَّبَبِ، فَيَصِحُّ مِنْهُ مَا يَصِحُّ، وَيَبْطُلُ مَا يَبْطُلُ. (وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ) لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْلِكُ (إِلَّا أَنْ يعزيهُ إِلَى سَبَبٍ مِنْ إِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ ; لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ مُسْتَنِدٌ إِلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ يُعْمَلُ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِغَيْرِهِمَا، وَيُعْمَلُ بِحَسَبِ السَّبَبِ الَّذِي بَيَّنَهُ، فَإِنْ كَانَ إِرْثًا فَبِحَسَبِ الْإِرْثِ، فَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً فَبِحَسَبِ الْوَصِيَّةِ. فَعَلَى هَذَا: إِنْ وَضَعَتْهُ مَيِّتًا، وَكَانَ عَزَاهُ إِلَى إِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، عَادَتْ إِلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَمَوْرُوثِ الطِّفْلِ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. جَعَلَهَا لَهُ أَوْ نَحْوَهُ، فَعِدَةٌ لَا يُؤْخَذُ بِهَا. وَيَتَوَجَّهُ: يَلْزَمُهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ أَقْرَضَنِيهِ عِنْدَ غَيْرِ التَّمِيمِيِّ. وَجَزَمَ الْأَزَجِيُّ: لَا يَصِحُّ، كَأَقْرَضَنِي أَلْفًا. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَمَنْ أَقَرَّ لِكَبِيرٍ عَاقِلٍ بِمَالٍ) فِي يَدِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ عَبْدًا، أَوْ نَفْسَ الْمُقِرِّ بِأَنْ أَقَرَّ بِرِقِّ نَفْسِهِ لِلْغَيْرِ. (فَلَمْ يُصَدِّقْهُ بَطَلَ إِقْرَارُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 بَابُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا، فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ أَجَلْ أَوْ صَدَقَ، أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهَا، أَوْ   [المبدع في شرح المقنع] قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ فِي ثُبُوتِ مِلْكِهِ. فَعَلَى هَذَا: يُقِرُّ بِيَدِ الْمُقِرِّ ; لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ. فَإِذَا بَطَلَ إِقْرَارُهُ بَقِيَ كَأَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ. فَإِنْ عَادَ الْمُقِرُّ فَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِثَالِثٍ، قُبِلَ مِنْهُ، وَلَمْ يُقْبَلْ بَعْدَهَا عَوْدُ الْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا إِلَى دَعْوَاهُ. (وَفِي الْآخَرِ: يُؤْخَذُ الْمَالُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ) فَيُحْفَظُ لَهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَالِكُهُ ; لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْكِرُ مِلْكَهُ، فَهُوَ كَالْمَالِ الضَّائِعِ. فَعَلَى هَذَا: يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِمَا. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا أَكْذَبَهُ أنه يَبْطُلُ إِقْرَارُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَعَلَى الثَّانِي: أَيُّهُمَا غَيَّرَ قَوْلَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ] (إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا، فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ أَجَلْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ وَسُكُونَةِ اللَّامِ، وَهُوَ حَرْفُ تَصْدِيقٍ كَنَعَمْ. قَالَ الْأَخْفَشُ: إِلَّا أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ نَعَمْ فِي التَّصْدِيقِ، وَنَعَمْ أَحْسَنُ مِنْهُ فِي الِاسْتِفْهَامِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44] ، وَقِيلَ لِسَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؛ قَالَ: أَجَلْ. (أَوْ صَدَقْتَ، أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهَا، أَوْ بِدَعْوَاكَ، كَانَ مُقِرًّا) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وُضِعَتْ لِلتَّصْدِيقِ. وَلَوْ قَالَ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْكَ كَذَا؟ قَالَ: بَلَى. كَانَ إِقْرَارًا صَحِيحًا ; لِأَنَّ بَلَى جَوَابٌ لِلسُّؤَالِ بِحَرْفِ النَّفْيِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] ، فَلَوْ قَالَ: نَعَمْ. لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا. وَقِيلَ: إِقْرَارٌ مِنْ عَامِيٍّ، كَقَوْلِهِ: عَشَرَةٌ غَيْرُ دِرْهَمٍ، بِضَمِّ الرَّاءِ. يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 بِدَعْوَاكَ، كَانَ مُقِرًّا. وَإِنْ قَالَ: أَنَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا، أَوْ عَسَى أَوْ لَعَلَّ أَوْ أَظُنُّ أَوْ أَحْسَبُ، أَوْ أُقَدِّرُ، أَوْ خُذْ، أَوِ أتَّزِنْ، أَوْ أَحْرِزْ، أَوِ أفتح كُمَّكَ، لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا. وَإِنْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ، أَوْ خُذْهَا، أَوِ اتِّزِنْهَا، أَوِ اقْبِضْهَا، أَوْ أَحْرِزْهَا، أَوْ هِيَ صِحَاحٌ، فَهَلْ يَكُونُ مُقِرًّا؛ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ـ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ـ وفِي عِلْمِي،   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: إِذَا قَالَ لِي عَلَيْكَ كَذَا؛ فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ بَلَى، كَانَ مُقِرًّا. وَفِي قِصَّةِ إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، «فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ. قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى» . قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِيهِ صِحَّةُ الْجَوَابِ بِبَلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا نَفْيٌ، وَصِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِهَا، وَقَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا. (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا، أَوْ عَسَى أَوْ لَعَلَّ أَوْ أَظُنُّ أَوْ أَحْسَبُ، أَوْ أُقَدِّرُ، أَوْ خُذْ، أَوِ أتَّزِنْ، أَوْ أَحْرِزْ، أَوِ أفْتَحْ كُمَّكَ، لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا) لِأَنَّ قَوْلَهُ: (أَنَا أُقِرُّ) وَعْدٌ بِالْإِقْرَارِ، وَالْوَعْدُ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ إِقْرَارًا بِهِ، هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِيهِ، وَفِي (لَا أُنْكِرُ) ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِنْكَارِ الْإِقْرَارُ، فَإِنَّ بَيْنَهُمَا قِسْمًا آخَرَ وَهُوَ السُّكُوتُ عَنْهُمَا؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ: لَا أُنْكِرُ بُطْلَانَ دَعْوَاكَ. وَقِيلَ: بَلَى كَأَنَا مُقِرٌّ. وَقَوْلُهُ: (يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا) لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ مُحِقًّا ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الشَّيْءِ وُجُوبُهُ. وَقَوْلُهُ: (عَسَى أَوْ لَعَلَّ) لِأَنَّهُمَا وُضِعَا لِلشَّكِّ. وَقَوْلُهُ: (أَظُنُّ أَوْ أَحْسَبُ أَوْ أُقَدِّرُ) لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّكِّ أَيْضًا وَقَوْلُهُ: (خُذْ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ: خُذِ الْجَوَابَ مِنِّي. وَقَوْلُهُ: (وَأتَّزِنْ) أَيْ: أَحْرِزْ مَالَكَ عَلَى غَيْرِي. وَقَوْلُهُ: (أفْتَحْ) تحمل لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِهْزَاءً لَا إِقْرَارًا. وَكَذَا قَوْلُهُ: أخْتِمْ عَلَيْهِ، أَوِ أجعله فِي كِيسِكَ، أَوْ سَافِرْ بِدَعْوَاكَ، وَنَحْوُهُ. (وَإِنْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ، أَوْ خُذْهَا، أَوِ اتَّزِنْهَا، أَوِ اقْبِضْهَا، أَوْ أَحْرِزْهَا، أَوْ هِيَ صِحَاحٌ، فَهَلْ يَكُونُ مُقِرًّا؛ يَحْتَمِلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ، أَوْ قَالَ: أقْضِنِي دَيْنِي عَلَيْكَ أَلْفًا، أَوْ سَلِّمْ لِي ثَوْبِي هَذَا، أَوْ فَرَسِي هَذَا. فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَدْ أَقَرَّ بِهَا. وَإِنْ قَالَ: إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا. وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ. أَشْهَرُهُمَا: يَكُونُ مُقِرًّا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ عَقِبَ الدَّعْوَى فَيَصْرِفُهُ إِلَيْهَا، وَلِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ. وَكَذَا إِذَا قَالَ: أَقْرَرْتُ. قَالَ تَعَالَى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81] ، وَلَمْ يَقُولُوا: أَقْرَرْنَا بِذَلِكَ. فَكَانَ مِنْهُمْ إِقْرَارًا. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِوُجُوبِهِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ بِأَخْذِهَا أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْهُ الْوُجُوبُ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ: إِنِّي مُقِرٌّ بِالشَّهَادَةِ، أَوْ بِبُطْلَانِ دَعْوَاكَ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ـ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ـ، وفِي عِلْمِي، أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ، أَوْ قَالَ: أقْضِنِي دَيْنِي عَلَيْكَ أَلْفًا، أَوْ سَلِّمْ لِي ثَوْبِي هَذَا، أَوْ فَرَسِي هَذَا. فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَدْ أَقَرَّ بِهَا) وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ـ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ـ فَهُوَ إِقْرَارٌ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ وَعَقَّبَهُ بِمَا لَا يَرْفَعُهُ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْحُكْمُ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ، أَوْ مَشِيئَتِهِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، أَوْ لَا يَلْزَمُنِي إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. وَفِيهِمَا احْتِمَالٌ أَنَّهُ لَغْوٌ. الثَّانِي: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي عِلْمِي، أَوْ عِلْمِ اللَّهِ، أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ لَا فِيمَا أَظُنُّ ; لِأَنَّ مَا عَلِمَهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوُجُوبِ. الثَّالِثَةُ: بَقِيَّةُ الصُّوَرِ فَيَلْزَمُهُ ; لِأَنَّهُ جَوَابٌ صَرِيحٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: عِنْدِي. كَقَوْلِهِ: أقْضِنِي أَلْفًا مِنَ الَّذِي عَلَيْكَ، أَوْ إلِيّ، أَوْ هَلْ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ؛ فَقَالَ: نَعَمْ. أَوْ قَالَ: أَمْهِلْنِي يَوْمًا، أَوْ حَتَّى أَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ، أَوْ زَوَّجْتُكَ، أَوْ قَبِلْتُ ـ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ـ. صَحَّ، كَالْإِقْرَارِ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: كَـ أَنَا صَائِمٌ غَدًا ـ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ـ، يَصِحُّ بِنِيَّتِهِ وَصَوْمِهِ، وَيَكُونُ تَأْكِيدًا. وَلَمْ يَرْتَضِهْ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْعُقُودُ ; لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهَا بَعْدَ إِيجَابِهَا قَبْلَ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ. وَفِي الْمُجَرَّدِ: فِي بِعْتُكَ، أَوْ زَوَّجْتُكَ ـ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ـ، أَوْ بِعْتُكَ إِنْ شِئْتَ. فَقَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ. فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. كَانَ مقرا، وَإِنْ قَالَ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] قَبِلْتُ، أَوْ قَبِلْتُ ـ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ـ صَحَّ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَّا: إِذَا قَالَ: زَوَّجْتُكَ ـ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ـ. لَا أَعْلَمُ خِلَافًا عَنْهُ أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ. وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ إِنْ شِئْتَ. فَقَالَ: قَدْ شِئْتُ وَقَبِلْتُ. صَحَّ ; لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مِنْ مُوجِبِ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ. (وَإِنْ قَالَ: إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا) حَيْثُ قَدَّمَ الشَّرْطَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقِرٍّ فِي الْحَالِ، وَمَا لَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ لَا يَصِيرُ وَاجِبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَقْتَضِي إِيجَابَ ذَلِكَ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ) أَوْ إِنْ شَاءَ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) الْأَشْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُقِرًّا كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَالثَّانِي: يَكُونُ مُقِرًّا ; لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْإِقْرَارَ، فَثَبَتَ حُكْمُهُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ ; لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آجِلًا؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ فِي الْحَالِ لَا يَقِفُ عَلَى شَرْطٍ فسقط. 1 - (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. كَانَ مُقِرًّا) قَالَهُ أَصْحَابُنَا ; لِأَنَّهُ قَدْ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ فَعَمِلَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الْحَوْلِ. يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَحَلَّ، فَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ. (وَإِنْ قَالَ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . أَشْهَرُهُمَا: لَا يَكُونُ مُقِرًّا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالشَّرْطِ وَعَلَّقَ عَلَيْهِ لَفْظًا يَصْلُحُ لِلْإِقْرَارِ، وَيَصْلُحُ لِلْوَعْدِ، فَلَا يَكُونُ إِقْرَارًا مَعَ الِاحْتِمَالِ. وَالثَّانِي: بَلَى كَالَّتِي قَبْلَهَا. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ تَقْدِيمَ الشَّرْطِ وَتَأْخِيرَهُ سَوَاءٌ. فَيَكُونُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَجْهَانِ. وَكَذَا فِي الرِّعَايَةِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ: يَصِحُّ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا، إِذَا جَاءَ وَقْتُ كَذَا لِاحْتِمَالِ إِرَادَةِ الْمَحَلِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ تَخْرِيجٌ فِي عَكْسِهَا. وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَيْنِ فِيهِمَا. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ، أَوْ إِنْ شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ صَدَّقْتُهُ. لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا) لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ الْكَاذِبُ. وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ، أَوْ إِنْ شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ صَدَّقْتُهُ. لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا وَإِنْ قَالَ: إِنْ شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ، فَهُوَ صَادِقٌ. احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ أَقَرَّ الْعَرَبِيُّ بالعجمية أَوِ الْأَعْجَمِيُّ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ: لَمْ أَدْرِ مَا قُلْتُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.   [المبدع في شرح المقنع] إِنْ شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ هَلْ يَكُونُ مُقِرًّا؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. (فَإِنْ قَالَ: إِنْ شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ، فَهُوَ صَادِقٌ. احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ إِقْرَارًا ; لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ. وَالثَّانِي: بَلَى. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ صِدْقُهُ إِلَّا مَعَ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِصِدْقِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ قَالَ: الشُّهُودُ عُدُولٌ فَلَيْسَ إِقْرَارًا بِالْمُدَّعَى. وَقِيلَ: بَلَى، إِنْ جَازَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِهِ. قَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: أَوْ قُلْنَا طَلَبُ التَّزْكِيَةِ لِلشُّهُودِ. 1 (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَرَبِيُّ بِالْعَجَمِيَّةِ أَوِ الْأَعْجَمِيُّ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ: لَمْ أَدْرِ مَا قُلْتُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَالظَّاهِرُ: بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَصِدْقُهُ فِي قَوْلِهِ. وَوَجَبَتِ الْيَمِينُ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَذِبُهُ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ أَمَتِي بِأَلْفٍ. فَقَالَ: بَلْ زَوَّجْتَنِيهَا. وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا، لَمْ يَحْلِفِ السَّيِّدُ أَنْ لَا نِكَاحَ. وَقِيلَ: بَلَى، وَيَحْلِفُ مُنْكِرُ الشِّرَاءِ عَلَى نَفْيِهِ، وَتُرَدُّ الْأَمَةُ إِلَى سَيِّدِهَا مِلْكًا، وَلَا بَيْعَ وَلَا نِكَاحَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآخَرِ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا. وَهَلْ لِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا إِذَا عَادَتْ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. فَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي عَنِ الْيَمِينِ، أَوْ حَلَفَ مُنْكِرُ النِّكَاحِ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ عَلَيْهِ، ثَبَتَ الْبَيْعُ وَوَجَبَ الثَّمَنُ، وَلِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا بِكُلِّ حَالٍ ; لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ الْأَقَلُّ مِنْ ثَمَنِهَا أَوِ الْأَرْشُ. فَإِنْ وَلَدَتْ وَتَنَازَعَا، فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَيَتَوَارَثَانِ، وَلَا تَعُودُ إِلَى مُنْكِرِ النِّكَاحِ ; لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ الْوَاطِئِ، وَأَنَّ وَلَدَهُ حُرٌّ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَيَدَّعِي ثَمَنَهَا وَلَا تُقَرُّ بِيَدِ الْوَاطِئِ ; لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِلْكُ مُنْكِرِ النِّكَاحِ وَوَلَدَهَا وَمَهْرَهَا. فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ صَادِقًا، جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا بَاطِنًا فَقَطْ، وَنَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهَا. وَقَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: بَلْ عَلَى سَيِّدِهَا. وَتُوَقَفُ فَاضِلَةً حَتَّى يَنْكَشِفَ الْحَالُ، أَوْ يَصْطَلِحَا، وَالْوَلَدُ حُرٌّ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ مُسْتَوْلِدِهَا، فَلِمُدَّعِي بَيْعِهَا أَخَذُ الثَّمَنِ مِنْ تَرِكَتِهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 بَابُ الْحُكْمِ فِيمَا إِذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِ مَا يُغَيِّرُهُ. إِذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُسْقِطُهُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي. أَوْ قَدْ قَبَضَهُ، أَوِ اسْتَوْفَاهُ، أَوْ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ تَكَفَّلْتُ بِهِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ، أَوْ أَلْفٌ إِلَّا أَلْفًا أَوْ إِلَّا سِتَّمِائَةٍ، لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِنْ قَالَ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَضَيْتُهُ، أَوْ قَضَيْتُ مِنْهُ   [المبدع في شرح المقنع] فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ وُقِفَ. وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ صُرِفَ إِلَى نَسِيبِهَا الْحُرِّ الْوَارِثِ ; لِأَنَّهَا حُرَّةٌ. فَإِنْ عُدِمَ، وُقِفَ التَّرِكَةُ وَالْوَلَاءُ حَتَّى يُعْرَفَ الْمُسْتَحِقُّ. فَإِنْ صَدَّقَهُ مُسْتَوْلِدُهَا لَزِمَهُ الثَّمَنُ، وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ. وَإِنْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهَا الْأَوَّلُ، سَقَطَ الثمن ووجب مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَمْ تَبْطُلْ حُرِّيَّتُهَا، وَلَا حُرِّيَّةُ وَلَدِهَا. وَقِيلَ: إِنْ بَطَلَ الْبَيْعُ، فَلَا ثَمَنَ وَلَا مَهْرَ وَلَا يَأْخُذُهَا أَحَدُهُمَا، وَلَا يَطَؤُهَا. وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ السَّامَرِّيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ: أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الْوَطْءِ لِمُدَّعِي الزَّوْجِيَّةِ. وَقِيلَ: بَاطِنًا. [بَابُ الْحُكْمِ فِيمَا إِذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ] [إِذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُسْقِطُهُ] بَابُ الْحُكْمِ فِيمَا إِذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِ مَا يُغَيِّرُهُ (إِذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُسْقِطُهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي. أَوْ قَدْ قَبَضَهُ، أَوِ اسْتَوْفَاهُ، أَوْ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ تَكَفَّلْتُ بِهِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ، أَوْ أَلْفٌ إِلَّا أَلْفًا أَوْ إِلَّا سِتَّمِائَةٍ، لَزِمَهُ الْأَلْفُ) وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي. لَزِمَهُ الْأَلْفُ ; لِأَنَّ مَجْمُوعَ قَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ ; لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُهُ فَيُلْغي هُوَ، وَتَلْزَمُهُ لِعَدَمِ الْمُعَارِضُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ لِرَفْعِهِ مَا أَقَرَّ بِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، إِلَّا فِي قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي ; لِأَنَّهُ عَزَا إِقْرَارَهُ إِلَى سَبَبِهِ فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ عَزَاهُ إِلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمَذْهَبِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا أَقَرَّ بِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ، كَالصُّورَةِ الَّتِي سَلَّمَهَا. أَوْ يَقُولُ: رُفِعَ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ. فَلَمْ يُقْبَلْ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ. الثَّانِيَةُ: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَدْ قَضَيْتُهُ، وَكَانَ سَرِيعًا أَوْ بَعْضُهُ. قُبِلَ يَمِينُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ فِي بَعْضِهِ، كَاسْتِثْنَاءِ الْبَعْضِ. وَإِنْ قَالَ: قَضَيْتُ جَمِيعَهُ. لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ. وَإِذَا قَالَ: جَوَابًا لِلدَّعْوَى أَبْرَأَنِي مِنْهَا، أَوْ بَرِئْتُ إِلَيْهِ مِنْهَا. فَالْخِلَافُ. الثَّالِثَةُ: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ اسْتَوْفَاهَا. لَزِمَهُ الْأَلْفُ. الرَّابِعَةُ: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ. لَزِمَهُ الْأَلْفُ ; لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ. فَذِكْرُهُ لَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ رَفْعٌ لِلْأَلْفِ بِجُمْلَتِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 خَمْسَمِائَةٍ. فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ مُقِرًّا مُدَّعِيًا لِلْقَضَاءِ، فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبَضْ وَلَمْ يَبْر، وَاسْتَحَقَّ. وَقَالَ: هذا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى.   [المبدع في شرح المقنع] كَالْأُولَى: لَا مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ. الْخَامِسَةُ: إِذَا قَالَ: تَكَفَّلْتُ بِشَرْطِ خِيَارٍ. فَتَلْزَمُهُ الْأَلْفُ، عَلَى الْأَشْهَرِ. السَّادِسَةُ: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا أَلْفًا. لَزِمَهُ الْأَلْفُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهُ بَاطِلٌ. السَّابِعَةُ: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا سِتَّمِائَةٍ. لَزِمَهُ الْأَلْفُ ; لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ وَلَمْ يَرِدْ ذَلِكَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَوْ لَمْ أَقْبَضْهُ، أَوْ مِنْ مُضَارَبَةٍ تَلِفَتْ، وَشَرَطَ عَلَيَّ ضَمَانَهَا مِمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عَادَةً. فَوَجْهَانِ. فَرْعٌ: قَالَ لَهُ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ. فَقَالَ: قَضَيْتُكَ مِنْهُ مِائَةً. فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَاقِي. وَيَجِيءُ عَلَى الرِّوَايَةِ أَنْ يَلْزَمَهُ مَا ادَّعَى قَضَاءَهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمُنْتَخَبِ. (وَإِنْ قَالَ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَضَيْتُهُ، أَوْ قَضَيْتُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ. فَقَالَ الْخِرَقِيُّ) وَعَامَّةُ شُيُوخِنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ: (لَيْسَ بِإِقْرَارٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّ أَحْمَدَ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يُمْكِنُ صِدْقُهُ وَلَا تَنَاقُضَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَاسْتِثْنَاءِ الْبَعْضِ، بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ ; لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ بِسُكُوتِهِ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا لَا يَرْفَعُهُ اسْتِثْنَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ. (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ مُقِرًّا) لِأَنَّ قَوْلَهُ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ. يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمُقَرِّ بِهِ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ. (مُدَّعِيًا لِلْقَضَاءِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ: قَضَيْتُهُ، دَعْوَى لِذَلِكَ (فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا لَوِ ادَّعَى ذَلِكَ بِكَلَامٍ مُنْفَصِلٍ، وَكَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَلَمْ يَبْر، وَاسْتَحَقَّ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ادَّعَى الْقَضَاءَ، وَقَوْلُهُ مُحْتَمِلٌ. فَيَجِبُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَيَسْتَحِقُّ ; لِأَنَّ خَصْمَهُ أَقَرَّ بِهِ. (وَقَالَ: هذا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 فصل وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا دُونُ النِّصْفِ، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ. وَفِي اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ وَجْهَانِ.   [المبدع في شرح المقنع] وَاخْتَارَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَغَيْرُهُ ; لِسُكُوتِهِ قَبْلَ دَعْوَاهُ. وَعَنْهُ: لَيْسَ بِجَوَابٍ صَحِيحٍ فَيُطَالَبُ بِرَدِّ الْجَوَابِ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ: هُوَ أَشْهَرُ. وَقِيلَ: تُقْبَلُ دَعْوَى الْوَفَاءِ لَا الْإِبْرَاءِ. وَبَنَى عَلَيْهَا فِي الْوَسِيلَةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَخَذْتُ مِنْكَ كَذَا قَبْلَ الْعِتْقِ. قَالَ: بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا لَوْ قَالَ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. هَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ فَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: لَا تُسْمَعُ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: بِلَا خِلَافٍ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. وَسَكَتَ، لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا. وَيَتَخَرَّجُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ شَيْئًا فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي زَمَنٍ مَاضٍ. وَكَذَا لَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ بِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ. وَالْأَصْلُ: بَقَاؤُهُ حَتَّى يُوجَدَ مَا يَرْفَعُهُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَنَازَعَا دَارًا، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكُهُ، حُكِمَ لَهُ بِهَا. إِلَّا أَنَّهُ هُنَا إِذَا عَادَ فَادَّعَى الْقَضَاءَ أَوِ الْإِبْرَاءَ، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ ; لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَبَيْنَ مَا يَدَّعِيهِ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ. [فصل فِي الِاسْتِثْنَاءِ] [اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ وَمَا دُونَهُ] فصل (وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا دُونُ النِّصْفِ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّهُ لُغَةُ الْعَرَبِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّهِيدُ تُكَفَّرُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كُلُّهَا إِلَّا الدَّيْنَ» . وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْنَعُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْإِقْرَارِ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ، وَلَا يُرْفَعُ مَا ثَبَتَ ; لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ شَيْءٌ لَمْ يَقْدِرِ الْمُقِرُّ عَلَى رَفْعِهِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا دُونَ النِّصْفِ. (وَلَا يَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ) أَيْ: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ، لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [المبدع في شرح المقنع] وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ السَّامَرِّيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] ، {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 83] ، وَهُمْ أَكْثَرُ. وَبِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَدُّوا الَّتِي نَقَصَتْ تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ ... ثُمَّ ابْعَثُوا حَكَمًا بِالْحَقِّ قَوَّامًا وَكَاسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ، وَكَالتَّخْصِيصِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، وَقَدْ أَنْكَرُوهُ، قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يَأْتِ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَّا فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ. وَلَوْ قَالَ: مِائَةٌ إِلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ. لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا بِالْعَرَبِيَّةِ. وَمَعْنَاهُ: قَوْلُ الْقُتَيْبِيِّ وَغَيْرِهِ: وَمَا احْتَجُّوا مِنَ التَّنْزِيلِ، أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْمُخْلَصِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَهُمْ أَقَلُّ، وَالْغَاوِينَ مِنَ الْعِبَادِ وَهُمْ أَقَلُّ ; لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ كُلَّهُمْ طَائِعُونَ. وَالْبَيْتُ لَيْسَ فِيهِ اسْتِثْنَاءٌ، مَعَ أَنَّ ابْنَ فَضَالِ النَّحْوِيَّ قَالَ: هُوَ بَيْتٌ مَصْنُوعٌ، لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الْعَرَبِ. (وَفِي اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ وَجْهَانِ) وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْأَكْثَرِ. وَالثَّانِي: لَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ. وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ وَابْنُ الْمُنَجَّا: أَنَّهُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي لِسَانِهِمْ إِلَّا فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْكَثِيرِ. فَرْعٌ: حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ بِسَائِرِ أَدَوَاتِهِ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَا. فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ سِوَى دِرْهَمٍ، لَا يَكُونُ دِرْهَمًا، أَوْ غَيْرَ دِرْهَمٍ، بِفَتْحِ الرَّاءِ، كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدِ الْعَشَرَةِ إِلَّا وَاحِدًا لزمه تسليم تسعة. فَإِنْ مَاتُوا إِلَّا وَاحِدًا، فَقَالَ: هُوَ الْمُسْتَثْنَى. فَهَلْ يُقْبَلُ؟ قوله عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ هَذِهِ الدَّارُ   [المبدع في شرح المقنع] مُقِرًّا بِتِسْعَةٍ. وَإِنْ قَالَ: غَيْرُ دِرْهَمٍ. بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ كَانَ مُقِرًّا بِعَشَرَةٍ ; لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلْعَشَرَةِ الْمُقَرِّ بِهَا وَلَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الِاسْتِثْنَاءَ، وَإِنَّمَا ضَمَّهَا جَهْلًا. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. وَشَرْطُهُ: أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ. وَفِي الْوَاضِحِ: لَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا، وَهُوَ أَنْ يَسْكُتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى، فَهَلْ تَصِحُّ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: لَا. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، كَمَا لَوْ تَفَاوَتَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ فِي تَمَامِ الْكَلَامِ. [الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَا] (فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدِ الْعَشَرَةِ إِلَّا وَاحِدًا لَزِمَهُ تَسْلِيمُ تِسْعَةً) لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ، وَيَرْجِعُ فِي تَعْيِينِ الْمُسْتَثْنَى إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: غَصَبْتُ هَؤُلَاءِ الْعَشَرَةَ إِلَّا وَاحِدًا. (فَإِنْ مَاتُوا إِلَّا وَاحِدًا، فَقَالَ: هُوَ الْمُسْتَثْنَى. فَهَلْ يُقْبَلُ؟) قَوْلُهُ؛ (عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ. صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ. وَكَمَا لَوْ تَلِفَ بَعْدَ تَعْيِينِهِ. وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهُ يَرْفَعُ جَمِيعَ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنْ قُتِلُوا إِلَّا وَاحِدًا قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا ; لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ جُمْلَةَ الْإِقْرَارِ لِوُجُوبِ قِيمَةِ الْبَاقِينَ لِلْمُقَرِّ لَهُ. وَإِنْ قُتِلُوا كُلُّهُمْ فَلَهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ هَذِهِ الدَّارُ إِلَّا هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَذِهِ الدَّارُ لَهُ وَهَذَا الْبَيْتُ لِي. قُبِلَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتِثْنَاءُ الْبَيْتِ مِنَ الدَّارِ، وَلَا يَدْخُلُ الْبَيْتُ فِي إِقْرَارِهِ، مَعَ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ ; لِكَوْنِهِ أَخْرَجَ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ الْبَيْتُ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ، زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ: بِخِلَافِ إِلَّا ثُلُثَيْهَا. وَفِيهِ وَجْهٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 إِلَّا هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَذِهِ الدَّارُ لَهُ وَهَذَا الْبَيْتُ لِي. قُبِلَ مِنْهُ. وإن قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَثَلَاثَةٌ إِلَّا دِرْهَمَيْنِ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إِلَّا دِرْهَمًا. فَهَلْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ عَلَى   [المبدع في شرح المقنع] وَإِنْ قَالَ: لَهُ هَذِهِ الدَّارُ إِلَّا ثُلُثَهَا، أَوْ رُبُعَهَا. صَحَّ، وَكَانَ مُقِرًّا بِالْبَاقِي. وَإِنْ قَالَ: لَهُ هَذِهِ الدَّارُ نِصْفُهَا. صَحَّ، وَكَانَ مُقِرًّا بِالنِّصْفِ ; لِأَنَّ هَذَا بَدَلُ الْبَعْضِ، وَهُوَ شَائِعٌ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ} [المزمل: 3] ، وَيَصِحُّ ذَلِكَ فِيمَا دُونَ النِّصْفِ. كَقَوْلِهِ: هَذِهِ الدَّارُ رُبُعُهَا أَوْ أَقَلُّ. كَقَوْلِهِمْ: رَأَيْتُ زَيْدًا وَجْهَهُ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ هَذِهِ الدَّارُ وَلِيَ نِصْفُهَا. صَحَّ فِي الْأَقْيَسِ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَثَلَاثَةٌ إِلَّا دِرْهَمَيْنِ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إِلَّا دِرْهَمًا. فَهَلْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ الْعَطْفَ جَعَلَ الْجُمْلَتَيْنِ كَجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَعَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَيْهِمَا. كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ، وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» ، فَيَصِيرُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْأُولَى دِرْهَمَيْنِ مِنْ خَمْسَةٍ. وَفِي الثَّانِيَةِ: دِرْهَمًا مِنْ دِرْهَمَيْنِ، وَذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ ; لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنَ الْأَكْثَرِ فِيهِمَا، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ النِّصْفُ، وَفِيهِ الْخِلَافُ إِلَّا أَنْ يُزَادَ فِيهِ دِرْهَمٌ آخَرُ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ ; لِأَنَّهُ يَرْفَعُ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ عَوْدَهُ إِلَى مَا يَلِيهِ مُتَيَقَّنٌ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ قَدِ اسْتَثْنَى الْأَكْثَرَ أَوِ الْكُلَّ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ. وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ الْأَوْلَى. وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْخَبَرِ لَمْ يَرْفَعْ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ مَعًا مِنَ النِّصْفِ نِصْفَهُ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى الْكُلِّ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ عَمِلَ بِهَا. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إِلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا. لَزِمَتْهُ الْخَمْسَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ. وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً، إِلَّا دِرْهَمًا. لَزِمَهُ خَمْسَةٌ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا خَمْسَةً إِلَّا ثَلَاثَةً إِلَّا دِرْهَمَيْنِ إِلَّا دِرْهَمًا. لَزِمَتْهُ عَشَرَةٌ فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ. وَفِي الْآخَرِ: يلزمه سِتَّةٌ. وَفِي الْآخَرِ: يلزمه سَبْعَةٌ، وَفِي الْآخَرِ: ثَمَانِيَةٌ. وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ   [المبدع في شرح المقنع] خَمْسَةٌ إِلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا. لَزِمَتْهُ الْخَمْسَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُمَا صَارَا كَجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ. (وَفِي الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهُمَا لَا يَصِيرَانِ جُمْلَةً، فَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي ; لِئَلَّا يَكُونَ مُسْتَثْنِيًا لِلْأَكْثَرِ. [الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ] (وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} [الحجر: 58] {إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 59] {إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} [الحجر: 60] ، وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِبْطَالٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ رُجُوعٌ إِلَى مُوجِبِ الْإِقْرَارِ. (فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً، إِلَّا دِرْهَمًا. لَزِمَهُ خَمْسَةٌ) لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ: ثَلَاثَةً. وَعَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي: دِرْهَمًا، فَإِذَا ضَمَمْتَهُ إِلَى الْأَرْبَعَةِ صَارَ خَمْسَةً؛ وَلِأَنَّهُ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا خَمْسَةً إِلَّا ثَلَاثَةً إِلَّا دِرْهَمَيْنِ إِلَّا دِرْهَمًا. لَزِمَتْهُ عَشَرَةٌ فِي أحد الْوُجُوهِ) لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ لَا يَصح، وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ بِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ لِكَوْنِهِ سَالِمًا عَنِ الْمُعَارِضِ. (وَفِي الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ سِتَّةٌ) لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ صَحِيحٌ. وَلَا يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ ; لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَثْنَى الْخَمْسَةَ مِنَ الْعَشَرَةِ بَقِيَ خَمْسَةٌ، وَاسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ مِنْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهَا أَكْثَرُ. وَيَبْقَى قَوْلُهُ: (إِلَّا دِرْهَمَيْنِ) اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ أَقَلُّ. فَإِذَا ضَمَمْتَ الدِّرْهَمَ إِلَى خَمْسَةٍ صَارَ الْمَجْمُوعُ سِتَّةً. (وَفِي الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ) ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْخَمْسَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهَا نِصْفٌ، وَاسْتِثْنَاءُ الدِّرْهَمَيْنِ مِنَ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهَا أَكْثَرُ. وَاسْتِثْنَاءُ الدِّرْهَمِ مِنَ الدِّرْهَمَيْنِ أَيْضًا لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ نِصْفٌ. فَيَبْقَى قَوْلُهُ: (إِلَّا ثَلَاثَةً) صَحِيحًا، فَيَصِيرُ قَوْلُهُ: (لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً) وَذَلِكَ سَبْعَةٌ. (وَفِي الْآخَرِ: ثَمَانِيَةٌ) لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ لَا يَصِحُّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 الْجِنْسِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إِلَّا ثَوْبًا لَزِمَتْهُ الْمِائَةُ إِلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَيْنًا مِنْ وَرَقٍ، أَوْ وَرَقًا مَنْ عَيْنٍ، فَيَصِحُّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا   [المبدع في شرح المقنع] وَقَوْلُهُ: (إِلَّا ثَلَاثَةً) يَعْمَلُ عَمَلَهُ، وَقَوْلُهُ: (إِلَّا دِرْهَمَيْنِ) وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ، فَيُعَادُ مِنْهُ دِرْهَمٌ لِلسَّبْعَةِ فَيَصِيرُ الْبَاقِي ثَمَانِيَةً. وَإِنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي بِحَرْفِ الْعَطْفِ كَانَ مُضَافًا، أَيْ: الِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ. فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً إِلَّا دِرْهَمَيْنِ. كَانَ مُسْتَثْنِيًا لِخَمْسَةٍ مُقِرًّا بِمِثْلِهَا. أَصْلٌ: إِذَا اسْتَثْنَى مَا لَا يَصِحُّ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْئًا بَطَلَا ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ فَكَذَا فَرْعُهُ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا بَعْدَ الْبَاطِلِ إِلَى مَا قَبْلَهُ ; لِأَنَّ الْبَاطِلَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مَا تُؤَوَّلُ إِلَيْهِ جُمْلَةُ الْاسْتِثْنَائَاتِ. [الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ] (وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. نَصَّ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. (فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إِلَّا ثَوْبًا. لَزِمَتْهُ الْمِائَةُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مَدْلُولِ الْمِائَةِ، فَكَيْفَ يَخْرُجُ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَرْفُ اللَّفْظِ بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ عَمَّا كَانَ يَقْتَضِيهِ لَوْلَاهُ ; لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَنَيْتُ فُلَانًا عَنْ رَأْيِهِ: إِذَا صَرَفْتُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. وَثَنَيْتُ عِنَانَ دَابَّتِي: رَدَدْتُهَا عَنْ وَجْهِهَا الَّذِي كَانَتْ ذَاهِبَةً إِلَيْهِ. وَلَا يُوجَدُ هَذَا فِي غَيْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْجَحْدِ بِمَعْنَى لَكِنْ، وَالْإِقْرَارُ إِثْبَاتٌ. وَهَذَا: جَوَابُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50] ، {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا} [مريم: 62] . وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ ... إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ (إِلَّا أَنْ يَسْتَثْنِي عَيْنًا مِنْ وَرَقٍ، أَوْ وَرَقًا مِنْ عَيْنٍ. فَيَصِحُّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالرَّوْضَةِ ; لِأَنَّهُمَا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ، لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي أَنَّهُمَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَأَرْشُ الْجِنَايَاتِ، وَيُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، وَتُعْلَمُ قِيمَتُهُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَا النَّوْعَ الْوَاحِدَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصِحُّ) وَهُوَ رِوَايَةٌ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ ; لِاخْتِلَافِ جِنْسِهِمَا. وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ جِنْسَانِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 يَصِحُّ فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إِلَّا دِينَارًا. فَهَلْ يَصِحُّ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. فصل وَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ. ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: زُيُوفًا أَوْ صِغَارًا أَوْ إِلَى شَهْرٍ لَزِمَهُ أَلْفٌ جِيَادٌ وَافِيَةٌ حَالَّةٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَلْزَمُ مِنَ الصِّحَّةِ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ ثَوْبٍ مِنْ غَيْرِهِ. وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى مَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْآخَرِ أَوْ يُعْلَمُ قَدْرُهُ مِنْهُ. وَرِوَايَةُ الْبُطْلَانِ: عَلَى مَا إِذَا انْتَفَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: بَلْ نَوْعٌ مِنْ آخَرَ. فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ آصُعٍ تَمْرًا بَرْنِيًّا إِلَّا ثَلَاثَةَ آصُعٍ تَمْرًا مَعْقِلِيًّا. فَيَصِحُّ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ مِنَ النَّوْعَيْنِ كَالْوَرَقِ وَالْعَيْنِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ فِي الْعَيْنِ وَالْوَرَقِ غَيْرُ ذَلِكَ. (فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إِلَّا دِينَارًا. فَهَلْ يَصِحُّ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ. فَإِذَا صَحَّحْنَاهُ رُجِعَ فِي تَفْسِيرِ قِيمَةِ الدِّينَارِ إِلَيْهِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْأَشْهَرُ: أَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَى سِعْرِهِ بِالْبَلَدِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ فَإِلَى تَفْسِيرِهِ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: إِنْ بَقِيَ مِنْهُ أَكْثَرُ الْمِائَةِ. وَفِي الْمَذْهَبِ: يُقْبَلُ بِالنِّصْفِ فَأَقَلَّ. وَقَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ. [فصل الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ] [قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ زُيُوفًا] فصل (وَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ. ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: زُيُوفًا) أَيْ: رَدِيئَةً. (أَوْ صِغَارًا) أَيْ: دَرَاهِمَ طَبَرِيَّةً، كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ، وَذَلِكَ ثُلُثَا دِرْهَمٍ (أَوْ إِلَى شَهْرٍ) أَيْ: مُؤَجَّلَةٌ (لَزِمَهُ أَلْفٌ جِيَادٌ وَافِيَةٌ حَالَّةٌ) لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَطْلَقَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَذَلِكَ. فَإِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ كَذَلِكَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَغْيِيرِهَا، وَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَيَرْفَعُهُ بِكَلَامٍ مُنْفَصِلٍ، فَلَمْ يُقْبَلْ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ. وَلَا فَرْقَ فِي الْإِقْرَارِ بِهَا دَيْنًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي الْغَصْبِ وَالْوَدِيعَةِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِغَصْبِ عَبْدٍ ثُمَّ جَاءَهُ مَعِيبًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 أَوْزَانُهُمْ نَاقِصَةٌ أَوْ مَغْشُوشَةٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَى شَهْرٍ. فَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ الْأَجَلَ، لَزِمَهُ مُؤَجَّلًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ حَالًّا. وَإِن ْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ زُيُوفٌ. وَفَسَّرَهُ بِمَا لَا فِضَّةَ فِيهِ لَمْ   [المبدع في شرح المقنع] وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ إِطْلَاقَ اسْمِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ أَوْزَانُهُمْ نَاقِصَةٌ أَوْ مَغْشُوشَةٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِدَرَاهِمِ الْبَلَدِ. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ الْأَوْلَى ; لِأَنَّ مُطْلَقَ كَلَامِهِمْ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِ بَلَدِهِمْ، كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ مُعَامَلَتُهُمْ بِهَا ظَاهِرَةً فِي الْأَصَحِّ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ ; لِأَنَّ إِطْلَاقَ الدَّرَاهِمِ يَنْصَرِفُ إِلَى دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَا كَانَ عَشَرَةٌ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، وَتَكُونُ فِضَّةً خَالِصَةً، وَهِيَ الَّتِي قَدَّرَ بِهَا الشَّارِعُ نُصُبَ الزَّكَوَاتِ وَالدِّيَاتِ وَالْجِزْيَةِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. وَيُخَالِفُ الْإِقْرَارُ الْبَيْعَ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ سَابِقٍ فَانْصَرَفَ إِلَى دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ، وَالْبَيْعُ إِيجَابٌ فِي الْحَالِ، فَاخْتَصَّ بِدَرَاهِمِ الْبَلَدِ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ بِدَرَاهِم وَأَطْلَقَ، ثُمَّ فَسَّرَهَا بِسِكَّةِ الْبَلَدِ أَوْ سِكَّةٍ تَزِيدُ عَلَيْهَا أَوْ مِثْلِهَا، صُدِّقَ. وَإِنْ كَانَتْ دُونَهَا ـ زَادَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَتَسَاوَتَا وَزْنًا ـ لَمْ يُقْبَلْ فِي وَجْهٍ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْعِ، وَكَالنَّاقِصَةِ فِي الْوَزْنِ. وَيُقْبَلُ فِي آخر ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا فَسَّرَهُ بِهِ. وَفَارَقَ النَّاقِصَةَ: فَإِنَّ فِي الشَّرْعِ الدَّرَاهِمَ لَا يَتَنَاوَلُهَا، بِخِلَافِ هَذِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ فَالشَّهَادَةُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ كَمُطْلَقِ عَقْدٍ. [قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَى شَهْرٍ فَأَنْكَرَ الْمُقِرُّ لَهُ] وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَى شَهْرٍ. فَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ الْأَجَلَ، لَزِمَهُ مُؤَجَّلًا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ هَكَذَا أَقَرَّ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ عَزَاهُ إِلَى سَبَبٍ يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الضَّمَانِ، وَفِي غَيْرِهِ وَجْهَانِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ. وَالْأَشْهَرُ قَبُولُهُ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ حَالًّا) وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ; لِأَنَّ التَّأْجِيلَ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 يُقْبَلْ، وإِنْ فَسَّرَهُ بِمَغْشُوشَةٍ أو معيبة عيبا ينقصها قُبِلَ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ نَاقِصَةٌ. لَزِمَتْهُ نَاقِصَةٌ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي رَهْنٌ. وَقَالَ الْمَالِكُ: وَدِيعَةٌ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ   [المبدع في شرح المقنع] الْحَالِ، كَمَا لَوْ قَالَ: قَضَيْتُهُ إِيَّاهَا. [قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ زُيُوفٌ وَفَسَّرَهُ بِمَا لَا فِضَّةَ فِيهِ] (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ زُيُوفٌ. وَفَسَّرَهُ بِمَا لَا فِضَّةَ فِيهِ لَمْ يُقْبَلْ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَرَاهِمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَيَكُونُ تَفْسِيرُهُ بِهِ رُجُوعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ. وَفِي الْكَافِي: إِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ، لَمْ يُقْبَلْ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا فَسَّرَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ أَنَّهُ يُقْبَلُ. وَقُوَّةُ كَلَامِهِ هُنَا تَقْتَضِي أَنَّهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَصَحَّ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْفُلُوسِ ; لِأَنَّهَا تُوصَفُ بِالْأَلْفِ. (وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَغْشُوشَةٍ) أَوْ مَعِيبَةٍ عَيْبًا يُنْقِصُهَا (قُبِلَ) لِأَنَّهُ صَادِقٌ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ نَاقِصَةٌ لَزِمَتْهُ نَاقِصَةٌ) فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ نَاقِصَةً كَانَ إِقْرَارُهُ مُقَيَّدًا، وَإِنْ كَانَتْ وَازِنَةً كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ نَاقِصَةٌ. قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ: صِغَارٌ وَلِلنَّاسِ دَرَاهِمُ صِغَارٌ. قُبِلَ قَوْلُهُ أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ صِغَارٌ لَزِمَتْهُ وَازِنَةٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: دِرْهَمٌ. فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَازِنٌ. وَذَكَرَ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ تَفْسِيرُهُ بِنَاقِصٍ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فِي ذَاتِهِ وَهُوَ وَازِنٌ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَازِنٌ. فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْعَدَدُ وَالْوَزْنُ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ وَازِنُهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمِائَةٍ وَازِنَةٍ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ خَمْسِينَ وَزْنُهَا مِائَةٍ، لَمْ يُجْزِئْهُ دُونَ مِائَةٍ وَازِنَةٍ. وَقِيلَ: بَلَى. وَإِنْ قَالَ: عَدَدًا. لَزِمَاهُ ; لِأَنَّ إِطْلَاقَ الدِّرْهَمِ يَقْتَضِي الْوَزْنَ، وَذِكْرُ الْعَدَدِ لَا يُنَافِيهَا فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ بِهَا عَدَدًا فَالْوَجْهَانِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ كَبِيرٌ. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ إِسْلَامِيٌّ وَازِنٌ ; لِأَنَّهُ كَبِيرٌ فِي الْعُرْفِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: دُرَيْهِمْ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ قَدْ يَكُونُ لِصِغَرِهِ فِي ذَاتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لِقِلَّةِ قَدْرِهِ عِنْدَهُ، وَقَدْ يَكُونُ لِمَحَبَّتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي دُرَيْهِمْ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ. [قَالَ لَهُ عِنْدِي رَهْنٌ وَقَالَ الْمَالِكُ وَدِيعَةٌ] (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي رَهْنٌ. وَقَالَ الْمَالِكُ: وَدِيعَةٌ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْعَيْنَ ثَبَتَتْ لَهُ بِالْإِقْرَارِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 الْمَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنٍ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبَضْهُ. وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِكَ. فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ. وَفَسَّرَهُ بِدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ،   [المبدع في شرح المقنع] وَادَّعَى الْمُقِرُّ دَيْنًا فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يُنْكِرُهُ. وَكَمَا لَوِ ادَّعَى ذَلِكَ بِكَلَامٍ مُنْفَصِلٍ. نَقَلَ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ. قَالَ: هِيَ رَهْنٌ عَلَى كَذَا. فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا رَهْنٌ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ تَخْرِيجًا مِنْ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ وَقَضَيْتُهُ. وَمِثْلُهُ: لَوْ أَقَرَّ بِدَارٍ، وَقَالَ: اسْتَأْجَرْتُهَا. أَوْ بِثَوْبٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَصَرَهُ وخَاطَهُ. أَوْ بِعَبْدٍ، وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَ خِدْمَتِهِ سَنَةً. أَوْ أَقَرَّ بِسُكْنَى دَارِ غَيْرِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ سَكَنَهَا بِإِذْنِهِ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنٍ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبَضْهُ. وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِكَ. فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ بِالْأَلْفِ وَادَّعَى عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ سَبَبًا، أَشْبَهَ الَّتِي قَبْلَهَا. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَالَهُ لَمْ يُسَلِّمْ مَا عَلَيْهِ. كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا. فَقَالَ: بَلْ مَلَكْتُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَفَارَقَ الَّتِي قَبْلَهَا ; لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْفَكُّ عَنِ الرَّهْنِ، وَالثَّمَنُ لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْمَبِيعِ. وَلَوْ قَالَ: أَلْفٌ مِنْ ثَمَنٍ مَبِيعٍ. ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَقْبَضْهُ. قُبِلَ كَالْمُتَّصِلِ ; لِأَنَّ إِقْرَارَهُ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْقَبْضِ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ ثَمَنٍ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبَضْهُ. لَمْ يُقْبَلْ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي مِائَةٌ وَدِيعَةٌ بِشَرْطِ الضَّمَانِ. فَإِنَّهُ يَلْغُو وَصْفُهُ لَهَا بِالضَّمَانِ، وَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ. [قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَلْفٌ وَفَسَّرَهُ بِوَدِيعَةٍ] (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ. وَفَسَّرَهُ بِدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ، قُبِلَ مِنْهُ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ سَوَاءٌ فَسَّرَهُ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا ; لِأَنَّهُ فَسَّرَ لَفْظَهُ بِأَحَدِ مَدْلُولَيْهِ فَقُبِلَ. كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. وَفَسَّرَهُ بِدَيْنٍ، فَعَلَى هَذَا: تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ، بِحَيْثُ لَوِ ادَّعَى تَلَفَهَا أَوْ رَدَّهَا قُبِلَ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ. أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ. صُدِّقَ نَصَّ عَلَيْهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 قُبِلَ مِنْهُ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. وَفَسَّرَهُ بِوَدِيعَةٍ، لَمْ يُقْبَلْ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ أَلْفٌ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ. ولو قَالَ: لَهُ مِنْ مَالِي، أَوْ في مالي، أو فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي، أَوْ نِصْفُ دَارِي هَذِهِ، وَإِنْ فَسَّرَهُ بِالْهِبَةِ، وَقَالَ: قد بَدَا لِي مِنْ تَقْبِيضِهِ. قُبِلَ، منه وَإِنْ قَالَ لَهُ: فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ لِظُهُورِ مُنَاقَضَتِهِ. قَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: إِنْ قَالَهُ مُنْفَصِلًا: وَكَذَا ظَنَنْتُهُ تَالِفًا، ثُمَّ عَلِمْتُ تَلَفَهُ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: لَا يُقْبَلُ هُنَا. وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُنَاقَضَةِ الْإِقْرَارِ وَالرُّجُوعِ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ. وَقَدَّمَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ إِذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ رَدَدْتُهَا إِلَيْهِ أَوْ تَلِفَتْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. وَفَسَّرَهُ بِوَدِيعَةٍ، لَمْ يُقْبَلْ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ عَلَيَّ لِلْإِيجَابِ فِي الذِّمَّةِ، وَالْإِقْرَارُ فِيهِ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَالَ: مَا عَلَى فُلَانٍ عَلَيَّ. كَانَ ضَامِنًا، فَإِذَا فَسَّرَهُ بِالْوَدِيعَةِ لَمْ يُقْبَلْ ; لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ يُنَاقِضُ ظَاهِرَ إِقْرَارِهِ. وَهَذَا إِذَا كَانَ التَّفْسِيرُ مُتَّصِلًا ; لِأَنَّ الْكَلَامَ بِآخِرِهِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ الْمُنْفَصِلُ كَالْمُتَّصِلِ، كَمَا لَوْ صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ، وَقَالَهُ مُضَارَبَةً أَوْ وَدِيعَةً. فَإِنْ زَادَ: بِالْمُتَّصِلِ وَقَدْ تَلِفَتْ. لَمْ يُقْبَلْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَهُ عَلَيَّ يَقْتَضِي أَنَّهَا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: وَقَدْ تَلِفَتْ. يَقْتَضِي أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ، فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ وَدِيعَةٍ، وَتَلِفَتُ. فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ لُزُومِ الْأَمَانَةِ ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ مَاضٍ فَلَا تَنَاقُضَ. وَإِنْ أَحْضَرَهُ وَقَالَ: هُوَ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ. فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: هَذَا وَدِيعَةٌ، وَالْمُقَرُّ بِهِ غَيْرُهُ، وَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْكَ. صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ: يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ. (وَلَوْ قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ أَلْفٌ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ) جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ ; لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ أَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحَقٌّ فِي الْمَالِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ. وَكَذَا إِنْ قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ، وَفِي هَذَهِ الدَّارِ نَصِفُهَا. فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِإِنْشَاءِ هِبَةٍ. (وَلَوْ قَالَ: لَهُ مِنْ مَالِي) أَوْ فِي مَالِي (أَوْ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي، أَوْ نِصْفُ دَارِي هَذِهِ) صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي التَّرْغِيبِ: الْمَشْهُورُ: لَا لِلتَّنَاقُضِ. فَلَوْ زَادَ: بِحَقٍّ لَزِمَنِي وَنَحْوَهُ. صَحَّ عَلَيْهِمَا، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ، (وَإِنْ فَسَّرَهُ بِالْهِبَةِ، وَقَالَ: قد بَدَا لِي مِنْ تَقْبِيضِهِ. قُبِلَ مِنْهُ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ; لِأَنَّ التَّفْسِيرَ يَصْلُحُ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَنَافٍ. وَكَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. ثُمَّ فَسَّرَهُ بِدَيْنٍ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: لَا يُقْبَلُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ مَاتَ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ، أَوْ رَجَعَ عَنْهُ، لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ. فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ نِصْفُ هَذِهِ الدَّارِ. فَهُوَ مُقِرٌّ بِنِصْفِهَا. وَإِنْ قَالَ: لَهُ هَذِهِ الدَّارُ عَارِيَةٌ. ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْعَارِيَةِ. وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَهَبَ   [المبدع في شرح المقنع] يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِي (لَهُ أَلْفٌ فِي مَالِي) : يَصِحُّ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبٍ سَابِقٍ، وَمِنْ مَالِي وَعْدٌ. قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ مِنْ وَالْفَاءِ فِي أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ إِقْرَارًا إِذَا أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ. فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ) لِأَنَّ ذَلِكَ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: لَهُ عَلَى أَبِي دَيْنُ كَذَا. وَفِي التَّرْغِيبِ: لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ أَوْ فِي هَذِهِ التَّرِكَةِ أَلْفٌ. صَحَّ. قَالَ: وَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكَهُ. فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: أَقَرَّ، وَكَانَ مِلْكَهُ إِلَى أَنْ أَقَرَّ. أَوْ قَالَ: هَذَا مِلْكِي إِلَى الْآنَ، وَهُوَ لِفُلَانٍ. فَبَاطِلٌ. وَلَوْ قَالَ: هُوَ لِفُلَانٍ، وَمَا زَالَ مِلْكِي إِلَى أَنْ أَقْرَرْتُ. لَزِمَهُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ نِصْفُ هَذِهِ الدَّارِ. فَهُوَ مُقِرٌّ بِنِصْفِهَا) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ هَذِهِ الدَّارُ عَارِيَةٌ. ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْعَارِيَةِ) لِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ. فَعَارِيَةٌ: بَدَلٌ مِنَ الدَّارِ، وَلَا تَكُونُ إِقْرَارًا بِالدَّارِ ; لِأَنَّهُ رَفَعَ بآخِرِ كَلَامَهُ مَا دَخَلَ فِي أَوَّلِهِ. وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الثَّانِي، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] ، فَالشَّهْرُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْقِتَالِ. فَعَلَى هَذَا: لَا تَثْبُتُ لَهُ الدَّارُ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ لَهُ مَنْفَعَتُهَا. فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَهُ الدَّارُ مَنْفَعَتُهَا. وَإِنْ قَالَ: لَهُ هَذِهِ الدَّارُ هِبَةٌ. عُمِلَ بِالْبَدَلِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الدَّارَ لَا تَشْتَمِلُ عَلَى الْهِبَةِ. لَكِنْ يُوَجَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِلْكِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَهُ الدَّارُ، إِقْرَارٌ بِالْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ يَشْتَمِلُ عَلَى مِلْكِ الْهِبَةِ، فَقَدْ أُبْدِلَ مِنَ الْمِلْكِ بَعْضُ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْهِبَةُ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَهُ مِلْكُ الدَّارِ هِبَةً. وَحِينَئِذٍ تُعْتَبَرُ شُرُوطُ الْهِبَةِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ ; لِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ ـ أَيْ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ـ مَنْعُ: لَهُ هَذِهِ الدَّارُ ثُلْثَاهَا. وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ صِحَّتَهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُهُ اسْتِثْنَاءً بَلْ بَدَلًا. وَإِنْ قَالَ: هِبَةُ سُكْنَى، أَوْ هِبَةٌ عَارِيَةٌ. عُمِلَ بِالْبَدَلِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ بُطْلَانُ الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا ; لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الرَّقَبَةَ وَبَقَاءَ الْمَنْفَعَةِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 أَوْ رَهَنَ وَأَقْبَضَ، أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَنْكَرَ وَقَالَ: مَا قَبَضْتُ وَلَا أَقْبَضْتُ. وَسَأَلَ إِحْلَافَ خَصْمِهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْمَبِيعَ لِغَيْرِهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَنْفَسِخِ الْبَيْعُ، وَلَزِمَتْهُ غَرَامَتُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَكَذَلِكَ إِنْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مِلْكِي، ثُمَّ مَلَكْتُهُ   [المبدع في شرح المقنع] وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا، فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ. [أَقَرَّ أَنَّهُ وَهَبَ أَوْ رَهَنَ وَأَقْبَضَ أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ] (وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَهَبَ أَوْ رَهَنَ وَأَقْبَضَ، أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَنْكَرَ وَقَالَ: مَا قَبَضْتُ وَلَا أَقْبَضْتُ. وَسَأَلَ إِحْلَافَ خَصْمِهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْمُغْنِي: إِحْدَاهُمَا: لَا يُسْتَحْلَفُ. نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ; لِأَنَّ دَعْوَاهُ مُكَذِّبٌ لِإِقْرَارِهِ فَلَا تُسْمَعُ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى مِنَ الْبَيِّنَةِ. وَلَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَحْلِفُوهُ لِي. لَمْ يُسْتَحْلَفْ، فَكَذَا هُنَا. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى. قَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ ; لِأَنَّهَا تَكُونُ شَهَادَةَ زُورٍ. فَعَلَى الْأُولَى: قَالَ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ: وَلَا يُشَبَّهُ مَنْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ وَادَّعَى تَلْجِئَةً إِنْ قُلْنَا: يُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ ادَّعَى مَعْنًى آخَرَ لَمْ يَنْفِ مَا أَقَرَّ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ أَقَرَّ بِمِلْكٍ ثُمَّ ادَّعَى شِرَاءَهُ قُبِلَ إِقْرَارُهُ: إِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مَا يُنَاقِضُ إِقْرَارَهُ إِلَّا مَعَ شُبْهَةٍ مُعْتَادَةٍ. فَرْعٌ: إِذَا أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إِقْبَاضٍ، ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَهُ، وَأَنَّهُ أَقَرَّ يَظُنُّ الصِّحَّةَ، لَمْ يُقْبَلْ. وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ. فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ هُوَ بِبُطْلَانِهِ. وَكَذَا إِنْ قُلْنَا بِرَدِّ الْيَمِينِ فَحَلَفَ الْمُقِرُّ، قَالَهُ ابْنُ حِمْدَانَ. [بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْمَبِيعَ لِغَيْرِهِ] (وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْمَبِيعَ لِغَيْرِهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى غَيْرِهِ ; وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ. (وَلَمْ يَنْفَسِخِ الْبَيْعُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الَّذِي صَدَرَ بَعْدَهُ مَرْدُودٌ، وَالْمَرْدُودُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي قَدْ تَعَلَّقَ بِالْمَبِيعِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِغَيْرِ رِضَاهُ، مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ. (وَلَزِمَتْهُ غَرَامَتُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ. (وَكَذَلِكَ إِنْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ) فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ. (وَإِنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مِلْكِيِ، ثُمَّ مَلَكْتُهُ بَعْدُ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ التُّهْمَةَ هُنَا أَكْثَرُ. (وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 بَعْدُ. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ قَالَ: قَبَضْتُ ثَمَنَ مِلْكِي. وَنَحْوَهُ، لَمْ يسمع بَيِّنَتُهُ أَيْضًا. فصل وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ زَيْدٍ، لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو أَوْ مَلَّكْتُهُ لِعَمْرٍو وَغَصَبْتُهُ مِنْ زِيدٍ. لَزِمَهُ دَفْعُهُ إِلَى زَيْدٍ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو. وَإِنْ قَالَ غَصَبْتُهُ مِنْ   [المبدع في شرح المقنع] قَبَضْتُ ثَمَنَ مِلْكِي. وَنَحْوَهُ، لَمْ يسمع بَيِّنَتُهُ أَيْضًا) لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِخِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ، فَهُوَ مُكَذِّبٌ لَهَا. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا إِذَا ادَّعَى بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّهُ كَانَ وَقْفًا عَلَيْهِ: فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ الْآنَ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: مَلَكْتُ هَذِهِ الْعَيْنَ مِنْ زَيْدٍ. فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِمِلْكِهَا، وَلَا يَحْكُمُ لَهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ تَصْدِيقِ زِيدٍ. وَإِنْ قَالَ: أَخَذْتُهَا مِنْ يَدِهِ. فَقَدِ اعْتَرَفَ لَهُ بِالْيَدِ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهَا إِلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ: مَلَكْتُهَا عَلَى يَدِهِ. لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا لَهُ بِالْيَدِ وَلَا بِالْمِلْكِ ; لِأَنَّهُ يُرِيدُ مُعَاوَنَتَهُ وَسِفَارَتَهُ. فَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا الَّذِي أَقْرَرْتُ لَكَ بِهِ. قَالَ: بَلْ هُوَ غَيْرُهُ. لَمْ يَلْزَمْ تَسْلِيمُهُ إِلَى الْمُقَرِّ لَهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ. وَيَحْلِفُ الْمُقِرُّ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ سِوَاهُ. فَإِنْ رَجَعَ الْمُقَرُّ لَهُ فَادَّعَاهُ، لَزِمَهُ دَفْعُهُ ; لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ. وَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: صَدَقْتَ، وَالَّذِي أَقْرَرْتَ بِهِ آخَرُ عِنْدِكَ. لَزِمَهُ تَسْلِيمُ هَذَا وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْآخَرِ. [فصل: قَالَ غَصَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ زَيْدٍ لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو] فصل (وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ زَيْدٍ، لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو) لَزِمَهُ دَفْعُهُ إِلَى زَيْدٍ ; لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِهِ. وَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ عَلَى مَا سَبَقَ. وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو؛ وَلِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ لِغَيْرِهِ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَضْرَبَ عَنِ الْأَوَّلِ وَأَثْبَتَ لِلثَّانِي، فَلَا يُقْبَلُ الْإِضْرَابُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ إِنْكَارٌ بَعْدَ إِقْرَارٍ. وَيُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّانِي ; لِأَنَّهُ لَا دَافِعَ لَهُ. فَإِذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْأَوَّلِ بِهِ، تَعَيَّنَ دَفْعُ الْقِيمَةِ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَغْرَمُ لِعَمْرٍو شَيْئًا. (أَوْ مَلَّكْتُهُ لِعَمْرٍو وَغَصَبْتُهُ مِنْ زَيْدٍ لَزِمَهُ دَفْعُهُ إِلَى زَيْدٍ) لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْيَدِ. (وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو) لِلْحَيْلُولَةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 أَحَدِهِمَا أخذ بِالتَّعْيِينِ. فَيَدْفَعُهُ إِلَى مَنْ عَيَّنَهُ لَهُ وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ. وَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ عَيْنَهُ. فَصَدَّقَاهُ انْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ، وَكَانَا خَصْمَيْنِ فِيهِ. وَإِنْ كَذَّبَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ فِي وَقْتَيْنِ، لَزِمَهُ أَلْفٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ، ثُمَّ   [المبدع في شرح المقنع] وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ لِعَمْرٍو شَيْئًا. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ; لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُ، إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَلَّكَهُ لِعَمْرٍو وَهُوَ فِي يَدِ زَيْدٍ بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إِلَى عَمْرٍو، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو أَوَّلًا لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ بِالْيَدِ لِزَيْدٍ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: هُوَ الْأَصَحُّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ: وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُهُ مِنْ زَيْدٍ، وَمَلَّكْتُهُ لِعَمْرٍو. وَأَخَذَهُ زَيْدٌ وَلَمْ يَضْمَنِ الْمُقِرُّ لِعَمْرٍو شَيْئًا. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: فِي الْأَشْهَرِ. فَائِدَةٌ: قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ، قَالَ لِآخَرَ: اسْتَوْدَعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ. قَالَ: صَدَقْتَ. ثُمَّ قَالَ: اسْتَوْدَعَنِيهِ رَجُلٌ آخَرُ. فَالثَّوْبُ لِلْأَوَّلِ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْآخَرِ. (وَإِنْ قَالَ غَصَبْتُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا أخذ بِالتَّعْيِينِ) لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ بِمُجْمَلٍ، وَمَنْ أَقَرَّ بِمُجْمَلٍ لَزِمَهُ الْبَيَانُ، ضَرُورَةَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى مَعْلُومٍ (فَيَدْفَعُهُ إِلَى مَنْ عَيَّنَهُ لَهُ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ. (وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ) إِنِ ادَّعَاهُ لِتَكُونَ الْيَمِينُ شَيْئًا لِثُبُوتِ رَدِّ الْعَبْدِ أَوْ بَدَلِهِ، وَلَا يَغْرَمُ لَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِشَيْءٍ. (وَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ عَيْنَهُ. فَصَدَّقَاهُ انْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مُسْتَحِقُّهُ. (وَكَانَا خَصْمَيْنِ فِيهِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِيهِ. (وَإِنْ كَذَّبَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ; لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَيُنْتَزَعُ مِنْ يَدِهِ. فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهُ بِهِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ حَلَفَ وَسُلِّمَ إِلَيْهِ. وَإِنْ بَيَّنَ الْغَاصِبُ بَعْدَ ذَلِكَ مَالِكَهَا، قُبِلَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ بَيَّنَهُ ابْتِدَاءً. وَيُحْتَمَلُ: أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْهُ. فَإِذَا حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا لَزِمَهُ دَفْعُهُ لِلْآخَرِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى تَعْيِينِهِ. وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ لَهُمَا، سُلِّمَتْ إِلَى أَحَدِهِمَا. (وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ فِي وَقْتَيْنِ، لَزِمَهُ أَلْفٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ فَرَسٍ، أَوْ قَرْضٍ، لَزِمَهُ أَلْفَانِ وَإِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِالتسوِيةِ، فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا، فَالْمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَالَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَاحِدٌ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنَ الزَّائِدِ، وَالْعُرْفُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَأَيْتُ زَيْدًا. ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ زَيْدًا. كَانَ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلَ، وَالرُّؤْيَةُ إِنَّمَا هِيَ الرُّؤْيَةُ أَوَّلًا. ونَظِيرُ ذَلِكَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ عَنْ إِرْسَالِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، وَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ، لَمْ تَكُنِ الْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى. (وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ فَرَسٍ، أَوْ قَرْضٍ، لَزِمَهُ أَلْفَانِ) لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا، كَقَوْلِهِ: رَأَيْتُ زَيْدًا الطَّوِيلَ. ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ زَيْدًا الْقَصِيرَ. لَمْ يَكُنِ الثَّانِي الْأَوَّلَ البَتَّةَ. وَكَذَا إِنْ ذَكَرَ مَا يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ، كَأَجَلَيْنِ لَهُمَا، أَوْ سَكَنَيْنِ، أَوْ صِفَتَيْنِ، لَزِمَهُ أَلْفَانِ. كَمَنْ قَالَ: قَبَضْتُ أَلْفًا يَوْمَ السَّبْتِ، وَأَلْفًا يَوْمَ الْأَحَدِ. بِخِلَافِ تَعَدُّدِ الْأَشْهَادِ. فَلَوْ قَيَّدَ أَحَدَهُمَا بِسَبَبٍ، وَأَطْلَقَ الْآخَرَ، حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَلَزِمَهُ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ مَعَ الْيَمِينِ. وَلَوْ شَهِدَ بِكُلِّ إِقْرَارٍ شَاهِدٌ، جُمِعَ قَوْلُهُمَا لِاتِّحَادِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ. وَلَا جَمْعَ فِي الْأَفْعَالِ. 1 - (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِالتسوِيةِ، فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا، فَالْمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا) فِي قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ ; لِاعْتِرَافِهِمَا أَنَّ الدَّارَ لَهُمَا مَشَاعَةٌ، فَالنِّصْفُ الْمُقَرُّ بَيْنَهُمَا كَالْبَاقِي. وَقَالَ الْقَاضِي ـ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ـ: إِنْ أَضَافَا الشَّرِكَةَ إِلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ مِنْ إِرْثٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَكُونَا قَبَضَاهَا بَعْدَ الْمِلْكِ لَهَا فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا اخْتَصَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْمُقَرِّ بِهِ ; لِأَنَّ نَصِيبَ كَلِّ مِنْهُمَا يَتَعَلَّقُ بِنَصِيبِ الْآخَرِ. بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ الْمِيرَاثُ طَعَامًا، فَهَلَكَ بَعْضُهُ أَوْ غُصِبَ، كَانَ الذَّاهِبُ بَيْنَهُمَا، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، فَكَذَا الْإِقْرَارُ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ مَنِ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ: النِّصْفُ لِي، وَالْبَاقِي أَجْهَلُ رَبَّهُ. أَخَذَ مَا ادَّعَى، وَفِي الْبَاقِي أَوْجُهٌ. وَمَنِ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ زَيْدٍ، فَأَقَرَّ بِهَا لِعَمْرٍو، وَكَذَّبَهُ عَمْرٌو ـ وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِكُلِّهَا ـ فَالْمُقَرُّ لَهُ مُقِرٌّ لِشَرِيكِهِ فِي الدَّعْوَى بِالنِّصْفِ. وَإِنْ كَانَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِالشَّرِكَةِ، بَلِ ادَّعَى كُلَّهَا خَاصَمَهُ فِي النِّصْفِ. فَإِنِ ادَّعَى عَلَى عَمْرٍو وَبَكْرٍ عَيْنًا فِي أَيْدِيهِمَا فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا، فَنَصِيبُهُ لَهُ. فَإِنْ صَالَحَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 مَرَضِ مَوْتِهِ: هَذِهِ الْأَلْفُ لُقَطَةٌ، فَتَصَدَّقُوا بِهِ. وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، لَزِمَ الْوَرَثَةَ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ، وَحُكِيَ عَنِ الْقَاضِي: أَنَّهُ تَلْزَمُهُمُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ. فصل إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ مِائَةً، فَادَّعَاهَا رَجُلٌ فَأَقَرَّ ابْنُهُ لَهُ بِهَا، ثُمَّ ادَّعَاهَا آخَرُ فَأَقَرَّ لَهُ، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا جَمِيعًا، فَهِيَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا وَحْدَهُ،   [المبدع في شرح المقنع] عَنْهُ بِمَالٍ صَحَّ. فَإِنْ طَلَبَ الْمُنْكِرُ الشُّفْعَةَ أَخَذَهَا إِنْ تَعَدَّدَ سَبَبُ مِلْكَيْهِمَا، وَإِنِ اتَّحَدَ فَوَجْهَانِ. 1 (وَإِنْ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: هَذِهِ الْأَلْفُ لُقَطَةٌ، فَتَصَدَّقُوا بِهِ. وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، لَزِمَ الْوَرَثَةَ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَالِهِ، فَالْأَمْرُ بِالصَّدَقَةِ بِهِ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إِلَّا الثُّلُثُ. وَظَاهِرُهُ: لَا فِرَقَ بَيْنَ أَنْ يُصَدِّقُوهُ أَوْ يُكَذِّبُوهُ. (وَحُكِيَ عَنِ الْقَاضِي: أَنَّهُ تَلْزَمُهُمُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ) هذا رِوَايَةٌ ; لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالصَّدَقَةِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى تَعَدِّيهِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُهُمُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إِقْرَارًا مِنْهُ لِغَيْرِ وَارِثٍ، فَيَجِبُ امْتِثَالُهُ. وَكَالْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ. وَلَوْ قَالَ فِيهَا لِوَكِيلِهِ: هَذِهِ الْأَلْفُ لُقَطَةٌ فَتَصَدَّقْ بِهَا. لَزِمَهُ. فَكَذَا إِذَا قَالَ فِي مَرَضِهِ. وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ ; لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي الْمَرَضِ يُفَارِقُ الْإِقْرَارَ فِي الصِّحَّةِ فِي أَشْيَاءَ. وَالْفَرْقُ: بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْوَرَثَةِ ; لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّ تَصَدُّقَهُمْ بِذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ ضَمَانِهِ عَلَيْهِمْ. وَجَزَمَ السَّامَرِّيُّ بِـ: إِنْ قُلْنَا، قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ، فَبِكُلِّهِ وَإِلَّا بِثُلُثِهِ إِنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ. فَرْعٌ: إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا أَوْ وَهَبَهُ وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، نَفَذَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ، وَلَمْ يُنْقَضَا بِإِقْرَارِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: بلى وَيُبَاعُ فِيهِ. وَإِنْ أَقَرَّ مَرِيضٌ بَدَيْنٍ ثُمَّ بِوَدِيعَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَرَبُّ الْوَدِيعَةِ أَحَقُّ بِهَا. [فصل مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ أَمَانَةً وَادَّعَاهَا رَجُلٌ] فصل (إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ مِائَةً، فَادَّعَاهَا رَجُلٌ فَأَقَرَّ ابْنُهُ لَهُ بِهَا، ثُمَّ ادَّعَاهَا آخَرُ فَأَقَرَّ لَهُ، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا وَلَا مُعَارِضَ لَهُ، فَوَجَبَ كَوْنُهَا لَهُ عَمَلًا بِالْإِقْرَارِ السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ. (وَيَغْرَمُهَا لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَلَزِمَهُ غَرَامَتُهَا لَهُ. كَمَا لَوْ شَهِدَ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا مَعًا، فَهِيَ بَيْنَهُمَا) لِتَسَاوِيهِمَا (وَإِنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا وَحْدَهُ، فَهِيَ لَهُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 فَهِيَ لَهُ وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ. وَإِنِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ مِائَةً دَيْنًا فَأَقَرَّ لَهُ، ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقَرَّ لَهُ. ولم يخلف الميت إلا مائة، فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَا فِي مَجْلِسَيْنِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَمِائَتَيْنِ، وَادَّعَى رَجُلٌ مِائَةً دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ، فَصَدَّقَهُ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، لَزِمَ الْمُقِرَّ نَصْفُهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فَيَحْلِفُ الْغَرِيمُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَيَأْخُذُ مِائَةً، وَتَكُونُ الْمِائَةُ الْبَاقِيَةُ بَيْنَ الِابْنَيْنِ، وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَعَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيِ الْقِيمَةِ، لَا يَمْلِكُ   [المبدع في شرح المقنع] لِإِقْرَارِهِ لَهُ، فَاخْتَصَّ بِهَا. (وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ) فِي الْأَصَحِّ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ، وَالْيَمِينُ طَرِيقُ ثُبُوتِ الْحَقِّ أَوْ بَدَلُهُ. وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ النُّكُولَ كَالْإِقْرَارِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ الْغُرْمُ، فَكَذَا إِذَا نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ. (وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ مِائَةً دَيْنًا) أَيْ: بِدَيْنٍ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ. (فَأَقَرَّ لَهُ، ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقَرَّ لَهُ) وَلَمْ يُخَلِّفِ الْمَيِّتُ إِلَّا مِائَةً (فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ حُكْمَ الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ حَكَمُ الْحَالَةِ الْوَاحِدَةِ. (وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي) ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَالسَّامَرِّيُّ وَالْمُؤَلِّفُ فِي الْكَافِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّ تَسَلُّمَهُ كُلَّهُ بِالْإِقْرَارِ، فَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ الْوَارِثِ بِمَا يُسْقِطُ حَقَّهُ ; لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَ الْأَزَجِيُّ احْتِمَالًا: يَشْتَرِكَانِ كَإِقْرَارِ مَرِيضٍ لَهُمَا. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: يَتَشَارَكَانِ إِنْ تَوَاصَلَ الْكَلَامُ بِالْإِقْرَارَيْنِ، وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَوَّلُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَتَشَارَكَانِ مُطْلَقًا كَإِقْرَارِ الْمَوْرُوثِ. وَالْفَرْقُ: أَنَّ إِقْرَارَ الْمَوْرُوثِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ، وَالْوَارِثُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُعَلِّقَ بِالتَّرِكَةِ دَيْنًا آخَرَ، وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي التَّرِكَةِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ قَضَاءَ الدَّيْنِ، بِخِلَافِ الْمَوْرُوثِ. 1 (وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَمِائَتَيْنِ، وَادَّعَى رَجُلٌ مِائَةً دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ، فَصَدَّقَهُ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، لَزِمَ الْمُقِرَّ نَصْفُهَا) مِنْ سَهْمِهِ ; لِأَنَّهُ يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ دَيْنِ أَبِيهِ، وَلِكَوْنِهِ لَا يَرِثُ إِلَّا نِصْفَ التَّرِكَةِ، فَلَزِمَهُ نِصْفُ الدَّيْنِ. كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ. وَيَحْلِفُ الْمُنْكِرُ وَيَبْرَأُ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فَيَحْلِفُ الْغَرِيمُ مَعَ شَهَادَتِهِ) وَلَوْ لَزِمَ الْمُقِرَّ جَمِيعُ الدَّيْنِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَخِيهِ ; لِكَوْنِهِ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا. (وَيَأْخُذُ مِائَةً) لِأَنَّ الْمَالَ ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. (وَتَكُونُ الْمِائَةُ الْبَاقِيَةُ بَيْنَ الِابْنَيْنِ) لِأَنَّهَا مِيرَاثٌ لَا تَعَلُّقَ لِأَحَدٍ بِهَا سِوَاهُمَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 غَيْرَهُمَا، فَقَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ: أَبِي أَعْتَقَ هَذَا فِي مَرَضِهِ. وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَعْتَقَ هَذَا الْآخَرَ. عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ، وَصَارَ لِكُلِّ ابْنٍ سُدُسُ العبد الَّذِي أَقَرَّ بِعِتْقِهِ، وَنِصْفُ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَبِي أَعْتَقَ هَذَا. وَقَالَ الْآخَرُ: أَبِي أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا، لَا أَدْرِي مَنْ مِنْهُمَا. أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى الَّذِي اعْتَرَفَ الِابْنُ بِعِتْقِهِ عَتَقَ مِنْهُ   [المبدع في شرح المقنع] تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ، إِلَّا ثُلُثَ مَا لِعَمْرٍو عَلَيَّ. وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ عَشَرَةٌ، إِلَّا رُبُعَ مَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ. فَخُذْ مُخْرَجَ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ اثْنَيْ عَشَرَ، أَسْقِطْ مِنْهُ أَحَدًا يَبْقَى أَحَدَ عَشَرَ، وَهُوَ الْجُزْءُ الْمَقْسُومُ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَسْقِطْ مِنَ الْمُخْرَجِ الثُّلُثَ أَرْبَعَةً، يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ. تَضْرِبُهَا فِي عَشَرَةٍ تَبْلُغُ ثَمَانِينَ. تَقْسِمُهَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ، تَخْرُجُ سَبْعَةٌ وَثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ، وَهُوَ دَيْنُ زَيْدٍ. ثُمَّ أَسْقِطْ مِنَ الْمُخْرَجِ رُبْعَهُ، يَبْقَى تِسْعَةٌ تَضْرِبُهَا فِي الْعَشَرَةِ، تَبْلَعُ تِسْعِينَ. تَقْسِمُهَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ تَخْرُجُ ثَمَانِيَةٌ وَجُزْءَانِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ، وَهُوَ دَيْنُ عَمْرٍو. مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَالَ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ، إِلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو عَلَيَّ. وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ عَشَرَةٌ، إِلَّا ثُلُثَ مَا لِزَيْدٍ. فَاجْعَلْ لِزَيْدٍ شَيْئًا وَلِعَمْرٍو عَشَرَةٌ، إِلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ. فَنِصْفُ دَيْنِ عَمْرٍو خَمْسَةٌ إِلَّا سُدُسَ شَيْءٍ، فَهَذَا يَعْدِلُ ثُلُثَيْ دَيْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ ثُلُثَا شَيْءٍ. فَاجْبُرِ الْخَمْسَةَ إِلَّا سُدُسَ شَيْءٍ بِسُدُسِ شَيْءٍ، وَزِدْ مِثْلَهُ عَلَى الشَّيْءِ، يَصِيرُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ شَيْءٍ، فَابْسُطِ الدَّرَاهِمَ الْخَمْسَةَ مِنْ جِنْسِهَا أَسْدَاسًا تَكُنْ ثُلُثَيْنِ. اقْسِمْهَا عَلَى الْخَمْسَةِ أَسْدَاسٍ تَخْرُجُ بِالْقِسْمَةِ سِتَّةٌ، وَهِيَ دَيْنُ زَيْدٍ. فَعُلِمَ أَنَّ الدَّيْنَ الْآخَرَ ثَمَانِيَةٌ ; لِأَنَّ السِّتَّةَ تَنْقُصُ عَنِ الْعَشَرَةِ بِنِصْفِ الثَّمَانِيَةِ. (وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَعَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيِ الْقِيمَةِ، لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا، فَقَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ: أَبِي أَعْتَقَ هَذَا فِي مَرَضِهِ. وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَعْتَقَ هَذَا الْآخَرَ. عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّهُ نِصْفُ الْعَبْدَيْنِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي عِتْقِ حَقِّهِ مِنَ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَهُوَ ثُلُثَا النِّصْفِ الَّذِي لَهُ، وَذَلِكَ الثُّلُثُ ; لِأَنَّهُ يَعْتَرِفُ بِحُرِّيَّةِ ثُلَثَيْهِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّهِ مِنْهُمَا وَهُوَ الثُّلُثُ، وَيَبْقَى الرِّقُّ فِي ثُلُثِهِ. فَلَهُ نِصْفُهُ وَهُوَ السُّدُسُ، وَنِصْفُ الْعَبْدِ الَّذِي يُنْكِرُ عِتْقَهُ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (وَصَارَ لِكُلِّ ابْنٍ سُدُسُ الْعَبْدِ الَّذِي أَقَرَّ بِعِتْقِهِ، وَنِصْفُ الْعَبْدِ الْآخَرِ) لِأَنَّ كُلَّ ابْنٍ يَمْلِكُ نِصْفَ كُلِّ عَبْدٍ، وَقَدْ عَتَقَ ثُلُثُ الَّذِي أَقَرَّ بِعِتْقِهِ، يَبْقَى سُدُسُهُ وَنِصْفُ الْآخَرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ. (وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَبِي أَعْتَقَ هَذَا. وَقَالَ الْآخَرُ: أَبِي أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا، لَا أَدْرِي مِنْ مِنْهُمَا. أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَأَقْرَعُ بَيْنَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً؛ وَلِأَنَّ الْقُرْعَةَ شُرِعَتْ لِلتَّمْيِيزِ وَلَا تَقُومُ مَقَامَ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ عِتْقُهُ. (فَإِنْ وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى الَّذِي اعْتَرَفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 ثُلُثَاهُ، إِنْ لَمْ يُجِيزَا عتقه كَامِلًا. وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْآخَرِ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ عَيَّنَا الْعِتْقَ فِي الْعَبْدِ الثَّانِي سَوَاءً. بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ، أَوْ كَذَا. قِيلَ لَهُ: فَسِّرْ. فَإِنْ أَبَى حُبِسَ حَتَّى   [المبدع في شرح المقنع] الِابْنُ بِعِتْقِهِ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثَاهُ) لِأَنَّهُ الثُّلُثُ كَمَا لَوْ عَيَّنَاهُ بِقَوْلِهِمَا (إِنْ لَمْ يُجِيزَا عتقه كَامِلًا) فَإِذَا أَجَازَاهُ عَتَقَ كُلُّهُ، عَمَلًا بِالْعِتْقِ السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ. (وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْآخَرِ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ عَيَّنَا الْعِتْقَ فِي الْعَبْدِ الثَّانِي سَوَاءً) لِأَنَّ الْقُرْعَةَ جَعَلَتْهُ مُسْتَحِقًّا لِلْعِتْقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِابْنِ الْمُدَّعِي عَدَمَ الْمَعْرِفَةِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَيَّنَهُ. فَعَلَى هَذَا: يُعْتَقُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَبْقَى سُدُسُ الْخَارِجِ بِالْقُرْعَةِ لِلَّذِي قَالَ: لَا أَدْرِي. وَنَصِفُهُ لِلِابْنِ الْآخَرِ، وَيَبْقَى نِصْفُ الْعَبْدِ الْآخَرِ لِلِابْنِ الَّذِي قَالَ: لَا أَدْرِي. وَسدس لِلْآخَرِ. فَإِنْ رَجَعَ الِابْنُ الَّذِي جَهِلَ عَيْنَ الْعِتْقِ فَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا، عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُهُ. وَهَلْ يُبْطُلُ الْعِتْقُ فِي الَّذِي عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. [بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ] [إِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ أَوْ كَذَا] بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ الْمُجْمَلُ: مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ، وَهُوَ نَقِيضُ الْمُبَيَّنِ، وَهُوَ مَا احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ فَصَاعِدًا عَلَى السَّوَاءِ. (إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ، أَوْ كَذَا) صَحَّ إِقْرَارُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَيُفَارِقُ الدَّعْوَى حَيْثُ لَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ ; لِكَوْنِ الدَّعْوَى لَهُ وَالْإِقْرَارُ عَلَيْهِ، فَلَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ مَعَ الْجَهَالَةِ دُونَ مَا لَهُ؛ وَلِأَنَّ الدَّعْوَى إِذَا لَمْ تَصِحَّ فَلَهُ تَحْرِيرُهَا، وَالْمُقِرُّ لَا دَاعٍ لَهُ إِلَى التَّحْرِيرِ، وَلَا يُؤْمَنُ رُجُوعُهُ عَنْ إِقْرَارِهِ فَأَلْزَمْنَا مَعَ الْجَهَالَةِ. وَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ كَالْمَعْلُومِ. (وَقِيلَ لَهُ: فَسِّرْ) أَيْ: يَلْزَمُهُ تَفْسِيرُهُ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. (فَإِنْ أَبَى حُبِسَ حَتَّى يُفَسِّرَ) أَيْ: إِذَا امْتَنَعَ مِنَ التَّفْسِيرِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُفَسِّرَ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ; لِأَنَّ التَّفْسِيرَ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ حُبِسَ عَلَيْهِ كَالْمَالِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 يُفَسِّرَ فَإِنْ مَاتَ أَخَذُوا إِرْثَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، إِنْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ شَيْئًا يُقْضَى مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَقِّ شُفْعَةٍ أَوْ مَالٍ، قُبِلَ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ، كَقِشْرِ جَوْزَةٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ خَمْرٍ، لَمْ يُقْبَلْ وَإِنْ فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْعَلُ نَاكِلًا وَيُؤْمَرُ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْبَيَانِ، فَإِنْ بَيَّنَ شَيْئًا، فَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ، ثَبَتَ. وَإِنْ كَذَّبَهُ وَامْتَنَعَ مِنَ الْبَيَانِ، قِيلَ لَهُ: إِنْ بَيَّنْتَ وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا، وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ. (فَإِنْ مَاتَ أَخَذُوا إِرْثَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، إِنْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ شَيْئًا يُقْضَى مِنْهُ) زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ: وَقُلْنَا: لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِحَدِّ قَذْفٍ ; لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ عَلَى مُوَرِّثِهِمْ، فَتَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا. (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: لَا يُؤَاخَذُ بِالتَّفْسِيرِ حَيْثُ لَمْ يُخَلِّفِ الْمَيِّتُ شَيْئًا يُقْضَى مِنْهُ ; لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَلْزَمُهُ وَفَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ إِذَا لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً كَمَا يَلْزَمُهُ فِي حَيَاتِهِ. وَعَنْهُ: إِنْ صَدَّقَ الْوَارِثُ مَوْرُوثَهُ فِي إِقْرَارِهِ، أُخِذَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: إِنْ أَبَى وَارِثٌ أَنْ يُفَسِّرَهُ، وَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ. حَلَفَ، وَلَزِمَهُ مِنَ التَّرِكَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، كَالْوَصِيَّةِ لَهُ بِشَيْءٍ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حكم الْمُقِرّ كَذَلِكَ ـ إِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَعْلَمَ ـ كَالْوَارِثِ. فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا، فَأَقَرَّ بِغَيْرِهِ صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ إِنْ صَدَّقَهُ، وَالدَّعْوَى بَاقِيَةٌ، (فَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَقِّ شُفْعَةٍ أَوْ مَالٍ، وَإِنْ قَلَّ، قُبِلَ) وَثَبَتَ ; لِأَنَّهُ يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، إِلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَيَدَّعِي جِنْسًا آخَرَ، أَوْ لَا يَدَّعِي شَيْئًا، فَيَبْطُلُ إِقْرَارُهُ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يُتَمَوَّلُ غَالِبًا. (وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ، كَقِشْرِ جَوْزَةٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ خَمْرٍ، لَمْ يُقْبَلْ) وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا لَا يُتَمَوَّلُ عَادَةً ; لِأَنَّ إِقْرَارَهُ اعْتِرَافٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ. فَإِذَا فَسَّرَهُ بِقِشْرِ جَوْزَةٍ أَوْ بَيْضَةٍ لَمْ يُقْبَلْ ; لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَأَمَّا الْمَيْتَةُ وَالْخَمْرُ فَلَيْسَا بِحَقٍّ عَلَيْهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَكَحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَزَجِيُّ، وَزَادَ: إِنَّهُ يَحَرُمُ أَخْذُهُ، وَيَجِبُ رَدُّهُ. . . وَإِنَّ قِلَّتَهُ لَا تَمْنَعُ طَلَبَهُ وَالْإِقْرَارَ بِهِ. وَالْأَشْهَرُ: لَا يُقْبَلُ بِرَدِّ سَلَامٍ وَتَشْمِيتِ عَاطِسٍ وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَإِجَابَةِ دَعْوَةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 قَالَ: غَصَبْتُه شَيْئًا. ثُمَّ فَسَّرَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ وَلَدِهِ، لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ   [المبدع في شرح المقنع] وَنَحْوِهِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا، وَلَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ إِذَا أَرَادَ حَقًّا عَلَى رَدِّ سَلَامِهِ إِذَا سَلَّمَ، وَتَشْمِيتِهِ إِذَا عَطَسَ، لِلْخَبَرِ. (وَإِنْ فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) : أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ. لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، فِي الْكَافِي غَيْرَهُ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، فِيهِ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْكَلْبُ شَيْءٌ يَجِبُ رَدُّهُ وَتَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ، فَالْإِيجَابُ يَتَنَاوَلُهُ. وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْإِقْرَارُ إِخْبَارٌ عَمَّا يَجِبُ ضَمَانُهُ، وَالْكَلْبُ لَا يَجِبُ ضَمَانُهُ. وَلَمْ يُفَرِّقِ الْمُؤَلِّفُ هُنَا فِي الْكَلْبِ بَيْنَ مَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ أَوْ يَحْرُمُ، وَكَذَا السَّامَرِّيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَالْمَذْهَبُ ـ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ ـ: أَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ يُبَاحُ نَفْعُهُ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لَمْ يُقْبَلْ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي جِلْدِ مَيْتَةٍ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: وَفِي مَيْتَةٍ. وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ الْخِلَافَ فِي كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ. (وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُهُ شَيْئًا. ثُمَّ فَسَّرَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ وَلَدِهِ، لَمْ يُقْبَلْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: فِي نَفْسِهِ ; لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى وَلَدِهِ؛ إِذِ الْغَصْبُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، وَإِنْ فَسَّرَهُ بِخَمْرٍ أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ أَوْ كَلْبٍ فِيهِ نَفْعٌ، قُبِلَ مِنْهُ. وَفِي الْوَلَدِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يُقْبَلُ. وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ إِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ قُبِلَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 عَظِيمٌ، أَوْ خَطِيرٌ، أَوْ كَثِيرٌ، أَوْ جَلِيلٌ، أو قليل. قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بالْكَثِيرِ والْقَلِيلِ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ. قُبِلَ تَفْسِيرُهَا بِثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ الْأَزَجِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ مُسْلِمًا، لَزِمَهُ إِرَاقَةُ الْخَمْرِ وَقَتْلُ الْخِنْزِيرِ. وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُكَ. ثُمَّ فَسَّرَهُ بِحَبْسِهِ وَسَجْنِهِ، قُبِلَ. وَفِي الْكَافِي: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَغْصِبُهُ نَفْسَهُ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: إِنْ قَالَ: غَصَبْتُكَ. وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، قُبِلَ بِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ عِنْدَ الْقَاضِي. قَالَ: وَعِنْدِي لَا ; لِأَنَّ الْغَصْبَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِمَا هُوَ مُلْتَزِمٌ شَرْعًا. [قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ أَوْ خَطِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ أَوْ قَلِيلٌ] (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ، أَوْ خَطِيرٌ، أَوْ كَثِيرٌ، أو جليل أَوْ قَلِيلٌ. قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِالْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ) مِنَ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِذَلِكَ فِي لُغَةٍ وَلَا شَرْعٍ وَلَا عُرْفٍ، وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ مَالٍ إِلَّا وَهُوَ عَظِيمٌ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دُونَهُ، وَيَتَوَجَّهُ الْعُرْفُ، وَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ، كَيَسِيرِ اللُّقَطَةِ وَالدَّمِ الْفَاحِشِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عُرْفُ الْمُتَكَلِّمِ، فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ عَلَى أَقَلِّ مُحْتَمَلَاتِهِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِي مَالٍ عَظِيمٍ نِصَابُ السَّرِقَةِ. وَقَالَ فِي خَطِيرٍ وَنَفِيسٍ: صِفَةٌ لَا يَجُوزُ إِلْغَاؤُهَا كَتَسْلِيمٍ. وَإِنْ قَالَ: عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ، قُبِلَ بِالْقَلِيلِ. وَإِنْ قَالَ: عَظِيمٌ عِنْدِي. احْتَمَلَ كَذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ: يُعْتَبَرُ حَالُهُ، فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ. وَلَمْ يَصِفْهُ، قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ مَا يُتَمَوَّلُ ; لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَقَعُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَعُرْفًا وَيُتَمَوَّلُ عَادَةً، فَقُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِ كَالْمَالِ الزَّكَوِيِّ. فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأُمِّ وَلَدٍ قُبِلَ. وَقَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: وَيُحْتَمَلُ رَدُّهُ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ. قُبِلَ تَفْسِيرُهَا بِثَلَاثَةٍ) كَدَرَاهِمَ. نَصَّ عَلَيْهِ. (فَصَاعِدًا) لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فَوْقَ الْعَشَرَةِ ; لِأَنَّهُ اللُّغَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا بُدَّ لِلْكَثْرَةِ مِنْ زِيَادَةٍ وَلَوْ دِرْهَمٍ، إِذْ لَا حَدَّ لِلْوَضْعِ. كَذَا قَالَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 دِرْهَمٌ، أَوْ كَذَا وَكَذَا، أَوْ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمٌ ـ بِالرَّفْعِ ـ. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ. وَإِنْ قَالَه بِالْخَفْضِ، لَزِمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: كَذَا دِرْهَمًا ـ بِالنَّصْبِ ـ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ.   [المبدع في شرح المقنع] وَفِي الْمَذْهَبِ: احْتِمَالُ تِسْعَةٍ ; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْقَلِيلِ، وَإِنْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِمَا يُوزَنُ بِالدَّرَاهِمِ عَادَةً كإِبْرَيْسَمٍ وَزَعْفَرَانَ، فَفِي قَبُولِهِ احْتِمَالَانِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ بَعْضُ الْعَشَرَةِ. فَسَّرَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهَا. وَإِنْ قَالَ: شَطْرُهَا، فَنِصْفُهَا. وَقِيلَ: مَا شَاءَ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٌ، أَوْ كَذَا وَكَذَا، أَوْ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمٌ ـ بِالرَّفْعِ ـ. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ ; لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ مَعَ عَدَمِ التَّكْرِيرِ شَيْءٌ هُوَ دِرْهَمٌ، فَيُجْعَلُ الدِّرْهَمُ بَدَلًا مِنْ كَذَا. وَالتَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ لَا يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ، كَأَنَّهُ قَالَ: شَيْءٌ شَيْءٌ هُوَ دِرْهَمٌ. فَالتَّكْرَارُ مَعَ الْوَاوِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: شَيْئَانِ هُمَا دِرْهَمٌ ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ شَيْئَيْنِ، ثُمَّ أَبْدَلَ مِنْهُمَا دِرْهَمًا، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: هُمَا دِرْهَمٌ. وَقَالَ التَّمِيمِيُّ: يَلْزَمُهُ مَعَ التَّكْرَارِ دِرْهَمَانِ. وَقِيلَ: دِرْهَمٌ وَبَعْضُ آخَرَ، وَيُفَسِّرُهُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهَذَا عِنْدِي إِذَا كَانَ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا لَزِمَهُ بِذَلِكَ دِرْهَمٌ. (وَإِنْ قَالَهُ بِالْخَفْضِ، لَزِمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ ; لِأَنَّ الدِّرْهَمَ مَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَهُ عَلَيَّ بَعْضُ دِرْهَمٍ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا كَرَّرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَضَافَ جُزْءًا إِلَى جُزْءٍ، ثُمَّ أَضَافَ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ إِلَى الدِّرْهَمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ. وَقِيلَ: يَجِبُ مَعَ التَّكْرَارِ بِالْوَاوِ دِرْهَمٌ وَبَعْضُ آخَرَ. وَقَالَ الْمَجْدُ: مَنْ جَهِلَ الْعَرَبِيَّةَ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ. قَالَ الْقَاضِي: الْإِقْرَارُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَرَبِيَّةُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَذَا دِرْهَمٌ. ـ بِالْخَفْضِ ـ لَمْ يَلْزَمْهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ ; لِكَوْنِهَا أَقَلَّ عَدَدٍ يُفَسَّرُ بِوَاحِدٍ مَخْفُوضٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 وَإِنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا ـ بِالنَّصْبِ ـ. فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. رُجِعَ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَجْنَاسٍ، قُبِلَ مِنْهُ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ، أَوْ أَلْفُ   [المبدع في شرح المقنع] قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنَّمَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْمِائَةُ ; لِأَنَّ إِقْرَارَهُ يَحْتَمِلُ الْمِائَةَ، وَيَحْتَمِلُ بَعْضَ دِرْهَمٍ، فَحُمِلَ عَلَى الْأَقَلِّ ; لِأَنَّهُ الْيَقِينُ. وَمَا زَادَ لَا يَلْزَمُهُ ; لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. (وَإِنْ قَالَ: كَذَا دِرْهَمًا ـ بِالنَّصْبِ ـ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) لِأَنَّ الدِّرْهَمَ وَقَعَ مُمَيِّزًا لِمَا قَبْلَهُ، وَالْمُمَيِّزُ مُفَسِّرٌ. وَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْقَطْعِ، كَأَنَّهُ قَطَعَ مَا ابْتَدَأَ بِهِ، وَأَقَرَّ بِدِرْهَمٍ. فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمْ ـ بِالْوَقْفِ ـ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِجُزْءِ دِرْهَمٌ، نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ ; لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَرَكَةَ الْجَرِّ لِلْوَقْفِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ. وَاخْتَارَ الْمجْدُ: إِنْ جَهِلَ الْعَرَبِيَّةَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي عَرَبِيٍّ كَذَا دِرْهَمًا: أَحَدَ عَشَرَ ; لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمَيِّزُهُ. (وَإِنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا ـ بِالنَّصْبِ ـ. فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ) وَهُوَ قَوْلٌ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ كَذَا يَحْتَمِلُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا عَطَفَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ فَسَّرَهُمَا بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، جَازَ وَكَانَ كَلَامًا صَحِيحًا. (وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَتَيْنِ فَسَّرَهُمَا بِدِرْهَمٍ، فَيَعُودُ التَّفْسِيرُ إِلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. لِقَوْلِهِ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَبَعْضُ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ تَفْسِيرًا لِمَا يَلِيهِ. وَالْأُولَى بَاقِيَةٌ عَلَى إِبْهَامِهَا، فَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهَا إِلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا. لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ ; لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ مُرَكَّبٍ يُفَسَّرُ بِالْوَاحِدِ. وَإِنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا. لَزِمَهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا ; لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ عُطِفَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَيُفَسَّرُ بِذَلِكَ. [قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ] (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. رُجِعَ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الدَّرَاهِمَ أَوِ الدَّنَانِيرَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. فَفِي الْأَلْفِ إِبْهَامٌ كَالشَّيْءِ. (فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَجْنَاسٍ، قُبِلَ مِنْهُ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ. وَفِي نَحْوِ: كِلَابٍ، وَجْهَانِ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ، أَوْ أَلْفُ ثَوْبٍ، أَوْ فَرَسٍ، أَوْ دِرْهَمٌ وَأَلِفٌ، أَوْ دِينَارٌ وَأَلْفٌ. فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي: الْأَلْفُ مِنْ جِنْسِ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ) قَدَّمَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 ثَوْبٍ، أَوْ فَرَسٍ، أَوْ دِرْهَمٌ وَأَلْفٌ، أَوْ دِينَارٌ وَأَلْفٌ. فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي: الْأَلْفُ مِنْ جِنْسِ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ. وَقَالَ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ: يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إِلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ خَمْسُونَ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ. فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ. وَيُحْتَمَلُ عَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ أَنْ يُرْجَعَ فِي   [المبدع في شرح المقنع] فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ مُبْهَمًا مَعَ مُفَسَّرٍ، فَكَانَ الْمُبْهَمُ مِنْ جِنْسِ الْمُفَسَّرِ، كَمَا لَوْ قَالَ: مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَكْتَفِي بِتَفْسِيرِ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ عَنِ الْأُخْرَى. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25] . وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: مِنْ جِنْسِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ. لَكَانَ أَوْلَى. (وَقَالَ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ: يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إِلَيْهِ) وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ الْعَطْفَ لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ فِي الْجِنْسِ، كَقَوْلِكَ: رَأَيْتُ رَجُلًا وَحِمَارًا؛ وَلِأَنَّ الْأَلْفَ مُبْهَمٌ، فَرُجِعَ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُعْطَفْ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: عَنِ التَّمِيمِيِّ أَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَى تَفْسِيرِهِ مَعَ الْعَطْفِ، دُونَ التَّمْيِيزِ وَالْإِضَافَةِ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ خَمْسُونَ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ. فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَحَكَاهُ عَنِ التَّمِيمِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ ; لِأَنَّ الْمُفَسَّرَ إِذَا تَعَقَّبَ أَشْيَاءَ رَجَعَ إِلَى جَمِيعِهَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: 23] ، و {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف: 4] . وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا: أَنَّ الدَّرَاهِمَ ذُكِرَ هُنَا تَفْسِيرًا، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْعَدَدِ. وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا ذِكْرٌ لِلْإِيجَابِ، وَلِهَذَا تَجِبُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْأَلْفِ. كَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ. (وَيُحْتَمَلُ عَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ أَنْ يُرْجَعَ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إِلَيْهِ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إِلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا دِرْهَمًا. فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ. وإذا قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ شِرْكٌ، أَوْ هُوَ شَرِيكِي فِيهِ، أَوْ هُوَ شَرِكَةٌ بَيْنَنَا. رُجِعَ فِي تَفْسِيرِه نَصِيبِ الشَّرِيكِ إِلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مال فُلَانٍ. قِيلَ لَهُ: فَسِّرْ فَإِنْ   [المبدع في شرح المقنع] وَصَحَّحَهُ السَّامَرِّيُّ ; لِأَنَّ الْإِبْهَامَ فِيهِ وَاقِعٌ، أَشْبَهَ قَوْلَهُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ. (فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا دِرْهَمًا. فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ) اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الصَّحِيحَ مَا كَانَ مِنَ الْجِنْسِ. وَقَالَ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ: يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْأَلْفَ مُبْهَمٌ وَالدِّرْهَمُ لَمْ يُذْكَرْ تَفْسِيرًا لَهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنِ الْعَرَبِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْإِثْبَاتِ إِلَّا مِنَ الْجِنْسِ، فَمَتَى عُلِمَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ عُلِمَ أَنَّ الْآخَرَ مِنْ جِنْسِهِ، كَمَا لَوْ عُلِمَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَعَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ: إِنْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِ الْجِنْسِ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا. فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ تَفْسِيرًا إِلَّا لِمَا يَلِيهِ. وَإِنْ قَالَ: تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا. فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا شَيْئًا. قُبِلَ تَفْسِيرُهُ عَلَى مَا دُونُ النِّصْفِ. وَكَذَا إِنْ قَالَ: إِلَّا قَلِيلًا. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مُعْظَمُ الْأَلْفِ أَوْ جُلُّهَا. لَزِمَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ، وَيَحْلِفُ عَلَى الزِّيَادَةِ إِذَا ادُّعِيَتْ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. [قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ شِرْكٌ أَوْ هُوَ شَرِيكِي فِيهِ أَوْ هُوَ شَرِكَةٌ] (وَإِذَا قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ شِرْكٌ، أَوْ هُوَ شَرِيكِي فِيهِ، أَوْ هُوَ شَرِكَةٌ بَيْنَنَا. رُجِعَ فِي تَفْسِيرِه نَصِيبِ الشَّرِيكِ إِلَيْهِ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقَعُ عَلَى النِّصْفِ تَارَةً وَعَلَى غَيْرِهِ أُخْرَى. وَمَتَّى تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا، رُجِعَ فِي التَّفْسِيرِ إِلَيْهِ بِأَيِّ جُزْءٍ كَانَ لَهُ فِي شَرِكَةٍ، فَكَانَ لَهُ تَفْسِيرُهُ بِمَا شَاءَ كَالنِّصْفِ وَلَيْسَ إِطْلَاقُهُ عَلَى مَا دُونَ النِّصْفِ مَجَازًا وَلَا مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ. وَإِنْ قَالَ: هُوَ لِي وَلَهُ، أَوْ قَدْ أَشْرَكْتُهُ فِيهِ. فَكَذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ فِيهِ سَهْمٌ. فَكَذَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ. وَجَعَلَهُ الْقَاضِي سُدُسًا كَالْوَصِيَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ. قِيلَ لَهُ: فَسِّرْ) لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ مَجْهُولٌ. (فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ قَدْرًا، قُبِلَ، وَإِنْ قَلَّ) كَحَبَّةِ بُرٍّ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّ مَنْ رُجِعَ إِلَى تَفْسِيرِهِ قُبِلَ مِنْهُ مَا فَسَّرَهُ بِهِ. (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَكْثَرَ بَقَاءً وَنَفْعًا ; لِأَنَّ الْحَلَالَ أَنْفَعُ مِنَ الْحَرَامِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 فَسَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ قَدْرًا، قُبِلَ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَكْثَرَ بَقَاءً وَنَفْعًا ; لِأَنَّ الْحَلَالَ أَنْفَعُ مِنَ الْحَرَامِ. قُبِلَ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ عَلِمَ مَالَ فُلَانٍ، أَوْ جَهِلَهُ، أَوْ ذَكَرَ قَدْرَهُ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ قَدْرًا بِكُلِّ حَالٍ. وَإِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا، فَقَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِكَ. وَقَالَ: أَرَدْتُ التَّهَزُّؤَ. لَزِمَهُ حَقٌّ لَهُمَا، يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِي الْآخَرِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.   [المبدع في شرح المقنع] قُبِلَ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَذِبُهُ. (سَوَاءٌ عَلِمَ مَالَ فُلَانٍ، أَوْ جَهِلَهُ، أَوْ ذَكَرَ قَدْرَهُ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ) جَزَمَ بِهِ السَّامَرِّيُّ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ قَدْرًا بِكُلِّ حَالٍ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ الْأَوْلَى ; لِأَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ السَّابِقِ إِلَى الْفَهْمِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ، وَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ بِمَا دُونَهَا. وَقَدَّمَ فِي الشَّرْحِ: إِنْ فَسَّرَهُ بِأَقَلَّ مِنْ مَالِهِ ـ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مَالُهُ ـ لَا يُقْبَلُ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ مِثْلُ مَا فِي يَدِ زَيْدٍ. لَزِمَهُ مِثْلُهُ. وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ. فَقَالَ: عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْهَا. لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَيُفَسِّرُهُ. وَخَالَفَ الْمُؤَلِّفُ فِيهَا. وَهُوَ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ لَفْظَةَ أَكْثَرَ إِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً فِي الْعَدَدِ أَوِ الْقَدْرِ، وَتَنْصَرِفُ إِلَى جِنْسِ مَا أُضِيفَتْ إِلَيْهِ، لَا يُفْهَمُ مِنْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ غَيْرُ ذَلِكَ. فَرْعٌ: ذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ: إِذَا قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ. فَقَالَ: لَكَ عَلَيَّ مِنَ الذَّهَبِ أَكْثَرُ. فَسَّرَ الْأَكْثَرَ وَنَوْعَ الذَّهَبِ. وَإِنْ قَالَ: أَكْثَرُ عَدَدًا. صُدِّقَ فِي قَدْرِ الْأَكْثَرِ، وَنَوْعِ الذَّهَبِ مِنْ جِيدٍ وَرَدِيءٍ وَتِبْرٍ وَمَضْرُوبٍ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَوْ قَالَ: مَا عَلِمْتُ لِفُلَانٍ أَكْثَرُ مِنْ كَذَا. وَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ ; لِأَنَّ مَبْلَغَ الْمَالِ حَقِيقَةً لَا يُعْرَفُ فِي الْأَكْثَرِ. [ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا] (وَإِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا، فَقَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِكَ. وَقَالَ: أَرَدْتُ التَّهَزُّؤَ. لَزِمَهُ حَقٌّ لَهُمَا، يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِحَقٍّ مَوْصُوفٍ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا لِلْمُدَّعِي، فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِفُلَانٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 فصل: وَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ. لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ. وَإِنْ قَالَ: مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ. لَزِمَهُ تِسْعَةٌ. وَيُحْتَمَلُ: أَنْ يَلْزَمَهُ عَشَرَةٌ وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ، أَوْ فَوْقَهُ، أَوْ تَحْتَهُ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ،   [المبدع في شرح المقنع] وَيَجِبُ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ ; لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ. (وَفِي الْآخَرِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ حَقُّكَ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهِ، وَالْحَقُّ لَا يَخْتَصُّ الْمَالَ. قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَإِرَادَةُ التَّهَزُّئِ دَعْوَى تَتَضَمَّنُ الرُّجُوعَ عَنِ الْإِقْرَارِ، فَلَا تُقْبَلُ. [فصل قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ] فصل. (وَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ. لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَا بَيْنَهُمَا. وَكَذَا إِنْ عَرَّفَهُمَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ. (وَإِنْ قَالَ: مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ. لَزِمَهُ تِسْعَةٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَأَوَّلُ الْغَايَةِ مِنْهَا. وَإِلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ. وَلَا يُقَالُ فِيهَا: كَـ: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] . وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَالْعَاشِرَ حَدَّانِ فَلَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِقْرَارِ، فَيَلْزَمُهُ مَا بَيْنَهُمَا. (وَيُحْتَمَلُ: أَنْ يَلْزَمَهُ عَشَرَةٌ) هَذَا رِوَايَةٌ فِي الْوَسِيلَةِ، قَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ ; لِأَنَّ الْعَاشِرَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ، فَيَدْخُلُ فِيهَا كَالْأَوَّلِ. وَكَمَا لَوْ قَالَ: قَرَأَتُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: الْعَشَرَةُ حَدٌّ، هَلْ تَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا. إِذَا حَلَفَ لَا كَلَّمْتُكَ إِلَى الْعِيدِ. وَكَذَا الْخِلَافُ إِذَا قَالَ: مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ هُنَا ثَمَانِيَةٌ. وَإِنْ أَرَادَ مَجْمُوعَ الْأَعْدَادِ فَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ أَوَّلُ الْعَدَدِ وَهُوَ وَاحِدٌ عَلَى الْعَشَرَةِ، فَيَصِيرُ أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ اضْرِبْهَا فِي نِصْفِ الْعَشَرَةِ تَبْلُغُ ذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ: مَا بَيْنَ عَشَرَةٍ إِلَى عِشْرِينَ، أَوْ مِنْ عَشَرَةٍ إِلَى عِشْرِينَ. لَزِمَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ، عَلَى الْأَوَّلِ. وَعِشْرِينَ، عَلَى الثَّالِثِ. وَقِيَاسُ الثَّانِي: تِسْعَةٌ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ قَالَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 414 أَوْ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ أَوْ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ، لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ لَكِنْ دِرْهَمٌ. فَهَلْ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو   [المبدع في شرح المقنع] لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ، أَوْ فَوْقَهُ، أَوْ تَحْتَهُ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ) لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. فقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ مَقْرُونٍ بِآخِرَ، فَلَزِمَاهُ كَالْعَطْفِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فَوْقَ دِرْهَمٍ أَوْ تَحْتَهُ فِي الْجَوْدَةِ، وَيُحْتَمَلُ مَعَهُ أَوْ مَعَ دِرْهَمٍ لِي، فَلَمْ يَجِبِ الزَّائِدُ بِالِاحْتِمَالِ. فَلَوْ قَالَ: قَبْلَهُ دِرْهَمٌ وَبَعْدَهُ دِرْهَمٌ. لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّ قَبْلَ وَبَعْدَ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْوُجُوبِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: قَبْلَ دِرْهَمٍ أَوْ بَعْدَ دِرْهَمٍ. فَاحْتِمَالَانِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. (ودِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ) لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ زَادَ: وَجْهًا وَاحِدًا ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَفَى الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدٍ وَأَثْبَتَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: دِرْهَمٌ بَلْ أَكْثَرُ. فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ اثْنَانِ. وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَدَاوُدَ. (أَوْ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِمَا، وَإِضْرَابُهُ عَنْهُمَا لَا يَصِحُّ. وَإِنَّمَا لَمْ تَلْزَمْهُ الثَّلَاثَةُ ; لِأَنَّ الثَّالِثَ يَصْلُحُ أَنْ يَدْخُلَ فِيمَا قَبْلَهُ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ لَكِنْ دِرْهَمٌ. فَهَلْ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ) : أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، لَا بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ: لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا وَاحِدَةً. وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِأَثَرٍ مِنْ دِرْهَمٍ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; حَمْلًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الْفَائِدَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ؛ وَلِأَنَّهُ أَضْرَبَ عَنِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةً، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِضْرَابِهِ، وَأَثْبَتَ الثَّانِي مَعَهُ. وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ بَلْ ثَلَاثَةٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 بَكْرٍ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ هَذَا الدِّرْهَمُ، بَلْ هَذَانِ الدِّرْهَمَانِ. لَزِمَتْهُ الثَّلَاثَةُ. وَإِنْ قَالَ: قَفِيزُ حِنْطَةٍ، بَلْ قَفِيزُ شَعِيرٍ. أَوْ دِرْهَمٌ، بَلْ دِينَارٌ. لَزِمَاهُ مَعًا. وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ من عَشَرَةٍ. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحِسَابَ فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ. مسائل وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي تَمْرٌ فِي جِرَابٍ، أَوْ سِكِّينٌ فِي قِرَابٍ، أَوْ ثَوْبٌ فِي   [المبدع في شرح المقنع] وَجَبَ ثَلَاثَةٌ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ هَذَا الدِّرْهَمُ، بَلْ هَذَانِ الدِّرْهَمَانِ. لَزِمَتْهُ الثَّلَاثَةُ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ الَّذِي أُضْرِبَ عَنْهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ وَلَا بَعْضَهُ، لَزِمَهُ الْجَمِيعُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُقِرًّا بِهِمَا، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُمَا، فَلَزِمَاهُ. (وَإِنْ قَالَ: قَفِيزُ حِنْطَةٍ، بَلْ قَفِيزُ شَعِيرٍ. أَوْ دِرْهَمٌ، بَلْ دِينَارٌ. لَزِمَاهُ مَعًا) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَكِلَاهُمَا مُقِرٌّ بِهِ. وَالْإِضْرَابُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِضْرَابَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الشَّعِيرُ وَالدِّينَارُ لِلْإِضْرَابِ عَنِ الْأَوَّلِ. (وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِهِ. وَقَوْلُهُ: (فِي دِينَارٍ) لَا يَحْتَمِلُ الْحِسَابَ. فَإِنْ أَرَادَ الْعَطْفَ أَوْ مَعْنَى مَعَ لَزِمَاهُ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِالسَّلَمِ فَصَدَّقَهُ، بَطَلَ إِنْ تَفَرَّقَا عَنِ الْمَجْلِسِ. وَإِنْ قَالَ: ثَوْبٌ قَبَضْتُهُ فِي دِرْهَمٍ إِلَى شَهْرٍ. فَالثَّوْبُ مَالُ السَّلَمِ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ، فَيَلْزَمُهُ الدِّرْهَمُ. (وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) أَيْ: إِذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُخَالِفْهُ عُرْفٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: فِي عَشَرَةٍ لِي. فَإِنْ خَالَفَهُ عُرْفٌ، فَفِي لُزُومِهِ مُقْتَضَاهُ وَجْهَانِ. (إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحِسَابَ فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحِسَابِ. وَإِنْ أَرَادَ مَعَ عَشَرَةٍ، لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ فَلَا يُقْبَلُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، أَوْ يُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْتَنَعُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ اصْطِلَاحُ الْعَامَّةِ. فِيهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. [مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ] مَسَائِلُ. إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ، أَوْ ثُمَّ دِرْهَمٌ. لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. وَقِيلَ: إِذَا قَالَ: دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أَرَدْتُ، لَازِمٌ لِي أَنَّهُ يُقْبَلُ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْفَاءَ مِنْ حُرُوفِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 مِنْدِيلٍ، أَوْ عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ، أَوْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ. فَهَلْ يَكُونُ مُقِرًّا بِالظَّرْفِ وَالْعِمَامَةِ وَالسَّرْجِ؛ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي خَاتَمٌ فِيهِ فَصٌّ. كَانَ مُقِرًّا   [المبدع في شرح المقنع] الْعَطْفِ كَالْوَاوِ وَثُمَّ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ فَاقْتَضَى ثُبُوتَهُمَا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ. أَوْ رَتَّبَ بِثُمَّ، لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ غَيْرَ الثَّانِي، وَالثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَالْإِقْرَارُ لَا يَقْتَضِي تَأْكِيدًا، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْعَدَدِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ بِالثَّالِثِ تَكْرَارَ الثَّانِي وَتَوْكِيدَهُ، صُدِّقَ وَوَجَبَ اثْنَانِ، وَإِنْ أَرَادَ تَكْرَارَ الْأَوَّلِ وَتَوْكِيدَهُ، فَلَا. وَكَذَا إِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ. فَيَجِبُ مَعَ الْإِطْلَاقِ ثَلَاثَةٌ. ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَالسَّامَرِّيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، كَقَوْلِهِ: ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. وَقِيلَ: دِرْهَمَانِ. وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، ثُمَّ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ، فَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ، فَدِرْهَمٌ. لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ مُغَايِرٌ لِلثَّانِي فَلَمْ يَحْتَمِلِ التَّأْكِيدَ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي تَمْرٌ فِي جِرَابٍ، أَوْ سِكِّينٌ فِي قِرَابٍ، أَوْ ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ، أَوْ عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ، أَوْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ. فَهَلْ يَكُونُ مُقِرًّا بِالظَّرْفِ وَالْعِمَامَةِ وَالسَّرْجِ؛ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) : أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمَظْرُوفِ فَقَطْ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ لَمْ يَتَنَاوَلِ الظَّرْفَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي ظَرْفٍ لِلْمُقِرِّ، وَكَجَنِينٍ فِي جَارِيَةٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي بَيْتٍ. الثَّانِي: يَكُونُ مُقِرًّا بِالثَّانِي كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي سِيَاقِ الْإِقْرَارِ، أَشْبَهَ الْمَظْرُوفَ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا إِذَا قَالَ: عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ: يَكُونُ مُقِرًّا بِهِمَا. وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: غَصَبْتُ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ، أَوْ زَيْتًا فِي زِقٍّ أَوْ دَرَاهِمَ فِي كِيسٍ أَوْ فِي صُنْدُوقٍ. وَقِيلَ: إِنْ قَدَّمَ الْمَظْرُوفَ فَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فَهُوَ مُقِرٌّ بِظَرْفِهِ. وَقِيلَ: مُقِرٌّ بِالْعِمَامَةِ دُونَ السَّرْجِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 بِهِمَا. وَإِنْ قَالَ: فَصٌّ فِي خَاتَمٍ. احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ. لَزِمَهُ أَحَدُهُمَا يُرْجَعُ فِي تَعْيِينِهِ إِلَيْهِ.   [المبدع في شرح المقنع] فَأَمَّا إِنْ قَالَ: عَبْدٌ بِعِمَامَةٍ، أَوْ بِعِمَامَتِهِ، أَوْ دَابَّةٌ بِسَرْجٍ، أَوْ بِسَرْجِهَا، أَوْ سَيْفٌ بِقِرَابٍ، أَوْ قِرَابِهِ. لَزِمَهُ مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تُعَلِّقُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ. فَإِنْ قَالَ: فِي يَدِي دَارٌ مَفْرُوشَةٌ. فَوَجْهَانِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي دَابَّةٌ فِي إِصْطَبْلٍ. فَقَدْ أَقَرَّ بِالدَّابَّةِ وَحْدَهَا. وَإِنْ قَالَ: لَهُ الْأَلْفُ الَّذِي فِي الْكِيسِ. فَهُوَ مُقِرٌّ بِهَا دُونَ الْكِيسِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ لَزِمَاهُ فِي الْأَقْيَسِ. وَإِنْ نَقَصَ يُتِمُّهُ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي خَاتَمٌ فِيهِ فَصٌّ. كَانَ مُقِرًّا بِهِمَا) ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ ; لِأَنَّ الْفَصَّ جُزْءٌ مِنَ الْخَاتَمِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِيهِ عَلَمٌ. وَإِنْ قَالَ: خَاتَمٌ وَأَطْلَقَ، لَزِمَاهُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ. وَفِيهِمَا وَجْهٌ. (وَإِنْ قَالَ: فَصٌّ فِي خَاتَمٍ. احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) كَـ: عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ. لَزِمَهُ أَحَدُهُمَا) لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. (يُرْجَعُ فِي تَعْيِينِهِ إِلَيْهِ) كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ. فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِنَخْلَةٍ لَمْ يُقِرَّ بِأَرْضِهَا، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهَا، وَثَمَرَتُهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ. وَفِي الِانْتِصَارِ: احْتِمَالٌ كَالْبَيْعِ. قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ أَقَرَّ بِهَا: هِيَ لَهُ بِأَصْلِهَا. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَرْضَهَا، وَيُحْتَمَلُ لَا. وَعَلَيْهِمَا: يَخْرُجُ هَلْ لَهُ إِعَادَةُ غَيْرِهَا؟ فَإِنْ سَقَطَتْ أَوْ قَلَعَهَا رَبُّهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعُهَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. تَمَّ الشَّرْحُ الْمُبَارَكُ الْمُسَمَّى بـ الْمُبْدِعِ شَرْحِ الْمُقْنِعِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ، عَلَى يَدِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى: مُوسَى بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْكِنَانِيِّ الْمَقْدِسِيِّ الْحَنْبَلِيِّ. غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَنْ دَعَا لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ بِتَارِيخِ سَادِسَ عَشَرَ شَهْرَ صَفَرٍ الْخَيْرِ مِنْ شُهُورِ سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، أَحْسَنَ اللَّهُ تَقَضِّيهَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ آمِينَ. وَكَانَ ذَلِكَ بِمَدْرَسَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي عُمَرَ ـ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ ـ بِصَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ، آمنَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سَائِرِ الْمَخَافَاتِ آمِينَ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418